نهاية المطلب في دراية المذهب

 [باب] السّواك (1)
قال الشافعي: " وأحب السواك للصلاة ... إلى آخر الباب " (2)
56 - استعمال السواك مستحب. وفيه أخبار صحيحة تدل على أنه سنّة مؤكدةٌ.
منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " (3). وقال: " السواك مطهرة للفم مرضاة للرّب " (4).
ثم الكلام في آلة السواك، ووقته، وكيفيته.
57 - فأما آلة السواك، فقضبان الأشجار أو عروقها، بها استاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلفُ الصالحون، وظَهر أن الغرض من استعمال السواك إزالة قَلَحِ (5) الأسنان.
__________
(1) في الأصل: "كتاب" والمثبت من (م)، (ل)؛ رعاية لعبارة الإمام نفسه.
(2) ر. مختصر المزني: 1/ 4.
(3) حديث: "لولا أن اشق على أمتي .. " متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (البخاري: الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، ح 887 والتمني، باب ما يجوز من الَّلوِّ، ح 7240، مسلم: الطهارة، باب السواك، ح 252). وفي رواية لمالك، ولأحمد (واللفظ له): "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" (الموطأ: 1/ 66 ح115، وأحمد: 2/ 256، والبيهقي: 1/ 35).
(4) حديث: " السواك مطهرة ... " صحيح رواه أحمد في مسنده: 6/ 47، 62، 124، 146، 238، والشافعي في الأم: 1/ 20، والنسائي: الطهارة، باب الترغيب في السواك، ح 5، وابن حبان: 2/ 201 - حديث: 1064، والبيهقي: 1/ 34، وعلقه البخاري في صحيحه: 4/ 187 مجزوماً به (ر. تلخيص الحبير: 1/ 99 ح 63، إِرواء الغليل: 1/ 105، نيل الأوطار: 1/ 125).
(5) القَلَح: تغيّر الأسنان بصفرة وخضرة تعلوها. من قَلِحت تقلَح، من باب طرب.

(1/47)


قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما لكم تدخلون عليّ قُلحاً!! استاكوا " (1).
ومما يتعيّن الاعتناء به في القواعد، أن من الأصول ما يغلب التعبد فيه، وإن ذكر فيه معنى على بعد، لم يقع في رتبة الجليّات، ومنها - ما يظهر المقصود فيه، ولكنه نُقل مع آلةٍ مخصوصةٍ. فأما ما يقع (2) التعبد فيه، فإنه يختص بالآلة المنقولة، كطهارة الحدث، فإنها مختصة بالماء.
ورأى الشافعي أن يُلحِق إزالةَ النجاسة بطهارة الحدث، مع ظهور المعنى المقصودِ فيها؛ فقال بتعيّن الآلة في إزالتها.
وأما الاستنجاء بالأحجار، فالغرض منه ظاهرٌ وهو قلع عين النجاسة، فلمّا ظهر المقصودُ، لم يختصّ بآلة، بل قيل: كل عين طاهرة منشِّفة غير محترمة؛ فهي صالحة للاستنجاء، فالاستياك عندي في معنى الاستجمار، فالغرض منه إزالة القَلَح، إما بقضبان الأشجار، أو خرقةٍ خشنة. وفيه فيما أظن تثوّبٌ (3) خفي من التعبد؛ فإن من تمضمض بغاسول قلاعٍ، فأزال قَلَح أسنانه، فما أراه مقيماً سنةَ الاستياك، وليس ذلك عريّاً عن احتمالٍ بعيد. ولو كان الرجل نقيَّ الأسنان، قويم الطبيعةِ، لا يغشاها قَلَحٌ، فسنة الاستياك لا تسقط عنه. وهذا يقرّبُ معنى التعبد فيه قليلاً.
والوجه القطع بأنه لا يتعين في الاستياك آلة، إذا كان يزيل القلحَ. وما ذكرناه من التمضمض لا يزيل القَلَح، ما لم يتحامل معه على الأسنان بدَلْكٍ. وما ذكرناه من نقاء الأسنان غيرُ سديد، فإن كل أحد يغشاه قَلَح، وإن قلّ.
فهذا تفصيل القول في آلة السواك، غير أن اتباع السلف حسنٌ في كل شيء.
__________
(1) حديث: "ما لكم تدخلون علي قلحاً" رواه أحمد في مسنده، واللفظ له: 1/ 214، 3/ 442، والطبراني في الكبير: 2/ 64 ح 1301، 1302، 1303، و12/ 84 ح 12611، والبيهقي: 1/ 39 قال الهيثمي: فيه أبو علي الصيقل، قيل فيه: إنه مجهول.
(ر. مجمع الزوائد: 1/ 221، تلخيص الحبير: 1/ 115).
(2) في (ل): يغلب.
(3) تثوَّب: طلب الثواب. وفي (م): سرٌّ خفي.

