نهاية المطلب في دراية المذهب

كتاب الوصايا (1)
6581 - كانت الوصية واجبةً بجميع المال للأقربين في ابتداء الإسلام، ثم نسخ وجوبها بآية المواريث، وبقي جواز الوصية لمن لا يرث.
والأصل في ذلك حديث سعد بن أبي وقاص، وهو ما روي أنه مرض بمكة، وثقل مرضه، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً، فقال سعد: " وأُخلّف هاهنا يا رسول الله، إني أموت، فيبطل ثواب هجرتي "، وكان المهاجرون يتحرزون من الإقامة بمكة، ولا يؤثرون الموت بها، ولا يُلفى بالحرم قبرُ صحابي، فقال صلى الله عليه وسلم: " إنك ستعيش حتى ينتفع بك أقوام، ويتضرر بك آخرون، لكن البائس سعد بن خولة ". قال سعدُ بنُ أبي وقاص: " فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرثيه، ويرق له: أن مات بمكة "، قال سعد: يا رسول الله، لا يرثني إلا بنت، وهي مني بخير، أفأوصي بجميع مالي، فقال: " لا ". فقال: أفأوصي بثلثي مالي، فقال: " لا ". فقال: أو أوصي بشطر مالي، فقال: " لا ". فقال: أو أوصي بثلث مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: " الثلثُ. والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتكَ أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس " (2).
فمحل الوصايا في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله أعطاكم في آخر أعماركم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " (3).
__________
(1) يبدأ العمل من هنا بالاعتماد على نسخة وحيدة، وهي على جودتها كثر فيها تصحيف الأعداد الحسابية، وبخاصة بين (سبع) و (تسع).
(2) حديث سعد بن أبي وقاص، متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان: 399 ح 1053.
(3) حديث: " إن الله أعطاكم في آخر أعماركم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " رواه الدارقطني =

(10/5)


وحديث عمران بن حصين معروف في الأنصاري الذي أعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم (1).
6582 - ثم قال علماؤنا: المستحب أن ينقص الموصي من الثلث قليلاً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث، حيث قال: " والثلث كثير ".
وعن علي: " لأن أوصي بخُمس مالي أحب إليّ من أن أوصي بربع مالي، ولأن أوصي بربع مالي أحب إليّ من أوصي بثلث مالي " (2). ومن أوصى بثلث ماله لم يترك شيئاً.
فالوصية إذاً ثبت جوازُها، وبان محلُّها.
6583 - وعن عطاء أنه قال: " وجوب الوصية باقٍ في الثلث، ثم الواجب عنده أن يوصي بثلث الثلث للأجانب، وبثلثي الثلث للأقارب الذين لا يرثونه، ولو أوصى بجميع الثلث للأجانب، لم ينفذ في أكثر من ثلث الثلث " (3).
واحتج الشافعي عليه بحديث عمران بن حصين في عتق العبيد، [فإن] (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم نفَّذ العتق في الثلث منهم. ووجه الدليل بيّن.
__________
= عن معاذ، وأحمد عن أبي الدرداء، وابن ماجة والبزار عن أبي هريرة، وعنه البيهقي أيضاً.
وقال الحافظ: طرقه كلها ضعيفة ولكن يقوي بعضها بعضاً. وعند الألباني أنه ارتقى إلى الحسن بمجموع طرقه. (ر. مسند أحمد: 6/ 440، ابن ماجة: الوصايا، الوصية بالثلث، ح 2709، الدارقطني: 4/ 150، البيهقي: 6/ 269، وانظر إرواء الغليل: 6/ 77، والتلخيص: 3/ 194ح 1415).
(1) حديث عمران بن حصين رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي. (ر. مسلم: الأيمان، باب من أعتق شركاً له في عبد، ح 1668، وأبو داود: كتاب العتق، باب فيمن أعتق عبيداً له، ح 3960، والنسائي: الجنائز، باب الصلاة على من يحيف في وصيته، ح 1958، وانظر تلخيص الحبير: 3/ 200 ح 1423) ومحل الشاهد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفذ العتق في الثلث أي في عبدين، وردّه في أربعة.
(2) أثر علي رضي الله عنه (رواه البيهقي: 6/ 270، وانظر التلخيص: 3/ 205 ح 1439).
(3) أثر عطاء، لم نقف عليه.
(4) في الأصل: قال.

(10/6)


6584 - ثم إن الشافعي صدّر الكتاب بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما حق امرىء مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " (1)، وذكر للحديث تأويلين: أحدهما - أنه قال: يحتمل: من الحزم والاحتياط للمسلم ألا يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، قال: ويحتمل أنه أراد بهذا أمراً بالمعروف على طريق الأولى، وهذا قريب من الأول.
ثم ظاهر الحديث قد يوهم أنه لو كتب كتاب الوصية يكتفى بكتابته، ويعوّل على كتابه، وليس الأمر كذلك عند عامة العلماء، فلا بد وأن يشهد شاهدين عدلين ولا يكفي أن يشهدهما على ما في الكتاب من غير أن يطلعا عليه.
ومما شهر من هفوات بعض الأئمة، وهم من المنتمين إلى أصحابنا ما حكي أن الأمير نصرَ بنَ أحمد (2)، من أمراء خراسان، أراد أن يوصي بوصايا فيكتبها، فيُعمل بكتابه، فاستشار العلماء، فلم يفتوا له بذلك، فاستشار محمدَ بنَ نصر المروزي (3)، فأفتى له بالتعويل على كتابه إذا استوثق فيه، ووضعه على يد مأمون بمشهد أُمناء، واحتج بظاهر الحديث، فحظي عنده، وارتفع قدره.
وأجمع علماء الزمان على تخطئته.
ولا ينبغي أن يجيل الإنسان فكره في هذا الفصل؛ فإنه من أعظم أركان الشهادات وسيأتي القول فيه مستقصىً في موضعه، إن شاء الله تعالى.
6585 - ثم قال الأئمة: الوصايا على ثلاثة أقسام: وصية بعينٍ من الأعيان كالوصية بعبد، أو دابة، أو دار، أو نحوها.
ووصية بجزء شائع مضافٍ إلى المال، كالوصية بالثلث أو الربع، ونحوهما.
__________
(1) حديث: " ما حق امرىء مسلم ... " متفق عليه (ر. اللؤلؤ والمرجان: 399 ح 1052).
(2) الأمير نصر بن أحمد بن أسد بن سامان، مؤسس الإمارة السامانية، أصله من خراسان، كان عاقلاً، ديّناً، أديباً، يقول الشعر، ت 279 هـ. (ر. الأعلام للزركلي: 8/ 21، واللباب: 1/ 523).
(3) محمد بن نصر المروزي، من أصحاب الوجوه في المذهب، ت 294 هـ (سبقت ترجمته).

(10/7)


ووصية بمقدارٍ مقدر من غير ذكر جزئية منسوبة إلى المال، مثل الوصية بالألف، والألفين، ونحوهما. وهذا القسم يسمى الوصايا المرسلة.
ثم يلتحق بكل قسم من هذه الأقسام ألفاظ مبهمة تؤول إلى مقصود القسم، وهذا بمثابة الوصية بمثل نصيب الابن؛ فإنها ترجع إلى الوصية بجزء، كما سيأتي بيان ذلك.
6586 - والوصايا في الأقسام الثلاثة متساوية في اعتبارها من الثلث، فإن زادت على الثلث، وللموصي ورثة متعينون مختصون، فردُّوا الزيادة على الثلث، ارتدت.
وإن أجازوها، فقد اختلف قول الشافعي في الوصية بالزائد على الثلث؛ فقال في قولٍ: الوصية باطلة، لا سبيل إلى تنفيذها. فإن أرادوا (1) الورثة تحقيقَ قصد الموصي، احتاجوا إلى ابتداء هبة على شرطها، ولا يكون ما يبتدئونه محمولاً على الوصية، ولا مبنياً عليها، وسبيل الوارث فيه كسبيله لو ابتدأ هبةً من غير تقديم وصية.
والقول الثاني - أن الوصية بالزائد على الثلث منعقدة على الصحة، ولكن لزومها ونفوذها موقوف على رضا الورثة، فإن أجازوها، نفذت، ولزمت. وإن ردوها، ارتدت بعد الانعقاد.
وهذان القولان على هذا النظم ليسا منصوصين للشافعي، ولكنه أجرى القولين في الأحكام المتفرعة، فتحصل منها على القطع ترديد القول، على حسب ما ذكرناه.
التوجيه: من قال بانعقاد الوصية، قال: إنه تصرف في ملكه، فيجب انعقاد تصرفه، غيرَ أن حق الغير متعلق به، فوقف النفوذ على رضاه.
ومن قال بعدم انعقاد الوصية قال: تعلُّقُ حق الغير يمنع انعقادها، كما منع تصرُّفَ الراهن في المرهون.
6587 - التفريع على القولين: إن قلنا: إجازة الورثة تنفيذ وصية الموصي، فلا حاجة في الإلزام إلى إقباض الوارث؛ فإن ثبوت الملك في الوصية لا يستدعي القبض.
__________
(1) كذا، وهي على اللغة المعروفة " أكلوني البراغيث ".

(10/8)


وإن كان الوصيةُ عتقاً، فالولاء للموروث في الجميع: ما يحتمله الثلث، وما يزيد.
ويصح التنفيذ بلفظ الإجازة.
6588 - وإن قلنا: الإجازةُ ابتداء عطية، وليست تنفيذَ وصية، فلا بد من إقباضٍ، كما لا بد منه في الهبات؛ فإن ما يصدر من الوارث عين الهبة على هذا القول، وليس مشبهاً بها.
وإذا أوصى بعتق عبدٍ لا مال له غيره، فأجاز الوارث، فالولاء في الثلثين للوارث، والولاء في الثلث للموروث؛ فإنا نجعل الوارث معتقاً للثلثين على الابتداء.
وهل تتم العطية في الزائد على الثلث بلفظ الإجازة؟ فعلى وجهين على هذا القول: أحدهما - لا تصح العطية؛ فإنها مبتدأة حكماً، والإجازة تشعر بتنفيذ الوصية المتقدمة.
والوجه الثاني - أنها تصح؛ فإن العطية وإن كانت مبتدأة، فلها تعلقٌ بما تقدم، والعبارة صالحة لتحصيل الغرض.
وهذا الخلاف مأخوذ من أصلٍ قررناه مراراً، وهو الاعتبار بالمعنى أم باللفظ في أمثال ذلك.
وفي نص الشافعي ما يدل في كتاب الصداق على أن الزوج إذا طلق زوجته قبل المسيس، ثم أراد ألا يسترد منها شيئاً، فقال: عفوت عن النصف الذي يرتد إليّ، كان هذا تمليكاً. وإن كان في عينٍ. وسنذكر هذا مستقصىً في موضعه؛ فإن لفظ الشافعي متأوّل عند معظم الأصحاب.
فإن قيل: إذا أوصى بعتق عبدٍ، لا مال له غيره، أو أعتقه تنجيزاً في مرض موته، وكان لا يرثه إلا ابن واحد، فإذا نفّذ الوصية، فهل لإضافة الولاء إلى الميت مزيد فائدة، والغرض من الولاء، التوريث به، ولا وارث للميت إلا هذا الشخص الواحد؟
قلنا: تظهر فائدة ما قلناه فيه إذا كان الميت معتقاً لرجل، والوارث معتِقاً لرجل

(10/9)


آخر، فإذا جرى التنفيذ على ما ذكرناه، فإذا مات الوارث، ثم مات المعتَق الذي نفّذ الوارث العتق فيه، وكان معتَق الموروث الأول ومعتَق هذا الوارث حيين باقيين، فإن قلنا: الولاء كله للموروث الأول، فمالُ المعتَق الموصَى بعتقه مصروف إلى معتَق الموصي، وإلا فالثلث له والثلثان لمعتَق الوارث.
6589 - ثم من مات وليس له وارث خاص، فالمسلمون ورثته، فلو أوصى وزادت وصيته على الثلث، فالوصية بالزائد على الثلث غير منفذة، كما إذا أوصى وزاد وله ورثة متعينون مخلَصون، خلافاً لأبي حنيفة (1)؛ فإنه قال: إذا أوصى بجميع ماله، لزمت وصيتُه، ونفذت، ولا مردّ لشيء منها.
وحقيقة هذه المسألة تستند عندنا إلى أن الصرف إلى المصالح سبيله سبيل التوريث، وقد قررنا هذا في الأساليب. فلو أوصى من ليس له وارث خاص، وزاد، فلو أراد الإمام أن يجيز وصيته في الزائد، فإن جعلنا الإجازةَ من الوارث الخاص ابتداءَ عطية، فلا معنى له من الوارث، فما الظن بالإمام؟ ولكن الإمام إن أراد على حكم النظر والمصلحة أن يبتدىء صرف الزائد إلى تلك المصارف، لم يمنع ذلك.
وإن قلنا: الإجازة من الوارث تنفيذ للوصية، فقد اختلف جواب القاضي في هذا فقال مرة: إن وافق التنفيذ المصلحة، لم يبعد أن يجوز للإمام التنفيذ، ويكون شرط المصلحة في هذا المقام بمثابة الرضا من الوارث، وقال مرة: لا يجيز الإمام ولا يتصور الإجازة في هذه المنزلة.
وإن قلنا: الإجازة من الوارث الخاص تنفيذ، فإن وجوه المصالح لا تنضبط، فالوجه حسم الباب، وقطعُ أثر الوصية بالزائد بالكلية؛ فإن التنفيذ من الوارث موقوف على إرادته وهذا هو المعهود في إجازة العقود الموقوفة على رضا المجيزين، فأما ما يتوقف على المصلحة ولا ضبط لها، فلا يتجه فيها التنفيذ.
والمسألة محتملة.
6590 - ولعل الظاهر تجويز التنفيذ على حسب المصلحة.
__________
(1) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 35 مسألة 2188.

(10/10)


ثم إذا جرينا على جواز التنفيذ، فيتصور حالتان: إحداهما - ألا تتصور مصلحة أولى مما اشتملت الوصية عليه، فإن كان كذلك، فلا حاجة إلى التنفيذ، ولكن لا بد وأن يظهر للإمام ذلك، وهذا كإظهار القضاء عند قيام ما يوجبه؛ إذ ليس القضاء عندنا موجباً أمراً على سبيل الابتداء.
والحالة الثانية - أن يتصور مصلحة تماثل ما أوصى به، وكان الإمام لولا الوصية يتخير عند تماثل الجهات في صرف هذا المال إلى أيتها شاء، فإذا تصور من المسألة كذلك، فهل يتعين على الإمام التنفيذ؟ أم له نقض تلك الوصية، ثم هو على نظره في تعيين الجهات؟ هذا فيه تردد يسبق إلى الفهم.
والوجه: القطع برد الأمر إلى رأي الإمام. والعلم عند الله تعالى.
6591 - ومما نذكره في تصدير الكتاب، الوصية للوارث وفيها طريقان للأئمة: منهم من قطع ببطلانها، ومنهم من نزّل الوصيةَ للوراث منزلة الوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، وقد مضى اختلاف القول فيه، وستأتي الوصية للوارث مفصلة في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
فصل
قال الشافعي: " ولو أوصى بمثل نصيب ابنه ... إلى آخره " (1).
6592 - ذكر الشافعي الوصية بمثل نصيب الورثة، ثم ذكر الوصية بجزءٍ شائع من المال، ونحن نرى في تقريب التفهيم أن نذكر الوصية بالجزءِ الشائع أولاً، ثم نذكر الوصية بالنصيب. فإذا انتجز القول في هذين الفصلين مفردين، فننتهي بعد ذلك إلى الجمع بين الوصية بالنصيب وبين الوصية بالجزءِ، وعند ذلك نقف، وننكف عن الخوض في فقه الكتاب، ونذكر قاعدةَ الجبر والمقابلة، على مراسم علماء الحساب، ونتعدى قليلاً حدودَ الفقهاء، ونتشوف بعون الله تعالى وحسن توفيقه إلى تسهيل الطريق على الناظر في جميع المسائل الحسابية المتعلقة بالوصايا والدَّوْر، والمعاملات،
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 159.

(10/11)


والعين، والدين، ولا نغادر مسألة تتعلق بالحساب إلا نأتي بها في أبوابٍ مرتبةٍ، وفصولٍ مفصلة، فتقع مسائل الوصايا جزءاً مما نحاول. ونحن في ذلك كله نبرأ إلى الله تعالى من حولنا وقوتنا، ونستعين به.
فنبدأ بالوصية بالجزء؛ فإن العمل فيها يداني العمل في مسائل الفرائض، ولا يحتاج المستخرج إلى أصلٍ، لم نمهده في حساب الفرائض.
6593 - فإذا أوصى بجزءٍ شائع، وله ورثة، فالطريقة المثلى أن نصحح فريضة الميراث بطريق تصحيحها، [أَحْوَجَتْ] (1) إلى التصحيح، أو صحت من أصلها، عالت أوْ لم تَعُل، ثم نجعل جزءَ الوصية فريضةً برأسها، ونخرج الوصية، وننظر إلى ما بقي من فريضة الوصية.
فإن كانت تلك البقية تنقسم على فريضة الورثة، فبها ونعمت.
وإن لم تنقسم تلك البقية على فريضة الورثة، فإن لم توافق تلك البقية فريضة الورثة، ضربنا فريضة الميراث في فريضة الوصية، فما بلغ، فمنه يصح حساب الوصية والميراث جميعاً.
وإن وافقت تلك البقية فريضة الورثة بجزءٍ، أخذنا جزءَ الموافقة من فريضة الميراث، وضربناه في فريضة الوصية، فمنه يصح الحساب كله.
6594 - والجملةُ أنا نجعل فريضة الوصية مع فريضة الميراث بمثابة فريضتين في مسائل المناسخات، وفريضة الوصية أولاهما؛ فإن حق الوصية أن تُقدم في محلها، والباقي من جزء الوصية بمثابة سهام لبعض الورثة يموت عنها ويخلِّف ورثة.
وهذا القدر كاف، ولكنا نقيم مراسمَ الأصحاب في البيان والتمثيل. مثاله: أوصى لواحدٍ بربع ماله، وله ثلاثة من البنين.
فمسألة الوصية من أربعة، فتبقى ثلاثة أسهم من ثلاثة، فقد صحت الفريضتان من مسألة الوصية.
ولو أوصى بثلث ماله، ومات عن أبوين، وبنتين.
__________
(1) في الأصل: أخرجت.

(10/12)


ففريضة الوصية من ثلاثة، وفريضة الميراث من ستة، فنخرج الوصية من فريضة الوصية، وهو سهم من ثلاثة، بقي سهمان لا ينقسمان على ستة، وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب نصف الستة في فريضة الوصية، فتصير تسعة، فللموصى له ثلث المبلغ ولأهل الفرائض ستة.
6595 - وذكر بعضُ الحُسَّاب طريقة ثانية يسمونها طريقة النسبة، وهي حسنة جارية، وأمُّ الحساب النسبة، وهي التي تُخرج المجاهيل، وكل طريقة حُررت في تقريب الحساب، فهي متلقاة من نوع النسبة. وإذا جهلت النسبة، لم يخرج مجهول أصلاً.
وبيان الطريقة هاهنا: أن نصحح فريضة الميراث، كما ذكرناه، ونصحح فريضة الوصية، ثم نعطي من فريضة الوصيةِ الوصيةَ، ثم ننظر كيف نسبة هذا الذي أعطيتَ إلى ما بقّيت من فريضة الوصية، فبتلك النسبة زِدْ على فريضة الميراث إذا كانت فريضته لا تصح من بقية الوصية، فنقول في هذه المسألة: فريضة الميراث من ستة، وفريضة الوصية من ثلاثة أعط منها الثلث، وهو سهم، ثم انسب ذلك السهم إلى ما بقي وهو سهمان، فإذا هو نصفه، فزد على فريضة الميراث مثلَ نصفه فتصير تسعة، فمنه تصح.
6596 - فلو خلّف أبوين، وابنين، وأوصى بربع ماله لواحد، وسدس ماله لآخر، فنذكر إجازة الوصية الزائدة على الثلث، ثم نذكر الرد.
فإن أجاز الورثة الوصية بالزائد، فعلى الطريقة الأولى تصحح فريضة الميراث من ستة وفريضة الوصية من اثني عشر، فنعطي الوصيتين: لصاحب الربع ثلاثة ولصاحب السدس سهمان بقي سبعة، لا تنقسم على فريضة الميراث، ولا توافقها، فنضرب ستة في اثني عشر، فيرد اثنين وسبعين، فأعط صاحبَ الربع ثلاثة مضروبة في ستة، وهي ثمانية عشر، وصاحب السدس اثنين في ستة، وهو اثنا عشر. بقي اثنان وأربعون سهماً، تنقسم على فريضة الميراث لا محالة.
وعلى طريقة النسبة نخرج للوصيتين خمسة، فبقي سبعة، فتنسب الخمسة إلى السبعة، فإذا هي خمسة الأسباع، فرد على فريضة الميراث خمسة أسباعها، وخمسةُ

(10/13)


أسباعِ ستةٍ (1) ثلاثون سُبعاً، فنبسط الكل أسباعاً؛ تبلغ اثنين وسبعين، وتلتقي الطريقتان. هذا إذا أجاز الورثةُ الوصيةَ بالزائد على الثلث.
6597 - فإن لم يجيزوا إلا الثلثَ، فاقسم الثلث بين صاحبي الوصيتين على قدر حقهما أخماساً، لأن الربع والسُدس خمسة من اثني عشر، فيضرِب صاحبُ الربع بثلاثة أسهم، وصاحب السدس بسهمين.
وإن كان الثلث خمسة، فجميع المسألة خمسة عشر، وإذا أخرجنا الثلث بقي عشرة، لا تنقسم على فريضة الميراث وبينهما موافقة بالنصف، فاضرب نصف الستة، وهو ثلاثة في خمسة عشر، فتردّ خمسةً وأربعين للموصى له بالربع تسعة، وللموصى له بالسدس ستة، ويبقى للورثة ثلاثون، تنقسم على ستة.
وعلى طريقة النسبة عند الرد زِدْ على فريضة الميراث، وهي ستة مثلَ نصفها؛ لتكون الزيادة ثلث الجميع، وذلك تسعة، فاقسم تلك الزيادة بين صاحبي الوصيتين أخماساً، فثلاثةُ أخماس (ثلاثةٍ) تسعةُ أخماس، وهي واحد وأربعة أخماس، فهذا للموصى له بالربع، والباقي وهو ستة أخماس، وهي واحد وخُمس للموصى له بالسدس.
ثم ابسط الجميع وهو تسعة على مخرج الخُمس، فتصير خمسة وأربعين.
6598 - صورة أخرى: أوصى لواحدٍ بالربع، ولآخر بالثلث، وفريضة الميراث، كما ذكرنا، فمسألة الوصية من اثني عشر، فنقول: قصارى الحساب يؤول إلى ستة في اثني عشر، فإنك إذا أخرجت الثلث من اثني عشر، وهو أربعة، وأخرجت الربع، وهو ثلاثة، فتبقى خمسة لا تستقيم على فريضة الميراث، ولا توافق، فنضرب ستة في اثني عشر، فيردّ اثنين وسبعين، فتصح الفريضتان.
وعلى الطريقة الثانية: أخرجنا من اثني عشر عند الإجازة أربعة وثلاثة، فالمجموع سبعة، والباقي خمسة، فننسب ما أعطينا إلى ما بقَّينا، فإذاً المخرَج مثلُ الباقي، ومثلُ خُمْسَيه، فزد على فريضة الميراث وهي ستة مثلَها، ومثل خمسيها، فمثلها
__________
(1) في الأصل: ستة وثلاثون.

(10/14)


ستة، ومثل خمسيها اثنان وخمسان، فذلك أربعةَ عشرَ وخمسان، فابسط ذلك على مخرج الخمس، فيبلغ اثنين وسبعين، فتلتقي الطريقتان.
وإن فرضنا الرد، لم يخفَ طردُ الطريقتين، وتقريرُهما على القياس الذي مهدناه، وهذا هيّن على من أحكم ما قدمناه من أصول الحساب في الفرائض.
هذا بيان الوصية بالجزءِ والجزأين والأجزاء، في صورة الانحصار في الثلث، والزيادة عليه، وفي حالتي الإجازة والرد إذا زادت الوصية.
6599 - فأما القول في الوصية بمثل نصيب وارث، فنقول: إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لواحد، وله ابن واحد، لا وارث له غيره، فهذه وصية بنصف المال. إن أجازها الوارث، فإن ردّها، فالزيادة على الثلث مردودة، والوصية قارّةٌ في الثلث، ومخرج ذلك أن الابن يستحق كلَّ المال إذا لم تكن وصية، فإذا قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، فقد أوصى له في الحقيقة بكل المال على وجهٍ لا يتضمن حرمان الابن وإخراجه من الوراثة، فإذا قال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب ابني، فكأنه نزّلهما منزلةً واحدة، وموجبُ قوله يتضمن استواءهما. وكان الموصى له في تقدير ابنٍ ثانٍ، وهذا مذهب أبي حنيفة (1).
وعبر بعضُ الأصحاب عن قاعدة المذهب، فقالوا: حق الابن من غير تقدير وصية الاستغراق، فإذا أحل الموصى له محلّه، فكأنه أثبت له كلَّ المال، مع الكل الثابت بالإرث لولا الوصية، وإذا عال مبلغٌ بمثله، كان الزائد مثلَ المزيد عليه، وموجب ذلك الاشتراك لا محالة على الاستواء.
6600 - ولو قال الموصي: أوصيت لفلانٍ بنصيب ابني، وله ابن واحد، فالذي نقله الأئمة المعتبرون من أصحاب الشافعي أن الوصية بنصيب الابن بمثابة الوصية بمثل نصيب الابن، وهذا هو الذي نقله الفرضيون المتظاهرون بعلم الحساب، منهم الأستاذ أبو منصور وغيرُه، وحكَوْا عن أبي حنيفة (1) أنه أبطل الوصية إذا قال الموصي: أوصيت لفلانٍ بنصيب ابني، وزعم أن هذه الصيغة فاسدة؛ من جهة أنها تقتضي وصية
__________
(1) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 23 مسألة 2164، تبيين الحقائق: 6/ 188.

(10/15)


بمستحق، فإن نصيب الابن مستحَق له، والوصية بالمستحق باطلة، بمثابة الوصية بمال الغير.
هذا مذهب أبي حنيفة، وليس كما لو قال: أوصيت [بمثل] (1) نصيب ابني، فإن لفظ الوصية يشعر بكون الموصَى به مغايراً للنصيب المعتبر زائداً عليه؛ فإن مثل الشيء غيرُه لا محالة.
وأقام الأئمة مسألة خلافية مع أبي حنيفة وأجرَوْا في أثناء الاحتجاج مسألة مستفادة من مسائل المعاملات، وهي أن الرجل إذا قال لمن يعامله: بعتك داري هذه بما باع به فلان عبده، وكانا عالمين بالمبلغ الذي باع به فلان عبده، فالبيع يصح، وإن كان لفظه مضافاً إلى ما باع به فلان عبده، وهو مستحق في بيع ذلك الإنسان، ولكن المقصود من العبارة البيع بمثل ما باع به فلان عبده، فإن سلم أبو حنيفة هذا، قامت الحجة عليه مع ترجيح ظاهر؛ فإنا قد نحتمل في الوصايا ما لا نحتمله في البيع، كما سيأتي ذلك مشروحاً في المسائل، إن شاء الله تعالى.
فإن منع أبو حنيفة المسألة، لم يضرنا منعُه إياها، مع علمنا بجريان هذه العبارة واطرادها، والمراد البيع بمثل ما باع به فلان، وهذا له مزيد اتجاه على رأي أبي حنيفة، فإنه يحمل العقود على الصحة، إذا وجد لها محملاً.
هذا هو المنقول عن أئمة المذهب.
6601 - وذكر العراقيون في طريقهم أن الوصية بالنصيب باطلة، كما صار إليه أبو حنيفة، وذكروا هذا ذِكْر من بلغه في نقل المذهب غيرُه، ولكنهم زينوه (2)، وقطعوا بما ذكروه، ولم يصححوا إلا الوصيةَ بمثل النصيب، وسلكوا في تعليل ما ذهبوا إليه مسلك أبي حنيفة بعينه.
ثم قالوا: لا يُلفى للشافعي في المختصر وفي غيره من الكتب التعرضُ للوصية
__________
(1) في الأصل: " بنصيب ابن "، والمثبت تقدير من المحقق رعاية للسياق.
(2) أي زَيَّنوا هذا الغير الذي نقلوه.

(10/16)


بالنصيب، لكنه [يُقَيّدٍ] (1) كلامَه، رضي الله عنه في جميع مسائل هذا الأصل بالوصية بمثل النصيب.
وزعموا أن [من] (2) ألحق الوصية بالنصيب بالوصية بمثل النصيب، فليس ناقلاً مذهبَ الشافعي عن نص، وإنما هو مُتقوِّل عليه عن قياسٍ، ولا شك أنهم على هذه الطريقة لا يصححون بيعَ الرجل بما باع به فلان عبده، ويشترطون في البيع بهذه الجهة أن يقول: بعتك داري هذه بمثل ما باع به فلانٌ عبده؛ فإن الفساد إلى البيع أسرع في هذه المعاني منه إلى الوصية؛ ولذلك لا يصح البيع مع إبهام المبيع، مثل أن يقول البائع: بعتك عبداً من عبيدي، والوصية تصح على هذه الصيغة مع إبهام الموصى به.
هذا كلامهم، وهو مباين لما عرفه علماؤنا من مذهب الشافعي. ولست أرى الاعتداد بما قالوه، بل الوجه القطع في مذهب الشافعي بأن الوصية بالنصيب، كالوصية بمثل النصيب.
6602 - فإذا انتجز الفراغ من هذا، عدنا إلى ترتيب المذهب مع نقل المشاهير من مذهب العلماء.
قال مالك (3): من أوصى لرجل بنصيب ابنه، أو بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد، فمقتضى الوصية الاستغراق، وكأنه أوصى له بجميع ماله، فإن أجيزت، نفذت على هذا الوجه.
وغيره من العلماء قالوا: الوصية بمثل نصيب الابن ليست مستغرِقة، وإنما هي مشتركة على الاستواء، كما قدمناه.
وعبر المعبرون عن مذهب الإمامين مالك والشافعي، فقالوا: مالك يعتبر النصيب بنصيب الابن قبل الوصية، ثم حق الابن الاستغراق إذا لم تكن وصية. والشافعي يعتبر الوصية مع ثبوت الابن، ومقتضى ذلك التشريك.
وقال شَريك، والحسنُ بن زياد اللؤلؤي: إن أوصى بمثل نصيب الابن، فهو
__________
(1) في الأصل: يفيد. (بالفاء).
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: 2/ 1006، 1007 مسألة 2053، 2054.

(10/17)


وصية بالنصف، كما قال الشافعي وإن أوصى بنصيب الابن، فهو وصية بجميع المال، كما صار إليه مالك.
6603 - ثم إنا نمهد بعد ذلك قاعدة المذهب، ونطرده على وجهه، وننعطف على (1) التمهيد على ذكر مسائلَ ذكرها الأستاذ أبو منصور، ونقل في بعضها تخريجات لابن سريج، ليس يعرفها فقهاء المذهب. فنقول:
إذا كان للرجل ابنان، فأوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الابنين، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أن هذه وصية بثلث المال؛ فإن ذلك تقرير الابنين على أصل الاستحقاق، وتنزيل الموصى له منزلة ابن ثالث، حتى يشتركوا على استواء، ومن فهم التنصيف [والابنُ] (2) واحد، لم يخف عليه التثليث وفي المسألة ابنان، إذا وقعت الوصية بنصيب أحدهما.
فالوجه على مذهب الشافعي وغيرِه من العلماء أن نقيم فريضة الميراث بين الابنين، ثم نزيد في الفريضة مثلَ نصيب أحدهما، ونعود فنقسم التركة على هذه النسبة بين جهة الوصية والميراث.
فإذا كان في المسألة ابنان، فالميراث دون الوصية يقام من سهمين، فتمسك نسبَهما (3) وتزيد سهماً.
وقال مالك: الوصية بنصيب أحد الابنين وصية بالنصف، وهذا بناه على أصله في أن الوصية معتبرة بنصيب من ذكر نصيبه قبل الوصية، ونصيب أحد الابنين النصف، إذا لم تكن وصية.
والشافعي يعتبر تقدير الابنين والتشريك معهما، وتنزيل الموصى له منزلة ابن ثالث.
__________
(1) كذا. ولعلها: بعد التمهيد.
(2) وفي الأصل: فالابن. والمثبت تقدير من المحقق.
(3) تُمْسك نسبَهم: المراد تعرف نسبة السهمين وقسمة التركة عليهما، ثم تزيد ثالثاً، لتقسم على ثلاثة.

(10/18)


فإن كان له ثلاثة بنين، فأوصى لإنسان بمثل نصيب أحد البنين، فالوصية بالربع عند الشافعي، والموصى له بمثابة ابن رابع.
وعند مالك الوصية بالثلث.
ولو كان له بنت وعصبة، وأوصى لواحد بمثل نصيب البنت، فللموصى له الثلث، فإنا نقيمه مقام بنت أخرى لو كانت.
ولو كان في المسألة بنتان وعصبة، لكنا (1) نصرف إلى البنتين الثلثين والباقي إلى العصبة.
6604 - وقد تقع فرائض فيها مقدَّرات، ونفرض الوصية بمثل نصيب بعض الورثة، فأصل مذهبنا وقياسه أن نقيم فريضة الميراث، ونصححها، عائلة وغير عائلة، من غير وصية، ثم نتبين نصيب من أضيفت الوصية إلى نصيبه، ونزيد في المسألة مثل ذلك، ونعيد القسمة.
فإذا كان له ثلاث بنات، وعصبة، فأوصى لواحد بمثل نصيب إحدى بناته، ففريضة الميراث من غير وصية من تسعة، لكل واحدة من البنات سهمان، فتزيد على التسعة سهمين للموصى له، فتصير الفريضة الجامعة للنصيب والميراث من إحدى عشر.
ولو كان له بنت وثلاثة بنين، فأوصى لواحدٍ بمثل نصيب البنت، ففريضة الميراث من سبعة، للبنت سهم واحد، فنزيد للوصية سهماً آخر، فتقع الوصية من ثمانٍ، ونعيد القسمة من ثمانية: للوصية سهم، والباقي بين البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين.
6605 - ولو أوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الورثة، والفريضة مشتملة على أصناف من الورثة وحصصهم مختلفة، فالوصية منزّلة على أقل الأنصباء، وهذا من أقطاب كتاب الوصية، وسيأتي مشروحاً في المسائل.
فلو أوصى لإنسان بمثل نصيب أحد الورثة، وكان في المسألة: بنت، وعشر أخوات، فإنا نقيم فريضة الميراث من اثنين، ثم نصححها من عشرين، فنتبين أن
__________
(1) في الأصل: ولكنا.

(10/19)


نصيب كل أخت سهم من عشرين سهماً، فنقيم الفريضة الجامعة من أحد وعشرين.
ولو كانت له عشر بنات، وأخت، فأوصى لإنسان بنصيب إحدى بناته، ففريضة الميراث من ثلاثة، ثم بالتصحيح تبلغ خمسة عشر، لكل بنت منها سهم، فنزيد للوصية فيها سهماً آخر، ونجعل الفريضة الجامعة من ستة عشر، للوصية واحد، ولكل بنت واحد، وللأخت خمسة.
ولو كان للرجل أربع زوجات، وأولاد، فأوصى بمثل نصيب زوجة، فنقيم فريضة الميراث ونفُضّ الثمنَ فيها على أربع زوجات، ثم نزيد للوصية بمثل نصيب زوجة، ولا مبالاة بتقدير زوجة خامسة، وإن كان ذلك غيرَ سائغ تحقيقاً؛ فإن الوصايا تنزل على الأقدار، لا على حقائق الوقائع، وهذا بمثابة الوصية بمثل نصيب الأم، فالوجه تقدير أم مع الأم، وهذا لا يقع وجوداً، والوصية منزلة على تقديره.
6606 - ومما يتعلق بصور الفصل أنه لو كان للرجل ابن، فأوصى لرجل بنصيب ابنٍ ثانٍ لو كان، فهذا بمثابة ما لو كان له ابنان، فأوصى لرجل بنصيب أحدهما فتقع الوصية بالملثلث.
ولو كان له ابنان، فقال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابنٍ ثالث لو كان، فهذه وصية بالربع والابن المقدر في حكم الوصية كالابن الموجود.
وهذا القياس يطرد في جميع الورثة على اختلاف أصنافهم لو قُدّروا.
ولو كان لرجلٍ ثلاثُ بنين وبنت، فقال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب بنت ثانية لو كانت، فالوجه أن نقيم فريضة الميراث على ثلاثة بنين وبنتين، ولو كانت، لصحت المسألة من ثمانية لكل ابن اثنان، ولكل بنت واحد، فنزيد الوصية سهماً تاسعاً، ونستبين أن الوصية وقعت بالتسع.
فهذا بيان الوصية بمثل نصيب وارث مقدر لو كان.
6607 - وحكى شيخي عن الأستاذ أبي إسحاق أنه كان يقول: إذا أوصى من له ابن بمثل نصيب ابن ثان لو كان، فهذا بمثابة الوصية بالنصف، وكأنه في الوصية أقام الموصى له مقام ابنٍ ثان، وعلى هذا لو كان له ابنان، فأوصى لرجل بمثل نصيب ابنٍ

(10/20)


ثالث لو كان، فالوصية بالثلث، وهي متضمنةٌ قيامَه مقام ابن ثالث، وليس كما لو قال: أوصيت لفلان بمثل نصيب ابني، فهذا يتضمن تشريكاً ومزاحمة، وسبيله (1) من ذِكْره.
وهذا الذي حكاه عن الأستاذ متجه من طريق المعنى مُخيل أخذاً من صيغة اللفظ، ولكنه ليس معدوداً من مذهب الشافعي، والأستاذ مسبوق فيه باتفاق الأصحاب على مخالفته.
فإن صار إلى مذهبه بعضُ المتقدمين، فهو مذهب من المذاهب، وليس معدوداً من مذهب الشافعي، وإن لم يوافق ما نقل عنه من مذهب المتقدمين، فلا نظن به على علو قدره مخالفةً للإجماع. ولعله ذكر ما ذكره إظهاراً لوجهٍ في الاحتمال من غير أن يعتقده مذهباً.
6608 - ولو خلّف الرجل بنتاً، وبنت ابن، وعصبة، وكان أوصى لرجل بنصيب أحد ولديه، فهذه الصيغة تتضمن إدراج ولد الابن في قضية لفظ الولدين، وقد ظهر اختلاف أصحابنا في أن اسم الولد على الإطلاق هل يتناول ولد الولد؟ وهذا قد قدمنا ذكره في الوقف، وسنعيده في مسائل الوصايا، إن شاء الله عز وجل.
وهذا في الإطلاق، فإذا وقع التصريح بإدراج ولد الولد في التثنية المشتملة على ولد الصلب وولد الابن، لم يكن إطلاق ذلك ممتنعاً على هذا الوجه.
فإذا تبين هذا، فالوصية بمثل نصيب أحدهما منزلةٌ على أقل النصيبين، ونصيب بنت الابن أقلُّ، فنزّلت الوصية عليه. وصارت المسألة مع ما فيها من الترديد بمثابة ما لو صرح بالتوصية بمثل نصيب بنت الابن في المسألة التي فرضناها، ولو صرح، لكنا نقيم فريضة الميراث أولاً، ونقول: للبنت النصف، وهو ثلاثة من ستة، ولبنت الابن السدس، وهو سهم من ستة، والباقي وهو سهمان للعصبة. فقد قامت فريضة الميراث من ستة، وبان أن لبنت الابن سهماً منها، فنزيد لمكان الوصية سهماً ونضمه إلى الستة، فالفريضة الجامعة للوصية والميراث من سبعة للموصى لهم سهم، والستة
__________
(1) كذا. ولعل المعنى: وسبيل التشريك من ذِكْر هذا اللفظ، أو لعل فيها تصحيفاً، وصوابها: " وسبيله ما ذكره ".

(10/21)


الباقية مقسومة على فرائض الله تعالى. والوصية تتضمن إدخال النقص على حصص أصناف الورثة.
والشافعي ذكر هذه المسألة في المختصر، وأجرى لفظةً أشكلت على بعض الأكابر، وذلك أنه قال للمسألة (1) التي نحن فيها: " للموصى له بمثل نصيب ثلث [البنت] (2) سدس المال ".
وظاهر هذا أنه يفوز بالسدس، ثم خمسة الأسداس تقسم على فرائض الله تعالى.
ولو كان كذلك، لكان نصيب بنت الابن أقلَّ من مال الوصية على القاعدة التي ذكرها الموصِي؛ فإنه جعل مال الوصية مثلَ نصيب من شبهت الوصية بنصيبه. وهذا لو قيل به يفسد قياس الباب بالكلية.
وقد نص الشافعي في سياق هذا الكلام على أن الوصية تدخل على فريضة الميراث كما مهدناه، فالسدس الذي أطلقه أراد به سدساً عائلاً. وهذا لا يسوغ التماري فيه أصلاً، ومن عرّضنا باسمه -وهو الأستاذ أبو منصور (3) - ذكر في بعض مجموعاته أن الشافعي يثبت للوصية في المسألة التي ذكرناها سدسَ جميع المال، ونقل لفظ الشافعي في المختصر، فقال: قال الشافعي في هذه المسألة: " أعطيته السدس " (4)، واعتقدَ هذا مذهباً للشافعي، وحكى عن ابن سُريج ما جعلناه أصلَ المذهب، وقال: للوصية السبع، وهو في التحقيق السدس العائل، وذكْرُه مذهبَ ابن سريج في معرض الاستدراك على الشافعي يصرّح بأنه اعتقد للشافعي مذهباً يخالف مذهب ابن سريج. وهذا محال.
ومن ظن بالشافعي هذا الظن، فقد سها سهواً بيناً.
وما ذكرت هذا لأعده من المذهب؛ فإن المذهب المبتوت الذي لا مراء فيه ما عزاه إلى ابن سُريج، ونصُّ السدس في لفظ الشافعي محمول على السدس العائل.
والعجب أنه نقل نصَّ الشافعي في جميع المسائل على قياس إدخال الوصية على
__________
(1) للمسألة: أي في المسألة.
(2) في الأصل: الابن.
(3) يشير إلى التعريض الذي جاء في قوله: " وأجرى لفظةً أشكلت على بعض الأكابر ".
(4) ر. المختصر: 3/ 159.

(10/22)


فريضة الميراث عَوْلاً، ثم ظن في هذه المسألة على الخصوص أن الشافعي ترك قياس الباب.
6609 - ولو ترك ابنين، وكان أوصى لزيد بمثل نصيب أحدهما، ولعمرو بمثل نصيب الثاني، فإن أجازا الوصية بالزائد على الثلث، فالمال يقع بينهم أرباعاً، وإن لم يجيزا وردّا الوصية بالزائد، انحصرت الوصيتان في الثلث، وأُشرك فيه زيدٌ وعمرٌو بالسوية، فلكل واحد منهما نصف الثلث، وهو السدس.
6610 - ومن الأصول التي تدار عليها مسائل الوصايا اعتبار نسبة القسمة في فريضة الرد بالقسمة في فريضة الإجازة [إذا] (1) استويا حالة الرد.
6611 - ولو أجازا الوصية لأحدهما، ولم يُجَز للآخر، فمذهب الشافعي، ومذهب الأئمة المعتبرين أن يقال: يفوز كل واحد منهما بالسدس من المال، استحقاقاً من غير حاجةٍ إلى إجازة، ولو أجازا الوصيتين لأثّرت إجازتهما في تثبيت نصف السدس لكل واحد منهما، مضموماً إلى السدس الذي استحقه من غير إجازة، فإذا رُدَّ الزيادة في حق أحدهما، لم يستحق ذلك الشخص إلا السدسَ، ويبقى الزائد في حق من أجاز الوصية في حقه.
والمسألة تصح من أربعة وعشرين، لمن أجاز له ستة أسهم، وهو ربع المال المقدر الذي يستحقه لو أجاز الوصيتين، ولمن رد الزائد في حقه أربعة، وهو سدس المال، ولكل ابنٍ سبعة أسهم - وإنما ذلك لأنهما لما ردا الزائد في حق أحدهما، والزائد سهمان، اقتسماها بينهما، وهذا هو الذي لم يعرف الأصحابُ غيرَه، وهو الذي عزاه الأستاذ إلى قياس مذهب الشافعي.
6612 - وحكى عن ابن سُرَيج مذهباً آخر، في نهاية الركاكة والضعف، ولم يحكه أحد من الأصحاب، ونحن نذكره، ونذكر المسلك الذي ذكره الأستاذ حكايةً عنه، ثم نذكر بعد ذلك مثالين أو ثلاثة للإيناس، ونذكر ما حكاه عن ابن سُريج فيها، أو في بعضها، ونبيّن أن التعويل على القياس الذي مهدناه.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.

(10/23)


قال ابن سريج فيما حكاه في المسألة التي نحن فيها: إذا أجاز لأحدهما، فنضم السدسَ الذي في يد من أجاز له إلى ما في يد الاثنين، وللمردود السدس فحسب، ثم إذا ضممنا جميعَ ما في يد من أجاز له، اقتسموا بالسوية أثلاثاً، فتصح القسمة من ثمانيةَ عشرَ، فإنها قُدِّرت من ستة، السدس منها المردود وصية، والخمسة الأسداس مقسومة على الابنين، وعلى من [أجيزت] (1) وصيته، فتنكسر الخمسة على الثلاثة، ولا توافق، فنضرب ثلاثة في ستة، ونُجري القسمة على ما ذكرناه.
وهذا زلل عظيم، وحَيْدٌ عن مسلك الحق إلى تعقيدٍ، لا خير فيه، وأعظم غلط فيما ذُكر أنه أدخل السدس في حق من أجيزت وصيته في حساب الإجازة، وهذا خطأ؛ من قِبَل أن السدس مستحَقٌّ، لا أثر للإجازة فيه، وإنما تؤثر الإجازة في الزائد على السدس المحسوب من الثلث، وذلك الزائد نصف السدس، فما يردُّ من نصيب المردود عليه يرجع إلى الورثة، لا إلى الموصى له الآخر.
المسألة بحالها (2)، فإن أجاز أحد الابنين لأحدهما، ولم يُجِز للآخر، ورد الابنُ الثاني الوصية بالزيادة في حقهما، فالمذهب المبتوت أن نقول: المسألة من أربعة وعشرين: لمن لم يُجز له أربعة، ومن أجاز له أحدُهما يأخذ أربعة بلا إجازة؛ فإن هذا القدرَ مستحق له، والباقي إلى تمام حقه، وهو الربع سهمان، وثبوتهما له موقوف على إجازة الابنين، وقد أجاز أحدُهما، وردَّ الثاني، فيصير في يده خمسة، ومع المجيز سبعة، ومع الابن الآخر ثمانية.
وقال ابنُ سريج: فيما حكاه الأستاذ عنه: المسألة من ثمانيةَ عشرَ: للموصى لهما ستة بغير إجازة، لكل واحد منهما ثلاثة، فيبقى في يد كل ابن ستة، فيدفع المجيزُ منهما مما في يده سهما واحداً إلى من أجاز له؛ لأنهما لو أجازا له، كان لكل واحد منهم خمسة، فإذا أجاز له أحدهما، أعطاه نصف ما بقي له، وهو سهم، فللابن المجيز خمسة، ولمن أجاز له أربعة، وللابن الآخر ستة وللموصى له الآخر ثلاثة.
وهذا غلطٌ صريح؛ فإنه قَدّر له خمسة من ثمانيةَ عشرَ، وهو أكثر من الربع، ثم
__________
(1) في الأصل: أجريت.
(2) المسألة بحالها: أي يُفرض تصورآخر للمسألة ذاتها.

(10/24)


نصَّف الزيادة وجرى فيه على قياسه الأول.
6613 - فإن ترك ابناً وبنتاً، وأوصى بمثل نصيب الابن، فأجاز الابن دون البنت، فلو أجازا، لكانت الفريضة الجامعة خمسة: للموصى له سهمان، وللابن سهمان، وللبنت سهم.
ولو ردّا، لصحت الفريضة الجامعة من تسعة؛ فإنا كنا نقول: للموصى له الثلث، والباقي وهو سهمان بين الابن والبنت على ثلاثة، فنضرب ثلاثة في ثلاثة، فللموصى له من التسعة ثلاثة، وللابن أربعة، وللبنت سهمان.
ففريضة الإجازة خمسة، وفريضة الرد تسعة، ولا موافقة، فنضرب إحدى الفريضتين في الآخر: خمسة في تسعة، فيرُدُّ خمسةً وأربعين، فإذا أجاز الابن، ولم تُجز البنت، فللبنت سهامها من فريضة الرد، وهو اثنان، مضروبة في فريضة الإجازة وهي خمسة، فلها عشرة.
وندفع إلى الابن سهامه من فريضة الإجازة، وهو سهمان مضروبان في فريضة الرد وهي تسعة، فله ثمانيةَ عشرَ، والباقي للموصى له وهو تسعةَ عشرَ.
وإن شئت قلت: لو لم يجيزا، لكان للموصى له الثلث: خمسةَ عشرَ، وللابن عشرون، وللبنت عشرة.
ولو أجازا، لكان للابن ثمانية عشر، وللبنت تسعة، وللموصى له ثمانيةَ عشرَ، وقد أخذ خمسة عشر بغير إجازة، وبقي له إلى تمام حقه ثلاثة، يأخذ ثلثيها من يد الابن، وثلثها من البنت، فإذا ردت البنتُ، استردت سهماً ضمته إلى تسعتها، وإذا أجاز الابن فرد في يده سهمين مضمومين إلى الخمسةَ عشرَ.
6614 - ولو أوصى لرجل بمثل نصيب الابن، وللآخر بمثل نصيب البنت.
فإن أجازا، فالفريضة من ستة، للموصى له بمثل نصيب الابن سهمان، وللموصى له بمثل نصيب البنت سهم، وللابن سهمان، وللبنت سهم.
وإن لم يجيزا، فالفريضة من تسعة: ثلثها وهو ثلاثة للموصى لهما: لصاحب الابن سهمان، ولصاحب البنت سهم. والباقي من المال وهو ستة أسهم بين الولدين: للابن منها أربعة وللبنت سهمان.

(10/25)


وإن أجاز لهما الابن دون البنت، فالذي لا يسوغ غيره أن نقول: للموصى لهما الثلث بلا إجازة، وهو بينهما أثلاثاً، كما قدمنا، فقاعدة الفرض من تسعة، ثم لو أجازا جميعاً، فالفريضة من ستة، ولو ردا، فالفريضة من تسعة: للابن أربعة، وللبنت سهمان، ولصاحب الابن سهمان، ولصاحب البنت سهم.
فالآن إذا أجاز الابن، فله ثلث المال، كما كان له الثلث، لو أجازا، وثلث التسعة ثلاثة، فنردّ سهماً إلى الوصية، فللوصية أربعة أتساع، وهي مقسومة على صاحب الابن والبنت على ثلاثة أسهم، والأربعة تنكسر على الثلاثة، ولا توافق، فنضرب ثلاثة في تسعة [فتصير سبعة] (1) وعشرين: للابن ثلاثة مضروبة في ثلاثة، فهو تسعة. وللبنت من فريضة الرد سهمان، مضروبان في ثلاثة تكون ستة، والوصية أربعة مضروبة في ثلاثة، فهو اثنا عشر: لصاحب الابن منها ثمانية، ولصاحب البنت منها أربعة.
وحكى الأستاذ عن ابن سريج أنه لما انتهى إلى قسمة الأتساع الأربعة قال: إنها تقسم بين صاحب الابن، وصاحب البنت على خمسة لصاحب الابن ثلاثة، ولصاحب البنت سهمان، وتخيّل من هذا أن يكون المال بين الصاحبين على نسبة المال بين الابن المجيز، والبنت الرادّة، وللابن ثلاثة من تسعة وللبنت سهمان، والوصية تتضمن أن يكون صاحب الابن كالابن، وصاحب البنت كالبنت، وهذا مبلغ في الضعف والركاكة يقصر منه (2) الوصف؛ فإن مقصود الموصي هو الذي يراعى، ونسبة الإجازة هي الأصل، ولو فرضت الإجازة منهما، لكان المال بين الصاحبين أثلاثاً، ولو ردّا، لكان الثلث بينهما أثلاثاً، فالقدر الذي تعلقت الإجازة به، وهو زائد على الثلث ينبغي أن يُفضَّ على نسبة الرد، أو على نسبة الإجازة، وإنما وقع المال أخماساً بين الابن والبنت، لردها وإجازته، فاعتبار النسبة مائل عن التحقيق.
6615 - وقد تمهد في القدر الذي ذكرناه ما هو المذهب المقطوع به، ولم يعرف الأصحابُ غيرَه، وأشرنا إلى الخيال الذي حكاه عن ابن سريج، فلا مزيد. وقد انتهى الغرض.
__________
(1) زيادة من المحقق، اقتضاها إصلاح العبارة. وهي سقطت من الناسخ.
(2) تأتي (من) مرادفة لـ (عن).

(10/26)


فهذا كله في الوصية بالأجزاء مفردةً، وفي الوصية بالأنصباء مفردة.
6616 - ونحن الآن انتهينا إلى محاولة الجمع بين الوصية بالنصيب، وبين الوصية بجزءٍ من المال.
ومسائل هذا القسم تنقسم: فمنها ما يخرج على قربٍ بالطرق التي قدمناها، ومنها ما يُحوج إلى الجبر، أو إلى طرق مستخرجة منه، مبنية على النِّسب.
وإذا أفضى الكلام إلى ذلك، فالأولى قطعُه، واستفتاحُ مقالةٍ في بيان الأصول التي لابد منها، ولا غنى عن الإحاطة بها في معرفة الجبر والمقابلة، وقد قدمنا في الفرائض طرفاً صالحاً في الضرب والقسمة، وأخْذ مخارج الكسور، فلا حاجة إلى إعادته، وإنما غرضنا ذكرُ أصول الجبر والمقابلة على صيغٍ وجيزة واضحة، لا يخفى دركُها على الفطِن، حتى إذا تمهدت، ولاح مأخذُ الجبر، عدنا بعدها إلى تخريج المسائل، واستفتحنا القول في مسائل النصيب والجزء، ثم نأتي بعدها بكل مسألة مشتملة على مجاهيل لا يخرّجها على السبر إلا الجبرُ، ونحرص على ألا نغادر أصلاً ينسلك فيه الحساب من قواعد الشريعة حتى يوافيها الناظر مجموعةً، وإذا أتاح الله نجازَها، عدنا بعدها إلى ترتيب المختصر، إن شاء الله عز وجل.

القول في بيان ما لا بد من معرفته في أصول الجبر والمقابلة
ذكر الأستاذ أبو منصور سبعةَ فصولٍ، وفصّلها أحسن تفصيل، فأبان افتقار الجبر والمقابلة إليها، ونحن نأتي بها، ولا نألو جهداً في البيان والتقريب، بالزيادة على ألفاظه، وإكثار الأمثلة، إن شاء الله عز وجل.
الأصل الأول
في معرفة ألقابٍ وألفاظٍ متداولة بين الحسّاب
ونحن نذكرها ونمزجها بما هو القطب والمدار من أمر النِّسب، فنقول، والله المستعان:
6617 - أطلق جملة علماء هذه الصناعة ألفاظاً منها: العدد، والجذر، والمال، والمكَعّب، ومال المال، ومال المكعب، ومكعب المكعب: فالعدد ما تركب من

(10/27)


الواحد، [فالواحد] (1) أمُّ العدد، علته وأصلُه، وليس عدداً في نفسه.
والجذر: كل مضروبٍ في نفسه، ويقال للمبلغ الذي يردُّه ضربُ الشيء في نفسه: المالُ.
فنبدأ من أول الأمر ونأخذ في التمثيل، حتى لا تُستصعبَ هذه العبارات على من لم يألفها، ونأخذ أول العدد، وهو اثنان، ونقدّره جذراً، بأن نفرض ضربه في نفسه، فهو جذر، وما يردّه ضربُ الاثنين في نفسه مالٌ، وهو أربعة.
فإذا ضربت جذرَ المال في المال، كان المبلغ مكعَّباً.
وإن ضربت المال في المال، كان المبلغ مال المال بالإضافة إلى الجذر الأول.
وإنما قيدنا الكلامَ بهذا لأنك لو ابتدأت وقدرت الأربعة جذراً بتقدير ضربه في نفسه، وبنيت عليه المراتب بعد ذلك، فهو مستقيم، لا معترض عليه. ولا شيء في عالم الله تعالى هو عدد، أو واحد، أو كسرٌ إلا ويجوز تقديره جذراً، بأن نفرض ضربَه في نفسه.
وبعد مال المال مالُ المكعب، وهو بأن نضرب الجذر الأول في مال المال، فيردّ اثنين وثلاثين، وبعد ذلك مكعب المكعب، وهو مردود الجذر الأول في مال المكعب، وذلك أربعة وستون.
وإذا حذفت العدد من المراتب فإن العمل [بما] (2) بعده، وإنما ذكر العدد لاستيفاء الألقاب، فنقول: المراتب ست: الجذر، والمال، والمكعب، ومال المال، ومال المكعب، ومكعب المكعب.
ثم لا انتهاء في المرتبة الأخيرة، فإن تناسب الأعداد لا نهاية لها، فبعد مكعب المكعب، مال مكعب المكعب، ومكعب مكعب المكعب، وهكذا إلى غير نهاية.
ولكن اكتفينا بالمراتب التي ذكرناها من جهة ارتفاع الأغراض في مراتب الجبر والمقابلة بها.
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) فى الأصل: لما.

(10/28)


ثم اعلم أن الجذر الأول المفروض يناسب الواحد، ويناسبه الواحد بجهة، فالمراتب المتوالية تتناسب بتلك الجهة، وهذا هو السرّ الأعظم الذي يجب اتباعه، وعنه صار معظم المقاصد.
6618 - وبيان ذلك أنا إذا فرضنا الاثنين جذراً، فالواحد يناسبه بالنصف، والجذر يناسب الواحد بالضعف، فنسبة الجذر من المرتبة التي تليه كنسبة الواحد من الجذر، ونسبة المرتبة التي تلي الجذر من الجذر كنسبة الجذر من الواحد، وعلى هذا النسق تتوالى النسب، فالجذر نصف المال، كما الواحد نصف الجذر، والمال ضعف الجذر، كما الجذر ضعف الواحد.
والمال نصف المكعب، والمكعب ضعفُ المال.
والمكعب نصف مال المال، ومال المال ضعف المكعب ومال المال نصف مال المكعب.
وهكذا إلى الآخر.
وينشأ من هذا توليد المراتب بطرق الضرب، كما سنصفها، إن شاء الله تعالى.
أما الجذر كان (1) جذر الضرب في نفسه، فإذا أردت المال، فلا يولده إلا ضرب الجذر في نفسه، وإذا أردت المرتبة الثالثة، فلا يولدها إلا ضرب الجذر في المال، وقد تحصلت ثلاث مراتب: الجذر، والمال، والمكعب.
فإن أردت المرتبة الرابعة، [فلك] (2) مسلكان: أحدهما - أن تضرب الطرف في الطرف، وذلك بضرب الجذر [في المكعب، فيردّ مال المال.
والثاني - أن تضرب المال في نفسه، فيرد مال المال.
فإن أردت المرتبة الخامسة، فلك أيضاً مسلكان: أحدهما - أن تضرب الطرف في الطرف، وذلك بضرب الجذر في] (3) مال المال، فيرد مال المكعب. هذا مسلك.
__________
(1) (كان) بدون فاء في جواب (أما). وهي لغة كوفية، جرى عليها كثيراً إمام الحرمين، في هذا الكتاب، وفي غيره.
(2) في الأصل: (فكل). وهو سبق قلم واضح.
(3) ما بين المعقفين زيادة من المحقق، على ضوء المعنى المفهوم من تسلسل المسألة.

(10/29)


والثاني - أن تضرب إحدى الواسطتين في الأخرى، فإن معك أربع مراتب: الجذر، والمال، والمكعب، ومال المال. والطرفان: الجذر ومال المال، والواسطتان: المال، والمكعب. فإن ضربت الجذر في مال المال، كان كما لو ضربت المال في المكعب، فكلا الضربين يرد مالَ المكعب، وهو اثنان وثلاثون، وقد حصلنا على خمس مراتب، أولاهن الجذر.
فإن أردت المرتبة السادسة، اتجه لك في توليدها ثلاث جهات في الضرب: إحداها - أن تضرب الطرف في الطرف، وهو الجذر في مال المكعب، فيرد مكعب المكعب.
وإذا كنت على مراتب خمسة، وأنت تبغي السادسة، فبين طرفي الخمسة ثلاث مراتب: الأولى منها المال، والثالثة مال المال، والمتوسطة منها المكعب. فإن ضربت طرف هذه الثلاثة في الطرف، رد ذلك المرتبةَ السادسة، فتضرب المال في مال المال، أو تضرب الواسطة في نفسها، وهو ضربك المكعب في نفسه، كل ذلك يرد المرتبةَ السادسةَ التي أولاها الجذر الأول.
فلينظر الطالب إلى تناسب المراتب، وليعلم أنه إذا بنى المرتبة الأولى على نسبة التنصيف، تضعفت المراتب، كذلك إلى الأخيرة، وإذا انعكس من الأخيرة، تضعفت المراتب إلى الأولى. وهذا لوضعك الجذر الأول عدداً يناسب الواحد، ويناسبه الواحد بالتنصيف، والتضعيف.
6619 - فإن قدرت الجذر في المرتبة الأولى ثلاثة، فالواحد ثلثها، والثلاثة ثلاثة أمثال الواحد، فتتّسق المراتب على نسبة التثليث كذلك، إلى حيث ينتهي العامل، فمال هذا الجذر تسعة، والجذر ثلاثة، والمال ثلاثة أمثال الجذر، والمكعب سبعة وعشرون، وهو ثلاثة أمثال المال، والمال ثلثه، وهكذا إلى منتهى الاعتبار (1).
6620 - وإذا اتخذت الواحد جذراً، فضربته في نفسه، فهو في التحقيق جذر ومالٌ، فإن ضربت الجذر في المال رد الواحدَ أيضاً، وهكذا إلى غير نهاية، فالواحد
__________
(1) الاعتبار: أي القياس. والمراد قياس هذا المثال برقم (3) على المثال السابق برقم (2).

(10/30)


جذرٌ، ومالٌ، ومكعب، ومال مال، ومال مكعب، ومكعب مكعب.
6621 - وإن أردت الجذر كسراً كالنصف، فالمال الربع، والمكعب الثمن، ومال المال جزء من ستةَ عشرَ جزءاً، ومال المكعب جزء من اثنين وثلاثين جزءاً، ومكعب المكعب جزء من أربعة وستين جزءاً، فتنعكس المراتب على نسبة تقدمها، إذا كان الجذر عدداً.
وهذا مأخوذ من نسبة الواحد أيضاً، غير أن النسبة على العكس، فالجذر نصف الواحد، والمال نصف الجذر، والمكعب نصف المال، وهكذا إلى المنتهى.
فهذا بيان هذه المراتب، وألقابها، وتناسبها.
6622 - وإن أردت معاني الألفاظ تقريباً من الاشتقاق، وفيه معنى مطلوبٌ أيضاً، فالجذر معناه الأصل، يسمى جذراً لكونه أصلاً للمال، حتى كأنه مُقيمه (1) وكاسبُه، ثم تخيل الحسّاب المال بسيطاً، لا سمك له، وتخيلوا المكعب مالاً على مال، وسمكه الجذر، وهو اثنان فيما رسمناه، أو ما تريد، فالمكعب مرتفع، وهذا يبين في الأشكال المجسمة، ومال المال يُقيمه المالُ، فهو من المال، كالمال من الجذر.
فهذا ما ينتهي إليه الإرشاد إلى معاني الألفاظ، وقد انتهى الكلام في أصلٍ من الأصول السبعة الموعودة في مقدمة الجبر والمقابلة.
الأصل الثاني
في بيان ضرب هذه المراتب بعضِها في بعض، وقسمةِ بعضها على بعض
6623 - وهذا الأصل يشتمل على ألفاظٍ اصطلاحية للحسّاب، ماتوا ضعوا عليها هَزْلاً، وإنما أصدورها عن حقائق أحاطوا بها، وليس على من يبغي العلمَ بالجبر والمقابلة [إلا] (2) الإحاطة بالأصول؛ فإن [في] (3) الإحاطة بها والعلم ببرهانها الاحتواءُ على طرف صالح من الهندسة؛ فإن البرهان يقوم على العدديات من الهندسة؛
__________
(1) مقيمه: بمعنى منشئه وموجده.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) مزيدة من المحقق.

(10/31)


قيامَه في باب الضرب والقسمة، فلما طال مُدرَك أصل الجبر والمقابلة، وضع الحُسّاب المحققون عباراتٍ يتلقفها المبتدىء، ويديرها في المجاهيل، فتُفضي به إلى سرّ الطلب مع حمله (1) بالعلل والبراهين، والعالم بالباب من يحيط بكيفية استعمال مراسم الحساب، ويفهم الطرف الذي نبهنا عليه، وسنزيد في التناسب.
فإن أراد أن يعرف لقب الشكل الذي نشأ منه الجبر والمقابلة، فهو في المقابلة الثانية من الاستقصات (2) لإقليدس، والشكل يعرف (بذات الوسط والطرفين).
فنخوض في ذكر مراسم هذا الأصل على أقرب مسلك نقتدر عليه، فنقول:
6624 - مضمون هذا الأصل الضربُ والقسمة، فإذا أردنا أن نضرب نوعاً من هذه الأنواع في نوعٍ، فنردُّ العددَ أوّلاً إلى المراتب، ونضعه مثلاً مقدماً على الجذر، ونحصل على سبع مراتب، فإذا رمت [فالمراتب سبع] (3) أن تضرب مرتبة في مرتبة، فخذ سميَّ تلك المرتبة من المراتب السبع، والعدد أولاها، وخذ سميَّ المضروب فيه، واجمع بينهما، وانقص من المبلغ واحداً، وما بقي فمنتهاه سَمِيُّ مرتبة مبلغ الضرب.
ومثال ذلك إذا أردنا أن نضرب مرتبة المال في المكعب، وقد علمنا أن المال في المرتبة الثالثة من العدد، فنأخذ سميَّها ثلاثة، والمكعب في المرتبة الرابعة من العدد، فنأخذ سميَّها أربعة، ثم نجمع الثلاثة والأربعة، ونحط واحداً أبداً، فيبقى معنا ستة، فنعلم مبلغ الضرب من جنس المرتبة السادسة من العدد، وهي مال المكعب.
فإذا قيل: اضرب خمسة أموال في ستة مكاعيب تردُّ ثلاثين من جنس المرتبة السادسة وهو ثلاثون مال مكعب.
وإن أردت امتحانه بالرد إلى العدد المصرح، فالمال أربعة وخمسة، منها عشرون، والمكعب على ما قدرنا ثمانية وستة منها ثمانية وأربعون، فإذا ضربت
__________
(1) كذا. ولعلها: مع عمله.
(2) الاستقصات: العناصر، والعناصر جمع عنصر ومعناه الأصل. وتسمى العناصر أيضاً بالأمهات، والمواد، والأركان. والعنصر جسم بسيط، أي لا يتركب من أجسام. (انظر كشاف اصطلاحات الفنون: 4/ 960، ففيه بيان وافٍ عن العناصر وخصائصها).
(3) ما بين المعقفين مقحمٌ يستقيم الكلام بدونه.

(10/32)


عشرين وخمسة أموال في ثمانية وأربعين، فقد ضربت خمسة أموال في ستة مكاعيب، فترد تسعمائة وستين، وهذا المبلغ ثلاثون مرة اثنان وثلاثون. فهذا معنى قولنا خمسة أموال في ستة مكاعيب ثلاثون مال مكعب. ولو بلّغت المال ما بلّغت، وكذلك المكاعيب، فلا يخرج مبلغ الضرب من رتبة مال المكعب، ولكن تكثر أعدادها ونحن نعلم أن مردود المال في المكعب يزيد على مكعب المكعب، ولكن تيك زيادة لو اعتبرناها وارتقينا بها إلى مكعب المكعب، أو إلى درجة وفقها، لخرجنا عن النسبة المعتبرة في المراتب، وهي رباط حساب الباب.
فهذا سبب انحصارها في المرتبة التي منها مبلغ الضرب.
6625 - وكذلك إذا ضربت كسور هذه المراتب فنشتق الأسماء من صحاحها، ونجري على الرسم المقدم، فإذا ضربت نصف مالٍ في نصف مكعب، فالمبلغ ربعُ مال مكعب.
وامتحانه بالعدد الظاهر أن نقول: نصف المال اثنان، ونصف المكعب أربعة، فإذا ضربت اثنين في أربعة ردّ ثمانية، وهو ربع مال المكعب، فهذا بيان ضرب هذه المراتب، بعضها في البعض.
6626 - وأما القسمة فإذا أردت أن تقسم نوعاً من المراتب على نوع، والمراتب سبع، والعدد أولاها، فإنا نقول: إذا أردنا قسمةَ العدد على نوع من المراتب بعدها، أو على كسر من نوع، فإنا نقسم العدد كم كان على عدد مقداره ذلك النوع أو كسره، إن كان كسراً، وقد علمنا أن المقصود من القسمة بيان نصيب الواحد. فإذا بان لنا نصيب الواحد فيما نحن فيه، فحصة الواحد قيمة الواحد، هذه عبارات الحُساب.
والمراد بقولهم قيمة الواحد أن تلك الحصة هي بعينها واحد من النوع المقسوم عليه.
مثال ذلك: أردنا أن نقسم ثمانين على عشرين جذراً، فقسمنا ثمانين على عشرين تخرج أربعة، فهي قيمة جذر واحد، والمراد من هذا أن الجذور إذا أطلقها الحيسوب، فهي متساوية في وضعهم، فاعْلَمْه وثِق به، فإذا قيل: اقسم ثمانين على عشرين جذراً، فكأنه قال: الجذور التي هي عشرون، وتنقسم الثمانون عليها كم يكون كل جذر؟ فنقول: كل جذر أربعة.

(10/33)


6627 - وإنما فرضنا في الجذور لأن كل شيء مفروضٍ يجوز أن يكون جذراً.
فلو قلنا: اقسم ثمانين على عشرين مكعباً، لم يف بهذا؛ فإنا لا ندري كعباً هو أربعة على التناسب الذي ذكرناه.
ولا مزيد على هذا البيان في هذه الصور إن استدَّ الفهمُ وصدق الطلب.
6628 - وإن قيل: نريد أن نقسم ثمانين على خمسة أموال، فقيمة كل مال ستةَ عشرَ، وهذا يخرج مستقيماً، ولكن بعد أن نضع العددَ على نحوِ يخرج نصيب الواحدِ منه مرتبة من المراتب المتناسبة، وهذا يستدعي أن يتقدم فهمك للمراتب، وتضع العدد بحسبها، وليس كذلك الجذر؛ فإن كل عدد قوبل بأعلى من الجذر استقام الغرض (1) فيه بما ذكرناه من أن كل شيء جذر؛ فإن معنى الجذر ما نضربه في نفسه، وهذا يتأتى في الواحد والعدد والكسْر.
وبيان ذلك أنه لو قيل لك: اقسم عشرة على خمسة جذور، فكل جذر اثنان.
وإن قيل: اقسم عشرة على خمسة أموال، فسنقول: كل مال اثنان، والمال في مراد القوم مالَهُ جذر ينطبق بضربٍ في نفسه فيردّه، والاثنان ليس مجذوراً، فافهم ذلك ترشُد.
ولو قسمنا ثمانين عدد على مكعب وربع، تخرج قيمة المكعب الواحد أربعة وستين، وهذا المبلغ يجوز تقديره مكعباً، بأن نجعل الجذرَ أربعة، والمالَ ستة عشر، والمكعب أربعة وستين، ثم يستدعي هذا أن نضع المكعب وكسرَه وضعاً يخرج قيمة الواحد مكعباً مناسباً للمال قبله، وللجذر قبل المال، ولمال المال بعده إلى حيث ينتهي.
وإن أردت قسمة عددٍ على أموال مجذورة، فينبغي أن تفرض عدد الأموال على وجهٍ إذا قسمت العدد عليها، كان كلُّ واحد مجذوراً، فنقول: نريد أن نقسم ثمانين على خمسة أموال، فكل مالٍ ستة عشرَ، وهو مجذور، وجذره أربعة، فلتتقدم
__________
(1) كذا. ولعلها: الفرض (بالفاء).

(10/34)


معرفتك بذلك؛ حتى يكون وضعك العددَ في مقابلة عدد من المال يقع كلُّ واحد منه مجذوراً، وكذلك إذا أردت وضع عدد على مقابلة مكاعيب أو أموال، فلا بد من تقديم المعرفة، والوضع على القدر الذي ذكرناه؛ فإنه لو لم يكن كذلك، لانقسمت أعداد على أعداد، وتكون صماء، ولا انتفاع بفرض مثل هذه المقابلات؛ فإن معتمد الجذر النسبة بين المراتب، وبها استخراج المجاهيل.
6629 - وإذا أردنا أن نقسم مرتبة على مرتبة ابتداء من الجذر إلى حيث ينتهي، فهذه الأنواع إذا رُمنا قسمة أعداد منها على أعداد، فقد ذكر أصحاب الجذر عبارة اصطلاحية تروع المبتدىء، وليس فيها كبير نَزَل (1).
ونحن نقول: إذا أردنا قسمة أعدادٍ من مرتبةٍ ليست من العدد، على أعداد من مرتبةٍ أخرى من المراتب الست، [فإما] (2) أن يكون بين المقسوم والمقسوم عليه واسطة، وإما ألا يكون بينهما واسطة، فإن كان بينهما واسطة واحدة أو أكثر، فنذكر مراسم الحسّاب، ثم ننبه على الغرض.
قالوا: نريد أن نقسم عشرين مالاً على مال مال وربع مال مال، فنبسط مال المال مع الربع الزائد أرباعاً، ونقسم العشرين عليها، فيخص الواحد ستةَ عشرَ من العشرين، فنقول: المال الأول ستة عشر، وهذا الكلام في وضعه مخالف للقسمة المألوفة، فمن يقسم عدداً على عدد فغرضه أن يبيّن حصة الواحد من المقسوم عليه، كالذي يقسم عشرين على خمسة، فمقصوده أن حصة الواحد أربعة، وهذه القسمة موضوعة بين أعداد من الأموال ومال مال وكسر مال مال، فالغرض أن نبيّن مالاً واحداً من الأموال التي ذكرناها كم، ثم أثبتوا في ذلك نسبة، فقالوا: ننظر إلى مرتبة المقسوم ونرجع القهقرى إلى واحد، ويخرج العدد من البَيْن، ثم ننظر إلى مرتبة المقسوم عليه وهي المرتبة العالية، كفرضنا قسمة أموال على مال مال وكسر مال مال، فإن كان بين المقسوم عليه وبين المقسوم من الواسطة ما بين المقسوم والواحد، وكان
__________
(1) كبير نَزَل: يقال: رجل ذو نَزَل، كثير الفضل والعطاء، وله عقل ومعرفة (المعجم) فالمعنى أن العبارة ليس وراءها كبير طائل.
(2) في الأصل: فلا إما.

(10/35)


بعد المقسوم من المقسوم عليه [رُقيّاً] (1) وتصعّداً كبعده من الواحد انحداراً، فننظر إلى حصة الواحد من المقسوم عليه، ونأخذ ذلك العددَ، ونجعله واحداً من المقسوم.
وقد يقال: هو قيمة المقسوم، أو هو مثله ومعادله، وحقيقته أنه هو، فإذاً الغرض من لفظ القسمة بيان مبلغ الواحد من الأعداد المقسومة. وإذا كان المال الواحد ستة عشر، فكأنا نقول: عشرون مالاً كل مال ستة عشر، إذا قسمت على مال مال وربع مال مال، فيخص مال المال من أعداد الأموال ما هو آحاد مال واحد، والسبب فيه أن مال المال إنما هو من ضرب المال في نفسه وإذاً عشرون يعدل مال مال وربع مال مال، فمال المال يقابل ستة عشر في نفسه، فتبيّن أن مالاً واحداً ستة عشر.
وهذا لا يجري في كل قسمة يضعها الإنسان؛ فإن قائلاً لو قال: أريد أن نقسم عشرة أموال على مال مال وثلث مال مال، فعلى تقديره يخص مال مال تسعة أموال ونصف مال، ويستحيل أن يتركب مال مال من هذا؛ فإن مال المال هو الذي ماله مجذور، والتسعة والنصف ليس مجذوراً، فليقع الوضع على وجه إذا عرفنا مال المال، والمال الذي أقام مال المال، فيكون ذلك المال بحيث يُقِيمُه جذرٌ. وإن لم يكن كذلك، صار ما نسميه مالاً، جذراً، وما نسميه مال مال، مالاً.
6630 - وإن أردنا أن نقسم عشرين مكعباً على مال مكعب وربع مال مكعب، فبين المكعب والواحد إذا انحدرتَ واسطتان: المال والجذر، وإن أحببتَ قلت بين الواحد والمكعب المقسوم واسطتان: الجذر والمال، فننظر بعد ذلك إلى المقسوم عليه، وهو مال المكعب، ثم ننحدر، ونخلّف واسطتين في الانحدار، ونقول: دون مال المكعب مال المال والمكعب، ووراءهما المال، فالقسمة تبين مبلغ المال، فإذا كان حصة مال مكعب من عشرين مكعباً، قسمناها على مال مكعب وربع مال مكعب ستة عشر مكعباً، تبيّنا أن المال ستة عشر.
ولو قسمنا ثلاثين مكعباً على مال مكعب وسبعة أثمان مال المكعب، فحصة مال المكعب من الثلاثين ستة عشر، فيكون الأمر على ما ذكرناه.
والغرض من استعمال لفظ القسمة تبيين المبلغ الذي ينحدر إليه المقسوم عليه على
__________
(1) في الأصل: رقيقاً. والمثبت تصرّف من المحقق على ضوء المعنى.

(10/36)


عدد الوسائط المشابه لعدد الوسائط من الواحد إلى حيث انحدر إليه المقسوم عليه.
وهذا يفيد معرفة التناسب على هذه الجهات، ولا يُبيّن مسلكاً مطرداً في كل عدد يقسم على كل عدد.
وإذا وضعت المال في نفسك أربعة، ثم قلت: نقسم خمسة أموال على مال مال وربع مال مال (1)، فيخص مال المال أربعة، فنعلم أن المال أربعة.
هذا إذا أردت أن تستنبط ما ذكرناه من قسمة نوع على نوع وبينهما واسطة أو أكثر، فالسبيل فيه ما ذكرناه، وسرّه أن نفهم أن هذه العبارات وضعت لتبيين النسب، لا لتفيد طريقة مطردة في كل عدد.
6631 - وإن أردنا أن نقسم مرتبة على مرتبة، وكانتا متلازقتين لا واسطة بينهما، فنقول في ذلك: إذا أردنا أن نقسم ثلاثة جذور على مالٍ ونصف مال، فيخص المال جذران، فنقول: الجذر اثنان أخذاً من هذا اللفظ.
فإن قلنا: نقسم أربعة جذور على مال وثلث المال فحصة المال ثلاثة جذور فالجذر ثلاثة.
وإذا قلنا: نقسم خمسة جذور على مال وربع مال، فيخص المال أربعة، والجذر أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثة أموال على مكعب ونصف، فيخص المكعب مالان.
وهاهنا وقفة للناظر؛ فإن المال لا يقيم المكعب، وإنما يقيم المكعبَ ضربُ الجذر في المال، فإذا قسمنا ثلاثة أموال على مكعب ونصف مكعب، وخص المكعب مالان، فخذ لفظ التثنية وقل: مكعب المكعب اثنان، والمكعب هو الجذر بنفسه، فجذر المال اثنان، والمال أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم خمسة أسباع جذر على أربعة أتساع مال، فقد قدمنا في
__________
(1) صورتها هكذا 5 أموال ÷ 1/ 4 1 مال مال = 5 ÷ 5/ 4 = 5/ 1 × 4/ 5 = 20/ 5 = 4 أي أن مال المال (4) وبعبارة أخرى إذا قسمنا خمسة أموال، مال مال وربع مال مال، فيقع مال المال أربعة أجزاء من خمسة أي أنه أربعة أموال من خمسة.

(10/37)


الفرائض سبيل قسمة الكسر على الكسر: قلنا: نضرب الخمسة وهو أجزاء الأسباع في مخرج التسع وهو تسعة، فيرد خمسة وأربعين، هذا هو المقسوم ثم نضرب أجزاء الأتساع [في سبعة] (1) وهو مخرج السبع، فيردّ ثمانية وعشرين، وهذا هو المقسوم عليه، ثم نقسم خمسة وأربعين على ثمانية وعشرين. والمقصود من القسمة بيان حصة الواحد، وحصة الواحد واحدٌ وسبعةَ عشرَ جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً، فتبينا أن هذا هو الجذر.
وكل ما ذكرناه في ضرب المراتب وقسمة المراتب على المراتب من غير جمع.
6632 - وإن أردنا أن نضرب نوعين في نوعين أو أنواعاً في أنواع، فهذا مما يجب الاهتمام به، وعليه تدور أقطابٌ وأصول من الجبر والمقابلة.
وقد أجرى الحُسّاب ألفاظاً لا بد من اتباعهم فيها، ثم نذكر حقائقها على ما يليق بهذا المجموع.
والوجه أن نذكر اصطلاحاتهم أولاً في أشياء، ثم نذكر طريق عملهم في استعمال تلك الألفاظ. ثم نذكر تحقيقها.
فمما أطلقوه: الشيء وعَنَوا به الجذر، وإذا ضربوا شيئاً في شيءٍ سمَّوا المردودَ مالاً، بحملهم الشيءَ على الجذر، وقالوا: إذا ضربنا ثابتاً (2) في ثابتٍ، فالمبلغ ثابت. وإذا ضربنا ثابتاً في ناقص، فالمبلغ ناقص، وإذا ضربنا ناقصاً في ناقص، فالمبلغ ثابت زائد، وأرادوا بالناقص الاستثناء من ثابت، كقولك عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً فـ (إلا شيء) نفيٌ في الحقيقة؛ فإنه استثناء من ثابت، والاستثناء من الثابت نفي.
ثم إذا انتهَوْا في تقاسيم الضرب إلى الاستثناء قالوا: إلا شيء [في] (3) إلا شيء مال زائد، وهذا هو المعني بقولهم الناقص في الناقص ثابت زائد.
فإذا ثبتت عباراتهم. قالوا في طريق العمل: إذا أردنا أن نضرب عشرة دراهم إلا
__________
(1) زيادة من المحقق، لاستقامة العبارة.
(2) واضحٌ أن المرادبـ (الثابت) الموجب، والمراد بـ (الناقص) السالب.
(3) في الأصل: وإلا شيء.

(10/38)


شيئاً في شيء، فالعشرة في الشيء عشرة أشياء، وإلا شيء في شيء مال ناقص.
[فحصل] (1) معنا عشرة أشياء إلا مال.
وقالوا: عشرة دراهم إلا شيئاً في عشرة دراهم إلا شيئاً مائة من العدد، ومالٌ إلا عشرين شيئاً، وفصلوا ذلك، فضربوا أربع ضربات، وقالوا عشرة في عشرة مائة، وإلا شيء في عشرة إلا شيء عشر مرات، فيفيد هذا الضرب تعديد الاستثناء عشراً، ثم نضرب عشرة في إلا شيئاً فترد إلا شيئاً عشرَ مرات، كما ذكرنا، ثم نضرب إلا شيئاً في إلا شيئاً فتردُّ [مالاً زائداً] (2)، ثم نجمع ونقول: عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً مائة من العدد، ومال زائد إلا عشرين شيئاً.
فهذه عباراتهم وعملهم، ومن لم يعرف حقائقها، كان على عماية.
6633 - ونحن نذكر تحقيق هذه الألفاظ، وردَّها إلى أمثلة عديدة حتى يزول اللبس عن المعنى ولا يبقى قَصْرٌ (3) في التقليد، ثم يعسر بعد ذلك اتباع القول على عباراتهم.
فنبدأ بضرب عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً، فنقول: الشيء هو الجذر، فإذا قلنا: عشرة إلا شيئاً، فكأنا نقول: عشرة إلا اثنين، فإذا حملنا الشيء على هذا في أحد العددين، حملنا الشيءَ عليه من العدد الثاني في أصل ضرب عشرةٍ إلا شيئاً في عشرةٍ إلا شيئاً، [فصار] (4) ضَرْبَ ثمانية في ثمانية، وذلك يردُّ أربعة وستين، والشيء اثنان على ما فرضنا، وضرب الثمانية في الثمانية مائة إلا عشرين شيئاً (5)، والشيء اثنان، وجعلناه مالاً زائداً، وهو الأربعة الحاصلة من ضرب إلا شيء في إلا شيء
__________
(1) في الأصل: فجعل.
(2) في الأصل: مالان أبداً.
(3) القَصْر: التقصير، وهو أيضاً الغاية (المعجم)، فكأن المعنى: لا يبقى تقصير في التقليد.
أي اتباع الحُسّاب، أو لا تبقى غاية وكفاية في التقليد، بل يكون العمل عن فهم وعلم بحقيقة المصطلحات.
(4) زيادة من المحقق.
(5) وصورة المعادلة بالأرقام هكذا: (10 - 2) × (10 - 2) = 100 - (20×2) + 2×2
فالنتيجة هكذا:
8×8= 100 - 40+4 أي 64= 60+4

(10/39)


الزائدة على شيئين، وإنما سماه الحُسّابُ مالاً زائداً؛ فإنه لا يتعلق بالمستثنى والاستثناء منه، فقد تبين أن ضرب عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا شيئاً مائةٌ إلا عشرين شيئاً ومالٌ زائد، جذره شيء.
ولو قدرنا الجذر الناقص ثلاثة، قلنا: التقدير عشرة إلا ثلاثة في عشرة إلا ثلاثة، والحاصل مردود ضرب سبعة في سبعة، وهو تسعة وأربعون، فنقول: [السبعة في السبعة] (1) مائة إلا عشرين شيئاً، وكل شيء ثلاثة. ومعنا مال زائد جذره ثلاثة، وهذا تسعة وأربعون.
فهذا تحقيق ما أرادوه، وحاصل ما اصطلحوا عليه من العبارات.
ومما نضربه في ذلك مثلاًً أنا إذا قدرنا الجذر واحداً، وقلنا عشرة إلا واحد في عشرة إلا واحد، فحاصل ذلك ضرب تسعة، في تسعة، والمردود واحد وثمانون، فتسعة في تسعة مائة إلا عشرين شيئاً أو جذراً، وكل جذر واحد، ومعنا مال زائد، وهو واحد، وهو مردود في واحد. وهذا قياس الباب.
6634 - ومما نذكره في بيان ما قالوه: الناقص في الثابت ناقص، وقالوا على ذلك: إذا أردنا أن نضرب عشرةَ دراهم إلا شيئاً في شيء، فالعشرة في الشيء عشرة أشياء، وإلا شيء في شيء مال ناقص.
وبيان ذلك أنا نقول: معنى قولهم: عشرة إلا شيئاً في عشرة إلا جذراً، وليكن ذلك الجذر اثنين، والشيء من الجانب الآخر اثنان أيضاً، فنضرب ثمانية في اثنين، فيردّ ستة عشر، وقولهم: إلا شيء في شيء مال ناقص، أرادوا به أن عشرة إلا شيء في شيء عشرةُ أشياء إلا أن نحطَّ من هذا مالاً بضَرْب اثنين في نفسه، فالمبلغ عشرون إلا مالاً ننقُصُه، فالمعنيّ بالمال الناقص أنه ينقص من المبلغ مال.
فإن قيل: اضرب عشرة دراهم وشيء في عشرة دراهم إلا شيئاً، فمعناه عند التحقيق ضرب عشرة وجذر، وليكن الجذر اثنين في عشرة إلا جذراً، وهو ثمانية،
__________
(1) في الأصل: التسعة في التسعة. والتصويب من المحقق حيث واقع المسألة هكذا: عشرة إلا شيء، والشيء هنا (ثلاثة) في عشرة إلا شيء تردّ مائة إلا عشرين شيئاً، زائد مال زائد جذره ثلاثة. وصورتها بالأرقام هكذا:
(10 - 3) × (10 - 3) = 100 - (20×3) +3×3.

(10/40)


والمقصود ضرب اثني عشر في ثمانية، والمردود ستة وتسعون. ومراسم الحسّاب فيه أن يقال: نضرب عشرة في عشرة، فتكون مائة، ويُضرب شيء في عشرة فتكون عشرة أشياء، ثم نضرب عشرة في إلا شيء عشر مرات، ومعنا عشرة أشياء ثابتة (1)، فيعارضها استثناء عشرة أشياء، فيقع النفي بالإثبات قصاصاً، فلا استثناء ولا إثبات، ونفي ضرب شيء في إلا شيء وشيء في إلا شيء مالٌ ناقص، فيخرج منه أن عشرة وشيئاً في عشرة إلا شيئاً مائة تنقص منها مالاً.
وقد بينا أن المردود ستة وتسعون وهذا المبلغ ناقص عن المائة بأربعة، والأربعة مال جذره اثنان، فقد نقصنا عن المائة مالاً.
فإن قيل: عشرة دراهم وشيء في شيء إلا عشرة دراهم. قلنا: طريقة الحُسّاب أن نضرب عشرة دراهم في شيء، فتصير عشرة أشياء، ويُضرب شيءٌ في شيء فتصير شيئاً، ثم نضرب عشرة دراهم في إلا عشرة، فتكون إلا عشرة مائة مرة، ثم نضرب الشيء في إلا عشرة، فيرد عشرة أشياء ناقصة، فنعارضها بالأشياء التي كانت معنا، فنسقط الإثبات بالنفي، ولم نتحصل على طائل إلا ضرب شيء في شيء مع الاستثناء وضرب الشيء في الشيء مال، فالمبلغ مالٌ واحد إلا مائة درهم.
هذا رسمهم، وردّه إلى التحقيق أن الغرض ضرب عشرة وجذر في جذر إلا عشرة، وليكن هذا الجذر الزائد على العشرة أكثر من العشرة؛ فإنا لو جعلنا الجذر عشرة مثلاً، فسنجعل الجذر في الجانب الآخر عشرة أيضاً، ولا يتأتى استثناء العشرة من العشرة، فنقول: عشرة وأحد عشر، ومن الجانب الآخر الجذر أحد عشر، والعشرة استثناء منه فبقي واحد، فكأنا نريد أن نضرب العشرة والجذر في بقية الجذر بعد استثناء العشرة، فيردّ ضربُ أحدٍ (2) وعشرين في واحدٍ أحداً وعشرين، والجبري يقول: نضرب أحدَ عشرَ في أحدَ عشرَ، ونستثني منه مائة، فيبقى أحد وعشرون، فيستوي الجبران، ولكن ينتظم للجبري ضرب جذر في جذر.
ونحن إذا حققنا بالتمثيل، لم نفعل ذلك؛ فإنا طولبنا برد عشرة بضرب عشرة
__________
(1) ثابتة: أي موجبة ليست مستثناة، أي ليست بناقصة.
(2) في الأصل: أحد عشرين (بدون واو العطف).

(10/41)


وشيء في بقية جذر، وضرب الجذر وعدد في بقية جذر لا يكون مالاً.
فهذا كشف الغطاء في معنى هذه الألفاظ، مع طرد مراسم الحسّاب.
6635 - ومما بقي من الباب جمعُ أنواعٍ من الضرب، وهو سهل، فإذا قال قائل: اضرب الشيء في شيء وعشرة دراهم، فقد استدعى ضرب شيء في نوعين: شيء وعشرة، والعشرة عدد، فنقول: الشيء في الشيء مال، والشيء في العشرة عشرة أشياء، فمبلغ الضرب مال وعشرة أشياء.
فإن قيل: اضرب ثلاثة أشياء في أربعة من العدد، وستة أشياء، وخمسة أموال، فنضرب ثلاثة أشياء في أربعة من العدد، فتكون اثني عشر شيئاً، وتضرب ثلاثة أشياء في خمسة أموال، فتكون خمسة عشر مكعباً، فنضرب ثلاثة لأن ضرب الجذر في المال مكعب، ونضرب ثلاثة أشياء في ستة أشياء، فتكون ثمانيةَ عشرَ مالاً، فمبلغ الضرب خمسة عشرَ مكعباً، وثمانيةَ عشرَ مالاً، واثنا عشر شيئاً.
فإن قيل: اضرب عشرة أعداد وشيئين في خمسة أعداد وثلاثة أشياء، فنضرب العشرة في الخمسة، فتكون خمسين من العدد، ونضرب العشرة في ثلاثة أشياء، فترد ثلاثين شيئاً، ثم نضرب شيئين في خمسة، فتكون عشرة أشياء، ونضرب شيئين أيضاً في ثلاثة أشياء، فتكون ستة أموال، فمبلغ الضرب ستة أموال وأربعون شيئاً وخمسون عدد.
الأصل الثالث
في ضرب الجذور والأعداد في الجذور والأعداد، وقسمة بعضها على بعض، ثم ضرب الكعاب والأعداد في الكعاب والأعداد، وقسمة بعضها على بعض
6636 - فنقول: إذا أردت أن تضرب جذر عددٍ في جذر عددٍ، فاضرب المجذور في المجذور، فجذر ما بلغ هو المبلغ المطلوب.
مثاله: [إذا] (1) أردنا أن نضرب جذر أربعة في جذر تسعة، ضربنا الأربعة في التسعة تردّ علينا ستة وثلاثين، فنأخذ جذره وهو ستة، وهذا مردود ضرب جذر
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.

(10/42)


الأربعة في جذر التسعة، وضرب جذر الأربعة في جذر التسعة قريب لا عسر فيه، ولكن غرض الحسّاب أن يثبتوا أولاً أن ضرب المجذور في المجذور إذا أجذر مبلغه، كان كضرب الجذر في الجذر.
ثم إذا ثبت لهم هذا، توصلوا به إلى تقريبٍ في الأعداد [الصُّم] (1)، فنقول: الخمسة أصم جذره غير مُنْطق، وإن كانا مُهَنْدَسا (2)، وكذلك السبعة ليست مجذورة مُنْطقة الجذر، فنقول: ضرب جذر الخمسة في جذر السبعة كجذر المبلغ الذي يردّه ضربُ الخمسة في السبعة، وهو خمسة وثلاثون، وهذا الجذر أصم أيضاً.
واعلم أنك إذا ضربت عدداً جذره مُنطق في عدد جذره منطق، فالمبلغ يكون مجذوراً على جذر منطق، وإذا ضربت عدداً جذره منطق في عدد جذره أصم، فالمبلغ يكون أصمّ لا محالة، وإذا ضربت عدداً جذره أصم في عدد جذره أصم، فالمبلغ [ربما] (3) كان جذره أصم، وربما كان جذره منطقاً، فإن ضربت اثنين في ثمانية، فهما أصمّان، ومبلغ ضرب أحدهما في الثاني ستة عشر، وهو منطق الجذر وجذره أربعة، فإذا ضربت خمسة في سبعة، فالمردود خمسة وثلاثون، وهو أصم.
فإذا أردت أن تضرب جذر عدد في عدد آخر، فاجعل العدد الذي تريد الضربَ فيه مجذوراً بأن تضربه في نفسه، فيئول إلى ضرب جذر عدد في جذر عدد.
مثاله: أردنا أن نضرب جذر تسعة في خمسة، فضربنا الخمسة في نفسها، فبلغ خمسة وعشرين، أردنا أن نضرب جذر تسعة في جذر خمسة وعشرين، فنضرب التسعة في خمسة وعشرين، فبلغ مائتين وخمسة وعشرين، فأخذنا جذرها، وذلك خمسة عشر، فهو مبلغ ضرب جذر تسعة في جذر خمسة وعشرين.
وإذا أردنا ضرب جذر عدد أصم في عدد معلوم، نحو جذر ثمانية في خمسة فنجعل الخمسة مجذورة بأن نضربها في نفسها فتكون خمسة وعشرين، ثم نضرب خمسة
__________
(1) في الأصل: انضم. وهو تحريف واضح، والعدد (الأصم) هو العدد الذي لا جذرَ له، مثل 5، 7؛ فلا يوجد عدد صحيح يمكن أن يكون مردود ضربه في نفسه 5 أو 7.
(2) كذا. والمعنى: أن هذا الرقم الذي جذره أصم له جذر مُهنْدَسٌ، أي يُعرف بالهندسة.
(3) في الأصل: كلما.

(10/43)


وعشرين في ثمانية فترد مائتين، فالمبلغ أصم، ولكنا نعلم أن جذر المائتين كضرب جذر الثمانية في جذر الخمسة والعشرين.
وإذا أردت أن تضرب كعب عدد في كعب عددٍ آخر، فاضرب أحد الكعبين في الثاني، وخذ كعب المبلغ، [فهو] (1) المبلغ المطلوب.
مثاله: أردنا أن نضرب كعب ثمانية في كعب سبعة وعشرين، فضربنا الثمانية في السبعة وعشرين، فبلغ مائتين وستة عشر، وأخذ كعبها، وكان ستة، وهو المبلغ؛ لأن كعب ثمانية اثنان وكعب سبعة وعشرين ثلاثة، فإذا ضربنا اثنين في ثلاثة، رَدَّ ستة.
وكذلك القول في الأعداد الصم، كقول القائل: كم يكون كعب عشرة في كعب خمسة، فنضرب العشرة في الخمسة، فتكون خمسين مكعب، هذا المبلغ أصم، ولكنا نعلم أن كعبه كمبلغ كعب العشرة في كعب الخمسة.
وإذا ضربنا عدداً له كعب [منطق] (2) في عدد له كعب [منطق]، فالمبلغ كعب [مُنطق]، وإذا ضربنا عدداً له كعب [منطق] في عدد كعبه أصم، فإن المبلغ يكون كعبه أصم، لا محالة، على القياس الذي ذكرناه في الجذور الصم، والمنطقة. وإذا ضربت عدداً كعبه أصم في عدد كعبه أصم، فربما كان المبلغ كعب [منطق]، وربما كان كعب المبلغ أصم.
فهذا ما أردناه في ضرب جذر عدد في جذر عدد، وفي ضرب جذر عدد في عدد، وفي ضرب كعب في كعب، وفي ضرب كعب في عدد.
__________
(1) في الأصل: فما.
(2) في الأصل: " مطلق " ولعل الصواب ما اخترناه، فهو المقابل للأصم، وقد حدث هذا التصحيف أيضاً في كتاب (مفاتيح العلوم، للخوارزمي)، فقال: " الجذر المطلق " مع أنه يعرفه بقوله: " هو المنطوق به، وهو ما يعرف به حفيقه مقداره، ويمكن أن ينطق به "؛ فكل هذا يوحي بأن الصواب (المُنْطَق) لا (المطلق). (مفاتيح العلوم، بيروت، دار الكتاب العربي، 1401هـ - 1984 م، ص: 221).

(10/44)


[القول في القسمة]
6637 - فأما القول في القسمة، فإذا أردنا قسمة جذر الأربعة على جذر التسعة، قسمنا الأربعة على التسعة، فخرج أربعة أتساع، فأخذنا جذرها، وذلك ثلثا واحدٍ، فهو نصيب الواحد، إذا قسمت الجذر على الجذر. وبيان ذلك أن الأربعة الأتساع جذرها ثلثا واحد؛ فإنك إذا ضربت ثُلُثيْن في ثُلثيْن ردّ أربعة أتساع [فجذر] (1) الأربعة الأتساع هذا القدر، وإذا قسمت جذر الأربعة، وهو اثنان على جذر التسعة، وهو ثلاثة، فنصيب الواحد الثلثان، وهو جذر أربعة أتساع.
فإن أردنا أن نقسم جذر عددٍ على عدد، أو أردنا أن نقسم عدداً على جذر عدد، فنجعل العدد مجذوراً، فيؤول الأمر فيه إلى قسمة جذر عدد على جذر عدد، وقد وضح الرسم فيه، فمتى قسمنا عدداً له جذر [منطق] على عددٍ له جذر [منطق]، فالخارج من القسمة، وهو نصيب الواحد جذر [منطق]، فإذا قسمنا مالاً جذره [منطق] على مالٍ جذره أصم، فالخارج من القسمة أصم، ومتى قسمنا مالاً جذره أصم [على مالٍ جذره أصم] (2)، فقد يكون الخارج من القسمة مجذوراً [منطق] الجذر، وقد يكون الخارج من القسمة أصمّ.
فإذا أردنا أن نقسم كعب عددٍ، على كعب عددٍ، قسمنا المكعب على المكعب، فما خرج من القسمة فكعبه نصيب الواحد إذا قسمت الكعب على الكعب.
مثاله: أردنا أن نقسم كعبَ سبعة وعشرين على كعب ثمانية، فقسمنا سبعة وعشرين على ثمانية، فالخارج من القسمة ثلاثة وثلاثة أثمان، أخذنا كعبها، وهو واحد ونصف، فهو نصيب الواحد، إذا قسمت كعب السبعة والعشرين، وهو ثلاثة على كعب ثمانية وهو اثنان.
6638 - وإذا أردنا أن نقسم عدداً على كعب عدد، وأردنا أن نقسم كعب عدد على
__________
(1) في الأصل: مجذر.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق، حيث سقطت قطعاً من الناسخ.

(10/45)


عدد، فنجعل العدد مكعباً، فيؤول الأمر فيه إلى قسمة كعب عددٍ على كعب عدد، وقد سبق طريقه.
ومتى قُسم عدد له كعب [منطق] (1) على عدد له كعب [منطق]، فالخارج من القسمة له كعب منطلق.
ومتى قُسم مال كعبه [منطق] على مالٍ كعبه أصم، فمبلغ الخارج من القسمة أصم.
ومتى قسم عدد كعبه أصم على عدد كعبه أصم، فالخارج من القسمة كان كعبه منطَق، وربما كان كعبه أصم.
6639 - وإذا أردنا تضعيف جذر عدد معلوم، فاضرب اثنين في اثنين، فما بلغ، فاضربه في العدد المعلوم، فجذر هذا المبلغ ضعف جذر العدد المعلوم.
مثاله: أردنا تضعيف جذر ستة عشر، فضربنا اثنين في اثنين، فبلغ أربعة فضربناها في ستة عشر، فبلغ أربعة وستين، فجذرها ثمانية، وهو ضعف جذر ستة عشر.
6640 - فإذا أردنا أن نعرف عدّة أجذار معلومة، ضربنا تلك العدّة في مثلها، ثم ضربنا مبلغها في العدد المعلوم، وقلنا: جذر ما بلغ هو عدة أجذار ذلك العدد المعلوم.
مثاله: أردنا أن نعرف ثلاثة أجذار خمسة وعشرين، فنضرب ثلاثة في ثلاثة، ثم نضرب المبلغ في خمسة وعشرين، فجذرها خمسةَ عشرَ، وهو ثلاثة أجذار خمسة وعشرين.
6641 - فإن أردنا تنصيف جذرها، ضربنا نصفاً في نصف، فما بلغ ضربناه في ذلك العدد، فجذر المبلغ، هو نصف جذر ذلك العدد الأول.
مثاله: أردنا تنصيف جذر أربعة وستين، فضربنا نصفاً في نصف، فبلغ ربعاً، فضربنا الربع في الأربعة وستين، فجذرها أربعة، وهو نصف جذر أربعة وستين.
فإن أردنا ثلث جذر تسعمائة، ضربنا ثلثاً في ثلث، فيرد علينا تسعاً، فضربناه في تسعمائة فكان المبلغ مائة، فجذره عشرة، وهو ثلث جذر تسعمائة.
__________
(1) في الأصل: " منطلق ".

(10/46)


6642 - فإذا عرفت ذلك، وأحطت به، ثم أردت أن تضرب عدّة أجذار عدد معلوم في [عدّة] (1) أجذار عددٍ آخرَ معلوم، فاعرف عدة أجذار كل واحد من العددين.
[مثاله: إذا أردنا أن نضرب] (2) ثلاثة أجذار خمسة في أربعة أجذار ستة، فوجدنا العمل الذي قلناه قبلُ: ثلاثة أجذار خمسة جذر خمسة وأربعين، ووجدنا أربعة أجذار ستة جذر ستة وتسعين، فكأنا نريد أن نضرب جذر خمسة وأربعين في جذر ستة وتسعين. وقد تقدم الرسم فيه. فأما
الأصل الرابع
6643 - فالمقصود منه جمع الجذور وتفريقُها ونقصانُ بعضها من بعض، إذا أردنا أن نضم جذر عدد إلى جذر عدد آخر، لنعلم أن المبلغ جذر أيّ عدد يكون، فهذا ممكن في عددين مجذورين، جذر كل واحد منهما منطَّق، فإن لم يكونا مجذورين، ولكن كانا بحيث لو ضرب أحدهما في الآخر، فإن المبلغ جذر منطّق، أو إذا قسم أحدهما على الآخر كان [ما] (3) يخرج من القسمة جذر صحيح، وإن لم يكن كذلك، لم يتأت جمعُ جذريهما ليكون مجموعهما جذر العدد الآخر.
وكذلك القول في نقصان جذر أحد العددين من جذر [العدد] (4) الآخر إن كان العددان مجذورين، أو كان مبلغ ضرب أحدهما في الآخر مجذوراً، أو كان الخارج من قسمة أحدهما على الآخر مجذوراً، فإن الباقي من جذر أحدهما بعد نقصان الجذر الآخر منه يقدر جذراً لعدد معلوم، وإن لم يتحقق [مما] (5) ذكرناه شيء، لم يكن الباقي جذراً لعدد معلوم؛ فإنه لا يكون معلوماً لا تقديراً ولا تحقيقاً.
المثال: [إذا] (6) أردنا أن نجمع جذر تسعة، وجذر أربعة، فنضم التسعة إلى
__________
(1) في الأصل: عشرة: والمثبت تقدير من المحقق.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: كما.
(4) في الأصل: عدد.
(5) في الأصل: ما.
(6) زيادة من المحقق.

(10/47)


الأربعة، فتكون ثلاثة عشر، [فنحفظ] (1) ذلك، ثم نضرب التسعة في الأربعة، فتكون ستة وثلاثين، فإن شئنا أخذنا جذره [وضربناه في اثنين، فيردّ اثني عشر] (2)، وإن شئنا ضربنا الستة والثلاثين في أربعة، ثم نأخذ جذر المبلغ، فيكون (3) اثنا عشر.
والمسلكان مؤديان إلى مقصود واحد، فنزيد الاثني عشر على ثلاثة عشر، التي كانت معنا، فتكون خمسة وعشرين، وجذرها جذرُ تسعة، مع جذر أربعة مجموعين، فإن جذر الخمسة والعشرين خمسة، وهي تشمل على جذر الأربعة، وهي اثنان، وجذر التسعة وهو ثلاثة.
6644 - ولا ينبغي أن يستطيل الناظر مثلَ ذلك قائلاً: إن جمع الاثنين إلى الثلاثة لا غموض فيه، والطرق الحسابية تصاغ لإخراج المشكلات، [فإنّ] (4) ما ذكرناه تمهيد لمسلك الباب في الجليات، وسنجري في الغوامض [والمعوصات] (5).
فإذا أردنا أن نجمع جذر اثنين وجذر ثمانية، وهما أصمان، فنضم الاثنين إلى [الثمانية] (6)، ونحفظ المبلغ، وهو عشرة، ثم نضرب اثنين في ثمانية، ثم ما بلغ في أربعة، وأخذنا جذر المبلغ، وزدناه على العشرة المحفوظة، فتكون ثمانية عشر.
وهذا المبلغ وإن كان أصم، فجذره الأصم هو جذر ثمانية، وجذر اثنين مجموعين.
وإنما تأتّى لنا هذا، لأن ضرب الاثنين في الثمانية يرد عدداً مجذوراً، ولو قسمت [الاثنين على الثمانية] (7)، كان الخارج من القسمة مجذوراً أيضاً؛ فإنه ربع، والربع جذره النصف، فتأتى ما ذكرناه، وإن كان قولاً [بيّناً] (8)، ولكنه عظيم المنفعة في الأشكال الهندسية. وقد يطلقها الجبريون إذا لم يجدوا غيره.
__________
(1) في الأصل: فنحط.
(2) زيادة من المحقق.
(3) كان تامة.
(4) في الأصل: " فأما " والمثبت تصرف من المحقق.
(5) في الأصل: والمعصومات.
(6) في الأصل: الثلاثة. والمثبت تصرف من المحقق اقتضاه السياق.
(7) في الأصل: الثمانية على الاثنين، والمثبت تصرّف منا.
(8) في الأصل: " بينهما " والمثبث تقدير من المحقق.

(10/48)


وإن أردت أن تنقص جذر أربعة من جذر خمسة وعشرين، فاجمع الأربعة والخمسة وعشرين، تكون تسعة وعشرين، فاحفظها. ثم اضرب الأربعة في الخمسة والعشرين، فما بلغ، فاضربه في أربعة، فيكون أربعمائة، فخذ جذرها، وهو عشرون، فانقصها من تسعة وعشرين المحفوظة، فالباقي منها تسعة، فجذرها هو الباقي من جذر خمسة وعشرين، بعد نقصان جذر الأربعة منه وذلك ثلاثة.
وإن أردت أن تنقص جذر خمسة من جذر خمسة وأربعين، فاجمع بينهما يكون خمسين، ثم اضرب خمسة في خمسة وأربعين، فيكون مائتين وخمسة وعشرين، فخذ [جذريها] (1) وهو ثلاثون. وإن شئت، فاضربها في أربعة فتكون [تسعمائة] (2)، فخذ جذرها، وهو ثلاثون، وانقصها من الخمسين المحفوظة عندك، والباقي عشرون، وجذرها أصم، إلا أن جذره هو الباقي من [جذر] (3) خمسة وأربعين بعد نقصان [جذر] (4) خمسة منه.
هذا قياس الباب فيما ذكرناه. وأما
الأصل الخامس
6645 - فالمقصود منه بيان الاستثناء، ومقابلة الناقص بالكامل، والثابت بالمنتفي، وإذا تقابلت جملتان، فإن كان مع أحدهما أو مع كلّ واحد منهما استثناء من جنسه في الجانب الآخر ثابت، فيسقط من الثابت مقدار الاستثناء من جنسه، ثم نجمع ما بقي.
فإن كان الاستثناء من غير جنس الثابت، ولم يكن معهما استثناء، فنجمعهما كما هما، فأما النقصان والتفريق، فنجبر فيه الاستثناء من كل واحدٍ منهما بزيادته على الآخر، ثم ننقص أحدهما من الآخر.
__________
(1) في الأصل: جذريهما.
(2) في الأصل: سبعمائة.
(3) زيادة من المحقق.
(4) ساقطة من الأصل.

(10/49)


مثال الجمع: أردنا أن نجمع بين جذر ثمانين إلا خمسة، وبين عشرة إلا جذر [ثمانين] (1)، فيسقط الزائد بالناقص من المتجانسين مِثْلاً بمثلِ، فيحصل معنا خمسة، وهي المجموع الذي أردناه. وبيان ذلك أنا أردنا الجمع بين جذر ثمانين إلا خمسة فقد ذكرنا إثبات الجذر واستثناء خمسة، فكان ذلك نفياً وإثباتاً، وقلنا في الجانب الثاني عشرة إلا جذر ثمانين. فأثبتنا العشرة، ونفينا الجذر الثابت في الجانب الذي قدمناه بالجذر الذي نفيناه في الجانب الثاني، فكأنه لم يجر للجذر ذكر، وذكرنا في جانبٍ عشرة، ونفينا خمسة، فنُسقط خمسة من العشرة؛ مقابلة للإثبات بالنفي، فسلم من جميع الجملة خمسة.
ومثال النقصان: نريد أن نَنقُصَ جذر مائتين إلا عشرة، من عشرين إلا جذر مائتين، فالسبيل فيه أن نجبر أولاً جذر المائتين بالعشرة، ونزيد على عديله عشرة، فصار ثلاثين إلا جذر مائتين، فننقص الآن منها جذر مائتين، فبقي معنا ثلاثون إلا جذري مائتين، وذلك هو الباقي من عشرين إلا جذر مائتين بعد نقصان جذر مائتين إلا عشرة منه، وقس على ما ذكرناه أمثاله. وأما
الأصل السادس
6646 - فمقصوده معرفة مناسبة الجذور والكعبات واشتراكها وتباينها، فنقول: نسبة الجذر إلى الجذر تكون أبداً مثل نسبة المجذور إلى المجذور مثنَّى بالتكرير.
مثاله: نسبة جذر الأربعة إلى جذر التسعة كنسبة الأربعة إلى التسعة مثنى بالتكرير.
وبيانه أن الاثنين، وهو جذر الأربعة إذا نسبناه إلى ثلاثة، وهي جذر التسعة، فتكون الاثنان ثلثي الثلاثة، والأربعة ثلثا ثلثي التسعة، فإنها ثلثا الستة، والستة ثلثا التسعة، فقد وجد التكرير في نسبة المجذور إلى المجذور، ولم يوجد التكرير في نسبة الجذر إلى الجذر.
ونسبة الكعب إلى الكعب كنسبة المكعب إلى المكعب مثلثاً بالتكرير: مثاله - كعب
__________
(1) في الأصل: ثمانية.

(10/50)


الثمانية [اثنان] (1)، وكعب السبعة والعشرين ثلاثة، والاثنان ثلثا الثلاثة من غير تكرير، والثمانية التي هي مكعب الاثنين هي ثلثا ثلثي ثلثي سبعة وعشرين التي هي مكعب الثلاثة، لأن الثمانية ثلثا اثني عشر، والاثنا عشر ثلثا ثمانية عشر، وثمانية عشر ثلثا سبعة وعشرين، فبان أن نسبة الكعب إلى الكعب كنسبة المكعب إلى المكعب مثلثاً بالتكرير.
6647 - والمقادير الصم ذواتُ الجذور الصم جذورها مباينةٌ لجذور المقادير المنطقة بلا تلاقي، ولا تناسب، ولو ناسب المنطقُ الأصمَّ، لكان مجهولاً، ولو ناسب الأصمُّ المنطق، لكان معلوماً، وليس الأصم في معنى المنطق، وقد ننسب عدداً أصم الجذر إلى عددٍ أصمَّ الجذر ويكون جذراهما يشتركان في القوة اشتراكاً أصم لا يتأتى النطق به، كما لا يتأتى النطق بالجذر الأصم، وذلك مثل: جذر عشرة، وجذر خمسة بينهما اشتراك بالقوة، لأنا إذا ربّعنا كلَّ واحد من العددين وضربناه في نفسه، وجدنا بين المبلغين تناسباً؛ فإن الخمسة والعشرين وهو مربع الخمسة يناسب المائة، وهو مربع العشرة، فنعلم أن جذريهما الأصمين مشتركان بالقوة، وإن لم يكن ذلك الاشتراك منطوقاً به، ولا يتأتى النطق بجزئيته، لأنا إذا ضربنا الخمسة في العشرة، لم يكن المبلغ مجذوراً، وإذا قسمنا العشرة على الخمسة، لم يكن الخارج من القسمة مجذوراً، وهو اثنان. وكذلك إذا قسمنا الخمسة على العشرة، فالخارج من القسمة نصفٌ، وليس بمجذور. وإذا لم يتحقق شيء مما ذكرناه، فلا تتأتى العبارة عن جزئية في الاشتراك.
ولكن إذا كان مربع أحد العددين يناسب مربّعَ الثاني، فنعلم أن بين جذريهما وإن كانا أصمين مناسبةً بالقوة والإمكان، وإن لم يكن وجه الاشتراك منطوقاً به.
وإن كان الأصمان بحيث لو ضرب أحدهما في الثاني، كان المبلغ مجذوراً، وكان أحدهما لو قسم على الثاني، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، تَأَتَّى التعبير عن الجزئية، وإن كان العددان أصمّين.
__________
(1) ساقطة من الأصل.

(10/51)


ومثال ذلك: الاثنان والثمانية، فنقول: جذر الاثنين نصف جذر الثمانية؛ فإن الاثنين لو ضربا في الثمانية، لكان المبلغ مجذوراً. ولو قسم كل واحد منهما على الثاني، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، فنعلم أن [جذر] (1) الاثنين نصفُ جذر الثمانية؛ لأن الاثنين نصف نصف الثمانية، وقد ذكرنا أن نسبة الجذر إلى الجذر كنسبة المجذور إلى المجذور مثنًّى بالتكرير.
وإنما هذه الأصول نطلقها عن تقليد، وإنما يبرهن عليها الهندسةُ، ولكنا نأخذها عن ظنون مستندة إلى مراسم مطردة، ولو حاولت البرهان عليها من الاستقصات (2)، لم [نُعنَّ] (3)، ولكن القول فيه مجاوزٌ لحد الفقهاء وسردت، فاقتصرنا على المراسم، وذكرنا وجوهاً من المراسم تجري مجرى المذكِّرات.
6648 - وخرج مما ذكرناه أن الأصم والمجذور متباينان، لا اشتراك بينهما بوجهٍ، والأصمان إذا تناسب مربعاهما، ولكن لم يكن مبلغ ضرب أحدهما في الثاني مجذوراً، ولم يكن الخارج من القسمة مجذوراً إذا قسمنا أحدهما على الثاني، فنحكم من تناسب المربّعين بتناسب الجذرين الأصمين بالقوة، من غير جزئية.
وإن كان الأصمان بحيث يؤدي ضرب أحدهما في الثاني إلى مبلغٍ مجذورٍ، أو كانت قسمة أحدهما على الثاني تُفضي إلى كون الخارج من القسمة مجذوراً، فالجذران متناسبان، ويتأتى التعبير عن جزئية تناسبهما على قياس تناسب الجذرين المنطقين، ولكنا نطلق الجزئية والجذران مجهولان.
وكذلك إن كان المكعب الأصم إذا ضرب في مكعب أصم بلغ مكعباً منطقاً، فإذا قسم أحدهما على الآخر، خرج من القسمة مكعب [منطق] (4)، فنعلم أن كعبيهما يشتركان على القياس الذي مهدناه في الجذر.
__________
(1) في الأصل: عدد.
(2) الاستقصات: جمع استُقص، وهي كلمة يونانية، معناها العنصر.
(3) لم نُعن. أي لم يشق علينا ويرهقنا. وهي غير واضحة بالأصل، وقدرناها على ضوء السياق.
(4) في الأصل: " مطلق ".

(10/52)


ومعظم اعتناء الجبريِّين بالجذور والأموال والأعداد، ولا تترقى المسائل الحسابية في الفقه والمعاملات منها (1)، وإذا انتهت مسألة إلى مال مال، ومكعب المكعب، ردّوها إلى الجذر، وجعلوا المال جذراً، ومال المال مالاً. وإن لم يتأت لهم ذلك في مسألة نتكلف في تصويرها، وقفَ (2) الجبر والمقابلة. وأما
الأصل السابع
6649 - فمضمونه بيان المعادلات ومأخذها، وقيم المتعادلات، وعلى هذا الأصل مدار الجبر والمقابلة، وبه يتوصل إلى استخراج الغوامض، وما قدمناه من الأصول الستة ذريعةٌ إلى هذا الأصل، جاريةٌ مجرى التوطئة والإيناس.
وقد ذكرنا أن المعادلات في الشرعيات والمعاملات تقع في ثلاثة أنواع: الجذور، والأموال، والعدد. وينشأ من تعادل هذه الأنواع ستُّ مسائل: ثلاث مفردات، وثلاث مُقرنات. وهي المسائل المست المعروفة، فأما المفردات، فإنها لا تتصور تركب على الأفراد من وجهٍ رابع. وهذا إذا ذكرناه يتبينه الفاهم، فإحدى المسائل أموال تعدل جذوراً، والأخرى أموالٌ تعدل عدداً، والأخرى جذورٌ تعدل عدداً.
ولا مزيد؛ فإن قلت: جذور تعدل أموالاً، فقد اندرج تحت قولنا: أموال تعدل جذوراً.
وإن قلت: عددٌ يعدل أموالاً، فقد اندرج هذا تحت قولنا: أموال تعدل عدداً، فلا مزيد إذاً في المفردات المفروضة في الجذور والأموال والعدد، على هذه المسائل الثلاث.
ونحن نبتديها، ونذكرها بطرقها، فإذا نجزت، خضنا في المقترنات.
__________
(1) كذا في الأصل: منها، وهي بمعنى (عن)؛ حيث تأتي مرادفةً لها.
(2) وقفَ أي عجز، والجملة جواب الشرط، وجملة: نتكلف في تصويرها واقعة في محل جرّ، صفة لـ (مسألة).

(10/53)


6650 - فأما المسألة الأولى من المفردات، فنقول: أموال تعدل جذوراً. فالوجه قسمة الجذور على الأموال، فما خرج من القسمة، فهو جذر مال واحد، وإن كان مال واحد يعدل جذوراً، فعدّة الجذور نأخذها لفظاً، ونقول هي جذر المال، مثال ذلك: مال يعدل خمسة أجذار، فمعنى هذا الكلام أن المال يساوي خمسة أجذار نفسه، هذا معناه لا غير.
ولو ظن الظان أن المراد خمسةُ أجذار مبهمةٍ، وليست أجذار المال، فلا يتأتى الوفاء ببيانها قط، فليعلم الناظر أن المعنيَّ بقول الجبري: مالٌ يعدل خمسة أجذار المال، أنه يعدل خمسة أجذار نفسه. ثم يترتب عليه أن المجيب إذا أجاب بمالٍ يعدل خمسة أجذاره، فقد أجاب السائل إلى مال يعدل خمسةَ أجذار، والدليل عليه أن الأجذار لو كانت مطلقة على حسب الاتفاق (1)، لكان كل (2) مال في الدنيا يعدل خمسة أجذار، فالعشرة تعدل خمسة أجذار كل جذر اثنان، ثم (3) تدخل فيه الكسور؛ فإنها جذور، فيخرج الكلام إلى حكم الهزل، وما لا يفيد.
فإذا تُصوّرت المسألة، فالوجه فيها أن نأخذ لفظَ [السائل] (4) سَمِيَّ عدّة الجذور، فإذا قال: مالٌ يعدل خمسة أجذار، قلنا: فجذره خمسة، والمال خمسة وعشرون، وهو يعدل خمسة أجذاره.
وإن قال: نصف مالٍ يعدل خمسةَ أجذار، فمعنى الكلام نصفُ مالٍ يعدل خمسة أجذار المال الكامل؛ فإن كلَّ مجذورٍ في الدنيا لا يكون نصفه مجذوراً. فإن أتَوْا إلى المجذورات نسبة طبيعية، ونحن نذكر طريقها في الأعداد دون الكسور، فالمجذور الأول أربعة، فماذا ضممت إليه جذرَ الأربعة، وما بعد ذلك الجذر في رتبة العدد، انتهيتَ إلى [المجذور] (5) الثاني.
__________
(1) أي كيفما اتفق.
(2) في الأصل: لكل.
(3) في الأصل: وثم.
(4) في الأصل: المسائل.
(5) في الأصل: الجذر.

(10/54)


وبيانه أن جذر الأربعة اثنان، وبعد الاثنين في تركّب العدد ثلاثة، فنضم اثنين إلى ثلاثة، ونجمعها إلى الأربعة، فينتهي إلى المجذور الثاني في الأعداد.
ثم نأخذ جذر التسعة، وهو ثلاثة، ونضمُّ إليه ما بعد الثلاثة في العدد وهو أربعة، ونجمعها إلى التسعة، فينتهي إلى ستةَ عشرَ، وهو المجذور الثالث.
ثم نأخذ جذر الستة عشرَ، وهو أربعة، ونضم إليه ما بعد الأربعة، وهو خمسة، ونجمعها إلى الستةَ عشر فينتهي إلى المجذور الرابع، وهو خمسة وعشرون، فكذا ترتيب المجذورات، إلى غير نهاية.
ومن خواصها أن تَرتُّبَها أن بين كل مجذورين جذر الأول والثاني، فبين الأربعة والتسعة خمسة، وهو جذر الأربعة والتسعة. وبين التسعة والستة عشر [سبعة، وهي] (1) جذر التسعة والستة عشر، وهكذا إلى غير نهاية.
ويخرج منه أن كل عدد كان مجذوراً لم يكن نصفه مجذوراً، [ ..... ]، (2)، فإذا قيل: نصف مال يعدل خمسة أجذار، فمعناه أنه يعدل خمسة أجذار المال الكامل، فإذا وضح ذلك، قلنا: نُكمل النصف مالاً، فنزيد عليه مثله، ونزيد على الأجذار مثلَها، فيكون كقول القائل: مال يعدل عشرة أجذار، فجذر المال عشرة، والمال [مائة] (3)، ونصفها خمسون، وهو مثل خمسة أجذار المال.
وإذا قيل: ثلثا المال يعدل عشرة أجذار، فنكمل المال، ونزيد عليه مثل نصفه، فيكمل، ونزيد على عدّة الأجذار مثلَ نصفها. ويقال: مال يعدل خمسة عشر جذراً، فالجذر خمسة عشر، والمال مائتان وخمسة وعشرون.
فإن قال: خمسة أموال تعدل عشرين جذراً، فالوجه في هذا النوع أن نقسم عدد الجذور على عدد الأموال، فنقول: إذا قابلت خمسةُ أموالٍ عشرين جذراً، فكل مال
__________
(1) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(2) في المكان الخالي بين المعقفين كلامٌ مقحم نصه: " وكل عدد كان نصفه مجذوراً ". وهو خلل واضح.
(3) ساقطة من الأصل.

(10/55)


يعدل أربعة أجذار، فيكون ذلك كقول القائل: مال يعدل أربعة أجذار، فجذر المال أربعة، والمال ستة عشر.
وإن قال: خمسة أموال تعدل خمسة عشر جذراً، فالوجه قسمة الخمسة عشر على الخمسة، كل واحد من الأموال ثلاثة، فيؤول غرض السؤال إلى قول القائل: مال يعدل ثلاثة أجذار، فجذر كل مال ثلاثة والمال تسعة.
فإن ذكر السائل في صيغة سؤاله عدداً من الجذور في مقابلة عدد من الأموال، وكان بحيث لو قسمنا الجذورَ على الأموال، لقابل كلَّ مالٍ جذرٌ وجزءٌ، مثل أن يقول: خمسة أموال تعدل سبعة جذور ونصف، فإذا قسمنا [السبعة] (1) والنصف على الخمسة، قابل كلَّ مالٍ جذرٌ ونصفٌ، فالمسألة مستحيلة في الوضع؛ فإن المال لا يكون مجذوراً على هذا النسق، ولا يتصور مالٌ يعدل مثلَ جذر نفسه، ومثلَ نصف جذره، نعم، يتصور أن يكون الواحد والنصف جذراً، فيكون المال حينئذ اثنين وربعاً، ولكن الواحد والنصف جذرٌ واحد، فلا بد في هذا النوع من ذكر المقابلة على وجه يقع في مقابلة كل مال عند القسمة عدد صحيح، أو واحدٌ، لا كسر معه.
فإن قال: عشرة أموال تعدل عشرين جذراً، فيقابل كلُّ مال [جذرين] (2)، فكل مال أربعة، وجذره اثنان.
فإن قال: عشرة أموال تعدل عشرة جذور، فكل مال واحد، وجذره واحد.
فأما إذا نقصت [عدّة] (3) الجذور عن عدد الأموال، فالعبارة مستحيلة، وكذلك إذا كانت القسمة تقتضي كسراً.
فهذا بيان مسألة واحدة من المفردات، وهي معادلة [الأموال للجذور] (4).
6651 - فأما الثانية، فهي أن تعدل الأموالٌ عدداً، كقول القائل: مالٌ يعدل ستة
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: جذراً.
(3) في الأصل: عدد.
(4) في الأصل: للأموال المجذورة.

(10/56)


عشرَ، فهذا النوع سهل في الوضع، والمراد أن المال ستةَ عشرَ، وجذره جذر ستةَ عشرَ، وهو أربعة.
فإن قال: خمسة أموال تعدل خمسة وأربعين، فرُدَّ الأموالَ إلى خمسها، والعددَ إلى خمسه، فيكون كقول القائل: [مالٌ] (1) يعدل تسعة، فالتسعة مجذورة، وجذرها ثلاثة.
ثم هذا النوع ينبغي أن يوضع وضعاً يكون العدد مجذوراً في نفسه. وإذا وضع على وجهٍ لا يكون العدد مجذوراً، فالمال الذي يقابله لا يكون مجذوراً، كقول القائل: مال يعدل سبعة، فنقول المال سبعة، وليس له جذر منطق، والغالب على عادات الحسّاب إذا أطلقوا ذكر المال أن يريدوا به المجذورَ؛ فإن المال الذي هو إقامة ضرب جذره في نفسه.
وإذا لم يكن الجذر منطقاً، فلا يتأتى منّا وضع مالٍ بطريق ضرب جذره في نفسه.
فإن كنت تعني بالمال المجذورَ الذي جذره منطق، فينبغي أن يوضع العدد في مقابلة المال مجذوراً، وإذا وُضعت أموالٌ في مقابلة عددٍ، فينبغي أن يوضع العدد وضعاً لو قسم على الأموال، لكان الخارج من القسمة مجذوراً، فإن لم تُرد بالمال المجذورَ، فلا استحالة في تسمية الأصم مالاً؛ فإن له جذراً في علم الله تعالى، لا يطلع على مقداره غير الله، والهندسة تبين جذرَ الأصم عياناً، ولكن لا تنتظم عبارةٌ غيرُ (2) مبلغه ومقداره.
فإذا كان المراد هذا، وقال السائل: مالٌ يعدل خمسة، فالمال خمسة، ولكن الغالب في الوضع في مراسم الحُسّاب ما ذكرناه من طلب كوْن المال مجذوراً في وضع المسائل. فإن قال السائل: ثلث مالٍ يعدل سبعةً وعشرين، فَنكمل جزء المال، ونُبْلغه مالاً بأن نزيد عليه مثليه، وإن أردنا قلنا: بأن نزيد عليه ضعفه، ثم نزيد على العدد أيضاً ضعفه، فحصل معنا مالٌ يعدل أحداً وثمانين، فالمال هذا المبلغ وجذره
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) المعنى: الهندسةُ تبين جذر الأصم عياناً، بغير عبارة وألفاظ، فقط يظهر مبلغه ومقداره.

(10/57)


تسعة، وقد وضعنا المسألة وضعاً إذا كمل المال نزيد على العدد [مثليه] (1)، كان المبلغ مجذوراً على حسب ما ذكرناه الآن.
6652 - المسألة الثالثة من المفردات - جذورٌ تعدل عدداً، فالوجه أن نقسم العدد على الجذور، فما خرج من القسمة، فهو قيمة جذرٍ واحد.
مثاله: خمسة أجذار تعدل عشرين من العدد، فالجذر أربعة، وهو جذر ستةَ عشرَ، ولا حاجة في هذا القسم إلى تكلفٍ في الوضع؛ فإنه إذا قوبل عددٌ بجذرٍ، فكل عدد في عالم الله يجوز أن يكون جذراً، ولو أخرجت القسمةُ كسوراً، فلا استحالة؛ إذ لا كسر إلا ويجوز أن يكون جذراً، وإذا قال السائل: عشرة من العدد تعدل عشرين جذراً، [فكل] (2) جذر نصف، وماله ربع، وهذا لا إشكال فيه. وإن قال: نصف جذر يعدل العشرة، والجذر التام يعدل عشرين، فالمال أربعمائة.
وقد نجز القول في وضع المسائل الثلاث في المعادلات المفردة.
6653 - فأما إذا فرضت المعادلات مقترنةً، فينتظر مع الاقتران ثلاث مسائل في الوضع بلا مزيد، ولا يُتصوّر غيرُها إذا كان [سائغاً] (3) من الأنواع الثلاثة: المال، والجذر، والعدد. فيركب الاقتران منها، ثم يقع نوعان في صورة الاقتران في جانب، ونوعٌ واحدٌ في مقابلهما.
ولا يتأتى تركيب الاقتران من الثلاثة إلا كذلك، فيتصور إذاً ثلاث مسائل: أموال وجذور تعدل عدداً، وأموال وعدد يعدل جذوراً، وجذور وعدد يعدلان أموالاً.
6654 - المسألة الأولى: مال وجذر يعدلان عدداً. فإذا قال القائل: مال وعشرة أجذار يعدلان تسعة وثلاثين من العدد، فمعنى الكلام: أيّ مالٍ إذا زيد عليه عشرة أجذاره، بلغ تسعة وثلاثين.
__________
(1) في الأصل: مثله.
(2) في الأصل: وكل.
(3) في الأصل: شائعاً.

(10/58)


هذا وضع السؤال، ومن ضرورة هذا النوع إضافة الجذور إلى المال، والتقدير مالٌ وعشرة [أجذاره] (1) تعدل عدداً، وحق ذلك أن يوضع وضعاً ينتظم فيه التقدير إذا أردناه، حتى لو قال السائل: مال وعشرة أجذار تعدل ثلاثين من العدد، لم يكن الكلام مستقيماً؛ فإنك لا تجد مالاً مجذوراً تزيد عليه عشرةَ أجذار، فيبلغ ثلاثين، فالرسم المعهود من الحُسّاب له مسلكان في هذا المعنى: أحدهما - يؤدي إلى إدراك الجذر، والثاني - يؤدي إلى المال نفسه. فأما السبيل الذي يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن ننصفَ عدد الأجذار، ونضرب نصف العدد في نفسه، ونزيدَ مبلغه على العدد المذكور في مقابلة المال والجذور، وتأخذ جذر ما بلغ، وتنقص منه نصفَ هذه الأجذار، فما بقي فهو جذر المال، فنقول في هذه المسألة التي وضعناها: نأخذ نصفَ الجذور خمسة، ونضربها في نفسها، ونزيد المبلغ على العدد المذكور في المسألة، وهو تسعة وثلاثون، فيبلغ أربعة وستين، فنأخذ جذرها ثمانية وننقص منها نصف الأجذار، وهو خمسة، فيكون الباقي ثلاثة، وهو جذر المال، والمال تسعة، فإذا زدنا عليها عشرة أجذارها، بلغ تسعة وثلاثين.
وأما الطريق التي تؤدي إلى مبلغ المال أن نضرب عدد الأجذار وهي في هذه المسألة عشرة في مثلها، فتكون مائة، فنضرب هذه المائة في العدد المذكور، وهو في هذه المسألة تسعة وثلاثون، فيبلغ ثلاثة آلاف وتسعمائة، فنحفظ هذا المبلغ، ثم ننصف المائة ونأخذ نصفها، خمسين، ونضربه في مثله، فيكون ألفين وخمسمائة فنزيدها على ثلاثة آلاف وتسعمائة، فيصير المبلغ ستة آلاف وأربعمائة، فنأخذ جذرها، وهو ثمانون. ونضم خمسين إلى العدد المذكور في المسألة، فتصير تسعة [وثمانين] (2)، ثم نحط من هذا المبلغ المجموع الثمانين، التي هي جذر ستة آلاف وأربعمائة، وننظر إلى الباقي، وهو المال.
وحقيقة هذا الفن لا يطلع عليها إلا من يعلم أنه لا يجري في كل عدد كما قدمناه،
__________
(1) في الأصل: أجذار.
(2) في الأصل: ومائتين.

(10/59)


فليوضع العدد وضعاً إذا زاد على المال أعداد أجذاره المذكورة، لكان مقابلاً للعدد الموضوع في سؤال السائل، هذا لا بد منه، فيحتاج الحاسب أن يتطلع على ما يمكن أن يقابل المالَ وجذره من العدد، ثم نضع المسألة لإرشاد الطالب في عدد يستقيم، كما ذكرناه.
6655 - المسألة الثانية من المقترنات: أموالٌ وعددٌ يعدل جذوراً، كقول القائل: مالٌ، وأحدٌ وعشرون من العدد يعدلان عشرة أجذار، فمعنى السؤال: أي مالٍ إذا زدت عليه أحداً وعشرين درهماً، كان المبلغ مثل عشرة أجذار ذلك المال؟
وفي هذا النوع المعادلة طريقان كل واحد منهما يؤدي إلى الزيادة مرة، وإلى النقصان أخرى، وقد يؤدي إلى أحدهما دون الآخر، ثم يجري مسلكان: أحدهما - يؤدي إلى جذر المال. والثاني - يؤدي إلى معرفة المال بعينه.
[فأما] (1) الذي يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن ننصف الأجذار، ونضرب نصفها في مثلها، وننقص العدد المذكور في المسألة من مبلغها، ونأخذ جذر ما بقي وننقصه من نصف الأجذار، ونزيده عليه، فما بقي بعد النقصان، أو بلغ بعد الزيادة، فهو جذر المال، فربما خرجت المسألة بالزيادة والنقصان، وربما خرجت بالنقصان دون الزيادة، وربما خرجت بالزيادة دون النقصان.
ففي هذه المسألة نضرب نصف الأجذار وهو خمسة في مثلها، فتبلغ خمسة وعشرين، فننقص منها العدد وهو أحد وعشرون، فيكون الباقي أربعة، فنأخذ جذرها، وذلك اثنان، [فإذا زدناه] (2) على نصف الأجذار، فيكون سبعاً، وهو جذر المال: تسعة وأربعون، فإذا زدنا عليها أحداً وعشرين من العدد، بلغ سبعين، وهي مثل عشرة أجذار المال.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: " فأي شيء زدنا " والمثبت تصرف من المحقق على ضوء حقائق المسألة ومعطياتها الحسابية.

(10/60)


[وإن شئنا] (1) نقصنا الاثنين من نصف [الجذور] (2)، فيكون الباقي ثلاثة، وهو جذر المال تسعة، وإذا زدنا عليه أحداً وعشرين، بلغ ثلاثين، وهي مثل عشرة أجذار تسعة، التي هي المال. وقد خرجت المسألة بالزيادة والنقصان.
ومعنى ذلك أن المسألة موضوعة وضعاً يتأتى فيه الجواب بطريق الزيادة، ويكون سديداً، ويتأتى فيها الجواب بطريق النقصان، ويكون سديداً.
ويحتاج هذا الفن إلى وضع العدد المضموم إلى المال على وجهٍ ينتظم فيه معادلة المال، والعدد الموضوع معه بعدد جذوره، وهذا إنما يتأتى بأن يفرض الواضعُ مالاً في نفسه مجذوراً، ويقدر له جذوراً، ونعرف مبلغها، ثم يضم إلى المال عدداً يقابل ذلك المبلغ، ثم يذكر الطريق.
وقد يتأتى له الوضع مع الزيادة، وقد يتأتى الوضع مع النقصان، وقد يتأتى [معهما] (3).
وإن وضع السائل عدداً إذا ضربنا نصف الأجذار في مثله، كان مبلغه أقلّ من العدد المذكور في المسألة مع المال، فالمسألة مستحيلة.
فإن كان المبلغ مثلَ العدد الذي معك في المسألة، فخذ الجذر مثلَ نصف عدد الأجذار، ولا تحمل عدداً أكثر من هذا.
ومثاله: مالٌ، وخمسة وعشرون من العدد تعدل عشرة أجذار المال. فنضرب نصف العشرة في نفسه فيصير خمسة وعشرين، فجذره خمسة، وهو جذر المال، فالمال خمسة وعشرون، والمضموم إليه خمسة وعشرون، والجملة تعدل عشرة أجذار خمسة وعشرين.
فإن كان ما يرده ضربُ نصف الأجذار أكثرَ من العدد المضموم إلى المال، فينبغي أن يكون بحيث لو نقص منه العدد، لكان الباقي مجذوراً، حتى لو قيل مالٌ وعشرةٌ من
__________
(1) في الأصل: " وأي شيء "، وهو تصحيف تكرر آنفاً.
(2) في الأصل: " الجذر " والمراد نصف عدد الجذور المفروضة في المسألة.
(3) في الأصل: معها.

(10/61)


العدد تعدل عشرة أجذاره، فالعشرة لو حُطّت من مبلغ ضرب نصف الأجذار في نفسه، لبقي خمسة [عشر] (1)، وليست خمسةَ عشرَ مجذوراً، فلا ينتظم الكلام على الجذور المنطقة.
فهذا وجه التنبيه على حقيقة هذا النوع وأقسامه. وقد ذكرنا في المسألة التي وضعناها ما يؤدي إلى معرفة الجذر.
فأما الطريق التي تؤدي إلى معرفة المال، فالرسم في هذه المسألة أن نضرب عدد الجذور في نفسه فتبلغ مائة، ثم نضرب هذه المائة في العدد الذي في المسألة، وهو أحدٌ وعشرون فيبلغ ألفين ومائة، ثم نأخذ نصفَ المائة، ونضربها في مثلها، فيكون ألفين وخمسمائة، فنُسقط منه المبلغَ الأول وهو ألفان ومائة، فيكون الباقي أربعمائة، فتأخذ جذرها، وذلك عشرون، فإن شئت، فأسقطها من الخمسين التي هي نصف المائة، فيكون الباقي ثلاثين، فأسقط منها الواحد والعشرين، التي كانت مع المال، فيكون الباقي تسعة، فهي المال.
وإن شئت فرُدَّ العشرين إلى الخمسين، فيكون سبعين، ثم أسقط منها الواحد والعشرين التي مع المال، فيكون الباقي [تسعة] (2) وأربعين، وهو المال، فخرجت الزيادة والنقصان في المال، كما خرجا في السبيل المؤدي إلى الجذر، وهكذا يكون لا محالة.
6656 - المسألة الثالثة من المقترنات: جذورٌ وعدد تعدل أموالاً. مثل قولك: ثلاثة أجذار، وأربعة من العدد يعدلان مالاً. وفي هذا النوع [سببان يُفضي] (3) أحدهما إلى مبلغ الجذر، والثاني إلى مبلغ المال.
فأما ما يؤدي إلى الجذر، فالرسم فيه أن نضرب نصفَ الأجذار في مثله، ونزيد المبلغ على العدد، ونأخذ جذر ما بلغ، [ونزيده] (4) على نصف الأجذار، فما بلغ،
__________
(1) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة إلا بها.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبب لأن يقتضي.
(4) في الأصل: نزيد.

(10/62)


فهو جذر المال، ففي هذه المسألة نضرب نصف الأجذار، وهو واحد ونصف في مثله، فيردّ اثنين وربعاً، فنزيدها على العدد وهو أربعة، فيبلغ ستةً وربعاً، فنأخذ جذره، وهو اثنان ونصف، ونزيد ذلك على نصف الأجذار، وهي واحد ونصف، فيبلغ أربعة، وهو جذر المال، فالمال ستة عشر. فإذا أخذنا ثلاثة أجذاره، وزدنا عليه أربعةً من العدد، كان المبلغ ستةَ عشرَ، مثلَ المال.
وليس يخفى على الفطن -وقد ذكرنا الغرض مراراً- أن هذه المسائل لا بد من وضعها على التقدير الذي يصح، وليس ما يسترسل على كل عدد في كل جذر.
والسبيل الذي يؤدي إلى المال في المسألة التي ذكرناها أن نضرب الأجذار، وهي ثلاثة في نفسها، فتصير تسعة، ثم نضرب هذه التسعة في العدد الذي معنا، وهو أربعة، فيبلغ ستة وثلاثين، فنحفظ هذا، ثم نأخذ نصفَ التسعة وهو أربعة ونصف، فنضربها، في مثلها، فيكون عشرين وربعاً، فنزيدها على الستة والثلاثين، فتبلغ ستة وخمسين وربعاً، فنأخذ جذرها، وهو سبعة ونصف، ومعنا نصف التسعة، والأربعة الموضوعة في العد المذكور في المسألة، والجملتان ثمانية ونصف، فنزيد عليها سبعة ونصف، فيبلغ ستة عشر، وهي المال، فيخرج كما خرج بالعمل الأول.
وإذا ذكرت عدداً من المال في المعادلات، فالوجه أن ترده إلى مالٍ واحد، ورُدَّ كل نوع من النوعين الآخرين إلى مثل ما رددت إليه المال، ثم استعمل فيه الرسوم التي ذكرناها.
وإن كان جنس المال جزءاً من المال، أو أجزاء دون التمام، فكمّل المال، ثم زد على واحدٍ من النوعين الآخرين، وهما الجذور والعدد مثل ما زدته في جنس المال بالنسبة، ثم تستعمل فيه الرسوم.
فهذه قواعد الجبر في المفردات، والمقترنات، وستزداد تهذّباً إذا خرجنا عليهما مسائل الكتاب، إن شاء الله عز وجل. ونحن نبتدىء بعد ذلك بالقول في الوصية بالجزء والنصيب ونستعين بالله، وهو خير معين.

(10/63)


القول في الوصية بالأنصباء، والأجزاء الشائعة
6657 - قد تقدم كلامٌ بالغٌ في الوصية بأنصباء الورثة، وسبق تفصيل القول في الوصية بأجزاء المال، وأوضحنا في كل نوع ما يليق به، ويُفيد الناظر استقلالاً فيه، حملاً وحساباً.
ونحن الآن نبتدىء القولَ في الوصية بنصيب بعض الورثة، مع الوصية بجزءٍ من المال.
وأول ما يقتضي الترتيبُ ابتداءه أن نقسّم، فنقول: إذا أوصى بنصيب وجزءٍ شائع، لم يخل، إما أن يكون الجزء الشائع مضافاً إلى كل المال، وإما أن يكون مضافاً إلى ما يتبقى بعد النصيب. فإن كان مضافاً إلى كل المال، [فلا] (1) حاجة في إيضاح الجزءِ، والنصيب إلى الطرق الجبرية، والمسالك المستنبطة منها. ولكن سبيل إيضاح ذلك وتصحيحه، كسبيل تصحيح مسائل الفرائض.
وإن وقعت الوصية بالنصيب، ثم بجزءٍ مما بقي بعد النصيب، أو بجزءٍ من جزءٍ يعدل النصيبَ، فمسائل هذا النوع تتعقّد، ولا يمكن استخراجها بحساب الفرائض، فإذ ذاك نستعمل الطرق الجبرية، وما استخرجه الحُسّاب منها، وسبب الاحتياج إليها، أن الجزء إذا أضيف إلى ما تبقى بعد النصيب، والنصيبُ في وضع المسألة مجهول، والباقي مجهول، وتكثر الأنصباء بقلة الجزءِ، وتقل بكثرة الجزءِ، ثم تنعطف قلّة أنصباء البنين على قلة [النصيب] (2) الموصى به، وإذا [قلّ] (3) ذلك، كثر الباقي، فلا بد لمن يحاول الإفهام والتقريب من ذكر مراسم الحُسّاب.
وإذا كان الجزء مضافاً إلى جزءٍ مما يبقى بعد النصيب، فيتضمن ذلك الجهالة المُحْوِجَة إلى الجبر والمقابلة، وهو كالوصية بثلث ما بقي من الثلث بعد النصيب.
__________
(1) في الأصل: ولا.
(2) في الأصل: نصيب.
(3) في الأصل: قال.

(10/64)


وكذلك الوصيةُ بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما تبقى، يفتقر إلى الجبر والمقابلة، وهو كما لو أوصى بنصيب أحد البنين إلا عُشر ما بقي من المال، أو من جزءٍ.
ونحن نأتي بهذه الفصول مفصلةً، ونأتي في كل فصلٍ منها بطرق مطردةٍ، أصل جميعها الجبر والمقابلة، أصل (1) الجبر أسرار النسبة. ولو اطلع مطّلع على سرّ النسبة، لم يحتج إلى شيء من مراسم الحسّاب، ولكن الوصول إلى حقائق النسب ليس بالهين، وتقع الهندسة، وخواصُّ العدد المسمى ريماطيقي جزءاً منها، وأشبه شيء بالنسب، [والطرقِ] (2) الموضوعة في الحساب الذوقُ في الشعر مع العروض، فمن استدّ ذوقه، قال الشعر، ومن لا يترقى ذوقه، نظم، [و] (3) قام له العروض مقام الذوق، إذا أحكم مراسمها. كذلك طرق الحُسّاب إذا تمرن المرء عليها، أهدته إلى إخراج المجاهيل، وقد تطول دُرْبته فيها، فيتطلع إذ ذاك إلى النسب.
6658 - ونحن نبدأ بالقسم الأول: وهو ما لا يحوج إلى الجبر، ويقع الاكتفاء فيه بحساب الفرائض.
فنقول: إذا أوصى بنصيب أحد البنين، وأوصى بجزءٍ من جميع المال، فإن كانت الوصيتان جميعاً تخرجان من الثلث، أو زادتا عليه، وأجاز الورثة الزائدَ على الثلث، فالوجه أن [يُجعلَ] (4) الموصَى له بالنصيب [كأحد] (5) البنين، ونلقيه في جانبهم، ونقيم لفريضة الوصية بجزء من المال مسألة، ثم نقسم ما يفضل من ذلك الجزء على البنين، وعلى الموصَى له بالنصيب.
وإن كان الباقي من فريضة الجزء ينقسم على فريضة البنين، وقع الاكتفاء بها.
__________
(1) كذا: " أصل الجبر .. " بدون واو. وهو أسلوبٌ سائغ.
(2) في الأصل: فالطرق.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: يحصل.
(5) في الأصل: لأحد.

(10/65)


وإن كان الباقي لا ينقسم على فريضة البنين، ضربنا فريضتهم، أو وَفْقَها -إن كان وفقٌ- في فريضة الوصية بالجزء، وأعدنا القسمة.
وإن زادت الوصيتان على الثلث، [وردّ] (1) الورثةُ الزيادة، [نحصر] (2) الوصيتين في الثلث، ونقسم الثلث بينهما على نسبة القسمة في الإجازة.
وبيان ذلك بالأمثلة: أوصى لواحد بثلث ماله، ولآخرَ بمثل نصيب أحد الأولاد، وله خمسة من البنين، فنجعل الموصى له بالنصيب ابناً سادساً، ونقيم فريضتهم من ستة، وفيهم الموصى له بالنصيب، ثم نقيم فريضة الوصية بالجزء. فإن كان أوصى بثلث ماله، ففريضة الوصية من ثلاثة: يسلم إلى الوصية سهم، فيبقى سهمان يوافقان فريضة الورثة والموصى له بالنصيب بالنصف، فنضرب نصف ستة في فريضة الوصية، فتصير تسعة: للموصى له بالثلث ثلاثة، والباقي ستة بين البنين وبين الموصَى له بالنصيب على استواء؛ لكل واحدٍ منهم سهم، والوصيتان زائدتان على الثلث؛ فإن الأربعة من التسعة أكثر من ثلث المال.
فإن أجاز الوارثون، فذاك. والأمر على ما بيّناه.
فإن ردّ الورثةُ الزيادة، نحصر الوصيتين في الثلث، ونقسمه بين الموصى له بالثُلث، وبين الموصى له بالنصيب أرباعاً، فنجعل الثُلثَ أربعةً: للموصى له بالثلث منها ثلاثة، وللموصَى له بالنصيب سهم.
وطريق تصحيح المسألة أن نجعل الفريضتين: فريضة الوصية، وفريضة الميراث من ثلاثة، ثم نُقيم فريضة الوصية من أربعة، وفريضة البنين من خمسة، فإن الموصى له بالنصيب وقع في الثلث، ثم سهم من الثلاثة ينكسر على فريضة الوصية، وهي أربعة، وسهمان ينكسران على فريضة البنين، وهي خمسة، وليس بين الأربعة والخمسة موافقة بجزء صحيح، فنضرب خمسة في أربعة فتصير عشرين، ثم نضربها في أصل المسألة، وهي ثلاثة، فتصير ستين.
__________
(1) في الأصل: عدّ.
(2) في الأصل: ويحصره.

(10/66)


ولو قلت في الابتداء: نحتاج إلى عددٍ [يخرج منه] (1) ثلث وربع وخمس: الثلث [لنميّز] (2) محلّ الوصية، والربع لانقسام الثلث أرباعاً، والخمس لعدد البنين، فنطلب عدداً هو مخرج هذه الكسور، والطريق فيه أن نضرب الثلاثة في الأربعة، ثم المبلغ في الخمسة، فيردّ ستين. وإذا انقسم المال على هذا البسط أثلاثاً وأرباعاً وأخماساً، ينقسم كل جزء من أجزاء المال على هذه النسب، والوصية عشرون، وهو الثلث، نصرف ثلاثة أرباعه، وهو خمسةَ عشرَ إلى الموصى له بالثلث، ونصرف خمسة إلى الموصى له بالنصيب، ونقسم الباقي وهو أربعون على البنين الخمسة، لكل واحد منهم ثمانية [ونقص] (3) نصيبُ الموصى له بالنصيب عن نصيب واحد من البنين بسبب الرد والحصر في الثلث.
وهذا قياس هذا الباب.
ومن أحكم ما قدمناه، هان عليه ما ذكرناه الآن، وما في معناه، فلسنا نرى لتكثير الصور في هذا القسم معنىً.
6659 - فأما إذا أوصى لإنسانٍ بنصيب أحد البنين، وأوصى لآخر بجزءٍ بعد النصيب، فهذا يقع على صورٍ، ونحن نُفرد لكل نوع فصلاً، ونذكر ما فيه من الطرق والتقريبات.
فصل
في الوصية بنصيب أحد البنين مع الوصية بجزءً من الباقي بعد النصيب
6660 - رجل ترك ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بعشر ما بقي من ماله بعد النصيب.
فنبدأ بطريقة الجبر فنقول: نأخذ مالاً، فنعطي منه نصيباً، فيبقى مالٌ إلا نصيب، فيخرج من هذا الباقي عُشرُه بسبب الوصية بالعشر بعد النصيب، فيبقى تسعةُ أعشار
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) فنميز.
(3) في الأصل: ونفض.

(10/67)


مالٍ، إلا تسعة أعشار نصيب. وهذا يعدل أنصباء الورثة، وهم ثلاثة، فنجبر تسعة أعشار المال بتسعة أعشار نصيب، ونزيد على عديلها مثلَها، وعديلُها ثلاثة أيضاً، فصارت الآن ثلاثة أنصباء، وتسعة أعشار نصيب.
ثم هاهنا مسلكان: أحدهما - مسلك الإكمال، والثاني - مسلك البسط.
فأما مسلك الإكمال، وهو أوجز، فالوجه فيه أن نقول: معنا تسعة أعشار مالٍ، لا نقص فيها، تعدل ثلاثة أنصباء، وتسعة أعشار نصيب، فنُكمل هذا المال، بأن نزيد عليه مثلَ تُسعه، فيصير مالاً كاملاً، ثم نزيد على الأنصباء، وما معها من كسر مثلَ تسعها، وفاءً بالتعديل، فتصير الأنصباء بهذه الزيادة أربعة وثلثاً، فنبسطها أثلاثاً، فتصير ثلاثةَ عشرَ، ونبسط المال أيضاً على هذه النسبة، فيصير ثلاثة، فإذا انتهينا إلى هذا المنتهى، قلبنا الاسم والعبارة، وجعلنا النصيب ثلاثة والمال ثلاثة عشر، فيخرج من هذا المبلغ [النصيب] (1) للموصى له بالنصيب، وهو ثلاثة، فيبقى عشرة: للموصى له بعُشر الباقي سهمٌ واحد، والباقي وهو تسعة بين البنين، لكل واحد منهم ثلاثة. هذه طريقة الإكمال.
6661 - الطريقة الثانية - طريقة البسط من غير إكمال، فنقول: إن كان معك تسعة أعشار مال تعدل ثلاثة أنصباء، [و] (2) تسعة أعشار نصيب، فنبسط الأنصباء أعشاراً، فتصير الأنصباء تسعة وثلاثين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون المال تسعة وثلاثين، والنصيب تسعة. ثم المبلغان متوافقان بالثلث، فيرد كل واحد إلى ثلاثة بطريق القطع والاختصار، فيصير المال ثلاثة عشر، وللنصيب ثلاثة ويؤول الأمر إلى ما ذكرناه في طريق الإكمال.
6662 - وذكر بعض الحُسّاب قياساً آخر في طريق الجبر، فقال: نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، فيبقى منه مال إلا نصيب، فنعطي منه لكل ابن نصيباً أيضاً، [و] (3)
__________
(1) في الأصل: للنصيب.
(2) في الأصل: أو.
(3) الواو زيادة من المحقق.

(10/68)


الأنصباء متساوية، فيبقى مال إلا أربعة أنصباء، فنعلم أن هذا الباقي هو حق الموصى له بالجزء بعد النصيب.
ولكنا قد علمنا أن الجزء الموصى به عُشرُ [ما] (1) بعد النصيب الأول، فنضرب هذا [المال] (2) الناقصَ بأربعة أنصباء، [في عشرة] (3)، فيردّ عشرة أموال إلا أربعين نصيباً، وهذا يعدل مالاً [إلا نصيبا] (4).
وهاهنا تأمل قبل أن نجبر ونقابل، وذلك أنه حط الأنصباء الأربعة أولاً على جهالة، ثم لما ضرب في مخرج العشر ردّ الأنصباء الثلاثة إلى الأعشار، وأجرى الجبر والمقابلة بين ما بقي بعد النصيب وبين الأموال التي بسطها.
والسبب فيه أن الجهالة تعتري هذه المسألة؛ من جهة أنا نُحْوَج إلى إسقاط نصيب، ثم ذلك النصيب الذي يسقط بنسب الأنصباء الباقية، فالأنصباء بجملتها تُحَطّ، ثم نبسط المالَ على تقدير حطها، ثم إذا آل الأمر إلى المقابلة دون الأنصباء الثلاثة، فإن الأموال بعد النصيب الأول تقابل الجزءَ وأنصباءَ البنين. فإذا ثبت هذا، قلنا: معنا عشرة أموال ناقصة أربعين نصيباً، تعدل مالاً ناقصاً بنصيب، فنجبر الأموال أربعين نصيباً، ونزيد على عديلها أربعين نصيباً، فينجبر المال الناقص بنصيبٍ واحد، فتبقى عشرة أموال كاملة، تعدل مالاً كاملاً وتسعة وثلاثين نصيباً، فنسقط المثل بالمثل، كما ذكرناه في مراسم الجبر، فنقول: المال من ذلك الجانب يقابل مالاً من الجانب الآخر، فيتساقطان، فيبقى [تسعة] (5) أموال في مقابلة تسعة وثلاثين نصيباً، فنقلب الاسم والعبارة، فنجعل النصيب تسعة والمال تسعة وثلاثين، ثم نرد بالاختصار إلى الثلث، كما تقدم، فيصير المال ثلاثة عشر، والنصيب ثلاثة (6)، فتلتقي الطرق.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: "وعشرة" والتصويب من المحقق.
وصورة المسألة هكذا: (مال - 4 أنصباء) ×10= 10 مال - 40 نصيباً.
(3) في الأصل: وعشرة.
(4) في الأصل: " مالا للأنصبا ".
(5) في الأصل: سبعة.
(6) صورة المعادلة حسابياً هكذا: =

(10/69)


فهذا طريق الجبر والمقابلة.
6663 - وعلينا على إثر ذلك أن نبين شيئين: أحدهما - أن نلحق ذلك النوع بمسألة من المسائل الست، فنقول: هي من المفردات، وهي من قبيل مقابلة أعدادٍ بأشياء مجهولة، حتى يتبين حصة كل شيء، ثم أجرينا مراسم الجبر والمقابلة والتكميل، وإسقاط المتماثلين.
والثاني - أن الجبريين استعملوا قلب العبارة والاسم، وهذا في ظاهره كالتحكم، وهو لائحٌ؛ فإن المال إذا قسم على الأشياء المجهولة، انبسطت انبساطها، فصارت مالاً، وثبت لهم بمناسبة الجبر أن عدد المال قبل البسط كعدد النصيب، فقالوا: كذلك نقلب العبارة، ونجعل المقسومَ المنبسط على الأنصباء مالاً، والمناسبَ للنصيب على ما أخرجه الجبر نصيباً.
يحققه أنك إذا قسمت، قلبت المال وجذر كل نصيب، كما قلبت العبارة إليه، غير أنهم وجدوا النصيب المخرج مجهولاً، وامتحنوا القسمة المخرجة للقلب، فأطلقوا عبارة القلب ليسهل حطّ النصيب وإخراجُه، وقسمة الباقي.
6664 - طريقة الخطأين (1)، وهي طريقة قدماء الحكماء، وهي تذكر على
__________
= 10 أموال - 40 نصيبا= مال - نصيب.
فنجبرها بالزيادة والنقص هكذا:
10 أموال - 40 نصيباً+40 نصيباً - مال= مال - نصيب+40 نصيباً - مال.
فنُسقط الزائد بالنافص، فيبقى معنا:
9 أموال= 39 نصيباً
فنقلب الاسم والعبارة، فيكون: النصيب 9، والمال 39.
والباقي لا يخفى.
(1) حساب الخطأين عند المحاسبين: اسم عمل يعلم به العدد المجهول بعد الخطأين. (ر. كشاف اصطلاحات الفنون: 2/ 402) وفيه مزيد شرح وتمثيل لهذا النوع من الحساب.
بصورة أوضح مما عرضها إمامنا.
وانظر الموسوعة العربية العالمية مجلد 16 ص 524 مادة (العلوم عند المسلمين) فقد جاء فيها: "استخرج رياضيو العرب والمسلمين المجاهيل العددية عن طريق التحليل بطريقين أخريين، قلّما يعرفهما شخص في العصر الحديث سوى المتخصصين في الرياضيات، وهاتان =

(10/70)


وجهين: يسمى أحدهما - الخطأ [الأصغر] (1) ويسمى الثاني - وهو مبني على الأول - الخطأ [الأكبر] (2).
فأما الخطأ الأكبر، فهو أن يخطىء خطأين، ثم يخرج الصواب من بينهما، والخطأ الأصغر هو الذي يخرج الصواب بخطأٍ واحد.
فأما [الأصغر] (3) فتأخذ عشرة لاحتياجك إلى العُشر، وتزيد عليه واحداً لعلمك بالاحتياج إلى إخراج نصيب، وهذا الواحد تزيده لذلك، ثم تأتي بعده بعَشْر، وانظر ما يكون، وامتحن، فتدفع إلى الموصى له بمثل نصيبٍ واحداً؛ فيبقى عَشرة، وتدفع عشرها إلى الموصى له بالعشر بعد النصيب؛ فيبقى تسعة، يأخذ منها كلُّ ابن واحداً؛ فإنك قدَّرت النصيب واحداً؛ فيفضل ستة أسهم، فهذا هو الخطأ الأول، وقد زاد المال على ما قدرناه من الأنصباء. فنزيد النصيب سهماً آخر، ونجعل المال اثني عشر، والنصيبَ اثنين، فندفع إلى الموصَى له بمثل النصيب اثنين، فيبقى عَشرة، فندفع عشرها إلى الموصَى له الثاني، تبقى تسعة، يأخذ كل ابن منها اثنين، يبقى ثلاثة، وهي الخطأ الأصغر.
نكتفي بهذا، ونقول تبيّنتَ أن المال ثلاثة عشر، وهو الغرض الأعظم، فأخرج ثلاثة إلى النصيب، وواحداً إلى الموصى له بالعشر بعد النصيب، واقسم التسعة على ثلاثة بنين، فنصيب كل واحد منهم ثلاثة، وتنتظم المسألة.
هذا تمام بيان الخطأ الأصغر.
وصاحب الخطأ الأكبر يجاري صاحبَ الخطأ الأصغر إلى رجوع الخطأ إلى ثلاثة،
__________
= الطريقتان هما: حساب الخطأين، والتحليل والتعاكس. وكانت لهم مؤلفات في ذلك منها: كتاب الخطأين لأبي كامل الحاسب المصري، وكتاب حساب الخطأين ليعقوب بن محمد الرازي، وغيرهما، وكانت هاتان الطريقتان شائعتين عند العرب، وأكثر استخداماً من غيرهما". ا. هـ. واقرأ بعد هذا -إن شئت- نماذج وشرحاً لهذا النوع من الحساب.
(1) في الأصل: الأكبر.
(2) في الأصل: الأصغر.
(3) في الأصل: الأكبر.

(10/71)


ثم يقول في هذا المنتهى: هذه الثلاثة التي تبيّنتْ تحفظُها، فهي الأصل، وعليها القسمة، وبها استخراج المال والنصيب.
فنقول: الخطأ الأول ستة، والخطأ الثاني ثلاثة، فنضرب المال الأول الذي قدرناه وهو أحد عشر في الخطأ الثاني وهو ثلاثة، فيردّ ثلاثة وثلاثين، ثم نضرب المال الثاني وهو اثنا عشر في الخطأ الأول وهو ستة، فيرد اثنين وسبعين، فنحط الأقل من الأكثر، وإذا حططنا ثلاثة وثلاثين من اثنين وسبعين، بقي المال تسعة وثلاثين.
فهذا هو المال المبسوط. ثم نقسم هذا المبلغ على ما أعددناه للقسمة، وهو الخطأ الثاني، وذلك ثلاثة، وإذا قسمنا تسعة وثلاثين على ثلاثة، فالخارج من القسمة ثلاثة عشر، وهو المال بعد الاختصار.
وإذا أردنا أن نعرف النصيبب، ضربنا النصيب الأول، وهو سهم واحد كما زدناه على العَشر في الخطأ الثاني، وهو ثلاثة، فيرد ثلاثة، ثم نضرب النصيب الثاني وهو اثنان، كما زدناهما على العشرة في الخطأ الأول، وهو ستة، فيرد علينا اثنا عشر، فننقص الأقل من الأكثر: ثلاثة من اثني عشر، فتبقى تسعة، فنقسمها على الثلاثة التي أعددناها للقسمة عليها، فيخرج من القسمة ثلاثة، وهي النصيب؛ فالمال إذن بعد القسمة ثلاثة عشر والنصيب بعد القسمة ثلاثة.
فهذا بيان الخطأ الأكبر.
وصاحب الأصغر إذا تبين له الغرض، اكتفى، وانكف عن العمل. وصاحب الخطأ الأكبر مُتذكّر بعِدّة الخطأ الأصغر، ثم امتزج الكلام، وبان المسلكان جميعاً على النسق الذي ذكرناه.
6665 - طريقة ثالثة تعرف بطريق الندب، وهو أن نقسم سهام الفريضة على البنين وهي ثلاثة، ثم نطلب عدداً له عُشر، وهو عشرة، لاحتياجنا إلى العشر، فيبقى من كل سهم عُشرُه، بسبب الوصية بعشر ما تبقى، فيصير نصيب كل ابن تسعة أعشار، فيتبين أن النصيب الموصى به تسعةُ أعشار، ثم نضم العشرَ إلى أنصباء البنين؛ [إذ] (1)
__________
(1) في الأصل: إذا.

(10/72)


كان غرضنا بما قلنا أن نبيِّن النصيب وقد بيّناه، فالمال كله ثلاثة أنصباء (1).
وإن أحببت، قلت: ثلاثة سهام وتسعة أعشار سهم، فنبسطها بالضرب في مخرج العشر أعشاراً، فنبسط كلَّ سهم بالأعشار والمجموع تسعة وثلاثون، فهذا هو المال المبسوط الذي منه القسمة، والنصيب تسعة.
فإذا أردنا الاختصار، رددنا كل شيء إلى ثلثه، فإنه [مشترك] (2) بجزء الثلث، فنرد المال إلى ثُلثه وهو ثلاثة عشر، ونرد النصيب إلى ثلاثة.
6666 - طريقة أخرى تعرف بطريقة الحشو، وسبيلها أن نقيم سهامَ الفريضة على البنين، وهي ثلاثة، ثم نطلب عدداً له عُشر، فنأخذ عُشره، وهو واحد، فنضربه في سهام البنين وسهم الموصى له، فيبلغ أربعة، فنضربها في العشرة، فتبلغ أربعين، فنلقي منها سهماً أبداً، وهذا سمي سهم الحشو، والطريقة تلقب بالحشو لذلك، فتبقى تسعة وثلاثون. وهو المال.
ثم نرجع إلى الثلاثة التي [هي] (3) سهام الفريضة، فنأخذ نصيب الوارث الموصى بمثل نصيبه من أصل المسألة قبل الضرب الذي ذكرناه، وهو سهم واحد، فنضربه في عشرة، فيرد عشرة، فنلقي من العدد سهمَ الحشو، وهو واحد، فتبقى تسعة، فهي النصيب وآل الأمر إلى اختصار المال والنصيب كما قدمناه. وقيل: إن محمدَ بنَ الحسن كان يعوِّل على هذا في الدور والوصايا.
6667 - طريقة أخرى تعرف بالمقادير: وهي أن نعطي الموصى [له] (4) بمثل النصيب نصيباً، فيبقى من المال مقدار، فندفع عُشره إلى الموصى له الثاني، فتبقى تسعة أعشار مقدار، نقسمها بين ثلاثة بنين: لكل ابن ثلاثة أعشار مقدار، فنعلم بذلك أن النصيب الذي أخذه الموصى له بمثل النصيب كان ثلاثة أعشار مقدار، [فابسطها] (5)
__________
(1) كذا. ولعلها: فالمال كله ثلاثة أنصباء، وتسعة أعشار نصيب.
(2) في الأصل: " متركه " وهو تصحيف واضح.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: فأسقطها.

(10/73)


أعشاراً، فتصير ثلاثة عشر، والنصيب منها ثلاثة.
6668 - طريقة أخرى تعرف بطريق القياس: وهو أن نُقيم سهام الفريضة على البنين، وهي ثلاثة، ونزيد على كل سهم مثلَ تسعه من أصل الوصية بالعشر من الباقي؛ لأن عشر كل شيء مثل تسع الباقي منه بعد إسقاط عشره، فصار ما قدمناه للبنين ثلاثة أسهم وثلاثة أتساع، وهي في التحقيق ثلاثة وثلث، فتزيد النصيب منها، ولا تزيد عليه شيئاً، إنما زدنا على نصيب البنين لمكان تقديم العشر بعد النصيب، فإنا نقدر في هذه الطريقة ضمَّ الوصية الثانية إلى نصيب البنين، فحصل معنا إذاً سهام البنين والوصيتين أربعة وثلث، فنبسطها أثلاثاً، فتصير ثلاثة عشر، وهو المال. وقد بان النصيب.
6669 - طريقة أخرى تشهر بطريق الدينار [والدرهم] (1): فنقول: المال كله دينار وعشرة دراهم، لذكره العشرة، فنصرف الدينارَ إلى الموصى له بالنصيب، ونصرف درهماً إلى الموصى له بعشر ما بقي فتبقى تسعة دراهم، نقسمها على البنين، فيحصل كل واحد على ثلاثة دراهم، فتعلم أن قيمة الدينار ثلاثة دراهم، فنعود ونقول: المال ثلاثة عشر درهماً، ويتسق العمل على نحو ما ذكرنا.
واستعمل عثمان بن أبي ربيعة الباهلي هذه الطريقة وسمى الدينار شيئاً، فقال: المال شيء وعشرة دراهم، فأقام الشيء مقام الدينار، وسميت الطريقة العثمانية، وهي بعينها طريقة الدينار والدراهم.
6670 - وذكر بعضُ الحذاق طريقةً قريبةً من طريقة المقادير والقياس، وهي حسنةٌ، قريبة المأخذ، فنقول: إذا أوصى بنصيب وبالعُشر بعد النصيب، فننظر إلى عدد البنين، فنعطي أولاً الموصى له بالجزء بعد النصيب سهاماً على عدد البنين، وهم ثلاثة في المسألة، ثم نضرب هذه السهام في مخرج العشر ونسلم منها ثلاثة إلى الموصَى له بعشر الباقي، ويقسم السبعة والعشرين على ثلاثة من البنين، فيخص كلَّ واحد تسعه، فنستبين أن النصيب تسعة، فنزيد تسعة على ثلاثين، وقد بان المال المبسوط والنصيب المبسوط. ولا يخفى طريق الاختصار، وهذا حسن.
__________
(1) زيادة من المحقق؛ فذلك اسمها الكامل، وسيتكرر فيما بعد.

(10/74)


وإنما أُخذ نصيب الموصى له بالجزء بعد النصيب من عدد البنين، من جهة أن ذلك لا بد وأن يتضعّف بضرب عدد البنين في المخرج، ثم يكون الجزء متضعفاً بعدد رؤوس البنين.
ونمتحن الطريقة بالزيادة في عدد البنين، وتغيير الجزء، حتى يستبين للمسترشد اطرادُ الطريقة، فلو أوصى لرجل بنصيب أحد البنين، وهم خمسة، وأوصى لآخر بربع ما تبقى من المال بعد النصيب، فنقدِّر للموصى له بالجزء خمسةَ دراهم أخذاً من عدد البنين، ثم نضربه في أربعة، فيردّ عشرين، فنحط منه خمسة، فتبقى خمسةَ عشرَ، بين خمسة من البنين، ويخص كل واحد منهم ثلاثة، وقد بان أن النصيب ثلاثة، فنضم ثلاثة إلى العشرين، وتطّرد القسمة، والمسألة لا تحتمل الاختصار، لأن فيها ثلاثة وخمسة، ولا اشتراك بينهما.
6671 - ويجري في هذا الباب نوع من مسائلَ كثيرة على نهاية الإيجاز والاختصار، فنذكرها حتى يستعملها الطالب إذا اتفقت.
فإذا أوصى بنصيبٍ، وأوصى بجزءٍ بعد النصيب، وكان بين مخرج الجزء وبين عدد البنين سهم، فنقيم الفريضة من مخرج الجزء، ونرد عليها واحداً للنصيب الموصى به.
مثاله: أوصى بنصيب أحد البنين، وهم ثلاثة، وأوصى بربع ما تبقى بعد النصيب، فبين مخرج الربع وبين عدد البنين سهم واحد، فنزيد على مخرج الربع سهماً، وقد صحّت المسألة: للموصى له بالنصيب سهم، وللموصَى له بربع الباقي سهم، ولكل ابن سهم.
ولو أوصى بنصيب أحد البنين وهم ثمانية، وأوصى بتسع ما تبقى بعد النصيب، فبين التسعة وعدد البنين واحد، فنقيم تسعة، ونزيد واحداً، وقد صحت المسألة من عشرة.
فهذا بيان مسائل الباب.
6672 - فنذكر صورةً أخرى ونستعمل فيها طريقةً من الطرق المقدمة، ونتخذ ذلك

(10/75)


دأبنا في الأبواب، فنذكر في كل باب صورتين، نستعمل الطرق في الأولى منهما ونستعمل طريقة واحدة في الأخرى على ما يتفق.
صورة: فإن ترك امرأة، وأبوين، وبنتين وأوصى بنصيب أحد الأبوين، وأوصى لآخر بربع ما تبقى بعد النصيب، فحساب المسألة على طريقة القياس أن نقول: سهام الفريضة سبعة وعشرون، فإنها عائلة، وهي المنبرية، ونحن نحتاج إلى ربع الباقي، فنزيد على الفريضة مثل ثلثها. هكذا تقتضي النسبة، فتبلغ ستة وثلاثين، فنزيد عليها مثل نصيب أحد الأبوين أربعة فتصح المسألة من أربعين: للموصى له بالمثل أربعة، وللموصى له بربع الباقي تسعة، والباقي سبعة وعشرون بين الورثة على فرائض الله تعالى.
المسألة بحالها إلا أنه أوصى بنصيب إحدى البنتين، فنصيب إحدى البنتين ثمانية، فتعمل عملك، وتزيد [ثمانية، فتبلغ أربعة وأربعين] (1)، فمنها تصح المسألة.
ولو أوصى والمسألة بحالها بمثل نصيب المرأة، لزدت على الستة والثلاثين ثلاثة، فتبلغ تسعة وثلاثين فمنها تصح المسألة، والطرق كلها تجري في هذه المسألة، ولكنا آثرنا الاختصار؛ فاقتصرنا على طريقة واحدة.
فصل
في الوصية بالنصيب مع الوصية بجزء مما بقي من جزءٍ من المال.
6673 - ثلاثة بنين. وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب.
فطريق الجبر أن نقول: نأخذ ثلثَ مال، ونلقي منه نصيبَ الموصَى له الأول، فيبقى ثلثُ مالي إلا نصيب، ندفع ثُلثَه إلى الموصَى له الثاني، وهو تُسعُ مالٍ إلا ثلث نصيب، فيبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي نصيب، فنضمّه إلى ثلثي المال، فيصير المجموع ثمانية أتساع مالٍ إلا ثلثي نصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فنجبر
__________
(1) في الأصل: " ستة فتبلغ اثنين وأربعين " وهو خطأ.

(10/76)


الثمانية أتساع بثلثي نصيب، ونزيد على عديله مثلَه، فتكون ثمانية أتساع مال، تعدل ثلاثة أنصباء وثلثي نصيب.
ثم إن شئت أكملت، وإن شئت، بسطت، فإن بسطت، فالمال ثمانية أتساع، وهي مبسوطة، فنبسط الأنصباء وثلثي نصيب أتساعاً، فتصير ثلاثة وثلاثين، فنقلب الاسمَ والعبارة، فيصير النصيب ثمانية، والمال ثلاثة وثلاثون، فثلث المال أحد عشر، فنلقي بالوصية الأولى نصيباً، وهو [ثمانية، ويبقى] (1) ثلاثة، نُلقي منها ثلثها سهماً واحداً؛ فيبقى اثنان، نزيدها على ثلثي المال؛ فيبلغ المجموع أربعةً وعشرين، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم ثمانية، مثل ما أخذ الموصَى له بمثل النصيب.
وهذه طريقة [البسط] (2).
فإن أردت طريقةَ الإكمال، فقل: ثمانية أتساع مال، فردّ عليه مثلَ ثُمنه، فيصير مالاً [كاملاً] (3)، وإذا زدنا على المال مثلَ ثُمنه، كذلك نزيد على الأنصباء مثل ثمنها، فتصير ثلاثة أنصباء وثلثي نصيب ثلاثةً وثلاثين، فإنا نبسطها أثماناًَ، ونزيد على كل نصيب مثلَ ثمنه، وعلى الكسر كذلك، فيصير كل نصيب تسعة، ويصير ثلثا النصيب ستة، ثم نقول: معنا مالٌ كامل، يعدل ثلاثة وثلاثين، فنقلب العبارة، ونبدل الاسم ونجعل المال ثلاثة وثلاثين، والنصيبَ ثمانية.
وفي هذا دقيقة وهي أنا عرفنا أن النصيب ثمانية، قبل تكميل المال بالزيادة عليه، وأيضاً فإنا لما بسطنا كلَّ نصيب أثماناً، فالنصيب ثمانية، وإنما زدنا عليه وفاءً بأركان الجبر والمقابلة.
فهذا بيان التكميل والبسط.
6674 - فأما العمل بالخطأ الأكبر، فنجعل [ثلث] (4) المال عدداً، إذا أنقصت منه نصيباً على ما تريد، كان الباقي ثلثاً صحيحاً، فنجعل الثلث عن اتفاقٍ ثمانيةً، ونجعل
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة لا يستقيم الكلام بدونها.
(3) في الأصل: قليلاً.
(4) في الأصل: ثلثا.

(10/77)


النصيب خمسة، فندفعه إلى الموصى له الأول، وندفع سهماً من السهام الثلاثة إلى الموصى له الثاني، يبقى اثنان نزيده على ثلثي المال، وهو ستة عشر، فبلغ ثمانية عشر، فندفع منها إلى كل ابن مثلَ النصيب الذي دفعناه إلى الموصى له بالنصيب الأول، فيفضل ثلاثة، وهو الخطأ الأول، والخطأ في الزيادة، فاحفظ هذا.
ثم ارجع واجعل ثلث المال إن شئت عشرة، والنصيب سبعة، فادفعها إلى الموصى له الأول؛ تبقى ثلاثة، فادفع منها واحداً إلى الموصى له الثاني؛ يبقى اثنان، نزيده على ثلثي المال؛ فيبلغ اثنين وعشرين، ندفع إلى كل ابن سبعة: مثلَ النصيب، يبقى واحد، وهو الخطأ الثاني، فهو زائد، فكان الخطأ الأول ثلاثة، وهذا الخطأ واحد، فنطرح الأقلَّ من الأكثر، وهو المقسوم عليه، فاحفظه، ثم اضرب المال الأول نعني الثلث، وهو ثمانية التي قدرتها أولاً في الخطأ الثاني، وهو واحد، [فترتد] (1) ثمانية، واضرب المال الثاني، وهو عشرة في الخطأ الأول، وهو ثلاثة، فيصير ثلاثين، وانقص الأقل من الأكثر، فيبقى اثنان وعشرون، فاقسمها على ما أعددته للقسمة، وهو اثنان، فيخرج من القسمة أحدَ عشرَ، وهو ثلث المال؛ فالمال ثلاثة وثلاثون.
وإن أردت النصيب، فاضرب النصيب الأول، وهو خمسة في الخطأ الثاني وهو واحد، فيردّ خمسة، واضرب النصيب [الثاني] (2)، وهو سبعة في الخطأ الأول وهو ثلاثة فيرد واحداً وعشرين، وانقص الأقل من الأكثر، فيبقى ستة عشر، فاقسمها على الاثنين المحفوظ، فيخرج ثمانية، وهي النصيب.
هذا بيان الخطأ الأكبر.
فأما العمل بالخطأ الأصغر، فإذا علمت أنك لما جعلت الثلث ثمانية، كان الخطأ ثلاثة، فما زدت سهمين في الثلث، أو ستة في كل المال، عاد الخطأ إلى واحد، ونقص من الخطأ اثنان، والواحد نصف الاثنين، فتزيد في الثلث واحداً، فيصير أحد عشر. وقد تم العمل.
__________
(1) في الأصل: فتزيد.
(2) في الأصل: الباقي.

(10/78)


وصاحب الخطأ الأصغر لا يعمل بهذا البيان شيئاً.
6675 - وأما الحساب بطريق [الندب] (1)، فنأخذ عدداً له ثلث، ونعتقده مثالاً للثلث، ونجعل التسعة مثالاً لجميع المال، هذا لا بد منه مع الحاجة إلى ثلث الثلث، فنأخذ ثلث التسعة، وهو ثلاثة، ونلقي منها [ثلثها] (2) ولا نلتفت بعد النصيب (3)، فتبقى اثنان من الثلث [فنزيدها] (4) على ثلثي المال وهو ستة، فيبلغ ثمانية، فهذا يعدل كل سهم من سهام الفريضة، فنحفظ هذا، ثم نقسم سهام الفريضة، وهي ثلاثة، ومعنا في المسألة ثلث، ولا ينظر صاحب المال إلى أنه ثلث الثلث أو الثلث، وهذا كما أننا في الفصل الأول نقصنا من كل نصيب عُشراً، وما كانت الوصية بالعشر بعد النصيب، فنجري على ذلك المنهاج، ونقول: ننقص من كل سهم ثلثاً، فيبين أن الموصى له بالنصيب ثلثا سهم، ثم نحن نجبر سهمَ الورثة إذا تبيّنا مقدار النصيب، ويبقى النصيب الموصى به على نقصانه، فيخرج منه أنا إذا ضممنا النصيب الموصى به إلى سهام الفريضة بعد إكمالها، فتبلغ الجملة ثلاثة أسهم وثلثي سهم، فنضربها في التسعة التي جعلناها للمال، فيبلغ ثلاثاً وثلاثين، فهي المال.
وإذا أردت معرفة النصيب، فقد قدمنا أن كل سهم ثمانية، فالنصيب إذاً ثمانية.
فهذا رسم طريق [الندب] (1). وفيها مجاوزات في الابتداء، ولكن العمل يستدركها في الأثناء، وأضبط الطرق [ما] (5) يجري ابتداؤه وأثناؤه على سمت التحقيق. وأمُّ الطرق الجبر.
6676 - فأما حساب المسألة بطريق الحشو، فاعلم أن معرفة الحشو بأن تأخذ في كل مسألة مخرج الكسر الذي معك، ومخرج الكسر ثلاثة، خُذ واحداً منها وهو
__________
(1) في الأصل: الباب، وقد سماه في المسألة السابقة (الندب).
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) المعنى: ولا نلتفت إلى أن إلقاء ثلث الثلث يكون بعد أَخْذ النصيب من الثلث.
(4) في الأصل: فنزيد.
(5) في الأصل: فما.

(10/79)


الثلث، واعتقد أنه ينتظم منه الحشو، ورسمُ العمل فيه أن تضرب ذلك السهم في نصيب من نسبة نصيب الموصى له بنصيبه، وهو واحد، فيرد واحداً، فاحفظه، ثم ترجع إلى سهام الفريضة، وهي ثلاثة، وتزيد عليها نصيب وارث مساوٍ لهم، فتبلغ أربعة، فتضربها في الثلاثة مخرج الكسر، فتبلغ اثني عشر، فتُسقط منه سهم الحشو، وهو واحد، فيبقى أحد عشر، وهو ثلث المال.
وإن أردت معرفة النصيب، فخذ نصيب الوارث الموصى بمثل نصيبه، وهو واحد، فاضربه في مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فتكون ثلاثة، فاضربها في مخرج الجزء المذكور ثانياً، فيبلغ تسعة، فأسقط منها سهمَ الحشو، وهو واحد، فيبقى ثمانية، وهو النصيب.
6677 - وأما الحساب بطريق الدينار والدرهم، فنجعل الثلث ديناراً وثلاثة دراهم، ونجعل الثلثين [دينارين] (1) وستة دراهم، ثم نخرج الدينار إلى الوصية بالنصيب، وهو على التحقيق عبارة عن شيء مجهول، ونعطي من الدراهم الثلاثة إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب درهماً، فيبقى درهمان، فنضمها إلى الثلثين، فيصير ما نقسم على الورثة دينارين [وثمانية] (2) دراهم، ومعنا ثلاثة بنين، فندفع دينارين إلى اثنين، وندفع الثمانية دراهم إلى الثالث، فنعلم أن الدينار ثمانية، فنعود، ونقول: بان لنا أن ثلث المال ثمانية وثلاثة، فالمجموع أحد عشر، وهو ثلث المال.
6678 - طريقة المقادير: فنقول: نأخذ ثلث المال، ونلقي منه للموصى له الأول نصيباً، يبقى من الثلث مقدار، وقد بقي من المال ثلثاه، فندفع من كل ثلث نصيباً إلى اثنين، فيبقى من كل ثلث مقدار، وقد علمت أن الموصى له الثاني يستحق ثلث مقدار، وجميع الباقي من المال مقداران، وثلثا مقدار، فهي للابن الثالث الذي لم يأخذ شيئاً، وقد علمت أن ذلك مثل ما أخذه صاحب النصيب، فجميع الثلث إذاً ثلاثة
__________
(1) في الأصل: ديناراً.
(2) في الأصل: وثلاثة.

