نهاية المطلب في دراية المذهب

كتاب الحيض (1) (2)
434 - الأصل في الحيض الكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب، فقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} الآية، [البقرة: 222] وسبب نزول الآية مشهور (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}: "افعلوا كل شيء إلا الجماع " (4). والإجماع منعقدٌ على أصل الكتاب، وإن وقع خلاف في التفاصيل.
ونحن نصدّر الكلام بفصول: أحدها - في سنّ الحيض.
والثاني - في أحكامه.
والثالث - في أقله وأكثره وبيان الأدوار.
__________
(1) ابتداء من هنا عندنا نسختان (ت1)، (ت2). وقد اتخذنا (ت2) أصلاً، (ت1) نسخة مساعدة، واستمر الحال على ذلك إِلى آخر كتاب الطهارة، بل بعد بدء كتاب الصلاة، وإِلى أول (باب استقبال القبلة، ولا فرض إِلا الخمس) حيث صار عندنا أربع نسخ، سنبين حالها في موضعها. إِن شاء الله. ثم أسعفتنا المقادير بنسخة (ل) وهي مستمرة معنا إلى آخر كتاب الصلاة (انظر البيان في أول هذا الجزء).
(2) أشار النووي إلى صعوبة (كتاب الحيض) ودقة مسائله، وكثرتها، وذكر أنّ ممن عُنوا به إمام الحرمين في النهاية، فمما قال: (اعلم أنّ باب الحيض من عويص الأبواب، ومما غلط فيه كثيرون من الكبار، لدقة مسائله، واعتنى به المحققون، وأفردوه بالتصنيف في كتب مستقلة ... وقد جمع إمام الحرمين في (النهاية) في باب الحيض نحو نصف مجلد، وقال بعد مسائل الصفرة والكدرة: "لا ينبغي للناظر في أحكام الاستحاضة أن يضجر من تكرير الصور وإعادتها في الأبواب ... " اهـ (المجموع: 2/ 344، 345).
(3) يشير إلى ما صح في سبب نزول هذه الآية، من أن العرب في المدينة وما والاها، كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض، ومساكنتها، فنزلت الآية تحلّ كل شيء إلاّ الجماع.
(ر. صحيح مسلم: كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، ح 302).
(4) حديث: " افعلوا كل شيء ... " جزء من حديث أن الذي رواه مسلم (انظر الهامش السابق).

(1/313)


والرابع - في أحكام المستحاضة.
فأمَّا
الفصل الأول
[ففي سن الحيض] (1)
435 - القول في سن الحيض مأخوذ من سن البلوغ، فنشير إلى سن [بلوغ الغلام] (2): ظاهرُ نص الشافعي في كتاب اللعان يدل على أن بلوغ الغلام ممكن بعد مضي ستة أشهر من السنة العاشرة؛ فإنه قال: إذا جاءت المرأة بولد وزوجها ابن عشر، فالولد يلحقه، ومن ضرورة ذلك تقدير إمكان العلوق في أثناء السنة، وأقل مدة الحمل ستة أشهر.
ومن أصحابنا من يقول: يدخل إمكان بلوغ الغلام بنفس الطعن في السنة العاشرة.
فأما الجارية، فقد قال بعض أصحابنا: يحتمل أن يدخل وقت إمكان حيضها، باستكمال السنة التاسعة.
فعلى هذا، إذا فرعنا على أن الغلام يحتمل أن يبلغ بالطعن في السنة العاشرة، فيتفق وقت الإمكان فيهما، [ومن أصحابنا من قال: قد تحيض الجارية إذا مضت ستة أشهر من السنة التاسعة] (3) ومنهم من قال: قد تبلغ بنفس الطعن في التاسعة، وهي على الجملة أسرع بلوغاً، وإنما يتفق ما ذكرناه في البلاد الحارة.
قال الشافعي: رأيت جدة باليمن بنت عشرين سنة.
ثم المنقول في ظاهر المذهب أن الصغيرة إذا رأت دماً في السنة الثامنة، فهو دم فسادٍ، فليحفظ هذا المذهب.
وسنبيّن في فصل الأدوار، حقيقتَها على أقصى الإمكان في البيان إن شاء الله عز وجل.
فهذا بيان نقل المذهب في سن الحيض.
__________
(1) مزيدة من المحقق، اعتماداً على التفصيل الذي ذكره المؤلف.
(2) في الأصل: " إِلى سن البلوغ " والمثبت عبارة (ل).
(3) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/314)


436 - ثم كان شيخي يقول: إذا اتفق ما ذكرناه في البلاد الحارة، فهو على السن المذكور حيض، وإن اتفق في البلاد الباردة التي لا يعهد فيها أمثال ذلك، ففي المسألة وجهان، وهذا الذي حكاه له التفاتٌ على أن سن اليأس في الحيض يعتبر فيه أقصى نساء العالم، أو نساء القطر والناحية، أو نساء العشيرة، وفيه كلام يستقصى في العدّة، إن شاء الله.
فأمَّا
الفصل الثاني
ففي أحكام الحيض
437 - فنبدأ بالطهارة، ونقول: لا يصح منها غسلٌ إلا على قولٍ بعيد، إذا قلنا: تقرأ الحائضُ القرآن، ولا تقرأ الجنب. فلو أجنبت المرأة، ثم حاضت، فلا تقرأ، فلو اغتسلت، قرأت (1).
قال شيخي: في المناسك أغسالٌ مسنونة في أمورٍ لا تفتقر إلى الطهارة، منها غسل الإحرام، وغسل الوقوف بعرفة؛ فيستحب للحائض هذه الأغسال؛ فإن حقيقة الطهارة ليست مشروطة في شيء من هذه المناسك.
ثم نربط بالطهارة جملاً من أحكامها.
438 - فنقول: لا يصح منها شيء مما يشترط فيه الطهارة، كالصلاة، وسجود الشكر، والتلاوة، والطواف. ولا يصح منها ما يتعلق بالمسجد، كالاعتكاف.
وأما دخول المسجد، فسنذكر في الصلاة أن الجنب يدخل المسجد عابراً، وأما الحائض، فإن كان يُخشى منها تلويث المسجد، فيحرم عليها دخول المسجد، وإن كانت أحكمت شدادها، وصارت بحيث لا يخشى ذلك منها، فالأصح أنه يحرم عليها دخول المسجد عابرةً بخلاف الجنب؛ لغلظ الأمر في حدثها، وأبعد بعضُ أصحابنا، فألحقها بالجنب، ولا أصل لهذا. وكذلك ذكروا هذين الوجهين في التي طهرت، ولم تتطهر بعد.
__________
(1) فكأنها لما اغتسلت، رفعت حكم الجنابة التي سبقت الحيض، فبعد أن كانت جنباً حائضاً، صارت حائضاً فقط، فجاز لها قراءة القرآن، عند من يقول: تقرأ الحائض.

(1/315)


439 - ومن أحكامها أنه لا يصح منها الصوم؛ [وهذا] (1) لا يُدرَك معناه؛ فإن الطهارة ليست مشروطة في الصوم.
ثم لا تقضي الصلاة التي تمرّ عليها مواقيتُها في الحيض، وتقضي ما يفوتها من صيام رمضان. والمتبع في الفرق الشرعُ، وقد سئلت عائشة في الفرق بين الصلاة والصوم، فقالت: " كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة " (2) فأبانت أن الاتباع هو الفارق بين البابين، ثم الحيض ينافي صحة الصلاة ووجوبها، وهو ينافي صحة الصوم، وهل يقال: إنه يجب في وقت الحيض، بدليل وجوب قضائه؟ قال قائلون: يجب، والمحققون يأبَوْن ذلك؛ فإن الوجوب شرطُه اقتران الإمكان به، ومن يبغي حقيقة الفقه لا يقيم لمثل هذا الخلاف وزناً.
440 - ومن أحكام الحيض الاستمتاع، فإن الوقاع محرّم، والاستمتاع بالحائض فيما فوق السرة وتحت الركبة جائز، وفي جواز الاستمتاع بما دون السرة وفوق الركبة مع اجتناب الجماع وجهان.
وفي النصوص إشارات إليهما. وتوجيههما: من لم يحرِّم احتج بما رَوَيناه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " افعلوا كل شيء إلا الجماع ".
ومن حرّم استدل بما روي عن عائشة أنها قالت: " كنت مع رسول الله في الخميلة (3)، فحضت، فانسللت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك؟ أنَفِسْتِ؟ فقلت: نعم، فقال: خذي ثياب حيضتك وعودي إلى مضجعك. فنال مني ما ينال الرجل من امرأته، إلا ما تحت الإزار " (4).
__________
(1) في الأصل: فإنه. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) حديث عائشة: "كنا نؤمر بقضاء الصوم" متفق عليه، من حديث معاذة عن عائشة. (ر. اللؤلؤ والمرجان: 1/ 7 باب 15 ح 192، وانظر تلخيص الخبير: 1/ 163 ح 224).
(3) الخميلة = القطيفة: دثار له خَمْلٌ. (المصباح).
(4) حديث: " فنال مني ما ينال الرجل من امرأته " رواه مالك في الموطأ، وإسناده عند البيهقي صحيح، وليس فيه: " ونال مني ما ينال الرجل من امرأته " وقد أنكر النووي في المجموع على الغزالي إيرادها في الوسيط، وقال: هو في ذلك متابع لشيخه. قال النووي: هذه الزيادة غير معروفة في كتب الحديث، ولكن في الصحيحين عن عائشة: كانت إِحدانا إِذا كانت حائضاً، =

(1/316)


ثم إذا طهرت المرأة ولم تغتسل، فأمر تحريم الوقاع، وتفصيل الاستمتاع على ما ذكرناه في حالة الحيض. وقد روى مقسِم (1) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أتى امرأته والدم عبيط، تصدق بدينارٍ، وإن كانت في أواخر الدم، تصدق بنصف دينار " وفي الحديث ضعفٌ، والأصح أن الصدقة لا تجب، بل هي محبوبة.
ومن أصحابنا من أوجبها، وهو بعيد، غير معدود من المذهب، ثم المعني بأواخر الدم في تفصيل الصدقة مستحبَّةً أو مستحقَّةً أن يقرُب من الانقطاع.
وقال الأستاذ أبو إسحاق: المراد أن تطهر، ولم تغتسل بعدُ، فهذا أوان التصدق
__________
= أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتزر بإِزارها، ثم يباشرها، وأما حديث الخميلة، فهو متفق عليه من حديث أم سلمة، دون الزيادة " فنال مني ... " (اللؤلؤ والمرجان: 1/ 66 ح 168، 170، الموطأ: 1/ 58، البيهقي: 1/ 311، والتلخيص: 1/ 167 ح 230).
(1) حديث مقسم عن ابن عباس رواه أصحاب السنن، وأحمد، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم. وهو ضعيف كما حكم عليه إِمام الحرمين؛ إِذ قال ابن الصلاح في مشكلات الوسيط: " الحديث ضعيف من أصله، لا يصح رفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإِنما هو موقوف على ابن عباس " ثم أشار إِلى تصحيح الحاكم له، فقال: ولا التفات إِلى ذلك منه؛ فإنه خلاف قول غيره من أئمة الحديث، وهو معروف بالتساهل في مثل ذلك. ا. هـ وقد تبع النوويُّ ابنَ الصلاح فقال: " هو ضعيف باتفاق الحفاظ، وأنكروا على الحاكم قوله: إِنه حديث صحيح. وقد قال الشافعي: هذا حديث لا يثبت مثله " ا. هـ
أما الحافظ في التلخيص، فبعد أن أشار إِلى روايات الحديث بطرقه المختلفة، وإِلى من صححه، قال: "الخلاصة: أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم". (ر. أبو داود: الطهارة، باب في إتيان الحائض، ح 264، الترمذي: الطهارة، باب ما جاء في الكفارة، ح 136، والنسائي: الحيض والاستحاضة، باب ذكر ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها مع علمه بنهي الله تعالى، ح 370، ابن ماجة: الطهارة، باب في كفارة من أتى حائضاً، ح 640، مشكل الوسيط لابن الصلاح، والتنقيح للنووي - كلاهما بهامش الوسيط: 1/ 415، 416، التلخيص: 1/ 291 - 293 ح 228).
هذا وقد خالف حكمَ هؤلاء الأئمة الشيخُ أحمد شاكر، والألباني فصححاه. (ر. مسند أحمد: 1/ 272 ح 2458 (الشيخ شاكر)، وصحاح السنن للألباني).
قلت، (عبد العظيم): فكيف يُقال عن إِمام الحرمين: إِنه لم يكن يدري الحديث متناً ولا إِسناداً؟.

(1/317)


بنصف دينار، فأما مادام الدم موجوداً، فدينار. وهذا وإن كان قريباً من المعنى، فظاهر الخبر يخالفه.
ويتعلق بالحيض أحكام تستقصى في مواضعها، كالاستبراء وغيره.
فأمَّا
الفصل الثالث
فمضمونه بيان أقل الحيض وأغلبه، وأكثره، وذكر الدور
441 - فأما الأقل، فظاهر النص أن أقل الحيض مقدار يوم وليلة، وهي أربع وعشرون ساعة.
وقال [في] (1) مواضع: أقله يوم، فاختلف الأئمة على طرق: فمنهم [من قال]: (2) قولان، ومنهم من قطع باليوم والليلة، وحمل قوله يوم على يوم بليلته.
وأبعد بعض أصحابنا، فقطع بأن الأقلَّ يوم، وقد كان الشافعي ذكر يوماً وليلة تعويلاً على الوجود، ثم وجد أقل من ذلك وهو يوم، فرجع إليه واستقر عليه.
وأما الأغلب، فست أو سبع؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمستحاضة أراد ردَّها إلى غالب الحيض: " تحيَّضي في علم الله ستاً أو سبعاً " (3).
وأما أكثر الحيض، فخمسة عشر يوماً عند الشافعي.
وأما الطهر، فأقله خمسة عشر. ولا حدَّ لأكثره، وأغلبه مع أغلب الحيض ثلاثة
__________
(1) مزيدة من: (ت 1)، (ل)
(2) مزيدة من: (ت 1)، (ل)
(3) " حديث تحيَّضي في علم الله " طرفٌ من حديث طويل في قصة حمنة بنت جحش، رواه الشافعي في مسنده، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والدارقطني، والحاكم، وحسنه الألباني. (ر. مسند الشافعي: 310، 311، مسند أحمد: 6/ 439، أبو داود: الطهارة، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، ح 287، والألباني: 267، والترمذي: الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة، ح 128، وابن ماجة: الطهارة، باب ما جاء في البكر إذا ابتدئت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها، ح 627، والدارقطني: 1/ 214 ح 48، والحاكم: 1/ 172، والتلخيص: 1/ 163 ح 223).

(1/318)


وعشرون إن كان الحيض سبعاً، وأربعة وعشرون إن كان الحيض ستاً.
والدور عبارة عن حيض وطهر، والذي ذكرناه في ظاهر [هـ] (1) تقديرات، والتقدير لا يثبت إلا بتوقف، وليس يصح عند الشافعي خبرٌ في تقدير أقل الحيض وأكثره.
442 - وقد روى أصحاب أبي حنيفة أخباراً توافق مذهبهم في الأقل والأكثر (2)، والأقل عندهم ثلاثة أيام، والأكثر عشرة، وجملة تلك الأخبار مردودة عند أئمة الحديث.
فليت شعري إلى ماذا الرجوع ولا مجال للقياس، ولم يرد توقيفٌ موثوق به!
443 - فنذكر أمراً راجعاً إلى الفطرة، ثم نذكر معتبر الشافعي، فالحيض دمٌ مجتمع في الرحم، ويزجيه الرحم، وقد ينقطع في الباطن عرق، فيسيل منه دم دائم، وهو الاستحاضة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمستحاضة سألته: " توضئي وصلي؛ فإنه دم عرق " (3).
ثم ليس في الخِلَق والجبلاّت حدٌّ لأقل الحيض وأكثره، ولكنا نعلم قطعاًً أنه لا يدوم؛ فإنه في حكم فضلة تنفضه الطبيعة في نوبة مخصوصة، كسائر الفضلات الطبيعية في اعتدال الحال.
ثم [قد] (4) يختلط الحيض بالاستحاضة، وأحكامها مختلفة، فيضطر الفقيه إلى درك أقدار الحيض، في طرفي الأقل والأكثر.
فهُدي إمام المسلمين الشافعي لأرشد المدارك وأقصدها، فقال: يتعين في ضبط ما نحاول الرجوع إلى الوجود، في اعتدال الأحوال، فما وجد في أقل أدوار الحيض
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) ر. فتح القدير: 1/ 142، حاشية ابن عابدين: 1/ 189، ونصب الراية: 1/ 191، 192.
(3) حديث: " توضئي وصلي " جزء من قصة فاطمة بنت أبي حبيش عن عائشة، رواه أصحاب السنن، واللفظ لأبي داود، وأصله في الصحيحين (ر. اللؤلؤ والمرجان: 1/ 70 ح 190، أبو داود الطهارة، باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، ح 286، التلخيص: 1/ 167 ح 231).
(4) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/319)


حكم به، وما وجد أكثر من غير دوام الدم واستمراره حكم به.
قال عطاء: رأيت مَنْ تحيض يوماً، ورأيت من تحيض خمسة عشر يوماً، وعندنا امرأة تحيض يومين يومين.
وقال الشافعي: رأيت امرأة لم تزل تحيض يوماً.
وقال أبو عبد الله الزبيري: في نسائنا من تحيض يوماً وليلة، وفيهن من تحيض خمسة عشر يوماً.
ولا يتصوّر في ذلك مسلك -إذا لم يصح توقيفٌ- إلا الوجود.
444 - فإن قيل: لو وجدنا امرأة تحيض أقل مما ذكره الشافعي، أو أكثر من خمسة عشر، قلنا: أرسل أئمتنا في هذا أوجهاً مختلفة، ومعظم النقلة يتداولونها من غير بصيرة.
ونحن نذكرها، ونذكر في معرض التوجيه حقائقها.
445 - فقال قائلون: لا نقصان من الأقل الذي ذكرناه، ولا زيادة على الأكثر؛ فإنّا لو تعديناهما، لم نقف عند ضبط.
وهذا ليس بتوجيه (1)، مع ما تمهد من وجوب المصير إلى الوجود، ولكن هذا الوجه يُوجّه بأن الحيضَ ومقدارَه ليس من الأمراض، والأعراض التي تُميل [البنية] (2) عن الاعتدال. والأمورُ [الصحية] (3) إذا استمر عليها عصور، ثم بحث الباحثون عن الوجود فيها، فإن فرض نقصان أو زيادة، فهو ميل عن الاعتدال، فيحمل على الإعلال، لا على الحيض.
446 - ومن أصحابنا من قال: نحن نتبع الوجود كيف فرض، وهذا مذهب
__________
(1) في (ل): يتوجه.
(2) في الأصل: البينة، وفي (ت 1): التنبيه. والمثبت تقدير منا رعاية للسياق. وصدقته (ل) بحمد الله.
(3) في الأصل: العجيبة، وكذا (ت 1). والمثبت تقديرٌ منا، صدقته (ل).

(1/320)


طوائف من المحققين، منهم الأستاذ أبو إسحاق في جواب له، والقاضي حسين (1).
ووجه هذا بيّن؛ فإن ما حُكِّم الوجود فيه، فالوجه اتباعُه كيف فرض، وقد يستمر شيء في خلق، ثم تختلف الأَهوية والقُطُر (2) فيه في عصور أخرى.
447 - ومن أصحابنا من قال: إن وجدنا شيئاًً يخالف ما ذكره الشافعي، ووجدنا مذهباً من مذاهب أئمة السلف الذين يعتمدون الوجود موافقاً له، اعتمدناه وعملنا به، وإن لم نجده موافقاً لمذهبه، لم نعتمده.
وهذا فيه إلباسٌ؛ فإنا إذا وجدنا مذهباً ممن يعتمد الوجود؛ فقد ظهر لنا أن هذا الذي قد وجدناه الآن قد وجد قبل هذا، ولكن لم يبلغ الشافعي، ولو بلَّغه موثوق به، لاعتمده لا محالة، وصار إليه.
فهذا بيان ما قيل.
448 - فإن قيل: لو رأينا امرأة ترى الدم دائماً؟ قلنا: نقطع بأن الجميع ليس بحيض؛ فإن الجبلّة لا تحتمل ذلك، وإنما يعتمد الوجود إذا كانت ترى طهراً مع الدم.
فلو فرض فارضٌ الدم لحظة واحدة، فهذا لا يكون قط حيضاً.
فإن قيل: أليس أقل النفاس لحظة واحدة عند الشافعي؟ قلنا: قد تلد المرأة ولا تَنْفَس أصلاً، وهى التي تسمى ذات الجفاف، فيتصوّر ألا ترى إلا دفعة واحدة من
__________
(1) الحسين بن محمد بن أحمد، أبو علي، المرورُّوذي: القاضي حسين. الإِمام الجليل، أحد رفعاء الأصحاب، تكرر ذكره في الوسيط، والروضة، ولا ذكر له في المهذب، ويأتي كثيراً معرفاً بالقاضي حسين، وكثيراً مطلقاً (القاضي) وهو من أصحاب الوجوه في المذهب، تفقه على القفال المروزي، وهو من أجلّ أصحابه وأنجب تلاميذه، هو والشيخ أبو علي السنجي، قال عنه إِمام الحرمين: " حبر المذهب على الحقيقة " التعليق الكبير المشهور، تفقه عليه جمع من الأئمة منهم: إِمام الحرمين، والمتولي. واعلم أنه متى أطلق القاضي في كتب متأخري الخراسانيين، كالنهاية والتتمة والتهذيب، وكتب الغزالي ونحوها، فالمراد القاضي حسين. توفي 462 هـ (تهذيب الأسماء: 1/ 164، والسبكي: 4/ 356).
(2) القُطُر جمع قُطْر، والقُطْر: الناحية من الأرض، والمراد اختلاف المناخ الذي يؤثر عادة في الصحة والأجسام. وفي (ل): الفِطَر: جمع فطرة.

(1/321)


الدم، أما الحيض، فلم يُعهد لحظة واحدة، ولا ساعة.
449 - والذي أختاره، ولا أرى العدول عنه، الاكتفاء بما استقر عليه مذاهب الماضين من أئمتنا في الأقل والأكثر؛ فإنا لو فتحنا باب اتباع الوجود في كل ما يُحدَّث به، وأخذنا في تغيير ما تمهّد تقليلاً وتكثيراً، لاختلطت الأبواب، وظهر الخبط والاضطراب، ولزم ألا يمتنع بلوغ الحيض عشرين، ورجوع الطهر إلى عشرة، وانحطاط الأقل إلى ساعة، ثم يجب طرد هذا (1) المسلك في الأمور التي يُتبع الوجودُ فيها، حتى لا يمتنع نقصان أقل مدة الحمل عن ستة أشهر، وزيادة أكثره على أربع سنين.
فالوجه أن نتبع ما تقرر للعلماء الباحثين قبلنا؛ فإن الغالب على الظن أن ما لم يصح في أعصارهم مع اختلاف خِلَق الخلائق، وتباين الطباع، يندر وقوعه في أعصارنا، وليس دم الفساد نادرَ الوقوع، فلسنا نبغي أمراً مقطوعاًً به، فإنه مُعوز فيما نحن فيه، فالوجه الانتهاء إلى أقل ما نقل، وإلى أما صح في طرفي الأقل والأكثر.
وقد أجمع الأئمة على أن المرأة إذا كانت تحيض يوماً وتطهر يوماً على الاستمرار، فلا تجعل كل نقاء طُهراً كاملاً، على ما سيأتي ذلك مشروحاً في بابه إن شاء الله تعالى.
450 - ومن الأصول التي يتعين الاسترواح إليه فيما دفعنا إليه، ما رُوي أنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة النسوان " ناقصات عقل ودين، قيل له: ما نقصان دينهن؟ فقال: تجلس إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي " (2).
فكان قولُ النبي عليه السلام مشيراً إلى ذكر أقصى زمان يُتصور منهن القعود عن وظائف العبادات فيه. فليتخذ المرء ذلك مرجعه في هذا الطرف، وليردّ نظره إلى طرف الأقل، وفيما نبّه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان أقل الطهر أيضاً.
ثم يبعد عندي فرض طريان الحيض في رمضان ليلاً، مع انقطاعه قبل الفجر في
__________
(1) عبارة الأصل: ... ثم يجب طرد هذا. هذا هو المسلك، والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(2) حديث " ناقصات عقل ودين " رواه البخاري: كتاب الحيض، باب (6) ترك الحائض الصوم، ح 304، ورواه مسلم: 1/ 86 - كتاب الإِيمان، باب (34)، بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات ... ، ح 79، البخاري عن أبي سعيد، ومسلم عنه، وعن ابن عمر، وأبي هريرة.

(1/322)


الليلة الطويلة، والمرأة تتمادى على الصوم، فتستتم صوم رمضان، وقد حاضت في الشهر مرة أو مرتين، فدلّت هذه الإشارات على الوقوف عند مواقف الأئمة في الأدوار.
وقد نجز منتهى غرضنا من هذا الفصل.
الفصل الرابع
في أحكام الاستحاضة
451 - فنقول أولاً: دم الاستحاضة في وضع البنْية والجبلّة يسيل من عِرقٍ ينقطع، وليس الدم الذي يُزجيه الرحم من مغيضه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض المستحاضات: " إنه دم عرق ".
ثم حكمه على الجملة، حكم حدث دائم من نواقض الوضوء، كسلس البول، واسترخاء [الأُسْر] (1).
وإذا أطبق حدثٌ من هذه الأحداث، فصاحب البلوى مأمور بأن يتوضأ لكل فريضة، ولا يجمع بين مفروضتين بطهر واحد، على التفصيل المذكور في التيمم، بل هو أولى بذلك، فإن الأحداث تتجدد عليه، والمتيمم لم يتجدد عليه حدث، بل حكم الحدث الأول مستدام.
فإذاً المستحاضة ومن في معناها تتوضأ لكل فريضة، وتُقيم بوضوء واحد فريضةً واحدة وما شاءت من النوافل.
وقد سبق أن المتيمم لو تيمم لقضاء فائتة، ثم أخّر الفائتة أزماناً، فلا بأس عليه، ولو تيمم في وقت فريضةٍ لإقامتها، ثم لم يتفق حتى خرج الوقت، فأراد قضاءها بذلك التيمم، جاز.
452 - فأما المستحاضة والأحداث تطرأ عليها حالاً على حالٍ، فلو توضأت وابتدرت الصلاة، لكانت ساعية في تقليل الأحداث جهدها، ولو أخرت الصلاة، لكثُر تخلل الأحداث، فما حكم ذلك؟
__________
(1) في الأصل، (ت 1): الأسفل. والأُسْر: شدة الخلق، واحتباس البول (معجم). والمراد هنا: استرخاء ما يضبط أمرَ البول، ويتحكم في إخراجه.

(1/323)


اضطرب الأئمة، فذهب ذاهبون إلى أنها مأمورة بمبادرة الصلاة بعد الفراغ من الوضوء، لتقليل ما يطرأ، فلو أخرت، لم تصح فريضتُها.
وذهب الخِضْرِيُّ (1) من الأئمة إلى أن حكمها حكمُ المتيمم، فلو أفرطت في تأخير الفريضة عن الوضوء، جاز، ولو توضأت لصلاة الظهر بعد الزوال، ثم لم توفَّق لأدائها، حتى تصرّم الوقت، قضتها بذلك الوضوء، قياساً على المتيمم؛ فإن قليل الحدث ككثيره، وقال: الأحداث التي تطرأ فرب الحكم حدث واحد، في حق الفريضة الواحدة (2)، قلّت أو كثرت، فهذان الوجهان هما الأصل.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً ثالثاًً، وهو أنها لو توضأت للظهر، فالأمر موسّع عليها، مادام الوقت باقياً، فإن صلت في آخر الوقت، وكانت توضأت في أول الوقت، فلا بأس، وإن انقضى الوقت، لم تقض تلك الصلاة.
وهذا بعيد عن قياس الشافعي، مشابهٌ لمذهب أبي حنيفة (3).
453 - فإن نزّلنا وضوءَها منزلة التيمم في حق الفريضة الواحدة، فلا كلام.
وإن منعناها من تأخير الفريضة عند الفراغ من الوضوء، فقد تردد الأئمة على ذلك:
فذهب ذاهبون إلى المبالغة في الأمر بالبدار.
وقال آخرون: لو تخلل زمن قصير، فلا بأس، وضبطُه على [التقريب] (4) عندي، أن يكون على قدر الزمان المتخلل بين صلاتي الجمع في السفر، على ما سيأتي مشروحاً إن شاء الله عز وجل.
ثم كان شيخي يحكي في التفريع على الأمر بالمبادرة عن بعض أصحابنا: أنها لو توضأت قبيل الزوال، ولما فرغت زالت الشمس، فإنها تصلي صلاة الظهر، نظراً إلى
__________
(1) سبقت ترجمته، وقد ضبط في (ت 1) الخُضَري.
(2) في (ت 1): الأحداث التي تطرأ في الحكم كالمعدومة، في حق الفريضة الواحدة. وكذلك (ل).
(3) ر. تحفة الفقهاء: 1/ 33، والهداية مع فتح القدير، والعناية: 1/ 160.
(4) في الأصل: الترتيب، وفي (ت 1): التقرّب. والمثبت من (ل).

(1/324)


الاتصال؛ فإنه المرعيُّ، ولا نظر إلى الوقت؛ فإنها لو توضأت على هذا الوجه بعد الزوال، وأخرت إقامة الصلاة قليلاً، لم يجز، فالاعتبار بالاتصال والانفصال.
وهذا بعيد جداًً، والأصح القطعُ بأنها لا تقدِّم الوضوءَ على وقت الفريضة قياساً على التيمم، ثم هي على وجهٍ مأمورة بمزيد احتياط في رعاية الاتصال، لا يؤاخذ به المتيمم، وطهارة التيمم وطَهارة المستحاضة طهارتا ضرورةٍ، فمقتضى المذهب اشتراط إيقاعهما بعد فرضئة الصلاة.
454 - وإذا انتهى الكلام إلى ذلك، نذكر خلافاً ذكره العراقيون في طهارة صاحب الرفاهية، وأنها متى تجب؟ قالوا: من أئمتنا من قال: لا تجب إلا عند وجوب الصلاة؛ فإنها تجب لأجل الصلاة، ولا تجب مقصودة في نفسها.
ومنهم من قال: إنها تجب عند الحدث وجوباً موسعاً، وصححوا ذلك (1)، ووجهوه بأنها عبادة بدنية وقياس العبادات البدنية ألا يؤتى بها قبل وجوبها، وإنما تُقدم العبادات المالية قبل وقت الوجوب، كالزكاة والكفارة، على تفصيلِ مشهور.
وليست طهارة الحدث في هذا، كإزالة النجاسة، فإن الغرض منها ألا تكون النجاسة، وليست [الإزالة] (2) معنيةً بالأمر.
فرع:
455 - ذكرنا ما يتعلق بتجديد الوضوء، واعتبار وقته في حق من استمر حدثه ودام.
ونحن نذكر الآن ما يتعلّق بزالة النجاسة.
فالمستحاضة مأمورة بأن تغسل نفسها وتتلجم وتستثفر، وتُحكم الشِّداد جهدها،
__________
(1) الإِشارة إِلى القول بأنها لا تجب إِلا عند وجوب الصلاة، وقال أبو محمد والد الإِمام في كتابه (الفروق): "أجمع العلماء أنه لا يجب الوضوء ولا الغسل حتى يدخل وقت الصلاة" وعلق النووي قائلا: "وهذا ليس مخالفاً لما ذكر من حكاية الخلاف في وقت الوجوب؛ لأن مراده: لا يكلف بالفعل والله أعلم" ا. هـ. ملخصاً (ر. المجموع: 1/ 466).
(2) في الأصل: النجاسة. وقد علق على هذه التفرقة بين طهارة الحدث اِزالة النجاسة الإِمام ابن أبي عصرون في مختصره للنهاية قائلا: "قلتُ: لا فرق بينهما؛ فإنه لا يجب اجتناب النجاسة إِلا في الصلاة" (ر. مختصر النهاية: 1/ورقة 193).

(1/325)


وهذا محتوم. وإن كانت تعلم أن النجاسة تبرز مع ذلك؛ فإنها مكلفة بالسعي في تقليلها، وهذا يؤكّد أمرَها بمبادرة الصلاة، لتكون مقللة للحدث.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تلجمي واستثفري (1)، [وأنعت] (2) لك الكُرْسُُف " (3).
ثم مهما تحركت العصابة وزايلت موضعها، والنجس دائم، أُمرت بإعادة الغَسل (4). وإن كانت قارّة، ولم يظهر نجس من جوانبها، فهل نأمرها بتجديد الغَسْل، ورفع الشِّداد وإعادته، مهما أمرناها بتجديد الوضوء؟ فعلى وجهين مشهوربن:
أحدهما - وهو الظاهر: أنا نأمرها بذلك؛ اعتباراً لإحدى الطهارتين بالأخرى.
والثاني - أنا لا نأمرها بذلك؛ فإنه قد تمهد في الشرع الأمر بالطهر مع قيام الحدث أو تجدده، وهذا في معنى ما لا ينقاس من التعبدات، فأما الأمر بتجديد الإزالة مع استمرار النجس، فبعيد.
وهذا غير سديد؛ فإنه لا خلاف فى الأمر به إذا زالت العصابة، ولا أثر للزوال، إنما الأثر لتجدد النجاسة.
وقال الأئمة (5): لو لم تزل العصابة ولكن ظهر الدم عليها، أو من جوانبها وهي
__________
(1) حديث: " تلجمي واستثفري " هذا اللفظ وقع في حديث حمنة بنت جحش الذي سبق في فقرة: 441. واستثفر الشخص بثوبه، اتّزر به، ثم ردّ طرف إِزاره من بين رجليه، فغرزه في حجزته من ورائه. (المصباح).
(2) في الأصل: وسأبعث. وهو تصحيف ظاهر، أما في: (ت 1)، (ل): وسأنعت.
والتصويب من كتب الحديث.
(3) الكُرسف: بضم، فسكون، فضم: القُطن.
(4) في هامش (ل) ما نصه: " في (التتمة) عليها أن تغسل فرجها، تحشوه بقطن أو خرقة حتى تردّ الدم، وتعصب فوق ذلك، فلو عصبت فرجها، فخرج الدم قبل أن تصلي، فإن كان لرخاوة في الشد، فعليها أن تجدد الطهارة، وإِن كان لغلبة الدم، فلا شيء عليها، وإِن أرادت أن تتطهر لصلاة أخرى، فإن كانت العصابة قد تحركت عن موضعها، فعليها أن تغسل الفرج، وتعصبه مرة أخرى، وإِن كانت العصابة باقية كما كانت، فوجهان " ا. هـ. بنصه.
(5) في (ت 1): "الإِمام". وكنت إِلى ترجيحها أميل، ثقة بها لجودتها، ولكن وجدتُ النووي، =

(1/326)


قارّة، فيجب القطع بالأمر بالتجديد، كما لو زالت العصابة.
456 - ومما لا يكاد يخفى أن النجاسة لو ظهرت، فلا ينبغي أن تمنع من النافلة إذا لم تكن منتسبة إلى تقصير.
ولو زالت العصابة بنفسها، وكان ذلك بسبب ازدياد النجاسة، فالوجه منعها من النافلة؛ فإن هذا منسوب إليها، وإنما المعفوّ عنه في حق النوافل نجاسات الضرورة التي لا سبيل إلى دفعها.
457 - ومما يتعلق بتمام الفصل ذكرُ انقطاع دم الاستحاضة في الصلاة، وقبل الشروع فيها، والقول في ذلك يتعلق بحالتين:
إحداهما - أن تنقطع الاستحاضة انقطاعاً كلياً وتشفى.
والثانية: أن تنقطع ثم تعود.
458 - فأما إذا شُفيت، فإن فرض ذلك قبل الشروع في الصلاة، وقد تجدد عليها أحداث مع الوضوء وبعده مثلاً، ثم شفيت، فعليها أن تتوضأ بعد الشفاء للصلاة؛ فإن الضرورة قد زالت، وإنما كان يعفى عما يتجدد لأجل الضرورة.
وهذا يتنزل منزلة ما لو تيمم المسافر، ثم تمكن من استعمال الماء قبل الشروع في الصلاة.
فإن قيل: أليس اختلف الأصحاب في أن طهارة المستحاضة، هل ترفع الحدث؟ فاذكروا ما قيل فيه، وأوضحوا منه ما يتعلق بالفصل، قلنا: اشتهر الخلاف فيه، فقال قائلون: لا ترفع طهارةُ المستحاضة الحدثَ، بل تُبيح الصلاة كالتيمم؛ فإن الحدث مقارن للطهارة جارٍ معها، وما لم تسلم الطهارة عن مقارنة ناقض لها، لا ترفع ما سبق من الحدث.
__________
= يقول عقب إِيراد هذه المسألة، وهذا الحكم: "حكى الاتفاق عليه إِمام الحرمين، وغيره" فبان أنه قول الأئمة. والله أعلم. (ر. المجموع: 2/ 534). وبعد هذا وجدنا عبارة (ل) هكذا: " قلت: لو لم تزل العصابة " أي أن القائل لهذا الرأي وصاحبه هو الإِمام، أي إِمام الحرمين. فهل اطلع النووي على دليل آخر يشهد له بأن (الإِمام) قاله حاكياً له، وليس مبتدئاً إياه؟ أم وقعت له نسخة النهاية المحرّفة هذه؟ العلم عند الله!

(1/327)


وقال آخرون: إنها ترفع الأحداث السابقة، والدمُ المساوق لها لا يعتد به حدثاًً ناقضاً، كما لا يُرى ما يجري منه في الصلاة ناقضاً لها.
ثم الأصحاب خصصوا الخلاف بالأحداث السابقة على الطهارة، وما يجري مقارناً لها، فأما ما يقع بعدها، فالطهارة لا ترفعها، ولكن تؤثر في استباحة الصلاة معها، كما يُبيح التيمم الصلاة، مع استمرار الحدث.
459 - فإذا تبين ذلك بنينا عليه غرضنا، وقلنا: إذا توضأت المستحاضة [وجريان الدم مقارن لوضوئها] (1)، وجرت أيضاًً الأحداث بحد الوضوء، ثم شفيت، وانقطعت الاستحاضة بالكلية قبل الشروع في الصلاة، فعليها تجديد الوضوء؛ فإنا إن حكمنا بأن وضوءها لا يؤثر في رفع الحدث أصلاًً، فإنما كنا نجوّز لها أن تصلي بذلك الوضوء للضرورة، وقد زالت الضرورة. فأشبه ذلك ما لو رأى المتيمم الماءَ قبل الشروع في الصلاة، وتمكن من استعماله، فإن قلنا: يرفع وضوؤها ما سبق، ولم يُعتد بما يقارن أيضاً، فما جرى بعد الوضوء يستحيل أن يرفعه الوضوء. فإذا شفيت، لزمتها الطهارة، حتى ترفع تلك الأحداث الجارية بعد الوضوء.
460 - ولو شُفيت عقيب الوضوء ولم يجر حدث بعده أصلاً، فالذي صار إليه أئمة المذهب، أنه يلزمها أن تتوضأ؛ فإنا وإن حكمنا بارتفاع الأحداث المتقدمة على الوضوء، فيستحيل أن نحكم بارتفاع ما قارن الوضوء منها؛ فإن الوضوء إنما يرفع حدثاًً متقدماً على أوله.
وقال بعض من لا مبالاة به: إذا حكمنا بأن الوضوء يرفع الحدث السابق، فيلزم على مساقه ألا نجعل ما يقارن الوضوء حدثاً، فعلى هذا إذا انقطع عقيب الوضوء، واتصل الشفاء، لم يلزمها الوضوء؛ فإنّ الأحداث السابقة قد ارتفعت، والمقارن لم يكن حدثاًً معتداً به، ولم يجر بعد الوضوء حدث، فلا يلزم تجديد الوضوء. وهذا لا يعد من المذهب.
__________
(1) الزيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/328)


وبهذا التفريع [يهي جداًً] (1) مذهب من يصير إلى أن طهارة المستحاضة تؤثر في رفع الحدث.
وهذا فيه إذا شُفيت قبل الشروع في الصلاة.
461 - فأما إذا شفيت بعدما تحرقت بالصلاة، ففي المسألة جوابان مشهوران لابن سريج:
أحدهما - أن الصلاة تبطل؛ فإن الضرورة قد زالت، وقد تجددت أحداث مع الوضوء وبعده، فلا بد من دفعها عند زوال الضرورة.
والوجه الثاني - أن الصلاة لا تبطل، كما لا تبطل صلاة المتيمم برؤية الماء في خلال الصلاة.
وقد ذكر بعض أصحابنا في صلاة المتيمم خلافاً إذا رأى الماء في خلالها، أخذاً من الخلاف في طريان شفاء المستحاضة، وهو بعيد. والوجه تخصيص الخلاف بطريان الشفاء، والقطع بأن صلاة المتيمم لا تبطل برؤية الماء.
وما ذكرناه فيه، إذا انقطعت الاستحاضة أصلاًً، ولم تعد.
462 - فأما إذا انقطعت زمناً ثم عادت، فنقول: إذا توضأت، ثم انقطع الدم، ثم عاد على الفور، فلا حكم لذلك الانقطاع، وإذا تطاول الزمان ثم عاود، أثرّ ذلك الانقطاع. ولنفرض فيه إذا دخل وقت الصلاة، فتوضأت، ثم انقطع الدم وعاود، فالذي ذكرناه من تطاول الزمان، أردنا به أن يمضي زمان يسع الوضوء والصلاة.
والزمانُ القريب ما يقصر عن هذا.
فنقول بعد ذلك: إذا انقطع الدم، فينبغي أن تبدُر (2) وتتوضأ وتصلي، فإذا فعلت ذلك، فقد صلّت غيرَ محدِثة صلاةً نقية عن الحدث.
فإن أخرت (3) حتى عاد الدم، [فقد قصرت؛ فيلزمها أن تتوضأ بعد عود الدم؛ لأنا
__________
(1) في الأصل: على حدا. وهو تصحيف غير مقبول. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) بدر يبدُر إِلى الشيء أسرع. (المعجم).
(3) المراد أخرت الصلاة عن الوضوء.

