نهاية المطلب في دراية المذهب

باب كيفية المسح
426 - ينبغي أن يقع المسح على ما يواري محل الفرض من القدم، ثم نذكر الأكمل، وبعده الأقل.
فأما الأكمل، فمسحُ أعلى الخف وأسفله، إذا لم يكن الأسفل نجساً، ويبلل يديه، ويضع مؤخرة كفّه اليمنى على مقدمة أصابع الرجل من فوق، وأطراف أصابع اليد اليسرى من أسفل مما يلي العقب، وُيمرّ يديه، فتنتهي أطراف أصابع اليمنى إلى الساق، وينتهي مؤخر كفه اليسرى إلى أطراف أصابع الرجل من أسفل، ولا يقصد استيعاب الخف. فإن النبي عليه السلام لم يرد ذلك، وفي الحديث الصحيح "أن النبي عليه السلام مسح على خفه خطوطاً من الماء" (1).
ولا نستحب التكرار في هذا المسح، بل نكرهه.
وهل يُستحب مسحُ عقب الخف، وهو ما يستر العقب المنتصب؟ فعلى وجهين
__________
(1) حديث أنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخف خطوطاً: قال ابن الصلاح: تبع فيه الرافعي الإِمام؛ فإنه قال في النهاية: إنه صحيح، فكذا جزم به الرافعي، وليس بصحيح، وليس له أصل في كتب الحديث ا. هـ.
قال الحافظ: وفيما قاله ابن الصلاح نظر، وذكر أن الطبراني رواه في الأوسط عن جابر، وقد عزاه ابن الجوزي إِلى ابن ماجة، عن جرير بإِسناد غير إِسناد الطبراني، وقد استدركه المزي على ابن عساكر في الأطراف، وإِسناده ضعيف جداً. أما قول إِمام الحرمين المذكور، فقد تبع فيه القاضي حسين، وقد عدّ النووي تصحيح هذا الحديث من إِمام الحرمين خطأ فاحشاً. ا. هـ. (ر. الطبراني في الأوسط: 2/ 81 ح 1157، ابن ماجة: الطهارة، باب في مسح أعلى الخف وأسفله، ح 551، مشكل الوسيط - بهامش الوسيط: 1/ 404، التنقيح - بهامش الوسيط: 1/ 404، تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق: 1/ 533، التلخيص: 160، ح 219، والمجموع: 1/ 522).

(1/305)


ذكرهما العراقيون: أحدهما - يستحب؛ فإنه ساتر لما هو محل الفرض من الرجل، والوجه الثاني - لا يستحب؛ فإنه لم يجر له ذكرٌ في شيء من الأخبار، وليس الاستيعاب محبوباً، حتى يقال: ينبغي أن يمسح جميع ما يستر محل الفرض، فهذا بيان الأكمل.
427 - فأما الأقل، فيكفي أول ما ينطبق عليه اسم المسح، وإذا كنا نكتفي في مسح الرأس، وهو أصلٌ بالاسم، فلأن نكتفي به في مسح الخف -وهو رخصة- أَوْلى، ثم لا خلاف أنه لو ألقى الفرض (1) على ظهر القدم، جاز، ولو مسح أسفله مقتصراً عليه وهو ما يستر أخمص القدم، فظاهر النص في المخنصر أنه لا يجزئه (2).
واختلف الأئمة، فقال بعضهم: في المسألة قول آخر: أنه يجزىء، وهو القياس؛ لأن أسفل الخف ساتر لما هو من محل الفرض، فشابه الأعلى.
والأظهر ما يدل عليه النص، وهو أنه لا [يكفي] (3) الاقتصار على الأسفل؛ إذ روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصر على مسح الأعلى، وروي أنه مسح الأعلى والأسفل. ولم يُروَ الاقتصارُ على الأسفل. والمعتمد في الرخص الاتباع.
وكان [شيخي] (4) يذكر طريقين آخربن: أحدهما - القطع بمنع الاقتصار على الأسفل. والثاني - القطع بجواز الاقتصار، وحمل النص على الأوْلى، مع التأكيد فيه.
ولو فُرض الاقتصار على مسح العقب -وهو الذي ذكر العراقيون الاختلافَ في استحباب مسحه عند محاولة الأكمل- فهذا فيه تردّدٌ؛ من جهة أنه ساتر لما هو محل
__________
(1) في (ل): "ألقى المسح".
(2) هذا مأخودّ من مفهوم كلام المزني، وليس من نصه. ر. المختصر: 1/ 51.
(3) في الأصل: يكتفى، وصدقتنا (م)، (ل).
(4) زيادة، قدرناها على ضوء أسلوب إِمام الحرمين، لضرورة السياق. وقد صح ما قدرناه، فوجدناها في (م)، (ل).

(1/306)


الفرض، وهو دون أسفل الخف، [و] (1) من جهة أنه لم يجْر له ذكرٌ في السنن، بخلاف أسفل الخف، فإنه روي مسحُه [مع] (2) الأعلى، ولكن العقب ظاهر للناظر كاعلى الخف بخلاف أسفله.
فهذا بيان الأقل والأكمل في المسح.
...
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق، وليست في النسخ الثلاث.
(2) زيادة من مختصر ابن أبي عصرون، ووجدناها في (م)، (ل).

(1/307)