(10/80)


مقادير وثلثا مقدار، والنصيب منها مقداران وثلثا مقدار.
وإذا بسطت الثلثَ، وهو ثلاثة مقادير وثلثا مقدار أثلاثاً، كان أحدَ عشرَ، والنصيب منها مقداران، وثلثا مقدار، وهو ثمانية. وقد تم العمل.
6679 - وأما العمل بطريق القياس، فنقول: قد علمنا أن الموصى له بالجزء من الجزء يأخذ سهماً [من الثلث بعد الموصى له بالنصيب] (1)، والوصيتان مضافتان إلى الثلث، فنقدر كأن الثلث تسعة، لمكان ثلث الثلث، فنعطي من التسعة نصيباً، ونعلم أنا نصرف من الباقي سهماً إلى الموصى له بجزء الجزء، فنقدّر من طريق القياس الثلثين الباقيين على المقدار الذي ذكرناه في الثلث الحاوي للوصيتين، فيخرج من كل ثلث من الثلثين الباقيين نصيب، ولا يخرج منه وصية بجزء. فيفضُل من كل ثلث ثلاثة، ومن ثلث الوصيتين اثنان، والمجموع ثمانية: فندفعها إلى الابن الثالث، ونتبين أن النصيب ثمانية، فنعود ونقول: النصيب ثمانية، وبعدها ثلاثة لمكان الوصية، فمجموع الثلث أحدَ عشرَ، ويعود الأمر إلى ما ذكرناه.
6680 - وذكر بعض الحذّاق طريقة مقتضبةً من الطرق التي ذكرناها، وهي قريبة من طريق القياس، ولكنها أبقى وأسهل، فنقول في المسألة التي ذكرناها: نقيم مخرج الثلث ثلاثة، ثم نضربها في الثلاثة، لاحتياجنا إلى ثلث الثلث، فيردّ تسعة، فنحط من المبلغ سهماً واحداً أبداً، ثم ننظر إلى عدد البنين، فنحط من عددهم اثنين أبداً في كل مسألة، ونقسم ما معنا، وهو العدد الذي حططنا منه الواحد على من بقي بعد حط الاثنين، فما يخص ابناً تبينا أنه النصيب الذي نطلبه، فنقول في هذه المسألة: نحط من التسعة واحداً، ومن البنين اثنين فتبقى ثمانية للابن الثالث، فنرجع ونقول: ثلث المال ثمانية، وثلثاه ضعف ذلك، والجملة ثلاثة وثلاثون (2).
وهذا بعينه هو الذي ذكرناه في القياس إذا أعطينا للاثنين من البنين النصيبين، ثم
__________
(1) عبارة الأصل: " يأخذ سهما وثلثه بعد، والوصيتان ... ".
(2) وذلك بإضافة (الواحد) الذي حَطَطْناه أولاً من التسعة التي قدرناها.

(10/81)


جمعنا الأعداد المقدرة في الثلثين، والفاضلَ من الثلث بعد الوصيتين، وصرفناه إلى الابن الثالث.
ونقول على هذه الطريقة: لو كان البنون أربعة، والوصيتان كما ذكرنا، فنقول: نقدر تسعة لمكان ثلث الثلث، ونسقط منه واحداً، فيبقى ثمانية فَنُسقِط ابنين، ونقسم الثمانية على الابنين الباقيين، فيصيب كل واحد منهما أربعة، فالنصيب أربعة، فنعود ونقول: الثلث أربعة وثلاثة، والثلثان أربعة عشر، لصاحب النصيب أربعة، ولصاحب الوصية بالجزء سهم من ثلاثة، والاثنان الباقيان مضمومان إلى الثلثين، فيصير المجموع ستةَ عشرَ، نقسمها على البنين الأربعة؛ فيخص كل واحد أربعة.
وقد يؤدي العمل إلى كسر فصحِّحه بطريق البسط، فالطريقة في بابها مطردة.
6681 - ولو أوصى بنصيب أحد البنين وبربع ما تبقى من الثلث، وله ثلاثة من البنين، فنقسم مخرج الربع مضروباً في ثلاثة؛ فإنا نحتاج إلى ربع الثلث، فيردّ علينا اثنا عشر، فنحط منه واحداً، ونحط من البنين اثنين، فنعلم أن نصيب الواحد أحد عشر، فنرجع ونقول الثلث أحد عشر وأربعة، والثلثان ثلاثون؛ فتستقيم المسألة.
6682 - مسألة أخرى ترك أبوين وبنتين وأوصى بمثل نصيب إحدى البنتين، ولآخر بثلاثة أرباع ما بقي من الثلث بعد النصيب.
فحساب المسألة بالدينار والدرهم أن نصحح الفريضة وهي من ستة: لكل بنت سهمان، ولكل واحد من الأبوين سهم، فنحسب كلَّ سهم ديناراً إذا أردنا ترتيبَ الثلث؛ فإن الأنصباء مختلفة: لو قدرنا نصيب البنت ديناراً، لزمنا أن نقول: لو أوصى بمثل نصيب أحد الأبوين نصف دينار يصح، ولكن لم يحسن وضع الطريقة كذلك، فإذا وقعت الوصية بنصيب إحدى البنتين، فنقول ثلث المال ديناران وأربعة دراهم، فنسلم الدينارين إلى الموصى له بنصيب إحدى البنتين، وندفع بالوصية الثانية ثلاثة أرباع ما بقي، وهو ثلاثة دراهم، يبقى واحد نزيده على ثلثي المال، فيبلغ أربعة دنانير وتسعة دراهم، هذا يعدل أنصباء الورثة، وأنصباؤهم ستة دنانير، فأربعة دنانير بمثلها قصاص، يبقى ديناران، يعدلان تسعة دراهم، فقيمة الدينار أربعة دراهم

(10/82)


ونصف، وثلث المال ديناران وأربعة دراهم، فهو إذاً ثلاثة عشر درهماً، والنصيب أربعة ونصف، فإن أردت إزالة الكسر، فاضربه في اثنين، يكون ثلث المال ستة وعشرين، والنصيب (1) تسعة، وتصح المسألة.
وسبيل الامتحان أن نأخذ ثلث المال، فنلقى منه بالوصية الأولى نصيبين (2)، وذلك ثمانية عشر تبقى ثمانية، نلقي منها بالوصية الثانية ثلاثة أرباعها: ستة، فيبقى اثنان نزيده على ثلثي المال، وهو اثنان وخمسون، فتبلغ أربعةً وخمسين، للأبوين سدساها: ثمانية عشر، لكل واحد تسعة، وللبنتين الثلثان: ستة وثلاثون، لكل واحدة منهما ثمانيةَ عشرَ، مثل ما أخذ الموصى له بمثل نصيب إحدى البنتين.
وجميع الطرق تعود في هذه المسألة.
6683 - ونعيد من جملتها طريقَ الحشو، والغرضُ تمهيد القاعدة فيها، فنقول: الفريضة من ستة، فنزيد عليها مثل نصيب إحدى البنتين وهو اثنان لمكان الوصية، فيبلغ ثمانية، فنضربها في مخرج الربع: أربعة؛ فترد اثنين وثلاثين، ثم نضرب الأجزاء التي أوصى بها بعد النصيب، وهي ثلاثة أرباع في النصيب الموصى به، وهو اثنان، فيردّ ضرب ثلاثة في اثنين ستة، فنحطه، وهو الحشو من اثنين وثلاثين، فيبقى ستة وعشرون، وهو ثلث المال.
وإذا أردت معرفة النصيب الموصى به، فاضرب النصيبَ في مخرج الربع، لذكر الأرباع، ثم اضربها يعني الثمانية في مخرج الثلث وهو ثلاثة، فتكون أربعة وعشرين، فنسقط الحشو، وهو الستة التي أسقطها من الأول، فتبقى ثمانية عشر، وهو النصيب.
وقد خرجت المسألة.
6684 - والذي نريد التنبيه عليه من هذه الطريقة أن سهم الحشو عددُ أجزاء من
__________
(1) المراد بالنصيب هنا السهم، وإلا، فنصيب البنت ثمانية عشر، تساوي سهمين، أي ليس تسعة.
(2) الملقى نصيبان، أي سهمان، وإلا فالموصى به نصيب واحد، من نصيبي البنتين.

(10/83)


مخرجٍ موصى به، نضربه في النصيب الموصى به، قد يكون واحداً، وقد يكون عدداً، وعدد الأجزاء الثلاثة في هذه المسألة؛ فإنه أوصى فيها بثلاثة أرباع مما بقي من الثلث، ضربناها في النصيب، وهو اثنان، فهو سهم الحشو.
ثم إذا أردنا طلبَ المال، والمطلوب في هذا طلبُ جنس الثلث، وهو الذي نسميه مالاً، فنجمع الأنصباء ونضم إليها النصيب الموصى به، ونضربه في مخرج الجزء، ولا نكرر، حتى إن كان ثلث الثلث، اكتفينا بالضرب في مخرج الثلث، وإن كان ربع الثلث، ضربنا في مخرج الكسر الأقل: في الأربعة في هذه المسألة، واكتفينا بذلك، ولا نضرب في مخرج له ثلث وربع، ثم نحط الحشو، كما قدمناه.
وإن أردنا طلب النصيب، ضربنا مبلغ الموضوع عندنا من سهام المسألة على الجملة في مخرج يخرج منه الكسران بالربع والثلث، فإنا إذا كنا نطلب النصيب الأقصى، احتجنا إلى الضرب في المخرج الأقصى، فكذلك نضرب النصيب في هذه المسألة في الأربعة، ثم المبلغ في الثلاثة وعلة إسقاط الحشو في هذا المقام بينة، لأن النصيب هو المطلوب، وهو جزءٌ من الثلث. فإذا وقع ضرب النصيب في مخرج الثلث والربع، فلا بد من حط مضروب عدد الأجزاء في النصيب.
فهذا بيان طريقة الحشو.
6685 - مسألة أخرى:
رجل له ثلاث بنات وعصبة أوصى بمثل نصيب إحداهن لإنسان ولآخر بثلثي ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فالفريضة أولاً من تسعة: للبنات ثلثان ستة، لكل واحدة اثنان.
فحساب الدينار والدرهم أن نقول: ثلث المال ديناران وثلاثة دراهم، وسبب الدينارين أن لكل بنت سهمان. نعطي منه بالنصيب دينارين، وبالوصية الثانية درهمين، فيبقى درهم، نزيده على ثلثي المال، فيصير المجموع أربعة دنانير وسبعة دراهم، وذلك يعدل تسعة دنانير (1)، وهي سهام المسألة، فنسقط الدنانير بالدنانير قصاصاً، فيبقى خمسة
__________
(1) لكي تعرف من أين جاءت هذه (التسعة) تذكَّر أن الباقي بعد الوصيتين هو نصيب الورثة، =

(10/84)


دنانير في مقابلة سبعة دراهم، فقيمة كل دينار درهم وخمسان، هذا مقتضى القسمة. فنعود ونقول: الثلث درهمان وأربعة أخماس، وثلاثة دراهم فالمجموع خمسة وأربعة أخماس، فنبسطها أخماساً، فيكون الثلث تسعة وعشرين، والنصيب أربعة عشر، فإن الدرهمين والأربعة الأخماس إذا بسطتها أخماساً تبلغ هذا المبلغ، والامتحان أن نلقي النصيب من الثلث، يبقى منه خمسة عشر، فنلقي ثلثيها عشرة للوصية الثانية، فيبقى خمسة، نزيدها على ثلثي المال وهو ثمانية وخمسون، فيبلغ ثلاثة وستين: للبنات ثلثاها وهو اثنان وأربعون، لكل واحدة أربعة عشر، مثلما أخذه الموصى له بالنصيب، والباقي للعصبة.
وحساب المسألة بطريق الحشو أن نقول: سهام الفريضة تسعة، فنضم إليها نصيب بنت، فتصير أحد عشر، فنضربه في مخرج الثلث ثلاثة، فيكون ثلاثة وثلاثين، ثم قد أوصى بجزأين من ثلاثة، فنضربه في النصيب، وهو اثنان، وذلك أربعة، فنحط ذلك -وهو الحشو- من [ثلاثة وثلاثين] (1) والباقي [تسعة وعشرون، وهو] (2) ثلث المال.
وإذا أردنا النصيب، أخذنا اثنين، وهو النصيب في الأصل وضربناه في مخرج الثلث، فيرد ستة، ثم نضرب الستة في شيء له ثلث صحيح؛ لأن الوصية بثلثين من ثلث، فيبلغ ثمانية عشر، فنُسقط منه الحشو أربعة، فيبقى أربعة عشر وهو النصيب.
وحساب هذه المسألة بالجبر أن نأخذ ثلث مال، فنلقى منه بالوصية الأولى نصيبين؛ لمكان السهمين؛ فإنا بينا أن كل سهم من سهام المسألة بمثابة نصيب، فيبقى ثلث مال إلا نصيبين، نطرح ثلثيه بالوصية الثانية، يبقى تسع ناقص بثلثي نصيب، نزيده على ثلثي المال فيكون سبعة أتساع إلا ثلثي نصيب، يعدل [تسعة] (3) أنصباء، وهي سهام المسألة، فنجبر السبعة بثلثي نصيب، [ونزيد] (4) على عديلها ثلثي نصيب، ثم نبسط الأنصباء على أقل الكسور في المسألة، وأقل الكسور [التسع، فنبسط تسعه
__________
= ومسألتهم صحيحة من (9)، فقوله: إن ثلثي المال -الذي هو: 4 دنانير+7 دراهم- يعدل تسعة دنانير، معناه تسعة أسهم فالدينار هنا رمز للسهم.
(1) في الأصل: " من سبعة وعشرين ".
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: سبعة. وهو تحريف سيتكرر كثيراً من (سبعة) إلى (تسعة) وبالعكس.
(4) في الأصل: " ونزيده ".

(10/85)


وثُلُثَيْن أتساعاً بالضرب في التسعة، فتصير سبعة وثمانين، ثم نقلب العبارة فالمال سبعة وثمانون] (1) والنصيب سبعة، وإذا كان النصيب سبعة، فالنصيبان أربعة عشر، وهي الوصية الأولى.
وعلى هذا البابُ وقياسُه.
فصل
بالوصية بالنصيب، مع الوصية بجزءٍ من المال، والوصية، بجزءٍ مما بقي
6686 - فمن صور المسألة: ميتٌ خلف تسعة بنين، فأوصى لرجلٍ بثُمن [ماله] (2) ولآخرَ بمثل نصيب أحد بنيه، ولثالثٍ بعشر ما بقي من المال.
فحسابه بالجبر أن نأخذَ مالاً، فنلقي منه ثمنَه بالوصية، يبقى معنا سبعة أثمان مالٍ، ندفع منه بالوصية الثانية نصيباً يبقى سبعة أثمان مال إلا نصيبا، ندفع بالوصية الثالثة عشرها.
فنعلم أنا نحتاج إلى ضرب مخرج الثمن في مخرج العشر، فيكون ثمانين، ونعيد إخراج الوصايا من هذا المبلغ: الثمن منها عشرة، فيبقى سبعون، ثم نخرج منها نصيباً للوصية بالنصيب، فيبقى معنا سبعون من ثمانين إلا نصيب، ثم نخرج عُشرَه، وهو سبعة ناقصة بعُشر نصيب، فيبقى ثلاثة وستون جزءاً من ثمانين جزءاً، من مالٍ ناقص [تسعة] (3) أعشار نصيب، وهذا يعدل أنصباء الورثة، وهي [تسعة]، فنجبر بتسعة أعشار نصيب، ونزيد مثلها، ثم نبسط الأنصباء، فتصير سبعمائة واثنان
__________
(1) في عبارة الأصل خطأ وعدة تصحيفات، حيث جاءت هكذا: " وأقل الكسور السبع، فنبسط تسعة وثلثين أسباعاً بالضرب في السبعة، فتصير ثلاثة وستين، ثم نقلب العبارة، فالمال ثلاثة وستون ... إلخ ".
والخطأ في العبارة نشأ من التصحيف؛ حيث استخدم الناسخ الرقم المصحف، فضرب سبعة في تسعة، فردّت ثلاثة وستين، وهو مردود صحيح، لكن المسألة لا تستقيم به، ولو امتحنها الناسخ، لرأى أن من الثلث بعد أخذ النصيب لا يخرج منه الثلثان؛ إذ هو = 21 - 14 = 7.
(2) في الأصل: مال.
(3) في الأصل: " سبعة ".

(10/86)


[وتسعون] (1)، وسبب ذلك أن البسط في طريق الجبر يقع بأقل الأجزاء وأدقها، وقد رسمنا المسألة أولاً من ثمانين، فليقع البسط بنسبة ثمانين.
والامتحان أن نلقي من المال [ثمنه] (2)، وهو [تسعة] (3) وتسعون بالوصية الأولى، يبقى ستمائة وثلاثة وتسعون، نلقي منها النصيب، وهو ثلاثة وستون بالوصية الثانية، يبقى ستمائة وثلاثون، نلقي عشرها بالوصية الثالثة وهو ثلاثة وستون، يبقى خمسمائة [وسبعة وستون] (4) بين الورثة على تسعة: لكل ابن ثلاثة وستون، فكل نصيب ثلاثة وستون.
والأنصباء والوصايا متفقة بالأتساع، فنردّها إلى أتساعها، فيكون المال ثمانية وثمانين، والنصيب سبعة: للموصى له بالثمن أحدَ عشرَ، ولصاحب النصيب سبعة، تبقى سبعون، للموصى له الثالث عشرها: سبعة، والباقي ثلاثة وستون بين الورثة: لكل ابن سبعة.
6687 - حساب المسألة بالخطأ الأكبر أن تجعل المال إن شئت ستة عشر، فتدفع ثمنها اثنين بالوصية الأولى؛ تبقى أربعة عشر، فندفع النصيب أربعة، تبقى عشرة، ندفع عشرها إلى الثالث، تبقى تسعة للبنين، وكل واحد منهم يستحق أربعة وجملة ما يستحقون ستة وثلاثون، والباقي معنا تسعة فينقص من الواجب سبعة وعشرون، فهو الخطأ الأول، وهو ناقص، فاحفظه.
ثم اجعل المال إن شئت أربعة وعشرين، فادفع ثمنها بالوصية الأولى ثلاثة، فتبقى أحدٌ وعشرون، فاجعل النصيب واحداً، تبقى عشرون، فألق عشرها اثنين، وادفعه للموصى له الثالث، تبقى ثمانية عشر، ندفع منها إلى كل ابن واحداً، مثلَ النصيب، تبقى تسعة زائدة، وهو الخطأ الثاني، وهو زائدٌ الآن، وكان ناقصاً قبلُ، فاجمع بين الخطأين، لأن أحدهما زائد، والآخر ناقص، فيكون ستة وثلاثين، فهي المقسوم
__________
(1) في الأصل: " وسبعون ".
(2) في الأصل: ثمانية، وهو خطأ.
(3) في الأصل: سبعة، وهو خطأ حسابياً.
(4) في الأصل: خمسمائة وسبعون. وهو خطأ واضح، أجهدنا تصحيحه.

(10/87)


عليها، فاحفظها، ثم اضرب المال الأول وهو ستة عشر، في الخطأ الثاني، وهو تسعة، تكون مائة وأربعة وأربعين، ثم اضرب المال الثاني وهو أربعة وعشرون، في الخطأ الأول وهو سبعة وعشرون، فيكون ستمائة وثمانية وأربعين، فزد عليها المائة والأربعة والأربعين، فتبلغ سبع مائة واثنين [وتسعين] (1)، على الستة والثلاثين المحفوظة، فيخرج اثنان وعشرون، وهو المال (2).
فإن أردت النصيب، فاضرب النصيب الأول، وهو أربعة في الخطأ الثاني، وهو تسعة، فيكون ستة وثلاثين، واضرب النصيب الثاني، وهو واحد في الخطأ الأول، وهو سبعة وعشرون، فيكون سبعة وعشرين، واجمع هذين المبلغين، فيكون ثلاثة وستين، فاقسمها على الستة والثلاثين، فيخرج واحد وثلاثة أرباع، فهو النصيب، فابسطها أرباعاً، يكون المال ثمانية وثمانين، والنصيب [سبعة] (3).
6688 - وحسابها بالخطأ الأصغر أنك إذا جعلت المال ستة عشرَ، حصل الخطأ سبعة وعشرون، والخطأ ناقصاً، فلما زدت في المال ثمانية، زال هذا الخطأ في النقصان، وزاد خطأً بتسعة، وإذا زدت التسعة على سبعة وعشرين، صار ستة وثلاثين، والتسعة ربع ستة وثلاثين، فانقص من الثمانية التي زدتها ربعاً، تبقى ستة، فزدها على المال الأول، يكون المال اثنين وعشرين، وأخرج بالخطأ الأكبر، فابسطها أرباعاً، فتكون ثمانية وثمانين.
وطريق الباب أن نطلب أولاً مالاً إذا أسقطت منه [ثمنه] (4)، كان للباقي عشرٌ صحيح، وهو ثمانون، فنلقي ثمنها عشرة، فيبقى سبعون، فنلقي عشرها، سبعة، يبقى ثلاثة وستون، فهي تعدل كلَّ سهم من سهام الفريضة، ثم نقيم سهامَ الفريضة، وهي تسعة، ونصيب الابن الموصى بمثل نصيبه واحد، [فنلقيه من عشرة] (5)، تبقى
__________
(1) في الأصل: وسبعين.
(2) بعد بسطه أرباعاً؛ ليصير ثمانية وثمانين، كما سيأتي.
(3) في الأصل: " تسعة ".
(4) في الأصل: ثمانية.
(5) في الأصل: فنلقي عشرة.

(10/88)


تسعة، فنضربها (1) في الثمانين التي جعلتها مثالاً للمال، فيبلغ سبعمائة واثنين وتسعين، وهو المال.
فإن أردت النصيبَ، فخذ نصيبَ الابن الموصى بمثل نصيبه من سهام الفريضة وهو واحد، فاضربه فيما كان يعدل كلَّ سهمٍ من سهام الفريضة، وهو ثلاثة وستون (2)، فتكون ثلاثة وستون، فهو النصيب، ثم اختصر المسألة، وردّ المال والنصيب إلى التسع، فيرجع المال إلى ثمانية وثمانين، والنصيب إلى سبعة.
6689 - وأما طريق الحشو، فاطلب أولاً مالاً له ثمن، وإذا ألقي منه الثمن، كان [للباقي] (3) عشر، وهو ثمانون، ثم طريق طلب (4) سهم الحشو أن ننظر إلى الجزء المذكور بعد النصيب، ونقدّر كأنه جزء من المال، وقد ذكر بعد النصيب عشر المال، فخذ عشر الثمانين، ولا تنظر إلى أن المذكور عشر الباقي، اتخذ هذا أصلك في سهم الحشو أبداً، وهو السهم الذي نسقطه من المال إذا كنت تطلب المال، فقل: عشر الثمانين ثمانية، فنضربها في نصيب (5) الابن من أصل الفريضة، فيكون ثمانية، فهذا حشو، فاحفظه حتى لو ذكر بعد النصيب خمس الباقي، أو سدس الباقي، أو ما كان، فنحن نعتبر خمس جميع المال، أو سدس جميع المال، ونضربه في نصيب الوارث الموصى بمثل نصيبه، فاعلم ذلك، وثق به، واعتقده الحشوَ المحطوط من المال، ثم عُدْ إلى المال، وهو ثمانون، فألق منها ثمنها، يبقى سبعون، فخذ عشرَ الباقي الآن بحق، فيكون سبعة، واضربها في نصيب الابن الموصى بمثل نصيبه، وهو واحد، فيكون سبعة، فهو الحشو الثاني، واشتملت المسألة على حشوين، لاشتمالها على جزأين، فاحفظ السبعة والثمانية، ثم اقسم سهام الفريضة من تسعة، وزد عليها مثلَ النصيب الموصى به، فتبلغ عشرة، فاحفظها، فاضربها في الثمانين
__________
(1) أي التسعة الصحيحة وتسعة الأعشار الباقيهَ، هكذا: 9,9×80= 792.
(2) في الأصل: وهو واحد ثلاثة وستون.
(3) في الأصل: الباقي.
(4) في الأصل: ثم طريق مال طلب سهم الحشو.
(5) نصيب هنا بمعنى سهم، وأصل الفريضة تسعة (عدد الرؤوس).

(10/89)


التي هي المال الممثل فيبلغ ثمانمائة، فألق منها الحشوَ الأول، وهو ثمانية، تبقى سبع مائة واثنان وتسعون، فهي المال.
وإذا أردت النصيب، فخذ نصيبَ الابن الموصى بمثل نصيبه، فاضربها في مخرج الجزء الأول، فما بلغ، فاضربها في مخرج الجزء الثاني ومخرج الجزء الأول -وهو الثمن- ثمانية، ومخرج الجزء الثاني -وهو العشر- عشرة، وإذا ضربنا ثمانية في عشرة ردّ ثمانين، فنسقط منه الحشوين جميعاً، وهو خمسةَ عشرَ، فتبقى ثلاثة وستون فهي النصيب، وطريق الاختصار ما تقدم.
6695 - وحساب المسألة بالمقادير أنك إذا ألقيت من المال ثمنه، ومن الباقي نصيباً، بقي منه مقدار، فندفع عُشْره بالوصية الثالثة، فتبقى تسعة أعشار مقدار.
وهاهنا تأمُّل على الناظر؛ فإنا ألقينا الثمن والنصيب، وقلنا: بقي مقدار، ولم نلق العشرَ؛ لأن العشر جزء من هذا المقدار، فقلنا بعد الثمن والنصيب: بقي مقدار، وحططنا عُشرَه؛ فبقي تسعة أعشار مقدار، فهي للورثة لكل واحد عشر مقدار؛ فعلمنا بذلك أن الذي أخذه الموصى له بالنصيب عُشْر مقدار، فنعود ونقول: الباقي بعد الثمن مقدارٌ وعشر مقدار، وهذا سبعة أثمان المال، فإذا زدت عليه سُبعه، كان جميعَ المال، ويخرج منه أن المقدارَ عددٌ له عُشر، ولعُشره سُبع، وهو سبعون، فقل: المقدار سبعون، فنزيد عليه عُشره، فيكون سبعةً وسبعين، ثم زد على الجملة سبعها، وهو أحدَ عشرَ، فيصير ثمانية وثمانين، فهي المال. والنصيب سبعة.
6691 - وتخرج المسألةُ بطريق القياس: إنك تعلم أن الأول أخذ ثمن المال، وأخذ الثاني نصيباً، يجب أن يكون الباقي عَشْرٌ، فليكن عُشره للموصى له الثالث، عُشْرها واحد، تبقى تسعة، لكل ابن واحد، فليعلم أن النصيب الذي أخذه صاحب النصيب واحد، والباقي بعد الثمن أحدَ عشرَ، وهو سبعة أثمان المال، فزد على الواحد عشرَ (1) سُبعه، وهو واحد وأربعة أسباع، فيبلغ اثني عشر، وأربعة أسباع فابسطها أسباعاً، فيكون المال ثمانية وثمانين، والنصيب سبعة.
__________
(1) الواحد عشر: المراد الأحد عشر.

(10/90)


6692 - وطريق الدينار والدرهم أن تجعل المال ديناراً وسُبعَ دينار، وأحد عشر درهماً وثلاثة أسباع درهم، حتى إذا دفعت منه إلى الموصَى الأول ثمن المال، ودفعت الدينار بالنصيب إلى الموصى له الثاني، بقي من المال شيء له عشر صحيح.
وإذا كان كذلك، فادفع إلى الموصى له الأول ثمنَ جميع ذلك، وهو سبع دينار، ودرهم وثلاثةُ أسباع درهم، يبقى دينار وعشرة دراهم، وادفع الدينار بالنصيب إلى الثاني، تبقى عشرة دراهم: للموصى له الثالث منها درهمٌ. الباقي تسعةُ دراهم، تعدل تسعة دنانير، وهي أنصباء البنين؛ فإن كلَّ سهم ممثل بدينار، فبان أن الدينار قيمته درهم واحد، وكنت جعلت المال ديناراً وسبعاً، وأحد عشر درهماً وثلاثة أسباع درهم، فبان الآن أن المال اثنا عشر درهماً وأربعة أسباع درهم، والنصيب درهم، فابسطها أسباعاً يكون المال ثمانيةً وثمانين، والنصيب سبعة.
6693 - ومن مسائل هذا النوع أن يكون الجزءان المذكوران مع النصيب أحدهما بعد الآخر، مثاله:
ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث الباقي، ولآخر بثلث الباقي بعدُ. ذلك كلُّه من الثلث.
فطريق الجبر أن نأخذ ثلث مالٍ، فنلقي منه نصيباً، فيبقى ثلثُ مال إلا نصيب، فنلقي بالوصية الثانية ثُلثَه، وذلك تسع مال إلا ثلث نصيب، فيبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب، فنلقي بالوصية الثالثة: ثلثها.
ونحتاج الآن أن نأخذ تُسعي عدد يكون له ثلث، وإنما يصح ذلك من سبعة وعشرين. وتسعاها ستة، فيبقى معنا بعد الوصيتين الأوليين ستة أجزاء من سبعة وعشرين جزءاً من مال، إلا ثلثي نصيب، فنلقي ثلثَها بالوصية الثالثة، فيبقى أربعة أجزاء من سبعة وعشرين جزءاً من المال، إلا أربعة أتساع نصيب، فنزيدها على ثلثي المال، وهو ثمانيةَ عشرَ؛ فإنا قدرنا جميع المال سبعةً وعشرين، فيبلغ الآن الثلثان مع ما زدنا عليهما اثنين وعشرين جزءاً من سبعةٍ وعشرين جزءاً من المال إلا أربعة أتساع نصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبرها بأربعة [أتساع] (1) نصيب، ونزيد على
__________
(1) في الأصل: أربعة أسباع.

(10/91)


عديلها مثلها؛ فيكون اثنان وعشرون جزءاً من سبعة وعشرين جزءاً من المال تعدل ثلاثةَ أنصباء، وأربعة أتساع نصيب، فنبسطها بأجزاء سبعة وعشرين، فتبلغ ثلاثة وتسعين، ثم نقلب العبارة: فالمال ثلاثة وتسعون، والنصيب اثنان وعشرون.
للامتحان: ثلث المال أحدٌ وثلاثون، فنلقي منه بالوصية الأولى نصيباً، وهو اثنان وعشرون، تبقى منه تسعة، نلقي منها بالوصية الثانية ثلثها ثلاثة، تبقى ستة، نلقي بالوصية ثلثها، تبقى أربعة، نزيدها على ثلثي المال، وهو اثنان وستون، فيبلغ ستة وستين، نقسمها على البنين لكل ابن اثنان وعشرون، كما أخذ الموصى له بمثل النصيب.
6694 - وطريق الدينار والدرهم أن نجعل ثلث المال ديناراً وعدداً من الدراهم له ثلث، ولثلثه ثلث، وهو تسعة، فأعطِ بالنصيب ديناراً، فتبقى تسعة دراهم، فادفع ثلثها بالوصية الثانية، يبقى ستة، وادفع ثلثها بالوصية الثالثة، تبقى أربعة دراهم، فزدها على ثلثي المال، وهو ديناران، وثمانية عشر درهماً، فيصير المجموع دينارين واثنين وعشرين درهماً، تعدل ثلاثة دنانير، فنلقي دينارين، فيبقى دينار يعدل اثنين وعشرين درهماً، وكنا جعلنا الثلث ديناراً وتسعةَ دراهم، فالثلث الآن أحدٌ وثلاثون درهماً، والثلثان ضعف ذلك (1)، والنصيب اثنان وعشرون.
6695 - وطريق القياس أن نقول: قد علمنا أن الباقي من الثلث بعد النصيب، وبعد ثلث الباقي يجب أن يكون عدداً له ثلث صحيح؛ لأنه قد أوصى بثلثه، فنجعله [ثلاثة] (2) وندفع ثلثها بالوصية الثالثة، يبقى سهمان. وإذا زدنا على الثلاثة نصفها، بلغ أربعة ونصف، فهي الباقي من الثلث بعد النصيب، فادفع من كل ثلث نصيباً إلا أربعة ونصف، فيحصل من كل ثلث أربعة ونصف، والثلث الذي فيه الوصايا نُخرج بعد النصيب واحداً ونصفاً، ثم واحداً، فيبقى اثنان، فنضمهما إلى التسعة الفاضلة من الثلثين الباقيين، فيصير أحد عشر، وهو النصيب، فنعود ونقول: جعلنا الثلث نصيباً وأربعة ونصفاً، والآن نجعله خمسة عشر ونصفاً، وكذلك كل ثلث، ثم نبسطها أنصافاً، فيصير المال ثلاثة وتسعين.
__________
(1) يزاد على الثلثين الأربعة التي بقيت من الثلث الذي أخرجنا منه الوصايا، فيصح إخراج الأنصبة منها.
(2) ساقطة من الأصل.

(10/92)


وإذا أردت قلت في طريق القياس: نجعل الثلث نصيباً وتسعة، ثم نقول نعطي من الثلثين الباقيين نصيبين، ويفضل منهما ثمانية عشر، ونضم إلى ذلك ما يفضل من الثلث الذي فيه الوصايا، وهو أربعة، فيصير اثنين وعشرين، فهو نصيب الابن الثالث، ونتبين منه أن كل نصيب اثنان وعشرون، فنعود ونقول: الثلث اثنان، وعشرون وتسعة، والمجموع أحدٌ وثلاثون.
6696 - وجاءت المسألة بالمقادير: أن نقول أخرجنا من الثلث نصيباً، فبقي من الثلث مقدار، فندفع ثلثه بالوصية الباقية، يبقى ثلثا مقدار، ندفع ثلثه بالوصية الثالثة، يبقى أربعة أتساع مقدار، ثم ندفع من كل ثلث من الثلثين الباقيين نصيباً إلى ابن، فيبقى من كل ثلث من الثلثين مقدار، فيبقى من المال كله: مقداران من الثلثين الباقيين، وأربعة أتساع مقدار من الثلث الذي فيه الوصايا. فهذا الذي يستحقه الابن الثالث، فابسطه أتساعاً، فيبلغ اثنين وعشرين. وكنا جعلنا ثلث المال نصيباً وتسعة، فالثلث إذاً أحدٌ وثلاثون كما تقدم.
6697 - فطريق الخطأين بيّن: فإن أردناها (1)، قلنا: لا بد من اعتبار التسعة في الثلث، فنزيد على التسعة لأجل النصيب مما يتفق، فليكن ذلك الزائد واحداً، فنخرجه، وتبقى التسعة، فنخرج منها ثلاثة بالوصية الثانية، واثنين بالوصية الثالثة.
وإذا كان الثلث عشرة، فالثلثان عشرون، فنضم إلى الثلثين الأربعة الفاضلة، فحصل معنا أربعةٌ وعشرون، فندفع منها إلى كل ابن واحداً: مثل ما قدرناه نصيباً، فيفضل أحدٌ وعشرون.
وهذا هو الخطأ الأول، فنزيد على التسعة ستة، فنجعل الثلث خمسة عشر، يخرج منها النصيب ستة، والثلثان ثلاثون، ونضم إلى الثلثين ما يفضل من التسعة عن الوصيتين، وهو أربعة، فنسلم إلى كل ابن ستة، فيفضل ستةَ عشرَ، وهو الخطأ الثاني.
والخطآن جميعاً من نقصان الأنصباء، فنحط الأقل من الأكثر والخطأ الأول أحدٌ وعشرون، فإذا حططنا عنه الستةَ عشرَ، بقي خمسة، وهي المقسوم عليها، فنحفظها.
__________
(1) أردناها أي طريق الخطأين. فالطريق يؤنث ويذكر.

(10/93)


فإن طلبنا المال، ضربنا المال الأول في الخطأ الثاني وهو عشرة في ستة عشر، يكون مائة وستين، ثم ضربنا المال الثاني، وهو خمسة عشر في الخطأ الأول، وهو أحد وعشرون، فيبلغ ثلاثمائة وخمسة عشر، فنحط عنه، مائة وستين، فيبقى مائة وخمسة وخمسون، فنقسمها على الخمسة المحفوظة فيخص كل واحد أحدٌ وثلاثون وهو ثلث المال.
وإذا أردنا طلبَ النصيب، ضربنا النصيبَ الأول، وهو واحدٌ في الخطأ الثاني وهو ستةَ عشرَ، وضربنا النصيبَ الثاني، وهو ستة في الخطأ الأول، وهو واحد وعشرون، فيصير مائة وستة وعشرين، فنحط منها ستة عشر، فيبقى منه مائة وعشرة، فنقسمها على الخمسة، فيخرج نصيب الواحد اثنان وعشرون، وهو النصيب.
6698 - والأصل المعتبر في طريق الخطأين إذا أردت استخراج مسألة من الدور، أو الوصايا، أو من العين والدين، أو من المساحة، أو غيرها من المعاملات الحسابية، فافرض عدداً كما شئت أو كسراً، وامتحن المسألة التي تريد استخراجها، فإن خرجت بأول فرضٍ، فهو المطلوب، وقد كُفيت.
وإن وقع خطأٌ، فاحفظ العدد المفروض ومقدار الخطأ فيه، واعرف الخطأ هل هو زائد على المطلوب أو ناقص؟ ثم افرض عدداً آخر، أو كسراً غيرَ الأول، وامتحن به المسألة، فإن خرجت، فقد حصل المطلوب، وإن وقع فيه خطأ، فاحفظ هذا العددَ الثاني المفروضَ، واحفظ خطأه، واعرف هل هو زائد أو ناقص؟
ثم انظر، فإن كان الخطآن زائدين أو ناقصين، فاطرح أقلهما من أكثرهما، فما بقي فهو المقسوم عليه، فاحفظه.
وإن كان أحد الخطأين زائداً، والآخر ناقصاً، فاجمع بينهما، ولا تنقص شيئاً، فما بلغ، فهو المقسوم عليه.
وقد عرفت أنك إذا أردت طلبَ المال، ضربت العددَ الذي فرضتَه أولاً في الخطأ الثاني، وحفظت مبلغه، ثم ضربت العدد الذي فرضتَه ثانياً في الخطأ الأول، واحفظ المبلغ.

(10/94)


ثم انظر إن كنت جمعت بين الخطأين، فاجمع بين هذين المبلغين ولا تنقص أحدهما عن الثاني، وإن كنت نقصت أحدهما من الآخر، فانقص أيضاً أحد هذين المبلغين من الآخر، ثم ما بلغ بعد الجمع أو بعد النقصان، فاقسمه على المحفوظ الذي سميناه المقسوم عليه، فما خرج من القسمة، فهو المطلوب.
وطريق طلب النصيب بما ذكرناه.
وهذه طريقة استعملها الحذّاق، وهي تجري على هذا النسق في كل مسألة، لا تقع فيها جذور، ولا كعاب. فإن وقع فيها شيء من ذلك أو من الضرب والقسمة احتيج فيها إلى زيادة في العمل، ولا يحتاج إليها الفقيه.
6699 - من أسرار الطريقة أنك قد تصادف الصواب من أول فرض من غير قصد، وقد تصادفه في المرة الثانية، فإن أخطأت مرتين، فلا تزد، فإن الصواب يخرج بخطأين بالطريق الذي ذكرناه.
وهذا أصل القول في طريق الخطأين، قدمه الأستاذ أبو منصور. ورأينا تأخيره حتى يحصل الإيناس بصورة الطريقة في المسائل، فإذ ذاك يُحيط الفهم بما ذكرناه.
6700 - وقد يقع من مسائل هذا الباب أغلوطة (1)، إذا حذَقتَها، خرجت المسألة هينة من غير جبر.
فمنها أن يقول القائل:
ترك الرجل بنتاً، وامرأة، وأماً، وأخاً (2)، وأوصى لرجل بمثل نصيب المرأة، ولآخر بمثل نصيب الأم، ولآخر بسدس جميع المال، ولرابع بثلث ما تبقى من الثلث.
فسهام الفريضة أربعة وعشرون: للبنت اثني عشر، وللأم أربعة، وللمرأة ثلاثة، وللأخ خمسة، فتزيد على الأربعة والعشرين مثلَ نصفها، لاعتباره الثلث؛ فإن قوله يتضمن حصر الوصايا في الثلث، وإذا فعلنا ذلك، فالجملة ستة وثلاثون، فإذا عزلتَ
__________
(1) الأغلوطة: بمعنى اللغز، فهي ما يغالَطُ به من الكلام المبهم (كليات أبي البقاء والمعجم).
(2) في الأصل: أختاً. والمثبت رعاية لما سيقوله عن المسألة بعد ذلك. والمسألة -على أية حال- لا تتغير بذكورة الأخ أو أنوثته.

(10/95)


منها للموصى له بمثل نصيب الأم أربعة، وللموصى بمثل نصيب المرأة ثلاثة، وللموصى له بسدس جميع المال ستة، فمجموع ذلك ثلاثةَ عشرَ، وهو أكثر من ثلث المال، فنعلم بذلك أن الموصى له بثلث الباقي من الثلث لا وصية له، والوصايا زائدة على الثلث، فيكون الثلث بين أصحاب الوصايا الثلاثة على ثلاثةَ عشرَ سهماً، وثلثا المال ستة وعشرون بين الورثة، فينكسر ستة وعشرون على أربعة وعشرين، ولكن توافقها بالنصف، فاضرب نصف الفريضة في مخرج الوصايا، وصحح العمل بطريق الفرائض من غير جبر؛ فإن الجبر إنما يقع إذا اشتملت المسألة على نصيب وجزء بعده؛ فإن النصيب يصير مجهولاً بالجزء الذي يقع بعده. وقد سقط في هذه المسألة الجزء بعد الأنصباء، فاستمرت المسألة على حساب الفرائض.
فصل
في الوصية بنصيبين مع الوصية بعد كل نصيب بجزءً
6701 - من مسائله أن يقال:
ترك ابنين وبنتين، وأوصى لإنسان بنصيب بنتٍ، ولآخر بخُمس ما تبقى من الثلث بعد هذا النصيب، وأوصى لثالث بمثل نصيب البنت الأخرى، ولرابع بثلث ما بقي من الربع بعد هذا النصيب.
فالحساب بالجبر أن نأخذ ثلث مالٍ، ونلقي منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيبا، فنلقي خمسَ ذلك، فتبقى أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس نصيب، فاحفظ ذلك.
ثم خذ ربع مالٍ، فألقِ منه نصيباً، يبقى ربعُ مالٍ إلا نصيباً، فنلقي منه ثلث ذلك بالوصية الرابعة، يبقى ثلثا ربع إلا ثلثي نصيب.
فنحتاج أن نزيد ذلك على ما كان قد بقي من الثلث من قبل، وهو أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس النصيب، فنحتاج إلى عددٍ له ثلث، ولثلثه خمس، وله ربع ولربعه ثلث، وهو ستون. وإذا جمعت ثلثي ربع الستين إلى أربعة أخماس ثلثه، كان ستةً وعشرين؛ فإن ثلث الستين عشرون، وأربعة أخماسه ستةَ عشرَ، وربعه خمسةَ

(10/96)


عشرَ، [وثلثاه] (1) عشرة، والجملة ستة وعشرون. وهذا هو العدد، ولا بد من استثناء النصيب، فمعنا أربعة أخماس الثلث إلا أربعة أخماس نصيب، وثلثا الربع إلا ثلثي نصيب.
والأوْلى أن نقسم النصيب في هذه المسألة قسمة المال على ستين، ومعنا استثناء أربعة أخماس من نصيب، والاستثناء ثلثي [نصيب] (2)، فنكمل الأربعة الأخماس بالثلثين ضمّاً، فيصير نصيباً كاملاً، وثمانية وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب.
فإذاً معنا ستةٌ وعشرون جزءاً من ستين جزءاً من المال، ناقصة بنصيبٍ وثمانيةٍ وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب، ومخرج أجزاء النصيب خلاف أجزاء المال، ولكنهما متفقان بالخمس، وإذا ضربت خمس أحدهما في الثاني، كان ستين، فنضم الستة والعشرين إلى ما لم نتصرف فيه من المال، فإنا إنما تصرفنا في ثلث المال.
وربعه، وفضل منه ما ذكرنا، وبقي ربع المال وسدسه لم نتصرف فيهما، وربع الستين خمسةَ عشرَ وسدسه عشرة، وإذا ضممنا الستة والعشرين إلى ذلك، كان أحداً وخمسين، فنقول: هذا مع النقصان الذي ذكرناه يعدل أنصباء الورثة، والأنصباء ستة، وهي فريضة الميراث، فنجبر الأحد والخمسين بنصيبٍ وثمانية وعشرين جزءاً من ستة وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب، ونزيد مثلَ ذلك على عديله، فيصير سبعة أنصباء وثمانية وعشرين جزءاً من ستين جزءاً من نصيب، ونبسط الأنصباء من أجزاء الستين، فتصير أربعمائة وثمانية وأربعين. ونقلب العبارة، فنقول: النصيب أحدٌ وخمسون، والمال أربعمائة وثمانية وأربعون، ثم يمتحن، فيقع في بعض الوصايا كسر. ولكن قد لا يُبالي الحيسوب به إذا انقسم الباقي على فرائض الورثة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو مائة وتسعة وأربعون وثلث، فنلقي منها بالوصية الأولى نصيباً، وهو أحدٌ وخمسون، فيبقى ثمانية وتسعون سهماً وثلث، فنلقي بالوصية الثانية خُمسها، وهو تسعةَ عشرَ وثلثان.
ثم نأخذ ربع المال، وهو مائة واثنا عشر، فنلقي منها بالوصية بالنصيب نصيباً،
__________
(1) في الأصل: وثلثه.
(2) ساقطة من الأصل.

(10/97)


وهو أحدٌ وخمسون، يبقى منها أحدٌ وستون سهماً، فنلقي منها بالوصية الرابعة ثلثها، وذلك عشرون وثلث، وجملة الوصايا مائة واثنان وأربعون، فنلقيها من أصل المال وذلك أربعمائة وثمانية وأربعون، فيبقى للورثة ثلاثمائة وستة، نقسمها على ستة أسهم لكل ابن مائة واثنان، ولكل بنت أحد وخمسون، كما أخذ الموصَى له بمثل نصيب البنت.
فإن أردت إزالة الكسر، فاضرب جميع ذلك في ثلاثة واستأنف القسمة.
القول في الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ من النصيب الموصى به
6702 - هذه المقالة تدور على فصلين: أحدهما - يشتمل على الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ من جملة المال، والفصل الثاني - يشتمل على الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما بقي، وكل فصلٍ يتنوع أنواعاً، كما سيأتي الشرح عليها، إن شاء الله عز وجل.
الفصل الأول
في استثناء جزءٍ من جملة المال عن النصيب الموصى به
6703 - فمن مسائل ذلك أن يترك خمسة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثمن المال.
فطريق الجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، يبقى مال إلا نصيب، ويستثنى من النصيب الذي أخرجته ثمن المال، فنزيده على المال، فيبقى مال وثمن مال إلا نصيباً.
والثمن الذي استرددته لا نقصان فيه؛ فإنك استرددته كاملاً، فمعك مال وثمن مال ناقص بنصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي خمسة، فاجبر المال بالنصيب، وزد مثله على عديله، فيكون مال وثمن يعدل ستة أنصباء، فابسطها أثماناً، فيصير المال تسعة والأنصباء ثمانية وأربعين، فاقلب الاسم، فالمال ثمانية وأربعون، والنصيب تسعة.
الامتحان: أن ندفع إلى الموصى له بمثل النصيب تسعة. ونسترجع منه ثمن المال وهو ستة، يبقى في يد الموصى له ثلاثة أسهم وهي الوصية، فاطرحها من المال،

(10/98)


فيبقى خمسة وأربعون سهماً بين خمسة بنين، لكل واحد سهم: تسعة، مثل النصيب الخارج بالعمل.
6704 - طريقة الخطأين: أن نجعل المال ثمانية، والنصيب أربعة، ونستثني منه مثل ثمن المال، يبقى خمسة، فنحتاج أن ندفع منها إلى كل ابن مثل نصيب، فكان يجب أن يكون الباقي عشرين، فلما بقي خمسة نقص عما نحتاج إليه خمسة عشرَ، فهي الخطأ الأول، والخطأ في النقصان، فاحفظ.
ثم اجعل المال ستةَ عشرَ، والنصيب منها خمسة، واستثنِ منها ثمن المال، وهو اثنان يبقى من المال ثلاثة عشر، وكان الواجب أن يبقى منها خمسة وعشرون ليكون لكل ابن خمسة، مثل النصيب المفروض، فقد خرج عن الحاجة اثنا عشر، وهو الخطأ الثاني، وذلك ناقص أيضاً، فانقص أحدَ الخطأين عن الآخر، فيبقى ثلاثة، وهو المقسوم عليه، فاحفظه.
ثم اضرب المال الأول وهو ثمانية في الخطأ الثاني، وهو اثنا عشر، فيبلغ ستة وتسعين، ونضرب المال الثاني وهو ستة عشر في الخطأ الأول، وهو خمسةَ عشرَ، فيبلغ مائتين وأربعين، فانقص المبلغ الأول، وهو ستة وتسعون [من] (1) ذلك؛ فيبقى مائة وأربعة وأربعون، فاقسمها على الثلاثة المحفوظة، فيخرج من القسمة ثمانية وأربعون سهماً، فهي المال.
وإن أردت النصيب، فاضرب النصيب الأول وهو أربعة في الخطأ [الثاني] (2)، وهو اثنا عشر، فيبلغ ثمانية وأربعين، واضرب النصيب الثاني وهو خمسة في الخطأ الأول وهو خمسة عشر، فيبلغ خمسة وسبعين، فانقص أحد المبلغين وهو ثمانية وأربعون، من خمسة وسبعين فيبقى سبعة وعشرون، فاقسمها على الثلاثة. فيخرج تسعة. وهو الذي خرج بالجبر.
6705 - وحساب المسألة بطريق المقادير أن نقول: قد علمنا أنا إذا دفعنا إلى الموصى له من المال نصيباً، بقي منه مقدار، فنسترجع من الموصى له ثمن المال،
__________
(1) في الأصل: في.
(2) في الأصل: مساغ.

(10/99)


وذلك ثمن مقدار، وثمن نصيب، وهاهنا تأمّلٌ على الناظر يقطع به على حقيقةٍ عليها تدور الطرق، سنذكرها، إن شاء الله تعالى.
وذلك أنا نقول: المال مقدار ونصيب، فإذا كنا نسترد ثُمنَ جملة المال، شاع ذلك في المقدار والنصيب، فينتظم أن نقول: نسترد من الوصية ثمنَ مقدارٍ، وثمنَ نصيب، فيحصل معنا مقدار [وثمن مقدار] (1) وثمن نصيب، وذلك كلُّه يعدل خمسةَ أنصباء، فنلقي ثمنَ نصيب بثمن نصيب قصاصاً، يبقى مقدارٌ وثمن مقدار، يعدل أربعة أنصباء، وسبعة أثمان نصيب، فنبسطها أثماناً، فيصير المقدار [تسعة] (2)، والأنصباء تسعة وثلاثين. [فنقلب] (3) الاسمَ ونقول: المقدار تسعة وثلاثون، والنصيب تسعة، وكان معنا مقدار ونصيب، فنضم أحدهما إلى الثاني، فيصير المجموع ثمانية وأربعين، فهو المال، فقد بان النصيب.
فإن وقع الكلام في بعض الطرق من مراسم الجبر ولا غرو؛ فإنّ الجبر هو الأصل، وما عداه من تِبَاعه (4).
وطريق القياس يقرب ممّا ذكرناه الآن، فنقول: علمنا أنه إذا دُفع إلى الموصى له بالنصيب ما يجب أنه يبقى من المال عدد له ثمن، فاجعله ثمانية، واسترجع من الموصى له مثل ثمن جميع المال، وجميع المال ثمانية ونصيب، فإذا استرجعنا ثمن المال من الوصية، كان سهماً واحداً وثمنَ نصيب، فيحصل معك تسعة أسهم، وثمن نصيب، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فألق ثمن نصيب بثمن نصيب، تبقى تسعة أسهم تعدل أربعة أنصباء وسبعة أثمان نصيب، فاقسم السهام على الأنصباء، وتلتقي الطريقتان قلباً وبسطاً.
6706 - وطريق الدينار والدرهم يقرُب مما ذكرناه، فنجعل المال ديناراً وثمانية
__________
(1) زيادة من المحقق لا تستقيم المسألة بدونها.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: فنطلب.
(4) تِباعه: أي من آثاره ونتائجه (المعجم).

(10/100)


دراهم، وندفع الدينار بالنصيب، ونسترجع من الدينار ثمنَ جميع المال، وذلك درهم وثمن دينار، فيبقى من المال [تسعة] (1) دراهم، وثمن دينار، وذلك يعدل خمسة دنانير، فنلقي ثمن دينار بثمن دينار، يبقى [تسعة] (2) دراهم تعدل أربعة دنانير وسبعة أثمان دينار، ثم نبسط الدنانير، وقد بان أن الدينار يساوي [تسعة] (3)، وتعود الطريق إلى ما مضى.
6707 - صورة أخرى: ترك ابناً، وأوصى بمثل نصيبه لرجل إلا نصف جميع المال، فالمسألة صحيحة، وفي تصويرها إبهام على من لا يحيط بحقيقة المسألة.
وإذا خرجناها بالحساب، بان الغرض، فنأخذ مالاً، وننقص منه نصيباً إلا نصف مال، فتبقى معنا مال ونصف إلا نصيب يعدل نصيباً واحداً، فاجبر المال، وزد على عديله مثله، فيكون مال ونصف مال، يعدل نصيبين، فابسطها أنصافاً، واقلب الاسم، فيكون المال أربعة والنصيب ثلاثة، فادفع إلى الموصى له ثلاثة، واسترجع منه نصف المال وهو اثنان، يبقى معه سهم واحد وهو الوصية، فاطرحها من المال تبقى ثلاثة، وهي نصيب الابن. وقد أخذ الموصى له مثل هذا النصيب إلا نصف المال.
فإن قيل: إذا لم يكن في المسألة إلا ابن فالوصية بنصيبه، أو بمثل نصيبه وصية بالنصف، واستثناء النصف منه في ظاهر الأمر مستغرق للوصية، [فهذا] (4) غير سديد؛ فإنه إذا أوصى لإنسان بنصيب ابن إلا نصف المال، فتقديره أوصيت لك بمقدار إذا استرد منه نصف المال، وضم إلى الباقي وجمع، كان المجموع المصروف إلى الابن مثل ما قُدِّر صرفه إلى الموصى له، ثم استرد منه النصف، فهذا هو التقدير. فإذا كان يبقى على هذا التقدير شيء، فذلك المقدار موصى به.
فلو كان ابنان، فاوصى لإنسان بنصيب أحدهما إلا نصف جميع المال، فالوصية باطلة.
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: " وهذا " وهي واقعة في جواب الشرط.

(10/101)


وامتحان بطلانها أنا نقول: نأخذ مالاً ونلقي منه نصيباً، ونسترد نصف المال تقديراً من الوصية، فيحصل في أيدينا مال ونصفٌ ناقص بنصيب، يعدل نصيبين، فنجبر المال والنصف، ونزيد على العديل نصيباً، ونبسط الأنصباء والمال أنصافاً، فتصير الأنصباء ستة، والمال ثلاثة، ثم نقلب العبارة، فالنصيب ثلاثة، والمال ستة ونعطي من الستة ثلاثة [ونستردّ] (1) نصف المال، وهو ثلاثة، فلا يبقى شيء، فتبطل.
6708 - صورة أخرى: رجل ترك ثمان أخوات، وامرأة، وأماً، فأوصى لرجل بمثل نصيب المرأة، وبمثل نصيب الأم إلا ثمن وعشر جميع المال. فالفريضة من ثلاثةَ عشرَ وهي عائلة بنصف سدسها، فنأخذ مالاً وننقص منه خمسة، نصرفها إلى الموصى له بالنصيبين، للأم سهمان، وللمرأة ثلاثة أسهم، ونسترجع ثمن المال وعشر المال، ونزيد هذا على ما بقي من المال، فيبقى مال وثمن مال وعشر مال إلا خمسة أنصباء، فإنا نجعل كلَّ سهم من سهام الفريضة نصيباً؛ فإذاً مال، وثمن مال، وعشر مال إلا خمسة أنصباء تعدل ثلاثة عشر، فنجبر المال والعشر والثمن بخمسة أنصباء ونزيد على العديل مثلَه، فيكون مال وثمن وعشر، يعدل ثمانية عشر نصيباً، فاضرب الجميع في مخرج الثمن والعشر، وهو أربعون فيكون تسعة وأربعين. والأنصباء سبعمائة وعشرون، فنقلب الاسم، ونقول: المال سبعمائة وعشرون، والنصيب تسعة وأربعون، فندفع إلى الموصى له خمسة أنصباء كل نصيب منها تسعة وأربعون سهماً، وجملة ذلك مائتان وخمسة وأربعون سهماً، واسترجع منه مثل ثمن المال وعشره، وذلك مائة واثنان وستون سهماً، تبقى للموصى له ثلاثة وثمانون سهماً هي الوصية فاطرحها من المال فتبقى ستمائة وسبعة وثلاثون سهماً، فاقسمها بين الورثة على ثلاثة عشر نصيباً، فيخرج كل نصيب تسعة وأربعون سهماً، كما خرج الحساب، وقد نجز [ما .. ] (2) مضمون هذا الفصل.
__________
(1) في الأصل: نستزيد.
(2) كلمة غير مقروءة. لعلها: " ما يمهد ".

(10/102)


الفصل الثاني
في الوصية بالنصيب مع استثناء جزءٍ مما تبقى
6709 - وهذا يتنوع نوعين: أحدهما - أن يكون الاستثناء من التام.
والثاني - أن يكون الاستثناء من جزءٍ مما تبقى.
ونحن نذكر في كل نوع ما يليق به.
فأما الاستثناء بجزءٍ من باقي المال، فهذا يفرض على ثلاثة أوجه يتعين الاعتناء بفهمها؛ فإنها فقه الباب، ومن لم يُحط بها مفصَّلةً، فليس على علم بالمقصود.
والاستثناء في هذا النوع الذي نحن فيه يفرض على ثلاثة أوجه: أحدها - أن يقع الاستثناء بجزء من الباقي بعد الوصية، وهو المقدار الذي يستحقه الموصى له بعد حط الحساب، وبسطه وقبضه، ويختلف الأمر؛ فإنّ الجزء إذا صرف إلى ما بعد الوصية، كان الباقي أكثر، وكان الجزء المضاف إلى الباقي أكثر، فإذا صرف الجزء إلى ما بعد النصيب التام تقديراً، فالباقي بعد تقدير النصيب التام أقل وجزؤه أقل. فهذا تفاوتٌ نعقله قبل الخوض في تفصيل العمل.
وإذا كان الجزء مضافاً إلى الباقي بعد الوصية، فمعنى الكلام أن يقدّر للموصى له نصيبٌ تام، ويستثنى منه [جزءُ] (1) ما يبقى بعد الوصية. وفي الوجه الثاني بعد النصيب التام.
فإذا تقيَّد الاستثناء بأحد هذين الوجهين صريحاً، فموجب ذلك الاستثناء متَّبعٌ بلا خلاف، وسنذكر في كل وجه من الوجهين مثالاً أو أمثلةً، ونطرد طرق الحساب.
والوجه الثالث - أن يقول الموصي: أوصيت لفلان بنصيب فلان إلا ثلث الباقي، أو جزءاً آخر، ولا يتعرض للنصيب، ولا للوصية، فهذا مردَّدٌ محتمل الوجهين المقدَّمين.
وقد حكى الأستاذ أبو منصور في هذا الوجه خلافاً بين أصحابنا، وهو محتمل،
__________
(1) ساقطة من الأصل.

(10/103)


ولم أره محكياً من جهة غيره، وكيف يُطمَع في حكاية غيره، ولم يتعرض لهذا التفصيل أحد، ولا بد منه.
قال الأستاذ: ذهب معظم أصحابنا إلى أن الاستثناء المطلق في هذا الوجه الثالث مصروفٌ إلى استثناء جزءٍ من الباقي بعد الوصية، وبهذا قال محمد بن الحسن، وهذا يتضمن تقليلَ الوصية، وتكثير الاستثناء، وذهب بعضُ أصحابنا إلى أن الاستثناء يُحمل على ما بعد النصيب.
توجيه الوجهين: من حمل على الأقل خرّج ذلك على أصلٍ ممهَّدٍ في الوصايا والأقارير، وهو أنها منزّلةٌ على الأقل المتيقَّن، وإذا فرض ترددٌ بين القليل والكثير، فالوجه حمله على القليل.
ومن قال بالوجه الثاني، احتج بأن الموصي ذكر النصيبَ وأضاف الاستثناء إلى الباقي فلينصرف الاستثناء إلى الباقي بعد المذكور، والمذكور هو النصيب. وهذا متجه تلقّياً من اللفظ.
فإن قيل: لم تذكروا هذه الوجوهَ الثلاثةَ فيه إذا كان الاستثناء بجزءٍ من المال.
قلنا: ذلك الاستثناء مضاف إلى ما بعد الوصية، لا (1) إلى ما بعد النصيب، ولا معنى لتقسيم الكلام فيه. وهذا بينٌ لا خفاء به، ونحن نذكر الوجهين الأولين المقيّدين بما بعد النصيب، وما بعد الوصية. ثم لا يخفى حكم الإطلاق تخريجاً على المذهبين.
6710 - فأما الاستثناء بجزءٍ مما بقي من المال بعد النصيب، فمثاله: رجل ترك ثلاثة بنين وأوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحدهم إلا عشر الباقي من المال بعد النصيب.
فطريق الجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، فيبقى مال إلا نصيب، فنزيد على المال عُشره، وهو مسترجع من النصيب، فمعنا مال، وعشر مال، ناقص بنصيب، وعشر نصيب. فإنّ المال إذا كان ناقصاً بنصيب، فعشره ناقص بعشر نصيب، وإذا كان الاستثناء من الباقي فأجزاء الباقي تتصف بما يتصف به الباقي، وليس كما تقدم من استثناء جزءٍ من المال كما سبق ذكره.
__________
(1) في الأصل: ولا إلى.

(10/104)


فمعنا إذاً مال وعُشر مال ناقص بنصيب وعشر نصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة، فتجبر وتقابل، فيكون مال وعشر مال يعدل أربعة أنصباء، وعشر نصيب.
فابسطها جميعاً أعشاراً، واقلب العبارة، فيكون المال أحداً وأربعين، والنصيب أحد عشر.
الامتحان: ندفع النصيب إلى الموصى له، وهو أحد عشر، فيبقى ثلاثون، فنسترجع عشر الثلثين وهو ثلاثة من ذلك النصيب، تبقى ثلاثة وثلاثون بين ثلاثة بنين لكل واحد أحد عشر، وهو النصيب الخارج.
6711 - طريقة الخطأين: أن نجعل المال إن شئنا - اثني عشر، والنصيب منها اثنين، فندفعه إلى الموصى له؛ فيبقى عَشْرٌ، فنسترجع من اثنين عُشر ما بقي، وهو واحد، ونزيده على العشرة، فيبلغ أحد عشر، فندفع منها إلى كل ابن مثل النصيب المقدر اثنين، وذلك ستة، فيبقى منه خمسة، هذا هو الخطأ الأول وهو زائد، فنحفظه.
ثم نجعل المال ثلاثة عشر، والنصيب منها ثلاثة، فنخرج الثلاثة نصيباً، ونسترد منها عُشرَ الباقي، وهو سهم، ونقسم الأحد عشر، فندفع إلى كل ابن ثلاثة، مثل ما قدرناه للموصى له قبل الاستثناء، فيفضل اثنان، وهو الخطأ الثاني، وهو زائد أيضاً، فنسقط أحد الخطأين من الآخر تبقى ثلاثة، فنحفظها، فهي المقسوم عليها.
ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، فيبلغ أربعة وعشرين، ونضرب المال الثاني في الخطأ الأول، فيبلغ خمسة وستين، ونسقط أقل المتلقيين من أكثرهما، فيبقى أحد وأربعون، فنقسمها على المحفوظ فيخرج ثلاثةَ عشرَ وثلثان، فهو المال. ثم نضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني، فيبلغ أربعة، ونضرب النصيب الثاني في الخطأ الأول فيبلغ خمسة عشر، ونسقط الأقلَّ من أكثر، فيبقى أحد عشر، فنقسمها على المحفوظ فيخرج ثلاثة وثلثان، فهي النصيب، والمال ثلاثةَ عشرَ وثلثان، فنبسطها أثلاثاً ليزول الكسر، فيكون المال أحداً وأربعين، والنصيب أحد عشر، كما أفضى إليه الجبر.

(10/105)


6712 - وأما طريقة المقادير، فنعطي نصيباً من المال، يبقى منه مقدار، نسترجع عُشرَه من ذلك النصيب، ونزيده على المقدار، فيكون مقداراً وعشرَ مقدار، وذلك مثل ثلاثة أنصباء، فنقسمها على ثلاثة، فيكون كلُّ نصيب منها ثُلثَ مقدار وثلثَ عُشر مقدار. فهذا مقدار النصيب.
فنرجع ونقول: المال مقدار وثلث مقدار وثلث عشر مقدار، فذلك هو المال، فنضربه في عدد له ثلث وعشر، ولعشره ثلث، فيبلغ أحداً وأربعين، وهو المال.
وقد ظهر أن [النصيب] (1) ثلثُ مقدار، وثلثُ عشر مقدار، فخذ ثلثَ الثلاثين، وثلثَ عشرها، وذلك أحد عشر.
وطريقة القياس قريبة مما ذكرنا.
فنقول: علمنا أن الباقي من المال بعد النصيب عدد له عشر، فنجعله عشرة، وقد استثنى عشرها فيصير أحد عشر، فهذه الأحد عشر يستحقها البنون، وهم ثلاثة: لكل واحد منهم ثلاثة وثلثان، فعلمنا بذلك أن النصيب الذي أخذه الموصى له قبل الاستثناء كان ثلاثة وثلثين، فنزيدها على العشرة الباقية بعد النصيب، فيكون ثلاثةَ عشرَ وثلثين، فنبسطها أثلاثاً، فتكون [أحدا وأربعين، وهي المال، وقد فرضنا النصيب ثلاثة وثُلثين، فنبسطها أثلاثاً فتكون] (2) أحد عشر، فهي النصيب.
6713 - وطريق الدينار والدرهم أن نجعل المال ديناراً وعشرةَ دراهم، فنجعل الدينار نصيباً، ونخرجه إلى الموصَى له، ونسترجع منه مثلَ عشر الباقي، وهو درهم، ونزيده على الباقي، فيكون أحد عشر درهماً، تعدل ثلاثة دنانير، وقيمة كل دينار ثلاثة دراهم، وثلثان، فنزيدها على العشرة بدل الدينار، فتبلغ ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلثين، فهي المال، فنبسطها أثلاثاً، كما تقدم وقد التقت الطرق.
__________
(1) في الأصل: " المال " والمثبت من تصرف المحقق؛ أخذاً من معطيات المسألة.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.

(10/106)


6714 - صورة أخرى: ترك رجل.
امرأة، وأبوين، وابنين، وأوصى بمثل نصيب أحد الابنين إلا خمس ما تبقى من المال بعد النصيب.
فسهام الفريضة ثمانية وأربعون، فطريق خروج المسألة على إيجازٍ بالجبر والمقابلة أن نقول: الوصية بالنصيب تتضمن ضمّه مثلَ نصيب الموصى بنصيبه إلى سهام الفريضة، وما تضمه إلى سهام الفريضة مجهولٌ؛ لمكان الاستثناء عنه مما بقي، فنقول: نضم [إلى] (1) الثمانية والأربعين شيئاً مجهولاً، وهو الذي نستخرج بيانه، ثم نأخذ نصيب أحد الابنين، وهو ثلاثةَ عشرَ سهماً، فيبقى خمسةٌ وثلاثون، والذي ضممناه، فنستثني من الثلاثة عشر خُمسَ ما بقي، وهو سبعة وخُمس شيء، فتبقى ستة إلا خُمس شيء، تعدل الشيء الذي ضمَمْناه إلى الفريضة، فنجبر الستة الباقية بخمس شيء، ونزيد على عديله وهو الشيء خمسَ شيء، فتبقى ستة أسهم كاملة في مقابلة شيء وخمسِ شيء، فنعلم أن الشيء يساوي خمسة أسهم، إذا (2) كان الشيء وخمس شيء يساوي ستة أسهم.
فنرجع ونقول: الذي ضممناه إلى الفريضة خمسة أسهم، وإذا ضممنا خمسةً إلى ثمانية وأربعين، كان المجموع ثلاثة وخمسين، فنسقط منها الوصية خمسة أسهم، فتبقى سهام الفريضة ثمانية وأربعون سهماً، وتصح القسمة، وقد وفَّيْنا بموجب الوصية.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) " إذا كان الشيء ... " واضحٌ أن المعنى (إذْ)، وقد يسبق إلى ذهن بعض المحققين أن هذا تصحيف، وسهو من الناسخ، فما أكثر هذا!! ولكن يجب على من يتعامل مع النصوص التراثية ألا يحملها على مألوفه ومعهوده من النحو واللغة، بل يجب عليه أن يبحث وينقّر على أي وجهٍ يمكن أن يحمل الاستعمال الذي أمامه، ولا يسارع إلى التخطئة، والحمل على التصحيف والتحريف.
وفي عبارتنا هذه رأينا أن استعمال (إذا) مكان (إذ) سائغ صحيح، غفل عن التنبيه عليه أكثر النحويين، كما قال ابن مالك، وشاهده من القرآن الكريم: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) [الجمعة: 11] (ر. شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح: 62).

(10/107)


الامتحان: نُخرج من الثلاثة والخمسين، وهي الفريضة الجامعة للوصية وسهام المسألة ثلاثةَ عشرَ، فتبقى أربعون، فيستثنى من النصيب خمس الأربعين، وهو ثمانية فيبقى خمسة للوصية، وتعود سهام الفريضة إلى ثمانية وأربعين، وقد خرجت المسألة.
6715 - فطريق (1) الدينار والدرهم قريبة مما ذكرناه.
فنقول: نزيد على سهام المسألة -وهي ثمانية وأربعون- ديناراً. ونُخرج نصيب أحد الابنين ثلاثةَ عشرَ، فيبقى خمسة وثلاثون ودينار، فنطرد في الدينار ما ذكرناه في المسألة، فتخرج المسألة بقيمة الدينار، كما تقدم.
هذا كلام في أحد الوجهين المقيّدين وهو أن يُقيّد لفظُ الموصي الاستثناءَ بجزءٍ مما بقي بعد النصيب.
6716 - فأما الاستثناء مما بقي بعد الوصية، فقد ذكرنا أن الاستثناء أكثر، والجزءُ المذكور، وإن شابه الجزء المذكور في النوع الأول، فهو في التحقيق أكثر منه.
ومما يجب الإحاطة به -وبناء مسائل هذا النوع عليه- أن نعلم أن عُشر الباقي من المال بعد الوصية، يكون مثل تسع الباقي منه بعد النصيب، وتسع الباقي بعد الوصية مثل ثمن الباقي منه بعد النصيب، وثمن الباقي بعد الوصية مثل سبع الباقي منه بعد النصيب، وسبع الباقي من المال بعد الوصية يكون مثل سدس الباقي منه بعد النصيب، وسدس الباقي بعد الوصية مثل خمس الباقي بعد النصيب، وخمس الباقي بعد الوصية مثل ربع الباقي بعد النصيب، وربع الباقي بعد الوصية مثل ثلث الباقي بعد النصيب، وثلث الباقي بعد الوصية مثل نصف الباقي بعد النصيب.
فإذا ثبت هذا الاعتبار، رجعنا إلى المسألة وقلنا:
رجل ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا عشر ما تبقى من المال بعد الوصية، فهذا في معنى ما لو أوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحد بنيه إلا تسع ما تبقى من المال بعد النصيب.
__________
(1) كذا بالفاء، وهو استعمال معهود أيضاً في تفصيل المجمل، وعدّ آحاده.

(10/108)


6717 - فطريقة الجبر على قياس المسألة الأولى مما تقدم أن نأخذ مالاً، وننقص منه نصيباً، يبقى مال إلا نصيب، فنزيد عليه مثلَ تُسعه، وهو الذي استرجعناه بالاستثناء من النصيب، فيكون الباقي مالاً وتسعَ مال إلا نصيباً وتسع نصيب، وذلك يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبر ونقابل، صار مال وتسع مال يعدل أربعة أنصباء وتسع نصيب، فإذا بسطناها أتساعاً صار المال عشرة والنصيب سبعة وثلاثين، وإذا قلبنا العبارة، كان المال سبعة وثلاثين، والنصيب عشرة.
الامتحان: ندفع إلى الموصى له عشرة، تبقى سبعة وعشرون، فنسترجع منها تُسعَ ما بقي، وهو ثلاثة، نضمه إلى السبعة والعشرين، فيبقى للوصية سبعة، وقد حصل في أيدينا ثلاثون، نقسمها على ثلاثة بنين، لكل واحد عشرة.
6718 - وخروج المسألة بالخطأين، والمقادير، والقياس، والدينار والدرهم، على قياس خروجها في الوجه الأول المقيّد بما بعد النصيب، إلا أنك تجعل بدل عشر الباقي بعد الوصية تسع الباقي بعد النصيب.
والقياس بعد ذلك على ما مضى، فلا معنى لإعادة الطرق.
6719 - صورةٌ أخرى:
رجل ترك ثلاثة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدسَ ما تبقى بعد الوصية من المال، فقد علمنا أن سدسَ الباقي بعد الوصية مثلُ خُمس الباقي بعد النصيب، فنأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، يبقى مالٌ إلا نصيب، ونزيد عليه الاستثناءَ: خُمسَه، فيردّ من النصيب، فيكون مال وخمس مالٍ إلا نصيباً، وخمسَ نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء، فإذا جبرنا، وقابلنا، وعدلنا، صار مال وخُمس يعدل [أربعةَ] (1) أنصباء وخُمسَ نصيب، فإذا بسطناه أخماساً، وقلبنا الاسمَ، صار المال أحداً وعشرين، والنصيب ستةً، وهما متفقان بالثلث، فرددنا كل واحد منهما إلى الثلث، فالمال سبعة والنصيب اثنان. وإذا دفعنا إلى الموصى له نصيباً، وهو اثنان، واسترجعنا منه خمسَ
__________
(1) في الأصل: خمسة.

(10/109)


الباقي، بقي سهم واحد لجهة الوصية، وللورثة ستة أسهم لكل واحدٍ منهم سهمان.
وربما نقرّب العبارةَ في بعض المسائل عن الجبر، فنقول: معلومٌ أن الباقي من المال بعد الوصية أنصباء البنين، وذلك ثلاثة أنصباء، وسدس ذلك نصفُ نصيب، وهو المستثنى من نصيب أحد البنين، فإذا استرجعناه من النصيب، بقي نصف نصيب، وهو الوصية، فنزيده على أنصباء البنين، فيكون ثلاثة أنصباء ونصف نصيب، للموصى له من ذلك نصف سهم، ولكل ابن سهم، فنضعّف ذلك ليزول الكسر، فيصير المال سبعة، والوصية منها سهم واحد.
وقد بان بهذه المسألة أن سدسَ الباقي بعد الوصية، مثلُ خُمس الباقي بعد النصيب، وإنما كان كذلك لأنك إذا أسقطت من المال سدسه، بقي خمسةُ أسداسه، وكان السدس الذي أسقطته مثل خمس الباقي، وكذلك إذا أسقطت من المال خُمسه: ذلك الخُمس مثلُ رُبع الباقي بعد إسقاط خمسه، فهذا قياس الباب.
وقد نجز أحد النوعين الموعودين بما يتعلق به في أقسامه، ومسائله.
6720 - فأما النوع الثاني فمضمونه الوصية بالنصيب، مع استثناء جزءٍ من جزءِ: هذا النوع ينقسم إلى الأقسام والوجوه الثلاثة، كما تقدم، فقد يقع الاستثناء بجزءٍ من جزء بعد النصيب، وقد يقع الاستثناء بعد الوصية، وقد [يجري] (1) الاستثناء مطلقاً، من غير إضافةٍ إلى النصيب، أو إلى الوصية، وقد تقدم فقه الفصل.
ونحن نذكر بعدُ التقييدَ بما بعدَ النصيب، ثم نذكر بعده التقييدَ بما بعد الوصية، ثم المطلق فيه مذهبان، تقدم ذكرهما، وقياس المذهبين على قياس خروج المذهبين المقدّمين.
6721 - فأما الاستثناء بعد النصيب، فرجل خلف ثلاثةَ بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
__________
(1) في الأصل: جرى.

(10/110)


فحساب المسألة بالجبر والمقابلة أن نأخذ ثلثَ مال، ونسقطَ منه نصيباً، يبقى ثلثُ مال إلا نصيب (1)، فنزيد عليه ثلثه، وثُلثُ الثلث تسعُ المال، فنسترجع ذلك من النصيب، فيحصل معنا ثلث مال وتسعُ مال إلا نصيب وثلث نصيب، والجملة أربعة أتساع مال إلا نصيباً وإلا ثلث نصيب، فنزيده على ثلثي المال، وهو ستة [أتساع] (2)، ونعبّر عن الجملة بعد الضم بالأتساع، فيحصل معنا مال وتسع مال إلا نصيباً وثلثَ نصيب، يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاث، وإذا جبرنا، وقابلنا، وعدلنا، فيكون مال وتسع مال في مقابلة أربعة أنصباء وثلث نصيب، فإذا بسطناهما بأقل الأجزاء وهي الأتساع وقلبنا الاسم، صار المال تسعة وثلاثين، والنصيب عشرة.
وقد خرجت المسألة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال وهو ثلاثةَ عشرَ، فنلقي منه نصيباً، وهي عشرة تبقى ثلاثة، فنسترجع ثلثها، وهو واحد من النصيب، فتبقى تسعة للوصية، فنعود فنلقي تسعة من تسعة وثلاثين، تبقى ثلاثون بين البنين.
6722 - وحساب المسألة بالخطأين أن نقدر ثُلث المال خمسة، والنصيب منها درهمين، فنخرج الدرهمين ونسترد درهماً، وهو مثل ثلث الثلاثة الباقية، ونزيد ذلك على ثلثي المال، وهو عشرة فتبلغ أربعة عشر، فندفع منها إلى كل ابن اثنين، فلهم ستة وتَفضل ثمانية، فهي الخطأ الأول، وهو زائد، فنحفظه.
ثم نجعل ثلث المال ستة، والنصيب منها ثلاثة، ونقلبها (3) من الثلث، تبقى ثلاثة، فنسترجع من النصيب ثلثها، وهو واحد، فنضمه إلى الثلاثة، فتصير أربعة، فنزيدها على ثلثي المال، وهي اثني عشر فتبلغ ستة عشر، فندفع منها إلى كل ابن ثلاثة: مثل النصيب، فيبقى سبعة، وهي الخطأ الثاني، وهو زائد، فنطرحه من
__________
(1) نُذكّر بما أشرنا إليه من قبل من أن رفع المستثنى (بإلا) من كلام تام موجب له وجه في الصحة وعليه روي الحديث الشريف: " كل أمتي ناجٍ إلا المجاهرون " بالرفع، وأكثر ما جاء في هذا الكتاب في الأعداد والمقادير.
(2) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة إلا بها.
(3) نقلبها أي نرجعها ونردّها ونسقطها.

(10/111)


الخطأ الأول وهو ثمانية، يبقى واحد وهو الجزء المقسوم عليه، فنحفظه.
ثم نضرب المال الأول، وهو خمسة عشر في الخطأ الثاني، وهو سبعة، فيكون مائة وخمسة، ونضرب المال الثاني، وهو ثمانية عشر في الخطأ الأول وهو ثمانية فيكون مائة وأربعة وأربعين، فنلقي منها المبلغ الأول وهو مائة وخمسة، فيبقى تسعة وثلاثون، فنقسمها على الجزء المحفوظ، وهو واحد، فيخرج تسعة وثلاثون، فهي المال.
وإذا طلبنا النصيبَ، ضربنا النصيبَ الأول في الخطأ الثاني وهو سبعة، فيبلغ أربعةَ عشرَ، ونضرب النصيب الثاني، وهو ثلاثة في الخطأ الأول، وهو ثمانية، فيصير أربعة وعشرين، فنلقي الأقل من الأكثر، فتبقى عشرة، فنقسمها على الجزء المحفوظ، وهو واحد، فيخرج عشرة، وهي النصيب، كما خرج بالعمل الأول.
6723 - وطريق المقادير أن نأخذ ثلث مالٍ، ونلقي منه نصيباً يبقى منه مقدار، نزيد عليه ثلثه، وهو ثلث مقدار، وهذا هو المستردّ من النصيب، فمعنا مقدار وثلث مقدار، وندفع من كل ثلث نصيباً إلى ابنٍ، فيبقى من كل ثلث مقدار، ولا حاجة في كل ثلث إلى ردّ واسترداد؛ فإن ما ذكرناه يختص بالثلث الذي فيه الوصايا، فيصح معنا ثلاثة مقادير وثلث مقدار. فهذا نصيب الابن الذي لم يأخذ شيئاً، فعلمنا أن نصيب كل ابن ثلاثة مقادير وثلث، وقد كنا جعلنا الباقي من الثلث بعد النصيب مقداراً، فيكون الثلث على هذا التقدير أربعة مقادير وثلث مقدار؛ فإنا أخرجنا من الثلث نصيباً، وبان آخراً أن النصيب ثلاثة مقادير وثلث، فالمجموع أربعة مقادير وثلث مقدار، وهو الباقي بعد النصيب، والنصيب ثلاثة مقادير وثلث مقدار، فنبسط أربعة مقادير وثلث أثلاثاً، فتصير ثلاثةَ عشرَ، وإذا كان الثلث ثلاثةَ عشرَ، فالمال تسعة وثلاثون، والنصيب ثلاثة مقادير وثلث، وإذا بسطتها أثلاثاً، كان عشرة.
6724 - فالحساب بالقياس أن نجعل الباقي من الثلث بعد إسقاط النصيب منه عدداً له ثلث، وهو ثلاثة، فنسترجع من ذلك النصيب ثُلثه فيصير أربعة، ثم نلقي من كل ثلث من الثلثين الباقيين نصيباً لابن، فيبقى من كل ثلث ثلاثة فنزيدها على الأربعة

(10/112)


الباقية من الثلث الأول، فتكون عشرة، فهو النصيب، وقد علمنا أن الباقي من الثلث بعد إسقاط النصيب ثلاثة، فالثلث نصيب وثلاثة، والنصيب عشرة، فبان أن الثلث ثلاثة عشر، والمال تسعة وثلاثون.
6725 - وطريق الدينار والدرهم أن نجعل الثلث ديناراً، وثلاثة دراهم، وندفع الدينار بالنصيب، ونسترجع منه ثلث الباقي وهو درهم، يبقى من هذا الثلث أربعة دراهم، نزيدها على ثلثي المال، وهو ديناران وستة دراهم، فتصير دينارين، وعشرة دراهم، ندفع منها إلى كل ابن دينار، فيبقى الابن الثالث، وعشرة دراهم؛ فالدينار إذاً عشرةُ دراهم، كما تقدم، وتلتقي الطرق.
6726 - فإن كان قد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا نصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب، فخذ ثلث المال، وانقص منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فردّ عليه من أجل الاستثناء مثلَ نصفه، ونصفُ الثلث سدس، وهذا هو المستردّ من النصيب، فيحصل في أيدينا نصف مال (1) إلا نصيباً ونصفاً، فنرده على ثلثي المال يصير مالاً، وسدس مال إلا نصيباً ونصف نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء، فاجبر وقابل، فيكون مال وسدس مال، يعدل أربعة أنصباء ونصف نصيب، فابسطها أسداساً، واقلب الاسم، فيصير المال [سبعة وعشرين] (2) والنصيب سبعة.
الامتحان: ثلث المال تسعة، الوصية نصيب، وهو سبعة، يبقى اثنان، استرجع نصفه من النصيب، فيبقى مع الموصى له ستة أسهم، هي للوصية، فاطرحها من المال يبقى أحدٌ وعشرون بين البنين، لكل واحد سبعة، وقد أخذ الموصى له ستة أسهم، وهو مثل النصيب إلا نصف ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
6727 - فإن ترك خمسةَ بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
فالعمل بالجبر أن نأخذ ثلث مالٍ وننقص منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فردّ
__________
(1) نُنَبِّه، جاء هذا النصف من حاصل جمع الثلث مع السدس.
(2) في الأصل: " تسعة وعشرين ".

(10/113)


عليه ربعه من [أجل] (1) الاستثناء، فيحصل معك ربع مال وسدس مال إلا نصيباً، وربع نصيب؛ فإن ربع الثلث نصف سدس، فالمجموع سدس وربع (2)، فزده على ثلثي المال فيكون مال ونصف سدس مال إلا نصيباً وربع نصيب، يعدل خمسة أنصباء، فاجبر وقابل، فيصير مال (3) ونصف سدس مال يعدل ستة أنصباء وربع نصيب، فابسطها أجزاء الاثني عشر، لأن نصف سدس جزءٍ من اثني عشر، وذلك بأن تضرب كلّ واحد في اثني عشر.
ثم اقلب الاسم فيكون المال خمسة وسبعين، والنصيب ثلاثةَ عشرَ.
الامتحان: ثلث هذا المال خمسة وعشرون فانقص منها النصيب وهو ثلاثة عشر، يبقى اثنا عشر نسترجع منها ربعها، وهي ثلاثة من ذلك النصيب يبقى مع الموصى له عشرة، وهي الوصية فعُد وأسقطها من المال وهو خمسة وسبعون، يبقى خمسة وستون، بين البنين على خمسة لكل واحد منهم ثلاثة عشر.
وعلى هذا فقس.
وقد نجز الاستثناء من النصيب بعد النصيب، وبقي في هذا النوع الاستثناء من النصيب بعد الوصية.
المثال: رجل ترك ثلاثة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية.
فجميع وجوه الحساب كما ذكرنا. غير أنا نستعمل في هذه الصورة بدل استثناء الثلث استثناءَ النصف، كما نبهنا عليه، من الفرق بين صرف الاستثناء إلى الباقي بعد النصيب، وبين صرف الاستثناء إلى الباقي بعد الوصية، وبينهما تفاوتٌ بجزءٍ، كما ذكرناه، فما يقع ثلث الثلث في القسم الأول يقع نصف الثلث في القسم الثاني.
__________
(1) في الأصل: أخذ.
(2) جاء هذا من جمع 1/ 3 + نصف 1/ 6 أي 1/ 12. هكذا: 1/ 3 + 1/ 12 = 5/ 12 وهي عبارة عن، فهما ربع وسدس.
(3) كذا: برفع (مال) وله وجه على اعتبار (صار) تامّة، بمعنى: فيحصل مال، ومثلها (فيكون) في السطر الذي قبلها.

(10/114)


وطريق الجبر بعد هذا التنبيه: أن نأخذ ثلث مال، ونلقي منه نصيباً، فيبقى ثلث مال إلا نصيباً، ثم نسترجع من ذلك النصيب مثل نصف هذا الباقي، ونزيده عليه، فيصير نصف مال إلا نصيباً ونصف، ونزيده على ثلثي المال، فيكون مال وسدس مال إلا نصيب ونصف نصيب يعدل ثلاثة أنصباء.
فإذا جبرنا وقابلنا، ثم بسطناهما أسداساً، وقلبنا الاسمَ، صار المال سبعة وعشرين، والنصيب سبعة.
وامتحانه أن نأخذ ثلث المال وهو تسعة، ونلقي منه نصيباً وهو سبعة، تبقى اثنان نسترجع من السبعة مثل [نصف الاثنين] (1): واحد، يبقى مع الموصى له ستة، وهي الوصية، فاطرحها من المال، يبقى أحدٌ وعشرون، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم سبعة. والطرق كلها تجري؛ فلم نُعدها.
6728 - وذكر الصيدلاني في هذه المسألة الأخيرة طريقةً قريبة من طريقة الجبر، فنذكرها، وذلك أنه قال: نجعل ثلث المال نصيباً ناقصاً، وثلاثة أسهم، فجميع المال ثلاثة أنصباء و [تسعة] (2) أسهم، ثم نكمل نصيبين من الأنصباء بسهمين من هذه السهام؛ إذ لا نقصان في نصيبين [لابنين] (3)، وإنما النقصان في نصيب الموصى به، فتراجعت السهام [التسعة] (4) إلى السبعة، وصرفنا نصيبين كاملين إلى ابنين، فبقيت سبعة أسهم، تقابل نصيب الابن الثالث، وتعدل نصيباً كاملاً، فعرفنا أن النصيب الناقص ستة أسهم، لأنا كمّلنا للنصيب سهماً، فالثلث إذاً نصيب ناقص، وهو ستة، وثلاثة أسهم، وذلك تسعة أسهم، والمال سبعة وعشرون، فنعطي الموصى له ستة، ونعطى كلَّ ابن سبعة.
وهذه الطريقة مقتضبة من الجبر والقياس.
ولم يتعرض الصيدلاني ولا غيره من الأصحاب للوجوه الثلاثة التي ذكرناها، وهي
__________
(1) في الأصل: نصيب الابنين.
(2) في الأصل: وسبعة.
(3) في الأصل: لأنها تبين.
(4) في الأصل: للسبعة. (وهو تحريف واضح).

(10/115)


التصريح بالاستثناء بما بعد النصيب، أو بما بعد الوصية، أو الإطلاق من غير تقييد بأحد الوجهين. والذي ذكره مفروض [في] (1) الإطلاق. ومن لم ينتبه للوجوه الثلاثة، لم يكن على علم في المسألة.
ثم ما ذكرناه في الإطلاق أشهر الوجهين، وفيه وجه آخر كما ذكرناه، وهو الحمل على ما بعد النصيب، والذي ذكره حملٌ على ما بعد الوصية.
فصل
من الاستثناء مشتملٌ على الوصية بجزءٍ من المال وبالنصيب مع استثناء جزء من الباقي
6729 - والاستثناءُ ينقسم كما تقدم، فيقيّد بما بعد النصيب، وبما بعد الوصية، ويُفرضُ مطلقاً.
ونحن نذكر صرف الاستثناء إلى ما بعد النصيب.
المثال: رجل له [تسعة] (2) بنين. أوصى لرجل بثُمن ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه إلا عشر ما بقي من المال بعد النصيب.
6730 - فطريقة الجبر أن نأخذ مالاً، وندفع منه إلى الموصى له الأول ثمنه، يبقى سبعة أثمان مال، ندفع منها نصيباً إلى الموصى له الثاني، يبقى سبعة أثمان مال إلا نصيب، فنسترجع من ذلك النصيب عُشر هذا الباقي، ونزيده على الباقي، وإذا انتهينا إلى اختلاف المخارج، فلا بد من ذلك المخرج الشامل، والمخرج الشامل في المسألة ثمانون، وقد أخرجنا ثمنها، فبقي سبعون، وهو سبعة أثمان المال، ثم أخرجنا النصيب، واسترددنا من النصيب مثلَ عُشر الباقي، وهو سبعة، فيحصل معنا سبعةٌ وسبعون جزءاً من ثمانين جزءاً من مال إلا نصيباً وعُشرَ نصيب، وذلك يعدل [تسعة] (3) أنصباء.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبعة.

(10/116)


فنجبر، ونقابل، فيكون سبعة وسبعون جزءاً من ثمانين جزءاً من مال يعدل عشرة أنصباء وعشر نصيب، فنبسطها بأجزاء الثمانين، ونقلب الاسم فيكون المال ثمانمائة وثمانية، [والنصيب] (1) سبعة وسبعين.
الامتحان: نلقي من المال ثمنه وهو مائة وواحد، فبقي من المال سبعُمائة وسبعة، فندفع منها نصيباً، وهو سبعةٌ وسبعون، يبقى ستمائة وثلاثون، فنسترجع من النصيب مثل عشر هذا الباقي، وهو ثلاثة وستون، بقي مع الموصى له بالنصيب أربعةَ عشرَ، فهي الوصية، ووصية الموصى له الأول، مائة وواحد، فنلقي الوصيتين جميعاً من المال وهو مائة وخمسة عشرَ، يبقى من المال ستمائة وثلاثة وتسعون بين تسعة بنين لكل واحد سبعة وسبعون.
6731 - وحساب المسألة بالخطأين أن نجعل المال إن أردنا ستة عشر، وندفع ثمنها إلى الموصى له الأول، وهو اثنان، تبقى أربعةَ عشرَ، فنجعل النصيبَ أربعة، وندفعها إلى الموصى له الثاني، تبقى عشرة، فنسترجع من النصيب مثلَ عُشر هذا الباقي، وهو واحد، فيكون أحدَ عشر، ندفع منها إلى كل ابن أربعة وهم يحتاجون إلى ستة وثلاثين، والذي معنا أحد عشر وهو ناقص عن الواجب، ومقدار النقصان خمسة وعشرون، وهو الخطأ الأول في النقصان.
ثم نجعل المال أربعةً وعشرين، ندفع ثمنها وهو ثلاثة إلى الموصى له الأول، تبقى أحدٌ وعشرون، فنجعل النصيبَ أحدَ عشرَ، وندفعها إلى الموصى له الثاني، ونسترجع منه مثل عشر الباقي، وهو واحد، فيكون الباقي أحد عشر، فنحتاج أن ندفع إلى كل ابن أحد عشر، فكان الواجب أن يبقى لهم تسعة وتسعون، وقد بقي لهم أحد عشر، فنقص ثمانيةٌ وثمانون، وهي الخطأ الثاني، وهو ناقص أيضاً، فننقص الخطأ الأول عن الثاني، فتبقى ثلاثة وستون، فهي المقسوم عليها، فاحفظها ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمالَ الثاني في الخطأ الأول، ونطرح أقلَّهما من أكثرهما، فيبقى ثمانمائة وثمانية، فنقسمها على الجزء المحفوظ وهو ثلاثة وستون
__________
(1) في الأصل: المال.

(10/117)


فيخرج اثنا عشر صحيحة واثنان وخمسون جزءاً من ثلاثة وستين جزءاً من واحد، هذا هو المال.
فنبسطه بأجزاء ثلاثة وستين، فيبلغ ثمانمائة وثمانية.
وإذا أردنا طلب النصيب، ضربنا النصيب الأول في الخطأ الثاني، والنصيب الثاني في الخطأ الأول، ونقصنا أقل المبلغين من أكثرهما، وقسمنا الباقي على الجزء المحفوظ، وبسطنا كما يجب، خرج النصيب سبعة وسبعين، كما خرج بالعمل الأول.
6732 - وأما طريق المقادير، نقول (1): إذا أسقطنا من المال ثُمنه، وألقينا من الباقي نصيباً، بقي منه مقدارٌ، فنسترجع من هذا النصيب مثلَ عُشْر هذا المقدار، ونزيده عليه، [فالباقي] (2) مقدارٌ وعشرُ مقدار، وهذا يعدل أنصباء البنين، فنصيب كل واحد منهم تُسعُ مقدارٍ وتُسع عشر مقدار، فذلك هو [النصيب] (3)، فنزيده على المقدار، فيكون معنا مقدار وتسع مقدار وتسع عشر مقدار في الوضع الأول، وذلك سبعة أثمان المال، ونحتاج أن نزيد عليه سُبعه ليكملَ المال، فالوجه أن نجعل المقدار عدداً له سُبع، وتُسع، وعشر، وذلك بأن نضرب تِسعةً في سَبعةٍ، ثم المبلغ في عشرة، فيبلغ ستمائة وثلاثين. وهذا هو المقدار، فنزيد عليه النصيب، وذلك مثلُ تُسعه وتُسع عشره وهو سبعةٌ وسبعون، فيبلغ سَبْعَمائة وسبعة، وهو سبعةُ أثمان المال، فنزيد عليه سُبعَه وذلك مائة وواحد، فيبلغ ثمانمائة وثمانية، وهي المال.
وقد ظهر أن النصيب سبعة وسبعون.
6733 - وطريق القياس أن يحصل الباقي من المال بعد الثمن والنصيب عددٌ له عشر، حتى نسترجع عشرَه من النصيب، فليكن عشرة، فنسترجع عُشرَها من النصيب، وهو واحد ونضمه إلى العشرة فيكون أحد عشر، نقسمها بين تسعة بنين:
__________
(1) كذا بدون فاء في جواب (أما) كدأب إمامنا. وهي لغة فصيحة.
(2) في الأصل: " والباقي ".
(3) في الأصل: المقدار.

(10/118)


لكل واحد منهم واحد وتسعان، فذلك مقدار النصيب، فنعود ونزيد النصيب على العشرة، فتصير الجملة أحدَ عشرَ وتُسْعَيْن، فهذا سبعة أثمان المال، فنزيد عليها سُبْعَها، ليكمل المال. والوجه فيه أن نضرب الأحدَ عشر والتُسْعَيْن في مخرج الأتساع أولاً، وهو تِسعة، فترد مائةً وواحداً، فنضرب ذلك في مخرج الأثمان، وهو ثمانية، فيكون ثمانمائة وثمانية، فهي المال.
ونضرب النصيبَ، وهو واحد [وتُسعان] (1) في مخرج الأسباع والأتساع، وذلك ثلاثة وستون، فيبلغ سبعة وسبعين.
6734 - طريق الدينار والدرهم: أن نجعل المال كلَّه أحد عشر درهماً، وثلاثة أسباع درهم وديناراً وسُبْعاً؛ حتى إذا ألقينا ثُمنه، وجعلنا الدينار نصيباً، كان لما بقي عُشر، فنلقي سبعَ دينار، وهو ثمن دينار وسبع، ونلقي درهماً وثلاثة أسباع درهم، وهو ثمن الدراهم وكسرها التي قدرناها، فيبقى دينارٌ وعشرةُ [دراهم] (2)، فندفع الدينار بالنصيب، ونسترجع منه عُشر الباقي، ونزيده على الباقي، فيكون الباقي أحد عشر درهماً تعدل [تسعة] (3) دنانير، فالدينار يعدل درهماً و [تُسعي] (4) درهم، وقد كنا جعلنا المالَ كلَّه ديناراً وسُبعَ دينار، وأحد عشر درهماً وثلاثة أسباع درهم، فنضرب ذلك في مخرج له سبع وتسع وذلك ثلاثة وستون، فيكون المال ثمانمائة وثمانية، والنصيب سبعة وسبعين، كما تقدم.
هذا. والاستثناء مما بعد النصيب.
6734/م- فإن كانت المسألة بحالها إلا أن الاسثثناء مما بعد الوصية، كأن ترك تسعة بنين، وأوصى لرجل بثُمن ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد البنين إلا عُشر ما بقي من المال بعد الوصية.
فالعمل فيه على ما مضى إلا أنا نجعل بدل اسثثناء [العشر] (5) بعد الوصية استثناء
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: سبعي.
(5) في الأصل: العشرة.

(10/119)


التُّسع بعد النصيب، كما تمهد فيما تقدم.
طريق الجبر: نأخذ مالاً، ونلقي منه ثمنه، تبقى سبعةُ أثمان مال، فنلقي منه نصيباً، يبقى سبعة أثمان مالٍ إلا نصيباً، فنزيد عليه تُسعه، وهو الذي نسترجعه من النصيب، وعند ذلك نبسط بالمبلغ الأقصى الذي إليه الحاجة، فيبلغ سبعين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من مال إلا نصيباً وتُسع نصيب، وذلك يعدل تسعة أنصباء، فنجبر، ونقابل، فيكون سبعين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال تعدل عشرةَ أنصباء وتُسعَ نصيب، فنبسطها بأجزاء اثنين وسبعين، ونقلب الاسمَ فيهما. فيكون المال سَبعمائةٍ وثمانية وعشرين، والنصيب سبعين.
والامتحان: نطرح من المال ثمنه وهو أحدٌ وتسعون، وتُدفع إلى الموصى له الأول، تبقى ستمائة وسبعة وثلاثون، نُلقي منها نصيباً للموصى له الثاني، وهو سبعون، تبقى خَمسمائة وسبعٌ وستون، نسترجع مثل تسعها، وهو ثلاثة وستون من النصيب، يبقى مع الموصى له الثاني سبعة: هي وصيتُه، فنطرح الوصيتين من المال يبقى ستمائةٍ وثلاثون من (1) تسعة بنين لكل واحد منهم سبعون سهماً.
وسائر طرق الحساب تجري، وإنما المَيْز بين الوجهين ما ذكرناه من أن العُشر في الوجه الأول تسعٌ في الوجه الثاني، وليس من الممكن بيان زائد على هذا، في تمهيد الطرق. والجريانُ فيها مُحَصِّله (2) الدُّربةُ وكثرةُ العمل.
فصل
في الوصية بجزءٍ شائعٍ من المال، وبالنصيب مع استثناء جزءٍ من المال
6735 - وهذا ينقسم إلى ما يقع الاستثناء فيه بعد النصيب وإلى ما يقع الاستثناء فيه بعد الوصية، كما تقدم.
__________
(1) من تسعة بنين، أي على تسعة بنين، وهو استعمال صحيح؛ فإن (مِنْ) تأتي مرادفة لـ (على)، قاله ابن هشام في المغني، واستشهد له بقوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77] أي على القوم الذين كذبوا بآياتنا (المغني: 424).
(2) محصِّلُه: أي الذي يُحصِّله.

(10/120)


فنبدأ بانصراف الاستثناء إلى ما بعد النصيب.
المثال: تسعة بنين وقد أوصى لرجل بعشر ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد بنيه إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب.
6736 - طريقة الجبر أن نأخذ ثلث مال، ونلقي منه عشر جميع المال، يبقى سبعةُ أسهم من ثلاثين سهماً إذا بُسطتا من المال، فنلقي منه نصيباً، تبقى سبعة أسهم من ثلاثين سهماً من المال إلا نصيباً، فنسترجع مثل ثلث ذلك من النصيب الذي أخرجناه، وليس لسبعةٍ ثلثٌ صحيح، فنضرب المال والأجزاء في ثلاثة، فيكون معنا أحدٌ وعشرون جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً من المال إلا نصيباً، فنسترد ثلث ذلك من النصيب، فيحصل لنا سبعة من تسعين إلا ثلث نصيب، فنضمها إلى ما بقي من الثلث فيكون ثمنها ثمانية وعشرون من تسعين جزءاً إلا نصيباً وثلثَ نصيب، فنزيده على ثلثي المال، وهو ستون جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً فيكون المبلغ ثمانية وثمانين جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً من المال إلا نصيباً وثلث نصيب، يعدل تسعة أنصباء، فنجبر ونقابل، فيكون ثمانية وثمانون جزءاً من [تسعين] (1) جزءاً من المال، تعدل عشرة أنصباء وثلثَ نصيب، فنضرب كلَّ واحد منهما في [تسعين] (1) وهذا معنى بسطهما، ونقلب الاسم فيهما، فيكون المال بعد القلب تِسعمائةٍ وثلاثين، والنصيب ثمانية وثمانين.
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو ثلاثمائة وعشرة، ونطرح منها عُشر المال، وهو ثلاثة وتسعون، تبقى مائتان وسبعةَ عشرَ، فنلقي منها نصيباً، وهو ثمانية وثمانون، تبقى مائة [وتسعة] (2) وعشرون، فنسترجع من النصيب مثلَ ثلث ما بقي، وهو ثلاثة وأربعون، ونزيدها على الباقي، فتبلغ مائة واثنين وسبعين ونزيدها على ثلثي المال، وهو ست مائة وعشرين، فيبلغ سبعَمائة واثنين وتسعين، بين تسعة بنين، لكل واحد ثمانية وثمانون. ووصية صاحب العُشر ثلاثة وتسعون، ووصية الآخر خمسة وأربعون.
__________
(1) في الأصل: سبعين.
(2) في الأصل: سبعة.

(10/121)


فهذا طريق الجبر.
ولو حططت أولاً من المال عُشراً ثم أجريت طريق الجبر في التسعة الأعشار، لأفضى إلى الصواب؛ ولكنا نذكر في كل مسألة العبارة التي هي أقرب وأدنى إلى الغرض.
طريقة الخطأين: أن نجعل ثلث المال عشرة، ونلقي منها عشر جميع المال ثلاثة، تبقى سبعة، فنجعل النصيب منها أربعة، فيبقى ثلاثة، فنسترجع منها ثلثها من النصيب، ونزيده على الباقي أربعة نزيدها على ثلثي المال، وهو عشرون فيبلغ أربعة وعشرين، ونحتاج أن ندفع إلى كل ابن أربعة مثل النصيب وهم تسعة، ويحتاجون إلى ستة وثلاثين، ومعنا أربعة وعشرون، فنقصَ اثنا عشر، وهو الخطأ الأول، وهو ناقص، فاحفظه.
ثم نعود فنجعل ثلث المال عشرين، ونلقي منها عشر جميع المال، وذلك ستة، تبقى أربعة عشر، فنجعل النصيب منها خمسة، تبقى [تسعة] (1)، فنسترجع من الخمسة مثل ثلث التسعة، ونزيدها على التسعة فتكون اثني عشر سهماً، فنزيدها على ثلثي المال وهو أربعون، فيبلغ اثنين وخمسين، ندفع منها إلى كل ابن خمسة مثل النصيب المقدر، [وهم] (2) تسعة؛ يحتاجون إلى خمسة وأربعين، ومعنا اثنان وخمسون، فزاد سبعة وهي الخطأ الثاني، ولكنه زائد، فنجمع بين الخطأين، فيكون [تسعة] (1) عشرَ، فهي المقسوم عليها، فاحفظها، ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، ونجمع بين المبلغين، ولا نسقط كما جمعنا بين الخطأين؛ لأن أحدهما زائد، والآخر ناقص، فيكون المبلغ تسعمائة وثلاثين، فنقسمها على تسعة عشرَ، فيخرج ثمانية وأربعون وثمانية عشرَ جزءاً من تسعة عشر جزءاً من واحد، فهو المال، ونضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني، والنصيب الثاني في الخطأ الأول، ونجمع المبلغين، كدأبنا فيما تقدم، ونقسم المجموعَ على الجزء المحفوظ للقسمة وهي [تسعة] (1) عشر، فتخرج أربعة أسهم،
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: وهو.

(10/122)


واثني عشر جزءاً من تسعة عشرَ جزءاً من واحد، فهي النصيب. ثم نبسط المال والنصيب بأجزاء [تسعة] (1) عشر، وذلك بأن نضرب كلَّ واحدٍ من المال والنصيب في تسعةَ عشرَ ليزول الكسر، فيكون المال تِسعَمائة وثلاثين، والنصيب ثمانيةً وثمانين، كما خرج بالجبر.
وكل ما ذكرناه فيه إذا صرف الاستثناء إلى ما بقي بعد النصيب.
6737 - فأما إذا كان الاستثناء منصرفاً إلى ما بقي من الجزء بعد الوصية، فالعمل كما بينا في هذه المسألة التي ذكرناها، غيرَ أنا جعلنا في المسألة الأولى المسترد ثلث ثلث الباقي من الثلث بعد النصيب، فإذا قال: بعد الوصية، فالمسترد نصف الباقي من الثلث بعد النصيب.
6738 - طريقة الجبر: أن نأخذ ثلث مالٍ، فنلقي منه عشرَ جميع المال، فتبقى سبعة أجزاء من ثلاثين جزءاً من المال، فنلقي منه نصيباً، ونسترجع من النصيب نصفَ الباقي، فتبقى عشرة أجزاء ونصف جزء من ثلاثين جزءاً من المال إلا نصيب ونصف نصيب. وهو بالبسط أحد وعشرون جزءاً من ستين جزءاً من المال إلا نصيباً ونصف (2) نصيب، فنزيده على ثلثي المال وهو أربعون جزءاً من ستين، فيبلغ مالاً وجزءاً من ستين جزءاً من المال إلا نصيباً، ونصف نصيب.
وذلك يعدل تسعة أنصباء، فنجبرها ونقابل، فيكون مال وجزء من ستين جزءاً من المال، يعدل عشرة أنصباء ونصف نصيب، فنضرب كلَّ واحد منهما في ستين، وهو طريق البسط، ونقلب العبارة فيهما، فيكون المالُ ستمائة وثلاثين، والنصيب أحداً وستين.
والامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو مائتان وعشرة، ونلقي منها عشر جميع المال وهو ثلاثة وستون، تبقى مائة [وسبعة] (3) وأربعون، نلقي منها نصيباً وهو أحدٌ
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: إلا نصيب أو نصف نصيب.
(3) في الأصل: وستة وأربعون.

(10/123)


وستون، تبقى ستةٌ وثمانون، فنسترجع مثل نصفها وهو ثلاثة وأربعون من ذلك النصيب، فيبقى مع الموصى له ثمانيةَ عشرَ، وهي وصيته، ونضم الثلاثة والأربعين، التي هي نصف الباقي من الثلث، وقد أسقطنا عشر المال، ونزيد ما حصل معنا، وهو مائة وتسعة وعشرون على ثلثي المال وهو أربع مائة وعشرون، فيبلغ خمسَمائةٍ وتسعة وأربعين، بين تسعة بنين، لكل واحد منهم أحدٌ وستون، مثل النصيب.
وعلى هذا فقِسْ.
وكذلك تخرج جميع الطرق.
فصل
في الوصية بنصيب مع استثناء نصيب وارث آخر منه
6739 - وهذا المقدار لا يخرج إلى الجبر إذا لم يكن فيه تعرضٌ لجزءٍ مما بقي، أو من جزءٍ مما بقي.
ومسائل هذا النوع تنقسم: فمنها أن يوصي بمثل نصيب بعض ورثته، ويستثني منه نصيبَ وارثٍ، ووجهُ العمل فيه أن نُقيم سهامَ الفريضة، ثم نأخذ سهامَ الوارث الموصَى بمثل نصيبه، فنسقط منها سهام الوارث المستثنى نصيبُه، فما بقي نزيده على ما صحت منه الفريضة، فما بلغ منه تصح المسألة.
مثاله: رجل ترك امرأة وثلاث أخوات مفترقات، فأوصى لرجل بمثل نصيب المرأة إلا مثل نصيب الأخت من الأم، أو من الأب.
فنقيم سهام الفريضة ثلاثة عشر، ونأخذ منها سهام المرأة وهي ثلاثة، فنلقي منها نصيب الأخت من الأم مثلاً، وذلك سهمان، يبقى سهم واحد، فنعود ونزيد سهماً واحداً على ثلاثةَ عشرَ، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فمنها تصح المسألة، فيكون للموصى له سهم، والباقي ثلاثة عشر بين الورثة، على مقادير سهامهم.
6740 - فلو كانت بحالها إلا أنه أوصى بمثل نصيب الأخت من الأب والأم إلا مثل نصيب الزوجة، فنأخذ سهام الأخت من الأب والأم وهي ستة، وننقص منها سهام

(10/124)


المرأة وهي ثلاثة، تبقى ثلاثة، فنزيدها على سهام الفريضة وهي ثلاثة عشر، فتبلغ ستةَ عشرَ، فمنها تصح المسألة. للموصى له ثلاثة، والباقي بين الورثة على سهامهم.
فلو كانت المسألة كما وصفناها، وقد أوصى مع ذلك بمثل نصيب المرأة إلا مثل نصيب الأخت من الأم، فخذ نصيبَ المرأة وهي ثلاثة، وانقص منها مثلَ نصيب الأخت من الأم، وهو سهمان، يبقى سهم واحد، فزد عليه الستة عشر، فيبلغ بالوصيتين سبعةَ عشرَ، فللموصى له بمثل نصيب المرأة إلا مثل نصيب الأخت من الأم سهم، وللموصى له بمثل نصيب الأخت من الأب والأم إلا مثل نصيب المرأة ثلاثة أسهم، والباقي ثلاثةَ عشرَ سهماً، بين الورثة، على مقادير سهامهم.
6741 - فإن أوصى بمثل نصيب بعض الورثة إلا مثل نصيب وارث لو كان، فسبيل الحساب أن تقيم سهام الفريضة من عددٍ يستقيم بينهم على انفرادهم، ويستقيم أيضاً عليهم لو كان معهم ذلك المقدّر، ثم تأخذ نصيبَ الوارث الذي أوصى بمثل نصيبه، فتلقي منه نصيب الوارث المعدوم المقدّر، فما بقي من ذلك تزيده على العدد الذي أقمته، وتصح المسألة من هذا المبلغ.
مثاله: خمسة [بنين] (1) وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابنٍ [سابع] (2) لو كان.
فنقيم سهام الفريضة من عدد يستقيم بين خمسة ويستقيم بين سبعة، وهو خمسة وثلاثون، فنأخذ منها نصيب أحدهم، وهو سبعة، فنلقي منها نصيب ابن [سابع] (3) لو كان، وهو خمسة تبقى اثنان فنزيده على الخمسة والثلاثين فيبلغ سبعة وثلاثين، فمنها تصح، للموصى له سهمان، ولكل ابنٍ سبعة.
6742 - ولو أوصى بمثل نصيب جماعة من الورثة، واستثنى منه نصيب بعضهم، أو نصيب طائفةٍ منهم، فطريقه ما تقدم.
__________
(1) مزيدة لاستقامة المعنى.
(2) في الأصل: شائع. وهو تصحيف عجيب، أرهقنا تصويبه كثيراً والحمد لله الملهم للصواب.
(3) في الأصل: شائع.

(10/125)


مثاله: أن يكون في المسألة خمسة بنين، وقد أوصى لرجل بمثل نصيبهم جميعاً، إلا مثل نصيب ثلاثةٍ منهم، فنقيم سهام الفريضة، وهي خمسة، ونلقي منها نصيبَ ثلاثة منهم، وهو ثلاثة أسهم، تبقى اثنان نزيده على الخمسة، فيبلغ سبعة، فمنها تصح المسألة: فللموصى له سهمان، ولكل ابن سهم.
هذا قياس هذا النوع إذا لم يكن في المسألة تعرض للوصية بجزءٍ شائع من المال، أو بجزء مما تبقى بجزءٍ من المال.
6743 - فأما إذا اشتملت المسألة على التعرض لجزءٍ مع ما ذكرناه من الوصية بالنصيب واستثناء نصيب آخر منه، فنأتي بالمسائل ونستوعب بها ما يجب.
أم وعشرة بنين، وقد أوصى لرجل بعُشر ماله، ولآخر بمثل نصيب الأم إلا مثل نصيب أحد البنين.
فوجه الحساب أن نقيم سهام الفريضة، فإذا هي اثنا عشر، ونلقي عُشره بالوصية الأولى، بأن نأخذ مالاً، ونلقي منه عُشره، فيبقى تسعةُ أعشار مال، فنلقي منها مثلَ نصيب الأم، ونسترجع نصيباً واحداً، مثلَ نصيب أحد البنين، يبقى مع الموصى له الثاني نصيبٌ (1) واحد، ويبقى من المال تسعة أعشار مال إلا نصيباً، تعدل اثني عشر نصيباً، فنجبر، فيكون تسعة أعشار مال بعد الجبر والمقابلة تعدل ثلاثةَ عشرَ نصيباً، فنبسطها أعشاراً، ونقلب الاسم، فيصير المال مائة وثلاثين، والنصيب [تسعة] (2).
وامتحانه أن نلقي بالوصية الأولى عُشر المال، وهو ثلاثةَ عشرَ، تبقى مائة وسبعةَ عشرَ، نُلقي مثل نصيب الأم، وهو ثمانيةَ عشرَ، ونسترجع منها نصيب الابن وهو [تسعة] (3)، يبقى مع الموصى له الثاني [تسعة] (4)، وهي وصيته، ووصية الأول ثلاثةَ عشرَ، فنلقي الوصيتين من المال، تبقى مائة وثمانية، بين الورثة: للأم منها ثمانيةَ عشرَ، ولكل ابن تسعة، مثل النصيب.
__________
(1) نصيب: أي سهم.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: سبعة

(10/126)


6744 - فلو ترك أماً وعشرة بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب الأم إلا مثل نصيب أحد البنين، ولآخر بعُشر ما تبقى من المال.
فطريق الحساب بالجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه مثلَ نصيب الأم، وهو نصيبان، يبقى مال إلا نصيبين، فنستثني من النصيبين (1) مثل نصيب ابن، ونزيده على الباقي، فيبقى معنا مال إلا نصيباً، فندفع عشره إلى الموصى له الثاني، يبقى تسعةُ أعشار مال، إلا تسعة أعشار نصيب، تعدل اثني عشر نصيباً، فنجبر، ونقابل فتعدل تسعةُ أعشار لا استثناء فيه اثني عشر نصيباً، وتسعة أعشار نصيب، فنبسطها أعشاراً ونقلب العبارة فيهما، فيكون المال مائة وتسعة وعشرين، وكل نصيب تسعة، فنلقي من المال مثلَ نصيب الأم، ولها نصيبان وذلك ثمانيةَ عشرَ، تبقى مائة وأحد عشر فنستثني من نصيب الأم الذي أخرجناه مثلَ نصيب أحد البنين وهو تسعة، نزيدها على الباقي (2) من المال، فيبقى مائة وعشرون، فندفع عشرها إلى الموصى له، وهو اثنا عشرَ، تبقى مائة وثمانية بين الورثة: للأم منها ثمانيةَ عشرَ، ولكل ابن تسعة.
6745 - طريقة المقادير: أن نجعل الباقي من المال بعد الوصية الأولى مقداراً، وندفع عُشره إلى الموصى له الثاني، تبقى تسعةُ أعشار مقدارٍ، نقسمه بين الأم والبنين، فيكون للأم سدسه، وهو عُشر المقدار، ونصف عُشره، تبقى سبعة أعشار ونصف عشر، بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة أرباع عشر مقدار.
فقد تبين نصيبُ كل واحد منهم، فنستثني نصيب أحد البنين من نصيب الأم، فيبقى نصيب الموصى له الأول ثلاثة أرباع عُشر مقدار، فنعلم أن المال كله مقدار وثلاثة أرباع عشر مقدار، فنبسطه بأجزاء [الأربعين] (3)، فيكون ثلاثة وأربعين، وهو ثلث ما أدى إليه العمل الأول، ونصيب الأم ستة، وهو ثلث نصيبها في العمل الأول.
__________
(1) النصيبين: يعني السهمين.
(2) في الأصل: نزيد المال.
(3) في الأصل مكان ما بين المعقفين [إن تعين] كذا تماماً. ولا معنى لها. والمثبت تقدير منا على ضوء المعنى، ولا يصح غيره.

(10/127)


وامتحانه: أن نلقي من المال ستة، ونستثني منه مثل نصيب أحد البنين، وذلك ثلاثة إلا مثل نصيب الأم، فتبقى مع الموصى له الأول ثلاثة، وهي وصيته، ويبقى من المال أربعون: للموصى له الثاني عُشرها أربعة، تبقى ستة وثلاثون، بين الورثة: للأم سدسها: ستة، فيبقى ثلاثون بين عشرة بنين لكل واحد منهم ثلاثة.
وفي طريق الجبر يردّ المبلغ الكثير بالاختصار إلى هذا.
6746 - طريق القياس: إن الباقي من المال بعد الوصية الأولى يجب أن يكون عدداً له عُشر، فنجعله عشرة وندفع عُشرَها إلى الموصى له الثاني، تبقى تسعة، للأم سدسها، وهو سهم ونصف، تبقى سبعة أسهم ونصف بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة أرباع سهم، فنستثني نصيب أحد البنين من نصيب الأم، وذلك سهم ونصف، تبقى ثلاثة أرباع سهم، فهي الوصية الأولى، ونزيدها على العشرة، ونبسطها أرباعاً، فيكون المال ثلاثة وأربعين، وطريقةُ القياس وطريقة المقادير متواخيتان.
6747 - طريقة الدينار والدرهم: أن [نجعل] (1) جميع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدرهمَ نصيبَ الأم، وندفعه إلى الموصى له [الأول] (2)، ونسترجع منه مثلَ نصيب الابن، وهو نصف درهم، فيكون معك دينارٌ ونصف درهم، فإنما فعلنا ذلك، لأن نصيب الأم معلوم من الفريضة، وإنما يقع الاستبهام على حال في العشر بعد النصيب، والاستثناء منه، فيبقى معنا دينار ونصف درهم، وندفع عشرَ ذلك إلى الموصى له الثاني، تبقى تسعة أعشار دينار، وتسعة أجزاء من عشرين جزءاً من درهم، وذلك يعدل ستة دراهم، من قِبل أن المال كله كان مثل ستة أمثال نصيب الأم، وهو درهمٌ من ستة، فنلقي الجنس بالجنس، فيبقى خمسةُ دراهم وأحدَ عشر جزءاً من عشرين جزءاً من درهم تعدل تسعة أعشار دينار، فنأخذ طريق الجبر من هذا الموضع، ونقلب الاسم فيهما، فيصير الدرهم تسعة أعشار سهم، والدينار خمسة أسهم ونصف سهم ونصف عشر سهم، ومجموعها هو المال، فنجمع بينهما، فيكون
__________
(1) في الأصل: نجمع. والمثبت تقديرٌ منا، رعاية للمعنى، وكما هو متبع في المسائل من قبل.
(2) زيادة من المحقق.

(10/128)


ستة وأربعة أعشار ونصف عشر، فنبسطه أنصاف أعشار، فيكون مائة [وتسعة] (1) وعشرين، كما خرج بالعمل المبسوط في طريق الجبر.
ويمكن أن تصاغ عبارةٌ أخرى في طريق الدينار والدرهم ولكنا مزجناها بطريق الجبر ليتصرف المتصرف ويستبين أنها مأخوذة من الجبر.
6748 - صورة أخرى مع تعيين أصلٍ فيها: أم وعشرون ابناً، أوصى بمثل نصيب الأم إلا مثلَ نصيب أحد البنين، وإلا عُشر ما تبقى من المال بعد ذلك.
فطريق الحساب أن نأخذ مالاً، ونُلقي منه مثل نصيب الأم، وذلك أربعة؛ لأنه أربعة أمثال نصيب كل ابن كان، لكل ابن نصيب، فللأم أربعة أنصباء، يبقى مال إلا أربعة أنصباء، فنسترجع مما ألقيته نصيب ابن، ونزيده على الباقي من المال، فيكون مال إلا ثلاثة أنصباء، [فنسترجع عشره، وهو عشر مال إلا ثلاثة أعشار نصيب، فنزيده على الباقي فيكون مال، وعشر مال إلا ثلاثة أنصباء] (2) وثلاثة أعشار نصيب، وذلك يعدل أربعة وعشرين نصيباً، فاجبُر وقابل، فيكون مال وعُشر مال، يعدل سبعةً وعشرين نصيباً، وثلاثةَ أعشار نصيب، فابسطها أعشاراً، واقلب الاسم بينهما فيكون المال مائتين وثلاثة وسبعين، والنصيب أحدَ عشرَ، فيخرج نصيب الأم أربعة وأربعين، لأنه مثل نصيب الابن أربع مرات.
الامتحان: نلقي من المال مثلَ نصيب الأم، وهو أربعة وأربعون، ونسترجع منها مثل نصيب أحد البنين وذلك أحد عشر، ونزيدها على الباقي بعد النصيب، فيكون الباقي مائتين وأربعين، ومع الموصى له الأول ثلاثة وثلاثون نسترجع منها أيضاً عُشر مائتين وأربعين، وذلك أربعة وعشرون، فيبقى معه تسعة، هي وصيته الباقية، نلقيها من المال وهو مائتان وثلاثة وسبعون يبقى مائتان وأربعة وستون. للأم منها نصيبها أربعة وأربعون، تبقى مائتان وعشرون، بين البنين، وهم عشرون، لكل واحد منهم أحدَ عشرَ، وهو النصيب الذي أخرجناه.
__________
(1) في الأصل: وسبعة.
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وزاده المحقق استكمالاً للمسألة، وانظر رعاك الله أيَّ جهدِ، ووقتٍ استغرقه ذلك التصويب، ولا تنسنا من دعوةٍ بخير.

(10/129)


6749 - طريقة المقادير: إنا نعلم أن الباقي من المال بعد نصيب الأم إذا زدت عليه مثلَ نصيب الابن بالاستثناء، يكون مقداراً، فيجب أن نزيد عليه مثل عُشره من أجل الاستثناء الثاني، فيكون الباقي من المال مقداراً وعُشرَ مقدار، فادفع إلى الأم سدسَ ذلك، وهو سدس مقدار، وسدس عشر مقدار، فنعلم أن نصيب الأم هذا، ويجب أن يكون نصيبُ كلِّ ابن ربعَ ذلك، وهو ربع سدس مقدار وربع سدس [عشر] (1) مقدار، ونستثني ذلك من نصيبَ الأم، فيبقى ثمن مقدار وثلاثة أرباع سُدس عُشر مقدار. فهذه في الوصية التي هي نصيب الأم إلا نصيب الابن، وذلك قبل دخول الاستثناء [الثاني] (2)، فنزيدها على المقدار، فيكون مقداراً وثمنَ مقدار وثلاثة أرباع سدس عشر مقدار. وهذا هو المال كله.
فنبسطه من أجزاء عدد له عُشر ولعُشره سدس، ولسدس عشره ربع، وذلك مائتان وأربعون، فهي المقدار، نزيد عليها ثمنها، وذلك ثلاثون، ونزيد عليها ثلاثة أرباع سدس عُشرها، وذلك ثلاثة، فيبلغ مائتين وثلاثة وسبعين، فهي المال.
ونصيب الأم سدس مقدار، وسدس عشر مقدار، فخذ سدس مائتين وأربعين، وسدس عشرها، فيكون أربعة وأربعين، وهي نصيب الأم، كما خرج بالعمل الأول.
6750 - وحساب المسألة بطريق القياس: إنا نعلم أن الموصى له إذا أخذ مثل نصيب الأم إلا مثل نصيب الابن، وجب أن يبقى من المال عددٌ له عشر، فاجعله عشرة، وزد عليها من أجل الاستثناء الثاني عشرها، وهو واحد، فيبلغ أحد عشر، فهي للورثة: للأم سدسها، وذلك سهم وخمسة أسداس سهم، ولكل ابن ربع ذلك، وهو ثلث سهم، وثمن سهم، فانقص نصيب الابن من نصيب الأم، فيبقى سهم، وثلاثة أثمان سهم، فزده على العشرة المفروضة أولاً، فيكون أحدَ عشرَ سهماً، وثلاثة أثمان سهم. وهو المال.
فابسطه أثمانا؛ فيكون المال أحداً وتسعين سهماً، وهو ثلث ما خرج بالعمل
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) سقطت من الأصل، ولا تتضح المسألة إلا بها.

(10/130)


الأول، فاضربه في ثلاثة، فيكون مائتين وثلاثة [وسبعين] (1)، كما خرج بالعمل الأول، وإنما لم نكتف بالثلث لأنه ينكسر [عند الإعمال] (2).
6751 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل المال ديناراً ودرهماً، ثم نجعل الدرهم نصيب الأم، وندفعه إلى الموصى له، ونسترجع منه مثل ربعه وهو ربع درهم، فنزيده على الدينار فيكون دينار وربع درهم، [فنسترجع عشرها، ونزيده على ما بقي، وهو دينار وربع درهم] (3)، فيحصل معك، دينار وعشر دينار وأحدَ عشرَ جزءاً من أربعين جزءاً من درهم، تعدل ستة دراهم، لأن جملة المال بعد الوصية مثل نصيب الأم ست مرات، فنلقي الجنس بالجنس، يبقى دينار وعُشر دينار، تعدل خمسة دراهم وتسعة وعشرين جزءاً من أربعين جزءاً من درهم، فتبسط جميع ما معك بأجزاء الأربعين، فيكون الدينار أربعة وأربعين، والدرهم مائتين وتسعة وعشرين، فنقلب الاسم، فيكون الدرهم أربعة وأربعين، وهو نصيب الأم، والدينار مائتين وتسعة وعشرين، ثم نجمعهما (4)، فتكون مائتين وثلاثة وسبعين.
6752 - وحساب المسألة بطريق الخطأين: أن تجعل المال إن شئت عشرين، وتجعل نصيب الأم تقديراً منها أربعة، وتلقيها بالوصية، ونسترجع منها مثل ربعها وهو واحد، ونزيده على الباقي وهي ستة عشر، فيبلغ سبعة عشر، فنزيد عليها مثلَ عُشرها، وهو درهم وسبعة أعشار درهم، فندفع منها إلى الأم أربعة، وإلى كل ابن مثل ربعها: واحد، فينقص عن الواجب خمسة دراهم وثلاثة أعشار درهم. وهي الخطأ الأول، وهو ناقص.
وإنما قدرنا نصيبَ الأم أربعة بناء على أن نصيب كل ابن مثل ربعها، ولم ننظر إلى
__________
(1) في الأصل: وتسعين.
(2) في الأصل: " عنه الاحتمال ". ولعل ما أثبتناه هو الصواب؛ بمعنى أنه ينكسر عند توزيع الأنصباء.
(3) زيادة من عمل المحقق، وبدونها لا يستقيم الحساب.
(4) سببُ الجمع هنا أننا جعلنا المال ديناراً (229) ودرهماً، وهو نصيب الأم (44) فبجمعهما نحصل على المال كاملاً (273).

(10/131)


كون نصيبها سدساً. فإذا كنا نتصرف بالخطأين لم نأنف من الخطأ، فنزيد على المال ونجعله ثلاثين، ونصيبَ الأم أيضاً أربعة، فندفعها بالوصية، ونسترجع ربعها واحداً، ونزيده على الباقي فيبلغ سبعة وعشرين، نزيد عليها عشرها وهو درهمان وسبعة أعشار درهم، فندفع منها إلى الأم نصيبها: أربعة، وإلى كل ابن ربعها: واحداً، فيفضل عن الواجب خمسة وسبعة أعشار وهو الخطأ الثاني، وذلك زائد، واجمع بين الخطأين؛ لأن أحدهما زائد، والآخر ناقص، فيبلغ أحد عشر، فهو المقسوم عليه، فاحفظه.
ثم اضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، واجمع المبلغين، فيكون [مائتين] (1) وثلاثة وسبعين، فاقسمها على أحد عشر، فيخرج [أربعة] (2) وعشرون درهماً و [تسعة] (3) أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم.
واضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني، والنصيب الثاني في الخطأ الأول، واجمع بينهما، واقسمه على الأحد عشر، فما خرج، فهو النصيب.
فإن أردت ألا يكون في الحساب كسر، فاضرب الجميع في أحد عشر، فيكون المال مائتين وثلاثة وسبعين، ونصيب الأم أربعة وأربعين. كما خرج أربعة.
6753 - صورة أخرى، تغيير في الوضع:
ترك خمسة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا عُشر جميع المال، وإلا نصف عشر ما بقي من المال بعدما يحصل له.
فحسابه بالجبر أن نأخذ مالاً، ونلقي منه نصيباً، يبقى مال إلا نصيباً، ونزيد عليه عُشر جميع المال، فيكون مال وعشر إلا نصيباً، فنزيد عليه نصف عُشر هذا الحاصل، وذلك نصف عشر مال، إلا نصف عشر نصيب، فيبلغ مالاً وعشراً، ونصف عشر مال ونصف عشر عشر إلا نصيباً ونصف عشر نصيب.
__________
(1) في الأصل: مائة.
(2) في الأصل: أحدٌ.
(3) ساقطة من الأصل، والتصرف في كل ذلك من المحقق؛ فالنسخة وحيدة، والتصرف بناء على صحة العمل الحسابي.

(10/132)


وننبه في هذا المقام [إلى أن ما] (1) نزيده من جزء المال كله لا يعتبر فيه نقصان النصيب؛ فإن جزء كل المال لا نقصان فيه، واعتبر نقصان النصيب في الجزء الذي نذكره بعد النصيب؛ فقد حصل معنا مال وعشر ونصفُ عشر مال ونصف عشر عشر إلا نصيباً ونصف عشر نصيب.
وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنجبرهما ونبسطهما من أجزاء المائتين؛ فإنها المَخرج لهذه الكسور، ونقلب العبارة فيهما، فيصير المال ألفاً ومائتين وعشرة، والنصيب مائتين وأحداً وثلاثين.
الامتحان: أن نلقي من المال نصيباً وهو مائتان وأحد وثلاثون، ونسترجع منه مثل عشر جميع المال وهو مائة وأحدٌ وعشرون، تبقى مع الموصى له مائة وعشرة، ويبقى من المال ألف ومائة نسترجع نصف عشرها أيضاً، وهو خمسة وخمسون، يسترد هذا المقدار من المائة والعشرة الباقية، فيبقى مع الموصى له خمسة وخمسون سهماً هي الوصية، فنلقيها من المال، يبقى ألفٌ ومائة وخمسةُ وخمسون، بين خمسة بنين، لكل واحد منهم مائتان وأحدٌ وثلاثون. مثل نصيب الأخ أولاً.
6754 - وحساب المسألة بالمقادير أنك قد علمت أن الباقي من المال بعد إلقاء النصيب منه يجب أن يكون مقداراً، فنزيد (2) عليه عشرَ جميع المال، وهو عشر مقدار [و] (3) عشر نصيب؛ فإن جميع المال نصيب ومقدار؛ فعشره عشرُ مقدار وعشرُ نصيب، كما تقدمت نظائر ذلك.
ثم يزاد عليه نصفُ عشر هذا الحاصل، فيحصل مقدار وأحدٌ وثلاثون جزءاً من مائتي جزءٍ من مقدار، وأحدٌ وعشرون جزءاً من مائتي جزءٍ من نصيب، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنسقط الجنس بالجنس، يبقى معنا أربعة أنصباء ومائة وتسعة وسبعين جزءاً من مائتي جزء من نصيب، تعدل مقداراً وأحداً وثلاثين جزءاً من مائتي
__________
(1) في الأصل: مما نزيده.
(2) في الأصل: فنزيده.
(3) زيادة من المحقق.

(10/133)


جزء من مقدار، فنبسطها من أجزاء المائتين، فتصير الأنصباء تسعمائة وتسعة وسبعين، والمقدار مائتين وواحداً وثلاثين، فنقلب الاسم ونجمعهما (1) جميعاً، كما تقدم ذلك، في النظائر، فيصير المبلغ ألفاً ومائتين وعشرة كما تقدم.
6755 - وطريق القياس: أن الباقي من المال بعد النصيب يجب أن يكون عدداً له عشر، وإذا زيد عليه عشره كان لِما بلغ نصفُ عشر، وذلك مائتان. فزد عليهما عُشر جميع المال، فيبلغ مائتين وعشرين، وعشر نصيب، كما ذكرنا في طريق المقادير، فزد على هذه الجملة نصفَ عُشرها، فيبلغ مائتين وأحداً وثلاثين سهماً [وواحد وعشرين جزءاً من مائتي جزء] (2) من نصيب، تعدل خمسة أنصباء، فأسقط الجنس من الجنس، إذ معك أجزاء من النصيب، فتسقطها من الأنصباء.
ثم تبسط أجزاء المائتين، وتقلب [العبارة] (3) كما تقدم.
6756 - وطريقة الدينار والدرهم تقرب مما تقدم، فنجعل جميع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل النصيب درهماً، ونلقيه يبقى دينار، فنزيد عليه عشرَ جميع المال، فيبلغ ديناراً وعشر دينار، وعشر درهم؛ فإن المال في الأصل دينار ودرهم.
ثم نزيد عليه نصف عشره، فيكون ديناراً وأحداً وثلاثين جزءاً من مائتي جزءٍ من دينار، وثلاثة أجزاء من عشرين جزءاً من درهم.
واجعل أنصباء البنين درهماً كما قدرت النصيب درهماً، ثم قل: ما معنا يعدل خمسة دراهم، فأسقط الجنس بالجنس، واستعمل البسط والقلب، كما ذكرناه، فتلتقي الطرق.

مسائل من نوادر الاستثناء في الوصية
6757 - هذه المسائل نجمع فيها وجوهاً من التعقيدات، وهي بقية أصل الاستثناء.
__________
(1) وجه الجمع أننا فرضنا المال مقداراً ونصيباً، فالمقدار 979، والنصيب 231= 1210.
(2) في الأصل: وثلاثة أجزاء من عشرين جزءاً.
(3) في الأصل: العمارة.

(10/134)


مسألة: أربعة بنين، وبنت، وقد أوصى بمثل نصيب أحد البنين إلا ثلث ما تبقى من ربعه بعد النصيب. وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية الأولى.
فنأخذ ربع مالٍ ونلقي منه للموصى له الأول نصيبين؛ إذ نصيب كل ابن سهمان من تسعة -وقد ذكرنا أن كل سهم من سهام الفريضة نعبّر عنه بنصيب- فيبقى ربع مالٍ إلا نصيبين، فنزيد عليه ثلثه للاستثناء، فيبلغ ثلث مال إلا نصيبين وثلثي نصيب؛ وذلك أنا قدرنا ربعاً واستثنينا النصيب، ثم زدنا عليه على الربع ثلثه؛ وإذا زدت على الربع [ثُلثه] (1)، صار ثلثاً؛ فجرت العبارة أجزاء بالثلث مع استثناء النصيب، وما يخص الجزء الزائد من النصيب، فصار ثلث مال إلا نصيبين وثلثي نصيب، وهما ثلث نصيبين.
فهذا هو الباقي من الربع بعد الوصية الأولى.
فنترك هذا، ونحن نريد [ثلث] (2) الباقي من الثلث بعد الوصية الأولى لندفعه إلى الموصَى له الثاني، فالوجه أن نزيد ما بين الثلث والربع على [الربع] (3)، وذلك نصف سدس المال، فيكون معنا ربع مال، و [نصف] (4) سدس مال إلا نصيبين وثلثي نصيب، وهذا هو الباقي من الثلث بعد الوصية الأولى، فندفع ثلث ذلك إلى الموصى له الثاني، تبقى عشرة أجزاء من ستة وثلاثين جزءاً من المال إلا نصيباً وسبعة أتساع نصيب، ونزيد ذلك على ثلثي المال، فيبلغ أربعة وثلاثين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي تسعة، فنجبر ونقابل، فيكون أربعة وثلاثين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من المال يعدل عشرة أنصباء وسبعة أتساع نصيب، فنضرب الجميع في ستة وثلاثين.
ونقلب الاسم منهما، فيصير المال ثلاثمائة وثمانية وثمانين، والنصيب أربعة وثلاثين.
__________
(1) في الأصل: ثلاثة.
(2) في الأصل: الثلث.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) زيادة لاستقامة الكلام.

(10/135)


إلا أنه ليس له ثلث صحيح؛ فنضرب المبلغ في ثلاثة، فيكون [ألفاً] (1) ومائة وأربعة وستين، ويكون النصيب مائة وسهمين.
وامتحانه: أن نأخذ ربع المال وهو مائتان وأحدٌ وتسعون، فنلقي منه نصيبين، وهما مائتان وأربعة أسهم، يبقى سبعة وثمانون سهما، نأخذ ثلثها، وهو تسعة وعشرون، فنلقيه من المائتين والأربعة يبقى مائة وخمسة وسبعون سهماً، وهي الوصية الأولى.
فنلقيها من ثلث المال، وهو ثلاثمائة وثمانية وثمانون، تبقى مائتان وثلاثة عشر، فنعطي ثلثها، وهو أحد وسبعون للموصى له الثاني، تبقى مائة واثنان وأربعون، نزيدها على ثلثي المال فيصير تِسعُمائة وثمانية عشر سهماً، بين أربعة بنين وبنت للبنت مائة وسهمان وهي نصيب واحد، ولكل ابن مائتان وأربعة.
6758 - مسألة: ترك ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من المال بعد الوصية، وثلث ما تبقى من ثلثه بعد الوصية، فقد استثنى عن النصيب جزءاً مما بقي من المال بعد الوصية، واستثنى أيضاً جزءاً من جزء بعد الوصية أيضاً.
وقد اختار الحسّاب عبارة عن الجبر في هذه المسألة وهي أقرب العبارات في استخراج المجاهيل بطريق الجبر.
فنقول: نجعل الوصية شيئاً، والباقي أنصباء الورثة، فالمال إذاً شيء، وثلاثة أنصباء، فنلقي الوصية، وهي الشيء الذي أبهمناه، ثم نأخذ سدس الباقي، والباقي ثلاثة أنصباء، وسدسُها نصف نصيب، فنحفظ ذلك.
ثم نأخذ ثلث المال، وهو نصيب وثلث شيء؛ فإنا قدرنا المال شيئاً وثلاثة أنصباء، فثلثه نصيب وثلث شيء، فنعود ونلقي الوصية من هذا الثلث؛ حتى نبيّن الباقي منها، ونظهر جزء الاستثناء الثاني، ومعنا ثلث شيء من ذلك، فنعمد إلى ثلث شيء فنسقطه لأجل الوصية، فتبقى من الوصية ثلثا شيء، فنسقطه من النصيب، فيبقى من الثلث الذي ذكرناه نصيب إلا ثلثي شيء، فنأخذ ثلث ذلك، وهو ثلث نصيب إلا تسعي شيء؛ فإن
__________
(1) في الأصل: ألفان.

(10/136)


ثلث الثلثين تسعان، فنضيف ذلك إلى النصف (1) المحفوظ أولاً، وهو سدس الباقي، وسبب الإضافة أنا نحتاج إلى إسقاط هذين المبلغين من النصيب المذكور في الوصية، وإذا ضممنا ثلثي نصيب إلا تسعي شيء إلا نصف نصيب، وهو المحفوظ معنا، فيصير خمسة أسداس نصيب، إلا تسعي شيء، فهو المستثنى من النصيب.
ثم نبتدىء ونقول: إذا كان النصيب ناقصاً بخمسة أسداس نصيب إلا تسعي شيء، فلو ضممنا خمسةَ أسداس نصيب إلا تُسعي شيء إلى الوصية المقدّرة في أصل المسألة، وهي شيء، لكمل النصيب، [فنضُمّ] (2) ما استثنيناه من الوجهين وجمعناه إلى الوصية، وهي شيء، ونكمل النصيب، فيصير معنا خمسة أسداس نصيب، وسبعة أتساع شيء، وهذا يعدل نصيباً.
وشرحُ ذلك أن ما معنا من استثناءين خمسة أسداس نصيب، إلا أنها ناقصة بتسعي شيء، فإذا أردنا ضمها إلى الوصية، وهي الشيء، أخذنا من الشيء تُسعيه، وجبرنا نقصان خمسة الأسداس، وهذا معنى الضم، فتكمل خمسة أسداس نصيب، ويبقى من الشيء سبعة أتساعه، فالحاصل إذاً خمسة أسداس نصيب، وسبعة أتساع شيء، [وهذا] (3) المجموع، يعدل نصيباً، فإنا رُمْنا بضم الاستثناءين إلى الوصية تكميل النصيب، فنقول إذاً: خمسة أسداس نصيب لا نقصان فيها، وسبعة أتساع شيء تعدل نصيباً، فالخمسة الأسداس بالخمسة الأسداس، فيبقى سدس نصيب في مقابلة سبعة أتساع شيء، فنعلم أن كل سدس من النصيب يقابل سبعة أتساع شيء، فيكون النصيب على ذلك معادلاً لأربعة أشياء وثلثي شيء، فنبسط الجميع أثلاثاً، فيصير النصيب أربعة عشر، والشيء ثلاثة، وقد بان أن المال خمسة وأربعون؛ فإنا قدرناه ثلاثة أنصباء وشيء، ثم كل نصيب أربعة عشر، والشيء ثلاثة.
فإذا ألقينا الوصية وهي ثلاثة من المال، بقي اثنان وأربعون، أخذنا سدسها، وهو سبعة وحفظناها، ثم ألقينا الاستثناء الثاني بأن نأخذ ثلث المال وهو خمسة عشر،
__________
(1) النصف: المراد نصف النصيب.
(2) في الأصل: " فنصف ".
(3) في الأصل: وهو.

(10/137)


ونلقي منها [الوصية] (1) ثلاثة، بقي اثنا عشر، فأخذنا ثلثها أربعة، فضممناها إلى السبعة المحفوظة، فصار [أحد] (2) عشر، فألقينا أحد عشر من النصيب، وهو أربعة عشر، بقي ثلاثة، وهي الوصية.
وإذا ألقيناها من المال، بقي بعده اثنان وأربعون بين البنين الثلاثة لكل واحد منهم أربعة عشر.
6759 - مسألة: رجل له ثلاثة بنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من المال بعد الوصية، على أن ينقص من سدس الباقي ثلث ما تبقى من ثلث المال بعد الوصية، فكأنه استثنى عن النصيب سدس الباقي منقوصاً بثلث الثلث بعد الوصية.
فنقول: المال وصية وثلاثة أنصباء، وضعنا الوصية موضع الشيء المبهم، والخِيَرة إلى الحاسب فيما يُبهم، فالمال إذاً وصية، وثلاثة أنصباء. فخذ سدس الباقي بعد الوصية، وهو نصف نصيب، فاحفظه، ثم خذ ثلثَ المال، وهو نصيب وثلث وصية، فاطرح من هذا الثلث الوصية، ومعك ثلث وصية في الثلث الذي قدرته، فاسقطه، فيبقى ثلثا وصية، فأسقطه من النصيب الذي ذكرته في الثلث، فيبقى معك نصيب إلا ثلثا وصية، فخذ ثلث ذلك وهو ثلث نصيب إلا تسعي وصية، وأنت تحتاج الآن أن تنقص هذا المبلغ عن الاستثناء الأول، وبهذا يحصل مقصود المسألة.
والاستثناء الأول المحفوظ نصف نصيب، فينقص منه ثلث نصيب إلا تُسعي وصية، تبقى سدس نصيب وتسعا وصية، وهذا هو المستثنى من النصيب، ولا بد من تكميل النصيب بهذا الاستثناء، وبه نُخرج المجاهيل، فنضم ذلك إلى الوصية ليكمل النصيب، فيحصل معنا سدس نصيب ووصية وتسعا وصية. وهذا يعدل نصيباً.
فما معنا من سدس نصيب في مقابلة سدس النصيب، فتبقى خمسة أسداس نصيب في مقابلة وصية، وتسعي وصية.
ونحن نريد أن نخرج ما يقابل النصيب التام من الوصية، ليخرج ما نريد، فنقول: إذا كان خمسة أسداس نصيب تعدلِ وصيةً وتسعي وصية، فالنصيب بكماله يعدل وصية
__________
(1) في الأصل: الثلث. وهو خطأ حسابي واضح.
(2) في الأصل: أربعة عشر.

(10/138)


وسبعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من وصية.
وبيان ذلك أن تبسُطَ الوصيةَ والتُّسعَيْن التي في مقابلة الأسداس بالأتساع، فيكون أحد عشر، فنزيد عليها مثل خمسها لمكان السدس الباقي من النصيب، ومثل خمس أحد عشر سهمان وخمس، فالجملة ثلاثة عشر وخُمس. وإذا بسطناها أخماساً، بلغت الجملة ستة وستين، والوصية منها خمسة وأربعون، فيبقى أحدٌ وعشرون، فنرد الوصية إلى ثلثها؛ [فإن للزائد عليها ثلثاً ولمبلغ الوصية ثلثاً] (1): فثلث الوصية خمسة عشر وثلث أحد وعشرين سبعة.
فينتظم بذلك ما ذكرناه من أن النصيب التام يعدل وصية وسبعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من وصية.
وإذا أردنا معرفة ذلك بالتكسير، انتظمت النسبة فيه؛ فإنا لما بسطنا الوصية بالأتساع، وزدنا عليها مثلَ خمسيها، بلغت ثلاثةَ عشرَ وخُمس، ومقدار الوصية منها تسعة، وأربعة [وخمس] (2) من التسعة، [كالسبعة] (3) من الخمسة عشر، وإذا أردنا رفعَ الكسر، وقعت العبارة عن أجزاء الخمسة عشر، وهذا شرحٌ لا يحتاج إليه الحاسب. ولكنا ذكرناه لإيناس المبتدىء، وأيضاً، فإنه يتكرر من هذا الجنس في المسائل بعد هذا، فنبهنا الناظر المبتدىء.
ونعود فنقول: النصيب يعدل وصية وسبعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من وصية، فنبسط الكل بأجزاء خمسة عشر، فتكون الوصية خمسة عشر سهماً، والنصيب اثنين وعشرين، والمال كله أحدٌ وثمانون سهماً.
وإذا أخذت ثلث المال وهو سبعة وعشرون، وألقيت منها الوصية، وهي خمسة عشر، بقي اثنا عشر سهماً، فإذا أخذت ثلثها، وهو أربعة، فنقصتها من سدس الباقي من المال بعد الوصية، وذلك أحد عشر، بقي سبعة أسهم، فإذا ألقيتها من النصيب، وهو اثنان وعشرون، بقي خمسة عشر سهماً، فهي الوصية، وإذا ألقيتها من المال،
__________
(1) في الأصل: فإن الزائد عليها ثلث، ولمبلغ الوصية ثلث.
(2) في الأصل: وخمسة.
(3) في الأصل: كالتسعة.

(10/139)


بقي ستة وستون سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم اثنان وعشرون سهماً.
6760 - مسألة: خمسة بنين وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى بعد الوصية من ربع ما تبقى بعد الوصية.
فنجعل المالَ وصية وخمسة أنصباء، ونأخذ ربع الباقي بعد الوصية، وذلك نصيب وربع نصيب، إلا وصية، فخذ ثلث ذلك، وهو ربع وسدس نصيب إلا ثلث وصية، وذلك هو المستثنى من النصيب، فضمّه إلى الوصية نقصاً للاستثناء، الذي معنا من الوصية، فيجتمع ربع وسدس نصيب، وثلثا وصية، وذلك يعدل نصيباً، فإذا قابلت بينهما، خرج النصيب ثمانية، والوصية سبعة، والمال سبعة وأربعين.
وبيانه أن الربع والسدس من النصيب بالربع والسدس من النصيب الذي نقابله، فيبقى ثلث نصيب وربع نصيب، في مقابلة ثلثي وصية، فنأخذ عدداً له ثلث وربع، وهو اثنا عشر، والسبعة منها، إذا كانت تقابل ثلثي وصية، فلو زدنا مثل نصف السبعة وهو ثلاثة ونصف، لكملت قيمة الوصية. وتبقى من اثني عشر سهمٌ ونصفُ سهم. وهو مثل سبع الوصية، والوصية عشرة ونصف، وبان لنا أن النصيب وصية وسبع وصية.
فجعلنا النصيب ثمانية أسهم، والوصية سبعة منها، وإذا جمعنا خمسة أنصباء وهي أربعون، إلى الوصية، كان المال سبعة وأربعين، فإذا أخذت الوصية، ثم أخذتَ ربع الباقي بعد الوصية، فهو عشرة، وطرحت منها الوصية، بقي ثلاثة، فإذا أخذت ثلثها وهو واحد، فطرحته من النصيب بقي سبعة، وإذا ألقيت الوصية من المال بقي أربعون، بين خمسة بنين، لكل واحد منهم ثمانية.
فقد أوصى له بثمانية من سبعة وأربعين إلا ثلث ربع ما تبقى بعد الوصية، وهي سبعة، كما أعرب عنها الجبر.
6761 - مسألة: أربعة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص أحدهم بالوصايا، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلثه.
فلو لم تكن وصية، لكان لكل واحد من البنين ربع المال، وبعد الوصايا لكل واحد منهم نصيبٌ، وهو أقل من ربع المال، فإذا انتقص نصيب كل واحد منهم،

(10/140)


[صار] (1) على عبارة الجبر ربع مال إلا نصيب.
وبيان ذلك أن كل واحد كان يأخذ ربعاً لولا الوصايا، والآن لا يأخذ كل واحد منهم ربعاً وإنما يأخذ نصيباً من ربع.
فنعبر عن هذا، ونقول: نأخذ من كل واحد ربعَ المال، ونردّ إليه نصيباً، فينتظم قولنا: انتقص من نصيب كل واحد من البنين ربع المال إلا نصيباً، فإذا فُهم ذلك، قلنا: خذ ثلث مال، واطرح منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فزد عليه لأجل الاستثناء ما انتقص من نصيب أحدهم بالوصايا، وذلك ربع مال إلا نصيباً، فيبلغ ثلث وربع مال إلا نصيبين، فندفع ثلث ذلك إلى الموصى له الثاني، تبقى سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزءاً من مال إلا نصيب وثلث نصيب.
وبيان ذلك أنا نتخير عدداً له ثلث وربع، وإذا جمعنا ثلثه وربعه وأخذنا من المجموع ثلثاً، كان الباقي صحيحاً، ولا نبالي بأن يكون المأخوذ للوصية على كسر؛ فإن الغرض يتبين بما تبقى، فنقدر ثمانية عشر، ونأخذ ثلثه، وهو ستة، وربعه وهو أربعة ونصف، فالجملة عشرة ونصف، فنصرف ثلث هذا المبلغ، إلى الوصية، وهو ثلاثة ونصف، فتبقى سبعة أجزاء من ثمانية عشر جزءاً من مال إلا نصيباً وثلثاً؛ فإن الذي أخذ ثلث الباقي أخذه ناقصاً لحصته من الاستثناء، وقد كان معنا ثلث وربم إلا نصيباً، فأخرجنا إلى الوصية ثلث ما معنا، ورددنا الباقي على ثلثي المال، فصار معنا مال وجزء من ثمانية عشر جزءاً من مالٍ إلا نصيباً وثلث نصيب، يعدل أربعة أنصباء.
وبيانه أن سبعة أجزاء من ثمانية عشر ثلثٌ وسهمٌ من ثمانيةَ عشرَ، فإذا ضممنا هذا إلى الثلثين، صار المبلغ مالاً وجزءاً من ثمانية عشر جزءاً من مال إلا نصيباً وثلث نصيب، وهذا يعدل أربعة أنصباء، فنجبر ما معنا بنصيب وثلث، ونزيد على عديله مثله، فتصير الأنصباء خمسة وثلث، في مقابلة مالٍ وجزء من ثمانية عشر جزءاً من مال، فنبسطهما بأجزاء ثمانية عشر، ونقلب الاسم فيهما، فيكون المال ستة وتسعين، والنصيب تسعة عشر. فلو لم تكن وصية، لكان لكل واحد من البنين ربع هذا المبلغ، وهو أربعةٌ وعشرون، ومع الوصية يكون له تسعة عشر، فالذي تنقُصُه
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/141)


خمسة أسهم، فالوصية إذا أربعة عشر سهماً، فإنها مثل نصيب وهو تسعةَ عشرَ إلا مقدار نقصان، وهو خمسة، فترجع إلى أربعةَ عشرَ، فاطرحها من ثلث المال، وهو اثنان وثلاثون، تبقى ثمانيةَ عشرَ، فادفع ثلثها إلى الموصى له الثاني، وذلك ستة، تبقى من الثلث اثنا عشر سهماً، زدها على ثلثي المال، فيصير ستة وسبعين، بين أربعة بنين لكل واحد منهم تسعة عشر.
6762 - مسألة: رجل له ستة بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص من نصيبه بالوصايا، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث إلا ما انتقص [نصيب] (1) أحدهم بالوصايا.
فالطريق أن نجعل النقص في حق كل ابن بالوصايا شيئاً، فيكون نصيب كل واحد منهم سدس مال إلا شيئاً. وللموصى له الأول، وهو صاحب النصيب سدس مال إلا شيئين، وسبب ذلك أنه لما أوصى له بالنصيب، فلو اقتصر على هذا، لكان الموصى له كأحد البنين، فمن هذا الوجه له سدس إلا شيء، وقد استثنى الموصي عن الوصية له بالنصيب شيئاً آخر، فصار ما يخصه سدس مال إلا شيئين.
فنأخذ ثلث مال وننقص منه للموصى له الأول سدس مال إلا شيئين، يبقى من الثلث سدس مال وشيئان، فندفع ثلث ذلك إلى الموصى له الثاني، فيبقى تسع مال وشيء وثلث؛ فإنه كان سدساً وشيئين فإذا أخذ من السدس ثلثه بقي التسع، وكان مع السدس شيئان، فيأخذ الموصى له الثاني ثلثهما وهو ثلثا شيء، فيبقى تُسع مال وشيء وثلث شيء، فنزيد عليه الاستثناء من الوصية الثانية شيئاً، فإن الثاني أوصى له بثلث ما بقي إلا ما انتقص به نصيب الواحد، فنزيد سبب هذا الاستثناء، فإنا جعلنا ما انتقص شيئاً، فحصل معنا من هذه الجهة [تسع] (2) مال وشيئان وثلث شيء، فنزيده على ثلثي المال، فيصير سبعة أتساع مال وشيئان وثلث. وهذا يعدل أنصباء الورثة، ونجعل أنصباءهم مالاً إلا ستة أشياء، ثم نجبره بستة أشياء، ونزيد على عديله ستة أشياء، فتقابل مالاً كاملاً بسبعة أتساع وثمانية أشياء وثلث، فنسقط الجنس
__________
(1) الزيادة من عمل المحقق.
(2) في الأصل: تسعي.

(10/142)


بالجنس، ومعنا سبعة أتساع مال، فنسقطه من المال الذي في الجانب الثاني، فيبقى تسعا مال في مقابلة ثمانية أشياء وثلث، فنبسط الأشياء وثلث شيء أتساعاً، فتصير خمسة وسبعين فهذه قيمةُ تُسعي مال، ويصير تسعا مال بهذه النسبة اثنين، فإنّ ضرب التُّسْعَيْن في التسعة يردّ سهمين؛ فإذا كان قيمة التسعين خمسة وسبعين، فقد قال الحساب: هذا المبلغ له ثلث، وليس له سدس، فإن أردت أن يصير له سدس ضعّفته بالضرب في اثنين، فإن كان مثلثاً، ضربته في اثنين صار له سدس، فيصير مائة وخمسين.
ثم قالوا: نقلب العبارة، فنجعل المال مائة وخمسين، والشيء أربعة؛ لأنه كما نضعّف أحد المتقابلين [نُضعّف] (1) الثاني، ففي هذا الموقف تأمُّل؛ فإن المائة والخمسين بعد البسط قيمة تسعي مال، والذي يقتضيه قياس الجبر في مثل ذلك أن تقوّم جميع المال، ولكنك إذا قوّمت جميع المال بهذه النسبة، وجدت موافقة تقتضي الردّ إلى المائة والخمسين، فَتَخيَّلْ تقويمَ الكل، ثم ارجع بنسبة التسع إلى المائة والخمسين المبسوطة بالضرب في مخرج سدس هذا المال إلا أربعة أسهم، وسدس المائة والخمسين خمسة وعشرون، وإذا حططت منها أربعة وهي الشيء، خص كلَّ واحد [واحدٌ] (2) وعشرون سهماً، وللموصى له الأول سبعة عشر سهماً؛ فإنا نقدر له خمسة وعشرين، ثم نحط عنها شيئين وهما ثمانية، فبقي له سبعة عشر، ثم نطرح سبعةَ عشر من ثلث المال وهو خمسون، فيبقى من الثلث ثلاثة وثلاثون، فنأخذ ثلث هذا الباقي وهو أحد عشر، فننقص منها شيئاً وهو أربعة أسهم، وهو مثل ما انتقص به نصيب أحدهم بالوصايا، فيبقى للموصى له الثاني سبعة أسهم، هي وصيته؛ فالوصيتان جميعاً أربعة وعشرون، فننقُصها من سهام المال فيبقى مائة وستة وعشرون سهماً بين ستة بنين: لكل واحد منهم أحدٌ وعشرون سهماً، وهو سدس ناقصٌ بشيء، كما اقتضته الوصية.
وقد نجز القول في الاستثناء عن الوصايا بالأنصباء وغيرها.
__________
(1) مكان هذا في الأصل عبارة غير مستقيمة هكذا: " ـصف على خمسه " (بدون نقط الحرف الأول).
(2) ساقطة من الأصل.

(10/143)


القول في الوصية بالتكلمة وأحكامها وفروعها
ومضمون هذه المقالة تقع في فصولٍ نأتي بها فصلاً، فصلاً، إن شاء الله عز وجل.
فصل
في الوصية بالتكملة وحدها دون غيرها
6763 - المثال: رجل له خمسة بنين، فأوصى لرجل بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم.
فمعنى الوصية أولاً أن نأخذ نصيب أحدهم وننظر ما بينه وبين الربع، فإن نصيب الواحد منهم في الصورة التي ذكرناها لا يقع ربعاً، وإذا أردنا تكميله ربعاً، احتجنا إلى الزيادة على مبلغ النصيب، فالوصية تلك الزيادة التي تكمل الجزء. هذا معنى الوصية بالتكملة.
وحسابها بالجبر أن نأخذ مالاً، وندفع منه ربعه إلى الموصى له، ونسترجع منه نصيباً فيحصل معك ثلاثة أرباع مال كاملة ونصيب مسترجع من ربعٍ. وهذا يعدل خمسة أنصباء. فنلقي النصيب الذي معنا بنصيب قصاصاً، فتبقى ثلاثة أرباع مال، تعدل أربعة أنصباء، فنبسطها جميعاً أرباعاً، بأن نضرب كل واحد منهما في أربعة، فتصير الأنصباء ستة عشر، وتصير ثلاثة الأرباع [المال] (1) ثلاثة، فنقلب العبارة، ونقول: المال ستة عشر، والنصيب ثلاثة. ثم نأخذ ربع المال وهو أربعة، فنطرح منه نصيباً، وهو ثلاثة، فيبقى سهم واحد، وهذا هو التكملة، وهي الموصى به. فادفع هذا السهم الواحد إلى الموصى له، فيبقى خمسة عشر بين خمسة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة. وهي النصيب الخارج.
وإذا جمعت بين النصيب، وبين الوصية، كمل ربع المال.
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/144)


6764 - طريقة المقادير: أن نقول: علمنا أن التكملة هي ما بين النصيب والربع، فنأخذ ربعَ مالٍ، ونلقي منه نصيب أحد البنين، فيبقى من الربع مقدار، وهو التكملة، ومعنا ثلاثة أرباع مال، وإذا أعطينا من كل ربعٍ نصيبَ ابنٍ، فَضَل منه مثل ما فَضَل من الربع الأول، فيحصل من الأرباع الباقية ثلاثة مقادير، ومعنا مقدار من الربع الأول، وقد أخرجنا منه نصيباً أيضاً وقد توفرت أيضاً أربعة [أنصباء] (1) بنين، وفَضَل أربعة مقادير، فيسلّم مقدار إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى نصيب ابن لم يأخذ شيئاً، فنسلم إليه المقادير الثلاثة الباقية، وعلمنا أن كل نصيب ثلاثة [مقادير] (2)، وكنا جعلنا ربع المال نصيباً ومقداراً، فيخرج من ذلك أن ربع المال أربعة، والمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة والتكملة سهم واحد.
6765 - طريقة القياس: أن نقول الموصى له بالتكملة إذا أخذ وصيته، كان الباقي من المال مقسوماً على خمسة بين الورثة، فنجعل الباقي بعد الوصية عدداً له خُمس، وأقله خمسة، وإذا قسمنا الخمسة بين البنين، كان لكل واحد منهم سهم.
وقد علمنا أن هذا السهم إذا ضم إلى التكملة، كان المبلغ مثل ربع المال، وربعُ سهمٍ وربعُ تكملة.
وبيان ذلك أن نجعل المال وصية وخمسة، وتلك الوصية تكملة، فالمال إذاً كله تكملة وخمسة أسهم. وقد تمهد ذلك في الأبواب السابقة، وإذا كان المال تكملةً وخمسة أسهم، فربعهُ سهمٌ وربع سهم وربعُ تكملة، فنعلم أن سهماً وتكملةً تامة تعدل سهماً وربعَ سهم، وربع تكملة؛ فإن السهم والتكملة ربع، وقد بينا أن ربع المال سهم وربع سهم وربع تكملة، وإذا تقابلا أسقطنا الجنس بالجنس، فنقول سهم وتكملة تعدل سهماً وربعَ سهم وربعَ تكملة، فنسقط السهم بالسهم، ونسقط ربع التكملة فيحصل معنا ربع سهم من جانب يعدل ثلاثة أرباع التكملة، وإذا عادل ربعٌ ثلاثة أرباع، فيعدل ثلث سهم تكملةً تامة، فعلمنا بذلك أن السهم ثلاثة أمثال التكملة، فإذا
__________
(1) زيادة من المحقق؛ رعاية للسياق.
(2) سقطت من الأصل.

(10/145)


جعلت التكملة سهماً واحداً، وجب أن يكون السهم الذي هو النصيب ثلاثة، ووجب أن يكونا جميعاً ربع المال، فربع المال إذاً أربعة، والمال ستة عشر، والنصيب ثلاثة.
6766 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدينار نصيباً والتكملة درهماً، فندفع الدرهمَ إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى معنا من أرباع المال أربعة دنانير وثلائة دراهم، فنأخذ [أربعة دنانير، بين أربعة أبناء] (1)، يبقى ثلاثة دراهم في يد الابن الخامس، وهي قيمة الدينار، فنجعل كأن ربع [المال] (2) أربعة دراهم ثلاثة للنصيب، وواحد للتكملة، كما تقدم.
6767 - فحساب المسألة بطريقة الخطأين: أن نجعل ربع المال اثنين والتكملة واحد، وجملة المال على ذلك ثمانية، فندفع إلى الموصى له سهماً، فالباقي من هذا الربع واحد، وهو الذي قدرناه نصيباً، فنضمه إلى ثلاثة الأرباع، فيصير سبعة، وكان يجب أن يكون خمسة ليأخذ كل ابن سهماً، كما قدرناه في الربع الأول، فقد فضل عن الواجب اثنان، فهو الخطأ الأول، وهو زائد، فاحفظه.
ثم نجعل المال إن شئنا اثني عشر، وربعه ثلاثة، والتكملةُ منها واحد، والنصيب ائنان، فندفع التكملة إلى الموصى له، يبقى من المال أحدَ عشرَ، وكان يجب أن يبقى عشرة ليأخذ [كلُّ ابن] (3) سهمين، مثلَ النصيب المفروض من الربع، وقد زاد على الواجب سهم واحد، وهو الخطأ الثاني وهو زائد أيضاً، فنحط الخطأ الثاني من الخطأ الأول؛ فإنهما تجانسا في الزيادة، فيبقى واحدٌ، وهو المقسوم عليه، فاحفظه، ثم اضرب المال الأول، وهو ثمانية في الخطأ الثاني وهو واحد، فيرد ثمانية، فاضرب المال الثاني وهو اثنا عشر في الخطأ الأول، وهو اثنان، فيرد أربعة وعشرين.
فنحط الأقلَّ من الأكثر تبقى ستة عشر، فاقسمها على الواحد المحفوظ، فيخرج ستة عشرَ، فهو المال.
فإن أردت النصيب فاضرب النصيب الأول وهو واحد في الخطأ الثاني وهو واحد،
__________
(1) عبارة الأصل مضطربة هكذا: فنأخذ أربعة بين أربعة دنانير.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) ساقط من الأصل.

(10/146)


فيكون واحداً، واضرب النصيب الثاني وهو اثنان في الخطأ الأول وهو اثنان، فيكون أربعة، فانقص الأقل من الأكثر، فتبقى ثلاثة، فاقسمها على الواحد المحفوظ، فيخرج ثلاثة، فهو النصيب.
كما خرج بالأعمال المتقدمة.
6768 - صورة أخرى. ترك رجل أربعة بنين وبنتاً، وكان أوصى لإنسان بتكملة ربع ماله بنصيب أحد البنين.
فخذ ربع المال وألق منه نصيبين؛ فإن لكل ابن سهمان، وردّ النصيبين على ثلاثة أرباع، فيحصل معك ثلاثة أرباع مال ونصيبان. وذلك يعدل [تسعة أنصباء، فاجبر وقابل، فتصير ثلاثة أرباع مال تعدل] (1) سبعة أنصباء، فابسطهما أرباعاً، واقلب الاسم فيهما، فيكون المال ثمانية وعشرين، والنصيب ثلاثة، وربع المال سبعة، فندفع سبعة إلى الموصى له، ونسترجع منه نصيبين، وذلك ستة، فيبقى معه سهم واحد، هو التكملة، وهو الوصية، والباقي من المال بعد الوصية سبعة وعشرون سهماً بين أربعة بنين وبنت، على تسعة، لكل ابن ستة، وللبنت ثلاثة.
وإذا جمعت بين التكملة وبين نصيب أحد البنين، كان سبعة، وهو ربع المال.
وعلى هذا فقس [و] (2) مضمون هذا الفصل سهلُ المُدرك.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بجزءٍَ شائع من المال
6769 - المثال: ترك خمسة بنين، وأوصى بعشر ماله لإنسان، وأوصى لآخر بتكملة الربع بنصيب أحد بنيه.
فطريق الجبر أن نأخذ مالاً، ونطرح منه عُشره، ثم نطرح ربع المال، ونسترجع منه نصيباً فيبقى معنا ثلاثة عشر جزءاً من عشرين جزءاً من المال ونصيب، وهو الذي
__________
(1) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة إلا بها.
(2) سقطت من الأصل.

(10/147)


استرجعناه من الربع، ووصفنا التقدير من عشرين لأن لها عشراً وربعاً، فإذا أخرجت ربعه وهو خمسة، وعُشره وهو اثنان، وأسترجعت من الخمسة نصيباً، كان الباقي ثلاثة عشر جزءاً من عشرين جزءاً من المال مع النصيب المسترجع، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنلقي نصيباً [بنصيب] (1) قصاصاً، فيبقى ثلاثة عشراً جزءاً من عشرين جزءاً من المال تعدل أربعة أنصباء، فنبسطهما بأجزاء العشرين، ونقول بعد قلب الاسم والعبارة فيهما: المال ثمانون، والنصيب ثلاثةَ عشرَ، فنلقي من المال بالوصية الأولى عُشره، وهو ثمانية، ثم نأخذ ربع المال وهو عشرون، فنلقي منه النصيب تقديراً وهو ثلاثةَ عشرَ، تبقى سبعة وهي التكملة فندفعها إلى الموصى له بالتكملة، والوصيتان خمسة عشرَ سهماً: ثمانية وسبعة، فنلقي الوصيتين من المال فيبقى خمسة وستون بين خمسة بنين: لكل واحد منهم ثلاثةَ عشرَ.
6770 - وحساب المسألة بالخطأين: أن نجعل المال عشرين، لأنه أقل عدد له ربع وعشر، ونخرج عُشرَه بالوصية الأولى، ونأخذ ربع المال، وهو خمسة، ونجعل النصيب إن شئنا ثلاثة، وندفع اثنين إلى صاحب التكملة، تبقى من جملة المال ستة عشر، وكان الواجب أن يبقى خمسة [عشر] (2) ليأخذ كل ابن ثلاثة مثل النصيب الذي قدرناه، فزاد واحد وهو الخطأ الأول، والخطأ زائد، فاحفظه.
ثم اجعل المال أربعين، وادفع عُشرَها، وهو أربعة، وخذ ربع المال وهو عشرة، فاجعل النصيب منها خمسة، والتكملة الخمسة الباقية من الربع، والوصيتان تسعة وألقها من المال يبقى أحدٌ وثلاثون سهماً، وكان الواجب أن يبقى خمسة وعشرون، ليأخذ كل ابن خمسة، مثلَ النصيب المفروض، فزاد ستة، وهو الخطأ الثاني، وهو زائد أيضاً، فألق منه الخطأ الأول [وهو واحد، يبقى خمسة، وهو المقسوم عليه، فاحفظه.
ثم اضرب المالَ الأول] (3) في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول،
__________
(1) في الأصل: نصيب.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) ساقط من الأصل.

(10/148)


وانقص أقلَّ المبلغين من أكثرهما فيبقى ثمانون، فاقسمها على الخمسة المحفوظة؛ فيخرج ستة [عشر، فقل] (1): هي المال.
وإن أردت النصيب، ضربت النصيب الأول [وهو ثلاثة في الخطأ الثاني وهو ستة، وضربت النصيب الثاني وهو خمسة] (2) في الخطأ الأول وهو واحد، ونقصت الأقل من الأكثر، تبقى ثلاثةَ عشرَ، فاقسمها على الخمسة، فيخرج اثنان وثلاثة أخماس، وذلك هو النصيب. فإن أردت إسقاطَ [الكسر] (3) بسطتَ المال والنصيب أخماساً، فيصير المال ثمانين والنصيب ثمانية عشر.
6771 - طريقة الدينار والدرهم: الوجه فيها أن نفرض الدراهم والدنانير أولاً، ثم نحط العشر، أو كما أردنا، ولا ينتظم طريق الدينار والدرهم إلا كذلك، فنقول: نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، وتدفع منه درهماً بالتكملة، فيبقى من المال أربعة [دنانير] (4) وثلاثة دراهم، نطرح منها بالوصية الأخرى عشر المال، ونقدر المال كاملاً، فنخرج منه عشراً كاملاً، فالعشر أربعة أعشار دينار، وأربعة أعشار درهم؛ فإنا نأخذ من كل دينار عشراً، ومن كل درهم عشراً، فالمال الكامل أربعة دنانير وأربعة دراهم، فيبقى معنا ثلاثة دنانير وثلاثة أخماس دينار، وإن أحببت قلت: ستة أعشار دينار، ويبقى كذلك ثلاثة دراهم وثلاثة أخماس درهم، غيرَ أنا أخرجنا إلى التكملة درهماً، فالباقي الآن ثلاثة دنانير وثلاثة أخماس دينار، ودرهمان وثلاثة أخماس درهم، وذلك يعدل خمسة أنصباء البنين، فنسقط الجنسَ من الجنس، فتبقى من الأنصباء دينار وخمسان، يعدل درهمين وثلاثة أخماس درهم، فنبسطها أخماساً، ونقلب الاسم فيها، فيصير الدينار ثلاثة عشر، وهو النصيب، والدرهم سبعة، وهي التكملة، وهما ربع المال، وذلك عشرون، والمال ثمانون.
6772 - طريقة المقادير: أن نأخذ ربعَ مال، فنلقي منه [نصيباً] (5)، يبقى مقدار
__________
(1) في الأصل: ستة، فقال.
(2) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(3) في الأصل: الكثير.
(4) في الأصل: وثمانين.
(5) في الأصل: نصيبان.

(10/149)


فندفعه إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى ثلاثة أرباع المال، فندفع إلى كل ابنٍ من كل ربع نصيباً، فيبقى منها ثلاثة مقادير، فنلقي من هذه المقادير عشرَ المال، وقد كان ربع المال نصيباً ومقداراً، فالمال على هذا أربعة أنصباء وأربعة مقادير. وعشر جميع المال أربعة أعشار نصيب، وأربعة أعشار مقدار، فنلقي ذلك من ثلاثة مقادير، ونسقط الجنس من الجنس، فيبقى معنا مقداران وثلاثة أخماس مقدار، إلا خمسي نصيب، وهو أوجز من أن نقول: إلا أربعة أعشار نصيب، وذلك يعدل نصيباً واحداً، وهو نصيب الابن الخامس، الذي لم نقدّر له شيئاً، فنجبر المقدارين وثلاثة أخماس مقدار بخمسي نصيب، وهو المستثنى، ونزيد على عديله مثلَه، فيصير نصيب وخمسان في مقابلة مقدارين وثلاثة أخماس مقدار، فنبسطه أخماساً، ونقلب الاسم، فيصير النصيب ثلاثة عشر، والمقدار سبعة، وبقي التكملة.
وإذا ضممنا التكملة وهي سبعة إلى النصيب، وهو ثلاثةَ عشرَ، فهما ربع المال، وإذا كان ربع المال عشرين، فالمال ثمانون.
6773 - وطريق القياس أن نقول: علمنا أن ربع المال وعشره يستحقهما ثلاثة الموصى له بالعشر، وأحدُ البنين، والموصى له بالتكملة، فهؤلاء يستحقون بالوصية والميراث العشرَ والربع.
وما تبقى بعد ذلك يستحقه أربعة بنين؛ فإنا حسبنا نصيب ابن في الربع مع التكملة.
فنأخذ مالاً له ربع وعشر، وذلك عشرون، فنلقي ربعه وعشره: سبعة، تبقى ثلاثةَ عشرَ، نقسمها بين أربعة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وربع، نعلم بذلك أن النصيب ثلاثة وربع.
فنعود ونقول: لصاحب العشر سهمان من [السبعة] (1) التي ألقيناها من المال، وهو عشر العشرين، فتبقى خمسة: للابن الذي ضممناه إلى الوصايا منها ثلاثة [وربع] (2) وهو نصيب ابنٍ، يبقى من الخمسة واحد وثلاثة أرباع، وهو التكملة،
__________
(1) في الأصل: التسعة.
(2) في الأصل: " ثلاثة وثلاثة أرباع ".

(10/150)


فنبسط جميع ذلك أرباعاً، فيصير النصيب ثلاثةَ عشرَ، والتكملة سبعة، والمال ثمانون.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بجزءٍ مما تبقى من المال
6774 - المثال: رجل خلف سبعة بنين وأوصى لرجل بتكملة ربع مال بنصيب أحدهم وأوصى لآخر بعشر ما بقي من المال.
فحسابه بطريق الجبر أن نأخذ مالاً، وندفع ربعه إلى الموصى له بالتكملة، ونسترجع نصيباً، ونزيده على الباقي من المال، فيصير ثلاثة أرباع مال ونصيب، فنخرج من هذا عشراً، وهو الوصية الثانية، فإن الموصي اعتبر عشراً بعد تقديم التكملة، فمقتضاه أن نسترجع من الربع نصيباً ونضمه إلى ثلاثة أرباع المال، ثم نخرج العشر من ذلك.
وإذا احتجت إلى مالٍ له ربعٌ، وللباقي (1) بعد الربع عشرٌ، فأقله أربعون، فنخرج رُبْعَه عَشَرة، ونسترجع منها نصيباً ونضمه إلى الثلاثين الباقية، وندفع عُشْرَ الثلاثين والنصيبَ المضموم إليه إلى الموصى له بعشر الباقي، فتبقى [سبعة] (2) وعشرون جزءاً من أربعين جزءاً من المال، وتسعة أعشار نصيب. وذلك يعدل سبعة أنصباء البنين السبعة، فألق الجنس بمقداره من جنسه، ومعنا تسعة أعشار نصيب، فنلقيها من الأنصباء السبعة، فيبقى ستة أنصباء وعشر نصيب، في مقابلة سبعة وعشرين جزءاً من أربعين جزءاً، فنبسط الجميع بأجزاء الأربعين، ونقلب العبارة فيهما، فيصير المال مائتين [وأربعة] (3) وأربعين والنصيب سبعة وعشرين.
الامتحان: نأخذ ربعَ المال، وهو أحد وستون فنلقي منها النصيب، وهو سبعة وعشرون، تبقى أربعة وثلاثون، وهي التكملة، فنلقيها من المال للموصى له بالتكملة، تبقى مائتان وعشرة، وقد ضممنا النصيب من الربع إلى ثلاثة أرباع
__________
(1) في الأصل: والباقي بعد الربع عشره.
(2) في الأصل: تسعة.
(3) زيادة من المحقق.

(10/151)


[المال] (1)، ندفع عشرها إلى الموصى له الثاني، وهو أحدٌ وعشرون، تبقى مائة وتسعة وثمانون، بين سبعة بنين لكل واحد منهم سبعة وعشرون، وهو النصيب الذي أخرجناه من الربع.
6775 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدينار نصيباً، والدرهمَ تكملةً، وندفع الدرهمَ بالتكملة إلى صاحب التكملة، ونضم الدينار إلى الباقي من الأرباع، فيبقى من المال أربعة دنانير وثلاثة دراهم، فنخرجْ عُشْرَ هذا المقدار؟ فإن الوصية الثانية بعُشر الباقي بعد التكملة، وعشر الباقي أربعة أعشار دينار، وثلاثة أعشار درهم، فتبقى ثلاثة دنانير وستة أعشار دينار، وإن أحببت، قلت: وثلاثة أخماس دينار، ويبقى درهمان وسبعة أعشار درهم، ونختار عبارة الأعشار في هذه المسألة؛ فإنه إن انتظم رد ستة أعشار إلى ثلاثة أخماس، فلو بسطنا ذلك في سبعة أعشار الدرهم، لقلنا: ثلاثة أخماس ونصف خمس، أو وعُشْر، وهذا كسر كسر، فالوجه التعبير بالأعشار. وهذا الباقي يعدل سبعة دنانير لسبعة بنين، فنلقي الجنس بالجنس، مقدار المقدار، فتبقى ثلاثة دنانير وأربعة أعشار دينار من أنصباء البنين، وذلك يعدل درهمين وسبعة أعشار درهم، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيصير الدينار سبعة وعشرين، وذلك مثل النصيب ويصير الدرهم أربعة وثلاثين وهي التكملة، ومجموعهما ربعُ المال، وهو أحدٌ وستون، فالمال كله مائتان وأربعة وأربعون.
طريقة الخطأين: أن نجعل المال أحد عشر إن شئنا، ونجعل التكملةَ واحداً، وندفعها إلى الموصى له بها، تبقى عشرة، ندفع عُشرَها إلى الموصى [له] (2) الثاني تبقى تسعة، بين البنين، لكل واحد منهم واحد [وسبعان] (3)، فذلك هو النصيب، فنزيد عليه التكملة، وهو واحد، فيصير المجموع سهمين وسبعين، وذلك يجب أن يكون اثنين وثلاثة أرباع؛ فإن هذا رُبع المال الذي قدّرناه، وهو أحدَ عشر، فقد
_______
(1) سقطت من الأصل.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: وتسعان.

(10/152)


نقص ثلاثة عشر جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من واحد، ولا يخفى ذلك إذا بسطت.
فهذا هو الخطأ الأول، وهو ناقص؛ فإن ما قدّرناه أنقصُ مما يجب.
فنعود ونجعل المال اثني عشر، والتكملةَ اثنين منها، ونلقيها من المال، فيبقى عَشَرة، نُلقي عُشْرَها، يبقى تسعة، بين البنين السبعة، واحد وسبعان [لكل واحد منهم] (1)، فنضم ذلك إلى التكملة، فيصير المجموع ثلاثة وسُبعين، وكان يجب أن يكون المجموع ثلاثة: مثل ربع المال، فزاد سبعان، وهو الخطأ الثاني، وهذا الخطأ زائد، فإن ما معنا أكثر مما يجب، فنجمع بين الخطأين؛ فإن أحدهما زائد والآخر ناقصٌ، وإذا جمعت، صار مبلغ الخطأين ثلاثة أرباع واحد؛ فإن الخطأ الأول الناقص كان ثلاثةَ عَشَرَ جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً، وربعُ هذا المبلغ سبعةٌ، وثلاثةُ أرباعه أحدٌ وعشرون. والخطأ الثاني الزائد سبعان، وإذا ضممت سُبعي ثمانية وعشرين، وهو ثمانية إلى الخطأ الأول وهو ثلاثة عشر، صار المجموع واحداً وعشرين، وهو ثلاثة أرباع ثمانية وعشرين، فانتظم من ذلك أنا إذا ضممنا الخطأ الثاني الزائد إلى الخطأ الأول الناقص، كان المجموع ثلاثة أرباع واحد. وهذا هو المقسوم عليه، فنحفظه.
ثم نضرب المال الأول في الخطأ الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، ونجمع بينهما، ولا نحط، لاختلاف الخطأين، فيصير المجموع ثمانية أسهم وخمسة أسباع سهم، فنبسطها أسباعاً، فيصير أحداً وستين، وليس لها ربعٌ صحيح، فنضربها في أربعة، فتكون مائتين وأربعة وأربعين، وهو المال، كما خرج بالعمل الأول.
ولا يكاد يخفى استخراج النصيب مع البسط، وإذا بان ركنٌ من المسألة، انبنى عليه باقي الأركان.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بجزءٍ مما بقي من جزءٍ من المال
6776 - المثال: ثلاثة بنين وقد أوصى بتكملة ثلث مال بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقَّى من الثلث.
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/153)


طريقة الجبر: أن نأخذ ثلث مال، ونلقي منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، وهو التكملة، فنلقي التكملة، ونضمُّ النصيب إلى الباقي معنا، وإذا قدّرنا الثلثَ نصيباً وتكملةً، ثم أخرجنا التكملة، بقي من الثلث نصيبٌ، فندفع ثلث هذا النصيب إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث، فيقع لهذا الموصى له ثلث نصيب، فنضم الفاضل من الوصيتين، وهو ثلثا نصيب إلى ثلثي المال، فنجعل معنا ثلثا مال وثلثا نصيب، تعدل ثلاثة أنصباء لثلاثة بنين، فنلقي ثلثي نصيب بمثله من الأنصباء قصاصاً، تبقى ثلثا مال يعدل نصيبين وثلث نصيب، فإذا كان ثلثا مال يعدل نصيبين وثلث نصيب، فالمال كله يعدل ثلاثة أنصباء ونصف نصيب، فنضعف ذلك ليذهب الكسر، فالضرب في مخرج الاثنين، ونقلب العبارة فيصير المال سبعة أسهم، والنصيب سهمين، إلا أنه ليس له ثلث صحيح، فنضرب ذلك في ثلاثة، فيكون المال أحدٌ وعشرون، والنصيب ستة.
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال، وهو سبعة ونلقي منها نصيباً، وهو ستة، يبقى سهم واحد وهو التكملة، فندفعه إلى الموصى له بالتكملة، والباقي من الثلث نصيبٌ وهو ستة، ندفع ثلثها سهمين إلى الموصى له الثاني، يبقى أربعة، فنزيدها على ثلثي المال، وهو أربعة عشر، فيبلغ ثمانية عشر سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم ستة، وهي النصيب الخارج بالحساب.
6777 - وفي هذه المسألة تأملٌ على الناظر، وذلك أن البنين ثلاثة، ولو لم تكن وصية وقسمنا المالَ بينهم، يخص كل واحد منهم ثلث المال، وإذا كان كذلك، فلا معنى للوصية بالتكملة من الثلث، ونصيب كل ابن مستغرِقٌ للثلث، والوصية بتكملة الثلث إنما تُعقَل وتصح، إذا كان بين النصيب وبين الثلث شيء، فإذا استغرق النصيب الثلثَ، فلا تكملة، وليس نسبُ الصحة [لهذه] (1) المسألة وخروجها بالحساب كما تقدم أنه أوصى بالتكملة، وأوصى بثلث ما تبقى من الثلث، فقدرنا الثلث نصيباً مبهماً وتكملةً، ثم صرفنا التكملة إلى صاحبها [وقسطاً] (2) من النصيب إلى الوصية الثانية،
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: وقسطنا.

(10/154)


فنقص بذلك أنصباء البنين، كما أخرجه الحُسَّاب، فصار كل نصيب غيرَ مستغرِقٍ للثلث، فانتظم منه الوصيةُ بالتكملة. هذا وجه تعديل المسألة على طريقة الحساب.
وفي النفس بعدُ شيءٌ من طريق الفقه، سأنبِّه عليه بعد ذكر شيءٍ.
فأقول: كان له ثلاثةُ بنين وأوصى لإنسان بتكملة ثلث ماله بنصيب، فهذه الوصية باطلة؛ فإنّ نصيب كلَِّ ابنٍ في هذه الصورة مستغرِقٌ للثلث، فلا معنى للوصية بتكملة الثلث. فطريق الجَبر إذا استعملناها على مراسمها، أعربت عن استحالة المسألة.
فنستعملها، ونقول: ثلث المال نصرفه إلى الموصى له بالتكملة، ونستردّ منه نصيباً، فيبقى معنا نصيبٌ وثلثا مال (1)، في مقابلة ثلاثة أنصباء لثلاثة بنين، فنقابل نصيباً بنصيب، فيبقى [ثلثا] (2) المال، وهو سهمان، فنصرفهما إلى ابنين، وقد بان أن النصيب واحدٌ، وثلث المال واحد.
فإذا سلمنا ثلث المال وهو واحد إلى الموصى له بالتكملة واسترددنا منه نصيباً وهو واحد، لم يبق بيده شيء، وبان أن الوصية لم تصادف محلاً.
فإذا وضح ذلك أولاً ببديهة [العقل] (3) فقهاً، وبان بطريق الحساب أيضاً، فنعود إلى المسألة الأولى، ونقول: فيها وصيةُ تكملة، ووصيةٌ بثلث ما تبقى من الثلث بعد التكملة، فالظاهر أن نقول: الوصية بالتكملة باطلة لما بيناه، وإذا بطلت الوصية بالتكملة، بطلت الوصية بما تبقى بعدها؛ فإن الوصية بما تبقى تُفرَّع على صحة الوصية الأولى وتقديرها، هذا وجهٌ ظاهر في إبطال الوصيتين.
ووجه ما ذكره الحُسَّاب أن هذه الوصية إن كان في صيغتها وصية بتكملة، فمعناها: أوصيت لك بمقدارٍ إذا اعتبر معه تنقيص النصيب بالوصية الثانية، لكانت تكملةً منتظمة. ويجب أن نطرد في هذه المسألة مسلكين ووجهين، ثم نُخرّجهما في أمثال هذه المسألة، ونخرّجهما على أن العبارة إذا فسدت، فأمكن تصحيح المعنى
__________
(1) عبارة الأصل: " فيبقى معنا نصيب، وثلثا مال، (نصرفه إلى الموصى له بالتكملة)، في مقابلة ثلاثة أنصباء ... " فالعبارة بين القوسين مقحمة. كما ترى.
(2) في الأصل: ثلث.
(3) في الأصل: العقد.