(1/329)


قد ألزمناها الوضوءَ لما انقطع الدم] (1).
فإذا تحقق التقصير منها، [بقي] (2) وجوب الصلاة عليها، وإن (3) عاود الدم، هذا ما قطع به الأئمة.
وإن انقطع الدم، ثم عاد قبل زمان يسع الوضوءَ للصلاة والصلاةَ، فلا يلزمها وضوء آخر بعد عود الدم، ووجودُ ذلك الانقطاع وعدمه بمثابة واحدة.
463 - ولو انقطع الدم، فشرعت في الصلاة من غير تجديد وضوء، فلو تمادى الانقطاع حتى انتهى الزمان المعتبر الذي ذكرناه الآن، فنحكم بأن صلاتها باطلة؛ فإنها تحرمت والوضوء واجب عليها.
وإن عاد الدم في الصلاة قبل الزمان المتطاول، فقد بان أن الوضوء لا يجب، ولكنها شرعت في الصلاة على تردُّدٍ ظاهر، وكان ظاهر الحال يشعر بوجوب الوضوء، وإن بان خلاف ذلك آخراً، ففي صحة الصلاة وجهان، ذكرهما العراقيون: أصحهما - أنها لا تنعقد، لما قارن عقدَها من ظهور وجوب الوضوء على غالب الظن، وإن بان خلاف ذلك.
والثاني: أنها تنعقد نظراً إلى ما بان آخراً، وهي لم تكن على يقين من وجوب الوضوء عند عقد الصلاة، والأصل براءة الذمة عن كل ما لا يتحقق وجوبه بمسلك شرعي.
وقد نجز ما أردنا إيراده في أحكام الاستحاضة.
464 - ثم مقصود هذا الكتاب هو أن الحيض يتصل بالاستحاضة، فيُطبِق الدم، ويتعين تمييز الحيض عن الاستحاضة، لاختلاف حكمهما. وها نحن نستفتح أحكام المستحاضات، ونحن نستعين بالله عزت قدرته.
...
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: في، والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(3) أي مع عود الدم، كما هي عبارة ابن أبي عصرون في مختصره للنهاية. (ر. مختصر النهاية: 1/ 196) وانظر المسألة بتفصيلها في المجموع: 2/ 538 وما بعدها.

(1/330)


باب المستحاضات
465 - القول في المستحاضات، يتعلق بنوعين:
أحدهما - أن يُطبق الدم ولا ينقطع.
والثاني - أن ينقطع الدم، وهو التلفيق.
فأما النوع الأول: فالمستحاضات في التقسيم الأول: مبتدأة، ومعتادة.
فأما المبتدأة: فهي التي كما يبتديها الدم تُطبق الاستحاضة، وتتصل الدماء.
وهي تنقسم إلى مميزة، وغير مميزة.
والمعتادة: تنقسم إلى ذاكرة لعادتها قبل الابتداء بالاستحاضة، وإلى ناسية لعادتها، وهي التي تسمى المتحيرة.
والمعتادة الذاكرة: قد تنقسم إلى مميزة، وغير مميزة أيضاً. فإذاً المستحاضاتُ أربع:
مبتدأة مميزة.
ومبتدأة غير مميزة.
ومعتادة ذاكرة.
وناسية.
466 - وقد نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أخبار في المستحاضات، فنصدر بها الباب.
فمما نقل عنه صلى الله عليه وسلم في المستحاضة المميزة، ما روي عن عائشة: أنها قالت: "سألت فاطمةُ بنت أي حُبَيْش رسول الله، وقالت: إني أُستحاض، فلا أطهر، فقال عليه السلام: إنما هو عرق انقطع، إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة،

(1/331)


وإذا أدبرت فاغتسلي، وصلي" وفي رواية: " دم الحيض أسود له رائحة تعرف " (1).
والخبر الثاني: في المعتادة، وهو ما روي أن امرأة سألت أمُّ سلمة لها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مستحاضة، فقال عليه السلام: " مُريها فلتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتدع الصلاة، فإذا خلّفت ذلك، فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلِّ " (2) والخبر الثالث: ما روي أن حمنة بنت جحش استحيضت سبع سنين، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: " تحيّضي في علم الله ستاً أو سبعاً كما تحيض النساء، وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن ".
فالظاهر أنها كانت مبتدأة، وقوله عليه السلام: " في علم الله " معناه: فيما علّمك الله من عادات النساء.
[المستحاضة الأولى] (3)
467 - فنبدأ بالمميزة المبتدأة، وهي التي طبق الدم عليها من أول الأمر، وكان يتميز لها دم الحيض عن دم الاستحاضة بالصفة، كما سنذكرها، ولا يمتنع عليها التمييز، بسبب من الأسباب.
468 - ونحن نذكر ما جاء في صفة دم الحيض: روي أنه صلى الله عليه وسلم
__________
(1) حديث فاطمة بنت أبي حبيش، سبق في فقرة 443.
(2) حديث أم سلمة رواه مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وقد صححه الألباني. (ر. الموطأ: 1/ 62 رقم 105، مسند الشافعي: 311، مسند أحمد: 6/ 320، أبو داود: الطهارة، باب في المرأة تستحاض، ح 274، الألباني رقم 244، والنسائي: الحيض والاستحاضة، باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر ح 355، والألباني: رقم 202، وابن ماجة: الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام إقرائها 623، الألباني رقم 506، والتلخيص: 1/ 169 رقم 233).
(3) زيادة من المحقق.

(1/332)


قال: " إنه أسود محتدم بحراني، ذو دفعات له رائحة تعرف " (1) فأما الأسود، فلم يعنِ به أسودَ حالك، وإنما أراد به تعلوه حمرة مجسّدة (2)، كأنها سواد من تراكم الحمرة. والمحتدم، أراد به اللذّاع؛ فإنه قد يلذع البشرة بحدّته، وهو يختص برائحةٍ كريهةٍ؛ ولذلك أُمرت إذا طهرت أن تتبع بفِرصةٍ من مسكٍ أثرَ الدم. واختلفوا في البحراني، فمعناه الصحيح أنه ناصع اللون، يقال: دم بحراني وباحريّ، إذا كان لا يشوب لونَه لونٌ. ودم الاستحاضة أحمر رقيق، ضارب إلى الشقرة في غالب الأمر.
فإذاً: دم الحيض أقوى لوناً ومتانةً من دم الاستحاضة.
469 - فإذا كان يتميز الدم القوي عن الضعيف -وهذه مبتدأة، لم تسبق لها عادةٌ، واستمرارُ أدوارٍ قبل الابتلاء بالاستحاضة- فهي مردودة إلى التمييز، بشرط أنه يجتمع ثلاثة أركان:
أحدها - ألا ينقص الدم القوي عن أقل الحيض، وهو يوم وليلة، على ظاهر المذهب.
والركن الثاني - ألا يزيد الدمُ القوي على أكثر الحيض.
والثالث - ألا ينقص الدم المشرق الضعيف عن أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوماً.
فإن استجمعت هذه الأركان تحيضت في أيام الدم القوي. وهي المعنية بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة " ثم إذا أدبر الدم القوي، فهي الاستحاضة، فتغتسل وتصلي، وحدثها دائم، كما مضى أمرها مفصلاً.
فإن عدمت ركناً من هذه الأركان، فقد عجزت عن التمييز، فهي مبتدأة غيرُ مميزة، وسيأتي حكمها إن شاء الله عز وجل، متصلاً بحكم القادرة على التمييز.
470 - ثم مما نمهده في أمرها قبل الخوض في التفريع، أنها في أول الأمر إذا رأت
__________
(1) " إِنه أسود محتدم بحراني " هذا اللفظ من الزيادات في حديث فاطمة بنت أبي حبيش، الذي تقدم ذكره، وقد علق الحافظ في التلخيص على ذكر الرافعي لهذه الزيادة، فقال: "تبع فيه الغزالي، وهو تبع الإِمام، وفي تاريخ العقيلي عن عائشة نحوه، قالت: دم الحيض أحمر بحراني، ودم الحيض، كغسالة اللحم" وضعّفه (أي العقيلي) ثم قال: والصفة المذكورة وقعت في كلام الشافعي في الأم (ر. التلخيص: 1/ 169 ح 232).
(2) في هامش (ل): مجسدة أي مشبعة، ومنه قيل للزعفران: جساد. ا. هـ. وفي القاموس، والمعجم: "ثوبٌ مجسَّد، ومجْسَد: أي مصبوغ بالجِساد: وهو الزعفران، وكل صبغ شديد الحمرة".

(1/333)


دماً قوياً أياماً، ثم ضعف الدم وتغيّر، وكل ذلك دون الخمسةَ عشرَ من ابتداء الدم؛ فإنا نأمرها في الشهر الأول بأن تتربص وتتحيّض في ظاهر الأمر، وتنظر ما يكون، فإن انقطع نوع الدم على الأكثر، وامتد بعده النقاء خمسة عشر يوماً، فجميع ما رأته من الدم حيضٌ، وإن كان بعضه ضعيفاً مشرقاً؛ فإنّ المرأة إنما تردّ إلى التمييز عند ضرورة الاستحاضة، فإن تربصت منتظرة لا تصوم ولا تصلي، والزوج معتزل عنها، كما سبقت أحكام الحيض، فزاد الدم على الخمسةَ عشرَ، فقد تبينت الآن أنها مستحاضة.
فنقول: بان لنا أن حيضك الدمُ القويُّ الذي رأيتِهِ في أول الأمر، فحكمك فيه حكم الحيض، وقد تقلَّبَتْ (1) عن الحيض من وقت تغيّر الدم إلى الضعف والإشراق، فعليها أن تتدارك، وتقضي الصلوات التي تركتها في تلك الأيام.
471 - وإذا مضى الدم المشرق، وبلغ خمسة عشر يوماً فصاعداً، ثم عاود الدمُ القوي، فإنها تتحيّض [ثم] (2) إذا مضى في الدور الثاني أيامُ الدم القوي، واستحال ضعيفاً، فكما (3) استحال تغتسل وتصلي، ولا تتربص كما تربصت في الشهر الأول؛ فإنها في الشهر الأول لم تعلم كونها مستحاضة، حتى زاد الزمان القوي والضعيف على الأكثر. وهي على بصيرة في الشهر الثاني بكونها مستحاضة.
فإن قيل: ستذكرون خلافاًً في أن العادة في المستحاضة المعتادة هل تثبت بمرّة واحدة، فهلاّ خرّجتم هذا الخلاف في تبيّن الاستحاضة، [حتى] (4) تنتظر الشهر الثاني على وجه انتظارها في الشهر الأول، ثم لا تنتظر في الشهر الثالث وجهاً واحداً. قلنا: لما أطبق الدم عليها في الشهر الأول، فقد استيقنت أنها مستحاضة، ومما تحقق في الجبلة أن (5) الاستحاضة من العلل المزمنة التي تدوم مدة مديدة غالباً؛ فوقع الاكتفاء [لهذا بدور شهر] (6).
__________
(1) تقلّبت: انتقلت
(2) ساقطة من الأصل.
(3) "كما" بمعنى عندما.
(4) في الأصل: هل. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(5) في الأصل: أن ندور الاستحاضة. بزيادة كلمة ندور.
(6) في الأصل: بهذا الشهر.

(1/334)


وأما مقدار الحيض في القلة والكثرة، فقد يختلف ولا يطرد، وليس استقراره مقدار مرةً واحدة أمراً ظاهراً موثوقاً به. فقال قائلون: لا بدّ من التكرار، فقد لاح الفرق.
على أنا سنذكر أن الأصح أن العادة تثبت بمرة واحدة - إن شاء الله عز وجل.
472 - ثم إذا استمرت الاستحاضة، وتمكنت من التمييز، فإنها مردودة إلى اتباع الدم القوي والضعيف في أدوارها. فلو جاءها دور ورأت في أوله خمسة أيام دماً قوياً، وتحيّضت فيها، وضعف الدم بعدها، فاغتسلت، ثم انقطع الدم على الخمسة عشر وشُفيت، فقال الأئمة: تحيُّضها في هذا الدور خمسة عشر يوماً؛ فإنا تبينا أنها ليست مستحاضة في هذا الدور، وإنما يردّ إلى صفة الدم المستحاضةُ.
فصل
473 - حقيقة التمييز في الاستحاضة اتباعُ قوة الدم، وضعفه، مع وجود الأركان التي ذكرناها للتمييز، فإن كانت ترى دماً أسودَ أياماً، ثم دماً أحمر منطبقاً إلى آخر الدور، فهي مستحاضة في زمان الحمرة؛ فإن الأحمر بالإضافة إلى الأسود ضعيف.
ولو كانت ترى أولاً دماً أحمر، ثم بعد ذلك دماً أشقر مشرقاً إلى الصفرة، فهي حائض في أيام الحمرة، مستحاضة في أيام الشقرة؛ فإن الأحمر قوي بالإضافة إلى ما بعده من الشقرة.
والأمر يختلف في القوة والضعف بالنسب والإضافات.
فلو رأت خمسةً سواداً وخمسةً حمرةً، ثم شقرةً إلى آخر الدور، فالدمان الأولان قوتان بالإضافة إلى الشقرة بعدهما والحمرة ضعيفة بالإضافة إلى السواد المتقدم عليها، قويةٌ بالإضافة إلى الشقرة بعدها، ففي المسألة طريقان:
من أئمتنا من قطع بأن السواد والحمرة جميعاً حيض؛ لقوتهما، ولإمكان تقديرهما حيضاً.
ومن أصحابنا من ذكر وجهين في الحمرة: أحدهما - أنها حيض؛ لقوتها بالإضافة

(1/335)


إلى ما بعدها. والثاني - أنها استحاضة؛ لضعفها بالإضافة إلى السواد المتقدم عليها.
474 - ولو رأت خمسة سواداً، وأحدَ عشر حُمرةً قانية، واصفرّ الدم بعد ذلك، وأشرق وتمادى خمسة عشر يوماً فصاعداً، فاختلف أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم:
السواد والحمرة جميعاًً بمثابة سوادٍ مطبقٍ [بالغٍ] (1) ستة عشر يوماً، أو حمرةٍ مطبقة في هذه المدة، ولو فُرض كذلك، لكان الدم القوي زائداً على أكثر، فكانت هي فاقدة لما هو من أركان التمييز، مردودةً إلى ما ترد المبتدأة إليه إذا لم تكن مميزة.
ومن أصحابنا من قال: نحيّضُها في أيام السواد، ونُلحق الحمرة بدم الاستحاضة؛ لأنها اتصفت بنوعين من الضعف: أحدهما - أنها ضعيفةٌ بالإضافة إلى ما قبلها، والثاني - وقع طرفٌ منها وراء [الأمد الأكثر] (2)، فصارت من هذين الوجهين كالشقرة.
وكان شيخي يذكر الصورة الأولى: إذا لم يزد الزمان على اكثر، ويذكر الصورة الثانية: وهي إذا كان مجموعهما يزيدان على الأكثر. ثم كان يقول: اختلف أئمتنا في الصورتين. فمنهم من حكم بأن الدمين حيض إذا أمكن الجمع بينهما، وإن لم يمكن الجمع بينهما فوجهان: أحدهما - أنها فاقدة لركن من التمييز. والثاني - أنا نحيّضها في أيام السواد، ونحكم بأن الحمرة بعده استحاضة.
ومن أئمتنا من قال: إذا زاد الدّمان على الأكثر، فلتلتحق الحمرة بالشقرة وجهاً واحداً، وتحيُّضُها في أيام السواد، وإذا لم يزد الدّمان على الأكثر، فوجهان:
أحدهما - أنهما حيض والاستحاضة بعدهما.
والثاني - أن الحيض منهما السواد الأول، والحمرة استحاضة.
فهذا منتهى الغرض في التنبيه على وجوه اختلاف الأصحاب في هذا.
__________
(1) ساقطة من الأصل، (ت 1).
(2) العبارة ملفقة من النسخ الثلاث، ففي الأصل: وراء الأمد، وفي (ت 1)، (ل): وراء الأكثر.

(1/336)


475 - ومما نُلحقه بهذا: أن الاعتبار في القوة والضعف باللون المجرد في الدم، فليُفهم ذلك (1)، وإن ورد في الخبر صفاتٌ أخرى سوى اللون، من أنه محتدم، ذو دفعات، له رائحة تعرف.
وقد قطع به الصيدلاني، وهو متفق علَيه في الطرق، حتى لو رأت خمسةً سواداً مع الرائحة المنعوتة، وخمسة سواداً بلا رائحة، فهما دم واحد وفاقاً، وكذلك لا نظر إلى المتانة والرقة والخثورة، وإنما المعتبر اللون فحسب، فليثق الناظر بذلك.
476 - ولو رأت أولاً خمسة شقرة، ثم خمسةً سواداً أو حمرةً قانية، ثم شقرةً إلى آخر الدور، فالدم في أول الدور ضعيف، ولكن موضعه وأوليته قد تقوِّيه في ظن الفقيه، والدم الثاني قوي في صفته، ولكنه متأخر عن وقته المعتاد غالباً، فاضطرب الأصحاب لذلك.
وأنا أرى أن أرسم صوراً، وأذكرَ مذاهب الأصحاب فيها، ثم أختمَها بما يضبط مأخذ الطرق.
477 - صورة: فإذا رأت أولاً خمسة شقرة، ثم خمسة سواداً، ثم استمرت الشقرة، ففي هذه الصورة وجهان مشهوران: أحدهما - أنه يتبع الدم القوي على ما يوجبه التمييز، فنحيّضُها في الخمسة الثانية، ونجعل الخمسة الأولى دم فساد سابق على أول الدور، وهذا قياس التمييز.
والوجه الثاني: نحيّضُها في الخمسة الأولى والثانية جميعاًً، أما الخمسة الثانية، فإنها على نعت الحيض وقوته، وأما الأولى فمتقوية بالأولية، والغرض اتباع القوة، والجمع بينهما جميعاًً ممكن.
وحكى المحاملي في (الوجهين والقولين) وجهاً ثالثاًً، من أجوبة ابن سُريج: وهو أنها فقدت (2) التمييز في الصورة التي ذكرناها؛ فإن النزول عن أول الدور بعيد،
__________
(1) في هامش (ل) ما نصه: "قال في التتمة: معنى التمييز أن ترى الدم مختلفاً، بعضه أقوى من بعض، والقوة والضعف تتبين بثلاثة أشياء: اللون، والثخانة، والرائحة".
(2) في (ل): تُسقط التمييز.

(1/337)


فهذه مبتدأة لا تميز، فتردّ إلى أقل الحيض، أو غالبه، كما سيأتي ذلك مشروحاً، إن شاء الله عز وجل.
478 - صورة أخرى تماثل التي سبقت: إذا رأت خمسة أولاً شقرة، وعشرةً سواداً، ثم استمرت الشقرة، ففي وجه: حيضُها السواد في العشرة.
وفي وجه: تحيّضُها خمسةَ عشرَ يوماً؛ فإن الجمع بين الأوّلية وقوة الدم ممكن.
وفي الوجه الثالث الذي حكاه المحاملي: هي فاقدةٌ للتمييز.
479 - صورة أخرى: إذا رأت خمسة شقرة، وأحد عشر سواداً، فقد تجدد في هذه الصورة أمرٌ آخر، وهو أن الجمع بين الأولية والسواد متعذر في هذه الصورة؛ فإنا لو فعلنا ذلك، لزادت الحيضة على الأكثر، فأما من يتبع السواد فيُحيّضها في الأحد عشر الذي فيه السواد، ومن يجعلها فاقدةً في الصورتين السابقتين، فهذا ظاهرٌ في هذه الصورة. وأما من يحاول الجمع بين الأولية وقوة الدم -وقد تحقق تعذّر ذلك- فالمذهب الظاهر أنها فاقدةٌ للتمييز.
وذكر شيخي عند تعذر الجمع في كتاب الحيض من تصنيفه، الذي ترجمه بالمحيط (1) وجهاً غريباً، وهو أن من الأئمة من يحيِّضها في الخمسة الأولى، وإن كانت شقرة؛ نظراً إلى الأولية. وتغيُّر الدم إلى السواد، في هذه الصورة عند هذا القائل، كتغير الدم القوي إلى الضعيف.
وهذا الوجه هفوة [لا] (2) أراه، ولا أعده من المذهب.
480 - صورة أخرى: إذا رأت خمسةً شقرة، وستة عشر يوماً سواداً، فمن اتبع الدم الأسود لا يمكنه أن يُحَيِّضَها في أيام السواد، وإذا تعذّر ذلك، فلا شك في تعذر
__________
(1) المحيط من مؤلفات والده أبي محمد الجويني، وهو الكتاب الذي أرسل إِليه البيهقي رسالته المشهورة، لما اطلع على أجزاء منه، فلما قرأ رسالة البيهقي، انصرف عن الكتاب، ولم يتمه، وقد كان نحا فيه نحو الاستقلال عن المذهب الشافعي، واستنبط الأحكام من الكتاب والسنة بدءاً.
(2) ساقطة من النسختين ولا يستقيم السياق بدونها، وعبارة (ل): أراه هفوة، ولا أعده من المذهب.

(1/338)


الجمع، فلا ينقدح في هذه الصورة إلا المصير إلى أنها غيرُ مميزة، ويأتي فيه الوجه الذي ذكره في المحيط، وهو أن نحيّضها في الخمسة الأولى.
وهذا غلط.
48 - [فآل] (1) محصول المذهب إلى أن من الأصحاب من يتبع الدم القوي متى فُرض.
ومنهم من يحاول الجمع بين الأولية والدم القوي إن أمكنه، وإن تعذّر الجمع، جعلها فاقدة للتمييز.
ومنهم من يُسقط التمييز، وإن أمكن تقدير الجمع من جهة الزمان.
فرع:
482 - ولو رأت المبتدأة في الشهر الأول خمسة عشر يوماً شقرة، وكنا نأمرها بالترّبص، فلما انتصف الشهر، ابتداً السواد، فرأت خمسة عشر سواداً، فلا يكاد يخفى تفريع هذه الصورة، ولكن من يتبع قوة الدم، يأمرها بترك الصلاة، [في النصف الثاني من الشهر. فهذه امرأة على هذه الطريقة أُمرت بترك الصلاة] (2) شهراً، أمرت به في النصف الأول للانتظار، ثم إنها تستدركه، وأمرت بترك الصلاة في النصف الثاني لقوة الدم على المذهب الذي نفرع له، ثم إن زاد الدم القوي على الأكثر، فهي غير مميزة؛ فنردّها بعد انقضاء الشهر والزيادة إلى ما تردّ المبتدأة إليه.
فصل
483 - قد تستفيد المرأة عادة من التمييز، فترجع إليها عند [تعذر] (3) التمييز، وبيان ذلك أنها إذا كانت ترى خمسة سواداً، وباقي الشهر شقرةً، ثم أطبق السواد، وأطبقت الشقرة، وعسر التمييز، فهي مردودة إلى الخمسة التي كانت تتحيّض فيها.
بحكم التمييز.
وذلك واضح لا خفاء به.
__________
(1) في النسخ الثلاث: " فقال ". وهو تحريف ظاهر، لا ندري كيف اتفقت عليه.
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: عدم. والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/339)


فصل
484 - المردودة إلى التمييز إذا تغيّر دمها القوي إلى الضعيف على (1) وجدان أركان التمييز، فكما [يتغير] (2)، تغتسل وتستفيد أحكام [الطاهرات] (3) من الحيض.
وقال مالك (4): تستظهر بعد التغيّر بثلاثة أيام.
ونحن لا نرى ذلك أصلاًً، ولكن أقول: إن انقلب الدم بدفعة من لون [قوي] (5) إلى لونٍ دونه، فالحكم ما ذكرناه في استقبال أحكام الاستحاضة.
وإن بدت خطوطٌ من الشقرة، وبقيت خطوط من السواد، فالذي أراه أن حكم الحيض قائم؛ فإن السواد باقٍ، واقتران دم ضعيف به لا يخرجه عن حكم قوته.
فهذا حكم المبتدأة المميّزة.
[المستحاضة الثانية] (6)
485 - وأما المبتدأة التي لا تتمكن من التمييز، فكما حاضت أطبق عليها مثلاً لون واحد، فإلى ماذا تردّ؟
في المسألة قولان: أحدهما - أنها تُرد إلى أقل الحيض
والثاني - إلى أغلب الحيض، وهو ست أو سبع. وقد رُوِّينا خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهره حكم المبتدأة؛ فإنه عليه السلام قال: " تحيّضي في علم الله ستاً أو سبعاً " الحديث.
ومن قال: إنها مردودة إلى أقل الحيض، راعى الاحتياط في إدامة وظائف الشريعة وإقامتها؛ إذ ليس معها متعلَّق من اجتهاد أو عادةٍ، والأصل اشتغال الذمة بفرائض الله تعالى.
__________
(1) "على" بمعنى " مع " قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6].
(2) في الأصل: تغيّر. وكما: بمعنى عندما، في عبارة الخراسانيين كما نبهنا آنفاًً.
(3) في الأصل: الطهارات، والمثبت من (ت 1)، (ل).
(4) ر. الإشراف: 1/ 191 مسألة 163، جواهر الإِكليل: 1/ 30.
(5) زيادة من (ل).
(6) العنوان زيادة من المحقق.

(1/340)


التفريع على القولين:
486 - من قال: إنها مردودة إلى غالب الحيض لم يذكر الست والسبع تخييراً، وتخيُّل ذلك محال، ولكن ننظر إلى عادة النساء، فإن كنّ يحضن سبعاً، حيّضناها من أول الدور سبعاً، وإن كن يحضن ستاً، حيضناها ستاًً، وإن كن يحضن خمساً، حيضناها ستاً؛ فإنها أقرب إلى الخمس، وإن كن يحضن سبعاً أو ثمانياً، أو أكثر حيضناها سبعاً؛ فإن السبعَ أقرب إلى التسع والثمان من الست.
واختلف الأئمة في النسوة اللائي تُعتبر هذه (1) بهن، فالذي صار إليه الأكثرون اعتبارها بنساء قراباتها.
قال الصيدلاني: نحن نعتبر مهر مثل المرأة بنساء العصبات كما سيأتي، والنساء المعتبرات في هذا الباب جملة نساء القرابة، من طرفي نسبها.
ومن أئمتنا من قال: نعتبرها بنساء ناحيتها وبلدها، ولا تخصص بنساء العشيرة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحيّضي ستاًً، أو سبعاً، كما تحيض النساء، وكما يطهرن ". ولم يخصص بنساء العشيرة.
ولو كان بعض النساء المعتبرات يحضن ستاًً، وبعضهن يحضن سبعاً، فنردها إلى الست؛ لأن الست متفق عليها؛ إذ في السبع ست. ولو كان بعضهن يحضن خمساً، وبعضهن تسعاً، فهي مردودة إلى الست.
487 - قال شيخي: إذا اعتبرناها بنساء العشيرة وعادتهن تسعٌ مثلاً أو عشر، فيحتمل أن تثبت لها تلك العادة بعينها، ولا تخصص بالست والسبع.
وهذا الذي ذكره حسن، ولكني لم أره لغيره، وعندي أنه ما ذكره وجهاً مخرجاً، وإنما أبدى وجهاً من الاحتمال.
ثم إذا رددناها إلى الست، أو إلى السبع، فنردّها إلى أغلب الطهر، وتكمل مع زمان الحيض الدورَ بالطهر ثلاثين يوماً، فإن حيَّضناها ستاًً، حكمنا لها أربعة وعشرين يوماًً، وإن حيّضناها سبعاً، حكمنا لها بعد السبع بثلاث وعشرين طهراً.
__________
(1) في ت 1: يعتبر هذا بهن.

(1/341)


فهذا بيان التفريع على الرد إلى غالب الحيض.
488 - فأما إذا قلنا: إنها ترد إلى أقل الحيض، فإلى كم ترد في الطهر؟
أبعد بعضُ أصحابنا، وذهب إلى أنها ترد إلى أقل الطهر أيضاًً؛ فيكون دورها ستة عشر يوماًً: يومٌ وليلة حيض، وخمسةَ عشرَ يوماًً طهر، ويُحكى هذا عن البويطي.
وهو اتّباع لفظٍ وإضرابٌ عن المعنى؛ فإنا إنما رددناها إلى الأقل، حتى تكثر صلواتُها. فأما إذا رددناها إلى أقل الطهر، فالحيض يكُرُّ عليها على قرب، ففي تقليل أمد طهرها تكثير حيضها، وهذا يخالف وضعَ هذا القول.
فإذا ثبت أنها [لا] (1) ترد إلى أقل الطهر، فإلى ماذا تردّ في حساب الطهر؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنها تكمل بالطهر دورَها ثلاثين يوماًً، فحيضها يوم وليلة، وطهرها تسعةٌ وعشرون يوماً.
والثاني - أنا نردها إلى غالب الطهر. ثم الطهر الغالب بين ثلاثة وعشرين، وأربعة وعشرين (2). وكان شيخي -على هذا الوجه الذي انتهى إليه التفريع- يرى أنها ترد إلى أربعة وعشرين احتياطاً للعبادة.
فهذا بيان ما ترد المرأة المبتدأة إليه من الحيض.
489 - ثم هي حائض في الزمان الذي رُدَّت إليه، وما حكمها وراء ذلك الزمان على اختلاف القولين إلى تمام خمسةَ عشرَ يوماًً من أول الدور؟ فعلى قولين: أصحهما - أن حكمها حكمُ الطاهرات؛ قياساً على المميزة المعتادة؛ فإن المميزة إذا فارقت الدمَ القوي، فهي طاهرة بها حدث دائم، وكذلك المعتادة إذا انقضت أيامُ عادتها، فهي طاهرة إلى عودة الحيض في مفتتح الدور الآخر، فلتكن المبتدأة كذلك وراء أيام الحيضة، ردت إلى الغالب، أو إلى الأقل.
والقول الثاني - إنها مأمورة بالاحتياط وراء الحيض إلى انقضاء خمسة عشر يوماًً من
__________
(1) زيادة من (ت)، (ل).
(2) في النسختين بين ثلاثة وعشرين، وبين أربعة وعشرين، والمشهور أن (بين) لا تكرر مع الظاهر، وإنما تكرر مع الضمير، وقد جرت على هذا نسخة (ل)، فلم تكرر (بين).

(1/342)


أول الدور؛ فإنا لم نسند أمرها إلى أصلٍ من تمييز ناجزٍ أو عادةٍ سابقةٍ، ولم يُنقل فيها حديث يتحقق أنه في المبتدأة، فاقتضى ذلك احتياطاً.
ثم الاحتياط على هذا القول، كالاحتياط في حق الناسية المتميزة، وسيأتي تفسيره فيها، فهو عمدة الكتاب.
فصل
490 - ما ذكرناه من شهر التربص، وشهر الشفاء، وما بينهما من الشهور في المميزة يعود في المبتدأة، فإذا استمر الدم بالمبتدأة لمّا رأته، فإنها تتربص خمسةَ عشرَ يوماًً، وهي أوْلى المستحاضات بالتربص؛ فإنها لم يسبق منها في [نُوب] (1) الحيض شيء، وليست متمسكة بالتمييز في الحال، فإن انقطع الدم على الأكثر، فالكل حيضٌ، وإن جاوزه، ردت إلى الأقل من أول الدور، أو الغالب كما مضى، ثم لا تتربص في غير الشهر الأول كما تقدم، فإن انقطع الدم على خمسةَ عشرَ في شهر، وشفيت، فالدم بكماله في هذا الشهر حيض؛ فإن الاستحاضة إنما تتحقق إذا جاوز الدم الأكثر.
فصل
491 - حكى العلماء بأحكام الحيض، عن [أحمد] (2) بن بنت الشافعي مذهباً في المبتدأة، لم يساعده الأصحاب عليه، وذلك أنه قال: إذا انفصل الخامس عشر بالنقاء
__________
(1) في النسختين: ثوب. وهذا تقدير منا. عسى أن يكون صواباً. وقد صدقتنا (ل) بحمد الله.
(2) في النسخ الثلاث: محمد بن بنت الشافعي. والذي في كتب التراجم: أحمد بن محمد بن عبد الله ابن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع، المطلبي الشافعي نسباً ومذهباً، وهو ابن بنت الإِمام الشافعي رضي الله عنه، أمه زينب بنت الإمام الشافعي، يكنى أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن، روى عنه الإمام أبو يحى الساجي، له مسائل انفرد بها في الحج والرضاع وغيرها، توفي سنة 295 (ر. طبقات ابن قاضي شهبة: 1/ 75، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 296 رقم 557، وطبقات السبكي: 2/ 186).

(1/343)


عن السادس عشر، فما وقع في النصف الأول حيض؛ وما وقع في النصف الأخير من الدور استحاضة.
وبيان ذلك بالتصوير: إذا استمر الدم عليها، ثم طهرت في السادس عشر، وعاود الدم في السابع عشر واطّرد، فالنصف الأول حيض؛ فإنه لم يتصل آخره بدم في أول النصف الثاني من الدور، فكان ذلك انفصالاً لأحد النصفين عن الثاني.
وإن طهرت في الخامس عشر، ثم عاد الدم في أول السادس عشر، فما وقع في النصف الأول حيض أيضاً؛ لأن الدم لم يطرد على آخر النصف الأول مع أول النصف الثاني.
فأما إذا استمر الدم على آخر النصف الأول وأول النصف الثاني، فتردّ حينئذ إلى غالب الحيض من أول الدور.
وهذا الذي حُكي عنه مذهب يختص به، لا يعد من مذهب الشافعي.
وحقيقة المذهب في تقطع الدم بنقاء لا يبلغ أقل الطهر يأتي مستقصىً في باب التلفيق، إن شاء الله تعالى.
[المستحاضة الثالثة] (1)
492 - المستحاضة الثالثة: هي المعتادة، وهي التي استمرت لها أدوارٌ مستقيمة، ثم استحيضت، وطبق الدم عليها، فهي مردودة إلى عادتها في مقدار الحيض والطهر، ورعاية ترتيب الدور إذا كانت لا تتمكن من التمييز، وإن كانت متمكنة من التمييز، فسنعقد فيه فصلاً في الآخر. ولو كانت لها عادةٌ جارية مدةً، ثم تغيّرت قبل الاستحاضة، وزاد الحيض أو نقص، أو زاد الطهر أو نقص، وما استحيضت، فإن تكرر ذلك على [انتظام ثم] (2) استحيضت، فهي مردودة إلى حكم الدور الأخير، فإن جرى التغير مرةً واحدةً، ثم استحيضت، فظاهر المذهب أنها مردودة إلى الدور الأخير.
__________
(1) العنوان زيادة من المحقق.
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/344)


وفي المسألة وجه ثانٍ: أنها ترد إلى العادة [القديمة] (1)، ولا اعتبار بما جرى مرةً واحدةً، وهذا مذهب أبي حنيفة (2).
493 - توجيه الوجهين: من قال لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، احتج بأن العادة من العود، وما لا يعود لا يؤثر فيما تكرر عوداً [على بدء] (3) قديماً.
ومن قال بالوجه الأظهر، احتج بأن المتأخر بالإضافة إلى ما تقدم كالناسخ والمنسوخ، ولا حقيقة [لقول منا] (4) يتمسك باشتقاق [لفظ] (5) العادة، فإن هذه اللفظة ليست من ألفاظ الشارع، فلا معنى للتعلق بمقتضاها. ولئن كان يبعد ترك عادة قديمة بمرة، فتركها بمرتين لا يغير من الاستبعاد شيئاً.
وما ذكرناه متفقاً عليه، ومختلفاً فيه، يتهذب بصور نذكرها: فلو كانت تحيض خمسة أيام، وتطهر خمسةً وعشرين يوماًً، وكانت الأدوار تطّرد كذلك، فجاءها شهر، فرأت ستة دماًً، وأربعةً وعشرين طهراً، فقد زادت حيضتها، فلو زاد عليها دورٌ كذلك، فرأت ستة دماً، وأربعة وعشرين نقاءً، ثم فاتحها الدم وطبق، ولم ينقطع، فهي مردودة إلى حساب الدورين الأخيرين وفاقاً. ولو رأت الستة والأربعة والعشرين مرةً واحدةً، وفاتحها الدم وأطبق، فإن قلنا: تتغير العادة بالمرة الواحدة، [وهو الأصح، فهي مردودة إلى الدور الأخير، فدورها ثلاثون يوماًً كان، لكن ستة من أول الدور حيض، وأربعة وعشرون استحاضة.
وإن قلنا: لا تتغير العادة بالمرة الواحدة] (6) فهي مردودة إلى عادتها القديمة، فنحيّضها خمسةً من أول الدور، ونحكم لها بالطهر خمسةً وعشرين يوماًً، وكذلك نُدير عليها أدوارها. وكذلك لو فرض نقصان الحيض مع التكرر، ومن غير تكرر، ثم طريان الاستحاضة، فلا يخفى تفريع الخلاف والوفاق.
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) ر. حاشية ابن عابدين: 1/ 200
(3) زيادة من (ت 1)، (ل).
(4) عبارة الأصل: لمن يتمسك. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(5) زيادة من (ت 1)، (ل).
(6) ساقط من الأصل وأثبتناه من: (ت 1) وجاءت في موضع سقط كبير في (ل).

(1/345)


وكل ما نذكره فيه إذا لم يزايل أول الدم بالتقدم ولا بالتأخر.
494 - وتمام البيان في ذلك في ذكر قاعدة، وهي: أنها إذا كانت تحيض خمسة، وتطهر خمسة وعشرين، فجاءها شهر، ورأت ستة دماً، وأربعة وعشرين طهراً، ثم رأت الدور الثاني سبعة دماًً، وثلاثة وعشرين طهراً، ثم فاتح الدم وأطبق.
فإن قلنا: العادة تثبت بالمرة الواحدة، فالعادة القديمة نسختها الستة والأربعة والعشرون، ثم السبعة والثلاثة والعشرون نسخت الستة قبلها. فالمستحاضة مردودة إلى حكم الدور الأخير حيضاً وطهراً.
وإن قلنا: لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، فالأصح أنه لا معتبر بالدورين الآخرين؛ فإنهما مختلفان، لم يتكرر واحد منهما، فالمستحاضة مردودة إلى حساب الأدوار القديمة، فنحيّضها من أول الدم خمسةَ أيام، ونحكم لها بالطهر خمسة وعشرين يوماًً.
ومن أصحابنا من قال: الستة متكررة؛ فإن في السبعة ستة، والسابع هو الذي لم يتكرر، فنحيّضها ستة أيام من أول الدور.
وإن قلنا: لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، فإن قيل: إذا ردّت إلى الستة في الحيض فإلى ماذا ترد في الطهر؟ قلنا: كان في الأدوار القديمة خمسة وعشرون، ثم رأت في الدورين الأخيرين النقصان في الطهر على وجهين، فرأت في الدور بالستة الطهرَ أربعة وعشرين، ورأت في الدور بالسبعة ثلاثة وعشرين، فنقص في الدور الأول يوم، ونقص في الثاني يومان، فقد تكرر في النقصان يوم واحد، واختُص الدور الأخير بنقصان يوم، فنحط من الخمسة والعشرين ما تكرر نقصانه، وهو يوم واحد، فنحيّضها ستة، ونحكم لها بالطهر أربعة وعشرين، والدور ثلاثون كما كان. هذا تفريع هذا الوجه في الطهر والحيض.
495 - فأما إذا زايل الحيضُ أولَ الدور، فلا يخلو إما أن يزايله بالتأخر، وإما أن يزايله بالتقدم.
فإن زايل أولَ الدور بالتأخر، فلا يخلو إما أن يزايل بالتأخر من غير زيادةٍ،

(1/346)


ولا نقصانِ، أو يفرض مع التأخر زيادة أو نقصان.
فأما التأخر المحض فنصوّره ونقول: إذا كانت تحيض من أول الشهر خمسة أيام، وتطهر خمسة وعشرين يوماً، فجاءها شهر وحاضت من أوله خمسة، وطهرت خمسة وعشرين، وانتظرت معاودة الحيضة، فلم تعد حتى مضت خمسةُ أيام، ثم رأت الدم في الخمسة الثانية، فالدور الأخير خمسة وثلاثون يوماً، خمسة حيض، وثلاثون طهر.
فإن رأت الخمسة الثانية دماً، وطهرت ثلاثين يوماً، فعاودها الدم في الخمسة الثالثة من الشهر، فإذا عاودها الدم، وطبق في هذه الصورة، فهي مردودة إلى هذا الحساب الذي تكرر، فنحيّضها من أول الدم المطبق خمسة، ونحكم لها بالطهر ثلاثين يوماًً، وندير عليها أدوارها على هذا الحساب، ولا نذكر خلافاً.
وإن جرى ذلك مرةً واحدةً، وكما (1) رأت الدمَ في الخمسة الثانية استمر، فإن فرعنا على الأصح، وهو أن العادة تثبت بالمرة الواحدة، فدورها خمسة وثلاثون كما ذكرناه، ولا مبالاة بخلو أول الدور القديم.
وإن قلنا: لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، فالذي صار إليه الأئمة، أنا نحيّضها خمسة من أول الدور؛ فإنه دمٌ في زمن إمكان الحيض، وقد تخلل بينه وبين الدم المتقدم طهر تام، فلا بد من تحيّضها.
ثم اختلفوا وراء ذلك، فذهب المحققون إلى تحييضها في الخمسة الثانية، كما ذكرناه، وهو أول الدم المطبق، ثم تحسب بعده خمسة وعشرين طهراً، فإن الطهر ثلاثين لم (2) يتكرر، فيعاودها الحيض في الخمسة الثانية أبداً، فإن الفقه في رعاية العدد، لا في خلوّ أول الدور.
ومن أصحابنا من قال: نحيضها في الخمسة الثانية وهي أول الدم المطبق، ونحكم
__________
(1) وكما: بمعنى عندما، وهو استعمال شائع عند الخراسانيين، وليس بعربي ولا صحيح، قاله النووي.
(2) جملة لم يتكرر هي خبر إِن، وكلمة (الطهر ثلاثين) كمركب، وهي اسم إِن.