(1/48)


58 - فأما وقت السواك، فالاستياك يتعلق بثلاثة أوقاتٍ: أحدها - تغيّر النَّكهة (1) فمهما تغيرت رائحة الفم بأكل طعامٍ رائحته كريهة، أو نومٍ، أو طول أزْمٍ (2) استَحْبَبنا الاستياك، وإن لم يُرد المرء صلاةً ولا طهارةً. فهذا وقتٌ.
والثاني - القيامُ إلى الصلاة، فمهما أراد الرجل القيامَ إلى الصلاة، استحببنا له أن يستاك، وإن كان لا يتطهّر، قال النبي عليه السلام: " صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاةً بلا سواكٍ " (3).
والثالث - الوضوء، فيستحب لكل متوضىء أن يستاك. وكان شيخي يقول: ينبغي أن يستاك عند كل صلاة، فإن أخطأه ذلك، فعند كل طهارة، فإن أخطأه ذلك، ففي اليوم والليلة مرةً.
وفي السواك سرٌ، سنذكره في أول " باب سنة الوضوء " إن شاء الله عز وجل.
59 - فأما كيفية السواك، [فيديرُ] (4) السواك على أسنانه في عرض الوجه، وطوله محاولاً إزالة القَلَح، فإن اقتصر على إحدى الجهتين، فينبغي أن يستاك في عرض الوجه؛ إذ رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان يستاك عرضاً " (5)، ولعل فيه
__________
(1) النَّكهة: ريح الفم.
(2) الأَزْم: السكوت، والامتناع عن الطعام. وعبارة (م): أو ثوم.
(3) عزاه السيوطي في الجامع الصغير لابن زنجويه عن عائشة في كتاب الترغيب في فضائل الأعمال؛ ونسب المناوي السيوطي إِلى التقصير؛ لاكتفائه بعزوه لابن زنجويه، وقال: بل هو مخرّج عند أحمد، والحاكم في المستدرك، وصححه، وابن خزيمة، والبيهقي وضعفه.
كلهم عن عائشة باللفظ المذكور. وتعقبه النووي كابن الصلاح بأنه من رواية ابن إِسحاق -وهو تقصير- بالعنعنة، فاقتصاره على ابن زنجويه تقصير" ا. هـ بنصه من الفيض. وقد رمز له السيوطي بالضعف، ووافقه الألباني. (ر. فيض القدير: 5/ 225، أحمد: 6/ 271، مستدرك الحاكم: 1/ 146، صحيح ابن خزيمة: 1/ 71، البيهقي في الكبرى: 1/ 38، والصغرى: 1/ 43 ح 80، تلخيص الحبير: 1/ 111 - 112، ضعيف الجامع الصغير للألباني ح 3519، سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1503).
(4) في الأصل: فتقدير. والمثبت من (م)، (ل).
(5) حديث كان صلى الله عليه وسلم يستاك عرضاً، ويشرب مصاً، ويتنفس ثلاثاً، ويقول: " هو =

(1/49)


معنىً: وهو أن الاستياك على طول الوجه إن أُديم واقتصر عليه، فقد يَكشِط عمودَ الأسنان، ويقرح اللثَة.
...
__________
= أهنأ، وأمراً، وأبرأ" أخرجه البيهقي في السنن: 1/ 40 عن ربيعة بن أكثم، وذكره الألباني في ضعيف الجامع الصغير، وعزاه للبغوي، وابن قانع، والطبراني في الكبير، وابن السني، وأبي نعيم في الطب، كلهم عن بهز، وإلى البيهقي عن ربيعة بن أكثم أيضاً (ر. ح 4557 من ضعيف الجامع الصغير، وح 945 من سلسلة الأحاديث الضعيفة).

(1/50)