(10/155)


على تقديرٍ، فالاعتبار بالمعنى ليصح، أو باللفظ ليفسد. وهذا أصل مهدناه في مسالك الفقه، وأوضحنا الخلافَ فيه.
ومن صوره أن يقول الإنسان لمن يخاطبه: بعت منك عبدي هذا بلا ثمن. فإذا قال المخاطَب: قبلتُ، فهل نجعل هذا هبةً صحيحة أم نقول: لا تصح الهبة، والجاري بيعٌ فاسد؟ في المسألة وجهان ذكرناهما. فهذه المسألة الحسابية تُخرّج على هذا الأصل لا محالة.
فإذا وضح ما ذكرناه، فإنا نعود إلى مراسم الكتاب، وقد نجز فقه الجبر.
6778 - وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم أن نجعل ثلث المال ديناراً ودرهماً، ونجعل الدرهم التكملة [ونصرفه] (1) إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى من الثلث دينار، فنقدره نصيباً، وندفع ثلثه إلى الموصى له بثلث ما بقي من الثلث، فتبقى ثلثا دينار، فنزيده على ثلثي المال، وذلك ديناران ودرهمان، فيبلغ المجموع دينارين وثلثي دينار، ودرهمين، وذلك يعدل ثلاثة دنانير أنصباء البنين، فنلقي دينارين وثلثي دينار قصاصاً بمثلها، فيبقى ثلث دينار، يعدل درهمين، فالدينار الواحد يعدل ستة دراهم، وكنا جعلنا ثلث المال ديناراً ودرهماً، وقيمة الدينار وهو النصيب في الحقيقة ستة، فثلث المال إذاً سبعة دراهم، والتكملة منها درهم، والنصيب ستة، كما خرج بالحساب الأول.
6779 - صورةٌ أخرى نذكرها لتمهيد الفصل:
إذا خلف الرجل أربعة بنين، وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما تبقَّى من الثلث.
فخذ ربع المال وادفعه إلى الموصى له بالتكملة، واسترجع منه نصيباً، فيبقى من الربع نصيب، فأسقط التكملة وهي ربع مال إلا نصيباً من ثلث المال، يبقى نصف سدس مال ونصيب، فادفع ثلثه إلى الموصى له الآخر، يبقى نصف تسع مال [وثلثا] (2) نصيب، فزد ذلك على ثلثي المال، فيبلغ المجموع ثلاثة عشر جزءاً من
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: وثلث.

(10/156)


ثمانية عشر جزءاً من المال، ولا يخفى اعتبار هذا المبلغ ونسبته، وقد كررنا هذا مراراً، وقد بقي إذاً ثلاثة عشر من ثمانية عشر جزءاً من المال وثلثا نصيب، وذلك يعدل أربعة أنصباء. فثلثا نصيب قصاصاً بمثله، تبقى ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، تعدل ثلاثة عشر جزءاً من ثمانية عشر جزءاً من المال، فاضرب الجميع في مخرج المال، وهو ثمانية عشر، واقلب العبارة، فيكون المال ستين والنصيب ثلاثة عشر.
الامتحان: نأخذ ربعَ المال وهو خمسةَ عشرَ، ونلقي منها النصيب، وهو ثلاثة عشر، فيبقى سهمان هما للموصى له بالتكملة، فنلقيهما من ثلث المال، وهو عشرون تبقى ثمانية عشر، ندفع ثلثها إلى الموصى له الآخر، ونزيد الباقي وهو اثنا عشر على ثلثي المال فيبلغ اثنين وخمسين سهماً، بين أربعة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة عشر سهماً.
وهذه الصورة خارجة على الحساب، وفيها التردّد الفقهي الذي ذكرناه؛ فإن ذكر التكملة بالربع فاسدٌ في صيغته، والوصية الثانية فرعٌ على الأولى.
وقد نجز الغرض.
فصل
في الوصية بالتكملة مع الوصية بالنصيب
6780 - خمسة بنين، وقد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم ولآخر بنصيب أحدهم.
فوجهه من طريق الجبر أن نأخذ ثلث مال فنسقط منه نصيباً للموصى له بالنصيب.
وندفع الباقي من الثلث إلى الموصى له بالتكملة، فيبقى مع الورثة ثلثا المال، وقد خرجت الوصيتان واستغرقتا الثلث، فبقي ثلثا مال يعدل خمسة أنصباء فنبسط الجميع أثلاثاً، ونقلب العبارة، فيصير المال خمسةَ عشرَ، والنصيب سهمين.
وامتحانه أن نأخذ ثلث المال وهو خمسة، وندفع منها إلى الموصى له بالنصيب سهمين يبقى ثلاثة، وهي التكملة، فنسلمها إلى الموصى له بها، فيبقى ثلثا المال عشرة، فنقسمها بين خمسة بنين، لكل ابنٍ سهمان.

(10/157)


6781 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ثلث المال ديناراً ودرهماً، وندفع الدينار بالنصيب، والدرهم بالتكملة، فيبقى ثلثا المال ديناران ودرهمان في مقابلة خمسة أنصباء للبنين الخمسة، فنُسقط الدينارين بالدينارين، ونقسم الدرهمين على ثلاثة بنين، فيخص كلَّ واحد ثلثا درهم، فنتبيّن أن الدينار ثلثا درهم، فنعود ونقول: ثلث المال ثلثا درهم ودرهم، والثلثان ثلاثة دراهم وثلث، فالمجموع خمسة دراهم، نضربها في مخرج الثلث فيبلغ خمسة عشرَ، الثلث منها خمسة، وحصة الدينار درهمان منها، والباقي تكملة إلى تمام الثلث، فتبقى عشرة بين خمسة بنين.
ولا حاجة إلى استعمال الطرق المختلفة في هذا الفصل مع وضوح المقصود.
فصل
في الوصية بالتكملة إلا جزءاً مما بقي من المال
6782 - المثال: رجل له سبعة بنين وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا عشرَ الباقي من المال.
فطريق الجبر أن نأخذ ربعَ المال ونسلِّمه إلى الموصى له بالتكملة ونسترجع منه نصيباً يبقى ربعُ مال إلا نصيب وهو التكملة، فندفعها إلى الموصى له بالتكملة، ونزيد النصيب الذي استرجعناه على ثلاثة أرباع المال فمعنا ثلاثة أرباع مال ونصيب، فنسترجع من التكملة عشرَ مثل ذلك ونزيده، على هذا الباقي.
وهذا ينتظم من أربعين، لمكان الربع والعشر، وثلاثة الأرباع مع النصيب المسترجع من صاحب التكملة ثلاثون ونصيب، وعُشر ذلك ثلاثة وعُشر نصيب، فنسترد من صاحب التكملة ثلاثة وعُشر نصيب. فتبقى ثلاثة وثلاثون جزءاً من أربعين جزءاً ونصيب وعشر نصيب، تعدل سبعة أنصباء فنُسقط النصيب والعشر بمثله قصاصاً، فتبقى ثلاثة وثلاثون جزءاً في مقابلة خمسة أنصباء وتسعة أعشار نصيب، فنضرب الجميع في مخرج أجزاء المال، وهو أربعون فيصير المال مائتين وستة وثلاثين والنصيب ثلاثة وثلاثين.

(10/158)


الامتحان: نأخذ ربع المال وهو تسعة وخمسون، فنسقط منها نصيباً وهو ثلاثة وثلاثون، تبقى ستة وعشرون، وهي التكملة، نسقطها من المال تقديراً، تبقى مائتان وعشرة، فنسقط عشرها، وهو أحدٌ وعشرون من التكملة، تبقى منها خمسة، فهي الوصية، ندفعها إلى الموصى له، تبقى من المال مائتان وأحدٌ وثلاثون بين سبعة بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وثلاثون.
6783 - وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، فنجعل الدينار نصيباً، والتكملة درهماً فتدفع الدرهم بالتكملة، يبقى من المال أربعة دنانير وثلاثة دراهم، نسترجع عشرَها من التكملة، ونزيد المسترجع على الباقي من المال، فيبلغ أربعة دنانير وأربعة أعشار دينار، وثلاثة دراهم وثلاثة أعشار درهم.
هذا المبلغ يعدل سبعة دنانير أنصباء البنين، فنسقط الجنس بالجنس، فتبقى ديناران وستة أعشار دينار، تعدل ثلاثة دراهم وثلاثة أعشار درهم، فنبسطها أعشاراً فيصير الديناران وستة الأعشار ستة وعشرين، والدراهم ثلاثة وثلاثين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثلاثة وثلاثين وهي النصيب، والدرهم ستة وعشرين وهي التكملة.
وهاهنا تأمل على الناظر في الدينار والدرهم، فإنا جعلنا دينارين وستة أعشار ستة وعشرين، [وثلاثة دراهم] (1) وثلاثة أعشار ثلاثة وثلاثين، ثم قلبنا العبارة، ولم ننظر إلى قيمة درهم واحد، ولا إلى قيمة دينارٍ واحد، بل جعلنا ما خرج من العدد في مقابلة بسط الدرهم قيمة دينار واحد، وجعلنا ما خرج من بسط دينارين وستة أعشار دينار قيمة درهم واحد. وهكذا يقع الكلام في طريق الدينار والدرهم، إذا انتهى إلى مثل هذا المنتهى، وإنما نُجري هذا عند انقلاب العبارة، فيرجع الكلام إلى تقويم الجنسين، فما يقع عند قلب العبارة قيمة الدينار نجعله قيمة دينارٍ، وما يقع قيمة الدراهم نجعله قيمة درهمٍ، فطريق الدينار والدرهم قد تجري من غير احتياج إلى قلب العبارة، فحيث يقع كذلك، فنعتبر قيمة كلِّ دينارٍ على حياله، وإذا احتاجت طريقة الدينار والدرهم إلى العبارة، فقد وقعت في الجبر، وصارت عبارة الدينار والدرهم
__________
(1) عبارة الأصل: " ودرهم وثلاثة أعشار ".

(10/159)


مستعارة من حكم الجبر إذا قلبنا الاسم أن نجعل النصيب أجزاء والعددَ مالاً، والمالَ نصيباً.
وإذا وضح هذا، عدنا إلى مراسم الطريقة، قلنا: بأن الدينار ثلاثة وثلاثون، وهي النصيب والدرهم ستة وعشرون وهي التكملة وهما ربع المال، ومجموعهما تسعة وخمسون كما خرج بالعمل الأول.
6784 - طريقة القياس: إن الموصى له بالتكملة إذا أخذ وصيته ينبغي أن يبقى من المال عدد له عشر، وأقله عشرة، ثم نسترجع عشرَها من التكملة ونزيده على العشرة الباقية، فيبلغ أحدَ عشرَ، فنقسمها بين سبعة بنين، لكل واحدٍ منهم سهم وأربعة أسباع سهم، هذا هو النصيب، ونضيف التكملة فيصير المجموع سهمان ونصف وربعُ تكملة؛ فإنا نقدر المال تكملة وعَشَرة، هكذا وضعنا المسألة، إذا (1) قلنا: وصية هي التكملة وبعدها عشرة، فربع المال إذاً سهمان ونصف وربع التكملة، فنقابل ذلك بالتكملة، فبلغ تكملة بربع تكملة، ونقول عند ذلك: كنا ذكرنا أن الربع نصيب وتكملة، ثم بان أن النصيب سهم وأربعة أسباع سهم، فالآن سهمان ونصف وربع تكملة في مقابلة تكملة وسهم وأربعة أسباع سهم، فنلقي ربعَ تكملة بربع تكملة، ونلقي سهماً وأربعة أسباع بمثلها، فيبقى ثلاثة أرباع تكملة تعدل ثلاثة عشر جزءاً من أربعة عشر جزءاً من سهم واحد.
وقد ذكرنا تخريج أمثال هذا فيما تقدم، فحصل مخرج كل واحد منهما عدداً له ربع وسبع، وذلك ثمانية وعشرون جزءاً فيكون ثلاثة أرباع التكملة [أحداً وعشرين] (2) جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من واحد، وذلك يعدل ستة وعشرين جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من سهم، فنجعل الستة والعشرين قيمة التكملة، كما خرج بالعمل الأول.
__________
(1) إذا: يجوز استعمالها مكان إذ.
(2) في الأصل: " أحد عشر " وهو خطأ حسابي واضح.

(10/160)


فصل
في الوصية بالتكملة إلا جزءاً مما يبقى من جزء من المال
6785 - المثال: ترك رجل عشرة بنين وأوصى بتكملة ربع ماله بنصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث.
فطريقة [الجبر] (1) أن نأخذ ربع مال، ونلقي منه نصيباً، يبقى ربعُ مال إلا نصيباً، وهي التكملة، فنلقيها من الثلث، والثلث إذا ألقي منه الربع، يبقى منه نصفُ سدس، ولكنا لم نُلق من الثلث ربعاً مطلقاً، بل ألقينا منه ربعاً إلا [نصيباً] (2) فيبقى [نصفُ] (3) سدس ونصيب من الثلث، فنلقى [ثلث] (4) ذلك من التكملة، ولا بد من بسط العدد إلى ستة وثلاثين حتى نجد فيه ثُلثَ نصف سدس، فنلقي من التكملة جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال وثلث نصيب، وإنما كان كذلك لأن ثلث هذا المبلغ اثنا عشر، وربع المبلغ تسعة، وإذا حططنا التسعة بقي ثلاثة، فنستثني مثل ثلث هذا الباقي من التكملة، فتبقى التكملة ثمانية أجزاء من ستة وثلاثين جزءاً من المال إلا نصيباً وثلثَ نصيب، هذا هو الوصية، فنلقيها من المال، يبقى (5) ثمانيةٌ وعشرون جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من المال، ونصيب وثلث نصيب، وذلك يعدل عشرة أنصباء، نُسقط النصيب والثلث بمثله فتبقى ثمانية أنصباء وثلثا نصيب، ونبسط الجميع بأجزاء ستة وثلاثين، ونقلب الاسم فيهما، فنجعل المال ثلاثمائة واثني عشر، والنصيب ثمانية وعشرين.
والامتحان نأخذ ربع المال، وهو ثمانية وسبعون، فنلقي منها النصيب وهو
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: نصف.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: مثل. وهو تصحيف مضلل أرهقنا ساعات، والله المعين.
(5) في الأصل: يبقى المال ثمانية وعشرون جزءاً.

(10/161)


ثمانية وعشرون، فيبقى خمسون، فنلقيها من ثلث المال والثلث مائة وأربعة، تبقى أربعةٌ وخمسون وثلثها ثمانيةَ عشر، فنسترجع ثمانية عشر من التكملة يبقى منها اثنان وثلاثون سهماً هي الوصية، فنسقطها من المال، يبقى مائتان وثمانون بين عشرة بنين لكل واحد منهم ثمانية وعشرون.
6786 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل ربع المال ديناراً ودرهماً، النصيب دينار والتكملة درهم، فالمال أربعة دنانير وأربعة دراهم، فنأخذ ثلثَ (1) المال، وهو دينار وثلث دينار ودرهمٌ وثلثُ درهم، فنلقي منه التكملة يبقى دينار وثلث دينار، وثلث درهم، فنزيد عليه مثل الاستثناء (2) من التكملة، وذلك [تُسعُ درهم] (3)، وأربعة أتساع دينار، [ونزيد ذلك على ثلثي المال] (4) فيحصل معنا [أربعة دنانير] (5) وأربعة أتساع دينار وثلاثة دراهم وتُسع درهم، وذلك يعدل عشرة دنانير أنصباء البنين، فنلقي الجنس بالجنس، تبقى خمسة دنانير وخمسة أتساع دينار، تعدل ثلاثة فى دراهم وتُسع درهم، فنبسط الجميع أتساعاً، فيكون الدينار خمسين، والدرهم ثمانية وعشرين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثمانيةً وعشرين، وهو النصيب، والدرهم خمسين وهو التكملة، كما خرج بالعمل الأول.
__________
(1) في الأصل: فنأخذ ربعَ ثلث (بإقحام كلمة: ربع).
(2) في الأصل: مثل ثلث الاستثناء (بإقحام كلمة: ثلث).
(3) في الأصل: تسعة دراهم.
(4) ساقط من الأصل.
(5) في الأصل: فيحصل معنا دينار وأربعة أتساع.
وعبارة الأصل كانت هكذا: "فنزيد عليه مثل ثلث الاستثناء من التكملة، وذلك تسعة دراهم وأربعة أتساع دينار، فيحصل معنا دينار وأربعة أتساع دينار، وثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك يعدل ... إلخ" وفيها خرم، وإقحام، وخطأ. أجهدنا وأضنانا كشف ذلك، ولولا عون الله سبحانه ما أصبنا من ذلك شيئاً.

(10/162)


فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب وبجزءٍ مما بقي من المال
6787 - المثال: ترك رجل عشرة بنين، فأوصى لرجل بتكملة الثمن بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لثالث بثلث ما تبقى من المال بعد ذلك.
فطريقة الجبر: أن نأخذ ثُمن مال، ونلقي منه نصيباً، يبقى ثمن مال إلا نصيب، وذلك هو التكملة.
فندفع النصيب من الثمن، فإنا علمنا أن الثمن يجمع النصيبَ والتكملة، وقد أوصى بالنصيب والتكملة، فنصرف الثمن كله إلى الوصيتين، تبقى سبعة أثمان المال، فندفع ثلثَه إلى الموصى له الثالث، فيبقى [أربعةَ] (1) عشرَ جزءاً من أربعة وعشرين جزءاً من المال، واعتبرنا هذا المبلغ لاحتياجنا إلى الثمن، وإذا حُطّ ثمن الأربعة والعشرين وهو ثلاثة، وألقي من بعد ذلك ثُلثُ ما بقي، وهو أحدٌ وعشرون، فيبقى أربعةَ عشرَ، [تعدل أنصباء عشرة بنين] (2)، ثم نقلب العبارة، في الجانبين، فيصير المال مائتين وأربعين، والنصيب أربعة عشر.
الامتحان: نأخذ ثُمنَ المال، وهو ثلاثون، فندفع إلى الموصى له بالنصيب أربعة عشر سهماً، يبقى ستة عشر ندفعها بالتكملة إلى صاحب التكملة، فيذهب الثمن بها بين الوصيتين، يبقى من المال مائتان وعشرة، ندفع ثلثَها، وهو سبعون إلى الموصى له الثالث، يبقى من المال مائة وأربعون سهماً، بين البنين، لكل واحد منهم أربعة عشر سهماً.
ويتطرق إلى المسألة اختصارٌ من قبل أن الأنصباء مع الوصايا متفقة بالأنصاف، فيرد كل واحدة منهما إلى نصفها، فنرد المال إلى نصفه، فيكون المال مائة
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) ما بين المعقفين زيادة من المحقق.

(10/163)


وعشرون، والنصيب سبعة، والتكملة ثمانية، ووصية صاحب الثلث من الباقي خمسة وثلاثون.
فالوصايا بجملتها زائدة على الثلث، فإن أجازها الورثة، فالجواب ما ذكرناه، وإن لم يجيزوا الزائد على الثلث، جمعنا سهام الوصايا في طريق الاختصار عند تقدير الإجازة، وإذا هي خمسون سهماً، فنقسم الثلث بين أهل الوصايا على خمسين سهماً، لصاحب التكملة منها ثمانية ولصاحب النصيب منها سبعة ولصاحب ثلث الباقي منها خمسة وثلاثون، ويبقى ثلثا المال وهو مائة بين البنين على عشرة أسهم، فنزيد نصيب كل ابن لا محالة على ما أخرجناه إلى النصيب الموصى به.
وسبب ذلك ما دخل في الوصايا من النقصان بسبب الرد. ومهما اتفقت مسألةٌ مثل ذلك، فالوجه تخريجها على تقدير الإجازة، ثم إذا فرض ردٌّ، قسم الثلث بين الوصايا على نسبة الإجازة، ونجعل سهام الإجازة ثلثاً، وضعفها الثلثين، فإن انقسم الثلثان على الورثة من غير كسر، فذاك، وإن اتفق كسرٌ أزلناه بضرب الجميع في مخرج ذلك الكسر.
6788 - وحساب المسألة بطريق الخطأين: أن نجعل المال إن أردنا ستة عشر، ونأخذ ثُمنها سهمين، ونقدر النصيب واحداً، والتكملة واحداً، والباقي بعد النصيب والتكملة أربعة عشر، ندفع ثلثها إلى الموصى له الثالث، فيبقى تسعة وثلث، وكان من الواجب أن يكون الباقي عشرة ليأخذ كل ابن واحد مثل النصيب الذي قدرناه، فنقص ثُلثا سهم وهو الخطأ الأول وهو ناقص.
ثم نجعل المال أربعة وعشرين، ونأخذ ثمنها ثلاثة ونقدر النصيب اثنين، والتكملة واحداً، والباقي من المال أحدٌ وعشرون، ندفع ثلثها إلى الموصى له الثالث، يبقى أربعة عشر، وكان الواجب أن تبقى عشرون ليأخذ كلُّ ابن سهمين، مثلَ النصيب المفروض، فنقص ستة وهو الخطأ الثاني، وهو ناقص أيضاً، فنلقي من هذا الخطأ الأول [فيبقى خمسة وثلث، وهو المقسوم عليه، ونضرب المال الأول] (1) في الخطأ
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.

(10/164)


الثاني، والمال الثاني في الخطأ الأول، ونُلقي الأقلَّ من الأكثر، يبقى ثمانون نقسمها على خمسة وثلث، فيخرج خمسةَ عشرَ، فقل هو المال، ثم نضرب النصيب الأول في الخطأ الثاني والنصيب الثاني في الخطأ الأول، وتلقي الأقل من الأكثر، ونقسم الباقي على خمسة وثلث، فيخرج نصيب الواحد سبعة أثمان، فهي النصيب، ثم نبسط الجميع أثماناً، فيكون المال مائة وعشرين، والنصيب سبعة، كما خرج بالعمل الأول.
6789 - وطريق الدينار والدرهم: أن نجعل ثمن المال ديناراً ودرهماً، ونقول: النصيب دينار، والتكملة درهم، ونخرجهما بالوصيتين، فيبقى من المال سبعة دنانير وسبعة دراهم، فندفع ثلثها إلى الموصى له الثالث، يبقى أربعة دنانير وثلثا دينار، وأربعة دراهم، وثلثا درهم، تعدل عشرة دنانير، فنطرح الجنس بالجنس، فيبقى خمسة دنانير وثلث، تعدل أربعة دراهم وثلثي درهم، فنبسط الجميع أثلاثاً، ونقلب الاسم، كما تقدم ذلك في نظائر هذا، فيكون الدينار أربعة عشر، وهي النصيب، والدرهم ستة عشر، وهي التكملة، فقد كان المال ثمانية دنانير، وثمانية دراهم وهو إذن مائتان [وأربعون] (1) فاقتصر كما ذكرنا في طريق الجبر إذا تبينت التوافق بالأنصاف.
6790 - طريقة القياس: أن نقول: الباقي من المال بعد الوصايا كلِّها ينبغي أن يكون عدداً له عُشر؛ حتى ينقسم بين عشرة، وأقل ذلك عشرة؛ فنجعل الباقي من المال بعد الوصايا عَشرةَ أسهم، وقد علمنا أن الموصى له بثلث الباقي من المال بعد النصيب والتكملة يأخذ مثلَ نصف العشرة، فيجب أن يكون الباقي من المال بعد التكملة والنصيب خمس عشرَ سهماً، وعلمنا أيضاً أن نصيب كل ابن سهم واحد، على التقدير الذي ذكرناه. وقد أخذ الموصَى له بالنصيب سهماً، فنقول: يجب أن يكون المال مع النصيب الموصى به ستةَ عشرَ سهماً من غير أن نحسب التكملة، ثم نعود، فنقول: المال ستةَ عشرَ وتكملة؛ فإنا لم نحسب التكملة بالعدد في حساب، وثمن
__________
(1) سقطت من الأصل.

(10/165)


ذلك سهمان وثمن تكملة. وهذا يعدل سهماً وتكملة؛ فإنا قدّرنا النصيب سهماً، فنلقي الجنس بالجنس، يبقى سهم يعدل سبعة أثمان التكملة، فنقلب الاسم فيهما بعد أن نبسطهما أثماناً، فتكون التكملة ثمانية، والنصيب سبعة، وقد كان المال ستةَ عشرَ سهماً وتكملة، وبان بالتكسير أن التكملة سهم وسُبع، فردّ على الستة عشرَ واحداً وسبعاً، فيصير المال سبعة عشر [وسبعاً] (1)، فابسطها أسباعاً، فيصير المال مائة وعشرين، كما خرج بالطرق الأولى.
وبيان ما ذكرناه من التكسير أن أثمان التكملة إذا كانت تعدل سهماً، فالتكملة التامة تعدل سهماً وسبعاً لا محالة، ومضمون هذا الفصل سهل، ولكنا أردنا [أن] (2) نخرج الطرق لتدريب الناظر، فإن لم يتدرب في الجليات، لم ينتفع بالطرق في المشكلات.
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب وبجزءٍ مما بقي من جزءً من المال
6791 - المثال: رجل له عشرة بنين وأوصى بتكملة ثمن ماله بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بمثل نصيب أحدهم؛ وأوصى لثالث بثلث ما تبقى من الثلث.
فحساب المسألة بالجبر أن نُلقي ثمنَ المال بالنصيب والتكملة، تبقى سبعة أثمان المال فنطلب أولاً عدداً له ثمن وثلث، فإذا ألقي ثمنه من ثلثه، كان للباقي من الثلث ثلث، وذلك اثنان وسبعون، فنأخذ ثلثها أربعةً وعشرين، ونلقي منها الثمنَ بالتكملة والنصيب وثمن الاثنين والسبعين تسعة، وإذا ألقيناها من أربعة وعشرين، بقي خمسة عشر، فنلقي ثلثها بالوصية الثالثة فيبقى عشرة، نزيدها على ثلثي المال، فيبلغ ثمانية وخمسين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، وذلك يعدل عشرة أنصباء، فنبسط الجميع، بأجزاء اثنين وسبعين، فنقلب الاسم، فيكون المال سبعمائة وعشرين، والنصيب ثمانية وخمسين.
__________
(1) في الأصل: وتسعاً.
(2) زيادة من المحقق.

(10/166)


الامتحان: أن نأخد ثلث المال، وهو مائتان وأربعون، فنلقي منها بالتكملة والنصيب تسعين: النصيب منها ثمانية وخمسون، والتكملة اثنان وثلاثون، يبقى من الثلث مائة وخمسون، نلقي ثلثها خمسين بالوصية، تبقى منها مائة، نزيدها على ثلثي المال، فيبلغ خَمْسَمائة وثمانين، بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثمانية وخمسون، مثل النصيب. وهذه الأنصباء مع أصل المال متفقة بالأنصاف، فنرد المسألة إلى نصفها في كل جهةٍ اختصاراً، فيكون المال ثَلاثُمائة وستين، والنصيب تسعة وعشرين، والتكملة ستةَ عشرَ، والوصية الثالثة خمسة وعشرون.
6792 - وحساب المسألة بطريق [الندب] (1)، وقد بعد العهد بها: أن نطلب عدداً له ثمن وثلث، فإذا ألقي ثمنه من ثُلثه، كان الباقي منه ثلثاً صحيحاً (2)، وذلك اثنان وسبعون كما ذكرنا، فنلقي الثمن من ثلثه بالنصيب وبالتكملة، ونلقي ثلثَ الباقي منه، فيبقى عشرة نزيدها على ثلثي المال، فيكون ثمانية وخمسين، فهي تعدل كل سهم من سهام الفريضة، فنحفظها، ثم نرجع إلى أصل سهام الفريضة، وهي [عشرة] (3)، فنضربها في الاثنين والسبعين الذي جعلناه مثالاً، فيبلغ سبعَمائة وعشرين، فهي المال، ثم نضرب النصيب وهو ثمانية وخمسون في نصيب أحد البنين من أصل الفريضة وهو واحد، فيكون ثمانية وخمسين، فهي النصيب.
وطريق الاختصار تجيء في كل طريق أدَّت إلى البسط إذا أمكن الاختصار.
6793 - طريق الدينار والدرهم: أن نجعل المال ثمانية دنانير وثمانية دراهم، فنجعل النصيب ديناراً والتكملة درهماً، ثم نأخذ ثلث المال، وهو ديناران وثلثان ودرهمان وثلثان (4)، فنلقي منه الدينار والدرهم، يبقى دينار وثلثان، ودرهم وثلثان، فنلقي ثلث ذلك بالوصية الثالثة، وذلك خمسة أتساع دينار، وخمسة أتساع
__________
(1) في الأصل: " الباب " وسبق أن سماها طريقة (الندب)، فأي اللفظين هو الصحيح وأيهما المحرف؟؟ لم أجد مصدراً في هذا الفن نرجع إليه.
(2) في الأصل: ثلث صحيح.
(3) في الأصل: عُشرها.
(4) عبارة الأصل: وهو دينار وثلثان، فنلقي منه ... إلخ. والزيادة والتصويب من المحقق.

(10/167)


درهم، يبقى دينار وتسع ودرهم وتسع، نزيده على ثلثي المال وهو خمسة دنانير وثلث وخمسة دراهم وثلث، فيبلغ ستة دنانير وأربعة أتساع، وستة دراهم وأربعة أتساع، وذلك كله يعدل عشرة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس يبقى ثلاثة دنانير وخمسةُ أتساع دينار تعدل ستةَ دراهم وأربعةَ أتساع درهم، فابسطها أتساعاً تكون الدنانير اثنين وثلاثين والدراهم ثمانية وخمسين، فاقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار وهو النصيب ثمانية وخمسين، فالدرهم وهو التكملة اثنين وثلاثين، ومجموعهما ثمن المال، فهما إذاً [تسعون] (1)، والمال سَبعُمائة وعشرون.
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب إلا جزءاً مما بقي من المال
6794 - مضمون الفصل الجمع بين الوصية بالتكملة وبالنصيب مع استثناء جزءٍ من النصيب، والجزء مما تبقى من المال.
المثال: عشرة بنين وقد أوصى بتكملة الثمن بنصيب أحدهم، ولآخر بمثل نصيب أحدهم إلا عشرَ ما بقي من المال.
الحساب بالجبر: أن ندفع ثمن المال بالنصيب والتكملة، ونسترجع بالنصيب (2) مثل عشر الباقي، ونقدر المال ثمانين، حتى إذا أخرجنا الثمنَ، كان [للباقي عُشرٌ] (3) فنُخرج عُشرَه، ونسترجع الباقي. وهو سبعون وعُشرُها سبعة، فمجموع المال بعد إخراج النصيب والاسترجاع منه سبعة وسبعون جزءاً من ثمانين جزءاً من المال، وذلك يعدل عشرة أنصباء، فنبسطهما بأجزاء الثمانين، ونقلب الاسم فيهما، فيكون المال ثمانمائة، والنصيب سبعة وسبعين.
الامتحان: نأخذ ثمن المال وهو مائة، ونلقي منها النصيب، يبقى ثلاثةٌ وعشرون، وهي التكملة، فندفع التكملة إلى صاحبها، وندفع النصيب إلى الموصى
__________
(1) في الأصل: سبعون.
(2) كذا. والمعنى: من النصيب.
(3) في الأصل: كان الباقي عشرة.

(10/168)


له، ونسترجع عشر الباقي والباقي سَبعُ مائة، وعُشرها سبعون، يتبقى لصاحب النصيب سبعة أسهم هي وصيته، فالوصيتان إذاً ثلاثون سهماً، نُسقطها من المال وهو ثَمانمائة، يبقى سَبعُمائة وسبعون بين عشرة بنين، فلكل واحد منهم سبعة وسبعون.
6795 - طريقة الدينار والدرهم: نجعل ثمنَ المال ديناراً ودرهماً، للنصيب دينار، والتكملة درهم، ونسترجع من الدينار مثلَ عُشر الباقي، ونزيده على الباقي من المال، والمسترجع من الدينار المخرج بالنصيب سبعة أعشار دينار وسبعة أعشار درهم، وذلك يعدل عشرة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس، يتبقى ديناران وثلاثة أعشار دينار، تعدل سبعة دراهم وسبعة أعشار درهم، فنبسطها أعشاراً، ثم نقلب الاسم فيهما، فيصير الدينار سبعة وسبعين، وهي النصيب، والدرهم [ثلاثة وعشرون] (1) وهي التكملة، وهما جميعاً ثمن المال، وذلك مائة، والمال ثَمانُمائة كما تقدم.
6796 - طريقة الباب: أن نطلب عدداً له ثمن، وللباقي منه بعد الثمن عُشر، وذلك ثمانون، فندفع ثمنَها للنصيب والتكملة، ونسترجع من النصيب عُشر الباقي، وهو سَبعة، [فنضمها إلى ما بقي بعد الثمن] (2)، فيبلغ سبعة وسبعين، فذاك يعدل كلَّ سهم من سهام الفريضة، ثم نقيم سهام الفريضة وهي عشرة، فنضربها فيما جعلناه مثالاً للمال، وهو ثمانون، فيبلغ ثَمانمائة، فهي المال، ثم نضرب نصيب كلِّ ابن من العشرة، وهو واحد فيما كان يعدل كل سهم من سهام الفريضة، فيردّ ضرب الواحد في [السبعة] (3) والسبعين سبعة وسبعين.
6797 - وحساب المسألة بطريق القياس: أن نقدِّر المالَ في وضع المسألة ثمانين على القياس المقدم في الطرق، فإنا نقول: إذا ذهب الثمن بالنصيب والتكملة، وجب أن يكون الباقي عدداً له سبع صحيح وعشر، فنجعله سبعين، وزد عليها عُشرَها فيصير سبعة وسبعين، وهي بين عشرة بنين لكل واحد منهم سهم وسبعة أعشار سهم، هذا
__________
(1) في الأصل: ثلاثة عشر.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.
(3) في الأصل: الستة. وهو خطأ واضح.

(10/169)


هو النصيب، فنعود ونجعل النصيب سبعة أسهم وسبعة أعشار سهم، والباقي إلى تمام العشرة [سهمان] (1) وثلاثة أعشار سهم، هي التكملة فنبسطها أعشاراً فيكون النصيب سبعة وسبعين والتكملة ثلاثة [وعشرون] (2) كما تقدم.
فصل
في الوصية بالتكملة وبالنصيب إلا جزءاً مما تبقى من جزء من المال
6798 - المثال: عشرة بنين وقد أوصى بتكملة الثمن بنصيب أحدهم، وأوصى لآخر بمثل نصيب إلاثلث ما تبقى من الثلث.
فحساب المسألة بطريق الجبر: أن نأخذ ثمن المال للتكملة [و] (3) النصيب، ثم نأخذ ثلث المال بعد ذلك ونلقي منه الثمن، ونسترجع من النصيب مثل ثلث الباقي من الثلث بعد إلقاء الثمن.
[فنأخذ] (4) عدداً إذا ألقي منه الثمن، كان [للباقي] (5) منه ثلث، فعلى هذا التقدير المال اثنان وسبعون والثلث أربعة وعشرون، وإذا ألقينا منه ثمنَ المال وهو تسعة، بقي خمسةَ عشرَ، فزد عليها ثلثها لأجل الاستثناء، تبلغ عشرين، فنزيده على ثلثي المال، فيصير المجموع ثمانية وستين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال يعدل عشرة أنصباء، فاضرب الجميع في اثنين وسبعين، فاقلب العبارة والاسم فيهما، فيصير المال سَبع مائة وعشرين، والنصيب ثمانية وستين.
الامتحان: نأخذ ثمن المال وهو تسعون، ندفع منها نصيباً، وهو ثمانية وستون، الباقي اثنان وعشرون، وهي التكملة، ثم نلقي هذا الثمن من ثلث المال وثلث المال
__________
(1) في الأصل: سهم.
(2) سقطت من الأصل.
(3) في الأصل: أو.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: الباقي. وقد تكرر هذا في مسائل كثيرة، هو خللٌ يسير في الشكل ولكنه بعيد الأثر والخطر.

(10/170)


مائتان وأربعون، فإذا حططنا منها الثمن، وهو تسعون، تبقى مائة وخمسون، نسترجع منها ثلثها وهو خمسون، [ونطرحه] (1) من النصيب، يبقى لصاحب النصيب ثمانية عشر سهماً وهي وصيته، فالوصيتان جميعاً أربعون سهماً، نلقيها من المال يبقى ستمائة وثمانون بين عشرة بنين، لكل واحد منهم ثمانية وستون.
وهذه الأنصباء مع الوصيتين متفقة بالأنصاف، فنرد كلَّ واحد منهما إلى نصفها اختصاراً، وتصح المسألة من ثَلاثمائة وستين. النصيب أربعة وثلاثون، والتكملة [أحدَ] (2) عشر، ووصية صاحب النصيب بعد الاسترجاع منه تسعة أسهم.
6799 - طريقة الباب: أن نطلب عدداً له ثمن وثلث، وإذا ألقي ثمنه من ثلثه، كان للباقي من الثلث ثلث، وذلك اثنان وسبعون، فنأخذ ثلثه: أربعة وعشرين، ونلقي منه ثمن المال، وهو تسعة تبقى خمسة عشر، فنزيد عليها مثل ثلثها؛ من جهة الاستثناء، فيبلغ عشرين، فنزيدها على ثلثي المال وهو ثمانية وأربعون، فيبلغ ثمانية وستين، وهي تعدل كل سهم من سهام الفريضة، ثم نقول: أصل فريضة البنين عشرة، فنضربه فيما جعلناه مثالاً للمال، وهو اثنان وسبعون، فيصير المال سَبع مائة وعشرين، ونضرب نصيب كل ابن فيما يعدل كلَّ سهم، وذلك ثمانية وستون، فيرد هذا المبلغ؛ فإن نصيب كل ابن واحدٌ، [وتلتقي] (3) الطرقُ بعد هذا في الامتحان، وطريق الاختصار.
6800 - وحساب المسألة بطريق القياس: أن نقول: ثمن المال نصيب وتكملة في وضع المسألة، والباقي سبعة أثمان المال يجب أن يزاد عليها لأجل الاستثناء ثلث ما بين الثلث والثمن، وذلك خمسة أجزاء من اثنين وسبعين جزءاً من المال، فيكون الباقي من المال بعد الوصيتين ثمانية وستين جزءاً من اثنين وسبعين، فنقسم الثمانية والستين على عشرة بنين، لكل واحد منهم ستة وثمانية أعشار، فهذا هو النصيب،
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: أربعة.
(3) في الأصل: ونلقي.

(10/171)


والباقي إلى تمام التسعة، وهي ثمن المال اثنان [وعُشْران] (1) وهي التكملة، فنبسطها أعشاراً فيكون النصيب ثمانية وستين والتكملة اثنين وعشرين، والمجموع تسعون، وهي ثمن المال، فالمال إذاً سَبعُمائة وعشرون.
6801 - ونقول في طريق الدينار والدرهم: ثمن المال دينار ودرهم: النصيب دينار، والتكملة درهم، ثم نأخذ ثلث المال، وهو ديناران وثلثا دينار ودرهمان وثلثا درهم، فنلقي منه النصيب والتكملة، يبقى دينار وثلثا دينار ودرهم وثلثا درهم، فنزيد عليه مثلَ ثلثه استثناء من النصيب، وذلك خمسة أتساع دينار وخمسة أتساع درهم، فيبلغ دينارين وتسعي دينار، ودرهمين وتسعي درهم، فنزيده على ثلثي المال، فيبلغ سبعة دنانير وخمسة أتساع دينار، وسبعة دراهم وخمسة أتساع درهم، وذلك يعدل عشرة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس يبقى ديناران وأربعة أتساع دينار تعدل سبعة دراهم وخمسة أتساع درهم، فنبسطها أتساعاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثمانية وستين، والدرهم اثنين وعشرين، وتلتقي الطرق بعد ذلك.
فصل
في الوصية بالنصيب إلا التكملة
6802 - المثال: رجل له خمسة بنين، فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا تكملة الثلث بنصيب أحدهم.
فحساب المسألة بطريق الجبر: أن ندفع إلى الموصى له نصيباً، ونسترجع من النصيب تكملة [الثلث] (2)، والعبارة عن تكملة الثلث أن نقول: نُخرج نصيباً، ونسترجع ثلث مال إلا نصيباً. هذا هو العبارة عن التكملة، ثم العبارة في مراسم الجبر فيها أدنى تفرع من هذه المسألة، ولكنها جارية على قواعد الجبر، ثم هي خارجة على التحقيق، مُفضية إلى الصواب.
__________
(1) في الأصل: وعِشرون. وهو خطأ كبير.
(2) في الأصل: الثلثين.

(10/172)


فنقول إذاً: [نقدّر] (1) نصيباً ونستثني منه ثلثَ مال إلا نصيباً، فيحصل للوصية نصيبان إلا ثلث مال، وقد يقول المبتدىء: كان الوصيةُ نصيباً، فاستثنيا منه، والاستثناء إسقاط، فكيف صار بعد الإسقاط نصيب، فنقول: هذا أولاً خارجٌ على عبارات الجبر؛ فإنا استثنينا من النصيب ثلثاً إلا نصيباً، فالنصيب مستثنىً من الثلث، فإذا أضفنا ذلك إلى النصيب المخرج، كان النصيب المنفي عن الثلث مثبتاً في جانب الوصية، فالذي يقتضيه هذا اللفظ أن نثبت في جانب الوصية نصيباً، ثم نتلفظ به أولاً. هذا حكم اللفظ في مسالك الجبر، وإذا رُدَّ الأمرُ إلى التحقيق، يستبين عند نجاز الطريقة أن نصيباً واحداً الاستثناء منه أكثرُ (2) من نصيبين مع استثناء ثلث المال منهما.
فنعود بعد هذا التنبيه، ونقول: نخرج نصيباً ونستثني منه ثلثاً إلا نصيباً، فيحصل معنا نصيبان إلا ثلث مال، وهو الوصية، ونسقطه من المال، [وإذا] (3) أسقطنا نصيبين إلا ثلث مال من مال، فيبقى معنا مال وثلث مال إلا نصيبين؛ فإن كل مذكور فيه استثناء إذا أضيف إلى غيره، يصير المنفي في المضاف إليه إثباتاً (4)، فإذاً معنا مال وثلث مال إلا نصيبين، وذلك يعدل خمسة أنصباء، فنجبر المال بالنصيبين، فيكون مال وثلث مال [يعدل سبعة] (5) أنصباء؛ فإن الأنصباء كانت خمسة، فلما جبرنا المال بنصيبين، زدنا على الأنصباء نصيبين، وابسط الجميع أثلاثاً، واقلب الاسم فيهما، فيكون المال أحداً وعشرين، والنصيب أربعة.
الامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو سبعة، فندفع منها نصيباً، وهو أربعة أسهم
__________
(1) في الأصل: تقرر.
(2) كذا والعبارة فيها اضطراب، والمعنى -فيما نقدّر- أن استثناء التكملة من نصيب واحد يساوي استثناء الثلث من نصيبين، كما ظهر في نتيجة المسألة، فالنصيبان ثمانية، والثلث سبعة، فإذا استثنيناه من الثمانية بقي واحدٌ وهو الوصية، وهكذا الحال إذا استثنينا التكملة وهي (ثلاثة) من النصيب الواحد يبقى (واحدٌ) أيضاً.
(3) في الأصل: وإلا.
(4) كذا. ولعلها: مثبتاً.
(5) في الأصل: معاً ولا تسعة.

(10/173)


إلى الموصى له بالنصيب، ونسترجع منه فَضْلَ ما بين الثلث والنصيب، وذلك ثلاثةُ أسهم، يبقى منه سهم واحد، وهو وصيته، نُسقطه من المال، يبقى عشرون بين البنين، على خمسة: لكل واحدٍ منهم أربعة، وهو النصيب الذي خرج.
6803 - حساب المسألة بطريق الدينار والدرهم: أن نجعل ثلثَ المال ديناراً ودرهماً، ونجعل النصيب ديناراً، فندفعه إلى الموصى له، ونسترجع منه درهماً؛ لأن التكملة درهم، يبقى من الثلث درهمان: درهم قدرناه مع الدينار، ودرهم استرجعناه من الدينار، فنزيدهما على ثلثي المال، فيبلغ دينارين وأربعة دراهم، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي خمسة دنانير، فنلقي الجنس بالجنس، تبقى ثلاثة دنانير تعدل أربعة دراهم، فنقلب الاسم في الجنسين، فنجعل الدينار أربعة، وهي النصيب، والدرهم ثلاثة وهي التكملة، فالثلث سبعة، والمال أحدٌ وعشرون، كما خرج بطريق الجبر.
فصل
في الوصية بالتكملتين
6804 - رجل له خمسة بنين وبنت، فأوصى لرجل بتكملة ثلث مال بنصيب ابن، وأوصى لآخر بتكملة سدس مال بنصيب البنت.
فنأخذ في مسلك الجبر مالاً، وننقص منه الوصيتين، وإحدى الوصيتين ثلث مال إلا [نصيبين] (1)، لأن لكل ابن في فريضة الميراث سهمان، وكل سهم نصيبٌ في العبارة؛ فإذاً هذه الوصية ثلث مال إلا نصيبين، والوصيةُ الثانية سدس مال إلا نصيب؛ لأن حصة البنت سهم واحد، وإذا استثنينا الوصيتين كذلك من المال، بقي معنا نصف مال، وثلاثة أنصباء؛ فإن [ما ننفيه] (2) في الاستثناء إثبات في المستثنى [منه] (3)، وما نثبته في
__________
(1) في الأصل: وصيتين.
(2) في الأصل " ما نبقيه ".
(3) زيادة من المحقق.

(10/174)


الاستثناء نفيٌ عن المستثنى عنه، وقد أثبتنا ثلثاً وسدساً في الاستثناء، ومجموعهما نصف المال، فنفيناه في العبارة عن المستثنى عنه، وذكرنا في الاستثناء نَفْيَ ثلاثة أنصباء، فأثبتناها في المستثنى عنه، فبقي إذاً معنا نصف مال وثلاثة أنصباء تعدل أنصباء الورثة، وهي أحدَ عشر نصيباً، هذه فريضة الميراث، فنسقط الجنس بالجنس، يبقى نصف مال يعدل ثمانية أنصباء، فالمال كله يعدل ستة عشر سهماً، ولكن لا سدس [لها] (1) ولا ثلث ولها نصف، وإذا ضربنا ذلك في ثلاثة، فيكون لمبلغها ثلث وسدس، فيبلغ ثمانيةً وأربعين، فهي المال، فيصير كل نصيب ثلاثة بالضرب في مخرج الثلث.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو ستة عشر، ونسقط منه نصيبين يبقى عشرة، فهي وصية الأول؛ فإن العشرة تكملة الثلث، ثم نأخذ سدس المال ثمانية، ونلقي منها نصيبَ البنت، وهو ثلاثة، يبقى خمسة، وهي وصية الثاني، فإنها تكملة السدس، والوصيتين جميعاً خمسةَ عشرَ، فأسقطهما من المال، تبقى ثلاثة وثلاثون سهماً، بين خمسة بنين وبنت، للذكر مثل حظ الأنثيين: لكل ابن ستة وللبنت ثلاثة.
ولو كانت المسألة بحالها، فأوصى معهما لآخر بثمن ما تبقى من ثلثه، فخذ ثلث المال، وانقص منه تكملة الثلث، وهي ثلث مال إلا نصيب ابن، وهو في الحقيقة نصيبان، كما ذكرنا، وانقص منه أيضاً تكملة السدس، وهي سدس مال إلا نصيب البنت، وهو سهم واحد، تبقى ثلاثة أنصباء إلا سدس مال، هذا هو الباقي من الثلث، فادفع ثمنه إلى الموصى له الثالث، وذلك ثلاثة أثمان نصيب إلا ثمن سدس مال، يبقى نصيبان وخمسة أثمان نصيب إلا سبعة [أثمان] (2) سدس مال، فنزيده على ثلثي المال، فيكون خمسة وعشرين (3) جزءاً من ثمانية وأربعين جزءاً من مال ونصيبين
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) جاءت الـ (خمسة وعشرين) من جَبْر المسألة، حيث كانت هكذا: 5/ 8 2 نصيب - 7/ 8 سدس مال. ومعلوم أن سبعة أثمان السدس تساوي 7/ 48، ومعلومٌ كذلك أن 2/ 3 المال يساوي 32/ 48، فتصبح المسألة هكذا 5/ 8 2 نصيب - 7/ 48 + 32/ 48 فبعد إسقاط الناقص من الزائد تصير: 5/ 8 2 نصيب + 25/ 48 = 11 نصيباً.

(10/175)


وخمسة أثمان نصيب، تعدل أحدَ عشرَ نصيباً، فنسقط الجنس بالجنس، ونضرب الجميع في مخرج أجزاء المال، وهي ثمانية وأربعون، ونقلب الاسم فيهما، يصير المال أربع مائة واثنين، والنصيب خمسة وعشرين، ولم نبسط القول في البيان؛ فإن من انتهى إلى هذا الموضع وتكررت عليه المسائل، لم يخف عليه هذا.
والامتحان: نأخذ ثلث المال وهو مائة وأربعة وثلاثون، ونلقي منها نصيب الابن وهو خمسون، وله سهمان كل سهم خمسة وعشرون، فتبقى أربعة وثمانون: هي وصية صاحب تكملة الثلث.
ثم نأخذ سدس المال، وهو سبعة وستون، ونلقي منها نصيبَ البنت، وهو خمسة وعشرون، يبقى اثنان وأربعون هي وصية صاحب تكملة السدس، فالوصيتان جميعاً تبلغ مائة وستة وعشرين، أسقطها من ثلث المال، وهي مائة وأربعة وثلاثون تبقى من الثلث ثمانية أسهم، فندفع ثمنها وهو سهم واحد إلى الموصى له الثالث، تبقى سبعة أسهم، فنزيدها على ثلثي المال، وهو مائتان وثمانية وستون، فيصير مائتين وخمسة وسبعين، بين خمسة بنين وبنت، لكل ابن خمسون، وللبنت خمسة وعشرون.
فصل
في الوصية بالتكملة واستثناء تكملة أخرى منها.
6805 - المثال: أربعة بنين وقد أوصى بتكملة ثلث مال بنصيب أحدهم إلا تكملة ربع ماله بالنصيب.
فنأخذ ثلث مال وننقص منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، وهذا تكملة الثلث، فاحفظها ثم خذ ربعَ مال، وانقص منه نصيباً، يبقى ربعُ مال إلا نصيباً، هذه تكملة الربع، فانقصها من تكملة الثلث، وهو ثلث مال إلا نصيب، فيبقى نصف سدس مال، ونسقط الاستثناء جرياً على ما مهدناه، من أن النفي إذا أضيف إلى المستثنى عنه صار إثباتاً، فيثبت نصيب بسبب إضافة ربع مال إلا نصيب إلى ثلث مال إلا نصيب، فنجبر ما في ثلث المال من استثناء النصيب بما اقتضته الإضافة من إثبات

(10/176)


النصيب، فيبقى نصف سدس مال، فنسقطه من المال، فيبقى أحد عشر جزءاً من اثني عشر جزءاً من مال يعدل أربعة أنصباء، فاضرب الجميع في مخرج أجزاء المال، وهي اثني عشر واقلب الاسم فيهما، فيصير المال ثمانية وأربعين، والنصيب أحد عشر.
وامتحانه: أن نأخذ ثلث المال وهو ستةَ عشرَ، ونلقي منها النصيبَ، وهو أحد عشر يبقى خمسة، فاحفظها، ثم نأخذ ربع المال، وهو اثنا عشر ونلقي منها النصيبَ، وهو أحد عشرَ، يبقى واحد، وهو تكملة الربع، فأسقط هذه التكملة من التكملة المحفوظة، تبقى أربعة، وهي الوصية وهي مثل نصف سدس المال، فأسقطها من المال، وهو ثمانية وأربعون، تبقى أربعة وأربعون بين أربعة بنين، لكل واحد منهم أحدَ عشرَ.
وإن كانت المسألة بحالها، فانضمَّ إليها أنه أوصى أيضاً لآخر بثلث ما تبقّى من ثُلثه، فخذ ثلث المال وانقص منه نصيباً تبقى ثلث مال إلا نصيباً هذه تكملة الثلث، وانقص منه تكملة الربع، وهو ربع مال إلا نصيباً يبقى نصف سدس مال، فانقصه من الثلث، يبقى ربع مال، فادفع ثلثه إلى الموصى له الثاني، يبقى من الثلث سدس مال، وكل واحدة من الوصيتين، نصف سدس، والوصيتان سدس مال، والباقي من المال بعدهما خمسة أسداس مال يعدل أربعة أنصباء، فابسطها أسداساً، واقلب الاسم فيهما فيكون المال أربعةً وعشرين، والنصيب خمسة.
ثم نأخذ الثلث ثمانية ونلقي منها النصيب، يبقى ثلاثة، فهي تكملة الثلث بالنصيب، فنسقط منها تكملةَ الربع، والربع ستةٌ، والنصيب منها خمسة، وتكملة الربع سهم، فأسقط تكملة الربع من تكملة الثلث يبقى اثنان، وهو وصية الأول، فأسقطها من ثلث (1) المال وهو ثمانية، تبقى ستة، فادفع ثلثَها، وهو أيضاً سهمان إلى الموصى له الثاني، تبقى أربعة فردها على ثلثي المال، وهو ستة عشر فيبلغ عشرين، فهو بين أربعة لكل واحد منهم خمسة، وهي النصيب الخارج.
__________
(1) في الأصل: ثلثي.

(10/177)


وقد أطلقنا [القول] (1) في هذه الأبواب تعويلاً [على] (2) فهم الفاهم، فأما ذكرنا أجزاءَ بعد وصايا، وذكرنا استثناءً بعد وصايا، ولم (3) نتعرض للنصيب والوصية، وفرّعنا على المذهب الظاهر في أن المطلق محمول على الوصية، فليتبين الناظر ذلك.
وقد نجز القول في فصول التكملة [وما] (4) يتعلق بها.

القول في الوصايا المشتملة على الجذور والكعاب
6806 - جمع الحُسّاب في هذه المقالة فصولاً وضعيّة (5)، وخرّجوها على طريق الحساب، وطلبوا في بعضها تصحيحَ المسألة من عددٍ صحيح، يشمل الوصايا وفرائض الورثة، وقد يخرجوها (6) إذا دقّ الحساب من الكسور اكتفاءً بها، ولم يتعرضوا لحظ الفقه منها، وطردوها طردَ من لا يبغي إلا الحساب، وقد قضّيت العجب في مجاريها من الأستاذ أبي منصور؛ فإنه كان جمع إلى الإمامة في الحساب حُظوة صالحة في نقل مذاهب الفقهاء، وقد تفطن لدقائق فقهية في خَلَلِ الطرق الحسابية، وقدمنا بعضها فيما سبق من الأبواب، حتى إنه فصّل ما لم يتعرض الفقهاء لتفصيله، ولا بد من تفصيله، وهو كفَرْقه بين الوصية بجزءٍ بعد النصيب، وبين الوصية بجزء بعد الوصية، وبين الإطلاق، وقد ذكرتُ ذلك، وأوضحتُ أنه لا يطلع على حقيقة [هذه] (7) الأبواب من لم يحط بها.
ثم إنه مع قدره العليّ [عمي] (8) عن أصلٍ عظيم في فقه الوصايا، وأخذ يتتبع وضع
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: في.
(3) جواب (أما) بدون الفاء، وهي لغة كوفيّة، كما أشرنا مراراً.
(4) في الأصل: "ومما".
(5) وضعية: أي تقديرية افتراضية.
(6) كذا بحذف نون الرفع تخفيفاً، وهو ثابتٌ في الكلام الفصيح نثره ونظمه، وعليه شواهد من صحيح البخاري. (ر. شواهد التوضيح والتصحيح: 228).
(7) زيادة من المحقق.
(8) في الأصل: عمل.

(10/178)


الحُسَّاب اتّباعَ من لا يكترث بالفقه، ولا يجعله من باله، والظن به وكل من يرجعُ إلى حاصلٍ في الفقه حملُ فصول هذه المقالة على وضعٍ وتقديرٍ من جهة السائل، كما سنصفه، إن شاء الله تعالى.
6807 - ونحن لا نجد بداً من ذكر قاعدة في الفقه نُصدِّر المقالةَ بها، ثم نرجع إلى مسالك الحساب، ونبيّن وضعَها في الوضع، وما يفتقر إليها [الجري] (1) على المسائل الفقهية، ونخرج عما [يتفاوض] (2) به الحُسَّاب.
6808 - فنقول: الخائض في هذه المقالة ينبغي أن يكون على ذُكره أصلان من فقه الوصايا: أحدهما - أنه إذا أوصى [رجل] (3) بوصية، وكانت متردِّدة بين الصحة والفساد، فهي محمولةٌ على الصحة، ومن شواهد ذلك أن من أوصى بطبلٍ من طبوله، وكانت له طبول تجري مجرى المعازف [كالكوبة] (4)، فلا تصح الوصية بها، كما لا تصح الوصية بالمعازف، ولو قيل الوصية بطبل الحرب، لصحت. فإذا أطلق الوصيةَ، فهي مترددةٌ من جهة اللفظ واللسان بين الفساد والصحة، فهي محمولة على الصحة، وهذا متعلق [أصحاب] (5) أبي حنيفة في مسألة مُدّ عجوة، ومعتمدنا ومرجوعنا في ذلك أن الوصية تصح مع التردد في جهات الصحة، والبيع لا يصح مع الترديد في جهات الصحة، فكيف يصح الترديد في جهة الصحة والفساد؟ فهذا هو الذي قطعنا به البيع عن الوصايا.
وإلا، فلسنا ننكر أن ما يقبل الترديد في وضعه إذا تردد بين الصحة والفساد، حُمل على الصحة؛ فإن من يُطلق عقداً يبغي تصحيحَه، فلا يُحمل لفظُ ذي جِدّ مُطْلِقٍ عقداً شرعياً على غير الصحة، إذا أمكنت الصحة.
__________
(1) في الأصل: التجري.
(2) في الأصل: يتعاوض (بالعين).
(3) في الأصل: لرجل. (ولا معنى لزيادة اللام هذه).
(4) " الكوبة " الطبل الصغير المخصَّر. (المصباح).
(5) في الأصل: بأصحاب.

(10/179)


6809 - واختلف قول الشافعي رضي الله عنه في أصلٍ، نشير إليه، ونستقصيه في موضعه، إن شاء الله تعالى، وهو أن من أوصى بثلثٍ من دارٍ، ولم يقل: أوصيت بالثلث الذي لي منها، وكان لا يملك من الدار إلا ثلثَها، فهل تنزل الوصية على جميع ثلثِه، أم تُقدّر مضافةً إلى الثلث الشائع مما يملك ومما لا يملك؟ حتى لا تصح الوصية إلا في ثلث الثلث؛ فإن له من كل ثلث من الدار ثلثاً.
هذا فيه اختلافُ قولٍ.
وقد ذكرنا ترددَ الأصحاب في [مثله] (1) لو عَرَضَ في البيع، فمن يرى تنزيل الوصية على الثلث المملوك، يعتمد ما مهدناه من حمل الوصية على الصحة إذا ترددت بين جهة الصحة، وبين الفساد.
ومن أشاع الثلث، تمسك بموجب اللفظ، واكتفى باكتفاء الوصية بالثلث؛ فإنها تصح في ذلك الجزء ولا تبطل رأساً.
هذا قولنا في أصل الوصية، وهو أحد الأمرين اللذين رأينا إجراءهما في الذكر في فصول هذه المقالة؛ حتى لا [يبتدر] (2) الناظر إلى إبطال الوصية إذا عنّت له مسألة مردّدةٌ بين الصحة والفساد.
6810 - والأصل الثاني: إذا جرى في لفظ الموصي (3) لفظ يتردد بين القليل والكثير، فهو محمول عند الشافعي رضي الله عنه على الأقل، ومن أصله في ذلك، تركُ المبالاة بما يُجريه الفقهاء من ألفاظهم، ولا يحمل عليه الألفاظَ المطلقةَ في الوصايا.
6811 - وبيان ذلك أن الوصية بالسهم المطلق لا تحمل على سهمٍ من سهام فريضة ميراث الموصي، وإن ساغ هذا اللفظ في تفاوض الفقهاء.
__________
(1) في الأصل: في مثل.
(2) في الأصل: يتبدل.
(3) في الأصل: الموصى له.

(10/180)


وكذلك إذا أوصى لإنسان بنصيبٍ، فقد يَسيغ (1) في ألفاظ الفقهاء ذكر النصيب على إرادة حظِّ بعض الورثة، ولكن لا مبالاة بذلك عند الشافعي، كالوصية بالسهم والنصيب، كالوصية بالشيء المطلق، أو كالوصية بمال.
والوصايا في ألفاظها في هذا المساق تجري مجرى الأقارير، وقد مهدنا أصلَ المذهب في الألفاظ التي يُطلقها المقرون، وبيّنا أنها محمولةٌ على الأقل.
6812 - فقد خرج من هذا الضبط أنا لا نعطِّل لفظَ الموصي، ولكنا لا نحكم بحمله على مقدارٍ مع صلاحه لما دونه.
6813 - وهذا الذي ذكرناه يأتي مشروحاً، إن شاء الله عز وجل، فقد انقضى [غرضُ] (2) الكتاب [ولم ينقض] (3) الحساب، ولكنا ذكرنا مقدار الحاجة؛ حتى نُخرّج عليه ما أطلقه الحُسّاب في مسائل هذه المقالة.
والوجه أن نَجري على المراسم المقدّمة في الحساب، فنذكر المقاصد في فصولٍ، ثم نصدّر كلَّ فصلٍ بمسلكِ الفقه، ثم نذكر طريقَ الحُسَّاب، ونبين وجه ضعفها على موافقة الفقه.
فصل
في الوصية بجذور الأموال
6814 - الجذور عبارةٌ استعملها الحُسَّاب، فقد ذكرنا مرادَهم بها، و [هي] (4) تنزل في الحساب منزلةَ الألفاظ الاصطلاحية بين كل فريق، فإن أطلقه حاسب، وتحققنا أنه أراد به مذهب الحُسَّاب، أو صرح بأني أردت ذلك، فهذا مما يتعين التأمل فيه، فإذا
__________
(1) الفعل واوي، ويائي.
(2) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(3) لا يستقيم الكلام بغير هذه الزيادة. ونرجو أن تكون قريبة من لفظ المؤلف. وهذا من العناء الذي يتحمله من يحقق النص عن نسخة وحيدة.
(4) في الأصل: وهو.

(10/181)


قال الموصي: أوصيت لفلان بجذر مالي، [لاح] (1) أنه أراد به المبلغ الذي إذا ضرب في نفسه، ردّ المال على قياس تضعيف الضرب. وإن كان ماله دراهم أو دنانير، [وقد] (2) تبين أنه أراد التعرض لزنتها، ولتعدد الدراهم أو الدنانير في الموازين، فلا إشكال مع ظهور الغرض.
6815 - ويبقى وراء ذلك النظرُ في كَوْن المبلغ ذا جِذرٍ مُنطق، وهو الذي يسمى المجذور، وفي كونه أصمَّ، وهو الذي ليس له جذر منطق، فإن كان مجذوراً، فالوصية -مع التقييدات التي ذكرناها- محمولةٌ على المبلغ الذي إذا ضرب في نفسه رَدّ المال.
وإن كان المال أصم كالعشرة، وما في معناها، فإذا قال: أوصيت لفلان بجذر مالي وأراد مذهب الحسّاب، فلا ينبغي أن يصير صائرٌ إلى إبطال الوصية ذهاباً إلى أن المال غيرُ مجذور [به لا جذر المال المجلف] (3)؛ فإن لكل مبلغ جذراً، وإن كان يعسر النطق به، وجذر الأشكال الصُّمّ يبين بالهندسة وبراهينها، فأصل الجذر لا يُنكر وإنما العسر في النطق بمقداره، فيجب حمل الوصية على الصحة؛ بناء على ما ذكرناه من أن الوصية إذا ترددت بين الصحة والفساد، فهي محمولة على الصحة.
هذا حيث يتقابل وجهُ الصحة ووجه الفساد، كما ذكرناه في الوصية بالطبل.
6816 - فأما الجذر فليس من هذا القبيل؛ فإن [المبالغ] (4) في التحقيق كلها مجذور، وإنما تنقسم في كونها صُمَّاً، أو منطقة، فإذا وجب حملُ وصيةٍ على جذرٍ أصم، أو صرح الموصي بذلك، [فالمقدار] (5) المستيقن الذي يتأتى النطق به ثابت
__________
(1) في الأصل: ولاح.
(2) في الأصل: " فقد ".
(3) العبارة بين المعقفين هكذا رسمت. والسياق واضح بدونها، ولعلها: " فإنه لا جذر للمال المخفف ".
(4) في الأصل: " المبلغ ".
(5) في الأصل: " والمقدار ".

(10/182)


لا شك فيه، وهذا كالثلاثة والموصى به جذر العشرة؛ فإنها ثابتة لا مراء في ثبوتها، وكذلك يَثبت الكسر المستيقن بعد الثلاثة.
والوجه في ذلك مراجعةُ حسوب؛ حتى يذكر على أقصى الإمكان في التقريب مبلغاً، إذا ضرب في نفسه رد العشرة، إلا مقداراً نزراً، فإذا قل ما بقي من الكسور فجذره أكثر منه بنسبة تضعيف الإضافة، حتى إذا بقي من الكسور عُشر درهم، فجذره أكثر منه بنسبة تضعيف الإضافة.
هكذا تقع جذور الكسور.
وإذا قربنا جهدنا، لم نُبقِ إلا مقداراً لا ينضبط، ولا ينفصل الأمر فيه إلا بالتراضي والاصطلاح.
والقول فيه كالقول في الوصية بمالٍ في مذهب الفقه؛ فإنه منزل على أقل ما يتموّل، وقد ذكرنا ذلك في الأقارير، وأوضحنا فيما يتمول وما لا يتمول ما فيه مقنع.
هذا كله إذا كان المالُ ذا عددٍ في الوزن أو الكيل يقدّر مجذوراً [أو] (1) أصم.
6817 - فأما إذا أوصى بجذر ماله، وكان ماله مشكَّلاً بتشكل هندسي بأن كان براحاً (2)، من أرضٍ. ولاح أنه قصد بالجذر [الجذرَ] (3) الهندسي، فاستخراج الجذر بالمساحة ممكن مبرهنٌ، ولا يبقى منه شيءٌ مشكل، ولا معنى للخوض فيه.
و [إذا] (4) كان ماله عبداً أو جوهرةً، فإذا قال: أوصيت بجذر مالي، فلا ينقدح إلا تنزيل وصيته على جذر قيمة ماله، ثم القيمة ترجع إلى أحد النقدين، وهما مقداران (5).
__________
(1) في الأصل: (و).
(2) البراح: المتسع من الأرض، لا زرع فيه ولا شجر. (معجم).
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وإنما.
(5) كذا. والمعنى أن القيمة ترجع إلى مقدارٍ: أَيْ عددٍ من الدنانير، أو عددٍ من الدراهم، " فهما مقداران " أي عددان.

(10/183)


وينقسم القول، وراء ذلك إلى المجذور والأصم.
فإن قال قائل: هلا حملتم ذلك على تجزئة المال قدراً؛ إذ لا شيء إلا ويمكن تقدير تجزئته على وجوه مفروضة، فلكل شيء مما يكون مالاً -وهو مقصودنا- ثلثٌ وربعٌ وخمسٌ، وجزء من مائة جزء، وجزء من ألف جزء إلى غير نهاية، وقد يقسم الفَرَضي في البطون المتناسخة جوهرةً على ألف ألف سهم أو أكثر، وإذا أمكن ذلك، فهلا حُملت الوصية المطلقة على هذا القبيل؟.
ثم الأمر في هذا الفن يختلف، فإن نزلنا ما خلّفه على أربعة، فجذرها اثنان، فتقع الوصية بالنصف، وإن جزَّأناها تسعة أجزاء، فجذرها ثلثها، وإن جزأناها ستة عشر جزءاً، فجذرها رُبعها، وإن قدرناها مائة جزءٍاً، فجذرها عشرها، وهكذا إلى غير نهاية في جهة الصعود والترقي؟ قلنا: هذا التقدير بعيدٌ، لسنا نرى حملَ الوصية عليه إذا كانت مطلقةً، إلا أن يصرح الموصي به على الإبهام؛ فإذ ذاك نحمل الوصية عليه، فأما إذا لم يتعرض له، وأطلق المال وجذرَه فتحريره الجوهرة (1)، ولا حاصل لها، وما يذكر من جذر الأجزاء جذرُ عدد مفروض، وليس جذرَ المال المطلق، وليس العددُ المذكور في تجزئة الجوهرة مخصوصاً بها.
فهذا ما أراه؛ فإن قوله جذر مالي يشعر باختصاصه بماله، وتخصيص الأجزاء جارٍ في كل شيء، وإنّ فرض التجزئة يعم القليل والكثير، والأجناس كلَّها. وإذا بعُد التقدير لم يجز التفسير به.
وهذا يضاهي من قواعد الإقرار ما لو قال: عليّ شيء، ثم [قال] (2): أردت به أن له علي جوابُ تسليمه (3)، فهذا غير مقبول.
6818 - ومما يتعلق بذلك أن فريضة الموصي لو كانت تقسم من عدد، وكان لذلك العدد جذرٌ منطقٌ، أو أصم، فإذا قال الموصي: أوصيت لفلان بجذر مالي، وماله
__________
(1) كذا. ولعل المعنى: فتفسيره والعمل فيه كالعمل في قسمة الجوهرة.
(2) زيادة من المحقق.
(3) المراد، جواب قوله: السلام عليكم.

(10/184)


مقسوم على فريضته المعدَّلة، فلست أرى حمل الجذر على هذا العدد الذي منه تعديل الفريضة؛ فإنه أضاف الجذر إلى ماله، لا إلى العدد الذي تصح منه تركته، فالوجه إذاً ما قدمناه لا غير.
6819 - فإذا بان حظ الفقيه في ذلك، فإنا نذكر بعد هذا طريقةَ الحُسَّاب على وجهها، وإذا انتهت، أوضحنا أنها قد تخرج على مراسمهم موافقةً للفقه.
قالوا: إذا أوصى بجذر ماله، فإنا نفرض المسألة عدداً مجذوراً إذا أسقط منه جذره، انقسم المال منه على سهام الورثة بلا كسر.
مثاله: ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بجذر ماله.
قالوا: إذا جعلت المال تسعة، فللموصى له جذرُها: ثلاثة، والباقي بين البنين لكل واحد منهم سهمان. وإن جعلت المالَ ستة عشر، فللموصى له جذرها أربعة، والباقي اثنا عشر بين البنين، لكل واحد منهم أربعة.
هذا كلامهم، ولم يقيدوه بشرط.
وهو بعيد عن مأخذ الفقه، ولو لم يكن فيه إلا فرضُ التسعة [مرة] (1) والستةَ عشر [أخرى] (2)، وفي فرض التسعة للموصى (3) له الثلث، وفي فرض الستةَ عشرَ للموصى له الربع، لكان في ذلك أصدقُ شاهد على فساد ما قال. ثم الخِيَرةُ لا تقف على عددين، ولا نهاية في جهة الترقي في الأعداد التي إذا أُخذ جذرها، بقي الباقي منقسماً على الورثة، والأقدار تختلف، فكلما كثر العدد المجذور، قلّ الجذر بتجزئة النسبة، ولا وجه لما قالوه قطعاً.
وإن أراد الفقيه استعمال طريقهم، فلا بد من تقييد الوصية بقدرٍ يقتضي ما ذكروه.
وبيانه أن يقول الموصي: افرضوا مالي على عدد أجزاء وأعدادٍ مجذورة إذا خرج
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) مكان كلمة تعذر قراءتها، وقدرناها على ضوء ما بقي من الحروف بمعونة السياق، وتوفيق الله من قبل.
(3) في الأصل: في الموصى له.

(10/185)


جذره، انقسم الباقي صحيحاً على ورثتي، وخذوا ذلك من أول عددٍ ممكنٍ، فإذا قال ذلك، أخذناه من تسعة، وإن عين مرتبةً أخرى، تعينت.
وإن تفاوض الحسّاب فيما بينهم، ولم يجعلوا أجوبتهم فتاوى الفقه، فليقولوا من هذا ما شاؤوا، ولتستعمل طرقهم للدُّربة في الحساب حينئذٍ.
6820 - وإذا بان هذا، فنأتي بباقي المسائل، فلتقع [الوصية] (1) مشروطة بما قدمناه؛ حتى يتميز الفقه عما يحيد عنه.
إذا تركت المرأة زوجاً، وأماً، وثلاث أخوات مفترقات، وأوصت لرجل بجذر مالها، فقد علمنا أن الفريضة تصح عائلةً من [تسعة] (2)، فاجعل المال عدداً مجذوراً إذا أنقصت منه جذرَه، ينقسم الباقي منه على تسعة قسمة صحيحة، وأقل ذلك واحد وثمانون: جذرها تسعة، فهي للموصى له، والباقي بعد الجذر اثنان وسبعون، بين الورثة على [تسعة] (3) للأم منها ثمانية، وكذلك للأخت من الأب، وكذلك الأخت من الأم، وللزوج منها أربعةٌ وعشرون، وكذلك الأخت لأبٍ ولأمٍّ.
لا يجوز أن يفرض المال مائة وجذرها عشرة، والباقي تسعون بين الورثة، وقد قدمنا أن هذا لا يطابق الفقه.
ولو أوصى بكعب [ماله] (4)، فاجعل المال عدداً مكعَّباً، إذا أسقط منه كعبه، انقسم الباقي على سهام الورثة بلا كسر.
مثاله: ثلاثة بنين، وقد أوصى بكعب ماله.
فإن فرضتَ المال ثمانيةً، فكعبها اثنان للموصى له، والباقي ستة بين الورثة.
وإن فرضت المكعبَ سبعة وعشرين، فكعبها ثلاثة، والباقي بين الورثة، أربعة وعشرون، لكل واحد منهم ثمانية.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: تسعة عشر.
(3) في الأصل: سبعة.
(4) في الأصل: مائة.

(10/186)


وإن أوصى بجذر ماله لرجلٍ، ولآخر بكعب ماله، وخلّف ثلاثةَ بنين، فاجعل المال عدداً يكون له جذرٌ صحيح، وكعب صحيح، ويكون بحيث إذا أُسقط منه جذرُه وكعبُه، انقسم الباقي بين الورثة بلا كسرٍ، وأقل ذلك في هذه المسألة سَبعُمائة وتسعة وعشرين، فللموصى له [بكعبها] (1) كعبُها، وهو تسعة وللموصى له بجذرها جذرُها، وهو سبعة وعشرون، والوصيتان ستةٌ وثلاثون إذا أسقطتها من المال، بقي سِتمائة وثلاثةٌ وتسعون، بين الورثة: لكل واحد منهم مائتان وأحدٌ وثلاثون.
فإن أجاز السائل أن يكون الكسر واقعاً في أنصباء الورثة بعد أن يكون كعب المال وجذره صحيحين، أمكن خروج المسألة من أربعة وستين، [فهي عددٌ مكعّبٌ مجذور] (2): كعبها أربعة للموصى له بالكعب، وجذرها ثمانية للموصى له بالجذر، والوصيتان اثنا عشر، والباقي من المال اثنان وخمسون، بين الورثة وهو (3) ثلاثة، لكل واحد منهم سبعةَ عشرَ وثلث.
وقد تبين أن هذه المسائل كلَّها وضعيّة (4)، ولا بد من فرض تقييدٍ، كما نبهنا عليه، لتوافق المسائل الفقهية.
فصل
في الوصية بجذر الأنصباء
6821 - إذا ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل بجذر نصيب أحدهم، قال الحُسّاب: حسابُ المسألة أن نجعل نصيب كلِّ ابن عدداً مجذوراً، ثم نجمع أنصباء البنين، ونزيد عليها جذرَ نصيب أحدهم، فما بلغ، صحّت المسألة منه.
ثم قالوا: إذا جعلتَ كلَّ ابن واحداً فأنصباؤهم ثلاثة، فإذا زدت عليها واحداً،
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل مكان ما بين المعقفين: في كعب مجذور.
(3) الضمير بالمفرد المذكر على معنى العدد.
(4) وضعيّة أي تقديرية، افتراضية.

(10/187)


وهو جذر النصيب؛ فإن الواحد جذرُ الواحد، فالمسألة من أربعة للموصَى له سهم، ولكل ابن سهم.
فإن فرضت نصيب كل ابنٍ أربعة وأنصباؤهم اثنا عشر، فزد عليها [جذرَ] (1) الأربعةَ، وهو اثنان، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فللموصى له اثنان، ولكل ابن أربعة.
6822 - وكذلك إذا أوصى بكعب نصيب أحدهم، فاجعل النصيب عدداً مكعباً، ثم اجمع الأنصباء، وزد عليها كعبَ نصيب، فما بلغ، فمنه تصح المسألة، فإذا خلف ثلاثة بنين، وأوصى لرجلٍ بكعب نصيب أحدهم، فإن فرضتَ المكعبَ الذي هو النصيب ثمانية، فأنصباؤهم أربعة وعشرون، فزد عليها كعب الثمانية وهو اثنان، فالمبلغ ستة وعشرون، للموصى له سهمان، ولكل ابن ثمانية.
وإن فرضت النصيب سبعة وعشرين، فإنها مكعب إذا جذرت المال المجذور تسعة، فأنصباؤهم أحدٌ وثمانون، فزد عليها كعبَ النصيب، وهو ثلاثة، فيبلغ أربعةً وثمانين، فللموصى له ثلاثة، وهو كعب سبعةٍ وعشرين، ولكل ابنٍ سبعةٌ وعشرون.
6823 - فإن ترك خمسةَ بنين، وأوصى بثلاثة أجذار نصيب أحدهم، فإن فرضت نصيب كل ابن أربعةً، فأنصباؤهم عشرون، فزد عليها ثلاثة أجذار أربعة، وذلك ستة، فالمبلغ ستة وعشرون، فللموصى له ستة، ولكل ابن أربعة.
وهكذا إذا أوصى بعدة كِعاب نصيب، فنجعل نصيب كلِّ واحد من البنين مكعباً، ونضم إلى الأنصباء أعداد الكعاب الموصى بها.
6824 - فهذا طريق الباب عند الحُسّاب، ولا يخفى على الفقيه أن ما ذكروه لو فرض في إطلاق الوصايا، لوقع جانباً عن العقد، بعيداً عن مسالكه، ولكن الحُسّاب فرضوا طرق الحساب عند [عدم] (2) تقييد الوصايا، [وما] (3) قدمناه قبل مساق الكلام يدل على أنهم فرضوها مُنطبقةً على سؤال السائل، إذا قال: كيف السبيل الحسابي إلى
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: كما. والمثبت تصرُّف من المحقق.

(10/188)


تمهيد عدد في فريضة الميراث والوصية يكون لحصة كل ابن جذر، ويكون لحصة كل ابن كعب؟ فيقولون في جوابه: وجهُ تصوير ما سألت عنه كذا وكذا، ويمهدون عليه وجوهاً من الإمكان، وإلا فلا يستجيز ذو عقلٍ أن يذكر في الوصية المتعلقة مبلغين، أو مبالغ تقلّ الوصايا في بعضها وتكثر في بعضها، فتبين أنهم وضعوا كلامهم أجوبة المسائل عن الإمكان.
وإذا أردنا ردها إلى وقائعِ الفقه، فلا بد من تقييد الوصايا، كما وصفناه فيما تقدم.
6825 - فإن قيل: فما الجواب الفقهي فيه إذا قال: أوصيت لفلانٍ بجذر نصيب أحد أولادي، وقد خلف بنين، ولم يقيّد وصيته، وإنما اقتصر على ما ذكرناه؟
قلنا: هذه اللفظة مشكلة، وليست كالوصية بجذر المال مطلقاً؛ فإنا ذكرنا أنه لا يتجه في الوصية بجذر المال إذا لم يكن جنسه مقدّراً بكيل، أو وزن، أو عدد، إلا الرجوعُ إلى قيمة المال، فإذا قال: أوصيت لفلان بجذر نصيب أحد البنين، فهذا ظاهرٌ في ردّ الأمر إلى نسبة قسمة التركة؛ فإن من أوصى بنصيب أحد البنين، وكانوا ثلاثة مثلاًً، فالوصية بالنصيب تُنزل الموصى له منزلةَ ابنٍ زائد، كما تمهد في الكتاب.
فيحتمل أن يقال: يُردّ ذلك إلى العدد الذي تنقسم منه الفريضة، فإن كان حصة كل ابن من ذلك العدد الذي تقع القسمة منه مجذورة، زدنا جذرها، على ما فعله الحساب، وإن لم تكن تلك الحصة مجذورة، فالوصية تقع بجذرٍ أصم، وقد وقع شرح جَذْرِ ذلك.
فأما أن نقدّر القسمةَ من عددٍ تقع حصةُ كل ابن مجذورة ليستقيم قول الموصي: أوصيت لفلانٍ بجذر النصيب، فما أرى الفقيه يسمح بذلك، مع ما أوضحناه من بناء الوصية المطلقة على الأقل.
هذا وجهٌ في الاحتمال.
ويجوز أن يقال: إذا أوصى [بجذر نصيب] (1) أحد البنين، فإنا ننظر إلى ما يخص كلّ واحد من التركة، ونعتبر جذر ذلك الحاصل -منطَّقاً كان أو أصم- ونضمُّه إلى
__________
(1) في الأصل: " بنصيب ".

(10/189)


ما منه القسمة، وهذا يوافق أَخْذَ جذرِ العدد الذي يقع حصة لكل ابن.
فأما إذا اعتبرنا القسمة من عددٍ، فالتركة تقسم على ذلك العدد، ثم يكثر الحظ بكثرة التركة، ويقلّ بقلتها، والعدد الذي عدّلت منه الفريضة لا يختلف، ولكن ما يقتضيه تعديل القسمة بين البنين أن نقسم الفريضة على رؤوسهم، فتقع حصةُ كل ابنٍ سهماً واحداً، وجذره سهمٌ، فيكون هذا بمثابة الوصية بنصيب ابنٍ، والحمل على هذا المحمل بعيدٌ؛ فإن ظاهر إضافة الجذر يتضمن كونَ الموصى به جزءاً من النصيب، فإذا فرضنا وراء الواحد عدداً مجذوراً، ونزّلنا على أقل عدد مجذور، كان ذلك تحكُّماً.
فالذي أراه أن الوصية المطلقة بجذر النصيب محمولةٌ على الوصية بجذر حصة كل ابن من المال، ولا ننظر إلى سهام المسألة.
هذا هو الذي لا ينقدح غيرُه في مسلك الفقه.
فصل
في الوصية بجذر النصيب وجذر المال
6826 - المثال: ترك الرجل ثلاثة بنين، وأوصى لعمِّه بجذر نصيب ابن، ولخاله بجذر جميع المال.
فطريق الحُسَّاب أن نجعل وصيته [لعمه] (1) جذراً، فيكون نصيبُ كلِّ ابن مالاً؛ فإن الجذر عبارةٌ عما إذا ضرب في نفسه رَدَّ مالاً.
وأما وصية الخال، ففيها أمرٌ اصطلاحي وضعيّ للحُسَّاب، ننبه عليه، وذلك أنهم قالوا: إذا أوصى لخاله بجذر المال، وأوصى لعمه بجذر نصيب، فنجعل وصية الخال جذرين، فيكون المال كله على هذا التقدير أربعة أموال، [والا حرـ] من
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) هكذا تماماً في الأصل، بهذا الرسم وبدون نقط (انظر صورتها).

(10/190)


لفظ المطلق، فإذا قيل لك: أربعة، فنأخذ الجذر من [لفظ] (1) الأربعة، وجذر الأربعة اثنان، فقل: جذر أربعة أموال جذران، ومعظم عبارات الجذريين تقع كذلك، ولا يتم الغرض الآن في تقدير جذرين في مقابلة وصية الخال، فليأخذ الناظر ما ألقيناه إليه باتفاق [و] (2) سنبيّن في أثناء الفصل الغرضَ، بياناً يليق بظاهر ألفاظ الحساب، ولا مطمع في ذلك [إلا على] (3) الجبر؛ فإنها تستند إلى قاعدة مشكلة في الهندسة.
فنقول: إذا [كان] (4) المال كله أربعة أموال، والوصيتان ثلاثة أجذار، فانقصها من المال، فتبقى أربعة أموال إلا ثلاثة جذور، وذلك يعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة أموال إلا نصيب كل ابن، فنجبر الأموال الأربعة بثلاثة جذور، ونزيد على عديلها مثلها، ثم نُسقط الجنس بالجنس، فيبقى مال في مقابلة [ثلاثة] (5) جذور.
وإذا قيل: مال يعدل ثلاثة أجذار، فهذا في قاعدة الجذر والمقابلة بتسعة؛ إذ تقدير الكلام: مالٌ يعدل ثلاثة أجذاره، فالمال تسعة وجذره ثلاثة.
فنعود ونقول: قدرنا أربعة أموال، كل مال تسعة، فمجموعها ستة وثلاثون، فنسقط من المال وصية العم، وهي جذر مال من الأموال التي ذكرناها، فالجذر ثلاثة، ونسقط وصية الخال وهي جذران، وذلك ستة، والستة جذر الستة والثلاثين، يبقى من المال سبعة وعشرون بين البنين، لكل واحد تسعة، وقد أخذ العم جذرَ نصيب واحد، وأخذ الخال مثل جذر المال.
6827 - فإن أوصى لعمه بجذر نصيب ابن، ولخاله بجذر ما تبقى من مال، فنقول: إذا كان وصية العم جذراً، فنصيب كلِّ ابنٍ مال، فأنصباؤهم ثلاثة أموال، فاحفظ ذلك.
فإذا عرفت ذلك، فاجعل الباقي من المال بعد جذر نصيبٍ أموالاً لها جذور، فإن
__________
(1) في الأصل: جذر.
(2) مزيدة من المحقق.
(3) عبارة الأصل: " ولا مطمع في علة الجبر " والتصرف بالزيادة والتصويب من المحقق.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) زيادة من المحقق.

(10/191)


شئت قلت: تسعة أموال، فتكون جملة التركة تسعة أموال، وجذراً، فنسقط وصية العم، وهي جذر، ووصية الخال وهي ثلاثة أجذار؛ لأن الباقي من المال بعد وصية العم تسعة أموال، فقل جذرها ثلاثة أجذار.
وليقف الناظر متأملاً، وليعلم أن مبنى هذا الباب، وما في معناه، على اتباع اللفظ.
وإذا قيل لك: كم جذر التسعة؟ فإنك تقول: جذرها ثلاثة. وإذا قيل لك: كم [جذر] (1) تسعة أموال؟ فاتبع لفظ التسعة، كما تفصّل في العدد، وقل: الجذر ثلاثة، ولكن إذا كان العدد أموالاً تسعة، فنقول: نأخذ ثلاثة جذور كما نقول: جذر التسعة من العدد ثلاثة، وعلى هذا القياس تخرج المسألة الأولى؛ فإنا قدرنا فيها أربعة أموال، فقلنا: جذرها على قياس اللفظ الذي ذكرناه اثنان؛ لأن جذر الأربعة من العدد اثنان، فجذر أربعة أموال جذران.
فنعود إلى المسألة الأخيرة ونقول: قدرنا التركة تسعة أموال وجذراً، فأسقطنا الجذر للموصى له بجذر نصيب، وأسقطنا ثلاثة جذور للوصية الثانية، فتبقى تسعة أموال إلا ثلاثة أجذار، تعدل أنصباء الورثة، وهي ثلاثة أموال، فنجبر ونقابل، ونُسقط المثلَ بالمثل، تبقى ستة أموال، تعدل ثلاثة أجذار، فالمال يعدل نصف جذر، فخذ هذا اللفظ، وقل: الجذر نصف درهم، وإذا كان الجذر نصفاً، فالمال ربعٌ، وقد كانت التركة تسعة أموال وجذر، وكل مال ربع، والجذر نصف، فالجملة درهمان وثلاثة أرباع درهم، فندفع منها إلى العم جذرَ النصيب، وهو نصف درهم، يبقى درهمان وربع، فجذرها وصية الخال، وذلك درهم ونصف، فالوصيتان درهمان، والباقي من المال بعدهما ثلاثة أرباع درهم، بين البنين: لكل واحد منهم ربعُ درهم، وقد زادت الوصيتان.
6828 - وهذه المسائل كلها وضعيّة، كما مهدنا ذلك.
وإن أردنا استعمالها في الفقه، فيجب تقييد الوصية بما يقتضيها، وإلا يجب وضع
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/192)


هذه المسائل على التدريب في الحساب والتفاوض في أصله، وإلا فمتى يسمح الفقيه ومأخذُه إذا كانت الوصية بجذر نصيب أن يصرف إلى الوصية نصف درهم وإلى النصيب ربع درهم!!
6829 - ثم قال الحسّاب: في هذه المسألة التي نحن فيها: إن شئت جعلتَ وصيةَ العم جذراً، وجعلت الباقي من المال بعد هذه الوصية أربعة أموال، فتكون وصيةُ الخال جذرين على القاعدة التي ذكرناها في اتباع العبارة، فالتركة أربعةُ أموالٍ وجذرٌ، فنسقط جذراً للعم، ثم جذرين للخال، فيبقى أربعة أموال إلا جذرين، تعدل ثلاثة أموال، وهي أنصباء البنين، فنجبر الأموال الأربعة بجذرين، ونزيد على عديلها جذرين، تصير أربعة أموال، في مقابلة ثلاثة أموال وجذرين، ونسقط المثل بالمثل، فيبقى مال يعدل جذرين، فالجذر اثنان، والمال أربعة. وقد كانت التركةُ [أربعة] (1) أموال وجذراً، فهي ثمانية عشر، وصيةُ العم منها اثنان، ووصية الخال أربعة، وهي جذر ستة عشر الباقية بعد وصية العم، فالوصيتان ستة، وهي ثلث المال، والباقي بعدها اثنا عشر، بين البنين: لكل واحد منهم أربعة، وقد أخذ العم مثل جذر نصيب أحدهم، وأخذ الخال جذر الباقي.
فصل
في الوصية بالنصيب والجذور
6830 - ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بجذر المال.
فاجعل المسألة تقديراً كأن البنين فيها أربعة، وكأنه (2) أوصى بجذر المال وحده، وافرض المسألة من عدد مجذور إذا أسقطت جذره، انقسم الباقي على أربعة.
قال الحسّاب: إن شئت فرضته من ستة عشر، فادفع جذرها وهو أربعة إلى الموصى له بجذر المال، يبقى اثنا عشر بين البنين والموصى له بالنصيب بالسويّة: لكل واحد منهم ثلاثة.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) في الأصل: وقد كأنه.

(10/193)


وإن فرضت المسألة من خمسة وعشرين، فجذرها للموصى له بالجذر، وهو خمسة، والباقي عشرون، بين البنين والموصى له بالنصيب على أربعة، لكل واحد منهم خمسة، والوصيتان في التقديرين زائدتان على الثلث.
وإن فرضت المسألة من أحدٍ وثمانين، فادفع جذرها إلى الموصى له بالجذر، وذلك تسعة، يبقى اثنان وسبعون بين الموصى له والبنين على أربعة، لكل واحد منهم ثمانية عشر، فالوصيتان [سبعة] (1) وعشرون، وهي ثلث المال في هذا التقدير.
وغرض الحاسب أن يذكر جهاتِ الإمكان تسفُّلاً، وترقّياً، وتوسطاً، وإلا، فيستحيل حملُ مطلق هذه الوصايا على ما ذكره الحساب.
فهذا مضمون هذا الفصل.
فصل
في الوصية بالنصيب وبجزءٍ مشاع وبجذر مفروض
6831 - وهذا الفصل يشتمل على أمثلة تختلف قيودها وشروطها، ونحن نأتي بها في تصوير الأمثلة.
ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بجذر المال. ولآخر بمثل نصيب أحدهم، ولثالث بثلث ما تبقى من الثلث.
فنأخذ ثلثَ مالٍ لاشتمال المسألة على ثلث ما تبقى من الثلث، ونطرح منه جذراً ونصيباً، يبقى ثلث مال إلا جذراً وإلا نصيباً، فنطرح ثلثه بالوصية الثالثة، فيبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي جذر، وإلا ثلثي نصيب، [فنضمها إلى ثلثي المال، فيصير ثمانية أتساع مال، إلا ثلثي جذر، وإلا ثلثي نصيب، تعدل ثلاثة] (2) أنصباء، فنجبر ثمانية الأتساع بالاستثناء الذي فيه، ونزيد على عديله مثله، فيكون ثمانية أتساع مال
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) ما بين المعقفين زيادة من المحقق، فعبارة الأصل كانت هكذا: " فيبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي جذر، وإلا ثلثي نصيب تعدل ثمانية أنصباء، فنجبر ونقابل ... إلخ ".

(10/194)


تعدل ثلاثة أنصباء وثلثي جذر وثلثي نصيب.
فاجعل الآن كلّ نصيب أيَّ عددٍ شئت، بعد أن يكون أكثر من ضعف الجذر، فإن كان النصيب ضعفَ الجذر أو أقل من الضعف، لم تخرج المسألة كلها من الثلث، ولم تستقم المسألة؛ فإنك تحتاج فيها إلى ثلث ما تبقى من الثلث.
ونحن نذكر زيادة النصيب على ضعف الجذر، ونوضِّح استقامةَ المسألة، ثم نذكر كَوْنَ النصيب مثلَ ضعف الجذر، ونبيّن استحالةَ المسألة.
فنجعل النصيبَ مثل ثلاثة أجذار، والأنصباء تسعة أجذار، ومعنا نسبة الجبر والمقابلة ثلثا نصيب، فإذا جعلنا النصيب ثلاثة أجذار، فثلثا نصيب جذران، ومعنا أيضاً ثلثا جذر، فالجميع إذاً أحدَ عشرَ جذراً وثلثا جذر، في مقابلة ثمانية أتساع مال، فيكمل المال بأن نزيد عليه مثل ثُمنه، ونزيد على ما يقابله مثلَ ثمنه، وإذا زيد على أحد عشر وثُلثين مثل ثمنه، صار ثلاثة عشر وثمن، وإن أردت التثبت منه، فخذ ذلك من أربعة وعشرين فثمنه ثلاثة، فإذا زدت على أحدَ عشرَ وثلثين، ثمنها زدت واحداً لمكان الثمانية في هذا العدد، ويصير اثني عشر وثُلثين، ونزيد ثمن ثلاثة وثُلثين فيكون ثلاثة أثمان وثلثين لمن قدّر كلَّ ثمن ثلاثة من أربعة وعشرين من واحد، فيجتمع أحدَ عشرَ، فنكمل الثُّلثين معنا بثلث أربعة وعشرين، وهي ثمانية، فيصير ثلاثة عشر جذراً، ومعنا ثلاثة من أحد عشر من أربعة وعشرين، فيقع ثمناً، من هذا المبلغ، فالمجموع ثلاثة عشر وثمن، فنجعل الثلاثة عشر والثمن جذرَ المال، ونضربه في نفسه، فيبلغ مائة واثنين وسبعين درهماً وسبعة عشر جزءاً من أربعة [وستين] (1) جزءاً من درهم، وهذا نصف المال، فخذ ثلث ذلك وهو سبعة وخمسون درهماً وسبعة وعشرون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فأسقط جذر المال للموصى له بالجذر، وأسقط منها نصيباً، وقد فرضت النصيب ثلاثة أمثال الجذر، [فكأننا] (2) نريد أن نسقط منها أربعة أجذار المال، وهي إذا جُمعت اثنان وخمسون درهماً ونصف؛ لأن كل جذر ثلاثةَ عشرَ وثمن، وإذا أسقطت أربعة أجذار من ثلث
__________
(1) في الأصل: وخمسين. وهو خطأ أجهدنا تداركه.
(2) في الأصل: فكذلك.

(10/195)


المال، بقي منه أربعة دراهم وتسعة وخمسون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فادفع ثلثها، وهو درهم وأحدٌ وأربعون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم إلى الموصى له بثلث الباقي من الثلث، وجملة الوصايا الثلاث أربعة وخمسون درهماً وتسعة أجزاء من أربعة وستين جزءاً من درهم، فأسقطها من المال، وهو مائة واثنان وسبعون درهماً وسبعة عشر جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، تبقى بعد الوصايا مائة وثمانية عشر درهماً، وثمانية أجزاء من أربعة وستين جزءاً من درهم، وهي ثمن درهم، فإن الثمانية من الأربعة والستين ثمنها، وإنما لم نطول ذكر الأجزاء من الأربعة والستين لبيانها، واعتبر هذا المأخذ لمسيس الحاجة إلى ثلث الأثمان ضمّاً وتفريقاً، وإلى أجزاء منها، فخرجت من أربعة وستين، فنقسم الباقي إذاً بين ثلاثة بنين لكل واحد منهم تسعة وثلاثين درهماً وثلاثة أثمان، [و] (1) ذلك ثلاثة أمثال جذر المال، كما فرضنا.
6832 - ولو جعلنا كلَّ نصيب أربعة أجذار وأكثر خرجت المسألة، ولكن كان الحساب أدق وأطول.
6833 - ونحن نذكر الآن فرض النصيب عند المعادلة ضعف الجذر لنبيّن استحالة المسألة، فنقول: إذا كان كل [نصيب] (2) جذرين، فالأنصباء ستة، وقد ضممنا إليها ثلثي نصيب، وثلثي جذر للمقابلة، فإذا كان النصيب جذرين، فثلثا نصيب جذر وثلث، ومعنا ثلثا جذر أيضاً، فيصير المجموع ثمانية أجذار تعدل ثمانية أتساع مال، فيكمل المال بزيادة ثمنه، ونزيد على الأجذار ثمنها، فقد صار مال يعدل تسعة أجذار، فيكون الجذر تسعة، فنضرب التسعة في نفسها فيرد أحداً وثمانين، فإذا أخذت ثلثها، وهو سبعة وعشرون، وطرحت منها جذر المال تسعة، بقي ثمانية عشر، وهي مثل النصيب؛ لأن النصيب ضعف الجذر، فإذا أخرجت النصيب، لم يبق من الثلث شيء، واستحالت المسألة التي تريدها.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقطة من الأصل.

(10/196)


6834 - فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم، وبجذر نصيب أحدهم لآخر، وأوصى لثالث بثلث ما بقي من الثلث، فاجعل النصيب عدداً مجذوراً؛ لمكان الوصية بجذر النصيب، بعد أن يكون النصيب وجذر النصيب أقلَّ من ثلث المال، فإن جعلت النصيب تسعة مثلاً، فنقول: معنا ثلث مال ننقص منه النصيب تسعة، وننقص منه الوصية بجذر النصيب ثلاثة، فالمجموع اثنا عشر، فيبقى معنا ثلث مال إلا اثني عشر سهماً، فادفع ثلثه إلى الموصى له الثالث، فيبقى تسعا مالٍ إلا ثمانية دراهم؛ فإن الوصية الثالثة تذهب بثلث الاستثناء، يبقى من الاستثناء ثمانية، فنضم ما بقي إلى ثلثي المال، وقد تصرفنا في [ثلث] (1) المال، وهو ثلاثة أتساع، فإذا ضممنا [الباقي من الثلث] (2) إلى الثلثين، فتكون ثمانية أتساع مال إلا ثمانية أسهم، تعدل سهام البنين، وهم ثلاثة، وسهامهم سبعة وعشرون، لأن كل نصيب تسعة، فإذا جبرت، وقابلت، وأكملت بعد ذلك على القياس المقدّم، صار مال يعدل تسعة وثلاثين سهماً وثلاثة أثمان سهم، فمنها تصح المسألة.
فخذ ثلث المال، وذلك ثلاثةَ عشرَ درهماً وثمن، فانقص منه نصيباً وجذراً، وهما اثنا عشر يبقى درهم وثمن، فانقص منه ثلثه بالوصية، وهو ثلاثة أثمان درهم، تبقى ثلاثة أرباع درهم، فزدها على ثلثي المال، وهو ستة وعشرون وربع، فيبقى سبعة وعشرون بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم تسعة.
6835 - فإن أوصى بجذر نصيب أحدهم لإنسان، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فاجعل النصيب عدداً مجذوراً، فإن جعلته أربعة، فنقول نأخذ ثلث مال، وننقص منه جذر الأربعة، وهو اثنان يبقى ثلث مال إلا اثنين، فانقص منه ثُلثه بالوصية الأخرى، تبقى تسعا مال إلا درهم وثلث درهم؛ فإن الوصية بثلث الباقي تذهب بثلث الاستثناء، فزد ما بقي على ثلثي المال، فيكون ثمانية أتساع مال إلا درهماً وثلثَ درهم تعدل أنصباء البنين، وهي اثنا عشر، فإذا جبرت وقابلت وأكملت، صار المال
__________
(1) في الأصل: ثلثي.
(2) في الأصل: الثلث الباقي.

(10/197)


يعدل خمسة عشر درهماً. ومنها تصح المسألة، ولا نقدر الخمسة عشرَ جذر المال؛ فإن المسألة ليس فيها جذر مال، فقل المال خمسة عشر، فتأخذ ثلثها خمسة، ونسقط منها جذر النصيب، وهو اثنان، تبقى ثلاثة فانقص ثلثها واحد، يبقى اثنان فزدهما على ثلثي المال، وهو عشرة، فيبلغ اثنا عشر سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم أربعة.
وإن شئت فاجعل النصيب تسعة والعمل فيه على ما ذكرنا، فيخرج المال كله اثنين وثلاثين درهماً وخمسة أثمان درهم، ويكون الجذر ثلاثة.
6836 - فإن أوصى بجذر مال لرجل ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فخذ ثلث مال وانقص منه جذراً، يبقى ثلث مال إلا جذر، فانقص منه ثلثه، يبقى تسعا مال إلا ثلثي جذر، فزده على ثلثي المال، يكون ثمانية أتساع مال إلا ثلثي جذر، تعدل ثلاثة أنصباء، وإذا جبرت وقابلت، صار ثمانية أتساع مال تعدل ثلاثة أنصباء وثلثي جذر، واجعل النصيب أيَّ عدد شئت، إن شئت جعلته مثل الجذر أو أكثر منه أو أقل، فإن جعلت النصيب مثلَ الجذر، فالأنصباء مع ما انضم إليها بسبب المقابلة والجبر ثلاثة أجذار وثلثا جذر، تعدل ثمانية أتساع مال، فزد على كل واحد منهما مثل ثُمنه، فيصير مالاً كاملاً يعدل أربعة أجذار وثمن جذر، فنضرب أربعة وثمناً، في نفسها وهو جذر المال، فيصير سبعةَ عشر درهماً، وثمن الثمن.
فخذ ثلث ذلك وهو خمسة دراهم، وثلاثة وأربعون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فانقص منه الجذرَ، وهو أربعة دراهم وثمن يبقى درهمٌ وخمسة وثلاثون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فانقص منه ثلثه للوصية الثانية وهي ثلاثة وثلاثون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، يبقى من الثلث درهم وجزءان من أربعة وستين جزءاً من درهم، فزده على ثلثي المال، وهو أحد عشر درهماً، واثنان وعشرون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فيصير المبلغ اثنا عشر درهماً وأربعة وعشرون جزءاً من أربعة وستين جزءاً من درهم، فيصير بين البنين لكل واحد منهم أربعة دراهم، وثمانية أجزاء من أربعة وستين جزءاً من درهم، وهي ثمن درهم، وذلك مثل جذر المال.

(10/198)


وعلى هذا، فقس، إن جعلت النصيب جذرين أو أكثر أو أقل من جذر واحد.
6837 - فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بجذر ما بقي من الثلث.
فاجعل ثلثَ المال نصيباً وعدداً مجذوراً، فإن جعلته نصيباً وأربعة أسهم، فانقص النصيب وجذر الأربعة بالوصيتين، تبقى اثنان فزده على ثلثي المال.
وإذا كان الثلث نصيباً وأربعة، فالثلثان نصيبان وثمانية، فإذا ضممنا الباقي إلى الثلثين، صار نصيبين وعشرة تعدل ثلاثة أنصباء، فالنصيبان بالنصيبين، فيبقى عشرة تعدل نصيباً.
فنعود ونقول: ثلث المال أربعة عشر، فانقص منها نصيباً تبقى أربعة، فانقص جذرها وهو اثنان، وزِد الباقي على ثلثي المال، وهو ثمانية وعشرون، فيبلغ ثلاثين، بين البنين، لكل واحدٍ منهم عشرة.
6838 - فإن أوصى لعمه بجذر نصيب أحدهم، ولخاله بجذر ما تبقى من الثلث، ولأجنبي بثلث ما تبقى.
فنقول: ثلث المال نجعله جذراً ومالاً، فندفع إلى العم الجذر، فيبقى مال، كان مجذوراً، فإنه عبارة عن ضرب الشيء في نفسه، فندفع جذر المال إلى الخال، يبقى مال إلا جذر، ندفع ثلثه إلى الأجنبي، يبقى ثلثا مال إلا ثلثي جذر، فنزيده على ثلثي المال. وإذا كان الثلث مالاً وجذراً، فالثلثان مالان وجذران، فإذا ضممنا الفاضل إلى الثلثين، فيصير المبلغ مالين وثلثي مال وجذراً [وثلث] (1) جذر. وهكذا يقع إذا جبرت النقصان، فإذاً مالان وثلثا مال وجذرٌ وثلثُ جذر يعدل أنصباء البنين، وهي ثلاثة أموال؛ لأنا جعلنا وصية العم جذر نصيب، فالنصيب مال، والأنصباء ثلاثة أموال، فإذا جبرنا وقابلنا وأكملنا، صار المال معادلاً لأربعة أجذار. فالجذر أربعة، والمال ستةَ عشرَ، وكان ثلث المال مالاً وجذراً، فهو عشرون، نسقط منها الوصية الأولى للعم، وهي جذر [النصيب] (2)، وذلك أربعة، تبقى ستةَ عشرَ، فنسقط للخال
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) زيادة من المحقق.

(10/199)


جذرها أربعة، يبقى اثنا عشر، فنسقط للأجنبي ثلثها وهو أربعة، يبقى من الثلث ثمانية، نزيدها على ثلثي المال وهو أربعون، فيصير ثمانية وأربعين بين البنين لكل واحد منهم ستةَ عشرَ.
فصل
في الوصية بالنصيب والجزءِ المفروض مع استثناء الجذور منها واستثنائها من الجذور
6839 - مثال: ثلاثة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذرَ نصيب أحدهم.
فاجعل نصيب كل ابن عدداً مجذوراً، أيَّ عددٍ شئت، بعد أن يكون له جذر صحيح أقل منه، فإن جعلته أربعة، فالوصية اثنان، والأنصباء اثنا عشر، فزد عليها الوصية تكون أربعة عشر، وادفع إلى الوصية اثنان وهو مثل نصيب أحدهم إلا جذر نصيب أحدهم.
6840 - فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذرَ جميع المال، فخذ مالاً وانقُص منه نصيباً، واسترجع من النصيب جذرَ مالٍ، يبقى مال وجذر إلا نصيب (1) يعدل ثلاثة أنصباء واجبر المال بنصيب، وزد على عديله نصيباً، فيصير مال وجذر يعدل أربعة أنصباء.
فاجعل المال عدداً مجذوراً إذا زدت عليه جذره انقسم على أربعة، وذلك ستةَ عشرَ، وإذا زدت عليها جذرها، صار عشرين، فاقسمها على أربعة، فالنصيب إذاً خمسة، فإذا أنقصت من النصيب وهو خمسة جذر المال، وهو أربعة بقي واحد، وهي الوصية، فانقصه من المال تبقى خمسةَ عشرَ بين البنين لكل واحد منهم خمسة، وقد أخذ الموصى له خمسة إلا جذرَ المال.
__________
(1) نُذكر أننا نُبقي على مثل هذه؛ لاحتمال أنها جرت من المؤلف مجرى رواية الحديث الشريف: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون".

(10/200)


6841 - فإن أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا جذرَ المال، وأوصى لآخر بجذر ما بقي من الثلث.
فإن شئت جعلتَ التركة تسعة أموال، وقلت: جذورها ثلاثة [أجذار] (1)، من لفظ التسعة، وتجعل نصيبَ كلِّ ابن مالَيْن، وثلاثةَ أجدار، وتجعل الوصيةَ بالنصيب مالَيْن وثلاثة أجذار، على مقدار نصيب كل ابن.
وإنما وضعنا المسألة كذلك، حتى ينتظم [لنا] (2) استثناء جذر التركة من النصيب الموصى به. فقدَّرنا كلَّ نصيب مالَيْن وثلاثةَ أجذار، حتى تكون [الوصية] (3) كذلك، والمجموع ستة أموال وتسعة جذور.
وإذا كان المال تسعة والتصرف بالوصايا في الثلث، فالثلثان ستة أموال، فهذا هو الذي راعيناه في تقريب وضع الأموال من أنصباء البنين، وألحقنا بكل نصيب ثلاثة جذور ليلحق منها في الوصية بالنصيب؛ حتى يتسق الاستثناء.
ثم نبتدىء فنقول: نأخذ من الثلث للوصية بالنصيب مالَيْن وثلاثةَ أجذار، والباقي من ثلث التركة بعد الوصية الأولى، مال، وإنما قدرناه مالاً، لنخرج جذره إلى الوصية الثانية، فيخرج الوصيتان، وهما مالان وجذر من المال الذي كان بقي من الثلث، والثلاثة الأجذار التي ضممناها إلى المالَيْن لسنا نحسبهما من الثلث، وإنما هي تقدير لفظي من اصطلاحات الجبريين، والمقدار المفهوم ما نبهنا عليه من إمكان الاستثناء، ثم إذا كانت التركة تسعة أموال، وقد أخرجنا مالَيْن [للوصية] (4) الأولى، [وأخرجنا] (5) جذر مال [للوصية الثانية] (6)، فيبقى من الثلث مالٌ غيرَ جذر، فنضمه إلى الثّلثين، فتصير سبعة أموال إلا جذراً واحداً يعدل أنصباء البنين، وهي ستة
__________
(1) كأن هذه اللفظة مقحمة لا معنى لها.
(2) في الأصل: لما.
(3) في الأصل: النصيب.
(4) في الأصل: من الوصية.
(5) في الأصل: فأخرجنا.
(6) زيادة من المحقق.

(10/201)


أموال، وتسعة أجذار، فإذا جبرتَ وقابلت، صار مال واحد يعدل عشرة أجذار؛ فإنا نسقط ستة أموال بستة أموال، فبقي مال في مقابلة عشرة أجذار: تسعة وضعناها في المسألة، وجذر عاشر زدناه للمقابلة.
وإذا كان المال يقابل عشرة أجذار، والجذر عشرة، والمال مائة، وقد قدرنا التركة تسعةَ أموال، فهي تِسعُمائة، والنصيب مالان وثلاثة أجذار، فهو إذاً مائتان وثلاثون، ووصية الأول نقدرها مائتين وثلاثين، ونسترجع جذر المال، وهو ثلاثة جذور، فنردّها إلى الثلث: ثَلاثمائة، فيبقى للوصية الأولى بعد الاسترجاع مائتان، ويبقى من الثلث مائة، [فنصرف] (1) جذرَها إلى الوصية الثانية، وهو عشرة، والوصيتان جميعاً مائتان وعشرة، فإذا ألقيتهما بقي ستمائة وتسعون، لكل واحد مائتان وثلاثون.
وفي هذه المسألة عبارةٌ اصطلاحية لا [يستد] (2) فيها قياس يعدل في الثلث والثلثين، فإنا أخرجنا من الثلث مالَيْن، وثلاثة أجذار، واسترجعنا ثلاثة أجذار، فقياس هذا التعديل أن يقول القائل: "الثلث ثلاثة أموال وثلاثة أجذار، والثلثان ستة أموال وستة أجذار". ولم نضع المسألة كذلك، والسبب فيه أن الجذور التي نستردها نجبر بها بقية الثلث، وبها تصير بقية الثلث مالاً، وكانت تلك الأجذار الثلاثة مقدّرة غيرَ محققةٍ. وهذا بيّنٌ في الامتحان؛ فإنا جعلنا ثلث المال ثَلاثمائة، وقدرنا النصيب مائتين وثلاثين، وانتقص باقي الثلث عن مال؛ فإنّ كل مال مائة، ثم استرجعنا الثلاثين وضممناه إلى [السبعين] (3)، فتم الباقي مائة، وهي المال.
[فلكوْن] (4) هذه الجذور الثلاث تقديرية لم نلتزم إثباتَ ضعفها في الثلثين، والثلث في الحقيقة ثلاثة أموال. فحسب. فهذا بيان هذه المسألة.
ومما يجب التنبه له أن هذه المسائل المدارة على الأجذار إلى وضع الواضع،
__________
(1) في الأصل: فنضرب.
(2) في الأصل: يستند، ويستدُّ بمعنى يستقيم، وقد سبقت مراراً.
(3) في الأصل: التسعين.
(4) في الأصل: فلو كانت.

(10/202)


والمسائل الحسابية يُحمل مطلقها على أقل الإمكان، والجذور لا أقل لها ولا نهاية لها في طرق الكثرة، فلهذا قيدنا كل وضع بالمشيئة؛ قلنا: إن شئت. ولو قدرت الأموال أقل أو أكثر، [لاستقام] (1) الكلام، ولكن قد تدق مخارج الكسور، ومُدرَك مخارجها سهل، وإنما [يعسر] (2) على المبتدىء ضمُّ الأجزاء من المخارج المختلفة، وردُّها إلى الكسور المعتادة التي ينتظم منها الأجزاء المألوفة، فوضع الحذاق مسائل الجذور على وجوه يقرب تناولها. ومن مهرَ في الحساب وتدرّب في العمل، وضع اعتبارها وحط ما مضى؛ فإن هذه المسائل لا يقع بها الفتوى في المقدار إلا إذا شرطت.
فهذا منتهى الإمكان في البيان.
6842 - فإن أوصى لرجل بثلث ماله إلا جذراً.
فنقدّر المالَ مجذوراً [له ثلث صحيح] (3)، [و] (4) ندفع إلى الموصى له ثلث المال ونسترجع منه جذراً، ونردّه على ثلثي المال، فيكون ثلثا مال وجذر، يعدل ثلاثة أنصباء.
وقد جعلنا المال عدداً مجذوراً له ثلث صحيح. وإذا أردنا التقريب، جعلنا ثلثيه بحيث إذا زيد عليه جذرُه، انقسم المبلغ على ثلاثة، وأقل ذلك ستة وثلاثون، فندفع ثلثَها، وهو اثنا عشر إلى الموصى له، ونسترجع منه جذرَ المال، وهو ستة يبقى معه ستة، وهي وصيته، ونزيد ما استرجعناه على ثلثي المال، وهو أربعةٌ وعشرون فيبلغ ثلاثين بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم عشرة.
وإن شئت فرضت المال أحداً وثمانين، ودفعت ثُلثَه وهو سبعة وعشرون إلى الموصى له، واسترجعت منه جذر المال وهو تسعٌ، وزدته على ثلثي المال؛ فيبلغ ثلاثة وستين، بين ثلاثة بنين.
__________
(1) في الأصل: لاستقامة.
(2) في الأصل: العسر.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: أو.

(10/203)


وقد ذكرنا أن هذا التخيير [في] (1) مجاري الحساب في إلقاء المسائل والإجابة عنها، فأما الفقه، فإنه لا يحتمل هذا، ومسلكه ما قدمناه غيرَ مرة.
وقد أعدت هذا الكلام عمداً مراراً؛ حتى يستبين الناظر ما يجب.
فصل
في الوصية بالجذور المضافة إلى الجذور وما يجري مجراها
6843 - ثلاثة بنين، وقد أوصى لأخيه بمثل نصيب أحدهم، ولخاله بجذر وصية الاخ، ولعمه بجذر الوصيتين جميعاً.
فنجعل نصيبَ كلِّ ابن مالاً مجذوراً؛ لأنه قدّر [للوصية] (2) بالنصيب جذراً، والوصيةُ بالنصيب مقدارها مقدار نصيب كل ابن، فإذاً وصية الأخ نجعلها مالاً، ونجعل وصية الخال جذراً، وهاهنا موقف يتعين تأمله، فنجعل الوصية بالنصيب مالاً، وهو وصية الأخ، ونجعل وصية الخال جذراً، ولا يتأتى لنا عبارة في الوصية الثالثة على هذا النسق؛ فإنه لا [نملك] (3) أن نقول: اجعلها [مالاً، ولا جذراً] (4)، ولو قلت: اجعلها جذرين، كان خطأ؛ فإنها جذر مالَيْن مجموعين، وليس جذريْ مالَيْن، وهما مختلفان أيضاً؛ فإن أحدهما جذرٌ والآخر مال.
فلنُضف (5) الحُسّاب في ذلك، وقالوا: اجعل الوصية للعم أيَّ محدد شئت إلا جذراً، وسننبه على ذلك، إذا اطردت المسألة، فإن جعلتها ثلاثة إلا جذراً، فاضربها في مثلها، وقل: ثلاثة إلا جذراً في ثلاثةٍ إلا جذراً. وقد ذكرنا في أصول الجبر
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: الوصية.
(3) في الأصل: تمليك.
(4) عبارة الأصل: اجعلها مالاً جذر.
(5) كذا، بالنون والضاد، والفاء. ولعلها من أضافه أي أنزله ضيفاً عنده، والمعنى نستعير عبارتهم. أو من أضاف إليه بمعنى استأنس به، أو أضافه بمعنى ضمه إليه. وكل ذلك صالح لأن يُراد هنا (المعجم الوسيط).

(10/204)


والمقابلة معنى الضرب في مثل هذا، فإذا ضربت [ثلاثة] (1) إلا جذراً في ثلاثة إلا جذراً، فالمردود تسعة أعداد، ومال إلا ستة أجذار، فإنك تحتاج إلى أربع ضربات، فنضرب ثلاثة في ثلاثة فترد تسعة، وتضرب إلا جذراً في ثلاثة، فترد ثلاث مرات إلا جذراً، وتضرب الثلاثة في إلا جذراً، فترد ثلاثة أخرى إلا جذراً، فيجتمع ست مرات إلا جذراً. وبقيت ضربةٌ واحدةٌ وهي ضربة إلا جذراً في إلا جذراً، وهذا يردّ مالاً زائداً، فالمجموع تسعة أعداد ومال إلا ستة أجذار، وهذا يعدل وصية الأخ [والخال] (2) وهما مال وجذر. وهذا موضع التنبيه، كما ذكرناه.
فنقول: أخذنا عدداً على حسب المشيئة، واستثنينا منه جذراً، ثم ضربناه في نفسه حتى يصيرَ مجذوراً، فيصير المبلغ بعد الضرب معادلاً لما نطلبه؛ فإنا [نَبغي] (3) المالَ والجذرَ (4) مجموعين، وهما في [الوضع] (5) مجهولان، وإنما نتسلق بهذه الطريقة عليها حتى نضعَها وضعاً يستقيم فيه ما نريد، وإنما استثنينا جذراً من العدد الذي اخترناه حتى إذا ضرب في نفسه بطرف (6) استثناء الجذر، ثم ينتهي الكلام بالجبر والمقابلة إلى معرفة قيمة الجذور أيضاً، ففي ضرب عدد إلا جذراً في مثله ردُّ مالٍ زائد، ومعنا مال وجذر، فنجعل الفرضان في المعادلة، [فنعدّل] (7) ونقول: تسعة أعداد ومال إلا ستة أجذار، تعدل مالاً وجذراً، فنجبر الأعداد بستة أجذار، ونزيد على عديلها مثلها، فيحصل معنا تسعة أعداد ومال في مقابلة مال وسبعة أجذار، فالمال بالمال، تبقى سبعة أجذار في مقابلة تسعة أعداد، فقيمة كل جذر واحدٌ وسبعان، فنضربها في مثلها، فيكون أحداً وثمانين جزءاً من أجزاء التسعة وأربعين
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) مزيدة من المحقق.
(3) في الأصل: نُبقي. وهو تحريف خفي يدق مدركه.
(4) عبارة الأصل: جذر المال والجذر.
(5) في الأصل: الموضع .. والمراد بالوضع هنا: الفرض والتقدير.
(6) كذا.
(7) في الأصل: فنعول.

(10/205)


جزءاً من درهم؛ فإن الدرهم إذا سبّعناه، وضممنا إليه [السُّبعَيْن] (1)، ثم ضربنا تسعة في تسعة، فترد أحداً وثمانين، وليس هذا البسط بالأَتساع الذي نعهد، إنما هو ضربٌ؛ فإن الجذر يضرب في نفسه، ولكنا قلنا: أحداً وثمانين جزءاً من أجزاءِ تسعة وأربعين، لأن كل حصة الدرهم من أحدٍ وثمانين تسعة وأربعين، فقل: هذا هو المال، وهو نصيب كل ابن، وكذلك وصية الأخ، ووصية الخال مثل جذر هذا المال، وذلك درهم وسبعان، وصيّرنا الأجزاء ثلاثة [وستين] (2) من أجزاء تسعة وأربعين من درهم، وجملة وصيَّتَيْ الأخ والخال مائة وأربعة وأربعون جزءاً من أجزاء تسعة وأربعين، وجذرها درهم وخمسةُ أسباع، فهي وصية العم.
والوصايا كلها مائتان وثمانية وعشرون من أجزاء تسعة وأربعين.
وإذا [جُعلت دراهم] (3) وقُرّب القول في الكسر، [فهو] (4) أربعة دراهم واثنان وثلاثون جزءاً من تسعة وأربعين جزءاً من درهم، وجملة المال ثمانية دراهم وثلاثة وعشرون جزءاً من تسعة وأربعين جزءاً من درهم، والوصايا زائدة على ثلث المال.
6844 - فإن أوصى لأخيه بجذر نصيب أحدهم، ولعمه بجذر باقي النصيب، فاجعل النصيب مالاً مجذوراً، ووصية الأخ جذرَه، وأما الوصية بجذر باقي النصيب، فأمر لا يهتدى إليه وَضعاً، كما ذكرناه في الوصية الثالثة في المسألة الأولى.
والوجه أن نجعل وصيةَ العم أي عدد شئت إلا جذراً، فإن جعلته ثلاثةً إلا جذراً، فاضربها في مثلها، فتكون تسعة أعداد ومال إلا ستة أجذار، وهذا يعدل مالاً إلا جذراً، وهو الباقي من نصيب الابن بعد إخراج وصية الأخ، فإذا جبرت وقابلت، فنقول نجبر ما في هذا الجانب بستة أجذار، ونزيد مثلها على الجانب الآخر، وفي الجانب الآخر مال إلا جذر، فإذا زدت عليه [ستة] (5) أجذار، صار مالاً وخمسة
__________
(1) في الأصل: التسعين.
(2) في الأصل: وثلاثون.
(3) في الأصل: "وإذا جمعت درهم".
(4) في الأصل: "وهو".
(5) في الأصل: ثلاثة.

(10/206)


أجذار في مقابلة تسعة [أعداد] (1) ومال، فالمال بالمال تبقى تسعة أعداد في مقابلة خمسة أجذار، فقيمة الجذر، درهم وأربعة أخماس درهم، فاضربه في مثله، فيكون أحداً وثمانين جزءاً من أجزاء خمسة وعشرين، وهي ثلاثة دراهم وستة أجزاء من خمسة وعشرين جزءاً من درهم، وذلك هو النصيب، فانقُص منه وصية الأخ [جذرها] (2): درهم وأربعة أخماس، تبقى ستة وثلاثون جزءاً من أجزاء خمسة وعشرين، فانقص منها وصية العم، وهي جذر هذه الستة والثلاثين جزءاً من أجزاء خمسة وعشرين، وجذر هذا المبلغ درهم وخمس، فالوصيتان جميعاً ثلاثة دراهم، والتركة كلها اثنا عشر درهماً وثمانية عشر جزءاً من خمسة وعشرين جزءاً من درهم.
6845 - ثلاثة بنين وقد أوصى لخاله بجذر نصيب ابن، ولعمه بجذر وصية الخال، ولأجنبي بجذر وصية العم.
فاجعل وصيةَ الأجنبي أيّ عدد شئت، بعد أن يكون أكثر من واحد، وإن جعلته اثنين، فوصية العم أربعة، ووصية الخال ستة عشر، ونصيب كل ابن مائتان وستة وخمسون درهماً، وجذرها ستة عشر، وجملة المال سبعمائة [وتسعون] (3).
وإنما كان كذلك لأن وصية الأجنبي جذر وصية العم، فإذا كانت وصية الأجنبي اثنين، فوصية العم أربعة، ووصية العم جذر وصية الخال، وهذا التناسب يقتضي أن يكون وصية الخال ستةَ عشرَ، ووصية الخال جذر النصيب، فلذلك صار نصيب كل ابن مائتين وستة وخمسين.
فصل
في الجمع بين التكملات والجذور
6846 - ثلاثة بنين وقد أوصى لرجل بتكملة ثلث ماله بجذر نصيب أحدهم.
فالوجه أن تجعل ثُلثَ المال مالاً وجذراً. وادفع المال إلى الموصى له، يبقى
__________
(1) في الأصل: أجذار.
(2) في الأصل: جذر.
(3) في الأصل: وسبعون.

(10/207)


جذر، فردّه على ثلثي المال، فيكون الثلثان مالَيْن وثلاثةَ أجذار، وذلك يعدل ثلاثةَ أموال؛ لأن نصيب كل ابن مال، فنسقط مالين، بقي مال واحد يعدل ثلاثةَ أجذار، فجذر المال ثلاثة، والمال تسعة، وقد كان ثلث المال مالاً وجذراً، فالثلث اثني عشر، والتركة ستة وثلاثون، والوصية تسعة، نسقطها من المال يبقى سبعة وعشرون، بين ثلاثة بنين، لكل واحد تسعة، وللوصية تسعة، وقد أخذ الموصى له تكملة الثلث بجذر نصيب أحدهم، وذلك مثل ثلث المال إلا جذر نصيب أحدهم.
6847 - فإن أوصى بتكملة ربع ماله بجذر نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بجذر ما تبقى من [ثُلثه] (1).
فالوجهُ أن نجعل النصيب مالاً، لمسيس الحاجة إلى الجذر، ثم نقول: ثلث التركة مالٌ، ووصيةُ الرجل الأول، وهو ربع التركة إلا جذراً -وهذا معنى التكملة بالجذر- ثم نُسقط التكملة من الثلث، فيبقى من الثلث مال؛ فإنا جعلنا الثلث تكملة على حسب الوصية مالاً، ثم كما حططنا التكملة من الثلث تقديراً، فكذلك ننقصُ من المال الباقي من الثلث الوصيةَ الثانيةَ، وهي جذرُ المال، يبقى من الثلث، مالٌ إلا جذراً، فالثلثان مالان ونصف التركة إلا جذرين، وقد ضممنا إلى الثلثين ما كان بقي من الثلث بعد الوصيتين،. وهو مال إلا جذر، فيجتمع معنا ثلاثة أموال، ونصف التركة إلا ثلاثة أجذار.
وهذا المجموع يعدل أنصباء البنين، وهي ثلاثة أموال، فنجبر ما معنا بثلاثة أجذار، ونزيد على الأنصباء مثلها، فتصير ثلاثة أموال ونصف تركة معادلة لثلاثة أنصباء، وثلاثة أجذار، فنسقط الأموال بالأموال، فيتبقى نصف تركة في مقابلة ثلاثة أجذار، فالتركة إذاً ستة أجذار. وثلثها جذران، وقد كان ثلث التركة مالاً وربع تركة إلا جذراً، فربع التركة إذاً جذر ونصف، فإذا استثنيت منه الجذرَ، بقي نصفُ جذرٍ، وهو تكملة الربع، وذلك وصية الأول، فانقصها من ثلث التركة، وهو جذران، يبقى جذر ونصف، يعدل مالاً؛ من أجل أنا جعلنا باقي الثلث مالاً، فالمال درهمان وربع، وهو نصيب كلِّ ابن، وجذره درهم ونصف، والتركة ستة أجذار، فهي تسعة
__________
(1) في الأصل: ثلاثة.

(10/208)


دراهم، فخذ ثلثها: ثلاثة، وانقص منها تكملة الربع، وذلك ربع [الستة] (1) إلا جذرَ النصيب، وهو ثلاثة أرباع درهم، فإن ربع التسعة درهمان وربع، فإذا حططت منه جذر النصيب وهو درهم ونصف، بقي ثلاثة أرباع درهم، فهذه الوصية الأولى، فيبقى من الثلث درهمان وربع، فادفع جذرها إلى الموصى له الثاني، وذلك درهم ونصف، يبقى من الثلث ثلاثة أرباع درهم، فردّها على ثلثي المال، وهو ستة، فيبلغ ستة وثلاثة أرباع بين ثلاثة بنين لكل واحد منهم درهمان وربع.
وقد نجز غرضنا من القول في الجذور، وما يتعلق بها.
القول في الوصايا المقيدة بالدراهم والدنانير وما في معناها.
فصل
في الوصية بالنصيب وبدراهم مقيدة
6848 - مضمون هذه المقالة قريبٌ، وإنما يكتسب بعض الغموض إذا ضُمّ إليه مقتضى الأبواب المتقدّمة؛ فإذا تركبت المسائل أحوجت إلى بعض الفكر.
فنقول: إذا كان ثلاثة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهمٍ.
فاجعل التركة أيَّ عدد شئت بعد أن تكون بحيث إذا عزلت منها درهماً، وقسمت الباقي بين ثلاثة بنين والموصى له على أربعة، كان النصيب المفروض للواحد مع الدرهم الذي عزلت مثلَ ثلث التركة أو أقل منه.
فإن جعلنا التركة عشرة دراهم، فانقص منها درهماً أولاً، تبقى تسعة فاقسمها على أربعة بنين؛ فيكون النصيب الخارج من القسمة درهمين وربعاً، فَزِدْ عليه الدرهم الذي نقصته، فيكون ثلاثة وربعاً، فهي الوصية. ولكل ابن درهمان وربع.
فإن أردت أن يزول الكسر وتخرج الأنصباء صحيحة، فاطرح الدرهم من العشرة أولاً، فتبقى تسعة فاضربها في أربعة، فتبلغ ستة وثلاثين، فزد عليها الدرهم الذي
__________
(1) في الأصل: " ربع السبعة الأجذار النصيب " وهو تصحيف نشأ من تداخل كلمتين في كلمة مع تحريف الستة إلى السبعة.

(10/209)


أسقطت، فيبلغ سبعة وثلاثين، فهي التركة ونصيب كل ابن تسعة لأنه كان لكل ابن في الأصل درهمين وربع، وإذا ضربت ذلك في أربعة، فإن ذلك تسعة، وللموصى له ربعها وزيادة درهم، فذلك عشرة.
فإن جعلت التركة ثلاثة عشر درهماً، فانقص منها درهماً، تبقى اثنا عشر بين أربعة لكل واحد منهم ثلاثة، فزد الدرهم على الثلاثة يكون أربعة، فهي وصية الموصى له، وقد خرجت السهام كلها صحيحة بلا كسر.
والقسمة التي ذكرها الحُسّاب تتفاوت بتفاوت الأعداد المفروضة تفاوتاً بيّناً، فإذا فرضنا المال عشرة، ونزلنا القسمة عليها، خرج للموصى له ثلاثة وربع، وهو أقل من الثلث.
ولو فرضنا القسمة من أحدٍ وعشرين، وعزلنا درهماً، وقسمنا عشرين بين أربعة خمسة خمسة، وزدنا الدرهم المعزول على القسمة، فالوصية تصح من هذا العدد، والنسبة من أحدٍ وعشرين أقل من ثلاثة وربع من عشرة، وكلما ارتقينا في العدد، وفرضنا عدداً منقسماً على أربعة وزيادة درهم، قلّت الوصية، والأربعةُ من الثلاثة عشر أقل من ثلاثة وربع من عشرة.
ولو فرضنا القسمة من تسعة، فنعزل درهماً منها، ونقسم الثمانية على أربعة، فنصيب كل واحد درهمان، فإذا ضممنا الدرهم المعزول إلى الوصية كانت الوصية ثُلثاً من غير نقصان.
وإن جعلنا المال خمسة وعزلنا درهماً، وقسمنا الأربعة على الأربعة، وضممنا الدرهم المعزول إلى الوصية، زادت الوصية على الثلث.
فإذا تبين ما ذكرناه من نقصان الوصية بالجزئية إذا كثر العدد، وثبت زيادة الوصية بالجزئية إذا قل العدد، فما وجه الفقه والفتوى؟ وكيف ننزله، والفقه لا يحتمل التخيّر بين القليل والكثير؟
فالذي يجب القطعُ به عندي أن الوصية إذا كانت مطلقة، يجب تنزيلها على ما يصادَف في التركة، فنعزل درهماً، ونقسم الباقي على أربعة، ثم نرد الدرهمَ إلى الوصية، ثم ننظر: فإن كانت الوصية منحصرة في الثلث، جازت ونفذت، وإن

(10/210)


زادت على الثلث، افتقرت الزيادة على إجازة الورثة. وهذا بمثابة [تنزيلنا] (1) الوصيةَ بجذر المال قدراً وجنساً، [فإن كان] (2) المال القائم مما يُطلَبُ جذره في جنسه، لكونه مقدّراً، نزلنا الوصية عليه، وإن كان متقوّماً نزلناها على قيمته.
فهذا حظ الفقه.
وما ذكره الحساب تقديراتٌ، لا ينزل الفقه عليها، إلا بشرط الموصي، كما ذكرناه في باب الجذر، وذلك بأن يقول: تركتي عشرة دراهم، فقسموها أحداً وعشرين عدداً، وزيدوا للوصية واحداً من العدد، فإذْ ذاك ظهر التفاوت.
ومما يجب التنبّه له على وضوحه: أنه إذا أوصى لرجل بنصيب أحد البنين وقال زيدوه درهماً، فقد يتخيل المتخيل أنا نقسم المال [أقساماً] (3) من غير تقدير عزل الدرهم، ونسلّم إلى الموصى له ربعاً من هذه الجهة، ونزيده درهماً مسترجعاً من أنصباء البنين، وهذا زلل، لا سبيل إلى المصير إليه، ومقتضى الوصية عزلُ الدرهم، وقسمةُ الباقي أرباعاً، ثم ردُّ الدرهم.
وعلى هذا الوجه ينتظم زيادة الوصية على ما حصل لكل ابن بدرهم، ولو صرفنا إليه ربعاً قبل عزل الدرهم، ثم ضممنا إليه درهماً، لكانت زيادة الدرهم على كل (4) نصيب أكثر من درهم.
وإنما نبهنا على مسلك الفقه، وذكرنا مفارقة طرق الحُسّاب لمسلك الفقه، وحملناها على تقريبات [للدربة] (5)، فلا نعود إلى هذا التفصيل فيما نذكر من الفصول بعد ذلك، ونقتصر على طرق الحُسّاب، فإن سنحت طريقة في الفقه سوى ما نبهنا عليه، لم نغفل عنها، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في الأصل: تنزيلها.
(2) في الأصل: "فكان".
(3) مكان كلمة مكشوطة في الأصل، وقدرناها على ضوء السياق.
(4) على كل نصيب: المعنى على النصيب، أي جنس النصيب. وأمرُ الحساب واضح لمن له شيء من الإلمام به.
(5) في الأصل: كلمة غير مقروءة.

(10/211)


فصل
في الوصية بالنصيب مع استثناء [دراهم مقيدة] (1) منه
6849 - ثلاثة بنين، وقد أوصى بنصيب أحدهم لإنسان إلا درهماً.
فالطريق فيه إن قدرنا التركة عشرة دراهم مثلاً، أن نزيد عليها درهماً مقدّراً، فتكون أحدَ عشرَ درهماً، فنقسمها بين أربعة، فيخرج من القسمة اثنان، وثلاثة أرباع، فذلك نصيب كل ابن، وننقُص من الوصية درهماً، فيبقى للموصى له درهم وثلاثة أرباع، هي الوصية، ونقدِّر التركة في الأصل عشرة، وننقص منها للوصية درهماً وثلاثة أرباع، تبقى ثمانية دراهم وربع بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم درهمان، وثلاثة أرباع.
وهذا سهل المُدرك.
وإن أردت إخراج المسألة من عددٍ صحيح، فقدّر للموصى له أيَّ عدد شئت، وأثبت لكل ابنٍ مثله مع زيادة درهم، فإن شئت قلت: للموصى له درهمان، ولكل ابن ثلاثة، والمجموع أحد عشر، فنقدِّر التركة أحد عشر، وإن شئت قلت: للموصى له ثلاثة، ولكل ابن أربعة، وهكذا إلى حيث تزيد.
وهذا وفصولٌ بعده من الجليّات التي لا حاجة إلى استعمال طريقة [مقيَّدة] (2) لاستخراج المجاهيل فيها.
6850 - وذكر بعضُ المتكلفين طريقةً، وجرُّوا إلى أنفسهم وجوهاً من التعقد، حيث لا حاجة إليها، ولسنا لأمثالها، فمما ذكروه: ما إذا أوصى لرجلٍ بسدس ماله، وبدرهم، وله ثلاثة من البنين، فالوجه إخراجُ السدس الكامل، وإخراجُ درهم غيرِه، وقسمةُ الباقي على البنين، وهو بمثابة ما لو أوصى لرجلٍ بسدس ماله، وأوصى لآخر بدرهم، فنقيّد الوصيتين، ونقسم التركة بعدها على الورثة [كما] (3) كانوا.
__________
(1) في الأصل: درهم نقيده.
(2) في الأصل: مفيدة.
(3) في الأصل: ثم.

(10/212)


وإن أردت أن تتكلف تصحيح فريضة الميراث من عددٍ صحيح [وهذا] (1) من اقتراحات الحسّاب، التي ليس لها كبير فائدة، ولكن سبيلها أن نقول: نأخذ مالاً ونسقط منه سدسه ودرهماً، تبقى خمسة أسداس إلا درهماً تعدل (2) ثلاثة أنصباء، فنجبر خمسة أسداس المال بالدرهم، ونزيد على الأنصباء درهماً، فييلغ ثلاثة أنصباء ودرهم، تعدل خمسة أسداس المال، فنكمل المال بأن نزيد عليه مثلَ خُمسه، فيصير مالاً كاملاً، ونزيد على ما يعادله أيضاً خُمسه، فيكون مالاً يعدل ثلاثةَ أنصباء وثلاثةَ أخماس نصيب ودرهماً وخمس درهم، فنضرب الأنصباء الثلاثة وثلاثة أخماس نصيب، في عدد يصير به المبلغ مقداراً إذا زدت عليه الدرهم والخمس، صار الجميع عدداً صحيحاً، وذلك بأن نضربها في ثلاثة، فيبلغ عشرة دراهم، وأربعة أخماس درهم، وإذا زدت عليها الدرهم والخمس، صار اثني عشر درهماً، والفرض فيه إذا كان سهمٌ مما معك درهماً، فلصاحب السدس والدرهم ثلاثة دراهم، يبقى تسعة دراهم، بين ثلاثة بنين لكل واحد منهم ثلاثة.
6851 - ومما يظهر مُدركه أيضاً أن يوصي لرجل بسدس ماله إلا درهماً، فالوجه فيه أن نعمد إلى سدس التركة، ثم نحط منه درهماً، ونسلّمه إلى الموصى له، ونقسم خمسة أسداس المال والدرهم الزائد بين الورثة، على فرائض الله تعالى.
فإن أردت فرض عدد صحيح، فوجهه أن نقول: نأخذ مالاً، ونُلقي سدسه، ونسترجع منه درهماً، ونزيده على خمسة أسداس المال، فيكون الباقي خمسةَ أسداس مال ودرهماً تعدل ثلاثة أنصباء فتكمل أجزاء المال، وسبيل تكميله أن نزيد عليها مثل خُمسها، وإذا أردنا ذلك، زدنا على كل ما في المسألة مثل خمسه، حتى يعدّل الأمر ويتناسب، فنقول: مال ودرهم وخمس درهم، يعدل ثلاثة أنصباء وثلاثة أخماس، فاضرب الأنصباء والأخماس في عدد إذا أنقصت من مبلغه درهماً وخُمسَ درهم، كان الباقي عدداً صحيحاً، وذلك سبعة، واستخراجُ مثل هذا العدد بالدُّربة والامتحان، ولولا سهولته، لاستخرج الحساب مسلكاً يسهل العبور فيه من العدد الذي نطلبه في
__________
(1) قدرناها مكان كلمة مكشوطة من الأصل.
(2) عبارة الأصل: تعدل منه ثلاثة أنصباء.

(10/213)


هذه المسألة سبعة، فاضرب فيها ثلاثة وثلاثة أخماس، فيبلغ خمسة وعشرين وخُمساً، فإذا أسقطت منها الدرهم والخمس، بقي أربعةٌ وعشرون، فمنها تصح المسألة، فادفع سدسها، وهو أربعة إلى الموصى له، واسترجع منه درهماً، تبقى ثلاثة، وهو مثل سدس المال إلا درهماً، والباقي من المال بعد هذه الوصية أَحدٌ وعشرون بين البنين، لكل واحد منهم سبعة، وقس على هذا ما في مبناه.
فصل
في الوصية بالنصيب وبجزءٍ مفروض ودرهم أو دراهم معينة
هذا النوع [يُحوج] (1) إلى استعمال الطرق المرشدة إلى الكشف من غير ذكر درهم، فإذا ذكر الدرهم [زادت] (2) تعقيداً، فنقول فيها:
إذا خلّف خمسةَ بنين، وقد أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم ودرهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلثه ودرهم.
فخذ ثلثَ مال، واطرح منه نصيباً ودرهماً، يبقى ثلثُ مال إلا نصيباً، وإلا درهماً، فاطرح منه للموصى له الثاني ثلث هذا الباقي ودرهماً آخر، وهكذا وصيته.
فيبقى تسعا مال إلا ثلثي نصيب وإلا درهماً وثلثي درهم. أما استثناء ثلثي النصيب فبيّن، وأما استثناء الدرهم، فلنسلّمها إلى الوصية الثانية الدرهم، وأما ثلثا الدرهم، فقد كان الباقي من الثلث بعد الوصية [الأولى] (3) ناقصاً بدرهم، فلما أخذ الموصى له الثاني ثلثه أخذه مع نقصان ثلث درهم، فبقي نقصان ثلثي درهم، فالباقي إذاً تسعا مال إلا ثلثي نصيب، وإلا درهم، وثلثي درهم، فزد ذلك على ثلثي المال، فيصير المجموع ثمانية أتساع مال، إلا ثلثي نصيب، وإلا درهماً وثلثي درهم تعدل خمسة أنصباء، ونجبر الثمانية الأتساع بما فيها من الاستثناء، فتعدل بعد المقابلة ثمانيةُ أتساع
__________
(1) في الأصل: يخرج.
(2) في الأصل: زدت.
(3) في الأصل: الثانية.

(10/214)


مال خمسةَ أنصباء وثلثي نصيب ودرهماً، وثلثي درهم، فكمّل أجزاء المال بأن تزيد عليها ثمنها، ونزيد على ما يعادلها أيضاً ثمنها، فيكون مال يعدل ستةَ أنصباء، وثلاثة أثمان نصيب، ودرهماً وسبعة أثمان درهم.
هكذا تخرج إذا تأملتَ، فلم نطل الكلام بذكره، فاطلب عدداً إذا ضرب فيه ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب، بلغ مبلغاً إذا زدت عليه الدرهم والسبعة الأثمان، كان جميع ذلك عدداً صحيحاً، وذلك العدد ثلاثة، فاضربها في ستة وثلاثة أثمان، فيكون تسعةَ عشرَ وثمناً، فإذا زدت عليه الدرهم والسبعة الأثمان، كان المبلغ أحداً وعشرين. ومن ذلك تصح القسمة، والنصيب ثلاثة، فإنك بسطت الأنصباء بالضرب في ثلاثة.
والامتحان: أن نأخذ ثلثَ المبلغ سبعة، وتدفع إلى الموصى له بالنصيب والدرهم أربعة: ثلاثة عن جهة النصيب، والرابع هو الدرهم الزائد، يبقى ثلاثة، فادفع منها [ثلثها] (1) ودرهماً إلى الموصى له الثاني، يبقى درهم نزيده على ثلثي المال، وهو أربعة عشر، فيبلغ خمسة عشرَ، بين خمسة بنين لكل واحد منهم ثلاثة مثل النصيب.
فصل
في الوصية بالنصيب وبالجزءِ مع زيادة درهم واستثناء درهم.
6852 - والمثال: خمسة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا درهماً، ولآخر بثلث ما تبقى من ثُلثه ودرهم.
فالوجه أن نأخذ ثلثَ مال، ونلقي منه نصيباً إلا درهماً، يبقى ثلثٌ ودرهم إلا نصيب، فادفع ثلثَ ذلك ودرهماً إلى الموصى له الثاني، يبقى [تُسعا مالٍ] (2) إلا ثلث درهم، وثلثي نصيب.
__________
(1) في الأصل: ثمنها.
(2) في الأصل: تسعة أثمان. ويا بُعد ما بين العبارتين. ويا للْجهد والوقت المبذول لإدراك الصواب من الخطأ.

(10/215)


وبيان ذلك أنه بقى بعد الوصية الأولى ثلث [مال] (1) ودرهم إلا نصيب، وأخذ [الثاني] (2): ثلثَ الثلث والدرهم، فكان مأخوذه من الدرهم والثلث جميعاً، فبقي من الدرهم ثلثاه، فصرفنا درهماً إلى الوصية الثانية، وذلك بإكمال ثلثي الدرهم بثلث درهم، فبقي في التُّسعين نقصان ثلث درهم، مع نقصان ثلثي نصيب، فنزيده على ثلثي المال، فيكون ثمانية أتساع مال إلا ثلث درهم، وثلثي نصيب تعدل خمسة أنصباء، فنجبر ونقابل، فيصير ثمانية أتساع مال معادلاً خمسة أنصباء وثلثي نصيب وثلث درهم.
نكمل أجزاء المال بأن نزيد عليها ثُمْنها، وزِدْ على مقابلها مثلَها، فيصير مال في مقابلة ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب، وثلاثة أثمان درهم، وإذا نظرت إلى المخارج وبسطتها، ثم [عر ـت] (3) ضمَّ بعضها إلى بعض، استبنت أن الزيادة على جانب النصيب يبلغها هذا المبلغ، فلم نُطوّل ذكرَها لوضوحها، فقد صار مالٌ في مقابلة ستة أنصباء وثلاثة أثمان نصيب وثلاثة أثمان درهم تعدل المال.
فاطلب عدداً إذا ضربته في الستة والثلاثة الأثمان بلغ مبلغاً إذا زدت عليه ثلاثة أثمان درهم، صار الجميع عدداً صحيحاً، وذلك العدد سبعة، فاضرب سبعة في ستة وثلاثة أثمان، فيبلغ أربعة وأربعين وخمسة أثمان، فإذا زدت عليها ثلاثة أثمان، بلغ خمسة وأربعين، [تصح] (4) منها القسمة، والنصيب سبعة؛ لأنك ضربت الأنصباء في سبعة.
والامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو خمسة عشر [ندفع منها الوصية الأولى ستة، فهي نصيب إلا درهماً، يبقى تسعة] (5) فندفع منها إلى الموصى له الثاني [وصيته] (6)
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل الباقي. وهو تصحيف قريب شكلاً، مرهقٌ مضلِّلٌ معنى.
(3) كذا وبدون نقط. ولما أدْر لها وجهاً، والسياق واضح على أية حال (انظر صورتها).
(4) زيادة من المحقق.
(5) زدناها تكملة للعمل الحسابي.
(6) لا يتم الكلام بدون هذه اللفظة.

(10/216)


وذلك أربعة [أي ثلث الباقي مع درهم] (1) تبقى خمسة، نزيدها على ثلثي المال، فبلغ خمسة وثلاثين بين خمسة بنين: لكل واحد منهم سبعة، مثل النصيب الخارج.
فصل
في الوصية بالتكملة والجزء مع ذكر الدرهم إثباتاً واستثناءً
6853 - أربعة بنين. وقد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم ودرهمٍ، ولآخرَ بثلث ما تبقى من ربعه إلا درهم.
ومعنى الوصية الأولى أن نأخذ نصيباً ودرهماً، يثبت للموصى له بالتكملة ما وراء ذلك، إلى تمام ثلث المال، فالدرهم مع النصيب وليس موصىً به مع التكملة، فاحفظ ذلك.
وعُد إلى المسألة وقل: نأخذ ثلثَ ماله، وندفعه إلى الموصى له الأول ونسترجع منه نصيباً ودرهماً، فنُبقي من الثلث نصيباً ودرهماً.
والآن نحتاج إلى تقدير الوصية الثانية؛ فإنه أوصى بثلث ما تبقى من ربعه إلا درهماً.
فالوجه أن ننقص مما بقي من الثلث ما بين الثلث والربع؛ فإنه تعرض في الوصية الثانية للربع، وبين الثلث والربع نصف سدس، فنلقي مما معنا نصفَ سدس مال، ليكون الباقي باقي الربع عن الوصية الأولى، فإذا ألقيت مما معك من الثلث نصفَ سدس المال، ليكون الباقي باقي الربع عن الوصية الأولى، بقي نصيب ودرهم، إلا نصفَ سدس، فادفع إلى الوصية الثانية ثلثَ ذلك إلا درهماً؛ إذ هكذا الوصية، يبقى ثلثا نصيب ودرهم، وثلثا درهم إلا نصف [سدس] (2) مال.
وبيان ذلك أنه كان معنا نصيبٌ ودرهم، إلا نصف سدس مال، فأخرجنا ثلث ذلك [فخرج] (3) ثلث هذا النصيب الناقص بنصف سدس المال، وخرج ثلث الدرهم
__________
(1) تفصيل للوصية الثانية ومقدارها.
(2) في الأصل: تسع.
(3) صحفت في الأصل إلى: مخرج.

(10/217)


الذي معه، وتبقّى الثلث الخارج من النصيب الناقص حصته من النقصان وهو ثلث نصف سدس المال، فبقي النقصان ثلثي نصف السدس، وهو نصف [تسع] (1) المال.
وإن أردت مزيد بيان، فاعتبر ذلك بثمانيةَ عشرَ؛ فإن سدسها ثلاثة وتسعها اثنان، ونصف سدسها واحد ونصف، وثلثا ذلك واحد، وهو نصف [التسع] (2).
ثم أخرجنا الوصية الباقية من النصيب الناقص والدرهم، واسترددنا درهماً، فبقي معنا ثلثا نصيب ودرهم وثلثا درهم إلا نصف تسع مال، فنزيده على ثلاثة أرباع المال، فيكون خمسة وعشرين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال، وثلثا نصيب درهم، وثلثا درهم.
وبيان ذلك أنا أخذنا المبلغ من ستة وثلاثين للحاجة إلى السدس، وسدس السدس، والتسع، والربع، والثلث، فنأخذ ثلاثة أرباع هذا المبلغ، فيكون سبعة وعشرين، فلما ضممنا ما كان فَضَل من الوصيتين إلى هذا المبلغ، وكان معنا نصفُ تسع، ونصف تسع الستة والثلاثين سهمان، فحططناه مما معنا - بقي (3) خمسة وعشرون جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال، وسقط نقصان نصف التسع مما كان بقي من النصيب؛ فانتظم قولنا: إن الباقي خمسة وعشرون جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من مال، وثلثا نصيب ودرهم، وثلثا درهم.
وهذه الجملة تعدل أربعةَ أنصباء، فأسقط ثلثي نصيب من الأنصباء، فيبقى ثلاثة أنصباء وثلث، وأسقط الدرهم وثلثي درهم، من الأنصباء، فيبقى ثلاثة أنصباء وثلث نصيب إلا درهماً وثلثي درهم، تعدل خمسة وعشرين جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من المال، فكمِّل أجزاء المال، وبلّغها ستةً وثلاثين، وبين الخمسة والعشرين إلى الستة والثلاثين من طريق العدد أحدَ عشرَ، وهي من طريق النسبة خُمسا خمسةٍ وعشرين وخمسُ خمسها، فالعشرةُ خمساها وأحدٌ خُمسُ خُمسها، فقلنا: كمَّلنا الخمسة
__________
(1) في الأصل: وربع.
(2) في الأصل: السبع.
(3) جواب فلمّا ضممنا.

(10/218)


والعشرين بأن زدنا عليها مثلَ خُمسيها وخمسَ خمسها، فنزيد على الأنصباء والكسر، مع ما فيها من الاستثناء مثلَ خُمسيها وخمسَ خمسها، فيصير أربعة أنصباء، وأربعة أخماس نصيب إلا درهمين وخُمسين.
وبيان ذلك أنا زدنا ستة أخماس نصيب لمكان ثلاثة أنصباء؛ فإنا نَبْغي زيادةَ خُمسين، فنطلب ذلك من خَمسين؛ لاحتياجنا إلى ثلث الخمس لمكان ثلث النصيب الذي معنا، ثم نقول: خمسا ذلك عشرين، وخمس خمسها اثنان، فنزيد هذا المبلغ على الخَمْسين، فيصير اثنين وسبعين، وقد قدرنا كل نصيب في الأصل خمسة عشر، فالثلث خمسة، ثم زدنا خُمسي هذا المبلغ وخُمس خُمسه، فزاد اثنان وعشرون، وهو نصيب وسبعة، فإذا جمعت الجميع، وعبّرت، انتظم ما ذكرناه من أن المجموع أربعة أنصباء، وأربعة أخماس نصيب، ثم يزداد الاستثثاء على حسب زيادة المال على هذه النسبة، وقد كان الاستثناء الأول درهماً وثلثي درهم، فبلغ درهمين، وبيانه هيّن مع ما ذكرناه من التنبيه.
فاطلب عدداً إذا ضربته في أربعة وأربعة أخماس يكون مبلغه عدداً إذا نقصت منه الدرهمين والخُمْسين بقي عددٌ صحيح، فإن معنا في هذه المسألة استثناء الدرهم، وفي المسائل المتقدمة زيادة الدرهم، فاعتبرنا الضمّ في تلك المسائل، والنقصانَ في هذه المسألة، فامتحن، واضرب في هذا المبلغ ثلاثة، وإذا ضربت ثلاثة في أربعة وأربعة أخماس، بلغ أربعةَ عشرَ وخُمسَيْن، وإذا نقصت منه درهمين وخُمسَيْن، بقي اثنا عشر. ولكن لا تصح القسمة منها؛ فإن كل نصيب ثلاثة لأجل الضرب في ثلاثة، وإذا قسمت اثني عشر على البنين، وهم أربعة: ثلاثة ثلاثة، لم يبق للوصية شيء، فاطلب عدداً تصح منه الوصية وحقُّ الورثة، مع حط الدرهمين والخُمسين.
فنقول: ليكن ذلك العدد ثمانية، فاضربها في أربعة وأربعة أخماس، فيبلغ ثمانيةً وثلاثين درهماً وخُمسين، فإذا نقصت منها درهمين وخُمسين، بقي ستة وثلاثون درهماً، فمنها [تصح] (1) القسمة، وقد بان أن النصيب ثمانية، فإنا ضربنا الأنصباء في ثمانية.
__________
(1) ساقطة من الأصل.

(10/219)


الامتحان: أن نأخذ ثلث هذا المال، وهو اثنا عشر، فنلقي منه نصيباً ودرهماً تبقى، ثلاثة، فننظر إلى ربع المال، وهو تسعة، فنلقي هذه الثلاثة منها، وهذه الثلاثة هي الوصية الأولى؛ فإنها التكملة بعد النصيب والدرهم، فإن حططناها من الربع وهو تسعة، تبقَّى ستة من الربع، فندفع إلى الموصى له الثاني ثلثها إلا درهماً، فله درهم. إذاً تبقى من الربع خمسة نزيدها على ثلاثة أرباع المال، وهو سبعة وعشرون، فيبلغ اثنين وثلاثين، بين أربعة بنين، لكل واحد منهم ثمانية.
فصل
في الوصية بالنصيب والجزء والدرهم مع تعيين التركة
6854 - وهذا الفصل يُظهر باقي العلامات، فإنا [نعمل] (1) فيه عن مقدارٍ معيَّن خلّفه الموصي، ويطلب منا [النصيب] (2) فيه، وما عدا ذلك من الفصول والمسائل فَرْضُ أعدادها إلى وضع المجيب، وذلك بالنسبة إلى مضمون هذا الفصل أهونُ.
6855 - المثال: ثلاثة بنين وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً.
فالوجه أن تأخذ ثلثَ المال، وهو عشرة دراهم، فألق منها بالوصية الأولى نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فألق منها بالوصية الثانية: ثلثها ودرهماً. وثلث العشرة ثلاثة وثلث، فإذا ضممت إليه درهماً كان أربعة دراهم وثلث، فألق منها هذا المقدار للوصية الثانية إلا ثلث نصيب؛ فإن نقصان النصيب يتسلط على العشرة، يبقى من الثلث خمسةُ دراهم وثلثا درهم إلا ثلثي نصيب، وزده على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً، فيبلغ خمسةً وعشرين درهماً وثلثي درهم إلا ثلثي نصيب، يعدل ثلاثة أنصباء، فنجبر أجزاء المال بثلثي نصيب، ونزيد على عديلها مثلَها، ثم نبسطها
__________
(1) هكذا قدرناها مكان كلمة غير مقروءة.
(2) في الأصل: النصف.

(10/220)


أثلاثاً، [فتصير] (1) الأنصباء أحدَ عشرَ، والمال سبعة وسبعين، فنقسم أجزاء المال على أجزاء النصيب، فيخرج للواحد من الأنصباء المبسوطة سبعة، فنتبيّن أن النصيب الذي أطلقناه سبعة.
فنرجع ونقول: ثلث المال عشرة، فنلقي منها بالوصية الأولى نصيباً وهو [سبعة] (2)، يبقى من الثلث ثلاثة، فندفع ثلثها ودرهماً إلى الموصى له الثاني، وذلك درهمان يبقى فى درهم، نزيده على ثلثي المال، فيبلغ أحداً وعشرين، نقسمها بين البنين لكل ابن سبعة.
وعلى هذا فقس.
وقد فرضنا التركة مبلغاً تصح القسمة منه، فإن عيّن السائلُ مبلغاً لا تصح القسمةُ منه، اضطررنا إلى تنزيل القسمة على المبلغ المعيّن، فإن انكسر اتبعناه ضرورةً، ولكن طريق إخراج النصيب ما ذكرناه.
6856 - خلف ابنين وأوصى بمثل نصيب أحدهما إلا ثلث جميع المال، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً.
ذكرنا هذه الصورة لما في ظاهرها من إحالة الاستحالة؛ فإن الوصية بنصيب أحد الابنين لو انفردت، لكانت ثلثاً، واستثناء الثلث منها استثناء مستغرق، ولكن لما جمع إلى ذلك الوصية بثلث ما تبقى من الثلث، تغير وضعُ المسألة، وقد قدمت تردُّداً في تصحيح هذه الوصية من طريق الفقه، والجريانُ على مسلك الحُسّاب في تصحيح هذه الوصية، وله وجة في الفقه قدمته.
فالطريق أن نقول: نأخذ ثلث المال، وهو عشرة، ونحط منه نصيباً، ونسترجع من النصيب ثلثَ المال، وهو عشرة، فيصير الثلث في وضع الجبر عشرين درهماً إلا نصيباً، فإنا قدرنا الثلث عشرة، وأخرجنا نصيباً، واسترددنا عشرة، فمعنا إذاً في حساب الثلث عشرون إلا عشرة، فندفع إلى الموصى له الثاني ثلثَ ذلك
__________
(1) في الأصل: فنصيب.
(2) في الأصل: تسعة.

(10/221)


[ودرهماً] (1) زائداً هكذا الوصية. وثلث العشرين ستة وثلثان، فإذا ضممت إليها درهماً، كان سبعة وثُلثين، ولكنها ناقصة بثلث نصيب، والدرهم في هذه المسائل لا يخصه نقصان، فإنه درهم كامل وليس جزئياً حتى يتسلط عليه نقصان النصيب، فإذاً بقي من الثلث الذي قدرناه بالعمل الحسابي عشرين اثنا عشر درهماً وثُلثٌ إلا ثلثي نصيب، فزده على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً في أصل الوضع، فتصير الجملة اثنين وثلاثين درهماً وثلث درهم إلا ثلثي نصيب، وذلك يعدل نصيبين وثلثي نصيب، فابسطهما أثلاثاً، فيكون الدرهم [سبعة وتسعين] (2)، والنصيب ثمانية، فاقسم أجزاء المال على أجزاء النصيب، فيخرج الواحد اثنا عشر درهماً وثمن درهم، فذلك كل مقدار النصيب.
الامتحان: أن ندفع إلى الموصى له الأول اثني عشر درهماً وثمن درهم، ونسترجع منه ثلث المال وهو عشرة، يبقى معه درهمان وثمن، وهي وصيتُه، فنطرحها من ثلث المال، وهو عشرة دراهم، فيبقى منها [سبعة] (3) دراهم وسبعة أثمان درهم، فادفع ثلثَها مع درهم إلى الموصى له الثاني، وذلك ثلاثة دراهم وخمسة أثمان درهم، تبقى أربعة دراهم وربع، فزده على ثلثي المال وهو عشرون، فيبلغ أربعةً وعشرين درهماً وربع درهم، بين الابنين لكل واحد منهما اثني عشر درهماً [وثمن درهم] (4)، وهو مثل النصيب الذي خرج بالعمل، وقس على هذا ما في معناه.
6857 - خمسة بنين، وقد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم إلا تكملة خمس ماله بنصيب أحدهم. وأوصى لآخر بثلث ما بقي من الثلث وبدرهم. وخلف ثلاثين درهماً.
فخذ ثلث المال، وهو عشرة دراهم، فأسقط منها نصيباً، تبقى عشرة دراهم إلا
__________
(1) في الأصل: ثلث ذلك درهمان.
(2) في الأصل: تسعة وتسعين.
(3) في الأصل: تسعة.
(4) ساقطة من الأصل.

(10/222)


نصيباً، وننظر بعد ذلك إلى خمس المال وهو ستة، وسبب النظر في الخمس استثناء تكملة خُمس المال بالنصيب من تكملة ثلث المال بالنصيب، فنأخذ ستة دراهم [من] (1) العشرة التي هي الثلث، ونستثني من الستة نصيباً، كما استثنينا من العشرة نصيباً، وإذا أسقطت ستة دراهم إلا نصيباً من عشرة دراهم إلا نصيباً، بقي أربعة دراهم.
ويُخرَّج ذلك على مراسم الجبر: إنه كان معنا عشرة إلا نصيباً، فالآن أخرجنا ستة، واسترددنا نصيباً، فنجبر بما استرددناه نقصان النصيب، ويبقى بعد الستة أربعة دراهم بلا نقصان، فهي الوصية الأولى.
فنعود ونقول: نسقط الوصية الأولى وهي أربعة دراهم [من الثلث] (2)، تبقى ستة دراهم، فادفع منها إلى الموصى له الثاني ثلثها ودرهماً، وذلك ثلاثة دراهم، تبقى ثلاثة دراهم، نردّها على ثلثي المال، فيبلغ ثلاثة وعشرين درهماً بين خمسة بنين، لكل واحد منهم أربعة دراهم وثلاثة أخماس درهم.
الامتحان: نأخذ الثلث وهو عشرة، ونسقط منها النصيب، وهو أربعة وثلاثة أخماس، يبقى خمسة دراهم وخمسا درهم، وهي التكملة، فاحفظها.
ثم خذ خمس المال، وهو ستة دراهم، فأسقط منها النصيب وهو أربعة وثلاثة أخماس، يبقى درهم وخمسا درهم، وذلك تكملة الخمس، فأسقطها من تكملة الثلث وهو خمسة دراهم وخمسا درهم، فتبقى أربعة دراهم، هي وصية الأول، فأسقطها من الثلث، وهو عشرة، تبقى ستة، فللموصى له الثاني منها ثلثها ودرهم، وذلك ثلاثة دراهم [يبقي من الثلث ثلاثة] (3) فزدها على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً، فصار ثلاثة وعشرين، بين خمسة بنين، لكل واحد منهم أربعة دراهم، وثلاثة أخماس درهم، مثل النصيب الخارج بالعمل، وعلى هذا البابِ، وقياسِه خروجُ المسائل.
__________
(1) في الأصل: ثمن.
(2) زيادة من المحقق.
(3) زيادة لاستقامة الكلام.

(10/223)


مقال يجمع نوادر المسائل في أبواب مختلفة
ونحن نأتي بمضمون هذه المقالة مسائلَ.
6858 - مسألة: رجل له أربعة بنين، فأوصى لعمه بمثل نصيب أحدهم وثلث ما أوصى لخاله، وأوصى لخاله بسدس جميع المال وربع ما أوصى به لعمه.
فنبتدىء ونقول (والله الموفق): نجعل [وصية] (1) العم أربعة أشياء، ليكون لها ربع؛ إذ المسألة مشتملة على أخذ الخال رُبعاً من وصية العم، ونجعل وصية الخال ثلاثة دنانير ليكون لها ثلث صحيح؛ فإن العم يأخذ مثلَ ثلث وصية الخال، فوصيّة العم إذاً أربعة أشياء، ووصية الخال ثلاثة دنانير، وإذا جعلنا وصيةَ العم أربعةَ أشياء، ووصيتُه نصيبٌ وثلث وصية الخال، فنعلم أنا [إذا] (2) أسقطنا عن وصيته ثلثَ مال الخال، كان الباقي مِثلاً للنصيب؛ فإن وصيته نصيب وثلث وصية الخال، وقد قدّرنا للخال ثلاثة دنانير، فنُسقط ديناراً من أربعة أشياء، وتبقى أربعة أشياء إلا ديناراً، فنعلم من ذلك أن أربعة أشياء إلا ديناراً نصيبُ ابنٍ، ونحفظ هذا الذي عملناه.
ثم نعود ونقول: وصية الخال سدس المال وربع وصية العم، وقد جعلنا جميع وصيتِه ثلاثةَ دنانير، وهي سدس المال وربع وصية العم، فتعلم أنا لو حططنا عن وصية الخال ربعَ وصية العم، لكان الباقي سدس المال، فنحط عن ثلاثة دنانير شيئاً وهو [ربع] (3) وصية العم، فتبقى ثلاثةُ دنانير إلا شيئاً، ونعلم أنها مع هذا الاستثناء [سدس] (4) المال، [فنضرب] (5) ثلاثة دنانير إلا شيئاً في مخرج السدس، وهو ستة، فيبلغ ثمانيةَ عشرَ ديناراً إلا ستة أشياء؛ فإنّ ضَرْبَ الثلاثة في الستة ثمانية عشرَ،
__________
(1) في الأصل: " نصيب ".
(2) ساقطة من الأصل.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: ثلث.
(5) في الأصل: فنصرف.

(10/224)


وضَرْبَ [الثلاثة] (1) في الستة [إلا شيئاً] (2) ستُّ مراتٍ إلا شيء، فالخارج من الضرب ثمانية عشر ديناراً [إلا ستةَ أشياء] (3)، وإذا ضعَّفنا ما جعلناه سدس المال بالضرب في الستة، كان المجموع جميع المال، فالمال كله ثمانيةَ عشرَ ديناراً إلا ستةَ أشياء، فنسقط الوصيتين من المال، يعني الوصيتين الكاملتين، قبل تقدير الحط من كل واحد منهما، وإذا أسقطنا ثلاثة دنانير، بقيت خمسةَ عشرَ ديناراً إلا ستة أشياء، فإذا أسقطنا أربعة أشياء وليست الأشياء من جنس الدنانير، فلا ننقص عدد الدنانير، ولكن يزيد الاستثناء، فيبقى خمسةَ عشرَ ديناراً إلا عشرة أشياء؛ ضمَّاً لأربعة الأشياء إلى الستة الأشياء، فإذا فعلنا ذلك، علمنا أن هذا الباقي حصةُ البنين خاصّة -[فإنا] (4) أسقطنا الوصيتين- فاقسمها عليهم، وهم أربعة، فيخرج حصةٌ للواحد ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع دينار، إلا شيئين ونصف شيء، فإنا كما نقسم الدنانير نقسم [الأشياء] (5)؛ فإذاً مقدار النصيب ثلاثةُ دنانير وثلاثة أرباع دينار إلا شيئين ونصف شيء.
وقد كان في ابتداء الوضع أن أربعة أشياء إلا ديناراً تعدل نصيباً، فنقابل بين ما تقدم وبين ما ظهر آخراً، فيكون أربعة أشياء إلا ديناراً، تعدل ثلاثة دنانير، وثلاثة أرباع إلا شيئين ونصف شيء، فنجبر المبلغين، ونقابل، فنزيد على التقدير الأول في وضع المسألة ديناراً، فتصير أربعة أشياء كاملة، ونزيد على عديلها ديناراً للمقابلة، فيصير أربعة دنانير وثلاثة أرباع، وفي الدنانير استثناء شيئين ونصف، فنجبرها بالاستثناء وهو شيئين ونصف، فتكمل أربعة دنانير وثلاثة أرباع، ونزيد على عديلها شيئين ونصف للمقابلة في المعادلة، فيخرج لنا بعد الجبر والمقابلة ستة أشياء ونصف شيء من غير استثناء في مقابلة أربعة دنانير وثلاثة أرباع، فنبسطها أرباعاً، وتصير الدنانير تسعة عشر، والأشياءُ ستةً وعشرين، فنجعل كلّ عدد عبارة عن واحد من الجنس -على
__________
(1) في الأصل: الاثنين.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: إلا ستة عشر شيئاً.
(4) في الأصل: فإذا.
(5) حرفت في الأصل إلى: الاستثناء.

(10/225)


عادتنا المستمرة في الجبر والمقابلة- فنعبّر ونقول: الدينار تسعة عشرَ، والشيء، ستةٌ وعشرون، ثم نقلب العبارة، فنجعل الشيء تسعةَ عشرَ والدينارَ ستةً وعشرين، وقد كانت وصية العم أربعة أشياء، فنجعل كلَّ شيء تسعةَ عشرَ، فمجموع الأشياء الأربعة إذاً ستةٌ وسبعون.
وإذا انتهينا إلى هذا المنتهى، لم نعتبر ما ذكرناه على الجبر والمقابلة، بل نرد الأمرَ إلى ما هو الوصية حقيقةً في وضع المسألة، وقد كانت وصية العم أربعةَ أشياء، وبان أن كل شيء تسعة عشر؛ فهي إذاً ستةٌ وسبعون، ونسقط أيضاً من الدنانير ما كنا زدناه للمقابلة، ونقول: كانت وصية الخال في أصل الوضع ثلاثة دنانير، وقد بان أن كل دينار ستة وعشرون، فهي إذاً ثمانية وسبعون.
وكانت وصية العم مثلَ النصيب ومثلَ ثلث وصية الخال، فخذ ثلث وصية الخال وهو ستة وعشرون، فاطرحها من وصية العم وهي ستة وسبعون، تبقى منها خمسون، فهي النصيب، وكانت وصية الخال سدسَ المال وربعَ وصية العم، فخذ ربع وصية العم، وهو تسعة عشر، فاطرحها من وصية الخال، وهي ثمانية وسبعون تبقى تسعة وخمسون، فهي سدس المال، فالمال إذاً ثلاثمائة وأربعةٌ وخمسون، والنصيب خمسون.
الامتحان: نجمع الوصيتين التامتين وهما مائة وأربعة وخمسون من المال وهو ثلاثمائة وأربعة وخمسون تبقى مائتان بين أربعة بنين لكل واحد منهم خمسون، مثل النصيب الخارج بالعمل. وقد أخذ العمّ مثلَ النصيب ومثل ثلث وصية الخال، وأخذ الخال سُدسَ المال، ومثلَ ربع وصية العم.
وبيان ذلك أنك إذا زدت على النصيب وهو خمسون، ثلث وصية الخال وهو ستةٌ وعشرون، بلغ ستةً وسبعين، وهي وصية العم، وإذا زدت على سدس المال وهي تسعة وخمسون. ربع وصية العم، وهو تسعةَ عشر، بلغ ثمانية وسبعين، وهي وصية الخال، ومجموع الوصيتين أكبر من الثلث، وإنما أجرينا الحساب على تقدير الإجازة. فإن فرض ردٌّ، فالثلث يقسّم على هذه النسبة بين الوصيتين، ونزيد في الثلثين إذا قدّرنا الثلث هذا المبلغ.

(10/226)


6859 - مسألة: خمسة بنين وبنت، وقد أوصى لعمه بمثل نصيب البنت وربع ما أوصى لخاله. وأوصى لخاله بمثل نصيب أحد البنين وخمس ما أوصى لعمه.
فنجعل وصيةَ العم عدداً له خمس، فليكن خمسة دنانير، ونجعل وصية الخال عدداً له ربع، فليكن أربعة دراهم، ثم نعلم أنا إذا نقصنا من وصية العم ربعَ وصية الخال، وهو درهم، بقي خمسةُ دنانير، إلا درهم، وذلك مثل نصيب البنت؛ فإن وصية العم مثلُ نصيب البنت، ومثلُ ربع وصية الخال، فإذا حططت ربعَ مال الخال، بقي الباقي نصيب البنت، فقد بان أن نصيب البنت خمسة دنانير إلا درهماً.
وإذا نقصت على هذا القياس من وصية الخال وهو أربعة دراهم خُمسَ وصيةِ ْالعم، وهو دينار، فتبقى أربعة دراهم إلا ديناراً، فنعلم أن هذا نصيبُ الابن؛ فإن وصية الخال نصيبُ ابنٍ وخمسُ وصية العم، فإذا سقط خمسُ وصيةِ العم، كان الباقي مثلَ نصيب ابنٍ، فقد خرج لنا أن نصيب البنت خمسة دنانير إلا درهماً، ونصيب الابن أربعة دراهم إلا ديناراً.
فنقابل بين الجملتين، ومن ضرورة المقابلة أن تضعِّفَ نصيبَ البنت حتى يعادل نصيب الابن، فنضعّف نصيب البنت، وقرّب نصيب الابن حتى يعتدلا، وقل: نصيب [الابن] (1) عشرة دنانير إلا درهمين، فإن الخمسة كانت مع استثناء درهم، فالعشرة مع استثناء درهمين، فإذاً عشرة دنانير إلا درهمين تعدل أربعة دراهم إلا ديناراً.
ولكن لا بد من جبر الاستثناء والمقابلة، فنجبر العشرة بدرهمين، ونزيد [على] (2) نصيب الابن درهمين، ونجبر نصيب الابن بدينار، ونزيد على عديله ديناراً، فيخرج بعد الجبر والمقابلة ستة دراهم تعدل أحد عشر ديناراً، فاجعل الدينارَ بقلب العبارة ستة أسهم، والدرهم أحد عشر سهماً، وكانت وصية العم في الأصل قبل الحط خمسةَ دنانير، فارجع إليها وقل كل دينار ستة، فالمجموع ثلاثون، وكانت وصية الخال
__________
(1) في الأصل: البنت.
(2) في الأصل: عليها.

(10/227)


أربعة دراهم في الأصل، كل درهم أحد عشرة فالمجموع أربعةٌ وأربعون، وجملة المال على الامتحان الذي تقدم مائتان وثلاثة وثمانون، ونصيب كل ابن ثمانية وثلاثون، ونصيب البنت تسعةَ عشرَ، وقس على هذا نظائره.
6860 - مسألة: رجل له أربعة بنين وقد أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ما انتقص نصيب أحدهم بالوصية.
فقد ذكرنا من هذا طرفاً من نوادر مسائل الاستثناء، ولكنا ذكرناه مع الوصية بجزءٍ، ونحن نذكر المسألة مع إفراد ذلك، ونبين طريقها، فنقول: المال مقسومٌ أرباعاً بين البنين لولا الوصية، فإذا فرضنا الوصيةَ مثلَ نصيب ابنٍ، فقد دخل [النقص] (1) في نصيب كل ابن بسبب الوصية، فمعنى المسألة: الوصية بمثل نصيب ابنٍ مع استثناء قدر النقصان في نصيبٍ من الوصية.
فنأخذ مالاً، ونسقط منه نصيباً فيبقى مالٌ إلا نصيباً، ونسترد من النصيب مقدار النقصان.
وعبارة الجبر في ذلك أن نقول: كان لكل ابن ربعٌ لولا الوصية، والآن ليس لواحد منهم ربع، فينتظم أن نقول: الناقص من كل نصيب ربع إلا نصيب، فإذا أخرجنا الوصيةَ من المال، وقدرنا الوصية نصيباً، وقلنا: الباقي مالٌ إلا نصيباً، فنسترجع من ذلك النصيب مقدارَ النقصان، وهو ربع مال إلا نصيب، على التقدير الذي ذكرناه، فيحصل مالٌ وربع مال إلا نصيبان، فإنه كان معنا استثناء نصيب أولاً، وإذا استرجعنا ربعاً إلا نصيباً، انضم استثناء إلى استثناءٍ، وليس للناظر أن يقول ليس النصيبان مثلين؛ فإن النصيب الثاني استثناء من النصيب الأول، ولكن ليس في عبارة الجبر هذه المحاقة، فإذاً معنا مالٌ وربع مال، إلا نصيبين تعدل أنصباء الورثة، وهي أربعة، فاجبر وقابل، وقل: نجبر المال والربع، فيكون مال وربع من غير استثناء ونزيد على عديله نصيباً، فصار مال وربع في مقابلة ستة أنصباء، فنرد ما معنا في جانب المال إلى مال واحد، وذلك بأن نُسقط خُمسه، وهو الربع الزائد، فإن مالاً
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/228)


وربعَ مالٍ خمسةُ أرباع، فإذا أسقطت من جانب المال خُمسه، فأسقط من جانب الأنصباء خُمسها، وهو خمس ستة: نصيبٌ وخمس، فيبقى أربعة أنصباء وأربعة أخماس نصيب، فابسطهما أخماساً، فيصير المال خمسة، والأنصباء وما معها من كسر أربعة وعشرين، فاقلب العبارة، واجعل المال أربعة وعشرين، والنصيب خَمسةً، وقد خرجت المسألة.
الامتحان: نأخذ نصيباً وهو خمسة أسهم، وننقص منه ما انتقص أحدهم بالوصية وهو سهم؛ لأن الوصية لو لم تكن، لكان لكل ابن ستة من أربعة وعشرين، فالناقص إذاً سهم، فأخرج النصيبَ خمسة، واسترجع ما نقص من نصيب، وهو سهم واحد، فيبقى أربعة أسهم، وهي الوصية، فألقها من المال، وهو أربعةٌ وعشرون، تبقى عشرون بين البنين، لكل ابنٍ خمسةٌ وقد أخذ الموصى له مثلَ نصيب أحدهم إلا ما انتقص من نصيب أحدهم بالوصية، وذكر الحذاق في هذه المسألة وأمثالها [طريقةً أخرى] (1).
6861 - طريقة أخرى في الحساب فقالوا: لو لم يكن وصية، كان لكل ابن ربع المال، وقد انتقص منه بالوصية شيء، فربع المال إذاً نصيبٌ وشيء من غير تقدير وصية، على عبارة الجبر، والمال كله أربعة أنصباء وأربعة أشياء.
فأعط الموصى له منها نصيباً إلا شيئاً، يبقى ثلاثة أنصباء وخمسة أشياء، والشيء مقدار النقصان، فاسترجعناه من النصيب المخرَج، فحصل معنا ثلاثةُ أنصباء وخمسةُ أشياء، تعدل أربعة أنصباء، فأسقط الثلاثة أنصباء بمثلها، يبقى نصيب يعدل خمسة أشياء، فالنصيب خمسةُ أسهم، والشيء سهم، وقد كانت التركة أربعة أنصباء وأربعة أشياء، وهي أربعةٌ وعشرون سهماً، والوصية نصيب إلا شيء، وقد خرجت المسألة.
6862 - مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى بسدس ماله، إلا ما انتُقِصَ أحدهم بالوصية.
فخذ مالاً، وألق منه سُدسَه، يبقى خمسةُ أسداس مال، فنزيد عليه ما انتُقص
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/229)


أحدُهم بالوصية، وهو ربع مال إلا نصيباً، فيكون الحاصل مالاً ونصف سدس مال إلا نصيباً؛ فإنك إذا ضممتَ ربعاً إلى خمسة أسداس، كان المجموع مالاً ونصفَ سُدس، وهذا الذي زدناه مسترجَعٌ من الوصية، وهي السدس، كان المجموع مالاً ونصف سدس إلا نصيباً، يعدل أربعة أنصباء، فنجبر ونقابل، فيصير مال ونصف سدس مال -من غير استثناء- يعدل خمسة أنصباء، فردّ المال ونصف سدس مال إلى مال بإسقاط الزائد، وعبّر عما تسقطه بعبارة تفيدك مناسبة، وهذا يتأتى بأن نبسط المال أنصاف أسداس، فيصير المال مع نصف سدس ثلاثةَ عشرَ، فالذي أسقطت في جانب المال جزء من ثلاثةَ عشرَ، وانقص بهذه النسبة من الأنصباء الخمسة، فبقي منها أربعة أنصباء، وثمانية أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من نصيب، فابسطها بأجزاء ثلاثةَ عشرَ، وقل بعد القلب: المال ستون، والنصيب ثلاثة عشر، والذي انتُقص من كل ابنٍ بالوصية سهمان؛ فإن الوصية لو لم تكن، لخصّ كلَّ ابن خمسةَ عشرَ: ربعُ الستين، والآن بان النصيبُ ثلاثة عشر، والناقص سهمان، فادفع إلى الموصى له سدسَ المال، وهو عشرة، واسترجع منه السهمين، وهو مقدار النقصان، فيبقى مع الموصى له ثمانية، فألقها من رأس المال؛ فإنها الوصية، يبقى اثنان وخمسون، بين البنين، لكل واحد منهم ثلاثة عشر.
وقد أخذ الموصى له سدسَ المال إلا ما انتقص أحدهم بالوصية.
فإن جُعل ربعُ المال نصيباً وشيئاً، فيكون المال كله أربعةَ أنصباء وأربعةَ أشياء، كما تقدم في المسألة السابقة، ثم خذ سُدُسَها، وذلك ثلثا نصيب، وثلثا شيء وألق منه ما انتُقص أحدُ البنين بالوصية، وذلك شيء، فيبقى ثلثا نصيب إلا ثلثَ شيء فإنا نأخذ من الوصية ثلث شيء، ونستتم الشيء من ثلثي النصيب، فنأخذ من ثلثي نصيب ثلثَ شيء، فيبقى ثلثا نصيب إلا ثلثَ شيء، نلقي ذلك للموصى له من جملة المال، وهو أربعة أنصباء وأربعة أشياء، فيبقى ثلاثة أنصباء وثلث نصيب، وأربعة أشياء وثلث شيء، وهو ما استرجعته من الوصية، وهذا يعدل أربعةَ أنصباء، وأربعة أشياء، [وثلث شيء] (1)، فإذا ألقيت الثلاثة الأنصباء، وثلثَ نصيب بمثلها، بقي ثلثا
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/230)


نصيب، يعدل أربعة أشياء وثلثَ شيء، فالنصيب الكامل يعدل ستة أشياء ونصفَ شيء، فابسط الجميع أنصافاً، فيكون الشيء سهمين، والنصيب ثلاثةَ عشرَ بعد القلب، والتركة ستين سهماً، كما خرج بالعمل الأول، ولم نبسط القول فيه لوضوحه.
6863 - مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما يبقى من ماله بعد دفع جميع الوصايا، وأوصى لآخر بمثل نصيب ابن آخر إلا خمسَ ما تبقى من ماله بعد دفع جميع الوصايا، وأوصى لثالث بمثل نصيب ابن آخر إلا ثُمن ما تبقى من ماله بعد دفع جميع الوصايا.
فنعلم أن الوصايا بجملتها إذا أخرجت، فالباقي يعدل أربعة أنصباء، فاحفظ ذلك.
وقل بعده: الوصية الأولى وصيةٌ بنصيب إلا سدس أربعة أنصباء، وذلك ثلثا نصيب، فإذا ألقيت من النصيب ثلثي نصيب، بقي ثلث نصيب.
والوصية الثانية بنصيب إلا خمس الباقي، فخذ خُمس أربعة أنصباء واستثنها من الوصية الثانية؛ فيبقى خمس النصيب.
والوصية الثالثة بالنصيب واستثن منها ثمنَ أربعة أنصباء، وذلك نصف نصيب، فتبقى من هذه الوصية نصف نصيب، فاجمع الوصايا، يعني ما بقي منها بعد الاستثناءات، وهي ثلث نصيب وخمس نصيب ونصف نصيب، فخذ هذه الأجزاء من ثلاثين، وخذ نصف الثلاثين خمسةَ عشرَ، وخُمسه ستةً، وثُلثَه عشرةً، فالمجموع أحدٌ وثلاثون، فقل: مجموع هذه الوصايا نصيب وجزءٌ من ثلاثين جزءاً من نصيب، فألق ذلك من المال، فيبقى مال إلا نصيباً وجزءاً من ثلاثين جزءاً من نصيب، وذلك يعدل أربعة أنصباء، فاجبر الاستثناء، وقابل، فيكون مالٌ يعدل خمسة أنصباء وجزءاً من ثلاثين جزءاً من نصيب، فابسطها بأجزاء الثلاثين، واقلب العبارة والاسم فيهما، فيكون المال مائة وأحدٌ وخمسون، والنصيب ثلاثون. والوصايا كلها أحدٌ وثلاثون، وألقها من المال يبقى مائةٌ وعشرون [بين أربعة بنين] (1) لكل واحد منهم ثلاثون،
__________
(1) ساقط من الأصل.