(1/347)


لها بالنقاء بقية الشهر، وهو عشرون يوماً، ونحيّضها خمسة من أول الشهر الآتي، والدم مطبق، ثم نعود إلى الحساب القديم، فنحيّضها خمسة من أول الشهر الذي انتهى التفريع إليه، وطهرها خمسةٌ وعشرون، وقد جرى لها قبل الاستحاضة طهر وهو ثلاثون، فزادت خمسة، فنقصنا تلك الزيادة من أول دور الاستحاضة لنعود إلى الترتيب القديم مقداراً وأوّليةً وملازمةً لأوائل الأدوار.
496 - وحقيقة الخلاف آيلةٌ إلى أن من الأئمة من لم يُقم لأولية الدور وزناً، وإنما راعى العدد، وهو الصحيح.
ومنهم من راعى الأوّلية بعض المراعاة، فجرّه ذلك إلى التصرف الذي ذكرناه.
فهذا مذهب الأئمة في التفريع على الصحيح والضعيف.
497 - وأما أبو إسحاق المروزي، فقد صح عنه في هذه الصورة أنه قال: إذا تأخرت حيضتُها مرةً واحدةً إلى الخمسة الثانية، ثم استمر الدم، فجميعُ ما رأته في هذا الشهر استحاضة، ثم تحيض في أول الدور خمستها، وتعود إلى حسابها القديم.
وإنما قال ذلك لاعتقاده في لزوم أول الأدوار، ما أمكن ذلك.
وهذا المذهب وإن صح عنه، فهو متروك على أبي إسحاق معدودٌ من هفواته، وهو كثير الغلط في الحيض، ومعظم ما عثَر به إفراطُه في اعتبار أول الدور، ووجه غلطه: أنها إذا رأت الدمَ في الخمسة الثانية، ثم استمرّ، فأول دمها في زمان إمكان الحيض وقد تقدم عليه طهر كامل، فالمصير إلى تخلية هذا الشهر عن الحيض ساقط لا أصل له.
ثم نقل النقلة عنه غلطاً عظيماً، فقالوا: عنده أنها لو رأت في الخمسة الثانية دماً، واستمرّ إلى آخر الشهر، ثم رأت نقاءً في خمسة أيام من أول الشهر الثاني، وخمسة وعشرين دماًً، ثم تكرر عليها هذا الترتيب سنين كثيرة، فهذه امرأة لا حيض لها.
وهذا بالغٌ في السقوط والركاكة.
والذي حكيناه في الشهر الأول إن حمل على عثرة عالم، وقد صح أنه غلط،

(1/348)


فطردُ (1) ذلك في الشهور على التصوير الأخير لا يعزى إلى من يعد في [أحزاب] (2) الفقهاء.
هذا تفصيل القول فيه إذا تأخرت الحيضة من غير زيادة ولا نقصان.
498 - فأما إذا تأخرت الحيضة وزادت، فلا يتصور أن تتبين الزيادة إلا بتكرر الطهر؛ فإن الحيضة إذا تأخرت، ثم استمر الدم بها متصلاً بها، لم يَبن مقدارُها، فنصوّر الزيادةَ، وتكرُّرَها، ووقوعَها قبل الاستحاضة مرةً واحدةً، ونذكر في كل صورة ما يليق بها.
499 - فإذا كانت تحيض خمسةً، وتطهر خمسة وعشرين، فجاءها أول الدور، وكانت ترتقب الحيض فلم تر الدم حتى مضى من أول الدور خمسةُ أيام، ثم رأت الحيض ستة أيام، وطهرت بعد ذلك ثلاثين يوماًً، فقد تكرر الطهر ثلاثين يوماًً مرتين، ورأت الحيض ستة أيام مرة واحدة.
فإن رأت بعد الطهرين ستةَ أيام دماًً، وطهرت بعد ذلك ثلاثين، ثم استمر الدم، فقد رأت الستة مرتين، والطهر ثلاثين ثلاث مرات، فهي مردودة إلى ذلك.
ومن ضرورة تكرر الزيادة في الحيض قبل الاستحاضة أن يتكرر الطهر ثلاث مراتٍ، فإذا اتصلت الاستحاضة، فنحيّضها من أول الدم (3) ستةَ أيام، ونحكم بالطهر بعده ثلاثين، ثم يعود الحيض ستة، والطهر ثلاثين.
فإن قيل: هذا بيّن على قياس [مذهب] (4) الجمهور، فما الذي يقتضيه قياس أبي إسحاق المروزي مع غلوّه في الامتناع من تخلية أوائل الأدوار؟ قلنا: لا يجوز أن نقدر
__________
(1) ضبط في (ت 1): فطرَدَ.
(2) في الأصل: إِلى من يعدُّ فىِ أجواب، وفي: (ت 1): يعد في جواب. وعجيب أن تتفق النسختان على الخطأ في كلمة واحدة. وهو في موضع خرمٍ واسع من (ل).
وما اخترناه هو تعبير إِمام الحرمين في مقامٍ آخر (راجع العبارات المصورة من المخطوطات في نهاية المجلد).
(3) في (ت 1): الدور
(4) زيادة من: (ت 1).

(1/349)


منه مخالفة الأصحاب في ذلك، في الصورة التي ذكرناها؛ فإنه لو تأخرت الحيضة [و] (1) استعقبت طهراً زائداً، ثم عادت الحيضة والطهر، واستمرت الأدوار على استئخار الحيض، فلا يصير مُسْلِمٌ إلى أن ما يراه ليس بحيض، ثم إذا [اطردت] (2) العادات كذلك، ثم استحيضت، يتعين الرد إلى حساب الأدوار الأخيرة، لا محالة.
والذي قدمناه من مذهبه فيه إذا تأخرت الحيضة، واتصل الدم، ولم ينقطع، ولو تأخر الدم، وزاد، ولم تتكرر الزيادة، فمن ضرورة تصور الزيادة تكرر الطهر؛ فإن الدم لو تأخر واستمر، لم تَبِن الزيادة.
ووجه التصوير أنها إذا كانت ترى الدم خمسة أيام في أول الدور، وتطهر خمسة وعشرين يوماً، فجاءها دور، فلم تر الدم في أوله حتى مضت خمسةُ أيام، ثم رأت الدمَ ستة أيام، ثم طهرت ثلاثين يوماً، ثم رأت الدم، واستمر واستحيضت، فقد كان طهرها خمسة وعشرين يوماًً، فجاءها دور، فلم تر الدم في أوله حتى مضت خمسة أيام، وتكرر عليها الطهر ثلاثين مرتين، وزادت الحيضة مرة واحدة. فإن قلنا: العادة تثبت بالمرة الواحدة، فالتفريع على ما تقدم، وإن قلنا: لا تثبت، فيثبت طهرُها ثلاثين للتكرر. ونردّها إلى الخمسة في الحيض أول الدم، فحيضُها خمسة وطهرها ثلاثون. ولا معنى للتطويل بعد وضوح الغرض.
وما ذكرناه في تأخير الحيض مع الزيادة.
500 - ولا يكاد يخفى تأخرها مع فرض النقصان فيها متكرراً، أو غير متكرر.
501 - فإذا تقدّمت الحيضة، وتصوير التقدّم أنها إذا كانت تحيض خمسةً من أول الدور، [وتطهر خمسةَ وعشرين يوماً، فحاضت مرة خمسةً من أول الدور] (3) وطهرت عشرين يوماًً، وكانت تقدّر دوام النقاء خمسة أخرى على العادة، فرأت الدم في
__________
(1) في الأصل: "أو استعقبت"، والمثبت من: (ت 1).
(2) في الأصل: " طرَتِ " بهذا الضبط والمثبت من: (ت 1).
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وأثبتناه من: (ت 1).

(1/350)


الخمسة الأخيرة، فقد نقص من طهرها خمسة أيام، فإن تكرر ذلك، وتصوير تكرره أن ترى الخمسة الأخيرة دماًً كما صورنا، وتطهر عشرين يوماًً، ثم يعود الدم ويستمر، فقد تكرر دورها خمسةً وعشرين، إذا رأت الطهر عشرين مرتين، فترد إلى ذلك، وتحيّض من أول الدم المستمر خمسة، ونحكم لها بالطهر عشرين، وتدور أدوارها كذلك.
ولا مبالاة بمفارقة الدم أول الدور على مذهب الجمهور، ولا يتأتى إلا مفارقة أول الدور؛ فإنا إذا رددناها إلى عشرين في الطهر، فلا بُدّ وأن تفارق الدم الأول.
وأما أبو إسحاق، فقياس مذهبه الذي يقرب بعض القرب، أنها لما رأت الدم في آخر الدور أولاً، ثم طهرت بعد ذلك، فتلك الخمسة حيض؛ فإنه احتوشها طهران كاملان، فلما طهرت عشرين من أول الدور الثاني، وعاد الدم في الحادي والعشرين من الدور الثاني، ثم استمر، فالذي ينقدح من مذهبه أيضاًً ما ذكرناه لتكرر نقصان الطهر، وذلك يقتضي لا محالة مزايلةَ أول الدور.
وإن قيل: لما استمر الدم، فالعشرة في آخر الدور الثاني استحاضةٌ غيرُ معدودة في حساب، وحيضها الخمسة الأولى من أول الدور، ثم تردّ بعدها إلى خمسةٍ وعشرين طهراً، لتعود الحيضة إلى الدور.
وسبب ذلك أن خلو أول الدور لم يتكرر، ومن ضرورة ردّ الحيض إلى أول الدور ردّ الطهر إلى الخمسة والعشرين، فهذا بعيدٌ. وإن كان يليق بعثراته في ملازمة أوائل الأدوار.
فالوجه: القطع بما قدمناه من مذاهب الأصحاب.
502 - ولو كانت تحيض خمسةً، وتطهر خمسة وعشرين، فحاضت خمستها من أول الدور، وطهرت عشرين، فعاجلها الدم، واستمر الدم، فقد نقص طهرها في هذا الدور، وعاد إلى عشرين.
فإن قلنا: تثبت العادة بمرة واحدة، فتُرد إلى ما جرى في الدور الأخير، فنحيّضها خمسة من أول الدم، ونحكم لها بالطهر عشرين يوماًً، ثم نحيّضها خمسة، ونحكم

(1/351)


بالطهر عشرين، وهكذا تدور أدوارها، ولا نبالي بمفارقة أول الدور القديم؛ فإنا إذا كنا نثُبت عددَ الطهر ونقصانَ الدور بالمرة الواحدة، فمزايلة أول الدور أيضاًً يثبت بالمرة الواحدة.
وإن قلنا: لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، فإذا استمر الدم كما سبق تصويره، فقد اختلف أصحابنا كما سبق، فمنهم من قال: نحيّضها من أول الدم خمسة، ثم نحكم لها بالطهر خمسةً وعشرين، ثم نحيّضها خمسة، فيكون دورها ثلاثين، كما كان قديماً، ولكن زايلت الحيضة أوّلَ الدور بما جرى واتفق. ولكن حساب الدور باقٍ كما كان.
ومن أصحابنا من قال على هذا: نحيّضها الخمسة من أول الدم، ونحيّضها خمسة أخرى من أول الدور، فيكون حيضها في هذه الكَرَّةِ عشرةَ أيام، ثم نحكم لها بالنقاء خمسة وعشرين بقية الدور، ثم يعود الحيض خمسة في أول الدور، ويطَّرد الحيضُ خمسة، والطهر خمسة وعشرين، والحيضُ منطبق على أول الدور، كما كان قديماً.
وهذا القائل يلتزم من أول استمرار الدم زيادة الحيض، ليعود الحيض إلى الأول، ثم يستمر الحساب القديم، وهذا ساقط، لا أصل له؛ فإن الزيادة في الحيض من غير عادة سابقةٍ محالٌ.
والوجه اعتبار العدد، وترك المبالاة بأوّل الدور.
وأما أبو إسحاق، فقد اختلف الأصحاب في قياس مذهبه، والظاهر اللائق بمذهبه أنه يجعل الخمسةَ الواقعة في آخر الدور الأول استحاضة متقدمة، ويحيّضها في الخمسة الأولى من الدور، ويُدير أدوارها كذلك.
ومن أصحابنا من يقول: قياس مذهبه في هذه الصورة أن يحيّضها في هذه الكَرّة عشرةَ أيام، كما ذكرنا من مذهب بعض الأصحاب الآن، ثم يردّ الأمر إلى الحساب القديم.
503 - ولو كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين، فجاءها شهر وحاضت خمستها، وطهرت خمسة عشر يوماً، وعاود الدمُ، واستمر.

(1/352)


فإن قلنا: تثبت العادة بالمرة الواحدة، فقد صار دورها عشرين: خمسةٌ دمٌ، وخمسةَ عشرَ طهرٌ. وكذلك تدور الأدوار.
وإن قلنا: لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، فالمذهب الصحيح أنّا نحيّضها خمسةً من أول الدم المعاود، ونحكم لها بالطهر بعدها خمسة وعشرين، ولا التفات إلى أول الدور، وإنما النظر إلى عدد الحيض والطهر، ومن أصحابنا من قال: نُحيّضها من أول الدم خمسة عشر يوماً، فتقع الخمس (1) الأخيرة في أول الدور على الحساب القديم، ثم نحسب من بعد ذلك خمسة وعشرين طهراً، فيعود الحساب في مقدار الحيض والطهر، وأوّليّة الدور إلى ما كان قديماًً.
وهذا ضعيف؛ فإنه إثباتُ زيادة في الحيض في هذه المرة من غير أصل.
وأما أبو إسحاق: فقد اختُلف في قياسه، فقيل: قياسُه هذا الوجه الذي ذكرناه آخراً.
وقيل: بل مذهبه أن العشرة الواقعةَ في آخر الدور استحاضة غيرُ معدودة في حساب، وإنما نحيّضها خمسة من أول الدور، ثم يجري حساب أدوارها كما كان قديماً.
504 - ولو كانت تحيض خمسةً، وتطهر خمسة وعشرين، فرأت من أول دورها خمستها، وطهرت أربعة عشر يوماًً، ثم رأت الدم واستمر، ولم ينقطع، فالنقاء الذي رأته ناقصٌ عن أقل (2) الطهر بيوم.
فنقول: أولاً يوم وليلة من أول الدم استحاضة، تكملةً وتتمةً للطهر، هذا لا بد منه، ثم نُفَرِّع المسألة.
فإن قلنا: العادة لا تثبت بالمرة الواحدة، فقد اختلف الأئمة فقال الأكثرون: نحذف يوماًً كما ذكرناه من أول الدم؛ استكمالاً للطهر، ونحيّضها بعد هذا خمسة
__________
(1) (الخَمْس) كذا في النسختين، ووجهها أن المعدود إِذا تقدّم، يجوز في العدد الموافقة في التذكير والتأنيث، ولا تجب المخالفة. ووجدناها بعد ذلك في (ل): الخمسة.
(2) في: (ت 1): أول الطهر.

(1/353)


أيامٍ، ونحكم لها بالطهر خمسةً وعشرين يوماً، ولا نبالي بمزايلة أول الدور، وإنما يتبع العدد في الحيض والطهر، كما تقرر في الصور المتقدمة.
ومن أئمتنا من قال: نحذف كما تقدم يوماًً من أول الدم، ثم نحيّضها العشرة الباقية من الدور، ونحيّضها خمسة من أول الدور الثاني، فيكون حيضها خمسةَ عشرَ، ثم نحكم لها بالطهر خمسة وعشرين، ثم نحيّضها، خمسة من أول الدور الثالث، وندير الأدوار القديمة، كما تقدم هذا المسلك في أمثلة متكررة.
وأما أبو إسحاق، فإنه يجعل الدم المبادر في أول الدور الأول استحاضة سابقة، ثم يحيضها في أول الدور الثاني خمسة أيام، كما تقدم.
ومذهب أبي إسحاق في هذه الصورة أقرب، وقد وافقه بعضُ الأصحاب.
والسبب فيه، أن أول الدم المبادر استحاضة؛ فإن اليوم الأول يكمل به الطهر، فيظهرُ بعضَ الظهور -والحالة هذه- الحكمُ على جميع ما تقدم بالاستحاضة.
فهذا إذا قلنا: العادة لا تثبت بالمرة الواحدة.
505 - فأما إذا قلنا: تثبت العادة بالمرة الواحدة، فظاهر المذهب على هذا أنا نحذف يوماًً من أول الدم المبادر كما تقدم ثم نقول: عاد الدور إلى عشرين، فنحيّضها بعد اليوم خمسة، ونحكم لها بالطهر خمسة عشر، وندير على هذا الحساب أَدْوارها.
ومن أصحابنا من قال: لا يُرَدُّ الطهر إلى خمسة عشر بما جرى، وإن كنا نرى العادة تثبت بالمرة الواحدة، فإنا لم نتمكن من تحييضها في أول الدم المبادر، والدم يتردّد بين أن يكون حيضاً وبين أن يكون استحاضة، وليس كما لو رأت خمسةَ عشرَ يوماً نقاءً، ثم اطرد الدّم؛ فإن النقاء لا يكون إلا طهراً إذا لم ينقص عن الأقل، فنعتبر (1) العادة القديمة بمرة واحدة فيها ليس بعيداً.
ثم من جرى على ما ذكرناه، فقد تردد الغائصون على هذا، فذهب المحققون إلى أنا نحذف يوماً، ونحيّضها خمسة أيام بعده، ثم طهرها خمسة وعشرون يوماً.
__________
(1) كذا في النسختين. ولعلها: فاعتبار. وكذا في (ل): فنعتبر.

(1/354)


وقال آخرون: إذا رأينا ألا نردَّ الطهرَ إلى خمسةَ عشرَ بهذه المسألة (1)، فنجعل الدم المبادر في آخر الدور كله استحاضة، ليكمل في هذا الدور الطهر خمسةً وعشرين أيضاًً، كما رآه أبو إسحاق.
وهذا فيه بُعد. والأصح المسلك الأول الذي ذكرناه الآن.
فصل
506 - قد ذكرنا فيما تقدم أن المبتدأة المميزة تميّز، وترد إلى التمييز إذا تمكنت منه، ووجدت أركانه.
وكذلك المعتادة إذا نسيت عادتها القديمة، واستحيضت، وتمكنت من التمييز، فهي مردودة إلى التمييز وفاقاً.
507 - فأما إذا كانت على عادة مستمرة، واستحيضت وهي ذاكرة لعادتها في أدوارها، وكانت تتمكن من التمييز أيضاًً، فإن كان ينطبق مقتضى التمييز على العادة، فهو المراد.
وإن اختلفا، فكان التمييز يقتضي مقداراً من الحيض يزيد على العادة أو ينقص منها، فقد اختلف أئمتنا، فمنهم من قال: هي مردودة إلى التمييز؛ فإنه اجتهاد، والعادة في حكم التقليد، والاجتهاد مقدم على التقليد، ويعتضد هذا بأن اختلاف المزاج بالطعن في السن يقتضي في مطرد العرف تغايير في أقدار الفضلات التي تدفعها الطبيعة، فيبعد أن تطّردَ العادة على مقدار واحدٍ، ويتجه اعتبار صفات دم الحيض عند استمرار الدماء.
ومن أئمتنا من قال: هي مردودة إلى العادة؛ فإن اعتبارها متفق عليه، والتمييز مختلف فيه، وأيضاًً فإن الرجوع في التمييز إلى لون الدم، ونحن نرى ألوان دماء العروق تختلف اختلافاً متفاوتاً، وقد يصفرّ دم الحيض أيضاً.
ومن أئمتنا من قال: يجمع بين العادة والتمييز إذا أمكن الجمع بينهما.
__________
(1) في (ل): المرة.

(1/355)


والقائلان الأوّلان يستمسكان بأحدهما، ووجه الجمع أنها إذا كانت ترى خمسةً حيضاً، وتطهر خمسة وعشرين، فلما استحيضت، صارت ترى عشرة سواداً، وعشرين صفرة، فنحيّضها في العشرة، ونردّ طُهرَها إلى عشرين، وهذا فيه إشكالٌ من جهة أنا كما نرعى العادة في الحيض، وجب أن نرعاها في الطهر، وفي تحييضها عشرة تنقيص طهرها، وذلك إسقاط صلوات في خمسة أيام، ولكن لا ينقدح في الجمع بين العادة والتمييز إلا هذا.
وكذلك لو رأت أولاً خمسةً شقرة في أيام عادتها [ثم رأت في الخمسة الثانية سواداً، ثم ضعف الدم إلى آخر الشهر، فمن يرى الجمعَ يُحيّضها في العشرة، وإن تعذّر الجمع بأن رأت خمسة في أيام عادتها] (1) دماًً ضعيفاً، ثم أحد عشر سواداً، فالجمع غير ممكن.
فإذا عَسُر [الجمع] (2) على رأي من يجمع عند الإمكان، ففي المسألة أوجه:
أحدها - أنها ترد إلى العادة.
والثاني - إلى التمييز المحض.
والثالث - أنهما يتدافعان، فلا يعتبر واحد منهما، وتجعل هذه كالمبتدأة العاجزة عن التمييز. وقد سبق القول في المبتدأة.
وهذا الوجه ضعيف، لا أصل له، ذكره بعض المصنفين. وقد تكرر تعارض أمرين في الدماء، والاختلاف في الجمع إذا أمكن، وفي تعذّر الجمع كما تقدم في الدم الأسود والأحمر مع انطباق الأشقر بعدهما. والذي ذكرناه الآن في اجتماع العادة [والتمييز] (3) يضاهي ما تقدم.
[فرع] (4):
508 - المبتدأة إذا تمكنت من التمييز، ورُدّت إليه، وصارت ترى الدمَ الأسودَ خمسةً، والدم الضعيف خمسة وعشرين، ثم استمر عليها الدم الأسود،
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وأثبتناه من: (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من (ل)
(3) في الأصل: الدم، والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(4) في الأصل: فصل. والمثبت من باقي النسخ.

(1/356)


وعجزت عن التمييز، فالمذهب الصحيح أنها مردودة إلى الخمسة؛ فإن التمييز عند جريان أركانه أثبت لها عادة، فإذا انخرم التمييز، رُدّت إلى العادة المستفادة بالتمييز.
ومن أصحابنا من قال: إذا انخرم التمييز، فلا ننظر إلى أدوار التمييز، ونجعلها كمبتدأة ما تمكنت من التمييز قط.
509 - ولو كانت المسألة بحالها، فاطردت أدوارٌ على انتظام أركان التمييز، ثم استمر الدم على لونٍ واحد، وتعذّر التمييز، ثم جاءها دورٌ، فرأت عشرةً مثلاً سواداً وعشرين شقرة، وقد كانت في الأدوار المستقيمة ترى خمسةً سواداً، فهي الآن مردودة إلى العشرة، ولا يخرّج هذا على الخلاف في تقديم العادة والتمييز؛ فإن الأدوار التي استمرت كانت [تمييزية] (1)، وإنما الخلاف في عادات جرت في غير الاستحاضة مع أطهارٍ وأدوارٍ مستقيمة، إذا قيست بالتمييز الممكن عند استمرار الاستحاضة.
فصل
قال الشافعي: " الصُّفرة والكُدرة في أيام الحيض حيض ... إلى آخره " (2).
510 - الصفرة شيء كالصديد تعلوه صُفرة، وليست على شيءٍ من ألوان الدماء القوية والضعيفة.
والكدرةُ شيء كدر ليس على ألوان الدماء أيضاً.
ونحن نذكر حكمها في حق التي لا تستمر عليها استحاضة.
فإذا كانت المرأة ترى خمسةً دماً، وخمسة وعشرين نقاءً، فجاءها شهر، فرأت في أوان الحيض خمسةً صفرةً، أو كُدرة، ثم طهرت، فما رأته حيض؛ فإنها رأته في إمكان الحيض، وأيام العادة.
وإن كانت ترى خمسةً دماًً، ثم رأت سبعةً كُدرة في أول دور، ثم طهرت ثلاثة وعشرين، فالخمسة الواقعة في أيام العادة حيض، وما زاد عليها إلى تمام السبعة، فيه
__________
(1) في الأصل، (ت 1): تمييزاً به.
(2) ر. المختصر: 1/ 54.

(1/357)


وجهان: أحدهما - أنه ليس بحيض؛ فإنه ليس بدم، وليس في أيام عادة، فينزل منزلة بول دائم.
والثاني - أنه حيض؛ فإنه في زمان إمكان الحيض، فأشبه الواقع في أيام العادة.
هذا فيه إذا لم تر لَطْخةً من الدم، فأما إذا رأت في أيام العادة مقداراً من الدم، ورأت بعدها دماً، ثم صفرة أو كُدرةً في خمسةَ عشرَ، وهي زمان إمكان الدم، ففي الصفرة الزائدة على أيام العادة وجهان مرتبان على الوجهين في الصفرة الأولى. وهذه الصورة أولى بأن تكون الصفرة فيها حيضاً؛ لأنه إذا تقدم دمٌ، حُملت الصفرة على جزء منه؛ فإنّ تدرّج انقطاع الدم هكذا يكون، والجراحة إذا مجت دماًً عبيطاً، ثم انقطع، فترق أجزاء من بقية الدم مع رطوبات، ويتلون ألواناً كثيرة.
وإن لم يسبق دمٌ، فيبعد حملُ الصفرة على الدم إذا لم يتقوّ بالوقوع في عين أيام العادة.
فحاصل القول إذاً، أن ما يقوى بالوقوع في أيام العادة، فهو حيض وفاقاًً، وما يقع وراء أيام العادة من الصفرة على ثلاثة أوجه:
أحدها - أنها ليست بحيض.
والثاني - أنها حيض إذا كانت في الخمسةَ عشرَ.
والثالث - أن ما يتقدّمه دم وقع في زمان الإمكان، فهو حيض، وما لا يتقدمه دم، ولا يكون في أيام العادة، فإنه ليس بحيض.
ثم كان شيخي رحمه الله يقول: مَنْ يشترط تقدّم دم، يكتفي بلحظة منه، ولا يشترط دوامه يوماًً وليلة؛ فإن الغرض من اشتراط تقدمه ما قدمناه من تخيل تدريج الدم في الانقطاع كما سبق. وهذا لا يختلف بالنقصان عن يوم وليلة.
51 - ومن تمام البيان في ذلك أن المرأة إذا كانت مبتدأة، ورأت أول ما رأت صفرة، أو كُدرة، ثم طهرت، فقد اختلف أئمتنا: فذهب بعضهم إلى أن حكم مردّ المبتدأة على اختلاف القولين كأيام العادة في حق المعتادة، وهذا غيرُ مرضي، والصحيح أن حكم الصفرة في أيام مردّها كحكمها وراء أيام العادة في الخمسةَ عشرَ في حق المعتادة؛ فإنها في زمان إمكان الحيض ولم يسبق لها عادة معتبرة، والمستحاضة

(1/358)


المبتدأة إنما تردّ إلى أقل الحيض أو أغلبه للضرورة. فهذا بيان الصفرة والكدرة.
512 - ثم اختلف أئمتنا في معنى قول الشافعي: "الصفرة والكدرة حيض في أيام الحيض"، على [حسب] (1) اختلافهم في المذهب.
فقال بعضهم: معناه أنها في أيام العادة حيض.
وقال بعضهم: إنها في زمان الإمكان [حيض] (2)، وقد روي عن حمنة بنت جحش أنها قالت: "كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة وراء العادة شيئاًً" ثمْ إن جعلنا أيام مردّ المبتدأة كأيام العادة، فإذا رأت صفرة وراء المردّ في الخمسةَ عشرَ، ففيها وجهان، وإن جعلنا المسألة في مرد المبتدأة على وجهين، ففي الزائد أيضاً وجهان مرتبان، فهذا تمام البيان في ذلك.
513 - وقد يتعلق بالمعتادة أن المرأة إذا كانت لها عادات مضطربة، فكانت تحيض في شهر خمسة، وفي شهر ستة، وفي شهر سبعة، ثم تعود إلى الخمسة، والستة، والسبعة، ثم استحيضت، فكيف يكون حكمها؟ وهذا يتعلق به أمور من المستحاضة الرابعة، وهي الناسية، فنذكره في أثناء الناسية المتحيرة - إن شاء الله تعالى.
514 - ومما لم نعده تعويلاً على ما تقدم، ذكرُ التربص في الشهر الأول من شهور المستحاضة والاستمرار بعده على حكم العادة، وبيان شهر الشفاء. ولا ينبغي للناظر في أحكام الاستحاضة أن يتبرم [بتكثير] (3) الصور، وإعادتها في الأبواب.
515 - فإذا كانت تحيض خمسةً، وتطهر خمسة وعشرين، فجاءها شهر، فرأت خمستَها، ثم زاد الدم، فتتربص على حكم الحيض؛ فإن الحيضة قد تزيد، فإن انقطع الدم على الخمسةَ عشَرَ، أو على أقلَّ منها، فالكل حيض، وإن زاد على الأكثر واستمرت الاستحاضة، فقد تَبيَّنَّا أن الحيض الخمسةُ الأولى، والزائد عليها استحاضة، فتتدارك ما تركت من الصلوات وراء العادة، ثم في الدور الثاني
__________
(1) زيادة من (ل).
(2) ساقطة من غير (ل).
(3) في الأصل: بتكرير. والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/359)


لا نأمرها بالتربّص، كما سبق بيانه في المميزة والمبتدأة.
فإن جاءها دور، ورأت الدم في أوله، فلما زاد على الخمسة، اغتسلت، وأخذت تصلي، ثم انقطع الدم في هذا الدور على خمسةَ عشرَ وشُفيت، فقد علمنا أن جميع ما رأته من الدم حيض؛ فإنه انقطع على الأكثر، ونحن إنما نحكم بالاستحاضة عند زيادة الدم على الأكثر، وقد بان فيما سبق، ولم يضر الإعادة فيه.
[المستحاضة الرابعة] (1)
516 - فأما المستحاضة الرابعة: وهي الناسية، فحكمها عَمرة (2) الكتاب، ونحن نستعين بالله تعالى، ونستوعب تفاصيل القول فيها، ونقدم تصوير أمرها، فنقول:
517 - المرأة إذا كانت لها عادة، فنسيتها لعارض علة، أو كانت في أول أدوارها مجنونة، فاستحيضت وأفاقت، ولم تدر ما كانت عليه، فلا يخلو: إما ألا تذكر شيئاًً أصلاًً، لا مقدارَ الحيض والطهر، ولا وقتَهما، ولا زمانَ الانقطاع، ولا زمان الابتداء، ولكنها أفاقت ورأت الدم المستمر، وفقدت أركان التمييز، وهذه التي لا تذكر شيئاًً تسمى المتحيّرة.
وإن كانت تذكر شيئاًً، ففي ذلك القسم نذكر أبواب الضلال، والخلطَ، وغيرهما.
518 - فلتقع البدايةُ بالمتحيرة المطلقة.
وقد اختلف قول الشافعي فيها: فقال في قولِ: المتحيرةُ كالمبتدأة، ولكن ابتداء دور المبتدأة من وقت رؤيتها الدم من سن إمكان الحيض، ولا نعرف للمتحيرة ابتداءً، فنردها إلى ابتداء الشهور، والمرعي الشهور العربية المبنية على الأهلّة، فنحيّضها من أول كلّ شهر المقدار الذي ذكرناه في المبتدأة، ثم إذا انقضى ذلك المقدار، فهي طاهرةٌ إلى آخر الشهر؛ فإن المواقيت الشرعية هي الأهلة.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) العَمرة ما يلبس على الرأس، من تاج وعمامة ونحوها (القاموس والمعجم)، فالمراد هنا أن أحكام الناسية هي تاج الكتاب، أي كتاب الحيض، وقد سماها من قبل: عمدة الكتاب. وفي (ت 1) و (ل): "غمرة" بالغين المعجمة: وهي الشدة.

(1/360)


وهذا القول ضعيفٌ مزيفٌ لا أصل له؛ فإنا نجد في المبتدأة مستنداً؛ من حيث رأت دماًً في زمان إمكان الحيض، فجعلنا ما رأته أولَ الحيض، ثم بنينا على ذلك المستند -المستند (1) على التفصيل المتقدّم- ما اقتضاه الحال.
والمتحيرة لا مستند لها، والتحكم بتطبيق حيضها على أوائل الشهور لا يقتضيه قول الشارع، ولا قياسٌ ولا حكمٌ متلقَى من الفِطر والجبلات.
519 - والقول الثاني - وهو الذي عليه التفريع، وبه الفتوى: إنها مأمورة بالاحتياط.
ثم منشأ الاحتياط أن حيضها ليس يتميّز عن استحاضتها، لا بصفة ولا بعادة معلومة، ولا بمبتدأ معلوم يُتخذ مَردّاً.
والحيض لا يدوم حتى يقدّرَ سقوط وظائف الشرع عنها.
ويبعد أيضاًً تقديرُ جميع ما ترى استحاضة؛ فإن رؤية الدم في زمان إمكان الحيض يقتضي القضاءَ بكونه حيضاً.
فإذا تعارضت هذه الأحوال، لم ينقدح إلا الأمر بالاحتياط، ثم من احتمال الحيض في كل وقت ينشأ تحريم الوقاع أبداً، ومن احتمال الاستحاضة في كل وقت ينشاً الأمر [بوظائف الصوم والصلاة، ومن احتمال انقطاع الحيض في كل وقت ينشأ الأمر] (2) بالاغتسال لكل صلاة مفروضة.
وقد ينبني على هذا الأمرُ بقضاء الصلاة بعد أدائها، على مذهب المحققين، كما سيأتي على الجملة مشروحاً (3) إن شاء الله عز وجل.
520 - وتحقيق القول في هذا أن الذي ذكرناه على الجملة من الاحتياط -وسنفصله إن شاء الله- ليس من باب التغليظ والتشديد والأخذ بالأحوط. ومن اعتقد أن هذا احتياطٌ، فليس محيطاً بحقيقة الباب؛ فإن تأبيد التحريم (4)، والأمرَ بإقامة وظائف
__________
(1) في الأصل، (ت 1): "على ذلك المبتدأ المستند" والمثبت عبارة (ل).
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وأثبتناه من: (ت 1)، (ل).
(3) عبارة (ت 1): كما سيأتي في ذلك مشروحاً (ل) كما سيأتي ذلك مشروحاً.
(4) المراد تحريم الوقاع.

(1/361)


الشريعة من العبادات، مع تكليف القضاء -كما سيأتي- امتحانٌ عظيم، والمبتلاةُ بهذه الحالة ليست منتسبة إلى ما يوجب عليها تغليظاً، ولا يليق بالدين الحنيفي السمح جمع هذه الأمور احتياطاً؛ فإنا قد نسقط قواعدَ لأدنى ضرر، ولكن أمرناها بما سنذكره ضرورة لا (1) يستقيم غيره؛ إذ لو قدّرناها في كل زمان كأنها حائض، لسقطت الصلاة والصوم، [وبقيت] (2) دهرَها لا تصلي ولا تصوم، وهذا لا صائر إليه من الأمة، فلو أردنا أن نبعّض الأمرَ، فلا سبيل إليه، ونحن لا نعرف مبتدأ ومنقطعاًً، والأصول كلها ملتبسة.
ولو أحْللناها لزوجها أبداً، وهي ترى الدم في زمان إمكان الحيض، لكان ذلك بعيداً.
فما نأمرها به في حكم الضرورة، لا في حكم احتياطٍ، ونحن نجد جهةً غيرَه.
وينضم إليه أن الاستحاضة في أصلها نادرة، والنسيان على الإطلاق في نهاية الندور، وتنقرض الدهور ولا تُلفى متحيرة.
فليس فيما ذكرناه تغليظٌ يعتم، بل هو مرتبط بأندر الأحوال، فاحتمل لذلك.
521 - ثم القول في معنى الاحتياط في حق المتحيرة يفصّل في خمسة أبواب:
أحدها - في بيان طهارتها.
والثاني - في حق حكم الصلاة المقامة في الأوقات.
والثالث - في الصيام وما يتعلق به.
والرابع - في قضائها ما يفوتها من الصلاة والصيام.
والخامس - في أحكام متفرقة، من تحريم الوقاع والعدة، وقراءة القرآن وغيرها.
...
__________
(1) كذا في النسختين، ولعلها: ولا يستقيم غيره. وفي (ل): ولكن أمرها بما سنذكره ضرورة لا يستقيم غيره
(2) في النسختين: وبقي، والمثبت تقديرٌ منا، حيث ساعد عليه ضبط دهر بالفتح نصباً على الظرفية، في نسخة الأصل.

(1/362)


باب في طهارة المتحيرة
522 - التفريع على قول الاحتياط:
قال الشافعي: " هي مأمورة بأن تغتسل لكل صلاة مفروضة "؛ إذ لا يدخل وقتٌ إلا ويحتمل أن يقدر فيه انقطاع حيضها. فإذا اغتسلت لصلاة الصبح مثلاً، وصلّت، ثم دخل وقت الظهر، فمن الممكن أنها اغتسلت وصلت الصبح في زمان الحيض، وإن حيضها إنما انقطع بعد الزوال، ثم يطَّرد ذلك في جميع أوقات الصلوات؛ فاقتضى ذلك أمرَها بالغُسل لكل صلاة مفروضة.
ثم الغُسل في حقها كالوضوء في حق المستحاضة، فيما ذكرناه من الأمر بتجديده لكل فريضة.
523 - وقد ذكرنا ترددَ الأصحاب في أن المستحاضة لو توضأت في الوقت، فهل يجوز لها أن تؤخر إقامة الصلاة عن الفراغ من الوضوء، أم يلزمها تعقيب الوضوء بالصلاة؟
فأما الغُسل في حق المتحيرة، فقد ذهب ذاهبون إلى أنه يجري مجرى الوضوء في التردّد الذي ذكرناه من اشتراط البدار إلى إقامة الصلاة، وهو وهمٌ وغلط من قائله، والسبب فيه أنا إنما أوجبنا على المستحاضة في وجهٍ ظاهرٍ تعقيب الوضوء بالصلاة؛ حتى تقلّ أحداثها؛ إذ لو أخرت، لتجددت أحداث مستغنىً عنها، وهذا لا يتحقق في الغسل؛ فإن عين الدم ليس من موجبات الغسل، بل إنما الموجب له انقطاع الحيض، وليس هذا مما يُتوقع تكرره في أزمنة تتخلل بين الغسل والصلاة.
وإن قيل: إذا اغتسلت وأخرت الصلاة، فلعل غُسلها وقع في الحيض، وإنما انقطع بعد الفراغ منه، فهذا المعنى لا يختلف تقديره بأن يقصر الزمان أو يطول؛ فإن

(1/363)


ذلك ممكن تقديره وإن قرب الزمان، وما لا حيلة في دفعه يُقرّ على ما هو عليه.
نعم، إن اغتسلت وأخرت إقامة الصلاة، فيتوجه أن نأمرها بتجديد الوضوء قبل الصلاة، حملاً على أنَّ ما رأته دمُ الاستحاضة، وقد كثر وتكرر، ولو وصلت الفراغَ من الغسل باستفتاح الصلاة، لكانت لا تحتاج إلى الوضوء.
وهذا تفريعٌ على أن المستحاضة ليس لها أن تؤخر الصلاة عن الفراغ من الوضوء.
524 - ومما يتعلق بغُسل المتحيرة أن الأئمة قالوا: إنما تغتسل في الوقت؛ لأنه طهارة ضرورة، فأشبهت التيمم، وقد ذكرنا وجهاً ضعيفاً في المستحاضة: أنها لو فرغت عن الوضوء مع أول وقت الصلاة، ثم صلّت على البدار، أجزأها ذلك؛ تفريعاً على إيجاب وصل الصلاة بالفراغ [من الوضوء] (1) وكان هذا القائل يرى أن الغرض هذا (2) في أمر الوضوء، لا إيقاعه في الوقت.
فقال قائلون: إذا رأينا ذلك في الوضوء، فنطرد ذلك القياس في غُسل المتحيرة أيضاً، ونقول: لو اغتسلت وأوقعت الفراغ من الغسل مع أول الوقت وصلّت، جاز، وهذا هو الغلط الأول الذي ذكرنا؛ فإنه لا معنى لرعاية الانفصال والاتصال بين الصلاة والاغتسال، وإنما يتأتى ذلك في وضوء المستحاضة، فالوجه القطع بإيقاع الغسل في الوقت؛ فإنه طهارة ضرورة، فأشبهت التيمم.
ثم إذا اغتسلت للفريضة، تنفلت ما شاءت كالتيمم.
...
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) اسم الإشارة خبر أن، والمعنى أن قائل هذا الوجه الضعيف يرى أن المطلوب وصل الصلاة بالوضوء، لا إيقاع الوضوء في الوقت.

(1/364)


باب في صلاة المتحيرة
525 - هي مأمورة بإقامة الصلوات كلِّها ما دامت بحالتها وحيرتها على القول الصحيح.
وقد نصّ الشافعي على أمرها بالغسل وإقامة الصلوات في مواقيتها، ولم يتعرض لإيجاب قضاءٍ بعد صدور صورة الأداء منها، مع تفريعه على الاحتياط.
وقال الشيخ أبو زيد المروزي: يلزمها القضاء مع الأداء؛ فإنها إذا أدت صلاة الصبح في أول الوقت، أو وسطه، فيحتمل أن حيضها انقطع في آخر الوقت، وأن الغسل والصلاة وقعا في زمان الحيض، فيلزمها -مع ما قدّمته- القضاءُ.
وكذلك يجري هذا الاحتمال في كل صلاة من الصلوات الخمس، وإذا فتحنا باب الاحتياط، فيلزم طرده في جميع وجوه الاحتمال؛ إذ ليس وجهٌ أولى بالاعتبار من وجه.
526 - وقد اختلف المحققون في نص الشافعي، فقال قائلون: المذهب المبتوت ما ذكره أبو زيد، والشافعي فتحَ باب الاحتياط، ونبه على الاحتمالات كلّها، ولم يستقصها؛ [فما] (1) ذكره ذوو الفطن من أصحابه على القاعدة التي أسسها، هو عين مذهبه.
والشافعي، كما لم يذكر إيجاب القضاء لم ينفه أيضاًً.
ولا يمتنع أن يقال: لم يخطر له الاحتمال الذي أدركه مَن بعده، ولو خطر، لحكم بموجبه.
527 - ومن أئمتنا من يرى نفي القضاء مذهباً للشافعي، ورأى ما ذكره أبو زيد في حكم تخريج قولٍ منقاسٍ.
__________
(1) في الأصل: فمما.

(1/365)


فوجهُ قول الشافعي إذاً على هذا، أن المتحيرة لو تعطّلت عن وظائف العبادات عمرَها، لكان بعيداً، ولو تحكّمنا بإثبات أدوراها على الأهلة من غير أصلٍ، لكان بعيداً، فاحتطنا حتى نقيمَ أوراد الشريعة، ولا تتعطل. فأما أن نحكّم في أمرها كلَّ ممكن، فهذا ينتهي إلى حد التعذيب، والشريعة تحط أموراً بدون هذا من الضرر.
وقد قال الشافعي في الصوم: إنها تصوم شهر رمضان، ثم تقضي خمسة عشر يوماًً. ولا يتأتى ذلك إلا بأن تصوم شهراً آخر. وسيأتي شرح هذا في موضعه، إن شاء الله تعالى.
وتعرّضه للقضاء في الصوم مع السكوت عنه في الصلاة يدل على أنه حاول الفرق بينهما؛ لأن قضاء الصوم يطَّرد غالباً على الحُيَّض، ولا يجب قضاء الصلوات التي تمر مواقيتها في زمن الحيض.
والدليل على أنا لا نراعي كلّ ممكن أن المتحيرة إذا طلقها زوجها، فإنها تعتد ثلاثة أشهر، كما سيأتي ذلك في الباب الخامس، ومن الممكن أن يقال: هي من اللواتي تباعدت حيضتها حتى تصير إلى سن اليأس، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فدلّ على أنه لا يعتبر كلَّ ممكن، إذا عظمت المشقة وظهر الضرر.
والوجه: ما قاله أبو زيد؛ فإن مساق الاحتمالات تقتضي القضاء، وليس في إعادتها الصلوات كبيرُ [ضرر] (1).
528 - ثم أطلق الأصحاب حكاية مذهب أبي زيد في إيجاب القضاء في الصلوات، ولم يستقصوا القولَ فيه، وأنا أقول مستعيناً بالله:
[إنما أوجب] (2) القضاءَ لاحتمال انقطاع الحيض في آخر وقت كل صلاة، ورب انقطاعٍ يوجب تدارك صلاتين؛ فإن الحائض إذا انقطع حيضُها قبل غروب الشمس بمقدار يسع خمس ركعاتٍ، يلزمها قضاء الظهر والعصر جميعاًً. وكذلك المغرب والعشاء، لو فُرض الانقطاع آخر الليل. فهذا ما اعتمده أبو زيد في إيجاب القضاء، وهو واضح.
__________
(1) في الأصل: أمر.
(2) في الأصل: إذا أوجب.

(1/366)


ولكن في المقدار المقضي كلام ذَهِلَ (1) عنه معظم الأصحاب.
ثم في كيفية القضاء تفصيلٌ، لا بد من الاطلاع عليه، وقد اتفق لبعض ذوي الفطن من المختلفين إليَّ فِكرٌ غائصة في جهات الاحتمالات، وعرضَها عليَّ، فارتضيتها، ولم أعثر على زللِ فيها، ولا بدّ من إيداعها هذا المذهب (2).
وحق الناظر في هذا الفصل أن ينعم النظر ويتئد، ويعلم أن شفاء الصدور يحصل عند الفراغ من الفصل.
وأنا استفتح القول فيها، ثم أرقى في مسالك الاحتمالات شيئاً شيئاً، ثم ما يتأخر في مساق الكلام قد يَرْفع ما تقدّم، حتى يستقر الغرض في المنقَرَض، وسبيل التعليم فيما يتلقى من الاحتمالات يقتضي هذا التدريج.
529 - فلتقع البداية بما ذكره الأصحاب عن أبي زيد، قالوا: المتحيرة تؤدي كلَّ صلاة في وقتها، ثم تقضيها لاحتمال وقوع الصلاة المؤدّاة في الحيض، مع (3) اتفاق انقطاع الحيض في آخر الوقت. والحائض إذا انقطعت حيضتها في آخر الوقت؛ فإنها تلتزم الصلاة على ما سنقرر ذلك في كتاب الصلاة، في أوقات أصحاب الضرورات - إن شاء الله تعالى.
ثم قالوا: إذا صلت الظهر والعصر في وقتيهما، ثم غربت الشمس، وقد كانت اغتسلت لكل صلاة مؤدّاة في وقتها، فإن اغتسلت، وصلّت المغربَ، فرضَ الوقت، كفاها ذلك الغسل في قضاء الظهر والعصر، ولكنها تتوضأ لكل فريضة تقضيها لاستمرار الاستحاضة، كما ذكرناه في أحكام المستحاضات.
وسببُ الاقتصار على غسلِ في هذه الصورة أن سبب وجوب الغسل احتمال الانقطاع، وهذا بعينه سببُ إيجاب قضاء الظهر والعصر؛ فإن انقطع الدم قبيل
__________
(1) ذهل من باب: تعب، وتأتي أيضاً من باب: قطع. والأصل فيه اللزوم، ويتعدى بالهمزة: أذهله. وقد يتعدى بنفسه " المصباح والمعجم والمختار ".
(2) المذهب: المراد به هنا هو هذا الكتاب: نهاية المطلب، وبهذا سماه الإمام في المقدمة.
(3) ساقطة من (ت 1).

(1/367)


الغروب، فقد اغتسلت مرة للمغرب، فلا يعود إمكان الانقطاع إلى مدة، كما سنكشف الغطاء فيه.
وإن لم ينقطع الحيض قبل الغروب، فلا يجب قضاء الظهر والعصر أصلاًً، فلا معنى للأمر بالغُسل لأجلها.
وهذا إذا صلّت المغرب أداءً، ثم أرادت قضاء الظهر والعصر.
فإن اغتسلت، وقضت الظهر والعصر، ثم أرادت أن تصلي المغرب، فلا بدَّ من غُسلٍ آخر لصلاة المغرب، لاحتمال أن القضاء في الظهر لم يجب، وأنها بعد الفراغ من صورة قضاء الظهر والعصر، قد انقضت حيضتها، فعليها أن تغتسل لصلاة المغرب لهذا، وهذا المقصود بيّن.
ولكن الغرض من مقصود الفصل يتبيّن في الآخر.
530 - ثم قال المحققون [تفريعاً] (1) على مذهب أبي زيد: إذا أوجبنا قضاءَ كلِّ صلاة، فنقول: إذا أرادت الخروج عنها، فلتغتسل ولتصلِّ صلاة الصبح في أول الوقت، بحيث تنطبق على الأول، ثم تغتسل وتصلي تلك الصلاة في آخر الوقت مرةً أخرى، وينبغي ألا توقع في الوقت إلا أقل من تكبيرة، أو ما دون ركعة، إذا قلنا: لا تدرِك التي تطهر الصلاةَ بإدراك الزمان الذي لا يسع ركعة [تامة] (2).
وإذا فعلت ذلك، خرجت عن عهدة هذه الصلاة؛ فإن الصلاة الأولى إن قُدّرت في الطهر، فقد حصل بها أداء الفرض، وإن وقعت في دوام الحيض، واستمر إلى انقضاء الوقت، فلا أداء عليها ولا قضاء، وإن قدّر انقطاع الحيض قبيل إنشاء الصلاة في آخر الوقت، فقد اغتسلت وصلّت، والانقطاع لا يتكرر (3) كذلك.
وإن فرض انقطاع الحيض في أثناء الصلاة الثانية، فهذا التقدير لا يوجب الصلاة؛ فإنا صوّرنا إنشاء الصلاة الثانية على وجهٍ لو قُدّر انقطاعُ الحيض في أثنائها، لما وجب قضاء الصلاة، ولسقط الأداء والقضاء.
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: ثانية، والمثبث من (ت 1)، (ل).
(3) في (ل): والانقطاع يتكرر.

(1/368)


531 - وإن هي أوقعت الصلاة الأولى في أول الوقت على تحقيق التطبيق، ولكنها أخرت الصلاة الثانية، وأقامتها قبل انقضاء خمسة عشر يوماًً، وابتداء المدة من أول وقت الصلاة، فتخرج أيضاًً عما عليها؛ فإن الأولى إن وقعت في الطهر، كفت، وإن فرض الانقطاع في وسط الوقت مثلاً، فالحيض إذا انقطع، لم يعد إلى خمسةَ عشر يوماًً، فتقعُ الصلاة الثانيةُ في الطهر.
فهذا إذا صلت مع أول الوقت، ثم فعلت في إعادة تلك الصلاة ما ذكرناه، فقد أدت ما عليها.
532 - ولو صلت في أثناء الوقت أولاً، ثم صلت ثانية في آخر الوقت، كما سبق التصوير فيه، أو أخرت وصلّت في الزمان الذي رسمناه في الصورة الأولى، فلا تخرج عما عليها لجواز أنها كانت طاهرةً في أول الوقت، في زمان يتأتى إيقاعُ الصلاة التامة فيه، ثم طرأ الحيض، وقد لزمتها الصلاةُ بإدراك الطهر في أول الوقت، ثم أوقعت الصلاتين في استمرار الحيض، فتبقى تلك الصلاة في ذمتها.
فإذا أرادت الخروج منها، ولم يتفق منها الصلاة في أول الوقت، كما ذكرناه في الصورة الأولى، وقد صلت في أثناء الوقت، فعليها أن تصلي مرتين أخريين سوى ما صلت في وسط الوقت، وتقع الصلاة الثانية بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة في الخمسة عشر، وابتداءُ الخمسة عشر من افتتاح الصلاة التي أقامتها في وسط الوقت، وتُوقع الصلاةَ [الثالثة] (1) في أول السادس عشر، بحيث يكون بين الفراغ من الصلاة التي أقامتها في وسط الوقت وبين ابتداء الصلاة [الثالثة] (2) خمسة عشر يوماًً، فإذا فعلت ذلك، خرجت عما عليها في تلك الصلاة، وإنما زادت صلاةً لتركها إقامة الصلاة في أول الوقت كما تقدم ذكر ذلك.
وتعليل خروجها عما عليها بثلاث صلوات على الترتيب الذي ذكرناه، أن الخمسة عشر المتخللة -كما تقدم- إن كانت طهراً، فقد وقعت فيها صلاة، وإن كانت حيضاً،
__________
(1) في الأصل: ثانية، والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/369)


فقد وقعت الصلاة الأولى والثالثة في الطهر.
وإن قدّرنا أن الحيضة ابتدأت في آخر الصلاة الأولى، فتقع هي والصلاة الثانية في الحيض، وتقع الثالثة في الطهر لا محالة.
[واستقصاء القول في هذا يأتي في الباب المشتمل على قضاء الصوم والصلاة] (1) وبالجملة تأخيرها الصلاة عن أول الوقت ينزل منزلة ترك الصلاة؛ لجواز أن تكون طاهرة في أول الوقت، ثم يطرأ الحيض بعد [مضي] (2) زمان يسع الفريضة من أول الوقت، فلا بد من فرض صلوات.
533 - ثم يحتمل احتمالاً ظاهر أن نوجب على المتحيّرة إقامة الصلاة في أول الوقت؛ فإنها لو علمت أن حيضها يبتدىء بعد انقضاء زمان الإمكان، فعليها البدار إلى إقامة الصلاة مع أول الوقت، ونحن في تفريع الاحتياط نجعل الممكن في حق المتحيرة بمثابة المعلوم المستيقن، ولا يمتنع على هذا الحكم أن يجب عليها إقامةُ الصلاة مرةً ثانيةً في آخر الوقت؛ لجواز وقوع الأولى في الحيض، وانقطاع الحيض في آخر الوقت بحيث يبقى من الوقت زمانٌ يسع الفريضة.
ولكن إن طبقت الصلاة الثانية على الآخر، بحيث يوافق التحلل عنها انقضاءُ الوقت، فلا تخرج عما عليها؛ لجواز أن ينقطع حيضُها في أثناء هذه الصلاة.
534 - ولو خالفت ما أمرناها به، وافتتحت الصلاة الثانية في بقية الوقت، بحيث لو فرض انقطاع الحيض فيها، لما صارت مدركة للصلاة، كما سبق تصوير ذلك، فتخرج عما عليها، ولا يمتنع، والحالة هذه أن يجوز لها تأخير الصلاة الثانية إلى هذا الحد؛ للضرورة التي بها، وازدحام وجوه التشديد عليها، فإذاً توقع الصلاة الثانية على وجه تخرج بها وبالأولى عما عليها، ولا تقع في تغليظٍ آخر.
535 - وما أوردنا إنما يفرض في صلاة الصبح، وصلاة العصر، والعشاء.
فأما صلاة الظهر، والمغرب، فلو أوقعتهما في أول الوقت، ثم أوقعتهما في آخر
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/370)


الوقت المختص بهما، وقد أثبتنا للمغرب وقتين، فلا تخرج عما عليها؛ لجواز أن يستمر الحيض على جميع وقت الظهر والعصر، ثم تطهر في آخر وقت العصر، أو آخر الليل بمقدار أربع ركعات [ثلاث من هذه الأربع للمغرب وركعة للعشاء] (1) فتصير الآن مدركة للصلاتين، فلتصل الظهر والعصر في أول الوقت، ثم يبتدىء القضاء بعد غروب الشمس، كما ذكرناه للأصحاب.
536 - ثم الآن نرقى من هذه المرتبة، فنقول: إذا أوجبنا على المتحيرة -وقد راجعتنا- قضاءَ الصلوات في يوم استفْتَتْنا فيه، فلو لم تقضها حتى مضت خمسةَ عشرَ يوماً من أول وقت الاستفتاء، فيجب القطع بأنه لا يجب عليها في هذه المدة إلا قضاء صلاة يوم وليلة على مذهب أبي زيد؛ فإنا إنما نوجب القضاء لاحتمال الانقطاع، ولا يتصور أن ينقطع الحيض في الخمسة عشر إلا مرة واحدة، وهذا يقتضي ألا يجب إلا تدارك صلاة واحدة في هذه المدة، إذا كانت تقيم وظائفها في أوائل الأوقات.
ويحتمل أن يجب تدارك صلاتي جمع، وهما الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فلما أشكل ذلك، أوجبنا قضاء صلوات يوم وليلة؛ فإن ذلك يشتمل على ما تريد، وتكون هذه كالتي تنسى صلاةً من صلوات يوم وليلة، ولا تدري عينَها، فسبيل الخروج مما عليها إعادة صلوات يوم وليلة.
537 - فإن قيل: هذا الذي ذكرتموه الآن يخالف ما قدّمتوه من إيجاب قضاء كل صلاة؛ فإنكم صرتم الآن إلى أنه لا يجب عليها في الخمسةَ عشرَ غيرُ قضاء صلوات يوم وليلة؟
قلنا: هذا الذي أغفله الأصحاب، وهو مقطوع به. والذي قدمناه إذا أرادت أن تخرج في كل يوم عما عليها، وكانت تؤثر البدار، وتقدّر كأنها تموت في مختتم كل ليلة، فأما إذا أخرت القضاء، فلا شك أنه لا يجب في الخمسةَ عشرَ إلا ما ذكرناه.
وهذا فيه إذا كانت تصلي في أوائل الأوقات، فلو أنها كانت تصلي في أوساط الأوقات، فيتصور أن يجب عليها في الخمسةَ عشرَ قضاءُ صلوات يومين وليلتين؛
__________
(1) زيادة من: (ت 1).

(1/371)


وسبب ذلك أنها إذا كانت تصلي في وسط الوقت، فقد يطرأ الحيض على صلاة في الوسط، فتبطل وقد ينقطع في وسط أخرى، فتجب، ويتبين فساد عقد هذه الصلاة، ثم يتفق بتوقع الطرآن والانقطاع فسادُ صلاتين مثلين. ثم يُشكل عينُها.
ومن فاتته صلاتان متماثلتان، فلا يحصل استدراكهما إلا بقضاء صلوات يومين وليلتين، ولو كانت تصلي في أول الوقت، فيحتمل وقوعُهما في استمرار الحيض، وانقطاع الحيض في أثناء الوقت، ولو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصلاة المقامة في أول الوقت، لما وجبت الصلاة؛ فإنها لم تدرك من الوقت ما يسع لإقامة الفريضة، ولا يجتمع الفساد بسببي الطرآن والانقطاع. وهذا بيّن لمن وفق للتأمل.
538 - ثم نرقى من هذه المرتبة، ونجدد العهد أولاً بقاعدة المذهب في المبتدأة، وقد اختلف قول الشافعي في أنها ترد من أول الدم الذي رأته إلى ماذا؟ فقال في قولٍ: " حيضها يوم وليلة "، وقال في قول: " حيضها أغلب الحيض "، ثم إن ردَدْناها إلى أغلب الحيض، فيكون دورُها ثلاثين، سبعة منه حيض، وثلاثة وعشرون منه طهراً.
أو ستة حيض، وأربعة وعشرون طهراً، على ما سبق تفصيل ذلك.
فإذا (1) رددناها إلى أقل الحيض من أول الدم، فالظاهر أنها تُرد إلى أغلب الطهر، وهو ثلاثة وعشرون، (أو أربعة وعشرون) (2).
وفي المسألة وجه بعيد إذا ردت إلى أقل الحيض أنها تُردّ إلى أقل الطهر أيضاً، فيكون دورُها على هذا الوجه البعيد ستةَ عشرَ يوماًً.
فإذا ظهر ما ذكرناه، فنقول: إنما زيّفنا القول بأن المتحيرة كالمبتدأة، من جهة أن ابتداء دورها غيرُ معلوم، والتحكم بردّ ابتداء الدور إلى أوائل شهور العرب بعيدٌ جداًً، وابتداء دور المبتدأة من [أول دمها] (3)، فهذا وجهٌ واحد في الفرق بينهما، وإلا فلا يمتنع ردّ المتحيرة إلى ما ردّت إليه المبتدأة: من الأغلب والأقل، حملاً للأمر على
__________
(1) عبارة (ل) فيها سقط؛ حيث جاءت هكذا: " سبق تفصيل ذلك. وإذا رددنا إلى أقل الطهر أيضاً، فيكون دورها على هذا الوجه البعيد ستة عشر يوماً ... ".
(2) ما بين القوسين ساقط من: (ت 1).
(3) في الأصل: أولها. والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/372)


ما يجري في بيان جنسها، فالذي يتجه إذاً أن نقول:
539 - على المتحيرة في كل دور من أدوار المبتدأة قضاء صلوات يومين وليلتين.
فإن قدرنا دورها ثلاثين، فهذه تقضي في كل ثلاثين صلوات يومين وليلتين، إذا كانت تصلي وظيفة الوقت في أثناء الوقت، أو في آخر الوقت، وإن كانت تصلي وظيفة الوقت في أول الوقت، فلا يلزم في دور المبتدأة إلا قضاء يوم وليلة، وقد قررنا ما يقتضي هذا الفرق فيما تقدم.
فهذا منتهى الفكر في هذا الفن.
540 - وإن نسبنا ناسب إلى مخالفة الأصحاب، سفهنا عقله، فإن القول في هذه المعاصات يتعلق بمسالك الاحتمالات، وقد مهّد الأئمة القواعد كالتراجم، ووكلوا استقصاءها إلى أصحاب الفطن والقرائح، ونحن نسلّم أيضاًً لمن يبغي مزيداً أن يُبدي شيئاً وراء ما ذكرناه مُفيداً، على شرط أن يكون سديداً.
وبالجملة، النظر الذي يفيد المتحيرة تخفيفاً بالغُ الموقع مستفادٌ؛ فإنه إذا اجتمع عليها دوام العلة، واشتدادُ الضرر، لم يكن التشديد فيها لائقاً بالرخص المألوفة في المضايق.
***

(1/373)


باب في صيام المتحيرة على قول الاحتياط
قال الشافعي تفريعاً على قول الاحتياط:
541 - " المتحيرة تصوم شهر رمضان؛ لجواز أن تكون طاهرة في جميع الشهر، ثم لا يسلم لها من صوم الشهر -إن كمل ثلاثين يوماًً- إلا خمسة عشر يوماًً " (1)؛ فإنها يجوز أنها كانت حائضاً في خمسة عشر يوماً، فيلزمها قضاءُ خمسة عشرَ يوماًً، ولا يتأتى لها ذلك إلا بأن تصوم شهراً كاملاً؛ حتى تستيقن أنها أتت بخمسة عشر في طهر.
542 - قال أبو زيد: يفسد عليها من صيام كل شهر (2) ستةَ عشرَ؛ فإن الخمسة عشر إذا ابتدأ في نصف نهار؛ فإنه ينقطع في مثل ذلك الوقت من النهار الأخير، فينبسط على هذا خمسة عشر يوماًً على ستةَ عشر. وإذا كان ممكناً، فالاحتمال في حقها كاليقين إذا كانت مأمورة بالاحتياط.
والذي ذكره الشافعي فيه: إذا كان يبتدئها في أول اليوم بحيث لا يتعدّى إلى السادسَ عشرَ.
543 - ثم اختلف أصحابنا: فمنهم من قطع بما ذكره أبو زيد، ومنهم من رأى المنقول عن الشافعي مذهباً. وهذا التردّد هو الذي ذكرناه للأصحاب في قضاء الصلوات التي تؤديها؛ فإن الشافعي لم يتعرض للقضاء، واستدركه أبو زيد.
ثم قال أبو زيد: إذا كنا نأخذ بفساد ستة عشر يوماً، فإذا صامت شهراً آخر، فلا
__________
(1) ر. الأم: 1/ 58.
(2) في (ت 1): من صيام شهر رمضان. وكذا في (ل).

(1/374)


يحصل لها منه إلا أربعةَ عشرَ يوماً، لجواز فساد ستةَ عشرَ يوماًً (1 بخمسة عشر 1) كما سبق، فيبقى عليها قضاء يومين.
وسنذكر في باب قضاء الصلاة والصوم كيفية قضاء اليومين، مع ما يتعلق به -إن شاء الله عز وجل.
544 - والذي يجب استدراكه في ذلك، إذا رأينا أن تُردَّ المبتدأة إلى سبعة أيام في ثلاثين يوماًً، ونحكم لها بالنقاء ثلاثة وعشرين يوماًً، فيتجه أن يقدر حيض المتحيرة سبعة في كل ثلاثين؛ فإنه لا فرق بينها وبين المبتدأة إلا في شيء واحد، وهو أنا نعرف ابتداء دور المبتدأة؛ ويستحيل أن نتحكم بتقدير ابتداء الدور للمتحيرة، فأما تنزيلها على غالب الحيض في كل ثلاثين قياساً على المبتدأة، فمتوجِّهٌ لا ينقدح [غيره] (2)، فليقدّر لها سبعة أيام في شهر رمضان، ثم قد تفسد ثمانية أيام بسبعة، فيصح اثنان وعشرون يوماً.
فإن قيل: هذا عودٌ منكم إلى القول الضعيف في أن المتحيرة كالمبتدأة.
قلنا: هي مقطوعة عن المبتدأة في إثبات ابتداء الدور؛ فإن المبتدأة نحيّضها من أول [الدور] (3)، ثم نبني أدوارها على ذلك الأول، ولا يتأتى ذلك في المتحيرة على قول الاحتياط.
فأما ردّها إلى الغالب فيما يتعلق بالعدد، إذا انتهى تفريعٌ إليه من غير تحكم بإثبات أوّليْة، فلا يتوجه غيره، فأقصى ما يتخيله الفارق، أن المتحيرة قد كانت لها عادات، فلا تأمن تخالف تلك العادات لو رددناها إلى الغالب، والمبتدأة ما سبقت لها عادة.
وهذا الفرق لا يرتضيه الفقيه؛ فإن المبتدأة ربما كانت تحيض عشرة، لو لم تُستحض، ثم من حاضت واستحيضت، ونسيت ابتداء دورها، فهي متحيرة، يُفرَّعُ [أمرُها] (4) على ما ذكرناه، وإن لم تسبق لها عادة في الأدوار مستقيمة.
فهذا منتهى القول في ذلك. والله أعلم.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من: (ت 1). والمعنى يفسد صيام ستة عشر يوماًً بحيض خمسة عشر يوماًً.
(2) ساقطة من الأصل وحدها.
(3) في الأصل: الدم.
(4) مزيدة من: (ل).

(1/375)


باب
في قضاء الصلاة والصوم على قول الاحتياط
545 - المتحيرة التي لا تذكر شيئاً إذا لزمها قضاء يوم، أو نذرت صومَ يومٍ، فأرادت الخروج عما عليها، فقد قال الشافعي: " تصوم يومين بينهما خسمةَ عشر يوماًً ". وأجمع أئمتنا أنه حَسَبَ (1) صومَ اليوم الأول من الخمسة عشرَ التي ذكرناها (2)، فإنها لو صامت يوماًً وأفطرت خمسة عشرَ يوماً، ثم صامت يوماًً آخر، فيحتمل أن اليوم الأول وقع في آخر حيض، ثم طهرت خمسة عشر، ثم يقع اليوم الثاني في ابتداء حيض جديد، فيكون اليومان واقعين في الحيض، وإذا صامت يوماًً وأفطرت أربعة عشر يوماً، وصامت يوماًً آخر، فإن وقع اليوم الأول في الحيض يقع الثاني في الطهر، وإن وقع الثاني في الحيض، يقع الأول في الطهر.
546 - واستدرك أبو زيد وجهاً في الإمكان، وهو أن يبتدىء الحيض في النصف الأخير من اليوم الأول، ويمتد إلى النصف السادس عشر، فيفسد اليومان في هذا التقدير.
والذي نُقل عن الشافعي لا يتجه إلا مع تصوير انطباق الحيض على أول النهار وآخره ابتداء وانقطاعاً، وهذا ليس مما يغلب حتى يقال: الحملُ عليه بناء على الغالب، وتصوير الابتداء والانقطاع في أنصاف النهار في حكم النادر، وقد مضى نظير ذلك في أداء رمضان وقضائه.
__________
(1) حسب: من باب قتل، أي أحصى وعدّ، وهو المعنى المراد هنا، أما حَسِبَ من باب تعب [وقد تكسر العين في المضارع أيضاًً] فهي التي بمعنى (ظنّ). (المعجم والمصباح) هذا. ولما أصل إلى موضع هذا النص من كلام الشافعي.
(2) معنى العبارة: أن أئمة المذهب أجمعوا على أن الشافعي رضي الله عنه لم يرد أن تفطر خمسة عشرَ بين اليومين، بل حَسَب اليوم الأول وعدّه من الخمسةَ عشر. وقد حكى النووي نقلَ إمام الحرمين هذه العبارة عن الشافعي، وإجماع الأئمة على هذا التفسير، وجاء بالعبارة كما هي أمامنا بنص حروفها. (ر. المجموع: 2/ 453).

(1/376)


فليقع التفريع على مذهب أبي زيد. فقال الأئمة: إذا أرادت الخروج عما عليها بيقين، فلتصم يوماًً وتفطر يوماً، ثم تصوم الثالث، أو يوماًً آخر إلى آخر الخامس عشر، ثم تفطر السادس عشر، وتصوم السابع عشر، فتخرج عما عليها بيقين، إذا صامت ثلاثة أيام على هذا الترتيب.
فإن قُدِّر ابتداءُ الحيض من نصف اليوم الأول، فينقطع في السادس عشر، ويقع السابع عشر في الطهر وإن انقطع الدم في اليوم الأول، فاليوم الثالث يقع في طهر، وإن فرضنا انقطاع الدم في اليوم الثالث فيقع السابع عشر في الطهر، لا محالة.
وهذا بيّنٌ.
ولو صامت يوماًً، وأفطرت يوماًً، وصامت يوماًً، ثم [صامت] (1) الثامن عشر، فلا تخرج عما عليها؛ لجواز أن ينقطع الحيض في اليوم الثالث، ثم يبتدىء الحيض في الثامن عشر، فيقع الجميع في الحيض.
ولو صامت يوماًً وأفطرت يومين، وصامت اليوم الرابع، ثم صامت الثامن عشر،
فتخرج عما عليها؛ فإنه إذا قدّر انقطاع الدم في اليوم الرابع، فيقع الثامن عشر في الطهر لا محالة.
ولو صامت بدل الرابع يوماًً آخر إلى آخر الخامس عشر، جاز.
547 - والضابط في ذلك أنا نقدر شهراً ثلاثين يوماًً، ونتخيله شطرين: خمسةَ عشر، وخمسةَ عشرَ، فلا بد من صيام ثلاثة أيام، فإن صامت اليوم الأول من الخمسةَ عشرَ الأولى، ثم صامت اليوم الثالث، فبين اليومين في أول النصف الأول يوم فطر، فليقع اليوم الثالث بعد يوم من النصف الثاني، وهو السابع عشر؛ نظراً إلى الفطر المتخلل بين اليومين في النصف الأول، ولو وقع اليوم الثاني في اليوم الرابع، فبين اليومين يومان، فيجوز أن يقع اليوم الثالث بعد يومين من النصف الثاني، وهو الثامن عشر، وإن وقع اليوم الثاني في الخامس عشر، فبين اليومين ثلاثة عشر، فيجوز أن يقع اليوم الثالث في التاسع والعشرين، وحيث يجوز أن تصوم الثامن عشر، فلا شك
__________
(1) في الأصل: أفطرت، والمثبت من: (ت 1)، وهو الصواب المفهوم من السياق والسباق. وقد أكدته (ل).

(1/377)


في جواز السابع عشر، وكذلك حيث يجوز التاسع والعشرون، يجوز السابع والعشرون، لا محالة. وما ذكرناه حساب لا يخفى على متأمل.
[وكل] (1) ما ذكرناه مَبني على الأخذ بأكثر الحيض، فإن رأينا الأخذ بأغلب الحيض، فيكفي أن تصوم يوماًً، وتفطر سبعة أيام، وتصوم يوماًً آخر؛ فإن عودَ الحيض لا يقدّر على هذا الحساب؛ إذ الحيض إذا انقطع لا يعود إلا بعد خمسة عشر يوماًً.
ولكن هذا وإن كان ظاهراً منقاساً، فإنحن نتبع الأئمة، ونفرعّ في الاحتياط على [تقدير] (2) الحيض بالأكثر؛ إذ اقتضى الاحتياط ذلك.
ولا نعود إلى حساب الأغلب، ففيما ذكرناه من التنبيه كفاية. وقد كرّرناه في مواضع، ونحن نبغي الاطلاع عليها، فهذا بيان قضاء يوم واحد.
548 - فإن لزمها قضاء يومين، وأرادت إيقاعهما في شهر واحد، فتصوم ستة أيام: تصوم ثلاثة في أول النصف الأول، وثلاثة في أول النصف الثاني، وهي السادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر، فتخرج عما عليها؛ فإنه إن انقطع الحيض في آخر اليوم الثالث، فلا يعود في السادس عشر والسابع عشر، وكيفما قُدِّر فيسلم يومان من الحيض.
549 - فلو كانت تقضي ثلاثة أيام، فتُضاعِف الثلاثةَ وتزيد يومين، فتصوم أربعة أيام متوالية من أول الثلاثين، وأربعة من أول السادس عشر على الوِلاء، فتخرج عما عليها.
وإن كانت تقضي أربعة، ضعّفناها، وزدنا يومين، فتصوم عشرة أيام: خمسةً من أول الثلاثين، وخمسةً من السادس عشر.
وإن كانت تقضي خمسة، فنضعّفها ونزيد يومين، فتصوم على هذا الترتيب اثني عشر يوماًً.
وإن أرادت أن تقضي عشرة أيام، ضعّفناها، وزدنا يومين، فتصوم أحد عشر من أول النصف، وأحد عشر من السادس عشر على الوِلاء.
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: على ما يقدّر الحيض بالأكثر، والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/378)


ولو كانت تقضي أربعة عشر يوماًً، ضعّفناها، وزدنا يومين، فتحتاج إلى استيعاب الشهر بالصيام، فتخرج بصوم شهر عما عليها من صوم أربعةَ عشرَ يوماً، وإن كان عليها خمسةَ عشرَ يوماًً تؤدي بصوم الشهر منها أربعة عشر يوماًً، ثم تقضي يوماًً في شهرٍ ثانٍ، كما رسمنا قضاء اليوم الواحد.
ولم نبسط القول في تخريج كل صورة لوضوح الأمر.
وإذا كان الكلام يدور على احتمال الانقطاع والعَوْد، فإذا فُرض الانقطاع، فلا يفرض العَوْد إلا بعد خمسةَ عشرَ يوماًً، فلا يكاد يخفى تخريج ما ذكرناه بترديد [هذه] (1) الاحتمالات والأخذ بالمستيقن.
فهذا منتهى المراد في قضاء الصيام.
[قضاء الصلاة] (2)
550 - فأما إذا فاتتها صلاة، فأرادت قضاءها والخروجَ عنها بيقين، فليقع التفريع على طريقة أبي زيد؛ فإن طريقة الشافعي في ظاهر النص لا تكاد تخفى، ولعلنا نذكر نصاً للشافعي في طواف المتحيرة، وفيه كفاية في محاولة نقل طريقه.
551 - فنقول على مذهب أبي زيد: قضاء الصلاة يجري على قياس قضاء الصوم قطعاًً، وإنما يفترق الباب في أن الصوم زمانه ساعات يوم، والصلاة زمانها الساعات التي تسعها، فحق المفرّع أن يُجري في الساعة التي تسع الصلاة ما أجراه في يوم، في حكم الصوم. فإذا أرادت أن تقضي صلاة، فإنها تقضيها، ثم تصبر ساعة تسع مثل الصلاة التي قضتها، ثم تصلي تلك الصلاة على تلك النية مرة أخرى، ثم إذا انقضى خمسة عشر يوماًً من أول الصلاة الأولى، ومضى من أول السادس عشر ما يسع الصلاة على الجهة التي [تقدمت] (3)، فتقضي تلك الصلاة مرة ثالثة، فتخرج عما عليها، وتكون ساعات الصلوات بمثابة الأيام الثلاثة، وهي تريد قضاء صوم يوم.
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) العنوان من عمل المحقق.
(3) في النسختين: تقدم، وتأنيث الفعل هنا وجوباً. وفي (ل): الحد الذي تقدّم.

(1/379)


ثم يخرج فيه ما ذكرناه في الصوم من التصرف، فلو أنها صلت مرة، ثم أوقعت الصلاة الثانية في أول اليوم الثاني، وخللت بينهما يوماً، فإنها توقع الصلاة الثالثة بعد مضي ساعة من [أول] (1) السادسَ عشرَ، ولها أن توقعها في مقدار يوم من أول السادس عشر؛ فإنها فرقت بين الصلاتين في الأول بهذا المقدار. ولو صلت مرة، ثم أوقعت الصلاة الثانية في آخر اليوم العاشر، فقد خلّلت بين الصلاتين مقدار عشرة أيام، فإذا أرادت أن تصلي مرّةً ثالثة كما أمرناها، فليمض (2) من أول السادس عشر ما يسع الصلاة، ثم يتسع عليها وقت الصلاة الثالثة إلى آخر الخامس والعشرين، فتكون مهلتها بمقدار تفريقها ما بين الصلاتين أولاً، وقد ذكرنا نظير هذا في الصيام.
وبالجملة لا فرق بين البابين، إلا فيما ذكرناه من أن الصوم يتسوعب اليوم، بخلاف الصلاة، فيحتبر وقت إقامة الصلاة باليوم كلّه في القياس، واعتبار الاحتياط في التقديم والتأخير.
552 - ولو كانت تريد أن تقضي صلواتٍ كثيرة فاتتها، فالذي ذكره الأئمة أنها تقضيها أولاً، ثم تصبر حتى تمضي [أوقاتٌ مثلُ الأوقات التي وصفتُها، ثم تقضيها جميعاً مرة أخرى إلى آخر الخامس عشر، ثم تصبر حتى يمضي] (3) من أول السادس عشر مثل تلك الأوقات، ثم تقضيها مرة أخرى، فتخرج عما عليها، فتكون الصلوات مع اعتبار الوقت الذي يسعها بمثابة صلاة واحدة.
والذي ذكره الأئمة صحيح في أنها تخرج عما عليها قطعاًً، إذا فعلت ما ذكروه.
ولكن يتأتى الخروج عن عهدة ما عليها مع تخفيف في أعداد الصلاة، والسبب الكلِّي في هذا أن الإشكال إنما ينشأ من تبعّض انقطاع الدم وعوده، فقد يُفرض وقوعُ الحيض في آخر عبادة، ثم يعود في جزء من التي تعاد في السادس عشر، فيفسدان، فمست الحاجة إلى ما رسمه الأئمة في الصلاة الواحدة، من إعادة صلاةٍ ثلاثَ مراتٍ مع رعاية التفريق بين الصلاتين الأوليين وتخيّله أول السادس عشر بمقدارٍ، فأما إذا كانت
__________
(1) زيادة من (ل).
(2) (ت 1): فلتقض.
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل. وأثبتناه من: (ت 1).

(1/380)


تقضي صلوات وِلاءً (1)، فإن ورد الحيض على طرفٍ في الأول [أو] (2) الآخر، فإنما تبطل صلاة واحدة؛ فإن التي لابستها عبادات متميزة، فلا ينسحب توقع الفساد على جميعها بفرض ورود الحيض على طرفٍ في الأول [أو] (3) الآخر.
553 - فإذا تقرر هذا، عدنا إلى التفصيل، فنقول: هذه لا تخلو إما إن كانت تقضي صلواتٍ متجانسةً أو مختلفةً، فإن كانت متجانسة مثل إن كانت فاتتها مائة ظهر، فالوجه أن يضعّف عددُ الصلاة، فتصير مائتي صلاة، ويُضمّ إلى المجموع صلاتين، ثم تقسم الجملة نصفين، فتصلي مائة، وصلاة في أول يوم، [ونفرض] (4) كأن المائة تقع في أربع ساعات من أول طلوع الشمس، وتقع الصلاة الزائدة على المائة في الساعة الخامسة، ثم إذا مضى خمسة عشرَ يوماًً محسوبة من أول طلوع الشمس، تصلي مائة صلاةٍ وصلاةً، على الترتيب المتقدم، فتخرج عما عليها يقيناً.
وقد انحطّ عنها عددٌ من الصلاة، وبيان ذلك أن الذي يفرض طرآنه في هذه الصورة ابتداء الحيض، وانقطاع الحيض، ونحن الآن نفرض التقديرين، فإذا ابتدأ الحيض في نصف الصلاة الأولى، فقد فسد ما أتت به في هذه الخمسةَ عشرَ، ولكن ينقطع في نصف الصلاة الأولى الواقعة في أول السادس عشر، فتفسد هذه أيضاًً، ولكن يصح بعد ذلك مائة صلاة، وكيفما قُدّر طرآن الحيض، فما يفسد من طرف يصح من طرف، وتسلم مائة لا محالة، إذا زدنا صلاتين على الضعف، كما ذكرناه.
ولو قيل يطرأ الحيض في اليوم الأول في الصلاة الموفية مائة، فقد صح ما قبلها تسع وتسعون، والحيض ينقطع في مثل ذلك من السادس [عشر] (5)، فتصح الصلاة الزائدة على المائة، وتكمل بها المائة.
فهذا تقدير طريان الحيض.
__________
(1) ولاء بالكسر أي متتابعة (المختار، والمعجم).
(2) في الأصل، (ل): والآخر، والمثبت من: (ت 1).
(3) في الأصل، (ل): والآخر والمثبت من: (ت 1).
(4) في الأصل: وتفرع، والمثبت من (ت 1)، (ل).
(5) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/381)


554 - وإن قدرنا الانقطاع، فنقول: لعل الحيض انقطع في الصلاة الزائدة على المائة في اليوم الأول، ففسدت الصلوات كلها لوقوعها في الحيض، ولكن الطهر يمتدّ في أول السادس عشر، بحيث يسع مائة صلاة ونصف صلاة، فتكمل المائة.
وإن انقطع في الصلاة الموفية مائة من اليوم الأول، فتصح الصلاة الزائدة، ويصح من السادس عشر تسع وتسعون، فإن عاد الحيض، لم يضر، وقد كملت المائة بما يصح في السادس عشر، وبالصلاة الزائدة على المائة في اليوم الأول، ولا حاجة -مع ما ذكرناه من التصوير- إلى تأخير الصلوات في السادس عشر بمقدارٍ من أول النهار.
هذا كله، إذا كانت الصلوات كلها من جنسٍ واحد.
555 - ثم كل صلاة من هذه الصلوات التي ذكرناها تَقدّمَ عليها غُسلٌ، فإن اضطرب فكر الناظر في ذلك، من حيث إن الأغسال تقع في أزمنةٍ (1)، فلا مبالاة بهذا؛ فإنه لا ضبط للأزمنة التي تصلي فيها، والناس يختلفون في الحركات والسكنات إبطاء وإسراعاً، فلتعدَّ أزمنةُ الاغتسال كأنها من أزمنة الصلوات.
ولكن الذي يجب أن يراعى أن تكون الأزمنة في الأول إذا جمعت، كالأزمنة في السادس عشر، فلو لو تكن كذلك، لفسد النظام، ولأمكن أن يقع ما يزيد على مثل مقدار الساعات الأولى في حيضٍ جديد من السادس عشر.
هذا إذا كانت الصلوات من جنس واحد.
556 - فأما إن كانت الصلوات التي تقضيها من أجناس مختلفة: مثل أن يلزمها قضاء الصلوات لعشرين يوماًً، فهي مائة صلاة من خمسة أجناس من كل جنس عشرون، فهذه الصورة فيها إشكال؛ من جهة أنه إن قدّر [فساد] (2) صلاة بانقطاع الحيض، وصلاة بابتداء الحيض، فلا يُدرى أن ذلك التقدير في أي جنس يتفق من الأجناس الخمسة، فما من جنس إلا وقد يُفرض بطلان صلاتين منه، كما سنبسط
__________
(1) كذا. ولعل في الكلام خرماً، تقديره: " في أزمنة متفاوتة " مثلاً. أو هو إيجاز بالحذف يفهم من الكلام.
(2) في الأصل: قضاء، والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/382)


وجوه [التقدير] (1)، ثم لا يقع هذا إلا في جنس واحد، ولكنه لا يتعين لنا، وتعيين النية شرطٌ في الصلاة، فيخرج من التقدير إيجابُ عشر صلوات سوى عدد التضعيف، صلاتان من كل جنس.
ثم الذي يجري إليه الفكر في تصوير ذلك [ما نذكره] (2). فنقول: تصلي في أول يوم تقدّره مائة صلاة، عشرين عشرين، ولتجر مثل على ترتيب الأجناس، فتبدأ بالصبح عشرين، ثم كذلك إلى [العشاء] (3)، ثم تصلي في الخمسة عشرَ عشْرَ صلوات، كل صلاتين من جنس، ثم إذا دخل الساس عشر، لم تصل حتى تمضي ساعةٌ تسع صلاة، ثم تعيد مائة صلاة من الأجناس على الترتيب المتقدم، فتخرج عما عليها.
ولا بد من بسط في [ترديد] (4) الاحتمالات.
فإن طرأ الحيض على الصلاة (5) الأولى في اليوم الأول، فتقع الصلوات المائة والعشرُ الزائدة في الحيض، ولكن ينقطع الحيض في الساعة الأولى من السادس عشر، وتقع المائة التامّة بعدها في الطهر. وإن فرضنا انقطاع الدم في الصلاة الأولى، فتفسد تلك، ويصح ما بعدها، وتستدرك تلك العشرة، أي الفاسدة في الخمسة عشر، وإن فرضنا الانقطاع في الصلاة الثالثة، فيصح ما بعدها، ويفسدُ ثلاثٌ من صلوات الصبح، ثم يبتدىء الحيض بعد مُضى ساعتين ونصف من أول السادس عشر، وقد مضت صلاة في الساعة [الثالثة أو في] (6) الثانية صحيحة، وفي العشر صبحان صحيحان، فقد حصل استدراك الثلاث التي بطلت من الأول، وإن انقطع الحيض في الصلاة الرابعة مثلاً، فقد بطلت أربع صلوات، ثم سيعود الحيض بعد ثلاث ساعات ونصف من السادس عشر، وقد وقعت صلاة في الساعة الثانية، وأخرى في الثالثة،
__________
(1) في الأصل: التقديم، والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: فائدة. وهو خلل ظاهر. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: العشرين. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(4) في الأصل: تزيد. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(5) في (ل): الصورة.
(6) زيادة من (ل).

(1/383)


وانجبرت صلاتان من الأربع الفاسدة، وفي العشر اثنتان.
وعلى هذا التدريج تجري التقديرات كلها.
557 - فإن قيل: أي فائدة في تعرية الساعة الأولى من السادس عشر؟ (1 قلنا: لو صلت في الأول من السادس عشر 1) وقد قضت الصلوات العشرَ في الخمسةَ عشرَ، فنفرض في هذه الصورة ابتداء الحيض في نصف الصلاة الأولى من اليوم الأول، ثم يمتدّ إلى نصف الصلاة الأولى من أول السادس عشر، فتقع الصلوات الخمسةَ عشرَ، ومن جملتها الصلوات العشر في الحيض، وتفسد صلاة مما يقع في السادس عشر، فتستفيد بفرض تأخير ساعةٍ إسقاطَ هذا الاحتمال، وهذا فيما نظنه أقرب الطرق.
558 - ولست أُبعد أن ينقدح لذي خاطر مسلكٌ أقرب من ذلك، والرأي في أمثال ذلك مشترك، وما ذكرناه ليس استدراكاً فقهياً على من تقدم، ولكنهم مهدوا الأصول، ولم ينعموا النظر فيما يتعلّق بالاحتمالات الحسابية، ووكلوا استيفاءها إلى الناظرين، ولا حرج على الناظر في كتابنا أن يزيد طرقاً سديدة ويُلحقها بالكتاب. والله أعلم.
...
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (ت 1).