(10/231)


وللموصى له الأول -إذا امتحنت- نصيبٌ إلا سدس الباقي بعد الوصايا وسدس الباقي عشرون، فوصيته عشرة، وللموصى له الثاني نصيب إلا خمس الباقي بعد الوصايا، وخمس الباقي أربعة وعشرون، فوصيته ستة أسهم، وللموصى له الثالث نصيب إلا ثمن الباقي بعد الوصايا وثمن الباقي خمسة عشر، فوصيته خمسة عشر، وإذا جمعت الوصايا كانت أحداً وثلاثين.
6864 - مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا سدس ما تبقى من ماله بعد النصيب، وأوصى لآخر بمثل نصيب ابنٍ آخر إلا سدسَ ما تبقى من ماله بعد الوصايا كلها.
فالمستثنى من النصيب الموصى به الثاني ثلثا نصيب؛ فإن الأنصباء أربعة، فسدسها ثلثا نصيب، والمستثنى من النصيب للموصى به الأول سدس مال إلا سدس نصيب؛ لأن الباقي من المال بعد النصيب مال إلا نصيب، فنزيد عليه الاستثناء بسدس مال إلا سدس نصيب، وهذا مسترجع من النصيب الموصى به الأول، فيبقى معنا مال وسدس إلا نصيباً وسدسَ نصيب، فنلقي منه بالوصية الثانية ثلث نصيب؛ فإنا ذكرنا أن الوصيةَ الثانية واقعةٌ بنصيب إلا سدس أربعة أنصباء وسدسُ أربعة أنصباء ثلثا نصيب، فتكون تلك الوصية ثلثَ نصيب، فنلقي هذا من المال، فيحصل معنا بعد ضم هذا الثلث إلى الاستثناء الذي في المال والسدس مالٌ وسدس إلا نصيباً ونصفَ نصيب؛ فإن الاستثناء كان نصيباً وسدساً، فإذا ضممنا إليه ثلثا، صار نصيباً ونصفاً، وهذا يعدل أربعة أنصباء، فنجبر المال والسدس لما فيه من الاستثناء، ونزيد على عديله مثله، فيكون مال وسدس يعدل خمسةَ أنصباء ونصف نصيب، فنبسطهما أسداساً، ونقلب العبارة، فيصير المال ثلاثة وثلاثين، والنصيب [سبعة] (1)، فنضرب الجميع في ثلاثة لأن وصية الموصى له الثاني ثلث نصيب، وليس للسبعة ثلث صحيح، وإذا ضربنا الجميع في ثلاثة، فتصير سهام التركة تسعة وتسعين، والنصيب [أحدٌ وعشرون] (2).
الامتحان: أن نلقي من المال نصيباً يبقى ثمانية وسبعون، فنسترجع سدسها، وذلك
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) زيادة من المحقق.

(10/232)


ثلاثةَ عشرَ، فنسترد هذا من النصيب الذي أخرجناه، فيبقى وصيةُ الأول [ثمانية] (1) أسهم، فنلقيها من المال يبقى أحدٌ وتسعون، فنلقي الوصية الثانية وهي ثلث نصيب، وذلك سبعة أسهم، فإذا ألقيناها بقي أربعةٌ وثمانون، وسدسها [أربعة] (2) عشرَ، وهذا المبلغ هو المستثنى من النصيب الموصى به للثاني، فصارت وصية الثاني سبعة، وإذا قسمنا أربعة وثمانين على أربعة بنين، حصل لكل واحد منهم أحدٌ وعشرون.
6865 - مسألة: رجل له خمسة بنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما تبقى من الثلث بعد النصيب، وأوصى لآخر بثلث ما يبقى من الربع بعد الوصية الأولى.
فالاستثناء الأول وقع مما بعد النصيب، والاستثناء الثاني وقع مما بعد الوصية الباقية (3) بعد الاستثناء.
فالوجه أن نأخذ ثلثَ مال، ونطرح منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فنرد عليه ثلثه للاستثناء، فيصير أربعة أتساع مال إلا نصيباً وثلث نصيب.
وبيان ذلك [أنا نزيد على] (4) الثلث ثلثه للاستثناء، فيصير أربعةَ أتساع مال إلا نصيباً وثلث نصيب، وقد حططنا منه نصيباً، ثم زدنا عليه مثل ثلثه. وهذا الذي زدناه مسترجع من النصيب.
وإذا كان النصيب ناقصاً بالاستثناء فالنقص ينبسط على أجزائه، فحصل معنا إذاً أربعة أتساع مال إلا نصيباً وثلث نصيب.
ثم إنا نلقي من هذا المبلغ نصفَ سدس المال؛ لأنا نُريد الباقي من الربع لأجل الوصية الثانية، وإذا حططنا نصفَ سدس المال من الأتساع الأربعة، [بقي] (5) معنا ثلاثة أتساع المال وربع تسع المال إلا نصيباً وثلثَ نصيب.
__________
(1) في الأصل: ثمن.
(2) زيادة من المحقق.
(3) المقصود أن الاستثناء الثاني وقع مما بقي بعد الوصية الأولى.
(4) عبارة الأصل: وبيان ذلك أن الثلث ثلثه للاستثناء.
(5) في الأصل: في.

(10/233)


وبيان ذلك أنا إذا زدنا على التكسير سدس التسعة، كان سهماً [ونصفاً] (1)، هذا هو السدس [ونصفه] (2) ثلاثة أرباع، وقد كان معنا أربعة أتساع، وقد حططنا نصفَ سدس المال، وهو ثلاثة أرباع التسع، فيبقى معنا ثلاثة أتساع وربع تسع، وهذا الذي نُسقطه كامل لا يتبعه شيء من الاستثناء؛ فإنا نُريد ردَّ الحساب إلى الربع، لنقيم منه الوصية الثانية على شرطها، فبقي الاستثناء الكامل في ثلاثة أتساع وربع تسع، فنقول: معنا ثلاثة أتساع وربع تسع إلا نصيباً وثلث نصيب. وهذا الآن بقية الربع، فندفع ثُلثَه إلى الموصى له الثاني، وذلك تسعٌ ونصف سدس تسع: أما التسع، فثلث ثلاثة الأتساع، وأما نصف سدس التسع، فهو ثلث ربع التسع، ويتبع هذا إذا أخرجناه حصته من الاستثناء لا محالة، فيبقى معنا تُسعان وسدس [تُسع] (3) إلا ثمانية أتساع نصيب، وذلك أن الاستثناء، كان نصيباً وثلثاً، فنبسطها أتساعاً، ونتبع ما أخرجنا أجزاء من الأتساع الباقية: ثلث ذلك، وهو أربعة من اثني عشر، فبقي ثمانية أتساع نصيب، فنزيد هذا الباقي على ثلاثة أرباع مال؛ فإنّ ما أسقطناه من نصف السدس لرد الحساب إلى الربع قد انضم إلى المال، فنقيم حساب الأرباع الآن، وإذا نسبنا على التكسير من [تسعة] (4)، كان ثلاثة أرباع [التسعة] (5) ستة أتساع وثلاثة أرباع تسع، وقد ضممنا إليها مما بقي معنا [تُسعَيْن وسدس تُسع] (6)، فيصير ثمانية أتساع وثلثي تسع وربع تسع ثمانية أتساع نصيب، وهذا يعدل خمسة أنصباء، فنجبر ما معنا من مال الاستثناء، ونزيد على عديله مثله، فيصير ما ذكرناه من غير استثناء معادلاً لخمسة أنصباء وثمانية أتساع نصيب، فنضرب كل واحد منهما في عدد يكون له تُسع ولتسعه ربعٌ وثلث، وذلك مائة وثمانية، فنقلب بعد ذلك العبارة في الجانبين، فيكون المال ستمائة وستة وثلاثين سهماً، والنصيب مائة وسبعة أسهم.
__________
(1) في الأصل: "وسدساً". وهو خطأ حسابي.
(2) في الأصل: ونصف.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصلة: سبعة.
(5) في الأصل: السبعة. ونسأله سبحانه أن يشد أزرنا ويلهمنا الصواب.
(6) في الأصل: سبعين وسدس سبع.

(10/234)


الامتحان: أن نأخذ ثلث المال وهو مائتان واثنا عشر، فنلقي منه النصيب وهو مائة وسبعة، يبقى مائة وخمسة، نأخذ ثلثها وهو خمسة وثلاثون من النصيب ونسترده منه، فبقي اثنان وسبعون وهي الوصية الأولى، فنلقي ذلك من ربع المال، وهو مائة وتسعة وخمسون، فيبقى سبعة وثمانون، فادفع ثلثها إلى الموصى له الثاني، وذلك تسعة وعشرون، يبقى ثمانية وخمسون نزيدها على ثلاثة أرباع المال فيبلغ خَمسَمائة وخمسة وثلاثين، بين خمسة بنين لكل واحد منهم مائة وسبعة وهو النصيب الخارج بالعمل.
6866 - مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وقد أوصى (1) لعمه بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى لخاله، وأوصى لخاله بمثل نصيب أحد البنين إلا ربع ما أوصى لعمه.
فالوجه أن نجعل وصية الخال ثلاثة أشياء، ووصيةَ العم أربعةَ دنانير، ثم تعلم أنك إذا أخذت ثلث وصية الخال، فضممته إلى وصية العم وهي أربعة دنانير، كان ذلك أربعة دنانير وشيء، وهو مثل نصيب البنت.
والغرض من هذا الضم والجمع بيانُ نصيب البنت، وإذا بان نصيبها، فنصيب كل ابن ضعف ذلك، وهو ثمانية دنانير وشيئان، فإذا أسقطت من ذلك ربع وصية العم، وذلك دينار، بقي سبعة دنانير وشيئان وهذه وصية الخال، فالآن نقابل ما حصل معنا في وصية الخال بما قدّرناه وصيةً للخال في الابتداء، وإذا قابلت سبعة دنانير وشيئين بالأشياء الثلاثة التي قدرناها في وضع (2) المسألة، وأسقطنا شيئين بشيئين يبقى سبعةُ دنانير تعدل شيئاً واحداً، فالثلاثة الموضوعة ابتداء أحدٌ وعشرون سهماً، وهي وصية الخال.
ووصية العم كان في الأصل أربعة دنانير، وقد ذكرنا أنك إذا ضممت إليها ثلث وصية الخال، كان المجموع مثل نصيب البنت، وقد بان أن نصيب البنت أربعة دنانير وشيء، وقيمة الشيء [سبعة] (3)، وكل دينار سهم، فالمجموع أحدَ عشرَ سهماً،
__________
(1) عبارة الأصل: وقد أوصى واحد منهم لعمه.
(2) وضع: أي فرض.
(3) في الأصل: تسعة.

(10/235)


وإذا كان نصيب البنت أحدَ عشرَ سهماً، فنصيب الابن اثنان وعشرون، والشيء ثلث وصية الخال، وهو مستثنى من وصية العم، فيبقى للعم أربعة أسهم هي وصيته، فمتى أسقطت من نصيب الابن ربعَ وصية العم، وهو سهم واحد، بقي أحدٌ وعشرون، وهو وصية الخال، ومتى أسقطت من نصيب البنت ثلث وصية الخال وهو سبعة، ونصيب البنت أحد عشر بقي أربعة وهو وصية العم، فالوصيتان جميعاً خمسة وعشرون، وجميع التركة مائة واثنان.
6867 - مسألة: أربعة بنين، وقد أوصى لعمّه بمثل نصيب أحدهم، وثلث ما أوصى به لخاله، وأوصى لخاله بسدس جميع المال إلا ربع ما أوصى لعمه.
فهذه المسألة اشتملت على ضم جزءٍ إلى النصيب، وعلى استثناء جزءٍ من وصية، وقد تقدم في المسائل جمعُ جزئين من وصيتين متداخلتين، كالوصية بالنصيب للعم، مع ثلث وصية الخال، ووصيةُ الخال مقدارٌ أو نصيب مع جزءٍ من وصية العم، وتقدم ذكر وصيتين مع استثنائين.
وهذه الوصية التي نحن فيها تجمع الزيادةَ في وصية والاستثناء من وصية، فإذا قال -والبنون أربعة-: أوصيت لعمي بمثل نصيب أحدهم وثلث ما أُوصي لخالي، وأوصيت بسدس جميع المال إلا ربعَ ما أوصيت لعمي، فنجعل وصية العم أربعة أشياء، ووصية الخال ثلاثة دنانير، وإذا زدت على وصية الخال ربعَ وصية العم، فهي تصير ثلاثة دنانير وشيئاً، وذلك سدس المال، فنضرب هذا المبلغ في ستة، ونعلم أن الضرب يردّ المالَ، فإنا إذا علمنا السدسَ وضعّفناه ستَّ مرات، كان المجموع تمامَ المال، لا محالةَ. وإذا ضربنا ثلاثةَ دنانير وشيئاً في ستة، فيكون المجموع ثمانيةَ عشرَ ديناراً وستةَ أشياء.
فإذا نقصت من وصية العم ثُلث [ما أوصى به لخاله] (1) ووصية الخال في أصل الوضع ثلاثة دنانير، ووصية العم أربعةُ أشياء، وإذا نقصت ديناراً من أربعةِ أشياء، بقيت أربعةُ الأشياء إلا ديناراً، وذلك نصيب كلّ ابنٍ لا محالة، فإن وصيته نصيبٌ
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/236)


كامل وثلثُ وصية الخال، فإذا حططت ثلثَ وصية الخال من وصيته، كان الباقي نصيبَ ابن، فنسقط من التركة وهي ثمانيةَ عشرَ ديناراً وستةُ أشياء الوصيتين الموضوعتين في أصل المسألة، وهما أربعة أشياء وثلاثة دنانير، فتبقى [خمسةَ عشر ديناراً] (1) وشيئان، وذلك يعدل أنصباءَ أربعة بنين، وقد صح أن نصيب كلّ واحد منهم أربعةُ أشياء إلا ديناراً، وجميع ذلك ستةَ عشرَ شيئاً إلا أربعةَ دنانير، فنجبر الاستثناء من الأنصباء بأن نزيد عليها أربعة دنانير، ونزيد على عديلها مثلها، فتصير الأنصباء ستةَ عشر شيئاً، والمالُ [تسعةَ] (2) عشرَ ديناراً، وشيئان، فنسقط الشيئين بالشيئين تبقى أربعةَ عشرَ شيئاً تعدل تسعةَ عشرَ ديناراً، فنقلب الاسمَ، فيكون الدينارُ أربعة عشر سهماً والشيءُ تسعة عشرَ سهماً، وقد كانت التركة ثمانية عشر ديناراً وستة أشياء، فهي إذاً ثلاثمائة [وستة] (3) وستون، وكانت وصيةُ العم أربعةَ أشياء، فهي ستةٌ وسبعون، ووصيةُ الخال ثلاثةُ دنانير، فهي اثنان وأربعون، وكان نصيب كل ابن أربعةَ أشياء إلا ديناراً، فهو اثنان وستون، وسدس المال أحد وستون.
فإذا أردت الامتحان، قلت: إذا نقصنا من وصية العم وهو ستة وسبعون ثلث وصية الخال، وهو أربعة عشر، بقي اثنان وستون، وذلك مثلُ نصيب كل ابن، وإذا نقصت من سدس المال، وهو أحدٌ وستون ربعَ وصية العم، وذلك تسعة عشر، بقي اثنان وأربعون، وذلك وصية الخال، وإذا نقصت الوصيتان وهما [مائة] (4) وثمانية عشر من جملة التركة وهي ثلاثمائة وستة وستون، بقي [مائتان] (5) وثمانية وأربعون، بين أربعة بنين، لكل واحد منهم اثنان وستون.
6868 - مسألة: خمسة بنين وبنت، ولد أوصى لعمه بمثل نصيب أحد البنين إلا نصف ما أوصى به لخاله، وأوصى لخاله بمثل نصيب البنت إلا ثلث ما أوصى به لابن
__________
(1) في الأصل: " خمسة دنانير ". وهو خطأ ظاهر.
(2) في الأصل: سبعة عشر.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وهما ثمانية عشر.
(5) في الأصل: بقي مائة وثمانية وأربعون.

(10/237)


أخيه، وأوصى لابن أخيه بسدس المال إلا ربع ما أوصى به لعمه، وأوصى لأجنبي بثلث ما يبقى من الثلث.
فاجعل وصية الخال في وضع المسألة شيئين؛ لاحتياجك إلى استثناء النصف من نصيبه، ونجعل وصية ابن الأخ ثلاثة دنانير، لاستثناء السدس من وصيته، ونعلم أنك إذا زدت ثلث وصية ابن الأخ، -وهو دينار- على وصية الخال -وهي شيئان- فصار [شيئين] (1) ودينار، فذلك نصيب البنت، ونعلم أن نصيب الابن ضعف ذلك، وهو أربعة أشياء وديناران، وإذا نقصت من نصيب الابن نصف وصية الخال في أصل الوضع، وهو شيء بقي ثلاثة أشياء وديناران وذلك وصية العم، ومتى أخذت ربعَ وصية العم وهي ثلاثة أرباع شيء ونصف دينار، فزدته على وصية ابن الأخ، وصيرته ثلاثة دنانير ونصف دينار وثلاثة أرباع شيء، فهذا المجموع سدسُ المال.
واستمسك بالسدس لإبانة المال، فاضربه في ستة، وقل: ثلاثة دنانير ونصف دينار في ستة، تكون أحداً وعشرين ديناراً. وثلاثةُ أرباع شيء في ستة، تكون أربعة أشياء ونصف، فالمال إذاً أحدٌ وعشرون ديناراً وأربعة أشياء ونصف.
وقد تبين على الجملة مبلغ المال، وإن لم يتقوّم بعدُ، وبان بحسب ذلك وصيةُ العم، والخال، وابن الأخ، وبقيت وصية أخرى وهي ثلث ما تبقى من الثلث، فالوجه أن نأخذ ثلثَ المال، وهي سبعة دنانير، وشيء ونصف، فأسقط منه وصيةَ العم وهي ثلاثة أشياء وديناران، ووصية الخال وهي شيئان، ووصية ابن الأخ وهي ثلاثة دنانير وجميعها خمسة أشياء وخمسة دنانير، يبقى من الثلث ديناران إلا ثلاثةَ أشياء ونصف؛ فإنا نأخذ المثل بالمثل، ونجعل الخلاف استثناء من الخلاف، وقد كان معنا في الثلث شيءٌ ونصف، ونحن احتجنا في الوصية إلى خمسة أشياء، فأسقطنا شيئاً ونصفاً، وجعلنا ثلاثةَ أشياء ونصف شيء استثناء مما تبقى من الدنانير، وأسقطنا دنانير الوصايا من دنانير الثلث، فبقي ديناران إلا ثلاثةَ أشياء ونصفَ شيء، فندفع الثلث من هذا الباقي إلى الموصى له بثلث ما بقي من الثلث، فيبقى دينار وثلث إلا
__________
(1) في الأصل: استثناء.

(10/238)


شيئين وثلث؛ فإن ثلث ما بقي يذهب بحصةٍ من الاستثناء، فيبقى ما ذكرناه، فنزيد ذلك على ثلثي المال، وإذا كان ثلثُ المال سبعةَ دنانير وشيئاً ونصفاً، فالثلثان أربعةَ عشرَ ديناراً وثلاثةُ أشياء، وإذا زدنا ما بقي من الثلث، وهو دينار وثلث إلا شيئين وثلث شيء فيصير المجموع خمسة عشر ديناراً وثلث دينار [وثلثا] (1) شيء، وسبب ذلك أن معنا استثناء شيئين وثلث شيء في بقية الثلث، فنحط الاستثناء من [الأشياء] (2) التي كانت في الثلثين، وكان في الثلثين ثلاثةُ أشياء وإذا حططت منها شيئين وثلث شيء بقي ثلثا شيء، فالمجموع إذاً خمسةَ عشرَ ديناراً وثلث دينار وثلثا شيء، وذلك يعدل أنصباء الورثة.
وقد بان أن أنصباءهم اثنان وعشرون شيئاً وأحدَ عشرَ ديناراً؛ فإنّ نصيب كلِّ ابن أربعةُ أشياء وديناران، والبنون خمسة، ومعهم بنت، ونصيبها على النصف، فيخرج المجموع ما ذكرناه، فنسقط المثلَ بالمثل، فيبقى من دنانير المال أربعة دنانير وثلث، ويسقط من الأشياء في جانب النصيب ثلثا شيء، فيبقى أحدٌ وعشرون شيئاً وثلث في معادلة أربعة دنانير وثلث، فابسط الجميع أثلاثاً فيصير الأشياء أربعةً وستين، والدنانير ثلاثة عشر، فاقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار أربعةً وستين والشيء ثلاثةَ عشرَ.
ثم عُد وقل: كان المال كله أحداً وعشرين ديناراً وأربعة أشياء ونصف شيء، وقيمتها على ما خرج بالعمل الأول ألف وأربع مائة واثنان ونصف، فضعّف جميع ما معك بالضرب في مخرج النصف ليذهب الكسر، فيكون المال ألفين وثمانمائة وخمسة أسهم، ويتضعف الدينار بحسب ذلك؛ فيصير مائة وثمانية وعشرين، والشيء ستةً وعشرين، ونصيب كل ابن أربعة أشياء وديناران، وقيمتها ثلاثمائة وستون.
ونصيب البنت نصف ذلك، مائة وثمانون.
ووصية العم، وهي ثلاثة أشياء، وديناران، وقيمتها ثلاثمائة وأربعة وثلاثون.
__________
(1) في الأصل: وثلث.
(2) في الأصل: من الاستثناء.

(10/239)


ووصية الخال وهي شيئان، اثنان وخمسون سهماً.
ووصية ابن الأخ وهي ثلاثة دنانير، ثلاث مائة وأربعة وثمانون سهماً.
وإذا أخذت ثلث المال، وهو تِسع مائة وخمسة وثلاثون، وأسقطت منه وصية العم، والخال، وابن الأخ، وهي سبعمائة وسبعون، بقي مائة وخمسة وستون يكون ثلثها للموصى له بثلث الباقي من الثلث، وذلك خمسة وخمسون، تبقى مائة وعشرة نزيدها على ثلثي المال، فيصير المجموع ألفاً وتسعمائة وثمانين، بين خمسة بنين وبنت لكل ابن ثلاثمائة وستون وللبنت مائة وثمانون.

مسائل من نوادر التكميلات
6869 - مسألة: إذا مات عن امرأة، وأبوين، وابنين، وأوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحد الابنين لإنسان، وأوصى لآخر بتكملة ربع الباقي من ماله بنصيب الأم، وأوصى لثالث بتكملة خمس الباقي بعد الوصيتين بنصيب الزوجة.
فمسألة الميراث من أربعة وعشرين وتبلغ بالتصحيح ثمانية وأربعين سهماً فنقول: نجعل الوصايا بجملتها ديناراً واحداً، ونضم ذلك الدينار إلى فريضة الميراث، ولا نثُبت في ذلك الدينار حظاً للورثة؛ فإنه مقدّر ليكون وسيلةً إلى إخراج الوصايا، وكلّ ما قدرناه من الأشياء والدنانير في المسائل، ففي تقديرات تُفضي إلى بيان، فليكن هذا الدينار الواحد جملةَ الوصايا.
ثم نأخذ ثلثَ الفريضة وثلثَ الدينار، وهو ستة عشر سهماً، وثلثَ دينار، فنعزل منها نصيب الابن، وهو ثلاثةَ عشرَ، تبقى [ثلاثة] (1) أسهم وثلث دينار، فهي الوصية الأولى الواقعة بتكملة الثلث بنصيب الابن، فاحفظ ذلك واعزلها عن جميع المال، فتبقى خمسةٌ وأربعون سهماً وثلثا دينار، ونحن نحتاج إلى جزءٍ مما تبقى، فخذ ربع ذلك الباقي، وهو أحد عشر سهماً وربع سهم وسدس دينار، فألق منها نصيب الأم، وهي ثمانية أسهم، تبقى ثلاثة أسهم وربع سهم وسدس دينار، فهي الوصية الثانية، فاحفظها، واجمعها إلى الوصية الأولى، وهي ثلاثة أسهم وثلث دينار، فيكون
__________
(1) في الأصل: ستة.

(10/240)


المجموع ستة أسهم وربع سهم ونصف دينار، فألق ذلك من المال، تبقى أحدٌ وأربعون سهماً وثلاثة أرباع سهم ونصف دينار، فحُطّ خُمسَ ذلك، فإن تصرفك في الباقي، وخمس هذا الباقي ثمانية أسهم وربع وعشر سهم وعشر دينار، فاعزل عنها نصيب الزوجة وهو ستة أسهم، يبقى سهمان وربع وعشر سهم وعشر دينار، فهي الوصية الثالثة، فضُمَّها إلى الوصيتين الأُوليين، وهما ستة أسهم وربع سهم ونصف دينار، فتبلغ ثمانية أسهم وثلاثة أخماس سهم وثلاثة أخماس دينار، فذلك مجموع الوصايا، [وذلك يعدل ديناراً، كما قدرنا الوصايا في أصل الوضع] (1) فأسقط المثل بالمثل، فنسقط ثلاثة أخماس دينار من الجانبين قصاصاً، تبقى خمسا دينار يعدل ثمانية أسهم، وثلاثة أخماس سهم، فابسطها أخماساً، فتصير الأسهم والأخماس ثلاثة وأربعين سهماً، ويصير خمسا الدينار دينارين، فتقع ثلاثة وأربعون سهماً في مقابلة دينارين، والدينار يعدل أحداً وعشرين [سهماً] (2) ونصف، فزد ذلك على ثمانية وأربعين، والتي وضعناها في فريضة الميراث، فيكون المجموع تسعة وستين سهماً ونصف، فهي الجملة الجامعة للوصايا والميراث.
وقد كانت الوصية الأولى ثلاثة أسهم وثلث دينار، فهي إذاً عشرةُ أسهم وسدس سهم، هكذا تكون على التقويم الذي ذكرناه للدينار.
والوصية الثانية كانت ثلاثة أسهم وربع سهم وسدس دينار، فهي إذاً ستة أسهم وخمسة أسداس سهم.
والوصية الثالثة سهمان وربع وعشر سهم وعشر دينار، فهي إذاً أربعة أسهم ونصف، وجملة الوصايا مع تقويم أجزاء الدينار [المضمومة] (3) إلى السهام أحدٌ وعشرون سهماً ونصف.
فإذا ألقيتها من المال وهو تسعة وستون ونصف، تبقّى ثمانية وأربعون سهماً، وهي مقسومة بين الورثة على فرائضهم.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: درهماً.
(3) في الأصل: المضمونة.

(10/241)


6870 - مسألة: ثلاثة بنين وقد أوصى لإنسان بتكملة ثلث الباقي من ماله بعد الوصية بنصيب أحد البنين، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من ثلث جميع ماله.
فالوجه أن نجعل ثلث الباقي من المال بعد الوصية وصيةً ونصيباً، فيكون المال الباقي بعد الوصية ثلاثة أنصباء وثلاث وصايا، وصية محقَّقة، ووصيتان مقدرتان؛ لتعديل الحساب، ومعنا وصية أخرى، وهي الوصية بثلث ما تبقى من ثلث جميع المال، فإذاً المال كله ثلاثة أنصباء، وهي أنصباء الورثة وأربع وصايا: وصيتان محقَّقتان ووصيتان مقدرتان، لتصحيح العمل.
فنأخذ ثلث ذلك، وقد قدرنا ثلاثة أنصباء وأربع وصايا، فثلثها نصيبٌ ووصية وثلث وصية، فنلقي بالوصية الأولى وصيةً، يبقى نصيب وثلث وصية، فألق ثلث ذلك للموصى له الثاني، يبقى ثلثا نصيب وتسعا وصية، فنزيد هذا الباقي على ثلثي المال، وهو نصيبان ووصيتان وثلثا وصية، فيجتمع نصيبان وثلثا نصيب ووصيتان وثمانية أتساع وصية؛ فإنه كان معنا وصيتان وثلثا وصية في جانب الثلثين، فإذا زدنا التُّسعين الباقيين من الثلث على ثلثي وصية، صار ثمانية أتساع وصية، وهذا المبلغ يعدل ثلاثة أنصباء، فنسقط المثل بالمثل وما معنا في جانب المال نصيبان وثلثا نصيب، فنسقطهما، ونسقط عن مقابلة مثلها، فبقي من أنصباء الورثة ثلث نصيب، يعدل وصيتين وثمانية أتساع وصية، فنبسط الجميع أتساعاً، ونقلب العبارة في الجانبين، فيصير النصيب ستة وعشرين، والوصية ثلاثة أسهم، والمال ثلاثة أنصباء وأربع وصايا، ومجموعها بعد البيان الذي ذكرناه تسعون سهماً، فنلقي الوصية وهي ثلاثة من جملة المال، وهي تسعون، بقي سبعة وثمانون، فإذا أخذت ثلث ذلك، وهو تسعة وعشرون، وألقيت منها النصيب، وهو ستة وعشرون، بقيت الوصية، وهي ثلاثة أسهم، وهي تكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية بنصيب أحدهم.
وإذا أخذت ثلث جميع المال، وهو ثلاثون وألقيت منها هذه الوصية، وهي ثلاثة، بقي سبعة وعشرون، فألق ثلثها للموصى له بثلث ما تبقى من الثلث بعد الوصية، وهي تسعة، تبقى ثمانيةَ عشرَ سهماً، فزدها على ثلثي المال وهو ستون سهماً، فيبلغ ثمانيةً وسبعين سهماً، بين ثلاثة بنين، لكل واحد منهم ستةٌ وعشرون.

(10/242)


ومما يجب التنبه له في هذه المسألة وأمثالها، أنا قدرنا فيها ثلاث وصايا في ثلاثة أثلاث الباقي بعد الوصية، ووضعناها متماثلة، ثم قدرنا الوصية بثلث ما تبقى من الثلث وصية رابعة، وهذه الوصية في الامتحان خرجت تسعة، والوصية الأخرى خرجت ثلاثة، فهي متفاوتة، وقد جرت في مراسم الجبر على نسوق أحد (1)، وهذا بديعٌ؛ فإن القياس يقتضي أن تَسَاوى الأنصباء المجراة في مراسم الجبر، ولا مطمع في دَرْك حقيقة ذلك، إلا من جهة البرهان الهندسي.
ولو نظر ناظر على ظنَّ وقال: قدّرنا وصيتين، وأثبتنا وصية محققة، وكل وصية من الوصايا الثلاثة ثلاثة، والوصية بثلث ما تبقى من الثلث تسعة، وهي ثلاثة أمثال الوصية الواحدة من الوصايا الثلاثة، فمجموعها أربعة وصايا إذا حُسبت كل وصية ثلاثة، كان هذا نظراً عن بعدٍ، ولا تعويل عليهِ. والأصل اتباع الألفاظ التي وضعها حذاق الحُسّاب. وهذا تنبيه لم نجد بداً من ذكره.
6871 - مسألة: خمسة بنين، وأوصى بتكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية بنصيب أحد البنين، إلا ثلثَ الباقي من ذلك الثلث بعد التكملة.
فنجعل النصيب ثلاثةَ أشياء، لأنه هو الباقي المستثنى ثُلُثه بعد التكملة.
وبيان ذلك، وبه يتضح تصوير المسألة: أنه أوصى بتكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية بنصيب أحد البنين، واستثنى عن الوصية بهذه التكملة ثلثَ ما تبقى من هذا الثلث بعد التكملة، وإذا أخرجنا التكملة من الثلث، فالباقي من ذلك الثلث بعد إخراج التكملة النصيبُ؛ فإن [الثلث] (2) تكملة ونصيب، فيرجع حقيقةُ التصوير إلى الوصية بالتكملة من الثلث الباقي بعد الوصية [إلى الوصية] (3) بالنصيب إلا ثلثاً من النصيب الذي به التكملة؛ فنجعل ذلك النصيبَ ثلاثةَ أشياء للاحتياج إلى الاستثناء.
ونقول أيضاً: إذا كنا نحتاج إلى الاستثناء من التكملة، فنزيد في [وضع] (4)
__________
(1) كذا. وواضحٌ أن المقصود " على نسق واحد ".
(2) في الأصل: الثلاثة. وقد أرهقنا هذا التصحيف يوماً كاملاً، حتى استبان وجهه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وضح. والمراد بالوضع هنا: الفرض.

(10/243)


المسألة ذلك الذي نستثنيه، ونقول: التكملةُ وصيةٌ وشيء، والوصيةُ هي التي تبقى بعد الاستثناء، والشيء هو الذي نستثنيه من التكملة، فينتظم منه أن الثلث كلَّه وصية وأربعة أشياء، والتكملة وصية وشيء، فإذا ألقيت من التكملة ثلث الباقي من النصيب الذي به التكملة، بقيت الوصية.
هذا تمهيد التصوير، وفيه بقيةٌ ستَبِينُ في مساق المسألة، فنضرب الوصية والأربعة الأشياء في ثلاثة ليرد المال الباقي بعد الوصية، فيرد ثلاث وصايا واثنا عشر شيئاً، وليس هذا جميع المال، بل هذا جميع أثلاث ما تبقى بعد الوصية.
فإذا زدت على هذا وصيةً، صار جميعُ المال إذاً أربعَ وصايا واثنا عشر شيئاً، فألق منها الوصية، فالباقي ثلاث وصايا واثنا عشر شيئاً.
فنقابل أنصباء البنين، وأنصباؤهم خمسة، وكل نصيب ثلاثة أشياء، فهي إذاً خمسةَ عشرَ شيئاً، فنُسقط المثل بالمثل، فيبقى من الأنصباء ثلاثة أشياء، فنتبيّن أن الوصية تعدل شيئاً.
فنعود ونقول: النصيب ثلاثةُ أسهم، والمال كلُّه -وهو أربع وصايا واثنا عشر شيئاً- ستة عشرَ سهماً، فإذا ألقيت الوصية -وهي سهم من المال- بقي خمسةَ عشرَ، وإذا أخذت ثُلثَها -وهو خمسة- وألقيت منها النصيب وهو ثلاثة بقي سهمان، وذلك هو التكملة، فإذا ألقينا منها ثلث الباقي بعدها، والباقي بعد التكملة هو النصيب [وثُلثُه سهمٌ واحدٌ] (1)، بقي سهم واحد، وهو الوصية، فألقها من المال، وهو ستةَ عشرَ، فتبقى خمسة عشر بين البنين لكل واحد منهم ثلاثة.
6872 - مسألة: ستة بنين، قد أوصى بتكملة ثلث ماله بنصيب أحدهم [إلا] (2) تكملة ربع ما تبقى من مال بعد الوصية بنصيب أحدهم.
فحساب المسألة أن نجعل الوصية شيئاً، وننقصه من المال، فيبقى مالٌ إلا شيء، فنأخذ ربعَ ذلك، وهو ربعُ مال إلا ربع شيء، وهذا الربع هو الذي نطلب تكملته،
__________
(1) عبارة الأصل: وثلاثة أسهم وأخذ.
(2) في الأصل: إلى.

(10/244)


[لنستبقيها] (1) من تكملة ثلث جميع المال، وهذا الربع واقع بعد تقدير الوصية، والتكملةُ الموصى بها لو لم يكن استثناءٌ، [لكانت] (2) تكملة [ثلث] (3) جميع المال، فنعلم أن هذا الربع الناقصَ نصيبٌ كامل لأحد البنين، وتكملةُ ربعٍ ناقص، فإن نَقَصْتَ من هذا الربع الناقص نصيباً كاملاً، فالباقي إلى تمام الربع هو المستثنى من تكملة ثلث جميع المال، فهذه التكملة من هذا الربع الناقص مع الوصية التي ثبتت بعد الاستثناء تكملةُ ثلث جميع المال، ولو لم نُسقط من هذا الربع الناقص شيئاً، لكان هذا الربع الناقص -وهو نصيب واستثناء- مثل ما بقي من ثلث جميع المال إذا أخرجت الوصية الثابتة منه؛ لأن الثلث نصيب ووصية واستثناء، وهذا الربع الناقص نصيب واستثناء، فهو مثل الباقي من ثلث جميع المال بعد الوصية، فخرج منه أن ربع مال إلا ربع شيء يعدل ثلث مال إلا شيئاً؛ فإن الوصية شيء في وضع المسألة، فنقابل بين ربع مال إلا ربع شيء وبين ثلث مال إلا شيء، فنجبر الثلث الناقص بالشيء، فإنه أكثر النقصين، وإذا جبرنا الثلث [الناقص] (4) بشيء، زدنا على عديله شيئاً، فنجبر بهذا الشيء نقصان ربع شيء، ونزيد على الربع ثلاثة أرباع شيء، فيبقى ثلثٌ كاملٌ في مقابلة ربع كامل وثلاثة أرباع شيء، فنسقط الربع بالربع، فيبقى من الثلث نصفُ سدس مال تعدل ثلاثة أرباع شيء، وإذا كان نصف السدس يعدل ثلاثة أرباع، فجملة المال تعدل [تسعة] (5) أشياء؛ فإنا إذا [بسطنا] (6) المال أنصاف أسداس، كان (7) اثنا عشر، فكل سدس يقابل شيئاً ونصفاً، فالمجموع يقابل تسعة أشياء، فخرج منه أن الشيء تُسعُ مال، وبان أن الوصية تُسع مال، وللبنين ثمانية أتساع مال بينهم على ستة لا تنقسم، ولكن توافق بالنصف، فاضرب نصف عدد البنين في مخرج التُّسع، وهي تسعة، فترد
__________
(1) في الأصل: لنستبينها.
(2) زيادة من المحقق.
(3) ناقصة من الأصل.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: سبعة.
(6) في الأصل: أسقطنا.
(7) كان هنا تامة، والمعنى حصل أو نحوها.

(10/245)


سبعةً وعشرين، والنصيب أربعة، وإنما نتبين أن النصيب أربعة بالقسمة بعد الضرب؛ فإنّ أنصباء البنين قبل الضرب، كان ثمانية، فلما انكسرت، ضربنا التسعة في ثلاثة، فصار كل سهم من الثمانية ثلاثة، فالمجموع أربعة وعشرون، وإذا قسمناها على ستة بنين خصَّ كل واحد أربعة، فاستبان من هذا أن النصيب أربعة.
فنعود ونمتحن ونقول: ثلث المال تسعة؛ فإن المال سبعة وعشرون، فننقص منه نصيباً، وهو أربعة، يبقى خمسة أسهم، فهي تكملة ثلث المال، ثم نعود وننقص الوصية وهي ثلاثة من المال، يبقى أربعة وعشرون فنأخذ ربعها، وهذا هو الربع الناقص الذي أبهمناه قبلُ، وهو ستة، فننقص منه نصيباً كاملاً، يبقى سهمان، فهذا هو تكملة ربع ما تبقى من المال بعد الوصية بنصيب أحدهم، فننقص تكملة الربع وهو سهمان من تكملة ثلث المال، وهو خمسة، فيبقى ثلاثة أسهم، وهي الوصية الخارجة بالعمل، فننقصها من المال، فيبقى أربعة وعشرون، بين ستة بنين، لكل واحد منهم أربعة.
6873 - مسألة: ستة بنين، وقد أوصى بتكملة ثلث الباقي من ماله بعد الوصية بنصيب أحدهم، إلا تكملة سدس ماله بنصيب أحدهم.
فالوجه أن نجعل الوصية شيئاً وننقصه من المال، يبقى مال إلا شيئاً، فخذ ثلثَه وهو ثلث مال [إلا ثلث شيء] (1)، فلو نقصت من هذا الثلث الناقص نصيباً كاملاً، لبقي تكملة ثلث الباقي من المال بنصيب أحدهم، ولكن نحتاج إلى استثناء من هذه التكملة من هذا الثلث الناقص أكثر من الوصية بمقدار الاستثناء، فاحفظ هذا. ومتى نقصت من سدس المال نصيباً، بقي سدس مال إلا نصيب، وهو تكملة سدس المال بنصيب أحدهم، وهذا هو المستثنى من تكملة الثلث بعد الوصية، ولا شك أن سدس جميع المال هو نصيبٌ والاستثناءُ الذي نطلبه، فمتى زدت على سدس المال الوصيةَ وإلا شيء، اجتمع نصيبٌ والوصيةُ والمستثنى، وذلك يعدل ثلث مال إلا ثلث شيء؛ لأن ذلك الثلث الناقص اشتمل على نصيبٍ كاملٍ ووصيةٍ واستثناء، فقل: ثلث مال إلا ثلث شيء يعدل سدس مال وشيء، وإذا كان كذلك، فقابل واجبر الثلث الناقص بثلث
__________
(1) زيادة لتصحيح المسألة.

(10/246)


شيء، فنردّ على عديله ثلث شيء، فيصير ثلث كامل في مقابلة سدس وشيء وثلث شيء، فنسقط السدس بالسدس فيبقى سدس في مقابلة شيء وثلث شيء، فجميع المال في مقابلة ثمانية أشياء، وقد بان أن الشيء إذا أطلقناه ثُمنُ مالٍ، وهو الوصية، فإذا أخرجتها من المال، بقي سبعةُ أثمان المال لا تنقسم على عدد البنين، ولا توافق، فاضرب عددهم في ثمانية، وهو مخرج الثمن، فترد ثمانية وأربعين، ومنها تصح المسألة والنصيب سبعة؛ فإنا ضربنا كل نصيب في سبعة.
الامتحان: نحط من ثمانية وأربعين ثمنها وهو ستة أسهم، يبقى اثنان وأربعون، فخذ ثلثها، أربعة عشر، وانقص منها نصيباً، فيبقى سبعة، فهي تكملة الباقي من [ثلث] (1) المال بعد الوصية بنصيب أحدهم، ثم خذ سدس المال، وهو ثمانية أسهم، وانقص منه نصيباً، يبقى سهم واحد، وهو تكملة سدس المال، فانقصه من تكملة ثلث الباقي من المال بعد الوصية، وهو سبعة، تبقى ستة، فهي الوصية.
فعد وانقصها من المال، وهو ثمانية وأربعون، يبقى اثنان وأربعون بين البنين، لكل واحد منهم سبعة أسهم.
فإن كانت المسألة بحالها، وقد أوصى فيها لآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فمعلوم أن وصية الأول ثمنُ المال، على ما بيّنا، فكأنه أوصى لرجل بثمن ماله، ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، وقد بان نظائر هذا فيما تقدم، فالوصيتان بالطرق المقدمة، والوصايا بالأجزاء أربعة عشر جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، فانقصها من المال، واقسم الباقي بين البنين على أمثال ما تقدم شرح ذلك في أمثال هذا.

مسائل في النوادر من الوصايا المفروضة، التي فيها ذكر الجذور
6874 - فنقول أولاً: المسائل التي يجري فيها تصوير الجذور، لا تمس (2) الحاجة إليها في الأحكام والفتاوى ولا تُخرّج على موجَب الحكم، إنما يوردها الحُسّاب للرياضة في الحساب، وإلا فالجذر لا ضبط له في طرفي القلة والكثرة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: " ولا تمس ".

(10/247)


وقد ذكرنا أن من أوصى بجذر ماله، فهذا محمول على جذر ما خلّفه، على ما تقدم شرحه: منطَّقاً كان الجذر أو أصمَّ، وكنا فيما تقدم رأينا هذا، ولم يتعرض له الأستاذ أبو منصور في مسائل الجذور، ولكنه استرسل في طريق الحساب استرساله في مسائل سائر الأبواب، وقد نص هاهنا على ما ذكرناه، وأبان أن المسائل التي تُفرض فيها الجذور والمجذور فرضياتٌ، [يُبغى] (1) بها الرياضة والتدرّب.
وما عدا ذلك من مسائل الأبواب ينطبق على الفتاوى والأحكام؛ فإن المقصود منها بيانُ أجذار الوصايا، وإيضاح جزئها من حصص الورثة، وتلك الجزئية لا تختلف بأن نفرض عدداً قليلاً أو كثيراً، وكذلك لا تختلف بأن نخرج المسألة مع كسرٍ، أو نخرجَها مع التصحيح، فكأن نخرجها في أقلِّ عدد تصح القسمةُ منه موافقاً للحكم، ولا حرج على من يكسّر ولا من يبسط؛ فإن الجزئية لا تختلف، وأما الجذور، فإنها تختلف بالجزئية إذا خالفت في الوضع (2) تقليلاً وتكثيراً، ولو لم يكن فيها [إلا أنّ] (3) جذرَ الأموال التي [تكون] (4) أعداداً أقلُّ منها، وجذرُ الكسر أكثر من الكسر (5)، لكان في هذا أكمل بيان في أن مسائل الجذور رياضةٌ وضعيّة، لا حاجة إليها في الأحكام إلا أن يتكلف متكلفٌ، فيشترطَ شرطاً يدنو من بيان المسألة.
6875 - ولكنا لم نُحب أن نُخلي هذا المجموع (6) من بعض ما ذكره الحُسّاب في هذا الباب؛ حتى يكون مشتملاً على كلِّ نوع يجري الرسمُ بذكره، فنذكر إذاً مسائل.
منها - أن قائلاً لو قال: خلف رجل ابناً وبنتاً، وأوصى بوصية إن نقصها من نصيب البنت، كان باقي نصيبها مجذوراً، وإن نقصها من نصيب الابن، كان باقي نصيبه مجذوراً، كم الوصية؟ والتركة؟ والنصيب؟
__________
(1) في الأصل. ويبغى.
(2) المراد بالوضع الفرضُ والتقدير.
(3) عبارة الأصل: ولو لم يكن فيها الآن جذر ...
(4) زيادة اقتضاها السياق.
(5) مثاله: جذر التسعة ثلاثة، وجذرُ الربع نصف.
(6) هذا المجموع المراد به: هذا الكتاب (نهاية المطلب).

(10/248)


فالوجه في استخراج هذه المسألة في أوضاعهم، أن نقول: نجعل نصيب البنت مالاً ووصية، ونجعل نصيب الابن أربعة أموال ووصية، وإذا أسقطنا الوصية من نصيب البنت بقي مال، وهو مجذور، وإذا أسقطنا الوصية من نصيب الابن، بقيت أربعة أموال، وجذر الأربعة من طريق اللفظ ثابت، ثم نضعِّف نصيبَ البنت، فيكون مالَيْن ووصيتين، وسبب تضعيف المال أن نثبت لها مالين على نصف ما أثبتنا للابن، فإذاً نصيبها مالان ووصيتان، ونصيب الابن أربعة أموال ووصية، وليس هذا تعديلاً محقَّقاً؛ وسبب ذلك أنا إذا أردنا أن يكون الباقي من نصيب البنت مجذوراً، فينبغي أن يكون نسبة الوصية إلى باقي نصيبها بخلاف نسبة الوصية إلى باقي نصيب الابن، ولو لم نقدّر ذلك، لما خرج الباقي من كل نصيب مجذوراً.
وليعلم الناظر أن المسائل الجذرية وضعيةٌ كلُّها، توصّل الحُسّاب إلى أوضاعٍ فيها ولا تتبعوها (1) وأوردوها، ويعسر طلبُ طرقٍ منقاسةٍ في استخراجها، ولا شك أن لها طرقاً غائصة متلقّاةً من أسرار الهندسة، ولكن لا مطمع في بيانها، فليكتف الناظر بالمراسم التي تُلقى إليه.
فنعود ونقول: نصيب البنت مالان ووصيتان، نقابل به نصيب الابن، وهو أربعة أموال ووصية، فأسقط مالين بمالين، ووصية بوصية، فيبقى وصية تعدل مالين، فاجعل كل واحد من المالين أيَّ عدد شئت، بعد أن يكون مجذوراً، فقل: كل مال أربعةٌ، فالوصية إذاً ثمانية؛ فإن الوصية صارت تعدل مالَيْن.
ونصيب البنت في أصل المسألة قبل التضعيف مالٌ ووصية، فالمجموع اثنا عشر؛ فإن المال أربعةٌ، والوصيةُ ثمانية.
ونصيب الابن أربعةُ أموال ووصبة، فهو إذاً أربعة وعشرون، ستة عشر منها أموال، وثمانية وصية، وجملة المال أربعة وأربعون، اثنا عشر، وأربعةٌ وعشرون، وثمانية للوصية.
ومتى نقصت الوصية من نصيب البنت بقي أربعة، وهي مجذورة، فإن نقصتها من
__________
(1) كذا، ويمكن أن تقرأ: ولاتّبعوها.

(10/249)


نصيب الابن، بقي ستة عشر، وهي مجذورة.
6876 - فإن كانت المسألة بحالها إلا أن السائل قال: الوصية إن زادت على نصيب كل واحد من الابن والبنت، كان النصيب مع الوصية مبلغاً مجذوراً.
فالطريق المذكورة في ذلك أن نجعل نصيب البنت أربعة أموال إلا وصية، ونجعلَ نصيب الابن ستة أموال وربع مال إلا وصية.
وهذا كما ذكرناه وضعُ امتحان لا يُهتدَى إلى طريقٍ منقاسةٍ فيه، ثم نضعّف نصيب البنت -وهذا يطرد في أمثال هذه المسائل- فتكون ثمانية أموالٍ إلا وصيتين، ثم نقابل ذلك بنصيب الابن، وهو ستة أموال وربع إلا وصية، فنجبر نصيبها بوصيتين، ونزيد على نصيب الابن وصيتين، فنجبر بأحدهما الاستثناء، فيصير ثمانية أموال في مقابلة ستة أموال وربع ووصية، فنسقط من نصيب البنت ستة أموال وربع مال، ونسقط ما كان معنا من الأموال والكسر من جانب الابن، فيبقى وصيته تعدل مالاً وثلاثة أرباع مال، فاجعل المال عدداً مجذوراً، أيَّ عدد شئت، فإن جعلتَه أربعة، فالوصية سبعة؛ فإنها قابلت مالاً وثلاثة أرباع مال.
ونصيب البنت في أول وضع المسألة قبل التضعيف أربعةُ أموال إلا وصية، وأربعة أموال ستة عشر، فإذا استثنيت منها الوصية -وهي سبعة- بقيت تسعة.
ونصيب الابن وهو ستة أموال وربع مال -وكل مال أربعةٌ- خمسةٌ وعشرون، ولكن معها استثناء وصية، وإذا استثنيت الوصية وهي سبعة من خمسةٍ وعشرين، بقي ثمانيةَ عشرَ، وهي ضعف التسعة، ولو زدت [السبعة] (1) على ثمانيةَ عشرَ، بلغ خمسةً وعشرين، وهي مجذورة، وإذا زدت الوصية وهي سبعة على نصيب البنت، وهو تسعة بلغ ستةَ عشرَ، وهي مجذورة، والنصيبان مع الوصية أربعة وثلاثون، وهي التركة الجامعة للوصية والنصيبين.
6877 - فإن ترك ابنين، وقد أوصى لأخيه وعمه وخاله بوصايا كل وصية منها على عدد مجذور، وجميعهن مثلُ نصيب أحد الابنين، وإذا زدت على كل واحدة منهن
__________
(1) في الأصل: التسعة.

(10/250)


ستة عشر سهماً، كان المبلغ مجذوراً، فكم التركة؟ وما مقدار كل واحدة من الوصايا؟
الوجه أن نجعل الستة عشرَ جذري وصية الأخ، وواحداً من العدد، يعني نحسب كلَّ (1) واحدٍ من العدد، فبقي خمسة [عشر] (2) فهي جذران، وإذا كان كذلك، فالجذر الواحد لوصية الأخ سبعة ونصف، والوصية ستة وخمسون وربع.
[ثم] (3) نجعل الستةَ عشرَ أربعة أجذار وصية العم، وأربعة من العدد، وإذا حططت من الستةَ عشرَ أربعة لأجل العدد، بقي اثنا عشر، وإذا قطعتها أربعة أجذار، فالجذر الواحد ثلاثة، فوصية العم تسعة.
ثم نجعل الستة عشر ستة أجذار وصية الخال وتسعة من العدد، فنخرج الجذر الواحد من الستة عشر بعد حط التسعة، واحداً وسدساً، فيكون وصية الخال واحداً وثلاثةَ عشرَ جزءاً من ستةٍ وثلاثين جزءاً من واحد.
فمتى زدت الستةَ عشرَ على وصية الخال، صار المبلغ سبعةَ عشرَ من العدد وثلاثةَ عشرَ جزءاً من ستة وثلاثين جزءاً من واحد، وذلك مجذور وجذره أربعة وسدس.
وإن زدت الستةَ عشرَ على وصية الأخ وهو ستة وخمسون وربع، بلغ اثنين وسبعين وربعاً، وهو مجذور، وجذره ثمانية ونصف.
وجميع الوصايا إذا جمعتها ستة وستون عدداً، واثنان وعشرون جزءاً من أجزاءٍ ستةٍ وثلاثين، ونصيب الابنين مِثْلا ذلك، فجميع التركة إذا ألَّفت الكسور [مائة وتسعة وتسعون] (4) سهماً وخمسة أسداس سهم.
وهذه المسألة وضعيّة (5)، وحاصلها أن نضع عدداً يوافق الجوابُ فيه مقصودَ
__________
(1) كذا. ولعلها: " أي واحدٍ "، والمعنى واضح من السياق: أي نفرض الـ (16 = 2جذر+1) أو (16 - 1 = 2 جذر).
(2) عبارة الأصل: فبقي خمسة.
(3) في الأصل: لم.
(4) عبارة الأصلِ: مائة وسبعون.
(5) وضعية أي فرْضية تقديرية.

(10/251)


السائل، وإلا فما ذكرناه من تقاسيم الوصايا تحكّمات، ولو أقمت الخال مقام الأخ، والعمَّ مقام الخال، والوصايا المذكورة في السؤال مرسلة، لا ضبط فيها (1)، ولكن لا تخرج الوصايا الثلاث إلا بأن ترتب كذلك، ونسبة الوصايا إلى تقدير الجاعل.
ولا معنى للإكثار من هذا الفن إذا كان الحاجة لا تَمس إليها في الأحكام، وإنما هي رياضٌ (2).
...
__________
(1) جواب لو مفهوم الكلام.
(2) أي رياضة.

(10/252)


باب مسائل في الوصايا المقيدة بالدراهم والدنانير والمقصود استخراج أعداد سهمها للسائل في سؤاله
6878 - مسألة: ابن وبنت، وقال السائل: أوصى بوصية كانت الوصية إذا زدت عليها ثلاثة دنانير - مثلَ نصيب البنت، وإذا زدت عليها عشرةَ دنانير، كانت مثلَ نصيب الابن. كم الوصية؟ وكم التركة؟
والوجه أن نقول: نجعل نصيب البنت شيئاً وثلاثة دنانير، ونجعل نصيب الابن شيئاً، وعشرةَ دنانير، ثم نضعّف نصيب البنت، فيكون شيئين وستة دنانير، فنقابل بين نصيب الابن، وهو شيءٌ وعشرةُ دنانير، فيبقى بعد المقابلة وإسقاط المثل بالمثل شيءٌ، يعدل أربعةَ دنانير، وهي الوصية.
فعد وقل: الوصية أربعة، ولو زدت عليها ثلاثة دنانير، كانت سبعة، وهي نصيب البنت، وإذا زدت عليها عشرة دنانير، كانت أربعةَ عشرَ ديناراً، وهو مثل نصيب الابن.
والتركةُ كلُّها خمسةٌ وعشرين ديناراً. حصة الابن والبنت منها أحدٌ وعشرون، والوصية أربعةٌ.
وهذه المسألة في وضعها أدنى إشكال؛ من جهة أنا بالتضعيف آخراً، قدرنا نصيب البنت شيئين وستة دنانير، فكان الوضع يقتضي أن يكون نصيب الابن شيئين ونصيب البنت شيئاً واحداً، وستأتي مسائل على النظم الذي ذكرناه، ولكن الحُسَّاب لم يخرجوا على تقدير ثلاثة أشياء، واحتاجوا إلى تضعيف الدنانير الثلاثة، وانتظم لهم اللفظ الذي ذكرناه، ولا يختلف الغرض بذلك التقدير.

(10/253)


6879 - مسألة: ابن وبنت وقد أوصى بوصية إن زدتها على نصيب البنت بلغ المجموع ثلاثين ديناراً، وإذا زدتها على نصيب الابن، بلغ المجموع خمسين ديناراً، فكم الوصية؟ وكم التركة؟
الوجه أن نجعل الوصية شيئاً، فإذا ألقيته من الخمسين ديناراً، بقي خمسون ديناراً إلا شيء، وذلك نصيب الابن. وإذا ألقيته من ثلاثين ديناراً، بقي ثلاثون ديناراً إلا شيئاً، وذلك نصيب البنت، فضعّف نصيبَ البنت أبداً في قياس الباب، فيصير ستين ديناراً إلا شيئين، فنقابل الآن بينها وبين نصيب الابن، وهو خمسون دينار إلا شيئاً، ونجبر الشيئين بشيئين، ونزيد على الخمسين شيئين، فتصير شيئين، في مقابلة خمسين وشيئاً، فنسقط المثل بالمثل، فيبقى شيء في مقابلة عشرة دنانير.
فنقول: الوصية عشرةُ دنانير، ونصيب الابن أربعون، ونصيب البنت عشرون.
وإذا زدت العشرة على الأربعين صار المبلغ خمسين، وإذا زدتها على عشرين، صار المبلغ ثلاثين.
والتركة سبعون ديناراً للوصية عشرة، وللابن أربعون، وللبنت عشرون.
6880 - مسألة: ثلاثة بنين وبنت وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، إذا زدت على وصية الخال أربعة دنانير، كان مثل نصيب البنت، وإذا زدت على وصية العم ستة دنانير، كان المبلغ مثلَ نصيب الابن، والوصيتان جميعاً ثلاثون ديناراً؟ كم التركة؟ وكم مبلغ كلِّ واحد من الوصيتين؟
والوجه أن نقول: نصيب البنت شيء، ونصيب كل ابن شيئان، على القياس الذي يجب، وتكون وصية الخال شيئاً إلا أربعة دنانير؛ [فإن] (1) نصيب البنت في الوضع شيءٌ، ووصية الخال ناقصة عنه بأربعة دنانير.
ووصية العم شيئان إلا ستة دنانير.
والوصيتان إذاً ثلاثة أشياء إلا عشرة دنانير [وذلك يعدل ثلاثين ديناراً] (2)، فنجبر
__________
(1) في الأصل: وإن.
(2) زيادة من المحقق، لا يتم الكلام إلا بها.

(10/254)


الأشياء بعشرة دنانير، ونزيد على عديلها عشرة، فيبقى ثلاثة أشياء كاملة في مقابلة أربعين ديناراً، فتبين أن قيمة الشيء ثلاثة عشر ديناراً وثلث، فذلك نصيب البنت، فنصيب الابن إذاً ستةٌ وعشرون وثلثان، وإذا نقصت من الثلاثةَ عشرَ والثلثِ أربعةَ دنانير، بقي تسعةٌ وثلث. وهذا وصية الخال من ثلاثين، وإذا نقصت من الستة والعشرين والثُّلثَيْن ستة دنانير، بقي عشرون ديناراً وثُلثَيْن، وهي وصية العم، والوصيتان جميعاً ثلاثون ديناراً، تسعة وثُلثٌ واحدٌ، وعشرون وثلثان فإذا جمعت أنصباء البنين على ما قدرنا ونصيب البنت، وضممت إليها الوصيتين، كان المبلغ مائةً وثلاثةً وعشرين ديناراً وثلث، وهي التركة الجامعة للوصية والميراث.
6881 - مسألة: ثلاثة بنين وبنت، وأوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وكانت وصية الخال إذا نقصت من عشرين درهماً بقي مثلُ نصيب البنت، وإذا نقصت وصية العم من ستين درهماً، بقي مثلُ نصيب أحد البنين، والوصيتان جميعاً ثلاثون درهماً، كم التركة؟ وكم كل نصيب؟ وما مبلغ كلِّ وصية؟ فنجعل نصيبَ البنت شيئاً، ونصيبَ كلِّ ابن شيئين، على القياس الواجب، وننقص نصيب البنت من عشرين درهماً، تبقى عشرون درهماً إلا شيئاً، فنعلم أن هذا وصيةُ الخال، وننقص نصيب الابن وهو شيئان من ستين درهماً، بقي ستون درهماً إلا شيئين، وهو وصية العم.
فالوصيتان ثمانون درهماً، إلا ثلاثة أشياء، وذلك يعدل ثلاثين درهماً، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر الثمانين بثلاثة أشياء، ونزيد على عديلها ثلاثةَ أشياء، فيبقى ثمانون كاملة في مقابلة ثلاثين وثلاثة أشياء، فنُسقط الثلاثين من الثمانين، فيبقى ثلاثة أشياء في مقابلة خمسين، فقسِّمه [يخرج] (1) كل شيء إذاً ستةَ عشرَ درهماً وثلثا درهم، وهو نصيب البنت.
ونصيب الابن ثلاثة وثلاثون درهماً وثلث.
فإذا ألقيت نصيبَ [البنت] (2) من عشرين، بقي ثلاثة وثلث، هي وصية الخال.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: الابن.

(10/255)


وإذا ألقيت نصيب الابن وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، من [الستين] (1) بقي ستة وعشرون وثلثان، وهو وصية العم، فالوصيتان جميعاً ثلاثون درهماً، والتركة الجامعة للوصية والأنصباء مائة وستة وأربعون درهماً وثلثان.
6882 - مسألة: ابنان، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله وأخيه بوصية، فكانت وصاياهم جميعاً مثل نصيب أحد البنين، وإذا جمعت وصية العم والخال، كانت أكثرَ من وصية الأخ بستة دراهم، وإذا جمعت وصية الخال والأخ، كانت أكثر من وصية العم بتسعة دراهم، وإذا جمعت وصية العم والأخ، كانت أكثر من وصية الخال بخمسةَ عشرَ درهماً. كم التركة؟ وكم كل وصية؟
الوجه أن نجعل [نصيب] (2) كلِّ ابن شيئاً، فيكون جميع الوصايا شيئاً؛ فإنا ذكرنا أن جميع الوصايا مثلُ نصيب ابنٍ. فأسقط من الشيء الذي هو جميع الوصايا الفضلَ الذي في وصية العم والخال على وصية الأخ، وهو ستة دراهم، يبقى شيء إلا ستة، فخذ نصفَها، وهو نصف شيء إلا ثلاثة، وقل هذا وصية الأخ.
ثم ارجع، واطرح من جميع الوصايا، وهو شيء الفضل الذي في وصية الخال والأخ على وصية العم وهو تسعة، يبقى شيء إلا تسعة، فخذ نصفها وهو نصف شيء إلا أربعة دراهم ونصف، فقل هذا وصية العم.
ثم ارجع، وقل: نطرح من جميع الوصايا -وهو شيء- الفضلَ الذي في وصية الأخ والعم على وصية الخال، وهو خمسةَ عشرَ درهماً، يبقى شيء إلا خمسةَ عشرَ، فخذ نصفها، وذلك نصف شيء إلا سبعةَ دراهم ونصف [درهم] (3)، فذلك وصية الخال.
ثم اجمع الوصايا، فتكون شيئاً ونصفاً إلا خمسة عشر درهماً، وذلك يعدل شيئاً واحداً، فاجبر وقابل، فيبقى بعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل نصفُ شيء في
__________
(1) في الأصل: الشيئين.
(2) في الأصل: " وصية " وهو سبق قلم واضح.
(3) في الأصل: شيء.

(10/256)


مقابلة خمسةَ عشرَ، والشيء إذاً ثلاثون، وبان بهذا المقدار من العمل أن الوصايا ثلاثون درهماً، فإنها في الوضع شيء واحد.
فإن أردت أن تعرف مقدار كل وصية بعد معرفة جملتها، فالوجه أن تسقط من الجملة المعلومة الفضلَ الذي في وصية العمّ والخال على وصية الأخ، وهو ستة تبقى أربعة وعشرون، فخذ نصف الباقي وهو اثنا عشر، وقل هي وصية الأخ، ثم نسقط من الشيء الفضلَ الذي في وصية الخال والأخ على وصية العم، وذلك تسعة تبقى أحدٌ وعشرون، فخذ نصفها، وقل: هو وصية العم وذلك عشرة ونصف، ثم نسقط من الثلاثين الفضلَ الذي في وصية العم والأخ على وصية الخال، وهو خمسةَ عشرَ، تبقى خمسة عشر، فنصفها وهي سبعة ونصف وصيةُ الخالي، وإذا خرجت الوصايا ثلاثين، فنعلم أن نصيب كلِّ ابن ثلاثون، وجملةُ التركة تسعون.
6883 - واعلم أن الوصايا إن كانت أربعة، وكل ثلاثة منها تفضل الرابعة بعدد، فإن الوصايا كلَّها ثلث [ما ذُكر من الفواضل] (1).
فإن كانت الوصايا خمساً، وكل أربعةٍ منها تفضل الخامسة بعدد، فإنها كلها ربع [ما ذكر من الفواضل] (1)، وكلّما زدت وصيةً ازداد نقصانُ جزءٍ، على القياس الذي ذكرناه، وهكذا الترقِّي من أربع وصايا إلى حيث ننتهي (2).
__________
(1) في الأصل: " فاذكر من الفواضل " وهو تصحيف يبدو هيّناً، ولكنه جعل الكلام مضطرباً غير مفهوم، ولولا فضل الله ما أدركنا سرّه.
(2) هذا القانون يُعْلمُ صدقه بالنظر في المسألة التي انتهينا منها الآن، فمعنا ثلاث وصايا كل اثنين منها يفضل الثالثة بعدد، وقد رأينا أن مجموع الوصايا نصف ما ذكر من الفواضل، وبيان ذلك أن الفاضل بعد طرح الزيادة في وصية العم والخال على وصية الأخ يساوي أربعة وعشرين، والفاضل بعد الزيادة في وصية الخال والأخ على وصية العم يساوي أحداً وعشرين، والفاضل بعد الزيادة في وصية العم والأخ على وصية الخال يساوي خمسة عشر ومجموعها (24+21+15 = 60) وقد رأينا أن مجموع الوصايا نصف هذا المبلغ (ثلاثون).
فلو كانت الوصايا أربعاً، لخرجت جملتها (ثلث) الفواصل، ولو كانت خمساً، لخرجت ربع الفواضل.

(10/257)


6884 - مسألة: ثلاثة بنين أوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما تبقى من الثلث، فكانت الوصيتان عشرة دراهم، كم المال كلُّه؟ وكم كل واحد من الوصيتين؟
فمعلوم أن الباقي من المال بعد الوصيتين أنصباء الورثة، وذلك ثلاثة أنصباء، فزد عليها الوصيتين، فيكون ثلاثة أنصباء، وعشرة دراهم، فخذ ثُلثَه، وذلك نصيبٌ وثلاثةُ دراهم وثلث درهم، فأسقط منه نصيباً للموصى له بالنصيب، وأسقط ثلثَ الباقي للموصى له بثلث الباقي من الثلث، يبقى درهمان وتسعا درهم، فزدها على ثلثي المال، وهو نصيبان وستة دراهم وثلثا درهم، فيبلغ نصيبين وثمانية أتساع درهم، يعدل ثلاثة أنصباء، فالنصيبان بالنصيبين، وبان أن النصيب يعدل ثمانيةَ دراهم وثمانيةَ أتساع، فتضرب ذلك في عدد البنين، فيكون ستةً وعشرين درهماً وثلثي درهم، وهي الأنصباء، وهذا معنى الضرب في ثلاثة، فزد عليها العشرة التي هي مجموع الوصيتين، فيبلغ ستةً وثلاثين درهماً، وثلثي درهم، فذلك جميع التركة.
ولا يخفى الامتحان بعد ذلك.
6885 - مسألة: ثلاثة بنين: وقد أوصى لرجلٍ بمثل نصيب أحدهم، ولآخر بثلث ما يبقى من الثلث، فكانت وصية الموصى بثلث ما تبقى من الثلث ستة دراهم. كم المال؟
فنقول: معلومٌ أن المال أنصباء البنين ووصيتان، إحداهما بنصيب، والأخرى بستة دراهم، فجميع المال أربعة أنصباء، وستة دراهم، فخذ ثلث ذلك، وهو نصيبٌ وثلث نصيب ودرهمان، فأسقط منه نصيباً، يبقى ثلثُ نصيب، ودرهمان، فخذ ثلث ذلك للموصى له الثاني، وذلك تسع نصيب وثلثا درهم، وهو يعدل ستة دراهم، فإذا أسقطت ثلثي درهم، بقي خمسةُ دراهم وثلثٌ، تعدل تُسعَ نصيب، فالنصيب الكامل يعدل ثمانيةً وأربعين درهماً، فاضربه في أربعة، وهي عدد الأنصباء، وزد عليه ستةَ دراهم تكون مائةً وثمانيةً وتسعين درهماً، فهو المال كله، وثلثُه ستةٌ وستون، فنطرح منها النصيب ثمانية وأربعين درهماً، فيبقى ثمانيةَ عشرَ، وثلثه ستة.

(10/258)


ومن هذه النسبة [تأتي الأنصباء] (1) وجملة المال.

مسائل فيها عروض وأعيان
6886 - مسألة: إذا خلّف ثلاثة بنين وأوصى من ثلث ماله بنصيب أحدهم، [وأوصى لآخر] (2) بثلث ما تبقى من الثلث ودرهم.
[و] (3) حصرَ هذه الوصايا في الثلث، وتركته عشرةُ دراهم وثوبٌ واحد، فأخذ الموصى له بمثل نصيب أحدهم الثوبَ بحقه. فكم قيمةُ الثوب؟
الوجهُ أن نجعل الثوبَ من طريق التقدير ديناراً، فتكون التركة عشرةَ دراهم وديناراً، فنأخذ ثلثَ التركة، وهو ثلاثةُ دراهم وثلثُ درهم وثلثُ دينار، ثم نطرح منه بالنصيب ديناراً، فنصرف إليه الثلثَ دينار [الذي] (4) وقع في الثلث، ونأخذ بقية الدينار من قيمة ما معنا في الثلث المفروض، فيبقى ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا ثلثي دينار، فنلقي من ذلك [درهماً وتسع درهم إلا تسعي دينار] (5) وهي تمام الوصايا، فيبقى معنا تسعان ودرهمٌ فإنا أخذنا درهماً وثلث ثلث درهم، وهو تُسع للوصية بثلث ما تبقى، وأخذنا درهماً للوصية بالدرهم، فيبقى معنا ما ذكرناه.
ولكن كان في الثلاثة الدراهم والثلث استثناء بثلثي دينار، فنسقط ثلث هذا الاستثناء تابعاً لما أخذه الموصى له بثلث ما يبقى من الثلث، فإذا سقط من ثلثي دينار ثلثه، بقي أربعة أتساع دينار، وأما الدرهم الموصى به، فإنا نخرجه كاملاً؛ فإن الوصية به وقعت على كماله، فقد بقي معنا إذاً درهم وتسعا درهم إلا أربعة أتساع دينار، فنزيده على ثلثي [التركة] (6)، والثلثان قبل ضم هذه الزيادة ستة دراهم وثلثا
__________
(1) في الأصل: ثانياً لأنصباء.
(2) ما بين المعقفين زيادة من المحقق.
(3) الواو زيادة من المحقق.
(4) عبارة الأصل: الثلث ديناراً إن وقع في الثلث.
(5) عبارة الأصل: فنلقي من ذلك ثلثا ودرهم وهي تمام الوصايا.
(6) في الأصل: " دينار ".

(10/259)


درهم وثلثا دينار، فيصير بهذا الضم سبعةَ دراهم وثمانيةَ أتساع درهم [وتسعا] (1) دينار، فإنّ فيما ضممناه استثناء أربعة أتساع دينار، وإذا نقصنا أربعة أتساع دينار من بين ثلثي دينار، بقي تسعا دينار، فالمجموع إذاً سبعةُ دراهم وثمانيةُ أتساع درهم وتسعا دينار، وذلك كله يعدل أنصباء الورثة، وهو ثلاثة دنانير، فنسقط تُسعي دينار بتسعي دينار، فيبقى سبعةُ دراهم وثمانيةُ أتساع درهم في مقابلة دينارين وسبعة أتساع دينار، فابسطهما جميعاً أتساعاً، فيصير ما بقي [من] (2) الدنانير في جانب الأنصباء خمسة وعشرين ديناراً، ويصير الدراهم أحداً وسبعين درهماً، فالدينار الواحد يعدل درهمين وأحداً وعشرين جزءاً من خمسة وعشرين جزءاً من درهم، فذاك قيمة الثوب الذي قدرناه ديناراً في وضع المسألة، وهي مقدار النصيب إذا حسبت وامتحنت.
ولا حاجة إلى البسط بعد البيان.
6887 - مسألة: خلف ابنين، فأوصى بمثل نصيب أحدهما إلا ثلثَ جميع المال، وأوصى لآخر بثلث ما تبقى من الثلث (3)، وخلّف ثلاثين درهماً وثوباً، وأخذ الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث الثوبَ بمقدار حصته، فكم قيمة الثوب؟
المسألة: أولاً ردَّدنا [الكلام] (4) مراراً في أنواع [في] (5) ظاهرها استثناء مستغرق؛ فإنه لو لم يخلّف إلا ابنين وأوصى بمثل نصيب أحدهما، لكانت الوصية بثلث المال، وإذا استثنى ثلثَ المال من هذه الوصية، كان الاستثناء مستغرقاً، ولكن المسألة اشتملت على وصية أخرى، فاقتضت تلك الوصية تخريجَ المسألة من طريق الحساب، وفي المسألة تردُّدٌ من طريق الفقه، سبق ذكره، وجرياننُا الآن على طريق الحساب.
__________
(1) في الأصل: وسبعا.
(2) في الأصل: ثمن.
(3) عبارة الأصل: " بثلث ما تبقى من الثلث ودرهم ". وكلمة درهم لا أثر لها في تفاصيل المسألة.
(4) زيادة اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: "وفي" بزيادة (واو).

(10/260)


فنعود ونقول: نجعل الثوب الذي أخذه الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث ديناراً، فيكون مالُ الميت ثلاثين درهماً وديناراً، ثم إنا نعلم أن الثوب مأخوذٌ بثلث ما تبقى من الثلث، فإذا قدرناه ديناراً، احتجنا إلى فرض ثلاثة دنانير بعد الوصية بالنصيب.
فالوجه أن نقول: نأخذ ثلثَ المال، وهو عشرة دراهم وثلث دينار، ونلقي منه الاعتبار ثلاثة دنانير بما تبقى من الثلث بعد الوصية بالنصيب، فيبقى معنا عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار؛ فإنا [صرفنا] (1) في الدنانير الثلاثة ما كان معنا من ثلث دينار، فيبقى استثناء دينارين وثلثين؛ بناء على حط ثلاثة دنانير من الثلث، فنزيد ذلك على الثلث الكامل، وهذا عشرة دراهم إلا دينارين وثلثي دينار، والثلث عشرة دراهم وثلث دينار، فإذا زدنا ما معنا على الثلث الكامل، صار المجموع عشرين درهماً إلا دينارين وثلث دينار؛ فإنا حسبنا من الاستثناء ما كان مع الثلث الكامل من ثلث دينار، فرجع استثناء الثلثين إلى ثلث.
ثم نقول: هذا المجموع نصيب أحد الابنين، والسبب فيه أن في الوصية استثناءَ ثلث كامل، وحق الوصية بالنصيب إذا كانت كاملةً، لا استثناء فيها، أن تكون كنصيب أحد الابنين، فلا بد من تقدير هذا المبلغ الذي ذكرناه، حتى إذا استثنينا منه الثلث الكامل، بقي للوصية بالنصيب مقدار، ونصيب الابن لا استثناء فيه، فيصير هذا المجموع نصيب ابن؛ فنصيب الابنين إذاً أربعون درهماً إلا أربعة دنانير وثلثي دينار، فاحفظ ذلك.
وارجع، وقل: ثلثُ المال عشرةُ دراهم وثلث دينار، فنلقي منه عشرة دراهم إلا [دينارين وثلثي دينار] (2)، تبقى الدنانير الثلاثة التي قدرناها لمكان الوصية بثلث ما يبقى، فاطرح منها ثلثها للوصية بثلث ما تبقى، فيبقى ديناران، فاطرح منها درهماً، فيبقى ديناران إلا درهماً، فزد ذلك على ثلثي المال، وهو عشرون درهماً وثلثا دينار، فيبلغ المجموع تسعةَ عشر درهماً ودينارين وثلثي دينار، وسبب نقصان
__________
(1) في الأصل: ضربنا.
(2) في الأصل: "دينار وثلثي دينار".

(10/261)


الدرهم أن فيما ضممناه إلى الثلثين استثناء درهم، فحسبناه مما معنا ليكمل (1)، فالذي معنا إذاً [تسعة] (2) عشر درهماً وديناران وثلثا دينار، وذلك يعدل نصيب [الابنين] (3)، وهو أربعون درهماً إلا أربعة دنانير وثلثي دينار، فنجبر نصيب الابنين بما فيه من الاستثناء وهو أربعة دنانير وثلثي دينار، ونزيد على عديله مثلَه، فيصير تسعةَ عشرَ درهماً [وسبعة] (4) دنانير وثلث دينار، [تعدل أربعين درهماً] (5) فنسقط المثل بالمثل، فيبقى في جانب النصيب أحدٌ وعشرون درهماً، وفي جانب المال سبعةُ دنانير وثلث، فابسطهما أثلاثاً، فيصير الدنانير اثنين وعشرين ديناراً، والدرهم في الجانب الآخر ثلاثة وستين درهماً، فالدينار الواحد يعدل درهمين وتسعةَ عشرَ جزءاً من اثنين وعشرين جزءاً من درهم، فقد تخرَّج لنا بهذا العمل قيمةُ الثوب الذي أخذه الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث.
وقد تمت المسألة، ثم إذا بان أن ثلث ما تبقى من الثلث هذا المقدار، لم يخف على الفطن استخراج النصيب، وإجراء المسألة على الامتحان المعهود (6).
__________
(1) كذا. والمعنى ليكمل أي بدون استثناء.
(2) في الأصل: سبعة عشر.
(3) في الأصل: الابن.
(4) في الأصل: وتسعة.
(5) زيادة اقتضاها سياق العمل الحسابي، وسقطت من الأصل.
(6) وبيان ذلك الامتحان كالآتي:
نقول: الثوب 19/ 22 2 درهماً، والتركة ثلاثون درهماً وثوب.
إذاً التركة = 19/ 22 32
= الوصية الثانية بثلث ما تبقى من الثلث، وظهر أنها تساوي الثوب أي 19/ 22 2
إذاً مجموع ما بقي من الثلث بعد الوصية الأولى = 19/ 22 2 × 3 = 13/ 22 8
نطرح هذا من الثلث تبقى الوصية الأولى، هكذا:
1/ 3 التركة = 19/ 22 32 ÷ 3 = 21/ 22 10
فالوصية الأولى = 21/ 22 10 - 13/ 22 8 = 8/ 22 2
مجموع الوصيتين = 8/ 22 2 + 19/ 22 2 = 5/ 22 5
نخرج هذا من التركة يبقى نصيب الابنين هكذا 19/ 22 32 - 5/ 22 5 = 14/ 22 27 =

(10/262)


6888 - مسألة: ترك أربعة بنين وأوصى بتكملة الثلث بنصيب أحدهم، وبثلث ما تبقّى من الثلث وبدرهم، وخلف ثلاثين درهماً وثوباً فأخذ الموصى له بتكملة الثلث بنصيب أحدهم [و] (1) بثلث ما تبقى من الثلث الثوبَ، [سواءٌ] (2) كانت الوصيتان لشخص واحد أو لشخصين، فالفرض أخذ الثوب بالوصيتين.
فإذا قيل لنا: كم قيمةُ الثوب؟ فالوجه أن نطرح من الثلاثين درهماً الدرهم (3) الموصى به، يبقى تسعة وعشرون درهماً، فاقسم ذلك بين أربعة بنين، فيكون نصيب الواحد [سبعة] (4) دراهم وربع، فهذا هو النصيب من الدراهم، ثم ارجع وقل: نجعل قيمةَ الثوب ديناراً، فيكون المال ثلاثين درهماً وديناراً، فخذ ثلثها، وهو [عشرة دراهم] (5) وثلث دينار، فاطرح منه نصيب ابن من الدراهم وذلك سبعة دراهم وربع، فتبقى درهمان وثلاثة أرباع درهم وثلث دينار، فهذا هو تكملة الثلث.
ثم عد فخذ ثلثَ سبعةٍ وربع، والسبب فيه أن الثلث إذا أسقطت منه التكملة، فالباقي منه مقدار النصيب، وقد وقعت الوصية بثلث الباقي بعد التكملة، وثلث سبعة وربع درهمان وربع وسدس، فزده على التكملة وهو درهمان وثلاثة أرباع درهم وثلث
__________
= إذاً النصيب = 14/ 22 27 ÷ 2 = 18/ 22 13
فإذا طرحت من هذا النصيب ثلث المال خرجت الوصية الأولى هكذا
18/ 22 13 - 21/ 22 10 = 19/ 22 2
ولو جمعت الوصيتين والنصيبين كان المجموع 8/ 22 33 وهو التركة.
وهنا خطأ في شيئين حيث خرجت الوصية الأولى بطرح الثلث من النصيب 19/ 22 2 وصوابها
8/ 22 2 كما خرجت أولاً بطرح ما تبقى من الثلث.
ونشأ من هذا خطأ آخر حيث زاد مجموع التركة إلى 8/ 22 33.
وبذلك يكون الامتحان أثبت خللاً في الطريقة، لا ندري أين هو، فمن اهتدى إليه، فليعلمنا به، وله دعوة منا بخير.
(1) (الواو) زيادة من المحقق.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) عبارة الأصل: والدرهم الموصى به.
(4) في الأصل: تسعة.
(5) في الأصل: عشرون درهماً.

(10/263)


دينار، فيكون المجموع خمسة دراهم وسدس درهم وثلث دينار، فذلك يعدل ديناراً، والدينار قيمة الثوب، فنُسقط المثلَ بالمثل، فتبقى خمسة دراهم وسدس في مقابلة ثلثي دينار، وإذا كان خمسة دراهم وسدس تعدل ثلثي دينار، فالدينار الكامل يعدل سبعة دراهم وثلاثة أرباع درهم، فقد خرجت قيمة الثوب، ولا يخفى ما بعدها (1).

مسائل من فنون مختلفة
6889 - مسألة: ثلاثة بنين وقد أوصى بوصية إذا نقصها من نصيب أحد البنين، بقي من ذلك النصيب مثل الوصية وسدس (2) جميع المال. فكم الوصية والتركة؟ وكم نصيب كل حساب؟
المسألة: أن نجعل سدس المال شيئاً، فإذا أضفت إليه وصية، كان السدسُ والوصية مثلَ نصيب أحد البنين إلا وصية، فنصيب أحد البنين إذاً شيء ووصيتان، وإذا كان نصيب ابنٍ شيئاً ووصيتين، فقل: المال ستة أشياء، فإن السدس ممثل بشيء، وإذا كان السدس شيئاً، فالمال ستة أشياء، فاطرح منها الوصية، تبقى ستة أشياء إلا وصية، وذلك أنصباء الورثة، وهو ثلاثة أشياء وست وصايا؛ فإن كلّ نصيب شيء ووصيتان، فنجبر المال بوصية ونزيد على عديله وصية، فيصير مال كامل في مقابله ثلاثة أشياء وسبع وصايا، فحصل سبع وصايا وثلاثة أشياء، فاقلب العبارة، واجعل الشيء سبعة والوصية ثلاثة، فالمال إذاً اثنان وأربعون، فإنه ستة أشياء كل شيء سبعة، والمجموع ما ذكرناه. ونصيب كل ابن شيء ووصيتان، فهو إذاً ثلاثة عشر: الشيء سبعة والوصيتان ستة، فإذا نقصت الوصية من النصيب، بقي عشرة، وهي مثل الوصية، وهي ثلاثةٌ ومثل سدس جميع المال وهو سبعة.
والذي يجب التنبه له في هذه المسألة أنا لما كمّلنا المالَ بالجبر، لم نصادف في
__________
(1) ولو قُمت بالامتحان، لوجدتها صحيحة. ولم نشأ الإطالة بتسجيل الامتحان وقد أجريناه وجاء صحيحاً.
(2) في الأصل: "بسدس" وهو خطأ مضلل أرهقنا كثيراً الوصول إلى تصويبه.

(10/264)


المسألة كسراً نبسط ما في المسألة به، وكنا ذكرنا في جانب الأنصباء تقدير الشيء والنصيب، ثم انتهت المسألة إلى تبليغ الوصايا سبعة، والأشياء ثلاثة، كما فرضناها، وأخذنا القلبَ من ذلك الجانب.
فاتخذ هذه الصورة إمامك في كل مسألة تناظر هذه.
6890 - مسألة: أربعة بنين وقد أوصى لكل واحد من عمه وعمته بوصية إذا جُمعتا، كانتا مثل نصيب أحد البنين، وأوصى لخاله وخالته بوصيتين إذا جمعتا، كانتا مثل نصيب أحد البنين أيضاً، وكانت وصية العمة مثل نصف وصية الخال ووصية الخالة مثل ثلث وصية العم.
فاجعل وصية العمة شيئاً، فيكون وصية الخال شيئين لا محالة؛ فإن وصية العمة نصفُ وصية الخال، فألق وصية الخال من نصيب أحد البنين، يبقى نصيب إلا شيئين، فذلك وصية الخالة؛ فإنا ذكرنا أن وصية الخال والخالة مثلُ نصيب ابنٍ، فإذا حططنا وصية الخال من نصيب، فالباقي وصية الخالة لا محالة.
ونلقي وصية العمة من نصيب أحد البنين وهي شيء، فيبقى نصيب إلا شيء، فذلك وصية العم، لا محالة؛ فإنا ذكرنا أن وصية العم والعمة مثلُ نصيب ابن.
ثم نعلم أن وصية العم ثلاثة أمثال وصية الخالة؛ فإنا ذكرنا في الوصية أن وصية الخالة ثلث وصية العم. فقابل وصية العم بثلاثة أمثال وصية الخالة، وقد ذكرنا أن وصية الخالة نصيب إلا شيئين، فثلاثة أمثالها ثلاثة أنصباء إلا ستةَ أشياء، وهي مقابلة وصية العم، وهو نصيب إلا شيئاً، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر الأنصباء الثلاثة بستة أشياء، ونزيد على العديل ستة أشياء، فيصير نصيباً وخمسة [أشياء] (1) فإذاً نصيب وخمسة أشياء تعدل ثلاثة أنصباء، فنسقط النصيب بالنصيب، فيبقى نصيبان في مقابلة خمسة أشياء، فاقلب العبارة من هذا الموضع، وقل النصيب خمسة والشيء اثنان.
ثم عد وقل: وصية العم اثنان؛ فإنها كانت شيئاً ووصية الخال أربعة؛ فإنها كانت شيئين، والنصيب خمسة. وإذا نقصت وصية الخال وهي أربعة من النصيب، وهو
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/265)


خمسة، بقي واحد، فهو الوصية للخالة، وإذا ألقيت وصية العمة وهو اثنان من النصيب، بقي ثلاثة، وهي وصية العم، وذلك ثلاثة أمثال وصية الخالة.
والتركة كلها ثلاثون سهماً: للعمة سهمان، وللعم ثلاثة أسهم، وللخال أربعة أسهم، وللخالة سهم، والباقي وهو عشرون بين أربعة بنين، لكل واحد منهم خمسة.
6891 - مسألة: ثلاثة بنين، وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله وأخيه بوصية، فكان إذا جُمعت وصية العم والخال، كان مجموعهما مثلَ نصيب أحد البنين، وإذا جمعت وصية الخال والأخ، كان مجموعهما مثلَ نصيب البنت، وإذا جمعت وصية العم والأخ، كان ربع التركة.
فاجعل وصية الخال شيئاً، وألقه من نصيب ابن، وللابن نصيبان، لمكان البنت في المسألة -وقد مهدنا هذا في المسائل- فيبقى نصيبان إلا شيئاً، فذلك وصية العم؛ [فإن وصية العم] (1) والخال مثلُ حصة ابن.
ثم عُد وقل: قدَّرنا وصية الخال شيئاً، فنلقيه من نصيب البنت أيضاً -ولها نصيب واحد- يبقى نصيبٌ إلا شيئاً، فهو وصية الأخ، فيكون [وصية العم والأخ] (2) ثلاثةَ أنصباء إلا شيئين، وإذا كان هذا ربع المال، فالمال كله اثنا عشر نصيباً إلا ثمانية أشياء. فألق منه الوصايا كلها، وجدد العهد بتفصيلها، ثم اجمعها، فوصية الخال شيء، ووصية العم نصيبان إلا شيئاً، فهما إذاً نصيبان ووصية الأخ نصيب إلا شيئاً، فالمجموع ثلاثة أنصباء إلا شيء، فنحط ذلك مما قدرناه جميع المال، فيبقى تسعة أنصباء إلا سبعة [أشياء] (3)، فإن في الوصايا استثناء شيء.
وهذا الباقي وهو تسعة أنصباء، إلا سبعة أشياء يعدل أنصباء الورثة وهي سبعة -فإن في المسألة ثلاثةَ بنين وبنت- فنجبر الأنصباء السبعة بسبعة أشياء، ونزيد على عديلها مثلَها، فتصير تسعة أنصباء في مقابلة سبعة أنصباء وسبعة أشياء، ونسقط
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) مزيدة من عمل المحقق.
(3) في الأصل: أنصباء.

(10/266)


الأنصباء بالأنصباء، فيبقى نصيبان يعدلان سبعةَ أشياء.
فاقلب العبارة فيهما، فيصير النصيب سبعةً، والشيءُ اثنين، فوصية الخال إذاً اثنان؛ فإنها كانت شيئاً، ونصيب البنت سبعة، ونصيب الابن أربعة عشر، ووصية العم -وهي نصيبان إلا شيئاً- اثنا عشر سهماً، ووصية الأخ -وهو نصيب إلا شيئاً- خمسة أسهم.
والتركة كلها ثمانيةٌ [وستون] (1) سهماً: للعم اثنا عشر، وللأخ خمسة، وللخال اثنان، والمجموع تسعة عشرَ سهماً، فيبقى تسعةٌ وأربعون بين ثلاثة بنين وبنت، لكل ابن أربعة عشر، وللبنت سبعة.
6892 - مسألة: خمسة بنين وبنت. أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصيةٍ لو ضرب إحداهما في الأخرى، ثم أسقط من المبلغ وصية العم قبل الضرب، وقسم الباقي على وصية الخال قبل الضرب، خرج نصيب الواحد (2) مثلَ نصيب أحد البنين.
وإذا أسقط منه [وصية] (3) الخال، وقسم الباقي على وصية العم، خرج نصيب الواحد مثل نصيب البنت.
فحساب المسألة أن نجعل وصية الخال شيئاً، ووصيةَ العم ثلاثةَ أشياء؛ فإنا بيّنا أن وصية العم أكثرُ؛ من جهة أن المقسوم -بعد حط وصية الخال- على [وصية العم] (4)، يُخرج نصيبَ البنت، وهو لكثرة سهامه (5)، وإذا كانت القسمة المقدرة على هذا الوجه في جانب مخرج نصيب الابن، وهو لقلة سهامه، وبين الابن والبنت تفاضل الضعف، ينضم إليه تقابل الوصيتين في وضعهما، فوصية الخال شيء ووصية العم ثلاثة أشياء.
ويستخرج الامتحانُ حقيقةَ ذلك.
__________
(1) في الأصل: وثمانون.
(2) المراد خارج القسمة يساوي نصيب أحد البنين.
(3) زيادة من المحقق.
(4) عبارة الأصل: "بعد حط وصية الخال على الخال على الباقي يخرج نصيب البنت".
(5) والمعنى لكثرة سهام العم المقسوم عليها يقل خارج القسمة.

(10/267)


فاضرب وصيةَ الخال في وصية العم، وقل شيءٌ في ثلاثة أشياء، فترد ثلاثة أموال؛ فإنا مهدنا في أصول الجذر أن ضرب الشيء في الشيء مال، ولفظ الشيء قد لا نعني به الجذرَ، وإنما يراد به شيء مجهول، ولهذا [نمثل] (1) بالدينار، فإذ مست الحاجة إلى ضرب الشيء في الشيء، فالشيء في هذا المقام جذرٌ في مسالك [الحُسّاب] (2)، فإذاً معنا ثلاثةُ أموال، فأسقط منها وصية العم، وهي ثلاثة أشياء، تبقى ثلاثة أموال إلا ثلاثة أشياء، فاقسمها على وصية الخال، وهي [شيء] (3)، فيخرج من القسمة ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم.
وبيان ذلك أن الشيء إذا أردنا القسمة عليه، فهو محمول على ثلاثة من العدد في هذه المسألة، وإذا خرج لنا من الضرب ثلاثة أموال، أخذنا من هذا اللفظ الجذرَ المسمى شيئاً، وقدرناه ثلاثة من العدد، فليكن ثلاثة دراهم، فإذا حططنا من ثلاثة أموال شيئاً، ثم أردنا قسمةَ الباقي على وصية الخال، فنفصل الشيء، ونقول: هو ثلاثة دراهم، وإذا قسمنا ثلاثةَ أموالٍ جذرُ كل مالٍِ ثلاثة إلا ثلاثة أشياء، كل شيء ثلاثة دراهم على وصية الخال، وهي شيء واحد، تفصيله ثلاثة دراهم، فيخص كل درهم ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم؛ فإن الأموال ثلاثة، وفي كل مال استثناء شيء، وهو ثلاثة دراهم، وكل مال ثلاثة أشياء، فالخارج من القسمة، وهو حصة درهم من الدراهم الثلاثة التي مجموعها شيء ثلاثةُ (4) أشياء إلا ثلاثة دراهم، ولم نقل مال إلا ثلاثة دراهم؛ لأنا أخذنا من كل مالٍ قسطاً، وتركنا الأمر مفصَّلاً، ولم [نضم] (5) منها مالاً.
فإذا بان الخارج من هذه القسمة، فذاك نصيب أحد البنين، على ما ذكرناه في وضع المسألة.
ثم نعود، فنطرح ثلاثة أموال وصية الخال، وهي شيء وتفصيله ثلاثة دراهم،
__________
(1) في الأصل: نميل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ستة.
(4) خبر لقوله: فالخارج.
(5) في الأصل: ينضم.

(10/268)


فتبقى ثلاثة أموال إلا شيئاً، ونقصُ الاستثناء مفضوض (1) على الأموال الثلاثة، فنَقْسم هذه الأموال مع ما فيها من الاستثناء على وصية العم، وهي ثلاثة أشياء، وتفصيلها تسعة دراهم، فإذا قسمنا ثلاثة أموال إلا شيئاً، وهي في التحقيق ثلاثة أموال إلا ثلاثة دراهم، فيخص كل درهم من الدراهم التسعة التي هي تفصيل وصية العم شيء إلا ثلاثة دراهم، فإن كل مال ثلاثةُ أشياء، وفيه نقصان درهم.
ومما يجب التنبه له في ذلك أنا لا نجمع الأشياء في وصية العم، حتى نقول: إنها مال، [ولكننا] (2) نتركها على تفصيلها، ولا نقتصر على تفصيلها أشياء [بل] (3) نفصّل كلَّ شيء دراهم، وإنما تصير الأشياء مالاً في منزلة الضرب، فالخارج من القسمة على وصية العم بعد حطّ وصية الخال شيء إلا ثلث درهم، وهو نصيب البنت في وضع المسألة، فإذا انتهينا إلى هذا الموضع، فأضعف نصيب البنت؛ لأنك تحتاج إلى معادلته بنصيب الابن، فيكون شيئين إلا ثلثي درهم، نقابل بهذا نصيب الابن، وهو ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم، فاجبره، وقابل، وقل: نجبر نصيب الابن بثلاثة دراهم، ونزيد على نصيب البنت ثلاثة دراهم، فتصير ثلاثةَ أشياء في مقابلة شيئين ودرهمين وثلث؛ فإنا جبرنا بزيادة ثلاثة دراهم ما كان في نصيب البنت من الاستثناء وهو ثلثا درهم، فيكمل الشيئان، ويبقى بعد كمالهما درهمان وثلث، فنسقط شيئين بشيئين، فيبقى شيء في مقابلة درهمين وثلث، فهو قيمة الشيء الذي أبهمناه ابتداء، وهو وصية الخال، ووصية العم ثلاثة أمثالها، فهي إذاً سبعة دراهم.
ومما يجب الاعتناء به في هذا المقام أنا وضعنا العمل في المسألة على تقويم الشيء ثلاثة دراهم، وعلى هذا خرّجنا القسمة التي تقدم ذكرها، ثم عدنا في آخر المسألة، وقوّمنا الشيء درهمين وثلثاً، وهذا شأن الجبر، فما يجري في تقادير العمل ليس بياناً لشيء مطلوب، إذ لو كان بياناً، لاقتصر عليه، ووقف عنده، ولكن ذاك بسط وتقدير يُفضي إلى بيان الأمر المطلوب عند الجبر والمقابلة، وإسقاط المثل بالمثل،
__________
(1) مفضوضٌ: أي مقسوم.
(2) في الأصل: ولكنها.
(3) زيادة من المحقق.

(10/269)


فإذاً بان وصية الخال -وهي الشيء الكامل- درهمان وثلث، ووصية العم سبعة دراهم، فيخرج منه أن نصيب الابن أربعة دراهم؛ فإن نصيبه ثلاثة أشياء إلا ثلاثة دراهم، فكأنا قلنا: نصيبه سبعة دراهم إلا ثلاثة، ونصيب البنت درهمان؛ فإنه شيء إلا ثلث درهم. قلنا: نصيب [الابن] (1) سبعة دراهم إلا ثلاثة، ونصيب البنت درهمان؛ فإنه شيء إلا ثلث درهم، والشيء درهمان وثلث، وقد بان ما نريد، ولا يخفى طريق الامتحان.
6893 - مسألة: ابن وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وفضل العمَّ على الخال، وكانت الوصيتان إذا جُمعا [سدس] (2) المال، وإذا ضربت كل واحدة منهما في نفسها -وإن أردت، قلت في مثلها- وأسقط أقل المبلغين بعد الضرب من الأكثر فالباقي مثل نصيب البنت.
هذا وضع المسألة: وحسابها أن نجعل وصية الخال شيئاً، وجعلنا وصية العم شيئين، فمجموعهما سدس المال، وإن كان سدس المال ثلاثة أشياء، فالمال كله ثمانيةَ عشرَ شيئاً، فنحفظ هذا.
ثم نعود فنضرب كل وصية في نفسها، فنقول: وصية الخال شيء، وإذا ضربناه في نفسه، صار مالاً، ونضرب نصيب العم في نفسه، وإذا ضربت شيئين في شيئين ردّ أربعة أموال.
ثم إنا نحط الأقل من الأكثر، فيبقى ثلاثة أموال، فهي نصيب البنت.
فإذا كان نصيبها ثلاثة أموال، فنصيب الابن ستة أموال، ومجموع الحصتين تسعة أموال، فزد الوصيتين الموضوعتين في المسألة قبل الضرب على تسعة أموال؛ فإن الفريضة الجامعة للوصية والميراث هكذا تكون، فإذاً معنا تسعة أموال، وثلاثة أشياء تعدل المال المحفوظ عندنا، وهو ثمانية عشر شيئاً، فنُسقط ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء، فيبقى تسعة أموال في مقابلة خمسةَ عشرَ شيئاً، فالمال الواحد يعدل شيئاً وثلثي شيء، فنقلب العبارة، ونجعل الشيء واحداً وثُلثين، ونرد العبارة إلى العدد،
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: كلّ.

(10/270)


كدأبنا في أمثال هذه المسائل، فوصية الخال واحد وثلثان ووصية العم ضعفه، وهو ثلاثة وثلث، والوصيتان خمسة دراهم، وهو سدس التركة فالتركة ثلاثون درهماً.
وإذا أردت امتحانَ ما ذكرناه في وضع المسألة ضربنا درهماً وثلثين في درهم وثُلثين، وضربت ثلاثة دراهم وثلث، في ثلاثة دراهم وثلث، وحططنا أقل المبلغين بعد الضرب من الأكثر، كان الباقي حصة البنت من خمسة وعشرين. وهذا ما ذكرناه في وضع المسألة.
6894 - مسألة: ابن وبنت، وقد أوصى لكل واحد من عمه وخاله بوصية، وفضّل العم في وصيته على الخال، وإذا جُمعتا، كانتا مثلَ نصيب البنت، وإذا ضربت كل واحدة منهما في مثلها، كان الباقي ستة [أمثال] (1) ما بين الوصيتين قبل الضرب، والمراد أن الباقي بعد حط الأقل من الأكثر مثل [فضل] (2) إحدى الوصيتين على الأخرى ست مرات.
فنجعل وصية الخال شيئاً، ووصية العم شيئين، ومجموعهما ثلاثة أشياء، وهو مثل نصيب البنت في وضع المسألة، فنصيب الابن إذاً ستةُ أشياء، ومجموع الحصتين تسعة أشياء، فنضرب كلَّ وصيةٍ في نفسها، فتصير وصية الخال مالاً، ووصية العم أربعة أموال، ثم إنا ننقص الأقلَّ من الأكثر، فيبقى معنا ثلاثة أموال، وهي تعدل ستة أشياء.
وبيانه أنا قدرنا في وضع المسألة وصيةَ الخال شيئاً ووصيةَ العم شيئين، والفضل بين الوصيتين شيء، وقد ذكرنا أنا إذا ضربنا كلَّ وصيةٍ في نفسها، وحططنا أقل المبلغين من الأكثر، كان الباقي مثلَ الفضل بين الوصيتين ست مرات، والباقي معنا بعد الحط ثلاثة أموال، فهي تعدل ستة أشياء، فالمال الواحد يعدل شيئين، فنرد العبارة إلى العدد، ونقلب الاسم، ونقول: الشيء الواحد اثنان، ونعود، فنقول: وصية الخال اثنان، ووصية العم أربعة، ونصيب البنت مثل الوصيتين، وهو ستة،
__________
(1) في الأصل: أموال.
(2) في الأصل: فرض.

(10/271)


ونصيب الابن اثنا عشر، وإذا ضممنا الوصيتين إلى المبلغ وهي ستة، صارت الفريضة الجامعة للوصية والميراث أربعة وعشرين.
وإذا أردت امتحان ما ذكرناه من الضرب، فاضرب اثنين في اثنين، وأربعة في أربعة، فيصير أحد المبلغين أربعة، والثاني ستةَ عشرَ، ثم حط الأربعة من ستة عشرَ، فيبقى اثنا عشر، وهذا الباقي مثل فضل وصية العم في أصل الوضع قبل الضرب على وصية الخال ست مرات، فإن الفضل بين الوصيتين سهمان، وذلك ما أردنا أن يبين.
مسائل في نوادر الوصايا التي تكون بفض (1) الوصايا على بعض الورثة دون بعض
واللقب [الشائع] (2) في الباب الضيم وهو الظلم، فالظلم والضيم يرجعان إلى النقصان.
6895 - مسألة: إذا خلّف الرجل امرأةً وأماً وأخاً، وأوصى من ثلث ماله بمثل نصيب المرأة، وأوصى لآخر بعُشر ما بقي من الثلث، وقال في وصيته لا تضامُ الأم بالوصية، وأراد أن نصيبها يكمل كمالَه (3) لو لم تكن وصية، وهذا معنى المسألة في وضعها.
وحساب المسألة: نقول: فريضة الميراث من اثني عشر سهماً: للمرأة ثلاثة أسهم، وللأم أربعة أسهم، والباقي للأخ، وهو خمسة أسهم، فنقول: نجعل ثلث المال ثلاثة دنانير وعشرة دراهم؛ لذكر الموصي عُشر ما تبقى، فأما ثلاثة دنانير، [فإنّا] (4) وضعناها على عدد نصيب المرأة؛ إذ هي الموصى بمثل نصيبها، فندفع إذاً بالنصيب ثلاثةَ دنانير، يبقى عشرةُ دراهم، فندفع بالوصية التامة عشرها، وهو درهم يبقى، تسعة دراهم، فنزيده على ثلثي المال، وثلثا المال عشرون وستة دنانير،
__________
(1) بفضّ: أي بقسمة.
(2) في الأصل: السابع.
(3) " يكمل كمالَه ": أي يكون بنفس كماله وتمامه عند عدم الوصية.
(4) في الأصل: فإن.

(10/272)


فيكون بعد الضم تسعة وعشرين درهماً وستة دنانير، فنقول: هذا يعدل ثلث جميع المال وثمانية دنانير.
وبيان ذلك أن الأم لا يداخلها من الوصية نقص؛ فلها ثلث جميع المال وللمرأة والأخ ثمانية دنانير؛ فإن الأنصباء ممثلةٌ بالدنانير. فنضع الثلث الكامل في مقابلة نصيب الأم، وهو ثلاثة [دنانير] (1) وعشرة دراهم، وسنقيم ما ذكرناه في المعادلة من أن ما معنا، وهو تسعةٌ وعشرون درهماً وستة دنانير تعدل ثلثَ المال وثمانيةَ دنانير، وثلثُ [المال] (2) وثمانيةُ دنانير أحدَ عشرَ ديناراً وعشرة دراهم، فنسقط المثلَ بالمثل، فترجع الدنانير إلى خمسة، والدراهم إلى تسعةَ عشرَ، فنقول خمسة دنانير تعدل تسعةَ عشرَ درهماً، ونرد العبارة إلى العدد، ونقلب الاسم، فيكون كل دينار تسعةَ عشرَ سهماً، وكل درهم خمسة أسهم.
وقد كان ثلث المال في الوضع الأول ثلاثة دنانير وعشرة دراهم، فهو الآن بعد التقويم الذي ذكرناه مائةٌ وسبعةُ أسهم، فنعزل منها نصيبَ المرأة، وكان نصيبها ثلاثة دنانير وذلك سبعة وخمسون سهماً، [فيبقى خمسون سهماً] (3) فاعزل منها عشرها بالوصية الثانية وهو خمسة، تبقى خمسةٌ وأربعون سهماً، زدها على ثلثي المال، وهو مائتا سهم وأربعةَ عشرَ سهم، فيبلغ مائتين وتسعةً وخمسين سهماً: للأم من ذلك ثلثُ جميع المال كاملاً، وهو مائة سهم وسبعة أسهم، لأنه ليس عليها من الضيم شيء، يبقى مائة واثنان وخمسون درهماً، للمرأة منها سبعة وخمسون سهماً، وهو قيمة ثلاثة دنانير، وللأخ خمسة وتسعون سهماً، وهو قيمة خمسة دنانير.
وهذه المسألة وأمثالها تستدعي لا محالة إجازة من الورثة الذين عليهم الضيم، فإن الأم إذا فازت بالثلث الكامل، ففيما أخذت وصيةٌ لها لا محالة، والوصية للوارث وإن وقعت من ثلث المال (4) بمثابة الوصية للأجنبي لما زاد على الثلث. وسيأتي شرح ذلك، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في الأصل: دراهم.
(2) في الأصل: الخال.
(3) زيادة لاستقامة الكلام.
(4) عبارة الأصل: "والوصية للوارث وإن ثلث بمثابة الوصية". وإعادة الصياغة من المحقق.

(10/273)


6896 - مسألة: ترك أربعة بنين، وأوصى من ربع ماله بمثل نصيب أحدهم إلا خمس ما تبقى من الربع وإلا درهماً، وأوصى ألا يكون الضيم على واحدٍ عيَّنه من بنيه، وهو زيد مثلاً، وخلف ثلاثين درهماً.
فالوجه أن نقول: الوصيةُ دينار، فنطرحه من الثلاثين درهماً، تبقى ثلاثون درهماً إلا ديناراً، فنقسم ذلك بين أربعة بنين، لكل واحد منهم سبعةٌ ونصف إلا ربعَ دينار.
نقول ربع المال على الحقيقة سبعةُ دراهم ونصفٌ، فنسقط نصيب ابن بعد حط الوصية من الثلاثين وهو سبعةٌ ونصف إلا ربع دينار، وإذا أسقطت سبعةً ونصفَ إلا ربعَ دينار من سبعةٍ ونصفٍ، لا استثناء فيها، فيبقى ربعُ دينار، وهو قدر الاستثناء، فنأخذ خُمسَ ذلك ودرهماً، وخمس الربع نصف عشر، فنأخذ نصف عشر دينارٍ ودرهماً، ونطرح ذلك من النصيب، وهو سبعة دراهم ونصف إلا ربع دينار، يبقى ستة دراهم ونصف إلا ثلاثة أعشار دينار.
وبيان ذلك [أن] (1) النصيبَ كان سبعةً ونصفاً إلا ربع دينار، فإذا أسقطنا منه درهماً؛ لأن في الاستثناء ذكرَ درهم، فبقي ستة دراهم ونصف، وكان في النصيب استثناء ربع دينار، فنضم إليه نصفَ عشر دينار استثناءً وإذا ضممت نصف العشر إلى الربع، كان المجموع ثلاثةَ أعشار؛ إذ ربع العشرة درهمان ونصف، ونصف عُشْره (2) نصف درهم، فالمجموع ثلاثةُ دراهم، وهي ثلاثة أعشار العشرة، فاستقام ما ذكرناه من أن الباقي ستةُ دراهم ونصف إلا ثلاثة أعشار دينار، فنزيد على هذا المبلغ ربعَ دينار، فيصير ستة دراهم ونصف درهم إلا نصف عشر دينار، وذلك أنه كان معنا ستةُ دراهم ونصف درهم إلا ثلاثة أعشار دينار، فالآن إذا زدنا ربعاً، رجع الاستثناء إلى نصف عشر دينار، ثم نقول: هذا المبلغ يعدل ديناراً، وإنما زدنا في آخر الأمر ربعَ دينار، فإنا أردنا أن نعادل ما معنا بالوصية، وقد جعلنا الوصية ديناراً في ابتداء الأمر، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر المال بنصف عشر، ونزيد على الدينار نصف عشر، فيكون دينار ونصف عشر دينار يعدل ستّةَ دراهم ونصف درهم، فنبسط ما في
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) الضمير يعود مذكراً إلى العدد.

(10/274)


الجانبين بأنصاف الأعشار، فيصير الدينار والكسر الذي معه أحداً وعشرين ديناراً، والدرهم والكسر الذي معها مائة وثلاثون درهماً، فيخرج منه أن الدينار الواحد يعدل ستة دراهم وأربعة أجزاء من أحدٍ وعشرين جزءاً من درهم، فذلك مقدار الوصية، فامتحنها وأجْرِ فيها المراسم المقدّمة، تجد المسألة صحيحة، إن شاء الله عز وجل.
6897 - مسألة أوردها الأستاذ أبو منصور رحمه الله وحكاها عن الخصاف (1) في الحساب والعمل به، وصحح مسلكَه في الحساب، ثم [نَقَم] (2) عليه لفظةً في آخر المسألة، ونحن نذكر صورةَ المسألةِ ومسلكَ الخصَّاف فيها، حتى إذا انتهى كلامُه، بينا بعده اعتراضَ الأستاذ، إن شاء الله عز وجل.
6898 - أما صورة المسألة: إذا ترك رجل خمسةَ بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ما بقي من الثلث، وقال في وصيته: لا تُدخلوا نقصاً على ابني زيد بسبب الوصية بثُلث ما بقي، وأدخلوا عليه النقص بالوصيّة بالنصيب [ولا تدخلوا] (3) نقصاً على ابني عمرو بسبب الوصية بالنصيب، وأدخلوا عليه النقص بالوصية بثلث ما يبقى، فَبَرَأَ كلُّ واحد من الاثنين المسمَّيْن عن نقصان واحدةٍ، على ما عيّن وفصّل، وأجاز البنون ذلك؛ يعني أنهم أجازوا الوصيتين لزيد وعمرو، [فيما] (4) يختصان به من مزيد وصية في حقوقهما، على ما سيأتي الشرح عليه.
هذا بيان صورة المسألة. قال الخصّاف: حسابه أن نأخذ مالاً، ونُخرج منه نصيباً لصاحب النصيب، يبقى مالٌ إلا نصيب، فندفع إلى زيد -[لما] (5) قال الموصي: لا تدخلوا على [زيد] (6) نقصان الوصية بثلث ما يبقى من الثلث- خمسَ (7) الباقي من
__________
(1) الخصاف: أحمد بن عمر بن مهير الشيباني أبو بكر، فرضي، حاسب، فقيه، من أعلام المذهب الحنفي، له العديد من المصنفات. (الأعلام للزركلي).
(2) في الأصل: نقيم.
(3) زيادة من المحقق، اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: فإنما.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) عبارة الأصل: قال الموصي: لا تدخلوا على نقصان الوصية بالنصيب وبثلث ...
(7) مفعول لقوله: ندفع إلى زيد.

(10/275)


المال، وكان بقي معنا مالٌ إلا نصيب، فخمسه خُمس مال إلا خُمس نصيب، فذاك نصيب زيد، وإنما فعل ذلك لأنه أدخل النقص على زيد بسبب النصيب، ولم يدخل عليه النقص بسبب الوصية بثلث ما يبقى من الثلث، وإذا كان كذلك، حَطَّ النصيب ليناله نقصان، وأعطاه خُمس الباقي، ولم يتعرض للوصية الأخرى في حقه، حتى كأنْ لا وصية إلا النصيب، ثم قال (1): إذا كان [هذا] (2) نصيبَ زيد، فاعرف هذا واحفظه.
وعُد إلى ثلث المال كلِّه، فانقصْ منه نصيباً، يبقى ثلث مال إلا نصيب، فألق ثلث ذلك للموصى له بثلث ما بقي من الثلث، وهو تُسع مالٍ إلا ثلث نصيب، وهذا وصية الثاني، فألقها من رأس المال، فيبقى ثمانية أتساع مال وثلث نصيب؛ فإنا قدرنا المالَ كلَّه تسعةً، فالثلث ثلاثة أتساع.
ثم عدنا، فقدّرنا إسقاط النصيب ليتعين الوصية الثانية، ونسترد النصيب في حق الابن الثاني وهو عمرو، فإذا سلمت تسعاً إلى الموصى له بثلث ما تبقى بعد النصيب، كان ذلك التسع ناقصاً بثلث نصيب، ولا نقدّر في [التُسعين] (3) الباقيين من الثلث الآن نقصاناً؛ فإنا لا نحتاج إلى نقصان النصيب في حق عمرو، وإنما قدّرنا النصيب لبيان مقدار الوصية الثانية، فنضم إذاً [تُسعين] (4) كاملين إلى ثلثي المال، ونسترد من التسع ثلثَ نصيب، [فنضمه أيضاً] (5)، فيجتمع معنا ثمانية أتساع كاملة وثلث نصيب، وقد حططنا الوصية الثانية من رأس المال، ولم نحط النصيب، حتى كأنه لا وصية بالنصيب في حق عمرو، وأدخلنا عليه النقص بالوصية الثانية، فندفع إذاً إلى عمرو خُمسَ هذا الباقي المجموع.
ونضرب المال والنصيب في مخرج الخمس والتسع، فيصير المال كلُّه خمسةً وأربعين، ويصير النصيب أيضاً خمسة وأربعين، فهي ثمانية أتساع خمسة وأربعين،
__________
(1) قال: أي الخصاف.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: السبعين.
(4) في الأصل: السبعين.
(5) زيادة من المحقق.

(10/276)


وهي أربعون، وخذ ثلث النصيب وهو خمسةَ عشرَ، وادفع إلى عمرو خُمسَ المبلغين وهو ثمانية من خمسة وأربعين، وثلاثة من خمسة وأربعين من النصيب، هذا خمس ثلث النصيب، وخمس ثمانية أتساع المال.
فإذا تبين ذلك، وبان طريق العمل، فخذ مالاً له خُمس وتسع، وذلك خمسةٌ وأربعون، خذ ثلث ذلك، وهو خمسة عشر، واحفظ ثلثي المال وهو ثلاثون، ثم ادفع من الثلث نصيباً إلى الموصى له بالنصيب، يبقى ثلث مال إلا نصيباً، فألق ثلث ذلك إلى الموصى له بثلث ما تبقى من الثلث، يبقى من الثلث تسعا مال إلا ثلثي نصيب، وذلك عشرةُ أسهم من خمسة وأربعين سهماً من مال إلا ثلاثين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من نصيب، وزده على ثلثي المال، فيصير أربعين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من مال إلا ثلاثين سهماً من خمسة وأربعين سهماً من نصيب، فألق منه نصيبَ زيد، وهو خُمس مال إلا خُمس نصيب، وخمس المال تسعة أسهم من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال، وخمس النصيب تسعة أسهم من خمسةٍ وأربعين سهماً من نصيب، فله تسعة أسهم من المال الذي هو خمسةٌ وأربعون إلا تسعةَ أسهم من النصيب الذي [هو] (1) خمسة وأربعون، يبقى من المال أحدٌ وثلاثون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أحداً وعشرين من خمسةٍ وأربعين سهماً من نصيب، وانقص منه أيضاً نصيبَ عمرو، وهو ثمانية أسهم من خمسة وأربعين من المال، وثلاثة أسهم من خمسة وأربعين سهماً من النصيب، يبقى من المال ثلاثة وعشرون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أربعة وعشرين سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من النصيب؛ فإنه كان معنا استثناء أحد وعشرين من النصيب المبسوط، والآن زدنا ثلاثة أخرى، فصار الاستثناء أربعة وعشرين، فإذاً الباقي معنا ثلاثة وعشرون سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من المال إلا أربعة وعشرين سهماً من خمسةٍ وأربعين سهماً من النصيب، وذلك يعدل أنصباء الباقين من البنين، وهي ثلاثة أنصباء، فنجبر ما بقي من المال بأربعةٍ وعشرين سهماً [من النصيب] (2)، ونزيد على الأنصباء الثلاث
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقطة من الأصل.

(10/277)


مثلها، ونضرب الكل في مخرج المال، فنقول: الأنصباء الثلاثة نضربها في خمسة وأربعين، فيصير مائة وخمسة وثلاثين، فنضم إليها أربعةً وعشرين؛ فإنها أجزاء والأجزاء إذا ضربت، صارت سهاماً كاملة، فالمبلغ مائة [وتسعة] (1) وخمسون، ومعنا في جانب المال ثلاثةٌ وعشرون، وهي أجزاء، فنجعلها سهاماً، ثم نقلب الاسم، فنجعل النصيب [ثلاثة] (2) وعشرين، والمال مائة وتسعة وخمسين، فمنها تصح المسألة.
الامتحان: نأخذ ثلث المال، وهو ثلاثة وخمسون، نلقي منه نصيباً يبقى من الثلث ثلاثون، فألق ثلثها عشرة، تبقى عشرون، فنزيدها على ثلثي المال، فيصير مائة وستة وعشرين، ثم نعود إلى المال، فنلقي منه نصيباً لنعطي زيداً حصته، وإذا حططت من أصل المال -وهو مائة وتسعةٌ وخمسون- نصيباً، وهو ثلاثة وعشرون، بقي مائة وستة وثلاثون، ولزيد الذي عليه الضيم والنقصان من النصيب خُمس ذلك، وهو سبعة وعشرون سهماً وخمس سهم. هذا نصيب زيد: ثلاثة وعشرون بإرثه، وأربعة [وخُمس] (3) وصية له؛ من حيث لم ينله النقص من الوصية الأخرى.
ثم نرجع إلى المال فننقصُ منه ثلث ما تبقى من الثلث، وذلك عشرةُ أسهم، تبقى مائة وتسعة وأربعون، فلعمرٍو الذي عليه الضيمُ والنقصُ من الوصية بثلث ما تبقى من الثلث، خُمس ذلك، وهو [تسعة] (4) وعشرون سهماً وأربعة أخماس سهم، وذلك جميع ما لَه، منها ثلاثة وعشرون بالإرث، وستة أسهم وأربعة أخماس سهم وصية له، إذا (5) لم ينله النقص من الوصية بالنصيب.
هذا مسلك الخصاف في الحساب، ثم قال: وصية الابنين أحدَ عشرَ سهماً، فنلقيها من المائة والستة والعشرين وهذا هو الباقي بعد الوصيتين، إذ إحداهما ثلاثة
__________
(1) في الأصل: وسبعة.
(2) في الأصل: أربعة وعشرون.
(3) في الأصل: وخمسين.
(4) في الأصل: سبعة.
(5) استخدام (إذا) مكان (إذ) استعمال صحيح (ر. شواهد التوضيح والتصحيح: 62).

(10/278)


وعشرون، والأخرى عشرة، وإذا ألقينا من المائة والستة والعشرين وصية الابنين -وهي أحدَ عشرَ سهماً- تبقى مائة وخمسةَ عشرَ بين خمسةِ بنين، لكل واحد منهم ثلاثة وعشرون سهماً.
هذا ترتيب الخصاف في الحساب ولا مَعَاب عليه في القسمة والطريق، غير أنه [غَلِطَ] (1) غلطة فاحشة، لما قال: الوصية للابنين زيد وعمرو أحد عشر سهماً. قال الأستاذ أبو منصور وَهِم الخصاف في قوله: إن الأحدَ عشرَ كلَّها وصيةٌ للابنين؛ لأنه جعل ما زاد في نصيبهما وصيةً لهما، وليس كذلك [لأن لهما] (2) في تلك الزيادة ميراثاً، والوصية ما زاد على الميراث.
والدليل على ذلك أن رجلاً لو ترك خمسة بنين، وأوصى لأحدهم بمثل نصيب ابن، لكان المال بينهم على ستة للموصى له منها سهمان، وهو ثلث المال، ولكل ابن سهم، وهو سدس المال، ولا نقول السدس الزائد في حق الموصى له وصية؛ فإنه يستحق بالميراث خمسَ المال، فالوصية ما زاد على الخُمس، وهو أربعة أخماس سهم، ولا يقال لما أخذ كلُّ ابن سدسَ المال، وأخذ الموصى له ثلثَ المال إن وصيته من ذلك فضل ما بينهما، وهو السدس الزائد على ما أخذه كل ابن.
فإذا ثبت ما قلناه، فالوجه أن نخرج وصية الأجنبيين في مسألة الخصاف، وهي، ثلاثة وثلاثون سهماً، يبقى من المال مائة وستة وعشرون بين خمسة بنين لكل واحد منهم خمسة وعشرون سهماً، وخُمس سهم، فهذا ميراث كل ابن، وقد أخذ زيدٌ سبعة وعشرين سهماً وخمسَ سهم، فوصيته من ذلك سهمان، وأخذ عمرو [تسعةً] (3) وعشرين سهماً وأربعة أخماس سهم، فوصيته من ذلك أربعة أسهم وثلاثة أخماس سهم، ووصية الابنين إذاً ستة أسهم وثلاثة أخماس سهم.
هذا بيان مسألة الخصاف وما فيها من الاستدراك.
__________
(1) في الأصل: غلطه.
(2) في الأصل: لأنهما.
(3) في الأصل: سبعة.

(10/279)


مقالة في العين والدين
6899 - مسائل هذه المقالة تدور على أن يخلّف الميت عيناً، ويخلّف ديناً على بعض الورثة، أو على أجنبي، فإن كان على وارث، وقع الكلام فيما سقط عنه من الدين، وفيما يستحقه من العين، وإن كان الدين على أجنبي غيرِ وارث، فقد نفرض وصيةً لذلك الأجنبي بمقدارٍ، ثم يقع الكلام فيما يسقط عنه من الدين بسبب الوصية لمن عليه الدين، وقد تقع الوصية لأجنبيٍّ لا دين عليه، والدين على بعض الورثة، فيقع الكلام فيما يستحقه الموصى له من الدين والعين، وفيما يستحقه الوارث الذي لا دين عليه.
وهذه المسألة لها وقعٌ عند أصحاب الرأي، ولا يغمُض مأخذها على مذهب الشافعي، ولا يدِق الحساب على طريق الشافعي فيها، إلا أن يُتكلّف وضعُ أصلٍ كما سيأتي الشرح عليه، حتى يُستعمَل على طريق الحُسّاب، ولا نُخلي هذا الكتاب عن شيءٍ مستفادٍ، إن شاء الله عز وجل.
ويتعين [تقديم] (1) المقالة بفصولٍ فقهيةٍ، لم يوضحها الأستاذ أبو منصور على ما ينبغي، وأطلق ألفاظاً لا نؤثرها، وإن كنا نظن به إصابةَ المعنى، فنقول: الدَّين قد يكون على الوارث وحده، وقد يكون على الأجنبي وحده، وقد يكون الدين على الوارث وعلى الأجنبي، وسيأتي في كل قسم من ذلك [ما] (2) يليق به من الفقه والحساب إن شاء الله عز وجل.
فمما نرى تقديمَه أن من مات وخلّف ابنين، وترك عشرةَ دراهم عيناً، وكان له على أحد الابنين عشرةُ دراهم ديناً، وما خلّفه من العين من جنس ماله من الدين، فالمذهب المبتوت الذي لا يجوز تقدير الخلاف فيه أن الابنين يشتركان في ميراث العين والدين، فالعشرة المخلّفة بينهما نصفان، والعشرة الدينُ بينهما. هذا مقتضى توريثهما، فالإرث يثبت شائعاً في العين والدين جميعاً، ثم إن كان من عليه الدين مليئاً وفيّاً، لم
__________
(1) في الأصل: تقدير.
(2) في الأصل: مما.

(10/280)


يكن لمن لا دين عليه أن يستبدَّ بالعشرة التي هي عينٌ على تقدير أخْذ الخمسة بالميراث، والخمسة الأخرى قصاصاً عما يستحقه من الدين.
فإن وقع تراضٍ، فلا بد من إنشاء عقدٍ وارد على ما يوجب الشرع.
وإن كان من عليه الدين مُعسراً، أو أنكر الدينَ، فأردنا ثبات الحكم باطناً، فالذي لا دين عليه يستحق نصف العين إرثاً، وله خمسةُ دراهمَ في ذمة أخيه، وقد عسر عليه استيفاؤه منه، إما بإعساره وإما بإنكاره ولا بينةَ، ومن ظفر بجنس حقِّه من مالِ مَنْ عليه الحقُّ، فله أن يأخذه عند تحقق العذر، ولا يملكه ما لم يأخذه على قصد التملك.
هذا بيان هذا الأصل، وهو من جليات الفقه، ولفظ الأستاذ فيه بعدٌ عن المسلك الذي يعرفه الفقهاء؛ فإنه قال: يأخذ من لا دين عليه العينَ، في الصورة التي ذكرناها إرثاً وقصاصاً، فسمى أخذه الخمسةَ قصاصاً، ثم رمز إلى خلاف الأصحاب في أن التقاصّ كيف يقع، وهذا بعيدٌ؛ فإن الأقوال المعروفة في التقاصّ إنما تقع في الدينين، على ما سنشرحها، ولا يجري التقاصّ بين الدين والعين، ثم فحوى كلامه مصرحةٌ بوقوع ما سماه قصاصاً من غير فرق بين أن يكون مَن عليه الدين مفلساً، أو يكون مليئاً وفيّاً، وهذا لا سبيل عليه، ولا يسوغ أن يعتقد ذلك من مذهب الشافعي.
ومن بديع ما جاء به محكيّاً عن ابن سريج أنه قال: إذا كان على الابن الذي عليه الدين دينٌ: عشرةٌ لأجنبي، وعليه عشرةٌ للمتوفى، ومعلوم أن الذي عليه الدين يستحق من العشرة التي هي عينٌ نصفَها وهو خمسة، فحكى عن ابن سريج وجهين: أحدهما - أن الابن الذي لا دين عليه أولى بتلك الخمسة، حتى كأن هذا القائل يعتقد أن [حق] (1) من عليه الدين في العين لا أصل له، ولا ثبات. هذا [وجه حكاه كذلك] (2).
والوجه الثاني - أن تلك الخمسة بين الابن الذي لا دين عليه وبين الأجنبي الذي
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) عبارة الأصل: هذا وجهاً حكاه لذلك.

(10/281)


يستحق العشرة على مقدار دينهما، فيضاربان فيها، فيضرب الابن بخمسة، ويضرب الذي استحق العشرة بعشرة، وهذا الوجه الأخير مستقيم.
والوجه الأول لا أصل له، ولا يحل عدُّه من المذهب، ولولا علمنا بأن الأستاذ موثوق في حكايته، وقد أسند الحكاية إلى متن مذهب أبي العباس (1)، لما استجزت إثباته، فكأن الأستاذ يعتقد أن حق من لا دين عليه ينحصر في العين، إذا لم يكن على من عليه الدين دينٌ آخر لأجنبي، فإن كان عليه دينٌ لأجنبي؛ فالمسألة مختلف فيها عنده.
ومما تجب الإحاطة به أن الميت لو لم يخلِّف عيناً، وترك ابنين وعشرةَ دراهم ديناً على أحدهما، فالذي عليه الدين يبرأ عن حصته، ولا تتوقف براءته على أن ينقُد لصاحبه حصتَه من الدين، والسبب فيه أنه ملك نصفَ الدين قطعاً، كما ملك أخوه نصفَه، والملك المستفاد بالإرث لا يستأخر عن الموت، وإذا ثبت ملكه في النصف، استحال أن يصير مستحِقاً للدين على نفسه، فلا بد من [اعتقاد براءة ذمته] (2) عن حصته، ولو لم نقل بهذا، لزمنا ألا يملك من الميراث حصةً، أو يلزمُ أن نملّكه ونقضي بأنه يستحق على نفسه ديناً، والأمران جميعاً مستحيلان.
6900 - ومما نذكره في مقدمة المسائل أنه لو ترك عيناً وديناً أو مالاً غائباً، وأوصى بالدين أو بالمال الغائب، وهو قدر الثلث أو أقلُّ، فحق الموصى له ينحصر في الدين، أو في المال الغائب الذي عيّنه في الوصية، ولا شيء له في العين الحاضرة، فلو تلف ذلك المال الغائب، فالتَّوى (3) على الموصى له، ولا رجوع له إلى العين.
وإذا تبيّنا استحقاقَه في المال الغائب، ولزمت الوصية، فقد ملك المالَ، فلو تلفت العين بعد ذلك في يد الورثة، فلا أثر لتلفها؛ فإن الملك قد استقر في العين الفائتة، وهذا بيّنٌ لا خفاء به.
ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه أوصى بثلث الدين، أو ثلثِ المال الغائب، فلو
__________
(1) أبو العباس: أي ابن سريج.
(2) عبارة الأصل: فلا بد من ألفاظ ببراءة حصته عن حصته.
(3) التوى: الهلاك.

(10/282)


نضَّ من الدين ثُلثُه مثلاً، فهل نقول: إنه يسلّم للموصى له ثلث [ذلك] (1)؟ أم كيف السبيل؟ فعلى وجهين مشهورين في المذهب: فمن أصحابنا من قال: إن كان في يد الورثة من العين ما يكون ضعفاً لما نضَّ من الدين، فهو مصروف إلى الوصية؛ فإنه ثلثٌ، والوصيةُ بثلث الدين، وفي يد الورثة ضعف ذلك.
ومن أصحابنا من قال: كلما نضَّ من الدين [شيء] (2)، فللورثة ثلثاه، وللموصى له ثلثه، وإن كان في أيدي الورثة أضعافُ ما نضّ. وهذا القائل يستمسك بلفظ الموصي، وذلك أنه أوصى له بثلث الدَّين، وهذا يقتضي الشيوع؛ فإذا نضَّ من الدين ثلثُه، فليس للموصى له إلا ثلثُ ما نضَّ. هذا هو الصحيح.
ولما ذكرناه من الخلاف التفاتٌ على مسألةٍ ستأتي في فقه الوصايا، إن شاء الله تعالى، وهي أن الرجل إذا أوصى لرجل بثلث دارٍ، وكنا نقدّر أن جميع الدار له، فبان أنه لا يستحق منها إلا ثلثَها، فللشافعي قولان في أن الثلث الذي يملكه هل يصرف إلى [الوصية] (3)، أم لا يصرف إليها إلا ثلث الثلث؟ وسيأتي ذكر القولين والتفريع عليهما، إن شاء الله تعالى.
والخلاف في هذه المسألة أمثلُ؛ [فإن] (4) من رأى صرفَ ثلث الدار إلى الوصية حَمَل وصيتَه على التصرف في ملكه، وهذه عادةٌ غالبةٌ، لا تُنكرُ، [و] (5) لغلبة العادات سلطنةٌ على الألفاظ تفسِّر مجملَها وتقيّد مطلقَها، وتخصص [عامها] (6)، وليس يتأتى مثل ذلك في مسألة الوصية بثلث الدين؛ فإن اللفظ مقتضاه الإشاعة، وليس في معارضِه هذا ما يمنع الإشاعة، [والدليل] (7) عليه أن الموصى له استحق ثلث الدين شائعاً، ولم يتوقف استحقاقُه على النضوض، وإذا كان كذلك، فما ينضّ
__________
(1) في الأصل: ثلث ابن.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: الورثة.
(4) في الأصل: قال.
(5) الواو زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: عاملها.
(7) في الأصل: والدين.

(10/283)


لا ينحصر حق الوصية فيه، نعم، إذا ثبت استحقاقه في ثلث الدين، فأراد من عليه الدين أن يقدّمه بحقه كدأب من عليه دينٌ لرجلين، فلا امتناع. وهذا إذا كان في يد الورثة ضعف ما نضَّ، ولا يجوز أن يكون في هذه الصورة خلاف.
وإن جاء من عليه الدين بثلث ما عليه، وألقاه في التركة، وتشبث الموصى له به، فهذا هو الموضع الذي ذُكر الخلاف فيه، ولا وجه للخلاف أيضاً؛ فإن من عليه الدين إن جاء بما يقدِّر ملك الورثة والموصى له، ووقع القبض كذلك، فوجب الرجوع إلى هذا.
ولكن صاحب الوجه الضعيف يقول: إذا جاء من عليه الدين بمقدار حقه، [فللموصى له أن يقول] (1): ليس للورثة أن يأخذوا منه شيئاً، حتى يتوفر عليَّ حقي كَمَلاً؛ فإن في أيديهم ضعفُ هذا. [و] (2) وجه الخبط سببُه ما يراعى من قصد المؤدِّي، فإن فرضت المسألة في الوصية بثلث المال الغائب إذا حضر ثلثُه، كان الوجه البعيد أوجه في هذه الصورة وأقرب إلى الفهم منه في صورة الدين.
والقياس المقطوع به في المسألتين الجريانُ على حكم الإشاعة.
فهذا ما رأينا تقديمَه على المسائل التي تتعلق بالحساب، وإذا خضنا فيها، ذكرنا في كل مسألة حظَّها من الفقه القويم، ووجهَ استعمال الحساب على جهة مستقيمة في الفقه.

مسائل في العين والدين
6901 - إذا كان الدين على وارث، ولم يكن في المسائل وصية، وجملة الصورة مفروضة فيه إذا كان [العين] (3) من جنس الدين ونوعه.
فنقول: إذا ترك ابنين وخلّف دراهم معيّنة ودَيْناً على أحد الابنين، فلا يخلو إما أن
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) (الواو) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: "الدين".

(10/284)


يكون نصيبُ مَنْ عليه الدين من التركة عيِنها وديِنها بحق الإرث [مثلَ مقدار الذي] (1) عليه من الدين.
وإما أن يكون نصيبه من التركة أقلَّ مما عليه من الدين، وإما أن يكون نصيبه من التركة أكثرَ مما عليه من الدين؛ فإن كان نصيبه من التركة مثلَ ما عليه من الدين، فنذكر مسلك الحُسَّاب طرداً إلى آخره، ثم نذكر تقويمَه على موجب الفقه، إن شاء الله تعالى.
6902 - فإن ترك ابنين وبنتاً، وخلف ثمانيةَ عشرَ درهماً عيناً، واثني عشر درهماً ديناً على أحد الابنين، فالتركة كلُّها ثلاثون درهماً.
وإذا قُسمت الثلاثون بين ابنين وبنت، أصاب كلَّ ابن اثنا عشرَ وأصاب البنتَ ستةٌ، فنصيب [الذي] (2) عليه الدين مثلُ الدين، فإذا كان كذلك، [فطريق] (3) الحساب عند أهله أن نقيم المسألة من فريضتها في الميراث، ونقول: مسألة الابنين والبنت من خمسة: لكل ابنٍ سهمان، وللبنت سهم، فنسقط ما يخص الابن الذي عليه الدين من سهام الفريضة، فيبقى بعد إسقاطه ثلاثة أسهم، فنقسم العينَ وهي ثمانيةَ عشرَ درهماً على الأسهم الثلاثة، فيخص كلَّ سهم ستةٌ، فهي نصيب البنت، ونصيب الابن اثنا عشر درهماً، فيأخذها.
وإذا قسمنا العين كذلك، بقي الدينُ اثنا عشرَ درهماً على ما (4) عليه الدين، فيبرأ عنها، ولا حظَّ له في العين. هذا طريق الحُسّاب.
وسبيل تقويمها على موجب الفقه أن نقول: [إذا كان] (5) من كان عليه الدين معسراً فحقُّه ثابت في العين والدين ملكاً، ولكن للابن الذي لا دين عليه وللبنت من الحق والدين مثلُ ما لمن عليه الدين في العين، وإذا استوى المبلغان واتحد الجنس والنوع،
__________
(1) عبارة الأصل: من مقدار الدين.
(2) في الأصل: الدين.
(3) في الأصل: طريق.
(4) استعمل (ما) للعاقل، وهو جائزٌ، على ندور.
(5) زيادة من المحقق.

(10/285)


واستيفاء الحق متعذر ممن عليه الدين إلا من جهة حصته من الميراث، والابن والبنت اللذان لا دين عليهما قد ظفرا بجنس حقهما، فيأخذانه إن أرادا.
هذا هو المسلك الفقهي، ثم مقدار ما يأخذانه هو الذي أخرجه الحساب، فلا بد من فرض ما ذكرناه [ليستمر] (1) الحساب سديداً موافقاً للفتوى، فإن كان من عليه الدين موسراً، فلا سبيل إلى ذلك إلا أن يُفرضَ الرضا من جهته، فإذا أطلقنا أخْذَ العين ومقدار [الدين] (2) في هذه المسألة وأمثالِها عَنَيْنا بأخذ العين ما ذكرناه من الظفر بجنس الحق، إن كان من عليه الدين مفلساً، أو أردنا الرضا، وإلا، فلا يخفى أن الحق يثبت في العين والدين شائعاً من الجانبين.
6903 - ولو كان نصيب من عليه الدين من التركة أكثرَ من مقدار الدين الذي عليه، فسبيل الحساب أن نقسم جميع المال، عينَه ودينَه بينهما، فما أصاب الذي عليه الدين، سقط مقدارُ ما عليه، وأخذ الباقي من العين.
ومثال ذلك: أن يخلّف الميت ابنين وعشرةَ دراهم، وخمسةً ديناً على أحد الابنين، فنصيب من عليه الدين من التركة -وهي خمسة [عشر] (3) - سبعةٌ ونصفٌ، والدين الذي عليه خمسة، فالوجه أن يُحطَّ الدين من حصته، فيبرَأ عن الخمسة، ونعطيه من العشرة العينِ درهمين ونصفاً تكملةً لحصته من العين، بعد حط جميع الدين [عنه] (4) وهذا محمولٌ على ما إذا كان مَنْ عليه الدين مفلساً، كما ذكرنا، وحضر حقُّ من لا دين عليه؛ من جهة (5) ظفره بجنس حقه، فإذا أطلقنا [المقاصة عنينا] (6) ذلك، فلا نعود إليه بعد هذا في أمثال هذه المسائل.
6904 - فأما إذا كان نصيب من عليه الدين من التركة أقلَّ مما عليه من الدين، فقد
__________
(1) في الأصل: يستمر.
(2) فى الأصل: الذي.
(3) سقطت من الأصل.
(4) في الأصل: عنده.
(5) أي بسبب ظفره.
(6) في الأصل: المعاصة عيناً.

(10/286)


يقع في هذا القسم حسابٌ سهلُ المأخذ، كما سيتضح في أثناء المسألة.
المثال: أن يخلف امرأةً وابنين، وعشرةً عيناً وعشرةً ديناً على أحد الابنين، فالتركة عشرون، ونصيب من عليه الدين أقلُّ من الذي عليه، فنقيم فريضةَ الميراث من ستةَ عشرَ؛ فإن أصلها من ثمانية للزوجة الثمن، والسبعةُ الباقيةُ منكسرةٌ على الابنين، فنضرب اثنين في ثمانية، فيبلغ ستةَ عشرَ، ومنها تصح المسألة، وإذا أردنا قسمة العشرين عيناً وديناً على الورثة، أصاب كلَّ ابن ثمانيةٌ وثلاثةُ أرباع، فنصيب من عليه الدين أقلُّ إذاً، فنقول فريضة الميراث من ستةَ عشرَ، لكل ابنٍ منها سبعةٌ، وللزوجة سهمان، فنحط سهام من عليه الدين من فريضة الميراث، وهي سبعة، فيبقى من فريضة الميراث تسعةُ أسهم: سهمان للزوجة، وسبعةٌ لمن لا دين عليه، فنقسم العين على هذه السهام بعد حط سهام من عليه الدين، فإذا قسمنا العشرة العينَ على هذه التسعة أصاب كلُّ سهم درهماً وتسعاً، فتأخذ المرأة من هذه العشرة درهمين وتسعين، ويأخذ الابن الذي لا دين له سبعة دراهم وسبعةَ أتساع درهم، على تأويل [المقاصّة] (1)، ويصير الذي عليه الدين كأنه استوفى سبعةً وسبعةَ أتساع درهم.
قال الحُسّاب [في] (2) هذه المقالة: " هو الذي جُني من الدين " وهذه اللفظة مُدارةٌ في مسائل الدين والعين، والمعنيُّ بها أن المقدار الذي يقع في مقابلة العين من الدين عن جهة [المقاصّة] (3) هو الذي يقال: جُني من الدين هذا المقدارُ، ومعنى اللفظة أنه صار مستوفىً بالمقاصّة، فقد جُني، ولولا العين [والمقاصّة] (4) منها، لكان الدين على المفلس في حكم الميت الفائت.
فإن أردت أن تعرف مقدار ما [يُجْنَى] (5) من الدين في أمثال هذه المسألة، فسبيل الحساب أن تُقسِّط العينَ على السهام، سهام من عليه الدين من فريضة الميراث، حتى
__________
(1) في الأصل: المقاصد.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: المفاضة.
(4) في الأصل: المفاضة.
(5) في الأصل: يجي.

(10/287)


إذا ضبطتَ حصةَ كلِّ سهم من سهام الفريضة من العين، ضربت ما يخص سهماً واحداً فيما حططت من سهام مَن عليه الدين، فما يرده الضرب، فهو الذي يُجْنَى من الدين، فحصة كل سهم درهم وتسع، فنضرب الدرهمَ والتسعَ في حصة من عليه الدين من فريضة الميراث وهي سبعة، فيرد الضربُ سبعةً وسبعةَ أتساع، وهذا هو الذي جُني من الدين، وقد بقي من الدين درهمان وتسعان.
فإذا أردت أن تعرف كم تُسقط من هذا الباقي وكم تُبقي، فالوجه أن نعود إلى التركة ونقسمها عيناً وديناً، ونضبط حصة من عليه الدين من جملة التركة، وحصته منها في هذه المسألة ثمانيةٌ وثلاثة أرباع، وقد جُني من الدين ما ذكرناه، فنُسقط إلى قيمة الدين تتمةَ ثمانية وثلاثة أرباع، ويبقى عليه [من] (1) الدين درهم وربع، ولسنا نجد من العين ما نأخذه [مقاصّةً] (2)، فهذا الباقي من الدين حق للزوجة والابن الذي لا دين عليه، [وإذا ما] (3) تمكنا منه واستوفيناه، فهو مقسوم على تسعة أسهم، وهي النسبة التي قسم عليها العين، فما يخص سهمين مصروف إلى الزوجة، وما يخص سبعةَ أسهم مصروفٌ إلى الابن الذي لا دين عليه. هذا تعديل القسمة بالحساب، وقد بان مجملها وتأويلها في الفقه.

مسائل في العين والدين على بعض الورثة مع فرض وصيةٍ لغير الوارث
6905 - مسألة: إذا ترك ابنين وعشرةَ دراهم عيناً وعشرة ديناً على أحد الابنين، وأوصى لرجل آخر بثلث ماله.
فقد ذكر الأستاذ مسلكين، ونسب أحدَهما إلى ابن سُريج وجمهورِ الأصحاب، وحكى المسلك الثاني عن أبي ثور، ونسبه إلى بعض الأصحاب، ومال إلى اختياره،
__________
(1) عبارة الأصل: ويبقى من عليه الدين.
(2) في الأصل: مفاضة.
(3) في الأصل: وإنما.

(10/288)


ونحن نذكر المسلكين على مساقه، ثم نذكر بعد نجازهما ما يهذِّبُ الغرضَ، ونبين الحق.
فأما ما نسبه إلى ابن سريج والجمهور، فطريق الحساب فيه -وبه نبُيّن الفقهَ والفتوى- أن نقول: الفريضة الجامعةُ للوصية والميراث ثلاثة: للموصى له سهم، ولكل ابن سهم، فيأخذ الغريم سهماً، ممّا عليه، ويَقْسِم الموصى له والابنُ الذي لا دين عليه العينَ نصفين، لكل واحدٍ منهما خَمْسة، وقد جُني من الدين خمسةٌ، وبقي من الدين خمسة، لمن عليه الدين ثلثُها، وهو درهم وثلثان، فيبقى عليه ثلاثةٌ وثلث، إذا أداها، اقتسمها الموصى له والابنُ الذي لا دين عليه بينهما نصفين، على نسبة قسمتهما للعين؛ فإن هذا مذهب الجمهور وابن سريج، وأصحاب الرأي.
وبيان ذلك أن الوصية وحق الابنين بنيا على الشيوع، فالعين أثلاثاً بين الموصى له والابنين، والدين كذلك أثلاثاً، فيأخذ من لا دين عليه ثلثَ العين ميراثاً، ويأخذ الموصى له ثلثها بالوصية، فيبقى من العين ثلثٌ للابن الذي عليه الدين، وللموصى له عليه (1) ثلث الدين، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، وقد وجَدا الثلثَ من العين فيقسمانه بينهما نصفين، هذا معنى اقتسام العين نصفين.
ومن عليه الدين يبرأ عن ثلث الدين بحكم إرثه، وقد أدى من العين ثُلثَها إلى جهة الوصية، وإلى أخيه الذي لا دين عليه، فيبرأ بهذا السبب عن ثلثٍ آخر، وقد استوفَى تمامَ حقه إرثاً وقصاصاً، فيبقى عليه ثلث الدين، وهو بين الموصى له والابن الذي لا دين عليه نصفين.
هذا بيان ما حكاه عن ابن سريج، والجمهور، وأصحاب الرأي.
وحكى عن أبي ثورٍ مسلكاً آخر، وذلك أنه قال فيما حكاه عنه: للموصى له ثلثُ العين من غير مزيد، ولا يأخذ من العين غيرَها (2)، والابن الذي لا دين عليه يأخذ ثلثي العين، أما الدين، فيسقط ثلثاه عمن عليه الدين ميراثاً وقصاصاً، وهو الذي جرى
__________
(1) أي على من عليه الدين،
(2) كذا. أعاد الضمير المؤنث على الثلث وهو مذكر. ولا يبعد تأويله بالدراهم أو الحصة ونحوها.

(10/289)


بينه وبين [الابن] (1) ويبقى عليه ثلث الدين هو حق الموصى له يستوفيه منه خالصاً. قال الأستاذ هذا الوجه أقيس على مذهب الشافعي مما ذكره ابنُ سريج، واعتلّ في توجيه ذلك بأن قال: لو كانت المسألة بحالها، وفي التركة عشرةٌ عين وعشرةٌ دين على أجنبي، وقد خلف ابنين، فأوصى بثلث ماله لأجنبي لا دين عليه، فليس للموصى له في هذه المسألة إلا ثلث العين وثلث الدين، فكذلك إذا كان الدين على أحد الابنين، فإن الجزئية في الدين والعين لا تختلف باختلاف من عليه الدين.
وهذا الذي ذكره عن أبي ثور واختاره نُبَيّن معناه أولاً لنفهم وجهه، ثم نُتبع ما ذكره بالحق.
فمعنى قول أبي ثور إن الموصى له يأخذ ثلث العين بحكم الجزئية، وله ثلث الدين على الابن الآخر، وللابن الذي عليه الدين ثلث العين بحكم الإرث الشائع، وللابن الذي لا دين عليه على أخيه ثلث (2) الدين، وقد [ظفر] (3) بثلث العين، فجعل أبو ثور الأخَ أولى بالثلث الذي ظفر به، ولم يُثبت للموصى له فيه شركة.
هذا معنى كلامه وهو عندنا غلطٌ صريح، فإنا حملنا [المقاصَّة] (4) على أخذ ما [يظفر] (5) مستحق الدين به من مال من عليه الدين، وللموصى له عليه ثلث الدين كما للابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، وقد استويا في استحقاق الدين عليه، فلا وجه لاختصاص الابن بأخذ ما ظفر به دون الموصى له.
فإن قيل: إنما أوصى له بالثلث، فالابن الذي لا دين عليه إنما يرث الثلث أيضاً من الدين والعين، وإنما يأخذ ما يظفر به لأخذ [المقاصّة] (6) كما بيناه، فليأخذ الموصى له كذلك بالمقاصّة حصته مما وقع الظفر به، كما لو وجد يوماً من الدهر درهماً لمن عليه الدين، فخرج منه أن الذي رآه الأستاذ أصحَّ وأقيس والذي ذكره عن أبي ثور لا
__________
(1) في الأصل: الله.
(2) في الأصل: ثلث ثلث الدين.
(3) في الأصل: ظهر.
(4) في الأصل: المفاضة.
(5) في الأصل: يظهر.
(6) في الأصل: المقاصد.

(10/290)


أصل له، وليس هو مما يُلحَق بالوجوه البعيدة أيضاً، والذي حكاه عن ابن سريج هو الصواب على شرط حمل المقاصّة على ما ذكرناه وهو لا يجري إلا في المعسر ظاهراً وباطناً، أو المنكر باطناً، وأما ما استشهد به في توجيه مذهب أبي ثور من كون الدين على أجنبي ظاهر (1) السقوط؛ من جهة أن الابن لا يأخذ منه إلا الثلث أيضاً، والسبب فيه أنه لو لم يظفر له بمال حتى يفرض التضارب فيه فأين يقع هذا مما نحن فيه.
6906 - مسألة: إذا ترك ابنين وعشرةً عيناً، وعشرةً ديناً على أحدهما، وأوصى لأجنبي بربع ماله. فالذي حكاه (2) عن الجمهور وابنِ سريج أن الفريضة الجامعة تصح من ثمانية بعد التصحيح، للموصى له سهمان ولكل ابنٍ ثلاثة، فنُسقط منها سهامَ الابن الذي عليه [الدين] (3)، وهو ثلاثة [يبقى] (4) خمسةُ أسهم، سهمان منها للموصى له وثلاثة أسهم للابن الذي لا دين عليه، فنقسم العين وهو عشرة على هذه السهام الخمسة، فيخرج حصةُ كل سهمٍ اثنان، وللموصى له إذاً أربعةُ دراهم وللابن ستة [دراهم] (5)، والسبب فيه أن الموصى له يستحق بحكم الوصية ربعَ العين، وهو درهمان ونصف، ويستحق ربعَ الدين وهو درهمان ونصف، والابن الذي لا دين عليه يستحق بحكم الإرث ثلاثةَ أثمان العشرة التي هي عينٌ، ويستحق ثلاثة أثمان الدين، والابن الذي عليه الدين يستحق ثلاثةَ أثمان العين، والموصى له يستحق عليه ثُمني الدين، وهو الربع، وقد ظفر هو والابن الذي لا دين عليه بثلاثة أثمان العشرة التي هي عين مال من عليه الدين، فيضربُ فيه صاحب الوصية بثمنين ويضرب الابن الذي لا دين عليه بثلاثة أثمان.
وإذا اعتبرنا هذه النسبة في هذه الأثمان التي ظفرا بها، وهذه النسبة بعينها جارية فيما يأخذه الموصى له بالوصية، وفيما يأخذه الابن الذي لا دين عليه بالإرث،
__________
(1) "ظاهر السقوط" هكذا بدون الفاء في جواب (أما) كدأب الإمام في كثيرٍ من المواضع.
(2) حكاه: أي الأستاذ أبو منصور.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) في الأصل: في خمسة.
(5) في الأصل: أسهم.

(10/291)


فيقتضي ذلك أن يقتسما العشرة أخماساً والابن الذي عليه الدين يسقط عنه من الدين مثلُ ما أخذه أخوه من العين، وهو ستة، وعند ذلك نقول جُني من الدين ستة، وبقي عليه أربعة تقديراً، فنحط عنه من الأربعة درهماً ونصف درهم، ونقسم درهمين ونصف درهم بين الموصى له والابنِ الذي لا دين عليه على خمسة، كما قسمنا العشرة على خمسة، فيحصل لكل ابن سبعة ونصف، ويحصل للموصى له خمسة.
هذه طريقةُ ابن سريج، وهي الحقُّ، على شرط حمل المقاصّة على حالة الإفلاس والتعذّر.
وحكى طريقة أبي ثور فقال حاكياً عنه: للموصى له بالربع من العين درهمان ونصف، والباقي من العين للابن الذي لا دين عليه، ونُسقط عن الغريم ثلاثة أرباع ما عليه، وهو سبعة دراهم ونصف، ويبقى للموصى له على الغريم ربعُ الدين على الخلوص، وذلك درهمان ونصف. وهذا هو القياس الذي تقدم.
وقد أوضحنا أنه غلطٌ صريح، لا اتجاه له على قربٍ، ولا على بعدٍِ، وهو يحكم بتقديم الابن بحق المقاصّة على الموصى له، ولا سبيل إلى ذلك.
6907 - ولو كانت المسألة بحالها إلا أنه أوصى بنصف ماله، وأجاز الابنان ذلك، فعلى قول الجمهور يملك الموصى له نصفَ العين ونصفَ الدين، ويملك كلُّ ابن ربعَ العين وربعَ الدين، وتصحيحُ الفريضة من أربعة لصاحب الوصية سهمان، ولكل ابن سهم، ثم نحط سهمَ الغريم ونقسم العين على ثلاثة أسهم: سهمين للوصية، وسهمٍ للذي لا دين عليه، فيكون للموصى له ثلثا العشرة، وللابن ثلثُ العشرة، ويبرأُ الابن الذي عليه الدين عن ربع الدين بحق الإرث، وعن ربع آخر بحكم القصاص؛ فإنه كان له في العين ربعُها، فيسقط عنه إذاً إرثاً وقصاصاً نصفُ العشرة، وبقي عليه نصفُ الدين، نقسمه (1) إذا أداه بين الموصى له وبين الابن الذي لا دين عليه: [ثلث للابن وثلثان للموصى له] (2)؛ فيحصل للموصى له بعد التوفية عشرةٌ، وللابن الذي لا دين
__________
(1) في الأصل: لا نقسمه.
(2) عبارة الأصل: ثلثه وثلثين، فيحصل.

(10/292)


عليه خمسةٌ وقد برىء مَنْ عليه الدين عن خمسة.
وعلى قول أبي ثور، للموصى له نصفُ العين خمسة، وله على الغريم نصفُ الدين خمسة، ونأخذ للابن الذي لا دين عليه الخمسةَ الباقية من العين، يأخذ نصفها بالميراث، ونصفَها قصاصاً بميراثه من الدين الذي على أخيه، وسقط عن الغريم نصفُ ما عليه، وبقي عليه للموصى له وحده نصفُ الدين، وهو خمسة، وهو القياس المقدّم، وقد تكرر بيانُ فساده.
6908 - ولو كانت المسألة بحالها: الوصية بالنصف والتركة عشرةٌ عيناً وعشرةٌ ديناً على أحد الابنين، فقد ذكرنا التفصيل فيه إذا أجازا الوصيةَ الزائدةَ على الثلث، ونحن نذكر ثلاثة أحوالٍ سوى ما تقدم.
فلو ردّا الزيادةَ على الثلث، كان كما لو أوصى بالثلث وقد قدمنا التفصيل فيه، واخترنا مذهب ابن سريج، ورددنا قولَ أبي ثور، وهذا بتلك المثابة.
6909 - والحالة الثانية أن يجيز الوصيةَ الزائدةَ على الثلث من لا دين عليه، ويردُّ من عليه الدين، فالزيادة على الثلث سدس المال؛ فإن الوصية بالنصف، فإذا أجاز من لا دين عليه، نفذ بإجازته نصفُ الزيادة، وارتد برد الآخر نصف الزائد، ولو كانت الوصيةُ بالثلث، والتفريعُ على مذهب ابن سريج والجمهور، لأخذ الموصى له من العين نصفَها، وإذا كانت الوصية بالنصف وأجازاها، فإنه يأخذ ثلثي العين، والآن بين الثلثين والنصف، وهو خمسة دراهم وثلثان فننصِّفُها بسبب بعض الإجازة والرد، ونقول على مذهب الجمهور: يأخذ الموصى له من العين خمسة بحق الثلث، وخمسة أسداس درهم، [وهو (1) نصف ما بين النصف والثلثين] (2)، والباقي للابن الذي
__________
(1) وهو: "أي خمسة أسداس درهم".
(2) في الأصل: وهو نصف قيمة الثلثين، وهو كلام مضطرب غير مستقيم. وفي العبارة بعد تصويبها إيجاز، والمعنيُّ بها أنه -كما سبق شرحه- يأخذ عند الوصية بالثلث خمسة من العشرة العين، وعند الوصية بالنصف يأخذ ثلثي العشرة ستة وثُلثين، في هذه الحالة عنده وصية بالنصف أجيز نصف الزيادة، فيأخذ خمسة بالثلث (الذي لا يحتاج إلى إجازة) ويأخذ خمسة أسداس فوقها، وهي نصف الفرق بين ما يأخذه بالثلث وما يأخذه بالنصف، فهو يأخذ خمسة =

(10/293)


لا دين عليه وهو أربعةٌ وسدس إرثاً وقصاصاً.
وهذا بيان هذه الحالة في غرضنا.
6910 - فأما إذا أجاز من عليه [الدين] (1) الزيادة في حصته، ولم يجز من لا دين عليه فلا يأخذ الموصى له من العين إلا خمسةً، وهي المقدار الذي يأخذه لو كانت الوصية بالثلث، وسبب ذلك أن المسألة مبنيةٌ على المقاصّة، وهي عندنا مخصوصةٌ بحالة [الإفلاس] (2)، وليس للمفلس أن يبطلَ حقَّ مستحق الدين بسبب تبرعه مبتدئاً كان، أو مُجيزاً؛ فإن قيل: ألستم أبنتم لردِّه أثراً؟ قلنا: نعم ردُّ المفلس في استيفاء ملكه صحيح، وإنما المردود إبطاله حقَّ الغرماء المتعلقين بماله، وهذا متجةٌ حسنٌ، وقد ذكره الأستاذ كذلك، وهو لا يتعرض لتفصيل الإفلاس، بل معتقده أن القصاص واقع لإدراكه، وذاك وإن لم نقل به، فالفتوى صحيحة خروجاً على ما ذكرناه.
والذي يختلج في النفس منه أنا نجوّز أخذ مال المفلس عند الظفر به، ولكن قبل التملك وقبل ضرب الحجر على المفلس يجب تنفيذ إجازته؛ فإنه مطلَق وتصرف المطلَق المفلس في ملكه نافذٌ، فعلى هذا تنفُذ إجازتُه في هذا المقدار الذي تنفذ إجازة من لا دين عليه، وإن صورنا إجازته بعد أخذ الغرماء، فهي باطلة وكذلك إن صورنا إجازته بعد الحجر، فهذا حقيقة المسألة.
ولم نتعرض لأبي ثور؛ فإنه قد بان قياسُه، فلا معنى لإعادة مذهبه في كل مسألة.
6911 - مسألة: إذا خلّف ابنين، وعشرةً عيناً، وعشرةً ديناً على أحدهما، وأوصى لإنسان بخمسة دراهم من ماله، قال الأستاذ حاكياً عن الجمهور: يدفع إلى الموصى له خمسةُ دراهم من العين، ويأخذ الابن الذي لا دين عليه الخمسةَ الباقية، النصفَ منها بالميراث، والنصفَ منها بالقصاص مما له على أخيه، ويَبْرَأ من عليه الدين من نصف
__________
= بالثلث، وستة وثلثين بالنصف، فالفرق واحد وثلثين، نصفها خمسة أسداس، تضم إلى الخمسة التي أخذها بحق الثلث.
(1) سقطت من الأصل.
(2) في الأصل: الإقلال.

(10/294)


الدين، بميراثه منه، ويبرَأ أيضاً من رُبعه، فالقصاصُ يُبقي عليه لأخيه ربعَ الدين.
وهذا فيه نظرٌ؛ من جهة أن التركة عشرون، والخمسة ربعُها، ولو أوصى لإنسان بربع ماله من هذه المسألة لم يأخذ نصفَ العين، وإنما يأخذ خُمسيها، على قول الجمهور، كما تقدم. ومن أصل الشافعي رضي الله عنه أن الاعتبار في الوصايا بمآلها.
ولو أوصى بالخمسة، ولم يتعرض لذكر جزء، وكنا [لا نعلم] (1) بأن الخمسةَ ربعٌ أو خمس، فإذا بان آخراً أن الخمسة وقعت ربعاً، فليقع الحكم فيها على حسب الحكم في الربع، والدراهم التي أطلقها لم يُخصِّصْها بالعين، بل أطلق الوصيةَ بها، ولو كانت تركتُه كلُّها ديناً، لصحت الوصية بخمسة دراهم، على معنى الاستيفاء ممن عليه [الدين] (2)، وقد نقَم أصحابنا على أبي حنيفةَ فصله بين الوصية المرسلة بدرهم، وقد بانت أنها زائدة على الثلث آخراً، وبين الوصية بجزءٍ زائد على الثلث، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، مع نظائره في مقالةٍ جامعةٍ، إن شاء الله.
6912 - ولو كانت المسألة بحالها، وأوصى له بنصف العشرة التي هي عينٌ، قال الأستاذ: يأخذ خمسةً، ولا حاجةَ إلى الإجازة، ولا غروَ أن يقول هذا. وقد قال بهذا في الوصية بالخمسة المرسلة، فإذا كان يحصرها في العين وهي مرسلة، فلا شك أنه يقول بحصرها وقد قُيّدت بالعين.
وهذا فيه نظر، [فإن كنا لا نحمل الخمسة على الحصر في العين، فالتخصيص العين وصية، سيّما إذا كان الدين على مفلس. نعم، لو نفذ من عليه الدين الذي نفذت الوصية من العين المذكورة] (3) وعلى هذا تجرى الوصايا بالأعيان.
وهذا الذي نذكره مرامزُ، وفقهُ الوصايا بين أيدينا (4).
__________
(1) في الأصل: لا نحكم.
(2) سقطت من الأصل.
(3) هذه السطور بين المعقفين، كذا تماماً، ولما نعرف لها إقامة بعدُ.
(4) بين أيدينا: أي سيأتي بعدُ.

(10/295)


6913 - مسألة: لو ترك ثلاثة بنين وعشرين درهماً عيناً، وعشرةً ديناً على أحد البنين، وأوصى لرجل بثلث ماله.
أما مذهب ابن سريج، فالسبيل فيه أن نصحح الفريضة الجامعة من [تسعة] (1) نضعها من ثلاثة، ثم نبلّغها بالتصحيح تسعة، فنلقي منها نصيبَ [الابن] (2) الذي عليه الدين وهو سهمان، يبقى من سهام الفريضة سبعة، فنقسم عليه العشرين التي هي عين، فيخرج على مقابلة كل سهم درهمان وستة أسباع درهم، فإذا أردنا أن نعبِّر عما جُني من الدين، ضربنا [حصة] (3) سهمٍ فيما عزلناه من الفريضة حصةً لمن عليه الدين، وإذا ضربنا اثنين وستةَ أسباع في نصيب من عليه الدين من الفريضة، وهو سهمان، خرج خمسةُ دراهم وخمسةُ أسباع درهم، هذا مقدار ما جني من الدين.
ثم يحسن في مسلك الحساب أن نضم ما جُني من الدين إلى العين وهي عشرون، فيبلغ المجموع خمسةً وعشرين وخمسةَ أسباع درهم، فنقول: كان جميع المال هذا، مثلاً، للموصى له ثلثها، وهي ثمانية دراهم وأربعة أسباع درهم، والباقي بين البنين، وذلك سبعةَ عشرَ درهماً وسُبعُ درهم، لكل واحد منهم خمسةُ دراهم وخمسة أسباع، فيأخذ الموصى له ثمانيةَ دراهم وأربعةَ أسباع درهم، وقد أصاب الذي عليه الدين مثلَ ما أخذه كلُّ ابن من الابنين، ولكن ما يصيبه يُحسب من الدين الذي عليه إذا أمكن، فإذا أردت أن تعرف كم يؤدي من عليه الدين، فارجع أبداً إلى أصل المال، وقل: في هذه المسألة جملة الدين والعين ثلاثون، فنميز ثلثها للموصى له، وهو عشرة، يبقى عشرون، نقسمها بين البنين الثلاثة نصيب كل واحد منهم ستةٌ وثلثان، فإذاً تبقى على الابن الذي عليه الدين ثلاثة وثلث، فإذا أداها اقتسمها الابنان الآخران والموصى له، على سبعة أسهم، للموصى له منها ثلاثة أسهم، ولكل ابن سهمان، على النسبة التي قسمنا العين عليها.
وعلى قول أبي ثور للموصى له من العين ثلثها، وهو ستة دراهم وثلثان، ولكل
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: نصيب الأول من. والمثبت تقدير منا.
(3) في الأصل: حقه.

(10/296)


واحد من الابنين الذين لا دين عليه مثل ذلك، ويسقط مثل هذا عن [الابن الذي عليه] (1) الدين، ويبقى للموصى له وحده ثلاثة دراهم وثلث، وهو تتمة الثلث.
6914 - مسألة: لو ترك ابنين وعشرةً عيناً وعشرةً ديناً على أحد الابنين، وأوصى لرجل بثلثي الدين.
فحكم هذه اللفظة على طريقة الجمهور، ورأي ابن سريج أن يملك كلُّ واحد من الابنين نصفَ العين، وسدسَ الدين؛ فإنه حصر الوصية في الدين؛ فإذاً يبرأ الغريم من سدس الدين بميراثه، ويبقى للموصى له والأخ -في ذلك- النصفُ (2) على نسبة الأخماس، للموصى له أربعة أخماسه، وأربعة أخماس النصف أربعة دراهم، وللأخ خُمُسه، وهو درهم، ولا شك أن ذلك يقع بين الثلثين والسدس، وقد كان أخذ الابن الذي لا دين عليه خمسة دراهم من العين، فحصل معه ستة، وبرىء الغريم من نصف الدين قصاصاً، ومن سدسه ميراثاً، وبقي لهما عليه ثلث الدين، فإذا أداه، اقتسمه الموصى له والابن الذي لا دين عليه على خمسةٍ، كما مضى: أربعة أخماسه للموصى له وخُمسه للأخ.
وعلى قول أبي ثور للابن الذي لا دين عليه من العين ستة دراهم وثلثان، وهذا أقصى ما يستحقه إرثاً وقصاصاً مع الوصية بثلثي الدين وثلثا الدين، ثلثُ التركة، وقد توفر عليه الثلث من العين، فنصرف ثلث العين نحو القصاص إلى الموصى له بثلثي الدين؛ فإن هذا الثلث الباقي محض حق من عليه الدين.
6915 - ولو كانت المسألة بحالها وأوصى لرجل بثلث العين، وأوصى لآخرَ بثلث الدين، فعلى المذهب المعتمد يأخذ صاحبُ العين ثلثَ العين، وملكَ كلُّ ابن ثلثَ العين، ويملكُ صاحب الدين ثلثَ الدين، وهو الموصى له بثلث الدين، ويملك كل ابنٍ ثلثَ الدين، فيبرأ الغريم من ثلث الدين لحق الإرث، ويبقى عليه لأخيه ثلث
__________
(1) زيادة من المحقق. والمعنى أن الابن الذي عليه الدين يجني من الدين ستة وثلثين، مثل نصيب كل ابن لا دير عليه.
(2) النصف: المراد نصفُ العين الذي يملكه من عليه الدين. ومعنى العبارة: يبقى -في ذلك التقسيم- النصف ...

(10/297)


الدين، ولصاحب الوصية ثلثُ الدين، فيأخذ صاحب الوصية والابن الذي لا دين عليه حقَّه من العين قصاصاً، وهو ثلاثة [وثلث] (1) فيقسمانه، نصفين، ويخرج منه أن الغريم يبرأ عن ثلث الدين إرثاً، ويبرأ من ثلثه قصاصاً، ويجتمع للأخ من العين خمسةُ دراهم، وهو نصف العين، وقد فاز صاحب الوصية بثلث العين بحقه، وبقي لصاحب الوصية بثلث الدين، وللابن الذي لا دين عليه ثلث الدين، فكلما أدَّى منه شيئاً، فحكمه أن يقسماه نصفين.
فهذا بيان قياس هذه المسألة.

مسائل إذا كان الدين على الموصى له
6916 - مسألة: إذا ترك ثلاثين درهماً عيناً، وثلاثين درهماً ديناً على رجل، فأوصى بثلث العين لرجل، وأوصى للغريم بما عليه، وهو معسر.
فالوصيتان مجموعهما زائدتان على الثلث، فإن رُدّ الزائد، فالثلث بينهما على أربعة: ثلاثة أرباعه للغريم، ولصاحب العين ربع الثلث، والفريضة الجامعة من اثني عشر، للوصيتين أربعة، وللورثة ثمانية، ثم يقسم الورثةُ وصاحبُ العين الثلاثين درهماً التي هي عين على قدر سهامهم، وقد ذكرنا أن لصاحب الوصية بجزءٍ من العين سهم، وللورثة ثمانية؛ فيقتسمان الثلاثين على [تسعة] (2) أسهم: لصاحب الوصية تُسع الثلاثين، وهو ثلاثة دراهم وثلث، وللورثة ثمانية أتساعها: ستةٌ وعشرون درهماً وثلثان، ويبرأ الغريم عن ثلاثة أرباع الثلث ممّا عليه، والثلث عشرون، ثلاثة أرباعه خمسةَ عشرَ، فبرىء عن خمسةَ عشرَ درهماً؛ لأن وصيته في ذمته، فيبقي عليه خمسةَ عشرَ درهماً؛ فإذا أداها، اقتسمها الورثةُ وصاحبُ الوصية [كجزء] (3) من العين على تسعةٍ: لصاحب الوصية تُسعُها، وهو درهم وثلثان، فنضمُّه إلى ما أخذ من العين أولاً
__________
(1) زيادة من المحقق، لا تصح المسألة بدونها.
(2) في الأصل: سبعة.
(3) في الأصل: بجزء. والمعنى: أن القسمة كجزئية العين.

(10/298)


فيتمّ له ربعُ الثلث وهو خمسة دراهم، والباقي، وهو ثلاثةَ عشرَ درهماً [وثلث درهم] (1) للورثة، فيحصل للورثة ثلثا المال.
وفي هذه المسألة أدنى تأملٍ على الناظر، والمسألة سديدة، ووجه التأمل فيها أنا لو أكملنا لصاحب الوصية بالعين حقَّه من العين، وهو خمسة دراهم، لكنا نفّذنا الوصيةَ في عشرين [عيناً] (2)، والحاصل في يد الورثة خمسةٌ وعشرون، والباقي دين، وهذا لا سبيل إليه، فنفذنا من وصيته العين ثلاثة وثلثاً على النسبة الحسابية التي ذكرناها.
وتعليل ذلك أنا إذا رددنا الوصيتين إلى الثلث، وعرفنا أن الثلث أرباعٌ بين الوصيتين، فلا يثبت لصاحب الوصية بالعين إلا الربع من مبلغٍ لو ضم إلى ما بقي في يد الورثة، لكان [ثلثي] (3) الجميع: الحاصلَ والمقدرَ، وهذا إنما ينتظم بأن نجمع ثلاثةً وثلثاً أربع مرات، فيبلغ ثلاثةَ عشرَ وثلثاً، ثم إذا ضممنا هذا إلى الستة والعشرين والثلثين، كان المبلغ أربعين، وثلثا الأربعين ستةٌ وعشرون وثلثان، فلم ننفذ وصية العين إلا على هذه النسبة، ولم نحسب لأجل العين الدينَ على الورثة؛ فإنه غيبٌ بعدُ، [ثم] (4) اضطررنا في حق صاحب الدين إلى توفية حقه بالإسقاط عنه، كما أشرنا، ونفذنا الوصية بالعين على قياس النسبة، فهذا تعليل المسألة، وهي حسنة بالغة الحسن على رأي ابن سريج والجمهور من أصحابنا.
وقال أبو ثور: لصاحب العين ربع الثلث وهو خمسة دراهم من العين، والباقي وهو خمسة وعشرون [بين الورثة] (5)، وبين صاحب الدين كما ذكرنا، ويستوفي الورثة بقيةَ الدين خالصةً لهم، وهذا الذي ذكره ذَهاب عن سر النسبة والتفاوت الواقع بين قياس العين وقياس الدين، كما أوضحناه.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) زيادة من المحقق، وبدونها لا يستقيم الكلام، والمعنى: أننا إذا أعطينا الموصى له خمسة كاملة عيناً، نكون اعتبرنا الثلث كله عيناً.
(3) في الأصل: ثلث.
(4) في الأصل: يضم.
(5) عبارة الأصل: وهو خمسة وعشرون للورثة وبين صاحب الدين.

(10/299)


6917 - مسألة أخرى توضّح ما ذكرناه الآن:
ترك ابنين وعشرة دراهم عيناً وعشرين درهماً ديناً على رجلين، على كل واحد منهما عشرة، وهما معسران، وسبب فرض الإعسار أن يختلف حكم العين والدين اختلافاً بيناً، فلو أوصى لكل واحد من الرجلين بما عليه من الدين، وأوصى بثلث ماله لرجل، والوصايا زائدة على الثلث، فإذا رُدّت إلى الثلث، فقد قال ابن سُريج: يضربُ كل واحد من الغريمين بما عليه، وهو عشرة، ويضرب صاحب الثلث بالثلث وهو عشرة، فيتضاربون بالسوية في ثلث المال أثلاثاً، ثم لكل واحد من الغريمين ما يخلص له من الثلث، يأخذه مما عليه.
والفريضة الجامعة للوصايا والميراث تسعة، فتشتمل على الثلث ويشتمل الثلث على الانقسام أثلاثاً.
ثم سبيل الحساب في المسألة، وبه تظهر النسبة المطلوبة في حق الموصى له بالثلث أن نقول: إذا أسقطنا من التسعة سهمين للغريمين، وصرفنا كلّ سهم إلى دين كل غريم، فيبقى من سهام الفريضة سبعة أسهم، فنقسم العين عليها بين الورثة وبين الموصى له بالثلث، وهكذا يقع إذا فُضَّتْ عشرة على سبعة أسهم، وهذه هي النسبة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة على هذه، فإنا نُقدِّر جميعَ ثلثه مقاديرَ، كلُّ مقدار درهم وثلاثة أسباع، وللورثة ثمانية دراهم وأربعة أسباع، وإذا نحن قدرنا ذلك، صار المجموع اثني عشر درهماً وستة أسباع، للابنين منها ثمانية وأربعة أسباع، فقد سلمنا إلى صاحب الثلث ثلثاً من ثلثٍ قدرناه، لو حضر، لكان كما ذكرناه، وقد برىء كل غريم عن ثلث ما عليه، وهو ثلاثة وثلث، ولو جمعنا ما برئا منه إلى ما سلمناه إلى الموصى له بالثلث، لزاد ذلك على ما قدرنا، ولكن تلك الزيادة لمكان الدين، كما قدرناه في المسألة الأولى، والغرض أن التسليم من العين يقع بحساب العين كما سبق، فإن حصلت زيادةٌ في الدينين على خلاف نسبة العين، فسببه ما اضطررنا إليه في أمر الدين.
وكشف الغطاء فيه أن سقوط الدين عن معسرٍ لجواز أن يحسب في خروجه من ثلث الدين الباقي على المعسر في حق الورثة، وأما تسليم العين، فلا يجوز أن نعتبر فيه

(10/300)


نسبة بقاء الدين، ثم النسبة القويمة ما ذكرناها.
هذا هو الغرض من إعادة هذه المسألة. وباقي الكلام بيّنٌ لا إشكال فيه.

مسائل في العين والدين إذا كان الدين على أجنبي والوصية لغيره
6918 - مسألة: إذا خلف ثلاثين درهماً عيناً وثلاثين درهماً ديناً على أجنبي، وأوصى بثلث ماله لرجل.
فإنا نعطي الموصى له في الحال ثُلثَ العين، ولا نزيده بسبب الدين؛ فإنه مُغَيَّبٌ بعدُ، ويُصرف باقي العين إلى الورثة من غير حجرٍ عليهم، ثم كلما حضر من الدين شيء، سلمنا إلى الموصى له ثُلثَه، والباقي للورثة. هكذا إلى استيفاء الدين بكماله.
ولا فرق بين أن يكون الدين على معسرٍ، وبين أن يكون على مليء وفيٍّ؛ فإن الدين على كل حال مغيّب، وهذا القياس بعينه نطرده في المال الحاضر والغائب.
6919 - ولو أوصى له بثلث الدين، لم يكن له في العين شيء، واقتسم الورثةُ العينَ، فإن حضر من الدين خمسةَ عشرَ درهماً، فله ثلثُها على المذهب الظاهر، والقياس البيِّن، والباقي للورثة، وهذا قدمناه في أول المقالة، وذكرنا أنه القياس.
وأبعد بعضُ أصحابنا -على ما حكاه الأستاذ- وقال: يسلّم مما يحضر من الدين ما يقع ثلثاً لو أضفناه إلى ما هو عين في التركة، وهذا لا أصل له، ولا أعتد مثلَه من المذهب.
6920 - ولو كان قد أوصى في هذه المسألة لرجل بثلث العين، وأوصى لآخر بثلث الدين، والدينُ على معسر، فلصاحب العين ثلثُ العين، وباقيها للورثة، ولا حق لصاحب الدين في العين، فإن حضر من الدين خمسةَ عشرَ درهماً، فللموصى له بثلث الدين ثلثُها: خمسةُ دراهم، وباقيها للورثة.
هذا هو المذهب الظاهر، وهو رأي من جعل الوصية شائعةً في الدين.

(10/301)


ومن جعل الموصى له [بالجزء أحقَّ] (1) بما يُجنى من الدين، أعطاه من الخمسةَ عشرَ، [عشرةً] (2)، وهو تمام حقه، إن أجاز الورثة، فإن لم يجيزوا، لم يعطَ تمامَ العشرة؛ فإن صاحب الوصية بالعين، قد أخذ ثلث العين، فإذا أخذ هذا عشرة، فيصرف إلى الوصية عشرون، والحاصل في يد الورثة خمسة وعشرون: [عشرون] (3) من العين، وخمسةٌ مما حضر من الدين، وهذا لا سبيل إليه، ولا وجه لحبس الدين عليهم، وتنفيذِ الوصية من العين الحاضرة، وليس كما إذا أوصى لمن عليه الدين، فإنا نضطر إلى إبراء ذمته، كما قدمنا تقريره، وسيزداد هذا وضوحاً من بعدُ، إن شاء الله تعالى.
وإذا تُصوّرت المسألة بالصورة التي ذكرناها وحضر من الدين خمسةَ عشرَ، والوصية بعشرةٍ من الدين، وهي [ثُلثُه] (4)، والوصية الأخرى بعشرة من العين، وهي ثلث العين، والحاصل الآن خمسة وأربعون درهماً، إذا قدرنا ضمَّ ما حضر من الدين إلى الثلاثين التي كانت عيناً، فإذا لم يجز الورثة إلا ما يقتضي الشرعُ إجازتَه من الثلث، [فقد] (5) ذكر الأستاذ منهاجاً في الفقه والحساب لا نجد بداً من ذكره، حتى إذا نجز، [نذكر] (6) الحقَّ المبين عندنا.
قال رضي الله عنه: ذهب أبو ثور في هذه المسألة إلى أن الموصى له بثلث العين يأخذ العشرة المسماة من العين، فإذا حضر من الدين خمسةَ عشرَ، أخذ الموصى له بثلث الدين خمسةَ دراهم من الخمسةَ عشرَ الحاضرة من الدين، وسلمنا العشرةَ منها إلى الورثة، فيكون المجموع خمسةً وأربعين، والمخرج للوصية خمسةَ عشرَ، وهذا ثلث المجموع، والباقي في يد الورثة، من بقية العين، ومما حضر من الدين ثلاثون.
__________
(1) في الأصل: بالحر وأحق.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) زيادة من المحقق، لا يصح الكلام بدونها.
(4) في الأصل: ثلاثة.
(5) في الأصل: وقد.
(6) في الأصل: ذكر.

(10/302)


قال الأستاذ: هذا كلامٌ معتدل مستقيم على الفتوى والحساب.
وأما ابن سريج، فإنه فرع على إشاعة الوصية، وقضى بأن كلَّ ما يحصل من الدين، فليس للموصى له بجزء من الدين إلا جزءاً مما حضر على قدره، حتى إذا كان الموصى به ثلث الدين، والحاضر خمسةَ عشرَ، فللموصى له بجزءٍ من الدين ثلثُ ما حضر وهو خمسة، فينطبق هذا الجواب على مذهب أبي ثور، ويكون سديداً.
وإن فرع ابن سريج على أن الوصية بكمالها تنحصر فيما يحصل ويحضر، فموجب هذا أن يستوفي الموصى له بجزءٍ من الدين تمامَ العشرة مما حصل من الدين، ولكن لو استوفى ذلك، وقد استوفى الموصى له بثلث العين العشرة، فتزيد الوصيتان على ثلث المال الحاصل؛ فإنه تبقَّى في يد الورثة خمسةٌ وعشرون، والوصية نافذةٌ في عشرين، وهذا خطأٌ لا سبيل إليه. وإنما تنفذ الوصية في عشرين إذا كان في يد الورثة أربعون؛ فإنه امتنع هذا على وجه الحصر، فصاحب الوصية بجزء من الدين يقول (1): ثبت حقي في عشرة على قول الحصر، ولكن امتنع عليّ أخذُها لضيق الثلث، فأنا أضارب بعشرة، وأنت [يا صاحب] (2) الوصية بالعين ضارب بعشرة، وهذا القياس يقتضي أن يكون الثلث بيننا نصفين، وثلث المال الحاصل خمسة عشر، ونصفها سبعة ونصف.
قال الأستاذ هاهنا: أما العشرة، فقد فاز بها صاحب الوصية بالعين، فقياس [مذهبه] (3) على ذلك أن ندفع إلى الموصى له بجزءٍ من الدين سبعةً ونصفاً؛ إذ التفريع على وجه الحصر، فيكون المجموع سبعةَ عشرَ درهماً ونصفاً، وليس في يد الورثة ضعفٌ.
قال: وبهذا تبين أن الصحيح ما ذكره أبو ثور؛ فإن مسلك ابن سريج أدى تفريعه إلى هذا الفساد.
__________
(1) عبارة الأصل: يكون يقول.
(2) في الأصل: ناصب.
(3) في الأصل: مذهب.

(10/303)


6921 - هذا كلامه. وهو مضطرب يشتمل على خبطٍ ظاهر، فنقول أولاً: أما وجه الحصر، فقد أطلقنا فيما تقدم، وأوضحنا أنه غير معتد به، ولا اتجاه له، وقد ذكر استقامةَ وجه الشيوع، فلنحمل ما أدى التفريع إليه على فساد وجه الحصر، لا على فساد مذهب ابن سريج.
هذا وجهٌ. ثم لم يتصور في التفريع على وجه الحصر مع فساده، وقياسُ ذلك الوجه لو قيل به أن يقول: الثلث خمسةَ عشرَ، وهما يتضاربان في الثلث بجزأين متساويين، أما صاحب العين فوصيته عشرة، وصاحب الدين ضاربٌ بعشرة لقياس الحصر، ولا سبيل إلى خرم حساب الثلث والثلثين، فالوجه جعل الثلث بينهما نصفين ثم السبعة والنصف التي هي حصة صاحب العين إذا بان مقدارها، أخذها من العين.
وقد يعترض على ما ذكرنا أن صاحب العشرة يفوز بالعشرة، وإن لم يحصل من الدين شيء، فلِمَ يُنتقص حقُّه بأن يحصل من الدين شيء؟ وهذا مدفوع؛ فإنه إذا لم يحصل من الدين شيء فلا مزاحم له، فقدرُ وصيتِه ثلثُ العين، فإذا حصل من الدين شيء امّحق ما حصل بالتركة، وصار صاحب الدين ضارباً بالعشرة لقياس الحصر، فأنتج مجموعُ ذلك زحمة ونقصاً.
وكل ما ذكرناه وإن كان يعترض عليه الفقيه، فهو مؤذنٌ بفساد الحصر، وليس يرد إلينا عن جهة أخرى فسادٌ، ونحن معترفون بأن الحصر لا أصل له.
6922 - ونحن نذكر صورةً أخرى أوردها الأستاذ، وفيها بيان لما قدمناه، واشتمالٌ على مزيد إشكال، سيأتي التفريع عليه إن شاء الله عز وجل.
فنقول: إذا خلف ثلاثين درهماً عيناً، وثلاثين درهماً على أجنبي، ثم أوصى للغريم بجميع ما عليه، وأوصى لآخر بثلث العين، وهو عشرة، فإذا كان الدين على مليء، [فالوصيتان] (1) بالغتان ثلثي المال، وتبيّن [بالأخرة] (2) أن نسبة الوصيتين بالأرباع: للموصى له بالدين ثلاثةُ أرباع، وللموصى له بالعشرة الربعُ.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: بالإجازة.

(10/304)


فلو رد الورثة ما زاد على الثلث، وانحصرت الوصيتان في الثلث، فقد قال الأستاذ: الثلث مقسوم بينهما أرباعاً، لأحدهما وهو الموصى له بالدين ثلاثةُ أرباع الثلث، وللموصى له بالعين ربُع الثلث، وهذا مستقيم.
فلو حضر الدين كلُّه، فثلث المال عشرون، ثلاثة أرباعها للموصى له بالدين، وهو خمسةَ عشرَ، وربعُه، وهو خمسةٌ للموصى له بجزءٍ من العين. غيرَ أن هذه [الخمسة] (1) مستحقة من الثلاثين التي كانت عيناً، والخمسةَ عشرَ مؤداة مما حصل من الدين، وفاءً لمحلّ الوصيتين.
فلو حصل من الدين خمسةَ عشرَ، وتلف باقي الدين وتحقق التّوى (2) فيه، والذي ذكره الأستاذ في هذه الصورة أنا نأخذ ثلثَ المال الحاصل، وهو خمسة وأربعون، وثلثها خمسةَ عشرَ، فنعمد إلى الثلث ونجعله على أربعة أسهم: لصاحب العشرة منها ربعُها، وهو ثلاثة وثلاثة أرباع درهم، ولصاحب الوصية الأخرى باقي الخمسةَ عشرَ، وهو أحدَ عشرَ وربعُ درهم، وذلك ثلاثة أرباع الثلث.
هذا كلامه، وقد صححه، وعبَّر (3) عليه، واختتم الباب به، وندب إلى العمل بقياسه.
وهذا كلام مختلط، والسبب فيه أن الوصية مضافةٌ إلى الدين، ولو ورد التّوى على جميع الدين، [سقطت] (4) الوصية سقوطاً لا يبقى بجزءٍ منها ضربٌ، فإذا تلف بعضها، وجب أن يسقط [من] (5) الوصية بمقدار ما تلف، فإذا عادت الوصية [إلى الثلث] (6) لا بردّ الورثة، ولكن بالتّوى الوارد على خمسةَ عشرَ، فكأن الوصية بخمسةَ عشرَ.
__________
(1) في الأصل: المسألة. فانظر -رعاك الله- أي عناء وأي مكابدة، حتى وصلنا إلى الصواب.
(2) التوى: الهلاك.
(3) كذا، ولعلها مصحَّفة وصوابها: " اعتبر " أي قاس.
(4) في الأصل: أسقطت، وغيرناها لمكان المفعول المطلق بعدها.
(5) زيادة من المحقق.
(6) زيادة اقثضاها السياق.