(1/384)


باب في أحكام متفرقة في الاحتياط
559 - قد ذكرنا تفريع الاحتياط في الأصول [وفي هذا الباب] (1) نجري أحكاماً متفرقة، وتشتمل على ضبط جامع في قواعد الاحتياط.
560 - فنقول: الوطء محرَّم منها أبداً على قول الاحتياط، لإمكان الحيض في كل وقت.
وإذا طلقها زوجها، فالذي صار إليه جماهير الأئمة أنا لا نحمل أمرها على حال من يتباعد حيضها، حتى نقول (2): تصبر إلى سن اليأس في قولٍ صحيح، ثم تعتد بثلاثة أشهر، بل نحكم بانقضاء عدتها بثلاثة أشهر من وقت الطلاق؛ فإنا لو حملناها على التي يتباعد حيضُها، لعظم المشقة، وطال العناء باحتمالٍ مجردٍ يخالف غالب الظن.
وأما إقامتها وظائفَ الصلاة في الأوقات، فليست من المشقات؛ فإن معظم الخلق لا يتركون الصلاة، وقضاءُ الصوم قاعدةُ الشريعة، فلا يبقى إلا قضاء الصلوات على رأي بعض العلماء، والأمر بأداء الصوم مع القضاء، والغُسل بدلاً عن [الوضوء] (3) الذي تكرره المستحاضة، وهذا قريب.
فأما تكليفُها أن تبقى أيّماً دهرها باحتمالٍ، فشديدٌ جداًً.
561 - وقد ذكر صاحب التقريب وجهاً: أن أمرها محمولٌ على تباعد الحيض في العدّة، وهذا -وإن كان منقاساً- بعيدٌ في المذهب.
562 - وهي في دخول المسجد كالحائض أبداً.
__________
(1) زيادة من: (ت 1) وعبارة (ل): " وهذا الباب يحوي أحكاماً ... "
(2) ساقطة من (ل).
(3) في الأصل: الصوم.

(1/385)


563 - وأما قراءة القرآن، فقد ذكرنا قولاً بعيداً، أن الحائض تقرأ [القرآن] (1)، وهو على بعده يتجه في المتحيرة؛ فإنه لا نهاية لعذرها.
والذي ينقدح لي فيها أنها تقرأ في الصلاة ما شاءت؛ فإنها مأمورة بالصلاة، ولا تصح الصلاة من غير قراءة.
ومن منع الحائض من قراءة القرآن، فقد ينقدح على طريقه أنها تقتصر على قراءة الفاتحة في الصلاة؛ فإن الضرورة تتحقق في هذا القدر دون غيره.
والظاهر عندي أنها تتنفل بلا حَظْرٍ ولا حجر، كما يتنفل المتيمم، وإن كان التيمم طهارةَ ضرورةٍ.
ويُحتمل أن تُمنع من النافلة لاحتمال الحيض، كما تمنع من قراءة القرآن في غير الصلاة.
والتيمم وإن كان لا يرفع الحدث، فهو على الجملة يؤثر في رفع منعه. والصلاة تحرم في الحيض، كما تجب في الطهر، فهذه احتمالات متعارضات، لا نَقْلَ عندنا في معظمها، ونصّ أصحابنا في الطرق على أنها تتنفل، كما تتنفل المستحاضات في زمان الاستحاضة.
وما ذكرتُه احتمال ظاهر، وإن لم أنقله، اعتباراً بقراءة القرآن.
[وإذا جوزنا للحائض قراءة القرآن] (2) لكيلا تنسى، فيظهر أن تُمنع من القراءة، لا لهذا الغرض: مثل أنها كانت تكرر سورة الفاتحة، أو الإخلاص، على ما يعتاد بعضُ الناس ذلك.
وقد يقول قائل: إذا جاز لها قراءة سورة، جاز قراءة كل سورة، والعلم عند الله.
564 - ومما يتعلق بما نحن فيه أنا وإن بالغنا في التشديد عليها، فلا نُطرِّق إليها احتمالات التلفيق حتى نقول: هي ممن تحيض يوماًً وتطهر يوماًً.
ونحن نقول: في قولٍ النقاء بين الدمين طهر. فلو فرّع مفرع على هذا القول،
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/386)


وحمل أمرَها على هذا، لم يجز أصلاًً؛ فإنها مع الجهل بابتداء الدور لا تستقرّ مع احتمال التلفيق على رأي واحتياطٍ قط. ولا يتصور منها معه تدارك شيءٍ لأجل الاحتياط. وكل ما لو قدّر، انسدّ به كل باب، فلا معنى لتقديره وبناء الأمر عليه. فكذلك إذا أمرناها بالاغتسال لاحتمال انقطاع الحيض، فمن الممكن أن ينقطع حيضها في خلال الاغتسال، وهذا لو تحقق، لوجب عليها استئناف الغسل، ولكن لا معنى للأمر (1) بهذا الاحتياط؛ فإنها لو استأنفت الغسل، لأمكن ما ذكرناه في الغسل الثاني، وهذا أمرٌ لا ينقطع، ويؤدي إلى التسلسل؛ فليقطع هذا الفن من ابتداء الأمر.
565 - ونحن الآن نحرر مراتب في الاحتياط والتخفيف، ونستتم ما مضى، ونشير إلى مواقف الخلاف والوفاق.
فأما احتياطٌ [لا مَردّ فيه] (2)، ولا انقطاع له، ولا خلاص منه، فليس مرعياً وفاقاًً، كما ذكرناه في التلفيق، وتقدير الانقطاع في الغسل، أو بعد الفراغ منه.
وأما رد المتحيرة إلى المبتدأة بأن يُقدّر ابتداء دورها من الأهلة، ففيه قول بعيد، ولكنه في نهاية الضعف كما سبق.
وأما وجوه الاحتياط التي لا تتسلسل، فقد [ذكرناها] (3) على القول الصحيح، وظهر لنا أن الشافعي ليس يبني الأمر على غوامض الاحتمال، ولهذا لم يوجب قضاء الصلوات مع أدائها، وظاهر القياس المذهبُ المعزيّ إلى أبي زيد.
ولكن عنّ لنا في تفاصيل التفريع أن نعتبر أدوار المبتدأة، وإن لم نعتبر ابتداء الدور، حتي نراعي أغلب الحيض والطهر في بعض مجاري الكلام، وقد تقرر هذا مفصلاً.
فهذا منتهى القول في وجوه الاحتياط، والتنبيه على مواقع الخلاف والوفاق في النفي والإثبات.
__________
(1) عبارة (ل): لا معنى للأخذ بهذا الاحتمال.
(2) عبارة الأصل: فأما احتياطُ الأمر فيه إِلى التسلسل، ولا انقطاع له .. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: ذكرها، والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/387)


وأما العدة والحملُ على تباعد الحيض على ما سبق، فاتفاق معظم الأصحاب فيه محمول عندي على تقريب أمرها من أدوار المبتدأة، في عدد الحيض والطهر، فليفهم الفاهم ما نلقيه إليه مستعيناً بالله، ونعم المعين.
[فرع] (1):
566 - ذكر ابن الحداد فرعاً في طواف المتحيرة، وفيه عثراتٌ وسهوٌ كثير، وقد نبهنا على أمثالها في غير هذا الفرع، فلست أرى التطويل بإعادتها.
ولكن [أذكر] (2) المسلك الحقَّ، وما يُخرجها [عن] (3) الطواف بيقين على قياس أبي زيد.
فأقول: نتكلم في الطواف، ثم فيما يتعلق بالطهارة لأجله، فالمتحيرة في النُّسك إذا أرادت أن تطوف، فالطواف ينافيه الحيض؛ إذ الطهارة مشروطة فيه، ولا بد من الإتيان بطواف لا يقع في الحيض.
فالقول الوجيز فيه أنا نحسب طوافها وركعتي الطواف كصلاة تقضيها، وإذا أرادت قضاء صلاة واحدة، فقد ذكرنا أنها تصليها ثلاث مرات، وبيّنا أوقاتها، فنُجري طوافها مع ركعتي الطواف على ذلك الترتيب، فتطوف وتصلي، ثم تترك الطواف حتى يمضي من الزمان ما يسع مثل ما تقدم من أفعالها. ثم تطوف وتصلي بعد مضي (4 هذا الزمان 4)، فإذا مضت خمسة عشر يوماًً من أول اشتغالها بالطواف الأول، فتصبر حتى يمضي من أول السادسَ عشر مثلُ الزمان الذي [وسع فعلها] (5) الأول، ثم تطوف وتصلي مرة ثالثة.
ولست أستقصي أطراف القول؛ فإنه بمثابة ما تقدم من قضاء صلاة من غير تباين، ثم تغتسل لكل طوافٍ، في كل كرّة. وأما ركعتا الطواف، فلا تغتسل لهما؛ فإن
__________
(1) في الأصل " فصل " بدلاً من (فرع).
(2) في الأصل: ذكر. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: من. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(4) ما بين القوسين ساقط من: (ت 1).
(5) في الأصل: يسع شغلها. والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/388)


الطواف إن وقع في حيضٍ، فالركعتان لا يعتد بهما؛ فإن شرط صحتهما (1) صحة الطواف قبلهما، وإن فرضنا وقوع الطواف في بقية [الطهر] (2) وابتداء الحيض حالة الاشتغال بالركعتين، فإذا اتفق ذلك في كرَّةٍ، فلا بد وأن يقع طواف وركعتان في كرةٍ أخرى من الكرات في طهر، فيقع الاكتفاء بذلك، فإذاً لا يجب تجديد الغسل قطعاً للركعتين في كرَّةٍ من الكرات.
ولكن هل تتوضأ [للركعتين] (3)، وقد اغتسلت للطواف؟ هذا يخرَّج على أن الركعتين سنة، أم فريضة؟ إن حكمنا بأنهما سنة، فلا تتوضأ؛ فإن للمستحاضة أن تؤديَ فريضةً، وما شاءت من النوافل بوضوء واحد، وإن حكمنا بأن الصلاة فريضة، فهذا يخرّج على خلافٍ متقدّم في التيمم، في أن الصلاة كجزء من الطواف، أو نقدرُها كفرض مبتدأ منقطع عن الطواف، وقد فرّعْنا حكم تجديد التيمم على هذين الطريقين، فإن عددنا ركعتي الطواف كشوطٍ من أشواط الطواف، فلا تتوضأ لهما، وتكتفي بالغسل للطواف، كما لا تتوضأ [لكل شوط من الطواف] (4) وإن رأينا الركعتين فرضاً مبتدأً بعد الطواف، فلا تغتسل لهما، ولكن تتوضأ.
وذكر الشيخ أبو علي مسألة الطواف في شرح الفروع، وذكر النص، وطريقةَ أبي زيد، وهفواتِ الأصحاب وأطال نَفَسَه، فإنه لم يذكر في احتياط المتحيرة غيرها، فاقتضى الشرحُ [جمعَ] (5) أقوال الأصحاب.
ونحن لما ذكرنا جميعَ الطرق في الأبواب المتقدمة، رأينا الاقتصارَ في هذا على المسلك الحق في درك اليقين، والذي جددنا العهدَ به القولُ في حكم ركعتي الطواف في أمر الطهارة فحسب، وإلا فالترتيب فيه كالترتيب في قضاء صلاةٍ واحدةٍ، حرفاً حرفاً.
...
__________
(1) ساقطة من (ت 1).
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: لكل ركعتين.
(4) في الأصل: للطواف. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(5) في الأصل: جميع، والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/389)


باب في حكم الناسية إذا كلانت تذكر شيئاًً
567 - جميع ما قدمناه في المتحيرة التي لا تذكر شيئاً، وهذا الباب يشتمل على ما إذا ذكرت شيئاًً في ترتيب أمرها في أدوارها، ونبين ما يقتضيه ذكرها من تخفيفٍ عنها في حكم الاحتياط.
وعلى الجملة: من أحاط بما قدمناه من قواعد الاحتياط في المتحيرة المطلقة، وهي تخبط في عمايةٍ عمياء، ولا تذكر شيئاًً؛ فيهون عليه مُدرَك اليقين فيه إذا كانت تذكر شيئاًً، وإنما غموض حكم الاحتياط فيما تقدّم، فلا نبسط القول في هذا الباب بتكثير الصور؛ علماً بأن من أحاط بالاحتياط فيما تقدم، يسرع إلى المطلوب في هذا الباب.
568 - فنقول: لو عينت ثلاثين يوماًً، وذكرت أنها كانت تحيض في أوله (1)، وينطبق أول حيضها على أول تلك المدة. ونحن فيما نحن فيه نسمي تلك الثلاثين شهراً، فإذا ذكرت ذلك، وزعمت أنها لا تذكر شيئاًً آخر، فتستفيد بما ذكرته أنّا نحيّضها بيقين يوماًً وليلة من أول الشهر، ثم نأمرها بالاحتياط إلى انقضاء الخامسَ عشر، [لاجتماع احتمال] (2) الحيض والطهر، والانقطاع بعد اليوم والليلة إلى آخر الخامس عشر.
وقد ذكرنا أن وجوهَ الاحتياط تنشأ من هذه الاحتمالات، ثم هي طاهرة بيقين من أول السادس عشر إلى منقرض الشهر.
ولو عيَّنت كما ذكرنا شهراً، وذكرت أن حيضها كان ينقطع في آخر الشهر، ولم تذكر غير ذلك، فنحكم لها بالطهر من أول الشهر خمسة عشر يوماًً، ثم يحتمل من أول
__________
(1) أعاد الضمير مذكراً على معنى: (الدّور)، أو (الشهر).
(2) في الأصل: لاحتمال الحيض والطهر. والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/390)


السادس عشر الحيض والطهر، ولا يحتمل الانقطاع فيه؛ فإنه لو فرض الانقطاع، لم يعد إلا بعد خمسةَ عشرَ، وقد ذكرت أن حيضها كان ينقطع في آخر الشهر، فإذا بقي يوم وليلة من الشهر، فهي حائض بيقين على حكم العادة، وإذا زال احتمال الانقطاع في النصف الأخير، زال الأمر بالاغتسال، ولا تغتسل إلا مرة واحدة في آخر الشهر؛ فإنه وقت الانقطاع لا غير، وليقس الناظر بما ذكرناه من أمرها أمثاله.
فصل
في الخلط
569 - هذا قد يهابه المبتدئ، ولا إشكال فيه مع تمهُّدِ ما مضى، ولولا إقامة الرسم في تراجم الأبواب، لما رأيتا إفراد أمثال هذا، فنقول والله المعين:
إذا عيَّنت شهراً ثلاثين، كما تقدم، وأبانت المبتدأ والمختتم، وذكرت أنها كانت تخلط الشهر بالشهر حيضاً بحيض، والمراد به أنها كانت حائضاً في آخر كل شهر، وأول كل شهر، ولم تذكر غير ذلك. فهذا هو الذي سماه العلماء الخَلطَ المطلق.
فإذا لم تذكر غير ذلك، فوجه تقريب القول، وتسهيل المسلك أنها حائض في اللحظة الأخيرة والأولى من الشهر؛ فإنها ذكرت ذلك، ثم هي مأمورة بأكمل الاحتياط بعد اللحظة الأولى من الشهر إلى آخر الخامس عشر إلا لحظة؛ لاحتمال الحيض والطهر والانقطاع في هذه الأيام، ثم هي طاهرة في اللحظة الأخيرة من الخامس عشر واللحظة الأولى من السادس عشر؛ فإن الحيض لا ينتهي إلى هاتين (1) اللحظتين في شيء من جهات التقدير، ثم بعد هذه اللحظة الأولى من السادس عشر إلى اللحظة الأخيرة من الشهر احتمالان:
أحدهما - الحيض.
والثاني - استمرار الطهر.
ولا يحتمل الانقطاع؛ فإن في آخر الشهر حيضاً بيقين.
ولو فُرض الانقطاع في النصف الأخير، لم يعد الحيض في آخر الشهر، ثم هي
__________
(1) في (ت 1): ما بين اللحظتين.

(1/391)


حائض بيقين في اللحظة الأخيرة من الشهر واللحظة [الأولى] (1) من مبتدأ الشهر، فهذا حكم الخلط المطلق.
570 - وقد ذكر الأصحاب عبارات في رَوْم التقريب، فصارت مراسمَ في الباب، وقد تعاظمها المبتدئون ورأَوْها أموراً غامضة، وإنما معناها ما ذكرناه، ولكنا نذكرها؛ حتى لا نكون أخلينا الكتاب (2) عن فن مألوفٍ فيه.
فإذا ذَكَرَتْ الخلط المطلق، فنقدم حيضها إلى الزمان المنقضي (3)، على أقصى الإمكان، ونؤخر حيضها في الزمان المستقبل على أقصى ما يتصور، فيقع حساب التقديم في النصف الآخر من كل شهر، ويقع حساب التاخير في النصف الأول من كل شهر، ونستمسك باللحظتين في الآخر والأول.
فنقول: أقصى الإمكان في التقديم أن نجعل آخر حيضها اللحظة الأولى من الشهر، فيقع أوله بعد لحظة من السادس عشر (4). وأقصى الإمكان في التأخير أن نجعل أولَ حيضها اللحظة الأخيرة من الشهر، فيمتد إلى [آخر] (5) الخامس عشر إلا لحظة.
ثم نقول: ما يدخل في الحسابين: التقديم والتأخير، فهو حيض بيقين. وهو اللحظتان من الآخر والأول، وما خرج من الحسابين، ولم يلحقه واحد منهما، فهو طهر بيقين، وهو اللحظة الأخيرة من الخامس عشر، واللحظة الأولى من السادس عشر، وما دخل في حساب التأخير فحسب، ففيه أكمل الاحتياط، وما دخل في حساب التقديم فحسب، فليس فيه احتمال الانقطاع، فلا غسل، وإنما فيه احتمال الطهر والحيض.
وفيما قدمناه ما يغني عن هذه التهاويل والعبارات والتفاصيل، ولكن رأيت (6)
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) المراد كتاب الحيض.
(3) في (ت 1): المقتضي.
(4) ذلك لأن أقل الطهر خمسةَ عشرَ، فإذا طهرت في اللحظة الأولى من الشهر، فينقضي المستيقن من الطهر، وهو أقله في أول لحظة من السادس عشر.
(5) زيادة من (ل).
(6) في (ت 1): ولكنا رأينا، وكذا في (ل).

(1/392)


التأسّي بما ذكر لنتخدّ ذلك دستوراً فيما يجري بعده. إن شاء الله عز وجل.
ثم نذكر زوائد من الفوائد في هذه الصورة، يتدرب بها المنتهي والمبتدىء.
571 - فنقول: إذا ذَكَرَتْ الخلط المطلق، وكان في ذمتها صلاة منذورة مثلاً، فأرادت الخروج عما عليها، أو أرادت إقامة صوم يوم واجب عليها، فقد ذكرنا في المتحيرة المطلقة، أن الوجه أن تصلي ثلاث مرات، وتصوم ثلاثة أيام. وذكرنا ما يتخلل بين الكرات من المواقيت.
فإذا ذكرت أنها كانت تخلط الشهر بالشهر، فيكفيها أن تقضي ما عليها مرتين: مرة في حساب التقديم، ومرة في حساب التأخير، ولكن لا بد من رعاية وجهٍ يقع به أحدهما في الطهر.
فلو صامت يوم السادس والعشرين من شهر، ويوم السادس من الشهر الثاني، فلا تخرج عما عليها؛ لجواز وقوع اليومين في الحيض، [إن] (1) كانت تخلط.
ولكن إذا صامت يوم الخامس عشر ويوم السادس عشر، فتخرج عما عليها؛ فإن الحيض لا يدرك اليومين جميعاًً، بل إن أدرك، فإنه يدرك أحدهما.
ولو [صامت] (2) السابع عشر من شهر، والخامس عشر من الشهر الذي يليه، فإنها تخرج عما عليها؛ فإن الحيض مع تقدير الخلط لا يدرك اليومين جميعاًً في هذه الصورة. ولا يكاد يخفى على من أحكم استخراج الغوامض [المقدمة] (3) مأخذ هذا.
572 - ومما نذكره الآن أنا قدّمنا في المتحيرة المطْلقة من مذهب أبي زيد، أنها تصلي كل صلاة، ثم تقضيها كما تفصّل.
ولا بد من تفصيل هذا الفن مع ذكرها الخلط.
فنقول: نذكر التفصيل في الأيام المقدّمة في الزمان الماضي، ثم نذكر الأيام
__________
(1) في الأصل، (ل): " وإِن ". والمثبت من: (ت 1).
(2) في النسختين: "صلت" وواضح أن المقصود: صامت، فإِن المسألة في فرض صوم يومٍ واجبٍ عليها. ووجدناها في (ل) كباقي النسخ.
(3) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/393)


المؤخرة المقدّرة في الاستقبال، والأيامُ المقدمةُ تقع في النصف الأخير من الشهر، والمؤخرة تقع في النصف الأول من الشهر.
فأما النصف الأخير من كل شهر، فلا يحتمل الانقطاع؛ فإن في آخر الشهر حيضاً معلوماً، وإن انقطع الحيض، لم يعد إلى خمسةَ عشرَ يوماًً، ولكن يلزمها إقامة الصلوات في أوقاتها؛ لإمكان الطهر.
ثم لو كانت تصلي في الأيام المتقدمة في أول الوقت وتطبق التكبير على أول الوقت، فلا يلزمها القضاء أصلاًً؛ لأن الصلاة إن وقعت في الطهر، فقد أدت ما عليها، وإن وقعت في الحيض، أو وقع آخرها فيه، فلا تلزمها هذه الصلاة، لا أداءً ولا قضاء، ولا يحتمل أن ينقطع الحيض في آخر الوقت، كما تقدم ذكره.
ولو صلت في وسط الوقت، فيتجه أمرُها بالقضاء؛ لاحتمال أن أول الوقت كان عارياً عن الحيض، فلم تصلّ فيه، ولما صلت كانت حائضاً. والذي يقتضيه تحقيق هذا الحساب، أنها لو أوقعت الصلاة بعد مضي مقدار تكبيرة من أول الوقت، فيلزمها القضاء؛ لجواز أن تقع التسليمة في ابتداء الحيض، وقد مضى من أول الوقت، ما يسع صلاة تامةً.
ثم يتجه على ما أوضحناه أن نوجب عليها ملازمةَ أول الوقت؛ فإنها لو استيقنت من نوَب حيضها -ولم تكن مستحاضة- أنه إذا مضى من وقت الزوال مقدارُ أربع ركعات تَحيضُ (1)، فيتعين عليها إيقاع الصلاة في أول الوقت، وإذا احتمل ذلك، فالاحتمال في قاعدة الاحتياط بمثابة اليقين.
ولا يمتنع أن يقال: عليها مع رعاية التطبيق على أول الوقت أن تقتصر على مقدار الفرض؛ فإنها لو [بسطت] (2) وطوَّلت، فربما توقع شيئاًً من الصلاة في الحيض، مع القدرة على تبعيد الفرض عن المانع.
ولا يبعد أن يقال: يشق عليها مراعاة التطبيق على أول الوقت، والاقتصارُ (3) على
__________
(1) أي أنها تحفظ أن الحيض يعتريها بعد الزوال بمقدار أربع ركعات.
(2) في الأصل: سقطت. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(3) معطوف على (مراعاة).

(1/394)


ما لا يتصوّر أقل منه، فنقول: هي بالخيار بين مراعاة التطبيق وقدر الفرض، وبين أن تصلي في الوقت متى شاءت، ثم تقضي تلك الصلاة مرةً أخرى. فهذه جهات الاحتمالات فيما أردناه.
573 - [ومما يليق] (1) بتمام البيان في الأيام المقدمة، أنها إذا صلت على وجهٍ يلزمها القضاء، فلو أرادت أن تقضي في الأيام المقدمة لتخرج عما عليها، لم يمكنها؛ لجواز وقوع القضاء في الحيض، ولكن سبيلَها أن تؤخر القضاء، وتصلي في الأيام المقدمة [مثلاً] (2) في أوساط الأوقات، ثم تقضي صلواتِ يومٍ وليلة؛ وذلك لأنه لا يبطل من صلاتها إلا واحدة في جميع الأيام المقدمة؛ فإن الصلاة إنما تبطل بتقدير ابتداء الحيض في أثناء الصلاة.
و [هذا] (3) إنما يتصور مرة واحدة في الأيام المقدمة، ولكن لما أشكلت الصلاة التي قدرنا فسادها، أوجبنا قضاء صلاة يوم وليلة.
فهذا تمام الكلام في الأيام المقدّمة.
ثم إنما تقضي الصلوات في الأيام المقدّمة والمؤخرة مرتين، كما تقدم، فتصلي مرتين خمساً خمساً، فتصير عشر صلوات.
574 - فأما الأيام المؤخرة، فيحتمل فيها الانقطاع، فلو صلت في أول الوقت، فيلزم القضاءُ لتقدير الانقطاع في آخر الوقت، ووقوع الصلاة المتقدمة في الحيض، فالوجه أن تؤخر الصلاة -إن أرادت ألا تقضي- إلى آخر الوقت.
ثم نذكر مقدمةً لغرضنا، وهي أن من لا علّة به إذا أوقع بعضَ الصلاة في الوقت، وبعضها خارج الوقت، فالصلاة مقضية أو مؤداة؟ فيه خلاف، وسيأتي في كتاب الصلاة.
فإن قلنا: الصلاة مؤدّاة، فيجوز في حالة الاختيار تأخيرُ الصلاة إلى هذا الحد.
__________
(1) في الأصل: يتعلق. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/395)


حتى لو لم يقع في الوقت إلا مقدار تكبيرة، جاز، [وكانت الصلاة أداءً] (1).
وإن قلنا: تصير الصلاة مقضية، فلا يجوز تأخير الصلاة إلى حالةٍ يقعُ بعضُها خارج الوقت.
فإذا ثبت ذلك، عدنا إلى غرضنا في الأيام المؤخرة.
575 - فإن قلنا: تكون الصلاة مؤداةً، فلو أوقعت مقدار تكبيرة في الوقت، ووقع الباقي وراءه، فلا قضاء عليها، ولها أن تفعل ما ذكرناه؛ فإن هذه الصلاة إن وقعت في الطهر، فقد خرجت عما عليها، وإن وقعت في الحيض، فنعلم قطعاً أن الحيض طبق وقت الصلاة؛ فإن ابتداء الحيض في الأيام المؤخرة لا يتصور. وإنما الممكن استمرار الحيض، أو الانقطاع في كل وقت يشار إليه.
وإنما [ينشأ] (2) الاحتياط في هذه الأيام من إمكان الانقطاع.
فهذا إذا قلنا: تكون الصلاة مؤداة، وإن وقع بعضُها وراء الوقت.
576 - فأما إذا قلنا: تكون مقضيّة، فلا يجوز لها أن تُخرج شيئاًً من الصلاة عن الوقت، ولكن توقع الصلاة أداءً في آخر الوقت، وكما يلزمها ذلك لتكون مؤدية، يلزمها قضاء الصلاة؛ لجواز أن الحيض انقطع في آخر الوقت (3).
ثم إذا قضت عقيب الوقت مثلاً، وقد أدت في الوقت، فقد خرجت عما عليها؛ فإن الحيض إن انقطع في الوقت، فالقضاء يقع في الطهر، وإن وقع القضاء في الحيض، فالحيض مستمر قبله إلى اللحظة الأخيرة من الشهر السابق، ولا أداء ولا قضاء.
ثم لا يتعين -على إيجاب القضاء- تعقيبُ الوقت بالقضاء، ولكنها تقضي متى شاءت في الأيام المؤخرة، وسيأتي تمام ذلك الآن.
وإذا كنا [نوجب] (4) الأداء في الوقت، فلا معنى لتكليفها تطبيق الصلاة على آخر
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: بينا. والمثبت من: (ت 1).
(3) في (ل): (الصلاة).
(4) في الأصل: نوجز. والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/396)


الوقت؛ فإنها وإن فعل ذلك، فهي مأمورة بالقضاء، فلتصلِّ في الوقت متى شاءت، ثم لتقض.
577 - ومما ننبه عليه -وإن [كان بيِّناً] (1) - أنا ذكرنا أن الصلاة التي نقدر فسادها في الأيام المقدّمة بالوقوع في وسط الوقت، لا تقضيها في الأيام المقدّمة مقتصرة عليها، والتي نأمر بقضائها في الأيام المؤخرة إذا قضتها فيها، كفاها ذلك.
والفارق أن القضاء في الأيام المقدمة قد يقع في الحيض مع وقوع الأداء فيه، وأما الأيام المؤخرة، فإنما يجب القضاء فيها في الصورة التي ذكرناها، لإمكان انقطاع الحيض في بقية الوقت. ولو فرض ذلك، فلا يقع القضاء بعده في الحيض قطعاًً.
وهذا مُغْنٍ بوضوحه عن مزيد كشف فيه.
578 - ومما يتعلق بذلك أن [الخالطة] (2) لو كانت لا تقضي حتى مضت الأيام المؤخرة، فلا يلزمها إلا قضاء صلوات يوم وليلة؛ فإن الانقطاع لا يمكن تقديره في جميع الأيام المؤخرة إلا مرة واحدة، وذلك إذا اتفق، فقد يوجب قضاء صلاة واحدة، ثم تلك الصلاة لا تتعين، فيلزم لأجل ذلك قضاء صلوات يوم وليلة، ثم تقضي هذه الصلوات عند انقضاء الأيام المؤخرة [كما تقضي صلاةً مطلقة في ذمتها، فتأتي بها مرة في الأيام المقدمة، ومرة في الأيام المؤخرة] (3) كما تفصّل.
ولو أوقعت هذه الصلوات الخمسة (4) في آخر زمان من الأيام المؤخرة، كفاها ذلك مرة واحدة؛ فإنا لو فرضنا الانقطاع الآن، لم تجب الصلاة فيما مضى، لا أداءً ولا قضاء، ولكن فيه فضلُ فكرٍ.
وهو أن أول الشهر لو حسبناه من أول ليلة، ثم فرضنا الانقطاع في آخر الأزمان المؤخرة، فينقطع في آخر نهار قبل الغروب، ولو فرض ذلك، فقد يلزم الظهر
__________
(1) في الأصل: ساقط من الأصل. وفي (ت 1): كنا بيَّنَّا.
(2) في الأصل: الحائض. والمثبت من: (ت 1)، و (ل).
(3) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(4) كذا بالتأنيث، وهي صحيحة؛ فحيث تقدم المعدود تجوز الموافقة، ولا تجب المخالفة.

(1/397)


والعصر في هذا اليوم، بإدراك زمانٍ في آخر النهار، فيرجع القضاء إلى الظهر والعصر إذا قضت الصلوات الخمس في آخر الأزمان المؤخرة.
وهذا لا يدركه إلا موفَّقٌ سديد الفكر، والبليد لا يزداد بالإطناب في البيان إلا دهشةً وتدوّخاً (1) والله المستعان.
579 - ومن تمام البيان في ذلك أنا إذا أوجبنا القضاء والأداء في الأيام المؤخرة؛ تفريعاً على أنه لا يجوز إخراج شيء من الصلاة عن وقتها، فلو لم تؤدّ كما أُمرت، ولكن أوقعت التكبيرَ في الوقت والباقي وراءه، ونوت القضاء، فقد عصت بترك الأداء، ولكنها خرجت بالقضاء عما عليها؛ فإنها إن كانت طاهرةً في الوقت؛ فإن الطهر يدوم، فإن [ابتداء] (2) الحيض لا يتصور طريانه في الأيام المؤخرة، وإن فرضنا انقطاعاً وراء الوقت، فلا يجب قضاء الصلاة، والحيض مطبق للوقت، وإن فرضنا الانقطاع في آخر الوقت، فقد وقعت التكبيرة في الطهر، فإن فَرضَ متكلفٌ الانقطاع، وقد بقي نصف تكبيرة، فلا يجب قضاء هذه الصلاة، كما لو طبق الحيضُ الوقتَ، وسيأتي ذلك مشروحاً في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
580 - وإن تركت الخالطة صلاة في الأيام المؤخرة، وأخرجتها عن الوقت، ثم قضتها عقيب الوقت مثلاً، فقد سقط الفرض عنها؛ فإنها إن كانت طاهرة في الوقت، فهي طاهرة في وقت القضاء، وإن انقطع الحيض في آخر الوقت، فقد لزم القضاء وقضت، وإن طبق الحيض الوقتَ، فلا أداء ولا قضاء.
وكل ما ذكرناه في صلاة الصبح والعصر والعشاء، فأما صلاة الظهر، فلو وقعت التكبيرة في الوقت، وباقي الصلاة خارجاً، ونحن نجوز ذلك، فلا تخرج عن عُهدة الظهر؛ لجواز أن يقع جميع ذلك في الحيض، ثم يتفق انقطاعُ الحيض في آخر النهار، فيجب قضاءُ الظهر مع العصر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فسبيلها في الظهر أن تؤدي الظهر في أي زمان يتفق، من زوال الشمس إلى انقضاء الوقت، ثم تقضي الظهر بعد الغروب.
__________
(1) ساقطة من (ل).
(2) زيادة من: (ت 1)، ل.

(1/398)


ثم قد ذكرنا أن الأيام المقدمة أيام الوضوء، والأيام المؤخرة أيام الغسل، ويمكن ضبط المقصود في ذلك بأن الخالطة في أيام الوضوء تطبق الصلاةَ على أول الوقت، وفي أيام الغُسل قد تطبق التكبير في الصلوات الثلاث: الصبح والعصر والعشاء على آخر الوقت، عما عليها إذا ارتسمت رعاية الأول والآخر، كما رسمنا وقدّمنا ذلك.
581 - وجميع ما ذكرنا فيه إذا لم تذكر إلا خلطاً مطلقاً، فأما إذا ذكرت خلطاً، وقيدته بشيء آخر، فنذكر فيه صوراً ترشدُ إلى أمثالها، وهي بينةٌ بالإضافة إلى ما تقدم.
فلو قالت: لا أحفظ شيئاًً إلا أني كنت أخلط الشهر بالشهر، يوماًً بيوم، فمعناه أني كنت حائضاً يوماًً وليلة في آخر الشهر، ويوماً [وليلة] (1) في أول الشهر، فقد قيدت الخلطَ بذكر مقدارٍ، فيقدّمُ الحيض أقصى ما يمكن، ويقدر اليوم الأول آخر الحيض، فيقع ابتداؤه أول السابع عشر.
وإذا أخرناه على أقصى الإمكان، قدرنا الأولَ اليومَ الأخير من الشهر، والآخرَ آخرَ [اليوم] (2) الرابع عشر، فقد دخل في الحسابين اليوم الآخر والأول، فهما حيض، وخرج من الحسابين الخامس عشر والسادس عشر، فهما طهر، وما دخل في الحساب المقدم فَحسْب أيام الوضوء، وما دخل في الحساب المؤخر فَحسْب أيام الغسل.
وباقي التفريع [كما] (3) تقدم.
582 - ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، وأحفظ أن حيضتي كانت خمسة أيام، فقد قيّدت الخلطَ بذكرها لمقدار حيضتها الأصلية، فتقدّم وتؤخر، ولكن تقدّم الخمسة وتؤخرها، وليس كما تقدم؛ فإنها لم تذكر فيه مقدارَ الحيض فيما سبق (4)، فاقتضى الاحتياطُ رعايةَ أكثرِ الحيض في التقديم والتأخير، فإذا ذكرت المقدارَ وربطته بآخر الشهر وأوله، فتقدم الخمسة، وتقدر آخرها اللحظة الأولى من الشهر، فينتهي
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: على ما تقدم.
(4) في الأصل: فيما سبق (مما سواه) فاقتضى. والمثبت عبارة: (ت 1)، (ل).

(1/399)


أولها إلى السادس والعشرين إلا لحظة من أوله.
وإذا أخرنا، قدّرنا اللحظة الأخيرة من الشهر أول الحيض، فينتهي إلى آخر الخامس إلا لحظةً، فقد دخل في الحسابين لحظتان [من الآخر والأول] (1)، فهما حيض، وخرج من الحسابين اللحظة الأخيرة من الخامس إلى انقضاء لحظةٍ من السادس والعشرين. فهذه الأيام طهرٌ كلها؛ فإنه لم يلحقها الحيض لا بحساب التقديم، ولا بحساب التأخير، والأيام الداخلةُ في التقديم فحسب أيام الوضوء، والداخل في حساب التأخير أيامُ الغسل، كما تقدم ذكره.
583 - ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، وكنت يوم الخامس بليلته حائضاً، فقد قيدت الخلط بتعيين يومِ من الحيض، ولم تذكر مقدارَ حيضها القديم، فيقدم حيضُها أقصى ما يمكن، ويقدّر آخر حيضها اليوم الخامس، فينتهي التقديم إلى أول الحادي والعشرين.
وإن أخرنا أقصى ما يمكن، قدّرنا الابتداء من اللحظة الأخيرة من الشهر لذكرها الخلط، فينتهي إلى آخر الخامس عشر إلا لحظة، فقد دخل في الحسابين من اللحظة الأخيرة إلى آخر الخامس [فهي حائض] (2) في هذه المدة بيقين، والخارج من الحسابين هي اللحظة الأخيرة من الخامس عشر إلى أول الحادي والعشرين، فيكون طاهراً قطعاًً على حكم ذكرها.
ولا تخفى باقي الأحكام في هذه الصورة.
584 - ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، أو العَشر الأول بالعَشر الثاني فقد ترددت بين خلطين، وهذا أشد إيهاماً من خلط الشهر بالشهر مطلقاًً؛ فإنها ردّدت قولها بين خلطين، وذكرت إيهاماً في [محلّين] (3)، فليس لها والحالة هذه حيض بيقين، ولا طهر بيقين؛ فإن اليقين فيهما إنما يثبت إذا تعين محل الخلط في الذكر،
__________
(1) في الأصل: لحظتان من الأواخر.
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: في مجلس. ولا معنى لها. والمثبت من: (ت 1)، (ل).

(1/400)


وقدمنا وأخرنا على أقصى التصوير، فما يدخل في الحسابين حيض، وما يخرج عنهما جميعاًً طهر، ونحن في هذه الصورة لا ندري أنتخذّ أصل التقديم والتأخير الشهر أو العشر.
ولكنا نقول: لا غسل عليها من السادس والعشرين إلى انقضاء آخر الشهر؛ فإنها إن كانت خلطت الشهر بالشهر، فالانقطاع غير ممكن في هذه الأيام لا محالة، وكذلك إن كانت تخلط العشر بالعشر، فلا يُحتمل الانقطاع في هذه الأيام؛ فإنه لو انقطع، لم يعد إلى خمسة عشر يوماًً، وكذلك لا تغتسل في اللحظة الأولى من الشهر؛ فإنها إن كانت خلطت الشهر بالشهر، فتكون حائضاً في اللحظة الأولى من الشهر، وإن كانت خالطة العشر الأول [بالعشر] (1) الثاني، فكذلك لا يحتمل الانقطاع في هذه اللحظة، كما ذكرناه قبلُ، فإذا مضت اللحظة الأولى، احتمل الانقطاع بتقدير أن آخر حيضها اللحظة الأولى، ثم ينسحب إمكان الانقطاع إلى آخر العشر، ويمتدّ بعده بتقدير خلط العشر بالعشر، ويتمادى إلى آخر السادس والعشرين، كما تقدّم، ثم بعد ذلك حكم الوضوء (2) إلى انقضاء اللحظة الأولى من الشهر.
ولست أطنب في شرح هذا ومثله لبيانه، ومن تدرّب في المشكلات المتقدمة، هان عليه طلبُ اليقين في أمثال الصور التي ذكرناها. فهذه صورٌ في تقييد الخلط بوجوه غير ذلك، تهدي إلى أمثالها.
585 - ولو قالت: لا أحفظ [شيئاًً] (3) إلا أني كنت أخلط الشهر بالشهر طهراً بطهر، فكأنها ذكرت أنها كانت طاهرة في اللحظة الأخيرة من الشهر، وفي اللحظة الأولى من أول كل شهر، ولا تستفيد حيضاً مستيقناً؛ فإن أكثر الطهر لا نهاية له، فلا يُفيد مَدُّه في التقديم والتأخير تعيين حيض.
ولكن إذا مضت اللحظتان اللتان في آخر الشهر وأوله، فإنا لا نأمرها بالاغتسال
__________
(1) زيادة من (ل).
(2) كذا في النسختين، والمعنى أن حكمها الوضوء لا الغسل، كما هو واضح من عبارة مختصر النهاية لابن أبي عصرون، حيث قال: " ثم بعد ذلك تتوضأ إِلى اللحظة الأولى من الشهر ".
(3) مزيدة من: (ت 1)، (ل).

(1/401)


بعد اللحظة الأولى، حتى يمضي يومٌ وليلة، فإن الطهر إن استمرّ، فلا غسل، وإن ابتدأ حيض، لم ينقطع حتى يمضي أقل الحيض، وهو يوم وليلة، فلو انقضى ذلك، اطرد الأمر بالغُسل إلى اللحظة الأخيرة من الشهر، لاحتمال الانقطاع.
586 - ولو قالت: كنتُ أخلط الشهر بالشهر حيضاً بحيض، وكنتُ طاهرةً في اليوم الخامس، فسبيل التقديم أن نقدّر آخر حيضها اللحظةَ الأولى من الشهر، فتنتهي بالتقديم إلى أول السادس عشر إلا لحظة. وإذا أردنا التأخير، نقدّر أول حيضها اللحظة الأخيرة من الشهر، فينتهي حساب التأخير إلى آخر اليوم الرابع، ولا يتعداه لمكان الطهر في اليوم الخامس، فيخرج من الحسابين من اليوم الخامس إلى مُضي لحظة من أول السادس عشر، فتكون هذه الأيام طهراً بيقين.
ولو قالت: كنت أخلط الشهر بالشهر، حيضاً بحيض، وكنت يوم الخامس أو الرابع عشر طاهرة بيقين. فنقول: هي طاهرة يوم الرابع عشر؛ فإنها إن كانت طاهرة يوم الخامس، فيمتد الطهر إلى استيعاب الرابع عشر، فهو طهر في كل تقدير.
فهذا المبلغ كافٍ في صور الخلط، وفيه إرشاد إلى أمثاله.
فصل
في الضلال
587 - وهذا عدّه الفقهاء من غمرات أحكام الناسية، والغرض منه، ومما تقدم من أمثاله بيانُ أحكامٍ مستفادةٍ مِنْ ذِكْرها أشياءَ في أدوارها، مع بقاء الإبهام في أشياء، ثم بوّب العلماء أبواباً وذكروا أسماء وألقاباً، وغرضهم إيناس الناظرين بمدارك التصرّف، ومسالك استخراج اليقين في الأمر بالاحتياط.
588 - والضلال هو الذي نصفه، وهو منقسم إلى الضلال المطلق على الأجمال، وإلى الضلال المقيّد:
فأما الضلال المطلق الذي لا تقييد معه، فلا فائدة فيه، مثل أن تقول: أضللت حيضي في دوري، ولم تذكر مقدار الدور وابتداءه، فلا أثر لما ذكرت، فهي متحيرة مطلقة.