(10/305)


ولو فرضنا وصيتين إحداهما بعشرة، والأخرى بخمسةَ عشرَ، ثم فرضنا [عود] (1) الثلث إلى خمسةَ عشرَ، وحصر الوصيتين في الثلث، لكان أحدهما ضاربٌ بخمسة عشرَ، والآخر ضاربٌ بعشرة، والتضارب على هذا الوجه يقع بالنسبة إلى الأخماس.
فيجب من ذلك أن نقول: لصاحب العشرة في مسألتنا خمسا الخمسةَ عشرَ، وهو ستة، ولصاحب الخمسةَ عشرَ ثلاثةُ الأخماس، وهو تسعة.
وهذا ما يقتضيه الحساب والفتوى.
فإن قيل: قد سبق قصدُ الموصي إلى تفضيل أحدهما على الثاني بنسبة الأرباع؟
قلنا: نعم، كانت الوصية كذلك، ولكن يقتضي سقوط الوصية بسقوط المحل، ونقصانها بنقصان المحل، ولم تجر الوصية بثلاثين مرسلة.
فهذا هو الحق الذي لا محيد عنه.
6923 - مسألة: إذا ترك الرجل ابنين، وألفَيْ درهم عيناً وألفاً ديناً على أجنبي، وأوصى للغريم بما عليه، وأوصى لرجل آخر بألفٍ من العين، وردّ الورثةُ ما زاد على الثلث من الوصايا. فالمذهب المبتوت أن الغريم يبرأ عن خَمْسمائة، ويستحق الموصى له بالألف أربعَمائة، وتسلّم للورثة من العين ألفاً وستمائة، ولهم استيفاء بقية الدين ممن عليه الدين، كلما استوفَوْا منه قدراً سلّموا بحسابه، كما تمهد الحساب إلى الموصى له بالألف العين، حتى يكمل له خَمسُمائة.
وتعليل ذلك وتمهيد حسابه ما قدمناه قبلُ في المسائل، ونحن الآن نُعيده لغرضٍ، فنقول: لو سلمنا خَمسَمائة إلى الموصى له بالعين، وقد برىء الغريم عن خمسمائة، لقال الورثة: تقديم الوصية في ألف -براءً وتمليكاً، وليس في أيدينا [ضعف الألفِ- غير ممكن فلا يُسلّم للموصى له بالعين] (2) إلا مقدراً لو ضم إليه مثلُه، لكان المبلغان
__________
(1) في الأصل: عدد.
(2) عبارة الأصل: "ضعف الألفين ألا نسلم للموصى" وتغييرها بالزيادة والتعديل من عمل المحقق.

(10/306)


ثلثاً، وما في يد الورثة ضعفاً، وذلك ثَمانمائة، فنحسب على صاحب العين هذا الحساب، ثم يبرأ الغريم عن خمسمائة للضرورة التي قدرناها في براءة الذمة.
وقد مضى لهذا أمثلةٌ، وأسدُّ ما فيها هذا الجواب. ولم يتعرض الأستاذ لما يخالفه.
وذكر في هذه المسألة وجها ثانياً غريباً نحكيه ونبطله؛ حتى لا يعتد به الناظر، ونقطع بما سبق القطع به. قال رضي الله عنه: من أصحابنا من قال: يسلّم إلى الموصى له بالألف من الألفين خَمسمائة، واحتج هذا القائل -فيما حكى- أن العين المأخوذة أقل من ثلث العين والباقي من العين أكثر من الضعف بالإضافة إلى الخَمسمائة، والدين الباقي مضموم إلى العين الحاصلة في أيدي الورثة، فيكون في أيديهم ألفٌ وخمسُمائة، ولهم من الدَّيْن خَمسُمائة، والمجموع ألفان والوصيتان ألفٌ.
وهذا القائل يزعم: أنا أقمنا الدين مقام العين؛ لمكان الوصية بالدين.
وهذا ساقط عريٌّ عن التحصيل، فلسنا للإطناب في إبطاله مع وضوحه، وفيما قدمناه اكملُ مَقْنع، وليس يخفى على الفطن قياسُ هذا الوجه الضعيف في الأمثلة المتقدمة، ولكن لا معنى للتفريع على ما لا أصل له.
وقد نجز والحمد لله القولُ في العين والدين، لم نغادر من لُبابه شيئاً، بل أوضحنا مشكلَه، وبيَّنا [معضله] (1)، وذكرنا مسلك الحُسّاب ومجمله، ونفضنا عن أدراج الحُسّاب ما جرى فيها من زلل في الفتوى، وتعرضنا لكثيرٍ من الأجوبة، كما يتنبّه لها الموفق إذا انتهى إليها.
والآن حان أن نبتدي مقالةً شاملة في أنواع المسائِل الدائرة الحسابية، إن شاء الله عز وجل.
__________
(1) في الأصل: معطله.

(10/307)


مقالة في دور الضرب الحسابي في المسائل الشرعية
6924 - هذه المقالة تشمل أنواعاً، وكل نوع يشتمل على أبواب محتويةٍ على مسائل، ونحن نأتي بالأنواع مفصلةً، ونرسم في كل نوع تراجم المسائل، ثم نذكر المسائل موضحةً بالحساب، مقومةً بالفقه، إن شاء الله تعالى.
6925 - النوع الأول - فيما يقع من الدور في العتق.
مسائل في المريض يعتق عبداً، فيكتسب مالاً بعد توجيه العتق.
فنقول: فقهُ العتق وما لا يتعلق بالدَّوْر منه يأتي في كتاب العتق، وإنما نذكر هاهنا ما يتعلق بالدَّوْر، ولا يتوصل إلى تلخيص العَقْد فيه إلا بطريق الحساب، ثم نلقط المسائل الحسابية من كتاب [الوصايا] (1) ونأتي بها مجموعةً؛ حتى تُلْفَى قواعدُ الحساب منتظمةً في مكانٍ واحد، ونترك فقه كل كتاب إلى موضعه، إن شاء الله تعالى.
مسألة: إذا أعتق. المريض عبداً قيمته مائةُ دينارٍ، لا مال له غيره، فاكتسب العبدُ بعدَ الإعتاق، وقبل موت السيد مثلاً مثلَ قيمته، ومات المريض، فهذا يتطرق الدور إليه؛ لأنه إذا أُعتق من العبد شيءٌ، فعتقه يقع تبيُّناً، وإذا تبينا حصول العتق في جزءٍ، فنتبع ذلك الجزءَ مقدارَه من الكسب بالجزئية، ولا نحسب ذلك من التبرع؛ فإن تبعيتَه للجزئية مستحقّة؛ إذ كسب الجزء غيرُ محسوب عليه، ولا على مُعتقِه، فالكسب الذي تبقى للورثة، وهو محسوب على الورثة، والعتق يقلّ بقلّته، ويكثر بكثرته. ثم إذا قل العتقُ، قلّ الجزء التابع (2) من الكسب، وكثر ما تبقى للورثة، وإذا كثر حظُّهم لزم أن يكثر العتق، وإذا كثر العتق، كثر التابع من الكسب، وقل ما تبقى للورثة، وإذا قل ما في أيديهم، قل العتق، فيدور مقدار العتق بين القلّة والكثرة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: والتابع.

(10/308)


هذا معنى الدور، فقلّتُه توجب كثرتَه، وكثرتُه، توجب قلّته، فينفصل الأمر بالحساب، وقد ذكر الحسّاب طرقاً ارتضَوْها في الدائِرات، أصلها الجبر، وطريقُه أن نقول: يعتق من العبد شيء ويتبعه من الكسب شيء؛ إذا [كسب] (1) مثله في القيمة، يبقى في يد الورثة عبدٌ إلا شيء، ويبقى في أيديهم من كسبه مقدار عبدٍ إلا شيئاً؛ فإن الكسب مقداره مقدار العبد، ففي أيديهم من طريق المثل عبدان إلا شيئين، والعبد شيء واحد، وما تبقى للورثة يجب أن يعدل ضعفَ العتق، فإن العتق يعتبر من الثلث، فإذاً عبدان إلا شيئين يعدل شيئين إذا كان العتق شيئاً، وقد ضعّفناه للمعادلة.
وأما ما يتبع العتق، فلا يحسب في حساب [الجبر] (2)، فنجبر العبدين بشيئين، ونزيد على عديله شيئين، فيصير عبدان كاملان في مقابلة أربعة أشياء، فنقلب الاسم، ونجعل العبد أربعة والشيءَ اثنين، وإذا كان العبد أربعة، والشيءُ الذي أطلقناه اثنان، واثنان من أربعة نصفها، فقد بان أنه عَتَق من العبد نصفُه، ويتبعه نصفُ كسبه، فيبقى للورثة نصفُ رقبته، ونصف كسبه، وقد عَتَق مقدارُ خَمسين، والباقي في يد الورثة مقدار مائة، وما يتبع العتقَ من الكسب غير محسوب.
6926 - وذكر بعضُ الحسّاب مسلكاً آخر في الجبر، وقال: لو لم يكسب العبد، ولم يملك المريض غيرَه، لكان يعتِق ثلثُ العبد، ويرِق ثلثاه، وإذا كان له كسب كما صورناه، زاد العتق على الثلث، فنقول: نجعل تلك الزيادة شيئاً، ونطلق، فنقول: عَتَق من العبد ثلثُه وشيءٌ، ويتبعه من الكسب مثلُ ذلك، وهو ثلث عبد وشيء؛ لأن الكسب مثل الرقبة، فيبقى للورثة من الرقبة ثلثا عبد إلا شيئاً ومن الكسب مثل ذلك، وهو مثل ثلثي عبد إلا شيئاً، وإذا جمعنا ما في يد الورثة، كان مقدارَ عبدٍ وثلث إلا شيئاً، وعلمنا أن الذي حصل من الحرية مع ما يتبعه من الكسب مثلُ ما حصل للورثة، وإنما كان كذلك لأن العتق يقع ثلثاً من التركة، وإذا زدنا عليه مثلَه، كان مثل الباقي في يد الورثة، وقد يتبع العتقَ مثلُه من الكسب، فالعتق وما يتبعه من الكسب مثلُ ما في يد الورثة، فنجمع الجميع، ونقول: العتق وما يتبعه، وما بقي في يد الورثة مقدارُ
__________
(1) في الأصل: كسبه.
(2) زيادة من المحقق.

(10/309)


عبدين وثلثي عبد إلا أربعة أشياء، وذلك يعدل قيمة العبد والكسب، وهما عبدان، فنجبر ونقابل، ونقول: نجبر العبدين والثلثين بأربعة أشياء، ونزيد على عديلها أربعةَ أشياء، فيصير عبدان وثلثا عبد في مقابلة عبدين وأربعة أشياء، فنُسقط العبدين بالعبدين، فيبقى ثلثا عبد في مقابلة أربعة أشياء، فنعلم أن الشيء يقابل السدس، فنرجع، ونقول: عتق من العبد ثلثُه وشيء، وذلك الشيء سدس، وقد عتق من العبد [نصفه] (1)، ويتبعه من الكسب نصفه، وعاد الأمر إلى ما تقدم.
6927 - طريقة أخرى: تعرف بطريقة السهام، وهي أن نقول: نأخذ للحرية سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهماً؛ لأن الكسب مثل قيمة الرقبة، ونأخذ للورثة ضعفَ ما أخذناه للحرية، وذلك سهمان، فيجتمع معنا أربعة أسهم، ثم قيمة العبد مائة، وقيمة الكسب مائة، فنقسمها على أربعة أسهم المأخوذة، فيخرج من القسمة خمسون، فهو قيمة ما عتق من العبد، وذلك نصفه.
وباقي العمل كما ذكرنا.
6928 - طريق الدينار والدرهم: نجعل قيمةَ العبد ديناراً ودرهماً، فيكون كسبه أيضاً ديناراً ودرهماً؛ لأنه مثلُ الرقبة، ثم نُجيزُ العتقَ في درهم من الرقبة، ونُتبعه درهماً من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب دينار، فمعهم ديناران يعدلان درهمين؛ فإن العتق درهمٌ، وضعفهُ درهمان، وقيمة الدينار درهم، وكنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، فالآن نجعله درهمين، ونجعل الكسب درهمين، فإذا أعتقنا من العبد درهماً، فقد أعتقنا من العبد نصفَه.
وانتظم العمل كما مضى.
وإن أحببتَ، قلتَ: عَتَق من العبد دينار، ويتبعه من الكسب دينار، فيبقى [من العبد] (2) والكسب درهمان يعدلان دينارين، فهو ضعف العتق، فقيمة كل دينار درهم، وعاد الأمر إلى ما مضى.
__________
(1) في الأصل: " الكسب ".
(2) ساقطة من الأصل.

(10/310)


6929 - وحساب المسألة بطريق الخطأين أن نجعل العبد ثلاثةَ أسهم والكسبَ كذلك، ونُجيز العتق في سهم من العبد، ويتبعه سهم من الكسب، يبقى للورثة سهمان من العبد وسهمان من الكسب، فيجتمع معهم أربعة أسهم، والعتق سهم واحد، وكان الواجب أن يكون معهم من جميع الوجوه سهمان، ضعف الذي عَتَق، فحصل الخطأ زائداً بسهمين، ثم نعود ونجعل العبد أربعة أسهم، والكسبَ كذلك، فنجبرُ العتق في سهم ونُتبعه من الكسب سهماً، يبقى مع الورثة ثلاثة أسهم من العبد، وثلاثة أسهم من الكسب، وكان الواجب أن يكون معهم سهمان؛ إذ العتق سهم واحد، وتابعه غير محسوب، فقد أخطأنا خطأً زائداً بأربعة أسهم، والخطآن زائدان، فيسقط أقلهما من أكثرهما يبقى سهمان، فاحفظهما، فالقسمة عليهما، ثم نضرب سهام العبد في المرة الأولى وهي ثلاثة في الخطأ الثاني، وهو أربعة، فيبلغ اثني عشر.
ونضرب سهامَ العبد في المرة الثانية، وهي أربعة في الخطأ الأول وهو اثنان، فيبلغ ثمانية، فأسقط الثمانية من اثني عشر، فيبقى أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين معك، فيخرج من القسمة اثنان، فنعلم أنك يجب (1) أن تقسم على اثنين.
ثم نعود، ونقول: قدرنا العتق سهماً في المرة الأولى، فنضربه في الخطأ الثاني، وهي أربعة، وقدرنا العتق سهماً أيضاً في المرة الثانية، فاضربه في الخطأ الأول، وهو اثنان، فأسقط أقل المبلغين من أكثرهما، يبقى سهمان، فاقسمهما. على السهمين المحفوظين معك في القسمة، فيخرج سهم واحد، فتعلم بذلك أن الوصية سهم واحد والرقبة سهمان، والواحد من الاثنين نصفها (2).
6930 - مسألة: إذا أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فاكتسب مائتين بعد العتق، كما تقدم التصوير، فالحساب بطريق الجبر أن نقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من
__________
(1) في الأصل: " فنعلم أنك والعبد يجب أن تقسم على اثنين ".
(2) في الأصل: نصفه.

(10/311)


الكسب شيئان؛ لأن الكسب ضعف القيمة، يبقى [مع] (1) الورثة من الرقبة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب مقدارُ عبدين إلا شيئين، فيحصل معهم ثلاثة أعبد إلا ثلاثةَ أشياء، تعدل ضعف ما عتق من العبد وهو شيآن، فنجبر ما في يد الورثة [بثلاثة] (2) أشياء، ونزيد على العديل ثلاثة أشياء فيكون بعد الجبر والمقابلة ثلاثة أعبد تعدل خمسة، فاقلب العبارة في الجانبين، واجعل العبد خمسةَ أشياء، ِ والشيءَ ثلاثة، والثلاثة من الخمسة ثلاثة أخماسها، فقل: يعتق من العبد ثلاثةُ أخماسه، وتصح المسألة على الامتحان والسبر.
ْطريقة الامتحان بالسهام: نأخذ للحرية سهماً واحداً، وللعتق من الكسب سهمين، وتأخذ للورثة ضعفَ ما أخذت للعتق، وضعفُ العتق سهمان، فتجتمع خمسةُ أسهم، فاحفظها، ثم اجمع العبد والكسب، فيكون [ثَلاثَ مائة] (3)، فاقسمها على الخمسة المحفوظة، فيخرج ستون سهماً، وهو قيمة ما يعتق من العبد، والستون من المائة ثلاثة أخماسها، فقد عتق من العبد ثلاثة أخماسه.
6931 - وطريقة الدينار والدرهم أن نجعل العبدَ ديناراً ودرهماً، ونجعل كسبه دينارين ودرهمين، ونجيز العتق من العبد بدرهم، ونتبعه من الكسب درهمين، فيبقى مع الورثة دينار من الرقبة، ودينار من الكسب، وما في أيديهم يعدل ضعف العتق، وضعفُ العتق درهمان، فثلاثة دنانير تعدل درهمين، فاجعل كلَّ دينار اثنين، وكلَّ درهم ثلاثة، بطريق قلب العبارة، ومجموع الرقبة دينار ودرهم، فهي إذاً خمسةُ أسهم، ولما قلنا: عَتَق منه [درهمٌ] (4)، فقد بان أنه عتق منه ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، وهي ثلاثة أخماس العبد، كما تقدم.
وإن أحببتَ، قلت: العبدُ دينار ودرهم، والكسب ديناران ودرهمان، فيعتِق من العبد دينار، ونُتبعه من الكسب دينارين؛ فإن الكسب ضعف الرقبة، فيبقى في يد
__________
(1) في الأصل: من.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ثمانية.
(4) في الأصل: درهمين.

(10/312)


الورثة درهم من العبد ودرهمان من الكسب، وهذه الدراهم الثلاثة [تعدل] (1) ضعفَ العتق، وضعفُ العتق ديناران، فقيمة العبد [درهمان] (2) ونصف، فنعود ونقول: كنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، ونحن نقول الآن: العبد درهمان ونصف، فنعتق منه قيمة الدينار، وهو درهم ونصف والدرهم والنصف من الدرهمين والنصف ثلاثةُ أخماس، فيعود العمل إلى ما تقدم من إعتاق ثلاثة أخماس العبد، ولا تخفى طريقة الخطأين.
6932 - مسألة: لو كسب العبد مثلَ نصف قيمته، فحساب المسألة بالجبر أن نقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب نصفُ شيء، يبقى من الرقبة للورثة عبدٌ إلا شيئاً، ومن الكسب نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، فالحاصل معهم عبد ونصف عبد إلا شيئاً [ونصف شيء] (3)، وذلك يعدل ضعف العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل على الرسم المعروف، فيكون عبدٌ ونصف عبد يعدل ثلاثة أشياء ونصفَ شيء، فابسطهما أنصافاً، لتصير الأشياء سبعة، والعبد والنصف ثلاثة، ثم تقلب الاسم والعبارة، وقل: العبد سبعةٌ والشيء ثلاثة، والثلاثة من السبعة أشياء ثلاثة أسباعها، فيعتق منه ثلاثةُ أسباعه، ويستقيم علي العمل والامتحان.
6933 - طريقة السهام أن نأخذ للعتق سهماً، وللكسب نصفَ سهم، ونأخذَ للورثة سهمين ضعفَ العتق، فالمجموع ثلاثةُ أسهم ونصفٌ، وقيمةُ العبد والكسب، مائة وخمسون، فنبسط [الأسهم والقيمة أيضاً بالضرب في مخرج] (4) النصف، فتصير الرقبةُ [والكسب] (5) ثلاثمائة، والسهام سبعة، فإذا قسمنا الثلاثمائة على السبعة، خرج اثنان وأربعون سهماً وستةُ أسباع سهم، فذلك قيمة ما يعتق، وهو قيمة ثلاثة أسباعه.
__________
(1) في الأصل: بعد.
(2) في الأصل: درهم.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: فنبسط للاسم والنصف أيضاً فإنا نضرب في مخرج ... إلخ.
(5) زيادة اقتضاها صحةُ الحساب.

(10/313)


6934 - وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم أن نجعل الرقبة ديناراً [ودرهماً، والكسب نصف دينار] (1) ونصف درهم، فإن أحببنا، قلنا: نعتِق من العبد ديناراً، ويتبعه من الكسب نصفُ دينار، فيبقى في يد الورثة من العبد درهم، ومن الكسب نصفُ درهم، وذلك يعدل ضعف العتق، وهو ديناران، فقيمة الدينار ثلاثة أرباع درهم.
فنعود ونقول: كنا جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، وهو الآن درهم وثلاثة أرباع درهم، فإذا بسطناها أرباعاً، صارت سبعة، فقيمة الدينار منها ثلاثة، فقد عتق من العبد ثلاثة أسباعه.
وإن أردت، قلت: عتَق من العبد درهمٌ، ويتبعه من الكسب نصفُ درهم، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب نصف دينار، وذلك يعدل ضعفَ ما عتق، وهو درهمان، فأضعف الدينار والنصف، فيكون ثلاثة دنانير، تعدل أربعة دراهم.
هذا طريق البسط بالأنصاف، فاقلب الاسم فيكون الدينار أربعة والدراهم ثلاثة، وقد كانت الرقبة ديناراً ودرهماً، فهي سبعة وقد عتق ما يقابل الدرهم من السهام، وهو ثلاثة، وعاد إلى أنه عتَق منه ثلاثة أسباعه.
6935 - مسألة: قيمة العبد مائة وعشرة، والكسب مائتان وثلاثون، فالوجه أن نجعل العبد أحد عشر سهماً، كل عشرةٍ سهماً، فيكون الكسب ثلاثةً وعشرين سهماً، ثم اطلب النسبة، وهي أمُّ الحساب، فيكون الكسب مثلي الرقبة، ومثلَ جزءٍ من أحد عشر جزءاً منها.
فنقول بعد ذلك: حساب العتق شيء (2)، ويتبعه من الكسب شيآن وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من شيء، وبقي للورثة من الرقبة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب عبدان وجزء من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد إلا شيئين وجزءاً من أحد عشر جزءاً من شيء، فجميع ذلك ثلاثةُ أعبد وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد إلا ثلاثةَ أشياء وجزءاً من أحدَ عشر جزءاً
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: حساب للعتق في شيء.

(10/314)


من شيء، وذلك يعدل ضعفَ العتق وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيكون ثلاثةُ أعبد وجزءٌ من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد، يعدل خمسة أشياء وجزءاً من أحدَ عشرَ جزءاً من شيء، فابسط جميع ذلك بأجزاء الأحدَ عشرَ، فيكون العبد أربعة وثلاثين، والشيء ستة وخمسين، فاقلب الاسم، فيكون العبد ستة وخمسين، والشيء أربعة وثلاثين، وإن أردت الاختصار أمكنك الرد إلى النصف، فالعبد ثمانية وعشرون والشيء سبعة عشرَ، فينفذ العتق في [سبعةَ عشر] (1) جزءاً من ثمانية وعشرين جزءاً من العبد.
وإن أردت جمع الأجزاء، فقل عتَق من العبد أربعة أسباعه، وربع سبعه، وبيان ذلك واضح. وإن أردت الامتحان، قلت عتق من العبد سبعةَ عشرَ جزءاً، وبقي للورثة من رقبته أحدَ عشرَ جزءاً، [و] (2) من الكسب مثلاه ومثلُ جزء من أحدَ عشر جزءاً، وذلك ثلاثةٌ وعشرون جزءاً، فنزيده على الأحد عشر جزءاً من الرقبة، فيجتمع معهم أربعة وثلاثون جزءاً، وهو ضعف سبعةَ عشرَ جزءاً.

مسائل فيه إذا كان مع العتق والكسب تركة للسيد
6936 - فنقول: إن كانت التركة ضعفَ قيمة العبد، استحقّ (3) جميعَ كسبه؛ فإنّ في يد الورثة ضعفُ القيمة، فإن كان التركةُ أقلَّ من ضعف [العبد] (4) دارت المسألة والمثال أن يكون قيمةُ العبد مائة دينار، وكسبه مائة، وخلّف السيد مائة دينار سوى العبد والكسب، فطريق الجبر أن نقول: يعتِق منه شيء ويتبعه من الكسب شيء، يبقى من رقبته للورثة عبد إلا شيئاً، ومن الكسب مثله، ومعهم من التركة مثل قيمة العبد،
__________
(1) في الأصل: سبعة أجزاء.
(2) (الواو) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: واستحق.
(4) زيادة من المحقق.

(10/315)


فجميع ما معهم ثلاثة أعبد إلا شيئين، وذلك يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيكون ثلاثة أعبد تعدل أربعة أشياء، فنقلب العبارة في الجانبين، فيكون العبد أربعةً، والشيء ثلاثة، والثلاثة من الأربعة ثلاثة أرباعها.
فهذا ما يعتق من العبد وتستمر [المسألة] (1) على سدادها.
6937 - طريقة السهام أن نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبع العتقَ سهماً؛ فإن الكسب مثلُ القيمة، ونأخذ للورثة ضعفَ ما أُخذ للعتق، وذلك سهمان، فيجتمع ذلك كله، فيكون أربعة أسهم. فاحفظها.
ثم اجمع الكسب، والتركة، وقيمة العبد، فيكون ثلاثمائة، فاقسمها على الأربعة المحفوظة، فتخرج حصةُ كل سهم خمسةً وسبعين، فهو قيمة ما يعتِق من العبد، وذلك ثلاثة أرباعه.
6938 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونجعل كسبه ديناراً ودرهماً، ونجعل التركة كذلك ديناراً ودرهماً، نجبر العتق في درهم من العبد، ويتبعه درهمٌ من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة دينار، ومن الكسب دينار، ومن التركة دينار ودرهم، فجميع ذلك ثلاثة دنانير ودرهم، تعدل ضعفَ ما عتق، وهو درهمان، فنطرح درهماً بدرهم، قصاصاً، تبقى ثلاثة دنانير، تعدل درهماً.
فنقلب الاسم فيكون الدرهم ثلاثة والدينار واحد، ومجموعها أربعة، والثلاثة من الأربعة ثلاثة أرباعها، فعلمنا أنه يعتِق من العبد ثلاثة أرباعه.
وإن أردنا، قلنا: يعتق من العبد دينار، ويتبعه من كسبه دينار، فيبقى في يد الورثة من العبد وكسبه درهمان، والتركة في أيديهم درهم ودينار، [فيكون جميع ما معهم دينار] (2) وثلاثة دراهم تعدل ضعفَ العتق، وهو ديناران، فنحطّ ديناراً بدينار، فيبقى ثلاثة دراهم في مقابلة دينار، فنعلم أن الدينار ثلاثة دراهم، ولما جعلنا العبد ديناراً ودرهماً، كان أربعةَ دراهم، فنعتق منه قيمةَ الدينار، وهو ثلاثة من أربعة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقط من الأصل.

(10/316)


6939 - طريقة الخطأين: نجعل العبد ثلاثةَ أسهم، ونقول: نفذ العتق في سهم منه، وتبعه سهم من الكسب، يبقى للورثة من الرقبة سهمان، ومن الكسب سهمان، والتركة ثلاثة أسهم، فجميع ذلك سبعة أسهم والعتق سهم واحد، وكان يجب أن يبقى في يد الورثة سهمان ليكون ضعفَ العتق، فقد أخطأنا بخمسة أسهم زائدة.
ثم اجعل سهام العبد إن شئت خمسةً، والعتق منها سهمين، إن أردت؛ فإن الخطأ لا ضبط فيه ويتبع العتقَ سهمان من الكسب، يبقى من الرقبة للورثة ثلاثة أسهم، ومن الكسب ثلاثة أسهم، والتركة خمسة أسهم، وجميع ذلك أحدَ عشرَ سهماً، [وكان] (1) الواجب أن يبقى مع الورثة أربعةُ أسهم، ضعف العتق، فوقع الخطأ سبعة أسهم زائدة، والخطآن زائدان، فاطرح أقلَّهما من أكثرهما، وكان الخطأ الأول خمسة، فإذا طُرحت من سبعة، بقي اثنان. ثم احفظها.
ثم اضرب سهام العبد في المرة الأولى، وهي ثلاثة في الخطأ الثاني وهو سبعة، فيبلغ أحداً وعشرين، واضرب سهام العبد في المرة الثانية، وهي خمسة، في الخطأ الأول، وهو خمسة، فيكون خمسة وعشرين، فانقص أحداً وعشرين، يبقى أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين، فيخرج اثنان، فذلك سهام العبد، ثم اضرب سهم العتق في المرة الأولى، وهو واحد في الخطأ الثاني، وهو سبعة، فيكون سبعة، واضرب سهمَ العتق في المرة الثانية، وهو اثنان في الخطأ الأول، وهو خمسة، فيكون عشرة، ثم اطرح السبعة من العشرة، يبقى ثلاثة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين، فيخرج واحد ونصف، فنقول: العبد اثنان، وقد عتق منه واحد ونصف، والواحد والنصف من الاثنين ثلاثة أرباعه، فقد عتق من العبد ثلاثة أرباعه.
6940 - مسألة: أعتق المريض عبداً قيمته مائة، واكتسب العبد ستين، وخلّف السيد عشرين.
فهذه السهام كلها متفقة بنصف العُشْر، فردّ كل جنس منها إلى نصف عُشره؛ فيصير العبد خمسةً، والكسب ثلاثةً، والتركة واحداً، ثم نقول من طريق الجبر: عَتَق
__________
(1) في الأصل: وكذلك.

(10/317)


من العبد شيء، وتبعه من الكسب ثلاثة أخماس شيء؛ فإن الكسب ثلاثة أخماس العبد.
يبقى من الرقبة للورثة عبدٌ إلا شيئاً، ومن الكسب ثلاثة أخماس عبد إلا ثلاثة أخماس شيء، ومن التركة خمس عبد، وإذا جمعنا ذلك كله، كان عبداً وأربعة أخماس عبد إلا شيئاً، وثلاثة أخماس شيء.
وذلك يعدل ضعف ما نفذ العتقُ فيه، وهو شيئان، فنجبر ما في يد الورثة بشيء [وثلاثة] (1) أخماس شيء، ونزيد على عديله مثله، فيصير عبد وأربعة أخماس عبد يعدل ثلاثة أشياء، وثلاثة أخماس.
فنبسط الجميعَ أخماساً، فيصير ما في يد الورثة تسعة، وتصير الأشياء ثمانيةَ عشرَ شيئاً، فنقلب الاسمَ، ونجعل العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء تسعة، والشيء من العبد نصفه، إذا كان التسعة من الثمانيةَ عشرَ نصفُها.
فيعتِق نصفُ العبد، وقيمتُه خمسون، ويأخذ نصف كسبه، وهو ثلاثون، يبقى للورثة خمسون من الرقبة وثلاثون من الكسب، وعشرون من التركة، فجميع ذلك مائة، والعتق خمسون.

مسائل في العتق مع الكسب وعلى السيد المعتِق دينٌ
6941 - إذا أعتق في مرضه عبداً قيمته مائة دينار، لا مال له غيرُه، فاكتسب مائةَ دينار بعد الإعتاق، ثم مات السيد، وعليه مائتا دينار دينٌ، وطالب الغرماء بالدين، فلا ينفذ من العتق شيء؛ فإن الدين مقدمٌ على التبرع، وهو مستغرق لقيمة العبد والكسب، فيباع العبد، ويصرف ثمنه وكسبه إلى الدين.
وإن أبرأه الغرماء عن الدين نفذ من العتق ما كان ينفذ لو لم يكن دين أصلاً.
6942 - وإن كان الدين على السيد مائة دينار، وقيمة العبد مائة والكسب مائة،
__________
(1) في الأصل: وأربعة أخماس.

(10/318)


فطريق الجبر أن نقول: نفذ العتق في شيء من العبد، وتبعه من الكسب شيء، فبقي في يد الورثة عبدٌ إلا شيئاً، وبقي من كسبه مقدارُ عبد إلا شيئاً، فالمجموع عبدان إلا شيئان، فينقص بسبب الدين عبدٌ كامل؛ فإن الدين مائة، فيبقى في أيديهم عبد إلا شيئين يعدل ضعف العتق وهو شيآن، فنجبر ونقابل، فيبقى عبدٌ كامل، يعدل أربعةَ أشياء، فالعبد واحد، والأشياء أربعة، فنقلب العبارة، ونقول: العبد أربعة أسهم، والشيء واحد، فنعلم أن الذي عتق سهم من أربعة، وهو ربعُ العبد. والمسألة سديدة على الامتحان.
6943 - وطريق السهام: نأخذ للعتق سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهماً ويأخذ الورثةُ ضعفَ ما أخذنا للعتق، وهو سهمان، فيكون الجميع أربعة أسهم، فنحفظها.
ثم نجمع قيمة العبد والكسب، فيكون مائتين، فنطرح مقدار الدين، وهو مائة، يبقى منها مائة، نقسمها على السهام الأربعة، فيخص كل سهم ربعُ المائة، فنعلم أن السهم الذي أعتقناه ربعُ العبد، كما خرج بالعمل المقدّم.
6944 - طريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، والكسب ديناراً ودرهماً، ثم إن أحببنا، قلنا: عتَق من العبد درهمٌ وتبعه من الكسب درهم، فيبقى في يد الورثة ديناران، فنحط منه الدين، والدين دينار ودرهم؛ فإنه مثل الكسب، فنسقط ديناراً، ونُسقط من الدينار الآخر درهماً، فيبقى دينار إلا درهماً يَعدل ضعفَ العتق، وهو درهمان، فنجبر الدينار بدرهم، ونزيد على عديله درهماً، فيصير دينار يعدل ثلاثة دراهم، فالعبد أربعة، وقد أعتقنا منه واحداً، وهو ربعه، كما تقدم، وخرج بالعمل الأول.
فإن أردنا قلنا: عتق من العبد دينار وتبعه من الكسب دينار، فيبقى في يد الورثة درهمان [فنحط منه الدين] (1) والدينُ دينار ودرهم، نُسقط درهماً للدين وديناراً من الدرهم الثاني، فيبقى درهم إلا ديناراً يعدل ضعفَ العتق، وهو ديناران، فنجبر ونقابل، فيصير درهم يعدل ثلاثة دنانير، فالدرهم واحدٌ والدينار ثلاثة، فنقلب الاسم
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/319)


ونجعل الدينار واحداً والدرهم ثلاثة والعبد أربعة، والدينار الذي عتق منه ربعه.
فتأمل. فقد نحتاج إلى قلب العبارة، وقد نستغني عنه، ولا يخفى دَرْكُ ذلك على الفطِن.
6945 - وحساب المسألة بطريق الخطأين أن نقدّر العبد ثلاثة أسهم [والكسب ثلاثة أسهم] (1)، ونجيز العتق في سهم، ويتبعه من الكسب سهمٌ لا محالة، فيبقى لا محالة من الرقبة والكسب أربعة أسهم، فنقضي الدينَ منها وهي ثلاثة أسهم، فيبقى سهمٌ واحد، وكان الواجب أن يبقى سهمان، فوقع الخطأ سهم واحد، وهو ناقص.
ثم نعود فنجعل سهام العبد خمسة، [والكسب خمسة] (2)، فنعتِق سهمين منه، ونُتبعه من الكسب سهمين، فيبقى ستةُ أسهم في يد الورثة من الرقبة والكسب، فنقضي الدين منها خمسة أسهم، فيبقى سهم واحد، وكان الواجب أن يبقى أربعة أسهم ضعفَ العتق؛ فإن العتق قدرناه في سهمين، فوقع الخطأ بثلاثة أسهم، والخطأ ناقص أيضاً، وإذا كان الخطآن ناقصين، فنطرح الأقل من الأكثر، والخطأ الأقل واحد، فنطرحه من الثلاثة، فيبقى سهمان، فاحفظها، فالقسمة عليهما.
ثم اضرب سهام العبد في المرة الأولى في الخطأ الثاني تصير تسعة، فاضرب سهامَ العبد في المرة الثانية في الخطأ الأول، فيرد خمسة، فألق أقل الجملتين من الأكثر، فيبقي من التسعة أربعة، فاقسمها على الاثنين المحفوظين فيخرج من القسمة سهمان، فهما سهام العبد.
ثم عد واضرب سهام العتق في المرة الأولى وهو واحد في الخطأ الثاني وهو ثلاثة، فيكون ثلاثة. واضرب سهم العتق في المرة الثانية، وهو سهمان في الخطأ الأول وهو واحد، فيرد اثنين، فأسقط الأقل من الأكثر، فيبقى سهم واحد، فاقسمه على الاثنين، فيخرج نصف سهم، [فبان أنه يعتق منه نصف سهم] (3)، وهو ربع العبد كما خرج بالأعمال المقدمة.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) زيادة من عمل المحقق.
(3) في الأصل: تعتق منه سهمين ونصف سهم.

(10/320)


6946 - مسألة: قيمة العبد مائة، والكسب مائة وخمسون، وعلى السيد المعتق من الدين ستون.
فنقول: يعتِق من العبد شيء، ويتبعه من الكسب شيءٌ ونصف؛ لأن الكسب مثلُ الرقبة ومثل نصفها، فيبقى في يد الورثة عبدٌ إلا شيء، ومن الكسب عبد ونصف إلا شيئاً ونصف شيء، فالمجموع عبدان ونصف إلا شيئين ونصفاً، فنقضي منه الدين وهو ستة أعشار عبد، يبقى عبد وتسعة أعشار عبد إلا شيئين ونصف، وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبد وتسعة أعشار عبد يعدل أربعة أشياء ونصف.
فابسط الجميع أعشاراً، فيصير ما في يد الورثة [تسعةَ عشرَ] (1)، ويصير الأشياء خمسة وأربعين، فنقلب العبارة، فيصير العبد خمسة وأربعين، والشيء تسعة عشر، فنقول: عتق من العبد تسعةَ عشرَ جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً من العبد، [فيبقى للورثة من العبد ستة وعشرون جزءاً من خمسة وأربعين] (2)، ويبقى لهم من الكسب مثلُها ومثل نصفها، وهو تسعة وثلاثون، والجميع خمسة وستون جزءاً وتكوِّنُ كلُّ خمسة وأربعين منها واحداً، فأسقط منها الدين، وذلك مثل ثلاثة أخماس الرقبة، وقد بان أن الرقبة خمسةٌ وأربعون، فثلاثة أخماسها [سبعة وعشرون] (3)، فنسقط ذلك من الخمسة والستين، تبقى ثمانية وثلاثون جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً من واحد، وذلك ضعف التسعةَ عشرَ جزءاً.
فهذا قياس الباب.
6947 - ومما يتعلق بذلك أنه إذا اجتمع العتق والكسب والتركة والدين على السيد، فالجواب سهلُ المُدرك، والوجه مقابلةُ التركة بالدين، فإن كانت التركة الزائدة على العبد والكسب مثلَ الدين في المقدار، فكأنه لا دين عليه ولا تركة، وإنما أعتق عبداً لا مالَ له غيره فاكتسب، وقد ذكرنا العمل في ذلك.
__________
(1) في الأصل: تسعة أعشار.
(2) ساقط من الأصل.
(3) في الأصل: عشرون.

(10/321)


فإن كانت التركة أكثر من الدين فنُسقط من التركة مقدار الدين، ونجعل كأن في المسألة مع الكسب والعبد مقدارَ ما بقي من التركة، فنلحق ذلك بما إذا كان في المسألة تركة.
وإن كانت التركة أقلّ من الدين، فنسقط من الدين [مثلَها] (1) ونجعل كأن المسألة فيها من الدين المقدارَ الباقي من الدين، وقد تقدم الطريق فيه.
ولو لم يكن في المسألة كسب، ولكن جُني على العبد بعد العتق فأرش الجناية بمثابة الكسب.
ولو لم يعتق العبدَ، ولكن وهبه من إنسانٍ، فأقبضه إياه، فاكتسب في يد المتّهب، فالكسب يبعض كما يبعض في العتق، فطريق العمل والبيان ما تقدّم؛ فإن المقدار الذي تصح الهبة فيه يتبعه من الكسب ما يتبع المقدار الذي يعتِق في مسألة العتق، ولا يكون ذلك المقدار محسوباً، ولكنه ملك الموهوب له، وما يتبع العتق ملك الشخص الذي يبعض العتق، والحساب في جميع ذلك على نسقٍ واحد.
6948 - مسألة في إعتاق العبد وكسبه بعد العتق، مع استقراض السيد منه:
أعتق المريضُ عبداً قيمته مائة، واكتسب العبد بعد العتق وقبل الموت مائة، فاستقرض السيد منه المائة التي اكتسبها، وأتلفه (2) السيد.
فالوجه أن نهجم على الحساب، ونذكر ما تقتضيه الفتوى، فنقول في طريق الجبر: عتَق من العبد شيء، واستحق من كسبه شيئاً، هو دينٌ على السيد، فيبقى مع الورثة عبدٌ إلا شيء، فنقضي منه الدين، وهو شيء، يبقى عبدٌ ناقصٌ شيئين، وذلك يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيبقى عبدٌ كاملٌ، يعدل أربعة أشياء.
فنقلب الاسمَ، ونقول: العبد أربعة، والشيء واحد، وقد بان أنه عتَق منه على كل حالٍ ربعُه.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) أتلفه: أي القرض.

(10/322)


وتمام الفتوى يذكر بعد نجاز [المسألة] (1).
6949 - طريقة السهام: أن نقول: نأخذ [للعتق] (2) سهماً، ولما يتبعه من الكسب سهم، ونأخذ للورثة ضعفَ العتق سهمين، فالمجموع أربعة أسهم، [فنحفظ] (3) ذلك، ثم نأخذ العبدَ وحده؛ فإن كسبه قد أتلفه السيد، فنقسمه على الأربعة المحفوظة، فيعتق من العبد سهم من أربعة أسهم، وهو رُبعُه.
6950 - طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبدَ ديناراً ودرهماً، والكسبَ مثلَه ديناراً ودرهماً، ثم نُجيز العتق في درهم، يبقى مع الورثة من الرقبة دينار واحد، وعليهم دينٌ درهم، فاطرح الدرهم من الدينار، يبقى دينار إلا درهماً، [يعدل] (4) ضعف ما عتق منه، وذلك درهمان، فبعد الجبر والمقابلة يكون الدينار يعدل ثلاثة دراهم، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ثلاثة، والدراهم واحداً، ومجموعهما أربعة، والواحد من أربعة رُبعُها، فيعتق ربعُه، كما خرج بالأعمال المتقدمة.
هذا بيان الحساب.
وبيان الفقه فيه أنا إذا حكمنا بعتق رُبعه، فله رُبع كسبه ديناً على السيد، ولم يخلّف هو شيئاً غيرَ الرقبة، فإن أدى الورثةُ الدينَ من سائر أموالهم، استمرّ لهم الرقُّ على ثلاثة أرباعه، وملك هو بربعه الحر ما سلّموه إليه، فإن أَبَوْا أن يؤدوا الدين من أموالهم، فلا بد من أداء دينه من التركة، ولا تركة إلا ثلاثة أرباع العبد، فإن لم يجدوا من يشتري منه شيئاً، وطلب العبد أن يسلموا إليه ربعَه بدينه، تعين عليهم ذلك.
ثم إذا فعلوا هذا، عَتَق على العبد ربعٌ آخر.
وإن وجدوا من يشتريه، وطلب هو أن يشتري نفسَه، فظاهر ما أورده الأستاذ أنه يتعين عليهم أن يبيعوا رُبعَه من نفسه؛ فإنه أولى بنفسه من غيره به، ولا غرض لهم في بيع ربعه من غيره.
__________
(1) في الأصل: إكساب.
(2) في الأصل: للمعتق.
(3) في الأصل: فنحط.
(4) في الأصل: "بعد".

(10/323)


وهذا إن ذكره في معرض الاستحباب، فهو قريب قليل [النَّزَل] (1)، فإن اعتقده واجباً، فخطأ؛ لأن الورثة مسلطون على أعيان التركة.
وهذا بمثابة ما لو كان في التركة أبٌ، أو ابنٌ لبعض مستحق الدين، فلا يتعين على الورثة أن يصرفوا إليه [جزءاً] (2) بدينه، وإن كان طالبه راغباً فيه.
هذا تمام الغرض فقهاً وحساباً.
6951 - مسألة: قيمة العبد مائة [وقد] (3) اكتسب بعد الإعتاق ثلاثمائة، فأتلف السيد من كسبه مائة، وبقي مع العبد مائتان، وخلّف السيد أيضاً مائتي دينار.
فسبيل الحساب أن نقول: يعتق منه شيء، ويتبعه ثلاثة أمثاله، وهو ثلاثة أشياء، وللورثة باقي الرقبة وباقي الكسب مع المائتين التي خلفها السيد، وذلك خَمسُمائة إلا أربعة أشياء، تعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، فتكون خَمسُمائة معادلةً لستة أشياء، فنقلب الاسم، فالشيء سدس الخَمسمائة، وذلك خمسة أسداس العبد، فقد عَتَق منه خمسةُ أسداسه، وتبعه خمسةُ أسداس [الكسب] (4) والباقي من كسبه مائتان، وخمسة أسداسه (5) مائة وستة وستون وثلثان، فنضم الباقي [من الكسب] (6) إلى التركة، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، والتركة مائتان، فتصير مائتين وثلاثة وثلاثين، فالمجموع مائتان وثلاثة وثلاثون وثلث، فنحط عنها خمسة أسداس المائة التي أتلفها السيد، وذلك ثلاثة وثمانون وثلث، فيبقى مائة وخمسون، ولهم من الرقبة سدسها، وذلك ستةَ عشرَ وثلثان، والمجموع مع هذا السدس مائة وستة وستون وثلثان، وذلك ضعف ما عتق من العبد.
ولو أبرأ العبدُ سيده عن الدين، لعتق واستتبع جميع ما معه، ولكان العتق مائة
__________
(1) في الأصل: الترك. ومعنى النزل: أي الفائدة. (المعجم).
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: وقت.
(4) في الأصل: العبد.
(5) أسداسه: أي الباقي.
(6) زيادة للإيضاح من المحقق.

(10/324)


والتركة مائتين، فإذاً العبد بالخيار إن لم يبرىء، عتق خمسةُ أسداسه، وله خمسةُ أسداس الكسب، وهو مائتان وخمسون ديناراً، وإن أبرأ، عتق كلُّه، وله المائتان من كسبه.
6952 - مسألة في العتق والكسب وموت العبد المعتَق قبل موت السيد:
فنقول: إذا أعتق المريض في مرضه عبداً، لا مال له غيره، فمات العبد بعد الإعتاق، ثم مات السيد، وما كان اكتسب العبد شيئاً، فقد اختلف أصحابنا في ذلك، فقال بعضهم: مات ذلك المعتَق رقيقاً؛ لأن عطايا المريض من ثُلثه، وإنما ينفذ التبرع في الثلث إذا سَلِم للورثة الثلثان، ولم يسلم للورثة من الرقبة شي، فلا ينفذ من الوصية شيء.
ومن أصحابنا من قال: مات المعتَق [حُرّاً] (1) والأمر [مثلُ] (2) الوصية، ولكن لما مات العبد، فقد بطل حقُّ الإرث فيه، ولم يُتلف المريضُ شيئاً هو محل حق الورثة، فصار كتبرعه في صحته.
وأبعد بعضُ أصحابنا، فقال: مات وثلثه حر، وثلثاه رقيق.
وهذا بعيدٌ لا أصل له.
6953 - فإن خلّف العبدُ مائتي درهم، وقيمته مائةُ درهم، ولم يخلّف إلا مولاه، مات حراً، وورثه السيد بالولاء، وحصل ذلك للورثة وهو مِثلا قيمته، فإنا إذا فرعنا على أنه يموت حراً، وإن لم يخلّف شيئاً، فلا كلام.
وإن فرعنا على الوجه الثاني، فإنا نحكم بموته رقيقاً؛ لأن السيد لم يخلِّف شيئاً، فإذا خلف مثلي قيمته، فالعتق خارجٌ من ثُلثه.
فإن ترك المعتِق مائةَ درهم، فإن قلنا: لو مات المعتَق، ولم يخلّف شيئاً، لمات عتيقاً، فلا إشكال أنه يموت حراً في هذه الصورة، ويرث مولاه المائة، فالمسألة مفروضةٌ فيه إذا لم يكن له وارث.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: " قبل ".

(10/325)


فأما إذا فرعنا على أنه لو مات ولم يخلِّف شيئاً يموت رقيقاً، فإذا خلف مائة، فهذه المائة لا بد وأن يكون فيها للسيد حق على كل مذهب، وليس كالمقدار الذي يخلص لمن بعضه حر بالمهايأة والقسمة على الرق والحرية؛ فإنا قد نقول في قولٍ: إنه مصروف إلى بيت المال، وهذه المائة اكتسبها هذا المعتَق مطلقاً، وما خلصت له بقسمة ولا مهايأة، والتفريع على أنه لا يموت عتيقاً لو لم يخلّف شيئاً، والمائة ليست وافيةً في مقابلة عتق جميع [الرقبة] (1).
فإن قلنا: من نصفه حر يرثه معتِقه، فالمائةُ ترجع إلى المولى، ويعتِق في مقابلها نصف العبد في هذا المنتهى الذي انتهينا إليه، ويكون نصفه على الرق في الموت.
وإن قلنا: من نصفه حر لا يورث، فسبيل الحساب فيه أن نقول: عَتَق منه شيء، وتبعه من المائة شيء، والذي تبعه مصروفٌ إلى بيت المال، فيبقى مائةٌ ناقصةٌ شيئاً يَعدل ضعف العتق، وهو شيآن، وإذا جبرنا وقابلنا، صارت مائة تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثلث المائة.
وخرج منه أنه عَتَق منه ثلثُه ورقَّ منه ثلثاه، وبقي للسيد بحق الملك ثلثا كسبه، والباقي ضعف العتق.
6954 - فإن ترك العبد المعتَق مائتي درهم وترك بنتاً حرة ومولاه، فإن قلنا: إنه لو لم يخلّف شيئاً، لمات حرّاً، فلا شك أنه يموت هاهنا حرّاً والمائتان ميراثٌ بين البنت والمولى، للبنت النصف، والباقي للمولى.
فإن قلنا: لو لم يخلّف شيئاً، لمات رقيقاً، فإذا خلف مائتين والبنتَ والمولى، فهذا نفرعه الآن على أن من بعضه حر هل يورث؟ فإن قلنا: إنه لا يورث، فالوجه أن نقول: عَتَق منه شيء، وتبعه من كسبه شيئان؛ فإن الكسب مثلا القيمة، ثم البنت ترث نصفَ الشيئين، وهو شيء، ويعود شيء إلى المولى بالإرث، وإذا رجع إلى المولى، رجع إلى الورثة، فنقول: إذاً لورثة السيد مائتا درهم إلا شيء يعدل شيئين، وهو ضعف العتق، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائتي درهم تعدل ثلاثة أشياء،
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/326)


فالشيء ثلث المائتين، فيقع [ثلثين للعبد] (1) لا محالة، وهو الذي عتق منه، وملك ثلثي كسبه، وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فورثت البنت نصفها، وللمولى الباقي وهو ستة وستون وثلثان، ومات ثلثُه رقيقاً، فاستحق ثلث الكسب بحق الملك، فحصل مع ورثة السيد ثلثا كسبه، وهو ضعف ما عتق.
هذا تفريع على أن من بعضه حر موروث.
فأما إذا قلنا: لا يورث مَنْ بعضُه حر، فالجواب على هذا القول أن كلّه يموت حراً، وماله لمولاه لجهة الإرث، ولا ترثه البنت؛ فإنها لو ورثته، لنقصت حصةُ السيد من التركة، فلا يخرج العبد حينئذ من ثلثه، وإذا لم يخرج من ثلثه رَقّ بعضه، وإذا رق بعضُه، لم يورث، ولا ترثه البنت، ففي توريثها إبطال توريثها، وهذا من الدور الفقهي، وستأتي قواعدها ومسائِلها في كتاب النكاح، إن شاء الله عز وجل.
فإن قيل: صرفتم المائتين إلى المولى بأية جهة؟ قلنا: صرفناها إليه إرثاً، لا وجه غيره.
فإن قيل: [لماذا] (2) ورثتم المولى، ولم تورثوا البنت، قلنا: [لأن] (3) في توريثها الدور المانع من التوريث، وليس في توريث المولى دورٌ، ومن حجبه الدور، فكأنه معدوم، وإن كان فيه معنى حاجباً.
ولو ترك العبدُ أربعَمائة درهم، وخلف بنتاً والمولى، كما صورنا، فقد مات العبد حراً بكل حساب، والبنت ترثه مائتين؛ إذ ليس في توريثها تبعيض الرق والحرية، والمولى يأخذ مائتين ويخلفهما على ورثته، فيقع ضعفاً لقيمة العبد.
6955 - ولو ترك العبد مائتي درهم، وترك ابناً، فإن قلنا: إنه كان يموت حراً لو لم يخلّف شيئاً، فقد مات حراً، وما خلّفه لابنه.
وإن قلنا: كان يموت رقيقاً لو لم يخلف شيئاً، فهذا نفرعه على أن مَنْ بعضُه حر
__________
(1) في الأصل: ثلثي العبد.
(2) في الأصل: إذا.
(3) في الأصل: لا.

(10/327)


هل يورث؟ فإن قلنا: إنه يورث، فالوجه أن نقول: عتق من العبد شيء وتبعه شيئان يكونان لابنه، ولورثة السيد باقي كسبه إذا مات السيد، وهو مائتا درهم إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، وهو ضعف العتق، وبعد الجبر والمقابلة يعدل مائتان أربعةَ أشياء، فالشيء ربع المائتين، وهو خمسون، وهو نصف قيمة العبد، فقد عَتَق منه نصفُه، واستحق نصفَ كسبه، وهو مائة، نصرفها إلى ابنه، ولورثة السيد نصف كسبه بحق الملك، وهو مائة، والمائة ضعف العتق.
وإن قلنا: مَنْ بعضُه رقيق لا يورث، فعلى هذا القول مات حراً، وكسبه كلُّه للسيد، ولا يرثه ابنه؛ لأنه لو ورثه، لم يخرج من الثلث، وإذا لم يخرج من الثلث، لم يرثه الابن، ففي توريثه إبطال توريثه، والمولى يأخذ كسبَه إرثاً، كما قررناه في مسألة البنت.
6956 - فإن كانت المسألة بحالها، فمات العبد، وخلّف ابناً كما صورنا، ثم مات الابن بعد العبد، ثم مات السيد ولا مال لهم غير المائتين التي اكتسبها العبد.
فنقول: عتق العبدُ وورث ابنُه كسبَه كلَّه، ثم ورث السيد ذلك عن ابن العبد، فتحصل لورثة السيد مائتا درهم، ضعف قيمة العبد، ولا جرم؛ فإن المائتين في العاقبة إلى تبعيض الحرية، وإنما ينشأ الدور من أداء التوريث إلى التبعيض، مع التفريع على [أن] (1) المبعض لا يورث.
ولو لم يخلّف العبد شيئاً وفرعنا على أنه يموت رقيقاً، فإن مات ولم يخلف [شيئاً] (2)، ثم مات ابنٌ له، وخلّف مائتي درهم، وترك مولَى أمِّه، ومولى أبيه، وهو معتِق العبد، فنقول: مات العبد حُرّاً، وورث السيد العبدَ، وحصل مع ورثته ضعف العتق من ميراث الابن، والغرض أن يخلف تركةً هي ضعف العتق، والأصل فيه أن العتق جرى، ونحن نُبقيه ما وجدنا إلى تبقيته سبيلاً، فنفوذه إذا وجدنا شيئاً مستمر، وإنما يندفع بمانعٍ، ومولى الأم محجوبٌ إذا أمكننا أن نورِّث مولى الأب؛ فإنه الذي يجر الولاء.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) سقطت من الأصل.

(10/328)


6957 - فلو كانت المسألة بحالها، ولكن لم يمت المعتَق، بل مات ابنُه، وخلّف ألف درهم وأكثر.
أما هذا المعتَق، فلا يرث ابنَه، فإنه لو ورثه، لاستغرق ميراثَه، ولا يخلص إلى السيد شيء، ولم [يحصُل] (1) للسيد تركة، ولا لهذا المعتَق كسبٌ من تلقاء نفسه، وإذا لم يحصل لورثة المعتِق شيء، فلا يعتِق تمامُ العبد، وإذا لم يعتِق، لم يرث، فيؤدي إذاً توريثُه إلى إبطال توريثه، وإذا لم يرث هو ابنَه، ورثه السيد.
ثم نحكم بأنه إذا خلّف ما ورثه لورثته، أو خلف منه مقدار ضعف قيمة العبد، فرجع الحكم بحرية العبد؛ فإنه قد بقي لورثة المعتِق ضعفُ ما نفذ العتقُ فيه، أو أضعافُه، فقد قطعنا ميراث الأب للدور الحكمي، وإفضائه إلى قطع الميراث من حيث يورث، ثم ورثنا السيد؛ فإنه أحق بميراثه بعد ما حجبنا المعتَقَ بالدور.
ومن ضرورة توريثنا منه السيدَ المال الجمَّ الذي ذكرناه أن يقع الحكمُ بتمام حريته.
فلو أن ابن العبد ترك مائة درهم مثلاً -والغرضُ تصوير تركته أقلَّ من ضعف قيمة العبد- والمسألة مفروضة فيه إذا لم يمت المعتَق قبل موت السيد، حتى لا يقع في الخلاف الذي تقدم في أنه لو مات ولم يخلف شيئاً، هل نحكم بحريته؟
فنقول في هذه المسألة: يعتِق من العبد شيء، وينجرّ من ولاءِ ولده بقدر ما عتَقَ منه، نورث السيد من المائة التي تركها ابنُ العبد شيئاً، وحصل لورثته باقي العبد، فنقول: إذا عتَقَ من العبد شيءٌ، لم (2) يرث ابنه بمقدار العتق، فإن من بعضه حر [لا يورث] (3)، وقد ذكرنا أن الابن لو خلف مالاً كثيراً، لم يرث العبدُ المعتَق، للدور الفقهي، فيخرج من ذلك أنه يعتِق من العبد شيء، وينجرّ مقدار من الولاءِ يرث السيد من مال الابن بقدره، فإن الابن حرٌّ كله، والولاء يورث بكماله وببعضه، ولذلك نورِّث شريكين في جرّ الولاء، فيبقى إذاً لورثته من العبد مائةٌ إلا شيء، ولهم الشيء الذي ورثه السيد من ابن العبد، فإذا ورثوا مائةً كاملةً، فإن الشيء العائد بالميراث،
__________
(1) في الأصل: يصف.
(2) في الأصل: ولم.
(3) في الأصل: لا يرث.

(10/329)


مثلُ الشيء الناقص بالميراث؛ لأجل أنا صورنا قيمةَ العبد مائة، فالمائة تعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، والشيء نصف المائة، وهو خمسون درهماً، وذلك نصف قيمة العبد، فيعتق نصفه، وينجرّ نصفُ ولاء ولده، فيرث السيد نصفَ المائة التي تركها ابنُ العبد، فيحصل للورثة نصفُ العبد، ونصف المائة، وذلك ضعف ما عتَق من العبد.
ولو ترك ابنُ العبد خمسين درهماً، عتَق من العبد [خُمساه، وجرّ خُمسي] (1) ولاء ولده إلى مولاه، فورث السيد خُمسي ما خلّفه ابنُ العبد وهو عشرون درهماً، فلورثة السيد ثلاثة أخماس العبد، وقيمتها ستون ولهم عشرون من التركة وهي خمساها، فيجتمع لهم ثمانون، وقد عتَقَ من العبد خمساه، وقيمة ما عتق أربعون.
هذا مسلك هذه المسائل في الدور الحسابي والحكمي.
مسائل
في عتق العبيد والكسب منهم أو من بعضهم
6958 - إذا أعتق المريضُ عبيدَه أو عبيدَه وإماءه، لا مال له غيرهم، ثم مات من مرضه.
فإن كان أعتقهم في كلمةٍ واحدة مثل أن يقول: أنتم أحرار، أو كل مملوك لي حر، فإنا نُقرع بينهم، حتى إذا كانوا ثلاثة والقِيَمُ متساوية، فإنا نُعتق بالقرعة واحداً، ونرِق اثنين، فإن عتق واحدٌ، وهو مقدار [ثُلُثه] (2) أو أعتق اثنين، وكانا مقدار [ثلثه] (2)، ثم أعتق من بقي، فإنا نبدأ بالأول؛ فإن بدايته أولى من خروج القرعة.
وإن كان الذي أعتقه أكثر من ثُلثه عَتِق منه مقدارُ ثُلث المعتِق، ونفذ العتق من قيمته فيما يخرج من الثلث، ورق باقيه، ورق من سواه.
وإن فضل من الثلث شيء، وكان أعتقهم ترتيباً، عتَق السابق، وعتق من الذي
__________
(1) في الأصل: خمساً وجزء خمس.
(2) في الأصل: ثلاثة.

(10/330)


يليه [باقي] (1) قيمة الثلث، ولا دور في هذه المسائل؛ فإنها مدارةٌ على الإقراع، أو على التقديم، وليس فيها تصوير كسبٍ، أو تصوير زيادةٍ في القيمة، أو نقصان.
6959 - فلو كان له عبدان قيمةُ كلِّ واحد منهما مائة، فأعتق أحدَهما واكتسب مائة، ثم أعتق الثاني، وقع الدَّورُ، لمكان الكسب.
وحساب المسألة أن نقول: يعتِق من الأول شيء؛ فإنه بدأ به، ويتبعه من كسبه شيء غيرُ محسوب، وللورثة باقي التركة، وهو عبدان ومائة [إلا شيئين] (2).
وإذا عبرنا عن الجميع قلنا: للورثة ثلاثة أعبد، أو ثلاثمائة إلا شيئين، فنجبر ونقابل، فتصير ثلاثمائة معادلة لأربعة أشياء، فالشيء ربعُ الثلاثمائة، وذلك مثل ثلاثة أرباع [العبد] (3)، وله ثلاثة أرباع كسبه، وللورثة ربعُه وربعُ كسبه مع العبد الآخر، وقد (4) عتَق ثلاثةُ أرباعه، فالباقي في يد الورثة ضعف [العِتق] (5).
6960 - فإن اكتسب الأول مائتي درهم، فطريق الجبر واضحة، فنقول: عتق منه شيء، وتبعه من كسبه شيآن، وللورثة باقي التركة وهو أربعمائة درهم، إلا ثلاثة أشياء، تعدل شيئين: ضعفَ العتق، فبعد الجبر تعدل أربعمائة كاملة خمسةَ أشياء، فالشيء خُمسُ الأربعمائة، وذلك أربعة أخماس العبد.
6961 - وإن لم يكتسب العبد الأول، ولكن اكتسب الثاني مائة، عتَق الأول وحده، والثاني مع كسبه للورثة.
وإن اكتسب الثاني مائتين عتق الأول، وعتق من الثاني شيء، وتبعه من كسبه شيآن، يبقى [للورثة] (6) الثاني وكسبه: ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء، وذلك يعدل
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) سقط من الأصل، ولا يستقيم الكلام بدونه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) عبارة الأصل: " مع العبد الآخر ونصف وقد عتق ... ".
(5) في الأصل: العين.
(6) في الأصل: لورثة.

(10/331)


ضعف العتق، والعتق عبدٌ وشيء، فما في يد الورثة يعدل [عبدين] (1) وشيئين، وإذا جبرنا الأعبد الثلاثة في يد الورثة [بالأشياء] (2)، وهي ثلاثة أشياء، وزدنا على عديلها مثلها، فيعدل ثلاثة أعبد عبدين وخمسة أشياء، ونلقي عبدين بعبدين قصاصاً، [يبقى] (3) عبدٌ واحد يعدل خمسة أشياء، فالشيء خُمسُ العبد، فيعتق من الثاني خُمسُه، وله خُمس كسبه، وجملة ما عتق، عبدٌ وخُمس، وقيمةُ ذلك مائة وعشرون، فللورثة أربعة أخماس العبد الثاني، وأربعة أخماس كسبه، وجميع ذلك مائتان وأربعون، وهو ضعف [ما عتق] (4).
6962 - فإن اكتسب كل واحد من العبدين مثلَ قيمته، وقد أعتق الأول، ثم الثاني، فنقول: عتق الأول، وتبعه كسبه، غيرَ محسوب عليه، وللورثة العبد الثاني وكسبُه، وهما ضعف قيمة الذي عتق.
وإن اكتسب كلّ واحد منهما مائتين، عتق الأول، وله كسبه كلُّه، وعتَق من الثاني شيء، وله من كسبه شيآن، وللورثة الباقي من العبد الثاني والباقي من كسبه، وهو ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء، تعدل ضعفَ قيمةِ الأول وضعفَ ما عتق من الثاني، وذلك مائتا درهم وشيئان، وإن أحببت، قلت: مائتان وشيئان [تعدل ثلاثمائة إلا ثلاثة أشياء] (5)، وبعد الجبر والمقابلة وإسقاط المثل بالمثل تبقى مائة تعدل خمسة أشياء، فالشيء خُمس المائة، وهو الذي عتَق من العبد الثاني، وللورثة أربعة أخماسه وأربعة أخماس كسبه.
6963 - وكل ما ذكرناه فيه إذا قدم عتقَ البعض على البعض.
فأما إذا قال لهم: أنتم أحرار، فإنه يقرع بينهم؛ فأيُّهم خرجت قرعتُه بالعتق، كأن المولى بدأ بإعتاقه، فيجري الحساب على ما تقدم.
__________
(1) في الأصل: عشرين.
(2) في الأصل: بالاستثناء.
(3) في الأصل: بعد.
(4) في الأصل: ما خرج.
(5) زيادة من المحقق.

(10/332)


6964 - ولو أعتق في مرضه ثلاثة أعبد، واحداً بعد واحد، وقيمة كل واحد مائة، ولا كسب ولا مال غيرهم، عتَق الأولُ، ورقَّ الآخران.
[فإن] (1) ترك مائةَ درهم، عتَق الأول، وثلثُ الثاني.
وإن ترك مائتي درهم، عتَقَ الأول وثلثا الثاني، وإن ترك ثلاثمائة درهم، عَتَقَ الأول والثاني، وإن ترك أربعمائة، عَتَق الأول والثاني وثلثُ الثالث.
وإن لم يخلّف شيئاً، ولكن اكتسب كل واحد منهم مائة عتق الأول، وله كسبه، وعتق نصف الثاني وله نصف كسبه، وللورثة نصفُه ونصف كسبه مع العبد الثالث وكسبه، وذلك ثلاثمائة وهي ضعف المائة والخمسين الخارجة بالعتق، وسبيل الحساب ما مضى.
6965 - وإذا أعتق أربعة أعبد في مرضه قيمةُ أحدهم مائة، وقيمة الثاني مائتان، وقيمة الثالث ثَلاثمائة، وقيمة الرابع أربعمائة، أعتقهم بكلمةٍ واحدة: من غير ترتيب، واكتسب كلُّ واحد منهم مثلَ قيمته في مرضه بعد العتق، قبل موت السيد، أُقرع بينهم، فإن خرجت القرعة على الذي قيمته أربعمائة، عتق، وله كسبه، واعتمدت القرعة بين الباقين، فإن خرجت القرعة على الذي قيمته مائة، عتق أيضاً وله كسبه، وقيمة هذين العبدين خَمسُمائة، فبقي للورثة الذي قيمته ثلاثمائة، والذي قيمته مائتان وكسبهما، وذلك كله ألف، وهو ضعف ما عتق.
وإن خرجت القرعة الثانية على الذي قيمته مائتان عَتَق الأول، ونصفُ الثاني.
وحسابه أن نقول: جاز العتق في شيء من الذي قيمته مائتان، وتبعه من كسبه مثلُه، وعتق الأول وقيمته ضعفُ قيمة هذا العبد الثاني، فكأن العتق جاز في عبدين [إلا شيئاً] (2)، ومع الورثة باقي الثاني وباقي كسبه، وعبدان آخران مع كسبهما، وجميع ذلك بالإضافة إلى العبد الذي قيمته مائتان مثل ستة أعبد إلا شيئين، وذلك يعدل ضعف ما جاز العتق فيه، وهو أربعة أعبد وأربعة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة
__________
(1) في الأصل: قال.
(2) في الأصل: وشيء.

(10/333)


وإسقاط المثل بالمثل، يعدل عبدان أربعة أشياء، فاقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أربعة والشيء اثنين، والاثنان من الأربعة نصفها، فهو الذي يعتق من الذي قيمته مائتان.
وإن خرجت القرعة الثانية على الذي قيمته ثَلاثمائة، فحسابه أن نقول جاز العتق في شيء منه ومن الأول، فقد جاز العتق في أربعمائة وشيء، وبقي للورثة عبدٌ قيمته مائتان وكسبه مائتان، وعبد قيمته مائة وكسبه مائة، ومن الذي خرجت له القرعة الثانية ومن كسبه ستُّمائة إلا شيئين، وجميع ذلك ألف ومائتان إلا شيئين، يعدل ضعفَ ما جاز العتق فيه، وهو ثمانمائة وشيئان، فبعد الجبر والمقابلة، يكون أربعمائة تعدل أربعة أشياء، فالشيء رُبع الأربعمائة، وهو مائة، وبقي ثُلث العبد الذي قيمته ثَلاثمائة، فقد عتق منه ثُلثه.
وإن أبدلت القرعة الأولى والثانية، لم يخف حسابها؛ فلم نذكره.
ولو كان مكان العبيد في هذه المسائل إماء فحملن بعد العتق من نكاحٍ أو سفاح، وولدن قبل موت السيد أولاداً قيمتهم مثل اكتساب هؤلاء، كان حكم أولادهن حكمُ اكتساب العبيد. فإذا عتَقَت أمةٌ منهن، تبعها ولدُها، كما يتبعُ الكسبُ غيرَ محسوبٍ؛ فإنّ حَمْل الحرة حرٌّ، كما أن كسب الحرّ له.
6966 - مسألة: لو أعتق في مرضه عبدين، قيمة كلِّ واحد منهما مائة بكلمةٍ واحدةٍ، واكتسب كلّ واحد منهما مائة، فأتلف السيد كسبهما، ثم مات، أُقرع بينهما، فأيّهما خرجت له قرعةُ العتق عَتق نصفُه، واستحق نصفَ كسبه دَيْناً على السيد، فإن قضى الورثةُ له ذلك من أموالهم سَلِمَ لهم عبدٌ ونصفٌ، وإن لم يقضوا ذلك من مالهم، [بيع نصفُ] (1) هذا العبد المعتَقِ نصفُه، أو نصفُ العبد الآخر، وقُضي به [الدين] (2). وإن اختار هذا العبد أن يستوفي حقه من رقبته، قال الأستاذ: هو أحق به من المشتري، فيعتِق نصفُه الآخر.
__________
(1) في الأصل: "تبع هذا العبد". والتصويب والزيادة من المحقق.
(2) في الأصل: " ديناً ".

(10/334)


وهذا إن رآه [مستحباً، فهو قريب، وإن اعتقده واجباً، فهو] (1) غلط، كما تقدم نظيره؛ إذ لا حجر على الورثة في عين ما يبيعون، ولا احتكام عليهم في تعيين من يبيعون منه.
وحساب المسألة أن نقول: عتَق منه شيء، وله مثل ذلك دينٌ على السيد، وبقي مع الورثة عبدان إلا شيء، نقضي منه الشيء الذي هو دين عليه، يبقى معهم عبدان إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، وبعد الجبر والمقابلة والعمل المعروف، يكون عبدان يعدلان أربعة [أشياء] (2)، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أربعة، والشيء اثنان، والاثنان من الأربعة نصفها، فقد عتق من العبد الذي خرجت قرعته نصفٌ.
وإن أعتق أحدهما قبل الآخر، وأتلف كسبهما كما صورنا، عتق من الأول نصفه بلا قرعة، وكان كما لو خرجت القرعة عليه حيث يكون العتق بينهما. وعلى هذا فقس.
مسائل
في عتق الجواري ووطئهن وإحبالهن في المرض
6967 - إذا أعتق المريض جاريةً قيمتُها مائة، فوطئها رجل بشبهة، ومهرُ مثلها خمسون، فإن خرجت قيمتُها من الثلث عتَقَت، ولها مهرها، كما يكون لها كسبها، والمهر من كسبها.
6968 - وإن لم يكن للسيد غيرُها، نُظر، فإن كان الوطء بعد موت السيد، عتَق ثلثُها، ولها ثلث مهرها، وللورثة [ثلثاها] (3) وثلثا مهرها، ولا دور في ذلك؛ لأن المهر وجب وهي في غير ملك الميت، وكذلك يكون الكسب بعد الموت، وذلك أن الموت يقرِّر الوصيةَ في ثلث الرقبة، ولا مُستدرك، فلا تبيّن على خلاف ذلك.
__________
(1) عبارة الأصل: وهذا إن رآه إنما غلط.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ثلثها.

(10/335)


6969 - وإن كان الوطء قبل موت السيد وبعد عتقها، فسبيل الحساب أن نقول: عَتَق منها شيء، ولها من عُقرها نصف شيء من غير احتسابٍ عليها، وللورثة باقي الرقبة وباقي المهر، وذلك مائةٌ وخمسون درهماً إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فنجبر بالشيء والنصف ونزيد على العديل شيئاً ونصف شيء، ونبسط الجانبين أنصافاً فتصير المائة والخمسون ثلاثة، والأشياء سبعة، ثم نقلب الاسم، فالأمَةُ سبعة والشيء ثلاثة، فالثلاثة من السبعة ثلاثة أسباعها، فقد عَتَق منها ثلاثة أسباعها، ولها ثلاثة أسباع مهرها، وللورثة أربعة أسباعها، وأربعة أسباع مهرها، وهي مثل [سبعي] (1) رقبتها؛ فإن المهر مثلُ نصف القيمة، وستة أسباع الرقبة تقديراً ضعفُ ما عتق.
فإن كان قد حبلت من الوطء، وولدت قبل موت السيد ولداً قيمته يوم سقط خمسون درهماً، فعلى الواطىء عُقرها، وعليه من قيمة الولد بقدر ما رق منها؛ فإن الواطىء بالشبهة إنما يغرَم ما يفوِّته من ملك الولد بسبب الشبهة، والقدر الذي يعتق منها [يكون ولدها، في ذلك القدر حرّاً] (2) من غير تقدير تفويت فيه.
6970 - ووجه الحساب أن نقول: عتق منها شيء، ومن ولدها نصفُ شيء غيرُ محسوب، ولها نصف شيء من عُقرها، وللورثة باقي الأمة وباقي المهر وباقي الولد، وجملة ذلك مائتان إلا شيئين، تعدل ضعف العتق وهو شيئان، فبعد الجبر، وقلب الاسم يكون الشيء نصفَ الأمة، فيعتق نصفُها ويتبعها نصفُ الولد حرّاً أصلياً، ولها نصف عُقرها على الواطىء، وللورثة نصفها، ونصف عُقرها، ونصف قيمة الولد يأخذونه من الواطىء؛ لأنه قد كان ينبغي أن يملكوا من ولد الأمة بقدر ملكهم فيها، فلما حكمنا بحرية الولد لأجل الشبهة، لزم ذلك المقدار من القيمة، فيجتمع للورثة مائة، وهي ضعف قيمة ما عتق.
وإن قيل: هلا جعلتم قيمةَ الولد كالكسب حتى تُثبتوا للأمة قسطاً من القيمة التي
__________
(1) في الأصل: سبع.
(2) في الأصل: " يكون ولدها فذلك القدر جزءًا " وهو تصحيف.

(10/336)


التزمها الواطىء بالشبهة قياساً على العُقر والكسب؟ قلنا: قيمة الولد إنما يجب منها ما يجب لوقوع ذلك المقدار في مقدار الرق، وما يقع في مقابلة الرق، فهو حق مالك الرق لا حق فيه للحرية.
6971 - وهذا الذي ذكرناه فيه إذا أتت بالولد بعد العتق قبل موت السيد. فأما إذا أتت بالولد بعد موت المولى لزمانٍ يُعلم أن العلوق به وقع بعد الموت، فالوطء جرى بعد الموت؛ إذاً فما يغرَمه الواطىء من العُقر وقيمة الولد لا يحتسب من التركة، فإن التركة ما جرى فيها ملكُ الميت وخلّفه، وإذا لم نحسبه من التركة، لم يُنظر إلى العُقر وإلى قيمة بعض الولد في الحساب الذي نحسبه، بل نقول: أعتق المريض أمةً، لا مال له غيرُها، فيعتِق ثلثُها ويرق ثلثاها، ثم يقسم العُقر بعد الموت على الحرية والعتق، فكذلك القول في الولد، فالثلث منه حر لمكان حرية الثلث، وليس فيه تفويتُ رقٍّ، ويجب قيمة ثلثي الولد للورثة في مقابلة حقهم في ثلثيها.
وإن أتت بالولد بعد الموت لزمانٍ يُعلم أن العلوق به كان في حياة المولى، فهو كما لو أتت بالولد في حياة المولى؛ فإن حكم الولد يستند إلى حالة العلوق.
وإن أتت بالولد لزمانٍ يحتمل أن يكون العلوق به في حياة المولى، ويحتمل أن يكون العلوق به بعد موته، فللأصحاب تردّد في مثل ذلك، لسنا نوضحه الآن، وسيأتي ذكره مشروحاً في الوصية للحمل والوصية بالحمل، إن شاء الله عز وجل.
وقد ذكر الأستاذ طرفاً من هذا مثبّجاً (1) مختلطاً، ونحن أتينا بما أتينا به تنبيهاً على هذا الأصل، وأحلنا شرحه على فقه الوصايا.
6972 - ومما يتعلق بفقه الباب أن الواطىء لو كان معسراً، فلم يجد وفاءً بالعُقر ولا ما يلزم من قيمة الولد، فلا يُنجَّزُ من عتق الجارية إلا الثلث، كما لو ورد التَّوى على ما [قدّمه] (2) الواطىء بالشبهة، فنجعل كأنه لم يكن، ولا نحسب على الورثة عُقراً ولا قيمة.
__________
(1) مثبّجاً: أي مختلطاً معمّىً، يقال: ثبج الرجل الكلام والخط ثبجاً إذا عماهما ولم يبينهما. (المعجم).
(2) مكان كلمة غير مقروءة. (انظر صورتها).

(10/337)


فإذا حملنا الأمر على ذلك، وأعتقنا ثلث الجارية، وأوقفنا ثلثيها، وتمادى على ذلك زمنٌ، والمهايأةُ في العمل بنسبة الثلث والثلثين، فلو أيسر الواطىء، وأدى ما عليه، فنزيد في العتق على الحساب الذي تقتضيه الزيادة؛ فإنّ ما يؤدّيه الواطىء إلى الورثة يزيد في التركة، والزيادة في التركة تقتضي الزيادة في العتق. ثم إذا زدنا في العتق، فليس ذلك إنشاءً، وإنما هو تبيّنٌ، وعلى التبين تبتني [المسائل] (1) الدائرة في العتق، وإذا نفذ العتق في الزيادة، تبيُّناً، فالذي نص عليه الشافعي، وقطع به الأصحاب أن الجارية تسترد بمقدار ما زاد في العتق من كسبها؛ فإنا تبيّنا أن الورثة أخذوا من كسب الحرية شيئاً، ويلزمهم ردّه. وحكى الأستاذ عن ابن سريج وجهاً أن حكم ذلك الظاهر لا ينقض. وهذا لا يعدُّه فقيهٌ من المذهب، وإنما [جرّدتُ] (2) الغرض لذكره لأني تصفحت مسائل كتابه في الوصايا، واعتمدت طرقَه الحسابية، فأردت التنبيه على مواقع الخلل في الفقه.
مسائل في العتق مع النقصان من القيمة أو مع الزيادة
6973 - فلتقع البداية بالزيادة، فإذا أعتق الرجل عبداً، فزادت قيمته، وبقيت الزيادة حتى مات المولى، فالزيادة محسوبة على الورثة من التركة، وليست زيادة القيمة [معتداً] (3) بها في المقدار الذي يعتِق من العبد؛ فإن العتق يستند إلى يوم الإعتاق، وما يفرض من زيادة لا أثر لها فيما يعتق؛ فإن الحر ليس بذي قيمة فيرتفع أو ينخفض، ويرتفع العمل والحساب في القيمة الزائدة على المناسبة المتقدمة في الكسب، ولكنا نفرد هذا الباب بمسائِله حتى لا يخلو الكتاب عن صنف من الأصناف.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) سقطت من الأصل.
(3) في الأصل: معتمداً.

(10/338)


6974 - مسألة: إذا أعتق عبداً قيمته [مائة] (1) دينار، فبلغت قيمته قبل الموت مائتي دينار، وبقيت القيمة زائدة إلى موت المولى. فطريق الحساب، بعد التنبيه على الفقه والفتوى أن نقول: عتق من العبد شيء وتبعه من زيادة القيمة مثلُه -على النسق الذي ذكرناه في الكسب- فبقي في يد الورثة مائتا دينار إلا شيئين يعدل ضعفَ العتق، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيصير مائتان في مقابلة أربعة أشياء، فنعلم أن قيمة كل شيءٍ خمسون، فنرجع ونقول: عتق من رقبة العبد ما قيمته خمسون، وهو نصف العبد؛ فإن الاعتبار في العتق بقيمة يوم العتق، وإذا عتق نصفه، فقد سقط من القيمة مائة دينار، على حساب المائتين، غيرَ أن المحسوب منها خمسون، والزيادة غيرُ معتدٍّ بها، والباقي في يد الورثة مائة، والعتق خمسون. وحساب المسألة بطريق السهام أن نأخذ للحرية سهماً، ولما يتبعه من الزيادة سهماً، وللورثة ضعفُ ما للحرية، فالمجموع أربعة أسهم، فنقسم عليها قيمةَ يوم الموت، وهو مائتان، فسهم العتق إذاً خمسون.
وطريق الدينار والدرهم تجري في هذه المسألة جريانها في مسألة الكسب من غير مزيد.
6975 - فإن كانت قيمة العبد يومَ العتق ثلاثمائة، فزادت قيمته، فكان يوم موت المولى يساوي سبعَمائة، فنقول: عَتَق منه شيء، وهو محسوب عليه بثلاثة أسباع شيء، وبقي مع الورثة عبدٌ إلا شيء يعدل ضعفَ المحسوب على العبد، وذلك ستة أسباع شيء، فنجبر ما في يد الورثة بشيء ونزيد على عديله مثلَه، فالعبد التام يعدل شيئاً وستة أسباع شيء، فنبسط الجميع أسباعاً فيصير العبد سبعة والشيء والستة الأسباع ثلاثةَ عشرَ، ثم نقلب الاسم، فنجعل العبد ثلاثةَ عشرَ، والشيء سبعة، فنعتق منه سبعة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً منه، وهي محسوبة عليه بثلاثة أسباعها. والفاضل من ذلك غيرُ محسوبٍ على العتق.
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/339)


وإذا كان المحسوب ثلاثة أجزاء، [فقد] (1) بقي مع الورثة ستة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من الرقبة وهو ضعف الثلاثة الأجزاء المحسوبة من العبد. الحساب في المسألة بطريق السهام: أن نأخذ للحرية سهماً ويتبعه (2) من الزيادة مثله ومثل ثلثه، وذلك سهمٌ وثلث سهم، وللورثة ضعف ما للحرية، وذلك سهمان فالجميع أربعة أسهم وثلث، فاقسم عليها قيمة يوم الموت، وهو سبعمائة. ووجه القسمة أن نبسط السهام أثلاثاً، فتكون ثلاثةَ عشرَ، ونبسط السبعَمائة أثلاثاً بالضرب في مخرج الثلث فيبلغ ألفين ومائة، نقسمها على ثلاثة عشر، فما يخرج من القسمة نصيباً للواحد فهو قيمة ما يعتق من العبد.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل قيمته في الأصل ديناراً ودرهماً، وقد زاد في القيمة مثلُها ومثلُ ثلثها، فبلغت القيمة يوم الموت دينارين وثلثَ دينار ودرهمين وثلث (3) درهم، وقد نفذ العتق في درهم ويتبعه درهمٌ وثلث، ومع الورثة ديناران وثلث دينار يعدل ضعفَ ما جاز العتق فيه، وهو درهمان، ولا يحسب ما تبع العتق. فنبسطهما أثلاثاً فيكون الديناران [والثلث] (4) سبعة، والدرهمان [ستة] (5)، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار ستة والدرهم سبعة، ومجموعهما ثلاثة عشر، وهي سهام العبد؛ لأنا جعلناه ديناراً ودرهماً، والدرهم منها سبعة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ، وهي مقدار ما عَتَقَ.
هذا قياس الباب.
6976 - مسألة: في نقصان القيمة بعد العتق.
أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فنقص من قيمته قبل موت السيد خمسون، وبقي نقصان [القيمة] (6) إلى الموت.
__________
(1) في الأصل: وقد.
(2) في الأصل: ولا يتبعه.
(3) في الأصل: ودرهمين من ثلث درهم.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: سبعة.
(6) زيادة من المحقق.

(10/340)


فنذكر الحسابَ، ونبدأ بالجبر، ونقول: نفذ العتق في شيء من العبد، وهو محسوب عليه بشيئين، وبطل في باقيه، فهو عبد إلا شيء يعدل ضعف ما حُسب على العبد، وهو أربعة أشياء، فنجبر العبد بشيء، ونزيد على عديله مثلَه، فالأشياء خمسة والعبد واحد، فنقلب الاسمَ، ونقول: العبد خمسة، والشيء واحد، وقد تبيّن أنه عَتَق من العبد خُمسه، وقيمته يوم العتق عشرون، وبقي للورثة أربعة أخماسه، وقيمتها يوم الموت أربعون، وهي ضعف العشرين المحسوبة على العبد، ووجه ذلك أنا لا نحسب على الورثة إلا التركة، والاعتبار في التركة بيوم الموت، فتعين هذا الاعتبار في حقوقهم.
ثم نرجع إلى العتق، ونقول: نعتبر ما فات بالعتق يوم العتق؛ فإن ما يفرض من التغايير بعد العتق لا يؤثر فيما عتَقَ، والذي يحقق ذلك أن القيمة لو زادت، لم يحسب على المعتَق، وهو المقدار الذي نُتبعه العتق، فكذلك النقصان لا يوجب حطّاً من العتق، وهو المقدار الذي نُتبعه العتق، فكذلك النقصان لا يوجب حطّاً من العتق، وكان هذا في التقدير بمثابة استيفاء مقدارٍ من العتق، وما وقع مستوفىً يحسب لا محالة، وهذا هيّن على المتأمل.
وحساب المسألة بطريق السهام أن نأخذ للعتق سهماً محسوباً على العبد بسهمين، ونأخذ للورثة ضعفَ ما حسب على العبد، وذلك أربعة أسهم، فالجملة خمسة أسهم، فنقسم عليها قيمةَ يوم الموت، وهو خمسون، فيخرج من القسمة عشرة، وهي قيمة يوم الموت، فنقول: يعتق منه خُمسه، كما خرج بالعمل الأول.
وحساب المسألة بالدينار والدرهم: أن نجعل قيمة يوم الموت ديناراً ودرهماً، ونجيز العتق في درهم منه محسوب على العبد بدرهمين، يبقى للورثة دينار [يعدل] (1) ضعفَ المحسوب على العبد، وهو أربعة دراهم، فالدينار يعدل أربعة دراهم وأحداً، ومجموعها خمسة، ولا حاجة إلى القلب في هذا المقام، وقد بان أن الدرهم من الخمسة خُمسها، فنقول: يعتِق من العبد خُمسُه، فإن كانت قيمته مائتي
__________
(1) في الأصل: بعد.

(10/341)


دينار يوم العتق (1)، فرجعت بالنقصان إلى مائةٍ وعشرين، فنقول: عتق منه شيء محسوب عليه بمثله، ومثل ثلثيه، فإن الناقص من [المائتين] (2) ثمانون، والثمانون ثلثا مائةٍ وعشرين، فالشيء إذاً محسوب بشيء وثلثي شيء، ونطلق فنقول: بقي مع الورثة عبدٌ إلا شيء يعدل ضعف المحسوب، وهو ثلاثة أشياء وثلث، وإذا جبرنا، وقابلنا، فالعبد يعدل أربعة أشياء وثلث، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الإسم فيهما فيكون العبد ثلاثةَ عشرَ والشيء ثلاثة، فيعتق منه ثلاثة أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً، وهي محسوبة عليه بمثلها ومثل ثلثيها، وذلك خمسة أجزاء، وبقي مع الورثة عشرة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من الرقبة، وهي ضعف الخمسة الأجزاء المحسوبة.
هذا قياس الباب.
6977 - مسألة: إذا وقع مع العتق زيادةٌ من وجهٍ ونقصانٌ من وجه، وذلك مثل أن يعتِق عبداً قيمته مائتان، فينقص من قيمته مائة بالسوق، ثم تعلّم صنعة زادت بها قيمته بخمسين، فالوجه أن يُقابَل النقصانُ بمقدار الزيادة، فيعود الأمر إلى أنه نقص من قيمته خمسون، وتحسب المسألة على قياس نقصان الخمسين، فنقول: جاز العتق في شيء محسوب على العبد بشيءٍ وثلث، وبطل في باقيه، فهو عبدٌ إلا شيء يعدل ضعف ما حسب على العبد وهو شيئان وثلثا شيء، فنجبر ونقابل، ونقلب الاسم ونبسط الجانبين أثلاثاً، فيكون العبد أحدَ عشرَ، والشيء ثلاثة؛ فيعتِق منه ثلاثةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من العبد، وهي محسوبة عليه بأربعة أجزاء، وبقي مع الورثة ثمانية أجزاء، وهي ضعف الأربعة الأجزاء المحسوبة على العبد.
6978 - مسألة: في العتق مع الزيادة على القيمة والكسب.
سبيل هذا الباب أن نجعل الزيادة في القيمة جزءاً من الكسب، وتزاد على الكسب المستفاد، ونضع الحساب على ذلك المبلغ، فإذا أعتق المريض عبداً قيمته مائة، فزادت قيمته حتى بلغت مائتين، واكتسب مائة، فتصير الزيادة مع الكسب، كأنه اكتسب مائتين.
__________
(1) عبارة الأصل: فإن كانت قيمته مائتي دينار بعد العتق يوم العتق ... إلخ.
(2) في الأصل: "الثمانين".

(10/342)


والعمل فيه أن نقول: عتَقَ منه شيء وتبعه من الكسب والزيادة شيئان، وبقي مع الورثة من أصل الرقبة زيادتُها وكسبها: ثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ضعفَ العتق، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون العبد خمسةً، والشيء ثلاثة، فيعتق ثلاثة أخماسه، ثم المسألة تجرى سدادها في طريق الحساب.
6979 - مسألة: في العتق مع النقصان والكسب.
فإذا أعتق في مرضه عبداً قيمته مائة، واكتسب مائة، ونقصت من قيمته خمسون، فنحط النقصان من الزيادة، فيعود الأمر كأنه اكتسب خمسين، ولم ينقص شيء، فيكون الكسب مثل نصف القيمة، والعمل فيه أن يقول: عتق منه شيء، وتبعه من كسبه نصفُ شيء، وقد ذكرنا هذا في المسالك المتقدمة، فلا معنى للإعادة.
6980 - مسألة: مشتملة على العتق والنقص والتركة والكسب والدين.
الأصل في هذه المسألة أن نقابل التركة بالدين، فإن استويا، فكأنه لا دين ولا تركة [وإن زاد أحدهما] (1) على الآخر، فمقدار الفضل كأنه هو الحاصل من غير مقابلة، وكذلك نقابل الزيادة بالنقصان، فإن استويا، فكأنه لا زيادة ولا نقصان، وإن زاد أحدهما على الثاني، اعتبرنا ذلك المقدار الفاضل، وبنينا المسألة عليه.
المثال: مريض أعتق عبداً قيمته مائة، واكتسب مائة، ونقصت قيمته إلى خمسين، وتعلّم صنعة، زادت في قيمته خمسين، وترك السيد مائة، وعليه دين خمسين، فالسبيل فيه ما قدمنا من التقابل بين النفي والإثبات والزيادة والنقصان، وننظر إلى ما بقي من كل نوع، ونخرّج المسألة عليه، وما أراها تغمض بعد ما كررنا الطرق وأوضحنا سبيل إجرائها في المختلفات.
وقد نجز ما حاولنا مبسوطاً مشروحاً في دَوْر المسائل المتعلقة بالعتق، ولا يخفى على من أحاط بما ذكرناه، واستعان بالدُّربة (2) ما يورد عليه من صور المسائل.
__________
(1) عبارة الأصل: وإنهما زاد على الآخر.
(2) عبارة الأصل: "واستعان بالدربة على ما يورد عليه من صور المسائل".

(10/343)


القول في المسائل الدائرة في الهبات وما يتعلق بها
6981 - مسائل فيه إذا وهب المريض عيناً، فعادت إليه تلك العين. مسألة: إذا وهب المريض عبداً من مريض وأقبضه إياه، فوهبه الموهوب له من الواهب الأول، وسلمه إليه، فماتا وما كان لواحد منهما مال إلا ذلك العبد، فلا شك أن المسألة تدور؛ من جهة أن الموهوب إذا رجع كلّه أو بعضه إلى الأول، زاد ثلثه؛ فتزيد هبته، ثم تدور هكذا، حتى يقطعه مسلك الحساب.
فطريق الجبر أن نقول: صحَّت الهبة من الأول في شيء من العبد، فبقي عبد إلا شيء، وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء، فيرجع إلى الأول إذاً ثُلث شيء، فيحصل معه عبد إلا ثلثي شيء، وذلك ضعف ما صحت الهبة الأولى منه، وهي شيء، [وضعفه شيئان، فنقول: معنا في الآخر عبد إلا ثلثي شيء] (1)، يعدل شيئين، فنجبر العبد بثلثي شيء ونزيد على عديله ثلثي شيء، فيصير عبد كامل في معادلة شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانية والشيء ثلاثة، فقد صحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد أولاً، وبطلت في خمسة أثمان. وتصح الهبة الثانية في ثلث ثلاثة أثمان، وهو ثمنٌ واحد، فيجتمع مع ورثة الأول ستة أثمان، وهو ضعف ما صحت هبته فيه، ويستقر في يد المريض الثاني ثمنان، وقد صحت هبته في ثمن، [فاعتدلت] (2) التبرعات ثلثاً وثلثين. طريقة السهام: أن نطلب عدداً له ثلث ولثلثه ثلث؛ لوقوع الوصيتين على هذه النسبة، وأقل ذلك تسعة، فنقول: صحت الهبة في ثلاثة منها، ويرجع من الثلاثة سهم إلى الواهب الأول، وهذا سهم الدور، فنقطعه ونُسقطه من البين، ونرد التسعة إلى ثمانية، ونقول: صحت هبة الأول في ثلاثة من ثمانية، ورجع منها سهم، واستمر العمل الأول.
__________
(1) عبارة الأصل: "وضعفه، فنقول: شيئان ومعنا من الآخر عبد إلا ثلثي شيء" والتعديل بالتقديم والتأخير والحذف من عمل المحقق.
(2) في الأصل: "فاعدل".

(10/344)


طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونجيز الهبة في درهم منه، يبقى دينار، ويرجع بهبة الثاني ثلثُ درهم، فيحصل مع الأول دينار وثلث درهم، وهذا يعدل درهمين، فنطرح ثلث درهم بثلث درهم قصاصاً، يبقى دينار يعدل درهماً وثلثي درهم، فابسطهما أثلاثاً فيصير الدينار ثلاثة، والدرهم والثلثان خمسة، فنقلب الاسم ونجعل الدينار خمسة، والدرهم في الوضع الأول ثُلُثة (1)، وقد صحت الهبة في درهم وهو ثلاثة من ثمانية، ويعود العمل إلى ما تقدم.
والسرّ المرعيُّ في الباب أنا لا نعبر عما صحت الهبة الأولى فيه إلا بالشيء المبهم، ونعبر عما تصح الهبة الثانية فيه بالثلث، والسبب فيه أنه يدور إلى الواهب شيء بعد هبته، فاستبهم لذلك مقدار تبرعه إلى أن يُثبته الجبر، وليس يرجع إلى الواهب الثاني شيء، فاستمر فيه لفظ الجزءِ، وخرجت المسألة على النظم الذي تقدم.
6982 - مسألة: ما قدمناه فيه إذا كان الواهب الأول والثاني مريضين.
فأما إذا كان الواهب الثاني وهو المتهب من الأول صحيحاً، والمسألة تدور على الأول من جهة العود إليه، والمال يريد بالعود بعد النقصان بالهبة، فالوجه أن نقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، فبقي عبدٌ إلا شيئاً، وبطلت الهبة في عبدٍ إلا شيئاً، ثم رجع ذلك الشيء الموهوب كلُّه بهبة الثاني؛ فحصل مع ورثة الأول عبدٌ كاملٌ يعدل شيئين ضعفَ ما صحت الهبة فيه، فنقلب الاسم ونجعل العبد شيئين والشيءَ واحداً، والواحد من الاثنين نصفُه، فقد صحت هبتُه في نصف العبد، ورجع ذلك إليه، فحصل عبد كامل يعدل ضعف ما وهب.
6983 - ولو أن الصحيح المتَّهب من المريض لم يهبه الأولَ، ولكن وهبه لصحيحٍ آخر، وأقبضه، فوهبه الموهوب له الثاني من الواهب الأول، وأقبضه إياه، ثم مات الأول ولا مال له غير العبد.
فهذه المسألة عندنا كالمسألة التي قبلها، فلا فرق بين أن يعود الموهوب إلى
__________
(1) المعنى أن الدرهم في الفرض الأول -في طريقة الدينار والدرهم- وقع ثُلُث ما يملكه المريض، ولذا صحت الهبة فيه.

(10/345)


المريض من جهةَ الموهوب له الصحيح من غير واسطة وبين أن يعود إليه بواسطة، فطريق العمل ما تقدم.
6984 - ولو وهب الأول، وهو مريض من مريض، فوهب الثاني وهو مريض من مريض ثالث ثم عاد من جهة الثالث إلى الأول، فالحساب بالجبر أن نقول: صحت هبة الأول في شيء، وبطلت في عبد إلا شيئاً، وصحت هبةُ الثاني في ثلث شيء، وصحت هبة الثالث للأول في ثلث ذلك الثلث، وهو تُسع شيء، فقد رجع إلى الأول إذاً تُسعُ شيء، فحصل في يد الورثة عبد إلا ثمانية أتساع شيء يعدل شيئين ضعفَ ما أطلقنا الهبة فيه، فنجبر ونقابل، فيعدل عبد كامل شيئين وثمانية أتساع شيء، فنبسطهما أتساعاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ستة وعشرين والشيء تسعة، فتصح الهبة في تسعة أجزاء من ستةٍ وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في سبعةَ عشرَ جزءاً، فصحت هبة الثاني في ثلاثة أجزاء من جملة التسعة الأجزاء، وبقي مع ورثته ضعفها، وهي ستة أجزاء، وصحت هبة الثالث في جزءٍ من الثلاثة، وبقي مع ورثته ضعف ذلك، وهو جزءان، ورجع إلى الأول جزء واحد، فصار معه ثمانية عشر جزءاً، وهو ضعف التسعة الأجزاء التي وهبها، فاعتدلت المسألة على الحساب.
طريقة السهام: أن تطلب عدداً له ثلث ولثلثه ثلث (1) ولثلث ثلثه ثلث، لأن الهبات ثلاث، وأقل ذلك سبعة وعشرون، فنجيز الهبة الأولى في ثلثها، وهو تسعة، وقد علمت أنه يرجع من التسعة سهمٌ إلى الواهب الأول، وهو سهم الدور، فأسقطه من البين، وحُطَّه من العدد المفروض وهو سبعة وعشرون فيبقى ستةٌ وعشرون، فهي سهام العبد، وتصح الهبةُ في تسعة من ستة وعشرين، كما خرج بالعمل الأول.
طريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً ونجيز هبة الأول في درهم، وهبةَ الثاني في ثلث ذلك الدرهم، وهبة الثالث في ثلث ذلك الثلث، وهو تسع درهم، فيرجع إلى الأول تُسعٌ، فيحصل معه دينار وتسعُ درهم، يعدل درهمين، فأسقط تسعَ درهم بمثله قصاصاً، فيبقى دينار يعدل درهماً وثمانيةَ أتساع درهم،
__________
(1) عبارة الأصل: لثلثه ثلث لوقوع ولثلث ثلثه ثلث.

(10/346)


فابسطهما جميعاً أتساعاً، واقلب الاسم، فيصير الدينار سبعةَ عشرَ، والدرهمَ تسعة، ومجموعهما ستةٌ وعشرون، وعادت الهبة إلى [تسعة] (1) من ستةٍ وعشرين، كما خرج بالعمل الأول.
6985 - فإن كان قد وهب المريض الأول من المريض الثاني العبدَ، فوهب المريض الثاني ما صح له من مريض ثالث، ومن المريض الأول جميعاً، ثم وهب الثالث ما صح له بالهبة من المريض الأول، فطريق الحساب أن نقول: جازت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت تقديراً في عبدٍ إلا شيئاً، وصحّت هبة الثاني في ثلث شيء يكون بين الأول والثالث نصفين، لكل واحد منهما سدس شيء، فيحصل مع الأول عبدٌ إلا خمسة أسداس شيء، ويحصل للثالث سدس شيء، وهبتُه تصح في ثلث ذلك، وهو ثلث سدس، وذلك جزء من ثمانية عشر جزءاً من شيء، فيرجع إلى الأول من الثالث ثلث سدس شيء، وقد رجع إليه من الثالث سدس شيء، فيحصل معه عبدٌ إلا أربعة عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، ونبسط بأجزاءِ الثمانيةَ عشرَ، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسين، والشيء ثمانية عشر.
فتصح هبة الأول في ثمانيةَ عشرَ جزءاً من خمسين جزءاً من العبد وتبطل في اثنين وثلاثين جزءاً منها، وتصح هبة الثاني في ثلث الثمانيةَ عشرَ، وهو ستة، نصفها للأول، ونصفها للثالث، وهو ثلاثة، وتصح هبة الثالث في جزء من الثلاثة، فيرجع إلى الأول من الثاني ثلاثة، ومن الثالث جزء، فيحصل معه ستة وثلاثون جزءاً من خمسين جزءاً من العبد، وهي ضعف الثمانيةَ عشرَ جزءاً التي وهبها.
هذا قياس الباب.
6986 - مسألة: في رجوع الموهوب إلى الواهب، وله شيء من التركة سوى الموهوب.
وهب المريض عبداً يساوي ألف درهم من مريضٍ وأقبضه إياه، فوهبه الموهوب له
__________
(1) في الأصل: " سبعة ".

(10/347)


من الواهب الأول وأقبضه وماتا جميعاً من مرضهما، وخلّف الواهب الأول ألف درهم سوى العبد الموهوب.
فنقول: نفذ بالهبة الأولى شيء من العبد، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، ورجع إلى الواهب ثلثُ شيء، بالهبة الثانية، وبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه ألف درهم هي مثلُ قيمة العبد.
فنقول: كان معه في التقدير عبدان إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبدان يعدلان شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ثمانية والشيء ستة، وهو ثلاثة أرباع الثمانية، فتصح هبةُ الأول في ثلاثة أرباع العبد، ويبطل في ربعه، ويرجع إليه بهبة الثاني ربعه ومعه من التركة مثلُ قيمة العبد، فقد حصل معه عبدٌ ونصفٌ: ضعفُ ما وهب.
طريقة السهام: أن نأخذ عدداً له ثلث، ولثلثه ثلث، وأقله تسعة، وقد علمت أنه يرجع إليه ثلث ما تصح هبته فيه، وذلك سهمٌ من الثلاثة، هو واحدٌ، فذلك سهمُ الدور، فأسقطه من التسعة، تبقى ثمانية، وهي سهام العبد، ثم خذ الثلاثة التي عزلتها للهبة، وزد عليها مثلَها؛ لأن التركة مثلُ قيمة العبد، فتكون ستة، فانسب الستة إلى الثمانية، تكون ثلاثة أرباعها، فتصح هبته في ثلاثة أرباع العبد، وبيان ذلك أنا عزلنا من العبد الأول ثلاثة، فيجب أن نزيد بسبب التركة ثلاثة أخرى؛ فإن التركة الزائِدة مثلُ العبد، فقد اجتمع ستة أسهم [فننسبها] (1) إلى عدد سهام العبد وهو ثمانية فتقع ثلاثة أرباع العبد.
طريقة الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونُجيز الهبة في درهم منه، يبقى [من] (2) العبد دينار، فيرجع إليه بالهبة الثانية ثلث درهم، ومعه من [التركة] (3) مثلُ قيمة العبد، فيجتمع معه ديناران ودرهم، وثلث درهم، وذلك يعدل درهمين، فنسقط درهماً وثلثاً قصاصاً، يبقى ديناران يعدلان ثلثي درهم، فنبسطهما
__________
(1) في الأصل: فنبسطها.
(2) في الأصل: مع.
(3) في الأصل: من الدرهم.

(10/348)


أثلاثاً، فيكون الدينار [ستة] (1)، والدرهم اثنين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون الدينار اثنين، والدرهم ستة، ومجموعهما ثمانية، والستة من الثمانية ثلاثة أرباعها.
6987 - ولو كانت التركة الزائدة مثلَ نصف قيمة العبد، لقلنا جازت هبته في شيء من العبد، ورجع إليه ثلث شيء، فمعه عبد إلا ثلثي شيء، ومعه مثل نصف عبد، فجميع ذلك عبدٌ ونصف عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون عبد ونصفٌ يعدل شيئين وثلثي شيء، فمعنا كسرُ النصف والثلث، فنضرب الجانبين في مخرج النصف والثلث، وهو ستة، فيكون العبد تسعة، والشيء ست عشرة، فنقلب الاسم، فيكون العبد ستة عشر، والشيء تسعة، فتصح هبةُ الأول في تسعة أجزاء من ستةَ عشرَ جزءاً من العبد، وتبطل في سبعة أجزاء منه، ويرجع إليه بالهبة الثانية ثلاثةُ أجزاء، فيجتمع من العبد عشرةٌ، ومعه مثلُ نصف العبد، وذلك ثمانية أجزاء، فالمجموع معه ثمانية عشر جزءاً، وهو ضعف التسعة الأجزاء التي نفذت الهبة فيها.
6988 - مسألة: في عَوْد الموهوب إلى الواهب، وعلى الواهب الأول دينٌ، فنقول: إن كان الدين على الواهب الأول مثل قيمة العبد أو أكثر منها، بطلت الهبة أصلاً.
وإن كان الدينُ أقلَّ من قيمة العبد، فتصح الهبة في البعض، فنقول: قيمة العبد ألفٌ، فوهبه من مريضٍ ثانٍ، وأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من الأول، وعلى الأول دينٌ، خَمسُ مائة، فالطريق أن نقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً [ورجع] (2) إليه بالهبة الثانية ثلثُ شيء، فبقي معه عبد إلا ثلثي شيء، يقضي منه الدين، وهو مقدار نصف عبد، فبقي مع الورثة نصفُ عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين، فنجبر نصف العبد بثلثي شيء، ونزيد على عديله مثلَه، فيكون نصف عبد يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما بمخرج النصف والثلث، فنضربهما في ستة، فيكون العبد ثلاثة والشيء ستة عشر، فنقلب الاسم، فيكون العبد ستةَ عشرَ، والشيء ثلاثة.
__________
(1) في الأصل: درهم.
(2) في الأصل: وربع.

(10/349)


ولا ننظر [في] (1) منزلة القلب [لكون] (2) ما في يد الورثة نصف عبد، فإنا نجعل عبداً في تقدير عبد قائم، والذي (3) نذكره في قلب الاسم واقعٌ بين الجنسين من غير التفات إلى الجزء والعدد.
فخرج منه أن هبة الأول، صحّت في ثلاثة أجزاء من ستةَ عشرَ جزءاً من العبد، وتبطل في ثلاثةَ عشر جزءاً منه، فيرجع إليه بالهبة الثانية جزءٌ من الثلاثة، فيحصل أربعة عشر جزءاً، فنقضي منه الدين، وهو ثمانية أجزاء مثلُ نصف العبد، يبقى مع الورثة ستةُ أجزاء من ستةَ عشر جزءاً من العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
6989 - مسألة: في رجوع الهبة إلى الواهب الأول، وللواهب الثاني تركة.
مريض وهب عبداً قيمته ألف من مريض آخر، ووهبه المريض الثاني من الأول، وليس للأول مالٌ غيرُ العبد، وللمريض الثاني ألفُ درهم، مثلُ قيمة العبد، فنقول: جازت هبةُ الأول في شيء من العبد، فصار مع الثاني ألفٌ وشيء، صحّت هبتُه في ثلث ذلك، وهو كثلث عبدٍ وثلث شيء، فيرجع ذلك إلى الأول، فيجتمع مع ورثة الأول عبدٌ وثلث عبد إلا ثلثي شيء، وذلك أن مع الواهب الثاني عبدٌ وشيء، فإذا صححنا هبته في ثلث ما في يده، كان عبداً وثلثَ شيء.
فقد رجع إلى الأول ثلثُ عبد، وثلثُ شيء، وكان معه عبدٌ ناقص شيئاً، فنسقط منه جزء الشيء، وهو ثلث شيء، ونضم إلى العبد ثلثَ عبدٍ، فيحصل عبدٌ وثلثُ عبد إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل شيئين، ضعفَ التبرع، فبعد الجبر والمقابلة، يكون عبد وثلث عبد يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، فيكون العبد أربعة، والشيء ثمانية، فنقلب الاسم، ونقول: العبد ثمانية، والشيء أربعة، فقد صحت الهبة في نصف العبد، وتصح هبة الثاني في جميع ذلك النصف، لأنه يبقى لورثته الألفُ التي هي قيمة هذا الضعف، فيحصل مع ورثة الأول عبد كامل، وهو ضعف الذي صحت الهبة، وخرجت المسألة مقوَّمة.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: ليكون.
(3) الواو زيادة من المحقق.

(10/350)


6995 - مسألة: في رجوع الهبة إلى الواهب الأول بالهبة من الثاني، وعلى الواهب الثاني دين.
وهب في مرضه عبداً قيمته ألفٌ من مريضٍ، وأقبضه إياه، ثم إن المريض الثاني وهبه من المريض الأول وأقبضه، وماتا، ولا مال لهم غيرُ العبد، وعلى الواهب الثاني ديْنٌ مائتا درهم.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، نقضي من الشيء دينَ الواهب الثاني، وهو مثل خُمس عبد، يبقى شيء إلا خُمسَ عبد، فتصح هبةُ الثاني في ثُلثه، وهو ثُلث شيء إلا ثلث خُمس عبد، فيرجع ذلك إلى الواهب الأول، وفي يده عبد إلا شيء، فيصير الآن بعد رجوع ما رجع إليه في يده أربعةَ عشرَ جزءاً من خمسةَ عشرَ جزءاً من عبد إلا ثلثي شيء، تعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، تكون أربعةَ عشرَ جزءاً من خمسةَ عشرَ جزءاً من عبد، تعدل شيئين، وثلثي شيء، فنبسط الجميع بالضرب في خمسةَ عشرَ، فيكون العبد أربعةَ عشرَ، والشيءُ أربعين، فنقلب الاسم، فيكون العبد أربعين، والشيء أربعة عشر، فتصح هبة الأول في أربعة عشرَ جزءاً من أربعين جزءاً من العبد، وبطل في ستةٍ وعشرين جزءاً منه، وحصل في يد الموهوب له أربعة عشر جزءاً يقضي منه دينَه، وهو مثل خمس العبد، وذلك ثمانية أجزاء من أربعين، يبقى معه ستة أجزاء تصح هبتُه في ثلثها، وهو جزءان، فيرجع إلى الواهب الأول جزءان ويحصل في يده ثمانيةٌ وعشرون جزءاً من أربعين جزءاً من العبد، وذلك ضعف الأربعةَ عشر جزءاً التي خرجت بالهبة.
فإن كان الدين على الواهب الثاني مثل ثلاثة أثمان قيمة العبد أو أكثر، صحت هبة الأول في ثلث العبد، وقُضي به دينُ الواهب الثاني، وبطلت هبةُ الثاني بالكلية، ولم يكن في المسألة دور؛ إذا لم يكن لهما مال إلا العبد.
6991 - مسألة: إذا وهب المريض عبداً قيمتُه ألفٌ من مريض وأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من الواهب الأول وأقبضه، ثم ماتا، وخلّف كلُّ واحد منهما ألفاً أخرى سوى العبد.

(10/351)


فنقول: صحت هبةُ الأول في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، فحصل مع الموهوب له الأول ألفٌ وشيء، والألفُ مثلُ العبد، فنقول: معه عبدٌ وشيء، وتصح هبته في ثلث ذلك، وهو ثلث عبدٍ وثلث شيء، فيرجع ذلك إلى الواهب الأول ومعه عبدٌ إلا شيء، وألفٌ هي مثل قيمة العبد، فيحصل معه عبدان إلا شيئاً، فنزيد عليه ثلثَ عبد، وثلث شيء، فيحصل معه عبدان وثلث عبد إلا [ثلثي] (1) شيء، يعدل شيئين.
وإذا جبرنا وقابلنا، فعبدان وثلث يعدلان شيئين وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ثمانية، والشيء سبعة، وتصح هبة الأول في سبعة أثمان العبد، وتبطل في ثُمنه، ويحصل في يد الموهوب له سبعة أثمان العبد ومعه ألفٌ كقيمة العبد، فهي ثمانية أجزاء، فقد حصل معه خمسةَ عشرَ جزءاً، تماثل ثمانيةٌ منها عبداً، فتصح هبته في ثلثها، يدفعها من جملة سبعة الأجزاء من العبد، فيرجع إلى الواهب الأول هذه الأجزاء الخمسة، وكان (2) معه جزءٌ من العبد، وهو ثمنه، ومعه ألفٌ، هي ثمانية أجزاء، فاجتمع معه أربعة عشرَ جزءاً، وهو ضعف السبعة التي جازت الهبة فيها أولاً.
هذا إذا كان لكل واحد منهما تركة زائدة.
6992 - فلو كان على كل واحد منهما دين خَمسُ مائة درهم، فنقول: الفتوى أن هبة الأول تصح في سدس العبد، وبطلت هبة الثاني؛ لأن دينه يستغرق ما صحّ له بالهبة.
وامتحان ذلك أن نقول: صحت هبة الأول في سدس العبد، وبطلت في خمسة أسداسه، ولم يرجع إليه شيء؛ لأن السدس الذي صحت الهبة فيه يذهب في دين الموهوب له، فنقضي دين الواهب، وهو نصف عبد من خمسة أسداس عبد، يبقى مع ورثته ثلثُ عبد، وهو ضعف السدس التي صحت فيه الهبة.
__________
(1) في الأصل: ثلث.
(2) في الأصل: وكان معه جزء من جزءٍ من العبد.

(10/352)


فإن كان الدين على أحدهما دون الآخر، فقد أوضحنا حكمَ ذلك من قبل.
وإن اجتمع الدين والتركة في شق أحدهما دون الآخر، فقد أوضحنا حكمَ ذلك من قبلُ.
وإن اجتمع الدين والتركة في شق أحدهما، أو في الجانبين، نقابل الدين والتركة؛ فإن استويا، فكأن لا دينَ ولا تركة ولا مال سوى العبد، فإن زاد الدين، سقطت التركة، ووقع الكلام في مقدار (1) الدين الفاضل من التركة.
وإن كانت التركة أكثر، أسقطنا عنها بمقدار الدين، ورددنا الكلام إلى التركة الفاضلة من الدين، ولا يخفى الحكم.
6993 - مسألة: في الزيادة والنقصان بعد الهبة.
فنقول: حكم الزيادة في الهبة كحمكها في أبواب العتق، وكذلك حكم النقصانِ في الهبة كحكم النقصان في العتق، إلا أن ما كان منهما محسوباً للعبد وعليه، فيكون مقداره إذا كان زيادة محسوباً للعبد وعليه، فيكون مقداره إذا كان زيادة محسوباً للموهوب له، وما حسب على العبد، فهو محسوب على الموهوب له، وما حسب في العتق على ورثة المعتِق، فهو محسوب على ورثة الواهب.
6994 - فإذا وهب مريض عبداً من غيره، فأقبضه، فزاد في قيمته مثلُها، فتصح هبتُه في نصف العبد، وقيمة هذا النصف يوم الموت مائة مثلاً، وكانت يوم الهبة خمسون، فهي محسوبة على الموهوب له بخمسين، ويبقى لورثة الواهب نصفُه، وقيمتُه يوم الموت مائة، وهي ضعف الخمسين المحسوبة على الموهوب له.
وإن كانت قيمته يوم الهبة مائة، فنقصت، ورجعت إلى خمسين، ومات الواهب، ولا مال له غيره، وصحت (2) الهبة في خُمس العبد، وقيمته يوم الهبة عشرون، ويوم الموت عشرة. فتلك الزيادة محسوبة على الموهوب له، فالعشرة محسوبة بعشرين اعتباراً بوقت الهبة.
__________
(1) عبارة الأصل: في مقدار الدين المخمس الفاضل ...
(2) الواو زيادة من المحقق.

(10/353)


وما أطلقناه من وقت الهبة عَنَينا به وقتَ الإقباض؛ إذ به تتم الهبة، والتعويل عليه.
6995 - فإن اجتمع في الموهوب زيادةٌ من وجه ونقصانٌ من وجه، قوبل بينهما، كما تقدم في أبواب الدور في العتق.
فلو وهب المريض عبداً قيمته مائة، لا مال له غيره، فأقبضه إياه، فزادت قيمته في يد الموهوب له، فبلغت مائتين، ثم وهب الموهوب له [العبدَ] (1) من الواهب في مرضه، وأقبضه إياه، ثم ماتا، لا مال لهما غيره، ولا دين عليه، فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد محسوبٍ على الموهوب له بنصف شيء، وبقي مع الواهب الأول عبدٌ إلا شيء، وصحت هبةُ الثاني في ثلث الشيء الحاصل معه، فصار مع الأول عبد إلا ثلثي شيء يعدل ضعف المحسوب على الموهوب له، والمحسوب عليه نصف شيء، وضعفه شيء، فيكون عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئاً، فبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ كامل شيئاً وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب العبارة في الجانبين، فيكون العبد خمسة، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة أولاً في ثلاثة أخماس العبد، قيمتها يوم الهبة ستون درهماً، وبهذا الحساب تُحسب على الموهوب له، وقيمتها يوم الموت مائة وعشرون، وتصح هبة الثاني في ثلثها، وهو أربعون، وبقي مع ورثته ثمانون، ورجع أربعون إلى الواهب الأول، وكان (2) معه خُمسا العبد، وقيمته يوم الموت ثمانون، فإذا زدنا عليها الأربعين، صار مائةً وعشرين، وهي ضعف الستين المحسوبة على الموهوب له الأول.
6996 - ولو وهب المريض من مريض وقيمة العبد مائة، فنقصت قيمته في يد الموهوب حتى نقصت إلى خمسين، ثم وهبه الثاني من الأول، قلنا: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وهو محسوب على الموهوب له بشيئين، بقي مع الواهب الأول عبدٌ إلا شيء، ورجع إليه بالهبة الثانية ثلث شيء، فحصل معه عبد إلا ثلثي
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: فكان.

(10/354)


شيء، يعدل ضعفَ المحسوب على الموهوب له الأول، وهو أربعة أشياء، فبعد الجبر يكون عبدٌ كامل يعدل أربعة أشياء، وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب العبارة فيكون العبد أربعةَ عشرَ، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أجزاء من أربعةَ عشرَ جزءاً من العبد، وهي محسوبة على الموهوب له بستة أجزاء، فبقي مع الواهب الأول أحد عشر جزءاً، ورجع إليه بالهبة الثانية جزء من الأجزاء الثلاثة، فاجتمع معه اثني عشر، وهي ضعف الأجزاء المحسوبة.
هذا قياس الباب.
6997 - مسألة: تقدم نظيرها فنجدد العهد بها في هذا النوع.
لو وهب المريض عبداً قيمته مائة، فمات في يد الموهوب له، ثم مات الواهب. فهذا يخرج على القياس بخلاف المقدم المذكور في موت المعتَق قبل موت المولى، ففي وجهٍ نقول: الهبة جائزة منفذة في جميع العبد؛ لأنه لم يبق حتى يجري فيه الميراث، وهو كهبة الصحيح.
والثاني - أن الهبة باطلة في الجميع؛ لأنها في معنى الوصية، ولا يثبت من الوصية جزءٌ ما لم يثبت الإرث في جزأين.
فإن قلنا: الهبة صحيحة في الجميع، فلا كلام.
وإن قلنا: الهبة باطلة، فقد ذكر الأستاذ تردداً في أن الضمان هل يجب؟ قال: من أصحابنا من قال: لا يجب الضمان؛ فإن يد المتهب ليست يدَ ضمان، فلتكن يدَ أمانة.
ومن أصحابنا من قال: يجب الضمان؛ لأنه قبض لنفسه، فكانت يده كيد المستعير، والأولى أن نقول [عن يد] (1) المستعير: إنها تضمن؛ لأنه قبض ليردّ، وما كان مضمون الرد، كان مضمون القيمة، والمتهب ما قبض ليرد ما اتهب، وليست الهبات من عقود العهد والبياعات.
وهذا الخلاف يجري في كل هبة تجري على الفساد، وقد ذكرنا أصل ذلك في
__________
(1) زيادة من المحقق.

(10/355)


الغصوب عند ذكرنا الخلاف في أن المتّهب من الغاصب على جهلٍ هل يستقر الضمان [عليه] (1)، فإن قلنا: يستقر الضمان عليه، فقد جعلناه يدَ ضمان، وإن قلنا: لا يستقر الضمان عليه، فقد جعلناه يدَ أمانة.
6998 - فلو اكتسب العبد ألفاً في يد المتهب، ثم مات العبد ومات الواهب بعده، فنقول: صحت الهبة في شيء منه، وللموهب له عشرة أشياء من كسبه، وليست محسوبةً عليه من الوصية، وللورثة باقي الكسب، وهو ألف درهم إلا عشرة أشياء، وذلك يعدل شيئين، فالألف اثنا عشر شيئاً، فإنا إذا قلنا: ألفٌ إلا عشرة أشياء تعدل [شيئين] (2) فكأنا قلنا: ألفٌ إلا عشرة أشياء شيئان، فالألف اثنا عشرَ شيئاً؛ فإن معنى تمام الألف رد عشرة أشياء، فالشيء إذاً نصفُ سدس المال وهو ثلاثة وثمانون درهماً وثلث، وهذا المقدار خمسةُ أسداس العبد، فنقول: صحت الهبة في خمسة أسداسه، وبطلت في سدسه، فلورثة الواهب سدس كسبه، وهو مائة وستة وستون وثلثان، وهو ضعف ما جازت الهبة فيه، ولا يحسب سدس العبد إلا على ورثة الواهب؛ فإنه مات قبل موت الواهب، فلم يبق للورثة؛ فلهذا لم يدخل العبد في حساب ما تبقى للورثة، ويحسب على الموهوب له بما تلف من وصيته، لأنه تلف في يده.
ومن قال من أصحابنا: تتم الهبة فيه إذا مات قبل موت الواهب، فتكون جميع الأكساب على هذا الوجه للموهوب له، لا حظ فيه لورثة الواهب.
6999 - وهذه المسألة بيّنة، ولكنا نزيدها وضوحاً، فنقول: أما الوجه الأخير، فقياسه لائح، فإنا إذا صححنا الهبة في الجميع، لم نحسب من الكسب شيئاً على الموهوب له.
وإن فرعنا على الوجه الثاني، وهو الأصح الذي قدمنا التفريع عليه، فإن لم يكن كسبٌ، حكمنا ببطلان الهبة في الجميع؛ من جهة أنه لم يَجْرِ في شيء إرثٌ. فإذا كان
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) ساقط من الأصل.

(10/356)


كسبٌ كما صورنا، فبقي للواهب تركةٌ، فيجب لأجل بقاء شيء من التركة تصحيحُ شيء من الهبة على ما يقتضيه الحساب، ولا يتبعه فيما تبقى تركة، ولا نظر إلى فوات العين بعد بقاء التركة وماليتها. وهذا واضح.
ولكنا أحببنا التنبيه عليه، ليميز الناظر بين الوجهين.
والذي يجب القطع به في هذا المقام الوجهُ الذي قدمناه، وذكرنا حسابه؛ فإنا إنما نتبع الكسب من غير احتساب به إذا صحح حساب نسبة التركة ملكاً في أصلٍ، وهاهنا إذا صححنا الهبة حيث لا كسب فسببه عدمُ التركة، فضعف هذا الوجه جداً في هذا المقام.
7000 - مسألة: في رجوع الهبة إلى الوارث بالميراث:
مريض وهب من أخيه ألف درهم، لا مال له غيره، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً وأخاه الواهب، ثم مات الواهب.
فنقول: صحت الهبة في شيء من الألف، وبطلت في الألف إلا شيئاً، ورجع إليه الميراثُ نصفَ الشيء الذي صحت الهبة فيه، فبقي معه ألفٌ إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون ألف يعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الألف، فتصح هبته في خمسي الألف، وهو أربعمائة، وبطلت في ستمائة، ورجع إليه بالميراث نصف الأربعمائة، فيحصل مع ورثته ثمانمائة، وذلك ضعف الأربعمائة التي صحت فيها الهبة.
7001 - ولو وهب المريض من أخيه عبداً قيمتُه ألفُ درهم وسلّم، ثم مات الموهوب له قبل الواهب، وخلف بنتين وأخاه الواهب، ثم مات الواهب ولا مال لهما غيرُ العبد.
فنقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث ثلث ذلك الشيء، فبقي معه عبدٌ إلا ثلثي شيء يعدل شيئين. وإذا جبرنا وقابلنا، فعبدٌ كامل يعدل شيئين وثلثي شيء، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الاسمَ فيهما، فيكون العبدُ ثمانية والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أثمانه، فصحت الهبة في ثلاثة أثمان

(10/357)


العبد، وبطلت في خمسة أثمانه، ورجع إليه ثلث ما صحت فيه الهبة، فيجتمع معه ستة أثمان العبد، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن مات الموهوب له قبل الواهب، وخلف امرأة وبنتاً وأخاه، صحت الهبة في شيء، وبطلت في شيئين، وبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ شيئين، وخمسة أثمان شيء، نبسطها أثماناً، ونقلب الاسم، فيكون العبد أحداً وعشرين، والشيء ثمانية، وتصح الهبة في ثمانية أجزاء من أحد وعشرين جزءاً من عبد، وبطلت في ثلاثةَ عشرَ جزءاً منه، ورجع إليه بالميراث ثلاثة أجزاء، فحصل معه ستةَ عشرَ جزءاً، وهي ضعف الثمانية.
هذا قياس الباب.
7002 - مسألة: مريض وهب عبداً من أخيه قيمته ألفٌ، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً واحدة وأخاه الواهب، ثم مات الواهب، وخلف مائتي درهم سوى العبد.
قلنا: صحت هبته في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث نصفُ شيء، ومعه من التركة مثلُ خمس عبد، فالحاصل معه عبدٌ وخمس عبد إلا نصف شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة عبد وخمس عبد يعدل شيئين ونصف شيء، فنضرب كل واحد منهما في مخرج النصف والخُمس، وهو عشرة، فيكون العبد والخمس اثني عشر، والشيء خمسةً وعشرين، فنقلب الاسم فيهما، فيكون العبد والخُمس خمسةً وعشرين، [والشيء] (1) اثنا عشر، فتصح هبته في اثني عشر جزءاً من خمسةِ وعشرين جزءاً من العبد وتبطل في ثلاثةَ عشر جزءاً منه، وترجع إليه بالميراث ستةُ أجزاء، ومعه من التركة مثلُ خُمس العبد، وذلك خمسة.
فيجتمع معه أربعةٌ وعشرون جزءاً، وهي ضعف الاثني عشر الذي صحت الهبة فيه.
7003 - فإن لم يكن له تركة، وكان عليه دينٌ مائتين، قلنا: صحت الهبة في شيء من العبد وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث نصف شيء، فبقي معه عبدٌ
__________
(1) في الأصل: والثلثي.

(10/358)


إلا نصفَ شيء، نقضي منه دينَه، وهو مثلُ خمس عبد، يبقى أربعة أخماس عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون أربعة أخماس عبد تعدل شيئين ونصفاً، فنضرب كل واحد منهما في مخرج النصف والخمس، وهو عشرة، ونقلب الاسمَ فيهما بعد البسط، فيكون العبد خمسةً وعشرين، والشيء ثمانيةً، فتصح هبته في ثمانية أجزاء من خمسةٍ وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في سبعة عشرَ جزءاً منه، ويرجع إليه بالميراث نصف الثمانية، فيصير معه أحدٌ وعشرون جزءاً، نقضي منه دينه وهو مثل خمس العبد، [وهو خمسة أجزاء، يبقى ستة عشر] (1)، وهو ضعف الثمانية الأجزاء التي صحت الهبة فيها.
7004 - مسألة: وهب المريض عبداً قيمته ألفُ درهم من أخيه، فمات أخوه قبله، وخلّف بنتاً وألفاً سوى العبد، فنقول: صحت في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وحصل مع الموهوب له شيء، وألفُ درهم، يرجع نصف ذلك إلى الواهب بالميراث، وهو نصف شيء ونصف عبد؛ فإن العبد قيمته ألف، فحصل مع ورثة الواهب عبدٌ ونصفٌ إلا نصفَ شيء، تعدل شيئين، وإذا جبرنا وقابلنا، فعبد [ونصفٌ] (2) يعدل شيئين ونصفاً فنبسطها [أنصافاً] (3) ونقلب العبارة، فيكون العبد خمسة والشيء ثلاثة.
فإذا صحت الهبةُ في ثلاثة أخماس العبد وقيمته ستُّمائة، يبقى [مع] (4) الواهب خمساه، والقيمة أربعمائة، ويحصل مع الموهوب له ألفٌ وستمائة، يرجع نصفها إلى الواهب بالميراث، فيحصل مع الواهب ألفٌ ومائتان، وهي ضعف الستمائة التي جازت الهبة فيها.
7005 - فإن لم يكن للموهوب له تركة، وكان عليه دين مائتي درهم، فنقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وبطل في عبدٍ إلا شيئاً، فحصل مع الموهوب له شيء، يقضي منه دينه، وهو مثلُ خُمس العبد، يبقى شيء إلا خُمس عبد، يرجع
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: أيضاً.
(4) في الأصل: من.

(10/359)


نصفه بالميراث إلى الواهب، وهو نصف شيء إلا عُشر عبد، فتحصل معه تسعة أعشار عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين.
وبعد الجبر والمقابلة يكون تسعة أعشار عبد في معادلة شيئين ونصف، فنضرب كل واحد منهما في مخرج يكون له نصف وعشر، وهو عشرة، ثم نقلب الاسم بعد البسط، فيكون العبد خمسة وعشرين، والشيء تسعة، فتصح هبته في تسعة أجزاء من خمسة وعشرين جزءاً من العبد، وتبطل في ستة عشر جزءاً، ويحصل مع الموهوب له تسعة أجزاء يقضي منها دينَه، وهو خمسة أجزاء، تبقى معه أربعة أجزاء، يرجع منها جزءان إلى الواهب بالميراث، فتحصّل معه ثمانيةَ عشرَ جزءاً، وهي ضعف التسعة الأجزاء التي صحت الهبة فيها.
7006 - وإن خلف كُّل واحدٍ منهما خَمسمائة درهم سوى العبد، قلنا: صحت الهبة في شيء، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وحصل مع الموهوب له شيءٌ ونصف عبد، لأن الخمسَمائة نصف عبد، ويرجع نصف ذلك إلى الواهب، وهو ربع عبد، ونصفُ شيء، وكان مع الواهب عبدٌ إلا شيء ومقدارُ نصف عبد، وهو خَمسُمائة، ويرجع إليه ربع عبد ونصفُ شيء، فمعه عبدٌ وثلاثة أرباع عبد إلا نصفَ [شيء] (1)، وذلك يعدل شيئين.
وإذا جبرنا وقابلنا يكون عبدٌ وثلاثة أرباع عبد تعدل شيئين ونصف شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد عشرة والشيء سبعة، وقد صحت الهبة في سبعة أعشار العبد، وقيمتها سبعُمائة، وحصل مع الموهوب له هذه السبعُمائة، ومعه من التركة خَمسُمائة، فذلك ألفٌ ومائتان، يرجع نصفها، وهو ستُّمائة إلى الواهب، وكان معه من العبد ثَلاثُمائة، ومن التركة خَمسُمائة فيجتمع معه ألفٌ وأربعُمائة، وهي ضعف السبعمائة التي صحت الهبة فيها.
7007 - مسألة: إذا كان الزوجان مريضين، ولكل واحد منهما مائة درهم، فوهب كل واحد منهما مائةَ لصاحبه، وأقبضه ثم ماتا، وخلف كل واحد منهم أخاً، نظر،
__________
(1) في الأصل: عبد.

(10/360)


فإن ماتت المرأة أولاً، بطلت هبتها للزوج؛ لأنه وارثها، وتنفذ الهبة للمرأة من جهة الزوج. فنقول: نفذت هبة الزوج في شيء من المائة التي كانت له، وورث الزوج عنها نصفَ ذلك الشيء، مع نصف المائة التي كانت لها، فيجتمع لورثة الزوج مائةٌ وخمسون درهماً، إلا نصف شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر يكون مائة وخمسون درهماً، تعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا المائة والخمسين، وذلك ستون درهماً، فتصح هبة الزوج في ستين، وتبطل في أربعين، وتحصّل في يد المرأة مائة وستون درهماً يرجع نصفها، وهو ثمانون درهماً، [للزوج، فيجتمع له مائةٌ وعشرون] (1) وهو ضعف ما جازت الهبة فيه.
7008 - وإن كان الزوج قد مات أولاً، بطلت هبته للمرأة؛ لأنها وارثةٌ له، وتصح هبة المرأة للزوج في شيء من المائة.
فنقول: صحت هبتها في شيء من المائة التي لها، وبطلت الهبة في مائة إلا شيئاً، وورثت المرأة عنه ربع ذلك الشيء، وربع مائةٍ (2)، واجتمع مع ورثتها مائة وخمسة وعشرون درهماً إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين بعد الجبر والمقابلة يكون مائة وخمسة وعشرون درهماً تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء.
وإذا أردنا أن نعرف حصة الشيء الواحد من شيئين وثلاثة أرباع من جملة مائة وخمسة وعشرين، [قسمناها] (3) على أحد عشر، وذلك بأن نبسط الشيئين والثلاثة الأرباع أرباعاً، ثم نقسم مائة وخمسة وعشرين على أحد عشر، فيخص كلَّ واحدٍ أحدَ عشر درهماً وأربعةَ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، هذا حصة [ربع] (4) شيء مما معنا من مائة وخمسة وعشرين، [وحصة الشيء خمسة وأربعون، وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم] (5) فقد صحت هبتها في هذا المقدار، وبقي معها أربعة
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: ربع مائة إلا شيئاً.
(3) زيادة من المحقق.
(4) سقط من الأصل.
(5) زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها.

(10/361)


وخمسون درهماً وستةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، [فاجتمع مع الزوج مائة وخمسة وأربعون وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً] (1) يكون ربعها للمرأة، وذلك ستة وثلاثون درهماً وأربعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فنزيد ذلك على ما كان قد بقي معها، فيجتمع مع ورثتها تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وذلك ضعف ما وهبت.
7009 - وإن كانا قد غرقا معاً وعَمِيَ موتُهما، فلا يرث أحدهما الآخر، وينفذ التبرع من الجانبين إذا انقطع التوارث، فإن التبرع منجّزٌ في المرض.
فسبيل الحساب أن نقول: نفذ للمرأة بهبة الزوج شيءٌ نضمه إلى المائة التي لها، فيكون معها مائة وشيء، فينفذ للزوج من هبتها ثلثُ ذلك، وذلك ثلث شيء، وثلاثةٌ ثلاثون درهماً وثلاثة دراهم وثلث، فنضمه إلى ما في يد الزوج، مما بطلت فيه هبتُه، وذلك مائة درهم إلا شيئاً، فيصير معه مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا ثلثي شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر، يكون مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم يعدل [شيئين] (2) وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان ذلك، وهو خمسون درهماً، فهذا هو الجائز بهبة المرأة، فتصح هبة كل واحد منهما في نصف المائة التي له، ولا يتفاضلان.
ولكن لم نجد بداً من تصحيح الهبة، إذ لا مبطل لها في المقدار الذي ذكرناه.
7010 - مسألة: مريض وهب عبداً لا مال له غيرُه من مريض، فأقبضه إياه، ثم وهبه المريض الثاني من المريض الأول وأقبضه، ولا مال له غيره، ثم إن الواهب الأول بعد هبة الثاني أعتق العبد.
قد حكى الأستاذ عن ابن سريج أنه قال في هذه المسألة: إنها تصح من أربعة وعشرين، لورثة الواهب الثاني ربعُ العبد ستة أسهم، ويعتِق من العبد تمامُ الثلث، وهو سهمان، وذلك نصف سدس العبد.
__________
(1) زيادة من عمل المحقق.
(2) في الأصل: شيء.

(10/362)


ولورثة الواهب الأول ثلثاه.
قال الأستاذ: ذهب حُذاق الأصحاب إلى أن هذا الجواب خطأ، والعتق باطلٌ؛ لأنه بدأ بالهبة قبل العتق؛ فهي مقدمة عليه، والثلث يستغرق الهبة، فكيف ينفذ العتق في شيء من العبد قبل تمام الثلث للموهوب له، وإذا بطل العتق، صحت الهبة في ثلاثة أثمان العبد، ورجع إليه بالهبة الثانية ثمنٌ واحد، فيجتمع مع الورثة ستة أثمانه، وهي ضعف [ما صحت فيه الهبة] (1).
وإن كان قد أعتقه أولاً، ثم وهبه عَتَقَ ثلثُه، ورق ثلثه للورثة، وبطلت الهبة. وكذلك لو وهبه في مرضه، ثم أوصى به لآخر بعد الإقباض وإتمام الهبة، صحت الهبة من ثلاثة أثمانه، ورجع الثمن إليه بالهبة الثانية، وبطلت الوصية. وهذه المسألة في وضعها على [هذه الصورة خطأ] (2). وما أراها من وضع الأستاذ.
ونحن ننبه على وجه الخطأ، ونوضح وجه الصواب، ونقول: قد وضعنا المسألة فيه أولاً إذا وُهب العبد وسُلِّم، ثم الموهوب له وَهبَ من الواهب الأول وسلَّم، ثم أعتق الواهب الأول، وإذا تُصوِّرت المسألة بهذه الصورة؛ فلا وجهَ إلا ما قاله ابنُ سريج؛ فإنا نُقدّر كأن العتق لم يكن، فيقتضي الحساب إذا جرت الهبة من الثاني من غير عتق أن تصح هبةُ الأول في ثلاثة أثمان العبد، هذا مقتضى الهبة إن تجردت، فإذا فرضنا عتقاً بعد الهبة [الثانية] (3)، لم ينقص به حق الموهوب له، ولم ينقص من الثلثين الذي هو حق الورثة، فلا معنى لرد ما يكمل الثلث. وهذا ممَّا لا يتمارى فيه، فليقع فرضُ المسألة في أربعة وعشرين حتى يجتمع فيها حساب الأثمان، وإمكان تعديل الثلث والثلثين، وذلك بضرب ثمانية في ثلاثة، فيخرج في هذا المبلغ ثلاثة أثمانه في الهبة الأولى، وهي تسعةٌ، ثم يرجع بالهبة الثانية
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة قدرناها مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: الثالثة.

(10/363)


ثمنٌ، وهو ثلثُ ما صحت [فيه] (1) الهبة الأولى؛ فيحصل في يد الواهب [الأول] (2) ثمانيةَ عشرَ، وقد انفصل نصيب الهبتين، فإذا أعتق، لم يكن له إلا استكمال الثلث، بما [قدّم] (3) وأخر من التبرع، والثلث يكمّل [بسهمين] (4).
فهذا حظُّ العتق، وقد وفّينا على الهبة حقَّ تقدّمها، فيبقى لورثة الواهب الأول ستةَ عشرَ، وهي الثلثان وقد انحصر التبرعُ هبةً وعتقاً في الثلث. والسببُ فيه أن الموهوب له وهب مما اتهب، فلم يكن له التنقيص من قبلنا.
فإذاً لا وجه لتخطئة ابن سريج في هذه المسألة؛ فالذي قاله الحقُّ إن كانت المسألة
مصورة على هذا الوجه.
وسنذكر مسألة أخرى وننقل فيها الجوابَ وتخطئةَ الأصحاب له، ونوضح فيها أن الصواب التخطئة، وننعطف إذ ذاك على هذه المسألة ونضع لها صورةً تضاهي الصورةَ الثانية، فعند ذلك يعلم الناظر أن الخطأ في هذه المسألة محمول على واضعها.
7011 - مسألة: إذا وهب المريض لامرأته مائةَ درهمٍ، لا مال له غيرُها، وأقبضها إياها، وأوصى بثلث ماله لرجل، فماتت المرأة قبل الزوج، ثم مات الزوج.
حكى الأستاذ عن ابن سريج أنه قال: الهبة مبدأةٌ مقدمة على الوصية، والحساب يقتضي أن نصحح الهبة في أربعين، كما سنذكره، إن شاء الله تعالى.
ثم إذا صحت الهبةُ في أربعين وماتت، رجع نصفُ الأربعين ميراثاً إلى الزوج، وإنما صحت الوصية لها؛ لأنها خرجت عن كونها وارثةً لمّا ماتت قبل الزوج، ثم تحصل في يد الزوج ثمانون درهماً، قال ابن سريج: يصرف من هذه الثمانين قيمةُ ثلث المائة إلى الوصية، وذلك ثلاثة عشر درهماً وثلث؛ فإنها مع العشرين الباقية لورثة الزوجة بعد نصيب الزوج ثلث المائة.
__________
(1) في الأصل: منه.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: تقدم.
(4) في الأصل: سهمين.

(10/364)


قال الأستاذ وغيره من الحذَّاق: هذا الجواب غلط على أصل الشافعي؛ لأن الهبة المقبوضة مقدمة على الوصية، ومحل الوصية الثلث، والهبة قد استغرقت الثلث، وزادت [على] (1) ما يقتضيه الحساب، فوضع الوصية بعد استغراق الثلث باطل، فلتبطل الوصية إذاً، وإذا بطلت قدّرنا كأنها لم تكن، ولو لم تكن الوصية، لكان الحساب للهبة مع جريان الموت أن نقول: صحت الهبة في شيء من المائة، ورجع إلى الزوج نصف ذلك الشيء، فبقي معه مائة إلا نصف شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون مائة تعدل شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائة، وهو أربعون، فيرجع نصفها إلى الزوج بالميراث، وذلك عشرون، فيصير مع ورثته ثمانون، وهي ضعف الأربعين.
هذا ما ذكره الأستاذ حاكياً عن ابن سريج ومستدركاً عليه، وللاستدراك على ابن سريج وجهٌ بيّن في هذه المسألة؛ فإنه وهب وأقبض، وعرفنا أن الهبة نافذة في الثلث لا محالة إن لم تزد، فالوصية بعد استغراق محل الوصية مختلفة (2)، وقول ابن سريج في هذه المسألة ليس ساقطاً إن كان يتحرى الاستدراك عليه؛ فإنه أوصى بثلثٍ مرسل، والاعتبار في الوصايا بمآلها، وقد جرت حالةٌ وهي الموت والتوريث غيرت نسبةَ المال به لبداية بقي معه أربعة أخماسه، فرأى ابن سريج أن نقول: الوصية لا تنزل مزاحمةَ الهبة، ولكنها تتشبث ببقية الثلث اعتماداً على مآل الأمر، فكان هذا كما لو أوصى لرجلٍ بألف درهم، وهو لا يملك شيئاً، أو أوصى بثلث ماله ولا مال له، فإذا استفاد مالاً، نفذت وصيته على المذهب الظاهر، وسنذكر الخلاف [فيه] (3)، إن شاء الله تعالى.
فإذا وضحت هذه المسألة، وما قيل فيها، فنظير المسألة السابقة فيها أن تهب العبدَ وتسلّمه، ثم تعتقه قبل هبة الثاني، ثم يهب الثاني، فهذا عتقٌ لا يصادف محلاً، إلا أن يُحمل على وقف العتق في بعض الصور، [ولا] (4) يجوز إلا على وجهٍ
__________
(1) عبارة الأصل: وزادت ويقتضيه الحساب.
(2) كذا. والمعنى أن الوصية باطلة بعد فوات محلّها.
(3) في الأصل: الخلاف في قيمة.
(4) في الأصل: "لا يجوز".

(10/365)


ضعيفٍ، لا يجوز الاعتداد به، ولا نظن أن ابن سريج في هذا المحل يخالف؛ فإن العتق لا يقع على معنىً، ولا يقبل الإرسال.
فهذا تمام الكلام في هذا الفصل.
7012 - نعود إلى مسألة الزوجين، وقد وهب الزوج المائة منها، وسلمها إليها، ثم إن المرأة أوصت بثلث مالها لرجل، فنقول: صحت هبة الرجل في شيء من المائة، وحصل في يد المرأة شيء؛ فصحت وصيتها في ثلث ذلك الشيء، ثم لما ماتت قبل زوجها، رجع إلى الزوج بالميراثِ نصفُ الباقي، فحصل معه مائة إلا ثلثي شيء تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة تعدل مائةٌ شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، والوصيةُ تصح في ثمنٍ واحد، ويرجع إلى الزوج بالميراث نصفُ الباقي، وهو ثمن، فتحصل مع ورثته ستةُ أثمان، وهي ضعف الهبة.
وهذه المسألة معتدلةٌ خارجة عن كلام ابن سريج.
7013 - مسألة: إذا وهب المريض عبداً له من أخيه قيمته ألف درهم، وأقبضه واكتسب خَمسمائة، ثم مات الموهوب له وخلف بنتاً وأخاه الواهب، ثم مات الواهب، فحساب المسألة أن نقول: جازت الهبة في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، ونُتبعه من الكسب مثلَ نصفه، وذلك نصفُ شيء، يبقى لورثة الواهب من العبد عبدٌ إلا شيء، ومن كسبه مثلُ نصف ذلك، وهو نصف عبدٍ إلا نصفُ شيء، ويرجع إليهم بالميراث نصف ما حصل للموهوب له، وكان حصل له شيء ونصفٌ من العبد والكسب، فنصفه ثلاثة أرباع شيء، فيجتمع مع ورثة الواهب [عبدٌ ونصف] (1) إلا ثلاثة أرباع شيء، فإنه كان قبل الميراث في أيديهم عبد ونصف إلا شيئاً ونصفاً، فإذا رجع إليه نصف الشيء، [والنصف] (2) بالميراث، نقص الاستثناء وعاد إلى نصفه؛ فصار الحاصل بعد الميراث عبدٌ ونصفُ عبد إلا ثلاثة أرباع شيء، وذلك يعدل
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: " فالنصف".

(10/366)


ضعف التبرع، وهو شيئان، فإذا جبرنا وقابلنا، فعبدٌ ونصف عبد يعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسمَ فيهما، فيكون العبد أحدَ عشرَ والشيء ستةٌ، فتصحّ الهبة في ستة أجزاء من أحدَ عشر جزءاً من العبد، ويتبعها من كسبه مثلُ نصفها، ثلاثة أجزاء غيرُ محسوبة على الموهوب له، فيجتمع له تسعة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من عبد، وينبغي أن يكون لورثة الواهب اثنا عشر جزءاً ضعف ما يُعدّ من الهبة أولاً، وقد بقي خمسة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من العبد بطلت الهبة فيها، ويبقى ما يتبعها من الكسب وهو مثل نصفها، ثم يُرجع الميراثُ نصفَ ما فضل في يد الموهوب له من الرقبة والكسب، والحاصل كان في يده تسعة، ونصفها أربعة ونصف، فإذا ضممناها إلى السبعة والنصف، كان المجموع اثني عشر، وهي ضعف الستة التي نفذت الهبة فيها.
7014 - مسألة: وهب المريض من أخيه ألفين، ثم وهب أخوه منه أحدَ الألفين على الشيوع، وهو صحيح، ثم مات قبله -نعني هذا الصحيحَ- ثم خلّف بنتاً وأخاه الواهبَ الأول، فللشافعي قولان في الحصر والشيوع: أحدهما - أن هبة الثاني تصح في جميع ما ملكه بالهبة الأولى، وتنحصر هبتُه فيما ملكه.
على هذا القول تصح هبة الأول في الألف من الألفين، فترجع تلك الألف كلُّها؛ فيصير مع ورثته ألفان، وهما ضعف الألف الموهوبة.
فطريق الحساب أن نقول: جازت هبته في شيء من الألفين، ورجع ذلك الشيء كله إليه؛ لأن الواهب الثاني صحيح، فيكون معه ألفان يعدلان شيئين فالشيء نصف الألفين، وهو ألف.
وعلى هذا القول لا يكون في المسألة ميراث؛ فإن المسألة مفروضة إذا لم يكن للموهوب له مال سوى ما اتّهب، ووهبه.
هذا أحد القولين.
والقول الثاني أن هبة الثاني تصح في نصف ما ملكه بالهبة الأولى؛ فإنه قبض الألفين، فشاعت هبته فيهما، وصادفت ما ملك، وما لم يملك، وهو قد وهب

(10/367)


نصفَ الألفين، وطريق الحساب على هذا القول أن نقول: صحت هبة الوارث في شيء، ورجع إليه نصفُ ذلك الشيء بالهبة الثانية، ونصف الباقي بالميراث، فجميع ما يرجع إليه ثلاثة أرباع شيء، فيبقى معه ألفان إلا ربع شيء وذلك يعدل شيئين على القانون المعروف في المعادلة مع الضِّعف.
فبعد الجبر والمقابلة يكون ألفان في معادلة شيئين وربع، فنبسطهما أرباعاً، فيصير الألف أربعةً والشيءُ تسعةً، فنقلب الاسم، فيصير الألفان تسعة والشيء أربعة، فتصح الهبة في أربعة أتساع الألفين، وتبطل في خمسة أتساعها، ويرجع إليه بالهبة تسعان، وبالميراث تُسعٌ واحد، فيحصل مع ورثته ثمانية أتساع الألفين، وهو ضعف الأربعة الأتساع التي نفذت الهبة فيها.
7015 - والذي يجب التنبيه له في هذه المسألة وأمثالها: أنا إذا وجدنا في أحد الجانبين كسراً، ولم نجد في الجانب الثاني كسراً، وقلنا: نبسط الجانبين ليخرج الكسر، بسطنا جانب الكسر على حق البسط، ونظرنا في الجانب الآخر في الجنس كصنيعنا في الألفين، وتحقيق هذا أنك لو لم تبسط، لقلت: العبارة في معادلة ألفين وربع، والشيء من الشيء يقع أربعة أتساعها، والقلب في مثل هذا المقام عادةٌ لا حقيقة له، فإنك إذا قلت: ألفان في معادلة شيئين وربع، كأنك قلت: هي شيئان وربع.
7016 - مسائل: في الهبة مع جريان الوطء من واطىء بشبهة، أو من الواهب الأول، أو من الموهوب له، أو منهما عَوْداً وبدءاً.
فنقول إذا وهب أحدٌ أمةً، ثم وطئها أجنبي بشبهة قبل موت الواهب، كان المهر كالكسب مقسوماًعلى ما صحت منه الهبة، وعلى ما بطلت الهبة منه، فما يلاقي منه محلَّ صحةِ الهبة لا يكون محسوباً على الموهوب له، وما يلاقي منه ما بطلت الهبةُ فيه يكون محسوباً على ورثة الواهب. والحساب في المهر كالحساب في الكسب. ونحن نرسم المسائل فيه إذا كان الواطىء هو الواهب، أو الموهوب له، أو صدر الوطء منهما.

(10/368)


7017 - مسألة: إذا وهب أمةً وسلّمها، والواهب مريض، ثم إن الواهب وطئها في يد الموهوب له، [فتستحق المهر، فإن كان مهرها مثلَ قيمتها] (1)، فيسقط منها شيء آخر، فتبقى أمة إلا شيئين، وذلك يعدل شيئين، ضعفَ الهبة، فنجبر ونقابل، فتعدل الأمة أربعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، فتكون [الأمةُ] (2) أربعةً، والشيء واحداً، والواحد من الأربعة ربعها.
وهذا من القلب الذي لا حاجة إليه؛ فإن الأمة إذا قابلت أربعة أشياء، فالشيء ربعها. وإذا صحت الهبة في ربع الأمة وبطلت في ثلاثة أرباعها، يسقط (3) عن الواطىء ثلاثةُ أرباع مهرها؛ لأن ذلك قسطُ ملكه، وعليه للموهوب له ربعُ مهرها، يُقضى من الأمة؛ إذ لا مال غيرُها، فيبقى مع ورثة الواهب نصف الأمة، وذلك ضعف الربع الموهوب.
فإن كان مهرها مثلُ نصف قيمتها، قلتَ: صحت الهبةُ في شيء منها وتبعه من المهر نصف شيء يبقى له، إلا شيئاً ونصف شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة تعدل أمةٌ ثلاثةَ أشياء ونصف، فنبسطهما أنصافاً، ثم نقلب الاسمَ فتكون الأمة سبعة، والشيءُ اثنين، فتصح الهبة في [سُبعي] (4) الأمة.
وحقيقة هذا القلب أن الأمة إذا قابلت ثلاثة أشياء ونصف، فالشيء يقابل سبعيها لا محالة، ثم يستحق الموهوب له بالمهر مثلَ سبعها، ويبقى لورثة الواهب أربعة أسباعها، وهو ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن كان مهرُها ضعفَ قيمتها، قلنا: صحت الهبةُ في شيء منها، فاستحق الموهوب له بسبب المهر شيئين، فتبقى منها أمةٌ إلا ثلاثة أشياء تعدل شيئين ضعف الهبة، فبعد الجبر والمقابلة تعدل أمةٌ خمسةَ أشياء، فنقلب الاسم فيهما، فتكون الأمة خمسة، والشيء واحداً، وذلك خمسها.
__________
(1) عبارة الأصل: " في يد الموهوب له على الواهب قبله فيسقط " والمثبت تقديرٌ منا.
(2) في الأصل: الأربعة.
(3) في الأصل: ويسقط.
(4) في الأصل: سبع.

(10/369)


وقد ذكرنا أن هذا القلب لا حاجة إليه، فتصح الهبة في خمسها، ويستحق الموهوب له مثلَ خمسها، يبقى مع ورثة الواهب خمساها، فذلك ضعف الخمس الموهوب.
7018 - مسألة: مريضٌ وهب أَمةً لا مال له غيرُها، وأقبضها، [فوطئها] (1) الموهوب له، ومهر مثلها مثلُ قيمتها.
فنقول: صحت الهبة في شيء، ووجب على الموهوب له مثلُه؛ فينتظم أن نقول: صحت الهبةُ من نصفها، ورجع إلى الواهب [مثل نصفها] (2)، عند ذلك صارت بكمالها مع ورثة الواهب وهي ضعف نصفها.
وإن كان مهرُها مثلُ نصف قيمتها، قلنا: صحت هبة المريض في شيء، وبطلت في أمة إلا شيئاً، ويستحق الواهب بسبب المهر على الموهوب له مثلَ نصف ما بطلت فيه الهبة، وذلك نصفُ أمةٍ إلا نصفَ شيء؛ فإن الهبة بطلت في أمةٍ إلا شيئاً، ونصفُ ذلك نصفُ أمةٍ إلا نصفَ شيء، ووجود المهر يوجد من مصادفة الوطء، فأبطلت الهبة فيه، وقد ذكرنا أن الوطء لمهر نصف القيمة، فإذاً الجميع مع الواهب أمةٌ ونصفٌ إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر، تكون أمةٌ ونصفٌ يعدل ثلاثةَ أشياء ونصفاً، فنبسطهما أنصافاً، فنقلب الاسم فتكون الأمة سبعة، والشيء ثلاثة، فتصح الهبة في ثلاثة أسباع الأمة، وتبطل في أربعة أسباعها، ويغرَم الموهوب له من مهرها. مثلَ سُبعي قيمتها، فيجتمع مع ورثة الواهب ستةُ أسباعها، وهو ضعف الثلاثة الأسباع التي صحت الهبة فيه.
7019 - مسألة: إذا وهب المريض في مرضه جاريةً، قيمتُها مائة، وعُقرها خمسون، وأقبضها، فوطئها الموهوب له، ثم وهبها للواهب الأول في مرضه، ثم ماتا في مرضهما، ولا مال لهما غيرُها.
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من الجارية، وهي مائة ويؤدي الموهوب له
__________
(1) في الأصل: فوطىء.
(2) زيادة من المحقق.

(10/370)


من ذلك الشيء، مهرَ ما بطلت الهبةُ فيه، وذلك خمسون درهماً إلا نصفَ شيء؛ فإن الهبة الأولى بطلت في جاريةٍ إلا شيئاً، والمهر على مناسبة النصف، فإذا كان الباقي للواهب جاريةً إلا شيئاً، فنسبة المهر على حكم النصف خمسون إلا نصفَ شيء، فيبقى مع الموهوب له شيء ونصف شيء إلا خمسين درهماً.
وتحقيق ذلك أنه كان معه شيء كامل، فأخرج منه خمسين إلا نصفَ شيء، فكأنه أخرج خمسين واسترجع نصفَ شيء، فصار ذلك الاستثناء مضموماً إلى الشيء، فنقول في يد الموهوب له شيء ونصف، ولكن نستثني من الشيء والنصف خمسين كاملة، ورأى الحسابُ هذه العبارة أمثل من أن نقول: في يده شيء إلا خمسين إلا نصفَ شيء.
فهذا تحقيق هذه العبارة.
فنعود ونقول: في يده شيء ونصف إلا خمسين درهماً، وقد وهب ما في يده، فصحت هبته في ثلث ذلك، وهو نصف شيء إلا ستة عشر درهماً وثلثي درهم، وهو ثلث الخمسين، فحصل لورثة الأول مائة درهم، وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا شيئاً.
وبيان ذلك أنه إذا رجع بسبب المهر ثلاثة وثلاثون درهماً وثلثُ درهم، فإنا على عبارة الجبر قلنا: في يد الموهوب له شيءٌ ونصفٌ لكن نقصانه الخمسين مثبوت عليه، ثم صححنا الهبة في نصف شيء مع ما فيه من الاستثناء، فيبقى على الموهوب له غُرم ثلثي الخمسين، فقد بقي في يده شيء وعليه في ذلك الشيء غُرم ثلاثة وثلاثون وثلث، فاستقام لنا أنه حصل في يد الواهب الأول مائة وثلاثة وثلاثون درهماً وثلث درهم إلا شيئاً، وهذه الجملة تعدل شيئين ضعفَ ما صحت الهبة الأولى منه، فبعد الجبر والمقابلة تكون مائة وثلاثة وثلاثون وثلث تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء يعدل أربعةً وأربعين درهماً وأربعة أتساع درهم، وذلك مثل أربعة أتساع الجارية، فصحت الهبة في أربعة أتساعها، وبطلت الهبة في خمسة أتساعها، وعلى الثاني خمسة أتساع عُقرها، وذلك مقدار تسعي ونصف تسعها، فيصير مع الواهب الأول سبعةُ أتساع ونصفُ تسع، ويبقى مع الثاني تسعٌ ونصفُ تسع، تصح

(10/371)


هبته في ثلث ذلك، وهو نصفُ تسع. ويبقى مع ورثته ضعفُ ذلك، وهو [تُسع] (1) الجارية، ورجع إلى الواهب الأول بالهبة الثانية نصفُ تسع، فيجتمع مع ورثة الواهب الأول ثمانية أتساع الجارية، وهو ضعف ما صحت منه الهبة الأولى.
7020 - فإن وطئها (2) الواهب وهي في يد الموهوب له، ثم وطئها الثاني في مرضه (3)، فنقول: صحت هبة الأول في شيء منها، فلما وطئها الواهب، وجب عليه نصفُ شيء، فصار مع الثاني شيءٌ ونصفُ شيء، ثم صحت هبته في ثلث ذلك، وهو نصف شيء، وبقي لورثته شيء، وحصل لورثة الأول مائةٌ إلا شيئاً تعدل شيئين.
فبعد الجبر يعدل مائةُ درهم ثلاثة أشياء فالشيء ثلثُ المائة، وتصح الهبة الأولى في ثلث الأمة، ويجب على الواهب ثلثُ عُقرها، وذلك مثلُ سدس الرقبة، فيبقى مع ورثة الثاني ثلثُها، وذلك ضعف السدس، فيبقى مع ورثة الأول ثلثاها، وذلك ضعفُ الثلث الموهوب أولاً.
7021 - فإن وطئها الواهب الأول بعد الهبة الثانية، فنقول: صحت الهبة الأولى في شيء، فلما وهب الثاني الشيء الأول، لنا أن نقول: صحت هبةُ الثاني في الثلث من الشيء الذي صحت الهبةُ الأولى فيه، وذلك لمكان رجوع شيء من الهبة إليه بسبب وطء الواهب بعد الهبة، فالوجه أن نقول: صحت هبة الأول في شيء، فلما وهب الثاني الأول، صحت وصيته في الشيء، وبقي مع الواهب الثاني شيء إلا وصية، (وإنما أطلقه الوصية الألفاظ) (4).
فلو وطئها الأول، وجب عليه شيء من مهرها، وهو حصة ما في يد الثاني بعد تقدير الهبة منها، فنقول: المهر نصف القيمة، وقد بقي في يد الواهب الثاني شيء إلا وصية، فيجب على الواهب الأول الواطىء من المهر [للثاني] (5) نصفُ شيء إلا نصفَ
__________
(1) في الأصل: تسعي.
(2) في الأصل: فإن وطئها إلى الواهب، وهي في يد الموهوب له.
(3) عبارة الأصل: ثم وطئها الثاني في مرضه من الأول، فنقول ...
(4) كذا (انظر صورتها).
(5) في الأصل: الثاني.

(10/372)


وصية، فيحصل مع الثاني شيءٌ ونصفٌ إلا وصيةً ونصفَ وصية.
وبيانه أنه بقي في يد الثاني شيء إلا وصية، ورجع إليه نصف شيء إلا نصفَ وصية، فالمجموع في يده شيءٌ ونصفُ شيء إلا وصية ونصفَ وصية، تعدل وصيتين، ضعفَ ما تبرع الثاني فيه، وكأن تبرعه وصية، فضعفها وصيتان، فنجبر هذا الجانب ونقابل، فيكون شيء ونصف يعدل ثلاث وصايا ونصف وصية، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما فيكون الشيء سبعة والوصية ثلاثة؛ إذ قد وجد التنصيف من الجانبين: جانب شيء ونصف، ومن جانب ثلاث وصايا ونصف، فقلنا: جانب الشيء أولاً ثلاثة، وجانب الوصية سبعة، ثم قلبنا العبارة والاسم، وقلنا الشيء في جنسه سبعة، والوصية ثلاثة أسباعه، فتصح هبة الثاني في ثلاثة أسباع الشيء، ويجب على الأول عُقرُ أربعة أسباع شيء وهو سبعا شيء؛ فإن العُقرَ نصف القيمة، فيحصل لورثة الثاني ستة أتساع شيء من الأمة وعقرها، وبقي لورثة الأول مائة درهم إلا ستة أسباع شيء، وذلك يعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى. فنجبر ونقابل، فتكون جارية تعدل شيئين وستة أسباع شيء، فنبسطها أسباعاً، ونقلب العبارة فيهما، فتكون الجارية عشرين، والشيءُ سبعةً فتصير هبةُ الأول سبعةَ أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، فبقي مع الأول ثلاثةَ عشرَ جزءاً منها، ويرجع إليه بهبة الثاني ثلاثة أجزاء، فيجتمع معه ستةَ عشرَ جزءاً، ويبقى مع الثاني أربعة أجزاء، فيغرَم الأول [من] (1) عُقرها جزأين، فيحصل لورثة الثاني ستة أجزاء: أربعةٌ من رقبتها وجزءان من العُقر [ويحصل لورثة الأول أربعة عشر جزءاً] (2) وهي ضعف السبعة الأجزاء التي صحت هبته فيها.
7022 - فإن وطئها الثاني بعد الهبة الثانية، [نقول:] (3) صحت هبة الأول في شيء من الجارية، ثم وهب الثاني الشيءَ، فلا يجوز أن نقول: صحت هبتُه في ثلث شيء؛ لأنه سيلتزم بالوطء شيئاً، فنقول: صحت هبة الأول في شيء، وصحت بهبة
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها.
(3) زيادة من عمل المحقق.

(10/373)


الثاني وصية في شيء، بقي في يد الثاني شيء إلا وصية؛ فيجتمع للأول مائةُ درهم، ووصية إلا شيئاً، فلما وطئها الثاني، وجب عليه من العُقر ما يصادف ملك الغير، والعبارة عما يلزم أن نقول: يجب عليه خمسون درهماً ونصفُ وصية إلا نصفَ شيء.
وبيان ذلك أنه حصل في يد الأول مائة ووصية إلا شيئاً، فيجب على الثاني نصفُ ذلك من حساب العُقر. ونصفُ مائة ووصية إلا شيئاً - خمسون (1) ونصفُ وصية إلا نصفَ شيء.
فيأخذ ذلك [مما] (2) في يد الثاني، وهو شيء إلا وصية، فيبقى في يده شيء ونصفُ شيء إلا وصية ونصفُ وصية إلا خمسون درهماً.
وبيان ذلك أنه كان في يده شيء إلا وصية، فأخرجها من خمسين ونصف وصية إلا نصفَ شيء، فكأنا أخرجنا خمسين ووصية، واسترجعنا نصف شيء مما استثنياه في هذا الجانب، على القياس الذي مهدناه؛ فيحصل إذاً شيء ونصفُ شيء إلا وصيةً ونصفَ وصية إلا خمسين درهماً، وهذا يعدل وصيتين ضعفَ ما تبرع به، فإذا جبرنا وقابلنا، صار شيءٌ ونصفٌ إلا خمسين درهماً، يعدل ثلاث وصايا ونصف وصية، فالوصية سُبعا ذلك، وهي ثلاثةُ أسباع شيء إلا أربعة عشر درهماً وسبعي درهم، فاجمع ما في يد الأول، وكان معه مائة درهم إلا شيئاً بسبب بطلان الهبة الأولى فيها، ومعه وصية بسبب هبة الثاني ومعه من العُقر نصفُ وصية وخمسون درهماً إلا نصفَ شيء، فجميع ما في يده مائةٌ وخمسون درهماً ووصيةُ (3) ونصفُ وصية إلا شيئاً ونصفَ شيء، فاجعل مكان الوصية والنصف قيمتَها، وذلك أربعةُ أسباع شيء ونصفُ سبع شيء إلا أحداً وعشرين درهماً وثلاثة أسباع درهم، فيصير معه مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم إلا ستة أسباع شيء، وهذه الجملة تعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى، فبعد الجبر والمقابلة تكون مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم تعدل شيئين وستة أسباع شيء، وإن أحببنا، قلنا: مائة وسبعا مائة تعدل شيئين وستةَ
__________
(1) خمسون خبر للمبتدأ "ونصف مائة ... ".
(2) في الأصل: ما.
(3) في الأصل: وصية (بدون الواو).

(10/374)


أسباع؛ فإن ثمانية وعشرين وأربعة أسباع سُبعا مائة؛ فإن سبع المائة أربعة عشر وسبعان، فهي في معنى قول القائل جارية وسبعا جارية تعدل شيئين وستة أسباع، فنبسطها أسباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فتكون الجارية عشرين سهماً، والشيءُ تسعة، فتصح هبة الأول في [تسعة] (1) أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، هي ربعها وخمسها.
فنعود ونقول: صحت الهبة في ربع الجارية وخُمسها، وذلك خمسةٌ وأربعون من مائة، وصحت هبة الثاني من الأول في ثلاثة أسباع ذلك إلا أربعة عشر درهماً وسبعي درهم، وثلاثة أسباع خمسة وأربعين تكون تسعة عشرَ درهماً وسبعي درهم، فأسقط منها أربعةَ عشرَ درهماً وسُبعين، تبقى خمسةُ دراهم، هي هبة الثاني، وذلك [تسع] (2) ما ملكه بالهبة، وكانت الهبة تسعة أجزاء من عشرين جزءاً من الجارية، وصحت هبته في تسعٍ، وذلك جزء واحد، فبقي معه ثمانية أجزاء، وحصل مع الأول اثنا عشر جزءاً، فلما وطئها الثاني وجب عليه مثلُ نصف الحاصل مع الأول، وذلك ستةُ أجزاء، يبقى مع الثاني جزءان، هي ضعفُ هبته؛ لأن هبته جزء واحد، ويحصل مع ورثة الأول ثمانيةَ عشر جزءاً، وهي ضعف التسعة الموهوبة.
7023 - ومن لطيف ما جرى في هذه المسألة أن حقنا في الجبران لا يغادر من الاستثناء شيئاً لا نجبره، وقد جبرنا وقابلنا، وأبقينا الاستثناء دراهم، وسبب ذلك أن الدراهم معلومة ونحن إنما [ ... ] (3) نجبر استثناء لجبرها في المجاهيل، كالأشياء التي نقدّرها، ونضعّفها للمعادلات، وهي تقديرات غايتُنا أن تصير إلى معلوم، فإذا وجدنا معلوماً، لم نغيّره، فإنّ ذلك المعلوم مستثنى كذلك، وإن كان [مثبتاً] (4) أجريناه [مثبتاً] (5) كذلك.
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) في الأصل: سبع.
(3) مكان بياض بالأصل قدر كلمة. (والعبارة فيها شيء من القلق).
(4) في الأصل: مبنياً.
(5) في الأصل: مبنياً.

(10/375)


7024 - فإن وهبها، فأقبضها، فوطئها الموهوب له، ثم وهبها الأولَ في مرضه، وأقبضه إياها، فوطئها الأول، ولا مال لهما غيرُها، وقيمتها ثلاثمائة درهم، وعُقرها مائة. فنقول: صحت هبة الأول [في شيء] (1) وبطلت في جارية إلا شيئاً، [فلما] (2) وطئها الثاني، وجب عليه للواهب [عُقرُ ما بطلت] (3) الهبةُ فيه، وذلك مائةٌ إلا ثلث شيء؛ فإن العُقرَ ثلثُ القيمة، وإذا أضيف استثناءٌ إلى جملةٍ توزّع الاستثناء على أجزائه، فإذا قلنا: ثَلاثمائة إلا شيئاً، فنقول في العُقر: مائة إلا ثلثَ شيء؛ فإن العُقر ثُلثُ القيمة، وإذا أضيف استثناءٌ إلى جملة تَوزّع الاستثناء على أجزائه، فإذا قلنا: ثَلاثمائة إلا شيئاً، فنقول في العقر: مائة إلا ثلث شيء، ثم لما وهبه الثاني الشيء، لم نُطلق فيه الثلث لمكان [العِلم] (4) كما تقدم، بل تعيّن. ونقول: لما وهب الثاني الشيء، نفذت وصيتُه بسبب هبته، وهي في يده شيء إلا وصية، فلما وطئها الأول، وجب عليه عُقرُ ما بقي في يد الثاني، وذلك ثلث شيء إلا ثلثَ وصية، فإن نسبتَ العُقرَ تبع (5) التثليثَ في كل طرف. فإذا كان في يد الثاني شيء إلا وصية، فحصته من العُقر ثُلثُ شيء إلا ثلث وصية، فنجمع الآن ما مع الأول: في يده ممّا بطلت الهبة فيه ثَلاثمائة إلا شيئاً، ويرجع إليه بوطء الثاني مائةُ درهم إلا شيئاً وثلثَ شيء، ومعه أيضاً بسبب هبة الثاني [وصية] (6) فهذا ما معه. وقد غرِم الثاني ثلثَ شيء إلا ثلثَ وصية، فيبقى في يده بعد حط هذا الغرم وصية وثلث وصية، وهذا الثلث هو الذي استرجعناه مما غرِمه من العُقر؛ فإنه غرِم ثلثَ شيء إلا ثلثَ وصية، فكأنه غرِم ثلث شيء، واسترجع ثلثَ وصية، وفي يده أربعُمائة درهم إلا شيئاً وثلثي شيء، وكان شيئاً وثلثاً أولاً، فازْداد ثلثَ شيء بسبب غُرمه.
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) في الأصل: وإنما.
(3) عبارة الأصل: عقرها فأبطلت.
(4) في الأصل: العدم.
(5) في الأصل: "بيع على التثليث".
(6) في الأصل: وطئية.

(10/376)


ثم ننظر إلى ما في يد الثاني، وقد كان معه الشيء الموهوب له، وغرِم له الأول بسبب العُقر ثلثيَ شيء إلا ثلثَ وصية، ووهب هو وصية، وغرِم هو مائةً إلا ثلثَ شيء بسبب العُقر، فبقي معه شيء وثلثا شيء إلا وصية وثلث وصية وإلا مائة درهم.
وسبيل استرجاع الاستثناءين وضم الجنس إلى الجنس ما قدمنا.
وهذا الذي مع الثاني يعدل وصيتين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ثلاث وصايا وثلث وصية تعدل شيئاً وثلثي شيء إلا مائة درهم. فالوصية الواحدة تعدل ثلاثة أعشار ذلك إذا بسطت الوصايا أثلاثاً، وذلك نصف شيء إلا ثلاثين درهماً. هذا قيمة الوصية.
وبيانه أن الوصية من ثلاث وصايا وثلث، فإذا كانت ثلاثةَ أعشار شيء وثلثي شيء إلا مائة، فهي تقع مثلَ نصف شيء إلا ثلاثين درهماً، فإنا نبسط الشيء والثُّلُثَين أثلاثاً، فتقع خمسة، ثم نأخذ ثلاثة أعشار الخمسة فتكون واحداً ونصفاً، والواحد والنصف، يقع نصف الشيء، فإن الشيء ثلاثة، ثم نعود، فنبسط المائة على هذه الخمسة، فيقابل الشيء والنصفَ ثلاثين.
فهذا حاصل قوله قيمةُ الوصية نصفُ شيء إلا ثلاثين درهماً.
ثم نعود إلى الذي مع الأول، ومعه أربعُ مائة درهم ووصية وثلث وصية إلا شيئاً وثلثي شيء، فاجعل بدل الوصية والثلث قيمتها، وهو ثلثا شيء إلا أربعين درهماً على التقويم الذي ذكرناه، فيحصل في يده ثلاثمائة وستون درهماً إلا شيئاً تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ثَلاثُ مائة وستون درهماً تعدل ثلاثة أشياء، فالشيء ثُلثُ ذلك وهو مائة وعشرون، وذلك خمسا الجارية، فنقول: صحت هبة الأول في خمسيها وبطلت في ثلاثة أخماسها، وعلى الثاني ثلاثة أخماس عُقرها وذلك ستون درهماً.
وصحت هبةُ الثاني في وصيته، وهي نصف شيء إلا ثلاثون درهماً، وذلك ثلاثون درهماً، وهو ربع الشيء، فبطلت هبة الثاني في ثلاثة أرباع شيء، ووجب على الأول عُقر ثلاثة أرباع شيء، وهو ثلاثة أعشار الجارية، و [مقداره] (1) من العُقر ثلاثون
__________
(1) في الأصل: مقدار.

(10/377)


درهماً، فنجعل ذلك قصاصاً مما استحقه من الوصية من الثاني، يبقى له على الثاني ستون درهماً، نخرجها مما في يد الثاني، وهو مائة وعشرون، يبقى في يد ورثة الثاني خمسُ الجارية، وقيمتها ستون درهماً، وهي ضعف وصيته.
ويحصل لورثة الأول من الجارية وعُقرها مقدارٌ وأربعون درهماً، وذلك أربعة أخماس الجارية، وهي ضعف هبة الأول.
وقد نجز القول في المسائل الدائرة في الهبات وما يتعلق بها من تصاريف الأحوال.
القول في المسائل الدائرة في المحاباة في البيع والسلَم والإقالة والضمان والكفالة والإقرار والكتابة وعتق المدبر [ ... ] (1).
7025 - المحاباة في البيع هي بيع الشيء بأقلَّ مما يساوي، وقدْرُ المحاباة تبرعٌ [فإن وفَّى] (2) الثلثُ بمقدار المحاباة، نفذ البيع كما وقع، وإن ضاق الثلثُ عن مقدار المحاباة وأجاز الورثةُ، نفذ البيع [بإجازتهم] (3)؛ تفريعاً على أن إجازتهم تنفيذٌ للوصية، وليس بابتداء عطية.
وعلى هذا القول مسائل الهبة.
وإذا جعلنا إجازةَ الورثة ابتداء عطية، فلا بدّ من فرض هبة، ويخرج الكلام على النظم في أن ردّ الورثة الزائدَ من المحاباة على الثلث [فسخٌ] (4). فيتصل بذلك طرفٌ من تفريق الصفقة؛ فإنا قد [نردّ] (5) البيع في بعض المبيع، وإذا ارتدّ المبيع في هذا الحكم، فقد اختلف أصحابنا على طريقين، فمنهم من قال: يخرج أصله على قولين في انفساخ البيع أصلاً، وهذا يبتني على ما سبق تمهيده في كتاب البيع.
ومن أصحابنا من قطع القول بأن البيع لا ينفسخ في المقدار الذي لا يضيق الثلث (6)
__________
(1) كلمة تعذر قراءتُها.
(2) في الأصل: كان وفا.
(3) في الأصل: وإجازتهم.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: تردد.
(6) في الأصل: لا يضيق عن الثلث عن احتمال.

(10/378)


عن احتمال المحاباة فيه، واستدلّ بأن البيع نفذ على الظاهر، وردُّ بعضه في حكم التدارك.
وهذه الطريقةُ ركيكة؛ فإن البيع في البعض بين أن يبين أنه لم يصح، وبين أن نفرض صحةَ البيع، ثم نقدر انفساخه، وعلى أي وجهٍ قُدِّر، اتجه فيه القولان في تفريق الصفقة، وحُكمنا بالانعقاد ظاهراً لا يزيد على تحققه الحكمُ بانعقاد البيع على عبدين، فإنه إذا تلف أحدُهما قبل القبض [وانفسخ] (1) البيع فيه، خرج قولان في انفساخ العقد في [العبد] (2) القائم.
نعم، لو قيل: إن المختار أن البيع لا ينفسخ فيما يحتمل الثلث محاباته، لكان ذلك قريباً.
فليقع التفريع على أن البيع لا ينفسخ [وحكمه] (3) التفريق، فإذا (4) ضاق الثلث عن احتمال جميع المحاباة، واقتضى الأمرُ التبعيض، ففي كيفية ذلك قولان. ذكرهما الشيخ أبو علي وغيره من نقلة المذهب، وما أراهما منصوصين، ولكنهما مستخرجان من معاني كلام الشافعي، وأوردهما ابن سريج: أحدهما - أن الثَّمنَ المذكور يقابَل بما يساويه من أجزاء العبد من غير تقدير محاباة، ثم يقابَل في القدر الذي يحتمله الثلث من المحاباة، فنجعل ذلك هبةً وراء المقدار المبيع، ولا يسقط من الثمن شيء، ولكنه على مقابلة ما يساويه من البيع، ونضم إليه القدرَ المحتمل من المحاباة هبةً بلا عوض من البيع، حتى إذا باع عبداً يساوي مائتين بمائة -لا مال له غيره- فالمائة تقف في مقابلة نصف العبد.
وقد سلم [للورثة] (5) نصف العبد إذا (6) سلم لهم ثمنه، ثم نقول للورثة: قدّروا
__________
(1) في الأصل: فالفسخ.
(2) في الأصل: في البيع القائم.
(3) في الأصل: لا ينفسخ حكم التفريق ...
(4) في الأصل: إذا.
(5) في الأصل: "الورثة".
(6) (إذا) بمعنى (إذ). وهي لغة صحيحة فصيحة.

(10/379)


كأنه تبرع بنصف العبد، فأجيزوا تبرعه فيما يحتمله الثلث، فيسلّم للمشتري خمسة أسداس العبد بمائةٍ: المبيعُ فيها نصف العبد وثلثُه موهوب، ويبقى للورثة سدس العبد، والثَّمن. والمحاباة مما أخذه المشتري ستة وستون وثلثا درهم، فقد سلم للورثة من الثمن والرقبة [مائة] (1) وثلاثة وثلاثون وثلث، وهو ضعف المحاباة.
هذا قولٌ، وهو ضعيفٌ جداً؛ فإنه يعتبر بوضع البيع وإزالة المقابلة حتى التي تضمنها البيع؛ فإن [الثمن] (2) مقابل في [وضع] (3) البيع بجملة المثمن، فرد جملة الثمن إلى مقابلة بعض المثمّن إنشاء تصرفٍ لم يقتضه البيع، وهذا يضاهي القول المزيّف المذكور في تفريع تفريق الصفقة أجزاءً إذا انفسخ العقد في أحد العبدين؛ فإنه قد قيل: يجيز المشتري البيع إن أراد في العبد القائم بجميع الثمن. والقول المذكور ها هنا أظهر فساداً من ذاك؛ فإنه يشتمل على تقدير هبةٍ لم تجرِ، ضمّاً إلى تغيير البيع عن قضية المقابلة المذكورة فيه، فلا وجه لهذا القول إذاً، ولا عَوْدَ إليه، ولا تفريع عليه.
والقول الثاني -وهو المختار- أنا إذا ردَدْنا من المحاباة شيئاً، فنرد البيعَ في بعض المبيع، ونُسقط قسطاً من الثمن، ويبقى البيعُ في بعض المبيع ببعض الثمن مع المحاباة التي يحتملها الثلث، على ما يخرج من الحساب.
ثم مما يتصل بهذا الأصل أنا إذا رددنا المبيع في مقدارٍ يُخيّر المشتري لا محالة، فإن فسخ العقد، [فلا كلام] (4) وإن أجاز العقدَ، وقد تبعض البيعُ دارت المسألة، فإنه يخرج من المبيع شيء ويعود من الثمن مقدارٌ، فينقص المال بالخروج، وينجبر بعضُ النقصان [بعَوْد] (5) قسط من الثمن.
فهذا مأخذ الفقه.
ثم ذكر صاحب التلخيص مسائلَ من المحاباة متصلةً بأموال الربا حتى يجتمع فيها
__________
(1) مزيدة من عمل المحقق.
(2) فى الأصل: البيع.
(3) في الأصل: صنع.
(4) في الأصل: بالكلام.
(5) في الأصل: تعد. والمثبت من هامش الأصل.

(10/380)


تعقيدُ الدّور وغموضُ الحكم في محاورة (1).
ونحن نرسم ما ذكره الأئمة مسائل، ونذكر في كل مسألة طرق الحساب مدونة على الفقه - إن شاء الله تعالى.
7026 - مسألة: إذا باع المريض قفيزاً من البر الجيّد يساوي عشرين درهماً بقفيزٍ من الرديء يساوي عشرةَ دراهم لا مال له سواه، ورد الورثةُ ما يزيد على الثلث، والتفريعُ على صحة العقد.
فإن فرّعنا على القول الضعيف في أنه لا يسقط من الثمن شيء بأن نقف جملةَ الثمن في مقابلة ما يساويه من [المثمن] (2)، فمقتضى هذا القول أن يقع القفيز الرديء في مقابلة نصف القفيز الجيد، ويقع ثلثُ الجيد [موهوباً] (3).
وهذا هو الربا بعينه، فلا يخرّج هذا القول [في] (4) الربويات أصلاً، ويجب القطع بفساد هذه المعاملة.
ثم إذا لم يصح البيعُ، فلا هبة؛ فإن الهبة إنما تقدر على تقدير نفوذ البيع، حتى كأنها في ضمن البيع.
ومن يُفرّع على هذا القول الضعيف يقول: لو قال المشتري: رددتُ البيعَ، فسلّموا لي مقدار المحاباة هبةً من البيع، فلا يسلّم إليه شيء بالتفريع على القول الصحيح الذي ارتضاه ابن سريج، وهو أن البيع لا يصير موضوعه في انبساط الثمن على المثمن، ويتقدّر البيع على موجب الشيوع ما يشتمل على المقدار الذي يحتمله الثلث من المحاباة.
وعلى هذا لا يؤدي تصحيح البيع إلى الربا، وتفاضل الجيد [و] (5) الرديء في المقدار.
__________
(1) كذا.
(2) في الأصل: الثمن.
(3) في الأصل: مرهوناً.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة لاستقامة الكلام.

(10/381)


وحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: جاز البيع في شيء من القفيز الجيد، وبقي مع البائع قفيز إلا شيئاً، ورجع إليه بالعوض شيءٌ قيمته نصف شيء؛ فصار الباقي معه قفيزاً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباةُ (1) هو الذي لم يرجع، وهو شيء.
نجبر ونقابل، فيصير القفيز الجيد في معادلة شيء ونصف، فالشيء الذي صح البيع فيه ثلثا القفيز.
وإن أحببنا قلنا: نبسط الشيء والنصفَ والقفيز أنصافاً، فالشيء ثلاثة، والقفيز اثنان، فنقلب الاسم ونقول: القفيز ثلاثة والشيء اثنان، فقد صح البيع في اثنين [من] (2) ثلاثة وهو القفيز.
وتطَّرِد المسألة [بعد ذلك بطريقة] (3) التقدير والنسبة، وهي أن ننظر كم قدر الثلث من [قدر] (4) المحاباة؟ فإن [كان] (4) الثلث مثلَ المحاباة، فلا شك في نفوذ البيع في الجميع [وكذا] (4) إن كان الثلث أكبر من المحاباة، وإن كان الثلث أقلّ من مقدار المحاباة، فننسب الثلث إلى المحاباة، ونأخذ من النسبة، ونقول: صح البيع من ذلك الجزء من المبيع. فإن كان الثلث نصفَ المحاباة، صح البيع في نصف المبيع، وإن كان ثلث المحاباة، صح البيع في ثلث المبيع. وهذا يطرد في جميع النسب في مسائل المحاباة.
فنقول في هذه المسألة: القفيز الجيد عشرون، فثلث المال ستةٌ وثلثان، والمحاباة عشرة، فالثلث إذا نسب إلى المحاباة، وقع [ثلثيها] (5)، فنقول: صح البيع في ثلثي القفيز الجيد.
__________
(1) عبارة الأصل فيها زيادة وحشوٌ وكلامٌ مقحم -فيما أقدّر- ونصها كالآتي: والمحاباة هو الذي لم يرجع، وهو شيء، وضعفه شيء بالقفيز إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف المحاباة وهو شيء. نجبر ونقابل ... إلخ.
(2) في الأصل: "وثلاثة".
(3) في الأصل: تعدلت طريقة التقدير.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: "ثلثها".

(10/382)


7027 - طريقة الدينار والدرهم: فنقول: القفيز الجيد دينار ودرهم، فنقول: نجيزُ البيع في درهم، ويرجع بالعوض درهمٌ قيمتُه نصفُ درهم، فحصل معه دينار ونصفُ درهم من جهة المالية والقيمة، حصلت المحاباة نصفُ درهم، ومع ورثة البائع المريض دينار ونصف درهم، يعدل درهماً، وهو ضعف المحاباة، فنلقي نصفَ درهم بنصف درهم قصاصاً، يبقى دينار يعدل نصف درهم، فالدرهم يعدل دينارين، وبان الدرهم ضعفَ الدينار في وضع المسألة، فإنا لما أجزنا البيع في درهم، فقد أجزناه في ثلثي المبيع.
وإن أحببتَ قلتَ: القفيز دينار ودرهم فنجيز البيع، في دينار من الجيد، ورجع نصف دينار من جهة القيمة، فيبقى في يد ورثة البائع نصف دينار ودرهم، وذلك يعدل ضعف المحاباة وهي نصف دينار، وضعفها دينار.
فإذاً نصف دينار ودرهم (1) يعدل ضعف المحاباة وهي نصف دينار [أي] (2) يعدل ديناراً، فنسقط نصف دينار بنصف دينار قصاصاً، فيبقى درهم في معادلة نصف دينار، فالدينار في معادلة درهمين.
فنعود ونقول: القفيز الجيد كان ديناراً ودرهماً، وقد بان أن قيمة الدينار درهمان، فقد نفذ البيع في ثلثي القفيز.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة الخطأين وأطنب في إيرادها، ومن أحاط بما مهدناه، [لم] (3) يحتج إلى الإطناب [بذكرها] (4).
ثم امتحان المسألة على الطرق لائح، فنقول: صح البيع في ثلثي القفيز الجيد، وقيمته ثلاثةَ عشرَ وثلث، ورجع [ثلثا] (5) القفيز الرديء، وقيمته ستة وثلثان، وبقي
__________
(1) عبارة الأصل: فإذا نصف دينار ودرهم وذلك يعدل ضعف المحاباة.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: فلم.
(4) فنذكرها.
(5) في الأصل: ثلث.

(10/383)


في يد الورثة من القفيز الجيد ثُلثُه، وقيمته ستة وثلثان، والمحاباة ستة وثلثان. والمال في يد الورثة من القفيز الجيد ومما رجع ثمناً ثلاثةَ عشرَ وثلث، وهي ضعف المحاباة.
7028 - ثم ذكر صاحب التقريب هذه المسألة وأفتى فيها بما ذكرنا، وذكر بعد ذلك أن المشتري بالخيار في ردّ البيع، وذكر أن ورثة البائع بالخيار في رد أصل البيع، واعتمد بأن الصفقة قد تبعضت من الجانبين حكماً، فكما [تبعَّض] (1) القفيز الجيد على المشتري تبعّض القفيز الرديء على ورثة البائع، فيثبت الخيار من الجانبين جميعاً.
قال: ويجوز أن يقال: لا يثبت الخيار للمشتري؛ فإن المسألة مفروضة في تبعيض القفيز من الحنطة، وتبعض البر لا يتضمن [تنقيصاً] (2) وإنما [ينتقص] (3) بالتبعض المتقومات، [ومن ثَمَّ لم يثبت الخيار لورثة البائع] (4).
هذا منتهى كلامه في ذلك.
وقد أجمع أئمة المذهب على تخطئته في الجانبين: أما قولُ ورثة البائع فغلطٌ، لا شك فيه؛ فإنا لو أثبتنا لهم الخيار، لتوصلوا إلى إبطال المحاباة رأساً؛ فإنهم لو فسخوا البيع؛ اندفعت المحاباة بارتفاع البيع، ولا سبيل إلى قلب المحاباة إلى الهبة. والثلث محل تصرّف المريض وموطن حقه، فلا سبيل إلى إبطال حقه. هذا وجه تغليطه في هذا الشق.
وأما ما ذكره من أن المشتري لا يتخير لأن البُرّ لا ينقصه التبعيض، [فهذا غلطٌ] (5)؛ فإن تبعيض الصفقة من موجبات الخيار في جانب المشتري، سواء تضمّن نقصانَ القيمة أو لم يتضمنه؛ فإن من اشترى عبداً، واطلع على عيبه، يثبت له حق
__________
(1) في الأصل: ينقص.
(2) في الأصل: تبعيضاً.
(3) في الأصل: يتبعض.
(4) عبارة الأصل: "ثم إذا لم يثبت الخيار لورثة البائع. هذا منتهى كلامه".
(5) عبارة الأصل: "فيها غلط كافة".

(10/384)


الرد، [وإن] (1) كان العبد معيباً يساوي أضعاف ثمنه المسمّى، فلا حاصل لما ذكره صاحب [التقريب] (2) وليس ما جاء به معدوداً من المذهب.
7029 - مسألة أخرى من جنس ما تقدم: باع المريض قفيزاً قيمته ثلاثون بقفيزٍ قيمته عشرة، فحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: نفذ البيع في شيء من القفيز الجيد [بما] (3) قيمته ثلث شيء، فحصل في يد ورثة البائع قفيز إلا ثلثي شيء وذلك يعدل ضعف المحاباة، وهي ثلثا شيء، وضعفُها شيء وثلث، فنجبر ونقابل، فيكون قفيزٌ كامل في معادلة شيئين، فالشيء الذي أطلقناه نصفُ القفيز.
فنقول: صح البيع في نصف القفيز الجيد، وتستمر المسألة سديدة على الامتحان.
طريقة التقدير والنسبة: نقول: [لصاحب] (4) القفيز الجيد قَبْل تنفيذ البيع ثلاثون، وثُلثُه عشرة، والمحاباة في البيع عشرون، والثلث نصف المحاباة، فنطلق البيع في نصف القفيز الجيد، ولا خفاء بإجراء الدينار والدرهم والخطأين.
7030 - مسألة: باع المريض كُرّاً جيداً قيمته أربعُمائةٍ وعشرة بكُرٍّ رديء قيمته مائةٌ وعشرة، [وللبائع سوى الكُرِّ خمسون درهماً] (5).
فحساب المسألة بالجبر أن نقول: نفذ البيع في شيء من الكُرّ إلا ربع، وبطل البيع في كُرِّ إلا شيئاً، ورجع من العوض ما قيمته أحدَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
وبيان ذلك أن قيمة الكُر الجيد بالعشرات أحدٌ وأربعون من العشرات، وقيمة الرديء أحدَ عشرَ من العشرات، فتقع النسبة بينهما على هذه النسبة. فهذا معنى قولنا
__________
(1) في الأصل: فإن.
(2) في الأصل: صاحب التلخيص. وهو سبق قلم؛ فلم يسبق له ذكرٌ.
(3) في الأصل: "ما"
(4) في الأصل: "فإن صاحب".
(5) عبارة الأصل فيها تصحيف وتحريف أجهدنا تصويبه ونص عبارته: "والبائع شرى الكر خمسين
درهماً". (تأمل كيف حصل التصحيف).

(10/385)


[ينفذ] (1) البيع في شيء من الجيد، ورجع في [عوضه] (2) ما قيمته أحدَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فبقي في يد ورثة البائع مما لم يصح البيع فيه ومما رجع عوضاً: الكُرّ الجيد إلا [ثلاثين جزءاً] (3) من أحدٍ وأربعين جزءاً من الكُر الجيد؛ [فالنسبة] (4) بالعشرات أحدٌ وأربعون والخمسون [خمسة] (5)، فنجمع ونقول: في أيديهم كُرٌّ جيد وخمسةُ أجزاء من أحدٍ وأربعين جزءاً من الكر الجيد -باعتبار القيمة- إلا ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من [شيء] (6).
وهذا الحاصل ضعفُ المحاباة.
وإذ كان مقدار المحاباة ثلاثين جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فضعفه شيء وتسعةَ عشرَ جزءاً من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء.
فنجبر ونقابل، فيصير كُرٌّ جيد وخمسةُ أجزاء من أحدٍ وأربعين من كُر تعدل شيئين وثمانيةَ أجزاء من أحدٍ وأربعين جزءاً من شيء، فنبسطهما بأجزاء أحدٍ وأربعين، ونقلب الاسم والعبارة، فيصير [الكرّ] (7) تسعين، والشيء ستةً وأربعين جزءاً من [تسعين] (8) جزءاً من [الكُر] (9)، وتستمر المسألة قويمة على الامتحان.
وإن اختصرنا، قلنا: يصح البيع في ثلاثةٍ وعشرين جزءاً من خمسةٍ وأربعين جزءاً من الكُر؛ فإن ثلاثة وعشرين من خمسة [وأربعين] (10) مثل ستة وأربعين من تسعين.
ولا حاجة إلى التطويل بالامتحان؛ فإن المسلك واضحٌ.
__________
(1) في الأصل: "يفسد".
(2) في الأصل: "عوض".
(3) في الأصل: "ثلث جزء".
(4) مكان بياض قدر كلمة.
(5) في الأصل: خمسين.
(6) في الأصل: ستين.
(7) في الأصل: الكل.
(8) في الأصل: سبعين.
(9) في الأصل: الكل.
(10) في الأصل: وعشرين.

(10/386)


7031 - فإن كانت قيمةُ كُرِّ البائع خمسين درهماً، وقيمةُ كرّ المشتري ثلاثون درهماً، وتركة البائع سوى الكر عشرة، فالبيع صحيحٌ في جميع الكُرّ؛ فإن البيع إذا نفذ في الكر الجيد وقيمته خمسون، فيرجع العوض وقيمته ثلاثون، والتركة سوى ذلك عشرة، فالمحاباة عشرون، والمال الحاصل في يد الورثة أربعون، وهو ضعف المحاباة.
وتخريجه على طريقة التقدير والنسبة أن كر البائع خمسون، وله [سواه] (1) عشرة، فالمجموع ستون، وثلثها عشرون، والمحاباة عشرون، فالثلث مثل جميع المحاباة عشرون، فيصح البيعُ في جميع الكُرّ، كما تقدم.
7032 - فإن [كان] (2) قيمة كُرّ البائع خمسين، وقيمةُ كرّ المشتري خمسةَ عشرَ، والتركة سوى الكر عشرة، فنقول: صح بيع البائع [في] (3) شيء من الكر، ورجع إليه بالقصاص ما قيمته ثلاثة أعشار شيء، فإن الخمسةَ عشرَ ثلاثةُ أعشار الخمسين، فتقع النسبة على هذا الوجه في جميع أطراف المسألة.
فإذا كان العوض ثلاثةَ أعشار [المبيع] (4)، فالمحاباة تقع [بسبعة] (5) أعشار شيء، ويبقى مع الورثة كُرٌّ إلا [سبعة] (6) أعشار شيء، ومعهم من التركة عشرة وهي [عشرا الخمسين] (7) فالحاصل في يد الورثة كُرٌّ وعشران إلا [سبعة] (8) أعشار شيء، وهذا يعدل ضعف المحاباة.
وإذا كانت المحاباة سبعةَ أعشار شيء، فضعفها شيء وأربعة أعشار شيء، فنجبر
__________
(1) في الأصل: شراه.
(2) زيادة. لولا فضل الله علينا ما أدركناها.
(3) في الأصل: " وشيء ".
(4) في الأصل: البيع.
(5) في الأصل: تسعة.
(6) في الأصل: تسعة.
(7) زيادة مكان بياض في الأصل.
(8) في الأصل: تسعة أعشار.

(10/387)


ونقابل، فيكون كر وعشرا كرّ يعدل شيئين وعشرَ شيء، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون الكر أحداً وعشرين، والشيء اثنا عشر، فيصح البيع في اثني عشر جزءاً من أحدٍ وعشرين جزءاً من الكُرّ، وذلك [يعدل] (1) أربعةَ أسباع الكُرّ؛ فإن سُبع الأحدَ والعشرين ثلاثة، [فالاثنا عشر] (2) أربعةُ أسباعه؛ فقد نفذ البيع في أربعة أسباع الكر [إلا ربع بأربعة أسباع الكر إلا دور وقيمتها ثلاثة أعشار المبيع من الكر إلا ربع] (3)، فاجعل الكُرّ عدداً له سُبع وعُشر، وأقله سبعون، فيصح البيع في أربعة أسباع الأجود، وهو أربعون جزءاً من سبعين، ورجع بالعوض ثلاثة أعشار أربعين، وذلك اثنا عشر، فصار قيمة المحاباة ثمانية وعشرين جزءاً، ومع ورثة البائع مما بطل البيع فيه ثلاثون جزءاً، وما رجع من العوض اثنا عشر جزءاً، ومعهم من التركة مثلُ خُمس الكُرّ، وذلك بأجزاء السبعين أربعةَ عشرَ، والحاصل من الجهات كلّها مع الورثة ستة وخمسون جزءاً من سبعين، وذلك كضعف المحاباة إذ المحاباة ثمانيةٌ وعشرون جزءاً.
وتخريج المسألة على طريق التقدير والنسبة أن الثلث من الكُرّ والتركة عشرون، والمحاباة من الكر خمسة وثلاثون؛ فإنه باع الكرّ وقيمتُه خمسون بخمسة عشرَ، فقدر الثلث وهو عشرون من المحاباة أربعة أسباعها، فيصحّ البيع في أربعة أسباع الكُر، كما تقدم من وجه [الجبر] (4) وامتحانه [لائح] (5).
هذا قياس مسائل الباب.
7033 - مسألة: باع المريض كُرّاً من البُرّ، قيمته مائةٌ، بكُرٍّ رديء، قيمتُه خمسون، ومات البائع، وعليه دين عشرون.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) ما بين المعقفين كلام واضح رسماً ونقطاً، ولكنه كما ترى. والمسألة -على أية حال- صحيحةٌ واضحة بدون الوقوف أمام هذا الذي بين المعقفين.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة من المحقق.

(10/388)


فنقول: صح البيع في شيء من الكُرّ الجيّد، ورجع بالعوض شيء قيمتُه نصف شيء، فصارت المحاباة نصفَ شيء، و [في يد] (1) ورثة البائع كُرٌّ إلا نصفَ شيء، فنَفُضُّ [ ..... ] (2) ما هو مع الورثة، والدين عشرون، وهي مثل خُمس كُرٍّ، فَنَحُطُّه مما في أيديهم، فتبقى أربعة أخماس كُرّ إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف المحاباة، وهو شيء، فنجبر ونقابل، فيكون أربعةَ أخماس كُرّ يعدل شيئاً ونصفَ شيء، وقد حصل معنا كُرٌّ وخمسٌ ونصف، فنضرب ما في الجانبين في مخرجٍ له نصف وخمس، وذلك عشرة، فيصير الكرّ [ثمانية] (3)؛ فإن ضرب أربعة أخماس في عشرة [يردّ ثمانية] (4)، ويصير الشيء [خمسةَ عشرَ] (5)، فنقلب الاسم فيهما جميعاً، فيكون الكُرّ خمسةَ عشرَ والشيءُ ثمانية، فنقول: صح البيع في ثمانية أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً من كُرّ البائع، [والعوضُ] (6) الراجع من جهة القيمة أربعةُ أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً، فالمحاباة (7) أربعةُ أجزاء، وبقي [مع] (8) ورثة البائع سبعة أجزاء، [مما] (9) بطل البيع فيه من الكُرّ، وانضم إليه من العوض الراجع أربعة، فالمجموع أحدَ عشرَ، وأنقص
منه الدين، وهو ثلاثة أجزاء من خمسةَ عشرَ جزءاً، فبقي مع الورثة ثمانية هي ضعف المحاباة؛ فإن المحاباة كانت أربعة.
7034 - فإن كان للمريض تركة وكان عليه دين، فنقابل التركةَ بالدين، فإن كانا سواء، فكأنه لا تركة ولا دين، وإن كانت التركة أكثرَ من الدين، فنحط مقدار الدين من التركة، ونجعل كأن في المسألة من التركة مقدارَ ما بقي بعد حط الدين ولا دين،
__________
(1) مكانها بياض بالأصل.
(2) بياض بالأصل قدر كلمتين.
(3) في الأصل: ثمنه.
(4) زيادة اقتضاها السياق، مكان بياض بالأصل.
(5) في الأصل: فيصير الشيء اثنا عشر.
(6) في الأصل: والغرض.
(7) في الأصل: بالمحاباة.
(8) في الأصل: من.
(9) في الأصل: "فما بطل البيع فيه من الكر إلا ربع، وانضم إليه ... ".

(10/389)


وإن كان مقدارُ الدين أكثرَ، فنحط التركة منه، ونجعل كأن في المسألة من الدين ما بقي، وكأنه لا تركة أصلاً.
7035 - مسألة: باع المريض عبداً قيمته [مائة] (1) درهم بخمسين درهماً، فزادت قيمةُ العبد، وبلغت مائتي درهم، ثم مات المريض، [وخلّف] (2) البائع من التركة خمسين درهماً سوى العبدِ وثَمنِه.
فنقول: نفذ البيع في جميع العبد بالخمسين.
وفقه المسألة أن المقدار الذي يصح البيعُ فيه [يقع] (3) في جزء البائع بقيمته يومَ البيع، والزيادة تكون للمشتري غير محسوبة عليه، فنقول على هذه القاعدة: [صح] (4) البيع في عبدٍ قيمته [مائة] (5) بخمسين، فالمحاباة خمسون، وفي يد الورثة خمسون من التركة، [فالعوض] (6) الراجع والتركة مائة، ومقدار المحاباة خمسون، فتقع [المحاباة] (7) ثلثاً من المال، وينفذ البيع لذلك في جميع العبد.
7036 - وإن كانت المسألة بحالها، ولم يكن في يد الورثة تركة زائدة سوى العبد وعوضِه، فينفذ البيع في بعضه، ويبطل في بعضه، ثم المقدار الذي ينفذ البيع فيه تُعتبر قيمته بيوم البيع، والزيادة تقع للمشتري غيرَ محسوبة عليه، والمقدار الذي [لا] (8) ينفذ البيع فيه يبقى لورثة البائع، والاعتبار في قيمة الباقي بيوم الموت؛ فإن العبرة في التركة ومقدارِها بيوم الموت؛ إذ التركة ما يتركه المتوفى.
فإذا وضح ذلك، فنقول على القول الصحيح: يصح البيع في شيء من العبد،
__________
(1) في الأصل: مائتا. والمثبت تصويب منا على ضوء شرح المسألة الآتي.
(2) زيادة من المحقق، مكان بياض بالأصل، قدر كلمة.
(3) مكان بياض بالأصل، قدر كلمة.
(4) في الأصل بياض قدر كلمة.
(5) بياض قدر كلمة.
(6) في الأصل: بالعوض.
(7) زيادة من المحقق لاستقامة المعنى.
(8) ساقطة من الأصل.

(10/390)


ويبطل في عبدٍ إلا شيئاً، ويرجع من الثمن نصفُ الشيء، فالمحاباة نصف شيء، وقيمة العبد يوم الموت مائتا درهم إلا شيئين؛ فإن الاستثناء يزيد على حسب زيادة المستثنى [منه، و] (1) عليه بقي في يد الورثة عبدٌ يساوي مائتي درهم، وقد نفذ البيع في شيئين منه ورجع من الثمن نصف شيء، فالباقي مائتان إلا شيئاً ونصفاً، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة وهي شيء، فنجبر ونقابل، فتصير مائتان في معادلة شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائتين، وذلك ثمانون درهماً، وهو أربعة أخماس العبد يوم البيع، فنقول: نفذ البيع في أربعة أخماس العبد، وكانت قيمته مائة، فالبيع بهذه النسبة ثمانون، ورجع من [الثمن] (2) أربعون، فالمحاباة أربعون، وبقي في يد الورثة خُمس العبد، وقيمته يوم الموت أربعون، والتركة محسوبة يوم الموت، فالحاصل في أيديهم ثمانون، والمحاباة أربعون، وما حصل من الزيادة في يد المشتري بعد الشراء غيرُ محسوب عليه؛ فإنها زيادة حصلت على ملكه.
هذا تفريعٌ على القول الصحيح، وهو أن الثمن [مفضوض] (3) على المبيع سقط قسطٌ وبقي قسط.
7037 - ويتأتّى في هذه الصورة التي فرضناها التفريعُ على القول الضعيف؛ فإنها مُصوَّرةٌ في بيع العبد بالدراهم، فلا [يؤدي إلى] (4) التفريع على الربا، فإذا قلنا: البيع صحيح فيما يصح فيه بجميع الثمن المسمى، فنقول: للمشتري نصفُ العبد بخمسين اعتباراً بقيمة يوم الشراء، يبقى نصف العبد وقيمته مائة يوم الموت، فنضمها إلى الثمن، فيكون مائة وخمسين، فللمشتري من ذلك شيء بالمحاباة وثبت شيءٌ في مقابلة فَضْل القيمة؛ فإن ذلك الشيء يتبع ما نفذ من التبرع غيرَ محسوب، فقد نفذ التبرع في شيء وتبعه من زيادة القيمة شيء، فبقي مائةٌ وخمسون درهماً إلا شيئين يعدل ضعف التبرع وهو شيئان، فبعد الجبر والمقابلة يكون مائة وخمسون في معادلة أربعة
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) فى الأصل: الدين.
(3) مكان بياض بالأصل قدر كلمة.
(4) مكانها بياض بالأصل.

(10/391)


أشياء، فالشيء إذاً ربع المائة [والخمسين] (1)، وذلك سبعةٌ وثلاثون درهماً ونصفُ درهم. وهذا هو النافذ من المتبرع، نأخذها من [قيمة] (2) العبد، وهو ثلاثة أثمان العبد يوم اشتراه، وله النصف، [بالثمن] (3) فيحصل (4) له بالثَّمن والمحاباة جميعاً سبعةُ أثمان العبد، ولورثة البائع ثمنُ العبد مع الثَّمن الذي أَجَره (5) ومبلغها يوم الموت خمسةٌ وسبعون درهماً، وهو ضعف المحاباة والتبرع، وهو سبعةٌ وثلاثون درهماً ونصف.
وهذه الزيادة التي فرضناها لا فرق بين أن تكون الزيادة في البدن تُثبت مزيدَ القيمة، وبين أن تكون زيادة في سعر السوق، من غير مزيدٍ في البدن، فالتفريع لا يختلف والزيادة مفروضةٌ قبل موت [البائع] (6) مع بقائها يوم الموت.
7038 - [فإن] (7) حدثت الزيادة بعد موت البائع، فهي حادثة في ملك الورثة، وملك المشتري، ولا تزيد بسبب تلك الزيادة التركة [و] (8) ما استحقه المتوفى وخلّفه على ورثته، فنجعل كأن الزيادة لم تكن، ولا يُعتد بها لا في حصة المشتري، ولا فيما يبقى للورثة. وجرى الترتيب كما تقدم فيه إذا لم يحدث زيادةٌ ولا نقصان، فعلى قولٍ نسلم خمسة أسداس العبد بتمام الثمن [والمحاباة] (9) للمشتري.
وعلى القول الصحيح البيعُ في ثلثي العبد بثلثي الثمن، كما تقدم ذكره.
7039 - ولو لم تزد القيمة بل نقصت وهو في يد المشتري، فكانت القيمة مائة، ورجعت إلى خمسين، ومات المريض البائع والقيمةُ ناقصة، كما ذكرناها، فالحساب
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) زيادة مكان بياض بالأصل.
(3) في الأصل: فالثمن.
(4) في الأصل: يحصل.
(5) أجره: أي أثابه، فهي بمعنى أدّاه.
(6) في الأصل: البيع.
(7) تقدير من المحقق، مكان بياض بالأصل.
(8) زيادة من المحقق.
(9) إضافة من المحقق لا يستقيم الكلام بدونها.

(10/392)


على قولنا: أن البيع ينفذ بجميع الثمن أن نقول (1): كان للمشتري نصف العبد بالخمسين درهماً ونحن نضم نصفه الآخر إلى الثمن الحاصل في يد البائع، ونصفه بعد النقصان خمسةٌ وعشرون، فالثمن والنصف يوم الموت خمسةٌ وسبعون درهماً، فللمشتري من ذلك بسبب المحاباة شيء محسوب عليه بشيئين، وهذا مبني على القاعدة التي ذكرناها من كون النقصان محسوباً على المتبرع عليه، تبقى لورثة البائع خمسةٌ وسبعون درهماً إلا شيئاً، تعدل ضعف المحسوب عليه، والمحسوب عليه شيئان، وضعفهما أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، فتصير خمسة وسبعون في معادلة خمسة أشياء، فالشيء يعدل خمسةَ عشرَ درهماً، وهي ثلاثة أعشار العبد يوم الموت؛ فإن قيمة العبد خمسون درهماً، وعُشْره خمسة. هذا هو المسلم للمشتري بسبب المحاباة، فإذا ضممنا المحاباة إلى ما قابل تمام الثمن، كان المبلغ أربعة أخماس العبد؛ فإن النصف سلّم بالثمن، وهو يوم الموت خمسةٌ وعشرون، وانضم إليه خمسةَ عشرَ، فالمجموع أربعة أخماس العبد، فقد قام ما يساوي أربعين يوم الموت عليه بخمسين، وهذا خسران. وإن كان البيع في وضعٍ على المحاباة. وهذا احتساب النقص على المشتري.
7040 - وإذا فرعنا على القول الثاني وهو أن البيع يصح في مقدارٍ [من] (2) العبد بقسطٍ من الثمن، فسبيل الحساب فيه أن نقول: يصح البيع في شيء من العبد بنصف شي؛ من الثمن أولاً، ويبطل في عبدٍ إلا شيئاً، وقيمته يوم الموت خمسون درهماً إلا نصف شيء، قيمةُ ما بقي وبطل البيع فيه.
وإنما كان كذلك، لأنه كان الباقي مائة إلا شيئاً، ولما نقص نصفه، كان الاستثناء
على نسبة النقصان، فبقي خمسون إلا نصفَ شيء، فنضم إلى الثاني ما كان حصل من
الثمن، وهو نصف شيء، فنجبر بهذا الثمن ما كان في الخمسين من الاستثناء، وقد
كان خمسين إلا نصفَ شيء، فإذا ضممنا إليه الثمنَ، وهو نصفُ شيء، صارت
__________
(1) في الأصل: أن لم نقول.
(2) في الأصل: في.

(10/393)


خمسين كاملة، وهي تعدل ضعف المحاباة وهي شيء، فالشيء إذاً خمسون درهماً، وهو نصف العبد يوم الشراء، وهو الذي [بيع] (1). فنقول: صح البيع في نصف العبد بنصف الثمن، وهو خمسة وعشرون، فالمحاباة خمسة وعشرون، وللورثة نصف العبد ونصف الثمن، ومبلغها يوم الموت خمسون، وهي ضعف المحاباة.
فهذا بيان نقصان القيمة في يد المشتري قبل موت المريض البائع.
7041 - فأما إذا [حصل] (2) النقصان بعد موت السيد، فنحن [نبين] (3) في مقدمته قاعدةً، وهي أن العبد إذا نقص قبل موت البائع، فالنقص في المقدار المبيع محسوبٌ عليه، كما ذكرناه، [وأوضحنا حسابه والنقص الذي يخص الجزء] (4) الذي بطل البيع فيه لا يكون مضموناً على المشتري.
هكذا ذكره الأستاذ وغيره من الأصحاب؛ فإن ذلك الجزء ليس مبيعاً في حقه، وليس هو قابضه على سبيل العدوان أيضاً، وليس قابضه لمنفعة نفسه أيضاً، فهو أمانة في يده: لو تلف العبد في يده، لم [يلزمه] (5) ضمان في مقابلة [ما بطل] (6) البيع فيه.
وهذا الذي ذكر ظاهر، ولكن فيه احتمالٌ؛ من جهة أن من يشتري شيئاً من مريض فقد قبضه مبيعاً، ولو برأ المريض [واستبلّ] (7)، لكان البيع لازماً في جميع العبد، فقبض جميعه على اعتقاد كونه مبيعاً، فلا يمتنع أن يقال: يدُه يدُ ضمان فيما ليس بمبيع.
والدليل عليه أن من اشترى شراءً فاسداً وقبضه، فيده يدُ ضمان؛ لأنه قبضه معتقداً
__________
(1) في الأصل: البيع.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) زيادة من المحقق مكان بياضٍ قدر كلمة.
(4) عبارة الأصل هكذا: "وأوضحنا حساب فالنقص الذي نحو الجزء" فانظر أيَّ عناءٍ لقيناه، كي نقيم العبارة. (5) في الأصل: يلزم.
(6) في الأصل: فأبطل.
(7) في الأصل: واستقلّ، ولا معنى لها. واستبلّ بمعنى برأ وعوفي من مرضه. وهذا اللفظ (استبلَّ) واردٌ مستعمل في كلام إمام الحرمين في غير هذا الكتاب.

(10/394)


كونه مبيعاً، وهذا المعنى يتحقق في جميع ما اشتراه وقبضه، فالقبض في الموضعين بإذن المالك، ولا عدوان، بل هذا في المقبوض على الفساد أوضح؛ فإن التسليم في البيع الفاسد جرى في مطلق التصرف، والمريض ليس مطلقاً في حقوق الورثة.
فإن قلنا: يد المشتري يد أمانة في المقدار الذي ليس مبيعاً، فطريق الحساب ما تقدم.
وإن قلنا: إنه يضمن النقصان، فيختلف مسلك الحساب، ويصير المشتري غارماً لمقداره مع الثمن. وهذا [في] (1) نقصانٍ يتعلق [ببدن] (2) العبد.
فأما نقصان السوق، فهو محسوب على المشتري، كما ذكرناه، ولا يكون نقصان السوق مضموناً باليد؛ إذ لو كانت العين باقيةً قائمةً، [لا يسقط الخيار] (3)، فليقع الفرض في نقصان السوق حتى سموه (4) الحساب كما قدمناه من غير تخيل خلاف.
فهذا ما لم نجد بُداً من ذكره.
7042 - ومما نذكره أن الأستاذ قال: إذا نقص المبيع في يد المشتري، فإن كان نقصان عينٍ، بطريان (5) عيبٍ، فلا يبقى له خيارٌ بسبب تبعّض الصفقة عليه. وهذا ينزله منزلة ما لو اشترى عبداً، واطّلع على عيبٍ قديمٍ، وقد حدث في يده عيبٌ حادث، فالعيب الحادث يمنعه من الرد بالعيب القديم، ولو كان ذلك النقصان بسبب السوق، لم يمتنع بسببه الردُّ عليه بعلة تفرّق الصفقة؛ فإن نقصان السوق غيرُ مضمون في عهد (6) البيع، وإن [حدث] (7) نقصان السوق والعيب، فإنهما جميعاً محسوبان على المشتري فيما يتعلق بحساب المبيع ومقداره، وما ذكره في إثبات الخيار عند
__________
(1) في الأصل: من.
(2) في الأصل: ببدل.
(3) زيادة من المحقق، نرجو أن تكون صواباً.
(4) كذا.
(5) في الأصل: فطريان.
(6) كذا. ولعلها: عُهْدة.
(7) في الأصل: اشترى.

(10/395)


نقصان السوق صحيحٌ لا شك فيه، وما ذكره من أن العيب الحادث يمنع الرد ببعض الصفقة، فالقول فيه كالقول في العيب القديم مع العيب الحادث، وقد ذكرتُ تفصيلَ المذهب فيه في كتاب البيع.
7043 - ثم ظاهر كلام الأستاذ (1) أن العيب والنقصان بعد الموت في يد المشتري بمثابة النقصان قبل موت البائع، وهذا يتضمن أن يكون مقدار المبيع في هذه الصورة كمقدار المبيع إذا [كان] (2) النقصان قبل الموت. وهذا إن أراده وقصده خطأٌ؛ فإن القيمة إذا كانت تامة يوم الموت، فقد حصلت التركة على القيمة التامة، وقرار التبرع وحساب الثلث والثلثين يكون يوم الموت؛ فينبغي أن ينفذ البيع على القول الصحيح في ثلثي العبد نظراً إلى قيمة يوم الموت، وليس كما لو نقصت القيمة قبل الموت؛ فإن الاعتبار في مقدار التركة بيوم الموت وكانت القيمة ناقصةً يوم الموت، فنقص مقدار المبيع بسبب نقصان التركة يوم الموت. وإذا كانت القيمة كاملة يوم الموت، فالنقصان بعد ذلك لا يؤثر في تنقيص مقدار المبيع، سيّما إذا كان النقصان [بسعر السوق] (3)، ولم يفترض في المسألة إمكان تضمين المشتري نقصانَ ما لم يصح البيع فيه.
هذا تمام القول في ذلك.
7044 - ومما يتعلق بالغرض فيه أنه لو باع عبداً قيمتُه مائة بخمسين، ثم لم يسلّمه إلى المشتري حتى رجعت القيمة إلى الخمسين، فالبيع [نافذٌ] (4) في الجميع، والمحاباة [زائلة] (5) وقد بان آخراً أنه باع الشيء بثمن مثله؛ فإنه لم يسلّمه حتى تحقق النقصان في يده، وإنما يتم التبرع بالتسليم.
هكذا ذكره الأستاذ. وقال في استتمام الكلام: لو [رَجَعت] (6) قيمة العبد إلى
__________
(1) تذكّر أن المراد بالأستاذ هنا أبو منصور البغدادي.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) مكان كلمة غير مقروءة (أنظر صورتها في القائمة في آخر الكتاب).
(4) في الأصل: فاسد.
(5) في الأصل: قابلة.
(6) في الأصل: جمعت.

(10/396)


خمسة وسبعين، فالبيع نافذ في الجميع أيضاً؛ فإن التبرع خمسةٌ وعشرون، [وذلك هو الثلث الذي للمريض التبرع به] (1).
والذي ذكره فيه نظر على الفقيه؛ فإن التبرع [الواقع] (2) بالمحاباة لا يتوقف تمامه [ونفوذه] (3) على التسليم؛ فلا ينبغي أن يكون بين حدوث النقصان في يد البائع المريض، وبين حدوثه في يد المشتري فرق، وما يقع من نقصان يجب أن يكون محسوباً على المشتري، ويجب [أن] (4) يكون الاعتبار في القاعدة التي نبني عليها خروجُ مقدار المبيع على يوم زوال الملك إلى المشتري، وذلك لا يختلف بالقبض وعدمه [فليتأمل] (5) الناظر ما نجريه في ذلك؛ فإنه محل النظر، ولا وجه لما ذكره الأستاذ عندنا، والله أعلم.
7045 - مسألة: إذا اشترى المريض عبداً قيمته عشرة بثلاثين، لا مال له غيرَ الثلاثين، فالمحاباة في جانب الشراء بمثابة المحاباة في جانب البيع.
وتقريب القول فيه أن المشتري مزيلٌ ملكه عن الثمن، كما أن البائع مزيلٌ ملكه عن المبيع، والكلامُ في الجانبين جميعاً على وتيرةٍ واحدةٍ.
والذي [نذكرهُ] (6) أنه إذا اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين، فزادت قيمة العبد في يده، وصارت قيمته عشرون، فالعشرة الزائدة قبل موت المشتري في قيمة العبد زائدةٌ في تركة المشتري، [ويزيد ثُلثه وينزعه] (7)، فنضم العشرة الزائدة إلى الثلاثين، فتصير التركةُ أربعين، وثلثها ثلاثةَ عشرَ وثلث.
فنقول: للبائع ثلث هذا المقدار، فنجيز قدرها من المحاباة على ما يقتضيه
__________
(1) مكان بياض بالأصل. (وانظر صورة الكلمة قبل البياض وبعده).
(2) في الأصل: الواقف.
(3) في الأصل: "منفوذه".
(4) في الأصل: ألا يكون. وهو عكس المعنى المقصود. والله أعلم.
(5) في الأصل: فيتأمل.
(6) في الأصل: نذكر.
(7) كذا ما بين المعقفين. والكلام مستقيم بدونه.

(10/397)


الحساب، فإن رضي البائع بهذا، ردّ من الثمن ستةً وثُلثين؛ فإن المحاباة لهما تجوز على قدر الثلث.
فإن أراد الفسخ لتبعيض الصفقة، فله ذلك، ويسترد العبد زائداً.
وإن صارت قيمةُ العبد ثلاثين درهماً، ضممنا ما زاد، وهو عشرون إلى الثلاثين الذي جعله ثمناً، وأخرجنا ثُلثَه، فيكون ستةَ عشرَ وثُلثي درهم، فعلى هذا القدر [تجوز] (1) المحاباة، فإن رضي البائع به، فذاك، ويردّ ثلاثةَ دراهم وثلثاً [من] (2) قيمة العشرين، فالمحاباة [الواقعة] (3) عشرون. وإن (4) [شاء] (5) فسخ العقدَ، فاسترد العبد زائداً، وهذا [خيرٌ] (6) له وأولى به.
وإن صارت قيمة العبد أربعين، فقد زاد ثلاثون، فنضمها إلى الثلاثين الذي كان [في ملكه] (7) وثلث المبلغ عشرون، والمحاباة عشرون، فينفذ البيع في جميع العبد بجميع الثمن؛ نظراً إلى مقدار التركة حالة موت المشتري.
ثم لا فرق بين أن تحدث الزيادة في يد المشتري أو في يد البائع، فهي حادثة في ملك المشتري، والأمر على ما ذكرناه.
7046 - ولو اشترى عبداً قيمته عشرة كما تقدم بثلاثين درهماً، لا مال له غيره، ثم نقصت قيمةُ العبد [سِتةً] (8)، ورجع [ما في] (9) يد المشتري إلى أربعة، فقد كانت تركته ثلاثين، والآن نقصت تركته ستة دراهم، فكأنه خلّف أربعةً وعشرين، وثلثُها ثمانية، فيقال للبائع: تتقيد المحاباة؛ فتقع على قدر الثلث، وهو ثمانية. فإن رضي
__________
(1) في الأصل: "فعلى هذا القدر لما .... المحاباة" مع بياض قدر كلمة مكان النقط.
(2) زيادة من المحقق.
(3) الواقعة: أي الكائنة في عقد هذا البيع. وهي ساقطة من الأصل.
(4) في الأصل: فإن.
(5) مكان بياض قدر كلمتين.
(6) في الأصل: ضبط.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.
(8) ساقطة من الأصل.
(9) زيادة اقتضاها السياق.

(10/398)


البائع بذلك، فلا كلام. وإن أبى، فله فسخ البيع ويُرَدُّ العبد ناقصاً، وَيرُدّ تمامَ الثمن، ولا ضمان على المشتري؛ فإن البائع كان بالخيار، وليس يخفى ذلك، وهو مما تناهينا في [تقريره] (1) في كتاب البيع.
7047 - وإن أحببنا، اعتبرنا طريقَ الحساب تذكيراً وتجديداً للعهد وإن [كان] (2) مسلكه واضحاً، فنذكر الحساب في الزيادة والنقصان، فنقول:
إذا اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين، فزادت قيمته وبلغت عشرين، والتفريع على أن البيع يصح في البعض ببعض من الثمن، فيصح البيع في شيء من العبد بثلاثة أشياء من الثمن، فيكون المحاباة شيئين، ويبقى من الثمن ثلاثون درهماً إلا ثلاثةَ أشياء، فنضم إليه المشترَى من العبد، وقد كان شيئاً، فصار شيئين، وإذا ضممنا ذلك إلى الثمن، جبرنا ما كان فيه من استثناء، وقد كان [فيه] (3) استثناء ثلاثة أشياء، فإذا ضممنا إليه شيئين، رجع إلى واحد، فمعنا ثلاثون درهماً ناقصٌ شيئاً، وذلك يعدل ضعفَ، المحاباة، وكان المحاباة شيئين، وضعفها أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، فتصير ثلاثون في معادلة خمسة أشياء، فالشيء ستة دراهم، وهي خُمس الثلاثين، وهي ثلاثة أخماس العبد، فنقول: صح البيع في ثلاثة أخماس العبد، بثلاثة أخماس الثمن، وهي ثمانية عشر درهماً، فيكون المحاباة اثني عشر درهماً، ولورثة المشتري ثلاثة أخماس العبد، وقيمتها يوم الموت اثنا عشر درهماً، مع [خمسي] (4) الثمن، وقيمتها اثنا عشر درهماً، فالمبلغ أربعة وعشرون، وهو ضعف المحاباة.
هذا مسلك الحساب في الزيادة إذا وقع التفريع على قول انبساط الثمن.
7048 - ونذكر صورةً على هذا القول في النقصان، فنقول: اشترى عبداً قيمته عشرة بثلاثين درهماً وهو مريضٌ، لا مال له سوى الثلاثين، فنقص العبد في يد المريض، ورجع إلى خمسةٍ، فالنقصان مضمون على المشتري، كما تقدم ذكره.
__________
(1) في الأصل: تقديره.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: منه.
(4) في الأصل: خمس.

(10/399)


فنقول: جاز البيع في شيء من العبد بثلاثة أشياء من الثمن، وبطل العقد في عبد إلا شيئاً، فقد نقصت قيمته، فكأنا نقول: عشرة إلا شيئاً، والآن هو خمسة إلا نصف شيء، فننقص النقصان من التركة؛ لأنه إذا كان محسوباً على المشتري، فهو كدينٍ يُقضى، فيبقى مع الورثة خمسة وعشرون درهماً إلا شيئين ونصفاً.
وبيان ذلك على هذه القاعدة أنه كان معهم ثلاثون إلا ثلاثة أشياء، فالآن نحطُ منها خمسة إلا نصفَ شيء، فيكون الباقي خمسة وعشرين درهماً إلا شيئين ونصفَ شيء، فنضم ذلك إلى المشترَى من العبد، وقد كان المشترَى شيئاً من العبد، ورجع إلى نصف شيء، فحصل للورثة خمسةٌ وعشرون درهماً إلا شيئين في معادلة ضعف المحاباة، فكانت المحاباة شيئين، وضعف المحاباة أربعة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة تكون خمسة وعشرين درهماً في معادلة ستة أشياء، فالشيء سُدُس خمسة وعشرين، وذلك ربع العبد وسدس العبد؛ فإن سدس الخمسة والعشرين أربعة وسدس، والأربعة والسدس، ربع العشرة التي كانت قيمة العبد وسدسها؛ فإن ربعها درهمان ونصف، وسدسها درهمٌ وثلثان، وذلك خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من العبد، فقد نفذ البيع في هذا القدر منه.
7049 - وإذا كنا نحتاج إلى أن نبين مقدار الثمن وعَوْد الثمن مع التفاوت في القلة والكثرة على نسبة الجزء الذي نفذ البيع فيه من العبد، فالوجه أن نقول: العبد عشرة قسمناها اثني عشر جزءاً لننسبَ إليها خمسةَ أجزاء، فالثمن ثلاثون، فنجعل كل عشرة اثني عشر جزءاً، ومجرى التبيين على هذه النسبة، فيصير الثلاثون ستة وثلاثين جزءاً، فينفذ البيع في خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من عشرة من العبد بخمسةَ عشرَ جزءاً من (1) ستة وثلاثين جزءاً من ثلاثين درهماً من الثمن. ويبقى أحدٌ وعشرون جزءاً، وقد بطل البيع في سبعة أجزاء من العبد، ورجعت قيمتها إلى ثلاثة أجزاء ونصف جزء، فأخرج ما نقص من أحدٍ وعشرين جزءاً، فيبقى من الدراهم سبعةَ عشر جزءاً ونصف، فنزيد عليها الشيء المشترى وهو خمسة أجزاء، وقد رجعت قيمتها إلى
__________
(1) عبارة الأصل: بخمسة عشر جزءاً من العبد من ستة وثلاثين جزءاً من ثلاثين درهماً.

(10/400)


جزأين ونصف، فيجتمع لهم عشرون جزءاً، ضعف المحاباة.
هذا سياق الحساب.
7050 - والمسألة معدّلةٌ على الفقه والفتوى، وقد استرسل الأستاذ فيها، وطرد الحساب، كما ذكرناه، وقوله في هذه المسألة مناقض لما قدمنا ذكره حكاية عنه، وذلك أنه قال في هذه المسألة: العبد المبيع إذا صح البيع في شيء منه، بطل (1) في عبدٍ إلا شيئاً، ثم قال: إذا نقص العبد، ورجعت قيمته إلى خمسة، فهذا النقصان مضمون على المشتري؛ فإن البيع لم يصح فيه، وقد تقدم أن النقصان فيما لا يصح البيع فيه غير مضمون على المشتري، وهو أمانة في يده، وقد أوضحنا الردَّ عليه في ذلك، ثم جاء بنقيض ما قدّمه في هذه المسألة، وضمَّن المشتري النقصان فيما لا يصح البيع فيه. ولفظه في هذه المسألة: "أنه كالدين يُقضى مما في يده".
وهذا سديد لكن في المسألة خلل من وجهٍ آخر، وهو أنه لم يفرق بين نقصان السوق ونقصان العين، ونحن على قطعٍ نعلم أن نقصان السوق غيرُ مضمون؛ فإن الغاصب لا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين، فلا تستقيم هذه المسألة حتى نفرض النقصان بسبب يرجع إلى [ذات وعين] (2) العبد لا إلى السوق.
7051 - مسألة أوردها صاحب التلخيص [للمبتدىء] (3) في نظره، وهي مقومة على قاعدة الفقه والحساب، قال الشيخ أبو علي: المسائل المتقدمة كالتوطئة [و] (4) التمهيد لقاعدةٍ، وغرضُ المسألة نذكره مرسلاً، ثم نفصّله، ونبين حسابه، وقد ذكرنا أن المريض إذا باع كُرّاً يساوي عشرين بكُرٍّ يساوي عشرة، والتفريع على قول التقسيط؛ إذ لا يصح البيع في الربويات إلا على هذا القول، فالبيع يصح في ثلثي الكُر الأرفع، فإذا باع كُرّاً يساوي ثلاثين بكُرٍّ يساوي عشرة، فالبيع يصح في نصف الكُرّ الأرفع،
__________
(1) في الأصل: "وبطل".
(2) مكان بياضٍ وطرف الكلمة الأولى. هكذا [دا ... ].
(3) في الأصل: "المبتدىء".
(4) زيادة اقتضاها السياق.

(10/401)


فيختلف ما ينفذ البيع فيه باختلاف قيمة الأرفع والأَدْونِ، وهذا معلوم يبتدره الفهم ابتداراً كلياً، إلى أن نطّلع على تفصيله.
فلو باع المريض كراً جيداً بكرّ رديء، واستوفى الرديء، وأكله، أو أتلفه، وردّ الورثةُ التبرعَ الزائد على الثلث، فالبيع يصح في ثلث الكُرّ [الجيد] (1)، ولا فرق بين أن تكون قيمة الكُرّ الأرفع ضعف قيمة الأدون، وبين أن تكون ثلاثة أمثالِه، أو أكثر فصاعداً، فلا ينفذ البيع إذا أتلف صاحبُ الأجود الثمنَ الأدْون [إلا] (2) في ثلث الكر الجيد.
هكذا قال صاحب التلخيص.
واتفق الفقهاء والحُسّاب على مطابقته، وهو بدعٌ قبل تدبُّره؛ فإن الجزء الذي ينفذ البيع فيه لا يختلف مع اختلاف القيم، وهو ثلث زائد.
وقد ذكر الأستاذ ذلك، وأوضحه باعتبارٍ لا يخرج إلى الجبر، ولا إلى طريق [يتفصَّى عنه] (3)، وأوضح ما أراده في مسألتين ليقيس القايس على قياسه فيهما.
فإذا باع كُرَّاً قيمته عشرون بكُرٍّ قيمته عشرة، واستوفى الكُرَّ الرديء، وأتلفه، فنطلق ونقول: صح البيع في ثلث الكرّ الجيد، وقيمته ستة وثلثان، بثلث الكر الرديء، وقيمته ثلاثة وثلث، فالمحاباة ثلاثةٌ وثلث، وفي يد صاحب الكر الجيد ثلثا الكر الجيد، فيؤدي منه عِوَض ثلثي الكُرّ الرديء، فإنا أذهبنا ثلثاً من الكر الجيد بثلث من الكرّ الرديء، وقيمة ثلثي الكر الجيد ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلثٌ، وقيمة ثلثي الكر الردي ستةٌ وثلثان، فنحط ستةً وثُلثين من ثلاثةَ عشرَ وثلثٍ، فيبقى ستة وثلثان في يد ورثة بائع الكر الجيد.، وهذا ضعف المحاباة. والشرط أن يبقى في يد الورثة ضعفُ المحاباة بعد قضاء الدين.
فهذا تقويم المسألة إذا كان الكُرّ الجيد بعشرين والكُرّ الرديء بعَشَرة.
__________
(1) في الأصل: الكُرّ الذي يجيد.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم المعنى بدونها.
(3) في الأصل: يقتضي منه. والمثبت تقدير منا. والمعنى ينفصل عنه، ويتخلص منه (معجم).

(10/402)


7052 - فأما إذا كان الكُرّ الجيد قيمتُه ثلاثون والكُر الرديء قيمته عَشَرة، فنقول: إذا استوفى صاحبُ الجيد الرديءَ، وأتلفه، فالبيع يصح في ثلث الكُرّ الجيد، كما قدمناه في المسألة، وطريق الاعتبار فيها أن نقول: قيمةُ ثلث الكُرّ الجيد عَشَرة، فإذا نفذ البيع فيه ورجع ثلث الكُرّ الرديء عِوضاً وقيمته ثلاثة وثلث، فالمحاباة من ستة وثُلثَيْن، وقد بقي في يد ورثة بائع الكر الجيد ما يساوى عشرين وهو ثلث الكر الجيد، لكن البائع أتلف الكُرّ الرديء، فذهب ثلثه عوضاً بالثلث وبقي عليه قيمةُ الثُلُثَيْن، وقيمة ثلثي الكر الرديء ستة وثلثان، فنحط ذلك من العشرين، فيبقي في يد ورثة بائع الجيد ثلاثةَ عشرَ وثلثُ، وهي ضعف المحاباة في الثلث: ستةٌ وثلثان.
وهذا يجري على الطرد، مع اختلاف الأقدار، إذا كان المبيع يتبعض ولا يخرج جيمعه.
واكتفى الأستاذ بالاعتبار (1) الذي ذكره.
7053 - وأجرى الشيخ أبو علي طريقَ الحساب في المسألة، فنشير إلى أصولها، فنقول: إذا باع كُرّاً جيّداً قيمتُه عشرون بكُرٍّ رديء قيمته عشرة، واستوفى بائعُ الجيد الرديءَ وأتلفه.
[فطريقة] (2) التقدير والنسبة أن نقول: أخذ عشرة فننقصها مما معه، وهو الكُرّ الجيد، فيبقى عشرة، وإنما نقصنا العشرة لأنه استحقَّ بعضَها، وأتلف بعضَها، فنقول: العشرة بالعشرة، فيبقى عشرة، وقد جاء بالعشرة، فنجعل كأن كلّ ماله عشرة، ومن تبرع بكل ماله، نفذ تبرعه في الثلث، فثلث العشرة ثلث ماله، وهو بالإضافة إلى المحاباة ثلث المحاباة، فنقول: نفذ البيع في ثلث العشرة على قاعدة التقدير والنسبة.
7054 - طريقة الجبر: أن نقول: كُرٌّ قيمته عشرون، صح البيع في شيء منه،
__________
(1) في الأصل: باعتبار. والمعنى: بالتقدير الذي ذكره.
(2) في الأصل: وطريقة.

(10/403)


ورجع نصف شيء، فيبقى عشرون درهماً ناقصةً نصفَ (1) شيء، وعلى المريض عشرة استحق بعضها، وأتلف بعضَها، والعشرةُ محسوبةٌ عليه، فنحط ذلك مما معه، فيبقى عشرة غيرَ نصف شيء يَعدل شيئاً مثلي المحاباة، فنجبر ونقابل، ونقول بعد الجبر والمقابلة: عشرة تعدل شيئاً ونصفاً، وإذا كانت العشرة تعدل شيئاً ونصفاً، فالعشرون تعدل ثلاثة أشياء، وقد قلنا؛ نفذ البيع من العشرين في شيء، فليكن ذلك الشيء ثلث العشرين، [واستدّ] (2) قولنا: البيع ينفذ في ثلث الكر الجيد.
7055 - طريقة الدينار والدرهم: أن نقول: القفيز (3) الجيد دينار ودرهم، فنقول: صح البيع في الدينار، ورجع نصفه، وإذا جعلنا الكر الجيد ديناراً ودرهماً، فالرديء نصف دينار ونصف درهم، بقي من الجيد درهم ونصف دينار، وهو ما عاد من العوض، وقد فوّت العشرة، كما قدمنا، والعشرة نصف دينار ونصف درهم، ننقُصها مما في يد الورثة فيبقى في يدهم نصفُ درهم يعدل مثلي المحاباة، وهو دينار؛ فإن المحاباة نصفُ دينار، فنقول: إذا كان نصف درهم يعدل ديناراً، ودرهم كامل يعدل دينارين، فعرفنا أن الدينار الذي أطلقناه كان نصف درهم، وهو على
التحقيق ثلثُ القفيز.
7056 - طريقة الخطأين: نقدّر القفيزَ الجيد خمسةَ أسهم إن أردنا، ويجب (4) البيع في سهم من الخمسة ويرجع نصفُ سهمٍ، فيبقى في يد الورثة أربعةُ أسهم ونصفٌ، فيقضي منها العشرة تقديراً، وهي سهمان ونصف، فإنها نصف الجيد، فيبقى في يد الورثة سهمان، وحاجتنا إلى سهم واحد؛ فإن المحاباة نصف سهم، والخطأ في زيادة سهم، فنحفظ هذا.
ثم نرجع ونجيزُ البيع في سهمٍ وثلث، فيرجع مثل نصفه، وهو ثلثا سهم، فيبقى
__________
(1) في الأصل: ونصف شيء.
(2) في الأصل: "واستمرّ" والمثبت تقدير منا؛ بناء على المعهود من ألفاظ الإمام، (واستدّ أي
استقام) كما سبق تفسيره مراراً من قبل.
(3) القفيز: بمعنى الكُرّ.
(4) يجب: أي يتمّ ويصح.

(10/404)


في يد الورثة سهمٌ وخمسةُ أسداس سهم والحاجة إلى سهم وثلث، والخطأ بزيادة نصف، وكان الخطأ الأول سهماً، فلما زدنا ثلثَ سهم، ذهب نصف الخطأ، فلعلنا أنا لو زدنا ثلثاً آخر [وأجيز] (1) البيع في سهم وثُلُثَين، لذهب كل الخطأ، والسهم والثلثان ثلث الخمسة، وقد بان الغرض بهذا القدر.
ولكنا نسلك طرق الحساب؛ فإن الضرورة قد تُحوج [إليها] (2) في المضايق، فنقول: المال الأول وهو خمسةٌ مضروبٌ في الخطأ الثاني، وهو نصف سهم، فيرد سهمين ونصفاً، ونضرب المال الثاني، وهو خمسة في الخطأ الأول وهو سهمٌ، فيرد خمسةً، فنطرح الأقل من الأكثر؛ فإن الخطأين زائدان، يبقى سهمان ونصف، ونحن نحتاج إلى النصف والثلث جميعاً، فنبسطه على مخرج السدس، لنجد فيه النصف والثلث، فيبلغ خمسة عشر، فهو الكُرّ الجيد، وهذا من ضرب اثنين ونصف في ستة.
وإذا أردنا أن نعرف النصيب الذي ينفذ البيع فيه، فنأخذ النصيب الأول، وهو سهم، فنضربه في الخطأ الثاني وهو نصف سهم، فيرد نصفَ سهم، ونأخذ النصيب الثاني وهو سهم وثلث، ونضربه في الخطأ الأول وهو واحد، فيرد سهماً وثلثاً، فنطرح الأقلَّ من الأكثر، فيبقى خمسةُ أسداس، فنبسطها أسداساً، كما بسطنا أصل المال، فيصير خمسةَ آحادٍ، فالبيع ينفذ في خمسةٍ من خمسةَ عشرَ، وهو الثلث، ولو اردتَ ألا نبسط ونبقي لذكر اثنين ونصف، لكان النصف الخارج وهو خمسة أسداس ثلثها، ولكنا بسطنا للإيضاح.
وقد يقول بعضُ الحُساب: الخطأ الأول سهمٌ والمال خمسة، فنحفظهما، ثم نضعّف المالَ فيصير عشرة، [ونجيز البيعَ] (3) في سهم، ويرجع نصفُ سهم، ويحصل في أيديهم تسعةُ أسهم ونصفٌ، ثم نقضي منه الكُرَّ الرديء، وهو خمسة؛
__________
(1) في الأصل: كلمة غير ذات معنى رسمت هكذا: واوحروا. (انظر صورتها في قائمة الكلمات المصورة).
(2) في الأصل: إلينا.
(3) في الأصل: ونجبر المبيع.

(10/405)


فإن الجيد إذا كان عشرة، [كان] (1) التفاضُل بالضعف، فيكون كذلك، فتبقى أربعةٌ ونصفٌ، وحاجتنا إلى سهم واحد، فقد غلطنا بثلاثة ونصف، فنضرب المال الأول في الخطأ الثاني، وهو ثلاثة ونصف، فيردّ علينا سبعةَ عشرَ ونصفاً، ونضرب المال الثاني وهو عشرة في الخطأ الأول، وهو سهم فيردّ عشرة، فنطرح الأقل من الأكثر فتبقى سبعة ونصف، فنضربها في مخرج النصف، فيصير خمسةَ عشرَ. وهو المال.
ثم الأَوْلى أن نقول: نحطّ الخطأ الأول من الثاني فيبقى سهمان ونصف، فنضربه في مخرج النصف، فيرد خمسةً، فهو النصيب. وللحُسّاب طرق في البسط والقبض، والطريقة المرضية في الخطأين إن أردت البسط أن تسلك المسلك الذي ذكرناه في الدور والوصايا، ولا تزيد على قواعد الحُسّاب، وكلما اختصرتَ وقربتَ، كان أولى.
7057 - ولو طردت الطرق في بيع كُرٍّ جيد قيمته ثلاثون بكُرٍّ رديء قيمته عشرة، وقد استوفى صاحب الجيد الرديءَ وأتلفه [فذلك] (2) على المنهاج المقدم، فلا معنى لإعادتها على البسط.
ونذكر على الإيجاز طريق التقدير والنسبة، وطريق الجبر.
أما طريقة التقدير، فنقول: القفيز الجيد يساوي ثلاثين، وقد أتلف الرديء، وقيمته عشرة، فنحطه من الجيد، فيبقى من الجيد عشرون، وكان لا مال له غيره، وقد حابا بالعشرين، فنأخذ ثلثَ العشرين، فإن المال المُثلَّث ما بعد الدين، والأثلاث (3)، وثلثُ العشرين ستة وثلثان. هذا ثلث المال، وهو ثلث المحاباة، فنسبة الثلث من المحاباة بالثلث، فالبيع نافذ في ثلث القفيز الجيد.
طريقة الجبر: أن نقول: نفذ البيع في شيء من الكُرّ الجيد، ورجع ثلث شيء عوضاً، فالحاصل (4) ثلاثون إلا ثلثي شيء، فنحط من هذا المبلغ قيمةَ الرديء؛
__________
(1) في الأصل: إذا كان عشرة تفاضل الضعف.
(2) في الأصل: "كذلك".
(3) كذا. مقحمةٌ يستقيم الكلام بدونها.
(4) في الأصل: والحاصل.

(10/406)


فإنها مستهلكة، فتبقى عشرون إلا ثلثي شيء [تعدل مثلي] (1) المحاباة وهو شيءٌ وثلث، فنجبر ونقابل، فيصير عشرون في معادلة [شيئين] (2)، فالشيء عشرة، فنرجع ونقول: الشيء الذي صح البيع فيه عشرة من ثلاثين، فيقع ثلثَها.
وعلى هذا النسق تخرج الطرق المستعملة.
7058 - وكل ما ذكرناه فيه إذا استوفى صاحبُ الجيد الرديء، وأكله، وأتلفه. فأما إذا استوفى صاحب الرديء الكُرَّ الجيد وأكله وأتلفه، ومات ولا مال له سوى الكُرّ الرديء، فقد قال الأستاذ: يجوز البيع في نصف الكُرّ في الحال.
ونذكر صورتين: إحداهما - أن تكون قيمة الكُرّ الجيد عشرون، والثانية أن تكون قيمته ثلاثون، وقيمة الرديء في المسألتين عشرة.
فإن كانت قيمة الكُر الجيد عشرين، فقد قال الأستاذ: نحكم بنفوذ البيع في نصف الجيد في الحال بنصف الكُرّ الرديء، والوجهُ فيه أن البيع ينفذ في نصفٍ قيمتُه عشرة، ويرجع في [ ... ] (3) نصفٍ من الكر الرديء، وقيمته خمسة، فتقع المحاباة في خمسة، والنصف الآخر من الكُر الرديء في يد بائع الكر الجيد يأخذه من الدَّين الذي له على مُتلف الكُرّ الجيد، فيحصل في أيدي [ورثة البائع] (4) عشرة، والمحاباة خمسة، فتقع التركة ضعف المحاباة.
فإن نجّز متلفُ الكر الجيد شيئاً مما عليه، نفذ البيع على النسبة التي ذكرناها، فلا تجوز المحاباة في شيء حتى يحصل في يد الورثة ضعفُه.
وهذا الجواب مستقيم، والأمر يجري على [النسبة] (5).
فالذي نحققه تنفيذ البيع في نصف الكر الجيد، كما ذكرنا بيان هذه الصورة.
__________
(1) في الأصل: بعد ثلثي المحاباة.
(2) في الأصل: شيء.
(3) بياض قدر كلمة بالأصل.
(4) قدرناها مكان بياضٍ بالأصل.
(5) بياض بالأصل.

(10/407)


7059 - أما الصورة الثانية، وهي إذا كان قيمة الكر الجيد ثلاثين وقيمة الرديء عشرة، فقد قال الأستاذ: [ينفذ] (1) البيع من الكر الذي قيمته ثلاثون في نصفه، والمحاباة ثُلُثه، وهو خمسةُ دراهم، وقد حصل لورثة بائع الكر الجيد الكرُّ الرديء وقيمته عشرة، وهي ضعفُ الخمسة التي قدرناها محاباة، وبقي في ذمة المشتري خمسةَ عشرَ درهماً، كلما حصل منها شيء، جازت المحاباة في مثل ثُلُثة.
هذا كلامه، وليس فيه غلطٌ من ناسخٍ؛ فإنا تصفحنا [نُسخاً] (2) صحيحةً، فألفيناه كذلك، والذي ذكره في المسألة الثانية غلطٌ صريح لا يُشك فيه، والوجه أن نوضّح ما ذكره ليُفهم وجهُه، ثم نتبعه [بذكر ما نراه] (3).
قال رحمه الله: يصح البيع في نصف الكر الجيد وقيمته خمسةَ عشرَ، وتبقى على المتلف خمسةَ عشرَ، وفي يد ورثة صاحب الكُر الجيد الكرُّ الرديء، وقيمته عشرة، والمحاباة في جميع الكر الجيد بعشرين، وهذه النسبة تقتضي أن تكون المحاباة في النصف الذي نفذ البيع فيه بعشرة، فقال الأستاذ: نقدر المحاباة في هذا النصف بخمسة، لتكون قيمة الكُرّ الرديء ضعفها، وتحتسب بقدر المحاباة في الباقي.
7060 - وهذا قول مَنْ لا اهتمام له بالفقه، وإنما يحتكم بالحساب على [ما ... ] (4).
وتحقيق هذا أن المسألة مفروضة في كُر يقابله كُر، وهما مالان سواء، فلا يتصور الحكم بنفوذ البيع في نصفه من الكُرّ الجيد إلا بنصفٍ من الكر الرديء؛ فإن الكل إذا قابل الكل، قابل النصفُ النصفَ، وإذا وقع النصف من الكر الرديء، في مقابلة النصف من الكر الجيد، وقيمةُ النصف الرديء خمسة، فيقع بيع نصف الجيد بخمسة، فتكون العشرة محاباة لامحالة، فكيف يمكن تغيير هذا التقدير،
__________
(1) ساقطة من الأصل
(2) تقديرٌ منا مكان بياض بالأصل.
(3) زيادة من المحقق.
(4) كذا بالأصل. ولعلها: على ما يثبته الفقه.

(10/408)


والمقابلات في الربويات محتومة، لا محيص عنها، ولهذا لا يجري منها إلا قول التقسيط والانبساط، فإذاً الحكم بتصحيح البيع في النصف زللٌ، لا يتمارى فيه، والدليل عليه أنه لو لم يَجْرِ إتلافُ الجيّد، لكان لا ينفذ البيع إلا في نصف الكر الجيد، إذا كانت قيمته ثلاثة أمثال الكر الرديء، فكيف يسوغ أن ينفذ البيع مع إتلاف الكرّ الجيد في مقابلة المقدار الذي ينفذ فيه البيع لو كان الكر الجيد قائماً، وأمكن استرداد ما يقع البيع فيه؟
والذي يوضح ذلك إيضاحاً جُمليّاً أن الكر الجيد إذا [كان] (1) ضعف الكر الرديء، ولا إتلاف، فالبيع ينفذ في ثلثي الكر الجيد. ثم إذا جرى الإتلاف، لم ينفذ إلا في نصفه، فلمَ اختلف المقداران في الكر الذي قيمته عشرون ولم يختلفا في الكر الذي قيمته ثلاثون؟ فالوجه أن نقول: ننظر إلى ما في يد بائع الكر الجيد، وينفذ من البيع في الكر الجيد مقدارُ ما تقع المحاباة فيه على النسبة الصحيحة، مثل نصف ما في يد صاحب الكر الجيد، وقد وقع الأمر كذلك في المسألة الأولى، وليس في يد صاحب الكر الجيد أو في يد ورثته في المسألة الثانية إلا الكر الرديء، وقيمته عشرة، ولو نفذ البيع في نصف الكر الجيد، لكانت المحاباة في الصفقة عشرة، فنعلم أنا لو نفذنا البيع في ربع الكر الجيد، لكانت المحاباة خمسة، فينفذ البيع في هذا المقدار.
ونقول: صح البيع في ربع الكر الجيد، وقيمته سبعةٌ ونصفٌ، بربع الكر الرديء، وقيمته درهمان ونصف، فالمحاباة خمسة، وفي يد ورثة صاحب الكر الجيد عشرة، وهي ضعف المحاباة، ونحن في جميع ما نجريه لا ننفِّذ بيعاً ناجزاً تعويلاً على دَيْنٍ في [الذمة] (2)، وإنما نعوّل على المال العتيد الحاضر.
7061 - ثم ذكر صاحب التلخيص مسائلَ متصلة بإتلاف الكرّ الرديء، وقد ذكرنا أن صاحب الكر الجيد إذا أتلف الكر الرديء، فالبيع ينفذ في الثلث من الجيد، كيف فرضت المقادير، وقد فرض المسائل في إتلاف تغيير (3) الكر الرديء، [إذا
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) تقديرٌ منا مكان بياض بالأصل.
(3) كذا. والكلام مستقيم بدونها.

(10/409)


كان] (1) صاحبُ الكر الجيد البائعَ [وصاحب الكرّ] (3) الآخر المشتري، فإذا [أتلف] (3) البائع نصفَ القفيز الرديء، فالفتوى أن البيع يصح في ربع الكر الجيد وسدسه، ويبطل في الباقي.
وبيانه بطريق التقدير والنسبة: أنا فرضنا هذه المسألة فيه إذا كان قيمة الجيد ثلاثين، وقد أتلف نصفَ الكر الرديء، وقيمته خمسة، فذلك مضمون عليه، لا بد وأن يُقضى من ماله، فنحطه من الكُر الجيد، فيبقى منه خمسةٌ وعشرون، وثلثُ ذلك ثمانيةٌ وثلث، وهو حابى في البيع بعشرين درهماً، وثمانيةٌ وثلثٌ، من جملة العشرين ربعها وسدسها، فيجوز البيع في ذلك القدر من القفيز.
وإن أردت مزيدَ بسطٍ، فاجعل القفيز اثني عشر، ليكون له ربع وسدس، وجوّز البيعَ في خمسةٍ منها (2) بمثل ثلثها من الثمن، ولا ثلث للخمسة، فاضرب اثني عشر في مخرج الثلث، فيصير ستة وثلاثين، فيجوز البيع في خمسةَ عشرَ [بمثل] (3) ثلثها، وهو خمسة، فتكون العَشَرة محاباة، [واقضِ] (4) قيمة ما أتلف، وذلك مثل سدس هذا الجيد، تبقى عشرون، وهو مثلا المحاباة.
7062 - طريقة الجبر أن تُجِيز البيع من القفيز الجيد في شيء، واجعل الكُرَّ الجيد ثلاثة أسهم إلا ثلثي شيء، فنقضي منه الدين، وهو نصف سهم؛ فإن الكر الرديء كان سهماً بالنسبة إلى الكر الجيد، وقد أتلف البائع نصفَ الكر الرديء، فتبقى سهمان ونصفُ سهم إلا ثلثي شيء، وذلك يعدل ضعف المحاباة، والمحاباة ثلثي شيء، وضعفها شيءٌ وثُلث. ثم نجبر ونقابل، فيصير سهمان ونصف في معادلة شيئين، فنبسط ما في الجانبين على مخرج النصف في الثلث؛ لأنه دخل في حسابنا النصف والثلث، وذلك ستة، فإذا بسطت ما في الجانبين على مخرج السدس، يصير السهمان والنصف خمسةَ عشرَ، والشيئان اثني عشر، فنقلب الاسم على البسط، فيصير كل
__________
(1) الكلمات بين المعقفين في المواضع الثلاثة تقديرٌ منا، مكان بياض بالأصل.
(2) الخمسة هنا ربعٌ وسدس (3+2).
(3) في الأصل: مثل.
(4) في الأصل: وأقصى.

(10/410)


[سهم] (1) اثني عشر، والشيء [خمسةَ عشرَ] (2)، وقد [قدّرْنا] (3) الكُرَّ الجيد ثلاثة أسهم، فصارت ستة وثلاثين والشيءَ الذي جوزنا البيع فيه خمسةَ عشرَ، فقد جاز البيعُ في خمسةَ عشرَ من ستةٍ وثلاثين من الكر الجيد، وهذا يقع ربعاً وسدساً، فإن ربع الستة والثلاثين تسعةٌ، وسدسها ستة.
7063 - طريقة الدينار والدرهم أن نجعل الكر الجيد ديناراً ودرهماً، ونجوّز البيعَ في الدينار بمثل ثُلُثه، فيخرج دينار، ويعود ثُلث دينار (4)، فيبقى درهم وثلث دينار، نقضي منه الدين، وهو سدس دينار وسدس درهم؛ فإن الكر الجيد إذا كان ديناراً ودرهماً، فالكر الرديء ثُلُث دينار وثُلُث درهم، [ونصفه] (5) سدس دينار وسدس درهم، فبقي مع ورثة بائع الكر الجيد سدس دينار وخمسة أسداس درهم، تعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة ثلثا دينار، وضعفه دينار وثلث، فنجعل [سُدس دينار] (6) قصاصاً بمثله، تبقى خمسة أسداس درهم تعدل ديناراً وسُدسَ دينار، فنبسط الدينار والدرهم أسداساً، فيصير الدينار والسدس سبعة وخمسة أسداس درهم، فنقلب العبارة ونجعل الدينار خمسة والدرهمَ سبعة، فنعلم أن البيع جاز في خمسةٍ من اثني عشر من القفيز، وبطل في الباقي وهو سبعة.
7064 - ولو أتلف صاحبُ الكر الجيد ثُلثَ الكر الرديء أو ربعه أو ما يتفق، فتخرج المسائل مختلفةُ الأعداد بالطرق القويمة التي ذكرناها، فلم نُطوّل بذكرها.
7065 - مسألة: في المحاباة بالبيع والإقالة، ونفرضها في الربويات، حتى لا يجري فيها إلا القولُ الصحيح، وهو قول التقسيط.
فنقول: إذا باع مريضٌ قفيزاً من البُرّ الجيد من مريضٍ بقفيزٍ من البر الرديء، ثم
__________
(1) في الأصل: كل اسم.
(2) في الأصل: خمسة وعشرون.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) عبارة الأصل: فيخرج دينار، ويعود ثلثه، ويعود ثلث دينار.
(5) في الأصل: ونصف.
(6) عبارة الأصل: "فنجعل ثلث سدس قصاصاً". والمثبت تقدير منا.

(10/411)


استقال البيعَ، فأقاله البائع [ ... ] (1) يتبعه، والمشتري لما أقاله، فقد حاباه بإقالته (2)، فإنه يردّ الكر الجيد، ويسترد الكر الرديء، ثم المحاباة تدور على البائع المقيل (3). والمسألة سهلةُ المُدرك على من أحكم الأصول، ولكن قد يرتاع منها المبتدىء لاستدارة المحاباة من كل جانب على الجانب الآخر.
7066 - فنقول: إذا باع المريض كُراً يساوي عشرين بكُر رديء يساوي عشرة، والمشتري مريض، [فأقاله] (4) في مرضه، فإن أبطلنا البيع بالتفريق، ولا مال [لهما] (5) غير الكرّين، وقد ردّ الورثةُ الزائد على الثلث، فلا بيع ولا إقالة.
وإن صححنا البيع، فحساب المسألة بطريق الجبر أن نقول: [قيمة] (6) الكر الجيد درهمان؛ حتى تنتظم لنا عبارة في [تفاضل] (7) الكُرّين، ونضع الكرَّ الرديء درهماً، و [نفرض] (8) صاحب الجيد بائعاً، وصاحب الرديء مشترياً.
فنقول: نُجيز البيع من الكُرّ الجيد في شيء بمثل نصفه من الرديء، يبقى في يد ورثة البائع درهمان إلا نصفَ شيء؛ فإنه ذهب في بيعٍ شيءٌ، وعاد بالعوض نصفُ شيء.
وفي يد ورثة المشتري درهم ونصف شيء، فإنهم أخذوا شيئاً [بمثل] (9) نصفه، فلما أقال المشتري، [فنُجِيز] (10) إقالته مما في يده وصيةً، فنعبر عنها بالوصية، حتى
__________
(1) بياضٌ قدر كلمة.
(2) بإقالته: اي بطلبه الإقالة، وإلا فالذي أقال هو البائع.
(3) في الأصل: والمقيل.
(4) في الأصل: فأقال.
(5) في الأصل: له.
(6) تقديرٌ من المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(7) في الأصل: تفاصيل.
(8) من وضع المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(9) اختيار منا مكان بياضٍ بالأصل.
(10) في الأصل: فنجبر.

(10/412)


لا [ ... ] (1) البيع بما نطلقه في الإقالة، فإذا نفذت وصيةٌ مما في يد المشتري وفي يده درهمٌ ونصفُ شيء، فخرجت منه وصية: وعاد نصفُ وصية، فبقي في يد المشتري درهمٌ ونصفُ شيء إلا نصفَ وصية، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة نصف وصية، وضعفه وصية، فنجبر ونقابل فيصير درهمٌ ونصفُ شيء في معادلة وصيةٍ ونصفِ وصية، فالوصية الواحدة تعدل ثلثي درهم وثلثَ شيء، وكنا جوزنا الإقالة فيها بمثل نصفها، فيعود بالإقالة إلى ورثة البائع عَوْد استقرار نصفُ ذلك، وهو ثلث درهم وسدس شيء، وهذا هو العائد بغير عوض، وكان مع ورثة البائع درهمان إلا نصفَ شيء، فالآن معهم درهمان وثلث درهم إلا [ثلث] (2) شيء، وذلك يعدل مثل المحاباة في البيع، والمحاباة نصفُ شيء، ومثلاه شيء، فنجبر ونقابل، فيعدل درهمان وثلث شيئاً وثلثَ شيء، فنبسط أثلاثاً، ونقلب العبارة، فيصير الدرهم أربعة، والشيء سبعة، وكان الكُر درهمين، فصار ثمانية، والشيء الذي أجزنا البيع فيه سبعة، فيصح البيع في سبعة أثمان القفيز الجيد بمثل نصفه من الثَّمن، وليس للسبعة نصفٌ صحيح، فاضرب الكلَّ في مخرج النصف، فالكُرّ الجيد ثمانية، نضربها في اثنين فتصير ستةَ عشرَ، والسبعة صارت أربعةَ عشرَ، فنُجيز البيع في أربعةَ عشرَ من ستةَ عشرَ من الكُرّ الجيد، وهو سبعة أثمانه بمثل نصفه، وذلك سبعة، ويبطل البيع في الثُّمُن، وهو درهمان من ستةَ عشرَ.
7067 - ونعود إلى الإقالة، فنقول: ذكرنا أن الإقالة صحت في وصية، وقد ظهر لنا قبل ذلك أن الوصية ثلثا درهم وثلث شيء، وظهر آخراً أن الدرهم ثمانية (3) من الكر الجيد، [فيكون ثلثاه اثنين وثُلُثين] (4) وثلث الشيء يكون اثنين وثلث؛ لأن الشيء التام صار سبعة، فالجميع يكون خمسة، وقد صحت الإقالة في خمسة أثمان بمثل نصفها، فإن شئت ضربت في مخرج النصف، فيصير عشرة، فالعشرة من جملة ستة عشر التي
__________
(1) بياضٌ لما نستطع بعدُ تقدير ما سقط منه.
(2) في الأصل: ثلثي. وهو خطأ.
(3) في الأصل: الدرهم أربعة وثمانية.
(4) عبارة الأصل: وثلثاه فيكون اثنان وثلثان.

(10/413)


هي القفيز الجيد [خمسة أثمان] (1)، وبطل في ثُمُنين؛ لأن البيع إنما صح في سبعة أثمان، وهو أربعةَ عشرَ من ستةَ عشرَ. فإذا بسطنا الإقالة، صحت في عشرة منها وبطلت في أربعة وهي ثمنان.
7068 - فإن أردت أن تعرف كم جاز لكل واحد منهما بالمحاباة، وكم حصل لورثة كل واحد منهما، فنقول: قد علمنا أن البيع لما جاز في أربعةَ عشرَ من الكُر الجيد، كان نصفه وهو سبعة محاباةً للمشتري، وقد بقي في يد ورثة البائع سهمان من ستةَ عشرَ بطل البيع [فيهما] (2) فذلك تسعة، وعاد إليهم بالمحاباة في الإقالة خمسة من عشرة؛ لأن نصف ما جازت الإقالة فيه محاباةٌ، فالجميع أربعة عشرَ، وهو ضعف المحاباة [ ... ] (3) في البيع.
وأما (4) ورثة المشتري كان (5) بقي في يدهم من درهمٍ (6) ثُمنٌ واحد، وهو درهم؛ لأن كلَّ ثُمن من القفيز الجيد درهمان، وكل ثمُنٍ من الرديء مثلُ نصفه. وصح البيع في أربعةَ عشرَ من الكُر الجيد بسبعةٍ من الرديء، فاجتمع [في يدهم خمسة عشر] (7) وقد دفعوا بالإقالة ما دفعوا واستردوا نصفه، فيحصل في أيديهم عشرة: تسعة من البيع وعِوض الإقالة، وواحدٌ من الكر الرديء [فبلغ] (8) إلى عشرة [وهو] (9) مثلا ما [جاز] (10)
__________
(1) اختيار من المحقق مكان بياض بالأصل.
(2) تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(3) ما بين المعقفين بياض قدر كلمتين، لا نعرف له سبباً، فالكلام مستقيم على حالته. وأتوقع أن يكون الناسخ بيّض لكلمتين مضروبٍ عليهما، وبسبب الضرب لم يستطع قراءتهما.
(4) في الأصل: وما ورثه.
(5) سقطت الفاء في جواب (أما) وقد أشرنا مراراً أنها لغة كوفية جرى عليها إمامنا غالباً.
(6) ذلك أنا قدرنا الكر الرديء بدرهم.
(7) تقدير منا مكان بياض بالأصل، على ضوء حساب المسألة، فقد حصل لهم أربعة عشر بالبيع،
وبقي في أيديهم واحد.
(8) مزيدة لاستقامة المعنى (على ركاكتها).
(9) زيادة من المحقق.
(10) في الأصل: جازت.

(10/414)


من المحاباة [بالإقالة] (1) فاعتدلت المسألة على جواب صاحب التلخيص حيث قال: صح البيع في سبعةِ أثمان القفيز الجيد وصحت الإقالة في خمسة أثمان. هذا طريق الجبر.
7069 - وهذه المسألة من غوامض المحاباة على من لم [يألف] (2) طُرقَ الدور.
وقد عرضتها على من كان فريد عصره (3) في الحساب، فمهّد فيها، وفي أشباهها طريقةً قريبة حسنةً بالغةً تُغني عن معادلات الجبر، وعكَسَ البعضَ فيها على البعض، وهي تنبني على أصولٍٍ سهلة: منها أن تعلم أن القفيز الجيد وما في معناه من أمثال هذه المسائل يقدّر بالأثمان، فنقدِّره ثمانية أسهم، والقفيز الرديء ينسب إلى كسر القيمة باعتبار الأثمان، ثم نعلم أن المحاباة من صاحب القفيز الجيد لا تبلغ أربعةَ أثمانٍ قط، ولا تنقص عن ثلاثة أثمان بل تزيد عليها، ثم إذا أردت أن تعرف قدر الزيادة، فالسبيل فيه أن تنظر إلى قدر القفيزين، وتنسب إلى الأجود، وتأخذ تلك النسبة، فتزيد مثلَ تلك النسبة من ثُمن، فيصير التبرع ثلاثةَ أثمان، ومثلَ تلك النسبة من ثُمنٍ رابع.
وبيان ذلك في مسألة صاحب التلخيص: أن نقدّر القفيزَ ثمانية نعني الجيد، ونقدر القفيز الرديء أربعة، ثم نقول: يصح تبرع البائع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن؛ فإن نسبة الرديء إلى الجيد بالنصف، فإذا أردت أن تعرف أن البيع في كم يصح، فانسب القفيز الرديء إلى المحاباة، ورُدَّ مثلَ تلك النسبة على التبرع.
وبيان ذلك: أن التبرع ثلاثة أثمان ونصف، والمحاباةُ في وضع البيع عشرة من
__________
(1) مكان بياض بالأصل قدر أربع كلمات. لا ندري ما هي.
(2) في الأصل: يلف.
(3) لم يصرح إمام الحرمين باسم "فريد عصره". فهل هو الإمام عبد الرحيم القشيري بن الإمام عبد الكريم. فقد قال السبكي في ترجمته: "وأعظمُ ما عظم به الإمامُ عبد الرحيم أن إمام الحرمين نقل عنه في كتاب الوصية، وهذه منزلة رفيعة" ا. هـ بنصه من الطبقات: (7/ 165).
هذا، وقد صرح إمام الحرمين بكنيته ولقبه ونسبته، فقال عنه: "الشيخ أبو نصر القشيري" وذلك سيأتي في أواخر كتاب الوصية.

(10/415)


عشرين، فإذا نسبت القفيز الرديء إلى المحاباة، كان مثل المحاباة؛ فإن القفيز الرديء عشرة، ورُدّ على التبرع النافذ مثلَه، وقل: ينفذ البيع فيه والتبرع النافذ [ثلاثة] (1) ونصف، فقد صح البيع في سبعة أثمان القفيز والتبرع مثل نصفه.
وإذا أردت أن تعرف أن تبرع المُقيل في كم يصح، فطريقه أن تنظر إلى تبرع البائع، فإذا [كان] (2) هو ثلاثة أثمان ونصف، فاضربها في ثلاثة أبداً، فتردّ عليك عشرةً ونصفاً [وهي تزيد] (3) على الثمانية باثنين ونصف، فقل: يصح تبرع المقيل في [اثنين] (4) ونصف.
وإن أردت أن تعرف القدر الذي صحت فيه الإقالة، فزد على قدر التبرع بمثل نسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثلَه، فزد على تبرع المقيل مثله [فيردّ] (5) خمسة.
7070 - وهذه المناسبات جارية في كل مسألة، ونحن نمتحنها في صُورٍ: فلو باع قفيزاً قيمته ثلاثون بقفيزٍ قيمته عشرة، ثم أقاله المشتري وهما مريضان لا مال لهما غير القفيزين، فنقول: القفيز [الجيد] (6) ثمانية، والرديء [ثُلُثه] (7) وهو [اثنان] (8) وثلثا ثمن. فنقول: صح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وشيء. وإن أردت معرفةَ ذلك الشيء، فانسب القفيزَ الرديء إلى الجيد؛ فإن الرديء ثلثُ الجيد، وقد صح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وثلث ثمن، ثم انسب القفيز الرديء إلى المحاباة، فالرديء عشرة من جهة القيمة والمحاباة عشرون، والرديء مثل نصف المحاباة، فزد على التبرع مثلَ نصفه، والتبرع ثلاثة وثلث، ونصفها واحد وثلثان، فإذا ضممته إلى التبرع،
__________
(1) في الأصل: مثله.
(2) في الأصل: قال.
(3) ساقط من الأصل.
(4) في الأصل: ثمانية. وهو خطأ حسابياً.
(5) تقدير منا مكان البياض بالأصل.
(6) ساقطة من الأصل.
(7) في الأصل: ثلث.
(8) في الأصل: ثمان.

(10/416)


صار خمسة، فقل: يصح البيع في خمسة أثمان، ثم اضرب التبرع وهو ثلاثة وثلث في ثلاثة فتردّ عشرة، فقابلها بالثمانية، فإذا هي زائدة عليها سهمين، فقُل: يصح تبرع المقيل في سهمين من الخمسة التي صح البيع فيها.
فإذا أردت أن تعرف القدر الذي تصح فيه الإقالة، فزد على تبرع المقيل بمثل نسبة زيادتك على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثلَ نصفه، فزد على تبرع المقيل مثلَ نصفه، فيصير ثلاثة، فقل: يصح البيع أولاً في خمسة، وصحت الإقالة آخراً في ثلاثة من الخمسة، وامتحن المسألة، تجدها صحيحة.
7071 - صورة أخرى: باع قفيزاً يساوي أربعين بقفيز يساوي عشرة، ثم جرت الإقالة.
قد سبق التصوير، [فقل] (1): يصح تبرع البائع في ثلاثة أثمان وشيء، وقفيزه [ثمانية] (2) أبداً، والقفيز الرديء منسوب إليها، فهو [اثنان] (3)، وإذا كانت النسبة بالربع، فتقول: التبرع صحيح في ثلاثة أثمان وربع، ثم انسب الرديء إلى المحاباة، والمحاباةُ ثلاثون، والرديء مثلُ [ثلثها] (4)، فزد على التبرع مثلَ ثمنه، وثلثَ ثُلُثه وربعَ سهم ونصفَ سدس (5)، فإذا ضممته إلى التبرع، صارت الجملة أربعةً وثلثاً.
وقد صح البيع في أربعة وثلث، والتبرع ثلاثة وربع، ثم اضرب ثلاثة وربع في مخرج [الثلث] (6) فيردّ تسعة وثلاثةَ أرباع، فإذا قابلتها بالثمانية زادت على الثمانية بسهم وثلاثة أرباع، فقل تبرع المقيل سهم وثلاثة أرباع، فإن أردت أن تعرف القدر الذي
__________
(1) في الأصل: فهل.
(2) في الأصل: ثمنه.
(3) في الأصل: "ثمان".
(4) في الأصل: ثلثه.
(5) هذه القيم الحسابية (الثمن، وثلث الثلث، وربع السهم، ونصف سدسه) لم تردّ المبلغ الذي قاله بعد زيادتها على التبرع بالدِّقّة، بل زادت عن 1/ 3 4 زيادة يسيرة: 5/ 288!!، فهل في الكلام تصحيف؟ أم أنه لا اعتداد بهذه الزيادة (من باب التقريب الحسابي).
(6) في الأصل: الثلاثة.

(10/417)


صحت فيه الإقالة، فزد على تبرع المقيل بنسبة [زيادتك] (1) على تبرع البائع، وقد زدت على تبرع البائع مثل ثُلثه، فزد على تبرع المقيل مثل ثلثه، فيكون ثلثَ سهم وربعَ سهم، فإذا ضممت، صار الكل سهمين وثلثاً، فقد صحت إقالته في سهمين وثلث، والتبرع منه سهم وثلاثة أرباع، فجرت الطريقة في أمثال هذه المسائل على الطرد.
فصل
نخرّج [فيه] (2) مسائل فرقها الحُسَّاب في أثناء الأبواب، وهي من قواعد الفقه، ونحن نذكرها إن شاء الله تعالى:
من أهمها - القولُ في بيع الأعيان في مرض الموت بالأعواض المؤجلة، وهذا ينقسم إلى بيع عينٍ بثمن مؤجل وإلى إسلام أعيانٍ في عروض موصوفة مؤجلة، ثم [التأجيل] (3) في الديون ينقسم إلى تأجيلٍ لا زيادة فيه ولا نقصان في المالية، وإلى تأجيلٍ مع [حطٍّ] (4) من المالية، فإذا صرفَ الأعيان إلى الديون المؤجلة من غير حطيطة في المالية ونقصانٍ من القيمة [مثل] (5) أن يبيع المريض عبداً قيمته ألف بألفٍ وخمسِمائة إلى أجل سنة من مليء وفيّ، وقال أهل الخبرة: هذا وإن كان بألفٍ نقداً، فبائعه بالألف والخمسمائة إلى سنةٍ مغبوطٌ وليس بمغبون. وقد يجوز بيع مال الطفل على شرط [الغبطة] (6) بالرهن على هذا الوجه. فإذا جرى بيعٌ من المريض كذلك، ومات، فللورثة ألا يجيزوا البيع مع ظهور الغبطة؛ فإن [شيئاً لم يصل إلى] (7) أيديهم [و] (8) لم يتحصلوا في الحال على عَرْض، فلهم حق الاستدراك، على ما سنفصله.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) زيادة من المحقق.
(3) تقدير منا؛ مكان بياض قدر كلمتين، وبعد البياض كلمة "الاعتياد" انظر صورتها.
(4) في الأصل: حظ.
(5) في الأصل: قبل.
(6) تقديرٌ من المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(7) البياض قدر كلمة واحدة لم نصل إلى مثلها، فكانت هذه الصيغة التي قدرناها.
(8) (الواو) زيادة من المحقق.

(10/418)


فهذا فنٌّ أصَّلْنا القولَ فيه، وسنفصله في المسائل.
فأما إذا انضم إلى التأجيل في العوض غَبينة، فهذا يتصور على وجهين: أحدهما - أن يبيع المريض عبداً يساوي ألفاً نقداً، بخمسمائة إلى أجلٍ.
والثاني - أن يبيع ما يساوي ألفاً نقداً بألفٍ إلى أجلٍ، فهذا يُعدّ حطيطةً في المالية. ونحن نذكر الصورَ واحدةً واحدة، ونذكر في كل صورة ما يليق بها، إن شاء الله عز وجل.
7072 - فلو أسلم المريض عشرة دراهم في مقدارٍ من الحنطة تساوي العشرة، مع
التأجيل، وإنما يتضح هذا بأن لا يوجد ذلك المقدار بعشرة نقداً. فإذا جرى السلم
كما وصفناه، فإن انقضى الأجل، وحلّ قبل موت المريض، فإذا مات أدى المسلَمُ
إليه الكُرَّ.
وإن مات المريض المسلِمُ قبل أن يحِل الأجل، فإن أجاز الورثةُ، فالسلم جائز إلى أجله، ولا يكون للمسلَم إليه خيار؛ فإن الخيار إنما يثبت له من جهة تبعيض الصفقة عليه، على ما سنشرحه، إن شاء الله عز وجل.
فإذا رضي الورثةُ تنفيذَ العقد وانتظارَ حلول الأجل، وقد خلَفُوا الميت وحلّوا محله، ثم إذا أجازوا العقدَ، فقد أُلزموه، فلا يجدون رجوعاً عن الإلزام.
وإن سكتوا، فسكوتهم لا يبطل حقَّهم في الاستدراك [إن] (1) أرادوه.
وهكذا القولُ في كل وصية تتعلق بإجازة الورثة.
وإن [قالوا] (2) لا نرضى بالأجل في محل حقنا، وهو الثلثان، وإن لم يكن في العقد حطيطة [ونقصان] (3) مالية، [فلهم ذلك] (4)، والسبب فيه أن زوال الملك عن
__________
(1) في الأصل: من.
(2) في الأصل: قال.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) ساقطة من الأصل.

(10/419)


الأيدي منجّز بعقدٍ أنشأه المريض، [والعَرْضُ] (1) الرابع (2) في الذمة مستأخَر، فلهم أن يرضَوْا بتأخر حقوقهم، إن كان [مَن عليه العشرة الدين] (3) ملياً وفياً.
ثم إذا لم يرض الورثة، فالمسلم إليه بالخيار إن شاء نقض السلم وردَّ رأس المال كَمَلاً، وإن شاء [عجَّل] (4) المسلم فيه، فإذا [عجّله] (5)، بطل حقُّ الورثة في فسخ العقد، وليس لهم أن يمتنعوا عن قبول [ما يعجله] (6) إذا كانوا يبغون [فسخاً] (7) بسبب الأجل.
وإن لم يريدوا [فسخاً] (7)، ورغبوا بالتأجيل، [فعجل] (8) المسلَم إليه ما عليه، ففي إلزام الورثة قبول ما عجله قولان معروفان.
وإن عجل المسلَم إليه ثلثي الطعام المسلَم فيه، كفاه ذلك، وبقي الثلث إلى أجله في ذمته؛ فإنه يقول: نأخذ الثلث على ألا يزيد على هبة الثلث مع حضور الثلثين.
ولو ردَّ المسلَمُ إليه ثلثي رأسِ المال، و [فسخ العقد في] (9) ثلثي المسلم [فيه] (10) على أن (11) يبقى الثلث عليه مؤجلاً، كان الأمر على ما أراد. فإذاً المسلَم إليه مخير بين أن يعجل الثلثين من المسلَم فيه، أو ينقض السلم أصلاً إذا كان الورثة ينقضون عليه وأن (12) يرد ثلثي رأس المال.
__________
(1) في الأصل: الغرض.
(2) كذا. وهل هي (الراتع)؟ أو (الرابغ)؟ على أية حال هي كلمة بمعنى الثابت في الذمة.
(3) عبارة الأصل: "وإن كان من العشرة عليه الدين". ففيها تقديم وتأخير.
(4) في الأصل: عمله.
(5) في الأصل: فعله.
(6) في الأصل: ما يعمله.
(7) في الأصل: قسما.
(8) في الأصل: فعمل.
(9) مكان بياضٍ بالأصل.
(10) زيادة اقتضاها السياق.
(11) في الأصل: ألاّ يبقى.
(12) في الأصل: أن (بدون واو).

(10/420)


فهذه جهاتُ [تخيره] (1)، فإن لم يفعل شيئاً منها، فللورثة أن يفسخوا السلم في [ثلثيه] (2) لا غير، وليس لهم أن يقولوا هذا التبعيض تسليط على فسخ العقد رأساً؛ فإنه لا حق لهم في غير الثلثين.
هذا منتهى الغرض في ذلك.
7073 - وحكى الأستاذ عن ابن سريج وجهاً بعيداً، لم أره لغيره: أن المسلَمَ إليه إذا عجّلَ ثلثي المسلَم فيه، أو ردَّ ثلثي رأس المال، وفسخ السلم في الثلثين، فله أن يحبس الثلث [أمداً] (3) زائداً على الأجل المضروب في السلم، حتى لو كان أمدُ السلم شهراً، فإنه يحبس الثلث ثلاثة أشهر، ليكون ذلك بمثابة استمرار الأجل في جميع [المسلَم] (4) فيه شهراً.
وهذا كلام ركيك لا أصل له، [ولا معوّل] (5) على مثله.
7074 - صورة أخرى: إذا أسلم عشرةً في كُرٍّ يساوي ثلاثين، ومات قبل أن يحِلّ الأجل، فإن رضي الورثة وأجازوا، [استمرّ] (6) العقد على وضع الإجبار، ولا معترض. فإن أرادوا ألا يرضَوْا بتأجيل العوض بكماله، فلهم ذلك، مع ظهور الغبطة في تقدير العقد، وانتظار انقضاء الأجل، فإن أرادوا تبعيض العقد على المسلم إليه، فللمسلَم إليه فسخُ العقد [ ... ] (7) من أصله. ولو [عجل] (8) جميعَ المسلم فيه، فقد تقدم القول فيه، فلا نعيد ما تقدم.
فالذي نجرده في هذه الصورة أن المسلَمَ إليه لو قال: مالُكم الذي نتعلّق به
__________
(1) في الأصل: مخيرة.
(2) في الأصل: ثلثه.
(3) في الأصل: أبداً.
(4) في الأصل: السلم.
(5) تقدير منا مكان البياض بالأصل.
(6) مكان بياض بالأصل.
(7) بياض قدر كلمتين. يستقيم الكلام بدونهما.
(8) في الأصل: عجلوا.

(10/421)


عشرةٌ، وأنا [أؤدي لكم] (1) من الحنطة التي عليَّ مقدارَ ثلثي العشَرة، وهو ستةٌ وثلثان -ومقدارها في البر المسلم فيه تُسعاه؛ فإن البر يساوي ثلاثين (2) - انقطع حق الورثة؛ فإنه يقول: قدِّروا كأنه وهب العشرة مني ورَددتُم تبرعَه في ثلثي العشرة، وقد أحضرتُ ما رددتموه.
هذا هو الذي قطع به الأئمة رضي الله عنهم.
وإن قال الورثة: "حقنا ثابت في ذمتكم"، فلا حاصل لهذا مع قدرة المسلم إليه على الفسخ مع تعرض الورثة له.
7075 - صورة أخرى: لو أسلم المريض ثلاثين درهماً لا يملك غيرَها في كُرٍّ قيمته عشرون، فنقول: لو حل الأجل قبل موت المسلِم، ثم مات وقد حل الأجل، [يؤدي] (3) المسلَمُ إليه الكرَّ، ولا معترض عليه، فالمحاباة، وإن كانت جاريةً، فهي على قدر الثلث.
فلو باع الرجل المريض عبداً يساوي ثلاثين بعشرين، نفذ [ ... ] (4) تبرعه، وصح محاباته، لوفاء الثلث.
[و] (5) إن لم يكن حل الأجل، ومات المريض المسلِمُ، فإن أجاز الورثةُ، فلا كلام، وإن لم يجز الورثة [العقد] (6)، فلهم ذلك المقدار [مع] (7) المحاباة.
ولكن التأجيل واستئخار العوض، وبه أثبتنا لهم الخيار مع الغبطة وعدم المحاباة في المال، فإذا أراد الورثة التعوّض، فالمسلم إليه بالخيار، فإن نقض السلمَ ورد
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) عبارة الأصل: يساوي ثلاثين ذلك انقطع .. إلخ.
(3) زيادة من المحقق.
(4) كلمة غير مقروءة (انظر صورتها).
(5) الواو ساقطة من الأصل.
(6) مكان بياض بالأصل.
(7) زيادة من المحقق.

(10/422)


العوضَ، فلا كلام، وإن عجّل الكُرَّ، زال الاعتراض عنه، وآل الأمر إلى محاباة [يفي] (1) الثلث بها.
ولو رد ثلثي الثمن ونقض البيع في ثلثي المبيع، جاز، ورجع إلى الورثة عشرون درهماً، وبقي الثلث مؤجلاً.
وإن كان الثلث مرهوناً بالنقد وا [ ... ] (2) بهذا. ولو قال المسلَمُ إليه: أعجل ثلثي الكُرّ، لم نقنع منه بهذا؛ فإن ثلثي الكر يساوي ثلاثةَ عشرَ وثُلثاً، فلا يقع هذا الثلثان من الثلثين، فلا بد وأن يَسْلَمَ لهم عشرون، فلا طريق في ذلك إلا بتعجيل الكل أو بردّ ثلثي رأس المال، مع فسخ السلم في الثلثين.
7076 - صورة أخرى: لو أسلم ثلاثين درهماً في كُرٍّ قيمتُه عشرة، فقد اجتمع في
هذه الصورة التأجل والمحاباة. [وقصور] (3) الثلث عن احتمال جميع المحاباة.
فإن حل الأجل قبل موت المسلِم، فقد زال أثر الأجل، وهذا مثلُ من اشترى ما يساوي [عشرة] (4) بثلاثين، لا مال له غيرها.
وإن لم يحل الأجل حتى مات المريض، فللورثة اعتراضان: أحدهما - من قِبل الأجل، والثاني - من قِبل المحاباة الزائدة على الثلث.
والذي [تقتضيه] (5) هذه الصورة وبان به أن المسلَمَ إليه لو [عجل] (6) الكرَّ [لم يكفِ، وما] (7) انقطعت عنه الطَّلِبة، حتى يرد على الورثة ما يعدِّل به الثلث والثلثان، وذلك بأن يعجل نصفَ الكُرّ، ويردّ نصفَ رأس المال، ويبقى للمسلَم إليه خمسةَ عشرَ، من رأس المال، والمحاباة منها عشرة.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) بياض بالأصل قدر ثلاث كلمات.
(3) في الأصل: وصورة.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) في الأصل: تقتضي.
(6) في الأصل كلمة غير مقروءة (انظر صورتها).
(7) مكان بياض بالأصل.

(10/423)


هذا وجهٌ.
والوجه الثاني في التعديل - أن يفسخ العقد في ثلثي الكُر، ويردّ ثلثي رأس المال. هذا بيان التأجيل، وما يجري معه من محاباة أو غبطة [ولم يبق] (1) مما ذكرناه مقصود يتعلق بهذه القاعدة.
7077 - وذكر الأستاذ صورةً متعلقةً بما ذكرناه [نذكرها] (2) لزيادةٍ فيها: فإذا باع عبداً يساوي ألفاً بثلاثة آلاف إلى أجل سنة، وعدَّ ذلك غبطةً مثلاً، وأوصى بثلث ماله لإنسان، فالمحاباة مقدمةٌ على الوصية؛ فإنها منجّزةٌ في الحياة، وما ينجز من التبرعات مقدم على الوصايا. فلو رضي الورثة حتى حلّ الأجل، فإذْ ذاك نصرف ألفاً إلى الموصى له بالثلث.
ولو تعرض الورثة للفسخ والتبعيض، ففسخ المسلَمُ إليه البيعَ، وارتد العبد إلى الورثة، فللموصى له بالثلث ثلث العبد.
قال الأستاذ أبو منصور: يحتمل أن نقول: ليس للموصى له بالثلث شيء، لأنه أوصى له بثلث ماله بعد بيع العبد، فلم يكن [في ملكه] (3) [حين] (4) أوصى بالثلث، وإنما ارتد العبد بالفسخ بعد الموت.
وهذا الذي ذكره عريٌّ عن التحصيل؛ فإن العبد وإن ارتد بعد موته، فهو معدود من ماله وتركته، تُقضى منه ديونه، وتنفذ منه وصاياه في هذه الصورة التي ذكرناها. وقد كان العبد مرتبطاً بعوضه، فإذا فسخ العقد، [صار كأنه كان] (5) كائناً حالة الموت.
فهذه جمل فقهية أوردناها لا غناء بالفقه عنها.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: نذكر.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) في الأصل: حتى.
(5) مكان بياض بالأصل.

(10/424)


7078 - [ومما] (1) ذكره الأستاذ في أثناء مسائل المحاباة، أن من باع عبداً بيعَ محاباة، واقتضت الحالةُ تسليطَ الورثة على فسخ العقد في البعض من العبد لضيق الثلث [عن التصرف] (2) بالمحاباة، فلو اكتسب العبدُ في يد المشتري شيئاً، فنذكر لذلك صورة ونبني عليها غرضنا.
7079 - فإذا باع عبداً قيمته مائة وخمسون [بمائة] (3)، واكتسب في يد المشتري مثلَ قيمته، [فإن] (4) كان للبائع سوى العبد وثمنه تركةٌ زائدةٌ، وهي خمسون، فالبيع نافذ في جميع العبد، [وفاز] (5) المشتري بالكسب بالغاً ما بلغ؛ فإنا [تبيّنا] (6) وقوعَه في ملكه.
ولو لم يكن لبائع العبد في مرضه مالٌ سواه، فقد ذكرنا أن البيع لو لم يكن كسبٌ ينفذ في [ثلث] (7) العبد على التفاصيل المقدمة.
فقال الأستاذ (8): إذا اقتصر حساب التعديل فسخ العقد في بعض العبد، والكسبُ بكماله للمشتري؛ فإنه جرى في [ملكه] (9)، والفسخ طارىءٌ بعد حصوله، ونسبةُ هذا كما لو اشترى الرجل عبداً واكتسب في يده، ثم اطلع على عيب قديم به، فالكسب يبقى له، والعبد يرتد إلى البائع، ويرجع الثمن إلى المشتري.
وهذا الذي ذكره زلل عظيم، والردّ القطعُ بأن الكسب يتبعض تبعُّض العبد على
__________
(1) في الأصل: وما.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) زيادة لا يستقيم الكلام بدونها.
(4) في الأصل: فإنه.
(5) في الأصل: فإن المشتري.
(6) في الأصل: تبين.
(7) في الأصل: "ثلثي".
(8) قال الرافعي: إن الأستاذ غير مبتدىء بهذا الكلام، وإنما رواه من أجوبة ابن سريج وأكثر
الأصحاب، ثم حكى عن بعضهم أن الكسب كالزيادة الحادثة في قيمته. (الشرح الكبير:
7/ 214).
(9) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/425)


ما يقتضيه الحساب [ ... ] (1) والعجب أنه ذكر [ ... ] (2) تبعُّض الكسب في العتق المتبعض، وفرق بين تبعّض البيع، وبين تبعض العتق وهذا أتاه من جهة ظنّه بأن البيع ينفذ ويملك، ثم يرد بعضَه.
وهذا غلطٌ؛ فإنا وإن فرّعنا على أن الورثة يجيزون وصيةً ولا يبتدئون عطيةً، فالملك يقف على إجازتهم في محل الحاجة إلى الإجازة. وإذا ردّوا الوصية الزائدة على الثلث، لم يقل أحد إن الملك حصل في الزائد ثم أُزيل، [بل إن ما جرى] (3) فيه من الرد والإجازة يضاهي وقف العقود على رأي أبي حنيفة ومَن يوافقه من أصحابنا.
والجملة الكافية في ذلك: أنا لا نفسخ العقد في بعض العبد، بل [نتبيّن] (4) أن الملك لم يحصل في مقدارٍ، وحصل في مقدار، كدأبنا في العتق المتبعض.
ثم بنى على هذا المهرَ وقاسه، وقال: لو باع جاريةً [بيعَ] (5) محاباة، فوطئها المشتري، ولم (6) ينقص الملك فيها على مقتضى الحساب، فلا مهر على المشتري؛ فإن وطأه صادف ملكه، وهذا [ذهولٌ] (7) كاملٌ عن فقه الباب، ظانٌّ أن الرد يتضمن رفعَ ملكٍ ورفعَ عقدٍ مملِّك، وليس الأمر كذلك.
وقد نجز مضمون الفصل.
7080 - مسألة: إذا باع المريض من أخيه كُرَّ طعامٍ قيمتُه ألفٌ وخَمسمائة، بكُرٍّ
رديء من جنسه قيمتُه خمسمائة، فمات أخوه (8): المشتري قبل موته، وخلّف بنتاً
وأخاه البائع، ثم مات البائع، ولم يكن له مال غيره، فإنا بعاقبةٍ (9).
__________
(1) بياض تعذر تقدير مكانه.
(2) بياض تعذر تقدير مكانه.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) في الأصل: نبين.
(5) في الأصل: باع.
(6) في الأصل: (لم) بدون الواو.
(7) في الأصل: قولٌ.
(8) في الأصل أخو المشتري.
(9) بعاقبة: أي أخيراً، وفي الكلام سقطٌ، ولكنه لا يمنع من استقامة الفهم.

(10/426)


فحساب المسألة أن نقول: جاز البيع في شيء من الكر الأرفع، وقابله من العوض شيء قيمته ثلثُ شيء، فصار الباقي كُرّاً إلا ثلثي شيء، فالمحاباة ثلثا شيء، وحصل مع المشتري شيء، قد أخذه من البائع، ومعه من كره كُرٌّ إلا شيئاً قيمتُه ثلث شيء، فنزيد الشيء الذي أخذه على ما معه، وكان معه من طريق القيمة كُرٌّ إلا ثلثَ شيء، فيضم إليه، فيحصل معه كُرٌّ وثلثا شيء، غيرَ أن الكرّ الرديء بالإضافة إلى الجيد ثلثُ كُرٍّ، فنرده إلى تلك النسبة حتى يعتدل الكلام، فمعه إذاً ثلثُ كرّ، وثلثا شيء.
يرجع نصفه بالميراث إلى أخيه وهو سدس كر وثلث شيء، فنزيده على الذي كان بقي في يد البائع، وذلك كر إلا ثلثي شيء، فنجبر بالاستثناء، فيصير في يده كرٌّ وسدسٌ إلا ثُلثَ شيء.
وهذا يعدل ضعف المحاباة، وكان المحاباة ثلثي شيء وضعفها شيء وثلث.
فنجبر ونقابل، فيحصل [معنا كُرُّ و] (1) سدسٌ في معادلة شيء وثلثي شيء، ومعنا الكسر بالثلث ونَلقَى فيهما مخرج السدس، فابسطهما أسداساً، واقلب الاسم فيهما، فيكون الكُرّ عشرة والشيء سبعة، فيصح البيع في سبعة أعشار الكرّ الأرفع بسبعة أعشار الكرّ الرديء.
فإن أردت الامتحان، قلت: جاز البيع في سبعة أعشار الألف والخَمسِ مائة، وهي ألفٌ وخمسون، وأخذنا بالعوض سبعة أعشار خَمسِمائة، وهي ثلاثُمائة وخمسون، فحصلت المحاباة سَبعُمائة، وبقي مع البائع من كره أربعُمائة وخمسون، وأخذ بالثمن ثَلاثمائة وخمسين، فذلك ثَمانمائة، فاجتمع مع المشتري من كره مائةٌ وخمسون، ومن كُر البائع [ألفٌ] (2) وخمسون. فذلك ألفُ ومائتان، رجع نصفها بالميراث إلى البائع وهو سِتمائة، فيجتمع مع ورثة البائع ألف وأربعمائة، وهي ضعف المحاباة؛ إذ هي سبعمائة.
فإن كان للبائع أو للمشتري تركة أخذَ عليها [و] (3) أحدهما، أو اجتمع في
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: مائة.
(3) بياض بالأصل، لم نتكلف تقديره؛ حيث السياق مفهوم بدونه.

(10/427)


المسألة دين وتركة، لم يخف طريق العمل قياساً على ما تقدم في المسائل.
7081 - مسألة: دائرةٌ في الضمان أوردها صاحب التلخيص (1)، وعظُم في أطرافها [الخبطُ] (2)، ونحن نأتي بها منقَّحةً مصححةً بعون الله تعالى.
أما قواعد الضمان، فقد أوضحناها في كتابها، فلسنا لإعادتها، وإنما نعتمد التنصيص على المسائل الحسابية اعتماداً [على العلم] (3) بأصول الضمان.
فإذا كان لرجلٍ على رجلٍ تسعون درهماً ديناً، فجاء مريض وضمن التسعين لمستحق الدين ضماناً يُثبت الرجوعَ على المضمون عنه، ثم مات من عليه الدين، وخلّف خمسة وأربعين، ومات الضامن، وخلّف تسعين درهماً.
هذه الصورةُ الأولى التي أتى بها صاحب التلخيص. والمسألة محتملةٌ متقيِّدةٌ بشرط الرجوع.
فنقدّم على المسألة ما لا بد منه، ونقول: المريض إذا ضمن ديناً ومات، وكان يشتَرِط في ضمانه الرجوعَ، والمضمونُ عليه موسرٌ، تحقق (4) الرجوع عليه. والضمانُ على هذا الوجه لا يكون تبرُّعاً أصلاً، ولا يحتسب من الثلث؛ فإنّ ورثته إذا غرِموا، رجعوا على [المضمون عنه الموسر] (5)، وسبيل الضمان في هذه الصورة كسبيله (مع الشيء (6) بثلث قيمته).
7082 - ثم في ذلك دقيقة لا بد من مراعاتها، وهي أنهم لو قالوا: لا نغرَم حتى يتحقق الرجوع؛ فإنا لو غرمنا، فربما يضيع حقنا، ولا نجد مرجعاً، فيكلِّفون المضمونَ عنه بذلَ مالِ الضمان وتسليمَه إلى موثوق به. وقد قال بعض علمائنا:
__________
(1) انظر التلخيص ص 366.
(2) في الأصل: خبط.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: فتحقق.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) كذا. ولعل صوابها: "مع شراء الشيء بمثل قيمته".

(10/428)


للضامن أن يطالب المضمون عنه بما [عليه] (1) قبل أن يطالبه [المضمون له] (2). والذي يتجه عندنا أنه إذا طولب ورثةُ الضامن في هذه الصورة، [فلهم] (3) مطالبةُ المضمون عنه قبل أن يغرَموا، فإن أرادوا مطالبة المضمون عنه قبل أن يطالَبوا، ففيه الخلاف [المذكور] (4).
والضامن في صحته إذا كان ثبت له الرجوع إذا غرِم، فلو طولب، فهل يُغرِّم المضمونَ عنه قبل أن يغرَم؟ فيه خلاف، والظاهر أنه يغرّمه. وإن [أراد] (5) الرجوعَ عليه قبل أن يطالَب، ففيه الخلاف (6).
[أمّا] (7) ورثة الضامن، [فلهم الرجوع قبل أن يطالَبوا] (8). وإذا طولبوا، فإذا قلنا: لا يملكون مطالبة المضمون [عنه] (9) يجرُّ ذلك ما لا يسوغ؛ فإن الوارث لا دين عليه، ولا يتوجه الطَّلِبةُ عليه على التحقيق، وإنما ترتبط الطَّلِبة بالتركة، والضمان في الصورة التي ذكرناها مفروض من المريض، وضمانه في حكم التبرع المحسوب من الثلث، فلو أخذنا من التركة ما ضمنه، ولم يثبت الرجوع قبل اليوم (10)، لكان ذلك صرفَ قسط من التركة إلى جهة التبرع، قبل أن يَسْلَم للوارث مثلاه، فيلزم من هذا أن نقطع بثبوت حق الرجوع على المضمون عنه قبل الغُرم. فإن قيل: هل يطالَب الوارث بإخراج مقدار الثلث؟ قلنا: نعم، فإن هذا المقدار لو كان متبرعاً به لأُخرج، فنقدّر كأن الضمان تبرعٌ، وغرضنا الآن أن المضمون عنه إذا كان موسراً، أو كان مات وتركته
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالاْصل.
(5) في الأصل: أرادوا.
(6) الوجه الأصح أنه ليس له أن يطالبه قبلَ أن يطالَب؛ لأنه لم يغرَم شيئاً، ولم يطالَب. (ر. فتح العزيز (بهامش المجموع): 10/ 386).
(7) في الأصل: إن ورثة الضامن.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) مكان بياض بالأصل.
(10) قبل اليوم: أي قبل الأخذ من التركة.

(10/429)


وافية، فالأصحاب لم [يعدُّوا الضمان] (1) تبرعاً، وهو كما قالوه، على معنى أن الضمان لا [يقتصر] (2) على مقدار الثلث، ولكن إن [عجّل] (3) المضمون عنه أو ورثتُه جميعَ المال المضمون، فلا إشكال، وإن لم يتفق التعجيل بعدُ، فالضمان في وضعه ليس تبرعاً، ولكن للأصحاب خبطٌ في أن وارث الضامن هل يطالَب بإخراج المال المضمون من التركة قبل أن يتفق من المضمون عنه أو من [ورثته التعجيلُ] (4) والغرم؟ فقال قائلون: لا يكلف وارثُ الضامن من أن يُخرج في الحال إلا مقدارَ الثلث؛ فإنا لو كلفنا [] (5) وأكثر من ذلك، والعوائق غير [مأمونة] (6)، فربما يؤدي من التركة المالَ، ثم يتفق عسرٌ في الرجوع. أما قدر الثلث، فلا شك [في إخراجه] (7)، وهؤلاء لا يأبَوْن خلاف ذلك إلى أن يغرَم من عليه الرجوع.
ومن أصحابنا من قال: إذا ميّز من عليه الرجوع المالَ، وسلّمه إلى موثوق به، كفى ذلك. وهو عريُّ عن الفقه؛ فإن ما يسلمه لا يخرج عن ملكه بالتسليم، فليس له.
ومن أصحابنا من قال: [ننظر إلى] (8) كون من عليه الرجوع مليئاً، مع تمكن الغارم من الرجوع، فإن سدّ هذا المال نَفِد عتيداً (9)، والضمان في وضعه ليس تبرّعاً في هذه الصورة. وهذا عنى بعده [ ... ] (10) من التميز ووضع المميز على [ ... ] (3)؛ فإن ذلك لا وقع له في قواعد الفقه. [ ... ] (3) وقيمته، فهذا فيه احتمال.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) تقديرٌ منا مكان بياض بالأصل.
(3) في الأصل: عمل.
(4) تقديرٌ منا مكان بياضٍ بالأصل. والعبارة هنا قلقة غير مرضية.
(5) بياض قدر كلمة، ولعله مكان كلمة مضروب عليها، والصواب: "لو كلفناه أكثر من ذلك".
(6) في الأصل: "غير مأموره".
(7) زيادة من المحقق.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) نَفِد عتيداً: أي هلك على الضامن، مع أن الضمان ليس تبرعاً في هذه الصورة.
(10) مكان بياضٍ بالأصل، لما يتبين لنا وجه في تقديره.

(10/430)


وهذا الذي ذكرناه [ليس] (1) من غرضنا، ولكن اتصل الكلام به، فأوضحنا ما فيه.
ولو ضمن المريض، ولم يشترط الرجوع، فقلنا: لا يرجع لو ضمن بغير إذن المضمون عنه، فهذا [تبرع] (2) محضٌ محسوب من الثلث من غير عمل ولا حساب، وكذلك لو كان المضمون عنه معسراً، ومات على إعساره، وقد ضمن الضامن في مرضه، فسبيل ما ضمنه كسبيل [التبرع] (3) وما يوصي به، وهو محسوب من ثلثه [ ... ] (4) فأما إذا ضمن في مرضه ديناً، وكان الضمان بالإذن، وشرْط الرجوع، ولكن خلّف المضمون عنه أقل من الدين، فإن كان ثلث الضامن وافياً بالدين كله، فلا [كلام] (5). وإن كان الدين يزيد على ثلث الضامن، [أو] (6) كان يستغرق مال الضامن، وما تركه المضمون عنه غيرُ وافٍ بقيام الدين معه، يؤدي (7) إلى الدور.
7083 - وإذا ذكرنا سبيله، ثبتت الصورة الدائرة والتي لا تدور.
فنقول: إذا مات الضامن وخلّف تسعين درهماً، ومات المضمون عنه وخلف خمسةً وأربعين، [فمستحق] (8) الدين بالخيار: إن شاء طلب مقدار ما يجب من تركة المديون عليه، فيأخذ الخمسة والأربعين، فبقي له نصف دينه، فإذا طلبه من تركة الضامن، فلا دور في هذه المسألة؛ فإن ورثة الضامن لا يجدون مرجعاً، إذ قد استوعب مستحقُّ الدين [تركة] (9) المضمون عنه، فنجعل الخمسة والأربعين الذي هو بقية الدين في تركة الضامن بمثابة تبرعٍ محض، ومن تبرع بنصف ماله، فتبرعه يُجاز
__________
(1) في الأصل: لشيء.
(2) في الأصل: التبرع.
(3) مكان بياضٍ الأصل.
(4) بياض قدر كلمة. لم نتكلف تقديرها، فالكلام مستقيم بدونها.
(5) تقدير منا مكان بياضٍ الأصل.
(6) في الأصل: إن.
(7) جواب: وإن كان الدين يزيد ...
(8) في الأصل: يستحق.
(9) في الأصل: ترك.

(10/431)


في مقدار ثُلُثه، فلا نطالب ورثة الضامن إلا بمقدار ثلاثين.
هذا إذا بدأ مستحق الدين بتركة المضمون عنه [واستوعبها] (1).
7084 - فأما إذا طالب ابتداءً ورثة الضامن، فتدور المسألة في هذه الصورة، فإن ما يغرموه يرجع إليهم بعضُه، وتزداد التركة مهما رجع إليهم شيء، ثم إذا تعذر من دين مستحق الدين شيء، ثبت له حق [التعلق بتركة] (2) المضمون عنه، وتخرج هذه المقادير بطرق الحساب.
طريقة الجبر: [سبيلها] (3) أن نقول: أخذ من التسعين التي هي تركةُ الضامن شيئاً، ويرجع إلى الورثة نصف شيء؛ فإن تركة المضمون عنه نصف تركة الضامن، فتبقى في أيديهم تسعون ناقصةً نصف شيء، وهي ضعف ما أخرجناه في الضمان الخارج من تركة الضامن من غير مقابلة، [وهو] (4) نصف شيء وضعفه شيء، فإذاً يعدل [تسعون] (5) غيرَ نصف شيء شيئاً، فنجبر التسعين بنصف شيء ونزيد على عديله نصفَ شيء، فيكون تسعون في مقابله شيء ونصف، فنعلم أن الشيء الذي أطلقناه ثلثا التسعين.
فنقول: نُخرج من تركة الضامن ثلثي التسعين، وهو ستون، فيرجع ورثتُه بنصفه، وهو ثلاثون، ويأخذ مستحق الدين بقية تركة المضمون، وهو خمسةَ عشرَ. والمسألة مستقيمةٌ على الحساب والفقه؛ فإنه يبقى في يد ورثة الضامن ثلاثون، ويعود إليهم من تركة المضمون عنه ثلاثون، فلا يجدون مرجعاً في ثلاثين، وهو ثلث التسعين، وقد انحصر التبرّع في الثلث.
ثم مستحق الدين يأخذ بقية تركة المضمون عنه، فهي خمسةَ عشرَ [ ... ] (6)،
__________
(1) في الأصل: واستوهبها.
(2) في الأصل: التعليق تركة.
(3) في الأصل: فسبيلها.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: سبعون.
(6) بياض بالأصل، والكلام مستقيم بدون تقديره.

(10/432)


فيصل إلى خمسة وسبعين من جملة التسعين، ويتعطل من ماله خمسةَ عشرَ.
وإن قيل: هلا رجع ورثة الضامن بالخمسة والأربعين بكمالها؟ قلنا: هذا لا وجه له؛ فإنه ثبت لوارث الضامن من الرجوع بمقدار التبرع، وقد بقي لمستحق الدين بعد الستين ثلاثون درهماً، فيتضاربون في تركة المضمون عنه، فيقتضي تعديل [النسبة] (1) قسمة تركه المضمون عنه بين وارث الضامن وبين مستحق الدين [بالثلث] (2) وثُلُثين.
7085 - طريقة الدينار والدرهم: نقول: تركة الضامن دينار ودرهم. أخرجنا الدينار في جهة الضمان، ورجع نصف دينار، فالتركة إذاً نصف دينار ودرهم، وذلك ضعف التبرع، وضعف التبرع دينار كامل، فنجعل نصف دينار قصاصاً بنصف دينار، فيبقى من التركة درهم ويبقى من الجانب الثاني نصف دينار، وقد بان أن الدينار درهمان، والذي أخرجناه في جهة الضمان [ثلث] (3) التركة، كما خرج بالعمل الأول.
هذا بيان هذه المسألة.
7086 - ثم ذكر صاحب التلخيص بعد هذه الصورة صورةً أخرى [ناشبةً] (4) فيها، فقال: إذا ضمن المريض تسعين درهماً كما صورناه، وضمن عن هذا الضامن ضامن آخر، وكان الثاني مريضاً أيضاً، ومات الضامنان، ومات من عليه الدين، وخلّف خمسةً وأربعين، وخلف كلُّ واحد من الضامنين تسعين درهماً، فصاحب الحق بالخيار: إن [شاء] (5) وجّه الطَّلِبةَ على تركة المديون [واستغرقها] (6)، ثم طلب بقية حقه من الضامنَيْن أو من أحدهما، على ما يقتضيه الحساب.
__________
(1) في الأصل: الستة.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: ثلثا.
(4) تقرأ هكذا بصعوبة. (انظر صورتها).
(5) في الأصل: فصاحب الحق بالخيار إن ما وجه.
(6) في الأصل: وليستغرقها.

(10/433)


وهذه الصورة ليست [ ... ] (1). فإن أراد أن يطالب الضامن الأول، كان الجواب في هذه المسألة كما قدمناه في الصورة الأولى. هكذا قال صاحب التلخيص، وقال: لا يختلف الجواب ألبتة، فيُخرج من تركة الضامن الأول [ستين] (2)، ويرجع ورثتُه بثلاثين على تركة المديون عليه. هذا جوابه في هذا الطرف.
وعلى الناظر في هذه المسألة أن يفهم ما ينتهي إليه أولاً [ثم] (3) يعلم أن تمام الشفاء في مجاري المسألة.
قال صاحب التلخيص: إذا أراد مستحق الدين مطالبةَ ورثة الضامن الثاني؛ فإنه يأخذ من تركته سبعين درهماً، ومن ورثة المديون عليه خمسةَ عشرَ درهماً، ويرجع ورثة الضامن الثاني على تركة الضامن الأول بأربعين درهماً، ويرجع الضامن الأول في تركة المديون عليه بثلاثين درهماً.
هذا جواب صاحب التلخيص وفتواه.
7087 - قال الشيخ أبو علي: سمعت شيوخي يقطعون أجوبتهم بأن ما ذكره صاحب التلخيص خطأ على أصل الشافعي، وقطع الأستاذ أبو منصور في مجموعه في الدور والوصايا بتخطئته أيضاً، وعلى خطئه بيّنة. فنذكرها ونذكر بعد وضوحها كلاماً في وجه الصواب.
أما علّةُ خطئه، فإنه أوجب على ورثة الضامن الثاني إخراج السبعين، ثم لم يُثبت له (4) رجوعاً في ثلاثين منها، بل أثبت له الرجوع إلى الضامن الأول بأربعين [و] (5) تبقى مع ورثة الضامن الثاني عشرون، وصار إليهم من العوض أربعون، فذلك ستون، فهي ضعف الثلاثين التي رجعت بلا عوض.
__________
(1) بياض بالأصل.
(2) في الأصل: شيئين.
(3) مكان بياض بالأصل قدر كلمتين.
(4) له: أي الضامن الثاني.
(5) ساقطة من الأصل.

(10/434)


هذا ما تخيله صاحب [التلخيص] (1) وهو حائد عن الصواب؛ لأن الضامن الثاني ضمن تسعين ضمانَ رجوع، [وللمرجوع] (2) عليه وهو الضامن الأول تسعون. وإنما تدور المسألة إذا قصرت تركةُ المرجوع عليه عن مقدار الدين.
أيضاً فإنه أثبت لورثة الضامن الأول الرجوعَ على تركة من عليه الدين بثلاثين درهماً، فلم يخرج إذاً من تركته إلا عشرة، وفي [يد] (3) ورثته ثمانون، فالذي ذكره كلامٌ [عري عن الصواب] (4)، وهذا وجه تخطئته (5).
7088 - فأما وجه الصواب، فالذي حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه أن مستحق الدين إذا أراد الرجوع على الضامن الثاني، فله أن يطالبه بالدَّيْن كَمَلاً وهو تسعون، فيستغرق تركتَه، ثم ورثة الضامن الثاني يرجعون على تركة الضامن الأول [بخمسة وسبعين] (6)، ثم يرجع ورثة الضامن الأول على المضمون عنه الأصيل بكمال تركته، وهو خمسةٌ وأربعون، وإذا انضم ذلك إلى ما بقي في أيدي ورثة الضامن الأول، كان المجموع ستين. فيستوي ثلث مال الضامن الأول، وثلث المال محل التبرع ولايَتْوَى (7) من مال الضامن الأول إلا خمسة عشر (8).
وإنما لم يرجع ورثةُ الضامن الثاني وقد غرِموا تسعين بجميع التسعين على تركة
__________
(1) في الأصل: صاحب التقريب. وهو سبق قلم.
(2) في الأصل: والرجوع.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) ساقط من الأصل.
(5) وقد عبر الرافعي في الفتح عن هذا الخطأ بأن قال: "غلطه الأصحاب؛ من جهة أنه أتلف من مال الثاني ثلاثين، لأنه أخذ منهم سبعين، وأثبت لهم الرجوع بأربعين، وكان الباقي عندهم عشرين، فالمجموع ستون، ولم يتلف من مال الأول إلا عشرة، لأنه أخذ منهم أربعين، وأثبت لهم الرجوع بثلاثين. ومعلوم أن الضامن الثاني إنما ضمن تسعين عمن يملك تسعين، والأول ضمن تسعين عمن يملك خمسة وأربعين، وكيف يؤخذ من الثاني أكثر مما يؤخذ من الأول" (فتح العزيز: 10/ 402 بهامش المجموع).
(6) في الأصل: بخمسة وخمسين.
(7) يَتْوَى: يهلك. (المعجم).
(8) عبارة الأصل: ولا يتوى عن مال الضامن الأول وثلث المال محل التبرع إلا خمسة عشر.

(10/435)


الضامن الأول، لأنهم لو رجعوا بالتسعين، ثم رجع ورثةُ الضامن الأول على تركة الأصيل بالخمسة والأربعين، فيكون التالف من تركة الضامن الأول أكثر من ثلث ماله، ولا سبيل إلى ذلك؛ فإنه متبرعٌ بالضمان، ولا تزول حقيقة تبرعه بأن (1) يضمن عنه ضامن وإن كان ضمان الثاني بإذنه؛ فإن المرعيَّ حقُّ ورثته. فخرج من ذلك أن مستحق الدين يصل إلى كمال حقه، ويتوى من تركة الضامن الأول مقدار ثلثها ومن تركة الضامن الثاني مقدار سدسها.
7089 - ولو اختار صاحب الدين أن يرجع أولاً على تركة المضمون عنه، فله ذلك، فيأخذ الخمسة والأربعين، ويبرأ الضامنان جميعاً من نصف الدين لا شك فيه، ويبقى النصف الباقي، ومستحق الدين بالخيار. فإن طالب ورثةَ الضامن الأول، فلا يأخذ منهم إلا ثلاثين؛ لأنها ثلث ماله؛ فإن أخذ أكثر من ذلك، [ولا] (2) رجوع لهم على أحدٍ، لكان هذا أَخْذَ تبرعٍ زائدٍ على الثلث، من غير رضا الورثة، [ويبقى] (3) من الدين خمسةَ عشرَ، فيأخذها من الضامن الثاني، فينتظم له تمام حقه في هذا السبيل.
ولو أن مستحقَّ الدين بعد استيفاء الخمسة والأربعين من تركة الأصيل أراد مطالبة الضامن الثاني، فله مطالبته بتمام البقية، وهو خمسةٌ وأربعون، ثم إنهم يرجعون على تركة الضامن الأول بثلاثين من غير مزيدٍ؛ للقاعدة التي أوضحناها، فهذا ما حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه.
وذكر الأستاذ أبو منصور تخطئة صاحب التلخيص، كما ذكرنا. ثم لما أراد ذِكْرَ الوجه الصحيح، [جعل] (4) لمستحق الدين مطالبة ورثة الضامن [الثاني] (5) بخمسةٍ
__________
(1) في الأصل: أن.
(2) في الأصل: فلا.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: سقط، ولما أعرف لها وجهاً بعدُ.
(5) في الأصل: الأول. والتصويب من سياق المسألة، وقد رأيناها كذلك فيما حكاه الإمام
الرافعي عن الأستاذ أبي منصور (فتح العزيز: (10/ 402) بهامش المجموع).

(10/436)


وسبعين درهماً من غير مزيدٍ، ثم إنهم يرجعون على ورثة الضامن الأول بما غرِموا، ويرجع ورثة الضامن الأول على تركة من عليه الدين بكمال التركة، وهو خمسةٌ وأربعون، وكان بقي في أيدي ورثة الضامن الأول خمسةَ عشرَ، فيضم ذلك إلى الخمسة والأربعين، ويكون المجموع ثلثي تركة (1) الضامن الأول.
هذا (2) كلام الأستاذ، وفيه تصريحٌ بأن مستحق الدين لو أراد مطالبة ورثة الضامن الثاني بكمال الدين، لم يكن له ذلك. وهذا خلاف بيِّن.
7090 - والوجه عندنا ما حكاه الشيخ أبو علي عن شيوخه، وذلك لأن الضامن الثاني ليس متبرعاً، إذا كانت تركة الضامن الأول وافيةً بالدَّين كلِّه، وقد قدمنا تقريرَه، وليس ينقدح لما ذكره الأستاذ وجهٌ إلا أن يقول قائل: الضمان في حق الأول غير ثابت في جميع الدين؛ فإن الضمان في حقه إذا كان تبرعاً، فالتبرع لا يستوعب التركةَ، وإنما ينفذ على وجه يختص في الثلث، وإذا لم يصح الضمان بكماله (3) من الأول، لم يصح ضمانُ الثاني عنه في كمال الدين؛ فإنّ شرطَ صحة ضمان الثاني [أن يصح] (4) ضمان الأول. فكأنَّ الأستاذ أبا منصور اعتقد أن ضمان الأول لم يصح إلا في مقدارٍ لو رجع معه في تركة المديون عليه، لما زاد ما تلف من تركته على ثلثها.
والأصحاب قالوا: ضمان الأول صحيح في الجميع، وإنما لا يستوعب تركتَه، لحقِّ ورثته، والذي لا يخرجه من تركته، فهو [باقٍ في ذمته] (5).
ولو ضمن [من] (6) لا يملك شيئاً دَيْناً في مرضه، ومات، وضمن ضامنٌ عنه، فضمان الثاني صحيح، فإنا كنا لا نضمّن الضامن (7) الأولَ شيئاً. وهذا القبيل فيه
__________
(1) في الأصل: التركة للضامن.
(2) في الأصل: وهذا.
(3) في الأصل: بكمال.
(4) في الأصل: بأن صح.
(5) في الأصل: باقي من نصه (انظر صورتها).
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) في الأصل: للضامن.

(10/437)


تركيب (1)؛ فإن الضمان في وضع الشرع البراءة، ولكن لما أنشأه في مرض الموت، لم يعترض على حقوق الورثة بالتأدية من جميع التركة، والذمةُ لا حقَّ [فيها] (2) للورثة، فثبت اللزوم، وإذا ثبت اللزوم، فضمان الضامن الثاني يُفيد ما لزم ذمتَه، لا ما يسهل أداؤه، ومَنْ ضمن ديناً على معسر، لزمه الدين على أصل الشافعي. فهذا وجه قول المشايخ.
ووجه قول الأستاذ أنه (3) لو لزمه الدين بكماله، لقُدّم الدين على حق الورثة.
ومهما قدمنا جواباً عن هذا، فليعلَم المحصِّل أن هذا الذي أنشأه المريض التزمه (4)، وحكم التبرع في هذا الدين على الخصوص أنه لا يتعدى الثلث إذاً، فأما التعلّق بالذمة، فلا امتناع معه، وليس هذا كما لو أتلف في مرضه شيئاً؛ فإنّ قيمة المتلَف تتعلق بالتركة بالغةً ما بلغت؛ فإن القيمة عوضٌ، والضمانُ التزامٌ على الابتداء من غير عوض، فليتأمل الناظر هذا المنتهى. وهو أقصى الإمكان.
7091 - ومما يتعلق بتمام البيان في المسألة أن صاحب التلخيص قال في ابتداء المسألة بعد ما فرض ضامناً عن ضامن: لو أراد مستحق الدين أن يوجّه الطلبَ ابتداء [على] (5) الضامن الأول، فالجواب في هذه المسألة كالجواب في المسألة الأولى، وهي إذا لم يكن إلا ضامن واحد. وهذا الكلام فيه نوعُ استبهام لم يتعرض الأصحاب له لوضوحه عندهم.
ونحن نقول: [قوله] (6) هذا كالمسألة الأولى أراد به أنه لا يطلب [من] (7) الضامن الأول إلا ستين درهماً، كما لا يطالَب إلا بهذا المقدار في المسألة الأولى، وله أَخْذُ
__________
(1) تركيب: التركيب مصطلح جدلي، سبق بيانه.
(2) في الأصل: منها.
(3) أن مع اسمها وخبرها في محل خبر (وجه). وليست مقول القول.
(4) في الأصل: التزامه.
(5) في الأصل: عن.
(6) زيادة اقتضاها السياق.
(7) زيادة من المحقق.

(10/438)


خمسةَ عشرَ من تركة المديون عليه في المسألة الأولى، وهذه المسألة تختص بمزيدٍ، وهو أنه يطالِب الضامنَ الثاني بخمسةَ عشرَ، وهي تتمة التسعين، ولولا الضامن الثاني، لما وصل إلى كمال حقه؛ فإذاً جواب المشايخ أنه يصل إلى كمال حقه [ولا فرق بين أن يطالب المضمون عنه] (1) وبين أن يطالب الضامن الأول أو الثاني أو يستغرق في ابتداء الأمر تركةَ المديون عليه، فهو في الجهات كلّها يصل إلى التسعين، والضامن الثاني تلف له خمسةَ عشرَ في كل حساب.
فهذا منتهى المسألة وفيها من دقائق الفقه، ما صحح به الفقه.
7092 - مسألة في دور المحاباة مع ثبوت الشفعة: إذا باع مريض في مرض موته شقصاً يساوي ألفي درهم بألف درهم، لا مال له غيره، ولم يُجز الورثةُ الزائد على الثلث من المحاباة، والتفريع على أن بطلان البيع في البعض لا يوجب بطلانَه في الكل.
وإذا صححنا البيع في البعض، ففي كيفية التصحيح القولان المقدمان، ونحن نعيدهما في هذه المسألة حساباً وفقهاً لغرض صحيح، فإن قلنا: يصح البيع فيما يصح البيع فيه بجميع الثمن، فوجه الحساب فيه أن نقول: جاز البيع في شيء من الشقص بألف درهم، وبقي مع ورثة البائع من قيمة الشقص ألفان إلا شيئاً ومن الثمن ألفُ درهم وذلك ثلاثة آلاف إلا شيئاً، وهي تعدل ضعفَ المحاباة، والمحاباة شيء إلا ألفاً، وضعفها شيئان إلا ألفين، فمعنا إذاً ثلاثة آلاف إلا شيئاً، تعدل شيئين إلا ألفين.
فنجبرهما من الجانبين، ونقول: نجبر شيئين بألفين؛ فإنهما ألفان مقدران في مدارج الحساب ومراسم الجبر، و [نحن] (2) نجبر ونقابل. وإذا جبرنا شيئين بألفين، زدنا على عديلهما ألفين، فيصير خمسة آلاف درهم تعدل ثلاثة أشياء؛ فإنه نجبر جانب الآلاف بشيء، ونزيد على عديله مثله، فينتظم بعد الجبر والمقابلة قولُنا: خمسة اَلاف درهم تعدل ثلاثة أشياء، فنقسم القدْرَ على الأشياء، فيخرج ألف وستمائة وستة
__________
(1) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/439)


وستون درهماً وثلثان، فهي قيمة الشيء الذي جاز فيه البيع، وعلى الحقيقة خمسة أسداس الشقص.
والامتحانُ أن البيع إذا نفذ في هذا المقدار، وقد أخذ ورثةُ البائع بها ألف درهم، فصارت المحاباة ستمائة وستة وستون وثُلثين، وحصل معهم سدُسُ شقصٍ قيمته ثَلاثمائةٍ وثلاثة وثلاثون وثلث ومن الثمن ألف درهم، فالمجموع ألفٌ وثَلاثُمائةٍ وثلاثة وثلاثون وثلث. وهي ضعف المحاباة.
7093 - وإذا فرّعنا على القول الثاني الذي عليه تفريع الفقهاء، وقلنا: البيع يصح في مقدارٍ بقسطٍ من الثمن، ووجه الحساب أن نقول: إن البيع جاز في شيء من الشقص قيمته نصف شيء، فيبقى مع ورثة البائع ألفان إلا نصف شيء تعدل شيئاً، فنجبر الألفين بنصف شيء، ونزيد مثلَه على عديله، فيكون ألفان يعدلان شيئاً ونصفَ شيء، فالشيء من الشيء ونصف ثلثاه، فنقول: صح البيع في ثلثي الشقص وقيمته ألفٌ وثَلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، بثلثي الثمن وذلك سِتُّمائة وستة وستون وثلثان، فالمحاباة إذاً ستمائة وستٌّ وستون وثلثان، وبقي مع ورثة البائع ثلث شقص قيمته ستُّمائة وستة وستون وثلثان، وثلثا الثمن، وهو أيضاً ستّمائة وستة وستون وثلثان، وذلك ألفٌ وثَلاثُمائة وثلاثة وثلاثون، فهو ضعف المحاباة.
وإذا أخذ المشتري ما ذكرنا في التفريع على هذا القول فالشفيع يخلفه، ويأخذه، وينزل منزله.
وإن فرعنا على القول الأول، وهو أن المشتري يأخذ خمسة أسداس الشقص بالألف، فالشفيع يأخذها بالألف.
7094 - [و] (1) غرضُ هذا الفصل أنا لا نحكم بأن النصفَ مبيعٌ بالألف والثلث هبة، بل الخمسة الأسداس مبيعةٌ بالألف.
فإن قدّر مُقدّرٌ تمييز التبرع عما يقابل الثمن، فهو تقديرٌ حسابي، وليس بتحقيقٍ، والدليل عليه أنه لو ردّ البيعَ، وطلب الهبة في الثلث، لم يُجب، وعلى حالٍ
__________
(1) (الواو) زيادة من المحقق.

(10/440)


لا [هبة] (1) في المحاباة أصلاً، بدليل أنا لا نشترط القبض في مقدارٍ منه، ولولا هذا الغرض، لما ذكرنا هذه المسألة؛ فإن سبيل الحساب في أمثالها قد بان.
ويتصل بهذه المسألة أن المشتري لو اختار فسخَ العقد وطلب الشفيعُ الأخذ بالشفعة، ففي المسألة قولان، ذكرناهما في نظائر هذا في كتاب الشفعة، فإن نفذنا فَسْخ المشتري، بطلت الشفعة، وإن لم ننفذها، انقطعت عهدة العقد على (2) المشتري في حق البائع، وخلفه الشفيع، حتى كأنه المشتري.
مسائل دائرة في ألفاظ [المقرّ] (3)
7095 - إذا ادّعى رجل على رجلين مالاً، فقال كل واحد منهما للمدعي: عليّ عشرة إلا نصفَ ما لَه على صاحبي، وجرى منهما اللفظان على هذا النسق، فالمسألة تدور؛ فإنا متى أسقطنا عن المقر الأول شيئاً من العشرة، نقص ما يسقط عن المقر الثاني، وإذا نقص ما يسقط عن الثاني، زاد ما نسقطه عن الأول، وإذا زاد ما نسقطه من الأول، نقص ما نسقطه عن الثاني.
وحساب المسألة بطريق الجبر أن نجعل على كل واحد منهما عشرة إلا شيئاً، ثم نأخذ نصفَ أحد المبلغين؛ فإن كلّ واحد منهما مالٌ إلا نصفَ ما على الثاني، فنصف أحد المبلغين خمسةُ دراهم إلا نصفَ شيء، فذلك يعدل الشيء الناقص من العشرة، وقد قلنا في وضع المسألة: على كل واحد منهما، عشرة إلا شيئاً، ثم استخرجنا بعد هذا الوضع النصفَ مما على كل واحد منهما، فتحقَّق أن الشيء الذي استثنياه خمسةُ دراهم إلا نصفَ شيء.
فنعود إلى المعادلة ونقول: خمسةٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئاً، فنجبر ونقابل، ونزيد على خمسةٍ إلا نصفَ شيء [نصفَ شيء] (4) ونزيد على عديله مثله، فيكون
__________
(1) تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(2) تأتي (على) مرادفة لـ (عن).
(3) في الأصل: المقدر.
(4) ساقط من الأصل.

(10/441)


خمسة معادلة لشيء ونصف، فالشيء ثلثا الخمسة، وهو ثلاثة وثلث، فنُسقط من العشرة ثلاثة وثلث، تبقى منه ستة وثلثان، فهي مقدار ما على كل واحدٍ منهما، فإذاً على كل [واحد] (1) عشرة إلا نصفَ ما على صاحبه.
7096 - فإن قال كل واحدٍ منهما: عليّ عشرةٌ إلا ثلثَ ما على صاحبي، فسبيل الحساب أن نجعل على كل واحد منهما عشرةً إلا شيئاً، ثم نأخذ ثلثَ ما على كل واحد منهما، وذلك ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلثَ شيء، وهو يعدل الشيء الذي أسقطناه من العشرة، فنجبر الثلاثة والثلث [وثلث شيء] (2) بثلث شيء، ونزيد على عديله مثلَه، فتصير ثلاثة دراهم وثلث في معادلة شيءٍ وثلث، فالشيء ثلاثة أرباع ذلك، وهو درهمان ونصف، فنُسقط ذلك المقدار من العشرة في حق كل واحد منهما، فيبقى على كل واحدٍ سبعةُ دراهم ونصف، ولو زدتَ على هذا المقدار ثلثَ المقدار الآخر، لكان عشرة. وعلى هذا فقس.
7097 - فإن قال أحدهما: له عليّ عشرة إلا نصفَ ما على الآخر، وقال الآخر: له عليّ عشرة إلا ثُلثَ ما على الآخر، فاجعل على أحدهما ثلاثة أشياء لذكر الثلث، وقل على الآخر عشرة إلا شيئاً، فخذ نصفَ ذلك، وهو خمسة إلا نصفَ شيء فزدها على الذي على الآخر، وهو ثلاثة أشياء، فيكون خمسة دراهم وشيئين ونصف، فإنه كان ثلاثة أشياء والخمسة المضمومة فيها استثناء ونصف شيء فنزيل الاستثناء، ونُسقط نصفَ شيء، وهذه الجملة تعدل عشرة دراهم، فنسقط الخمسة بالخمسة، فيبقى شيئان ونصف في مقابلة خمسة، فنخرج قيمة الشيء الواحد درهمين، والذي قررناه على أحدهما ثلاثة أشياء، فهي ستة دراهم، وكان على الآخر عشرة إلا شيئاً، فذلك ثمانية، ومتى زيد ثلث الستة على الثمانية، صارت عشرة، ومتى زيد نصف الثمانية على الستة، صارت عشرة.
7098 - مسألة: إذا قال كل واحد منهما: له عليّ عشرة ونصف ما على الآخر،
__________
(1) في الأصل: واحدة.
(2) زيادة اقتضاها السياق.

(10/442)


فوضْعُ هذه المسألة يخالف ما تقدم؛ فإن الذي قدمناه فيه إذا اعترف كلُّ واحد منهما بعشرة، واستثنى منها [جزءاً] (1) مما على الآخر، وهذا (2) النوع الذي [افتتحناه] (3) فيه إذا اعترف كل واحد منهما بعشرةٍ ومقدارِ جزئها على الآخر، فلا شك أن المقَرَّ به في حق كل واحد منهما أكثرُ من العشرة.
وقد ذكر الحُسّاب مسلكاً في هذا الفن مطرداً، ونحن نذكر سبيل خروجه بمثابة (4).
[قالوا] (5) إذا ضم كلُّ واحد منهما إلى العدد الذي أقرّ به جزءاً مما أقر به الآخر واستوى [المقَرُّ به] (6) والجزءان من الجانبين، نظرنا في المَخْرج الذي يخرج منه الجزء المذكور، وجعلنا الجزء مما [يلي] (7) ذلك المَخْرج؛ نظراً إلى [الانتقال إلى] (8) العدد في المخارج على وِلائها.
فإن قال كل واحد منهما: لهذا المدعي عليّ عشرة ورُبع ما على صاحبي، وقال صاحبه مثلَ ذلك، فنقول: يتقدم على الربع [نصفٌ] (9) وثلث، فعلى كل واحد منهما عشرةٌ وثلثُ عشرة، والمجموع ثلاثةَ عشرَ وثلث، ثم الحساب في الإضافة منتظمٌ؛ فإنّ على كل واحدٍ منهما عشرة وربع ما على الآخر؛ لأن على كل واحد ثلاثة عشر وثلث والثلاثة والثلث ربع ما في جانب [صاحبه] (10).
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل قدر ثلاث كلمات.
(2) في الأصل: هذا (بدون الواو).
(3) في الأصل: امتحناه.
(4) بمثابة: أي بمثابة واحدة.
(5) في الأصل: ما لَوْ.
(6) مكان بياضٍ بالأصل قدر كلمتين.
(7) مكان بياضٍ قدر كلمة.
(8) مكان بياض بالأصل: نرجو أن يكون صحيحاً. والسياق مفهوم على كل حال.
(9) مكان بياضٍ بالأصل.
(10) زيادة اقتضاها السياق.

(10/443)


7099 - وإذا قال كل واحد منهما: عليّ عشرة وثلث ما على صاحبي، [ننتقل] (1)
من الثلث إلى ما قبله على الاتصال وهو النصف، ونقول: على كل واحد منهما خمسةَ
عشرَ، وإذا زدنا هذا إلى الإضافة المذكورة، خرج الكلام معتدلاً؛ فإن على كل
واحد منهما عشرة وثلث ما على صاحبه؛ فإن الخمسة من الخمسةَ عشرَ ثلثها.
7100 - وإذا قال كل واحد منهما: عليّ عشرة ونصف ما على صاحبي، فعلى كل
واحد منهما عشرون؛ فإن وراء النصف الكلُّ إذا جَريْتَ على [التنزل في] (2) العدد،
ولم تكسِّر، ثم خروجه على الامتحان بيِّنٌ.
فهذا قياسٌ طردَه الحُسّاب.
وبيان الحساب في هذا الفن أن نقول: إن (3) كل واحد منهما إذا قال: لفلان عليَّ
عشرة وثلثُ ما على الآخر، إن ذلك يحمل على ثُلث العشرة، وقلنا: له على كل
واحد منهما أكثر من العشرة، [أي له] (4) أن يأخذ الثلث من العشرة والزيادة، فإذا
تنتهي لذلك، فسبيل الحساب أن نقول: إذا قال كل واحد منهما: له عليَّ عشرة وثلث
ما على الآخر، فنقول: [لا شيء] (5) غير الثلث مجهول؛ فنجعله (6) شيئاً، فنجعل
على كل واحد منهما عشرةً وشيئاً، ثم نأخذ الثلث من أحد الجانبين، على هذا
الوضع، فيقع ثلاثة [وثلثاً] (7)، وثلث شيء وهذا يعدل الشيء الزائد على العشرة،
فنُسقط ثلثَ شيء بثلث شيء، فيبقى ثلاثة دراهم وثلثٌ، في مقابلة ثلثي شيء؛
فالشيء يعدل خمسةَ دراهم.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) مكان بياضٍ في الأصل.
(3) عبارة الأصل هكذا: أن نقول: إن فلاناً [ .... ] إن كل واحد منهما ... إلخ.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(5) هكذا قدرناها على شيء من الاستكراه. ولكن المعنى مفهوم على كل حال.
(6) في الأصل: فنجعل.
(7) ساقطة من الأصل.

(10/444)


وعلى هذا البابُ وقياسُه، فاعتبروا (1).
7101 - وإذا قال كل واحد منهما: لفلان علي عشرةٌ ونصفُ ما على صاحبي، فقد قلنا: على كل واحد منهما عشرون [وطريق الحساب] (2) أن نقول: على كل واحد منهما عشرة وشيء، ثم نأخذ النصف [من] (3) أحد الجانبين، فيكون خمسةً ونصفَ شيء، وهي تعدل الشيء الزائد على العشرة، فنُسقط نصفَ شيء بنصف شيء قصاصاً، فيبقى خمسةٌ في مقابلة نصف شيء، فالشيء إذاً عشرة، ولما قلنا: على كل واحدٍ منهما عشرةٌ وشيء، فالمراد أن على كل واحدٍ عشرةٌ وعشرة.
7102 - مسألة: إن قال أحدهما: له علي عشرة إلا نصفَ ما على الآخر، وقال الآخر: له على عشرة وثُلث ما على الآخر، فاستثنى أحدُهما لينقص، وزاد الثاني جزءاً ليزيد. وطريق الحساب في المسألة أن الأول لما استثنى من العشرة، علمنا أن عليه عشرة إلا شيئاً، وهذا الشيء هو نصف ما على الثاني، فنقول: على الثاني شيئان، وقد قال ذلك الثاني: علي عشرة وثلث ما على الآخر. وثلث الدين على الآخر ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلث شيء، فزد ذلك على العشرة في جانب الزيادة، فتكون ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلث درهم إلا ثلثَ شيء؛ وذلك يعدل شيئين؛ فإنا قدّرنا جانبه شيئين. نأخذ الاستثناء ونقابل، فيكون ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم تعدل شيئين وثلث شيء (4)، فالشيء الواحد يعدل خمسة دراهم وخمسة أسباع درهم، وكان على أحدهما شيئان، فذلك أحد عشر درهماً وثلث وثلاثة أسباع.
وكان على الآخر عشرةٌ إلا شيئاً، فذلك أربعة وسبعان، فعلى المقر المستثني أربعةُ دراهم وسبعا درهم، وعلى [المقر] (5) الآخر أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةَ أسباع درهم،
__________
(1) فاعتبروا: أي فقيسوا،
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: في.
(4) عبارة الأصل: يعدل شيئين وثلث شيئين، وثلث شيء، فالشيء الواحد ... إلخ.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/445)


وإذا زيد نصفها وهي خمسة وخمسة أسباع على الآخر، وهو أربعة دراهم وسبعان [كان] (1) عشرة.
وإذا أخذنا ثُلثَ أربعة وسُبْعَيْن، وذلك درهمٌ وثلاثةُ أسباع، ونزيده على العشرة، تبلغ أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةَ أسباع درهم.
فهذا مأخذ مسائل الباب.
7103 - مسائل: في دَوْر الكتاب (2):
إنما أورد الحُسّاب [هذه] (3) المسائل هاهنا لتعلقها بالعتق وطرفٍ من حكم المعاوضة. وقد تمهد فيما تقدم حكمُ العتق الواقع تبرعاً، وحكمُ المحاباة في البيع، ومسائلُ الكتابة [متركّبةٌ] (4) منها، [فحسن] (5) وضعها على أنه كان [كالأصلين] (6) المتمحّضَيْن.
ومسائلها تتعلق بصنفين: أحدهما - في وقوع الكتابة تبرعاً، وذلك بأن يكاتِب المريضُ أو يوصي بالكتابة.
والصنف الثاني - يتعلق بإعتاق مكاتَب [صارت] (7) مكاتبته في صحة مولاه، وطلاق (8) الحجر عنه، ثم يفرض إعتاقه في مرض المولى، أو تفرض الوصية بإعتاقه.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) الكتاب: أي الكتابة والمكاتبة، تقول: كاتبت العبد مكاتبة وكتاباً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33].
انظر المصباح، وتفسير الطبري.
(3) في الأصل: من.
(4) في الأصل: فتركته.
(5) في الأصل: يحسن.
(6) في الأصل: الأصلين. والعبارة ما زال فيها نوع قلق واضطراب.
(7) في الأصل: صيرت.
(8) طلاق الحجر عنه: انفكاك الحجر عنه، فالإنسان قبل مرض الموت، لا حجر عليه، ولو تصرف في ماله كله، فلا حرج عليه.

(10/446)


7104 - فأما الصنف الأول - فإذا كاتب المريضُ عبداً في مرض موته لا يملك غيرَه، فهذا لا يتفضَّل على ما يؤثره المنتهي إلى هذا المحل إلا بأن نحكي منه النصّ، وما ذكره الأئمةُ على الإطلاق، ثم نُتْبعه التفصيلَ الموصّل إلى الاطلاع على الحقائق.
نقل الأئمة عن نص الشافعي أنه قال: إذا كاتب عبدَه في مرضه، لم تثبت الكتابة إلا في الثلث، وأطلق رضي الله عنه إن الكتابة تثبت في الثلث، [فإذا أدى نجوم الثلث عتق] (1) ثلث العبد، ولا نظر إلى مقدار النجوم (2)، وكأنه جعل الكتابة كالإعتاق المنجّز الموجّه على العبد في المرض، وأول ما يجب التنبّه له في إتمام نقل هذا القول -إلى أن نفضل خبايا التفريع عليه- أن الشافعي نصّ في مواضع من كتبه على يسار (3) مكاتبة بعض العبد، وسيأتي ترتيبٌ في ذلك في مواضعه، إن شاء الله تعالى.
والمقدار الذي لا نجد بُدّاً من ذكره أن الشافعي قطع قولَه بأن مالك العبد في الصحة والإطلاق (4)، لو كاتب بعضَ عبده، لم يجز، ولو فرض عبدٌ نصفه حر ونصفُه عبد، فكاتَب مالكُ نصفه النصفَ منه، فالكتابة صحيحة قولاً واحداً.
وإن كان العبد مشتركاً بين شريكين، فكاتب أحدهما نصيبه [بغير إذن] (5) الشريك، لم يجز في ظاهر المذهب، وإن كاتب نصيبه [بإذن] (6) الشريك، ففيه قولان (7). وستأتي هذه الصورة وما فيها من تخريجاتٍ وأقوال في بعض ما أطلقنا فيه قولاً واحداً.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل. وانظر روضة الطالبين: 6/ 296.
(2) أي لا نظر لمقدار النجوم، ونسبتها لقيمة العبد، وحصولها في يد الورثة.
(3) كذا بوضوح تام (يسار): وعندي أن صواب العبارة: "على اشتراط يسار مكاتِب بعض العبد". وذلك أن الشريك إذا كاتب شقصه من العبد المشترك، فعتق، قوّم شقص شريكه عليه وسرى العتق إليه. ومن هنا جاء شرط اليسار لصحة مكاتبة بعض العبد. والله أعلم.
(4) الإطلاق: أي الإطلاق عن الحجر عليه فيما زاد على الثلث.
(5) مكان بياض بالأصل.
(6) مكان بياض بالأصل.
(7) أظهرهما لا يصح (ر. روضة الطالبين: 12/ 228).

(10/447)


وقد ذكرنا أن المريض إذا كاتب عبده، وقلنا: لا تصح الكتابة في جميع الرقبة، فإن أجرينا هذا مجرى مكاتبة الصحيح المطلَق بعضاً من عبده الخالص، فيجب أن نحكم بفساد الكتابة لورودها على بعض العبد الخالص للسيد.
[وإن] (1) نزلنا هذا منزلة العبد المشترك، لانحصار حق المريض في مقدار الثلث، فينبغي ألا (2) نقطع القول بصحة الكتابة في الثلث.
وقد قال بعض الأصحاب: إذا أفسدنا الكتابة في بعض العبد من أجزاء شركاء فتفسد الكتابة رأساً من المريض، وهؤلاء نزّلوا ذلك منزلة مكاتبة بعض الشركاء حصةً من العبد المشترك.
والذي ذهب إليه الجمهور من الأئمة أن الكتابة تصح من المريض في بعض العبد، وإن منعنا صحة الكتابة من أحد الشريكين، وهؤلاء يحملون مسألة المريض على قاعدة العبد المشترك أيضاً، ولكنهم يفرقون بين مكاتبة المريض وبين مكاتبة الصحيح قسطاً من عبدٍ مشترك، ويقولون: إذا [كاتب] (3) أحدُ الشريكين نصيبه، فمِلْك شريكه ثابتٌ في شركته، [والمكاتبة] (4) تتضمن إضراراً به، لو وفّرنا عليها موجبَها، ولمّا كاتب المريضُ، لم يكن حقُّ الورثة في الثلثين منجّزاً، و [لما] (5) لم يثبت حقُّهم (6) استقرت الكتابة مع حقهم، [ولذا] (7) لم نجعل كتابةَ المريض ككتابة صحيحٍ بعضَ عبده؛ فإنه ليس مطلق التصرف في جميع العبد.
هذا ما ذكره هؤلاء واحتمال المسألة لائح، وذلك نقلُ النص مع ما فيه من خلاف الأصحاب.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في صحة الكتابة قولان، كما مرّ آنفاً.
(3) في الأصل: كان.
(4) في الأصل: والمكاتب.
(5) زيادة من المحقق، والسياق في هذه الجملة مضطربٌ قلق. ولكن ماذا نملك؟!!!
(6) أي لم يثبت عند الكتابة.
(7) زيادة من المحقق.

(10/448)


7105 - وذكر الحُسّابُ من فقهاء الأصحاب مسلكاً آخر، فقالوا: الكتابة لا تنحصر على الثلث وهذا تخريجٌ، وإن كان مشهوراً مذكوراً في الطرق مفرّعاً عليه، فالرأي أَنْ [نوجه] (1) النصَّ والتخريجَ على الجملة أولاً: أما وجهُ النص، فهو (2) أن الكتابة عقد تبرّع، وإن فُرض كسبٌ (3) فذاك ليس مستفاداً بالكتابة؛ فإنه لو بقي رقيقاً واكتسب، لكان كسبه لماللث رقبته، [فعوض] (4) الكتابة في التحقيق ليس عوضاً مستفاداً في مقابلة الرق، ولأجل هذا قال الفقهاء: المكاتِبُ يقابِل ملكَه بملكه.
فهذا وجه النص على الجملة.
وأما وجه. التخريج، فهو أن العبد لا يكون مطالباً بالكسب في اطراد الرق عليه، ولا حق للمولى عليه، والكتابةُ توجب للمولى عليه حقاً، وهذا الوجوب يستحيل [أن يكون] (5) مع استمرار الرق، فليست الكتابة [كالإعتاق] (6) المحض، وفيه (7) على [الجملة] (8) تحصيل [نوع عوض] (9).
هذا بيان التوجيه على الإطلاق.
فمن خرّج على النص، لم يكن عليه في هذا المقام بعدُ تفصيل، والقدر الذي يجب التنبه له ماذكره من صحة الكتابة في بعض العبد، فلا فرق إذاً بين أن [يكاتِب] (10) المريض على مقدار قيمته وبين أن يكاتبه على أقلَّ من قيمته أو أكثر منها، فالكتابة لا تتعدى ثلث العبد.
__________
(1) في الأصل: الوجه.
(2) في الأصل: وهو.
(3) "وإن فرض كسب ... " المراد نجوم الكتابة.
(4) في الأصل: ففرض.
(5) مكان بياض بالأصل.
(6) في الأصل: والإعتاق.
(7) وفيه أي عقد الكتابة.
(8) مكان بياض بالأصل.
(9) تقدير منا بدل بياض في الأصل.
(10) في الأصل: مكاتبة.

(10/449)


ومن زعم أن الكتابة تتعدى ثلثَ العبد فقد اضطربوا فيه، فذكر الصيدلاني في مجموعه في المذهب أن المريض إذا كاتب عبداً قيمته مائة بمائة، ومات، فأدى العبد ثُلثَ النجوم، قال: يعتق الثلث منه على القول المخرّج، ويصير ثلثٌ آخرُ منه مكاتباً بحضور النجوم التي قابلت الثلث الأول في يد الورثة، فيكون في أيديهم الآن ثلثُ النجوم، وهو مثل ثلث القيمة، وثلث [عبدٍ وثلثٌ] (1) مكاتب، فإذا أدى نجومَ هذا الثلث الثاني عَتق هذا الثلث، وصار الثلث الآخر مكاتباً [لأجل] (2) حصول ثلثي النجوم في أيدي الورثة، فإذا أدى تمامَ النجوم عَتَق كلُّه.
هذا تمام مسلكه في التفريع على القول المخرّج.
وذهب (3) معظم المفرعين على القول المخرّج إلى أن الكتابة وإن تعدّت الثلثَ لا تستغرق الرقبة، وإنما تثبت في مقدار يقتضيه الحساب، كما سنوضحه في التفريع، ونعملُ القدر الذي يتعلق الفهمُ به إلى كمال البيان.
إنه إذا كاتب عبداً قيمته مائةٌ بمائةٍ، فهؤلاء يقولون في هذه الصورة: تثبت الكتابة في تصوير لا يتعدى [العتقُ] (4) النصفَ، وتوجيه ذلك يَبِينُ عند الانتهاء إلى التفريع. هذا نقلُ ما قيل على الإطلاق.
7106 - [ونحن] (5) بعد هذا [نأتي] (6) بفصولٍ: أحدها - في تفصيلٍ [لا نبتديه] (7) وبه يَبين محلُّ الأقوال.
والآخر - في تصحيح ما يصح [وبيان] (8) ما يفسد.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: لأصل.
(3) في الأصل: فذهب.
(4) مكان بياض بالأصل.
(5) مكان بياض بالأصل.
(6) عبارة الأصل: بعد هذا أنه بفصول.
(7) لا نبتديه: أي لا نبتدعه. وهي تقرأ هكذا بصعوبة بل بتوسُّم.
(8) كذا قدرنا مكان بياض بالأصل.

(10/450)


والثالث - في التفريع التام المشتمل على الحساب في محل [الأقوال والتخريج] (1).
7107 - فأما الأول، فليعلم الناظر إلى محل الأقوال [أنه] (2) إذا كاتب المريض [عبدَه] (3) في مرض موته، ثم لم يؤدِّ في حياة المكاتِب شيئاً، وإنما ابتدأ الأداءَ بعد الموت، فإنه لو أدى النجوم، وحصَّلها في حياة المولى، فتلك النجوم زيدت في التركة، ولو فرضنا حصولها في استمرار الرق، ثم قدرنا الكتابة بعد حصولها، زادت الكتابة على ثلث الرقبة، بحضور تلك الأكْساب، فإذاً نصُّ الشافعي فيه إذا لم يحصُل أداءُ النجوم في الحياة، وفي [كلام] (4) الأئمة تصريحٌ بهذا، وهو مما لا يشك الفقيه فيه.
ومما تجب الإحاطة به في تعيين محل الأقوال أن الأئمة أطلقوا ذِكْر الاكْساب، ولم يفصّلوا بين ما يحصل في يد المكاتَب من الصدقات وبين ما يكتسبه من جهات الكسب. وليست [كذلك. فإنهم ما] (5) أجْرَوْا ما يحصل كسباً مجرى ما يحصل من الصدقات؛ فإن الاكساب إن فرضت ملكاً لمالك الرق، فليست الصدقات كذلك؛ فإنه لا يتصور حصول الصدقات في يد الرقيق.
والذي يجب ضبطه في ذلك أن المكاتب لو اجتمعت في يده أكسابٌ، ثم رقَّ وعجّزَ نفسَه، فتلك الأكساب تكون ملكاً لمولاه، ولو كان قد اجتمع في يده شيء من الصدقات، ثم رقّ، وعجّز نفسه، فتلك الصدقات مردودٌ على أصحابها، فما ذكره الأئمة مخصوصٌ بالأكساب (6) دون الصدقات.
__________
(1) هذا تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: منه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) مكان بياض بالأصل.
(5) تقدير منا مكان بياض بالأصل وعبارة مضطربة هكذا: "من جهات الكسب. وليست اخروا
ما تحصيل كسباً ... إلخ".
(6) في الأصل: الأكساب (بدون الباء).

(10/451)


7108 - فإذا تمهد هذا، فالقول بعده في التصحيح [وبيان ما يصح ويفسد] (1): نقول: إذا كانت الأقوال تجري في تحصيل الكسب بعد الموت، فلا يتجه على قاعدة الفقه إلا نصُّ الشافعي؛ فإن ما يكسبه العبد لا يقع في ملك المولى، حتى يُعدَّ من تركته، فما (2) استثناه الشرع له، وهو الثلث محسوب من حقه، فأما الزائد عليه، فبعيد عن قاعدة الفقه إثباتُ الكتابة فيه. ثم إذا ظهر ما يخالف النصّ، فيبقى بعد هذا النظرُ في طريق الأصحاب في القول المخرج.
وأما من صار إلى استيعاب جملة الرقبة، فقد تباعد عن مأخذ الفقه بالكلّيّة، وكأنه وقع له أن الكتابة [معاوضةٌ] (3) فيها حيلولة (4)، والدليل عليه أنه حصّل العتق في تمام الرقبة عند أداء النجوم التي هي مقدار القيمة.
وهذا مع ما قدمناه من بيانِ محل الأقوال في نهاية الضعف؛ فإن الاكساب تقع بعد الموت، وإذا مات الموروث ثبتت حقوق الورثة، فالمكاتب إذاً مكتسب بملك الورثة، وهم لم يكاتبوه، ومن سلك المسلك الآخر، لم ينته إلى هذا الإبعاد، وكأنه يجعل عتقَ الرقبة تبرعاً، ويجعل ما يحصل من النجوم تركةً، ويحصّل العتق في الرقبة بمقدارٍ يقع ثلثاً بالإضافة إلى ما يحصل في يد الورثة من النجم، وبعض الرقبة.
ومما يتم به البيان أن المكاتب لو حصّل الكسبَ في حياة السيد [ولم يؤدِّه] (5)، فالذي أراه أنه بمثابة ما أداه؛ فإنه حاصلٌ [في حياته.
هذا تمام] (6) ما أردناه في ذلك.
7109 - والغرض الثالث - التفريع: فإن فرّعنا على النص، فلا مزيد على
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: مما.
(3) في الأصل: مفاوضة.
(4) كذا. ويبدو أن في الكلام سقطاً تقديره: "فيها حيلولة بين الورثة وبين الرقبة" وهذا يفهم من كلامه في الصفحات التالية.
(5) في الأصل: ولم يؤد.
(6) عبارة الأصل: "حاصلٌ فيه إتمام ما أردناه في ذلك".

(10/452)


ما ذكرناه. فإذا كاتب المريض -وقد بان محل الأقوال- عبداً لا يملك غيرَه، فالمكاتبة ثابتةٌ في ثُلُثه، سواء كانت النجوم مثلَ قيمة الرقبة أو أقلَّ منها أو أكثر، فإنا نجعل الكتابة تبرعاً بمثابة الإعتاق، والكسبَ في الثلثين بحق الورثة، وليس محسوباً عليهم من التركة، غيرَ أن العتق لا يثبت في الثلث إلا على الوجه الذي [يوقعه] (1) السيد.
[وإن فرعنا] (2) على التخريج، [فقد يقع] (3) استيعاب العتق في الرقبة بطريق الكتابة على التدريج الذي حكيناه عن الصيدلاني، فإنه يقول: لو كانت الكتابة واقعةً بثلثي قيمة العبد، يقع العتق في العبد كله فيعتِق ثلثاه بالمعاوضة، وثلثُه يعتِق تبرعاً واقعاً في الثلث.
ومن اقتصر في التفريع على التخريج، وقع في أدراج [] (4).
فإن كاتب العبدَ بمثل قيمته، فلا دور، والأمر قريب، وتقريب العبارة فيه أن نُفتي أولاً ونقول: يعتِق نصفُه بطريق الكتابة إذا أدى نصفَ (5) النجوم ويرِق نصفه، فيكون الحاصل في يد الورثة نصفُ النجوم، وهو خمسون، ونصف [رقبته] (6) وقيمته خمسون، وذلك ضعف العتق، وإنما يحصل العتق إذا أدى نصفَ النجوم.
فإن قيل: كيف يحصل العتق في البعض، وقد حصلت الكتابة في الكل؟ [قلنا: قد] (7) بينا أن كتابته محمولةٌ على كتابة الشريك نصيبَه، وإذا كاتب الشريك نصيبَه وصححنا الكتابةَ، فالعتق يحصل بأداء النجوم في ذلك المقدار لا محالة.
7110 - فإن أردت أن تعبر عن ذلك بمسلك الجبر أمكنك [أن] (8) تقول: صحت
__________
(1) في الأصل: يوصيه.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) لم يتيسر لنا تقدير مكان هذا البياض، ولعل صحة العبارة هكذا: "في التفريع الذي وقع في
أدراج الكلام" والله أعلم.
(5) في الأصل: نصف بعض النجوم.
(6) في الأصل: لرقبته.
(7) في الأصل: ثلثا فقد.
(8) زيادة من المحقق.

(10/453)


الكتابة في شيء من العبد، وبطلت في عبدٍ إلا شيئاً، وقد أدى عما جازت الكتابة فيه شيئاً؛ لأن الكتابة مثلُ القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة والكتابة مائة درهم؛ لأن العبد مائة، ولما قلنا: نفذت الكتابة في شيء، بقي عبدٌ إلا شيئاً، فلما أدى المكاتب شيئاً، انجبر ذلك الاستثناء، فصار في أيدهم مائةٌ كاملةٌ وهذه المائةُ، تعدل ضعفَ ما صحت الكتابة فيه، وهو شيئان، فالشيء نصف المائة، وهو نصف الرقبة. وهذا فيه إذا عجّل نصفَ النجوم.
فإن لم يعجِّل ما عليه، جازت الكتابة في الحال في ثُلثه، وللورثة ثلثا رقبته، فإذا أدى -بعد ذلك- النصفَ، حكمنا بمائة [للورثة] (1) وعلى الورثة أن يؤدوا أَخَرةً (2) سدسه في الذي لم نُطلق القولَ في الكتابة فيه؛ فإنا [تبيّنا] (3) أن ذلك السدس كان [مكاتباً عنه] (4).
فإن كاتبه على مائةٍ وخمسين، فالتفريع على النص كما تقدم: [فالكتابة] (5) تجوز في ثُلثه بخمسين، ويأخذ الورثة ثلثي الرقبة، وثلثَ النجوم، وذلك أكثر من ضعف الوصية، ولكن ذلك الكسب بعد الموت غيرُ محسوب من التركة.
فليفهم الناظر هذا الموضع.
ومن فرعّ على التخريج مع الاقتصار [على ما وصفناه] (6) فطريق الحساب أن يقول: إذا أدّى ما عليه، [جازت الكتابة في شيء يساوي] (7) ما عليه، فلما جازت الكتابة في شيء وهو يؤدي عنه شيئاً ونصفَ شيء؛ فإن النجوم على هذه النسبة من القيمة، فيحصل للورثة من الرقبة والكتابة مائةُ درهم [ونصف شيء] (8)، يخرج من
__________
(1) تقدير منا مكان بياض بالأصل.
(2) أَخَرة: أي أخيراً (معجم).
(3) في الأصل: بيّنا.
(4) مكان بياض بالأصل لا نقطع به.
(5) في الأصل: بالكتابة.
(6) زيادة على ضوء ألفاظ الإمام في الصفحات التالية.
(7) مكان بياض بالأصل. وليس مستقيماً تماماً.
(8) في الأصل: ونصف درهم.

(10/454)


المائة أولاً شيء ويعود من النجوم شيء ونصفُ شيء، وتبقى مائة درهم ونصف شيء، وذلك يعدل شيئين، فنطرح نصفَ شيء بنصف شيء قصاصاً، فيبقى مائةُ درهم تعدل شيئاً ونصفَ شيء، والشيء من شيءٍ ونصف ثلثاه، فتصح الكتابة من ثلثي المائة، وهو ثلثا العبد، وللورثة ثلث الرقبة وثلثا النجوم، ومبلغهما جميعاً مائةٌ وثلاثةٌ وثلاثون وثُلُث، وذلك ضعف ما جازت الكتابة فيه، وهو ثلثا الرقبة.
وإن لم يعجّل ما عليه، جازت الكتابة في ثُلُثه في الحال، فإذا أدى بعد ذلك الثلثين، فالتفصيل على ما ذكرناه، وتبيّن بهذا منتهى ما يؤديه [وكذا] (1) ما تثبت الكتابة فيه.
فإن أدى ثُلثَ الكتابة، زاد في الكتابة مثلَ نصف ما أدى؛ لأنه إذا أدى خمسين، فقد حصل في يد الورثة من النجوم هذا القدرُ، فإذا قلنا: الكتابة واقعةٌ على الثلث [و] (2) تعديل الكلام على قياس القول المخرّج، فإنه يحصل في يد الورثة ستةٌ وستون وثلثان من الرقبة، وخمسون من النجوم، والحاصل من التبرع في ثلث العبد، فإذا أثبتنا الكتابة في النصف وقيمتُه خمسون، فقد حصل في يد الورثة خمسون من النجوم وقيمة النصف الباقي خمسون، فهذا المجموع ضعف نصف الرقبة.
7111 - ثم [الذي] (3) يجب القطع به أنه إذا أدى ثلثَ الكتابة، لم يعتِق منه شيء؛ فإن الكتابة بطريق التبيّن محلُّها الثلثان، وإذا كان كذلك، لم يعتق منه شيءٌ ما بقي عليه [شيء من] (4) الكتابة.
وإذا أدى الثلثين، عتق منه الثلثان حينئذٍ؛ فإنه استوفى محلَّ الكتابة بكماله. وقد أطلقنا في حكاية ما أورده الصيدلاني أنه إذا أدى ثُلثَ الكتابة هل تتعدّى الكتابة إلى ثلثٍ آخر؟ وحاصل ما ذكره ابن سُرَيج وجهان: أحدهما - أنا لا نتعدى ثلثاً، ورددنا الكتابة في الثلثين، وهذا ظاهر النص، وهو القياس؛ لأن الكتابة وإن كانت
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) زيادة اقضاها السياق.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) عبارة الأصل: "ما بقي عليه في ... الكتابة".

(10/455)


في صورة [المعاوضة] (1)، فهي كالتبرع المحض بلا عوض؛ فإنها مقابلة الملك بالملك.
والوجه الثاني - أنه إذا أدى كتابة الثلث، فإنا نثبت الكتابة في ثلثٍ ثانٍ، وإذا أدى كتابةَ الثلث الثاني، أثبتنا الكتابة في الثلث الثالث، ثم لا نحكم بعتق شيء من الأثلاث، حتى يؤدي [آخر] (2) ما عليه في الثلث الثالث؛ فإنه يستحيل في الكتابة -وهي واحدةٌ- أن ينفذ العتقُ في جزءٍ مع بقاء شيءٍ من النجوم.
7112 - وعلينا بقيةٌ صالحةٌ [من] (3) فقه هذا الفصل في الكتابة، وإنما ذكرنا هاهنا ما مست الحاجة إليه في الحساب.
ولو كاتب المريض العبدَ وقيمتُه مائةٌ بمائتين، فالنص على ما قدمناه؛ فإنه لا يختلف بالزيادة والنقصان في النجم.
وأما التفريع على التخريج مع الاقتصار على ما وصفناه، فسبيل الحساب فيه أن نقول: ثبتت الكتابةُ في شيء من العبد، وبقي عبد إلا شيئاً، فإذا أدى جميعَ ما عليه، فنقول: [نجم الكتابة] (4) شيئان، فتحصّل في يد الورثة عبد وشيء، وذلك ضعف ما صحت الكتابة فيه في جميع العبد، وإذا عجل المائتين، حصل العتق، ولا حاجة إلى هذا العمل؛ فإنا نعلم أن دور ذلك أن المائتين ضعفُ الرقبة، ولا يضرّ إجراء مراسم الحساب في الجليّات.
هذا تمام المراد فيه إذا كاتب المريض عبداً.
ولو أوصى بأن يكاتَب العبد، كان كما لو أنشأ الكتابة في مرضه.
7113 - مسألة: إذا كاتب عبده و [قيمتُه مائة على ثلاث] (5) مائة، وأوصى بثلث ماله لرجل، فعلى النص يجوز الكتابة في ثلثه بمائة، ويحصل مع الورثة ثلثا الرقبة
__________
(1) في الأصل: المفاوضة.
(2) في الأصل: أجر.
(3) في الأصل: في.
(4) زيادة من المحقق.
(5) مكان بياض بالأصل.

(10/456)


وثلث (1) الكتابة، وذلك مائة وستةٌ وستون وثلثان، يدفعون منهما (2) إلى الموصى له قيمة الثلث، وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، ويبقى معهم مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهي ضعف ما خرج بالكتابة والوصية، وقدمنا الكتابة؛ فإنها منجّزة في المرض، والمنجز في المرض مقدّم على الوصية.
وعلى التخريج يجوز الكتابة في جميعه، فإن عجلها، عتَق، وكان للموصى له قيمة الثلث وهو ثلاثة وثلاثون وثلث، يبقى مع الورثة مائتان وستة وستون وثلثان، وذلك ضعف العتق والوصية.
هذا قياس الباب. وهو كلام في صنفٍ واحد.
7114 - فأما الكلام في الصنف الثاني، وهو إذا كاتب عبداً في حالة الصحة والإطلاق، ثم أعتقه في مرض الموت، وما كان أدى شيئاً من الكتابة، ويقع التصوير فيه إذا كان كاتبه على [مائة] (3) وقيمته مائة، فظاهر المذهب أنه يعتِق ثلثُه، كالعبد القِنّ يُعتقه المريض، ثم إذا عَتَق ثلثُه، بقيت الكتابة في ثلثيه، فإذا أدى ما عليه إلى الورثة، عَتَق [كاملاً] (4): الثلث بالإعتاق والثلثان على حكم الكتابة.
فإن قيل: إذا نجزّتم العتق في الثلث، والحيلولة واقعة بين الورثة وبين ثلثي الرقبة لثبوت الكتابة فيهما؛ إذ الكتابة جارية في حالة الصحة، فلا ردّ لها إلا بطريق [تعجيز نفسه] (5) والنجوم في [الذمة] (6) ليس مالاً حاصلاً؛ فهذا تنجيز الوصية وتأخير حق الورثة.
قلنا: ذهب بعض الأصحاب أنا لا نحصّل من العتق شيئاً حتى يؤدي المكاتَب
__________
(1) وثلث الكتابة: أي نجوم الثلث، وهي مائة.
(2) كذا. والمعنى لائح، فالتثنية على مراعاة قيمة الثلثين وقيمة النجوم.
(3) في الأصل: كاتبه على ثلاثة وقيمته مائة.
(4) مزيدة من المحقق.
(5) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: الدية.
ثم معنى العبارة: أن تعجيل العتق في الثلث، والحيلولة حاصلة بين الورثة والثلثين بالكتابة، يؤدي إلى تحقق التبرع بالثلث، ولما يحصل في يد الورثة مثلاه بعد.

(10/457)


[مثليه] (1)، ومهما أدى شيئاً، حصل العتق في مثل نصفه، وعلى هذه النسبة يعتدل الثلث والثلثان.
ولو عجّز المكاتَب نفسه، عَتَق إذ ذاك ثلثُه؛ فإنا عرفنا ثبوت أيديهم الآن على ثلثي الرقبة من غير حيلولة.
هذا مذهبُ بعض الأصحاب، وعليه فرع الأستاذ أبو منصور، ولم يذكر غيرَه، وهو غيرُ مرضيٍّ عند الفقهاء؛ فإن العبد ضُرب الكتابةُ فيه في حالة الصحة، فلو لم يعتقه المريض، لكان جميعه مكاتباً، ولكانت الحيلولة التي تقتضيها الكتابة قائمة، فإذا أورد العتقَ عليه [وَرَدَ] (2) على [محلٍّ فيه] (3) حيلولة، فلينفذ العتق في [الثلث، وليبق للورثة الباقي على حسب ما تكون الكتابة لو لم يعتق] (4).
7115 - التفريع على هذين المسلكين: إن فرعنا على طريق التوقف، فإذا مات المكاتِب، وقد أعتق المكاتَبَ في مرضه، فإن عجَّز نفسَه، ولم [يؤدِّ] (5) شيئاً، [عَتَقَ] (6) ثلثُه [وانتهى التوقف] (7)؛ فإنه سَلِم ثُلثا الرقبة على حقيقة الرق، وزالت الحيلولة التي كانت عليه [بالوقف] (8).
وإن اختار المكاتب المضيَّ في الكتابة، فقد قال الحُسّاب: ما يؤديه من النجوم يُحكَم بعتق مثل نصفِه من الرقبة؛ فإن ما يحصل في أيدي الورثة ينبغي أن ينفذ من التبرع مثلُ نصفه، حتى يكون التبرع مع الحاصل في أيدي الورثة على نسب الثلث
__________
(1) في الأصل: مثله.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.
(3) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(4) عبارة الأصل فيها اضطراب وخلل واضح هكذا:
"فلينفذ العتق في الورثة ما يبقى لهم على حسب ما يكون المكاتب للورثة لو لم يعتق" والمثبت تقدير منا بالاستعانة بعبارة الإمام الرافعي في الشرح الكبير: 7/ 244.
(5) في الأصل: ولم يزد.
(6) في الأصل: عن.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.
(8) في الأصل: الوقف، (وبعدها بياض قدر كلمة).

(10/458)


والثلثين. فإذا أدى ثلثَ النجوم، والنجوم على قدر القيمة، عَتَق فيه سدسُه، فإذا أدى نصفَ النجوم، عَتق منه بقدرها، كذا، إلى أن يؤدي [ثُلثَي] (1) النجوم، فنحكم بأنه يعتِق منه [ثلُثاه] (2) بحكم الإنشاء و [الثلث] (3) وصية، فقد عتَق ثلثُه بالوصية، وإذا عتَق الثلثُ منه، برىء عن ثلث النجوم لا محالة، فإنه لا يتصور أن ينفذ العتق في جزءٍ من [المكاتب] (4) حتى يبرأ عن مثل نسبته من النجوم. نعم، يجوز أن يَبرأ عن جزءٍ لا يعتق [مُقابله] (5) شيء، فإن الإبراء كالأداء، فإذا برىء عن ثلث النجوم، وأدّى ئلثي النجوم، عتِق كلُّه لا محالة؛ لأنه لم يُعجِّز نفسَه، ولم يبق عليه من النجوم شيء، [وكلّ] (6) مكاتَبٍ سقط النجم عنه من غير تعجيز، فهو جزء النسبة، لا يمكن طردها فيما نحن فيه؛ فإنه إذا أدى النصفَ، لم يعتِق منه إلا الربع. فإذا زاد سُدساً تكملةَ الثلثين عَتَق كلُّه، والسبب فيه أنه بتأدية السدس يَبْرأ عن جميع النجوم، وهو قبله مشغولُ الذمّة ببقيّةٍ من النجم، فلا نحكم بعتق كله، فلا طريق إلا رعاية النسبة التي ذكرناها، وهي أنه يعتِق منه مثلُ نصف ما يؤدي.
وما ذكرناه فيه إذا كانت النجومُ مثلَ قيمة الرقبة.
7116 - فإن كانت النجوم ضعف القيمة مثلاً، [كأنْ] (7) كانت قيمةُ العبد مائة، وكاتبه على مائتين في الصحة، ثم أعتقه، والتفريع على قول التوقف: فإن اختار العبدُ تَعْجيز نفسه، سقطت النجوم، وعتَقَ من الرقبة ثُلثها على جهة اليقين.
وإن اختار المضيَّ في الكتابة، فلو أدى نصفَ الكتابة وهو مائة، عَتَق كلُّه بجهة الوصية والأداء، والسبب فيه أنه يحصل في يد الورثة مائة، فيجب أن يعتِق من
__________
(1) في الأصل: ثلث.
(2) في الأصل: ثلثه، وبحكم الإنشاء: أي بحكم الكتابة.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: المكاتبة.
(5) في الأصل: منه.
(6) في الأصل: وكان.
(7) زيادة من المحقق.