(1/402)


وكذلك إن ذكرت أن دورها كان ثلاثين، ولم تذكر ابتداء دورها أنه كان من أي وقت، فلا أثر لما ذكرت، وهي متحيرة.
ولو ذكرت ابتداء دورها، وزعمت أنها أضلّت حيضَها فيه، فلا بدّ أن تذكر مقدار الدور لتستفيد من ذكرها.
فإذا قالت: كان دوري ثلاثين، وابتداؤه من وقت ذكَرَتْه، وقد أضلَّت حيضها فيه، فمن ضرورة الإضلال ألا تكون خالطة آخِرَ دورٍ بأولِ دورٍ؛ فإنها لو ذكرت خلطاً، فقد سبق حكم الخلط، فإذا ذكرت الضلال، تضمن هذا انحصارَ الحيض في الدور، ولا يبعد في مقتضى الضلال انطباقُ الحيض على أول الدور.
589 - فإذا ذكرت مقدارَ الدور وابتداءَه، وقالت: أضللت حيضي فيه، فلا يخلو إما أن تذكر مقدار الحيض، أو لا تذكر، فإن قالت: لا أدري مقدار حيضي، فلا تستفيد مما ذكرت شيئاًً، إلا أنها لا تغتسل يوماًً وليلة من أول الدور؛ فإن الغسل إنما يجب لاحتمال الانقطاع، والانقطاع غير محتمل في اليوم الأول؛ فإنه لو فرض الانقطاع فيه، لكان من ضرورة ذلك أن تخلط، وقد ذكرت أنها كانت لا تخلط، فإذاً هي في اليوم الأول بين أن تكون طاهرة أو حائضاً، فإذا مضى يومٌ وليلة، اغتسلت لكل فريضة إلى آخر الدور.
فهذا إذا لم تذكر مقدار الحيض.
(1 وإن ذكرت مع الضلال مقدار الحيض 1)، فقالت: أضللت حيضي، وهو خمسة في دوري، والدور ثلاثون، وهو معلوم المبتدأ، فتستفيد مما ذكرت ألا تغتسل خمسةَ أيام من أول الدور؛ فإن الانقطاع لا يحتمل فيها مع نفي الخلط، وهي بين أن تكون طاهرة أو حائضاً، كما تقدم.
ولو عينت للضلال أياماًً من دورها، فإن كان الحيض مثل نصف محل الضلال، أو أقل، فلا يحصل لها حيض معيّن، وإن كان حيضُها أكثرَ من نصف محلّ الضلال، فيثبت لها يقين حيضٍ، على ما سنصف. فإذا ذكرت أنها أضلت خمسةً في العشر الأول
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من: (ت 1).

(1/403)


من دورها، فتستفيد بهذا أنها طاهرة وراء العشر إلى آخر الدور قطعاً، ثم لا تغتسل في الخمسة الأولى، [من العشر الأولى] (1)؛ فإن الانقطاع فيها لا يحتمل، وتغتسل في الخمسة الثانية، ولا تغتسل في بقية الدور؛ فإنها طاهرة بيقين وراء العشرة، ولا يثبت لها في العشر حيض على التعيين مستيقن.
ولو كانت حيضتها تزيد على نصف محل الضلال، فيثبت لها حيض معيّن مستيقن. مثل أن تقول: أضللت ستة في العشرة الأولى -ثم الأصل في معرفة مقدار الحيض التقديم والتأخير- فنقدم حيضها على أقصى الإمكان، فنقدر كأن حيضها منطبق على أول المحل، فينتهي الحيض على هذا التقدير إلى آخر السادس، ونؤخر الحيض أقصى ما يمكن فنقدر، كأن آخر حيضها منطبق على آخر العشر. فيقع أول الستّة في أول الخامس، فيدخل في حساب التقديم والتأخير الخامس والسادس، فهما حيضٌ بيقين؛ فإن أقصى التبعيد (2) في التقديم والتأخير ما ذكرناه، فما يندرج تحت التقديرين، فهو يقع حيضاً، لا محالة.
ثم هي مأمورة بالوضوء في الأيام المقدمة الخارجة عن حساب التأخير؛ فإن الطهر والحيض محتملٌ فيه، ولا يحتمل فيه الانقطاع، وما يقع بعد الحيض (3) مما دخل في حساب التأخير ولم يلحقه حساب التقديم، فهي مأمورة بالغسل فيه، لاحتمال الانقطاع في كل وقت من الأوقات هذه الأيام.
وقد ذكرنا في الأيام المقدمة في باب الخلط أنها مأمورة بتطبيق الصلاة في أول الوقت، وذكرنا أنها في الأيام المؤخرة مأمورة بتأخير الصلاة، على تفاصيلَ بالغنا في إيضاحها، والأيامُ المقدّمة في الضلال على يقين الحيض في تلك الأحكام التي ذكرناها كالأيام المقدمة في الخلط، والأيام المؤخرة بعد يقين الحيض في الأحكام المذكورة، كالأيام المقدمة في باب الخلط، حرفاً حرفاً.
وهذا الذي ذكرناه يجري إذا كانت في الضلال على وجهٍ يقتضي يقين حيضٍ لا محالة.
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في (ت 1): التعيد أو التعبد.
(3) أي الحيض المستيقن في الخامس والسادس.

(1/404)


590 - ثم عبر الفقهاء عن مقدار يقين الحيض بعبارتين ضابطتين: إحداهما - أنا ننظر إلى المقدار الزائد من الحيض على نصف محل الضلال، فنضعّفه، ونحكم بأنه حيض بيقين من وسط المحل. وبيان ذلك أن الحيض ستة، والمحل عشرة، والستة زائدة على نصف العشرة يوم وليلة. ثم نضعِّفه، فيصير يومين وليلتين، فيكونان حيضاً من وسط المحل، ووسط العشرة الخامس والسادس. وهذا يجري في كل صورة فيها حيض بيقين في صور الضلال.
والعبارة الثانية - أنا نضعف الحيض ونقابله بالمحل، فيزيد على المحل لا محالة، فيصير قدر الزيادة حيضاً من وسط المحل، وبيان ذلك أن الستة إذا ضوعفت، فالمبلغ اثنا عشر، وهو يزيد على المحل بيومين، فهو حيض من وسط المحل، فيقاس على هذه الصورة ما في معناها. ولا معنى لتكثير الصور مع القطع بجريان ما ذكرناه واضحاً بيَّنَّاً في كل صورة.
591 - فنذكر صورة أخرى للإيناس.
فلو قالت: أضللت يومين في ثلاثة أيام، فتجري الطرق المتقدّمة، ونحكم لها بالحيض في اليوم الثاني.
هذا ما يقتضي التقديم والتأخير.
وإن أجرينا العبارتين الأخريين، جرتا، فنصفُ المحلِّ يوم ونصف، والحيض يزيد على ذلك بنصف يوم، فنضعّفه فيصير يوماًً وليلة، فهو الحيض من وسط المحل. وكذلك تجري العبارة الأخرى، والأحكام في الوقت المقدّم والمؤخر على الترتيب المقدّم.
فهذا كافٍ فيما ذكرناه
592 - فأما إذا ذكرت مع الضلال شيئاًً آخر، فعينت يوماًً للحيض، أو يوماًً للطهر، فنذكر في كل قسم من هذين صوراً.
فلو قالت: أضللت خمسةً في عشرة، وأعلم أني كنت حائضاً يوم الخامس، وليلته بيقين، فيحتمل أن يكون هذا آخر حيضها، بأن يقدر أول الحيض من أول

(1/405)


المحل. ويحتمل أن يكون هذا أول حيضها، فينتهي إلى آخر التاسع، فيخرج اليوم العاشر عن الحسابين، فهو طهر بيقين؛ فإنه خارج عن أقصى التقديرين والحسابين؛ فآل محلُّ الضلال إلى تسعة، فكأنها قالت: أضللت خمسةً في تسعة، ولو قالت ذلك، لم يخف تخريج الصور على العبارات الثلاث المقدمة، والطرق السابقة (1)، فيقتضي تحييضها اليوم الخامس وليلته. وهو الذي عيَّنته بذكرها.
ولو قالت: كنت يوم السابع حائضاً -وإذا ذكرنا يوماًً أردناه بليلته- فإن أخرنا، انتهى إلى آخر المحل، وانتهى (2) الأول إلى السادس. وإن قدمنا، فقدرنا السابع آخراً، كان الأولُ الثالثَ، فيخرج الأول والثاني من الحسابين جميعاً، فهي طاهرة فيهما بيقين فنخرجهما من المحل، فكأنها أضلت خمسة في ثمانية أيام، أول المحل اليوم الثالث من العشر الأول، فيقتضي ما تقدم من الطرق أن نحيّضها اليوم السادس والسابع.
ولو قالت: كنت يوم الثالث حائضاً بيقين، فنقدّم، ونقدّر أول الحيض اليومَ الأول، فينتهي الآخر إلى الخامس، وإذا أخرنا، فقدّرنا أول الحيض [اليوم] (3) الثالث، فينتهي إلى آخر السابع، فيخرج الثامن والتاسع والعاشر عن المحل، ويكون طهراً بيقين، فتكون قد أضلّت خمسة في سبعة، فنحكم بالحيض يقيناً في الثالث والرابع والخامس، على الأصول المقدمة.
593 - فأما إذا ذكرت مع الضلال طهراً بيقين في يوم من المحل، فنذكر في ذلك صوراً.
فإذا قالت: أضللت خمسة في عشرة، وكنت يوم الخامس طاهرة بيقين، فهذه تَحسبُ ضلالاً، ولا ضلال؛ فإنا نعلم أن الخمسة لا تقع قبل اليوم الخامس، فهي طاهرة في الخمسة الأولى، وإذا تعينت الخمسة الأولى للطهر، تعينت الخمسة الثانية للحيض، ولا ضلال.
__________
(1) عبارة (ل): والطرقُ السابقة تقتضي.
(2) في (ت 1): وارتقى.
(3) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/406)


وإن قالت: أضللت أربعة في عشرة، وكنت يوم الخامس طاهرة بيقين، فالأربعة قبل الخامس تحتمل الحيض وتحتمل الطهر، ولا تحتمل الانقطاع، فهي أيام الوضوء، ثم تغتسل في آخر الرابع مرة، ثم تتوضأ من أول السادس إلى آخر التاسع؛ فإن الانقطاع غيرُ ممكنٍ فيها، وتغتسل في اليوم العاشر، لاحتمال الانقطاع في جميع ساعاته، بتقدير استئخار أوّل الحيض عن أول السادس، وانتهاء الانقطاع إلى أوقات اليوم العاشر.
ولو قالت: أضللت أربعةً في عشرة، وكنت يوم الرابع طاهرة، فهي طاهرةٌ أيضاً في [الأيام] (1) الثلاثة قبل الرابع. فنقول: قد أضلّت أربعةً في ستة، أوّلها اليوم الخامس، فتجري الطرق في [استخراج يقين الحيض كما تقدم ذكره، ولا يكاد يخفى بعد ذلك على الفَطِن] (2) استخراج (3) اليقين من أمثال هذه الصور.
فلنكتف بهذا المقدار في ذلك.
فصل
594 - كنا وعدنا في المعتادة أن نذكر التي تختلف عاداتها ثم تُستحاض في آخر الناسية. وهذا أوان تفصيل القول في ذلك.
فإذا كانت تحيض من أول شهرٍ ثلاثة، ومن أول شهر خمسة، ومن أول شهر سبعة، ثم تعود إلى الثلاثة، ثم إلى الخمسة، ثم إلى السبعة، ثم تعود وأوائل الحيض منطبقة على أوائل الدور، وأواخرها مختلفة المقدار، ولكنها متسقة في الأدوار [المتعاقبة] (4)، فإذا جاءها شهر، فاطرد الدم، فقد اختلف أئمتنا، فقال بعضهم: نردّها إذا استمرّ الدم بها إلى ما كانت عليه في الشهر الذي قبل الاستحاضة،
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وأثبتناه من (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: استخراجها.
(4) زيادة من: (ت 1)، (ل).

(1/407)


حتى إن كان شهر الثلاثة، فنحيّضها ثلاثة من أول الدور أبداً، ولا ننظر إلى ما كانت عليه في غيره من الأشهر.
وهؤلاء يقولون: إذا كانت عاداتها المتعاقبة مختلفة، فهي متناسخة، والأخير منها ناسخ لما تقدم.
وذهب الأكثرون إلى أنها مردودة إلى ترتيب عاداتها، وهؤلاء يقولون: تباينُ أقدارِ حيضها على الاعتقاب، والانتظام - عادة (1) محكوم بها، فإن كان الشهر المتقدم على الاستحاضة شهر الثلاثة، فنردُّها في شهر الاستحاضة إلى الخمسة، ثم إلى السبعة، ثم إلى الثلاثة، فندير عليها أدوارها في الاستحاضة، كما عهدناه قبل الاستحاضة.
وهذا الاختلاف الذي ذكرناه لا اختصاص له بقولنا: العادة تثبت بالمرة الواحدة أم لا تثبت؟ وإنما منشأ الخلاف في أن اختلاف أقدار الحيض -وإن كانت على انتظام- هل تنتظم منه عادةٌ أم لا؟ وإن حاضت أول مرة ثلاثة، ثم حاضت خمسةً في الدور الثاني، ثم سبعة في ثالث، ثم استحيضت في الرابع، فلا خلاف أنها لا ترد إلى انتظام تلك الأقدار في الأدوار، وإن قلنا تثبت العادة بالمرة الواحدة، ولكن على هذا الوجه تُردّ إلى أول الدور المتقدّم على شهر الاستحاضة.
وإن قلنا: لا تثبت العادة بالمرة الواحدة، فقد اختلف أئمتنا: فمنهم من قال: نردّها إلى أقل عاداتها؛ فإن الثلاثة موجودة في دَوْر الخمسة. والسبعة، فكأنها متكررة. ومنهم من قال: لا نردّها إلى شيء من تلك الأقدار الجارية في الأدوار، وسبيلها سبيل مبتدأة تستحاض في الدور الأول.
وقد مضى التفصيل، وقد مهدنا هذا المسلك في فصول المعتادة.
595 - وكل ما ذكرناه فيه، إذا انتظمت لها أدوارٌ متفقة الأوائل مختلفة الأواخر، على اتساق ونظام، فاستحيضت وعلمت الشهر الذي تقدَّمَ الاستحاضة.
فأما إذا كانت عاداتها كما وصفناها، ولكنها قالت: لست أدري أن استحاضتي
__________
(1) خبر مبتدؤه: تباين أقدار حيضها.

(1/408)


في أي نوبة كانت، ولست أعرف الشهر المتقدم على شهر الاستحاضة، فقد أشكل عليها الأمر في مقدار الحيض، وعلمت أن حيضها كان ينطبق على أوائل الشهور، وهي تعلم أن حيضها كان لا ينقص في نوبةٍ من النُّوَب على ثلاثة، وعلمت أن حيضها كان لا يزيد على سبعة.
فإن فرعنا على [أن] (1) انتظام العادات المختلفة أمرٌ مستفاد من تكرار العادات، كما سبق، فقد عسر علينا معرفة قدر الحيض في كل نوبة، ولكن سبب ذلك جهلُها بالنوبة التي استحيضت فيها.
فنقول: نقضي بما نتحقّقه، ونأمر بالاحتياط فيما لا نعلمه، فنحيّضها ثلاثة أيامٍ من أول كل دَوْر، ثم نأمرها بالاغتسال عقيب الثالث، ثم تتوضأ لكل صلاة، فِعْل المستحاضات إلى آخر الخامس، ثم تغتسل مرة أخرى، لاحتمال الانقطاع بأن نقدر النوبة للخمسة، ثم تتوضأ إلى آخر السابع، ثم تغتسل مرة ثالثة، ثم حكمها حكم الطاهرات المستحاضات إلى آخر الدور. ويحرم على هذه في السبعة من أول [الدور] (2) ما يحرم على الحُيّض، ولكن لا نأمرها بالاغتسال إلا في آخر الثالث والخامس والسابع.
وإن قلنا: لا يثبت من انتظام عاداتها حكم، وهي مردودة إلى النوبة الأخيرة المتقدمة على الاستحاضة [لو] (3) كانت ذاكرة لها، فكيف حكمها وهي جاهلة بها؟.
فنقول: قد يظن ظان في التفريع على هذا أنها تكون مردّدة (4) بين الثلاثة والخمسة والسبعة؛ فإن نوبتها كانت لا تخلو من هذه الأعداد، ثم يلزم من هذا التقدير أن نحيّضها ثلاثة أيام بيقين، ثم سبيلها في آخر الخمسة والسبعة كما تقدم إذا فرعنا على أنها تستفيد من انتظام عاداتها أمراً، فيتفق التفريعان على الوجهين عند فرض الجهالة.
وهذا الظنّ خطأٌ، وآيةُ ذلك استواء التفريع على وجهين مختلفين؛ فالوجه القطعُ
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: الدم.
(3) في الأصل: ولو.
(4) في (ت)، (ل): مردودة.

(1/409)


بأنا لا نديرها على الثلاثة والخمسة والسبعة، إذا كنا نردّها إلى النوبة الأخيرة لو كانت عالمةً بها؛ فإن صاحب هذا المذهب لا يلتفت إلى ما قبل النوبة الأخيرة أصلاًً، وما ظنَّه هذا الظان نتيجة الالتفات على ما مضى. فإذاً قد جهلت هذه مقدارَ حيضها، ولكنها علمت مقدارَ الدور، وانطباقَ الحيض على أول الدور، وأنها كانت لا تخلط دوراً بدور، ولا خلاف أنا نعمل بهذا، وإن التبس الأمر في المقدار؛ فإن الناسية لو قالت: كنت لا أخلط دوراً بدور، ولا أذكر غير ذلك، لكنا نبني على هذا ما يليق به من الحكم، فاختلاف المقادير لا يمنعنا من التمسك بانطباق الحيض على أوائل الأدوار.
فهذا قولنا في أصل الدور إذا علمته، والأولية.
فأما المقدار، ففيه الخلاف المقدَّم: فمن أئمتنا من قال: نحيّضها ثلاثة أيام، وهو أقل عاداتها، ومنهم من يجعلها كمبتدأة لا تعرف شيئاً. ثم القول في المبتدأة قد مضى، وهذا أَقْيس على هذا الوجه الذي نفرع عليه.
ثم قد ذكرنا في المبتدأة قولين في أنها هل تؤمر بالاحتياط إلى آخر (1) خمسة عشر يوماًً من أول [كل دور، وهما] (2) يجريان في هذه، ولا يختص الاحتياط بالسَّبع، كما نفرع على الوجه الأول في استفادة الانتظام من عاداتها؛ فإن ذلك إن قيل به، كان التفاتاً إلى ما تقدّم (3)، وذلك يوجب التمسك بنظام العادات، ولا يكاد يخفى بعد وضوح هذه التفاريع أن الأصح استفادةُ الانتظام كما تقدم.
596 - وكل ما ذكرناه في العادة المنتظمة. فأما إذا كان أقدار الحيض منضبطة، فكانت ثلاثة وخمسة وسبعة. ولكن لم تكن عوداتها منتظمة، فمرّة كانت تحيض ثلاثة ثم خمسة ثم سبعة، وأخرى كانت تحيض خمسة ثم ثلاثة ثم سبعة، لا على أمرٍ منظوم يتعلّق [الفقه] (4) به، فإذا استحيضت وطبق الدم، فإن رأينا في الصورة
__________
(1) في (ت)، (ل): انقضاء.
(2) في الأصل: من أول دورهما. وهو تحريف واضطراب ظاهر.
(3) في (ت 1): التفاتاً على ما نقدّمه.
(4) في الأصل، (ت 1): الرقبة.

(1/410)


الأولى، وهي إذا انتظمت العادات أن نردها إلى النوبة الأخيرة، فهذه الصورة أولى بذلك.
فإن قلنا في الصورة الأولى بالاستمساك في ترتيب عودات الحيض، فهاهنا لا ترتيب في [العود] (1) ولكن الأقدار مضبوطة، فلا زيادة على السبعة، ولا نقصان من الثلاثة، والمتوسطة بين الثلاثة والسبعة خمسة، فإذا استحيضت، والتفريع على استفادة ما يمكن استفادته، فالقول فيها كالقول في التي جهلت النوبةَ المتقدمة على الاستحاضة، وكانت عاداتها منتظمة القدر والعود، ولكنها إذا جهلت، لم تنتفع بما كان من انتظام العود، فعدمُ انتظام العود في الصورة الأخيرة كجهلها بالانتظام الذي كان، فتتحيّض ثلاثة، وتغتسل، ثم تتوضأ لكل صلاة، وتغتسل بعد انقضاء الخمسة، ثم تتوضأ إلى آخر السابع، ثم تغتسل، ثم هي مستحاضة إلى آخر الدور.
فهذا منتهى غرضنا في اختلاف العادات، وإن زاد زائدٌ صوراً، لم يخف على الفَطن وجهُ استخراجها، مما ذكرناه الآن من الأصول المتقدمة في أبواب الناسية.
...
__________
(1) في الأصل: في الحيض.

(1/411)


باب التلفيق
597 - هذا مما يُعدّ من غوامض أبواب الكتاب (1) وهو [أصل] (2) مستفتح، فلا بدّ من الاعتبار بدرك أصله.
والقول فيه يتعلق بنوعين:
أحدهما - فيه إذا [تقطَّعَ] (3) النقاء والدم، وجرى ذلك في مدة لو طبّق الدمُ فيها، لكان حيضاً، ثم ترى بعد ذلك نقاءً مطرداً خمسةَ عشرَ يوماًً فصاعداً.
والأخرى - أن يجري التقطّع ويزيد أمدُه: دماًً ونقاءً على الخمسةَ عشَر، وقد يطّرد ذلك في جميع الأيام.
598 - فأما إذا وقع التقطع في الخمسةَ عشرَ، ورأت بعد ذلك طهراً كاملاً متواصلاً، فنستوعب قواعدَ المذهب في ذلك إن شاء الله، ونسميه التلفيق في غير المستحاضة.
فإذا كانت ترى دماًً يوماًً وليلة، ونقاءً يوماًً وليلة، ثم دماً، كما ذكرناه إلى الخمسةَ عشرَ مثلاً، أو إلى مدة أقلَّ منها، فما حكم النقاء المتخلل بين الدماء؟ فعلى قولين: أحدهما - وهو الذي نص عليه في عدة مواضع أن النقاء حيض، وحكمها فيه حكمُ الحيض. وهذا مذهب أبي حنيفة (4).
والثاني - أنّ حكمها في زمان النقاء حكم الطاهرات في الصلاة والصوم، وحِلِّ المواقعة وغيرها.
__________
(1) المراد كتاب الحيض.
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: انقطع، والمثبت من: ت 1.
(4) ر. المبسوط: 3/ 154، الهداية مع فتح القدير: 1/ 152، حاشية ابن عابدين: 1/ 192.

(1/412)


وقيل: ذكر الشافعي هذا القولَ في مناظرةٍ جرت له مع محمد بن الحسن.
توجيه القولين: من قال: حكمُ النقاء الناقص عن أقل الطهر المحتوش بدمين هما حيض - أنه (1) حيضٌ. قال: إذا نقص عن الأقل، وأحاط به دمان هما حيض، حُمل النقاءُ على الفترات التي تقع في خلال استرسال الحيض؛ فإن الحيض لا يسيل سيلاناً متصلاً، بل يخرج دُفعة دُفعة، كما دلّ عليه بعضُ الأحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي يعضد ما ذكرناه أنّ الدم الناقص عن أقل الحيض دمُ فسادٍ، وحكمه حكم الطهر. والنقاءُ الناقص عن الأقل حكمه حكم فترات الحيض.
ومن قال: حكمها في زمان النقاء حكمُ الطاهرات، استدلّ بأنها نقية حسّاً، طاهرةٌ قطعاًً، والنقاء مجاوزٌ لأزمنة الفترات في العادات، فثباتُ الحيض ولا حيضَ بعيدٌ.
التفريع على القولين:
599 - إن قلنا: حكم النقاء حكمُ الحيض، فهذا يسمى ترك التلفيق، فإن رأت يوماًً وليلة دماًً [ومثله نقاءً] (2) ثم مثله دماًً، ثم مثله نقاءً، ثم هكذا، حتى انقطع على الخمسةَ عشرَ، ولم يجاوز، فالكل حيضٌ.
ولو رأت يوماًً وليلةً دماًً [وثلاثة عشر يوماًً نقاءً، ويوماًً وليلة دماًً] (3) ثم طهراً كاملاً، فهي حائض في الخمسةَ عشرَ يوماً، وإن كانت نقيةً في ثلاثة عشر يوماً.
ثم اختلف الأئمة في تفصيل مقدار ما تراه من الدماء: فقال بعضُهم: إنّما يكون النقاء الواقع بين الدَّمين حيضاً، إذا كان كلُّ واحدٍ منهما بالغاً أقلَّ الحيض، فإن نقصا أو نقص أحدهما عن الأقل، فلا يكون النقاء حيضاً، وهذا الوجه مزيَّفٌ.
وقال أبو بكر المحمودي (4): ينبغي أن يبلغ الدّمان إذا جمع أحدهما إلى الثاني
__________
(1) " أنه حيض " في محل رفع خبر للمبتدأ " حكمُ النقاء الناقص ... ".
(2) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(3) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(4) أبو بكر المحمودي: محمد بن محمود، أبو بكر المحمودي، المروزي، مذكور في الوسيط في باب الحيض، وتكرر في الروضة، ولا ذكر له في المهذب، ونقل عنه الرافعي في مواضع، منها في الحيض، في الكلام على قولي اللقط، والسحب، أخذ عن الإِمام الحافظ الزاهد، =

(1/413)


أقل الحيض. مثل أن ترى اثنتي عشرة ساعةً دماً، ثم نقاءً إلى الخامس عشر إلا اثنتي عشرة ساعة. ثم ترى في هذه الساعات الباقية دماًً، فالدمان وما بينهما من النقاء حيضٌ.
وإن نقص مجموع الدمين عن يوم وليلة، فليس النقاء حيضاً، وما رأته من الدم دمُ فساد، لقصوره عن الأقل. ثم من مذهبه أن اليومَ والليلة لو انقطع على الخمسةَ عشرَ، وكان مجموعهما بالغاً أقل الحيض واقعاً في الخمسة عشرَ يوماًً، فالنقاء حيضٌ، ولا يشترط أن يكون كل دمين بينهما نقاء بالغين (1) أقل الحيض، بل يعتبر ما قاله في جملة الدماء الواقعة في الخمسةَ عشرَ.
وقال أبو القاسم الأنماطي: لو رأت لحظةً دماً، ثم امتد النقاء إلى آخر الخامس عشر إلا لحظة، ثم رأت فيها دماًً، ثم امتدّ الطهرُ، فالخمسة عشر كلها حيض، وإن نقص ما رأته من الدماء عن الأقل. وهذا سرفٌ ومجاوزةُ حدّ. وأعدل الوجوه ما ذكره أبو بكر المحمودي.
600 - ومن أهم ما يفرّع على هذا القول: أن المرأة إذا رأت دماًً ثم نقاءً، فبماذا تؤمر، على قول ترك التلفيق في [الحال] (2) إلى أن يعود الدم أو لا يعود؟
قال أئمة المذهب: إن كان ما رأته من الدم أقلَّ من يومٍ وليلةٍ، فلا نأمرها بالاغتسال؛ فإن الدم إن لم يعد، فالذي انقطع دمُ فسادٍ، ولا غسل فيه. وإن فرض عودُه في الخمسةَ عشرةَ، فذلك النقاء حيضٌ في بعض الوجوه المتقدّمة، وليس على المرأة غسلٌ في استمرار الحيض.
فأما إذا كان ما رأته من الدم المتَّصل بالغاً أقل الحيض، فإذا انقطع، وجب
__________
= أبي محمد المروزي المعروف بعبدان (بفتح العين، وبسكون الموحدة، تثنية عَبْد) تلميذ المزني والربيع، قال الإِسنوي: لم أقف له على تاريخ وفاة، ولكن ذكره العبادي في طبقة الإصطخري، وأبي علي الثقفي. (ر. طبقات السبكي: 3/ 225، والإِسنوي: 2/ 376، وتهذيب الأسماء 2/ 196، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة: 1/ 119، والعبادي: 65).
(1) في (ت 1): بالغاً.
(2) في الأصل: المآل، والمثبت من: ت 1، ومن مختصر النهاية، (ل).

(1/414)


الغُسل؛ فإنّ الذي رأته حيض، وقد انقطع ظاهراً، فإن قيل: ربما يعود الدم في الخمسةَ عشر، فنتبين على القول الذي نفرع عليه أنها اغتسلت في أثناء الحيض.
قلنا: الحكم ينبني على الانقطاع المحسوس، لا على توقُّع العودِ. وهذا متفق عليه في هذه الصورة. ثم ينبني على ذلك إثبات أحكام الطاهرات لها زمانَ النقاء، في الصوم والصلاة، وحلّ الوطء، وغيرها.
فإن عاد الدمُ، نتبين بالأَخَرَة وقوعَ ما قدمناه في الحيض، ثم لا يخفى حكمُها، وسبيل تدارك ما يُتدارك منها.
601 - فلو عاد الدم، ثم انقطع على الترتيب الذي عهدناه، فهذا مما تخبط فيه كلامُ المصنفين في كتاب الحيض. وأنا أذكر فيه وجهَ السداد، وطرقَ الاحتمال.
فالذي وجب القطع به أن ما ينقطع في النوبة الأولى في الخمسةَ عشرَ لا يعدّ في حكم المتكرر، حتى يُبنى عليه الكلام المعروف في أن العادة تثبت بالمتكرر، وفي ثبوتها بالمرَّة الواحدة الخلاف. بل نقول: كما (1) أمرناها بالغسل لما انقطع الدم، ثم أمرنا بتدارك ما مضى -كما تقدم- فإذا انقطع الدم ثانياً، نأمرها بالاغتسال، فقد لا يعود الدم.
ثم إن عاد في الخمسةَ عشرَ، فيتدارك كما تقدم.
وكذلك الانقطاع الثالث والرابع في نوبة واحدة؛ فإن الحكم بعَوْد الدم وبناء الأمر عليه بعيدٌ في النوبة الواحدة من الحيض، فإذا انقطع الدم على الخمسةَ عشرَ، وامتدّ طهرٌ كامل، ثم عاد الدم على [سجيّة] (2) التقطع في الدور الثاني، وكذلك في الدور الثالث مثلاً، فهذا موضع تردّدِ الأصحاب.
فذهب ذاهبون إلى أنّ هذا يخرَّج الآن على الأصل الممهّد في أنّ العادة هل تثبت بالمرة الواحدة أم لا؟ فإن قلنا: لا تثبت، فالحكم في الدور الثاني كالحكم في الدور
__________
(1) كما أمرناها: الكاف هنا للتشبيه، كما هو معروف، والمعنى: " مثلما أمرناها ... فإذا انقطع الدم ثانياً نأمرها .... ".
فـ (كما) هنا ليست من الاستعمالات الخاصة بالخراسانيين التى أشرنا إِليها سابقاً.
(2) في الأصل: نتيجة، والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/415)


الأول. وإن حكمنا بأن العادة تثبت بالمرة الواحدة فقد تمهّد [التقطع] (1) في الدور الأوّل، ونحن نفرع على ترك التلفيق، فالنقاء حيض، ولا يوجب الغسل، ولا تثبت أحكام الطهر بناءً على ما عهدناه أول مرّة، ثم من يسلك هذا المسلك، يقطع بأن الأمرَ في الدور الثالث يُخرّج متفقاً عليه؛ فإن التقطع قد ثبت مرتين، ولم يبن وجهٌ في الخلاف. فهذا مسلكٌ.
ومن أئمتنا من قال: لو تكرر التقطع مراراً كثيرة، فالحكم في الكرّة الأخيرة كالحكم في الكرة الأولى.
وهذا القائل يقول: ليس التقطع مما يثبت على اعتياب، ولا خلاف بين فرق الأصحاب أن الدمَ إذا انقطع مراراً في أدوارٍ، ثم استحيضت المرأةُ، وطبَّق الدمُ من غير تقطّعٍ، فلا نحكم على قول التلفيق بتقطيع (2) الحيض في [زمن] (3) الاستحاضة، حتى تلقط حيضاً من الخمسة عشر، كما سيأتي ذلك. ونحكم بتخلل دم الاستحاضة في أثناء الحيض، على قولنا بالتلفيق. فإذاً كل دورٍ في التقطع يقدّر كأنه ابتداء التقطع.
والسبب فيه أنه إذا انقطع الدم عيناً، فبناء الأمر على عَوْد الدم بعيدٌ. نعم، إن عاد، فاستدراك ما مضى على ما يقتضيه الشرع لا يبعد.
فهذا ما ثبت عندي من كلام الأصحاب.
602 - وذكر شيخي أن الدم إذا انقطع في الدور الأول، فيجري فيه التردّد، حتى إذا انقطع أولاً، فليس إلا الأمر بالغُسل، ثم الاستدراك، كما مضى. فإذا انقطع ثانياً، فقد تكرر الآن الانقطاع، فيندرج بالثاني الانقطاعُ الأول في العدد؛ فنحكم بالتكرر.
وهذا بعيد، لم أره لغيره؛ فإن الحكم بالتكرر في نوبة واحدة محال، وقد ينقص الحيض ويقتصر على مقدار (4)، فبناء الأمر على تقدير العود لا وجه له. نعم، إذا بان
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في (ت 1): بتقطع.
(3) في الأصل: فنّ. والمثبت تقديرٌ منا. أما عبارة ت 1، فهي: في الاستحاضة. ومثلها (ل).
(4) كذا، ولعل في العبارة خرماً، والتقدير: على مقدار يومٍ وليلة.

(1/416)


ذلك في نوبةٍ، ثم بدا مثلُه في نوبةٍ، فقد يتخيل ذلك.
ثم ما ذكره شيخي فيه إذا كانت لها عادة في مقدار الحيض، فكانت تحيض خمسة أيام متوالية، ثم جرى من التقطع ما وصفناه، فيحتمل ارتقابُ العَوْد إلى استيفاء ما كانت تراه، فأمّا المبتدأةُ إذا انقطع دمُها في أول نوبة، فلا يخطُر لمحصّل بناء الأمر على العود في النوبة الأولى أصلاًً.
603 - وأنا الآن أجمع في التكرر والاتحاد في قواعد الحيض كلاماً يحوي المقصودَ. وأشير إلى موضع الخلاف والوفاق.
فأقول: ما يرجع إلى مقدار الحيض زيادةً ونقصاناً، فيجري فيه أن العادةَ هل تثبت بالمرة الواحدة أم لا؟، كما سبق تقريره، [وهذا] (1) مع ملازمة الحيض أول الدّور، والحكم بالاستحاضة يثبت بدورٍ واحد، وجهاً واحداً؛ فإن الدم إذا طبَّق وزاد على خمسةَ عشرَ يوماًً، فقد أمرناها بالتربص إلى الخمسةَ عشرَ، ثم زاد الدم، فنردّها إلى العادة، وفي [الدور] (2) الثاني لا نأمرها بالتربص، فإذاً الاستحاضةُ تثبت بدورٍ واحد. وكان من الممكن أن تؤمر بالتربص مرتين عند من لا يُثبت العادة بالمرة الواحدة، ولكنّ الأمرَ مجمع عليه، كما حكيناه. والسبب فيه أنا استيقنّا أنها مستحاضة في الدور الأول، والاستحاضة من العلل التي إذا وقعت، دامت وتمادَت، فيحصل لها بالمرّة الواحدة ظنٌّ غالب في استمرار الدم.
فأما زيادة الحيض ونقصانه، فعادات النسوة في ذلك تضطرب (3)، ولا يُستبعد توقع الاختلاف فيه، فإن استظهر مستظهر بالتكرر، كان حسناً، وكان سببه ما ذكرناه: أن الحيض فضلة تنفضُها الطبيعة كسائر الفضلات، وقد تختلف الحالات، فتختلف لها أقدار الفضلات، ولكنا لا نتعدى ما حُدَّ لنا في الأكثر والأقل.
والاستحاضة دم عرق ينفطر، أو ينقطع، وهو مزمنٌ إذا وقع.
__________
(1) زيادة من: (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: القدر.
(3) في الأصل: مضطرب.

(1/417)


قال القفال: لو كانت امرأة تحيض خمسةً، وتطهر خمسة وعشرين يوماً، فرأت خمستها، وانقطع الحيضُ عشر سنين مثلاً، ثم طبَّق الدم، فلا يجوز أن يقال: نردّها إلى (1) مقدار الطهر عشر سنين، إذا فرعنا على الوجه الأصح، وهو أن العادة تثبت بالمرة الواحدة. فإذا لم يسغ هذا، فالسنة (2) الواحدة في معنى عشر سنين فصاعداً، [فما] (3) المنتهى المعتبر في ذلك؟
قال: راجعتُ في ذلك مشايخي، فلم يذكروا ضابطاً، ثم قال: والوجه عندي أن يقال: غايةُ طول الدور تسعون يوماً، الحيض منها ما يتفق، والباقي طهر. واعتبر في ذلك أنّ الشرع جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر، فكانت أقربَ معتبر. فلو كانت تحيض خمسة وتطهر خمسة وعشرين، فحاضت خمسةً، وطهرت خمسة وثمانين، ثم طبق الدم، فتجعل طهرها خمسةً وثمانين، ودورها تسعين. وإن حاضت خمسةً، وطهرت تسعين، فلا يعتبر هذا في الاستحاضة، ولكن نردها إلى الخمسة والعشرين التي كانت تطهر فيها قديماًً.
فإن قيل: هلاّ قلتم: نردُّها إلى خمسة وثمانين، ونطرح الزيادة؟ قلنا: إذا تناهى تباعدُ الحيض، فسبب الاحتباس علة أخرجت الطبيعةَ عن الاعتدال، وجميع أمد التباعد محمول على هذا، فلا نعتبره، ونرجع إلى العادة القديمة.
ولا مزيد على ما ذكره القفال.
ولكن لو تكرر طهرها سنة [سنة] (4) مرتين أو مراراً، ففي ردّها إلى ما تكرر احتمالٌ، والظاهر عندي أنه لا تبالي به وإن تكرر. والله أعلم.
وأما مفارقة الدم أول الدور، فإن انضم إليه زيادةُ الطهر، فهو مما يُبنى على الخلاف في المرّة والمرتين.
وإن استأخر مدةً، ثم عاد قدرُ الطهر كما كان، فالنظر عند المحققين إلى المقدار.
__________
(1) في (ت 1)، (ل): في مقدار الطهر إِلى عشر سنين.
(2) عبارة (ت 1): فالنسبة الواحدة في معنى فصاعداً ....
(3) في الأصل: في المنتهى.
(4) مزيدة من (ت 1).

(1/418)


وقد اختبط في ذلك المروزي، كما سبق.
وأما تقطّع الدم، فهل يُتلقى أمره من [التكرر] (1) في نوبة أو نوبٍ؟، فيه من التفصيل ما ذكرته الآن. ولا خلاف أنه لو تكرر التقطع في مائة نوبة، ثم اطَّرد الدم واستُحيضت، فلا نلتفت إلى قول التلفيق -وإن كنا نرى القولَ بالتلفيق- حتى لو كنا على قول التلفيق نلقط خمسة أيام من خمسةَ عشرَ يوماًً، ثم طبق الدمُ، فنحيّضها خمسة وِلاءً من أول الدم المطبق، هكذا قال الأئمة. وفيه للاحتمال أدنى (2) مجال.
فهذا مجموع ما يتفرق في أصول الحيض في هذا الفن جمعناه، [لينْظر] (3) الناظر فيه مجموعاً.
604 - ثم إذا كنا نجعل النقاء بين الدّمين حيضاً، فلا شك أنا نشترط وقوع الدمين في الخمسة عشر. فلو رأت يوماًً [وليلة] (4) دماًً، وأربعة عشر نقاءً، ثم يوماًً وليلةً دماًً، فالدم الثاني استحاضة لوقوعه وراء زمان الإمكان، ثم يكون النقاء طهراً أيضاً؛ فإنه غيرُ محتوشٍ بدَمين هما حيض، وسنبيّن هذا في أحكام التلفيق في المستحاضات. إن شاء الله عز وجل.
فأما إذا فرَّعنا على التلفيق، وحكمنا بأن النقاء بين الدَّمين طهر، فإن رأت يوماًً وليلةً دماًً ومثلَه نقاء، ثم يوماًً وليلةً دماً، فالدمان حيضٌ. ولو كان مجموع الدماء في الخمسةَ عشرَ ينقص عن أقل الحيض، فالكل دم فسادٍ، لا شك فيه، فإنّا نُفرّع على أن النقاء طهرٌ. ومن اكتفى بلحظتين في الدم في الخمسةَ عشرَ على قول [ترك] (5) التلفيق يعتمد أنّ النقاء حيض، فيضمه إلى الدم. وهذا لا يتصوّر في قول اللقط والتلفيق، على أنّ ذلك الوجه في قول ترك التلفيق ضعيفٌ جدّاً كما مضى.
__________
(1) في الأصل: التكرير. والمثبت من: (ت 1)، (ل).
(2) كذا، وقد يبدو للوهلة الأولى أن في العبارة خللاً، ولكنها صحيحة، وواردة كثيراً في كلام الإِمام.
(3) في الأصل: ولينظر.
(4) مزيدة من: (ت 1)، (ل).
(5) مزيدة من: (ت 1). ولا يستقيم الكلام بدونها. ووجدناها في (ل).

(1/419)


فأمّا إذا كان مجموع الدماء في الخمسةَ عشرَ يبلغ أقلّ الحيض [ولكن كل دمٍ في نفسه لا يبلغ أقلَّ الحيض] (1). فالمذهب الصحيح أنها حيض؛ فإن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، ثم على قول التلفيق: ينقطع الطهر على الحيض، ولا يبعد أن ينقطع الحيض على الطهر أيضاً.
ومن أصحابنا من قال: الدم الناقص ليس بحيض؛ لأنه ينضم إلى قلّته انقطاعه عما قبله وبعده بالنقاء الذي يتخلّل. والدم ينقسم إلى ما هو حيض، وإلى ما ليس بحيض. فأما (2) صورة النقاء، وهو عدم الدّم، فمهما (3) تحقق، بَعُدَ معه الحكم بالحيض. والمذهب الأول.
فإن رأت يوماًً وليلةً دماًً وانقطع، والتفريع على التلفيق، فلا شك أنها تغتسل، وحكمها حكم الطاهرات. وإن رأت دماً ناقصاً عن الأقل، وانقطع، فإن لم نجعل ما رأت حيضاً، فلا غسل، ولكنها تتوضأ وحكمها حكم الطاهرات.
وإن فرعنا على المذهب الصحيح، وقلنا: هو حيضٌ إذا عاد في الخمسةَ عشرَ ما يُكمّله، فعلى هذا لا ندري أيعود أم لا، ولو لم يعد، لما وجب الغسل، فكيف الحكم؟
من أصحابنا من قال: لا نوجب الغُسلَ في الانقطاع الأول؛ [فإنا] (4) لا ندري أنّ المنقطع حيضٌ أم لا، وإيجاب الغسل من غير ثَبَت يُخالف موضوع الطهارات.
ومنهم من قال: نوجب الغسل احتياطاً؛ فإنا أوجبنا الغسلَ على الناسية المستحاضة، لاحتمال انقطاع الحيض من غير قطعٍ، وهذا الاختلاف يقرب من القولين في أن الناسيةَ هل تؤمر بالاحتياط أم لا؟.
هذا ما أردنا في ذلك.
ولعل الأمر بالاغتسال يتجه؛ فإنّ ما رأته في زمان إمكان الحيض، ونفس الانقطاع
__________
(1) ساقط من الأصل، وزدناه من: (ت 1)، (ل).
(2) في (ت 1): قلنا صورة النقاء.
(3) "مهما": بمعنى (إذا).
(4) في الأصل: قلنا لا تدري.