(10/459)


العبد خمسون، وإذا عَتِق منه خمسون وهو نصفه، سقط نصف الكتابة، ولا يبقى من النجوم إلا نصفُها، يبرأُ عن مائةٍ، تبعاً لعتق النصف، ويعتق النصفُ الثاني بأداء النصف.
وعند ذلك تنتظم عبارة مراسم الجبر، فنقول: عَتَقَ من العبد شيء، وتبعه من الكتابة مثلاه، فبقي في يد الورثة مائتان إلا شيئين، وهما ضعف التبرع، فنجبر ونقابل فتصير المائتان في مقابلة [أربعة أشياء، فالشيء ربع المائتين، وهو نصف العبد، فعلمنا أن الذي يعتِق نصفُ العبد، وأنه يسقط نصف النجوم] (1) ولا حاجة إلى هذا.
ولو أدى أقلَّ من مائةٍ، مثل أن يؤدي ستةً وستين وثلثي [درهم] (2)، فإنا نحكم بعتق ثلث المكاتَب؛ لأنه مثلُ نصف ما حصل في أيديهم.
ولو فرض من العبد تعجيز نفسه، لم يفتهم مقدارُ الثلثين؛ فإنه يحصل لهم ثلثا الرقبة، ويدهم الآن مبسوطة في مثل ثلثي الرقبة من النجوم.
7117 - وهذا المنتهى فيه غائلةٌ؛ فإن قائلاً لو قال: ثبّتم الحكمَ فيه إذا أدى المائة، وذكرتم نسبةً جاريةً فيه إذا أدى مثلَ ثلثي الرقبة، أرأيتم لو أدى أكثر من هذا أو (3) من النصف؟ قلنا: هاهنا وقفة لا بد من تأملها، وذلك أنا لو قلنا: يعتِق من العبد من نصف ما أداه، وقد أدى تسعين مثلاً، فلا نأمن أن يعجِّز العبدُ نفسَه، فتسقط النجوم، وتخرج عن كونها نجوماً، وتصير كسبَ عبدٍ رقيقٍ، وإذا كان كذلك، لم نُجِز الهَجْمَ (4) على اعتبار النسبة فيه، بل الوجه أن يقال: إن كان حصّل العبدُ المكاتَبُ
__________
(1) عبارة الأصل فيها خطأ حسابي، ونوع اضطراب، ونصها: "فيصير المائتان في مقابلة شيئين، فكل شيء مائة، ونصفه نصف المائهَ، وقد أعتقنا نصف شيء، فكان نصف العبد، ولا حاجة ... إلخ". والمثبت تصويب منا، مع عبارة الشرح الكبير: 7/ 245.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: وأقل.
(4) الهَجْم مصدر هَجَم المكان هجماً اقتحمه وهو يتعدى ويلزم (المعجم والمصباح، والقاموس، والمختار).

(10/460)


ما أداه في حياة مكاتِبه، فحكم ما أداه -وإن رَقّ- حكمُ التركة، فنقول: إذا أدى تسعين من كسبٍ حصّله في حياة السيد، فيعتِق من الرقبة خمسةٌ وأربعون لا محالة؛ فإن ما حصَل في أيديهم تركة، ولا [تُنزع] (1) من أيديهم بتعجيز المكاتَب نفسَه.
ولو اكتسب المكاتَب في استمرار الكتابة بعد موت المولى هذه التسعين وأداها، فلو عجّز المكاتَب نفسَه، فالذي يظهر في القياس [ ... ] (2) أن ما أداه يخرج عن كونه تركة بتعجيزه نفسَه؛ [فإنه] (3) استفاده ورقبتُه مملوكة للورثة. ثم [لم] (4) يستمر على الكتابة حتى تستتبع أكسابَه حالة الاكتساب وكانت رقبته للورثة، فالمؤدَّى إذاً لا يحتسب على الورثة؛ فإنه ليس من التركة، ولا يبقى إلا الرجوع إلى الرقبة نفسِها، حتى يقال: يعتِق ثلثُها ويرِق ثلثاها.
وإن قال قائل: لو عتَق المكاتَب، لكان الولاء للمولى [إشارةً] (5) إلى ما تقدم، حتى كأنه عتَقَ في حال حياته، فإذا رقَّ بعد وفاته، ينبغي أن ينقلب ما حصله بعد وفاته إلى تركة المولى، حتى تُؤدَّى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه بناء على [الرق] (6). وإذا انتظم هذا، انبنى عليه أنه محسوبٌ على الورثة؛ من جهة كونه محسوباً من التركة.
قلنا: هذا وإن كان يُخيل (7) عن بُعد، فالكسب حصل في ملك الورثة، فلا معنى لتقدم [الرق] (8)، والوجه إخراجه من التركة كما تقدم، فإنا لا ننكر كون المكاتَب مملوكاًَ للوارث، وأما الولاء فمن [ ... ] (9) المذهب، وسنذكر ترتيب الولاء
__________
(1) في الأصل: تبرع.
(2) بياض في الأصل لم نتكلف تقديره لاستقامة الكلام بدونه.
(3) في الأصل: فإن.
(4) في الأصل: "لو".
(5) في الأصل: أشار.
(6) في الأصل: الدين. والمعنى بناءً على تقدم الرق.
(7) يخيل: أي يصلح ويناسب أن يكون علة يربط بها الحكم. فالإخالة عند الأصوليين: هي المناسبة، وتسمى تخريج المناط أيضاً.
(8) في الأصل: الرقبة.
(9) بياض بالأصل ويبدو أن في الكلام خرماً.

(10/461)


وما يدّعى فيه، وليس بنا ضرورةٌ إلى الإسناد (1) في الكسب، بل كل كسبه لمن كان المكتسِب له إذا [عجّز] (2) المكاتب نفسه.
هذا تمام البيان في ذلك. وكل ذلك تفريعٌ على التوقف.
7118 - ولا امتناع من الإعتاق في شيء قبل الأداء؛ فإنا إذا قلنا: [بتنجيز] (3) العتق في مقدارٍ، فلا شك في انتجازه في الثلث، وإذا انتجز العتق في الثلث، سقطت الكتابة لا محالة (4).
فإن كانت النجوم مثلَ القيمة، فلو أدى الثلثين، عَتَق كلُّه، كما قدمناه في التفريع على القول الأول، فإن أدى نصف النجوم، أما الثلث، فقد نجز العتق فيه، وأما الزائد عليه، فحكمه يُتلقى من الغائلة التي ذكرناها في تعجيز المكاتَب نفسَه وفي تفصيل القول في وقت كسبه، فإن كان الكسب في حياة السيد، فهو تركة، فيجب إتمام العتق في مثل نصفه كما ذكرنا، وإن كان الكسب بعد موت المولى فلا [يُعتد] (5) بالزائد المؤدى مع [حكمنا] (6) أنه يخرج عن كونه تركة، ولا يحصل العتق بجهة الأداء، ما دام تبقى من وظيفة الكتابة شيء. هذا موضع التنبيه في المسألة.
7119 - ومما يتعلق بتمامها أن النجومَ إذا كانت أقلّ من قيمة [العبد، كأن] (7) كانت قيمةُ العبد مائةً، وقد كاتَبه على خمسين، فأعتقه في المرض، فحق الورثة أقل الأمرين؛ فإنهم إن تعلقوا بالرقبة، قيل لهم: للمكاتب أن يؤدي الخمسين، وإذا أدى
__________
(1) الإسناد: أن يثبت الحكم في الزمان المتأخر، ويرجع القهقهرى، حتى يحكم بثبوته في الزمان المتفدم، كالمغصوب فإنه يملكه الغاصب بأداء الضمان مستنداً إلى وقت الغصب (ر. كشاف اصطلاحات الفنون: مادة سند).
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: تنجيز.
(4) اي سقطت في هذا الثلث.
(5) في الأصل: ثقة بالزائد.
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) زيادة اقتضاها السياق.

(10/462)


عَتَق، وهذا [يعارض] (1) ما إذا كانت النجوم أكثر، فلا تعلق لهم بالنجوم؛ فإنّ للمكاتَب أن يعجِّز نفسه، وإذا فعل ذلك، سقطت النجوم، ولم يبق للورثة إلا [الثلثان] (2).
فنقول: لو أدّى المكاتبُ على خمسين ثلثي الخمسين، عَتَق كلُّه على المسلكين جميعاً، أما على قول الوقف، فيعتق مثلُ ثلث (3) العبد [فيبرأ عن ثلث النجوم، ثم إنه أدَّى ثلثي النجوم] (4)، وإذا بَرَأ عن ثلثٍ وأدى ثلثين، عَتَق كلُّه، ولا نظر إلى قيمة العبد لما ذكرناه من أنا لا نحتسب للورثة إلا أقل الأمرين.
وأما [عن] (5) قيمة العتق، فعَتَق ثُلُثُه في كل حساب، ويبرأ عن ثلث النجوم، فلا يبقى إلا الثلثان، فإذا أداها، عَتَق الكل، ثم كان ما يعتق عن جهة الوصية، فهو مستند إلى حالة الإعتاق، وكل ما يعتق بأداء النجوم، فهو حاصل مع أداء التمام.
وقد نجزت المسألة بما فيها.
ولو أوصى سيد المكاتَب بعتق مكاتَبه، وكانت الكتابة جاريةً في الصحة، فالوصية بالعتق بمثابة إنشاء العتق في مرض الموت في القواعد التي ذكرناها.
__________
(1) يعارض: أي يناظر ويساوي فالمعنى أنه كما لا يمكن للورثة أن يتعلقوا بالرقبة لأنها أكثر من النجوم هنا، فكذلك هناك لا يمكن لهم أن يتعلقوا بالنجوم لأنها أكثر من الرقبة.
(2) في الأصل: خمسون. والمراد بالثلثين ثلثا الرقبة أو ثلثا القيمة ستة وستون وثلثان.
(3) هنا اضطراب في السياق، وقد قدّرنا أن سببه تشويش في ترتيب نسخة الأصل، وهي نسخة وحيدة، فأخذنا في البحث والتتبع وقراءة النص حتى هدانا الله إلى مكان الخلل في ترتيب الأوراق، فينتقل السياق من هنا إلى ص177 ش، وليس إلى ص168 ش كما كان مستمراً.
(4) عبارة الأصل: "فيعتق مثل ثلث العبد، فإنه أدى ثلثي النجوم، فيبرأ عن ثلث النجوم، وإذا برأ ... إلخ" ففيها اضطراب بالتقديم والتأخير، والمثبت من عمل المحقق.
(5) في الأصل: على.

(10/463)


القول في المسائل الدائرة في النكاح والصداق والخلع والطلاق
7120 - مسائل في صداق الحرة [والزوج مريض] (1).
نقول في مقدمة المسائل: للمريض أن ينكح أربعاً وما دونهن، وله أن يتسرّى من شاء من جواريه، وله أن يشتريهنّ بأثمان أمثالهن، ويستولدهن. فإذا نكح امرأةً أو نسوةً، ولم يزد في حق واحدةٍ على مهر مثلها، ثبت الصداق من رأس [ماله] (2) كالديون جُمع (3).
وإن نكح المريض امرأةً وزاد على صداق مثلها، فالزيادةُ محاباةٌ، فإن استبلّ من مرضه، نفذت الزيادة، فإن مات من ذلك المرض، ورثته المرأةُ وبطلت (4) الزيادة؛ فإنها وصيةٌ لوارث، ولها ميراثُها ومهرُ مثلها.
ولو استمر المرض بالزوج وماتت المرأة، فقد خرجت عن كونها وارثة، والمحاباة وصية [لمن] (5) لا ترث، وكذلك لو كانت المنكوحة ممن لا ترث، كالذّمية تحت المسلم، [إذا] (6) أصدقها في مرض موته أكثر من مهر مثلها، وماتت المرأة قبله.
مثاله: إذا تزوجها في مرضه على صداق مائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون درهماً، ولم يكن للزوج مال غيرُ المائة، فإن مات الزوج قبلها، فلها مهر مثلها خمسون درهماً من رأس المال، والباقي وصية، ولا وصية لوارث.
وإن لم ترثه كما قدمنا التصوير، فلها بالوصية ثلث الباقي ستةَ عشرَ درهماً وثلثان، والباقي لورثته.
__________
(1) عبارة الأصل: "في صداق الحرة الزوج المريض".
(2) في الأصل: مال.
(3) في الأصل: جميع.
(4) في الأصل: بطلت (بدون الواو).
(5) في الأصل: أن لا ترث.
(6) في الأصل: فإذا.

(10/464)


وإن كانت [تركة] (1) الزوج سوى الصداق مائة درهم [فتخرج] (2) المحاباةُ لها بزوجها (3) من الثلث.
وإن لم يكن خلّف شيئاً سوى المائة التي جعلها صداقاً، وكان عليه عشرون ديناً: خمسون [لمهر] (4) المثل لا دفاع له، ويدفع عشرين من الخمسين الباقية إلى الدين، فيبقى ثلاثون درهماً، للمرأة ثُلثُها بالوصية، وذلك عشرة، والباقي لورثته.
فإن ماتت المرأة قبله، [ثم مات] (5) بعدها فالزوج (6) وارث لها، ولا مال لهما سوى الصداق ولا دين عليهما، دارت المسألة؛ لأن الزوج يرث منها ويزيد ماله بالميراث، وإذا زاد ماله، زادت وصيتها، فإذا زادت وصيتها، زاد ما يرجع إليه بالميراث منها.
وحساب المسألة أن نقول: لها صداق مثلها خمسون درهماً من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ويحصل مع المرأة خمسون درهماً وشيءٌ، ويرجع نصف ذلك إلى الزوج بالميراث، فيحصل مع ورثة الزوج خمسة وسبعون درهماً إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ المحاباة، فنجبر ونقابل، فيكون خمسة وسبعون درهماً في معادلة شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا [الخمسة والسبعين] (7) وذلك ثلاثون درهماً، وهي مقدار ما جاز من المحاباة، فيكون [لها] (8) عن مهر المثل وعن المحاباة ثمانون درهماً، ويبقى مع الزوج عشرون،
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) كذا. ولعلها: من زوجها. ثم سبب صحة المحاباة واضح؛ فإنها خمسون، والباقي بعد مهر
المثل مائة وخمسون، فلم تزد على الثلث.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: والزوج.
(7) في الأصل: الخمسة والتسعين.
(8) في الأصل: لهما.

(10/465)


ويرجع إليه بالميراث أربعون درهماً، فيجتمع مع ورثته ستون درهماً، وهي ضعف المحاباة.
فإن خلّفت المرأة ولداً أَوْ ولد ابنٍ، قلنا: لها مهر مثلها خمسون درهماً من رأس المال، ولها من المحاباة شيء، يقع مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ومع المرأة خمسون درهماً وشيء، يرجع رُبعه إلى الزوج، وذلك اثنا عشر درهماً ونصفُ درهم وربع شيء، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وستون درهماً ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء؛ وذلك يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون اثنان وستون درهماً ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، يصير الدرهم مائتين وخمسين، والأشياء أحد عشر، فنقسم العدد على الأشياء، فتخرج اثنان وعشرون درهماً وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وهذا مقدار المحاباة. فيجتمع لها بالمهر والمحاباة اثنان وسبعون درهماً وثمانية أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، ورجع إلى الزوج بالميراث ربع الذي حصل للمرأة، وذلك ثمانية عشر درهماً وجزءان من أحد عشر جزءاً من درهم، فيجتمع مع ورثته خمسةٌ وأربعون درهماً وخمسة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وهي ضعف المحاباة.
7121 - مسألة: إذا أصدق امرأته في مرضه مائة درهم ومهر مثلها خمسون درهماً، فماتت المرأة قبله، ثم مات الزوج وخلف مائةً سوى الصداق [جازت] (1) المحاباة [كاملة] (2) لأنها تخرج من الثلث.
وإن ترك (3) الزوج خمسين درهماً سوى الصداق، وتم لها أيضاً المحاباة، فتملك مهرها مائة، ويرجع نصفُها إلى الزوج، وهو خمسون بالميراث، فيجتمع مع ورثة الزوج مائة درهم، وهي ضعف الخمسين التي هي المحاباة.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) نرجع هنا ثانية إلى ص169 ش، جرياً مع السياق بصرف النظر عن تشويش الترتيب في أرقام الصفحات.

(10/466)


7122 - فإن كان لها ولد والتركة الزائدة خمسون كما ذكر، فطريق الحساب أن نقول: لها مهر المثل خمسون درهماً، ولها بالمحاباة شيء، فذلك خمسون وشيء، وبقي مع الزوج من الصداق خمسون إلا شيئاً، ورجع إليه من ميراث المرأة ربعُ خمسين وربع شيء، وهو اثنا عشر درهماً ونصفُ درهم وربعُ شيء، ومع ورثة الزوج خمسون درهماً تركة؛ فحصل مع ورثة الزوج مائة واثنا عشر درهماً ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون مائة واثني عشر درهماً ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، فيكون الدرهم أربعُ مائة وخمسون درهماً والأشياء أحدَ عشرَ، فنقسم الدراهم على الأشياء، فيخرج من القسمة نصيب الواحد أربعون درهماً وعشرة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم. هذا قيمة الشيء، وهو المحاباة، فجميع ما صح لها من مهر المثل والمحاباة تسعون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وبقي مع الزوج من المائة تسعة دراهم وجزءٌ من أحد عشر جزءاً من درهم، ومن التركة خمسون، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك اثنان وعشرون درهماً وثمانية (1) أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، فيجتمع مع ورثة الزوج أحدٌ وثمانون درهماً، [وتسعة] (2) أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وذلك ضعف المحاباة.
7123 - وإن لم يكن للزوج تركة، وكان عليه دين عشرون درهماً، كان للمرأة خمسون درهماً لمهر المثل، ولها بالمحاباة شيء، وبقي مع الزوج خمسون درهماً إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث من المرأة -إن لم يكن لها ولد ولا ولد ابن- خمسة وعشرون درهماً ونصف شيء، فاجتمع معه خمسة وسبعون درهماً إلا نصفَ شيء، فيقضي منها دينَه، وهو عشرون درهماً، تبقى خمسة وخمسون درهماً إلا نصفَ شيء، تعدل شيئين: ضعفَ المحاباة، وبعد الجبر والمقابلة يكون خمسة وخمسون درهماً في معادلة شيئين ونصف، والشيء خمسا الخمسة والخمسين، وذلك اثنان
__________
(1) في الأصل: من ثمانية أجزاء ... إلخ.
(2) في الأصل: "وسبعة".

(10/467)


وعشرون درهماً، وهي المحاباة، فجميع ما صح لها بالمهر [والمحاباة] (1) اثنان وسبعون درهماً، وبقي مع الزوج ثمانية وعشرون، ورجع إليه بالميراث نصف ما حصل للمرأة، وهو ستة وثلاثون درهماً، فاجتمع مع ورثة الزوج أربعة وستون قضينا منها دين الزوج، وهو عشرون درهماً، يبقى لهم أربعة وأربعون درهماً، وهو ضعف محاباة الزوج.
7124 - فإن كان للمرأة ولد، فلها مهر المثل خمسون درهماً وبالمحاباة شيء، وبقي مع الزوج خمسون إلا شيئاً، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك اثنا عشر درهماً ونصف درهم وربعُ شيء، فاجتمع له اثنان وستون درهماً ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء، [نقضي منها الدين، عشرين، فيبقى اثنان وأربعون درهماً ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء] (2)، تعدل شيئين، فنجبر ونقابل ونبسط، فتكون الدراهم مائة وسبعين والأشياء أحدَ عشرَ، فنقسم العدد على الأشياء، فيخرج من القسمة نصيب الواحد خمسةَ عشرَ درهماً وخمسةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، فذلك مقدار المحاباة النافذة، وجميع ما صح لها مهراً ومحاباةً خمسةٌ وستون درهماً وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وبقي مع الزوج أربعة وثلاثون درهماً وستة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، ورجع إليه بالميراث ربع ما حصل للمرأة، وذلك ستةَ عشرَ درهماً وأربعةُ أجزاء من أحد عشرَ جزءاً من درهم، يقضي منها دينه، وهو عشرون درهماً، يبقى مع ورثته ثلاثون درهماً وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم، وذلك ضعف محاباة الزوج.
7125 - فإن كان للزوج تركة وعليه دين قوبل أحدُهما بالآخر، فإن استويا فكأنْ لا تركة ولا دين، فإن اختلفا في المقدار، أسقطنا الأقل منهما من الأكثر، فما فضل بالاعتبار (3) على ما تقدمت نظائره في الأبواب السابقة.
7126 - مسألة: إذا أصدق في مرضه امرأةً مائةَ درهم، ومهرُ مثلها خمسون
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) زيادة من المحقق لن يستقيم الكلام إلا بها.
(3) بالاعتبار: أي بالقياس.

(10/468)


درهماً، وماتت المرأة وخلفت مائة درهم سوى الصداق، ثم مات الزوج، ولم يترك سوى ما ذكرناه، ثبتت المحاباة، فنقول ملكت بالصداق [مائة] (1) ولها مائةٌ سواها، فذلك مائتان، ورجع نصفُها إلى الزوج بالميراث، وذلك مائة، فيحصل لورثة الزوج مائة، وهي ضعف المحاباة؛ إذ المحاباة خمسون.
7127 - فإن ترك الزوج سوى الصداق عشرين درهماً، وتركت المرأة سوى الصداق ثلاثين درهماً، فنقول: لها مهر مثلها خمسون، ولها بالمحاباة شيء، ولها من التركة ثلاثون، فذلك ثمانون درهماً وشيء، يرجع نصفُها إلى الزوج بالميراث، وذلك أربعون درهماً ونصفُ شيء، وكان الباقي معه من الصداق خمسون إلا شيئاً ومن التركة عشرون درهماً، فزِد على ذلك ميراثَه من المرأة، فيجتمع مع ورثته مائةٌ وعشرة دراهم إلا نصف شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فتصير مائة وعشرة دراهم تعدل شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا المائة والعشرة، وذلك أربعة وأربعون درهماً، فهي المحاباة الجائزة، تأخذها المرأة مع مهر مثلها [تضمها] (2) إلى تركتها، فيجتمع لها مائة وأربعة وعشرون درهماً، ويرث الزوج نصفها، وذلك اثنان وستون درهماً، وكان الباقي معه ستة ومن التركة عشرون، فيجتمع للزوج ثمانية وثمانون درهماً، وهي ضعف المحاباة النافذة.
وإن كان على كل واحد منهما عشرون درهماً دَيْناً، ولا مال لهما سوى المائة الدائرة بينهما، فنقول: لها مهر المثل خمسون درهماً من رأس المال، وهو مقدم على الدين؛ لأنه صداق لازم، لا دفاع له، ولها بالمحاباة شيء، فتركتُها خمسون درهماً وشيء، ويخرج منها دينها، وهو عشرون درهماً، فيبقى ثلاثون درهماً وشيء، يرجع نصفها بالميراث إلى الزوج، وذلك خمسةَ عشرَ درهماً ونصفُ شيء، ونزيده على الباقي مع الزوج، وهو خمسون إلا شيئاً، فيبلغ خمسة وستين درهماً إلا نصفَ شيء، يخرج منها دينه وهو عشرون درهماً، يبقى منها خمسةٌ وأربعون درهماً إلا
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/469)


نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين، فنجبرهما بنصف شيء، فيبقى خمسة وأربعون درهماً في معادلة شيئين ونصف شيء، فالشيء خمسا الدراهم، وذلك ثمانيةَ عشرَ درهماً [وهي] (1) المحاباة النافذة، فتأخذها المرأة مع مهر مثلها، وهو خمسون، فذلك ثمانيةٌ وستون درهماً، يخرج منها دينها، وهو عشرون، يبقى ثمانيةٌ وأربعون درهماً، يرجع إلى الزوج نصفُها بالميراث، وذلك أربعةٌ وعشرون، وكان الباقي معه من المائة اثنان وثلاثون، فاجتمع معه ستة وخمسون، يخرج منها دينه، وذلك عشرون، يبقى لورثته ستةٌ وثلاثون، فهي ضعف المحاباة الخارجة.
7128 - مسألة: إذا أعتق رجلٌ جاريةً له في مرض موته، لا مال له غيرُها، وقيمتُها ألف درهم، ثم تزوجها ووطئها، ومهر مثلها خَمسُمائة درهم، قال الشافعي: "هذه المسألة يدخلها الدور"، ولم يزد على هذا، فقال الأصحاب: العتق جائز في مقدار ما يحتمله الثلث، على ما سنشرحه، ونسقط من المهر مقدارَ ما يبطل [فيه] (2) العتق، والنكاح فاسدٌ في الأصل؛ لأنه مالكٌ لبعضها.
وحساب المسألة أن نقول: جاز العتق في شيء من الأمة، وبطل في أمة إلا شيئاً، فيسقط منها للمهر نصفُ ما جاز العتق فيه، فإن المهر نصف القيمة، فإذاً [هو] (3) نصف شيء، يبقى أمةٌ إلا شيئاً ونصف، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فتكون أمة تعدل ثلاثة أشياء ونصف، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم، فتكون الأمة سبعة والشيء اثنين، فنقول: صح العتق في اثنين من سبعة، وهو سبعاها.
وسبيل الامتحان بيّن.
وفرض الحُسّابُ أن يكون مهرُها أكثرَ من قيمتها، وهو بعيدٌ في التصوير، ولكن نذكره؛ [فإن الغرض] (4) التدرّبُ في كل فن.
فإن كان مهرها ألفين وقيمتها ألف، فحساب المسألة أن نقول: جاز العتق في شيء
__________
(1) في الأصل: وفي.
(2) في الأصل: منه.
(3) في الأصل: هي. والضمير يعود على المهر.
(4) مكان بياضٍ في الأصل.

(10/470)


منها، ولزم شيئان من المهر، فبقي مع الورثة أمةٌ إلا ثلاثةَ أشياء؛ فإنا نحسب ما لزم من المهر منها، [فبقي أمة إلا] (1) ثلاثة أشياء تعدل شيئين، فنجبر ونقابل؛ فتصير الأمة في معادلة خمسة أشياء، فنقلب الاسم، فنقول: الأمة خمسة، والشيء واحد، وهو خمسها، فيعتق خمسها، والمسألة سديدة على الامتحان.
7129 - مسألة: للرجل أن يخالع امرأته في مرض الموت على أقلّ من مهر مثلها؛ إذْ له أن يطلقها بلا عوض، وهل للمرأة أن تتزوج في مرض موتها بأقلّ من مهر مثلها؟ فيه اختلاف مشهور، والذي نرى التفريعَ عليه الآن [أن] (2) للمرأة في مرضها ذلك (3)؛ فإن البُضع لا يبقى للورثة بعد الموت، فليس [موروثاً، ولكن] (4) ليس للمريض أن يزيد المرأةَ على مهر مثلها، وليس للمرأة أن تخالع نفسَها بأكثرَ من مهر المثل، وأيهما زاد على مهر المثل، كانت الزيادة منه محاباة.
7130 - فإذا ثبتت هذه المقدمة فلو اختلعت المرأة نفسها في مرض موتها بمائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون، ولا مال لهما غيرُه، ولم يُجز الورثة، فللزوج مهرُ مثلها خمسون درهماً من رأس المال، وله ثلث الباقي: ستة عشر درهماً وثلثان، [بالمحاباة] (5)، ولورثتها ثلاثة وثلاثون وثلث، فإن كان عليها عشرون درهماً ديناً، أخرجنا مهرَ المثل، وأخرجنا الدين يبقى للزوج ثُلثُ ما بقي بالمحاباة، ولا دورَ.
7131 - فإن اختلعت نفسها على مائةٍ ومهرُ مثلها أربعون، ثم إن الزوج عاد فتزوجها في مرضه على تلك المائة بعينها، ثم ماتا في مرضيهما، وتركت المرأة عشرةً غيرَ الصداق، ولم يترك الزوج شيئاً، فإن كان الزوج مات أولاً، بطلت محاباته للمرأة؛ لأنها ورثته، والوصية لمن يرث مردودةٌ، ويكون للزوج مهر المثل أربعون
__________
(1) في الأصل: وأمثالاً ثلاثة أشياء. والمثبت تصرف منا.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) قيد الرافعي والنووي ذلك بما إذا كان الزوج ليس وارثاً (ر. فتح العزيز: 7/ 231، والروضة: 6/ 284).
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) في الأصل: فالمحاباة.

(10/471)


درهماً من رأس المال، وله شيء بالمحاباة، [فجملة] (1) تركته أربعون درهماً
[وشيء، و] (2) للمرأة من ذلك بالنكاح الثاني أربعون درهماً مهر المثل من رأس المال، ولها ربع الباقي، وهو ربع شيء بالميراث، فيجتمع مع ورثتها مائة وعشرة دراهم إلا ثلاثة أرباع شيء، [تعدل شيئين] (3)، فنجبر ونقابل، فمائة وعشرة تعدل [شيئين وثلاثة أرباع] (4)، فالشيء أربعة أجزاء من أحدَ عشر جزءاً من [الدراهم] (5)، وذلك أربعون درهماً، وهو ما جازت المحاباة فيه، فيأخذ الزوج مهرَ المثل أربعين درهماً من رأس المال، وأربعين بالمحاباة، فذلك ثمانون درهماً، للمرأة من ذلك أربعون درهماً بمهر المثل في العقد الثاني، ولها ربع الباقي بالميراث، فيجتمع مع ورثتها ثمانون (6) درهماً ضعف محاباتها، ومع ورثة الزوج ثلاثون، ولم يكن من قِبله محاباةٌ صحيحة.
فإن ماتت المرأة قبل الزوج، ولم يترك غير المائة، بطلت محاباتها للزوج، وبطلت محاباة الزوج أيضاً؛ لأنه إنما أصدقها المائة بعينها، ولم يكن يملك منها إلا قدرَ مهر مثلها، فكأنه أصدقها ما يملك وما لا يملك. فقد نقول: في قولٍ يبطل المهر المسمّى ويرجع [الحكم] (7) إلى مهر المثل، فيجب لكل واحد منهما على صاحبه مهرُ المثل، ويتقاصان ذلك، ثم يرث الزوج نصف المائة عنها، فتكون لورثته.
7132 - وإن كان أصدقها في ذمته، فإنه يصح لها المحاباة، وحسابه أن المبلغ يصح في مهر المثل وهو أربعون درهماً، ولا [محاباة] (8) للزوج، ويرجع إلى المرأة
__________
(1) في الأصل: بجملة.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: شيء وثلاثة أرباع.
(5) في الأصل: "الدرهم".
(6) ثمانون درهماً: ثلاثون كانت بأيديهم بعد استحقاق الزوج، وأربعون مهر العقد الثاني،
وعشرة ربع الباقي ميراثاً.
(7) في الأصل: الحاكم.
(8) في الأصل: ولا محالة.

(10/472)


بصداقها [أربعون] (1)، ولها شيء بالمحاباة في ذمة الزوج، فتكون تركتها مائة درهم وشيء، يرث الزوج نصفها، وهو خمسون درهماً ونصفُ شيء، يخرج من ذلك ما عليه للمرأة بالمحاباة، وذلك شيء، يبقى لورثة الزوج خمسون درهماً إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين. فإذا جبرنا وقابلنا، فالشيء خُمسا الخمسين، وهو [عشرون] (2) فهي [المحاباة] (3) الجائزة، فلها بالمحاباة [عشرون] (4)، ويجب للزوج عليها مهر مثلها، ولها أيضاً عليه مهر مثلها بالنكاح [الثاني] (5) فيتقاصان، ويفضل لها عليه عشرون درهماً، وهي المحاباة، فتكون تركتها مع العشرين التي على الزوج مائة وعشرين، يرث الزوج نصفها [ستين] (6)، فيسقط عن الزوج ما عليه للمرأة وهو عشرون احتساباً من حصته على ما تقدم في العين والدين، فيبقى لورثته أربعون درهماً، ضعفُ محاباته.
7133 - ولو تزوجها في مرضه على [مائة] (7) ومهر مثلها خمسون، ودخل بها، ثم اختلعت نفسها في المرض على مائة، ولا مال لها غيره ولا نأمن من مرضيهما، ولم يُجز الورثة.
فحساب المسألة أن نقول: للمرأة خمسون وشيء، للزوج منها خمسون درهماً مهر المثل من رأس المال، وله ثلث الشيء بالمحاباة، ولورثتها ثلثا شيء، ولورثة الزوج باقي المائة، وهو مائة إلا ثلثي شيء، تعدل شيئين، فبعد الجبر [والمقابلة] (8) يكون مائة تعدل شيئين وثلثي شيء، فالشيء ثلاثة أثمان المائة، وهو [المحاباة الجائزة] (9) للمرأة تأخذها مع مهر المثل، ومبلغ الجميع سبعة وثمانون درهماً
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: العشرون.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة لتوضيح المعنى.
(6) في الأصل: شيئين.
(7) مكان بياض بالأصل.
(8) سقطت من الأصل.
(9) في الأصل: الجائزة للمحاباة.

(10/473)


ونصف، ثم يأخذ الزوج من ذلك مهرَ المثل: خمسين درهماً، ويأخذ ثلثَ الباقي بالمحاباة، وذلك اثنا عشر درهماً ونصف، ويبقى للورثة خمسة وعشرون درهماً، ولورثة الزوج خمسة وسبعون.
والدور في هذه المسألة إنما يقع في فريضة الزوج؛ لأنه خرج منه شيء ورجع إليه بعضُه، فزادت تركتُه، وزاد لأجل ذلك ما استحق عليه، ولا دور في فريضة المرأة؛ لأنه لم يعد إليها شيء مما خرج منها.
فإن تركت المرأة شيئاً غيرَ الصداق، فقد يتجه من طريق التقدير مسلكٌ يُغني عن الجبر، فنقول: يضم ثلث تركتها إلى المائة التي تركها الزوج، ثم نأخذ ثلاثة أثمان ذلك، كما ذكرنا في المسألة، فما كان، فهو مقدار المحاباة.
ولا فرق في هذه المسألة بين أن يموت الزوج قبل المرأة، أو المرأة قبل الزوج، لأنهما لا يتوارثان، وأيهما صحّ من مرضه، صحت محاباته كلها.
7134 - مسألة: إذا أصدق الرجل امرأته صداقاً صحيحاً، ثم إنها اختلعت نفسها بالصداق قبل المسيس، فهذه مسألة منعوتة في كتاب الخلع، [وتتعلّق بأصولٍ] (1) منها أقوال [تفريق] (2) الصفقة، والحصر والشيوع، والقول في أن ما يفسد من الصداق يرجع إلى بدله أو إلى مهر المثل، ونحن نريد أن نفرّع هذه المسألة في [فرضٍ] (3) حسابي، فالوجه تفريعها على أصح الأقوال وأظهر الأصول و [الأليق] (4) بما نحن فيه.
فالأصح قول الشيوع، وأن الرجوع إلى مهر المثل في القدر الفاسد من الصداق، واللائق بالأصل الذي نفرعه أن لا يبطل بالتفريق؛ فإن دوائر المحاباة مفرعة على أن التفريق لا يُبطل التصرف فيما صح إفراده.
هذا القدر كافٍ في فقه هذه المسألة، ومن أرادها مشروحةً في فقهها، فسيراها مشروحة في كتاب الخلع، إن شاء الله عز وجل، فنقول:
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل، قدرناه على ضوء السياق والمعنى.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: غرض.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.

(10/474)


7135 - إذا أصدق الرجل امرأةً مائة درهم، ومهرُ مثلها خمسون، وقد جرى العقد في المرض، ثم إنها اختلعت نفسَها بالصداق قبل المسيس والدخول، فالخلع قبل المسيس يتضمن [تشطير] (1) الصداق، فنعلم على الجملة أن المحاباة يخرج تمامها [من] (2) الأصل، بسبب أنا إذا قدرنا ثبوت المائة صداقاً، ثم يرجع نصف المائة [بالتشطير، فيقع نصفها] (3) عوضاً، فيحصل لورثة الزوج مائة لا محالة، والمحاباة خمسون (4).
7136 - ولو كان مهر مثلها اثنا عشر درهماً، وقد أصدقها الزوج المريض مائة درهم، ثم إنها اختلعت نفسها في المرض بصداقها، وذلك قبل المسيس، فحساب المسألة بالجبر أن نقول: للمرأة نصفُ مهر مثلها من رأس مال الزوج، وهو ستةُ دراهم، ولها شيء بالمحاباة، وإنما أثبتنا النصفَ لأنه لا فائدة في إثبات تمام المهر أولاً وإسقاطِ نصفه آخراً، فيثبت لها النصف في العمل، وإذا لم نقدم كمال المهر، عبَّرنا عما يسلم لها بالمحاباة بشيء؛ إذ لو قدرنا المهر كاملاً، لقلنا: لها اثنا عشر، والمحاباة شيء، ثم نُسقط نصفَ شيء، وهذا مزيد عملٍ، لا يُحتاج إليه، وشرط العمل بالجبر أن نفتتحه من موضعِ الخاجة. وإن قدرتَ اثني عشر درهماً وشيئاً، ثم
شطّرته، لم تخرج المسألةُ سديدةً.
فخذ نصف المهر، وعبّر عما يسلم لها بالمحاباة بشيء، وصاحب الجبر يعبّر عن المجهول الأول بالشيء، وإن كان نقصاً في حساب من يقدّره، ولهذا قلنا في مسائل الإقرار: إذا [أقرّ رجلان] (5) وقال كل واحد منهما: لفلان عليّ عشرة وربع ما على صاحبه. فإذا افتتحنا العمل، قلنا: على أحدهما عشرة وشيء، كذلك هاهنا نقول: للمرأة نصف مهر المثل ستة من رأس المال، ولها شيء بالمحاباة، فجميع تركتها ستةُ
__________
(1) في الأصل: شطر.
(2) في الأصل: في.
(3) عبارة الأصل: "بالشطر يرق نصفها".
(4) خالف في حساب هذه المسألة الأستاذ أبو منصور (راجع إن شئت، فتح العزيز: 7/ 232).
(5) في الأصل: إذا أشهد رجل.

(10/475)


دراهم وشيء، للزوج من ذلك مهرُ المثل اثنا عشر درهماً، نعني مقدارَ مهر المثل؛ فإنا لم نفسد المخالعة، وإنما ذكرنا هذا حتى لا يظن ظانٌّ أنا نفرع على إفساد بدل الخلع، والرجوع إلى مهر المثل؛ فإنا لو فعلنا هذا، لسقطت المحاباة في المخالعة، وليست ساقطةً، كما ذكرنا أنه سيأتي، إن شاء الله تعالى.
لكنا ذكرنا مهرَ المثل لأن هذا المقدار مستحقٌّ لا محاباة فيه، فهو محسوب من رأس تركتها، فإذا أخذنا اثني عشر درهماً من ستةٍ وشيء، فقد أخذنا الستة وستة من الشيء، يبقى معها شيء إلا ستةَ دراهم. ثم نقول: للزوج من ذلك ثُلثُه؛ فإن المحاباة في ثلث ما بقي بعد الدين صحيحة، وذلك إذاً ثُلثُ شيءٍ إلا درهمين؛ فإن جزء الشيء يأخذ حصته من الاستثناء، وإنما [أخرجنا حصتها ولم] (1) نصحح من الاستثناء؛ فإنه لا دور في جانبها؛ إذْ لا يعود إليها شيء، والدور إنما يأتي إذا كان يعود شيء إلى جنب تخريج (2) ووقع [الدور] (3) في جانب الرجوع عن المحاباة شيء لأن جا [نب الزوج] (4) يعود إليه بالخلع ما يخرج [بالإصداق] (5)، فإذاً لورثة المرأة ثلثا شيء إلا أربعة دراهم، ويحصل لورثة الزوج باقي المائة، وهو مائة وأربعة دراهم إلا ثلثي شيء. هكذا يخرج الحساب إذا جمعت ووافقت (6) الدراهم والاستثناء، والشيء الحاصل في [يد] (7) ورثة الزوج يعدل ضعف المحاباة، وهو شيئان، فإذا جبرناهما من الجانبين، صارت مائة وأربعة تعدل شيئين [وثلثي] (8) شيء؛ فالشيء ثلاثة أثمان مائة وأربعة، وهو تسعة وثلاثون درهماً، وهي الجائزة بالمحاباة لها في الإصداق.
__________
(1) في الأصل: خرجنا ثم نصحح.
(2) كذا. ولعل في الكلام سقطاً تقديره: إلى جنب تخريج المستحق.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) في الأصل: الإصداق.
(6) الواو زيادة من المحقق.
(7) زيادة من المحقق.
(8) في الأصل: وثلث.

(10/476)


فإذا امتحنت المسألة، صحت على الامتحان، فإنك تقول: المسمى صداقاً [قد سلم للمرأة منه] (1) ستة دراهم وشيء، وبان أن الشيء تسعةٌ وثلاثون، فالمجموع خمسة وأربعون، ثم لما اختلعت سلّمت إلى الزوج مما معها اثني عشر، فيبقى ثلاثةٌ وثلاثون، فنسلّم إلى الزوج ثُلثَ هذا الباقي وهو أحدَ عشرَ، فمجموع المأخوذ من [المرأة] (2) ثلاثة وعشرون، فنضمها إلى ما كان بقي للزوج من المائة، وهو خمسة وخمسون، فيصير المجموع [ثمانية وسبعين] (3) وهذا ضعف المحاباة؛ إذ كانت المحاباة تسعةً وثلاثين.
ونقول في جانب المرأة: أخذنا من الباقي وهو ثلاثة وثلاثون [الثلث] (4)، فاستمر حساب التثليث والمحاباة.
هذا ما ذكره الأستاذ [أبو منصور] (5) [وهذا] (6) طريقه في تقدير النسبة؛ وذلك أنه قال: ننظر إلى مهر المثل، فإذا هو اثنا عشر درهماً، فنأخذ ثلثه، ونضمه إلى المائة، فيكون المجموع مائة وأربعة، فنأخذ ثلاثة أثمان هذا المبلغ، وهي تسعة وثلاثون، فهي المحاباة المنفذة للمرأة في رأس المال، [فلها] (7) نصف مهر المثل وتسعةٌ وثلاثون درهماً بالمحاباة، وذلك خمسة وأربعون، فما بلغ خرج بالجبر.
هذا منتهى كلام الأستاذ أبي منصور رضي الله عنه.
7137 - وفي وضع المسألة زَلَلٌ واضح، وافتتاح القول وبيانه أن حق [مسلك الجبر في] (8) مثل هذه المسألة أن نبيّن بالمعادلات [مبلغَ المحاباة] (9) الأولى،
__________
(1) عبارة الأصل: وقد سلم منها.
(2) في الأصل: المراد.
(3) في الأصل: ثمانية وتسعين.
(4) في الأصل: وثلث.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: في هذا طريقه.
(7) زيادة اقتضاها السياق.
(8) في الأصل: "المسلك الجبر وفي".
(9) في الأصل: تبلغ بالمحاباة.

(10/477)


[ونفرِّعها] (1) نصفاً مما تبقى في يد الورثة، ثم يقع التصرفُ بعدُ، [وهذا] (2) المسلك الذي ذكرته [يؤدي] (3) إلى هذا؛ فإنه أبان فيما زعم مقدار ما يسلّم للمرأة بعد تقدير التشطّر.
والقول الجامع في هذا تقسيمٌ لا دفع له، وهو أن نقول: إن كان الشيء الذي أبهمه في وضع المسألة جميع المحاباة في عقد الإصداق، فينبغي أن يرجع نصفُه بحق الشطر إلى الزوج، وليس في عملنا ذلك، فإن كان ما سلم لها شطر المحاباة، فينبغي أن يكون ضعفُ هذا القدر كلَّ المحاباة، ثم يجب أن ينتظم على حسب هذا تعديلُ الثلث والثلثين، فإذا كانت المحاباة ثمانيةً وسبعين، لم يتسق في حسابٍ [تقرير] (4) ضعف ذلك في يد الورثة، فالمسألة محتملة فاسدة الوضع.
7138 - والوجه في افتتاح عملنا أن نقول: لما أصدقها المائة، ومهرُ مثلها اثنا عشر، فلها مهر مثلها بعد الإصداق، ولها شيء بالمحاباة، فيبقى في يد الزوج ثمانية وثمانون [إلا] (5) شيئاً، ثم يرجع نصفُ الصداق [بالخلع] (6) أو بالطلاق قبل المسيس إلى الزوج، وذلك ستة دراهم ونصفُ شيء، فيجتمع للزوج أربعةٌ وتسعون إلا نصفَ شيء، فإنه كان معنا استثناء الشيء، فلما ضممنا إليه نصفَ شيء، عاد الاستثناءإلى نصف شيء.
ثم نقول: يأخذ الزوج بحق العوض مما في يدها مهرَ مثلها، وفي يدها ستةٌ ونصف شيء، فيأخذ الستة وستةً أخرى من نصف شيء، فيبقى في يدها نصف شيء إلا ستة دراهم، وللزوج مما في يدها بعد أداء الدين ثُلُثُه، وهو سدس شيء إلا درهمين، فنضم الاثني عشر وثلثَ المحاباة إلى ما كان تجمع في يد الزوج، فتبلغ الدراهم أولاً مائةً وستة، ثم نضم سدس شيء فيه استثناء درهمين، فينقص درهمين من
__________
(1) في الأصل: وفرعها.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: تقدير.
(5) زيادة لا يستقيم الحساب إلا بها.
(6) زيادة من المحقق.

(10/478)


الدراهم [ومن نصف] (1) شيء سدس، فيضم الآن إلى حساب الشيء، وقد كان معنا استثناء نصف شيء، فيعود الاستثناء إلى ثلث شيء، فالحاصل مائة وأربعةٌ إلا ثلثَ شيء.
وهذا الآن يعدل ضعف المحاباة الأولى، وهي شيء، [وضعفها] (2) شيئان، فنجبر ونقابل، فتصير مائة وأربعة في معادلة شيئين وثلثَ [شيء] (3)، فنبسط الأشياء أثلاثاً، فتصير سبعة، ونكتفي بهذا القدر من البسط، فنعلم أن الشيء ثلاثة أسباع المائة والأربعة [وثلاثة] (4) أسباعها أربعةٌ وأربعون وأربعةُ أسباع. هذا قيمة الشيء.
ونعود فنقول: تأخذ المرأة أولاً من المائة اثني عشر: مهرَ مثلها من رأس المال، وتأخذ بالمحاباة أربعةً وأربعين وأربعةَ أسباع، والمجموع ستةٌ وخمسون وأربعةُ أسباع، ثم يسقط نصف ذلك بالتشطير، وهو ثمانية وعشرون وسبعان، فنضمه إلى ما كان بقي مع الزوج، ونقول بعده: يأخذ الزوج مما بقي في يد الزوجة اثني عشر: مهرَ مثلها من رأس المال، فيبقى ستةَ عشرَ وسبعان، ويأخذ أيضاً ثُلثَ ذلك، وهو خمسة وثلاثة أسباع، ومجموع هذا سبعةَ عشرَ وثلاثة أسباع، فنضم هذا أيضاً مع الشطر الذي قدمناه إلى ما كان بقي من المسألة، فيصير المبلغ [تسعةً وثمانين] (5) وسُبع، وقد صحت المسألة معدّلةً.
والامتحان فيها أن الشيء الذي كان فيها محاباة خرج بالعمل أنه أربعةٌ وأربعون وأربعةُ أسباع، وهذا مثل نصف التسعة والثمانين [والسبع] (6) الذي سلم لورثة الزوج بحساب الشطر، والعوض [المؤلف من] (7) مهر المثل وثلث المحاباة بعده.
ولا يكاد يخفى أن مقدار التبرع من عوض الخلع مثلُ نصف ما تبقى في يدها وذاك (8) لا عوض منه؛ فإنا أخذنا ثلثاً، ولا دور في جانبها، فلاح بمجموع ما ذكرناه
__________
(1) مكان كلمة غير مقروءة هكذا: فبكل. (انظر صورتها).
(2) في الأصل: وضعف.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: وثلث.
(5) في الأصل: سبعة وثمانين.
(6) في الأصل: والتسع.
(7) مكان كلمتين، الأولى غير مقروءة، والثانية (أن). (انظر صورتها).
(8) في الأصل: بدون الواو.

(10/479)


الحقُّ الذي لا إشكال فيه، واتضح وجهُ الخطأ فيما ذكره الأستاذ.
وإن أراد الناظر أن يُبيّن تفاوتَ ما أدى إليه المسلكان، قلنا له: الذي سلمه الأستاذ إليها من المحاباة تسعة وثلاثون، والذي سلم لها بما رأيناه اثنان وعشرون وسبعان.
7139 - مسألة: إذا تزوج المريض امرأة على صداق مائة درهم، ومهرُ مثلها عشرةُ دراهم، ثم ماتت المرأة قبله، وخلّفت عشرةَ دراهم سوى الصداق، فأوصت بثلث مالها، ثم مات الرجل. فحساب المسألة أن نقول: جاز للمرأة عشرةُ دراهم بمهر مثلها، ولها بالمحاباة في المهر شيء، ومعها من التركة عشرة دراهم، فجميع ما لَها عشرون درهماً وشيء، للموصى له ثُلثُها، وذلك ستة دراهم وثلثان وثلث شيء، وكان الباقي معه تسعون درهماً إلا شيئاً، ثم إنه [يرجع إليه بالميراث] (1) نصفُ ما بقي معها بعد الوصية، وهو ستة وثلثان وثلث شيء، فالجميع ستة وتسعون درهماً وثلثان إلا ثلثَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون ستة وتسعون درهماً وثلثان يعدل شيئين وثلثَ شيء، فنبسطهما أثلاثاً، فيصير العدد مائتين وتسعين والأشياءُ ثمانيةً، نقسم العدد على الأشياء، فتخرج ستةٌ وثلاثون درهماً وربع، فهذا قدر المحاباة، ولها عشرةُ دراهم بمهر المئل، فجميع [ما لَها] (2) ستة وأربعون درهماً وربع، وبقي مع الزوج ثلاثة وخمسون درهماً وثلاثةُ أرباع درهم، وقد أخذت المرأة ستةً وأربعين درهماً وربعَ درهم، وكان معها عشرةُ دراهم، فجميع مالِها ستةٌ وخمسون وربع، للموصى له ثلثها، وهو ثمانيةَ عشرَ وثلاثة أرباع درهم يبقى معها سبعة وثلاثون درهماً [ونصف] (3)، للزوج بالميراث نصفها، وهو ثمانيةُ عشرَ وثلاثةُ أرباع، فنزيدها على ما كان قد بقي معه، وذلك ثلاثةٌ وخمسون وثلاثةُ أرباع، فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وسبعون درهماً ونصف، وذلك ضعف محاباته التي هي ستة وثلاثون وربع.
...
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: "مهرها".
(3) زيادة من المحقق، لا يستقيم الحساب بدونها.

(10/480)


القول في مسائل دائرة في الجنايات والعفو وما يتعلق بها
7140 - مسألة: إذا جنى عبدٌ قيمته خمسةُ آلافٍ على حرٍّ، ورأينا تقويم [الأروش] (1)، فبلغت قيمتُها عشرةَ آلاف، وكانت الجناية خطأً، وانتهى المجروح إلى مرض الموت، فعفا المجنيُّ عليه عن العبد، وكان لا يملك شيئاً، فالعفو ينصرف إلى السيد وهو المعنيُّ به، فلا (2) يدخل في الوصية للقاتل. ثم إن للسيد تسليم العبد، فلا دور، فيصح العفو عن الثلث.
فإن قيل: هلاّ قلتم: نزل العفو على ثلث الدية، ثم إذا سلّم العبد، فرقبته تتعلّق بثلثي الدية، فلا يستفيد السيد بالعفو على [هذا] (3) التقدير شيئاً؟ قلنا: الغرض من هذا ومن تحقيق المسألة يستدعي تقديم أصلٍ، وهو أن العبد إذا جنى جنايةً، فإنه يتعلق أرشها بالرقبة -وكان الأرش مثلَ قيمة الرقبة، حتى لا نقع في اختلاف الأقوال فيما [يُفتدَى] (4) العبد به- فلو أبرأ المجنيُّ عليه [العبدَ] (5) عن ثلث حقّه، فظاهر المذهب وما أشعر به كلام الأئمة أنه تنفك ثلث الرقبة عن تعلّق الأرش، وليس ذلك كتعلق الدين بالرهن؛ فإن مستحق الدين لو استوفى معظمَ الدين إذا برأ عنه [المدين] (6)، فالمرهون يبقى موثقاً ببقية الدين، لا ينفك من ذلك شيء، والفرق أن وثيقةَ الرهن أُثبتت في الشرع لتوثيق كلِّ جزء من الدين بجميع الرهن، وتعلّقُ الأرش بالرقبة ليس في معنى وثيقةٍ على الحقيقة، وإنما حق مالية في رقبة العبد، وآية ذلك أنه ليس في ذمة السيد من الأرش شيء، فكان تعلّق الحق بملكه انبساطَ حق مالية
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: ولا.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: يتعدى.
(5) زيادة من المحقق.
(6) زيادة لإيضاح المعنى.

(10/481)


على الرقبة، وهذا يقتضي التقسيطَ، وعلى هذا لو أبرأ السيدَ [عن] (1) بعض الأرش، لزم منه انفكاكُ قدرٍ من الرقبة عن التعلّق به، صرح الأستاذ -فيما حكاه- بهذا.
وغالب ظنِّي أن من جعل تعلّق الأرش بالرقبة بمثابة تعلق الدين بالرهن. وهذا -إن كان، فخروجه- على قولنا: إن الأرش يتعلق بذمة العبد [ولا يتعلق] (2) برقبته، فقد يضاهي من هذا الوجه المرهونَ، وتعلّق الدين (3) به.
7141 - فإذا تمهد ما ذكرناه، قلنا: إذا سلّم مالك العبد العبدَ وقد ثبت إبراؤه، فالذي رأيناه للأصحاب وأهل الحساب أن إبراء المبرىء ينزل على ثلث الرقبة، ويسقط ارتباطُ حق الجناية به، وكذلك إذا أراد السيد أن يفديَه، وقلنا: إنه يفديه بأقلّ الأمرين، وكانت القيمة أقلَّ أو كانت مثل الأرش، فلا دور، والعفو نازلٌ على تخليص ثلث الرقبة، والسبب فيه أنه لا تعلّق لورثة المجني عليه المتوفَّى إلا هذا العبد، فلو لم يكن عفوٌ، لم نجد متعلَّقاً غيره، فإذا جرى العفو، [نزل] (4) على ثلث [العبد] (5).
يخرج ممّا ذكرناه أنه إذا سلّم العبدَ ليباع، لم تَدُر المسألة، وحُكم بسقوط الحق عن ثلث رقبته.
فإن أراد أن يفديَه، وقلنا: إنه يفديه بالأقل، فهو كما لو سلّمه، فلا تدور المسألة.
وإن فرعنا على أن السيد يفدي عبده بالأرش بالغاً ما بلغ، والأرش عشرة [آلاف] (6) وقيمة العبد خمسة آلاف، والتفريع على الوجه المشهور، المعتد به، وهو
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) مكان بياض قدر كلمتين.
(3) الصحيح في المذهب الوجه الأول. (ر. فتح العزيز: 7/ 233، والروضة: 6/ 286).
(4) في الأصل: يدل.
(5) في الأصل: التعلق.
(6) في الأصل: ألف.

(10/482)


أنا نفك عن الرقبة بقسط [الأرش] (1)، فالمسألة تدور.
7142 - وحسابها أن نقول: صح [العفو] (2) في شيء من العبد، وبطل في عبدٍ إلا شيئاً، يفديه صاحبه، فضعِّفه؛ لأن الدية ضعف القيمة، فنقول يفديه بعبدين إلا [شيئين] (3)، فيحصل مع [ورثة] (4) العافي عبدان إلا [شيئين] (5) يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيثبت عبدان في معادلة أربعة أشياء، ونقلب الاسم، فنقول: العبد أربعة، والشيء اثنان، والاثنان من الأربعة نصفها، فصحّ [العفو] (6) في نصف العبد وانفك، ويأخذ ورثة المقتول نصفَ الدية وهو خمسة آلاف (7)، والمنفك من العبد ألفان وخَمسُمائة، [فاعتدل] (8) الثلث والثلثان. ولو فككْنا العبدَ وغرّمنا السيدَ ثلثي الدية، لكان ما تبقى لورثة العافي أكثرَ مما جرى العفو فيه.
فهذا بيان الدور وسبيله.
7143 - ولو كانت قيمة العبد ألف درهم والدية عشرة آلاف وقد جرى العفو كما صورنا، فالوجه أن نقول: صح [العفو] (9) في شيء وبطل في عبد إلا شيئاً، وفدى السيدُ باقيَه، وهو عبدٌ إلا شيئاً بعشرة أمثاله؛ لأن الدية عشرةُ أمثال القيمة، فيكون عشرة أعبد إلا عشرة أشياء تعدل شيئين، فبعد الجبر وقلب الاسم يصير العبد اثني عشر، والشيء عشرة، وهو خمسة أسداس الاثني عشر، فيصح العفو في خمسة أسداس العبد، ويفدي السيد سدسه بسدس الدية، وهو ألف وستُّمائة وستة وستون
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: العقد.
(3) في الأصل: شيء.
(4) في الأصل: الورثة.
(5) في الأصل: شيء.
(6) في الأصل: العبد.
(7) في الأصل: ألف. والمنصوص عليه فيما رأيناه من كتب النحو أن الأعداد من 3 - 10 لا تضاف
إلا إلى جمع. (انظر ابن عقيل).
(8) في الأصل: فاعدل.
(9) في الأصل: العبد.

(10/483)


وثلثان، وهي ضعف الأسداس التي يصحّ فيها العفو.
وإن قلنا: إن الفداء يقع بأقلِّ الأمرين برىء ثلث العبد، وفدى [ثلثيه] (1) بثلثي قيمته، ولم يكن في المسألة دَورٌ.
7144 - ولو كانت قيمة العبد عشرة آلاف والدية [ثلاثة] (2) آلاف، [فإن] (3) اختار تسليمَ العبد، سلّم ثلثي العبد ليباع، وصح العفو في ثلثه.
وإن اختار الفداء، فإن قلنا: يلزمه أن يفديه بأقل الأمرين، لزمه أن يفديَ ثلثيه بثلثي قيمته.
وإن قلنا: الفداء يقع بالدية بكمالها، فحساب المسألة أن نقول: صح العفو في شيء من العبد، والسيد يفدي الباقي، وهو عبدٌ إلا شيئاَّ بَثلاثة أمثاله ومثلِ ثُلثه؛ فإن نسبة الدية كذلك تقع. ولكن لا بد من الاستثناء ليقع التضعيف، فيفدي عبداً إلا شيئاً بثلاثة أعبد إلا ثلاثة أشياء وثلث شيء، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يعدل ثلاثة أعبد وثلثُ عبدٍ خمسةَ أشياء وثلثَ شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم؛ فيكون العبد ستةَ عشرَ، والشيءُ عشرةً، وهو خمسة أثمانها، فيصح العفو في خمسة أثمان العبد، ويفدي ثلاثةَ أثمانه بثلاثة أثمان الدية، فما يبذله في الفداء مثل ثلاثة أثمان قيمة [الدية] (4)، وهو ضعف خمسة أثمان [العبد] (5).
7145 - ولو كانت قيمة العبد ستةَ آلاف واختار الفداء [وقلنا] (6) الفداء يقع بالدية؛
__________
(1) في الأصل: ثلث.
(2) في الأصل: عشرة آلاف. وقد أرهقنا هذا الخطأ الإرهاق كله، فظللنا نقلب امتحان المسألة على الأَوْجه الحسابية يوماً كاملاً ليل نهار، ولم تصح. فأخذنا نراجع العمل في إجراء المسألهَ، فنجده سليماً صحيحاً، وأخيراً هدانا الله إلى أن الخلل في وضع المسألة. وهذا نموذج واحد من آلاف النماذج لمعاناة التصحيح عن نسخةٍ وحيدة. والله وحده المستعان الموفق.
(3) في الأصل: وإن.
(4) في الأصل: قيمة ثلث وثلث.
(5) زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: أو قله (انظر صورتها).

(10/484)


فإن العفو يصح في شيء منه، ويفدي باقيه، وهو عبد إلا شيئاً بمثله ومثل [ثلثيه] (1) لأن الديةَ مثلُ القيمة، ومثلُ ثلثيها، فيحصل مع ورثة العافي عبدٌ وثلثا عبدٍ إلا شيئاً وثلثي شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر [والمقابلة يكون] (2) عبد وثلثا عبد يعدل ثلاثة أشياء وثلثي شيء، فنبسطهما أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبدُ أحدَ عشرَ والشيء خمسةً، فيصح العفو في خمسة أجزاء من أحد عشر جزءاً من العبد، ويبطل في ستة أجزاء [منه] (3)، ويفدي السيد الأجزاء بمثلها، ومثل ثلثيها، وذلك عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً [من العبد] (4)، وهي ضعف ما جاز العفو فيه.
وإن كانت قيمة العبد أحد عشر ألفاً والدية عشرة، فلا دَوْرَ، فإن المسألة إنما تدور إذا زاد الأرش على مبلغ القيمة، على قولنا يقع الفداء بالأرش بالغاً ما بلغ، فإن اختار سيدُ العبد الفداء، [فدى] (5) ثلثيه بثلثي الدية، وصح العفو في ثلث الرقبة. وإن اختار البيع، [سَلّمَ ثُلثيه فيباع منه] (6) بقدر ثلثي الدية.
7146 - مسألة: إذا جرت جنايةُ العبد والعفُو عنه، كما صورنا، وكان للعافي تركة، وكانت القيمة أقلَّ من الدية، فترك السيد ضعفَ القيمة، جاز العفو في جميعه، لأن السيد لو اختار التسليم، لم يكن للورثة غيرُ قيمته.
وإن ترك أقلَّ من ضعف قيمته، ضممنا تركتَه إلى قيمة العبد، [وحصل لسيد] (7) العبد ثُلث هذه الجملة، [فبرأ ذلك المقدار من العبد] (8).
7147 - وإن كانت القيمةُ أكثرَ من الدية، فاجمع الدية والتركة وقل: للسيد ثلثُ ذلك من العبد.
__________
(1) في الأصل: ثلثه.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: فيه.
(4) زيادة من المحقق.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) في الأصل: "وإن اختار البيع (فيباع سلم ثلثه أسباع فيه) بقدر ثلثي الدية".
(7) في الأصل: وجعل السيد العبد.
(8) عبارة الأصل: من العبد فبرأ ذلك المقدار.

(10/485)


المثال: إذا كانت قيمة العبد ثلاثين ألفاً، وتركةُ المقتول خمسة آلاف درهم، وقد عفا عنه، ضممنا تركتَه إلى ديته، والدّية كانت عشرة آلاف، [بقدر] (1) تقويم الإبل، فنضم التركة وهي خمسةُ آلاف إلى الدية وهي عشرة آلاف، فيكون خمسةَ عشرَ ألفاً، وإنما قدرنا هذا التقديرَ لأنه لا يستحق في رقبة العبد أكثر من الدية، [فيحصل لسيد] (2) العبدِ ثلث ذلك، وهو خمسة آلاف، وذلك نصف الدية [فيبرأ] (3) نصف العبد من نصف الدية، ويفدي السيد نصفَه بنصف الدية، أو يسلِّم نصفَه ليباع منه بمقدار نصف الدية، فيجتمع مع ورثة العافي عشرةُ آلاف، وهو ضعف ما جاز العفو فيه.
7148 - وإن ترك العافي عشرين ألفاً وقيمة ديته عشرة آلاف، جاز العفو في جميعه؛ لأنه خلّف لورثته ضعف ديته، وليس له في رقبته إلا مقدار الدية، فإذا عفا من الرقبة، فقد خلّف [مثلي] (4) الدية، وخرج (5) التبرع.
7149 - وإن كانت قيمته عشرة آلاف والدية مثلها، وترك العافي ألفَ درهم، فنضم الألف إلى عشرة الآلاف، فيكون المجموع أحدَ عشرَ ألفاً للسيد ثلثُها، وذلك ثلاثة آلاف وثلثا ألف، وهو ثلث العبد وثُلثُ عُشْرِ عبد، فيأخذ ورثة العافي الباقي من العبد، فيضيفونه إلى التركة، فيكون ضعفَ ما جاز العفو فيه.
7150 - فإن كانت قيمتُه [ألفاً] (6) والتركةُ ألفٌ، والديةُ عشرة آلاف، فإن اختار السيدُ التسليم، ضممنا التركة إلى القيمة، فيكون ألفي درهم، لسيد العبد ثلثها، وهو ستمائة وستة وستون وثلثان، فذلك مثل ثلثي العبد، فصح العفو في ثلثيه، ويسلّم ثُلثَه ليباع، فيحصل معهم ألفٌ وثلثُ ألف، وذلك ضعف ما جاز العفو فيه.
__________
(1) في الأصل: فنقدر.
(2) في الأصل: فيجعل السيد.
(3) في الأصل: فذلك.
(4) في الأصل: مثل.
(5) في الأصل: خرج (بدون واو).
(6) ساقطة من الأصل. وأثبتناها أخذاً من سياق المسألة.

(10/486)


وكذلك إن اختار الفداء، وقلنا: الفداء يقع بأقل الأمرين من الدية والقيمة.
وإن قلنا: الفداء يكون بالدية، فإنا نقول: صح العفو في شيء من العبد، ويفدي السيد باقيه بعشرة أمثاله، وذلك عشرة آلاف إلا عشرةَ أشياء، فنضمها إلى التركة، فيكون أحد عشر ألفاً إلا عشرةَ أشياء؛ فإن ألف التركة لا استثناء فيه، ويعدل شيئين، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون الفداء اثني عشر والشيء أحد عشر، فيصح العفو في أحدَ عشرَ جزءاً من اثني عشر جزءاَّ مَنه، ويفدي جزءاً واحداً بعشرة أمثاله، ومع ورثته ألف درهم، وهي بالسهام اثني عشر جزءاً، فيحصل في يد ورثة العافي اثنان وعشرون جزءاً ضعف ما جاز فيه العفو.
7151 - وإن كانت قيمته خمسة آلاف والدية عشرةُ آلاف، وترك خمسة آلاف (1)، واختار سيدُ العبد التسليمَ أو الفداء، وقلنا: الفداءُ بالأقل، فلا دور.
وطريق المسألة: أن نضم التركة إلى القيمة يكون عشرة آلاف، لسيد العبد منها ثلثها وذلك ثلاثة آلاف، وثلث ألف، يأخذها من عبده، وهي ثلثا العبد، ويدفع ثلثَ العبد ليباع في الجناية، أو يفديه بثلث القيمة.
وإن قلنا: الفداء يقع بالدية، واختار الفداءَ، وقع الدّور، ويصح العفُو في شيء من العبد، وبطل في عبد إلا شيئاً، ويفدي الباقي [بضعفه] (2)، فيكون عبدين إلا شيئين، ومعه في التركة عبد، فيكون ثلاثة أعبد إلا شيئين، إذ لا استثناء في التركة، فإذا جبرنا وقابلنا وقلبنا الاسم، كان العبد أربعةً، والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أرباعها؛ فيصح العفو في ثلاثة أرباع العبد، [ويفدي] (3) ربعَه، وذلك ألفٌ ومائتان وخمسون، يفديها بضعفها، وهو ألفان وخَمسُمائة، ثم نزيد عليها تركة العافي، وهي خمسة آلاف، فيكون مع الفداء سبعة آلاف وخَمسُمائة، وهي ضعف ما جاز العفو فيه؛ لأن العفو جاز في ثلاثة أرباع العبد، قيمتها ثلاثةُ آلاف وسَبعُمائة
__________
(1) في الأصل: وترك ألفاً في خمسة ألف.
(2) في الأصل: لضعفه.
(3) في الأصل: وتقدير.

(10/487)


وخمسون، وقد حصل مع ورثة العافي ضعفها.
فإن كانت قيمة العبد خمسة آلاف وترك العافي عشرةَ آلاف، صح العفو في جميع العبد، لأن قيمة العبد إذا ضمت إلى التركة، صارت ثُلثاً، فهو قدرٌ مقدّر.
[وإن] (1) اختار التسليم [لم] (2) يلزمه التسليم مع وفاء التركة، وإذا لم يلزم التسليم، لم يلزم الفداء؛ فإن لزوم الفداء إنما يجري إذا لزم التسليم، واختار (3) الفداء.
7152 - فإذا [لزم] (4) الفداء، فإن فرعنا على أنه حيث يفدي، يفدي بالأكثر، وهذا [تدور مسائله إن كانت القيمة أقلَّ من الدية أو أكثر منها، مثاله:] (5) فإن كانت قيمته ثلاثين ألفاً، ولم يكن للعافي تركة، ولكن كان عليه دينٌ أربعةُ آلاف درهم، فأسقط الدين من الدية وهي عشرة آلاف، يبقى منها ستة آلاف، يصح العفو في ثلثها، وهو ألفان، وذلك خُمسُ الدية، فَبَرأَ خُمس العبد من الجناية، ويفدي السيد أربعة أخماسه بأربعة أخماس الدية، وهي ثمانية آلاف، فيُقضى منها الدينُ، وهو أربعة آلاف ويبقى مع ورثة العافي أربعةُ آلاف: ضعفُ ما جاز العفو فيه.
وإن اختار السيد التسليم سلّم أربعة أخماسه ليباع منها بمقدار أربعة أخماس الدية، لا دور أصلاً؛ فإنه إنما يتوقع الدور حيث يدور [عند] (6) اختيار الفداء شرطَ أن يكون الفداء أكثرَ من مقدار قيمة المفدي، والقيمة في هذه المسألة أكثر.
والذي زدناه في هذه المسألة أنا حططنا مقدار الدين عن الدية أولاً، وإنما فعلنا ذلك، لأن العفو لا يجري في المستحق بالدين، وهو مقدم على الوصية، فرددنا الوصيةَ إلى ثلث ما تبقى [بعد] (7) مقدار الدين.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: ثم.
(3) في الأصل: فاختار.
(4) في الأصل: لم يلزم.
(5) زيادة اضطررنا إليها.
(6) في الأصل: عنه.
(7) في الأصل: بغير.

(10/488)


وإن كانت القيمةُ كما ذكرنا، والدين عشرة آلاف، فصاعداً، بطل العفو أصلاً، وفداه السيد بالدية، أو سلّمه ليباع [منه] (1) بمقدار الدية، فإن الدية مستغرقةٌ بالدين، فلا يبقى للعفو والوصية محل.
7153 - فإن كانت قيمته خمسة آلاف وعليه من الدين ألفان، واختار التسليم أو الفداء -وقلنا: الفداء يقع بأقل الأمرين- فأسقط الدينَ من قيمته، تبقى ثلاثة آلاف، للسيد ثلثها بالوصية، وهو ألف، وذلك خُمس العبد، فيصح العفو في خُمسه، ويسلم أربعةَ أخماسه [للبيع] (2) أو يفديَه بأربعة أخماس قيمته، [وهي] (3) أربعة آلاف، يُقضى منها الدين وهو ألفان، يبقى لورثة العافي ألفان، وهي ضعف ما جاز فيه العفو.
وإنما حطَطْنا الدينَ من مقدار القيمة، لأن الدين حقُّ الورثة لا يتعلق إلا بمقدار القيمة.
وإن قلنا: الفداء يقع بالدية، دارت المسألة؛ فإن الأرش أكثرُ من القيمة، فنقول: صح العفو في شيء منه، وبقي عبدٌ إلا شيئاً، فيفدي الباقي منه بضعفه، وهو عبدان إلا شيئين يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبد وثلاثة أخماس عبد يعدل أربعةَ أشياء.
وبيان ذلك أنا إذا انتهينا إلى معادلة عبدين إلا شيئين، نحط مقدار الدين [مما] (4) في جانب الورثة، فيبقى عبدٌ وثلاثة أخماس عبد إلا شيئين، تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يعدل عبدٌ وثلاثة أخماسِ عبدٍ أربعةَ أشياء، فنبسطهما أخماساً ونقلب الاسم، فيكون العبد عشرين، والشيء ثمانية، فيصح العفو في [خمسي] (5) العبد،
__________
(1) في الأصل: فيه.
(2) في الأصل: بالبيع.
(3) في الأصل: وبقي.
(4) في الأصل: ما في.
(5) في الأصل: خمس.

(10/489)


وفدى السيد باقيه وهو ثلاثة [أخماسه بضعفها] (1)، وهو ستة آلاف، فيُقضى منها الدين، وهو ألفان، يبقى مع الورثة أربعةُ آلاف. ضعفُ العفو.
7154 - مسألة: عبدٌ قيمته ألف درهم جرحَ رجلاً خطأً، فعفا عن الجناية وما يحدث منها، وأوصى لرجل بثلث ماله، ولا مال له غيرُ ما استحق من الدية.
فإن كان أرشُ الجناية قدرُ الدية، كقطع [اليدين مثلاً] (2)، بطلت الوصية بالثلث؛ لأن العفو يستغرق الثلث، وهو منجَّزٌ متقدِّم.
وإن كان أرشها أقلَّ من الدية كالموضحة (3) باليد [يُقدّم العفو عن] (4) الجاني في مقدار الأرش؛ فإنه منجّز، والعفو عطية في المرض ناجزة، فإن فضل من الثلث شيء، كان لصاحب الثلث.
وأما العفو عما (5) يحدث، ففي إجازته خلاف مشهور، سيأتي مستقصىً في كتاب الجراح، إن شاء الله تعالى.
7155 - وإن كان أرشُ الجناية ربعَ الدية، فعفا عنه، وعفا عما يحدث من جنايته، وأوصى لآخر بثلث ماله، فالسيد مقدَّمٌ بربع الدية، وقد بقي نصف سدس إلى قيمة الثلث، فنقول الآن: إذا صححنا العفو عما سيحدث، وفرضنا وصيةً، ففي تقديم العفو عما سيحدث احتمالٌ ظاهر، يجوز أن يقال: العفو عما سيحدث [مقدم] (6) على الوصية، فإنّا إذا صححناه، فقد نجزناه، حتى لو أراد مُطلِقه أن يستدركه، لم يجد إلى استدراكه سبيلاً، كالهبات المنجزة في الحياة، والرجوع عن الوصية ممكن بعد الوصية، وإذا دبّر عبدَه، فحكم لفظه تنْجيزُ العتق مع الموت، ولكن لما كان ملحقاً
__________
(1) في الأصل: ثلاثة ألف.
(2) زيادة من المحقق.
(3) الموضحة: هي الجرح الذي يبدي وَضَح العظم، وبهذا سميت موضحة. وفيها خمسٌ من الإبل (ر. روضة الطالبين: 9/ 262، وحلية الفقهاء: 196).
(4) زيادة مكان بياضٍ بالأصل.
(5) من أثر التشويش في ترتيب الصفحات الذي أشرنا إليه من قبل نعود إلى 168 ش.
(6) في الأصل: مقدمه.

(10/490)


بالوصايا يقبل الرجوعَ قبل حدوث ما يحدث، فلما لم [يمكن الرجوع عن العفو عما يحدث] (1)، دلّ ذلك على التحاقه بالمنجَّز من التبرعات.
ويجوز أن يقال: هو ملتحق بالوصايا، من جهة أن العفو وإن جرى لفظاً، فإنما يقع عند تقدير الموت؛ فإنّ من جوّز الإبراء [عما لم يحدث] (2) يستحيل [أن يقول بمنع الرجوع] (3)؛ فإن هذا خلاف الإبراء في معناه وصيغته، فمن هذا الوجه يقع الإبراء مع الموت، وتقع الوصية مع الموت، فيظهر التحاق الإبراء عما سيكون بالوصية.
وفي النفس شيء من الرجوع عن الإبراء المُنشأ في المرض عما سيكون؛ فإن المريض الواهب المقبض لا يرجع؛ لأنه لم يَبْنِ الهبةَ على الموت، والعفو عن الدية مبني [على] (4) الموت في وضعه كعتق [المدبَّر] (5)، فلا يبعد أن يثبت الرجوع فيه، فإن ثبت، لم يبق إشكال في التحاقه بالوصية، وإن لم يثبت الرجوع، فالتردد على ما وصفناه.
وإنما تصفو هذه المسألة إذا لم نفرض حدوث شيء قبل الموت؛ فإن ذلك لو فُرض، لكان واقعاً في الحياة، فيقدّم قطعاً على الوصية، فليقع الفرض فيه إذا عفا عما سيحدث، ثم لم [ينجّز] (6) [العفوَ مع] (7) أنه لها أرش، ولكنه مات.
وليقع التفريع بعد هذا التنبيه على ما ذكره الأستاذ من التحاق [العفو] (8) عما سيحدث بالوصايا.
7156 - فنقول: أما الربع، وهو أرش الجناية الواقعة، فالسيد مقدّمٌ، والعفو [منه] (9) صحيح عنه، ثم إذا صححنا العفو عما سيحدث، فقد عفا المجروح بهذه
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: من جوز الإبراء عالم نجز.
(3) في الأصل: أن يقال بمنع الوجوب.
(4) في الأصل: عن.
(5) في الأصل: الدين.
(6) في الأصل: يجز.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) منه: الضمير يعود على المجني عليه. وفي نسخة الأصل: (فيه) بدلاً منه.

(10/491)


الجملة عن [ربع] (1) الدية، واستوفى السيد الربعَ، فتبقى له ثلاثة أرباع، والموصى له بالثلث يضرب بالثلث؛ فإذا ردَّ الورثةُ الزيادةَ على الثلث، وقد استوفى السيد الربعَ بحق التقديم، [فالباقي من الدية] (2) إلى الثلث نصفُ سدس، فيضرب فيه السيد بثلاثة أرباع، ويضرب الموصى له بثلث [والأجزاء] (3) تعول من اثني عشرَ إلى ثلاثةَ عشرَ، فيأخذ السيد من نصف السدس تسعةً من ثلاثةَ عشرَ، ويأخذ الموصى له بالثلث أربعةً من ثلاثةَ عشرَ.
ولو لم يعفُ المجروح [منجَّزاً] (4)، ولكن أوصى بأن يُعفى عنه، وأوصى لإنسان بثلث ماله، فالوصيتان عند ردّ الورثة الزائدَ تنحصران في الثلث؛ فالسيد يضرب بكل [التركة] (5) وصاحب الثلث يضرب بثلثه؛ فإن السيد أُوصي له بكل التركة، وأوصى لآخر بثلث التركة، فيقع الثلث عائلاً، وتكون الأقسام في الثلث على هذه النسبة: للسيد ثلاثة أرباع الثلث، وهو ربع العبد، وربعه للموصى له بالثلث، ويسلّم السيد ثلاثة أرباع العبد ليباع في الجناية، أو يفديَه بثلاثة أرباع قيمته على قولٍ، ولا مال غيره، فيأخذ صاحبُ الثلث من ذلك ربعَ الثلث، ويبقى لورثة العافي ثلثا قيمة العبد.
ومن رأى الفداء بالدية، فقد تقع المسألة في تفاصيل أقدار القيمة والدية في المعادلات المقدّمة.
وسنعيد هذه الصورة وأمثالَها في نوادر أبواب الدور، إن شاء الله عز وجل.
7157 - مسألة: إذا قتل عبدان لرجلين رجلاً خطأً، وقيمةُ كل واحد منهما ألف درهم، [ودية] (6) المقتول عشرةُ آلاف، ولم يكن له مال غيرُ ديته، وعفا المجروح قبل زهوق النفس عن العبدين جميعاً، ورد الورثةُ الزيادة على محلّ الوصية، نُظر:
__________
(1) في الأصل: بيع الدية.
(2) تقديرٌ من المحقق مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: والآخر.
(4) في الأصل: متخيراً.
(5) في الأصل: الثلث.
(6) في الأصل: ورثة.

(10/492)


فإن اختار السيدان تسليم العبدين للبيع، دفع لكل واحد منهما ثلثي عبدِه، وصح العفو في ثلث كل عبدٍ؛ فإنه لا [تعلّق إلا بالعبدين] (1)، وكأنهما التركة، فإذا سُلّما، انتظم تسلُّم العفو في ثلث كل واحد منهما.
وإن [اختارا] (2) الفداء، ورأينا التفريع على أن [الفداء] (3) ببذل الأرش، فالوجه أن نقول: ينفذ العفو في شيء من كل واحد من العبدين، وسيدُه يفديه بخمسة أمثاله، يعني بخمسة أمثال الباقي بعد تنفيذ التبرع، وإنما راعينا هذه النسبة؛ فإن الدية مقسومةٌ في التعلق على العبدين، فيخص كلّ واحد منهما خمسةُ آلاف، وقيمة كل عبد ألفٌ، فنقول: يسقط بالعفو من كل عبد شيء، فيبقى عبدان إلا شيئين، ثم كل واحد من السيدين يفدي عبده بخمسة أعبد تقديراً إلا خمسة أشياء؛ فإن المفدي فيه استثناء، وإذا تضعف الفداء، كان تضعّفه على هذه النسبة أيضاً، فيحصل لورثة العافي من السيدين عشرة أعبد إلا عشرة أشياء، وذلك يعدل ضعفَ ما نفذ العفو فيه منهما، وقد نفذ العفو في شيئين منهما، فضعفهما أربعة أشياء، فنجبر ونقابل، ونقول: الأعبد العشرة المقدّرة نجبرها بعشرة أشياء، ونؤيد على عديلها مثلها، فتعدل عشرةُ أعبد أربعةَ عشرَ شيئاً، ثم نقلب الاسم، فيكون العبد أربعة عشر والشيء عشرة، وخرج منه أن كل عبد يُفرض أربعةَ عشر، وينفذُ العتقُ في عشرةٍ منه، والعشرة من الأربعة عشر خمسةُ أسباعها، فقد صح العفو في خمسة أسباع كل واحد منهما، ويفدي كلُّ سيّدٍ سُبعَيْ عبدِه بخمسة أمثالها، وهي عشرة أسباع، وذلك ضعفُ الخمسة الأسباع التي صح العفو فيها.
وإن اختار أحدهما [البيع] (4)، والآخر الفداء، والتفريع كله على الفداء بالأرش، فالمسألة تدور منها.
وإن كانا لو سلّما عبديهما، لم تدُرْ؛ من قِبل أن التصرف في تسليم [العبدين
__________
(1) في الأصل: يتعلق إلا العبد.
(2) في الأصل: اختار.
(3) فى الأصل: العادي.
(4) في الأصل: الربع.

(10/493)


يقع] (1) في القيمتين، ويتعين تقسيمهما ثلثاً وثلثين.
وإن اختارا الفداء بالأرش، وقد اختلف مقدار المبذول فداءً ومقدار قيمة العبدين [إذ] (2) زاد الفداء على القيمة، فالمسألة تدور.
7158 - وإذا فدى أحدُهما وسلّم الثاني، فمقدار التركة يختلف بفداء أحدهما، فتدور المسألة في حق المسلِّم، كما تدور في حق الفادي، والطريق أن نقول: نفذ العفو في شيء من عبد مَنْ سلّم العبدَ، وفي [شيء من] (3) عبد من فدى، فنقول: نفذ العفو في شيء من العبد المسلّم، ونفذ في شيء من المفدي، وفدى مولاه باقيه بخمسة أعبد إلا خمسة أشياء، فيجتمع لورثة العافي ستةُ أعبد إلا ستةَ أشياء: خمسةٌ أخذوها [فداءً، وأحدٌ] (4) هو العبد المسلّم، والأعبدُ الستة مع ما فيها من الاستثناء تعدل ضعفَ العفو، وهو أربعة أشياء، وبعد الجبر والمقابلة وقلب الاسم من الجانبين يكون العبد عشرة والشيء ستة، [فبان] (5) أن العفو نفذ في ثلاثة أخماسِ كلِّ واحدٍ منهما، ودفع المسلِّم [خُمسي عبده للبيع] (6)، وفدى الآخر [خُمسي عبده بخمسي] (7) نصف الدية، وخمسا نصف الدية ألفان، وخمسا العبد المسلّم أربعُمائة، [فيجتمع] (8) لورثة العافي ألفان وأربعُ مائة، وهي ضعف ما نفذ من العفو في العبدين.
7159 - وإن كانت قيمة أحدهما ألفاً، وقيمة الآخر ألفين وباقي المسألة كما تقدم.
فإن اختارا الدفع، دفع كلُّ واحد منهما ثلثي عبده، ونفذ العفو في ثُلثه؛ إذ
__________
(1) في الأصل: العبد يرتفع.
(2) في الأصل: "إن".
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: فداه وأخذ.
(5) في الأصل: فبين.
(6) في الأصل: خمس هذه البيع.
(7) في الأصل: خمس عبده بخمس.
(8) في الأصل: يجتمع.

(10/494)


لا متعلق إلا العبدان، ولا نظر في التسليم إلى [القيمة] (1)، فينفذ لا محالةَ العفو في ثلث كل واحد منهما.
وإن اختارا الفداء، والتفريع على أن الفداء بالأرش، فنقول: نفذ لسيد العبد الأَدْوَن [العفوُ في] (2) شيء، وفدى باقيه بخمسة أمثاله، وذلك خمسةُ أعبد إلا خمسةَ أشياء، وجاز [لمولى] (3) العبد الأرفع العفوُ في شيئين؛ فإن عبده ضعفُ العبد الأدون، وفدى باقيه بخمسة أعبد إلا خمسةَ أشياء، فاجتمع لورثة العافي عشرةُ أعبد إلا عشرة أشياء تعدل ضعف [العفو] (4)، وهو ستة أشياء؛ [فإنا] (5) قدَّرنا العفوَ ثلاثةَ أشياء: شيئاً من الأدون [وشيئين] (6) من الأرفع، فنجبر ونقابل، فتصير عشرةُ أعبد في معادلة ستةَ عشرَ، فنقلب الاسم ونجعل العبد ستَّةَ عشرَ والشيءَ عشرة، فينفذ العفو في عشرة من ستةَ عشرَ من كل عبد، فهو خمسةُ أثمان كل عبد، ويفدي مولى الأدْون ثلاثةَ أثمان عبده بثلاثة أثمان نصف الدية. ويفدي مولى العبد الأرفع ثلاثة أثمان عبده بثلاثة أثمان نصف الدية.
7160 - وفي هذه المسألة لطيفة بديعة، تُخيِّل إلى الناظر خبلاً وإشكالاً، ونحن نذكر وجه التخيل، ثم نبيّن تقويمَ المسألة، فنقول: قد ذكرنا في ابتداء وضع المسألة أن العفو ينفذ في شيء من العبد الأدْون، ثم قلنا: إنه ينفذ [في] (7) شيئين من الأرفع، وعلّلنا ذلك بتضعيف قيمة الأرفع، ثم قلنا: في منزلة الفداء: يفدي مولى الأدْون ما بقي من عبده بخمسة أعبدٍ إلا خمسةَ أشياء، ويفدي صاحبُ العبد الأرفع ما بقي من عبده بخمسة أعبد إلا خمسة أشياء، وكان [النظر إلى] (8) العبارات الجبرية يقتضي أن
__________
(1) في الأصل: بالدية.
(2) في الأصل: بالعبد شيء، وفدى ... إلخ.
(3) في الأصل: المولى.
(4) في الأصل: العبد.
(5) في الأصل: فإذا.
(6) في الأصل: وشيئاً.
(7) في الأصل: من.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/495)


نقول: صاحب العبد الأرفع يفدي ما بقي من عبده بخمسة أعبد إلا عشرةَ أشياء؛ فإن كلَّ واحد من المالكين حقه أن يفدي ما بقي من عبده مع رعاية حساب التضعيف، وقد بقي من العبد الأدْون عبدٌ إلا شيئاً [وخمسة أثمانه خمسة] (1) أعبد إلا خمسة أشياء.
وقياس هذا أن العبدَ الأرفع إذا [بقي منه] (2) عبدٌ إلا شيئين، [فخمسة أثمانه] (3) خمسة أعبد إلا عشرةَ أشياء، ولو قدرتَ نقصان عشرة أشياء [من] (4) هذا العبد الأرفع، لم ينتظم الحساب، ولم تعتدل الأقسام أجزاءً، وسر الفصل أن العفو ينبسط على العبدين على نسبةٍ واحدةٍ في الجزئية، وكل واحدٍ منهما يتعلق به نصف الدية، ومهما نفذ العفو في العبد، نزل على رقبته، فإذا نزل على رقبتي العبدين استويا في الجزئية قطعاً كما لو [سُلِّما] (5) في البيع؛ فإن العفو ينزل على [ثلث] (6) رقبة [كلٍّ] (7) منهما، ثم تتفاوت القيمة؛ فإن ذلك ينقص من التركة. ولو لم نتعرض له، لم يصح حساب التعديل في الأجزاء، ولمّا انتهى إلى الفداء، فالفداء يقع على الأجزاء، وأجزاء الدية على العبدين على وتيرةٍ واحدة، فاضطر في مسلك الجبر إلى التفاوت (8) فيما ينفذ التبرع [فيه] (9)، ولما آل إلى الفداء والفداء منزل على العبدين وأجزائهما على قدر واحد، فكان الفداء في العبد الأرفع كالفداء في العبد الأَدْون.
هذا ما ذكره الأستاذ. وقد أنهينا نهايته، وذكرنا أقصى الإمكان في تقدير ما تخيّله.
وفيه غلطٌ ظاهر لايليق بمنصبه أن يعتمده، وهو محمول على هفواته.
__________
(1) مكان خللٍ في الأصل هكذا [وخُمسه أشياء وخمسة أعبد ... ].
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) في الأصل: وخمسة أضعاف خمسة أعبد إلا عشرة أشياء ...
(4) في الأصل: في.
(5) في الأصل: سلمنا.
(6) في الأصل: ثلاثة.
(7) ساقطة من الأصل.
(8) في الأصل: إلى كل التفاوت.
(9) في الأصل: منه.

(10/496)


7161 - وبيانه على الجملة أن [فرض المسألة أن] (1) العبدين مختلفان: قيمةُ أحدهما ألف، وقيمةُ الثاني ألفان، وإذا اختلفت القيمتان، اختلفت النسبة، بحسب اختلافهما، فالذي [يصرفه] (2) مالك العبد القليل القيمة بعد تقدير العفو في بعضه يناسب ما بقي من قيمة العبد على قدر تنبيه الحساب.
[والذي يصرفه] (3) مالك العبد الكثير [القيمة] (4) من الأرش يناسب ما بقي على وجهٍ آخر، كما سنوضحه في ذكر وجه الصواب.
وبالجملة لا ينبغي أن يشك ذو عقل في أن عبداً قيمته ألف لو جنى وفُرض العفو والفداءُ تفريعاً على الأرش، فاقتضى تعديل الحساب فيه نسبةً، فلو فُرض عبدٌ آخر أرفع أو أدون وجنى، فتلك الجناية لا تغيّر حساب الفداء الأول، بل وجه الصواب أن يفرد كلُّ عبدٍ بحسابه، ويُجعلَ كأنه الجاني، ونطرد بطريق الحساب في القدر الذي يلزمه من الدية، ثم كل حسابٍ في عبدٍ إذا عُدِّل، استقام على الثلث والثلثين، وإذا كان كذلك، فالمجموع يعدَّل على هذا. ولكن تختلف نسبة الأجزاء في كل عبد، وهذا لا يقدح في حق الورثة.
فنقول: إذا جنى العبد الذي قيمته ألف، فالأرش المتعلق به خمسةُ أمثاله، فنفتتح الجبر، ونقول: صح العفو في شيء منه، وبطل في عبد إلا شيئاً، فإذا فداه مولاه، قلنا له: الأرش عليه خمسةُ أمثاله، فافد باقيه بخمسة أمثاله، فيفديه بخمسة أعبد إلا خمسةَ أشياء، وهي تعدل شيئين ضعف العبد، فنجبر ونقابل، فيعادل خمسة أعبد سبعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، ونجعل العبد سبعةً، والشيء خمسة، ونقول: جرى العفو صحيحاً في خمسة أسباع هذا العبد، وفدى السيد سبعيه بخمسة أمثالها من الدية؛ إذ النسبة كذلك بين الأرش وبين القيمة، وخمسة أمثال السبعين عشرة أسباع وهي ضعف خمشة أسباع، فاعتدل هذا الحساب.
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: يعرفه.
(3) في الأصل: الذي يعرفه مالك العبد ...
(4) زيادة اقتضاها السياق.

(10/497)


ثم نعود ونقول العبد الكثير القيمة، وهو الذي قيمته ألفان تعلق برقبته خمسة آلاف، ونسبتها من قيمته أنها مثلا القيمة ومثلُ نصفها، أو ضعفُ القيمة ومثلِ نصفها. ونبتدىء الجبر، ونقول: صح العفو في شيء، وبطل في عبد إلا شيئاً وعلى السيد على قول الفداء بالأرش أن يفدي ما بقي بالنسبة التي وضعناها بين الأرش التام والقيمة الكاملة، والنسبة [بينهما] (1) ما تقدم ذكره، فنفدي عبداً إلا شيئاً بعبدين ونصف عبدٍ إلا شيئين ونصف شيء، وهذا يعدل ضعف العفو، وهو شيئان، فنجبر ونقابل، فيقع عبدان ونصفُ عبد، في مقابلة أربعة أشياء ونصف شيء، ونبسط ما في الجانبين أنصافاً، فتصير الأشياء تسعة والعبد خمسة، ثم نقلب العبارة، فيصير العبد تسعة والشيء خمسة، ونقول: [نفذَ] (2) العفو على خمسة أتساع العبد، وفدى السيد أربعة أتساعٍ بمثله ومثلِ نصفه. ومثلا الأربعة ومثل نصفها عشرة، والعشرة تقع ضعفَ الخمسة، فقد اعتدل هذا الحساب على نسبة الأتساع.
وهذا التفاوت لا بدّ منه لتفاوت القيمتين، وأبان هذا التفاوت تفاوتاً بين الأرش والقيمة؛ إذ نسبة الأجزاء كنسبة الكل. فإذا كان الأرش على نسبةٍ من القيمة، وكل جزء من الأرش على مثل تلك النسبة من الجزء الذي يماثله من القيمة، فهذا وجه الصواب، لا شك فيه.
7162 - مسألة: إذا جنى عبدان على حُرٍّ خطأً قيمةُ كلِّ واحد منهما ألفٌ، والدية قيمتها عشرة آلاف، كما صورناها في المسائل، فعفا المجروح في مرضه عنهما، ثم مات أحد العبدين، وقد بقي العبد الثاني، فقد ذكر الأستاذ جوابين عن الأصحاب في هذه المسألة: فقال في أحدهما: - إنه لا يحتسب بالميت وما جرى فيه من عفو، ولا يحتسب في حساب الورثة، [ويقدَّر] (3) كأنه لم يكن، وكأن العبدَ القائم انفرد [بالتزام] (4) أرشها خمسة آلاف، وقيمته ألف، ثم حكى ذلك إذا جرى العفو ولا تركة
__________
(1) في الأصل: عنهما.
(2) في الأصل: بذل.
(3) في الأصل: ويفدى.
(4) مكان كلمة غير مقروءة، رسمت هكذا: كتابه. (انظر صورتها).

(10/498)


إلا خمسة الآلاف المتعلقة بالرقبة، وأن (1) السيد [إن] (2) اختار تسليمَ العبد، [فقد صح] (3) العفو في ثلثه، وسلّم ثلثيه للبيع. وإن اختار الفداء بالأرش، ففداء [ثلثيه بثلثي] (4) نصف الدية. هذا مقتضى الحساب إذا انفرد العبد بالتزام هذا القدر من الأرش، ثم جرى العفو عن جميع ما التزمه.
هذا جوابٌ.
والجواب الثاني: أنه يُحتسب بما خص العبدَ الذي مات من العفو، وإذا احتسبنا بذاك، اقتصر حسابُه [على] (5) تبعيض العفو في حق العبد الحيّ، فإنا نقول: يجوز العفو في شيئين من العبدين، ثم قد فات تحصيل التركة من العبد الذي مات، فيحصّل من العبد الباقي ما يقع ضعفاً [لما نفذ من الميت والحي] (6)، سواءٌ سُلّم الحي [للبيع] (7) أو فداه مولاه.
فإن سلّمه مولاه، قلنا: هذا العبد الحيّ [إلا شيئاً معادل] (8) لأربعة أشياء، ضعفِ العفو في العبدين، ثم بعد الجبر وقلب الاسم يكون الشيء خُمس العبد، ويصحّ العفو في خمس كلِّ واحدٍ منهما، ويدفع صاحب العبد الحيّ أربعة أخماس عبده، وهو ضعف الخُمسين اللَذيْن صح العفو فيهما من العبدين.
هذا معنى هذا الجواب إذا أراد مالك العبد الحي [تسليمه للبيع] (9).
وإن اختار مالك [العبد] (10) الفداء فدى باقيه وهو عبد إلا شيئاً بخمسة أمثاله،
__________
(1) في الأصل: "أن" بدون واو.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: سبعيه بسبعي نصف الدية.
(5) زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: لما فقدم الميت والحي سواء ... إلخ (انظر صورتها).
(7) في الأصل: السبع.
(8) مكان كلمة لما نستطع قراءتها كاملة، رسمت هكذا: (لانتسبابه) انظر صورتها.
(9) في الأصل: تسليم البيع.
(10) زيادة من المحقق.

(10/499)


وذلك خمسة أعبدٍ إلا خمسةَ أشياء، تعدل أربعة أشياء، فبعد الجبر وقلب الاسم، يكون الشيء خمسة [أتساع] (1) العبد، فيصح العفو في خمسة أتساع كل واحد منهما، ويفدي مولى العبد الثاني أربعة أتساعه بأربعة أتساع نصف الدية، فيقع ذلك ضعفَ الخمسة أتساع كل واحد من العبدين؛ فإنا نقدر كل ألف من الآلاف الخمسة تسعة، فمجموعها خمسة وأربعون، ثم نأخذ أربعة أتساعها، وهو عشرون، والعشرون من الأتساع إذا أُلِّفت، كانت ألفين وتُسْعَين، وقد صححنا العفو في خمسة أتساعٍ من كل عبد، ومجموعها عشرة أتساع، وهي [تساوي أربعة أتساع نصف الدية] (2) وما قدمناه: ألفان وتُسعان.
هذا بيان الوجهين. توجيههما: من قال بالوجه الأخير، احتج بأن عفوه قد جرى في العبد، ثم لم يحصل الورثةُ إلا على ما حصل من جهة العبد الحيّ [تسليماً] (3) أو فداء، فينبغي أن يبقى للورثة ضعف [العفو] (4) النافذ في العبدين.
ومن لم يدخل العفو عن العبد [الذي مات] (5) في الحساب، احتج بأن فائدة [العفو] (6) ترجع إلى السيد، وهو [المعفو] (7) عنه في الحقيقة، ولذلك قلنا: العفو صحيح وإن كنا نمنع للوصية للقاتل، والعبد قاتل، وإذا مات العبد قبل الفداء، وقبل استقراره بالامتناع عن بيعه، فلا يجب على السيد شيء، ونتبيّن بالأََخرة أن ذلك العفو لم يصح في أصله، فلا معنى للاعتداد وإدخاله في الحساب.
هذا بيان الجوابين وتوجيههما.
7163 - مسألة: إذا جنى عبدان خطأً على حُرٍّ، وقيمة أحدهما ألفٌ وقيمة الآخر
__________
(1) في الأصل: أسباع.
(2) مكان بياضٍ بلأصل.
(3) في الأصل: سليماً.
(4) في الأصل: "العبد"0
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: العبد.
(7) في الأصل: العفو.

(10/500)


عشرة آلاف، فلو عفا عن الأدْون دون الأرفع، فصاحب العبد الأرفع إن اختار التسليم، باع نصفَ عبده، وصرف الثمن إلى الأرش، ثم العفو في الأدون، فإنا نُصيِّر قيمةَ الأَدْون [عفواً كلَّها] (1)، والذي حصل للورثة من العبد الأرفع أكثر من ضعف قيمة الأدون.
فإن عفا عن الأرفع دون الأدْون، فصاحب العبد الأدْون إن اختار تسليمه، سلّمه إلى البيع، فإن العفو لم يتناوله، وصاحب العبد الأرفع يدفع ثلاثة أعشار عبده، [إن] (2) اختار التسليم؛ فإن ثلاثة أعشار الأرفع ثلاثة آلاف، فإذا ضممنا إليها العبدَ الأدْون الذي لم ينله العفو، صار أربعة آلاف، وقد صح العفو عن ألفين من الأرش المتعلق بالأرفع، فإنه كان تعلق به خمسةُ آلاف، وسقط عنه الآن [تعلّق قيمة الأدْون] (3)، والحاصل في يد الورثة من ثلاثة أعشار العبد الأرفع، وكل قيمة الأدون ضعفُ ما سقط من الأرش.
فإن اختار صاحب الأرفع الفداء، فداه بثلاثة أخماس نصف الدية، وهو ثلاثة آلاف، وينتظم الحساب كما ذكرناه. والطريق فيه أن نضم قيمةَ الأدون إلى نصف الدية الواجبة على مولى الأرفع، فيكون ستة آلاف، ويسقط عن مولى الأرفع ثلث ذلك، وهو ألفا درهم، ويؤدي ثلاثة آلاف، لتنضم إلى قيمة الأدْون.
7164 - مسألة: لو قتل عبدٌ رجلين خطأً، فلكل واحد منهما في رقبته الدية، فإن اختار السيد التسليم والدفعَ، بيع العبد وتوزعت قيمته على الديتين نصفين.
وإن اختار الفداء، وقلنا: [الفداء] (4) بالقيمة، أُلزم قيمةً واحدة.
وإن فرعنا على الفداء بالأرش [أُلزم] (5) ديتين كاملتين.
فإن عفا أحدهما عنه في مرضه، فقد حُكي عن ابن سريج أنه قال: يدفع إلى ورثة
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: فإن.
(3) في الأصل: تعليق القيمة.
(4) في الأصل: العبد.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/501)


العافي ثلثا نصفه، وإلى الآخر الذي لم يعفُ نصفَه كاملاً؛ كأنه رأى نصفَ العبد متعلّقاً بأحدهما والنصف متعلقاً بالثاني.
ثم ينبني على ذلك تنفيذُ عفو العافي في ثلث محل حقه وبقاء [أثلثي] (1) حقِّه لورثته.
قال الأستاذ: هذا غير مستقيم على مذهب الشافعي، ومذهبه أن دية كل واحد من القتيلين تتعلق بجميع العبد [مع] (2) الآخر، وإذا كان كذلك، فعفو أحدهما استفاد منه [السيد ثلثَ] (3) الدية، فيبقى للورثة المزاحمة بثلثي الدية، ولورثة الذي لم يعف المزاحمة بتمام الدية، فيقع التضارب على هذه النسبة: يضرب ورثةُ من لم يعف بديةٍ تامة، ويضرب ورثة من عفا بثلثي الدية، فينقسم العبد على خمسة أسهم، لورثة العافي منها الخمسان، ولورثة الآخر ثلاثة أخماس.
مسائل دائرة تتركب من العفو عن الجناية والعتق في العبد وما يتصل بذلك
7165 - مسألة: إذا أعتق عبداً لا مال له غيرُه في مرضه، ثم قتله، ومات ذلك العبد المعتَق، ومات [بعده] (4) مولاه.
ففي هذه المسألة وأمثالها خلاف تبعناه: [من أصحابنا] (5) منْ قال: لا يعتِق شيء من العبد، فإنا لو حكما بعتقه في المرض، أو بعتق شيء منه، أُلزمنا أن يبقى للورثة ضعفُ ما ينفذ العتق فيه؛ فإذا كان لا يبقى للورثة شيء، فيستحيل أن ينفذ [عتق] (6) المريض في شيء.
ومن أصحابنا من قال: نحكم بنفوذ العتق في جميعه؛ فإنه إذا كان لا يبقى للورثة
__________
(1) في الأصل: وبقاء ثلثاً في حقه لورثته.
(2) مكان كلمة تعذر قراءتها (انظر صورتها).
(3) عبارة الأصل: استفاد منه لثلث الدية.
(4) في الأصل: بعد.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) في الأصل: عبد.

(10/502)


في علم الله، فليس تركة، وإنما يثبت حق الورثة في التركة.
ونحن نُجري مسائلَ مفرعةً على أنه لا يعتِق منه شيء إذا مات قبل موت مولاه، وما ذكرناه فيه إذا لم يخلِّف السيدُ المعتِق شيئاً.
فإن كان السيد ترك مالاً إذا قضى منه ديةَ العبد، بقي للورثة ضعفُ قيمته، صار حراً. وإن ترك من المال ما لا يبلغ ذلك [فقد] (1) يعتق بعضُه ويرق بعضُه، وذلك إذا خلَّف ما إذا أديت الدية منه، بقي [ما] (2) يقصُر عن ضعف قيمة العبد.
ثم إن كان يعتق كلُّه، فسيده لا يرثه؛ فإنه قاتله، فإن كان [للعبد] (3) وارث بسببٍ
ورثناه، وإن لم يكن، فميراثه لأقرب عصبة السيد من الذكور.
7166 - المثال: إذا أعتق عبداً قيمتُه مائة دينار، وقيمة ديته لو كان حراً خَمسُمائة دينار، فقتله السيد بعد الإعتاق، وخلّف السيد سَبْعَمائة دينار، فالعبد حر، ويخرج من تركة السيد خَمسُمائة دينار، تكون لورثة العبد، ويبقى لورثة السيد مائتا دينار، وهي ضعف قيمة العبد.
7167 - فإن كان جميعُ ما خلّف السيد خَمسَمائة دينار، تبعّض العتق والرق، وحسابه من طريق الجبر أن نقول: قد عتَق منه شيء، ووجب به من الدية على السيد خمسةُ أمثاله، وذلك خمسة أشياء؛ لأن الدية خمسةُ أمثال القيمة، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد تلف ذلك بالقتل، ولم يبق للورثة، وإنما بقي مع ورثة السيد من التركة خَمسُمائة، وهي خمسةُ أعبد، فيخرج منها ما لزم من الدية وهو خمسة أشياء، فيكون الباقي معهم من التركة مثلَ خمسة أعبد إلا خمسةَ أشياء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ ما عتق من العبد، فنجبر ونقابل، فيعدل خمسةُ أعبد سبعةَ أشياء، فنقلب الاسمَ، فيصير العبد سبعة، والشيء خمسة، وهي خمسة أسباع العبد، وقد عتق خمسةُ أسباعه، ورَقَّ سُبعاه، وتلف بالقتل، واستحق ورثةُ العبد خمسةَ أمثال
__________
(1) في الأصل: وقد.
(2) في الأصل: مما.
(3) في الأصل: العبد.

(10/503)


ما عتق، وذلك [ثَلاثُمائةٍ] (1) وسبعةٌ وخمسون ديناراً وسُبع دينار، وبقي للورثة من التركة سبعاها، وهو [مائة واثنان وأربعون] (2) ديناراً وستة أسباع، وهي ضعف ما عتق من العبد؛ لأن الذي عتق منه خمسة أسباعه، وقيمتها أحدٌ وسبعون ديناراً وثلاثة أسباع دينار.
وحساب المسألة بطريق الدينار والدرهم: أن نجعل العبد ديناراً ودرهماً، ونُجيز العتق في درهم، ويستحق ورثةُ العبد خمسةَ أمثاله بالدية، وذلك خمسةُ دراهم، وبطل العتق من الرقبة في دينار، وقد تلف ذلك الدينار، وبقي لهم من التركة خمسةُ أمثاله، وهي خمسة دنانير، فمعهم من التركة خمسة دنانير، تعدل ما عتق، وذلك درهمان، فنقلب الاسم، فيكون الدرهم خمسةً والدينار اثنين، ومجموعهما سبعة، والخمسة من السبعة خمسةُ أسباعها.
وحساب المسألة بطريق السهام: أن نأخذ [من] (3) العبد بالحرية سهماً، ويتبعه [بالدية] (4) خمسة أسهم، ولورثة السيد سهمان ضعف سهم الحرية، فذلك ثلاثة أسهم، فنُسقط منها سهماً، وهو الذي تلف من العبد، يبقى منها سبعةُ أسهم، وذلك سهام العبد، [وعَتَقَ] (5) منه مقدار سهام الدية. وفيما قدمناه مَقْنَع.
7168 - فإن كانت قيمة العبد مائتي دينار، وقيمة الإبل في دية الحر أربعمائة دينار، وترك السيد سِتَّ مائة دينار، وقلنا: عتَقَ منه شيء واستحق من الدية ضعفه وهو شيئان، وذلك لورثة العبد، ورَقَّ منه عبدٌ إلا شيئاً، وقد تلف ما رق، وبقي مع ورثة السيد من التركة ثلاثة أعبد إلا شيئين: ضعفُ ما عتق منه، فبعد الجبر وقلب الاسم، يصير العبد أربعةً والشيء ثلاثةً وهي ثلاثة أرباعها، فيعتق ثلاثة أرباعه، وهي مائة وخمسون ديناراً، للورثة ضعفها من الدية وهو ثَلاثمائة. ورق منه ربعه، وقد
__________
(1) في الأصل: ثلثاه.
(2) في الأصل: مائتان واثنان وأربعون.
(3) سقطت من الأصل.
(4) في الأصل: بالحرية.
(5) في الأصل: وأعتق.

(10/504)


تلف، وبقي للورثة من التركة ثَلاثُمائة دينار، وهي ضعف ما عتق منه.
7169 - مسألة: إذا أعتق عبدَه في مرضه وقيمته مائة دينار، ثم قطع إحدى يديه، فنقص من قيمته أربعون ديناراً، وقيمة ديته لو كان حراً مائتا دينار، وترك السيد مائتي دينار.
فحساب المسألة بالجبر: أن نقول: يعتق منه شيء، ويستحق العبد من أجله شيئاً بالدية؛ لأن ديته ضعفُ قيمته، وفي إحدى اليدين نصفُ ديته، فإن كان الواجب في نفسه شيئين، فالواجب في يده شيٌ وواحد، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وبه نقصٌ من قيمته بالجناية مثل [خُمسيْه] (1)؛ فإنا قلنا: نقصَ من قيمته أربعون، فصار الباقي منه بعد النقصان ثلاثةُ أخماس عبد إلا ثلاثةَ أخماس شيء، فنزيد عليه التركة، وهي ضعفُ قيمة العبد، ونخرج مما اجتمع من الدية [والتركة] (2) شيئاً، فيبقى مع الورثة عبدان وثلاثة أخماس عبد إلا شيئاً وثلاثة أخماس شيء، وذلك يعدل شيئين، ضعف ما عتق، فبعد الجبر يكون عبدان، وثلاثة أخماس، تعدل ثلاثة أشياء وثلاثة أخماس شيء، فنبسطهما أخماساً، ثم نقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء ثلاثةَ عشرَ، فيصح العتق في ثلاثةَ عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاَّ مَن العبد، وقيمتها بالدنانير اثنان وسبعون ديناراً وأربعة أجزاء من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من دينار؛ لأن الذي عتق منه نصفه وتسعاه؛ فإن الثلاثة عشر من الثمانية عشر هكذا تكون: التسعة نصف الثمانيةَ عشرَ، والأربعة التي هي [تتمّةُ] (3) الثلاثةَ عشرَ تسعان من ثمانية عشرَ.
وبقي من رقبة العبد خمسةُ أجزاء من [ثمانيةَ عشرَ] (4) جزءاً، هذا هو الرقيق، وقيمتها بالدنانير سبعة وعشرون ديناراً وأربعة عشر جزءاً من ثمانية عشر جزءاً من دينار، فلما نقص خمساه بالجناية، نقص من هذا الباقي أيضاً خمساه، وذلك أحد عشر ديناراً وجزءان من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من دينار، وبقي لورثة السيد من رقبته بعد
__________
(1) في الأصل: خمسه.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: قيمة.
(4) في الأصل: "من ثلاثة عشر".

(10/505)


العتق والنقصان بالجناية ستةَ عشرَ ديناراً واثني عشر جزءاً من ثمانيةَ عشرَ جزءاً من دينار. ومعهم من التركة في الأصل مائتا دينار، يُقضى منها ما استحقه العبد من الدية، وهو مثلُ ما عتق منه، وذلك اثنان وسبعون ديناراً وأربعةُ أجزاء من ثمانيةَ عشرَ من دينار، فيبقى للورثة من الدنانير مائةٌ وسبعة وعشرون ديناراً وأربعةَ عشرَ جزءاً من ثمانيةَ عشرَ، ومن الرقبة ستةَ عشرَ ديناراً واثنا عشر جزءاً [من ثمانية عشر] (1)، وجميع ذلك مائة وأربعةٌ وأربعون ديناراً، وثمانيةَ أجزاء من ثمانية عشر جزءاً من دينار، وذلك ضعف قيمة ما عتق منه يوم العتق.
ثم مما يجب التنبه له أن النقصان لا يؤثر في العتق؛ لأن العتق وصية مستوفاة تبيُّناً، والنقص معتبر في قيمة العبد؛ لأنه من التركة، والاعتبار في مقدار التركة يوم الموت.
7170 - فإن أعتق في مرضه عبداً قيمته ثلاثون، ثم أجافته جائفة نَقصته عشرين (2) ديناراً، وقيمة ديته لو كان حراً تسعون ديناراً، وخلّف السيد ستين ديناراً؛ فإنه يعتق منه ثلاثة أخماسه، ونصف خُمسه.
وحساب ذلك أن نقول: عتق منه شيء، واستحق من الدية مثله؛ لأن الواجب في الجائفة ثلثُ الدية، وثلث ديته لو كان حراً مثلُ قيمته، فحصل مع ورثة السيد من رقبته عبد إلا شيئاً، وقد نقص ثلثاه بالجناية، فالباقي ثلث عبد إلا ثلث شيء، ومعهم من التركة [عبدان] (3)، فالمجموع عبدان وثلث عبد إلا ثلثَ شيء، يقضى منها الدية، وهي شيء، فيبقى معهم عبدان وثلث عبد إلا شيئاً وثلث شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبدان وثلث عبد يعدل ثلاثة أشياء وثلث شيء، فنبسطهما ونقلب الاسم، فيكون العبد عشرة، والشيء سبعة، فنعتق سبعة أعشار، وهي ثلاثة أخماسه ونصف خمسه، وقيمتها يوم العتق أحدٌ وعشرون ديناراً، وبقي لورثة السيد
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) عبارة الأصل: "نقصته بها عشرين ديناراً" والفعل متعدِّ مفعوله ضمير في محل نصب، فلا
حاجة لتعديته بحرف الجر.
(3) في الأصل: ثلث عبدين.

(10/506)


من رقبته تسعةُ دنانير، وقد نقص بالجناية ثلثاها، وبقي منها ثلاثة دنانير، ومعهم من التركة ستون ديناراً، فذلك ثلاثة وستون ديناراً يقضى منها ما وجب بالجناية، وهو مثل ما عتق منه، وذلك أحدٌ وعشرون ديناراً، يبقى معهم اثنان وأربعون ديناراً، وهو ضعف ما عتق. ولا اعتبار في مقدار العتق بما نقص بعده؛ لأن العبد قد استوفى العتق قبل النقصان.
7171 - مسألة: إذا أعتق في مرضه عبداً قيمته عشرون ديناراً، ثم قطع أجنبي إحدى يديه، وقيمة ديته لو كان حراً مائة دينار، وقد نقص من قيمته عشرة، ولا مال للسيد غيرُه.
فحساب المسألة أن نقول: يعتِق منه شيء يجب به [للعبد] (1) من الدية شيئان ونصف؛ لأنه لو كان حراً، لكانت ديته خمسةَ أمثال قيمته، فالواجب في إحدى [اليدين] (2) نصف الواجب في [النفس] (3)، فإذا استحق بالعتق شيئاً، استحق به [من] (4) الدية شيئين ونصفاً، (وهذا العبد [ ..... ] (5) تركة السيد، ولا وصية)؛ فإن الأجنبيّ يغرَمه له، وبقي مع السيد من رقبته عبد إلا شيئاً، يستحق به ما نقص من قيمته [بالجناية] (6)، والناقص منه مثلُ نصف العبد؛ فإن جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته، وقد أقر نقصان السوق على نسبة التنصيف، فاستحق السيد نصفَ عبد، ونقصَ نصف عبد، فيجتمع مما نقص واستحق عبدٌ إلا شيئاً، يعدل [شيئين، فنجبر، ونقابل، فيكون عبد يعدل] (7) ثلاثة أشياء، فنقلب الاسم فيهما، فيكون
__________
(1) في الأصل: العبد.
(2) في الأصل: المقولين.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: يضيق.
(5) الجملة بين القوسين غير مستقيمة بسبب كلمة غير مقروءة مكان النقط بين المعقفين. (انظر صورتها) ولعل فيها تصحيفاً وصوابها: وهذا القدر لا يزيد من تركة السيد، فإن الأجنبي يغرَمه للعبد. والله أعلم.
(6) في الأصل: بالخيار.
(7) زيادة من المحقق.

(10/507)


العبد ثلاثةً، والشيء واحداً، فعلمنا أنه [يعتِق] (1) منه الثلث، ويبقى للسيد [ثلثاه] (2) وقد نقص نصفه، فبقي [السدس] (3) منه، فاستحق على الجاني مثلَ ما نقص، وقد نقص نصفُ قيمته، فيجتمع مع ورثته مما بقي واستحق ثلثان، وذلك ضعف الثلث الذي عتق [منه] (4).
7172 - وإن أعتق عبداً في مرضه، لا مال له غيرُه، وقيمته عشرون ديناراً، وقتله أجنبي، وقيمة ديته مائةُ دينار، وخفف ابناً.
فحساب المسألة أن نقول: عتَق منه شيء، وبطل العتق في عبدٍ إلا شيئاً، وقد تلف، إلا أن السيد يستحق مثل ما تلف على الجاني، فنجعل ما استحقه عبداً إلا شيئاً، وهذا يعدل ضعفَ ما عتق، وهو شيئان، فبعد الجبر وقلب الاسم يكون العبد ثلاثة والشيء واحداً، فقد عتَق منه ثلثُه، واستحق ثلثَ الدية على القاتل، تصرف إلى [ابنه] (5) إن قلنا: من بعضه حر يورث، أو إلى بيت المال في [قولٍ] (6) آخر، ويرق ثلثا العبد، وللسيد قيمة الثلثين على القاتل، وهو ضعف الثلث الذي عتق.
7173 - مسألة: إذا أعتق عبداً قيمته ثلاثون ديناراً وقتله أجنبي، وقيمة ديته إن كان حراً أربعون ديناراً، وذلك بأن يفرضَ كافراً، ونقدّر السيد وارثاً، تفريعاً على أن من بعضه حر موروث، ولا وارث له سوى السيد، ونقدِّره وارثاً بغير جهة الولاء، فإنه لو لم يكن إلا الولاء، وهو مستحقٌ بعض الولاء [لا يرث إلا] (7) بعض الميراث، فنفرضه أخاً أو ابنَ عم.
__________
(1) في الأصل: يضيق.
(2) في الأصل: ثلثه.
(3) في الأصل: الثلث.
(4) في الأصل: فيه.
(5) في الأصل: إلى أبيه.
(6) زيادة من المحقق.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/508)


هذه صورة المسألة، وحسابها أن نقول: عتق منه شيء، ونوجب به من الدية مثلَه ومثلَ ثلثه؛ فإن الدية مثلُ القيمة ومثلُ ثلثها، وبطل العتق في عبدٍ إلا شيئاً، وقد تلف ذلك، واستحق به السيد مثلَه، فيجتمع ذلك إلى ما ورثه عن العبد بالدية؛ لأنه لا وارث له غيره، وقد حصل له بالقيمة عبد إلا شيئاً، وصرفنا إليه من الميراث شيئاً وثلثَ شيء؛ فإنه إذا عتق شيء، وجب مثله ومثل ثلثه، فنجبر الاستثناء الذي في [الرقبة] (1) فيبقى معه عبد وثلث شيء، يعدل شيئين ضعفَ ما عتق، فنقابل ثلث شيء بمثله قصاصاً، فيبقى عبد يعدل شيئاً وثلثي شيء، فنبسطها أثلاثاً، ونقلب الاسم
فيكون العبد خمسة، والشيء ثلاثة، فقد عتَق ثلاثة أخماسه، واستحق بذلك ثلاثة أخماس الدية، وهي أربعةٌ وعشرون ديناراً، ورقّ خمساه، وهو اثنا عشر ديناراً، واستحق السيد مثلها، كما (2) هلك، فيجتمع مع ورثته ستة وثلاثون ديناراً، وذلك ضعف ثلاثة أخماسه التي عتَقَت، لأن قيمة ثلاثة أخماسه [ثمانيةَ عشرَ] (3) ديناراً، وقد حصل مع ورثة السيد ضعفها.
7174 - مسألة: إذا أعتق عبده في مرضه، وقيمته خمسون ديناراً، وقيمة دية الحر مائة دينار، فقُتل العبد وترك بنتاً وسيدَه، وكان السيد عصبتَه، فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ووجب من الدية شيئان؛ فإن الدية ضعف القيمة، ورق منه عبدٌ إلا شيئاً، وقد تلف، واستحق به السيدُ مثلَه على القاتل، وذلك عبد إلا شيئاً، وله أيضاً نصف ما وجب من الدية ميراثاً، وذلك شيء، فإن الدية [مِثلا] (4) العتق، والعتق شيءٌ، ونصف الدية شيء، فنضم ما ورثه إلى العبد الناقص باستثناء شيء، فيكمل العبد، فنقول: عبد كامل يعدل شيئين، فالشيء نصف العبد، وهو ما عتق منه، وقيمته خمسون ديناراً، [فنصفه] (5) خمسةٌ وعشرون، ووجب من الدية
__________
(1) في الأصل: الرقيق.
(2) كما: بمعنى (عندما).
(3) في الأصل: ثلاثة عشر.
(4) في الأصل: مثل.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/509)


خمسون، ورجع إلى السيد بالميراث نصفها وهو خمسة وعشرون، وله على الجاني قيمة ما رق من العبد، وهو خمسةٌ وعشرون ديناراً، فالحاصل في يد الورثة خمسون ديناراً، وهو ضعف ما عتق من العبد.
7175 - فإن كانت قيمة العبد ثلاثون ديناراً، وديته لو كان حراً خمسون ديناراً، وترك العبد امرأةً، وكان السيد عصبة، فنقول: صح العتق في شيء من العبد، ويجب من الدية مثله ومثل ثلثيه؛ لأن هكذا نسبة الخَمْسين من الثلاثين، فنقول: عتق شيء، ووجب شيء وثلثا شيء، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد تلف ذلك إلا أن السيد استحق به مثلَه من القيمة، واستحق ثلاثة أرباع المأخوذ من الدية، وهو شيء وربعُ شيء، فنزيده على عبدٍ إلا شيئاً، فيجتمع مع ورثة السيد عبد وربع شيء، يعدل شيئين، فنلقي ربع شيء وربع شيء قصاصاً، فيبقى عبد يعدل شيئاً وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ثم نقلب الاسم فيهما، فيكون العبد سبعة والشيء أربعة، وهو أربعة أسباعها، فنعتق أربعة أسباع العبد، ويجب أربعة أسباع ديته، وهو ثمانيةٌ وعشرون ديناراً وأربعةُ أسباع دينار، للمرأة منها ربعها، وذلك سبعةُ دنانير وسبع دينار، ويرجع الباقي إلى السيد بالميراث، وهو أحدٌ وعشرون ديناراً وثلاثة أسباع دينار. وله قيمة ما بطل فيه العتق وذلك ثلاثة أسباع العبد، وقيمتها بالدنانير اثنا عشر ديناراً وستة أسباع دينار، فيجتمع مع ورثته أربعةٌ وثلاثون ديناراً وسبعا دينار، وهي ضعف ما عتق من العبد، لأن العتقَ وقع في أربعة أسباعه، وقيمة أربعة أسباعه سبعةَ عشرَ ديناراً وسبعَ دينار.
7176 - فإن كانت قيمته عشرون ديناراً وقيمة ديته لو كان حراً عشرة دنانير، وخلّف العبدُ امرأةً وبنتاً.
فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، واستحق به من الدية مثلُ نصفه، وذلك نصف شيء، وبقي للسيد عبد إلا شيئاً، وقد تلف، [ووجب له] (1) القيمة، وله بالميراث ثلاثة أثمان نصف [شيء] (2)، وذلك ثُمن شيء [ونصف ثمن
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: الدية.

(10/510)


شيء] (1)، يعدل شيئين، فبعد الجبر يكون عبد يعدل شيئين وستة أثمان شيء ونصف ثمن شيء، فنبسطهما أثماناً، ومخرج نصف الثمن ستةَ عشرَ، ثم نقلب الاسم، فيكون العبد خمسة وأربعين والشيء ستةَ عشرَ، فيعتق منه ستةَ عشرَ جزءاً من خمسة وأربعين جزءاً، وذلك ثُلثُه وخمس تُسْعه، [وله] (2) من الدية مثل نصفها، وذلك [ثمانية] (3)، للسيد منها ثلاثة أثمانها، وهي ثلاثة، وبطل العتق في تسعةٍ وعشرين جزءاً من العبد، والسيد يستحق قيمتها، وقد ورث ثلاثة أجزاء، فاجتمع مع ورثته اثنان وثلاثون جزءاً من خمسةٍ وأربعين جزءاً من العبد، وهي ضعف ما عتق.
7177 - مسألة: إذا أعتق عبده في مرضه، فجنى العبد على أجنبي، فقطع يده، وقيمة العبد مائةُ دينار، وقيمة دية المجني عليه مائتا دينار، فلا يعتق من العبد شيء؛ لأن الجناية أرشُها مائة، وقيمة الرقبة مائة، فأرش الجناية محيطٌ بالرقبة، والدَّيْن مقدم على الوصية.
7178 - ولو كانت المسألة بحالها غيرَ أن دية المجني عليه مائة دينار، ففي المسألة دَوْر؛ من قِبل أنا لو قدرنا نفوذ العتق في بعضه، لتوزع الأرش على الحرية والرق، وتعلّق بعضه بذمته في حصة الحرية، فينقص لذلك ما يتعلق [بالرقبة] (4).
فنقول في المسألة التي فرضناها: عتق منه شيء ووجب على العبد في ذمته نصفُ شيء من الدية؛ فإن الجناية قطع يد، [ومن قطع يداً] (5) فأرشها نصف الدية، وبطل العتق في عبدٍ إلا شيئاً، ويلزمه أن يدفع نصفَه في الجناية إن أراد التسليم؛ لأن الدية مثل القيمة، وفي اليد الواحدة نصف الدية، فيلزمه أن يسلِّم نصفَ ما بطل العتق فيه، فيبقى معه نصف عبد إلا نصف شيء، يعدل شيئين ضعفَ العتق.
فبعد الجبر والمقابلة، يكون نصف عبد في معادلة شيئين ونصف، فنبسطهما
__________
(1) زيادة لا يصح الكلام إلا بها.
(2) في الأصل: وثلثه.
(3) في الأصل: ثمانية عشر.
(4) في الأصل: الرق.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/511)


أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسة، والشيء واحد، والواحد من الخمسة خُمسها، فيعتق خمس العبد، وقيمته عشرون ديناراً، ويرق أربعةُ أخماسه، وقيمته ثمانون ديناراً، ووجب من الدية خمسون ديناراً، على العبد منها خُمسها، عشرةُ دنانير في ذمته، والباقي على السيد وهو أربعون ديناراً، فإذا سلّم هذا القدرَ للبيع، بيع خمسان [قيمتها أربعون ديناراً، ويبقى خمسان] (1) مع ورثته قيمتها أربعون ديناراً، وهي ضعف قيمة ما عتق.
7179 - فإن كانت قيمة العبد خمسين ديناراً، وقد أعتقه مولاه في المرض، فقتل بعد العتق [عبداً] (2) قيمته أربعون ديناراً، فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ورق عبدٌ إلا شيئاً، ويجب على السيد تسليمُ أربعة أخماسه؛ لأن الدية أربعة أخماس القيمة، فيسلِّم للبيع أربعةَ أخماس عبدٍ إلا أربعةَ أخماس شيء، فإنه إنما يسلِّم مما رق، ويعود العتق في شيء يلحق استثناء بما بقي، فيكون الأمر على ما نظمناه.
فإذا سلَّم أربعةَ أخماس العبد إلا أربعةَ أخماس شيء، بقي مع ورثته خُمس عبد [إلا خمس شيء] (3)، وذلك يعدل شيئين، بعد الجبر يعادل [خمس عبد شيئين وخمساً] (4) فنبسطهما أخماساً، ثم نقلب العبارة فيكون العبد أحد عشر، والشيء واحداً، وهو جزء من أحد عشر جزءاً، فيعتق جزء من أحدَ عشرَ، ويرق منه عشرةُ أجزاء، فيسلِّم في الجناية أربعة أخماسها، وهي ثمانية أجزاء يبقى مع ورثته جزءان، ضعفُ ما عتق منه.
7180 - فإن أعتق في مرضه عبداً قيمته أربعون ديناراً، فقتل العبدُ عبداً قيمته عشرة دنانير، فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ورق باقيه، وهو عبدٌ إلا شيئاً، ويجب على السيد تسليم ربعه [نعني] (5) ربعَ ما يرق منه، وإنما يسلم ربعه؛ لأن قيمةَ
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.
(2) في الأصل: رجلاً.
(3) في الأصل: إلا شيئاً.
(4) في الأصل: يعادل خمس شيء وخمساً.
(5) مكان بياضٍ في الأصل.

(10/512)


المقتول ربعُ قيمة القاتل، وذلك ربع عبد إلا ربعَ شيء، فيبقى منه ثلاثة أرباع عبدٍ إلا ثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة، تعدل ثلاثة أرباع عبدٍ شيئين وثلاثةَ أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد أحدَ عشرَ، والشيء ثلاثة، فيعتق منه ثلاثةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً، ويرق منه ثمانية أجزاء، ويسلّم منه جزءان، وهما ربع الثمانية، ويبقى معه ستة أجزاء من أحد عشر جزءاً من العبد، وهي ضعف ما عتق. فإن اعترض [معترضٌ] (1) أن الأرش إذا كان ربعاً كاملاً، فلِمَ يُسلّمُ ربعٌ ناقص بربعِ شيء؟ فالجواب عنه أن المقدار الذي يعتِق يتعلق به قسطٌ من الأرش، ويرد على [ذمّة] (2) الشخص الذي تبعض العتق فيه، فهذا ما ذكرناه.
7181 - مسألة: إذا أعتق في مرضه أمةً قيمتها خمسون ديناراً، وهي حبلى، فجنى عليها أجنبي فأسقطت جنيناً ميتاً، ثم مات السيد، ونقص من قيمة الأمة عشرةُ دنانير، وكان الجنين رقيقاً [لولا] (3) طريان العتق، وله ورثة يحوزون ميراثه دون السيد.
فحساب المسألة بعد الوقوف على تصويرها. أن نقول: عتق منها شيء، وبطل العتق في أمةٍ إلا شيئاً، واستحق السيد على الجاني من [دية] (4) الجنين مثلَ عشر ما رق، فإن الواجب في الجنين الرقيق عُشرُ قيمة أُمِّه، فإذا تبعّض الحكم في الجنين، كان مقتضاه ما ذكرناه، فيجب على الجاني أن يغرَم للسيد مثلَ عُشر ما رَقَّ، وقد رقت أَمةٌ إلا شيئاً، فعشرها عُشر أمةٍ إلا عشرَ شيء، وقد نقص من قيمتها بعد هذا مثلُ خمس قيمتها، فاردده إلى العشرة، وذلك عُشْران، نقص مما معه عُشْران إلا عُشْري شيء؛ فإن النقصان وقع بعد العتق، فيبقى مع ورثة السيد تسعةُ أعشار أمةٍ إلا تسعةَ أعشار شيء؛ فإنها كانت أمةً إلا شيئاً، فضممنا إليها بسبب الجنين عُشرَ أمة، فكان المجموع أمةً وعُشرَ أمَةٍ إلا شيئاً وعُشرَ شيء، فحططنا لأجل النقصان عُشري أمة إلا عُشري شيء، فيبقى في أيدي ورثة السيد تسعةُ أعشار أمةٍ، تعدل شيئين وتسعة
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: دية.
(3) في الأصل: لو.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/513)


أعشار شيء، فابسطهما أعشاراً واقلب الاسم فيهما، فيكون الأمة تسعةً وعشرين، والشيءَ تسعةً، فيعتِق منها تسعةَ أجزاء من تسعةٍ وعشرين جزءاً، فيرق منها عشرون جزءاً، ويستحق السيد من أجل الجنين مثلَ عُشرها، وذلك جزءان، فالمبلغ اثنان وعشرون جزءاً، وقد نقص من قيمتها الخُمس، فنحسب الخُمسَ من رقِّ الأمة، لا من ضمان الجناية، وقيمة الرقيق منها عشرون، وحصة هذه العشرين من النقصان أربعة أجزاء، وبقي مع الورثة ثمانيةَ عشرَ جزءاً من سبعةٍ وعشرين جزءاً، وهي ضعف ما عتق منها.
وعلى الجاني عُشر ديةِ ما عتق من الأم لأجل الجنين، فإن [الحرّ منه] (1) مضمون بعشر دية ذلك القدر من الحرية في الأم، كما أن الرقيق منه مضمون بعشر قيمة ما يرق من الأم، ثم ذاك (2) لورثة الجنين، [ولا ينقص بذلك مال السيد] (3).
7182 - هذا كلام الأستاذ وفيه زلل ظاهر في الفقه، فإنه صوّر نقصان قيمة الجارية بسبب [الجناية وإسقاط الجنين] (4) ثم بنى المسألة حكماً وحساباً (5) على حطّ ذلك النقصان من الرِّق، ولم يتعرض لإيجاب أرش النقصان على الجاني، ولو أحاط علماً بوجوبه عليه، لما [أسقط] (6) ذلك النقصانَ؛ فإن الجاني يغرَمه، فإذا عُدم الجَبْر، [كان عدم تضمينٍ للجاني] (7) ما فرض من نقصٍ.
وإن تكلف متكلفٌ الذبَّ عنه، وقال: لعل النقصان الذي ذكره ليس نقصانَ عين الجارية، ولكن كانت الجارية لمكان الحمل تُشترى بخمسين، وإذا فارقها الحمل
__________
(1) في الأصل: العدد.
(2) إشارة إلى ضمان الجزء الحر من الجنين (تذكر تصوير المسألة، والتأكيد على أن للجنين ورثة.
(3) عبارة الأصل مقلوبة، فيها تقديم وتأخير واضطراب، هكذا "ولأنه بذلك مال السيد ولاينقص".
(4) مكان بياضٍ بالأصل مع تصرف في جزء كلمة في أول هذا البياض.
(5) في الأصل: حساباً (بدون واو).
(6) في الأصل: "أفسد".
(7) مكان بياض بالأصل.

(10/514)


تُشترى بأربعين، وهي في ذاتها لم تنقص، وإنما زايلها الحمل، ثم الحمل قد ضُمن بما يضمن به، فلا يُنظر إلى النقصان؛ فإن الجميع بين بدل الجنين وبين أرش النقصان الحاصل [فيه تكرار] (1) الغُرم. هذا وجهٌ، وسيأتي تفصيله مقوَّماً على أحسن نظم في كتاب الديات، إن شاء الله عز وجل.
7183 - وفيما ذكرته غوائل ولكن ليس هذا موضع استقصائها. وما ذكرناه تكلفٌ؛ فإن الأستاذ صرح بنقصان الأمَة، وهي [أيضاً محل الجناية] (2)، فإذا ظهر ما ذكره من الاشتراك، فالوجه جبر النقصان بالغرم وطرد المسألة على هذا النحو ولا حاجة إلى إعادتها.
7184 - مسألة: إذا أعتق في مرضه أمةً حاملاً، فجنى عليها أجنبي، فألقت جنيناً لا وارث له غيرُ السيد، فالواجب في الجنين عُشر قيمة ما رق من الأم، وعشرُ دية ما عتَقَ منها، وكل ذاك للسيد بحق الملك والإرث.
فإن كانت قيمةُ الأمة خمسين ديناراً، وقيمة ديتها -إن كانت حرة (3) - مائةُ دينار [ونقص] (4)، بالإسقاط عشرةُ دنانير.
فحساب المسألة أن نقول: عتق منها شيء ورقت الأمةُ إلا شيئاً، ونقص من قيمة هذا الباقي منها خُمسها، وذلك خمُس أمةٍ إلا خمس شيء، فصار الباقي أربعةَ أخماس أمةٍ إلا أربعة أخماس شيء، واستحق السيد بسبب الرق لأجل الجنين عُشرَ أمةٍ إلا عُشرَ شيء، فصار معه تسعةَ أعشار أمةٍ إلا تسعةَ أعشار شيء، واستحق أيضاً [من دية الجنين بنسبة] (5) [ما] (6) عتق منها وهو [عُشري] (7) شيء؛ لأن الدية ضعفُ
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) مكان بياض بالأصل.
(3) في الأصل: كانت في حرة.
(4) في الأصل: ونقصت.
(5) زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: مما.
(7) في الأصل: عشر.

(10/515)


القيمة، فنزيد عُشري شيء على [تسعة أعشار] (1) الأمة [إلا تسعةَ أعشار] (2) شيء، فيكون تسعةَ أعشار أمة إلا سبعةَ أعشار شيء، فإنا لما ضممنا عُشري شيء، نقصنا بهما الاستثناء، وكان معنا استثناء تسعة أعشار شيء، فيعود الاستثناء إلى سبعة أعشار شيء، فإذاً تسعةُ أعشار أَمةٍ إلا سبعةَ أعشار شيء يعدل شيئين، فإذا جبرنا وقابلنا، [فتسعة] (3) أعشار أمة تعدل شيئين وسبعةَ أعشار شيء، فابسطهما أعشاراً واقلب الاسم فيهما، فيكون الأمة سبعةً وعشرين والشيء تسعةً، وهو ثلثها، فنعتق منها الثلث وقيمته ستةَ عشرَ ديناراً وثلثان، ويرق منها [ثلثاها] (4) وذلك ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث، ويستحق السيد مثلَ عشر ما رق منها، وذلك ثلاثة دنانير وثلث، ويستحق أيضاً من الدية ضعفَ عشر ما عتق، وهو مثل خمس ما عتق منها، وذلك ثلاثة دنانير وثلث، فجميع ما استحق السيد في الجنين (5) ستةُ دنانير وثلثان، ونقص من قيمة ما رق منها بعد نفوذ العتق الخُمس، فبقي من الجارية ستةٌ وعشرون ديناراً وثلثان، وانضم إلى ذلك بسبب الجبر (6) ستة دنانير وثلثان، فالمجموع ثلاثة وثلاثون، وهي ضعف قيمة الثلث منها يوم العتق؛ لأن ثلثها يوم العتق كان ستةَ عشرَ ديناراً وثلثي دينار.
وهذه المسألة جاريةٌ على نظامها إلا ما أعاده من فصل النقصان، فإنه [نظر إلى] (7) النقصان، ولم ينته لنقصانه بتغريم الجاني، ولا يخفى طرد وجه الصواب، والطريق ذكر المسألة من غير نقصان.
7185 - مسألة: إذا أعتق عبدين في مرضه قيمة أحدهما خمسون ديناراً، وقيمة الآخر مائة دينار، ثم قتل السيدُ العبدَ الذي قيمته مائة دينار، وقيمة ديته لو كان حراً
__________
(1) في الأصل: سبعة أعشار.
(2) في الأصل: سبعة أعشار.
(3) في الأصل: بتسعة.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) في الجنين: أي ما رق منه وما عتق.
(6) أي جبر الجنين.
(7) مكان بياض بالأصل.

(10/516)


مائتان، فإنا نُقْرع بين العبد الحي وبين العبد المقتول، فإن خرجت قرعةُ الحرية للعبد الحي منهما، عتَق ثلثه ورق ثلثاه، ومات المقتول على المذهب الظاهر رقيقاً، وليس الخوض فيه من غرضنا الآن.
وإن خرج سهم [المقتول] (1)، فنقول: دارت المسألة.
وحسابها أن نقول: عتق منه شيء، ورق وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد تلف ما رق وما عتق، وبقي مع السيد عبدٌ آخر، قيمته نصف عبد، نقضي منه ديةَ ما عتق من المقتول، وهي ضعف ما عتق، فإذا قلنا: عتق شيء، فضعفه شيئان، فيبقى مع ورثته نصفُ عبد إلا شيئين، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون نصفُ عبدٍ يعدل أربعةَ أشياء، فنبسطهما أنصافاً، ونقلب الاسم منهما، فيكون العبد ثمانية، والشيء واحداً، فإذاً عتق منه [ثُمنُه] (2)، وقيمته اثنا عشر ديناراً ونصف، ويجب نسبتها من الدية ضعفها، وذلك خمسةٌ وعمثمرون ديناراً، فتُقضَى من العبد الآخر الذي هو حيٌّ، فيبقى منه خمسة وعشرون ديناراً، وهي ضعف ما عتق.
والذي وجب عليه من الدية يكون لورثة المقتول إن كان له وارث، أو لبيت المال، ولا يرجع شيء منه إلى السيد، لأنه قاتل.
7186 - ولو أعتق ثلاثة أعبد قيمة أحدهم ثلاثون ديناراً، [وقتله] (3)، وقيمة الثاني ستون ديناراً، وقيمة الثالث تسعون ديناراً، [وقد خرجت عليه القرعة] (4)، ثم قطع [يدَ] (5) الذي قيمته تسعون [وديته] (6) لو كان حراً مائة دينار، ونقص -بسبب الجناية من قيمته- عشرون ديناراً.
فحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، وبطل العتق في عبد إلا شيئاً، وقد
__________
(1) في الأصل: المعتق.
(2) في الأصل: ثمانية.
(3) زيادة على ضوء ما سيأتي من عرض المسألة.
(4) زيادة من المحقق اقتضاها سياق حساب المسألة.
(5) ساقطة من الأصل.
(6) في الأصل: وقيمته.

(10/517)


نقص من قيمته تسعاه، وصار الباقي منه سبعة أتساع عبد إلا سبعةَ أتساع شيء، ومعه العبد الذي قيمته ستون، وهو مثل ثلثي عبد، فصار جميع ما حصل عبدٌ وأربعة أتساع عبد إلا سبعةَ أتساع شيء، فيجب أن يقضي منه ديةَ يده، وهي خمسة أتساع شيء، لأن دية يده مثلُ خمسة أتساع قيمته، فيبقى معه عبدٌ وأربعة أتساع عبد إلا شيئاً [وثلاثة أتساع شيء، تعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون عبد وأربعة أتساع عبد] (1) تعدل ثلاثة أشياء وثلاثة أتساع شيء، فنبسطهما أتساعاً، فيكون العبد [ثلاثين] (2)، والشيء [ثلاثة عشر] (3) وهي ثلثها وعشرها.
وقد [فات] (4) الذي قيمته ثلاثون، ورق الذي قيمته ستون.
الامتحان: أن نقول: إذا عتق منه ثُلثُه وعُشره، [فذلك] (5) تسعةٌ وثلاثون فى يناراً، وقد بقي منه أحدٌ وخمسون ديناراً، وقد نقص منها مثلُ [تسعيها] (6) وذلك أحدَ عشرَ ديناراً وثلث، لأن الناقص من قيمة العبد بالجناية تسعاه، فبقي منه [تسعةٌ وثلاثون ديناراً وثلثان] (7) ومعهم عبد قيمته ستون ديناراً، وذلك تسعةٌ وتسعون ديناراً وثلثان، فقضى منها ديةَ ما عتق منه، وذلك مثل خمسة أتساع ما عتق منه، وهي أحدٌ وعشرون ديناراً وثلثا دينار، وتبقّى لورثته ثمانيةٌ وسبعون ديناراً، وهي ضعف ما عتق منه.
7187 - وإن خرجت قرعة العتق للعبد الذي قيمته ستون ديناراً، عتق ثلثاه، ونصفُ تسعه.
وحساب المسألة أن نقول: عتَقَ منه شيء ورق منه عبدٌ إلا شيئاً، وقد رجع قيمةُ العبد المقطوعة يده إلى سبعين ديناراً، وهي مثل عبد [وسدس] (8)، فيبقى معه عبدان
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يستقيم الحساب إلا بها.
(2) في الأصل: ثلاثة.
(3) في الأصل: ثمانية عشر.
(4) في الأصل: بان.
(5) في الأصل: وعشره وتسعة وثلاثون.
(6) في الأصل: تسعها.
(7) في الأصل: "تسعة وأربعون ديناراً وثلثان". وهو خطأ في الحساب واضح.
(8) زيادة من المحقق، لا يصح الكلام بدونها.

(10/518)


وسدس عبد إلا شيئاً، يعدل شيئين، فبعد الجبر يكون عبدان وسدس في معادلة ثلاثة أشياء، فنبسطهما أسداساً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد ثمانيةَ عشرَ، والشيء ثلاثة عشر، وهي ثلثاها ونصف تُسعها، وقلنا: يعتق منه ثلثاه ونصفُ تسعه ورقَّ منه خمسةُ أجزاء من ثمانيةَ عشرَ جزءاً، ومعهم من العبد المقطوع يده مثل عبد وسدس عبد، بعد النقصان، فيكون الجميع عبداً وأربعة (1) أتساع عبد. وذلك ضعف ما عتق منه.
7188 - فإن خرجت قرعةُ عِتْق العبد المقتول وقيمته ثلاثون، وقيمة ديته مائة دينار، عتق منه ثلاثة أرباعه ونصفُ ثُمنه.
وحسابه أن نقول: عتق منه شيء ورق باقيه، وهو عبد إلا شيئاً، وقد تلف هذا الباقي منه بالإتلاف، ومع ورثة السيد الذي قيمته ستون، وهو كعبدين بالنسبة إلى المقتول الذي خرجت القرعةُ عليه، والذي [نقصت] (2) قيمته بالقطع باقي قيمته بالنسبة إلى المقتول مثل عبدين وثلث عبد، فذلك أربعة أعبد وثلثا عبد، نقضي منها ما لزمه من الدية، وهو ثلاثة أمثال ما عتق من المقتول، [ومثل ثلثه] (3) فإذا كان المعتَق شيئاً وقع التمثيل بالأشياء، فعلى السيد لأجل الدية ثلاثة أشياء وثلثُ شيء، فيبقى مع ورثته أربعة أعبد وثلث عبد إلا ثلاثة أشياء وثلث شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ العتق، فبعد الجبر، يكون أربعة أعبد وثلث عبد يعدل خمسة أشياء وثلث شيء، فنبسطهما ونقلب الاسم فيهما فيكون العبد ستة عشر، والشيء ثلاثة عشر، فنعتق ثلاثة عشر جزءا من ستةَ عشرَ جزءاَّ مَنه، وهو ثلاثة أرباعه ونصف ثمنه، وقيمتها أربعة وعشرون ديناراً وثلاثة أثمان دينار، وجميع تركة السيد مائة وثلاثون ديناراً (4)، فالواجب عليه من الدية ثلاثةُ أمثال ما عتَق ومثلُ ثلثه، وذلك أحدٌ وثمانون ديناراً وربعٌ (5)، فنحط
__________
(1) عبارة الأصل: "فيكون الجميع عبداً وثلاثة أجزاء وأربعة أتساع" وهو حشوٌ وخلل.
(2) في الأصل: تقتضيه.
(3) في الأصل: وقيل مثليه.
(4) مائة وثلاثون ديناراً، أي قيمة العبد الثاني وهي 60، وقيمة العبد الذي نقص بالقطع، وهي 70 بعد النقص. أما العبد الثالث الذي قيمته 30 فقد تلف بالقتل.
(5) أحد وثمانون ديناراً وربع: وذلك لأن الدية (100) والقيمة (30) فهي ثلاثة أمثال القيمة
وثلثها. وقد عتق منه 3/ 4 الثلاثين ونصف ثمنها (1/ 16) من 30، وذلك يساوي =

(10/519)


ذلك من التركة، فيبقى من التركة ثمانيةٌ وأربعون ديناراً، وثلاثة أرباع دينار، وهي ضعف الأربعة والعشرين والثلاثة الأثمان.
7189 - مسألة: إذا أعتق في مرضه عبدين قيمة أحدهما عشرون ديناراً، وقيمة الآخر أربعون ديناراً، فقطع مَن قيمتُه عشرون يدَ مَنْ قيمتُه أربعون، ونقص بسبب الجناية من قيمته عشرة دنانير، وقيمة ديته لو كان حراً ثمانون ديناراً، ولم يكن للسيد مال غيرُهم، فإنا نقرع بينهما، فإن خرجت قرعة العتق على المقطوع يده عتق ثُلثُه، والحساب أن نقول: عتق منه شيء واستحق من الدية مثل القيمة؛ لأن دية المجني عليه ثمانون، وهي ضعف القيمة، وأرش الجناية مثل القيمة، فإن أرش [اليد] (1) نصفُ بدل الجملة، فالواجب في الأرش وقع مثلَ العتق لا محالة، وبقي [من] (2) العبد عبد إلا شيئاً، وقد نقص منه ربعه، فيبقى منه ثلاثة أرباع عبد إلا ثلاثة أرباع شيء، ومعه عبد آخر: قيمةُ نصفه، فذلك عبد وربع إلا ثلاثة أرباع شيء، نقضي منها الدية، وهو شيء، يبقى عبدٌ وربعُ عبد إلا شيئاً وثلاثة أرباع شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيكون عبد وربع عبد، يعدل ثلاثة أشياء وثلاثة أرباع شيء، فنبسطهما أرباعاً ونقلب الاسم فيهما، فيكون العبد خمسةَ عشرَ، والشيء خمسة: هي ثلثها، فقلنا: إنه عتق منه الثلث، وقيمته يوم العتق ثلاثةَ عشرَ ديناراً وثلثُ دينار نعني قيمةَ الثلث، وبقي منه ستةٌ وعشرون ديناراً وثلثان، نقص منها بالجناية رُبعها، وذلك ستةُ دنانير وثلثان، فيبقى من الرقبة عشرون ديناراً، ومعه رقبةٌ أخرى قيمتها عشرون ديناراً، فيسلِّم منها في [المتبع] (3) مقدارَ الواجب في الدية، وذلك ثلاثةَ عشرَ ديناراً وثلثَ دينار، فيبقى من هذه الرقبة الجانية ستةٌ وثلثان، ومن المجني عليه عشرون ديناراً، والمجموع ستة وعشرون ديناراً وثلثا دينار، وذلك ضعف ما عتق من المجني عليه.
__________
= 1/ 2 22+ 7/ 8 1= 3/ 8 24 هذا قيمة ما عتق، فإذا ضرب في 1/ 3 3 (التي هي نسبة الدية من القيمة) كان المردود 1/ 4 81 ديناراً.
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) في الأصل: ثمن العبد.
(3) كذا: "المتبع". انظر صورتها.

(10/520)


7190 - وإن خرجت قرعةُ العتق على الذي قيمتُه عشرون، عتَق خمسةُ أسداس ذلك العبد.
وحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، ورق منه عبد إلا شيئاً، ومعه العبد المجني عليه، وقيمته [بعد] (1) النقصان عبدٌ ونصف عبدٍ بالإضافة إلى العبد الذي العتق منه، فالمجموع عبدان ونصف عبد إلا شيئاً، وذلك يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة [يكون] (2) عبدان ونصف عبد في معادلة ثلاثة أشياء، فنبسطهما أنصافاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد ستةً والشيء خمسة، فقد عتق منه خمسةُ أسداسه، وقيمته ستةَ عشرَ ديناراً وثلثا دينار، وتبقى سدسه وقيمته ثلاثة دنانير وثلث دينار، ومع الورثة العبد المجني عليه، وقيمته بعد النقصان ثلاثون ديناراً، فالحاصل في أيدي الورثة ثلاثة وثلاثون ديناراً وثلث دينار، وهي ضعف الستةَ عشرَ وثلثي دينار، التي هي قيمة ماعتق منه.
وهذا الجواب إنما يصح إذا لم يكن في يد هذا المعتَق الجاني ما يغرَم به لسيده أرشَ الجناية، فلو كان، لزادت التركة، واختلف الحساب.
مسائل في الهبة وجناية الموهوب على الواهب
7191 - إذا وهب في مرضه عبداً، وأقبضه، لا مال له غيرُه، فقتل العبدُ الموهوبُ الواهبَ خطأً. فإن كانت قيمته مثلَ الدية، صحت الهبة في نصفه، وسُلِّم ذلك النصف في الجناية، وكذلك لو فداه الموهوب له، فالجواب يخرج كذلك، سواء قلنا: الفداء [بالأقل] (3) أو بالدية، فإن المقدارين [متساويان] (4)، فيبقى نصف العبد لورثة الواهب، ويعود إليهم مثلُ نصفه بالفداء، أو بالتسليم (5) للبيع، فيكون الحاصل في
__________
(1) في الأصل: يعدل.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: "بالأول".
(4) في الأصل: المتساويين.
(5) في الأصل: وبالتسليم.

(10/521)


يد ورثة الواهب ضعفُ ما صحت الهبةُ فيه، وتُهدر الجنايةُ في نصفها؛ فإنها تكون واقعةً من النصف الذي بطلت الهبةُ فيه تبيُّناً، وجناية المملوك على مالكه مهدرة.
7192 - وإن كانت قيمة العبد أقلَّ، وفرعنا على الأصح، وهو أن [الفداء] (1) يقع بالأقل، فيرجع الفداء إلى اعتبار القيمة، وتصح الهبة في النصف، ويبقى النصف، ويعود مثل نصفه بالفداء أو بالتسليم للبيع.
فإن قلنا: الفداء بالأرش، وكان الأرش ضعفَ القيمة أو أكثر، واختار الموهوب له الفداء، صحت الهبة في الجميع. وقد تدور المسألة.
7193 - ونحن نذكر صوراً في الدور: منها: إن قيمة العبد لو كانت عشرين ألفاً، وقيمةُ دية الواهب عشرةُ آلاف، فنقول: صحت الهبةُ في شيء من العبد، وبطلت في عبد إلا شيئاً، ورجع إلى ورثة الواهب بالجناية نصفُ شيء؛ فإن الدية نصف القيمة، يبقى معهم عبد إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، وهو يعدل بعد الجبر والمقابلة شيئين ونصفَ شيء، فالشيء من شيئين ونصفٍ خمساه، فصحت الهبة في [خمسي] (2) العبد، وقيمته ثمانية آلاف، ويسلّم إلى ورثة الواهب مقدار [خُمسي] (3) الدية، وذلك مثل خمس الرقبة، فيحصل مع ورثة الواهب من الرقبة ومن الدية مثلُ أربعة أخماس الرقبة، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
فإن كانت قيمته ثلاثين ألفاً، وقيمة الدية عشرة آلاف، فتصح الهبة في ثلاثة أثمانه، وتبطل في خمسة أثمانه، ويرجع إلى ورثة الواهب بالتسليم أو بالفداء مثل ثلث ما صحت الهبة منه، وذلك ثمن واحد، فاجتمع معهم ستةُ أثمان، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
وطريق الحساب كما تقدم.
فإن كان قيمته ألفاً، واختار الموهوب له الفداء، وقلنا: إن الفداء يقع بالدية،
__________
(1) في الأصل: المقدار.
(2) في الأصل: خمس.
(3) في الأصل: خمس.

(10/522)


تمت الهبة في جميعه، وفداه بالدية الكاملة.
وكذلك إذا كانت قيمته مثلَ نصف الدية أو أقلَّ.
فإن كانت قيمته ستة آلاف والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في شيء منه، وفداه بمثله ومثل ثُلثيه؛ إذ العشرة من [الستة] (1) على هذه النسبة تقع، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، ورجع بالفداء شيء وثلثا شيء، فاجتمع معهم عبد وثلثا شيء، يعدل شيئين، فنطرح ثلثي شيء بثلثي شيء قصاصاً، فيبقى عبد يعدل شيئاً وثلث شيء، فنبسطه أثلاثاً، ونقلب الاسم، فيكون العبد أربعة والشيء ثلاثة، وهي ثلاثة أرباعها، فقد صحت الهبة في ثلاثة أرباع العبد، وبقي مع ورثة العبد من الرقبة ربع عبد، ومن الفداء عبد وربع، فذلك عبد ونصف وهو ضعف ما صحت الهبة منه.
7194 - مسألة: إذا وهب في مرضه عبداً لا مال له غيرُه، وأقبضه، فقتل العبدُ الواهبَ، فعفا عن الجناية الواهبُ، وأوصى بأرشها، فالهبة مقدمة على [العفو] (2)، لتقدمها عليه بالوجود.
فإن كانت قيمته نصفَ الدية أو أكثر، بطل العفو؛ لأن الهبة تستغرق الثلث، فكأنه لم يعف، وجوابه على ما مضى إذا لم يكن عفو.
فإن كانت القيمة أقلَّ من نصف الدية، نظر: فإن اختار الموهوب له التسليم أو اختار الفداء، وقلنا: إن الفداء يقع بالقيمة، بطل العفو أيضاً، وكان حكمه على ما مضى، وإن اختار الفداء وقلنا: إن الفداء يقع بالدية، صرف الفاضل من الثلث عن الهبة في العفو، فإن كانت القيمة ألف درهم والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في جميعه، وصح العفو في شيءٍ منه، وفدى باقيه وهو عبد إلا شيئاً بعشرة أمثاله، وذلك عشرةُ أعبد إلا عشرةَ أشياء، وذلك يعدل ضعف ما يصح بالهبة والعفو، وقد صح بالهبة عبدٌ، والعفو شيء، فضعفهما عبدان وشيئان، فإذا جبرنا وقابلنا بعشرة أعبد في معادلة عبدين واثني عشر شيئاً، فنسقط عبدين بعبدين، فيعدل [ثمانية] (3) أعبد اثني
__________
(1) في الأصل: الستة عشر.
(2) في الأصل: الواهب.
(3) في الأصل: ثلاثة أعبد. وهو خطأ.

(10/523)


عشر شيئاً، فنقلب الاسم فيكون العبد اثني عشر، والشيء ثمانية، وهي ثلثاه، فنقول صح العفو في ثُلثيه.
والامتحان أن الهبة صحت في جميعه وهو ألفُ درهم، وصح العفو في ثلثيه، وذلك ثلثا ألف، والوصيتان ألف وثلثا ألف، وبطل العتق في ثلث العبد، يفديه الموهوب له بثلث الدية، وذلك ثلاثة آلاف، وثلث ألف، وذلك ضعف ما صح بالهبة والعفو.
فإن كانت قيمته ألفين والدية عشرة آلاف، صحت الهبةُ في جميعه، وصح العفو في شيء منه، وفدى باقيه، وهو عبدٌ إلا شيئاً بخمسة أمثاله، وذلك خمسة أعبد إلا خمسة أشياء تعدل عبدين وشيئين، كما تقدم، فبعد الجبر والمقابلة وقلب الاسم، وإلغاء المثل بالمثل، يكون العبد سبعة والشيء ثلاثة، فيصح العفو في ثلاثة أسباع ألف، فالوصيتان (1) ألفٌ وثلاثة أسباع ألف، وبطل العفو في أربعة أسباع العبد وفداها الموهوب له بخمسة أمثالها، وذلك عشرون سبعاً، فبالاختصار والتأليف (2) يكون ألفين وستة أسباع ألف، وذلك ضعف ما صحت الهبة والعفو منه.
7195 - مسألة: إذا وهب عبداً في مرضه وسلّمه، ثم إنه قتل الواهب قَتْلَ قصاصٍ، فالتفصيل في أن العفو إذا قُرن بالمال [أوْ جاء مطلقاً جائزٌ] (3) من غير رضا الجاني، فإن عفا مطلقاً [فهل] (4) يوجب المال؟ [يأتي] (5) مستقصىً في [كتاب] (6) الجراح، ولسنا نطوّل بذكره الآن. ونقتصر على ذكر ما يختص بغرضنا. فنقول: إذا عفا السيد الواهبُ عن القصاص [مطلقاً] (7)، سقط القصاص، فإن عفا على مالٍ، كان
__________
(1) الوصيتان: أي الهبة والعفو.
(2) التأليف: أي تحويل الأسباع إلى آلاف. فكل سبعة أسباع تساوي ألفاً.
(3) مكان بياض بالأصل.
(4) في الأصل: فلا.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) زيادة لاستقامة العبارة.
(7) مكان بياض بالأصل.

(10/524)


كما لو كان قتله العبد خطأً، واستمرت المسألة في [حكمها] (1) وحسابها على ما تقدم. وإن عفا على غير مالٍ، فتفصيل القول [في] (2) عفو المريض عن الدية في الجناية الموجبة للقصاص كتفصيل القول في المفلس، واستقصاء الكلام في [عفو] (3) المفلس عن الجناية الموجبة للقصاص وعن أرشها من أصول المذهب في كتاب الجراح. وكذلك القول في العفو مطلقاً من غير تعرض للمال نفياً وإثباتاً.
فإذا قتل العبدُ الموهوبُ الواهبَ خطأً وخلّف ورثةً فأبرءوا عن الدية، فقد قال الأستاذ: الإبراء منهم بمثابة استيفاء الحق. ثم لو فرضنا استيفاء الحق، لم يتغير من مقتضى المسألة على ما يوضحه الحساب شيء، فإنه إنما يستوفي ما يجب له، فإن زاد كانت الزيادة مردودةً، وكذلك الإبراء النازل منزلة الأداء لا يغيّر من حكم المسألة شيئاً، ووضوح ذلك يغني عن بسط القول فيه.
7196 - فإذا كانت الجناية موجبةً للقصاص ثم فُرض العفو عن القود على وجهٍ لا يثبت المالُ معه من المطلق، فهذا يفرَّع على أن العفو في [العمد] (4) هل يقتضي المال مطلقاً؟ فإن قلنا: إنه لا يقتضي المال، [فهذا يتفرع] (5) على أن موجَب العمد القودُ المحض، والعفوُ المطلق لا يوجب المال.
فعلى هذا إذا جرى العفو مطلقاً، وكان المال لم يثبت في أصله، [لم] (6) يؤثر العفو في إسقاطه، فإذا لم يثبت المال، تجردت الهبة، وجُعل الجناية كأن لم تكن، ولو تجردت، لكان الحكم [فيها] (7) إذا جرت من المريض -ولا مال له غيرُ الموهوب - أن تحتسب الهبةُ من الثلث.
__________
(1) مكان بياض بالأصل.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: عفة.
(4) في الأصل: العهد.
(5) في الأصل: وهذا لا يتفرع.
(6) في الأصل: ولم.
(7) في الأصل: منها.

(10/525)


وإن قلنا: [الجنايةُ] (1) توجب المالَ، والعفوُ المطلَقُ لا يسقطه، فإسقاطه القصاصَ يُقرِّر المالَ إذا لم يتعرض له، ويعود التفصيل: إن الجناية الموجبةَ للمال الواقعةُ خطأً، وإن عفا العافي عن القود والمال، فالعفو عن المال بعد ما حكمنا بثبوته بمثابة الإبراء عن دية الخطأ، وقد ذكرنا أن الإبراء عن دية الخطأ [كاستيفائها] (2) وسبيلهما جميعاً: ألا يغيرَ حسابُ المسألة وفقهُها.
7197 - فإن قتل العبدُ الواهبَ قَتْلَ قصاصٍ، وخلّف ابنين، فإن عفا الابنان جميعاً، تفرع على ما ذكرناه، وأن المال هل يجب بالقتل أم كيف السبيل فيه؟ فإن غلّبنا القصاصَ، فإن عفَوَا [على] (3) مال، التحقت المسألة بما إذا كانت الجناية خطأ؛ فإن المال إذا ثبت، استند إلى القتل عندنا. وإنما يظهر اختلاف القول فيه إذا جرى العفو على غير مال، فلو جرى العفو منهما على وجه لا يُثبت المال، فهو كما تقدم.
وإن قلنا: لا يثبت أصلاً، فهبةٌ مجردةٌ من مريضٍ.
وإن قلنا: يثبت المال، ويسقط بالإسقاط، فالإسقاط كالاستيفاء، والمسألة مشتملةٌ على هبةٍ وجنايةٍ مثبتةٍ للمال.
فإن عفا أحد الورثة على غير مال دون الثاني، فلا شك أن القصاص يسقط، ويثبت المال في حق من لم يعفُ، فالذي عفا يفرَّع أمرُه على ما ذكرنا. فإن قلنا: يثبت المال في حقه، ويسقط بإسقاطه، فهو بمثابة الإبراء عن المال إذا وقع القتل خطأً، وإن قلنا: المال لم يثبت بالقتل أصلاً في حق العافي، فوجه الجواب في المسألة أن نقول: [النصف] (4) الذي يتعلق حكمه [بالعافي] (5) حكمه في حقه كحكم هبةٍ مجردةٍ
_________
(1) في الأصل: لا جناية.
(2) في الأصل: واستيفائها.
(3) في الأصل: عن.
(4) في الأصل: النص.
(5) في الأصل: فالعافي.

(10/526)


لا جناية فيها، وحكم النصف في حق من لم يعف كحكم هبةٍ مع جريان الجناية الموجبة للمال.
وليقع الفرض فيه إذا كانت القيمةُ مثلَ الدية، فنقول: أما العافي من الابنين، فالنصف في حقه كعبدٍ [تجردت] (1) فيه الهبة على الأوصاف المقدمة، فينفذ التبرع في ثلثه ويرتدُّ في ثلثيه، وثلثُ النصف سدس الجميع.
وأما الذي لم يعف، فالمال ثابت في حقه، فحكم نصفه كحكم عبدٍ فرضت فيه الهبة مع الجناية، وكان الأرش كالقيمة مثلاًً؛ حتى [لا يتفرعّ] (2) الحكم في التقاسيم وحكم مثل نصف ذلك أن ينفذ التبرع في النصف، ليكون نصف الباقي مع المال الذي يحصل بسبب الجناية ضعفاً لما يصح التبرع فيه.
فخرج من ذلك أن الموهوبَ له يرد الثلثَ: ثلثَ العبد إلى العافي بسبب انتقاض الهبة، ويسلِّم إلى الآخر الربعَ بسبب انتقاض الهبة، ويسلِّم الربع الآخر إلى من [لم] (3) يعف إن اختار التسليمَ في الجناية أو يفدي، فيحصل في يد من لم يعفُ نصفُ العبد أو مقدارُه، ويحصل في يد من عفا ثلثُ العبد، ويَسْلَم للموهوب له سدُسُ العبد بلا مال يبذله في مقابله؛ لمكان العفو.
هذا بيان فقه هذه المسائل.
7198 - مسألة: لو وهب في مرضه عبداً وأقبضه، ثم إن العبد قتل أجنبياً خطأ، ثم قتل سيدَه، فإن اختار الموهوب له الدفعَ والتسليمَ [وكانت] (4) قيمةُ العبد قدرَ الدية أو أقلَّ، بطلت الهبة من أصلها، وكأنها لم تكن. ثم من حُكم ذلك [إهدار] (5) الجناية على السيد؛ [إذ] (6) تبيّن أن العبد جنى على مالكه. ونقول للورثة: إن سلمتم
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل، وفي أوله جزء كلمة هكذا (بحر). مع وضع علامة (ح) تحت الحرف الأول.
(2) في الأصل: يتورع.
(3) زيادة من المحقق.
(4) فى الأصل: فكانت.
(5) في الأصل: إهداء.
(6) زيادة من المحقق.

(10/527)


العبد بالجناية، فسلموه ليباع في دية الأجنبي، وإن أردتم الفداء، فافعلوا ما بدا لكم، ولا زيادة على ما قدمناه، من أن الهبة باطلةٌ من أصلها، وهذا عبد جانٍ، والورثة في تسليمه وفدائه بالخيار. هذا فتوى المسألة وحكمُها، وعليه ما ذكرناه أن القيمة إذا كانت مثل الدية.
7199 - فلو فرضنا [نفاذ] (1) الهبة في [جميعه] (2) مثلاَّ، فموجبُه توجُّه الطَّلِبة بحكم الجناية على الموهوب له؛ [فإنه] (3) مالك الرقبة على تقدير صحة الهبة، فلو سلَّم العبدَ، [فإنه] (4) يكون بين الأجنبي والواهب نصفين؛ فإنّ تقدّم الجناية لا يثبت للمجني عليه أولاً حقَّ التقدم، وإذا سلّم الموهوبُ له نصفَ العبد إلى الواهب، فليس يسلَّم لورثته إلا النصف على هذا التقدير، ويستحيل أن يصحّ التبرّعُ في جملةٍ، ويسلم الورثةُ مثلَ نصفها، [بل] (5) موجَبُ الشرع أن يصح التبرع في [شيء] (6) ويسلم الورثة ضعفَه. فلو قلنا: يرجع النصف إلى الورثة، وتصح الهبة في الربع، بطلت الثلاثة الأرباع.
ثم إذا جنى على الأجنبي وعلى السيد الواهب، فتهدر الجناية على السيد ممَّا لم تصح الهبةُ منه، ويسلّم إلي ورثة الأجنبي المقتول كلُّه، فلا يبقى لورثة الواهب شيء، ولا نقدر الهبة في مقدارٍ [إلا] (7) وتهدر جنايةُ العبد على مولاه فيما بطلت الهبة فيه، ويسلم جميع ما بطلت الهبة فيه [إلى] (8) الأجنبي، فلا يتسق تصحيح الهبة في شيء أصلاً؛ فإن جميع قيمته مستوعَبةٌ [بدية] (9) الأجنبي. والمسألة فيه إذا كان العبد يسلم
__________
(1) في الأصل: بفساد.
(2) في الأصل: جميعها.
(3) في الأصل: فأما.
(4) في الأصل: مايه.
(5) في الأصل: إلى.
(6) مكان بياضٍ في الأصل.
(7) زيادة اقتضاها السياق.
(8) في الأصل: إلا.
(9) في الأصل: بفقه.

(10/528)


[في] (1) الجناية، ولا يتصور أن يسلم شيء من العبد في الجناية على الواهب؛ فإنه إنما يسلم (2) ما تصح الهبة فيه، ولا يبقى وراء ما نقدّر فيه صحةَ الهبة لورثة الواهب (3). وهذا ظاهر، ولكن على المنتهي أن يعتني بفهمه؛ فإنه فنٌّ من الدور، ولا انقطاع له، وسنبني عليه مسائل، فقد صح ما قدمناه في فتوى المسألة.
وهذا فيه إذا كانت القيمة قدر الدية أو أقلَّ، واختار الموهوبُ له تسليمَ العبد. وإن اختار الموهوبُ له الفداء في قول من رأى الفداء بالقيمة، فالجواب كما مضى؛ لأن الفادي بالقيمة لا يزيد على قيمة واحدةٍ في حق [الدّيتين] (4) فيقتضي الحساب ما ذكرناه.
فأما من رأى الفداء بالدية، نُظر: فإن كانت قيمتُه مثلَ نصف الدية أو أقل من [الدية] (5) في الجميع، فإن الفادي بالدية يفدي بديتين؛ [إذ] (6) شَرْط أن يفدي بأرش الجنايات بالغةً ما بلغت، وإذا فدى كلَّ قتيل بديته، فيقع العبد شطرَ الفداء أو أقلَّ من الشطر.
7200 - وإن كانت قيمة العبد أكثرَ من [نصف] (7) الفداء إلى تمام الدية من غير مزيد، [كأن تكون ستة آلاف، والدية عشرة آلاف مثلاً] (8)، فالحكم أن نقول: إذا زادت على النصف، ولم تزد على مقدار الدية، والتفريع على أن الفداء بالدية، بطلت
__________
(1) في الأصل: إلى.
(2) عبارة الأصل: "فإنه إنما ما يسلّم ما تصح الهبة فيه" وهي على ركاكتها خطأ. فالمعنى المقصود هو: أن المقدار الذي تصح الهبة فيه هو الذي يسلّم إلى ورثة الواهب، فإنه المقدار الذي صار بلهبة ملكاً للغير، لكن الذي لم تصح فيه الهبة، فهو على ملك سيده، فجنايته مهدرة، فلا يسلّم في الجناية، وإنما تتعلق برقبته دية الأجنبي المقتول في مسألتنا هذه.
(3) أي يسلم لورثة الأجنبي، وهذا ظاهر من التعليق السابق.
(4) في الأصل: الفئتين.
(5) في الأصل: الهبة.
(6) في الأصل: إن.
(7) ساقطة من الأصل.
(8) زيادة اقتضاها السياق.

(10/529)


الهبة في الجميع، وتعليل ذلك أنا لو صححنا الهبة في الجميع [مثلاً] (1)، وقلنا: الموهوب له يفدي العبدَ، فيسلِّم على هذا التقدير لورثة الواهب عشرةَ آلاف، وقيمة العبد ستة آلاف، فلا يكون ما سلم لهم ضعفَ الهبة.
ولو قلنا: تصح الهبة في نصف العبد مثلاً، فالموهوب له على هذا [التقدير] (2) يفديه بنصف الدية، فلا يحصل للورثة ضعفُ التبرع؛ فإن التبرع ثلاثة آلاف، ونصف الدية على ما قدرنا خمسةُ آلاف، فلا يكون الحاصل ضعفَ التبرع.
فإن قيل: قد بطلت الهبة في نصف العبد على هذا التقدير الذي نحن فيه، فينبغي أن نضم هذا النصف إلى نصف الدية، فيزيد المجموع على ضعف ما قدرنا التبرع فيه. قلنا: إذا كان الموهوب له يفدي على نسبة ما ملكه من العبد، وقد قدرنا له الملك في نصف العبد؛ فإنه لا يفدي في حق الأجنبي إلا بنصف الدية أيضاً، فيبقى له من حقه نصف الدية، والنصف الباقي من العبد [جنايته] (3) هدر على الواهب؛ فإنها جناية على المالك، فيتعين صرفُ ذلك النصف إلى الأجنبي.
وإن نقصنا مقدار الموهوب، لم يتخلص عن هذه النسبة، ولم ينتظم لنا اعتدال الثلث والثلثين، فلا يزال ينقص، ومنتهى ذلك الحكم بإبطال الهبة رأساً، وهذا الملك يجري من زيادة القيمة على نصف الدية إلى أن يزيد على تمام الدية، والتفريع على الفداء بالأرش.
7201 - فإن كانت قيمته أكثرَ من الدية مثل أن كانت قيمته عشرين ألفاً والدية عشرة آلاف، فتصح الهبة في شيءٍ لا محالة، وتعليل صحتها على الجملة إلى أن نحسب أنا إذا قدرنا الصحة في جزءٍ على ما يقتضيه الحساب وأبطلنا الهبة في بقية العبد، وقدَّرنا تسليم البقية في الجناية، فلا حاجة إلى تسليم الكل، فيبقى للورثة شيء؛ فإن جرى الفداء بالأرش، فإن القيمة زائدة على الدية، وإن كان تبقى لهم شيء، فلا بد من نفوذ التبرع في شيء.
__________
(1) في الأصل: مالاً.
(2) في الأصل: التقدم.
(3) في الأصل: جناية.

(10/530)


وسبيل الحساب أن نقول: صحت الهبة في شيء ورجع نصف ذلك الشيء إلى الواهب بسبب الجناية؛ فإن الهبة إذا صحت في شيء، وثبت الملك فيه، ثم فرضت الجناية على الواهب، فاختار من حصل له الملك الفداءَ (1) بالدية، والدية نصف القيمة، فلا بد وأن يرجع بالجناية نصفُ ما يخرج بالهبة، فقد استقام قولنا: صحت الهبة في شيء ورجع نصف ذلك الشيء [إلى ورثة الواهب] (2)، ورجع نصفه أيضاً إلى ورثة الأجنبي، وبطلت الهبة في عبد إلا شيئاً، وورثة الواهب يلزمهم تسليمُ نصفهم إلى ورثة الأجنبي؛ فإنه إذا ثبت ملكٌ فيما بطلت الهبةُ فيه، تعلق ضمان الأجنبي بذلك القدر، فيبقى مع ورثة الواهب نصف عبدٍ إلا نصفَ شيءٍ [مضمومٌ] (3) إليه ما رجع إليهم بالجناية، وهو نصف شيء، فيبقى لهم نصف عبدٍ [لا استثناء منه] (4)، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ التبرع، فالشيء ربعُ العبد، وهو الذي نفذت الهبة فيه، وقيمته خمسة آلاف، وبطلت الهبة في ثلاثة أرباع العبد، وورثة السيد يفدونها بثلاثة أرباع الدية، أو يسلمون ذلك القدرَ: ثلاثة [أرباع العبد] (5)، فيبقى معهم مقدارُ سبعة آلاف وخَمسُ (6) مائة، والموهوب له يدفع الربع الذي صحت الهبة فيه إلى ورثة الواهب، وورثة الأجنبي نصفين، أو يفديه من كل واحد منهما بربع الدية، فيجتمع لورثة الواهب عشرة آلاف (7)، وهي ضعف ما نفذت الهبة فيه، ونهدِر (8) الجناية على ثلاثة أرباع السيد؛ لأنها جناية على المالك.
7202 - فإن [كان] (9) العبد قتل السيدَ أولاً، ثم قتل الأجنبيَّ بعده، وقيمته ألف
__________
(1) في الأصل: في الفداء.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: مضمون.
(4) في الأصل: إلا استثناء.
(5) زيادة من المحقق.
(6) يبقى 7500 لأن الباقي الذي بطلت الهبة فيه من العبد (15000) خمسة عشر ألفاً، فإذا أخذ منها 3/ 4 الدية التي هي 3/ 4 × 10000=7500، بقي 7500.
(7) يجتمع لهم (10000) عشرة آلاف، لأن الموهوب له سيدفع الربع الذي صحت الهبة، وهو خمسة آلاف، نصفين بينهم وبين ورثة الأجنبي، فيكون 2500 + 7500 = عشرة آلاف.
(8) نهدر من باب ضرب وقتل.
(9) زيادة لا يستقيم الكلام بدونها.

(10/531)


درهم مثلاًً، فإن لم يُجز الورثةُ الهبةَ [فما] (1) تصح فيه الهبةُ على ما ذكرنا، [جنى] (2) أو لم [يجن] (3) على الأجنبي، والسبب فيه [أنه بقتل] (4) السيد [فاتت] (5) التركة، وانتقل الحق إلى الورثة، وإذا [فاتت] (5) التركة، [فات] (6) [ ... ] (7) ما صحت الهبة فيه ولا يتغير هذا بجنايةٍ أخرى من العبد بعد انتقال الحق إلى الورثة، ثم يفدي ورثةُ السيد [ما بطل] (8) فيه الهبة من الأجنبي، ويفدي الموهوب له ما صح فيه الهبة من ورثة كلِّ واحدٍ منهما؛ لأنه [جنى] (9) على الأجنبي وهو في ملك الورثةِ، والموهوبِ له.
وحسابه أن الهبة صحت (10) في شيء منه، ثم إن الموهوبَ له دفع نصفَ الشيء إلى ورثة الواهب، ونصفَه إلى ورثة الأجنبي، فحصل لورثة الواهب عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة بالبسط يكون الشيء خمسَي العبد، وهو الجاني بالهبة ويدفع الموهوبُ له الخمسين بالجناية، فيحصل لورثة الواهب أربعةُ أخماس العبد بقاءً وعوداً إليهم، وهي ضعف الهبة، ثم يدفعون ثلاثة الأخماس التي بطلت فيها الهبة إلى ورثة الأجنبي؛ لأنه جنى عليه، وهو في ملكهم.
فإن اختار الموهوبُ له الفداء، فمن رأى الفداء بالقيمة، فجوابه كذلك، ومن فدى بالدية، فإنه يقول: تمت الهبة في العبد؛ فإن الموهوب له يفديه من [كل] (11) واحد بالدية الثابتة، فيحصل في يد ورثة الواهب أكثرُ من الضعف.
فإن كانت قيمته ستةَ آلاف والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في شيء، وفداه بشيءٍ
__________
(1) في الأصل: فيما.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: تجر.
(4) عبارة الأصل: والسبب فيه مثل السيد.
(5) في الأصل: بانت.
(6) في الأصل: بان.
(7) كلمة غير مقروءة.
(8) في الأصل: فابطل.
(9) في الأصل: جرى.
(10) عبارة الأصل: أن الهبة إن صحت في شيء منه.
(11) زيادة من المحقق.

(10/532)


وثلثي شيء، من كل واحد منهما؛ فإن التفريع على الفداء بالأرش والدية زائدة على القيمة [بثلثيها] (1)، فيحصل لورثة الواهب عبدٌ وثلثا شيء يعدل شيئين، فنطرح [ثلثي شيء] (2) بثلثي شيء قصاصاً، فيبقى عبدٌ في معادلة شيء وثلث شيء، فنبسط ونقلب الاسم، فيكون الشيء ثلاثة أرباع العبد، وهي التي تصح الهبة فيه.
ثم الموهوب له يفدي من كل واحد منهما ما صحت الهبة فيه بثلاثة أرباع الدية، فيحصل لورثة السيد ثلاثة أرباع الدية وربع العبد وذلك تسعة آلاف، وهي ضعف الهبة، يفدي ورثة الواهب ربعَ العبد، أو يسلمونه في حق فدية الأجنبي؛ فإن الجناية على الأجنبي وقعت بعد قتل الواهب في هذه المسائل، وبعد استقرار الملك للورثة.
7203 - فإن كانت قيمته والمسألة بحالها عشرين ألفاً والدية عشرة آلاف، صحت الهبة في شيء من العبد، وفداه الموهوب له من كل واحد منهما بنصف شيء، فيحصل لورثة الواهب عبدٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، [فبعد] (3) الجبر والبسط وقلب الاسم يكون الشيء [خُمسا] (4) العبد، فنقول: تصح الهبة في [خمسيه] (5)، ويرجع أحد الخمسين إلى ورثة الواهب بالجناية، وهو نصف ما صحت الهبة فيه، فيحصل لهم قدر أربعة أخماسه، وذلك ضعف ما صحت الهبة فيه، وجناية ثلاثة أخماسه على الواهب هدر، ثم يفدي ورثة الواهب ثلاثة أخماسه من الأجنبي بثلاثة أخماس الدية.
7204 - مسألة: إذا وهب عبداً في مرضه، وسلّمه، فجنى العبد مع أجنبي، فقتلا الواهبَ خطأ. فإن كانت قيمته نصفَ الدية أو أقل، تمت الهبة، وفداه الموهوب له بنصف الدية، أو سلمه، وأخذ من الأجنبي نصف الدية، فيكون الحاصل في أيدي ورثة الواهب أكثرَ من ضعف الموهوب، وهو العبد.
__________
(1) في الأصل: بثلثها.
(2) في الأصل: ثلث شيء.
(3) في الأصل: فمقدار.
(4) في الأصل: خمس.
(5) في الأصل: خمسه.

(10/533)


وإن كانت قيمته مثل الدية، فنقول: صحت الهبة في شيء، وفداه الموهوب له بنصف شيء؛ فإن الأرش يتعلق بالجانبين، فيخص المقدارَ الموهوبَ نصفٌ، فإن القيمة كالأرش، فنقول: إذا صحت الهبة في شيء ورجع من جهة الموهوب له نصفُ شيء، ويأخذ ورثة الواهب من الأجنبي نصف الدية وهو خمسة آلاف، فيجتمع معهم خمسةَ عشرَ ألفاً إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والبسط يكون الشيء [خمسي] (1) خمسة عشرَ ألفاً وذلك ستةُ الاف، وهو المقدار الذي صحت الهبة فيه من العبد، وذلك ثلاثة أخماس العبد، فيفديه الموهوب له بثلاثة أخماس نصف الدية، وذلك ثلاثة آلاف، ويأخذون من الأجنبي نصف الدية، فيجتمع مع ورثة الواهب اثنا عشر ألفاً، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه.
7205 - مسألة: إذا وهب في مرضه عبداً، وأقبضه، فقتل العبد الموهوبَ له خطأً، وقيمته مثلُ الدية أو أقلَّ، ثم مات الواهب.
قلنا للورثة: إن [أجزتم] (2) الهبة، نفذت، وبطلت الجناية؛ لأنها على مالك الجاني، وإن لم تجيزوها بطلت الهبة جملةً؛ فإن الهبة لو صحت [في] (3) مقدارٍ، فالذي لا تصح الهبة فيه يجب تسليمه إلى الموهوب [له] (4) بحكم الجناية أو الدية، مثل القيمة، أو أكثر، فلا يبقى للورثة شيء. فإذا لم يبق لهم شيء، لم تنفذ الهبة في شيء، وإذا بطلت الهبة في جميعه، عند رد الورثة قُبل منهم تسليم العبد أو الفداء لورثة الموهوب له بسبب الجناية، فإن كانت قيمته عشرون ألفاً والدية عشرة آلاف، قلنا: جازت الهبة في شيء، وفدى الورثةُ باقي العبد بقدر نصفه؛ فإن الديةَ نصفُ القيمة، فيبقى معهم عبد إلا نصفَ شيء، كان عبداً إلا شيئاً بسبب الهبة، ثم جبره مما بقي نصفه، فبقي نصف عبد إلا نصف شيء، وهذا يعدل شيئين، فبعد الجبر
__________
(1) في الأصل: خمس.
(2) في الأصل: أخرتم.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) زيادة من المحقق.

(10/534)


والمقابلة وقلب الاسم يكون [الشيء] (1) [خمسي] (2) نصف العبد، وهو بالإضافة إلى العبد خُمسه.
فنقول: صحت الهبة في خُمسه، والجناية هدَرٌ في هذا الخمس؛ فإنها جناية المِلْك على المالك، ويفدي ورثة الواهب أربعة أخماسه بأربعة أخماس الدية، وهو مثل [خمسي] (3) الرقبة، فبقي معهم خمساها، وهي ضعف ما صحت الهبة منه.
7206 - فإن قتل العبدُ الواهبَ، ثم قتل الموهوبَ له، نظر: فإن اختار ورثةُ الواهب الهبةَ، صارت [جنايته] (4) على الموهوب له [هدراً] (5) وفداه ورثة الموهوب له، وفداه ورثة الواهب.
وإن لم يجيزوا الهبة، نُظر: فإن اختار ورثةُ الموهوب له الدفعَ، وقيمتُه قدرُ الدية أو أقل، قلنا: صحت الهبة في شيء منه، وسلم ورثةُ الموهوب له ذلك الشيء إلى ورثة الواهب بالجناية، فيحصل لهم عبد كاملٌ بقاءً وعوداً يعدل شيئين، فالشيء نصفُ العبد، وهو المقدار الذي صحت الهبة فيه، وتبطل الهبة في نصفه، ويهدر نصفُ دم كل واحد منهما، من جهة أن كل واحد منهم [كان مالكاً] (6) لنصفه في حال جنايته عليه، ويجب على ورثة كل واحد منهما تسليم نصف العبد بجنايته، فيصير ذلك قصاصاً.
وإن اختار ورثةُ الموهوب له الفداء، وقيمته نصفُ الدية أو أقلُّ، تمت الهبة، وصار دم الموهوب له هدَراً، وفدَوْه من ورثة الواهب بالدية.
وإن كانت قيمته عشرين ألفاً [والدية عشرة آلاف] (7)، جازت الهبة في شيء، ورجع إليه بالجناية نصفُ شيء، فيحصل لورثة الواهب عبدٌ إلا نصفَ شيء، يعدل
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: خمس.
(3) في الأصل: خمس.
(4) في الأصل: جناية.
(5) في الأصل. هذا.
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) زيادة من المحقق.

(10/535)


شيئين فبعد الجبر والمقابلة والبسط، يقع الشيء [خمسي] (1) العبد، وتصح الهبة في خمسيه، والموهوب له يفديه من ورثة الواهب [بخمسي] (2) الدية، وهو مثلُ خمس الرقبة، فيحصل لهم أربعة أخماس الرقبة، وهو مثل الهبة، ويهدر ثلاثة أخماس دم الواهب.
ويفدي ورثةُ الواهب ما بطلت فيه الهبة، وهو ثلاثة أخماس بثلاثة أخماس الدية من ورثة الموهوب له. فإن تقاصّوْا، بقي لورثة الموهوب على ورثة الواهب خُمسُ الدية.
7207 - وإن قتل العبدُ الموهوبَ له، ثم قتل الواهبَ، وقيمته الديةُ أو أقل، بطلت الهبة، وهدر دم الواهب، وسلموه إلى ورثة الموهوب له بالجناية.
وإن كانت قيمته عشرين ألفاً، قلنا: جازت الهبة في شيء، وسلموا نصف الباقي بالجناية، يبقى معهم [نصف] (3) عبد إلا نصفَ شيء، فيأخذون من ورثة الموهوب [له] (4) نصف الشيء الذي تجب فيه الهبة بالجناية على الواهب، فيجتمع لهم نصف عبد لا استثناء فيه يعدل شيئين، فنعلم أن الشيء ربعُ العبد، وهو الجائز بالهبة، ونفدي ثلاثة أرباعه بثلاثة أرباع الدية من ورثة الموهوب له، ويفدي ورثةُ الموهوب له الربعَ الذي صحت الهبة فيه من ورثة الواهب بربع الدية، فإن تقاصا بقي لورثة الموهوب له على ورثة الواهب نصفُ الدية، يعطونه من ثلاثة أرباع العبد، فيبقى معهم نصف العبد، وهو ضعف الهبة، ويُهدر ربع دم الموهوب له، وثلاثة أرباع دم الواهب.
7208 - مسألة: إذا وهب في مرضه عبداً وأقبضه، ثم وهبه الثاني في مرضه لثالثٍ وأقبضه، ثم قتل العبدُ الواهبَ الأول وهو في يد الثالث، ثم مات المريض الثاني ولا مال للواهبين غيرُه، نظر: فإن لم يجز ورثة الأول جميع الهبة، ولم يجز
__________
(1) في الأصل: خمس.
(2) في الأصل: بخمس.
(3) زيادة لا يستقيم الحساب بدونها.
(4) ساقطة من الأصل.