(1/420)


لا يخرجه عن كونه حيضاً، حتى تخلو الخمسةَ عشرَ، عن تتمة يوم وليلة.
605 - ومما يتم به التفريع أن الحيض لا يسيل سيلاناً في الغالب، بل يخرج دُفَعاً، والفترة بين الدفعتين حيضٌ قولاً واحداً، ولم يذكر الأصحاب في تمييز الفترة عن النقاء -الذي يقع في القولين- ضبطاً. ومنتهى المذكور فيه أن ما يُعتاد تخلله بين الدُّفع، فهو من الفترات الملحقة بالحيض. وما يزيد على المعتاد [و] (1) يكون أكثر منه، [فهو] (2) على القولين. ثم جميع النقاء في القولين لا شك فيه، قدر الفترة من أول النقاء الكثير لا يستثنى من القولين، ويلحق بالحيض، وهذا لا خفاء به. ولكن قد ينتفع بذكره المبتدىء (3).
606 - وأنا أقول: أقرب مسلكٍ في التقريب الفاصل بين الفترة وبين (4) النقاء الذي يلفّق على أحد القولين أن يقال: الحيض يجتمع في الرحم، ثم الرحم يقطّره شيئاً شيئاًً؛ فإنه ليس الرحم منتكساً في الخلقة، حتى يسيل ما فيه دُفعة واحدة، فالفترةُ ما بين ظهور دُفعة إلى أن تنتهي أخرى من الرحم إلى المنفذ، والنقاء الذي في القولين يزيد على ما ذكرناه، حتى كان الطبيعة في مدة النقاء تجمع دماًً آخر في الرحم، ثم يزجيه الرحم على سجية التقطير والدُّفع.
فهذا أقصى الإمكان في ذلك، وقد تم تمهيد المذهب في تقطع الدم من غير استحاضة، ومجاوزة الخمسةَ عشرَ.
ونحن الآن نبتدىء تفصيل القول في التقطع مع مجاوزة الأكثر وثبوت حكم الاستحاضة. ونرى أن نبتدىء بالمعتادة.
...
__________
(1) زيادة من (ل).
(2) في الأصل: فيكون.
(3) (ت 1): المبتني.
(4) هكذا يكرر بين مع إِضافتها للظاهر، والمشهور من قواعد اللغة أنها لا تكرر إِلا مع الضمير.
ولكن جاء في النحو الوافي لأستاذنا الجليل المرحوم عباس حسن: أنه يجوز تكرارها، إِذا كان المعطوف ظاهراً (النحو الوافي: 2/ 268. هامش رقم 1. الطبعة الثالثة).

(1/421)


باب المعتادة في التلفيق
607 - إذا كانت المرأة تحيض خمسة أيام وِلاءً، وتطهر خمسةً وعشرين يوماً، فجاءها شهر، فرأت يوماًً وليلةً دماًً، ومثلَه نقاءً، ثم استمر ذلك في جميع الدَّور، فهي مستحاضة وفاقاًً. ولم يصر أحدٌ من أئمتنا (1) إلى تحييضها في جميع أيّام الدم على قول التلفيق لقطاً من جميع الدور، وإن لم تزد الدماء على الأكثر، فمن يلفّق لا يرى الالتقاط إلا من الخمسةَ عشرَ. وهذا يقوي تركَ التلفيق، والمصيرَ إلى أنّ حكم النقاء حكم الحيض.
فإذا وضح هذا متفقاً عليه، فنقول: إذا تقطّع الدم على ما وصفناه، فإن قلنا بترْك التلفيق، فنحيّضها في الخمسة (2) من أوّل الدّور وِلاءً (3)؛ فإن اليوم الأوّل دمٌ، والثالث والخامس دمْ، والنقاء المتخلل حكمه حكم الحيض.
وإن فرّعنا على قول التلفيق، فقد كانت حيضتُها قديماًً منحصرة في الخمسة الأولى [وهي لا ترى في الخمسة الأولى] (4) الدمَ إلا في ثلاثة أيام، ففي المذهب على قول التلفيق وجهان مشهوران: أحدهما - أنه لا تتجاوز أيام عادتها، وتلقط ما ترى فيها، وما يزيد على أيام العادة (5) استحاضة.
والوجه الثاني -وهو الصحيح- أنا نعتبر عددَ أيام حيضتها قديماً، ولا نبالي أن
__________
(1) في (ت 1)، (ل): العلماء
(2) في الأصل: في الخمسة عشرَ. وهو خلاف السياق.
(3) ولاءً بالكسر: متتابعة. والذي يجري على الألسنة بالفتح، ولكنها تكون بمعنى المِلْك، والنصرة، والقرابة، والقرب، والمحبة (المختار والمعجم).
(4) ساقطة من الأصل، وزدناها من (ت 1) وعبارة (ل): ونحن لا نصادف -مع التقطع الذي وصفناه في الخمسة الأولى- الدم إِلا في ثلاثة أيام.
(5) في (ت 1): عادتها

(1/422)


نجاوز أيام العادة، فنلقط من الخمسة عشر إلى استيفاء أيامها إن أمكن، ولا نجاوز الخمسةَ عشرَ قط. كما تقدم؛ فإن رعايةَ مقدار الحيض أولى من ملازمة زمانٍ.
ومَن حصرَ اللقط في الخمسة، فإنما يحمله على ذلك ملازمةُ الزمان.
وهذا يضاهي مذهبَ أبي إسحاق المروزي في [ملازمة] (1) أوائل الأدوار، كما سبق بيانُه، والردُّ على من يصير إليه فيما تقدم.
فإن قلنا: لا تجاوز في التلفيق أيامَ العادة، فقد نقص حيضُها، وعاد إلى ثلاثةِ أيام: الأوّل، والثالث، والخامس. وإن جاوزنا أيام العادة، فنقول: لم ينقص مقدارُ حيضها [ولكن] (2) تفرق، وكان وِلاءً، فتُحيّضُ المرأة في اليوم الأول، والثالث، والخامس، والسابع، والتاسع، وقد تمّ المقدار. ومما ينبغي أن ننُبه له -وإن مضى مقرراً في مواضع- أن من لا يرى مجاوزةَ أيام العادة، فإنه يقتصر على اللَّقْط من الخمسة، كما سبق إذا تحققت الاستحاضة في الدور الثاني، فأما في الدور الأول، فإنه يأمرها بالتحيّض في جملة أيام الدم الواقعة في الخمسةَ عشرَ؛ فإنه لو انقطع الدم، ولم يزد على الخمسةَ عشرَ، فجميع أيام الدم حيضٌ، وإن زاد على خمستها القديمة. وهذا بيّن.
ثم إذا زاد على زمان الأكثر، فتستدرك على القاعدة المقدمة.
608 - ولو كانت تحيض خمسةً، كما فرضنا، فتقطّع الدمُ، فرأت يومين دماًً ويومين (3) نقاءً، واستمر الأمر على هذه الجملة. فإن قلنا بترك التلفيق، فإنا نحيّضُها خمسةَ أيام وِلاءً كما تقدم، وإن قلتا بالتلفيق، ولم (4) نجاوز أيام عادتها، فنحيّضُها اليومين الأوّلين، ونحيّضها في اليوم الخامس. وهذا منتهى حيضها.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً ضعيفاً: أنَّا لا نحيّضُها اليومَ الخامس أيضاًً؛ فإنها في
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: بل.
(3) في ت 1: ويوماً. وهو خلاف الغرض المفهوم من عرض المسألة.
(4) في ت 1: فإن لم تجاوز.

(1/423)


السادس مستحاضة، فقد اتصل الخامس بدم ضعيف، (1 فضعف واكتسب حكمه. وهذا قد ردّدَه الأصحاب في التفريعات 1).
وهذا غلط عندي مطَّرح غيرُ معتدّ به، ولكنا نذكره لنقل ما قيل.
وإن رأينا مجاوزة أيام العادة، فنحيّضها في الأول والثاني والخامس والسادس، ونحيّضها في اليوم التاسع على المذهب.
ومن الأصحاب من لا يحيّض في التاسع لاتصاله بالعاشر، وهو استحاضة، وهذا ليس بشيء؛ فيعود حيضُها إلى أربعة على وجه المجاوزة، وإلى اثنين على الانحصار في أيام العادة.
609 - ولو كانت تحيض خمسةً وتطهر خمسة وعشرين يوماًً، فتقطع الدم، وكانت ترى يومين دماًً وأربعة نقاءً، ويومين دماً، ثم استمر على هذا الترتيب. فإن قلنا بترك التلفيق، فنحيّضها اليومين من أول الدور فحسب، فإن النقاء بعدهما غيرُ محتوش بحيضين، وهذا ظاهر.
وإن فرّعنا على التلفيق، فنخرّجه على ما تقدم من ظاهر المذهب، والوجه البعيد، فإن لم نجاوز أيامَ العادة. حيَّضناها في اليومين الأولين، واستوى التفريع على ترك التلفيق. وعلى القول بالتلفيق، وإن رأينا على المذهب مجاوزةَ أيام العادة، فنحيّضها في اليوم الأول، والثاني، والسابع، والثامن، وفي الثالث عشر على (2) المذهب، دون الوجه البعيد. فالمذهب أنّا نُحيّضها فيه على وجه مجاوزة العادة. وقيل: لا نحيّضها؛ لاتصال الثالث عشر بالرابع عشر، وهو استحاضة.
610 - ولو كانت تحيض يوماًً وليلة، وتطهر تسعة وعشرين يوماً، ثم تقطع دمُها، فرأت يوماًً دماً، وليلة نقاءً، وهكذا، ثم استمرّ ذلك، فقد نقص مقدار الدم عن أقل الحيض.
فإن فرعنا على ترك التلفيق، ففي هذه الصورة إشكال؛ فإنّ مجاوزة وقت العادة على ترك التلفيق محال، وما رأته من الدم ناقصٌ عن الأقل، وقد اضطرب الأئمة في
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (ت 1).
(2) في (ت 1): في.

(1/424)


هذه الصورة إذا فرعنا على ترك التلفيق، فقال أبو إسحاق: لا حيض لها على قول ترك التلفيق في هذه الصورة، فإنّ تحييضَها يوماًً محال، وتحييضُها الليلة مع اليوم وليست محفوفة بحيْضَيْن محال، ومجاوزة أيام العادة على القول بترك التلفيق لا سبيل إليه.
وقال أبو بكر المحمودي: هذه الصورة يلزم القول فيها بالتلفيق، وإن فرعنا على ترك التلفيق في الجملة؛ فإنه يبعد أن يقال: لا حيض لها، وهي ترى الدمَ في سنّ الحيض، على صفة دم الحيض شطر عمرها؛ فإذاً لا نقول بالتلفيق إلا في أمثال الصور التي ذكرناها. وقد يقع التفريع من قولٍ في قولٍ لضرورة داعيةٍ، [ولمثل] (1) ذلك يسلم صاحبُ مذهبٍ إثباتاً، وإن كان أصله النفي لصاحب مذهب الإثبات، ويسلم صاحب الإثبات النفيَ في بعض الصور لصاحب النفي.
وقال الإمام (2): والذي ينقدح وجه آخر عندي سوى ما ذكرناه، وهو أن نحيّضها في اليوم وفي ليلة النقاء، وفي يوم الدم الذي [بعدها] (3)، وفي ذلك ازدياد (4) حيضها. ويقع النقاء بين حيضين، [وهو أمثل من العود إلى التلفيق] (5)، ومِنْ رفع الحيض بالكلية، وليست زيادة الحيض مستنكرة في تغاير الأدوار، فهذا إذا فرّعنا على ترك التلفيق.
__________
(1) في الأصل: وبمثل.
(2) لقد أغرب المؤلف رضي الله عنه بلقب (الإِمام)، فلم ندر من يعنيه به، وأخذنا نبحث، هنا وهناك، ونتتبع أقوال الأئمة في هذه المسألة، في مظانها من أمهات كتب المذهب، إِلى أن هدانا الله إِلى أن المقصود بالإِمام هنا، هو الجويني الكبير: أبو محمد، والد المؤلف. وهو يذكره عادة بـ (شيخي)، وقد تبعنا في القطع بأن الإِمام هنا هو والد المؤلف -الإِمام ابن أبي عصرون في مختصر النهاية (المخطوطة: 1/ 258) والآن يلوح لي أن صحة العبارة: قال الإِمام والدي: ... الخ. والله أعلم.
قلت: تأكد هذا بالحصول على نسخة (ل) فعبارتها: " قال الإِمام والدي رحمة الله عليه: ينقدح .. "- وهكذا. لقينا العناء كلَّه بسبب (نقطة) وضعها الناسخ فوق الدال المهملة. ولله الأمر من قبل ومن بعد، نستلهمه الصواب ونستمد منه العون.
(3) في الأصل: بعد نقاء، وفي (ل): بعده.
(4) (ت 1): ارتداد. وهو تصحيف ظاهر، ويتأكد هذا بعبارة ابن أبي عصرون في المختصر: 1/ 258. ثم جاءت بها (ل).
(5) في الأصل: ولا نعود إِلى التلفيق. (مكان ما بين المعقفين). والمثبت من (ت 1)، وظاهرتها (ل).

(1/425)


فأما إذا قلنا بالتلفيق، وصرنا إلى مجاوزة أوقات العادة في اللقط، فلا إشكال، وتستوفي أقلَّ الحيض لقطاً. وإن قلنا: تنحصر في أيام العادة، فيأتي مذهب أبي إسحق في أنه لا حيض لها، كما تقدم، ويأتي حُسنُ (1) مذهب المحمودي حُسْناً بالغاً، فنجاوز في هذه الصورة، وإن كنا لا نرى المجاوزة في غيرها؛ فإنّ المجاوزة للحاجة الماسة أهون من رفع الحيض.
وهذا أمثل في التفريع على هذا القول من المصير إلى التلفيق على قول ترك التلفيق، كما سبق في مذهب المحمودي، فهذا منتهى التفريع في ذلك.
611 - ثم قد يطرأ في الشهر الثاني في بعض صور التقطع خلوّ أول الدَّوْر عن الدَّم؛ فيتغيّر التفريع على ما سنذكره. وهذا من طريق الحساب يقع في بعض الصور ونحن نوضّح وقوع ذلك تصوّراً، ثم نبني عليه غرضَنا من الحكم إن شاء الله.
فإذا كانت تحيض يوماًً وتطهر يوماً، وكان الأمر كذلك في أول دَوْرِ التقطع، فلو أردنا أن نعرف أنَّ الدم هل ينطبق على أوّل الدور الثاني، وكان دورها ثلاثين يوماً قبل التقطع، فنأخذ مُدةَ الدّم ومدّة النقاء، فإن وجدنا عدداً لو ضربنا المدّتين فيه، لردّ الدور من غير زيادة ولا نقصان، فآخِر الدّور نقاء، وأول الدّور الثاني دمٌ.
وبيانه أنها إذا كانت ترى يوماًً دماً، ويوماً نقاء، فنأخذ يومين، فنضربهما في خمسة عشر، فيردّ [علينا] (2) ثلاثين، فنعلم أن الدم يعود في أول الدور الثاني على سجيته في الدور الأول.
وإن كانت ترى يومين دماًً ويومين نقاء، ولا نجد عدداً صحيحاً لو ضربنا فيه الأربعة، لرد ثلاثين -ولا يستقيم الضرب في كسرٍ فيما نحاوله- فنضرب الأربعة في عدد يقرب مردوده من الدور، وقد يزيد وقد ينقص، فالوجه اعتبار الأقرب فالأقرب، فالأربعة لو ضربناها في سبعة، لرد الضرب ثمانية وعشرين، فآخر هذا المردّ طهر، وقد بقي إلى تمام الدور يومان فيقع فيهما الدم، ويقع في أول الدور الثاني نقاء لا محالة.
وإن ضربنا الأربعة في ثمانية، ردّ علينا اثنين وثلاثين يوماً، فنعلم أن آخره نقاءٌ،
__________
(1) ساقطة من (ت 1) و (ل)
(2) في الأصل، (ت 1): عليه.

(1/426)


وآخره يقع في أول الدور الثاني. وهذا أقرب إلى حصول العلم.
ولو كانت ترى ثلاثة دماًً وثلاثة نقاءً، فنأخذ ستّة ونضربها في خمسة، فتردّ ثلاثين، فالآخر نقاء، و [أول] (1) الدور الثاني دمٌ.
ولو كانت ترى أربعة وأربعة، فنأخذ ثمانية، [ونقرّب] (2)، فنضرب في أربعة [فتردّ] (3) اثنين وثلاثين، فالأربعة من آخر هذا المبلغ نقاء، فنعلم أن النقاء ينقسم على آخر (4) الدور الأول، وأول الدور الثاني، فتكون نقية في يومين من أول الدور الثاني، ثم تعود نوبة الدم.
[ولو كانت تحيض خمسة، وترى نقاء خمسة، فنضرب عشرة في ثلاثة، ونقول: الآخر نوبة نقاء، والدم يعاود أول الدور الثاني] (5).
ولو كانت ترى الدّم ستة، والنقاء ستة، فلو ضربنا اثنا عشر في ثلاثة، لردّ ستة وثلاثين، فآخر المدّة نقاء، وهو الذي ينطبق على أول الدور الثاني.
وإذا عرفنا أن [نوب] (6) التقطّع تقتضي الدمَ في أول الدور الأول، والنقاءَ في أول الدور الثاني، فلو أردنا أن نعرف ما يكون في أول الدور الثالث، فنأخذ نوبتين ونضرب كما فعلنا أولاً، فيكون آخر المدة الآن دماًً.
والضابط فيه أن النوبة الأولى إن كانت دماًً، فآخِر المردود نقاءٌ، وإن كانت نقاءً، فآخر المردود دمٌ. فهذا وجه التقريب الحسابي في ذلك.
612 - ونحن الآن نفض (7) المذاهب والأحكام على الصور، فلو كانت تحيض
__________
(1) مزيدة من (ت 1)، (ل).
(2) زيادة من (ت 1)، (ل)
(3) في الأصل: فتراجع، والمثبت من (ت 1)، (ل).
(4) ساقطة من: ت 1.
(5) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وأثبتناه من: (ت 1) وقد بدأ من هنا خرمٌ في (ل) بلغ نحو أربع صفحات.
(6) في الأصل: وجوب التقطع، والمثبت من (ت 1).
(7) نفض المذاهب على الصور، أي ننزلها عليها، من فضّ المالَ على القوم إِذا قسمه بينهم، وفرّقه عليهم.

(1/427)


عشرة أيام وتطهر عشرين يوماً، فتقطّع الدم والنقاء، فصارت ترى الدم يوماًً وليلة، والنقاءَ كذلك، فآخر العشرة نقاء، فإن قلنا بترك التلفيق، فنحيّضها تسعة أيام من أول الدور الأول (1) وِلاءً، ولا نحيّضها اليومَ العاشر؛ فإنه نقاء ليس بعده حيض.
وإن قلنا بالتلفيق، نفرّع ذلك على الخلاف المتقدم في أن اللقط من أيام العادة، أو من الخمسةَ عشرَ، فإن لقطنا من العشرة، فنحيّضها خمسة، وإن لقطنا من الخمسةَ عشرَ، فنحيّضها ثمانية.
وإن كانت عادتها قديماً كما ذكرناه، فتقطّع الدمُ والنقاء ستاً ستاً، فنقول في الدور الأول: على ترك التلفيق حيضها الستة في أول الدور فحسب.
وإن لفّقْنا ولم نجاوز أيام العادة، فكذلك الجواب.
فإن لقطنا من الخمسةَ عشرَ، فالستة الأولى حيض، وهل يضم إليها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؟ فيه خلاف، وقد ذكرنا نظير ذلك في تمهيد التفريع على التلفيق.
ولكن من قال من أئمتنا بتحييضها في هذه الأيام [ضمّاً إلى الستة الأولى، فهو جارٍ على ظاهر قياسه في لقط ما وجد من الخمسةَ عشرَ، ومن لم ير أن يحيّضها في هذه الثلاثة] (2)، فليس مذهبه ببعيدٍ في هذه الصورة؛ فإن هذه الثلاثة متصلة بثلاثة واقعةٍ وراء زمان الإمكان، فاقتضى هذا الاتصالُ ضعفاً في الواقع في الخمسةَ عشرَ، وإنما يضعف هذا الوجه جدّاً إذا فرّعنا على ملازمة أيام العادة في التلفيق واللّقط، ثم اتفقت نوبةٌ من الدم، يقع بعضها في آخر أيام العادة، وبعضها وراءها، فمن يقول: لا نحيضها فيما وقع [في آخر أيام العادة، لاتصاله بما وقع] (3) وراءها، وإن كان في الخمسة عشر، فهذا في نهاية البعد.
فهذا تفريع المذاهب في الدور الأول.
__________
(1) ساقطة من (ت 1).
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل. وأثبتناه من (ت 1). ومكانها خرم في (ل).
(3) الزيادة من (ت 1)

(1/428)


613 - فأما بيانها في الدور الثاني، وقد مضى في هذا النوع من التقطع أن النقاء ينطبق على أول الدور الثاني، وكانت عادتها قبل التقطع والاستحاضة عشرة.
أما أبو إسحاق، فإنه يقول: قد [خلا من] (1) أول الدور ستة، فنحيّضها على ترك التلفيق في الأربعة الباقية من العشرة.
وغيره من الأئمة يقولون: نجعل ابتداء دورها من اليوم السابع، ونُلحق النقاء في الستة الأولى بالدور الأول، ونقول: صار ذلك الدور ستة وثلاثين يوماً، ثم إن فرعنا على ترك التلفيق، فنحيّضها ستة وِلاءً، أولها السابع من هذا الثلاثين. وإن قلنا بالتلفيق من العشرة، أو من الخمسة عشر، فنحسب ابتداء العشرة وابتداء الخمسةَ عشرَ، من اليوم السابع، والتفريع كما تقدم.
فلو كانت تحيض ستة وتطهر أربعة وعشرين، فتقطّع دمها ستة ستة، كما ذكرنا، أمَّا في الدور الأول من التقطع، فنحيّضها الستة الأولى على ترك التلفيق، وهذا مقدار دمها القديم.
وإن قلنا بالتلفيق، فلا مزيد على الستة الأولى؛ فإنها استوعبت مقدار الحيض، ولا حاجة إلى اللقط والتلفيق. فتستوي المذاهب في الدور الأول.
فأما الدور الثاني، فإنها ترى في أوله ستة نقاءً، فأما أبو إسحاق، فإنه يقول: لا حيضَ لها في هذا الدور؛ فإنه خلا جميعُ أيام العادة عن الدم، وقد سبق تفريع مذهبه في خلو أول الدَّوْر فيما سبق.
فأمّا من سواه، فإنهم لا يُخلونَ الدور عن الحيض.
ثم اختلف الأئمة، فقال الأكثرون: نحيّضها في الستة الثانية من الدور، على التلفيق وترك التلفيق.
وقال آخرون: إذا خلا أول الدور، نحيّضها في الستة المتقدمة الواقعة في آخر الدور الأول؛ فإنّ أوّل الدور الثاني قد خلا، فلا اعتبار به، والحيضةُ إذا فارقت محلَّها، فقد تتأخر وقد تتقدم، وبين الستة الأخيرة في الدور الأول وبين الستة من أول
__________
(1) في الأصل: قد كان أول الدور. والمثبت من (ت 1).

(1/429)


الدور الأول ثمانية عشر يوماً، فإذا أمكن أن نجعلها حيضاً، جعلناها كذلك.
614 - ولو كانت تحيض سبعة وتطهر ثلاثة وعشرين، فتقطّع دمُها ونقاؤها سبعة سبعة على الاستمرار، فنقول أولاً: في هذه الصورة نضرب نوبتين، وهما أربعة عشر يوماً في اثنتين فتردّ علينا ثمانية وعشرين، فآخر ذلك نوبة من النقاء، فيبتدىء (1) الدم في التاسع والعشرين، فيقع يومان من الدم في آخر الدور الأول، وخمسة في أوّل الدور الثاني.
فأما أبو إسحاق، فالمحكي عنه أنه يُحيّضها في الخمسة التي وقعت في أوّل الدور الثاني، ويحكم بأن حيضها نقص في هذا الدور.
والذي ذهب إليه جماهير الأصحاب أنّا نُحيّضها في السبعة كلِّها، ولا يضرّ تقدّم يومين منها على أول الدور الثاني على ما سبق.
هذا في المعتادة المستحاضة، إذا تقطع الدم والنقاء عليها.
615 - فأما المبتدأة، فإذا حاضت المرأة، وكما (2) رأت الدم في أول نوبة، تقطع واستمرّ، ووضح أنها مستحاضة. أما الشهر الأول، فنأمرها فيه بالتربّص إلى الخمسةَ عشرَ -كما سبق تمهيد ذلك- فإذا جاوزت الدماء الخمسةَ عشرَ، فإذ ذاك يُعلم أنها مستحاضة. وقد تقدم القولان في أن المبتدأة تُردّ إلى يومٍ وليلة، أو إلى أغلب الحيض، وهو ستة أو سبعة.
فإذا قرّرنا في المعتادة التفصيلَ، استغنينا عن التطويل في المبتدأة، فإن رددناها إلى يومٍ وليلةٍ، فحكمها حكم معتادةٍ، كانت تحيض (3) يوماًً وليلة، وإن رددناها إلى ستة أو سبعة، فهي كامرأة كانت عادتها ستة أو سبعة.
وقد مضى ذلك على أكمل وجه مفصلاً.
__________
(1) في (ت 1): فسترى الدم.
(2) كذا في النسختين (كما رأت) وهي بمعنى (عندما) كما سبقت الإِشارة إِلى ذلك، وهذا استعمال جار على ألسنة الخراسانيين، وليس بعربي، ولا صحيح، (قاله النووي في التنقيح).
(3) انتهى هنا السقط من نسخة (ل) الذي بدأ من نحو أربع صفحات

(1/430)


616 - ثم نقل الأئمة عن الشافعي نصاً في المبتدأة إذا تقطع الدم عليها، فننقله على وجهه، ثم نذكر تصرّف الأصحاب فيه، قال (1) رضي الله عنه: " إذا تقطّع الدم على المبتدأة في الدور الأول، فكانت ترى الدمَ يوماًً وليلة، ونقاءً مثله، فإنها لا تصوم ولا تصلي في أيام الدم في الخمسةَ عشرَ في الشهر الأول. وتصلي في أيام النقاء وتصوم ".
فإذا تبين أنها مستحاضة، ورددناها إلى ما ترد المبتدأة إليه، وهو يوم وليلة، وفرّعنا على ذلك، ورأينا تركَ التلفيق، والحكمَ بأنّ النقاء بين الحيضتين حيض، فالصلوات التي تركتها في أيام الدم وراء اليوم الأول تقضيها؛ فإنا قد تبينا بالأَخَرة (2) أن الحيضَ هو اليوم الأول، وما عداه استحاضة.
وأمَّا الصلوات التي أقامتها في أيام النقاء، فلا تُعيدُها؛ فإنّها أقامتها في النقاء والطهر. ولقد كانت الصلوات في أيام التربّص بين ألاّ تجب لو انقطع على الخمسةَ عشرَ، وبين أن تجب، والنقاء طهرٌ، فعلى أي حالٍ قُدّر، فلا قضاء.
وأما الصوم، فإنّ ذلك إن وقع في شهر رمضان، فلا شك أنها تقضي، ما لم تصمه في أيام الدم، فأما الأيام التي صامتها في النقاء، فقد ردّدَ الشافعي قولَه في أنها هل تقضيها أم لا؟. أحدهما -[أنها] (3) لا تقضيها؛ لأنا قد علمنا آخراً أنها كانت أيام النقاء، فليقع الحكم بما علمناه، وأيضاًً؛ فإن الصلاة لا يجب قضاؤها -وإن أقامتها على التردّد- فليكن الصوم بمثابة الصلاة.
والقول الثاني - أنه يلزمها قضاء الصَّوْم الواقع في أيام النقاء؛ فإن الصومَ يجب على الحائض، بمعنى أنها تقضيه بخلاف الصلاة، فالصلاة كانت بين أن تصحَّ، وبين ألا تجب أصلاًً، والصوم واجبٌ كيف فرض الأمر. وكان المُوقع متردّداً بين أن يصح وبين ألا يصحَّ، فَوجبت إعادته.
ثم قال أبو زيد: القولان في الصوم مبنيان على قولين في أصلٍ، وهو أن الرجل إذا
__________
(1) ر. الأم: 1/ 58. وهو معنى كلامه، لا نصه.
(2) ساقطة من: ت 1.
(3) زيادة من (ت 1)، (ل).

(1/431)


اقتدى في صلاته بخنثى، فهو مأمورٌ بقضاء الصلاة، لجواز أن يكون الخنثى امرأة، فلو لم يقضها حتى تبيَّن أن الخنثى رجل، ففي وجوب القضاء والحالة هذه قولان؛ فإن الصلاة التي أقامها كانت واجبةً قطعاًً، وقد أقامها مردّدة بين الصحة والفساد، كذلك الصوم في أيام النقاء، والتفريع على ترك التلفيق، ولو انقطع ما تراه على الخمسةَ عشرَ، لكان النقاء حيضاً.
قال القفال: ما ذكره أبو زيد إنما يستقيم في الشهر الأول؛ فإنه شهر التربص والتَّوقف، فأمّا إذا بأن أنها مستحاضة في الشهر الثاني، فلا تردّد. وقد طردَ الشافعي القولين [في الصوم في الشهور كلها، فالوجه بناء القولين على القولين] (1) المقدّمين في أن المبتدأة وراء المردّ هل تؤمر بالاحتياط إلى خمسةَ عشرَ يوماً؟ وفيه قولان سبق ذكرهما.
وإن أمرناها بالاحتياط، فإنها تصوم، ثم تقضي أخذاً بالأحوط في الأداء والقضاء، وإن لم نأمرها بالاحتياط، فلا نوجب قضاء ما أدّته من الصيام.
قلت: [كأن الشيخ أبا زيد] (2) يطرد القولين في الشهر الأول. وإن فرعنا على أنها غير مأمورة بالاحتياط، لمكان التردّد الذي ذكرناه؛ اعتباراً بالاقتداء بالخنثى.
617 - ومما يتفرع على هذا الذي انتهى الكلام إليه أن المبتدأة لو طبَّق الدم عليها ولم ينقطع، فالذي يقتضيه نصُّ الشافعي في الفصل بين الصوم والصلاة أنها إذا كانت تصلّي وتصوم وراء المردّ في الشهر الثاني فصاعداً، ففي وجوب قضاء الصوم قولان، مأخوذان من الاحتياط، ولا يجب قضاء الصلاة؛ فإنها بين أن تصح، وبين ألا تجب أصلاًً، والصوم واجب على كل حال.
__________
(1) ما بين المعقفين زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) في (ت 1): كان شيخي أبا زيد، ولا أرى لها وجهاً، وفي الأصل: كان شيخي أبو زيد.
وإذا قال: شيخي، فهو يعني والده، ومن أجل هذا قيده هنا بأبي زيد وهو لا يعني به شيخه المباشر، فأبو زيد توفي سنة 371 هـ، هذا على فرض سلامة العبارة من التحريف والسقط.
وهو ما لا أرجحه، ولعل الصواب: " وحكى شيخي أن أبا زيد يطرد .. " يساعد على ذلك عبارة (ت 1) والله أعلم. وقد صدق تقديرنا، فصواب العبارة كما في (ل) كأنّ الشيخ أبا زيد.

(1/432)


وهذا الذي ذكرته صرح به الأئمة، ولم أذكره في المبتدأة التي طبَّق عليها الدم استنباطاً.
قلت: لو صح القول بالاحتياط في حق المبتدأة في الخمسةَ عشرَ من كل شهر، لم يمتنع أن يغلو غالٍ، فيوجب قضاء الصلوات؛ فإنها لا تفرغ من صلاةٍ إلا ويجوز تقدير وقوع صدرها في بقية الحيض، ولو فُرض ذلك، لكانت الصلاة باطلة، وهي واجبة لمكان الانقطاع في الوقت.
وأبو زيد يوجب قضاء الصلوات على المتحيرة (1) بمثل ذلك، فلو أوقعت الصلاة في آخر الوقت على وجهٍ لو فرض انقطاع الحيض بعد العقد، لما وجبت الصلاةُ، مثل أن تُوقع ركعةً في آخر الوقت والباقي وراءه، فلا يجب القضاء في هذه الصورة، [إذا] (2) قلنا: لا تجب الصلاة بدراك ما يقصر عن قدر الركعة من الوقت.
ثم القولان في الاحتياط في الخمسةَ عشرَ، فأمّا ما وراءها، فهي مستحاضةٌ فيه، قولاً واحداً، فلتوقع قضاءَ الصوم فيه إذا أمرناها بالقضاء.
618 - ومما ذكره الأئمة في المبتدأة المستحاضة التي تقطّع الدم عليها مذهبٌ انفرد به [أحمد] (3) بن بنت الشافعي، وذلك أنه قال تفريعاً على ترك التلفيق: " إن انفصل آخر الخامسَ عشرَ عن أول السادس عشر، بأن وُجد نقاء في الخامس عشر، أو في أول السادس عشر، أو فيهما، فكل ما في الخمسةَ عشرَ إلى آخر دمٍ فيه حيض "؛ فلم يعتبر الأقل والأغلب في هذه الصورة.
وبيان ذلك بالمثال أنّها إذا كانت ترى الدم يوماًً وتطهر مثله، فهي في الخامس عشر ذات دم، وهي ظاهرة في أول السادس عشر، فنحيّضها في الخمسة عشر كلها.
فلو كانت ترى الدم يومين والنقاء مثله، فهي نقية في الخامس عشر والسادس عشر، ذاتُ دمٍ في الرابع عشر، فنحيّضها أربعة عشر يوماًً.
ولو كانت تحيض ثلاثة وتنقى ثلاثة، فهي ذات دمٍ في الخامس عشر، نقية في أول
__________
(1) في الأصل: على قول المتحيرة.
(2) في الأصل: فإِذا. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: (محمد) وهو وهمٌ أجمعت عليه النسخ الثلاث، وقد تكرر قبل ذلك.

(1/433)


السادس عشر، فنحيّضها الخمسةَ عشرَ كلَّها.
ولو كانت تحيض ستة وتنقى مثلَها، فالدم في النوبة الثالثة ينقسم على آخر الخامس عشر، وأول السادس عشر، فلا انفصال الآن، فنرجع إلى ترتيب الأصحاب في ردّها إلى الأقل أو الأغلب كما سبق من كلام الأصحاب.
وقد رأيت الحذّاق لا يعدّون مذهبه من جملة المذاهب، ويَروْنه منفرداً بتفصيلٍ، وهو غير مساعَدٍ عليه.
619 - فأما المميزةُ في حكم التلفيق، فوجه تصوير التلفيق فيها بتقدير اعتقاب الدم القوي والضعيف. فإذا كانت ترى يوماًً دماًً أسودَ، ويوماًً دماًً مشرقاً، فنصوّر وِجدانها لأركان التمييز (1) وفقدِها لها.
فأمَّا تصوير وجود أركان التمييز، فوجهه ألا ترى الدماء القوية إلا في الخمسةَ عشرَ، مثل إن كانت ترى يوماًً سواداً ويوماً شُقْرةً، ثم استمر الدم المشرق في النصف الأخير، فهذه متمكنة من التمييز.
فإذا كانت مبتدأة، نفرع أمرَها على القولين في ترك التلفيق، والتلفيقِ: فإن تركنا التلفيق حيّضناها خمسةَ عشرَ يوماًً؛ فإن الخامسَ عشرَ نوبةُ السواد، وإن لفّقنا حيّضناها في أيام السواد، وهي ثمانية، وحكمنا لها بالطهر في أيام الشُّقرة، وحكمنا بذلك في النصف الأخير.
وإن كانت معتادة، ففي ردّها إلى العادة خلاف.
فإن رأينا ردَّها إلى التمييز، فقد سبق تفصيله، وإن رأينا ردّها إلى العادة، فقد تقدم ترتيبُ القول في تقطّع الدم على المستحاضة المعتادة.
وها هنا الآن دقيقة، وهي أنا إذا رَدَدْنا المميزةَ إلى العادة، فلا ننظر إلى صفة الدم أصلاًً، ولا نُعلِّق بها حكماً، كما مضى مشروحاً فيما مضى.
فلا جرم نقول: إذا كانت ترى يوماًً سواداً، ويوماًً شُقرةً، والتفريع على اعتبار العادة، فلا نرى ذلك من صور التلفيق، حتى تُخرّج على القولين، ولكن ما نراه
__________
(1) انظر أركان التمييز في الفقرة: 469.

(1/434)


بمثابة دمٍ دامَ على لون واحد. ولا نظر إلى لون الدم على هذا الوجه.
وما ذكرناه فيه إذا انقطع الدم القوي والضعيف على المدّة في الخمسةَ عشرَ. فأما إذا جرى ذلك دائماً في جميع الأيام، فكانت ترى يوماًً سواداً ويوماًً شُقرةً أبداً، فهي فاقدة لأركان التمييز.
فإن قيل: كان دورها ثلاثين، وهي الآن لا ترى في الثلاثين إلا خمسةَ عشرَ سواداً، وهذا المبلغ غيرُ زائدٍ على الخمسةَ عشرَ، قلنا: وإن كان كذلك، وفرّعنا على التلفيق، فهي فاقدة لأركان التمييز؛ فإن الحيض حقُّه أن ينحصر في الخمسةَ عشرَ، ولا يسوغ انبساطه على أكثرَ من هذه المدة. وهذا يؤكد القول بترك التلفيق، فإن القائل بالتلفيق يجوّز تقطّع الطهر على الحيض، ويمنع تقطع الحيض على الطهر في أكثر من خمسةَ عشرَ يوماًً. وهذا تصريحٌ باختلاف حكم الحيض والطهر، ولا يتضح بينهما فرقٌ معنوي، فلئن جاز عَوْدُ الحيض قبلَ تمامِ الطهر، فما المانع من بسط خمسةَ عشرَ يوماًً حيضاًً على خمسة عشر يوماًً طهراً؟ فإذاً تبين من وفاق الأصحاب أنها فاقدةٌ للتميز.
فإن كانت معتادة، رُدَّت إلى العادة، وجعل كأنّ الدماء على لونٍ واحد مطبق، ولا التفات إلى اختلاف ألوان الدماء؛ فإنه إذا بطل التمييز، لم يكن للون الدم حكمٌ.
فافهم.
وإن لم تكن معتادة، فهي مبتدأة، ولا تلفيق، ولا اعتبار بتفاوت ألوان الدماء، وحكم لون الدم مرفوعٌ بالكلية. وهذا واضحٌ ولا إشكال فيه.
620 - ونحن نذكر الآن تقطع الدم والنقاء على المتحيرة التي لا تذكر شيئاًً من أمرها، ثم نذكر موجَب التقطع مع أبوابها في الخلط، والضلال.
فإذا كانت ترى يوماًً دماًً، ويوماً نقاءً، واستمر ذلك بها، وكانت لا تذكر شيئاً، فنفرّع حكمَها على قولي التلفيق، فإن حكمنا بترك التلفيق، والتفريعُ على قول الاحتياط، فحكمها في زمان الدم ما تقدّم في قضايا الاحتياط، فتغتسل لكل فريضة، لاحتمال انقطاع الدم في كل لحظة، وانقلابها إلى دم الفساد، وتصوم، ويجتنبها زوجها كما مضى حكمها في أثناء الكتاب.

(1/435)


وأما أيامُ النقاء، فهي مأمورة بالاحتياط فيها، والزوج يجتنبها؛ فإن التفريع على ترك التلفيق، ولا يمر بها يوم في النقاء إلا ويُحتمل أن يكون ذلك النقاء حيضاً محتوشاً بحيضين، ولكنا لا نأمرها في أيام النقاء بالاغتسال؛ فإنها إن كانت حائضاً حكماً، فالغسل إنما يجب عند احتمال انقطاع الحيض، وهذا التقدير محال في زمان النقاء قطعاً، وكما لا نأمرها بالاغتسال في أيام النقاء لا نأمرها بتجديد الوضوء؛ فإن الوضوء إنما يؤمر بتجديده عند تجدّد صورة الحدث، وهذا المعنى مفقودٌ قطعاًً في زمان النقاء. نعم، نأمرها بالاغتسال في أثر انقضاء كل نوبة من نُوَب الدم. ثم يكفي ذلك إلى عود الدم.
ومن دقيق ما ينبغي أن يُتفطَّن له أنه كلّما عاودَ الدمُ، فلا تُؤمر بالاغتسال مع اللحظة [الأولى؛ فإن الانقطاع إنما يدخل أوان احتماله بعد اللحظة الأولى، من عود الدم، واللحظة] (1) الواحدة لا يحيط بها فهم، ولا ينتهي إليها تنصيصُ فكرٍ، ولكن يجري حكمُها في العقل، وتستمر العبارة عنها. فهذا إن فرّعنا على ترك التلفيق.
621 - فأما إذا قلنا بالتلفيق، فالذي نزيده أنها طاهرة في أيام النقاء والزوج يغشاها، ولا يخفى حكم الطهر في حقها، ولا تتوضأ لكل صلاة؛ فإن الحدث ليس متجدداً، وأما إمكان الانقطاع في زمان استمرار الدّم، فجارِ، والأمر بالغسل مترتب عليه.
وإن عنَّت صورةٌ يختلف الحكم فيها في التفريع على وجهٍ ضعيف، لم يخفَ درْكُها على الفَطِن المنتهي إلى هذا الموضع، مثل أن نفرعّ على أنّ الشرط ألا ينقص الدم في كل نوبةٍ عن يوم وليلة. وهذا على قول التلفيق في نهاية الضعف، ولكن قد يلتزم الفطن التفريعَ على الضعيف للمرون والدُّرْبة في الكلام على الدقائق، فعلى هذا، مهما عاد دمٌ لا نأمرها بالاغتسال، ما لم يمضِ من زمان الدم يومٌ وليلة، ثم نطرد الأمرَ بالغُسل إن تمادت نوبةُ الدم.
622 - وقد جرى رسم الخائضين في هذا الكتاب بذكر الخلط والضلال مع تقطّع
__________
(1) ساقط من الأصل. وأثبتناه من (ت 1)، (ل).

(1/436)


الدم في حق الناسية، فإذا كان الدمُ منقطعاً، وذكرت أنها كانت تخلط الشهر بالشهر، حيض بحيض، فالصور تختلف في ذلك، فإن كانت النُّوَب تقتضي أن يُطبق الدم على أول كل شهر، ويخلو عنه آخرُ كل شهر، فنحيّضها في اللحظة الأولى من الدم في أول كل شهر، ولا نحيّضها في اللحظة الأخيرة من الدور، وإن كنا نرى تركَ التلفيق؛ فإنها تصادف في آخر كل دور نقاءً، ونحن إنما نجعل النقاء حيضاً إذا كان محتوشاً بحيضتين، والذي استفدناه من ذكرها الخلطَ الحيضُ في لحظة من آخر الدور ولحظة من أوله، فلا نزيد على هذا.
ولا يتأتى الحكم بأن النقاءَ في آخر الدور حيض إلا أن نجعل جميعَه حيضاًً، ونجعل الدمَ المتقدمَ عليه حيضاً، وهذا إن قلنا به، فهو احتكامٌ من غير [ثَبَت] (1)، وبناء أمرٍ على قطع.
وإن تقطّع الدم تقطّعاًً كان حسابه يوجب خلوَّ آخر الدّور وأوّلِه عن الدم، وقد ذكرت أنها قبل استمرار هذه الحال لها كانت تخلط شهراً بشهر حيضاً، فلا حيض لها بيقين، بحكم ذكرها الخلط [وإن فرّعنا على ترك التلفيق، فإنا لم نصادف دماًً في محل الخلط، ثم إذا بطل الخلط،] (2) فقد سقط أثر ذكرها الخلط بالكلّية، وتبين أنّ ما كانت عليه من الخلط قد تحوّل وزال، فهي كالتي لا تذكر من ذلك شيئاًً.
وإن تقطّع الدمٌ تقطّعاً يقتضي ترتيبُه أن ترى دماًً في آخر الدور وأوّله، فنجعلها حائضاً في اللحظتين، ثم لا يخفى التفريع بعد ذلك.
فهذا ما رأينا ذكره في تقطّع الدم (3 مع ذكر الخلط. ولا يخفى غيره على من يحاوله إن أحكم القواعد المتقدمة.
623 - فأما ذكرها الضلالَ مع تقطّع الدم 3)، فنذكر فيه صورةً واحدةً، ونوضح ما فيها، ثم يهون قياسُ غيرها عليها: فإذا تقطعت الدماء، وكانت تحيض يوماً وليلةً، وتطهر يوماًً وليلةً، وذكرت أنّها كانت تحيض خمسةَ أيامٍ، وقد أضلّتها في
__________
(1) في النسختين: تثبيت. والمثبت من مختصر النهاية لابن أبي عصرون، ومن (ل).
(2) ساقط من الأصل، وأثبتناه من (ت 1)، (ل).
(3) ما بين القوسين سقط من (ل).

(1/437)


العَشر الأول من الشهر، فنفرّع هذه الصورةَ على قولنا بترك التلفيق، ثم نفرعها على التلفيق: فإن تركنا التلفيق، ولم نبعد أن يكون النقاء بين الحيضين حيضاًً (1)، فمن موجب هذا القول، أنا لا نتجاوز محلَّ الحيض، كما مضى مفصلاً، حتى إذا كانت تحيض ستة أيام من أول كل شهر، ثم تقطع دمُها، فصارت ترى يوماًً دماًً ويوماً نقاءً، فإنها ترى يومَ السادس [نقاءً] (2) ولا نتعدى السادس، ولا نجعله حيضاً؛ إذ ليس بعده حيض، فيعود حيضها بسبب التقطع إلى خمسة [أيام] (3).
فإذا تجدّد العهدُ بهذا، فنعودُ إلى الصورة التي انتهينا إليها، فنقول: حسابُ التقطع يوجب أن تكون نقيةً في اليوم العاشر، ونحن لا نرى تعدِّي المحلّ في ترك التلفيق، فقد خرج اليومُ العاشر من محلّ الضلال، وآل محل الضلال إلى تسعة، فنقول بعد ذلك: ليس لها حيضٌ معيّن بيقين.
فإن قيل: قد ذكرتم في أبواب الضلال أن مقدار الحيض إذا زاد على نصف محل الضلال، فلا بدّ أن يثبت حيضٌ بيقين، والحيض في الصورة التي فيها الكلام خمسة، وهي تزيد على نصف التسعة.
قلنا: ذلك إذا كانت الدماء مطّردة وِلاءً، فيقتضي الحسابُ ثبوتَ حيضٍ مستيقنٍ لا محالة، فأمّا إذا كانت متقطّعةً، فلا يجري ذلك، وإن كنا نجعل النقاء بين الحيضين حيضاً، ورَوْمُ تحصيل هذا [يُحوِج] (4) إلى مزيد بسط.
فنقول: نقدّر كأنّ حيضَها قديماًً كان ينطبق على الخمسة الأولى من الشهر، وكانت ترى دماًً متوالياً لا تقطّع فيه، فإذا انقطع، فالخمسة الأولى كلُّها على هذا التقدير حيضٌ مع النقاء المتخلل؛ فإنها في اليوم الأوّل والخامس ترى دماً، ويحتمل أنّ خمستها كانت تقع في الخمسة الثانية، وكانت ترى دماً متصلاً، والآن إذا تقطّع،
__________
(1) ساقط من (ت 1).
(2) في الأصل: دماً. وهو خلاف الفرض في المسألة، والمثبت من: ت 1، ومن مختصر ابن أبي عصرون، ومن (ل).
(3) زيادة من (ت 1)، (ل).
(4) في الأصل: يخرج، والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/438)


فإنها لا ترى في السادس دماً، فلا سبيل إلى جعله حيضاً؛ [إذ ليس قبله حيض، ولا نرى مجاوزة العشر، فينقص على هذا التقدير حيضها] (1) ويعود إلى ثلاثة أيام.
وإن قدّرنا خمستها وسطاً، فقد [تلقى طهراً يعسر] (2) تقديره حيضاًً، ولا تتحصّل على حيض مستيقن أصلاًً، والحكم أنا لا نأمرها بالغُسل في الخمسة الأولى؛ إذ انقطاع الحيض فيها غير [مقدّر] (3).
نعم، نأمرها بغسل واحد في آخر اليوم الخامس، ثم نأمرها بغسل واحد عقيب السابع، وبآخرَ عقيب التاسع، والسبب فيه أنّا نجوّز أن يكون ابتداء دمها من أول الثالث، فينقطع في آخر السابع، ونجوّز أن يكون الابتداء من أوّل الخامس والانقطاع في آخر التاسع.
وذهب بعضُ أصحابنا إلى أنها مأمورةٌ بالاغتسال لكل فريضة في السابع والتاسع؛ فإنّ انقطاع الحيض ممكن في أوساط اليومين. وهذا غلطٌ غير معدودٍ [من] (4) المذهب؛ فإنا لو قدّرنا الانقطاعَ في وسط السابع، احتجنا إلى تصوير ابتداء الحيض في وسط الثاني، وهذا التقدير مع التقطّع الذي صوّرناه غير ممكن؛ فإنها في اليوم الثاني نقية، والنقاء إنّما يكون حيضاًً إذا تقدمه حيض. وكذلك القولُ في وسط اليوم التاسع.
فهذا مجموع ما ذكره الأئمة في التفريع على ترك التلفيق.
624 - وذكر القفّال شيئاًً آخر، فقال: لو قدّرنا حيضاًً قديماًً في الخمسة الثانية، فإن تقطع [الدم] (5) ولم تر في السادس حيضاً، فقد تأخر حيضُها ضرورة بيوم [وفاتَحها] (6) في أول السابع، [فتجاوز العشرة، وتجعل ابتداء خمستها من
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل)
(2) في الأصل: فقد تلقى طهر العشرة. وهو تصحيف واضح، والمثبت عبارة (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: غير مقدور.
(4) في الأصل، (ت 1): في. والمثبت من (ل).
(5) زيادة من (ت 1)، (ل).
(6) في الأصل: وفاتحنا.

(1/439)


السابع] (1) ويمتدّ إلى آخر الحادي عشر؛ فعلى هذا نأمرها بالاغتسال في آخر الحادي عشر، ثم نقطع وراء ذلك بالطهر.
وطردَ هذا المذهبَ في صورة لا بد من ذكرها، فقال: لو كانت تحيض خمسةً من أول كل شهر، فتقطّع تقطّعاًً يوجب خلوَّ أول الشهر عن الدم، وكانت ترى الدمَ في اليوم الثاني، فعنده أن حيضها قد استأخر؛ فنجعل أول خمستها من اليوم الثاني، وتجاوز الخمسة الأولى.
وعند غيره نقصت حيضتُها، ولا سبيل إلى مجاوزة الخمسة الأولى.
فهذا إذا قلنا بترك التلفيق.
625 - فأمّا إذا رأينا التلفيق، فقد اشتهر الخلافُ في أنها هل تجاوز في اللقط محل العادة؟ وقد مضى ذلك مقرّراً، فإن لم نر المجاوزة، فلا تتعدى العشرةَ التي هي محل الضلال، ولا نجعل لها حيضاً بيقين. والتفريع في جميع الأحكام، كالتفريع على ترك التلفيق، غير أنا نُثبت لها حكمَ الطاهرات قطع في زمان النقاء، ونأمرها بالاغتسال عقيب كل يوم ينقضي من الدم؛ فإنا على تقطّع الحيض نفرعّ، ومهما انقطع الحيضُ وجب الغُسل، وعلى ترك التلفيق لا تصور لانقطاع الحيض في الخمسة الأولى.
وإن رأينا مجاوزةَ المحل، فإنا نلقط في بعض التقديرات مما وراء العشرة أيضاً.
وبيان ذلك أنا إن قدرنا حيضها في الخمسة الأولى، ورأينا المجاوزة، حيضناها في الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع، وإن قدّرنا حيضها في الخمسة الثانية قديماًً، حيّضناها إذا انقطع في السابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والخامس عشر.
فإن قيل: كيف تجاوزون العشرة، وقد زعمت أنها أضَلَّت حيضتها في العشرة؟ قلنا: هذا بمثابة قولها: كنت أحيض الخمسة الأولى، ثم تقطع دمُها فتجاوز الخمسة الأولى وقد عينتها، فإذا جاوزنا ما عينته حيضاً، [جاوزنا] (2) ما عينته محلاًّ
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: فكذلك ما عينته، (ت 1): فكذا ما عينته. والمثبت من (ل).

(1/440)


للضلال، فإذا ثبتت التقديرات، قلنا: فهي حائض في اليوم السابع والتاسع قطعاً، والسبب فيه أنهما يدخلان في كل حساب كيف فُرض الأمر، وما دخل في كل تقدير يفرض للحيض، فهو حيض، وعليه وقع بناء حساب التقديم والتأخير في أبواب الخلط والضلال.
فهذا منتهى ما حاولناه في ذكر الضلال مع التلفيق، ومن أحاط بما ذكرناه لم يخف عليه ما يُورد عليه مما سواه.
فقد نجزت مسائل الحيض. ونحن الآن نبتدىء بابَ النفاس مستعينين بالله. وهو خير معين. وبالله التوفيق.
***

(1/441)


باب النفاس
626 - والنفاس في اللغة يتناول الحيضَ، والدمَ الذي يخرج على أثر خروج الولد، وفي حديث عائشة أنها قالت: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة (1)، فحضت، فانسللتُ فقال عليه السلام: مالكِ؟ أَنَفَستِ؟ (2) " (3)، فَعبّر بالنفاس عن الحيض، والنّفْسُ في اللسان هو الدم نفْسُه كيف فرض، ولكن العلماء يعبّرون بالنفاس عن الدم الذي يخرج عقيب الولادة. وهذا غرضُ الباب ومضمونه، والدم يحتوي عليه الرحم إذا علق بالولد، ثم يُزجيه إذا انفصل الولدُ. وحكم دم النفاس حكم الحيض؛ فإنه الحيضُ بعينه اجتمع، ثم استرخى وانسل.
ومضمون الباب تحصره ثلاثة فصول:
أحدها - في ذكر أقلِّ النفاس، وأغلبِه، وأكثرهِ.
والثاني - أن الحامل هل تحيض؟ وإن حاضت، فكيف يجري حساب دورها الأخير مع النفاس؟
والثالث - في فرض ولدين توأمين بينهما دم، كيف حكمه؟ وعلى أي وجه ينزل حسابه؟
فإذا نجزت هذه الفصول، ذكرنا بعدها حكمَ اتّصال الاستحاضة بالنفاس.
__________
(1) الخميلة: القطيفة، وهي كساء، أو فراش، أو دثار -وهو المراد هنا- له أهداب. (المعجم والمصباح)
(2) أَنَفست، بفتح النون. من نَفِست المرأة إِذا حاضت، أما إِذا ولدت فيقال: نُفست بالضم، وبالفتح، والأفصح الضم، أما في الحيض، فالمشهور الفتح؛ بل قيل: لا يجوز غيره (النووي: تهذيب الأسماء واللغات، والمجموع: 2/ 519، والمصباح)
(3) حديث الخميلة: متفق عليه، من حديث أم سلمة (اللؤلؤ والمرجان: 1/ 66 ح 170) وقد سبق في الفقرة (440).

(1/442)


[الفصل الأول] (1)
627 - فأما الفصل الأول: فأكثر النفاس ستّون يوم عند الشافعي، ومعتمدهُ فيه الوجودُ، كما سبق في الحيض. وأغلب النفاس أربعون يوماًً، وأقل النفاس لحظةٌ واحدة.
وعلل بعض أصحابنا ذلك بأن المرأة قد تلد، ولا ترى دماًً أصلاًً، وهي التي تسمى ذات الجفاف، فإذا تُصوّر ذلك، لم يبعد أن ترى الدمَ لحظة.
وهذا التعليل باطلٌ ويُلزَم مثله في الحيض، فلا زمان تحيض المرأة فيه إلا ويتصوّر أن يستمر بها الطهر فيه. ثم هذا لا يدل على أن أقل الحيض لحظة، فالمتبع الوجودُ إذاً في قاعدة المذهب.
وذهب المزني إلى أن أقل النفاس أربعةُ أيام؛ مصيراً إلى أن أكثر النفاس مثلُ أكثر الحيض أربع مرّات، فليكن أقله مثل أقل الحيض أربع مرّات.
وهذا الفن غير لائق بفقه المزني، وعلوِّ منصبه؛ فإن المقادير لا تبنى على الخيالات الشبهية، ولست أرى لهذه الأصول مستنداً غير ما تقدَّم في أعصار الأولين من الوجود.
[الفصل الثاني] (2)
628 - فأما الفصل الثاني، فلا شك أن الحامل ترى (3) الدمَ على ترتيب (4) أدوار الحيض، واختلف قول الشافعي في أنه دم حيض، أو دم فساد، والأصح أنه دم حيضٍ (5).
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة من المحقق.
(3) كذا في النسخ الثلاث، ولعلّ الصواب: "قد ترى الدم ... " ويشهد لذلك التقدير كلام الإمام في الفقرة التالية.
(4) في (ت 1): على الترتيب في أدوار الحيض.
(5) في (ل): دم فساد. وهذا هو القول القديم للشافعي، والجديد الأظهر أنه حيض، وسواء ما تراه قبل حركة الجنين وبعدها. وقيل: القولان فيما بعد الحركة، فأما قبلها، فحيضٌ قطعاًً. (ر. الروضة للنووي: 1/ 174).

(1/443)


وتوجيه القولين، وذكْرُ مأخذهما مستقصىً في كتاب العِدَّة، فإن جرينا على أنه دمُ حيضٍ، فحكمه حكمُ الحيض، في كل تفصيل، غيرَ أنه لا يتعلق بتلك الأقراء انقضاء العِدة.
والذي يتعلق بأمر النفاس من ذلك أنها إذا كانت ترى أدواراً مستقيمةً في زمان الحمل، والتفريعُ على أنّ الحامل تحيض، فإذا كانت تحيض خمسةً وتطهر خمسة وعشرين، فرأت خمستها، وطهرت عشرة أيام، ثم ولدت ونُفست، ولم يتخلل بين الخمسة التي [رأتها] (1) قبل الولادة وبين دم النفاس طهر كامل.
فأما دم النفاس، فهو على حكمه، ونقصان الطهر قبله لا يؤثر فيه، واختلف أئمتنا في تلك الخمسة، فذهب بعضهم إلى أنها دم فساد؛ لأنها لم تستعقب طهراً كاملاً، والأصح أنها دم حيض، على القول الذي عليه التفريع؛ فإنّ الدم إنّما يضعف إذا لم يتقدمه طهرٌ كامل، والخمسة مسبوقة بطهر كامل، ونقصان الطّهر يؤثر فيما بعده، ولا ينعكس أثره على الدم السابق، وإذا لم يؤثر نقصان الطهر في النفاس بعده، لم يؤثر في الدّم قبله، والذي يوضّح ذلك أن الولادة إذا تخللت، فهي أقوى في فصل الدم من الطهر الكامل.
ولو رأت خمستها، ثم اتصلت الولادة بها ونُفِست من غير طُهرٍ، فالخلاف في الدم المتقدّم على الولادة كما تقدم، وإن لم يتخلل نقاءٌ أصلاً.
[الفصل الثالث] (2)
629 - فأما " الفصل الثالث " فمضمونه ولادة توأمين بينهما دمٌ، فإذا ولدت ولداً، ورأت دماًً أياماً، ثم ولدت ولداً آخر من ذلك البطن، فالذي رأته من الدم على أثر الولد الأول نفاسٌ أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما - أنه ليس بنفاس؛ فإنه متقدم على فراغ الرحم من الولد.
والثاني أنه نفاس؛ فإنه على أثر الولادة.
__________
(1) في النسختين: لأنه. والمثبت من عمل المحقق. ثم صدقتنا (ل)، بحمد الله وتوفيقه.
(2) زيادة من المحقق.

(1/444)


فإن قلنا: إنه ليس بنفاس، فهل نجعله دمَ حيض أم لا؟ فعلى قولين مرتبين على أن الحامل هل تحيض؟ فإن قلنا: إن ما تراه من الدم يكون حيضاً، فهذا بذلك أولى، وإن قلنا: إنه لا يكون حيضاًً، ففيما نحن فيه قولان.
والفرق أنّ الغَالبَ في الحامل أنها لا ترى دماً؛ لانسداد فم الرحم، فإن رأته، فقد يُقَدَّر ذلك دم فسادٍ لندوره، وينزل ذلك منزلة ما لو رأت الصبيّةُ، وهي ابنة ثمانٍ دماًً.
فأمَّا إذا ولدت ولداً، وانفتح الرحم، فاسترخاء الدم من الرحم ليس بدعاً، بل النادر ألا ترى دماًً إذا ولدت، ثم إذا جعلنا ما رأته دمَ حيضٍ، فيلزم على هذا الوجه [رعاية] (1) قضايا الحيض فيه، حتى إذا زاد على خمسة عشر يوماً، كان الزائد دمَ فساد، والترتيب فيه كالترتيب في دم الحيض إذا زادت نوبته.
ثم يترتب على هذا الوجه أنه إذا تقدم على ولادة الولد الأول دمٌ، وتخلّل بينه وبين الدم بعدَ الولد الأول أقلُّ من أقلِّ الطهر، فيلزم من هذا القياس أن نجعل ذلك الدمَ دمَ حيضٍ؛ لأنه لم يتقدمه طهر كامل، وليس ذلك الدم دمَ نفاس حتّى ينفرد بحكمه، كما تقدم في الصورة الأولى، وهذا بعيد عن التحصيل.
وباختباط هذه التفريعات يتضح ضعف هذا الوجه.
630 - وإن قلنا: إن ما رأته بين الولدين دمُ نفاسٍ، وهو الصحيح، فإن ولدت الولد الثاني، فرأت على أثره الدمَ أيضاً، فقد ذكر الأئمة اختلافاً في ذلك: وحاصل القول فيها يؤول إلى أن ما رأته على أثر الولدين في حكم نفاسٍ واحد، أو في حكم نفاسين، وفيه الاختلاف. ومنه ينشأ ما سنذكره.
فمن أصحابنا من قال: إنهما في حكم نفاسين؛ لمكان الولدين، وانفصال إحدى الولادتين عن الأخرى.
ومنهم من قال: إنهما في حكم نفاسٍ واحدٍ؛ فإن الرحم اشتمل على الولدين اشتمالا واحداً، فالفراغ عنهما في حكم ولادةٍ واحدةٍ.
فإن قلنا: إنهما نفاسان، فإن ولدت ولداً، ورأت الدمَ ستين يوماً، [ثم ولدت
__________
(1) ساقطة من الأصل. والمثبت من (ت 1)، (ل).

(1/445)


آخر، ورأت على أثره ستين يوماًً دماً] (1) فالدماء كلها نفاسٌ.
ولو ولدت أولاداً من بطنٍ واحدٍ، ورأت على أثر كل واحدٍ ستين يوماًً دماًً، فالجواب كما سبق، ولكل ولدٍ حكمُ نفاسٍ، ولا يتعلّق حكم نفاسٍ في حسابٍ بنفاسٍ.
وإن قلنا: الدماء كلها في حكم نفاسٍ واحدٍ، فينبغي ألا يزيد الدمان جميعاًً على ستين يوماًً، ويحتسب أول الستين من أول الدم الذي رأته على أثر الولد الأول.
ويتفرع عليه أنها لو ولدت ولداً، ورأت على أثر الولد الدمَ ستين يوماً، ثم ولدت الثاني، ورأت دماًً، والتفريع على اتحاد النفاس - فقد قال الصيدلاني: اتفق أئمتنا في هذه الصورة أن الولد الثاني ينقطع عن الأول، ويستعقب نفاساً؛ فإن الذي تقدّمه نفاسٌ كامل، ويستحيل أن يقال: إذا ولدت ثانياً، ورأت دماًً على أثره، فلا يكون ذلك نفاساً.
وقد سمعت شيخي يقول في هذه الصورة: إذا فرّعنا على اتحاد النفاس، فالذي رأته بعد الولد الثاني دمُ فسادٍ، وهذا ولدٌ تقدّمه النفاس.
ويلزم على قياس هذه الطريقة أن يقال: إذا رأت على أثر الولادة الأولى ستين يوماً دماًً، ثم تمادى اجتنان الولد (2) الثاني أشهراً، ثم أتت به، ورأت دماًً، فيلزم أن يقال: إنه دمُ فسادٍ. وهذا بعيد جداًً.
وبهذا يتبين أنّ كلَّ ولدٍ يستتبع نفاساً، ولا يعتبر حساب نفاسٍ بحساب نفاسٍ.
631 - ومما يتعلق بما نحن فيه، أن الحامل إذا كانت ترى دماًً، وجرى التفريع على أنه حيض، وإن لم يتخلل بينه وبين الولد طهرٌ كامل، فلو رأت الدم خمسةَ أيامٍ، واتصل الولد بها، فلا يكون ذلك الدم المتقدم محسوباً من النفاس أصلاًً.
ولو طُلِقت (3) المرأة، وبدأت مخايل الولادة، وانحلّ الدم، فالذي قطع به الأئمة
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).
(2) في (ت 1): التوأم الثاني، وكذا في (ل).
(3) طُلقَت المرأة: أصابها وجع الولادة، وظهرت علاماتها (المعجم).

(1/446)


أنه ليس من النفاس، وإن أمكن أن يقال: هذا من آثار الولادة.
وذكر صاحبُ [الإفصاح] (1) وجهاً بعيداً: أن ما كان كذلك، فهو محسوب من النفاس، حتى يعتبرَ ابتداؤه منه، وهذا غير معتدٍّ به في المذهب. نعم، ظهر اختلاف أصحابنا في أنّ الولد إذا بدا، وظهر مع ظهوره الدمُ، فهل يعدُ ذلك من النفاس أم لا يثبت حكمُ النفاس ما لم ينفصل [الولد] (2)؟ هذا فيه خلاف مشهور، ووجه الاحتمال فيه ظاهر.
فرع:
632 - ذكر الشيخ أبو حامد: أن الدم إذا رأته الحامل، ووقع الحكم بكونه حيضاًً، وإن اتصلت الولادة والنفاس به تفريعاً على أحد الوجهين، فلو رأت النفاس بعد الولد ستين يوماًً، ولم ينقطع الدم، قال: فأحسب [الدمَ] (3) بعد الستين حيضاً، وإن لم يتخلل بين منتهى النفاس، وبين الحيض طهرٌ، قياساً على ما لو تقدّم الحيضُ على النفاس واتصل به، ولم يتخلل بينهما طهر كامل، فجعل تقدُّم الحيض على النفاس من غير تخلل طهرٍ كتأخر الحيض واتصاله بآخر النفاس.
وهذا متروك عليه. والقياس الذي ذكره غير منتظم؛ فإن الدم المتقدم يتقوّى بتخلل الولادة، واعتقاد أن الولادة إذا تخللت، فهي أقوى من الطهر يتخلّل، وهذا المعنى لا يتحقق في اتصال الدّم بآخر النفاس؛ فإنّ جريان النفاس الكامل يتضمن فراغَ الرحم عن دم الحيض، [فإذا] (4) كان تقدّمُ الحيضِ الكامل ثَمَّ يستدعي تخللَ طهر، فتقدم النفاس الكامل لأنْ يقتضي ذلك أولى وأحرى.
__________
(1) في الأصل: التلخيص. والمثبت من (ت 1) وصاحب الإِفصاح غير صاحب التلخيص، فصاحب التلخيص هو ابن القاصّ أبو العباس المتوفى سنة 335 هـ، وأما صاحب الإِفصاح، فهو أبو علي الطبري، المتوفى سنة 350 هـ والمرجح هنا أنه صاحب الإِفصاح، كما نسبه إِليه الرافعي في الشرح الكبير: 2/ 579، وكذا حكاه عنه النووي في المجموع: 2/ 521. وفي (ل): الإِفصاح.
(2) زيادة من (ت 1)، (ل).
(3) زيادة من (ت 1)، (ل).
(4) في الأصل: إِذا كان تقدّم الحيض ... (بدون فاء)، والمثبت من (ل).

(1/447)


وذكر بعض أصحابنا وجهاً آخر ضعيفاً، قد يرجع إلى ما ذكره أبو حامد، و [ذلك] (1) أنه قال: إذا كانت تحيض خمسةً، وتطهر خمسةً وعشرين، فرأت خمسةً دماًً، ثم ولدت، فنحسب لها من أول النفاس خمسة وعشرين في تقدير الطهر، وإن لم يكن طهراً، ثم نُقدِّرُ خمسةً دمَ حيض، وإن كانت نفاساً، وقد انقضى في هذين التقديرين ثلاثون يوماًً من النفاس، ثم نحسب خمسة وعشرين في تقدير الطهر، ثم نحسب خمسة حيضاًً تقديراً، وقد تمّ أكثر النفاس. ثم نحسب بعد ذلك خمسة وعشرين طهراً تحقيقاً، ثم يعود الحيض المحقق.
وهذا تقدير لا [مُستندَ له ولا ثَبَت] (2).
ثم قد تؤدي بعض الصور في قياسه إلى عين مذهب أبي حامد، وذلك بأن يفرض حيضَ المرأة خمسة، وطهرها خمسةً وعشرين، ويقدّر أمَدَ النفاس المعتاد خمسةً وأربعين، ثم يفرض رؤية الخمسة قبل الولادة بعشرة أيام، فيحسب تلك العشرة، ويحسب من مدة النفاس خمسة (3 عشر، ثم يحسب خمسة 3) في تقدير الحيض، وقد مضى من أمد النفاس عشرون يوماًً، ثم يحسب الطهر خمسة وعشرين، وقد مضى زمان النفاس. وهذا هو المحكي عن أبي حامدٍ، وهو مزيّف متروك عليه.
فرع:
633 - إذا ولدت المرأة، ولم تر على أثر الولادة دماًً أياماً، ثم استرسل الدمُ، فابتداء مدّة النفاس يحسب من وقت الولادة، أو من وقت رؤية الدم؟ اختلف فيه الأئمة: فمنهم من قال: هو محسوب من وقت رؤية الدم؛ فإنه النفاس حقاً، ومنهم من قال: هو محسوبٌ من وقت الولادة، وهذا الخلاف فيه إذا لم يتخلل بين الولادة وبين الدم طهرٌ كامل، فإن تخلل، فسيأتي ذلك بعد هذا.
فهذا تمام المراد في إيضاح مضمون الفصول الثلاثة. مع ما يتعلق بها ويتشعب عنها.
__________
(1) في الأصل: وذكر. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: لا يستد له، ولا يثبت. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(3) ما بين القوسين ساقط من (ت 1).

(1/448)


[اتصال الاستحاضة بالنفاس] (1)
ونحن الآن نذكر تفصيل القول في اتصال الاستحاضة بالنفاس، ونشير إلى المستحاضات الأربع، في حكم النفاس
ونبدأ بالمعتادة.
[المعتادة] (2)
634 - فنقول: إذا ولدت المرأة مرتين فصاعداً، وكانت تُنفَس أربعين يوماً، فولدت مرة ونُفست، وكان يتوقع انقطاع الدم على الأربعين، فزاد الدمُ وتمادى، فهي مأمورة بالتربّص، وترك ما يتركه الحُيّض، فإن انقطع على الستين، فالكل نفاس، وإن زاد على الستين، فقد بان أنها مستحاضة، ونردّها إلى عادتها القديمة، تبيناً واستناداً (3) ونستبين أن ما رأته وراء الأربعين دمَ فساد، كما سبق تقرير ذلك في أحكام
__________
(1) العنوان من عمل المحقق.
(2) العنوان من عمل المحقق.
(3) الاستناد عند الأصولِيين، هو أن يثبت الحكم في الزمان المتأخر، ويرجع القهقرى حتى يُحكم بثبوته في الزمان المتقدم، كالمغصوب: فإنه يملكه الغاصب بأداء الضمان، مستنداً إِلى وقت الغصب، حتى إِذا استولد الغاصب المغصوبة، فهلكت، فأدى الضمان، يثبت النسب من الغاصب. كذا في التوضيح، في فصل المأمور به المطلق والموقت.
واعلم أن الأحكام تثبت بطرق أربعة: الأول - الاقتصار، وهو أن يثبت الحكم عند حدوث علته، لا قبله ولا بعده، كما في تنجيز الطلاق، بأن قال: أنت طالق.
والثاني: الانقلاب، وهو صيرورة ما ليس بعلة علة، كما في تعليق الطلاق بالشرط، بأن قال: إِن دخلت الدار، فأنت طالق، فعند حدوث الشرط ينقلب ما ليس بعلة علة، يعني أن قوله: أنت طالق في صورة التعليق ليس بعلة قبل وجود الشرط، وهو دخول الدار، وإنما يتصف بالعلّية عند الدخول.
والثالث: الاستناد، وهو أن يثبت الحكم في الحال، بوجود الشرط في الحال، ثم يستند الحكم في الماضي بوجود السبب في الماضي، وذلك كالحكم في المضمونات، فإنها تملك عند أداء الضمان مستنداً إِلى وقت وجود سبب الضمان، وهو الغصب، وكالحكم في النصاب، فإنه تجب الزكاة عند تمام الحول بوجود الشرط عنده، مستنداً إِلى وقت وجود سبب الزكاة، وهو ملك النصاب. =

(1/449)


المعتادة في أدوار الحيض، ثم نحسب وراء الأربعين طهرها المعتاد في أدوار الحيض، ثم نحيّضها المقدارَ المعتاد، وندير عليها أدوارها، ويرجع ترتيب الكلام [إلى] (1) القول في المستحاضة المعتادة، [ونقدّر] (2) النفاس في أمده بمثابة حيضةٍ من الحيض، ثم نعتبر بعده الطهرَ، كما ذكرناه.
ويليق بمذهب أبي حامدٍ أن يقول: أحتسب بعد أمد النفاس حيضةً ثم طهراً؛ إذ لا يبعد عنده اتصال الحيض بالنفاس، كما سبق، وهو باطل غيرُ معتدٍّ به، وهذا إذا كان ثبت لها أمد النفاس قديماً، وتكررت الولادة.
فإن ولدت مرة واحدة، ونُفست أربعين وطهرت، ثم اتصلت الاستحاضة بالولادة الثانية، فهذا يخرّج على أن العادة هل تثبت بالمرة الواحدة؟ وهاهنا الأصح ثبوتها بها، فإن الاستمساك بالمرة الواحدة أولى من ردّها إلى [عماية] (3) الظنون، ونقدرها مبتدأة، كما سنذكر الآن.
[المبتدأة] (4)
635 - فأما المبتدأة، فهي التي كما (5) ولدت ونُفست استحيضت، وفيه قولان، كالقولين في أمر الحيض: أحدهما - أنها مردودة عند زيادة الدم على الستين إلى أقل
__________
= والرابع: التبين، وهو أن يظهر في الحال أن الحكم كان ثابتاً من قبل في الماضي بوجود علة الحكم والشرط كليهما في الماضي، مثل أن يقول في يوم الجمعة: إِن كان زيد في الدار، فأنت طالق، ثم تبين يوم السبت وجوده فيها يوم الجمعة، فوقع الطلاق في يوم الجمعة، ويعتبر ابتداء العدة فيه. لكن ظهر هذا الحكم يوم السبت. (هكذا في الأشباه وحاشية الحموي) عن (كشاف اصطلاحات الفنون: 3/ 647)
(1) في الأصل: " في ". والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) في الأصل: وتقديم النفاس، والمثبت من (ت 1)، (ل).
(3) في الأصل: غاية الظنون، والمثبت من (ت 1)، (ل).
(4) العنوان من عمل المحقق.
(5) (كما) بمعنى (لمّا)، كما هو واضح من السياق، وأحيانا تأتي بمعنى (كلما). ولما أعرف له وجهاً بعد. وأخيراً عرفنا أنها بمعنى (عندما) في استعمال الخراسانيين، وقد بيّنا ذلك من قبل.

(1/450)


النفاس بطريق التبيّن، وهو لحظة واحدة، وما وراءها استحاضة
والثاني - أنها مردودة إلى الغالب، وهو أربعون يوماًً.
ثم إن كانت معتادة في أدوار الحيض مبتدأة في النفاس، فإذا انقضى ما رددناها إليه من النفاس، حسبنا بعده طهراً من أطهارها، وعادت إلى أدوارها المعتادة. وإن كانت مبتدأة في الحيض، حسبنا نفاسها لحظةً، وجرينا على قياسنا في أمر طهر المبتدأة، كما [مضى] (1) مقرراً.
وذهب المزني إلى أن المبتدأة في النفاس مردودة إلى الأكثر، وهو ستون (2) يوماً.
وهذا مما انفرد به، وليس له أصل؛ فإنّه وافق أن المبتدأة في الحيض لا تردّ إلى أكثر الحيض، ولا فرق بين النفاس والحيض، ولم يخالف أن المعتادة في النفاس إذا استحيضت، فهي مردودة [إلى العادة قياساً، وليست مردودة] (3) إلى الأكثر.
فرع:
636 - إذا ولدت مرةً أو مراراً، ولم تُنفَس أصلاًً، ولم تر دماًً، ثم ولدت ونُفست، واستحيضت، فلسنا نرى ما مضى من حالها فيما تقدم عادةً، حتى نقول: لا نفاس لها، ردّاً إلى ما عُرف من أمرها مرةً أو مراراً، بل نجعلها إذا نُفست، واستحيضت، بمثابة مبتدأة تُنفس وتستحاض؛ فإنها مبتدأة في الصورة التي ذكرناها في النفاس، وإن لم تكن مبتدأة في الولادة، ونحن إنما نتبين النفاس وجريانه على اعتيادٍ أو ابتداء.
[المميزة] (4)
637 - فأما المميزة، فهي التي تُنفَس وترى دماًً قوياً، ثم ترى دماًً ضعيفاً، ويستمرُّ ويزيد على الستين، فيتبيّن بالأَخَرة أن نفاسَها الدمُ القوي، ثم إن اجتمع التمييز
__________
(1) في الأصل: جرى. والمثبت من (ت 1)، (ل).
(2) قال ابن أبي عصرون في مختصره: "هذا سهو في نقل مذهب المزني؛ فإِن أكثر النفاس عنده أربعون". يقول المحقق: ما نقله إِمام الحرمين هو المشهور من مذهب المزني، ونُقل عنه أيضاً أنه أربعون، وعده النووي في المجموع غريباً (ر. المجموع: 2/ 542، التنقيح للنووي، ومشكلات الوسيط للحموي، كلاهما بهامش الوسيط: 1/ 477).
(3) زيادة من (ل).
(4) العوان من عمل المحقق.

(1/451)


والعادة، ففيه الخلاف المشهور في أدوار الحيض.
فرع (1):
638 - المميزةُ في أحكام الحيض إذا رأت مرة الدم القويَّ، وبلغ أقلَّ الحيض، فصاعداً، ولم يزد على أكثر الحيض، وضعف الدم، وتحقّق أنها مستحاضة، ثم تمادى الدم الضعيف سنةً مثلاً، ولم يعد الدم القوي أصلاً، فالذي يقتضيه قياس التمييز والرد إليه أنها طاهرةٌ، وإن تمادى الدم سنين.
وقد يختلج في النفس استبعادٌ في الحكم بطهارتها، وهي ترى الدمَ دائماً. وسببُ أنّا لا نحيّضها [أنها] (2) رأت السواد يوم وليلة مرة واحدة، و [لو] (3) لم تره، لم تكن مميزة، وكان استمرار الدم بها يوجب أن يدور عليها الحيض على ترتيبٍ وأدوار رسمناها للمبتدأة، ولو تشوّفنا -وقد طال أمرُ الدم الضعيف- إلى تحييضها، فليس معنا مردٌ ضَابط في ذلك ننتهي إليه، وليس لأكثر الطهر ضبطٌ، فنتعلّقَ به. فهذا وجه التنبيه على إشكال الفرع.
وأنا أراه ملتفتاً على مسألة ذكرناها من كلام القفّال، في أن المرأة إذا حاضت، ثم طهرت، وتباعد حيضُها سنة أو سنتين، ثم عاودها الدمُ، وقلنا: العادة تثبت بالمرّة الواحدة، فلا نردها إلى الأمد الطويل في الطهر آخراً، إذا طَبَّق الدم عليها، بل نعتبر ثلاثة أشهر، وهو مدة العدة في حق الآيسة. وقد فصلتُ هذا وألحقته بالحاشية (4)؛ فلا يبعد أن نقول: إذا تمادى الدمُ الضعيفُ، فلا نُخلي ثلاثة أشهرٍ عن حيض، فظاهر القياس أنها طاهرة، وإن بلغ أمد الطهر الضعيف ما بلغ. والله أعلم.
[المتحيرة] (5)
639 - فأما المتحيرة في النفاس، فهي التي سبقت لها عاداتٌ قديمة فنسيتها، ثم ولدت ونُفست، واستحيضت قال الأئمة: هي في قولِ كالمبتدأة، وقد تفصّل
__________
(1) في (ل): فصل (بدلاً من فرع).
(2) في الأصل: إِذا والمثبت من (ت 1)، (ل).
(3) مزيدة من (ت 1)، ومختصر ابن أبي عصرون، ووجدناها في (ل).
(4) كذا، ولما نعرف المقصود بالحاشية بعدُ.
(5) العنوان من عملنا.

(1/452)


حكمها. وفي قولٍ نأمرها بالاحتياط، وذلك كلّه بعد أن يزيد الدمُ على الستين، فإذ ذاك ننعطف بالحكم، ونخرِّج الأمر على القولين. ثم [إذا] (1) كان تحيرُها في النفاس، وكانت ذاكرةً لعادتها في أدوار الحيض، فليس عليها ترتيب أدوار الحيض؛ فإنها لا تدري أنّ طهرها متى يقدر عودُه بعد منقرض النفاس، وينجرّ عليها من هذا إشكالٌ، لا يكاد يخفى تفريعه؛ فإن ترتيب الطهر والدور وإن أعضل، فإذا كانت ذاكرةً لمقدار الحيض، فتستفيد بذلك أحكاماً بيّنةً.
قلت: الصحيح في المتحيرة في أحكام الحيض الردُّ إلى الاحتياط، كما تقدم.
والسبب فيه أنا لا ندري مبتدأ دورها ولا سبيل إلى التحكم بإثبات مبتدأ لدورها من غير ثبت، فهذا هو الذي ورّط في الاحتياط.
وإذا ولدت ونُفست، فابتداء النفاس معلوم، فيظهر عندي جعلُها كالمبتدأة في النفاس، وإن كان يضعف ذلك في الحيض.
فهذا منتهى القول في ذلك.
640 - ومما يتعلق بأحكام النفاس أنه لو تقطّع الدم على النفساء، فكانت ترى يوماًً دماًً، ويوماًً نقاءً، فحكم التلفيق قد مضى مفصلاً.
والذي نجدده في أمر النّفاس أنّها لو طهرت في أيام النفاس خمسة عشر يوماًً، ثم عاد الدم في الستين، فقد اختلف أئمتنا في أن العائد نفاسٌ أم لا؟ فمنهم من قال: ليس بنفاس؛ لأنه انقطع وجرى طهرٌ كامل، ومنهم من قال: هو دم نفاس؛ لأنه في الستين.
فإن قلنا: إنه ليس بنفاس، فنقدّر الدم العائد حيضاًً.
وإن جعلنا الدمَ العائد نفاساً، وكنا نرى ترك التلفيق، فالذي صار إليه الأكثرون أن زمان النقاء حيضٌ، وإن بلغ خمسةَ عشر.
ومن أصحابنا من قال: وإن كنا نرى ترك التلفيق، فنقضي بأنها طاهرة في الخمسة عشر ونستثني هذه الصورة في التفريع على هذا القول.
__________
(1) زيادة من (ت 1)، (ل).

(1/453)


641 - ومما يتصل بذلك أن المرأة إذا ولدت، ولم تر الدم خمسة عشر يوماً، ثم رأت الدمَ، فهذا يخرّج على الخلاف المذكور.
ففي وجهٍ نقول: هي نفساء؛ لوقوع الدم في الستين.
وفي وجهٍ نقول: هي ذاتُ جفاف، لم تُنفس، والذي رأته من الدم حيض.
فهذا تمام البيان في ذلك.
642 - وقد ذكر الصيدلاني في تخللِ طهرٍ كامل في الستين تفصيلاً حسناً، فقال: إن عاد الدم في الستين، ثم انقطع على الستين، فالوجهان في أنّ العائد نفاسٌ أم لا في هذه الصورة، فأمّا إذا جاوز الدمُ الستينَ، وصارت مستحاضة، فالذي يعود بعد الخمسةَ عشَر ليس بنفاس وجهاً واحداً، وإنما هو حيضٌ.
ولا وجه عندي إلا ما ذكره، وما أطلقه الأئمة منزل على هذا التفصيل قطعاً.
والله أعلم (1).
...
__________
(1) تم بحمد الله وعونه وتوفيقه
الجزء الأول من نهاية المطلب
بتجزئة محققه. حيث اختلفت التجزئة في نسخ المخطوطات اختلافاً متبايناً بلغت معه سبعة وثلاثين جزءاً في بعض النسخ، وفي غيرها كانت نحو أربعة عشر جزءاً.
ومن المفارقات أنه لم تنته أية نسخة عند نهاية كتاب الطهارة، كما قدرنا.
والله الموفق والهادي إلى الصواب

(1/454)


نهاية المطلب
في دراية المذهب
لإمام الحرمين
عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني
رحمه الله تعالى
(419 - 478 هـ)
حققه وصنع فهارسه
أ. د عبد العظيم محمود الديب
الجزء الثاني
الصلاة الجمعة
صلاة العيدين صلاة الخسوف
دار المنهاج

(2/1)


الفقه صعب مرامه، شديد مراسه، لا يعطي مقاده لكل أحد ولا ينساق لكل طالب، ولا يلين في كل يد، بل لا يلين إلا لمن أيد بنور الله في بصره وبصيرته، ولطف منه في عقيدته وسريرته.
الإمام أبو المظفر السمعاني
المتوفي سنة 489 هـ

(2/4)