(10/536)


[ورثة] (1) الثاني أيضاً، فإن كانت قيمته قدرَ الدية أو أقلَّ، بطلت هبة الثاني، وصحت هبة الأول في نصف العبد، وسُلّم بالجناية، فيجتمع لورثة المقتول نصف العبد [الذي بطلت فيه] (2) الهبة، ونصفه بالجناية، ولا يبقى لورثة الثاني شيء ينفذ فيه وصية.
وبيان هذا على وضوحه: أنا إذا قدّرنا قيمة العبد قدْر الدية مثلاً، وصححنا هبة الأول في نصف العبد، فالذي تبطل الهبة فيه نُبقيه لورثة الأول؛ إذ لا مجنيّ عليه غيرُ الأول، ثم يرجع إلى ورثة الأول بالتسليم ما صحت الهبة فيه من العبد.
والذي يقتضيه التعديل منه التنصيف، حتى يثبت لورثة الأول نصف العبد من جهة التنفيذ (3)، ونصفه من جهة القود بالجناية، ويكون العبد ضعفاً للذي نفذ التبرع فيه.
ولا يُتصور مع هذا أن يبقى لورثة الثاني شيء، فلا جرم لم ينفذ تبرعه.
وإذا لاح هذا وقيمةُ العبد مثلُ الدية، فكذلك (4) إذا كانت قيمته أقلَّ من الدية.
وكل ذلك إذا لم يُجز ورثةُ الأول، ولم يجز ورثةُ الثاني. فإن لم يجز ورثةُ الأول [وأجاز] (5) ورثة الثاني هبةَ الثاني كاملةً، فسبيل الجواب أن نقول: الهبة تنفذ للثالث، ثم يقوم الثالث مقام الثاني. في الفداء والدفع، فما جاز للموهوب له الأول بالهبة، كان ذلك [للموهوب له الثاني] (6).
وبيان ذلك أن الهبة من الثاني جرت قبل قَتْل العبدِ الواهبَ الأول، وإنما أبطلنا هبة الثاني عند رد ورثته؛ لأنا لو قدرناها، لم نُبق لورثة الثاني شيئاً على القياس الذي تقدم، وشرطُ تنفيذ التبرع مع رد الورثة ما يزيد على الثلث أن يبقى للورثة ضعفُ ما ينفذ [التبرّع] (7) فيه، وهذا لم يتأت مع [ردّهم] (8)، فإذا أجاز الورثة، سقط
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) التنفيذ: أي تنفيذ الهبة.
(4) في الأصل: "وكذلك".
(5) في الأصل: اختار.
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) في الأصل: البلوغ.
(8) في الأصل: مع درهم.

(10/537)


حقهم، ولم نحتج إلى إبقاء شيء لهم، وقد صحت هبة الثاني في مقدارٍ من العبد، وجرت الجنايةُ بعد الهبة والإقباض، وليس في تنفيذ هبةِ الثاني منعُ حقِّ ورثة الأول؛ فإن ذلك القدر يعود من الثالث إليهم، كما كان يعود من الثاني في الصورة الأولى، فلا منع من تنفيذ الهبة من الأول والثاني.
7209 - وإن كانت قيمة العبد عشرين ألفاً، ولم يُجز [ورثة الأول، وكذلك ورثة الثاني لم يجيزوا] (1).
فنقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، وصحت هبة الثاني من ذلك الشيء في وصيته، وإنما غايرنا في العبارة بين محل [تبرّعهما] (2)؛ لأن تبرع الثاني يقع جزءاً من محل تبرع الأول، وقد يلتبس الكلام إذا قلنا: ينفذ تبرع الثاني في شيء من الشيء الأول؛ فعبّرنا عن تبرع الثاني بالوصية، ثم [بعد ذلك] (3) يبقى مع ورثة الثاني شيء إلا وصية، وهم يدفعون نصفَه بالفداء إلى ورثة الأول، فبقي معهم نصفُ شيء إلا نصفَ وصية؛ وإنما يدفعون نصفَ ما بقي معهم؛ لأن الدية نصف القيمة، فيقع الفداء على هذه النسبة، فإذا بقي مع ورثة الثاني نصف شيء إلا نصفَ وصية، قلنا: هذا يعدل وصيتين ضعف ما تبرع الثاني، فبعد الجبر والمقابلة يعدل نصفُ شيء وصيتين ونصف، فنبسطهما أنصافاً ونقلب الاسم فيهما، فتكون الوصية خمس الشيء، فإنا قابلنا نصفَ [شيء] (4) بوصيتين ونصفٍ، فتقع الوصية الواحدة خُمسي نصفِ شيء، وخمسا النصف خُمس الكل، فانتظم قولنا: الوصية خمس الشيء، فإذا صحت هبة الثاني في خمس ما ملكه بالهبة، فنرجع بعد ذلك ونقول: صحت هبة الأول في شيء من العبد، فيبقى مع ورثته عبد إلا شيئاً، وهم يأخذون من الثالث ومن [ورثة الثاني] (5) نصفَ ما حصل في أيديهم بالجناية، وذلك ضعفُ نصف شيء، هذه النسبة
__________
(1) عبارة الأصل: "ولم يجز الورثة إلى ورثة الأول لم يجيزوا، وكذلك ورثة الثاني لم يجيزوا".
(2) في الأصل: ترفيعهما.
(3) في الأصل: ثم يعدل يبقى.
(4) ساقط من الأصل.
(5) في الأصل: ومن ورثته.

(10/538)


لا بد منها، لما قدّرنا من [وقوع] (1) الدية نصفاً للقيمة، فيجتمع مع ورثة الأول عبدٌ إلا نصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والبسط وقلب الاسم يكون الشيء خمسي العبد، فنقول: صحت هبة الأول في خمس العبد، وصحت هبة الثاني في خمس هذين الخمسين، والمسألة مُقامةٌ من خمسةٍ وعشرين سهماً، فنقول: العبد خمسةٌ وعشرون، وصحت هبة الأول في عشرة أسهم، وهي خُمسا هذا المبلغ، وتصح هبة الثاني في خُمس العشرة، وهو سهمان، يبقى مع ورثة الثاني ثمانية أسهم، يدفعون نصفها بالجناية، فتُدفع إلى ورثة الأول، فبقي معهم أربعة أسهم، وهي ضعف هبة الثاني، ثم الثالث يدفع [نصفَ] (2) ما حصل في يده، وهو سهم واحد بالجناية إلى ورثة الأول، فيجتمع مع ورثة الأول عشرون سهماً من الرقبة؛ فإنه بقيت في أيديهم خمسة عشرَ أولاً، ورجعت إليهم أربعةٌ من الثاني وواحدٌ من الثالث، وكان ذلك عشرين، وهي ضعف ما صحت فيه هبة الأول.
فإن أجاز ورثة الأول هبته، نفذت في جميع العبد لا محالة، فإذا رد ورثةُ الثاني ما يزيد على محل التبرع، صحت هبة الثاني في خُمس العبد، وبطل أربعةُ أخماسه، ودفع ورثةُ الثاني نصف ما في أيديهم بالجناية إلى ورثة الأول، وهو خمسا العبد.
وهذه [نسبة] (3) التنصيف، فيقع خمسا العبد أربعة أخماس الدية، ويدفع الثالث نصفَ الخمس إلى ورثة الأول، فيبقى مع ورثة الثاني خمساه، وهو ضعف هبته، فيجتمع لورثة الأول خمسا العبد ونصفُ خُمسه، وهو تمام [الدية] (4) ولا نحتاج إلى تعديل في حق الأول: الثلث والثلثين؛ فإن ورثته قد أجازوا تبرعه، ولكن يحصل لهم موجَبُ الجناية كَمَلاً؛ فإنهم لم ينزلوا عنه.
7210 - فإن قتل العبدُ الموهوبَ له الأولَ، وهو الواهب الثاني ولم يقتل الواهبَ الأول، ثم مات الواهب الأول في مرضه.
__________
(1) في الأصل: رجوع.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: النسبة.
(4) في الأصل: الورثة.

(10/539)


فإن أجاز ورثةُ الأول الهبةَ، نفذت الهبة في تمام العبد، وقيل [للثالث: أَرجعه] (1) إلى ورثة الثاني، أو افده منهم، كما ذكرناه قبلُ في العبد الموهوب إذا قتل الواهب.
فإن اختار الدفعَ، كان كلُّ العبد لورثة الثاني. فإن أجرينا هذه المسألةَ على [الترتيب] (2) الأول، فهي مفروضة [فيه] (3) إذا كانت قيمةُ العبد مثلَ الدية أو أقلَّ. فإذا اختار الثالث الدفعَ، فالجواب ما ذكرناه.
فنقول: صحت هبة الثاني في نصف العبد، ثم رجع ذلك النصف بالجناية، فكان تمامُ العبد ضعفاً لنصفه الذي صححنا الهبةَ فيه، وخرج الواهب الأول من [المسألة] (4)؛ فإنّ ورثته قد أجازوا، [ولا] (5) جنايةَ على الأول؛ فكان الثاني مع الثالث في هذه المسألة كالأول مع الثاني في المسألة الأولى.
وما ذكرناه يجري إذا كانت قيمةُ العبد أقلّ من الدية، كما جرى وقيمتُه مثلُ الدية. وإن اختار الثالث الفداء على قولِ الأرش، وقيمة العبد نصفُ الدية، أو أقلُّ، فإنه يفديه بالدية، وتمت الهبة من الثاني في جميع العبد؛ فإن الدية تقع ضعفاً للعبد إن كانت القيمة نصفاً أو [أقلَّ] (6) من النصف.
7211 - وإن لم يُجز ورثةُ الأول والثاني، والكلامُ في الصورة التي انتهينا [إليها] (7)، بطلت الهبتان؛ والسبب (8) فيه أنا لو صححنا هبة الأول في جزءٍ من العبد، لاحتجنا إلى تسليم باقيه إلى الموهوب له الأول بالجناية، فلا يُسلَّم لورثة
__________
(1) في الأصل: لثالث: ارجع.
(2) في الأصل: ترتيب.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) في الأصل: بلا.
(6) في الأصل: أكثر.
(7) زيادة من المحقق.
(8) في الأصل: فالسبب.

(10/540)


الأول شيء، فإذا كانوا على [عدم الإجازة] (1) يُشترط أن يبقى لهم ضعفُ [ما تقرر] (2) التبرع [فيه] (3)، وإذا بطلت الهبةُ الأولى لما ذكرناه، عاد الكلام إلى أن عبدَ الواهب الأول قتل الثاني في حياة الأول، فيسلّم بالجناية لا بالقيمة. وهذا الذي ذكرناه [إذا] (4) ردّ ورثة الأول، وقيمة العبد نصفٌ أو أقلُّ من النصف، فجرى على هذا النسق إذا كانت قيمةُ العبد مثلُ الدية أو أقل منه (5) وأكثر من النصف؛ وذلك أن القيمة إذا كانت مثلَ الدية، فلو صححنا [الهبة] (6) في بعض [العبد] (7)، سلمنا الباقي بالجناية، وإنما نحتاج [في] (8) باقي العبد إلى قيمة الدية، فلا يسلّم لورثة الأول شيء، كما سبق تقريره.
7212 - فإن كانت قيمته عشرين ألفاً، وقد رد ورثةُ الأول، فتصح هبته في شيء لا محالة؛ فإنا إذا صححنا الهبةَ في شيء، [وسلمناه] (9) بالجناية، فلا نسلم تمام الباقي؛ فإنه يقع الاكتفاء بل ننقص لزيادة القيمة، فيبقى للورثة شيء من الرقبة، فيجب تنفيذ الهبة بذلك القدر.
وحساب المسألة أن نقول: صحت الهبة في شيء من العبد، وسلموا نصف ما بطلت الهبة فيه بالجناية، وعليه نسبة التنصيف (10)، ما قررناه مراراً، ونصف الباقي نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، فيبقى في يد الورثة بعد الهبة والتسليم بالجناية، نصفُ عبدٍ إلا نصفَ شيء، وذلك يعدل شيئين: ضعفَ الهبة، فإذا جبرنا وقابلنا،
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: تقدّر.
(3) في الأصل: منه.
(4) زيادة من المحقق.
(5) منه: أي المثل.
(6) في الأصل: الدية.
(7) مكان بياضٍ بالأصل.
(8) في الأصل: إلى.
(9) في الأصل: وسلمنا.
(10) نسبة التنصيف أي مراعاة أن الدية نصف القيمة. والعبارة فيها نوع قلق. وإن كان لا يمنع فهم السياق.

(10/541)


كان الشيء [خمسي النصف] (1) وخُمسا النصف خُمس الكل، فقد نفذت الهبة في خمس العبد، وبطلت في أربعة أخماسه، ثم ورثة الأول يدفعون خمسين من الرقبة بالجناية، [إن] (2) فدَوْه بالأرش، فهو أربعة أخماس الدية، ولا [يصح هذا] (3) الجواب والمقدار إذا كانت أكثر، فيبقى معهم خمسا العبد، وهو ضعف ما نفذت الهبة فيه.
ويجتمع لورثة المقتول ثلاثة أخماس العبد بالهبة والجناية، فتتم هبة الثاني في الشيء الذي صحت فيه هبة الأول، لأنه يخرج من الثلث، ثم يفديه الثالث من ورثة الثاني بنصف الشيء، وذلك نصف خمس العبد. هذا لا بد منه لمكان الجناية.
7213 - فإن قتل العبدُ الواهبَ الأول، ثم قتل الموهوبَ له الأول، وهو في يد الثالث، وقيمته نصف الدية أو أقلُّ، نظرنا، فإن اختار الثالث الفداء على قول الأرش، تمت الهبتان؛ فإنه يبذل [للأول] (4) الديةَ الكاملة، ويبذل للثاني أيضاً الدية، فيخرج التبرعان.
[وإن] (5) اختار الدفعَ، وكانت قيمة العبد قدر الدية أو أقلّ، صحت هبة الثاني في جميع ما وهب له الأول، وصحت هبة الأول في شيء من العبد، وهو صحيح للثالث، ثم يدفع الثالث نصف الشيء إلى ورثة الأول، ونصفَه إلى ورثة الثاني، فيجتمع لورثة الأول عبد إلا نصفَ شيء، إذ كان معهم عبد إلا شيئاً، فانضم إليه نصف شيء، فالجملة عبد إلا نصفَ شيء، يعدل شيئين، فنجبر ونقابل، فيصير الشيء خمسي العبد، وهو الذي نفذت هبة الأول فيه، وهبة الثاني تتم أيضاً فيه، ثم يدفع الثالث إلى ورثة كل واحد منهما خمساً واحداً، فيجتمع لورثة الأول أربعة
__________
(1) في الأصل: نصف الخمس.
(2) في الأصل: وإن.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: الأول.
(5) في الأصل: إن (بدون واو).

(10/542)


[أخماس العبد] (1): ضعف هبته؛ إذ هبتُه خمسان. ثم ورثةُ الأول يدفعون إلى ورثة الثاني ما بطلت فيه هبةُ الأول، وهو ثلاثة أخماس العبد، فيجتمع لورثة الثاني أربعةُ أخماس العبد: ثلاثةٌ من ورثة الأول يسلمونها (2) بالجناية، وخمسٌ من الثالث، وهو ضعف هبة الثاني.
7214 - فإن كانت قيمة العبد ستة آلاف، واختار الثالث أن يفدي من ورثة الأول، ويسلّم أو يدفع إلى ورثة الثاني -والتفريع على أن من يفدي يفدي بالأرش- فقد أراد أن يجمع بين حسابين مختلفين: أحدهما - حساب الفداء، والآخر- حساب التسليم والدفع.
فنقول: صحت هبة [الأول] (3) في شيء من العبد، وجازت (4) هبة الثاني في وصية من الشيء، وهذه الوصية هي التي يتعلق بها الفداء والتسليم، فهذا الثالث يفدي الوصية من الأول بمثلها ومثل [ثلثيها] (5)؛ فإن القيمة ستة آلاف والدية عشرة، ونسبة العشرة من الستة هكذا تكون، ونعبّر عما يبذله في الفداء، فنقول: يفدي من الأول الوصيةَ بوصيةٍ وثلثي وصية، ويدفع ورثةُ الثاني إلى ورثة الأول ما بطل [فيه] (6) هبةُ الثاني، وقد كانت هبةُ الثاني شيئاً، فخرجت منه وصية، فيبقى في يد ورثة الثاني شيء إلا وصية، فحصل لورثة الأول عبد وثلثا وصية، وذلك أنهم كان لهم عبد إلا شيئاً بعد تنفيذ الهبة الأولى، وسلم الثالث إليهم وصيةً وثلثي وصية، ورد الثاني شيئاً إلا وصية، فقد انضم الشيء المستثنى إلى العبد، ولكن كان في ذلك الشيء الراجع استثناء وصية، وبه غَرِم الثالثُ من الدية مثلَ وصية وثُلثي وصية، فانجبر نقصان الشيء بالوصية الواحدة، فكمل العبد وفضل ثلثا وصية، فحصل لورثة الأول عبدٌ وثلثا
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام إلا بها.
(2) يسلّمونها: أي ورثة الأول. فهم يملكون ثلاثة الأخماس التي بطلت الهبة فيها، فعليهم مثلها من الجناية، وقد اختاروا التسليم.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: جازت. (بدون الواو).
(5) في الأصل: ثلثها.
(6) في الأصل: منه.

(10/543)


وصية، وهذا يعدل شيئين ضعفَ الهبة الأولى، فالشيء الواحد نصفُ عبد وثلثُ وصية، وهو الذي نفذت فيه هبة الأول، وبطلت هبة الأول في نصف عبد إلا ثلثَ وصية.
وبيان ذلك أنا جمعنا ما يتحصّل في أيدي ورثة الأول من العبد والفداء، فوجدناه عبداً وثلثي وصية، ثم بان لنا لما وقف هذا في مقابلة الشيئين أن الشيء الواحدَ نصفُ هذا المبلغ، ونصفه [نصف] (1) عبد وثلثُ وصية.
والآن بعد ما بانت قيمة الشيء، [فنردّ] (2) نظرنا إلى عبدٍ بلا زيادة؛ فإنا نريد أن نبين مقدار الهبة من عبد، فنقول: صحت الهبة من العبد الفرد في نصف عبد وثلث وصية، فيبقى من العبد الفردِ نصفُ عبد إلا ثلثَ وصية، فإذا بان أن الشيء نصفُ عبد وثلثُ وصية، فتخرج وصية الثالث من هذا، فيبقى منه نصف عبد إلا ثلثي وصية؛ فإن الشيء كان [نصف] (3) عبدٍ وثلثَ وصية، فنأخذ ثلث وصية، ثم ثلثي وصية من النصف، فيبقى نصفٌ إلا ثلثي وصية.
ثم ورثة الثاني يدفعون هذا الباقي، وهو نصف عبد إلا ثلثي وصية إلى ورثة الأول بالجناية (4)، ثم هم يأخذون من ورثة الأول ما بطلت فيه هبةُ (5) الأول، وهو نصفٌ إلا ثلثَ وصية، ويأخذون أيضاً من الثالث الوصية كاملةً (6) بالجناية؛ لأنه قد فدى هذه الوصية من الأول بالدية، وإذا وقع التفريع على هذا، فالمطالبة لا محالة [بالتسليم] (7).
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: فرد.
(3) زيادة من المحقق.
(4) يدفع ورثة الثاني هذا المقدار إلى ورثة الأول بالجناية، لأنهم يملكون هذا القدر من العبد الجاني على ورثة الأول، فلزمهم تسليمه.
(5) يأخذونه من ورثة الأول لنفس المعنى المذكور في التعليق السابق.
(6) هنا يرد الثالث الوصية كاملة فقط إلى ورثة الثاني، على حين ردّ لورثة الأول وصية وثلثي وصية؛ لأنه اختار الفداء من ورثة الأول بالأرش، وهو مثل القيمة وثلثيها. واختار في جانب ورثة الثاني الردّ والتسليم.
(7) زيادة اقتضاها السياق. والمراد تسليم الوصية.

(10/544)


وإن فدى من الأ [ول بالدية] (1) وبقي قدر الوصية في (2) يده وا [لتفريع على اختياره الجمعَ بين الفداء و] (3) التسليم، كما وضعنا المسألة (4)، فيسلِّم جميعَ الوصية إلى ورثة الثاني، فيجتمع لورثة الثاني نصف عبد وثلثا وصية؛ فإنهم أخذوا من الأول نصف عبد [إلا ثُلثَ وصية] (5)، وأخذوا من الثالث وصية؛ فاجتمع لهم نصف عبد وثلثا وصية، وهذا الحاصل يعدل وصيتين. والوصية الواحدة تعدل ثلاثة أثمان العبد.
7215 - وبيان ذلك أنا نقول: نصف عبد وثلثا وصية تعدل وصيتين، فنُقسط ثُلثي وصية من الوصيتين قصاصاً بثلثي وصية، [فيبقى وصية] (6) وثلث وصية في مقابلة نصف [عبد] (7) بلا زيادة ولا استثناء. فنبسط الوصية والثلث أثلاثاً، فتصير أربعة، وكل نصفٍ من [العبد أربعة أثلاث وصية، فتكون] (8) وصية من وصيةٍ وثلث ثلاثةَ أثمان العبد. وهذه هي النافذة بالهبة الثانية.
وكان قد بان أن الشيءَ نصفُ عبدٍ وثلثُ وصية، فزد ثلثَ وصية على نصف عبد، فيصير خمسةَ أثمان عبد.
وبيانه أن الوصية إذا عَدَلت ثلاثةَ أثمان، فثلث وصية يعدل ثمناً، والنصف أربعةُ أثمان، فنصفٌ وثلثُ وصيةٍ خمسةُ أثمان. [وهي الخمسةُ] (9) التي نفذت الهبة الأولى فيها، وصحت هبةُ الثاني من هذه الأثمان الخمسة في ثلاثة أثمان، يبقى مع ورثة الأول ثلاثة أثمان العبد، وهو ما بطلت فيه الهبة الأولى، ومع ورثة الثاني ثمنان،
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: وفي (بزيادة واو).
(3) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل.
(4) فقد فرضنا أنه اختار أن يفدي من ورثة الأول بالأرش، ومن الثاني بالتسليم.
(5) في الأصل: وثلث وصية.
(6) زيادة من المحفق.
(7) زيادة لا يصح الحساب إلا بها.
(8) عبارة الأصل: "وكل نصفٍ من أربعة أثمان فتبقى وصية من وصية وثلث".
(9) في الأصل: الخمسة هي التي نفذت الهبة الأولى.

(10/545)


ومع الثالث ثلاثة أثمان. هكذا انقسم العبد أثماناً عليهم.
ثم [فدى] (1) الثالث من ورثة الأول بثلاثة أثمان الدية، وهي مثل خمسة أثمان العبد؛ لأن الدية مثل القيمة، ومثلُ ثلثيها. فإذا كان المفدي ثلاثةَ أثمان، فمثلها ومثل ثلثيها خمسةُ أثمان، فقد حصل في يد ورثة الأول من الرقبة ثلاثةُ أثمان، ومن الفداء خمسة أثمان، ويأخذ أيضاً ورثةُ الأول من ورثة الثاني ما بطل فيه هبة الثاني، وهو ثمنان، فيجتمع لورثة الأول مما بقي من الهبة الأولى ومن الفداء، ومما بطلت فيه هبةُ الثاني عشرةُ أثمان: وهي عبدٌ وثمنان، وهو عبد وربع، وقيمة ذلك [سبعة آلاف وخَمسُمائة] (2)، وهذه الجملة ضعف الهبة الأولى، وهي خمسة أثمان [العبد] (3)
[والعشرة ضعف الخمسة] (4)، ثم ورثة الأول يدفعون إلى ورثة الثاني ما بطل فيه الهبة الأولى، وهو ثلاثة أثمان العبد، وقد سلّم إليهم الثالثُ ما كان صح له بالهبة الثانية، وهو ثلاثة أثمان العبد، فيجتمع لهم من هاتين الخمسين ستةُ أثمان، وهي ثلاثة أرباع العبد، وهي ضعف الهبة الثانية؛ فإن الهبة الثانية كانت ثلاثة أثمان.
فهذا إيضاح المسألة وبيان قياسها، وعلى ما ذكرناه فقس ما إذا [اختار] (5) الثالث الدفعَ إلى ورثة الأول والفداء من ورثة الثاني.
7216 - فإن كانت قيمته عشرين ألفاً، فنقول: صحت هبة الأول في شيء، وصحت هبة الثاني في وصيةٍ من الشيء، ويدفع الثاني والثالث، ما في أيديهما إلى ورثة الأول بالجناية؛ فإن القيمة إذا كانت أكبر، استوى الدفع والفداء في مثل هذه الصورة.
فيحصل لورثة الأول عبدٌ إلا نصفَ شيء، وبيانه أنه صحت هبته في شيء ثم رجع
__________
(1) في الأصل: قضى.
(2) في الأصل: تسعة آلاف وخَمسمائة.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) في الأصل: العشرة ضعفا الخمسة.
(5) في الأصل: "أجاز". والمثبت اختيار منا مراعاة لاستعمال اللفظ ذاته في الحالة السابقة المقابلة لهذه.

(10/546)


نصفُ الشيء مما صحت فيه الهبة الثانية، وهو المسمى الوصية، ومما بقي في يد الواهب الثاني نصفه إلى ورثة الأول. هذا حكم التسليم وموجَب النسبة إذا كانت [القيمة] (1) ضعفَ الدية، والدية نصف القيمة؛ فانتظم قولنا: حصل في يد ورثة الأول [عبدٌ] (2) إلا نصفَ شيء، ثم هذا يعدل شيئين، فيخرج من العمل وقد تكرر قياسه مراراً أن الشيء [خمسا] (3) العبد، وهو الذي نفذت الهبة الأولى فيه، ثم جازت هبة الثاني في وصية، فنقول: يبقى خمسا عبد إلا وصية، فيخرج نصف ذلك بالجناية، فيبقى مع ورثة الثاني خمسٌ إلا نصفَ وصية، وقد أخذوا بالجناية نصف
ما بطلت فيه الهبة الأولى، وذلك خُمسُ عبدٍ ونصفُ خُمسه، وأخذوا أيضاً من الثالث نصفَ الوصية، فاجتمع نصفُ عبدٍ.
وبيانه أنه حصل في أيديهم خمسٌ ونصف خمسٍ من الأوليين بسبب الجناية، وكان قد بقي في أيديهم مما صحت فيه الهبة الأولى ونفذت فيه الوصية الثانية خمس عبد ونصف وصية، فإنهم سلموا نصف ما كان بقي بالجناية الأولى، فيبقى في أيديهم خمسا عبد ونصف خمس عبد إلا نصفَ وصية، فلما [ضمُّوا] (4) نصفَ وصية، وهو ما أخذوه بالجناية من الثالث، [كمل] (5) في أيديهم نصفُ عبد، وهذا يعدل وصيتين، فالوصيةُ إذاً ربعُ العبد الذي صحت فيه الهبةُ الثانية، فنجعل قيمةَ العبد عشرين سهماً ليكون [للسهام] (6) خمسٌ ولخمسها ربعٌ.
ثم نعود فنقول: تصح هبة الأول في خمسيه، وهو ثمانية أسهم، وتبطل هبته في اثني عشر سهماً، وقد بان أن هبة الثاني ربع العبد وهو خمسة أسهم؛ يبقى في يد الثاني ثلاثة أسهم.
__________
(1) في الأصل: "قيمة" وهذه وأمثالٌ لها تشهد بعجمةٍ أصيلة قديمة لدى الناسخ.
(2) في الأصل: عشر.
(3) في الأصل: خمس خمسا.
(4) في الأصل: ضمنوا.
(5) في الأصل: كما.
(6) في الأصل: السهام.

(10/547)


فيدفع ورثةُ الثاني إلى ورثة الأول نصفَ ما في أيديهم وهو أربعة أسهم (1)، فيجتمع لورثة الأول ستةَ عشرَ سهماً، وهي ضعف ما صحت الهبة فيه، ويبقى مع ورثة الثاني سهم ونصف، ويأخذون من ورثة الأول نصفَ ما بطلت فيه الهبة الأولى، وذلك ستة. ويأخذون من الثالث نصفَ ما في يده وهو سهمان ونصف، فيجتمع لهم عشرةُ أسهم، وذلك ضعف هبة الثاني.
فإن فرضنا تقاصّاً بين ورثة الأول وورثة الثاني، بقي لورثة الثاني على ورثة الأول أربعة أسهم ونصف من العبد فيما يتراجعان فيه بحكم الجنايتين.
وبيان ذلك أن حق ورثة الثاني نصف ما في يده، وفي يده ثلاثة أسهم، وهي بقية الثمانية التي صحت الهبة الأولى [فيها] (2)، فأخرجنا إلى الوصية خمسة، فإذا [هما تراجعا] (3) بحكم الجناية في هذا القدر، فإذا حَطّ (4) عن الستة أسهم ونصف، بقي لورثة الثاني على ورثة الأول أربعة أسهم ونصف سهم من عشرين سهماً.
وعلى هذا فقس كلما طوّلتَ المسائل.
والذي نوصي الناظرَ به أن يتخيّل بُعْدَ المسألة أولاً، وما فيها من الراجع بحكم الجناية، وأن يعدّل الثلث والثلثين، بعد أن يحصّل أقصى ما يمكن من الجهات، فينتظم له تمام المراد.
وقد نجز هذا القول، والحمد لله وحده.
__________
(1) هذا بحساب أنهم حصلوا من ورثة الثالث على نصف ما معهم وهو سهمان ونصف، فإذا ضموا إليها نصف الثلاثة 1/ 2 1 يكون المردود أربعة. وإلا فلم يبق معهم بعد الوصية إلا ثلاثة، فكيف يكون نصفها أربعة؟
(2) في الأصل: منها.
(3) في الأصل: فإذا سهما تراجع.
(4) حَط: نزل.

(10/548)


مقالة تجمع نوادر في المسائل الدائرة من الفنون المختلفة
مسائل في استخراج المجاهيل في الدوائر المشتملة على العتق والكسب
7217 - مسألة: إذا سأل سائلٌ، فقال: مريضٌ أعتق عبداً، فاكتسب ذلك العبدُ بعد العتق، وقبل موت السيد كسباً، فكان الذي عتَق منه النصفُ، كم كان كسبه؟
فنقول: كسبه مثل قيمته، وطريق استخراجه بالجبر أن نقول: إذا أعتق نصفَه، تبعه نصفُ كسبه، غيرَ محسوب عليه، ويلزم أن يبقى في يد الورثة ضعفُ العتق، وفي أيديهم نصف الرقبة، فيلزم لا محالة أن يبقى من كسبه مثلُ ما بقي من رقبته، وإذا كان الباقي من الكسب مثلُ نصف الرقبة، فكل الكسب ككل الرقبة.
وإن قيل: اكتسب العبد كما صورناه، واقتضى الحسابُ أن يعتِق ثلثاه، فكم مقدارُ كسبه؟
قلنا: إذا عَتَق ثلثاه، تبعه من كسبه ثلثاه غيرَ محسوب ولا معتدٍّ به، وبقي ثلث الرقبة، فيجب أن يبقى من الكسب مثلُ [ثلث الرقبة وضعفُ ثلث] (1) الرقبة، وذلك أن يكون باقي الكسب مثلَ الرقبة، لتكون رقبة وثلث ضعفاً للثلثين.
وإذا [دقَّقتَ] (2)، [قلتَ] (3): وقع في مقابلة ثلث الرقبة من الكسب مثلُ الرقبة، فينتظم هذا في مقابلة كل ثلث، ويكون الكسب ثلاثة أمثال الرقبة.
7218 - وقد تقع أسئلةٌ مستحيلة لا تكاد تخفى على النظر، منها: أن يقول السائل: مريض أعتق عبداً، فاكتسب العبدُ بعد العتق، وقبل موت السيد كسباً، فكان الذي عتَق منه ربعُه، ولا دَيْنَ.
__________
(1) في الأصل: ثلث الرقبة ضعفي ثلثي الرقبة.
(2) في الأصل: وقفت.
(3) زيادة من المحقق.

(10/549)


فالمسألة مستحيلة؛ فإنه لو لم يكتسب شيئاً، لعَتَقَ ثلثه، وبالكسب يزيد العتق ولا ينقص.
وكذلك إن قال -والتصوير على نحو ما سبق-: عَتقَ جميع العبد، كان ذلك محالاً؛ فإنه لو عتق جميعه، لتبعه جميعُ الكسب، وذلك محالٌ، فالعتق إذا زيد على الثلث إذا وقع كسب على ما صورناه، لا يتصور (1) أن يستغرق الرقبة.
7219 - مسألة: إذا قيل: مريض أعتق عبداً، فكسب مثلَ قيمته، وانتقص من قيمة الرقبة وعتَقَ منه الخمسان، كم الذي نقص منه؟ قلنا: نقص من قيمته الثلثان.
وحساب المسألة أن نقول: عتق منه خمساه، واستحق خمسي كسبه، ورق للورثة ثلاثة أخماسه، ولهم ثلاثة أخماس [كسبه] (2) وثلاثة أخماس الكسب باقية لهم بلا نقيصة. فنحصر النقص في الرقبة، وقد علمنا أنه لو جُمع خمس واحد إلى الكسب السالم للورثة، لكفى وكان المجموع ضعفَ الخمسين، وقد بقي من الرقبة ثلاثة أخماسها، فعرفنا أن قيمتَها قيمةُ خمسٍ واحد، ونحكم بهذه النسبة على جميع الأجزاء، فقد رجع كلُّ جزء إلى ثُلثه.
ومما يجب التنبه له أن العتق النافذ في الخمسين بإعتاق القيمة التامة لا يزيد فيه بسبب نقصان القيمة؛ فإن النقصان لا يؤثر فيما نفذ العتق فيه. وهذا قد مهدناه في المسائِل الدائرة في العتق.
7220 - فإن قيل: أعتق عبده في مرضه، فاكتسب ضعفَ قيمته، وزادت القيمةُ حتى عتِق ثلثاه، فكم الزيادة؟ قلنا: زاد على القيمة مثلُها. وسبيل استخراج القيمة أن نقول: إذا عتق ثلثاه، تبعه من الكسب ثلثاه، فتبقَّى ثلث الرقبة وثلث الكسب، ويجب أن يكون الحاصل في يد الورثة قدرَ عبدٍ وثلث، والكسب مع ثلث الرقبة [قدر] (3) عبدٍ، فيجب أن نفرض في القيمة زيادة مثلها، ثم نُجري ذلك على طردٍ في
__________
(1) في الأصل: "ولا يتصور". ولا محل (للواو) فهي في جواب إذا.
(2) في الأصل: نسبه.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.

(10/550)


الأجزاء، وقد ذكرنا أن زيادة القيمة تجري مجرى الكسب، وأوضحنا في المسائل أن الكسب إذا كان ثلاثة أمثال الرقبة، فيعتِق من العبد ثلثاه. فإذا كان الكسب مثلَ الرقبة، فيجب أن يزيد مثل القيمة، حتى تصير الزيادة في القيمة مع الكسب ثلاثة أمثال الرقبة.
7221 - وإن قيل: مريض أعتق عبداً، فكسب مثلَ قيمته، ونقصت القيمةُ، وكان الذي عتَق منه ربعُ العبد، قلنا: السؤال محال؛ لأنه لو تلف، لكان ثُلثه حراً، وتبعه ثُلث كسبه، وللورثة ثلثا كسبه، وهو ضعف ما عتق منه، فإذا كان حياً، فكيف [يقع العتق على رُبعه] (1) والكسبُ مماثل للقيمة الباقية.
فصل
جمع الأستاذ مذاهب رآها [غريبة] (3) من أجوبة ابن سريج في المسائل التي تتعلق أطرافها بالحساب، فلم نؤثر تركَها؛ فإنها مستفادة في الفقه.
وقد ذكرنا من قبلُ أن الجارية إذا أعتقها سيدها في المرض، فحملت بعد العتق من زناً أو زوجٍ، وولدت [ولداً] (4) أن حكمَ ولدها حكمُ كسبها إن أتت به وولدته بعد العتق وقبل موت السيد.
فإن علقت قبل موت السيد وولدت بعد موته، ولا مال له غيرُها، فالظاهر من قول الشافعي أن ذلك بمثابة كسبها بعد موت المولى. هكذا نقل الأستاذ. فلا يكون ذلك [الولد من] (5) التركة؛ لأنه (6) حدث في ملك الورثة، والاعتبار في الولد بيوم الانفصال؛ فإنه لا قيمة له ما دام حملاً، بل هو تابعٌ لأُمه. هكذا [نقل] (7) الأستاذ.
__________
(1) في الأصل: فكيف يقتضى العتق على أربعة.
(2) من هنا -والحمد لله- بدأ الاعتماد على نسخة أخرى مساعدة هي التي رمزنا لهابـ (ح).
(3) في الأصل: عريّة.
(4) زيادة من (ح).
(5) في الأصل: لوارث التركة.
(6) في الأصل: ولأنه.
(7) في الأصل: ذكر.

(10/551)


ثم قال: قال ابن سريج: يحتمل أن نجعل قيمة الولد عند خروجه من التركة؛ [لأن] (1) العلوق بالحمل حصل في حياة المولى، فالوجه إسناد الحمل يوم الانفصال إلى حياة المولى، حتى نقول: كأنه مات عنه، والولد منفصل (2) على [ما عهدناه] (3) (4 عليه وقت الانفصال.
واحتج ابن سريج لهذا الوجه بأن قال: لو أوصى بحمل جاريةٍ 4)، فالوصية صحيحةٌ على ظاهر المذهب، وإن كان ينفصل بعد الموت، [ولو كان حكم ما ينفصل بعد الموت] (5) كحكم ما يحدث حقاً بعد الموت على [ملك] (6) الورثة، لكانت الوصية بالحمل وصيةً بما يحدث ملكاً للورثة.
والمسألة محتملةٌ، وما نسبه ابن سريج إلى [نصّ] (7) الشافعي [متجه بالغ] (8) وفيه تفصيل [لا بد] (9) من التنبه له.
فإن كانت الجارية حاملاً على قيمةٍ، فلم تزد قيمتها بالحمل على قيمتها عند [الحيال] (10)، فما ذكره الشافعي ظاهر، وتفصيل الغرض (11) فيه بسؤال وجواب.
فإن قيل: إذا زادت قيمةُ التركة بالسوق، أو زادت أعيانُها زياداتٍ متصلةً، فالزيادات الحاصلة من هذه الجهات محسوبةٌ من التركة، وتتعلق بها الديون، ولقد كان الحمل في البطن مملوكاً، فإن زادت بالانفصال، وجب أن تكون تلك الزيادة من التركة.
__________
(1) في الأصل: أن.
(2) (ح): ينفصل.
(3) في الأصل: عقدناه. و (ح): مهدناه. والمثبت من عندنا ليتسق مع حرف الجر بعده.
(4) ما بين القوسين ساقط من (ح).
(5) زيادة من (ح).
(6) في النسختين: (مالك). والتصويب من المحقق.
(7) زيادة من (ح).
(8) بياض في الأصل، والمثبت من (ح).
(9) في الأصل: لأن.
(10) في الأصل: الحساب. والحيال بالمثناة عدم الحمل (مصباح).
(11) (ح) وينفصل الغرض فيه سؤال ...

(10/552)


قلنا: حكم الزيادات المتصلة، والتي ترجع إلى غلاء الأسعار في الديون كما ذكره السائل، فأما ما يتعلق [بتقدير الثلث والثلثين] (1)، فالاعتبار فيه بحالة الموت، حتى إذا فرض مزيدٌ في القيمة بعد الموت، لم [يعتبر] (2) بذلك المزيدِ تعديلُ الثلث والثلثين، وإنما أورد ابنُ سريج ما أورده فيما يتعلق بالثلث والثلثين والزيادة بالعتق والنقصان [منه] (3)، فلو مات وقيمة الجارية يوم الموت زائدةٌ لأجل الحمل، فهذه الزيادة لا بد من اعتبارها، نظراً إلى حالة [الموت] (4) في مقدار التركة، وليس هذا موضع النص وتخريجِ ابن سريج.
فهذا منتهى فقه المسألة.
7222 - ونحن (5) [نقول بعده] (6): إذا ملك جاريةً حاملاً بولد رقيق، فأعتقها في المرض، ثم ولدت بعد موته [] (7)، قال الأستاذ؛ فيما حكاه من أجوبة ابن سريج: هذا يخرّج على الجوابين: أما على الوجه الأول - فانه عتَق ثلُثها، وعَتَقَ ثلثُ الولد لا محالة، فإنّ عِتْق [الأم يستتبع] (8) عتق الولد، وللورثة ثلثاها وثلثا ولدها، ولا [دور] (9)؛ فإن الولادة [وقعت] (10) بعد الموت، وليس المقدار الرقيق من الولد محسوباً من التركة.
وعلى تخريج ابن سُريج يصير كما لو ولدته قبل موته، [فيعتبر] (11) الرقيق من
__________
(1) عبارة الأصل: بيعه بالثلث والثلثين.
(2) في الأصل: لم يغير.
(3) في الأصل: فيه.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) (ح): والحق.
(6) في الأصل: نعدل بعد.
(7) في الأصل بياض قدر كلمتين، وفي (ح) الكلام متصل ولا زيادة، ولا بياض.
(8) في الأصل: الأمة يسيغ.
(9) في الأصل: ورد.
(10) في الأصل: رجعت.
(11) في الأصل، فيعسر.

(10/553)


الولد في مقدار التركة، وهذا يقتضي مزيدَ العتق، وتدور المسألة، فإذا كان قيمة الولد مثلُ قيمة الأم، والتفريع على التخريج، فيعتق نصفُ الأم، ويتبعها نصف الولد، ويبقى للورثة نصف الأم ونصف الولد، وهما ضعف العتق (1)، وما تبع الحرية من الولد غيرُ محسوب.
وقد تقدم هذا.
7223 - ومما حكاه من المذاهب الغريبة (2) أن قال: من أعتق في مرضه جاريةً، ثم وطئها، ومهرُ مثلها مثلُ نصف قيمتها، ولم يكن له مال غيرها، [قال] (3): قياس الشافعي أنه (4) يعتق منها [سبعاها] (5)، [فرقَّ] (6) خمسة أسباعها، ولها سبعا عُقرِها، وهو مثل سبعها؛ فإن عُقرَها نصفُ قيمتها. قال (7): ثم يقال للورثة: إن [بعتم] (8) سُبع رقبتها، وأعطيتموها [ثمنه] (9) بما استحقت من العُقر، فيبقى معكم أربعة أسباعها، ضعفُ ما عتَقَ، وإن أعطيتموها سُبعي مهرها من سائر أموالكم (10)، ملكتم خمسةَ أسباعها، ثم ذكر أن الأمة إن اختارت أن تأخذ سُبع رقبة نفسها بديتها وما لَها من العُقر، [كانت أحقَّ من الأجنبي. وظاهر ما ذكره أنه يجب على الورثة أن يسلموا السُّبعَ إليها، ولا يبيعوه من الأجنبي، ولا خلاف أنهم لو أمسكوا السبع وبذلوا حقها من العقر] (11)، كان لهم ذلك، وإنما ذكر ما ذكره فيه إذا أرادوا بيع سُبعٍ من أجنبي.
__________
(1) ذلك لأن العتق كان على الأم وحدها.
(2) (ح): القريبة.
(3) في الأصل: فإن.
(4) (ح): لأنه.
(5) في الأصل: سبعها.
(6) زيادة من (ح).
(7) (ح): فإن.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) ساقطة من الأصل.
(10) في (ح): أقوالكم.
(11) ما بين المعقفين ساقط من الأصل. وأثبتناه من (ح).

(10/554)


وهذا ليس على [وجهه] (1) لو أراد بما قال إيجاباً، فإنه لا حجرَ على الورثة في بيع ملكهم، ولا سبيل إلى تعيين المشتري عليهم، وقد سبق إيضاح هذا. وقدر الغرض الآن أنها تستحق مقداراً من العُقر ولا يكون ما تستحقه من الثلث، بل هو دَيْنٌ محقق محسوبٌ من رأس المال، ولا يحتسب ما يستحقه عليها.
7224 - وذكر ابن سريج وجهين آخرين شاذّين سوى ذلك: أحدهما - أنه قال: يحتمل أن نجعل ما [غرِمه] (2) السيد من عُقرها من الثلث؛ لأنه وجب بسبب العتق، فينبغي أن يكون بمثابة العتق، حتى يحتسب من الثلث.
والحساب على هذا القول -إذا كان عُقرها مثلَ نصف قيمتها- أن نقول: عتَقَ منها شيء، وله بعُقرها نصفُ شيء محسوبٍ على التبرع، يبقى للورثة أمةٌ إلا شيئاً ونصفَ شيء، وذلك يعدل ضعفَ ما عتَق منها وضعفَ ما أخذت من مهرها، وذلك ثلاثةُ أشياء، ثم نجبر بعد ذلك ونقابل، فيصير [أمة] (3) تعدل أربعة أشياء ونصفَ شيء، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما، ونقول: صارت الأمة تسعةً (4)، والشيء اثنين، وهو تسعاها، فيعتِق تسعاها ويرق سبعةُ أتساعها، ونأخذ تسعي عُقرها، وذلك مثلُ تسع رقبتها، فيبقى للورثة ثلثاها، وهو ضعف ما عتق منها، وضعفُ ما أخذت من المهر، وقد وقع العتق والعقر ثلثاً، وكان العُقر محسوباً عليها.
هذا وجهٌ ذكره ابن سريج.
وذكر مسلكاً آخر يؤدي في هذه المسألة إلى ما أدى إليه الوجه الأول في اعتبار
[الثلث والثلثين] (5)، وذلك أنه قال: يحتمل أن يسقط مهرها ونُهدره، ولا نوجب منه شيئاً، ويُجعل كأنه وطىء أولاً ثم أعتق، لأنه لو لم يطأها، لعتق ثلثاها، فلا يجوز أن ينقص عتقها [عن] (6) الثلث بسبب شيء تستحقه على المولى. وعلى هذا
__________
(1) في الأصل: وجه.
(2) في الأصل: ما عسر فيه.
(3) في الأصل: إذ.
(4) (ح): نسبة.
(5) في الأصل: التقييد الثلثين.
(6) في الأصل: من.

(10/555)


الجواب [يعتق ثلثها] (1) ويرق للورثة (2) ثلثاها، ولا دور.
وهذان (3) الجوابان ضعيفان، لا اعتداد بهما، والمذهب الذي عليه التعويل ما قدمناه في ابتداء المسألة.
ومن عادة ابن سريج أن يذكر وجوهاً من الأجوبة يعدد بها طرقَ الاحتمال، كالذي يستفتح نظراً، [ولا يبغي بشيء منها تعيينَ مذهب فيظن الناظر] (4) أن ما [أبداه] (5) من الاحتمالات وجوهٌ، وليست وجوهاً.
7225 - فإن كانت قيمتها مائة وعقرها خمسين (6)، وترك السيد مائةَ درهم، وقد
أعتقها في المرض ثم وطئها، فالتفريع على [ما هو المذهب] (7) المعتد أن نقول: عتَقَ منها شيء بالوصية من يوم العتق، ولها نصف شيء بالعُقر تأخذه من المائة، فيبقى للورثة مائة درهم (8) إلا نصفَ شيء، يعدل ضعف ما عتق منها، وهو شيئان، فبعد الجبر والمقابلة يعدل مائةُ درهمٍ شيئين (9) ونصف شيء، فالشيء خُمسا المائة، فيعتِق خمساها، ولها خمسا مهرها، وذلك عشرون، ويعتق باقيها بالإحبال والاستيلاد من رأس المال، وقد عتق منها الخمسان، عتقاً محسوباً من التبرع، وأخذت [خمسي] (10) مهرها، وهو خمس المائة، ويبقى للورثة أربعة أخماس المائة، وهي ضعف ما عتَقَ منها بالإعتاق [المتبرع] (11) به المعدود من الثلث، وباقي العتق محمول على
__________
(1) زيادة من (ح).
(2) عبارة الأصل: ويرق من المورثة، والمثبت عبارة (ح).
(3) (ح): هذان. (بدون واو).
(4) في الأصل: ولا يبقى شيء منها يعتبر مذهب فنظر الناظر.
(5) في الأصل وفي (ح): أداه.
(6) (ح): خمسي.
(7) زيادة من (ح).
(8) (ح) مائة: ويريد.
(9) (ح): شيء.
(10) في الأصل: خمسا خمس مهرها.
(11) في الأصل: والتبرع، (ح): التبرع (بدون واو).

(10/556)


الاستيلاد، وما يحصل بالاستيلاد محسوب من رأس المال.
ومن جعل عُقرها من الثلث، قال: تأخذ من المائة نصفَ شيء للعُقر كما ذكرناه، فتعدل المائة إلا نصفَ شيء ضعفَ ما عتَقَ منها بالوصية، وضعفَ ما استُحِق بالعُقر، وقد عتق منها شيء والعقر نصفُ شيء، وضعفهما ثلاثة أشياء، فبعد الجبر والمقابلة تعدل مائةٌ ثلاثة أشياء ونصفَ شيء، فإذا بسطناهما أنصافاً وقلبنا الاسم فيهما، صار الشيء (1) سُبعين، فنقول: يعتق (2) سبعاها يوم العتق قبل الاستيلاد، وتأخذ من المائة سُبعي مهرها، وذلك مثل سبع المائة، ويعتِق باقيها عند الموت بالاستيلاد، ويبقى للورثة ستةُ أسباع (3) المائة، وهي ضعف ما عتق منها بالإعتاق، وضعفُ ما استحقت من عُقرها.
ومن جعل الوطء هدراً، ولم يوجب مهراً، أعتق نصفها بالوصية يوم الإعتاق، ونصفها بالإحبال من رأس المال عند الموت، وللورثة المائةُ كلُّها، وهي ضعف ما عتق منها. والمذهب المسلك الأول (4) الذي ذكرناه.
مسائل في الوطء والإحبال من الشريكين،
أو من الواهب، أو من الموهوب له
7226 - إذا وهب جارية لا مال له غيرُها من رجلٍ وأقبضه إياها، ثم وطئها الواهب في مرضه وأحبلها، وقيمة ولدها يوم السقوط خمسون درهماً: مثلُ نصف قيمة الأمة، وأسقطته في حياة الواهب.
فنقول: بطلت الهبة أصلاً؛ لأنه لا ينتظم للورثة ثلثان [ويتعلق ضعفاً للتبرع] (5) الذي تقرر، فإنه إذا نفذت الهبة في مقدارٍ منها، فيصير باقي الأمة مستهلكاً
__________
(1) (ح): التي.
(2) سقطت من (ح).
(3) (ح): أتساع.
(4) ساقطة من (ح).
(5) في الأصل: فتعلق ضعفا التبرع.

(10/557)


بالاستيلاد، ولا يبقى في أيدي الورثة من الرقبة عند الموت، وما يثبتُ الاستيلاد [فيه يثبت فيه] (1) عتقُ الولد لا محالة، [فإذا] (2) لم ينتظم الثلث والثلثان، فالوجه [إبطال] (3) الهبة رأساً، والحكم بنفوذ الاستيلاد من الواهب في جميع الجارية.
فإن ترك الواهب مائتي درهم سوى الجارية، فنقول: نفذت الهبة في شيء منها، وعليه نصفُ شيء من عُقرها؛ إذا قدرنا عقرَها مثل نصف قيمتها، وعليه من قيمة الولد قدرُ ما جازت الهبة فيه، وهو مثل نصف شيء، ويعتق باقي الأمة بالإحبال من رأس المال، فيبقى للورثة مائتا درهم إلا شيئاً؛ فإنّا أخذنا من المائتين شيئاً من حساب العُقر [وقيمة الولد، فما يبقى من المائتين يعدل شيئين ضعف العتق، فبعد الجبر والمقابلة يكون] (4) مائتا درهم في معادلة ثلاثة أشياء، فيقع الشيء ثلث المائتين، وذلك مثل ثلثي الأمة، فتصح الهبة في ثلثيها، وتبطل الهبة في ثلثها، [وعليه] (5) ثلثا مهرها وثلثا قيمة الولد يوم السقوط، ومجموعهما ستة وستون وثلثان، وهي مأخوذة من المائتين ويعتِق ثلثها من رأس المال، ويبقى للورثة مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وهي ضعف ما جازت الهبة فيه. وما [أخذناه] (6) في حساب المهر، وقيمةُ الولد غيرُ محسوب، لما تقرر في هذه الأصول من وجوب الإتباع (7) والمقابلة والتعديل بين ما يبقى في يد الورثة من المائتين وبين ما تصح الهبة فيه، والاستيلاد ينفذ فيما بطلت الهبة فيه من رأس المال، ولا سريان للاستيلاد؛ فإنه يقع فيمن هو معسر؛ [إذ] (8) لا مالَ للميت إلا الثلث، وهو مستغرق بتبرعه.
__________
(1) عبارة الأصل مضطربة. هكذا: وما يثبت الاستيلاد ويثبت رقبة عتق الولد لا محالة.
(2) في الأصل: فإنه.
(3) في الأصل: أن نبطل.
(4) ما بين المعقفين زيادة من (ح). وننبه أنه كان في العبارة تصحيف أصلحناه، وذلك قوله: "فما يبقى من المائتين" فقد كانت (الجانبين).
(5) في الأصل: وعليها.
(6) في الأصل: أجزناه. ولاحظ أن (الواو) هنا للاستئناف وليس العطف، وإلا لن يستقيم الحساب.
(7) المراد وجوب إتباع الكسب العتق.
(8) في الأصل: أو.

(10/558)


فإن ترك ثلاثمائة والمسألة بحالها، تمت الهبة في جميعها، ولم تصر أمَّ ولد، وعليه عُقرها تاماً وقيمة الولد، ومجموعهما مائة درهم تأخذها من الثلاثمائة، ويبقى للورثة مائتان: ضعفُ ما صحت الهبة فيه، [فلست أفرّع] (1) على تخريج ابن سريج في احتسابه الغرامة مع الهبة من الثلث، ولا شك أنا لو فعلنا (2)، لم ينفذ تمامُ الهبة؛ فإن الثلث يضيق عن قيمةِ الجارية وعُقرِها وقيمةِ ولدها؛ وتتبعّض الهبة. ولكن إذا نبهنا على مسلكٍ ضعيف في مسألةٍ أومسائل، وجب الاكتفاء به.

مسائل في إعتاق المريض أمةً [وتزوجه] (3) بها أو إعتاق المرأة عبدها [وتزوّجها] (4) به
7227 - مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الوصايا الذي وضعه بخطه، لم يسمع منه: لو أعتق أمةً في مرضه، ثم نكحها وأصدقها صداقاً ملتزماً في الذمة، وكان لا يملك غيرَها.
قال رضي الله عنه: لم يجز عتقُه في جميعها، وعتَق بعضُها ورقَّ بعضُها، فإذا رق بعضها، بطل النكاح وبطل الصداق المسمى، فإن وطئها وبعضها حر، كان عليه بقدر ما عتق منها من مهر مثلها. وقال: فإن كانت قيمتها مائةً ومهرُ مثلها خمسون، عتق سبعاها ورق خمسةُ أسباعها، وعليه سبعا مهرها، وهو مثل سبع رقبتها. فإذا بيع ذلك منها في مهرها، بقي للورثة [أربعةُ] (5) أسباعها، وهي ضعف ما عتق منها. هذا كلام الشافعي. وقد ذكرنا هذا الجواب وفصلناه، ولكنا [تيمَّنا] (6) بنقل جواب الشافعي.
ثم قال الشافعي: هذا إذا [ردّ] (7) الورثةُ ما يزيد على الثلث، فإن أجاز الورثةُ
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل، والمثبت من (ح).
(2) (ح): جعلنا.
(3) في الأصل: وتزويجه.
(4) في الأصل: وتزويجها.
(5) في الأصل: خمسة.
(6) في الأصل: نبهنا.
(7) في النسختين: أراد.

(10/559)


عتقها، صح النكاح وعتَقت يومَ أعتقها تبيُّناً، [وصادف النكاح] (1) حرة، وكان مهرها ديناً في ذمة المعتِق، وقد فرع الشافعى المسألة على القول الأصح في أن إجازة الورثة تنفيذُ وصية، وليس ابتداءَ عطية منهم، وإذا كان ذلك تنفيذاً، فالجواب على ما ذكره، فيقع العتق التام متقدماً على النكاح.
فإن جعلنا إجازة الورثة ابتداءً منهم، فلا يستند العتق التام إلى ما تقدم، ولا بدَّ من إنشائهم العتقَ في مقدار حقوقهم، [ويقع] (2) ذلك بعد الموت لا محالة والنكاح فاسد.
7228 - فإن خلّف سيدها ضعفَ قيمتها، وقد (3) جرى الإعتاقُ على [المذهب] (4) الذي ذكرناه، فنقول [لها: إن أبرأته من مهرك، تم] (5) عتقك، وصح نكاحك وعليك [عدة] (6) [الوفاة] (7)، ولا ميراث لك؛ لأنا لو ورثناك، لرجع العتق في المرض وصية، ولا وصية لوارث، فيلزم من التوريث ردُّ العتق، وإذا ارتد العتق، بطل التوريث، والمسألة من الدوائر الفقهية، وسنجمع منها مسائل في كتاب النكاح، إن شاء الله عز وجل.
ثم قال الشافعي رضي الله عنه: إبطال الميراث أولى من إبطال الوصية؛ لأن في إبطال الوصية إبطالَ الميراث أيضاً، وإبطال الميراث لا يؤدي إلى إبطال الوصية، فالمائتان إذاً للورثة، والعفو نافذ، والنكاح صحيح. هذا موجَب النص، والميراث منقطع.
وما ذكرناه إذا أبرأت من المهر، فإن أبت أن تبرئه، فلا يتم العتق، ولا يصح النكاح؛ فإن المائتين لو قدر أخذُ المهر منها، لما وفت التركة بالقيمة.
__________
(1) في الأصل: وصارت بالنكاح.
(2) في الأصل: وبيع.
(3) في (ح): فقد.
(4) في (ح): الترتيب.
(5) هذه الجملة مصحفة في النسختين، فهي في الأصل: هكذا: فنقول له: إن من مهرك تم ... إلخ. وفي (ح) هكذا: فنقول لها: أين امراته من مهرك ثم عتقك ... إلخ. والمثبت تقديرٌ منا على ضوء السياق.
(6) في الأصل: هذه.
(7) مكان بياضٍ بالأصل. والمثبت من (ح).

(10/560)


ثم إن كان وطئها وهي غير مبرئة، فسبيل المسألة أن نقول: عتق منها شيء ولها بالمهر نصفُ شيء، وللورثة من المائتين والرقبة ثَلاثُمائة إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فبعد الجبر والمقابلة يكون الشيء سُبعين للثلاثمائة، وذلك ستةُ أسباع (1) الأمة، وهو الذي يعتق منها، ولها ستة أسباع مهرها، فبقي للورثة مائة وأحدٌ وسبعون وثلاثة أسباع، وهي ضعف ما عتق منها.
7229 - مسألة: إذا أعتقت امرأةٌ عبداً في مرضها قيمته مائة، ثم تزوجته على مائة، ومهرُ مثلها خمسون، وماتت في مرضها، ولا مال لها غيرُه.
فإن أجاز الورثةُ العتق، صح نكاحها، وعليه المهر المسمى، سواء جرى الوطء، أو لم يجر، ولم يرثها؛ لأن توريثه يؤدي (2) إلى إبطال توريثه.
هذا إذا أجاز الورثةُ، والتفريع على أن إجازتهم تنفيذٌ وإمضاءٌ للوصية وليس ابتداءَ عطية.
وإن لم يُجز الورثة، رق (3) بعضُ العبد لا محالة، وإذا رق بعضُه، بطل النكاح، وسقط المهر المسمّى، فان لم يكن وطئها، فلا شيء عليه، وإن كان وطئها، فعليه من العُقر بقدر ما عتق منه، ولا شيء عليه في مقابلة ما رق؛ لأنها لا تستحق في رقبة رقيقها مالاً، فإن كان معه ما [يؤدي به ما يلزمه] (4) من عقرها، عتق خمساه، وعليه خمسا عُقرها خمسون درهماً، ويرق ثلاثة أخماسه.
وبيانه أنه إذا عَتَقَ خمساه ورق ثلاثة أخماسه، [وغرِم خُمسا العُقر] (5)، وخمسا العقر مثلُ خمس الرقبة، فيحصل للورثة من الرقبة والعُقر أربعةُ أخماس، وهي ضعف ما جرى العتق فيه.
__________
(1) في (ح): أتساع.
(2) في الأصل: لا يؤدي.
(3) عبارة (ح): تبعض العبد.
(4) مكان بياضٍ بالأصل.
(5) الكلام غير مستقيم في النسختين؛ في الأصل: وعشر من خمس العقر، وخمسا العقر ... إلخ، وفي (ح) وغرم للعقر وخمسا العقر مثل .. والمثبت من (ح) بعد إكمال السقط.

(10/561)


هذا إذا كان معه ما يؤدي منه ما يلزمه من المهر.
وإن لم يكن معه ما يؤدي به [ما يلزمه من] (1) المهر، كان ذلك ديناً عليه، ولا مال غيرُ العبد، ولا دَوْرَ.
والوجه الحكم بعتق ثُلثه، وإرقاق [ثلثيه] (2). هذا حكم الحال، فإن ملك ما يؤدي منه ما عليه من المهر، عتق خمساه ولا [مزيد] (3).
ثم إذا ترقَّى العتق إلى الخمسين، كان ذلك [تبيّناً] (4)، ويحصل منه أن ما بين الثلث إلى قيمة الخمسين موقوفٌ.
فإن كان قد اكتسب بعد العتق وقبل موت السيد مثلَ قيمته، وهو مائة، عتق منه شيء، وله من كسبه شيء يؤدي منه [المهرَ] (5): نصفَ شيء، يبقى للورثة من الرقبة والكسب مائتان إلا شيئاً ونصفَ شيء يعدل شيئين، فالشيء سبعا المائتين، وذلك أربعة أسباع العبد، فيعتِق أربعةُ أسباعه، وله أربعة أسباع كسبه، فيبقى للورثة ثلاثة أسباع العبد، وثلاثة أسباع الكسب، ثم العبد يؤدي من الكسب الذي حصل له أربعة أسباع العُقر وهي قدر سبعي الرقبة، فيحصل في يد الورثة ثلاثة أسباع الرقبة وخمسة أسباع الكسب، وجملته عبد وسبع، أو ثمانية [أسباع] (6)، وهي ضعف ما حصل العتق فيه.
مسائل
من نوادر المحاباة في البيع والوصية
7230 - مسألة: إذا أوصى الرجل بأن يباع كُرّ حنطة -وهو مالكه- قيمتُه ألفُ درهم من رجلٍ عينه، بكرٍّ قيمته خَمسمائة، وأوصى لآخر بثلثٍ من كُرِّه، فليس في
________
(1) زيادة من (ح).
(2) في النسختين: ثلثه.
(3) في الأصل: كلمة غير مقروءة، وفي (ح): مزية.
(4) في الأصل: شيئاً. والمثبت من (ح).
(5) في الأصل: والمهر. وفي (ح): بالمهر.
(6) في الأصل: أتساع.

(10/562)


[التبرعين] (1) تقديمٌ، وهما على ازدحامٍ (2)، فإذا لم يُجز الورثةُ الزائدَ على الثلث، وجب قسمةُ الثلث بين صاحب المحاباة وبين صاحب الوصية، ولا بد (3) من إجراء بيعٍ على صفة المحاباة، إذ لا سبيل إلى تسليم قدر المحاباة إليه من غير بيع، ولو فرض ذلك، لم يكن [تنفيذاً للوصية] (4) على مقتضاها.
وسبيل الحساب أن نقول: ثلث ماله ثَلاثُمائةٍ وثلاثةٌ وثلاثون وثلث. والمحاباة خَمسُمائة، فهو مثل الثلث، ومثل نصف الثلث، والثلث يقع سهمين، والمحاباة تقع ثلاثة أسهم، فالمجموع خمسة أسهم، فيجب لذلك قسمة الثلث [بينهما] (5) على خمسة.
ثم [وجه] (6) العمل أن [نقول] (7): جاز البيع في شيء من الكُرّ، ورجع بالفرض شيءٌ قيمته نصفُ شيء، فيبقى من جهة التقدير بالقيمة كُرٌّ إلا نصفَ شيء، والمحاباة نصفُ شيء، وقد علمنا أن لصاحب الهبة بالوصية [مثل] (8) ثلثي وصية صاحب المحاباة، فإذا كانت المحاباة نصفَ شيء، فنزيد عليه [ثلثيه] (9) وثلثا النصف ثلثُ شيء، فمجموعهما خمسةُ أسداس شيء، فنُسقط ذلك من الكر الأرفع، فيبقى كرٌّ إلا خمسة أسداس شيء، وذلك يعدل ضعفَ المحاباة والهبة، وهو شيء وثلثا شيء، هذا ضعف خمسة أسداس شيء، فنجبر ونقابل، فيكون كُرٌّ في معادلة شيئين ونصف شيء، فنبسطها أنصافاً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون [الكر] (1) خمسةً، والشيء اثنين، فنعلم أن البيع صح في خُمسي الكر الأرفع، وبطل في ثلاثة أخماسه، ورجع
__________
(1) في الأصل: المتبرعين.
(2) (ح): شيئان على ازدحام.
(3) (ح): لا بد. (بدون واو).
(4) في الأصل: تنفيذ الوصية.
(5) في الأصل: منهما.
(6) في الأصل: وجب.
(7) ساقطة من الأصل.
(8) في الأصل: قبل.
(9) في النسختين: ثلثه.
(10) ساقطة من الأصل.

(10/563)


[بالثمن] (1) خمسا كر قيمتُه خمس كر، فالمحاباة إذاً خُمسُ كر، ولصاحب [الوصية] (2) مثلُ ثلثي المحاباة، وهي ثلثا خمس كر. فنسقط ذلك من الأربعة الأخماس الباقية، فبقي مع ورثة البائع ثلاثة أخماس كر وثلث خمس كر، وذلك ضعف ما جاز فيه المحاباة [والوصية] (3).
فهذه المسألة التي أجريناها على السداد، وقعت في كتاب الأستاذ [مختلَّةً] (4)؛ فإنه قال في تصويرها: إذا باع مريض كُرّاً قيمتُه ألفُ درهم بكُرٍّ قيمتُه خَمسُمائة درهم، ووهب لاخر من كره بمقدار ثلثه، ثم استمر على المنهاج الذي ذكرناه. وهذا [مختلٌ] (5)؛ فإن المحاباة إن (6) تقدمت على الهبة، قُدِّمت، فإن لم يف الثلث بها، استوعبنا الثلث منها. هذا موجب التقديم.
فإن قدم الهبةَ، [فهي] (7) مقدمة على المحاباة إذا تمت بالقبض، على ما سيأتي ذلك في فقه الوصايا، إن شاء الله عز وجل، وفرض إنشائهما يتناقض، فالوجه في تصويرهما ردهما (8) إلى الوصية، وما ذكره الأستاذ على التسامح في التصوير [والثقة بفهم] (9) من يتفطن.
7231 - مسألة: إذا باع كُرَّي طعامٍ قيمةُ كل واحد منهما ألفُ درهم من رجلين بكُرين قيمةُ أحدهما خَمسُمائة، وقيمة الآخر ستمائة.
فحق تصوير هذه المسألة أن نفرض إنشاء البيعين من وكيلين دفعةً واحدة، حتى لا تتقدم إحدى الصفقتين على الأخرى، فنعلم أولاً النسبة بين المحاباتين، فمحاباة
__________
(1) في النسختين بالهبة.
(2) في الأصل: الهبة، و (ح): الكر. والمثبت اختيار منا.
(3) في النسختين: الهبة.
(4) في الأصل: مختلفة.
(5) في الأصل: محتمل.
(6) (ح): وإن.
(7) في الأصل: في.
(8) (ح): وردهما.
(9) هذا تقدير منا مكان بياضٍ قدر كلمة بالأصل مع الكلمة الثانية. وفي (ح): كلمة غير مقروءة مع كلمة (بينهم).

(10/564)


أحدهما خَمسُمائة، ومحاباة الآخر أربعُمائة، فيجب قسمة الثلث بينهما على تسعة: لصاحب [الأربعمائة] (1) أربعةُ أتساع الثلث، ولصاحب الخَمسمائة خمسةُ أتساع الثلث.
وسبيل العمل (2) أن نقول: جاز البيع من كل واحدٍ من الكُرين في شيء، ورجع من أحدهما ما يساوي نصفَ الشيء، ومن الآخر ما يساوي ثلاثة أخماس شيء، وجملتهما شيءٌ ونصفُ خُمس شيء، فيبقى في يده كُرّان إلا أربعةَ أخماس شيء ونصف خمس شيء. وذلك أنا أجرينا البيع في شيئين، ثم رجع في عوض الصفقتين شيءٌ ونصفُ خمس شيء. فبقي الاستثناء بالشيئين في أربعة أخماس شيء ونصف خمس شيء، وذلك ضعف ما جرت فيه الوصيتان.
وقد علمنا أن وصية أحدهما نصف شيء، ووصية الآخر خمسا شيء وجملتهما تسعة (3) أعشار شيء، وضعفهما شيء وأربعة أخماس شيء. وإذا جبرنا وقابلنا، صار كران يعدلان شيئين وسبعة أعشار شيء، فنبسطهما أعشاراً، ونقلب الاسم فيهما، فيكون الكر سبعةً وعشرين، والشيء عشرين، فيصح البيع من كل واحد من الكرين في عشرين جزءاً من سبعةٍ وعشرين، المثل بالمثل [من] (4) الكر الأدْون كيلاً، فتخرج المسألة معدّلة.
والامتحان: أن البيع إذا جاز لصاحب الستمائة في عِشرين، كانت محاباته خُمسي عِشرين، وذلك ثمانية. ومحاباةُ صاحبِ الخَمسمائة عشرة، فالمحاباتان ثمانية عشر، وقد قسمنا الثلث بينهما على تسعة، فيجب أن يكون لورثة البائع ستة وثلاثون، ومعهم من الكرين ما بطل البيع فيه، وهو أربعة عشرَ؛ إذ فضل من كل كرٍّ سبعة [أجزاء] (5) ورجع بالعوض من أحدهما ما يساوي اثني عشر، ومن الآخر ما يساوي عشرة وجميع ذلك ستة وثلاثون، وهي ضعف المحاباتين، ومبلغ المحاباتين ثمانيةَ
__________
(1) في النسختين: الأربعة.
(2) العمل: يقصد به الحساب.
(3) (ح): سبعة أعشار.
(4) في الأصل: بين.
(5) زيادة من المحقق.

(10/565)


عشرَ، فليقسّم بين المشتريين على نسبة الأتساع: خمسةُ أتساع لصاحب الخَمسمائة، وأربعةُ أتساع لصاحب الأربعمائة.
7232 - مسألة: إذا سأل سائل عن مريضٍ أعتق عبداً لا مال له غيرُه، واكتسب العبدُ مثلَ قيمته، [فكان] (1) ما عتق منه مثلُ خمسة أجذار قيمته. كم كانت قيمته؟ وكم كان كسبه؟ وكم عتق منه؟
فحسابه أن نجعل قيمتَه مالاً، ليكون ذا جذرٍ، ويكون كسبه أيضاً مالاً مماثلاً له، وقد علمنا أنه عتَقَ منه خمسة أجذاره: [يتبعه] (2) من كسبه [خمسة أجذاره] (3)؛ لأن الكسب مثلُ الرقبة، فيبقى لورثة السيد من الرقبة والكسب مالان إلا عشرةَ أجذار، وذلك يعدل ضعفَ ما عتق منه، وهو عشرةُ أجذار، فنجبر ونقابل، فيكون [مالان يعدل عشرين] (4) جذراً، والمال الواحد يعدل عشرة أجذار. فإن قيل: مال يعدل عشرة أجذار، فمعناه يعدل عشرة أجذاره، فالجذر عشرة أجزاء من [اللفظ] (5)، والمال مائة، وهو قيمة العبد، والكسبُ مثله، فيعتق من العبد، نصفه، وهو مقدار خمسة أجذاره.
7233 - مسألة: فإن سأل سائل عن مريض وهب لأخيه في مرضه مالاً، فقبضه الموهوب له، ثم مات الموهوب له قبل الواهب، وخلّف بنتاً وأخاه الواهب، ولم يكن لهما مال غير ذلك الموهوب، فحصل في يدي بنت الموهوب له مثلُ جذري المال الذي صحت الهبة فيه. فكم مقدار المال؟
حساب المسألة أن نقول: ما تناوله (6) لفظُ الهبة مال، وقد علمنا أنه حصل في يدي بنت الموهوب له جذران، فقد رجع مثلُ ذلك إلى الواهب بالميراث، ونعلم أن حصة البنت نصف ما صحت الهبةُ فيه، فالهبة إذا صحت في أربعة أجذار المال وبطلت
__________
(1) في الأصل: لمكان.
(2) في الأصل: تسعة.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) في النسختين: فيكون مالاً وعثرين جذراً. والمثبت تقدير من المحقق.
(5) في الأصل: الملفظ.
(6) هكذا قرأنا بصعوبة.

(10/566)


في مالٍ إلا أربعة أجذار، ويرجع إلى الواهب بالميراث جذران، فيجتمع لورثته مالٌ إلا جذرين، وذلك يعدل ضعف ما صحت الهبة فيه، وهو ثمانية أجذار، فإذا جبرنا وقابلنا، كان مالٌ واحد يعدل عشرةَ أجذار، فجذر (1) المال عشرة، والمال كله مائة، وقد صحت الهبة في أربعة أجذاره، وهي [أربعون] (2)، ورجع إليه نصفها بالميراث، وهو عشرون، فاجتمع مع ورثته ثمانون، وهي ضعف هبته، وصار في يدي بنت (3) الموهوب له عشرون، وهي مثلُ جذري المال. وقس على هذا ما تريد (4) من أمثاله.
فصل
في المسائل الخارجة بالمعادلات المقترنة
7234 - قد ذكرنا ما وجدنا في كتاب الأستاذ، [وفي شروح التلخيص] (5) ومسائل ابن الحداد (6) الجبرية، ولم نألُ جهداً في تعليلها فقهاً وحساباً، وقد قدمنا ما وجدناه حائداً من مسائل الأستاذ عن قانون الفقه، وتداركنا بتوفيق الله تعالى خلَلَ النسخ (7)، فجرت المسائل على حقها (8)، إن شاء الله عز وجل. وكل ما قدمناه لم يعْدُ المفردات ومعظمها خرج بأطراف الجبر، وجرى في كل مسألةٍ ما مست الحاجةُ إليه.
__________
(1) (ح): فجرى.
(2) في الأصل: أربعة.
(3) (ح): ثلث.
(4) (ح): ما يزيد. ولعل الصواب: ما يرد.
(5) زيادة من (ح).
(6) (ح): ومسائل ابن الحداد من المسائل الجبرية.
(7) يبدو أن خلل النسخ وأوهام النساخ داءٌ قديم، فانظر -رحمنا الله وإياك- إلى هذا الكلام من الإمام، وكم عانى لتدارك الخلل في نسخٍ بينه وبين أصولها نحو مائة عام. فكم نعاني نحن وبيننا وبين هذه النصوص أكثر من ألف عام! مع فرق آخر -وهو الأهم- أعني عجزنا وقصورنا أمام علم أئمتنا الذين كانت صدورهم بحق خزائن العلم ومستودع أسراره، وكما قيل: كانت عقولهم من ذهب. نسأل الله العون والتوفيق.
(8) (ح): في.

(10/567)


والمعادلاتُ المقترنة (1) لا تقع في المعاملات المعتادة، وليست مما تمس إليها الحاجة في المسائل الشرعية، إلا أن يتصنع متصنع فيضع مسألةً شاذة، وإنما تعم الحاجة إلى المقترنة (2) في الهندسيّات (3) [أما في] (4) معانيها، [ونحن نرسم] (5) مسائل تخرج بالمعادلات المقترنة أوردها الأستاذ [مفرقةً] (6) في كتابه، ونحن [نأتيها] (7) مجموعة.
7235 - مسألة دائرة في الجنايات تخرج بالمعادلات المقترنة.
لو أن عبداً قيمتُه ألفا درهم قتل رجلاً خطأً، فأوصى له المجني عليه بالأرش، وأوصى لرجلٍ بثلث ماله، ووقع الفرض في [الإيصاء] (8) بالأرش؛ فإن تنجيز العفو مقدم (9) على الوصية، وإذا وقع العفو موصىً به (10)، زاحم الوصية.
تمامُ التصوير [أن] (11) سيد العبد اختار الفداء بالدية، والديةُ عشرةُ آلاف، ولا مال للمجني عليه الموصي بالعفو والثلث غيرُ العبد.
فحساب المسألة أن نجعل قيمة العبد درهمين: بفرض كل [ألفٍ] (12) درهماً، حتى لا نحتاج إلى ذكر الآلاف. فنقول: يجوز العفو في شيء من العبد، ويفدي المولَى باقيه، وهو درهمان إلا شيئاً بخمسة أمثاله، وهو عشرةُ دراهم إلا خمسةَ
__________
(1) (ح): المقترفة.
(2) (ح): المقترنات.
(3) (ح): الهبة سيات.
(4) مكان بياضٍ بالأصل. وأثبتناها من (ح).
(5) في الأصل: "ونجريه قسم مسائل" وهو تحريف غريب.
(6) في الأصل: معرّفة.
(7) في الأصل: نأتها. ولعل الصواب: ناتي بها.
(8) في الأصل: الأنصباء.
(9) (ح): متقدم.
(10) ساقطة من (ح).
(11) في الأصل: لأن.
(12) في الأصل: العبد.

(10/568)


أشياء؛ فإن الدية على هذا الوجه تناسب القيمة، فقد حصل للمجني عليه عشرة دراهم إلا خمسةَ أشياء هذا (1) ماله، ونضم إليه ما جوزنا العفو فيه، حتى يتصرف في جميع ماله، فيصير ماله عشرة دراهم إلا أربعة أشياء، فننقص استثناء شيء [بردّنا الشيء الذي نفذ العفو فيه] (2)، فيصير في يد ورثة المجني [عليه] (3) عشرة [دراهم إلا أربعة أشياء] (4)، فخذ ثلث ذلك، وهي ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئاً [وثلث شيء] (5).
هذا ثلث المال، والوصيتان محصورتان في الثلث؛ فإن المسألة مفروضةٌ في رد ورثة المجني عليه ما يزيد على الثلث. فإذا بان الثلث، وهو ثلاثة دراهم، وثلث درهم إلا شيئاً وثلث شيء، فسيد العبد يضرب في هذا الثلث بقيمة العبد، وهي درهمان، ويضرب فيه صاحب الثلث بثلث المال، وهو ثلاثة دراهم وثلث إلا شيئاً وثلثَ شيء؛ فإن اقتسام الوصايا بالثلث عند الازدحام يقع على نسبة إجازة الوصيتين بكمالهما، فإذا تضاربا على هذا النسق، أصاب السيد شيء؛ فإنا قلنا: العفو شيء من درهمين، [فألق] (6) هذا الشيء من ثلث ماله، يبقى ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئين وثلث [شيء] (7). هذا لصاحب الثلث؛ فإذاً للسيد شيء من الثلث، وللموصى له بالثلث ثلاثة دراهم وثلت درهم إلا شيئين وثلثَ شيء.
فنقول بعد هذا: قدرُ ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئين وثلثَ شيء من ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئاً وثلث شيء، كقدر شيء من درهمين.
وبيانه أن الوصية للسيد بدرهمين، والوصيةُ لصاحب الثلث بالثلث كَمَلاً، والثلث
__________
(1) (ح): هما ماله.
(2) عبارة الأصل: يرد بالشيء الذي يعد العفو فيه.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) اتفقت النسختان على الخطأ، ففي الأصل: عشرة دراهم إلا عشرة. وفي (ح): عشرة دراهم إلا عشرة دراهم. والصواب الذي يتفق مع الحساب ما ذكرناه. (عشرة دراهم إلا أربعة أشياء).
(5) ساقطة من النسختين.
(6) مكان بياضٍ بالأصل.
(7) ساقط من الأصل.

(10/569)


ثلاثة فى راهم وثلث درهم إلا شيئاً وثلث شيء، فإذا ردّ الورثةُ الزائد على الثلث من الوصيتين، نقصت كل وصيةٍ على نسبةٍ واحدةٍ، وذلك أنه لو اجتمعت وصايا إحداها (1) ألفان والأخرى ثلاثة آلاف، والأخرى ألفٌ، ورد الورثةُ الزائد على الثلث واقتضى الردّ رجوع [وصيته] (2) إلى نصفها، فكل وصيةٍ ترجع إلى نصفها، وتبقى الوصايا بعد نقصانها على التفاوت التي كانت عليه لو نفذت، فيخرج منه أن الوصايا إذا انتقصت عن أقدارها الكاملة برد الورثة الزائدَ على الثلث، فنسبة نقصان كل وصيةٍ منها في الكمال كنسبة سائر الوصايا، لا تختلف.
هذا معنى قولنا: نسبة الشيء من الدرهمين كنسبة ما نفذ وجاز للموصى له بالثلث من الثلث الكامل.
فإن كان الشيء من الدرهمين نصفها، فالذي سلّم للموصى له من الثلث نصف الثلث الكامل.
وقد بان أن النافذ من الدرهمين شيء، وبان أن [النافذ] (3) للموصى له بالثلث ثلاثة دراهم وثلث إلا شيئين وثلثَ شيء، والثلث ثلاثة دراهم وثلث إلا شيئاً وثلثَ شيء. وقد بان أن قدر الشيء من الدرهمين كقدر ثلاثة دراهم وثلثِ درهم إلا شيئين وثلثَ شيء من ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئاً وثلثَ شيء.
7236 - فنقول بعد ذلك: إذا ضربت ما أصاب صاحب الثلث ونَفَذ له في الوصية الثانية للسيد، وهو درهمان، كان ذلك كضربك ما أصاب المولى وصح له، وهو شيء في وصية صاحب الثلث وهي [تامة] (4) كاملة، ومبلغها ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئاً وثلثَ شيء، وحق الناظر أن يفهم هذا أولاً، ثم نبين وجهه، فنعبر [مرة] (5) أخرى ونقول: ما يستقر في إحدى الوصيتين بعد الرد والنقصان إذا ضرب في كمال
__________
(1) (ح): أجراها.
(2) في الأصل: الوصية.
(3) زيادة من (ح).
(4) في الأصل: باقية.
(5) في الأصل: فنعبر عنه في أخرى.

(10/570)


الوصية الأخرى [من غير نقصان] (1) فإنه يردّ ما [يردّه] (2) ضربُ ما يستقر من الوصية الأخرى بعد الرد في تمام الوصية الأولى قبل الرد.
هذا معنى الكلام، وهو مقطوع به عند من أَلِف الحسابَ.
وبيانه إذا فرضنا عددين مختلفين، وفرضنا انتقاصهما على نسبةٍ واحدة، فضرب ما تبقى من أحد المبلغين في كل المبلغ الثاني كضرب ما يبقى من المبلغ الثاني في كل المبلغ الأول.
وبيان ذلك بالمثال: أنا إذا فرضنا عشرة وعشرين، ونقصنا من كل واحد من المبلغين نصفه، فضرب نصف العشرين في العشرة كضرب نصف العشرة في العشرين.
وإذا فرضت عشرة وسبعة رددت كل واحدٍ منهما إلى النصف، فضرب خمسة في سبعة خمسة وثلاثون وضرب نصف السبعة في عشرة خمسة وثلاثون.
فإذا ثبت بما قدمنا أن الشيء من الدرهمين كثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئين (3) وثلثَ شيء من ثلاثة دراهم وثلث إلا شيئاً وثلث شيء، فضربُ شيء، وهو المستقر بعد الردّ في الوصية الكاملة من الجانب الآخر، وهي ثلاثة دراهم وثلث درهم إلا شيئاً وثلثَ شيء كضرب ثلاثة دراهم وثلثِ درهم إلا شيئين وثلث شيء، وهو المستقر بعد الرد في تمام الوصية الأخرى، وهي درهمان. هذا نعرفه قطعاً، ثم نبتدىء الضربَ على عبارات الجبريين، ثم لا يتبيّن استواء المردودين إلا بطريق الجبر، وبهذا يخرج المجهول الذي نبغي إخراجه.
فنقول: نضرب ثلاثةَ دراهم وثلثَ درهم إلا شيئين وثلثَ شيء في درهمين، فيردُّ الضربُ ستةَ دراهم وثلثي درهم إلا أربعة أشياء وثلثي شيء، وهذا بيّن لمن تأمل وأحكم ما ذكرناه في أصول الجبر في المسائل المقدمة.
ثم نعود فنضرب الشيء الذي جاز للمولى في الوصية [التامة] (4) من الجانب
__________
(1) في الأصل: حتى نفضل.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) (ح): شيء.
(4) في الأصل: الثانية.

(10/571)


الآخر، وهي ثلاثةُ دراهم وثلث درهم إلا شيئاً وثلث شيء، فيردّ [ثلاثة أشياء وثلث شيء إلا مالاً وثلثَ مال] (1). والمبلغان متعادلان.
هذا الذي ذكره آخراً يعدل ستة دراهم [وثلثي] (2) درهم إلا أربعة أشياء وثلثي شيء، فنجبر الاستثناء من [الجانبين] (3) ونقابل، فيبقى مال وثلثُ مالٍ وستة دراهم وثلثا درهم في معادلة ثمانية أشياء.
ولسنا نُطوّل بإيضاح كل ضربٍ؛ فإنه بيِّنٌ. ثم إن الجبريين إذا انتهَوْا إلى مثل هذا المنتهى، ردوا حسابهم إلى مالٍ واحد، وإذا [فعلنا] (4) هذا، فقد نقصنا [ثلث مالٍ، وإذا نقصنا من مالٍ وثلثٍ ثلثَ مالٍ، فقد نقصنا] (5) ربعه، فننقص من كل ما معنا على هذه النسبة، فيكون مالٌ واحد وخمسة دراهم يعدل ستة أشياء. فقد انتهينا الآن إلى مسألةٍ من المقترنات (6)، وهي مال (7) وعدد يعدل جذوراً.
وقد ذكرت في تمهيد قواعد الجبر [السبيل] (8) في ذلك. والوجه أن نعمد إلى الأشياء وهي الجذور فننصفها، ونصف الستة ثلاثة، فنضربها في نفسها، فيكون تسعة، فنسقط منها [العدد] (9) الذي مع المال، وهو خمسة، فيبقى أربعة من التسعة،
__________
(1) في الأصل: ثلاثة أشياء وثلث من إلا مالاً وثلث مال. والمثبت من (ح). ونذكّر هنا بما فصله إمامنا من قواعد الجبر ومصطلحاته في أول كتاب الوصايا، حيث قال: "إنهم يعنون بالشيء الجذر، وأن الجذر إذا ضرب في نفسه ردَّ مالاً". فهنا لما ضربنا الشيء في (إلا شيئاً وثلث شيء) كان المردود مالاً وثلث شيء.
(2) في الأصل: وثلاثون.
(3) في الأصل: كلمة غير مقروءة والمثبت من (ح). ثم المراد بالجانبين مردود الضرب في الحالتين، فتكون المعادلة هكذا: (1/ 3 6 دراهم وثلث إلا 1/ 3 4 شيء = 1/ 3 3 شيء إلا 1/ 3 1 مال). وإجراء جبرها ومقابلتها سهلٌ ميسور.
(4) في الأصل: جعل. وفي (ح): جعلنا. والمثبث اختيار منا.
(5) زيادة من (ح).
(6) (ح): المعنويات.
(7) حرفت في (ح) إلى: ما لو عده.
(8) حرفت في الأصل إلى: للسيد.
(9) في الأصل: القدر.

(10/572)


فنأخذ جذرها وهو اثنان، فنلقيها من نصف الأجذار، وهو الثلاثة الباقية منها. فيبقى واحد، فنقول: بان لنا أن الشيء الذي أضفناه (1) إلى الدرهمين إن قدرنا العبد درهمين واحدٌ من اثنين، فقد صح [العفو] (2) في نصف العبد، وقيمته ألفٌ، وفدى سيدُه نصفَه بنصف الدية، وهو خمسة آلاف، فنضمُّها إلى النصف الباقي من العبد وهو ألفٌ، فالمجموع ستةُ آلاف وثلثها ألفان، وصاحب [العبد] (3) يضرب في الثلث بألفين، وصاحب الثلث يضرب بألفين، فاقتضى قسمةَ الثلث بينهما نصفين، فيأخذ كل واحد منهما ألفاً، ويبقى للورثة أربعةُ آلاف وهي ضعف ما جاز بالوصيتين.
7237 - مسألة: إذا أعتق الرجل في مرضه عبداً قيمته ألفُ درهم لا مال له غيرُه، فقتله عبدٌ لرجل آخر قيمتُه ألف درهم، وللعبد المقتول بنتٌ حرة، والتفريع على أن المعتَق بعضُه يورث.
فإن اختار سيد العبد القاتل فداء العبد بالدية، فنحكم على هذا الجواب أن العبد المقتول [مات] (4) حراً والدية نصفها لبنته، ونصفها لعصبة المعتِق؛ فإن ما يستحقه [عصبة] (5) المعتِق يزيد على ضعف قيمة [العبد] (6)، ويقع الفرض فيه إذا كان لا يخلّف المعتِق إلا العصبةَ، حتى ينتظم الكلام.
فلو كانت قيمة العبد المقتول أكثر مما ذكرناه، فنقول: ما دامت قيمته مثل ربع الدية، فيعتق كله إذا كنا [نرى الفداء بالدية] (7)؛ فإن نصف الدية يصرف إلى بنته والنصف الآخر يصرف إلى ورثة المعتِق على ما وصفنا الورثة، فيكون نصفُ الدية ضعفَ القيمة، إذا كانت القيمة ربع الدية.
__________
(1) أضفناه: المعنى نسبناه إلى الاثنين، وليس جمعناه.
(2) في الأصل: العتق.
(3) (ح): الهبة.
(4) في الأصل: كلمة غير مقروءة.
(5) في الأصل: لعصبة.
(6) في الأصل: المعتق. ثم معنى العبارة أن حصول ورثة المعتِق على نصف الدية، وهو أكثر من ضعف ما صح العتق فيه (وهو العبد كاملاً) يجعل العتق نافداً.
(7) في الأصل: نرد الفداء فالدية.

(10/573)


ولا يخفى نُفُوذ العتق إذا كانت القيمة أقلَّ من الربع.
فإن كانت قيمة العبد [أكثر] (1) من الربع، مثل أن كانت نصفَ الدية، فلا ينفذ العتق في جميعه، بل نقول: عتق منه شيء واستحق [به من] (2) الدية شيئين؛ فإن الدية ضعفُ القيمة، ثم السيد المعتِق يرث منهما شيئاً واحداً (3)، ويأخذ قيمة ما رق منه، وهو خمسة آلاف [إلا شيئاً] (4)، وإذا ضممنا ذلك إلى ذلك الشيء الذي رجع إليه بالإرث من العتق، كملت خمسة آلاف، وزال الاستثناء، فإذاً خمسة آلاف تعدل شيئين، والشيء ألفان وخَمسُمائة.
فنقول عتق من العبد نصفُه، ويغرَم سيد القاتل لورثة المعتِق نصفَ قيمته وذلك ألفان وخَمسُمائة ويغرَم أيضاً نصفَ الدية على مقابلة ما عتق، وهو خمسة آلاف، للسيد منها ألفان وخَمسُمائة فيجتمع لورثته خمسةُ آلاف، فهي ضعف ما عتق من العبد. وهذا الطرف من المسألة يخرج بالمعادلة المفردة.
7238 - وإن اختار سيد الجاني التسليم والدفع، ولم [يختر] (5) الفداء، وخلف العبدُ المقتول ابناً، فمعلوم أن قيمة القاتل لا تحتمل ديةَ ما عتق وقيمةَ ما رقَّ (6) [فحساب المسألة أن يضرب السيد منها بقيمة ما رقَّ] (7) ويضرب ابن العبد منها [بدية] (8) ما عتق، فيقتسمان قيمة العبد على ذلك، ولو كان المقدار الذي يعتِق معلوماً، لما احتجنا إلى الحساب المستخرج بطريق الجبر، وإنما [أُبهمت] (9)
__________
(1) في الأصل: أقل.
(2) عبارة الأصل: واستحق في الدية شيئين.
(3) شيئاً واحداً: لأن بنت المعتق ترث النصف فرضاً.
(4) في الأصل: إلا شيئين.
(5) في الأصل: ولم يجز.
(6) لا تحتمل دية ما عتق وقيمة ما رق: وذلك لأن القيمة أقل من الدية، فأي جزء عتق مهما كان ستكون ديته أكثر من قيمته. وهذا معلوم بداهة.
(7) زيادة من (ح).
(8) في الأصل: يوم ما عتق.
(9) في الأصل: أتممتُ.

(10/574)


المسألة؛ من جهة أنا لا ندري قبل العمل مقدارَ العتق ومقدار الرق.
فإذا كانت قيمةُ العبد المقتول ألفاً، وقيمة العبد القاتل ألفاً. وافتتحنا الحساب،
وجعلنا كل عبد درهماً، وقلنا (1): العبد القاتل درهمٌ، فيضرب ابن العبد المقتول في قيمته، وهو درهم، بدية [الشيء] (2)؛ فإن العتق شيء و [ديته] (3) عشرةُ أشياء، ويضرِب ورثةُ السيد بقيمة ما رق، وهو درهم إلا شيئاً، ونعلم أن نصيبهم من قيمة القاتل ضعفُ العتق وهو شيئان، ونصيب ورثة المقتول الباقي، وهو درهم إلا شيئين (4)؛ فقد ضرب ابن العبد بعشرة أشياء، فأصابه درهم إلا شيئين (5)، وضرب ورثة السيد بدرهم إلا شيئاً، فأصابهم شيئان.
فنقول: قدرُ (6) درهم إلا شيئاً من شيئين كقدر عشرة أشياء من درهم إلا شيئين.
وهذا على القياس الذي قدمناه في المسألة الأولى؛ فإن انتقاص المالين يقع على وتيرة واحدةٍ ونسبةٍ واحدة، فنضرب ما أصاب ابن العبد واستقرّ له، وهو درهم إلا شيئين في أصل ما يضرِب به ورثةُ السيد، وهو درهم إلا شيئاً، فيخرج من الضرب درهمٌ ومالان إلا ثلاثة أشياء، وسبب هذا أنك إذا ضربت إلا شيئاً في [إلا شيء] (7) ردّ مالاً زائداً، كما قدمناه في قاعدة الجبر، وقد ضربنا إلا شيئاً في إلا شيئين، زدنا (8) في حكم الضرب شيئاً، فإذاً الخارج من الضرب درهمٌ ومالان إلا ثلاثة أشياء.
ثم نعود فنضرب ما استقر لورثة السيد، وهو شيئان في أصل ما يضرب به [ابن] (9)
__________
(1) (ح): وثلثا.
(2) في الأصل: المقتول.
(3) بياضٍ بالأصل، وفي (ح): "فدية".
(4) (ح): إلا شيء.
(5) (ح): إلا شيء.
(6) قدر: المراد هنا نسبة درهم إلا شيئاً إلى شيئين. وأنها كنسبة: عشرة أشياء إلى درهم إلا شيئين.
(7) في الأصل: شيء (بدون استثناء).
(8) عبارة (ح): وقد ضربنا الاثنين في إلا شيئين وما في حكم الضرب بين ...
(9) ساقطة من الأصل.

(10/575)


العبد، وهو عشرة أشياء، فيكون المردود عشرين مالاً، وهي [تعدل] (1) درهماً [ومالين] (2) إلا ثلاثة أشياء، فإنا قررنا استواء [المبلغين] (3) الخارجين من الضربين، فنجبرهما بالاستثناء ونلقي مالين من عشرين مالاً قصاصاً، فيكون ثمانيةَ عشرَ مالاً وثلاثة أشياء تعدل درهماً واحداً، فنرد الأموال إلى مال واحد، فإذا فعلنا هذا، رددناها (4) إلى نصف التسع؛ فإن الواحد من الثمانيةَ عشرَ نصفُ تُسعها، نرد كلَّ ما معنا من [الأجناس] (5) إلى هذه النسبة، والأشياء [الثلاثة] (6) التي كانت مع الأموال نصفُ تُسعها سُدسُ شيء؛ فإنها ثمانيةَ عشرَ سدساً، فنقول: مال واحد وسدس شيء، يعدل نصفَ تسع درهم.
وقد انتهت المسألة إلى مسألةٍ من المقترنات، وهي مال وجذر يعدل عدداً؛ [فإن الجزء من الجذر جذرٌ، والجزءُ من الواحد من جنس العدد] (7)، وقد مهدنا في المقترنات أن سبيل هذا القسم منها أن نضرب الجذور في أنفسها، ونزيدَ مبلَغها على العدد، كما تمهد.
ثم (8) إذا استكملنا الطريق هاهنا، نذكِّر الفطن ما قدمناه، فنقول: [معنا] (9) مال وسدسُ شيء يعدل نصفَ تسع درهم، فنضرب سدس الشيء في مثله، على قياس ضرب الأعداد، لا على قياس ضرب الجذر في الجذر، ونزيد المردودَ على نصف تُسع درهم، فنبسط [المجموع من مائة وأربعة وأربعين جزءاً،
__________
(1) في الأصل: بعشرين.
(2) في الأصل: وشيء.
(3) في الأصل هكذا: الملبغين.
(4) (ح): فقد رددنا.
(5) في الأصل: الأخماس.
(6) مزيدة من (ح).
(7) عبارة الأصل: "فإن الجبر من الجذر والجذر والجبر من الواحد من جنس العدد". وعبارة (ح): "فإن الجبر من الجذر، والجبر من الواحد من جنس العدد".
والمثبت تقدير منا رعاية للسياق.
(8) عبارة (ح): كما تمهد ثمَّ، وإذا استكملنا ...
(9) في الأصل: معه. و (ح): منعنا.

(10/576)


فيقع] (1) المبلغ إذا [ألَّفت] (2) تسعة أجزاء (3) من مائة وأربعةٍ وأربعين جزءاً من درهم، فخذ جذره (4)، وذلك ثلاثةُ أجزاء من اثني عشر جزءاً من درهم، وإذا [ألفت] (5)، قلتَ: ربع درهم، فانقص منه نصف الجذر المضروب في مثله قبل الضرب، وذلك نصف سدس، وإذا نقصت نصف سدس من ربع، بقي سدس الواحد، وهو الشيء المطلوب، فقد عتق من العبد سدسُه، ورق خمسةُ أسداسه، ثم [ابنُ] (6) المعتَق سدسه يضرب بسدس الدية، وهو ألفٌ وثلثا ألفٍ، فتكون قيمة القاتل بينه وبين ورثة السيد على ثلاثة أسهم ثلثاها لابن العبد، وهو سِتُّمائة وستةٌ وستون درهماً وثلثا درهم، وثلثها لورثة المعتِق وهو ثَلاثُمائة وثلاثةٌ وثلاثون وثلث، وهو ضعف السدس الذي عَتَق.
مسألة دائرة في العتق يخرج حسابها بالمعادلة المقترنة:
7239 - إذا أعتق في مرضه عبداً قيمتُه تسعةُ دراهم، لا مال له غيرُه، فاكتسب العبد بعد العتق وقبل موت السيد اثني عشر درهماً، ثم مات العبدُ وخلف ابناً حراً، ثم مات الابن وخلف مولى أبيه ومولى أمه، ولم يكن له مال إلا ما ورثه عن أبيه، ثم مات المولى المعتِق.
فنذكر فتوى المسألة الخارجة آخراً (7) على التعديل المطلوب [قياساً] (8) وتقريباً، ثم نذكر طريق الحساب.
فنقول: العبد حين (9) مات كان نصفه حراً، ولما عتق نصفه الحرّ نُصّف ولاء ولده
__________
(1) زيادة من المحقق اقتضاها السياق. ولم ترد في النسختين.
(2) بياضٍ بالأصل. وعبارة (ح): على نصف تسع درهم، فالمبلغ إذا ألفت ...
(3) لما أستطع بعدُ معرفة لماذا كانت 9/ 144، مع أن نتائج الحساب تقول: إنها 12/ 144، برغم الاستعانة بأهل هذا الفن وجهابذته. وإن كانت النتيجة النهائية للمسألة صحيحة (الشيء = 1/ 6). فهل في الكلام سقط أو تحريف؟ الله أعلم.
(4) في الأصل: فخذ من جذره.
(5) بياضٍ بالأصل.
(6) ساقطة من الأصل.
(7) في (ح): إجراء.
(8) مكان كلمة لا تكاد تقرأ في النسختين.
(9) ح: حتى.

(10/577)


إلى مولاه المعتق، وبقي نصف [الولاء لموالي أم الابن] (1)، وملك العبد الذي عتق نصفه نصفَ كسبه ستةَ دراهم، وورث منه ابنُه ذلك على القول الجديد في التوريث فيمن مات وبعضه حر، ثم مات الابن، فورث السيد نصف ذلك، وهو ثلاثة، والنصف الباقي لمولى أمه، ومات نصف العبد رقيقاً، فلم يبق لورثة المولى من رقبته شيء، ولكن لهم نصف الكسب بسبب الرق في نصف العبد، وهو ستة، ويرجع إليهم نصف الباقي بالميراث عن ابن العبد؛ لأن لهم نصفَ ولاء الابن، فاجتمع لهم تسعةُ دراهم، وهي ضعف ما عتق من العبد؛ فإن العبد تسعة، وقد عتَقَ نصفُه.
7240 - وحساب المسألة أن نقول: عتق منه شيء، واستحق من كسبه شيئاً وثلث شيء؛ لأن الكسب مثلُ قيمته، ومثلُ ثلثها، هكذا [يجب أن] (2) تُناسبَ الاثنا عشر التسعةَ، وتطّرد هذه النسبة في الأجزاء، فإذا استحق من كسبه شيئاً وثلثَ شيء، لأن الكسب مثلَ قيمته ومثل ثلثها، ويكون ذلك لابنه بالميراث، ثم مات الابن، ولا مال له غيرُ هذا الشيء وثلث الشيء، ورث (3) السيد من ذلك بقدر ما عتق من العبد، وهو بعدُ مجهولٌ إلى تمام العمل؛ فإنا لو علمنا قدرَ العتق، لم يبق إشكال.
فسبيل العمل أن نقول: يرث السيد من ذلك بقدر ما عتق من العبد، [وهو شيء] (4)، ويرث مولى الأم منه بقدر ما رقّ من العبد؛ وهو عبدٌ إلا شيئاً؛ فيضرب السيد في تركة الابن بشيء، ويضرب مولى الأم فيه بتسعة دراهم إلا شيئاً، وهي الرقبة مع الاستثناء.
ونقول بعد ذلك: كان حصل في يد السيد من الكسب مقدارٌ، فنعلم أنه يأخذ من تركة الابن حصةً إذا ضمها إلى ما في يده من الكسب، كان ذلك شيئين ضعفَ العتق،
__________
(1) عبارة الأصل: " ... نصف المولى لمولى أم ... الابن" هكذا بترك بياض قدر كلمة. والمثبت عبارة (ح).
(2) مكان بياض بالأصل. وهذا تقدير منا، حيث أضربت عنه (ح) ووصلت الكلام بدونه.
(3) جواب (إذا) في قوله: فإذا استحق من كسبه.
(4) ساقط من الأصل.

(10/578)


وكان في يده من الكسب اثنا عشر درهماً إلا شيئاً وثلثَ شي، فالمسألةُ (1) على إبهام الجبر، وذكر الشيء مع الاستثناء، فإذا ضممته إلى ما في يده من الكسب، كان ذلك شيئين على [العبارات] (2) المستعملة في مسالك [الجبر] (3) فنقول: كان معه اثنا عشر درهماً إلا شيئاً وثلثَ شيء، فالذي يجعله شيئين على مراسم الجبر ثلاثةُ أشياء وثلث شيء إلا اثني عشر درهماً ..
وبيان ذلك أنه كان في يده اثنا عشر درهماً إلا شيئاً وثلثَ شيء، فضممتَ إلى ذلك ثلاثةَ أشياء وثلثَ شيء، فنُسقط استثناء الشيء وثلثَ الشيء، ويبقى اثنا عشر درهماً وشيئان، ولكن هذه الأشياء الثلاثة وثلثَ شيء لو جرد إثباتها، لزاد المال على ما نريد، فنصل بثلاثة أشياء وثلث الشيء استثناء اثني عشر، وإذا سقط اثنا عشر، بقي شيئان، وهو الذي نطلبه.
فإذا بان ذلك، فنلقي من تركة الابن المقدارَ الذي ضممناه إلى ما كان من الكسب في يد السيد، والتركةُ شيء وثلثُ شيء، فإذا ألقيتَ منه ثلاثةَ أشياء وثلثَ شيء إلا اثني عشر درهماً، تبقّى من تركة الابن اثنا عشر درهماً إلا شيئين.
وبيان ذلك أن التركة شيء وثلثُ شيء بلا استثناء، والأشياء الثلاثة وثلث شيء فيها استثناء اثني عشر، فإذا أسقطنا شيئاً وثلثَ شيء، وهي إثباتٌ [لا استثناء] (4) منه بشيء وثلث شيء مع الاستثناء، لم يستقم (5)، بل يبقى من التركة اثنا عشر درهماً إلا شيئين.
فنعود بعد وضوح ذلك ونقول: السيد يضرب في التركة بحصة العتق، والعتقُ
__________
(1) (ح): فاطلب.
(2) في الأصل: المسائل.
(3) زيادة من (ح).
(4) في الأصل: إثبات الاستثناء فيه.
(5) لم يستقم: أي لم يستقم الحساب. وفي الكلام إيجازٌ بالحذف مفهومٌ من الشرح الحسابي السابق والمسألة حسابياً واضحة، وصورتها هكذا: 1/ 3 1 شيء - (1/ 3 3 شيء - 12 درهماً) وإذا جبرنا، كانت هكذا: 1/ 3 1 شيء - 1/ 3 3 + 12 درهماً ثم تصير هكذا: 12 درهماً - شيئين.

(10/579)


شيء، فيضرب بشيءٍ من الولاء في التركة، [ويناله] (1): ثلاثة أشياء وثلث شيء إلا اثني عشر درهماً، ومولى الأم يضرب بما يقابل [العبد إلاشيئاً، وإن أردنا، قلنا: يضرب] (2) بتسعة دراهم إلا شيئاً، والذي يقابل هذا هو الباقي من التركة، فقد أخذ السيد من التركة ما أخذ، وقد أخذ من التركة ثلاثة أشياء وثلثَ شيء إلا اثني عشر درهماً، وذكرنا أنه بقي من التركة اثنا عشر درهماً إلا شيئين، فقد بان السبب الذي به يضرب السيد بشيء، والذي يصيبه [ثلاثة أشياء وثلث شيء إلا اثني عشر درهماً.
والسبب الذي يضرب به موالي الأم بتسعة دراهم إلا شيئاً، والذي يصيبه] (3) اثنا عشر درهماً إلا شيئاً، فقد حصلت معنا أربعة أعداد متناسبة.
وبيان ذلك أن السيد يستحق من التركة حصةً، ومولى الأم يستحق حصةً مثلَ حصة السيد من الولاء الذي ثبت له كسبه، وإذا وجدنا أربعة أعداد، وكانت نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، فضربُ الأول في الرابع كضرب الثاني في الثالث.
وإيضاح ذلك بالمثال: أنا إذا قدّرنا اثنين وأربعة وخمسة وعشرة، وقدرنا الأول الاثنين، والثاني الأربعة، والثالث الخمسة، والرابع عشرة، فنسبة الأول إلى الثاني بالنصف، ونسبة الثالث إلى الرابع بالنصف، ثم ضَرْبُ اثنين في عشرة بدل (4) ما يرده ضَرْبُ [أربعة] (5) في خمسة، وهذا مطرد لا شك فيه.
ونعود إلى مسألتنا، ونقول: نسبة ولاء السيد مما يستحق من التركة كنسبة ولاء مولى الأم مما يستحق من التركة، فإذا ضربتَ اثني عشر درهماً إلا شيئين، وهو الذي نقدره رابعاً، وهو مستحَق مولى الأم في قدر ولاء السيد، وهو شيء، ردّ الضربُ اثني
__________
(1) في النسختين: (ومثاله) وهو تصحيف أرهقنا استدراكه، لاتفاق النسختين عليه أولاً، ولخفاء الخلل الذي يقع بسببه ثانياً. والمثبت اختيار منا، هدانا إليه المولى سبحانه الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
(2) زيادة من (ح).
(3) سقط من الأصل، والمثبت من (ح).
(4) بدل: المراد مثل وقدر.
(5) في النسختين عشرة مكان الأربعة، (وهو خطأ حسابي اتفقت عليه النسختان).

(10/580)


عشر شيئاً (1) إلا مالين، وإذا ضربت ثلاثة أشياء وثلث شيء إلا اثني عشر درهماً، وهو الثاني في تسعة دراهم إلا شيئاً، وهو الثالث، اجتمع منه اثنان وأربعون شيئاً إلا ثلاثة أموال وثلث مال، وإلا مائة درهم وثمانية دراهم (2)، وهذا المجموع يعدل المجموع الأول، وهو اثنا عشر شيئاً إلا مالين، فنجبر كل واحد منهما بما فيه من الاستثناء ونقابل، ونلقي المتماثلات منهما بأمثالها قصاصاً، فيبقى مال وثلث مال ومائة درهم وثمانية دراهم تعدل [ثلاثين] (3) شيئاً، فنرد الجميع إلى معادلة مال واحد، بأن ننقص من كل جنس منها ربعها، فيبقى مال واحد، وأحدٌ (4) وثمانون درهماً يعدل اثنين وعشرين شيئاً ونصفَ شيء.
وقد انتهت المسألة إلى معادلة مالٍ وعددِ جذور، وقد سبق لهذا نظير.
وطريق العمل الآن (5): أن نأخذ نصف الأشياء ونحسبها عدداً، فنضربه في مثله، وهو أحد عشر وربع، والمردود بالضرب مائةٌ وستةٌ وعشرون ونصف وثمن، فننقص منها العدد الذي معنا في جانب المال، وهو الواحد والثمانون، يبقى منها خمسة وأربعون درهماً ونصف وثمن درهم، فنأخذ جذرها وذلك ستةٌ وثلاثة أرباع، فنسقطها من نصف الأشياء الباقية، وهو أحدَ عشرَ وربع، فيبقى منها أربعةٌ ونصف، فهي قيمة الشيء المطلوب، وأربعة ونصف من عبد قيمته تسعة نصفه، وقد عتق نصفه، واستمر ما ذكرناه من الفتوى قبل العمل.
__________
(1) (ح): سهماً.
(2) وصورة هذه المعادلة بالأرقام هكذا: (1/ 3 3 شيء - 12 درهماً) (9 دراهم- شيء) فإذا ضربنا وجبرنا تصير هكذا: 30 شيء - 1/ 3 3 مال-108 درهماً + 12 شيء ثم تصير 42 شيء - 1/ 3 3 مال- 108 درهماً ثم تنتهي إلى صورة المعادلة: 1/ 3 1 مال+ 108 درهم= 30 شيء.
(3) في الأصل: ثمانين.
(4) (ح): مال واحد وثمان.
(5) (ح): من الآن.

(10/581)


ولست للإطناب في مثل هذا، فإني لا أنتهض إلا لحل المشكلات وأرى الاجتزاء بالمرامز في الجليات.
الإمام
في نهاية المطلب

(11/4)


مقالة تجمع فصولاً في الحساب تمس الحاجةُ إليها في المعاملات، والأرباح والجرايات، وتعديل الأثمان والمثمنات والغلاّت في الإجارات واجتماع الزكوات، وما في معانيها
7241 - ليعلم الناظر [في مجموعنا هذا] (1) أنا بعد نجاز القول في الدور والوصايا والأبواب الحسابيّة التي تخرجُ المجاهيلُ منها بالجبر والمقابلة ووجوه المعادلة رأينا ألا نخلي كتابنا هذا عن فصولٍ تتعلق بالمعاملات، [والغرضُ منها] (2) لا يُحوِج إلى الجبر والطريق المستنبطة منه [ويقع] (3) الاكتفاء في معظمها بالضرب والقسمة. ورأيت الحاجة [أمسَّ] ُ (4) إليها منها إلى الدائرات الشاذّة من المفردات والمقترنات (5)، ثم وجدت كلام الأستاذ أبي منصور البغدادي في كتابه المترجم بالتكملة في الحساب أحوى، (6) مجموع هذه الأبواب، فرأيت نقلَ ما أريد من كتابه، مع مزيد بسط في مواضع [إيجازه] (7)، والله المستعان.
فصل
في بيان وجوه الحساب في توزيع الأثمان والمثمنات
7242 - هذا مما يحتاج الفقيه إليه إذا حاول تقسيط الأعواض على المعوَّضات في تفريق الصفقة [أو الأجزاء] (8).
__________
(1) بياض بالأصل. و (ح) وصلت الكلام بدون بياض فيها. وما إخاله إلا من تصرّف الناسخ.
(2) في الأصل: الفرض فيها.
(3) في الأصل: ووقع.
(4) في الأصل: تمس.
(5) (ح): والمعبرات.
(6) مزيدة من (ح).
(7) زيادة من (ح).
(8) في النسختين: أولاً وآخراً. والمثبت اختيار منا. يظهر صوابه من مطالعة مسائل الفصل.

(11/5)


فنقول: إذا قال القائل: إذا كان عشرة أَمْناء بثلاثة دراهم، فسبعة أَمْناء بكم؟ فقد ذكر السائل الثمن والمثمّن [معلومين] (1) في مقدارين، ثم ذكر مقداراً من المثمن، وسأل عما يخصّه من الثمن على النسبة التي ذكرها في المبلغين المعلومين.
فالوجه في هذا أن نأخذ جنسَ المثمَّن الذي وقع السؤال عن حصته من الثمن، ونضربه في الذي هو [من] (2) خلاف جنسه، وهو الثمن المعلوم الذي سأل السائل عنه، فسبعةُ أَمْناء مثمن وثلاثة دراهم ثمن، فنضرب السبعة في الثلاثة، فيبلغ أحداً وعشرين، فنقسم هذا المبلغ على المثمّن المعلوم المقابَل بالثمن المعلوم، وهو العشرة، التي هي من جنس المثمَّن، فيخرج من القسمة نصيبُ الواحد اثنان وعُشْر، فهذا ثمن سبعة أمناء.
وإن قال السائل: عشرة أمناء بثلاثة دراهم، كم يكون بخمسة دراهم؟ فاضرب الخمسة، وهي من جنس الثمن، في العشرة التي هي خلاف جنسها، فيردّ الضربُ خمسين، فاقسمها على الثلاثة التي هي من جنس الثمن، فيخرج نصيبُ الواحد ستةَ عشرَ وثلثان، فهذا مقدار ما يُشترى بخمسة دراهم.
والأصل أن نضرب اللفظ الثالث (3) الذي عنه السؤال فيما يخالفه في الجنس الذي تقدم ذكره، ونقسم المبلغ على ما يوافقه في الجنس، وقد تقدم ذكره، فما خرج، فهو المطلوب.
ومسائل هذا الفن كلها دائرةٌ على [أربعة أعداد معنا، نسبة] (4) الأول منها إلى الثاني
__________
(1) زيادة من (ح).
(2) في الأصل: في.
(3) عبارة الأصل: والأصل الثالث أن نضرب اللفظ الذي عنه السؤال ...
وعبارة (ح): والأصل في الثالث أن نضرب اللفظ الثالث الذي.
وهذه الصياغة اختيار منا؛ فلا معنى لوصف الأصل بأنه ثالث، فلم يسبق أولٌ وثانٍ، كما لا معنى لإسقاط وصف اللفظ بأنه (الثالث) مع أن الكلام في الأعداد الأربعة. كما لا معنى لعبارة (ح): (في الثالث).
ثم المراد باللفظ الثالث ذلك الذي يذكر ثالثاً في صياغة المسألة.
(4) عبارة الأصل: أربعة أعداد، ومعنا ستة نسبة ... إلخ.

(11/6)


كنسبة الثالث إلى الرابع، وإذا كان واحد منها مجهولاً [أمكن] (1) إخراجه بالمعلومات التي يعطيها السائل.
وبيان ذلك أن السؤال يجري في المسائل التي ذكرناها وأمثالها في عددين معلومين، لا إشكال على السائل فيهما (2)، ثم يذكر السائل عدداً من أحد الجنسين، ويسأل (3) عما يقابل عدده من الجنس (4) [الثاني] (5)، فإنه يقول: إذا كانت العشرة بثلاثة، فالخمسة بكم، فالعشرة معلومة والثلاثة [الواقعة] (6) بمثالها معلومة، والخمسة مذكورة، والمطلوب عددٌ رابع يناسبها مناسبة الثلاثة من العشرة.
فهذا أصل هذه المسائل، وبيانُ استخراجها بالضرب والقسمة.
7243 - وقد تقع قسمةٌ مؤلفةٌ من نسب، وذلك مثل أن يقول السائل: إذا كان خمسة وثمانون درهماً محمودية بمائة مسعودية، ومائة وثلاثون درهماً ملكية بمائة وعشرة مسعودية، فكم يقع من الملكية بثلاثةَ عشرَ درهماً محمودية؟ فهذه صورة المسألة.
فانظر كم نصيب ثلاثةَ عشرَ محمودية من الدراهم المسعودية، وهو أن تضرب ثلاثةَ عشرَ في مائة، وتقسم ما بلغ على خمسة وثمانين (7)، فيخرج خمسةَ عشرَ وخمسةُ أجزاء من سبعةَ عشرَ جزءاً من المسعودية.
فاضرب الآن ذلك في مائة وثلاثين، واقسم ما بلغ على مائة وعشرة، فما خرج فهو ما يصيب [من] (8) الملكية [بثلاثةَ عشرَ درهماً] (9) محمودية.
__________
(1) في الأصل: لأمكن.
(2) (ح): منهما.
(3) (ح): ويسأل عليها باقدر من الجنس الثاني.
(4) في الأصل: الجنسين.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) في الأصل: الرابعة.
(7) (ح): وثلاثين.
(8) مزيدة من المحقق.
(9) في الأصل: بثلاثين درهماً محمودية.

(11/7)


7244 - فإن قال قائل: ثلاثةَ عشر [ذراعاً وشبرٌ] (1) في عرض أربعة أشبار بعشرة دراهم، كم ثمن ثلاثةِ أشبارٍ في أربعة أشبار؟ فحساب [الباب] (2) أن نجعل الثلاثة عشر [ذراعاً والشبرَ] (3) أشباراً، فتكون سبعة وعشرين شبراً، لأن [كل] (4) ذراع شبران (5)، ثم نضرب هذا المبلغ في العرض وهو أربعة، فيبلغ مائةً وثمانيةً، [ثم نضرب ثلاثة أشبار التي عنها السؤال في عرضها، وهو أربعة، فتكون اثني عشر، ورجع الأمر إلى قول القائل: إذا كان مائة وثمانية] (6) بعشرة دراهم، فكم ثمن اثني عشر منها؟ فنضرب الاثني عشر في العشرة؛ فإن الاثني عشر المسؤول (7) عنها، مثمَّن والعشرة ثمن، [ونحن] (8) في الضرب [نضرب المسؤول] (9) عنه فيما يخالفه، ونقسم ما بلغ على مائة وثمانية، فيخرج درهم وتسع درهم، فهذا هو الثمن المطلوب.
7245 - فإن قال [قائل] (10): مائةُ شاةٍ خمسون منها كل ثلاث منها بدرهمين، وخمسون منها كل اثنين منها بثلاثة دراهم. كم ثمن كل خمسين؟
فاضرب خمسين في اثنين، واقسم المبلغ على ثلاثة، فيخرج ثلاثة وثلاثون وثلث، فهذا ثمن الخمسين التي كل ثلاثة منها بدرهمين.
ثم اضرب الخمسين في ثلاثة، واقسم المبلغ على اثنين، فيخرج خمسة وسبعون، فهذا ثمن الخمسين (11) التي كل اثنين منها بثلاثة دراهم.
__________
(1) في الأصل: ثلاثة عثر درهماً وشيئين.
(2) الأصل: المال.
(3) ساقط من الأصل. و (ح): نجعل الثلاثة والشبر.
(4) ساقط من الأصل.
(5) ساقط من (ح).
(6) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(7) في الأصل: هي المسئول عنها.
(8) مكان بياضٍ بالأصل.
(9) ترك مكانها بياضاً ناسخ الأصل. وعبارة (ح): ونحن في الابتداء نضرب المسؤول عنه.
(10) ساقطة من الأصل.
(11) عبارة الأصل فيها كلام مقحم هنا، هكذا: فهذا ثمن الخمسين واقسم المبلغ على التي كل اثنين منها بثلاثة دراهم.

(11/8)


فاجمع المبلغين فيكون مائةً وثمانيةً وثلثَ درهم، هي ثمن المائة شاة، على اختلاف الثمنين.
7246 - فإن قيل: ثلاثةٌ اشتروا شاةً بتسعة دراهم، على أن تكون الشاة بينهم على سبعة عشر سهماً: لواحدٍ منها تسعة، وللثاني منها ستة أجزاء، وللثالث منها جزآن، كم على كل واحدٍ من ثمنها؟ [فاحفظ] (1) مخرج الأجزاء منها، وهو سبعةَ عشرَ، فتأخذ التسعة وتضربها في الثمن، وهو تسعة، وتقسم ما بلغ على السبعةَ عشرَ، فيخرج أربعةُ دراهم وثلاثةَ عشرَ جزءاً من درهم.
فهذا مقدار الواجب من الثمن للذي له تسعةُ أجزاء من الشاة، وتضرب الستة أجزاء في الثمن، وهو تسعة وتقسم المبلغ على سبعةَ عشرَ، فيخرج ثلاثة دراهم وثلاثة أجزاء من سبعةَ عشرَ جزءاً من درهم. (2 هذا على من له منها ستة. وتضرب الجزأين في الثمن، فيكون ثمانيةَ عشرَ، وتقسمها على سبعة عشر، فيخرج درهم وجزءٌ من سبعة عشر جزءاً من درهم 2)، وهذا ما يجب من الثمن على من له جزءان من سبعةَ عشر من الشاة.
7247 - ولو قال القائل: كيف تقسم عشرة دراهم بين ثلاثة أنفس (3) على شرط أن يكون لواحدٍ النصفُ، ولآخر الثلثان وللثالث ثلاثة أرباع على قياس العول في الفرائض؟ فاطلب عدداً له نصف وثلث وربع، وأقلُّه اثنا عشر، فخذ نصفَه وثلثيه وثلاثة أرباع منه، وذلك ثلاثة وعشرون، فاحفظها؛ فإنها المقسوم عليها. ثم خذ نصف الأصل وهو ستة، فاضربها في العشرة، واقسم المبلغ على ثلاثةٍ وعشرين، فيخرج درهمان وأربعةَ عشر جزءاً من ثلاثة وعشرين جزءاً من درهم، فهذا نصيب صاحب النصف من العشرة.
__________
(1) في الأصل: فاضرب، وفي (ح): تحفظ.
(2) ما بين القوسين ساقط من (ح).
(3) (ح): ألفين.

(11/9)


ثم خذ ثلثي الأصل وهو ثمانية، واضربها في العشرة، واقسم المبلغ على الثلاثة والعشرين، فيخرج ثلاثة دراهم وأحدَ عشر جزءاً من ثلاثةٍ وعشرين جزءاً من درهم، فهذا نصيب صاحب الثلثين.
ثم خذ ثلاثة أرباع الأصل وهو تسعة، فاضربها في العشرة، واقسم المبلغ، وهو تسعون على الثلاثة والعشرين، فيخرج ثلاثة دراهم وأحدٌ وعشرون جزءاً من ثلاثةٍ وعشرين جزءاً من درهم، فهذا نصيب صاحب الثلاثة أرباع.
7248 - فإن قال القائل: بعت مائة شاةٍ: أوّلها بدرهم، والثانية بدرهمين، والثالثة بثلاثة، وكذلك ثمن كل شاةٍ زائدٌ على ثمن الذي قبلها بدرهم، كم ثمن المائة؟
فهذا كقول القائل: كم يبلغ العدد من واحد إلى مائة إذا جمع على التوالي، وذلك خمسة آلاف وخمسون.
ووجه ذلك إذا سئلنا عن مبلغ عدد من مبتدأ إلى منتهى على الوِلاء، مثل: أن يقول القائل: اجمعوا الأعدادَ المتواليةَ من واحد إلى عشرة، على الوِلاء. معناه واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة هكذا إلى العشرة. والمعتبر الصحيح في ذلك أن نجمع الطرفين منهما، و (1) نضرب مجموعهما في نصف عدّة (2) عدد الأعداد التي عنها السؤال، فما بلغ فهو المراد.
فإذا كان السؤال عن [الجمع] (3) من واحد إلى عشرة، فإنا نجمع بين الطرفين، فكان أحدَ عشر؛ فنصفه في نصف عدّة (4) الأعداد من واحد إلى عشرة، وذلك خمسة، فصارت خمسة وخمسين. فذلك هو المبلغ.
7249 - فإن قال السائل: اجمع من الخمسة إلى العشرة، جمعنا الطرفين، وهما
__________
(1) (الواو) مزيدة من (ح).
(2) (ح): عشرة.
(3) في الأصل: الجميع.
(4) (ح): هذه.

(11/10)


الخمسة والعشرة، فصار خمسة عشرَ، فضربناها في ثلاثة؛ لأنها نصف عدد الأعداد من خمسة إلى عشرة، فإنها ستةُ أعداد، ونصفها ثلاثة، فصارت خمسة وأربعين، فهي المبلغ المطلوب.
7250 - فإن قال السائل: مائة شاةٍ بعتُ [أولاها] (1) بدرهم والثانية بثلاثة، والثالثة بخمسة، ثم كذلك على قياس الأفراد المتوالية من الواحد إلى أي فردٍ شئت، فهذا من باب جمع الأفراد المتوالية من الواحد إلى أي فردٍ شئت.
والطريق فيه أن نأخذ نصف الفرد الذي هو الغاية، ونزيد عليه نصف درهم، ونضرب ما يبلغ في نفسه، فما بلغ فهو المقصود.
مثاله: أردنا أن نجمع الأفراد من واحد إلى تسعة، فنأخذ نصف التسعة، وذلك أربعةٌ ونصف، زدنا عليه نصف درهم، فكان خمسة، فضربناه في مثله، فصارت خمسةً وعشرين، فهو مجموع الأفراد، من واحد إلى تسعة.
7251 - وإن قال السائل: بعت أولها باثنين، والثانية بأربعة، والثالثة بستة، وهكذا على توالي الأزواج، فطريقها طريقُ جمع الأزواج المتوالية، من اثنين إلى أي زوج شئت، فخذ نصف الزوج الذي هو الغاية، واضربه في مثله، فما بلغ فزد عليه نصف ذلك الزوج، فما كان، فهو المبلغ.
مثاله: أردنا جمعَ الأزواج من اثنين إلى عشرة فنأخذ نصف العشرة وهو خمسة، فنضربها في مثلها خمسة وعشرين، فزدنا عليها الخمسة، فصارت ثلاثين، فهي مبلغ الأزواج من اثنين إلى عشرة.
وقد تركت من جميع الأعداد مسائِلَ لسنا نطوّل بذكرها، وقد [يُفرض] (2) جميعها في الأثمان، وقد ذكرنا مقداراً يليق بهذا الباب.
__________
(1) في النسختين: أولا، والمثبت تقديرٌ منا. واجتماع النسختين على هذا الخطأ من علامات أنهما من أم واحدة.
(2) في النسختين: نفرض. والمثبت تقدير منا.

(11/11)


فصل
في حساب الصرف في الدراهم والدنانير
7252 - المثقال وزن درهم وثلاثة أسباع درهم بوزن [مكة] (1)، فإذا أردت تحويل الدراهم إلى المثاقيل، فأسقط من أعداد الدراهم ثلاثة أعشارها، فما بقي فهو وزن الدراهم بالمثاقيل.
وإن أردت تحويل المثاقيل إلى الدراهم، فزد على عدد المثاقيل ثلاثة أسباعها، فما بلغ فهو وزنه بأوزان الدراهم المعروفة بوزن مكة.
مثاله: أردنا أن نعرف أن خمسة [دراهم] (2) كم مثقالاً هي؟ فأسقطنا من الخمسة ثلاثة أعشارها، وذلك بأن ضربناها في ثلاثة، وهو عدد الأعشار، فبلغت خمسةَ عشرَ، فقسمناها على مخرج الأعشار وهو عشرة، فخرج درهم ونصف، فأسقطناه من الخمسة، فبقي ثلاثةٌ ونصف، فهي وزن خمسة دراهم بالمثاقيل.
وإن أردنا أن نعرف أن خمسة مثاقيل كم هي بوزن الدراهم؟ زدنا على الخمسة ثلاثة [أسباعها] (3) وذلك بأن نضرب الخمسة [في] (4) عدد الأسباع، وهو ثلاثة، ونقسم المبلغ على مخرج الأسباع، وهو سبعة، فيخرج اثنان وسبع، فنزيد ذلك على الخمسة، فيبلغ سبعةَ دراهم وسبعَ درهم، فهو وزن خمسة مثاقيل بوزن الدرهم.
واعلم أن الذي يقابل أجزاء المثقال من أجزاء الدرهم مثلُ ما يقابل المثقال الواحد من الدرهم في العدد؛ وذلك أنه إذا كان الدينار بعشرين درهماً، فدانق (5) من الذهب بعشرين دانق من الفضة، وربع دينارٍ بعشرين ربع درهم، والحبة من الذهب بعشرين حبة من الفضة، وكذلك الباب كيف قدّر سعر الدينار.
__________
(1) في الأصل: ماله.
(2) سقطت من النسختين.
(3) في الأصل: أرباعها.
(4) ساقطة من الأصل.
(5) الدانق: سدس درهم.

(11/12)


فإذا قيل الدينار بثلاثةٍ وعشرين [درهماً] (1)، [قلت] (2) الحبة من الدينار على هذا الصرف بثلاثةٍ وعشرين حبة من الفضة، فكل ست حبات دانق، وكل ستة دوانق درهم، فيكون ثمنُ الحبة من الذهب على هذا الصرف نصفَ درهم وخمسَ حبات.
وعلى هذا القياس يكون [أثمان] (3) أجزاء الدينار من الدرهم. إلا أن يقع السؤال [عن وزن] (4) شعيرة من الذهب؛ فإنه لا يقابله من الفضة مثلُ [ما يقابل] (5) الدينار من الدرهم؛ لأن [الحبة] (6) من الفضة في بعض المواضع شعيرتان. [وليست الحبة من الذهب شعيرتين، ولا ثلاث شعيرات، بل هي شعيرتان] (7) وكسر، فلا يستقيم في الشعيرات حساب سائر الأجزاء.
7253 - وفي هذا الباب طرق من البسط بالضرب والقسمة، فنذكر على الاختصار ما يكفي منها:
إذا قيل: مثقالُ ذهبٍ بعشرين درهماً، كم ثمن دانقين ونصفٍ من الذهب؟
[فالمسلك] (8) المتقدم جارٍ (9) هاهنا.
وإن أردت غيره، فاضرب دانقين ونصفاً، وهي خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من دينار (10)، إذا بُسطت بأنصاف الأسداس، فنضرب خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من واحد في الثمن، وهو عشرون، فيبلغ [ثمانية] (11) وثلثا، فاقسمها على
__________
(1) سقطت من النسختين.
(2) في النسختين: وقلت.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) حرفت في الأصل إلى: عشرون.
(5) في الأصل: ما يقابله من الدينار من الدرهم.
(6) في الأصل: الجزء.
(7) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(8) في النسختين: بالمسلك.
(9) (ح): المقدم جاري.
(10) تنبه هنا إلى أنه يستخدم لفظ الدينار مكان المثقال. فالمثقال هو الدينار، جرى على هذا هنا، (وانظر المصباح) كما جرى على الدينار = 6 دوانق.
(11) في الأصل: ثلاثة.

(11/13)


الواحد وهو مقدار دينار (1)، فتخرج ثمانية دراهم وثلث؛ فإن معنى (2) القسمة بيان نصيب الواحد، فذلك ثمنُ دانقين ونصفٍ من الذهب.
فإن أردت أن تحسب على طريق النسبة، قلت -و [قد] (3) علمنا أن دانقين ونصفاً من الدينار ربعه وسدسه-: [خُذ] (4) ربع الثمن وسدسه، فربع العشرين خَمسة وسدسها ثلاثة وثلث، فالمجموع ثمانية وثلث، وهي الثمن المطلوب.
وإن قيل: دينار بعشرين [درهماً] (5) [فأربعة] (6) دراهم [بكم] (7) تكون من الذهب؟ فاضرب الأربعة فيما يخالفه في الجنس وهو الدينار الواحد، فيكون أربعة فاقسمها على العشرين التي هي من جنسها، فيخرج خمساً واحداً، فبان أنه يقابل أربعةُ دنانير خمسَ دينار.
وهذا على قياس فضّ الأثمان على المثمنات في الباب الأول.
7254 - [و] (8) إذا اختلفت الأوزان بين الدراهم والدنانير، وأردنا أن نتكلم في [الصرف] (9) بأن يقول القائل: مثقال ذهب بعشرين درهماً كم ثمن دانقين ونصفٍ من الذهب بوزن الفضة من الدراهم (10)؟
فاضرب سبعةً أبداً في الثمن في هذا الباب وهو عشرون، تكون مائةً وأربعين، فأخرج من كل عشرة منها دانقين ونصفاً، يكون خمسة دراهم وخمسة دوانيق، فهذا ثمن دانقين ونصفٍ بوزن الفضة من الذهب.
__________
(1) (ح): الدينار.
(2) (ح): بقى.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) في النسختين: فخذ. وهي مقول القول.
(5) ساقط من النسختين.
(6) في النسختين: بأربعة.
(7) في النسختين: كم.
(8) الواو ساقطة من النسختين.
(9) عبارة الأصل: في ذلك.
(10) (ح): من مبلغ الدرهم.

(11/14)


فإن قيل: كم ثمن وزن درهم من الذهب بوزن الدراهم، والصرفُ أربعة عشر، فقد علمت أن المثقال يزيد على الدراهم بثلاثة أسباعه، فذلك عشرة أسباع الدرهم، فيصير الدرهم أسباعاً يكون [سبعة] (1) [فاضربها] (2) في الثمن [يردّ] (3) ثمانيةً وتسعين فاقسمها على العشرة، فتخرج تسعة دراهم وأربعة أخماس درهم، فهي ثمن وزن درهم من الذهب.
وإذا قال القائل: الدينار بعشرين درهماً، كم ثمن قطعة من الذهب مجهول وزنها بزنة الفضة؟ فاضرب العشرين في سبعة (4) يكون مائة وأربعين، واقسمها على العشرة (5)، وهي الأسباع التي ذكرناها، تخرج أربعة عشر (6)، [فهي تقابل وزن جزء واحدٍ من الدينار: أي الذهب،] (7) فتقابل تلك القطعة من الذهب بمثل وزنها من الفضة أربع عشرة مرة.
فإن كان صرفُ الدينار بخمسةٍ وعشرين، [فاضرب الخمسة والعشرين في السبعة] (8)، تكون مائة وخمسة وسبعين، فاقسمها على العشرة، فيخرج سبعةَ عشرَ ونصف، فخذ مثلَ وزن القطعة سبعةَ عشرَ مرة ونصف مرة.
والأصل في هذا أن نضرب الثمن في سبعة، ونقسم المبلغ على العشرة
__________
(1) في الأصل: سبعها.
(2) بياض بالأصل. وعبارة الأصل بعد هذا مضطربة خاطئة، هكذا: يكون سبعها، فاضربها إذاً الثمن يبقى ثمانية وسبعون، فاقسمها ... إلخ.
(3) في النسختين: يبقى.
(4) سبعة: التي هي أجزاء الدرهم.
(5) العشرة: التي هي أجزاء الدينار بالنسبة للدرهم، فالدينار: 3/ 7 1 وزن الدرهم.
(6) تخرج أربعة عشر: أي أن وزن الجزء من الدينار (الذهب) ثمنه 14 جزءاً بنفس الوزن من الدرهم (الفضة) فيكون ثمن قطعة الذهب المسؤول عنها من الفضة هو وزنها 14 مرة.
(7) زيادة من المحقق.
(8) عبارة الأصل فيها خطأ وتغيير: فإن كان صرف الدينار بخمسةِ وعشرين، فالتسعة تكون مائة وخمسة وسبعين ...

(11/15)


[الأسباع] (1)، لأن كل سبعة مثاقيل (2) وزن عشرة دراهم، وقس على هذا نظائره.
فإن كان مع المشتري من الفضة قطعةٌ لا نعرف وزنها، وأراد أن يأخذ بها من الذهب، فاعلم أن مستحَقه (3) من الذهب مثلُ نصف سبع وزن الفضة، إذا كان الصرفُ خمسةً وعشرين.
ومن أحاط بنسبة الأسباع، هان عليه استعمال هذه [المسالك] (4).
فإن قيل: إذا كان [لك] (5) على رجل ثَلاثمائة درهم، ممّا (6) يكون في كل عشرة منها سبعة ونصف فضة، فأعطاك من دراهم في كل عشرة منها ستة دراهم فضة، كم تأخذ منه لتستوفي (7) الفضة؟ فاقسم السبعة والنصف على الستة (8)، فيكون في كل عشرة من ا [لفضل] (9) واحدٌ وربع، فاضرب ثَلاثمائة في واحد وربع، فيكون ثَلاثَمائة وخمسة وسبعين درهماً، فهذا مقدار ما يأخذه. وهذا حساب تراضٍ، وإلا [فأقوال الفقهاء] (10) لا تخفى في بيع المغشوشة بالمغشوشة، مع اختلاف [العيار] (11).
وإن كان الحق الواجب ثَلاثَمائة درهم من الدراهم التي في كل عشرة منها ستة فضة، فأراد أن [يردّ] (12) من الدراهم التي في كل عشرة منها سبعة ونصف فضة، فاقسم الستة على السبعة والنصف، فيكون أربعةَ أخماسها، فخذ أربعة أخماس
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل، وهو تقدير منا، فلم تحسن (ح) تقديره، فجاءت هكذا: " ... على العشرة أنه الآن كل سبعة".
(2) مثاقيل: أي دنانير.
(3) (ح): الذي يستحقه.
(4) في الأصل: المسائل.
(5) في الأصل: ذلك.
(6) (ح): ما يكون.
(7) (ح): استوفى.
(8) (ح): السيد.
(9) مكان بياضٍ بالأصل، وهو كذلك في (ح).
(10) بياض بالأصل، وفي (ح): وإلا قرار الفقهاء لا يخفى.
(11) في الأصل: المعتاد. والمثبت من (ح).
(12) بياض بالأصل.

(11/16)


ثلاثمائة، وهي مائتان وأربعون، فهذا مقدار ما يدفع منها.
7255 - مسألة: إن سئلت عن رجل دفع إلى الصائغ خمسين مثقالاً ذهباً، وألقى عليه عشرين مثقالاً شَبَهاً (1)، ثم قطع من الجملة قطعةً، وزنها عشرون [مثقالاً. كم فيها من الذهب؟ وكم فيها من الشبه؟
فاضرب المقطوع وهو عشرون] (2) في [الشبه الملقى عليه] (3) وهو عشرون، فبلغ أربعمائة، فاقسمها على مجموع الذهب والشبه، وذلك سبعون، فيبلغ خمسةً وخمسةَ أسباع، وذلك مقدار ما في القطعة [من الشبه.
ثم اضرب الذهب في الأصل، وهو خمسون في المقطوع وهو عشرون، فبلغ ألفاً، فاقسمها على السبعين، فيخرج أربعة عشر مثقالاً وسبعي مثقال، وذلك مقدار ما في القطعة] (4) من الذهب.
وإن أردت [أخذته] (5) من الشبه، فنقول: الجملة المخلوطة سبعون سبعاها شبه وخمسة أسباعها ذهب، فكل قطعة تُقطع فسبعاها شبهٌ وخمسة أسباعها ذهب.
فإن قيل: إناءٌ فيه من الذهب خمسةُ مثاقيل، ومن الفضة تسعةُ مثاقيل، ومن الرصاص خمسةُ مثاقيل، ومن النحاس سبعةُ مثاقيل، ومن الصُّفْر عشرة، ومن جوهر آخر ثلاثةَ عشرَ مثقالاً، ومن الشبه أحدَ عشرَ، فقطعت منها قطعة وزنُها ثمانيةُ مثاقيل، كم [فيها] (6) من كل جوهر؟
فاجمع عدد مثاقيل الإناء وهي ستون، وهي المقسومة عليها، ثم اضرب مثاقيل كل جنسٍ في الثمانية التي هي وزن القطعة، فما بلغ فاقسمه على الستين، فما خرج فهو مقدار ما في تلك القطعة من ذلك الجنس.
__________
(1) الشبه: بفتحتين من المعادن ما يشبه الذهب في لونه، وهو أرفع الصُّفر (النحاس) (المصباح).
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(3) مكان بياض بالأصل، وفي (ح) " في الحملان، وهو عشرون ... ".
(4) ما بين المعقفين سقط كله من الأصل.
(5) بياض بالأصل، وأثبتناه من (ح).
(6) في الأصل: منها.

(11/17)


ونظير ما في هذه المسألة قول القائل: قارورة ملئت بالأدهان، فكان فيها عشرون رطلاً: منها ثمانية أرطال دهن الزئبق، وسبعةُ أرطال دُهن البنفسج، وخمسةُ أرطال دهن الورد، ملئت منها قارورة أخرى، فوسعت تسعةَ أرطال، كم فيها من الزئبق والبنفسج والورد؟ فاجمع الأدهان في الأصل، فتكون عشرين رطلاً، فهي المقسوم عليها، ثم اضرب أرطال الزئبق، وهي ثمانية في التسعة المفروزة، فتبلغ اثنين وسبعين، فاقسمها على العشرين، فيخرج ثلاثة أرطال وثلاثة أخماس رطل، فهي مقدار ما فيها من الزئبق، وهذا قياس غيره.
7256 - مسألة: إذا قيل: دينار بأربعةَ عشرَ ونصفٍ [و] (1) دينارٌ بسبعةَ عشرَ ونصفٍ، وقد أخذت بدينار واحد من الصرفين ستةَ عشرَ درهماً، فبكم أخذت من الدينار الرخيص؟ وبكم أخذت من الغالي؟
فأسقط الضرب (2) الأقلَّ وهو أربعة عشر ونصفٌ من الضرب (3) الأكثر، وهو سبعةَ عشرَ ونصفٌ تبقى ثلاثة، فهي المقسوم عليها، فاحفظها. ثم أسقط أربعةَ عشر ونصفاً من الستةَ عشرَ، يبقى واحدٌ ونصف، فاقسمه على الثلاثة المحفوظة، فيكون نصفها، فتأخذ نصف دينار من الضرب الغالي، ويبقى للصرف الرخيص نصفُ دينارٍ.
فإن قيل: دينارٌ بثمانيةَ عشرَ درهماً مكسّرة، ودينار بأربعةَ عشرَ صحاح أردت أن تأخذ من الصرفين خمسةَ عشرَ درهماً بدينار واحد، فأسقط الصرف الأقلّ من الصرف الأكثر، يبقى أربعةٌ، فهي المقسوم عليها، فاحفظها، ثم انقص الأربعةَ عشرَ من المأخوذ، وهي خمسةَ عشرَ، يبقى واحدٌ، فاقسمه على الأربعة المحفوظة، فيخرج ربعٌ واحدٌ، فخذ من الدينار الغالي الربعَ، ومن الرخيص ثلاثة أرباع (4).
__________
(1) الواو مزيدة من (ح).
(2) (ح): الصرف.
(3) (ح): الصرف.
(4) في (ح) عقب نهاية المسألة: " بيع (كذا) ثمانية عشر، وثلاثة أرباع أربعة عشر " وصوابها (ربع).

(11/18)


7257 - مسألة: إن قيل: [مثقال] (1) بعشرة ومثقال بثمانية ومثقال بعشرة كيف نشتري من الجميع مثقالاً بثمانية؟ فبابه أن نجمع الستة والثمانية والعشرة، فيكون أربعةً وعشرين، فاحفظها، ثم انظر الستة من الأربعة والعشرين كم هي؟ [فنجدها ربعها، فنقول: إذا كان المثقال بثمانية، فربعه بكم؟] (2) فيكون بدرهمين. وانظر إلى الثمانية وهي من أربعةٍ وعشرين فتجدها ثلثها فنقول: المثقال بثمانية فثُلثه بكم (3)؟ فيكون بدرهمين وثلثي درهم.
وانظر إلى العشرة كم هي من الأربعة والعشرين؟ فتجدها ربعها وسدسها، فنقول: المثقال بثمانية فبكم ربعه وسدسه؟ فيكون [بثلاثة وثلث] (4) وقد حصل المقصود؛ فإنك إذا [ألّفت] (5) أجزاء الدينار بلغت ديناراً، وإذا ألفت أجزاء الدرهم بلغت ثمانية.
7258 - مسألة: إذا قيل: دينارٌ بثلاثة دراهم وديناران بدرهم كيف نشتري منهما (6) ديناراً واحداً بدرهم؟
أو (7) قال: منٌّ بثلاثة دراهم، ومنوان بدرهم. كيف يُشترى منهما منٌّ واحد بدرهم؟ فاضرب ثلاثة دراهم في دينارين أو في المنوين، تكون ستة، فانقص منها واحداً أبداً، تبقى خمسة، فهي المقسوم عليها، فاحفظها.
ثم انقص من المنوان واحداً أو من الدينارين، يبقى واحد، فاقسمه على الخمسة فيخرج [خُمس دينار] (8) فنشتري خمساً من الغالي، ونشتري بدرهم أربعة أخماس من الرخيص.
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) ما بين المعقفين ساقط من الأصل. حيث كررت بعض الجمل مكانه.
(3) (ح): فكم يكون بدرهمين.
(4) في الأصل: بثلاثة ذهب.
(5) في الأصل: ألقيت.
(6) (ح): فيهما.
(7) في الأصل: وقال.
(8) في النسختين: ثلاثة أخماس درهم.

(11/19)


فصل
في بيان [حساب] (1) الإجارات والغلات
7259 - ومضمونه بيان معرفة مقادير الأجرة الموزعة على المعقود عليه من منافع دارٍ، أو عمل عاملٍ، ثم يلتحق بهذا المقصود نوادرُ في الحساب [تفيد] (2) الدُّرْبة (3) وا [لمرون] (4).
فنقول: إذا كانت الأجرة في الشهر أو في السنة معلومةَ المقدار، وكانت لا تختلف باختلاف الأزمان، فأجزاء الأجرة تتوزع على أجزاء الزمان.
(5) [والذي به الاستدلال أن نقول: إذا كانت الأجرة في الشهر [ثلاثين] (6)، فأجرة خمسة أيام [سدس] (7) الثلاثين؛ لأن الخمسة سدس الثلاثين، وهذا إذا كان الشهر ثلاثين يوماً.
ثم هو على قياس ما ذكرنا في الأثمان والمثمنات.
7260 - مسألة: أجيرٌ يكتسب في الشهر عشرة، وإن تعطل غرِم خمسة [فعمل وعَطَل] (8) وخرج رأسأ برأس، كم عمل؟ وكم بَطَل؟
نجمع الغرم والغنم: خمسةَ عشرَ، فهو قدر عمله [وغُرمه، ثم نضرب الخمسة في أيام الشهر، ونقسم على خمسةَ عشرَ، فيخرج عشرة أيامٍ، هي أيام عمله] (9)، وأجرته فيها ثلاثة وثلث.
__________
(1) زيادة من (ح).
(2) في الأصل: تنفيذ.
(3) (ح): الذرية.
(4) بياض بالأصل.
(5) من هنا بدأ سقط من الأصل، وأكملناه من (ح).
(6) في الأصل الذي هو (ح): "شيئا". والمثبت تصرف من المحقق.
(7) في الأصل، الذي هو (ح) هنا: " في من " هكذا حرفت كلمة (سدس).
(8) في الأصل، الذي هو (ح): يعمل عطل. والمثبت من عمل المحقق.
(9) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، الذي هو (ح)، أي أنه ساقط من السقط الذي نكمله من (ح). وانظر كم أجهدنا استنباط هذا الساقط وتقديره. ولله الفضل والمنة.

(11/20)


ثم نضرب عشرة في أيام الشهر، ونقسم على خمسة [عشرة] (1) فيخرج (2) عشرون يوماً لبطالته، وغُرْمه فيها ثلاثة وثلث، فاستوى ماله و [ما] (3) عليه.
وإن كانت المسألة بحالها، يعمل ويعطل، وأخذ درهماً، جُمع عمله وغُرمه [فهي] (4) خمسة عشرَ، ثم نزيد الدرهمَ الذي أخذه على ما عليه؛ فيكون ستة، فنضربها في أيام الشهر، ونقسم على خمسةَ عشرَ] (5)، فيخرج اثنا عشر يوماً، فهي أيام عمله، والباقي إلى تمام الشهر أيام العطلة.
وإن قيل: في هذه المسألة: [عمل و] (6) بطل، وردَّ الأجير درهماً، [فالقسمة] (7) على خمسةَ عشرَ، كما مضى. [فانقص] (8) ما عليه درهماً، يبقى منه أربعة، فاضربه في أيام الشهر، واقسم المبلغ على خمسةَ عشرَ، فيخرج ثمانية أيامٍ لعمله، وما بقي إلى تمام الشهر عَطَلُه.
7261 - مسألة: إذا قيل: أجير أجرته في الشهر اثنا عشر درهماً وخاتم، عمل ثمانية أيام، فأخذ باجرته الخاتَم، كم قيمته؟
فانقص أيام عمله من أيام الشهر تبقى اثنان وعشرون يوماً، أجرة العمل فيها اثنا عشر، فاضرب الاثني عشر في أيام العمل، وهي ثمانية، واقسم المبلغ على الاثنين والعشرين الباقية، فتخرج أربعة دراهم وثمانية أجزاء من اثنين وعشرين جزءاً من درهم، فذلك قيمة الخاتم.
__________
(1) ساقطة أيضاً.
(2) في الأصل: ثم يخرج.
(3) زيادة من المحقق.
(4) في الأصل: في.
(5) إلى هنا انتهى السقط الذي كان من نسخة الأصل (ت 3).
(6) سقط من الأصل.
(7) في النسختين: بالقسمة.
(8) في النسختين: ثم انقص.

(11/21)


7262 - مسألة: أجير عمل [ثمانية] (1) أيام من الشهر وأخذ خُمسَ كرائه ودرهماً، كم أصل كرائه؟
خذ خمس الشهر، وهو ستة، فانظر كم بينه وبين [ .... ] (2) ثمانية وهو
اثنان، فذاك هو المقسوم عليه، فاحفظه. ثم اضرب الدرهم في الثلاثين واقسم المبلغ على اثنين، فيخرج خمسةَ عشرَ درهماً، وهي كراه، ويستحق في ثمانية أيام أربعة دراهم، وهي مثل خمس كراه وزيادةُ درهم.
فإن قيل: عمل ثلاثةَ أيام، فأخذ خُمس كراه إلا درهماً واحداً، فخذ خمس الشهر وهو ستة، فانظر كم بينها وبين الثلاثة التي عمل فيها، فخذ الفضل وهو ثلاثة، فهو المقسوم عليها، ثم اضرب الدرهم في الثلاثين، واقسم المبلغ على الثلاثة، فيخرج عشرة، فهو كراه في الشهر، يستحق في ثلاثة أيام عُشر الكراء وهو درهم، وذلك مثل خمس كرائه [إلا درهماً] (3).
7263 - مسألة: إن قيل: أجيرٌ أجره في الشهر شيء مقدر، عمل من الأيام مثل عدد ثلاثة أمثال أجره، فأصاب من الأجر فيما عمل أربعين درهماً، كم أجرته في الشهر؟
فاقسم ما أصاب من أجره وهو أربعون على ثلاثة؛ لأنه عمل مثل عدد ثلاثة أمثال أجره، فيخرج ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلثَ درهم، فاضربها في عدد أيام الشهر وهي ثلاثون، فيبلغ أربعَمائة، فخذ جذرها، وهو عشرون درهماً، وذلك مقدار أَجْره في الشهر، فإذا عمل مثل ثلاثة أمثال أجرته وهي ستون يوماً، استحق أربعين درهماً.
7264 - مسألة: أجير أجرته في كل يوم خَمسُ دراهم، وهو ينفق سُبعَ درهم، كم يجتمع له في الشهر؟ فاطلب مخرجاً له خُمس وسُبعٌ، وذلك خمسة وثلاثون، فخذ خُمسها، وهو سبعة وسبعها، وهو خمسة، فاطرح الأقل من الأكثر يبقى [اثنان] (4) فنضربه في أيام الشهر، يكون ستين، فاقسمها على الخمسة والثلاثين، فيخرج درهم
__________
(1) في الأصل: ثلاثة.
(2) بياض في الأصل، قدر كلمتين. والكلام مستقيم بدون تقديره، كما في (ح).
(3) في النسختين خلل هكذا: مثل خمس كرائه في الشهر عشر دراهم.
(4) في الأصل: دينار.

(11/22)


وخمسة أسباع درهم، فهذا ما يجتمع له في الشهر الواحد بعد النفقة.
فإن قيل: أجير أجره في كل يوم ثلثُ درهم فينفق سُبعَ درهم، في كم يجتمع له درهم؟
فخذ مخرجاً له ثلث وسبع، وأقله أحدٌ وعشرون، ثم خذ ثُلثَه: سَبعة لأجل ما يأخذ، وخذ سُبعَه: ثلاثة لأجل ما ينفق، فألق الثلاثة من السبعة، تبقى أربعة، فهي المقسوم عليها.
ثم اضرب الدرهم الواحد في الأحد والعشرين، واقسم ما بلغ على الأربعة، فتخرج خمسة وربع، ففي خمسة أيام وربع يجتمع له درهم.
فإن قيل: أجير أجره في كل خمسة أيام درهم، فينفق في كل سبعة أيام درهماً، في كم يوم يستفضل درهماً واحداً؟ وقد علمت أنه يستفضل في كل سبعة أيام خمسي درهم، فاضرب السبعة في اثنين ونصف يكون سبعةَ عشرَ يوماً ونصفَ يوم، ففي مقدارها يستفضل درهماً واحداً.
وإن شئت فاضرب الخمسة في السبعة، واقسم المبلغ على فَضْل ما بينهما، فيخرج سبعةَ عشرَ ونصفٌ، ففيها يستفضل درهماً واحداً.
فصل
في حساب الأرباح [والخسرانات] (1)
7265 - ومضمون الفصل حساب الأرباح [والخسرانات] (2) ومقادير رأس المال مع الربح أو مقداره بعد الخسران. هذا هو الأصل المقصود، ثم نلحق به نوادرَ، إن شاء الله عز وجل.
فنقول: الوجه أن نقدم صوراً هيِّنةً قريبةَ المأخذ، ليتمهد فيها أصل الباب، فإذا تمهد، ترقّينا إلى ما يكاد يخفى على من [لا يحسن] (3) قياسَ الباب.
__________
(1) في الأصل: الجرايات.
(2) في الأصل: الجرايات.
(3) في الأصل: لا يجيز.

(11/23)


فإذا قيل: ربح على رأس المال نصف مرة واحدة، فاضرب رأس المال في ثلاثة، واقسم المبلغ على اثنين، فما خرج فهو رأس المال مع الربح.
وإن ربح على رأس المال مثل ثلثه، فاضرب رأس المال في أربعة، واقسمه على ثلاثة، فما خرج فهو المال والربح. وإنما ضربناه في أربعةٍ لأن المال إذا زدت عليه ثلثه، كان المبلغ أربعة أثلاث، فهذا هو القياس، والضرب يقع في مخرج الجزء الزائد.
وإن ربح على المال ربعه، [فاضرب المال في خمسة؛ فإن المال إذا زيد عليه رُبعه، كان] (1) مع الزائد خمسة أرباع، والقسمةُ على مخرج الربع.
وبيان ما ذكرناه بالمثال: أن نقول: رأس المال عشرة، وقد ربح مثل ثلثها، فضربنا العشرة في أربعة فردّ أربعين، فنقسمها على ثلاثة، فيخرج نصيب الواحد ثلاثةَ عشرَ وثلث.
وإن ربح على العشرة مثل ربعها، ضربنا العشرة في خمسة، فيرد خمسين، فقسمناها على أربعة، فيخرج نصيب الواحد اثني عشر ونصفاً، وهو رأس المال والربح.
وإن قيل: ربح على رأس المال ثلاثة أرباعه، فاضرب رأس المال في سبعة، فإن رأس المال مع ثلاثة أرباعه سبعةُ أرباع، فقل عشرة في سبعة، فالمردود سبعون، فاقسم المبلغ على أربعة، فالخارج [نصيب الواحد] (2)، وهو رأس المال والربح.
وإن قال: ربح على المال سبعةَ أعشاره، فاضرب المال في سبعةَ عشرَ، واقسم المبلغ على العشرة، فما خرج من القسمة، فهو المبلغ المطلوب.
وإن خسر مثل ثلث المال، فاضرب المال في اثنين؛ فإن معنى خسران الثلث أنه لم يبق إلا الثلثان، فاقسم المبلغ على ثلاثة.
وإن خسر مثلَ ربع المال، فاضرب المال في ثلاثة، واقسم المبلغ على أربعة.
__________
(1) زيادة من (ح).
(2) في النسختين: نصيباً للواحد.

(11/24)


وإن خسر ثلاثة أسباع المال، فاضرب المال في أربعة، واقسم المبلغ على السبعة.
وعلّةُ ذلك أن المال [قبل] (1) الخسران سبعة أسباع، فإذا نقص بالخسران ثلاثة، بقي أربعةُ أسباع، فلهذا يقع الضرب في الأربعة، [ثم القسمةُ] (2) أبداً على مخرج الجزء.
7266 - فإن ربح صاحب المال على المال مراراً كثيرة ربحاً واحداً على نسبةٍ واحدة في كل مرة، مثل: ده يازده، أَوْ دو ازده (3)، أو أكثر من ذلك، وأردت أن تعلم المبلغ بعد آخر ربح، فاضرب العشرة (4) في مثلها، أو (5) ما بلغ في العشرة، ثم كذلك بعدد مرات الربح إلا مرةً واحدة، واحفظ المبلغ، ثم اضرب العشرة مع ربحها أولاً في مثله، ثم ما بلغ في العشرة مع ربحها كذلك بعدد مرات الربح إلا مرةً واحدة، واحفظ المبلغ، ثم اضرب رأس المال في المبلغ الأكثر، واقسم ما بلغ على المبلغ الأقل، فما خرج، فهو رأس المال بعد الأرباح.
7267 - مثاله: رأس المال خمسة وعشرون درهماً، ربح عليها ده دو ازده (6) ثلاث مرات، فنضرب العشرة في العشرة، فما بلغ في العشرة أقل من عدد الأرباح مرة، فبلغ ألفاً، فحفظناها. ثم ضربنا العشرة مع ربحها، وذلك اثنا عشر في الاثني عشر [مرتين] (7)، فبلغ [ألفاً] (8) وسَبعمائة وثمانيةً وعشرين، فضربنا الآن رأس المال، وهو خمسة وعشرون في هذا المبلغ أكثر، وقسمنا المبلغ على الألف التي هي المبلغ
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل.
(2) في الأصل: بما نقسمه.
(3) ده يازده أو دو يازدة: مصطلح فارسي مستخدم في لغة التجارة، ومعناه: تربح العشرة فتصير أحدَ عشرَ أو اثني عشر، وهذا يقابل قولنا الآن: عشرة في المائة أو عشرين في المائة، أو المائة مائة وعشرة أو مائة وعشرون.
(4) العشرة: رمز لرأس المال.
(5) (ح): في ما بلغ.
(6) ده دوازده: أي العشرة اثنا عشر.
(7) زيادة من (ح).
(8) في الأصل: ألفان.

(11/25)


الأقل، فخرج ثلاثة وأربعون درهماً وخُمسُ درهم، فذلك مبلغ المال بعد الأرباح الثلاث.
ومما يجب التنبه له أنا نضرب العشرة في العمل الأول في نفسها، ولا ننظر إلى رأس المال، ثم نضرب العشرة وربحَها على الترتيب الذي قدرناه، ولا نتعرض لمقدار رأس المال، وإنما نتعرض لنسبة ده يازده وده دوازده [ثم] (1) نضرب بعد هذين العملين رأسَ المال بالغاً ما بلغ في المبلغ الأكثر، ولو كانت نسبة الربح غير مأخوذة من العشرة، فيجب أن يكون العمل من النسبة المذكورة، فافهم.
7268 - وإن كان العمل في الخسران، فاضرب العشرة في مثلها، إذا كان [الخسران] (2) ده يازده أو ده دوازده، وتكرر مراراً، فإذا ضربت العشرة في مثلها، [فما بلغ في العشرة، ثم اضرب الثمانية -إذا كان الخسران ده دوازده- في مثلها] (3) ثم ما بلغ في الثمانية؛ لأن الثمانية هي الباقية من العشرة. ثم اضرب رأسَ المال في المبلغ الأقل، واقسم ما بلغ على المبلغ الأكثر، فما خرج، فهو الباقي من المال بعد [الخسرانات] (4).
وبيانه في الخمسة والعشرين إذا [خسر] (5) عليها ده دوازده ثلاث مرات: ضربنا العشرة في العشرة [مرتين] (6)، كما ذكرناه في الأرباح، فبلغ ألفاً، فحفظناها، ثم ضربنا الثمانية وهي الباقي من العشرة بعد نقصان [الخسران] (7) منها في مثلها مرتين فيبلغ خمسَمائة واثني عشر، ثم ضربنا رأس المال، هو خمسةٌ وعشرون في المبلغ الأقل، وهو خَمسُمائة واثنا عشر، وقسمنا ما بلغ على المبلغ الأكثر، وهو ألف،
__________
(1) زيادة من (ح).
(2) في الأصل: الجبران.
(3) زيادة من (ح).
(4) في الأصل: الجبرانات.
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) بياض بالأصل.
(7) في الأصل: الجبران.

(11/26)


يخرج من القسمة اثنا عشر درهماً وأربعةُ أخماس درهم، فهذا هو الباقي من الخمسة والعشرين، بعد أن خسر فيها ثلاث مرات ده دوازده، فقس على هذا نظائره.
وفيما يجري على الاعتبار في الأرباح، ده يازده، وده دوازده. أما ده يازده، فهو العشرة واحد، فردّه على المبلغ عشرة، وإن كان رأس المال درهماً بلغ درهماً وعُشْراً، وإن كان رأس المال عشرة، بلغ أحدَ عشرَ. وإن كان المال أحد عشرَ بلغ اثني عشر درهماً وعشرَ درهم.
فأما خسران ده يازده، فالحسّاب (1) ينقصون العشرة واحداً كما يزيدون لربحِ ده يازده واحداً، فالربح زيادة عُشْر [والخسران] (2) نقصان عُشر.
وللفقهاء ترددٌ في الخسران يظهر [أثره في عقدٍ] (3) استعمل فيه لفظ خسران ده يازده.
وذلك مثل أن يشتري عبداً بعشرة، فإن باعه على ربح ده يازده، فهذا بيعٌ بأحدَ عشرَ.
وإن باعه بخسران ده يازده، فالذي ذهب إليه جمهور الفقهاء أن العشرة تجري أحدَ عشرَ، ونحط منها جزءاً. والذي رآه الحُسّاب أن لفظ خسران ده يازده معناه نقصان عُشْرٍ تامّ، وهو نقيصة درهمٍ من عشرة.
وما ذكره جماهير الفقهاء متجهٌ في اللفظ، ولا دفع (4) لهذا في الباب الذي نحن فيه؛ فإن هذا البابَ ليس مُداراً على الألفاظ ومعانيها، وإنما [هو مُدارٌ] (5) على ما يقع (6). فإذا فرضوا نقصان العُشر، حسبوا هذا الحساب، وعلى هذا مجاري
__________
(1) (ح): بالحساب.
(2) سقطت من الأصل.
(3) في الأصل: أمره في لفظ.
(4) كذا في النسختين، ولعلها: (ولا وقع) أي لا مجال ولا أثر.
(5) في النسختين: " وإنما هي مدارةٌ " ولا توجيه لها إلا بالتعسف والاستكراه، وإعادتها إلى الألفاظ.
(6) أي على واقع الحال والاتفاق.

(11/27)


الخسران، والربحُ على ما وصفناه (1)، مع [التباس في النقائص] (2) التي ذكرناها (3).

مسائل من نوادر الأرباح والخسرانات مقصودة في أنفسها، وهي تهذب الأصول
7269 - فإن قيل: رجل ربح على رأس ماله ده دوازده للعشرة اثنين، وكان رأس ماله ثمانيةً ونصفاً، فكم المبلغ؟ وكم حصل معه؟
فاضرب ثمانية ونصفاً باثني عشر، واقسم ما بلغ على العشرة، فتخرج عشرةُ دراهم وخُمس درهم، فهي المبلغ المطلوب.
وإن قيل: خسر على رأس ماله ده دوازده، وكان رأس ماله ثمانية ونصفاً إلى كم يرجع رأس ماله؟
فاضرب الثمانيةَ والنصفَ في ثمانيةٍ؛ لأنها الباقي من العشرة على قاعدة الحساب بعد نقصان ده دوازده، فيبلغ ثمانيةً وستين، فاقسمها على العشرة فتخرج ستةُ دراهم وأربعةُ أخماس درهم، فهذا هو الباقي المطلوب.
فإن قيل: اشترى متاعاً وباعه فربح ده سيزده (4)، فبلغ ثمنُه أحدَ عشرَ درهماً، كم (5) كان رأس المال؟
فاضرب الأحد عشر في عشرة، واقسم ما بلغ على ثلاثةَ عثرَ، فتخرج ثمانية دراهم وستة أجزاء من ثلاثةَ عشرَ جزءاً من درهم. فهذا كان رأسَ ماله، [فإن قيل: اشترى متاعاً، وباعه بخسران سيزده، فرجع ماله إلى تسعة. كم كان رأس ماله] (6)؟
فاضرب التسعة في ثلاثةَ عشرَ، واقسم المبلغ على العشرة، فيخرج أحدَ عشرَ
__________
(1) على ما وصفناه: أي ليس محل خلاف.
(2) في الأصل: التباين في النقائص. والنقائص: هي الخسرانات.
(3) راجع هذا الخلاف بصورة أكثر تفصيلاً في باب بيع المرابحة من كتابنا هذا.
(4) ده سيزده: أي العشرة ثلاثة عشرة.
(5) ساقطة من (ح).
(6) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(11/28)


درهماً، وسبعة أعشار درهم، فهذا كان رأسَ المال.
7270 - مسألة: إن قيل: رجل اشترى من اللؤلؤ خمسةً بدرهم، وباع ثلاثةً بدرهم (1)، وربح ثلاثين درهماً، كم كان رأس ماله؟
فاضرب الربح وهو ثلاثون في عدد ما باع عليه اللؤلؤ وهو ثلاثة، فيبلغ تسعين، فاقسمها على ما فضل ما بين الذي باع والذي اشترى، وهو اثنان، فيخرج خمسة وأربعون، فهذا رأس ماله.
وفيه طريق آخر، وهو أن تعلم أن الذي اشتراه بدرهم باعه بمثل ما اشتراه به، وبمثل ثلثي ثمنه، فكأنه اشترى خمسةً بدرهم وباع الخمسة بدرهمٍ وثلثي درهم، فربح على كل درهم [مثلَ] (2) [ثلثيه] (3) فكأنه ربح على رأس المال مثلَ ثلثيه، فإذا كان الربح ثلثين، فهي مثل ثلثي رأس المال، فزد على الثلثين نصفَها، تكون خمسةً وأربعين، فهي رأس ماله.
فإن قيل: اشترى خمسةً بدرهم، وباع [سبعةً] (4) بدرهم، وخسر ثلاثين درهماً، كم رأس ماله؟ فاضرب مقدار الخسران، وهو ثلاثون فيما باع، وهو سبعة، يكون مائتين وعشرة، فاقسمها على فضل ما بين السعرين، وهو اثنان، فيخرج مائة وخمسة، فهي رأس المال قبل الخسران.
ثم يتجه فيه قياس آخر، وهو أن نقول: إذا اشترى خمسة بدرهم، وباع سبعةً بدرهم، فقد باع ما شراه بدرهم بخمسةِ أسباع درهم، فخسر على كل درهم مثل سبعيه، وعلم أنه خسر رأس ماله على هذه النسبة، فهذا مالٌ سبعاه ثلاثون، فسُبعه إذاً خمسة عشرَ، فاضرب الخمسة عشرَ في سبعة يكون مائة وخمسة، فهي رأس المال.
7271 - مسألة: إن قيل: ثلاثةٌ اشترَوْا سلعةً باثني عشرَ درهماً، فأعطى أحدهم
__________
(1) المعنى: أنه اشترى مقداراً كل خمسةٍ منه بدرهم، وباعه كل ثلاثة بدرهم، لا أنه اشترى خمسةً واحدة.
(2) زيادة من (ح).
(3) في الأصل: مثله.
(4) في الأصل: تسعة.

(11/29)


ثلاثةَ دراهم، والثاني أربعةً، والثالث خمسة، ثم باعوا، فربحوا عليها سبعة دراهم، كم نصيب كل واحد منهم من الربح؟ فالطريق أن نضرب نصيبَ كل واحد منهم من رأس المال [في السبعة التي هي الربح، ونقسم المبلغ على الاثني عشر، التي هي مجموع الأنصباء من رأس المال] (1)، فما خرج، فهو نصيب صاحب النصيب من الربح؛ لأن كلّ شريك نصيبه من الربح على قدر نصيبه من رأس المال.
وبيان ذلك أن نضرب ثلاثة من رأس المال، وهي نصيب صاحب الثلاثة في السبعة التي هي الربح، فيردّ الضربُ أحداً وعشرين، ونقسم المبلغ على اثني عشر، فيخرج من القسمة نصيب الواحد: درهم وثلاثة أرباع، فنقول: هذا نصيب صاحب الثلاثة من الربح.
ثم نضرب أربعة في السبعة، فترد ثمانيةً وعشرين، ونقسم المبلغ على اثني عشر، فيخرج نصيبُ الواحد درهمين وثلث، فهذا نصيب صاحب الأربعة من الربح.
ثم نضرب الخمسة في السبعة، فترد خمسةً (2) وثلاثين، فنقسمها على اثني عشر، فيخرج من القسمة ثلاثة غير نصف سدس، فهذا نصيب صاحب الخمسة من الربح، ومجموع ما يخرج من القسمة سبعة.
وقد تتجه [طريقة] (3) أقرب (4) مما ذكرنا، وهي أن صاحب الثلاثة له ربع رأس المال، فله ربع الربح، وذلك درهم وثلاثة أرباع درهم، وصاحب الأربعة له ثلث رأس المال، فله من الربح ثُلثه، وهو درهمان وثلث، وصاحب الخمسة له من رأس المال [ربعه وسدسه] (5)، فله من الربح ربعه وسدسه، وذلك درهمان وخمسة دوانيق ونصف.
7272 - مسألة: إن قيل: رجل ربح على ماله الدرهم درهماً، وتصدق [بدرهم،
__________
(1) ما بين المعقفين زيادة من (ح).
(2) (ح): سبعة وثلاثين.
(3) زيادة من المحقق.
(4) (ح): أربعة.
(5) في الأصل: أربعة وسدس.

(11/30)


ثم ربح الدرهم درهماً، وتصدّق] (1) بدرهمين، ثم الدرهم درهماً، وتصدق بثلاثة دراهم [يعني رأسَ ماله، كم كان رأس ماله] (2)؟
فخذ واحداً وأضعِفْه ثلاث مرّات، لأنه ربح ثلاث مرات، تكون ثمانية، فهي المقسوم عليها، فاحفظها، ثم خذ الصدقة الأولى، وهي درهم فأضعفه، وزد عليه الصدقة الثانية، وهي درهمان، تصير أربعة، فأضعفها، وزد عليها الصدقة الثالثة وهي ثلاثة، فتكون أحدَ عشر، فاقسمها على الثمانية المحفوظة، فيخرج درهم وثلاثة أثمان درهم، وهو رأس المال.
فإن قال: ربح للدرهم درهمين، وتصدق بخمسة، ثم ربح للدرهم درهماً وتصدق بعشرة دراهم، ثم ربح للدرهم درهماً، وتصدق بتسعة دراهم، فبقي معه درهمان، كم كان رأس المال؟
وقد ذكر الأستاذ في التكملة طريقةً في التضعيف [والجمع] (3) قد تطول على الناظر، ورأيت طريقة الجبر أقربَ منها وأحرى (4) وهي أولى، فكل مسألة مقصودها استخراج مجهولٍ، فنقول: نجعل رأس المال شيئاً، فلما ربح للدرهم درهمين، صار ثلاثة أشياء، فتصدق بخمسة دراهم، فبقي ثلاثةُ أشياء ناقصةً بخمسة دراهم، ثم لما ربح للدرهم درهماً، كان معنى ذلك أن ما بقي معه بعد خمسة دراهم تضعّف، فنقول: الآن معنا ستة أشياء ناقصةً بعشرة دراهم، فيكون الزائد مثل المزيد عليه، فتصدق بعشرة دراهم، فحصل معنا ستة أشياء ناقصةً بعشرين درهماً، فلما لربح للدرهم درهماً تضعّفت الأشياء الستة [بما] (5) فيها من الاستثناء، وكان معنا ستة أشياء ناقصةً بعشرين درهماً، فالآن إذا ضعفناها صارت اثنا عشر شيئا ناقصةً [بأربعين درهماً، فتصدق منها بتسعة دراهم، فحصل معنا اثنا عشر شيئاً ناقصةً] (6) بتسعةٍ
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(2) عبارة الأصل: وتصدق بثلاثة دراهم من رأس ماله. وكأن المعنى أنه تصدق بكل الربح مع رأس المال.
(3) في الأصل: والجملة.
(4) (ح): وأجرى.
(5) في النسختين: معها فيها، والمثبت تقدير منا.
(6) ساقط من الأصل.

(11/31)


وأربعين درهماً. فهذه الأشياء مع الاستثناء تعدل درهمين؛ فإن السائل قال: [بقي معه] (1) درهمان، فنجبر الأشياء بتسعةٍ وأربعين، ونزيد على الدرهمين تسعةً وأربعين، فتصير اثني عشر شيئاً كاملةً في معادلة أَحدٍ وخمسين، فنقسم الدراهم على الاثني عشر [شيئاً لمعرفة قيمة] (2) كل شيء، فيخرج من القسمة أربعةٌ وربع فانضمَّ إليه مثلاه، فصار المجموع اثنا عشر وثلاثة أرباع، فتصدق منها بخمسة، فبقي سبعة وثلاثة أرباع، ثم تضعف هذا المبلغ، فصار المجموع خمسةَ عشرَ ونصفاً، فتصدق منها بعشرة، فبقي خمسةٌ ونصف، ثم تضعف هذا، فصار أحدَ عشرَ، ثم يتصدق بتسعة، فبقي درهمان، فهذا قياس الباب.
وقد ذكر الأستاذ [صوراً جميعها تخرج على] (3) هذا المسلك.
فصل
في بيان حساب الزكوات
7273 - هذا الفصل يشتمل على مقصودين: أحدهما - في تعجيل الزكاة قبل وجوبها بحولٍ أو أحوال.
والثاني - في إخراج الزكاة عن المال لسنين ماضيةٍ.
فأما تعجيل الزكاة، ففيه باب يحوي فقهه، وهو من أغمض أبواب كتاب الزكاة، وقدمناه على أحسن مساق، والقدر المطلوب هاهنا من ذلك الباب يترتب على مسألةٍ نذكرها:
فإذا ملك الرجل أربعين من الغنم، وانعقد الحول عليها، فأراد أن يعجّل زكاتَها، جاز ذلك، عند الشافعي، وإذا انقضى الحولُ، وفي يد المعجِّل تسعةٌ وثلاثون، فالشاة المعجلة وقعت محتومةً واجبةً عن الزكاة المفروضة، وتحقيق مذهب الشافعي
__________
(1) مكان بياضٍ بالأصل، قدر كلمتين، وعبارة (ح): قال: بقي درهمين. (كذا).
(2) في الأصل بياض قدر ثلاث كلمات. وعبارة (ح): على الاثني عشر شيء (كذا) قيمة كل شيء.
(3) عبارة الأصل: ذكر الأستاذ تخريج هذا المسلك.

(11/32)


أن الزكاة المعجلةَ في حساب النصاب كالمبقّاة في يد المعجِّل. فإذا [حال] (1) الحول، فالتقدير أن الشاة أخرجت الآن.
وأبو حنيفة لا يجوِّز تعجيل الزكاة عن نصاب، ويعتد بأن الشاة إذا قدّر إخراجها من الأربعين، وانقضى باقي الحول على تسعةٍ وثلاثين، فلا يصادف [منقرضُ] (2) الحول نصاباً، ولا تجب الزكاةُ، وإذا لم تجب [، لم يقع] (3) الاعتداد بما قُدّم على [قصد] (4) التعجيل. وعلى هذا الخلاف تجري مسائِل التعجيل.
فلو ملك مائة وعشرين شاة، [فعجل زكاتها شاة] (5)، ثم نُتجت منها شاة قبل الحول، فحال الحول، وفي يده مائة وعشرون شاة، فعليه عند الشافعي شاةٌ ثانية؛ فإن غنمه لو كانت مائة وأحداً وعشرين، لكان واجبُها شاتين، والمخرَج المعجل في حكم الباقي على ملك المعجِّل فيما يتعلق ببيان مقادير [النصب] (6)، وإذا نحن قدّرنا ضمَّ الشاة المعجّلة إلى المال، وقد زادت واحدة، لكان يجب فيها شاتان.
وأبو حنيفة يقول: إذا عجل شاةً عن مائةٍ وعشرين ونتجت (7) شاة، وحال الحول والغنم مائةٌ وعشرون، لم تجب شاةٌ أخرى؛ نظراً إلى ما انقرض الحول عليه، وهو مائةٌ وعشرون، والمخرَج المعجَّلُ لا يقدّر ضمُّه إلى المال الباقي في يد (8) المالك.
فهذا القدر الذي أردنا التنبيه عليه من فقه باب التعجيل.
7274 - ونفرض الآن قولنا في الدراهم والدنانير، فإن زكاتها تجب بالجزئية على نسبةٍ واحدةٍ. فمهما (9) ملك الرجل نصاباً من أحد التبرين، عجّل زكاته -عندنا- إن أراد، ولم يعجلها عند أبي حنيفة؛ فإن النصاب ينقص بالمخرَج، فيحول الحول على
__________
(1) في الأصل: جاز.
(2) في الأصل: منصوص.
(3) في الأصل: ما يقع.
(4) في الأصل: نصب.
(5) زيادة من: (ح).
(6) في الأصل: النصيب.
(7) (ح): وتجب.
(8) (ح): فيزيد المالك.
(9) "فمهما": بمعنى: فإذا.

(11/33)


مالٍ ناقصٍ عن النصاب، فليقع الفرض فيه إذا ملك أكثر من النصاب، وأراد [التعجيل، فيبين] (1) تفاوتٌ في النسبة بين مذهبنا ومذهب أبي حنيفة، وذلك التفاوت بين الحساب [هو] (2) مقصود الفصل، فنقول: على مذهب الشافعي: مهما أراد تعجيلَ زكاةِ الذهب والورِق، أخرج ربعَ عشره، وعلى قولِ أهل الرأي يقسم ماله على أحدٍ وأربعين، فما خرج من القسمة بسهم واحد، فهو زكاته المعجَّلة، وذلك [أنه] (3) لا يرى ضم المخرَج إلى الباقي، فينبغي أن يكون المخرج زائداً على الباقي بناء على الأصل الذي مهدناه وبيّناه بالمسألتين المذكورتين في الماشية.
فإن أراد تعجيل نصفِ زكاته، فمذهب الشافعي أنه يخرج جزءاً من ثمانين جزءاً من ماله، فيقع ذلك ثُمن عُشر ماله، وهو نصف الزكاة.
وعلى مذهب أبي حنيفةَ إذا أراد تعجيلَ نصف الزكاة، أخرج من أحدٍ وثمانين جزءاً من ماله جزءاً.
وإن أراد تعجيل ثلث زكاته، فمذهب الشافعي أن ما عنده يقسم على مائةٍ وعشرين سهماً، فما خرج قسمةً لسهم واحد يخرجه، وقد عجل ثلث زكاته.
وعند أبي حنيفة يقسم ماله على مائةٍ وأحدٍ وعشرين جزءاً، فما خرج نصيب الواحد، عجّله، فهو يزيد أبداً جزءاً على ما يقدره الشافعي.
وإن أراد تعجيل ثلثي زكاته، قسم ما عنده من ورِقٍ على مائةٍ وعشرين في قول الشافعي، فما خرج عن القسمة نصيباً لواحد أخرج [ضعفه] (4)؛ فإن نصيب الواحد من مائةٍ وعشرين ثلث، فإن أراد الثلثين، ضعّف.
وفي قول أهل العراق يقسّم مالَه على مائةٍ واثنين وعشرين، فما خرج لسهمين عجله، فتعتدل النسبةُ على رأيه.
__________
(1) في النسختين اضطراب، ففي الأصل: وأراد بالتعجيل تبيين تفاوت ... إلخ. وفي (ح): وأراد التعجيل فإذا تبين تفاوت ... إلخ. والمثبت تقدير منا، نرجو أن يكون هو الصواب.
(2) في الأصل: وهو.
(3) في النسختين: إذ.
(4) ساقطة من الأصل.

(11/34)


هذا بيان هذا المقصود.
7275 - فأما المقصود الثاني وهو بيان إخراج الزكاة لسنين ماضيةٍ ما كان اتفق الإخراج فيها، والتفريع على أن تعلّق الزكاة بالعين [يخرجه] (1) عن إمكان تعلق الزكاة [به] (2) في السنة الأخرى على ما تمهد ذلك في فقه الفصل.
فإذا أردت تدارك زكوات المال في السنين [المنقضية] (3) والمال دراهمُ أو دنانيرُ، فانظر إلى عدد السنين، ثم ارجع، فاضرب الأربعين في مثله، فما بلغ فاضربه في الأربعين (4)، وليكن عددُ الضرب على هذا النسق مثلَ عدد سني الزكاة إلا مرةً واحدة، فما بلغ، فاحفظه.
ثم اضرب تسعةً وثلاثين في مثلها، فما بلغ في تسعة وثلاثين بعدد سني الزكاة إلا مرةً واحدة، ثم اضرب المالَ الذي [تريد] (5) إخراجَ زكاتِه في الأقل، فما بلغ فاقسمه على المبلغ الأكثر، فما (6) خرج من القسمة نصيب الواحد، فهو مقدار الباقي من المال الذي أردت إخراج الزكاة منه لتلك السنين بعد إخراج الزكوات.
فإن أردت مقدار ما أخرجت، فقدّر (7) ما يبقى بعد المال الذي وصفناه (8) إلى قيمة (9) القدر قبل إخراج الزكاة. وهذا حساب الخسران؛ فإن الزكاة تنقصُ المال على نسبةٍ واحدةٍ، كما فرضنا في [الخسرانات وقوعها] (10) على نسبةٍ واحدةٍ، فتشابه مسلك (11)
__________
(1) في الأصل: مخرجة.
(2) مزيدة من (ح).
(3) في الأصل: المنفصلة، وفي (ح): النقضية. والمثبت تقدير منا.
(4) (ح): فما بلغ فاضربه في الأربعين (كررتها مرتين).
(5) مكان بياضٍ بالأصل.
(6) (ح): فأخرج.
(7) (ح): يقدره ما تبقى.
(8) (ح): وصفته.
(9) (ح): تتمة.
(10) في الأصل: الجبرانات وفرعها.
(11) (ح): ملكا الحساب.

(11/35)


الحساب، غير أن وجه النسبة في الأربعين هاهنا ووجه النسبة ثَمَّ يَجري في رأس مالٍ بقدره [وينسب] (1) الربح إليه كتقديرنا العشرة والربح ده يازده، والخسران ده يازده، واقتضى قولنا: ده يازده رعايةَ نسبة العشرة.
فصل
في حساب الجزية
7276 - إذا قيل: ثلاثةٌ من العلوج جزية أحدهم ثمانية دنانير، وجزية الآخر عشرة دنانير، وجزية الثالث أربعةَ عشرَ ديناراً، فزيدت عشرة على [جزيتهم] (2)، فكم نصيب كل واحد منهم من تلك الزيادة؟ فقياس الباب أن تجمع الثمانية، والعشرة، والأربعة عشر، فتكون اثنين وثلاثين، وهي المقسوم عليها، فاحفظها.
ثم اضرب نصيبَ كل واحد منهم من الاثنين والثلاثين في العشرة المزيدة (3)، ثم اقسم المبلغ على الاثنين والثلاثين المحفوظة، فما خرج من القسمة هو نصيبه من الزيادة، وعلى هذا القياس يخرج نصيب صاحب الثمانية من الزيادة [ديناران] (4) ونصف، فنزيده على الثمانية التي هي أصل جزيته، (5 فتبلغ عشرة ونصفاً، ونصيب صاحب العشرة من الزيادة ثلاثةٌ وثمن، فتبلغ جزيتُه 5) ثلاثةَ عشرَ ديناراً وثمن دينار، ونصيب صاحب الأربعةَ عشرَ يجري منه على الترتيب المقدم في الضرب والقسمة، فيخرج نصيبه أربعة دنانير وثلاثة أثمان دينار، فتبلغ جزيته سبعةَ عشرَ ديناراً، وثلاثةَ أثمان دينار.
وهذا الحساب [بعينه هو الحساب] (6) الذي ذكرناه في زيادة ربحٍ على رؤوس
__________
(1) في الأصل: وسبب.
(2) في الأصل: جزء سهم.
(3) في النسختين: المزيد.
(4) في الأصل: دينار.
(5) ما بين القوسين ساقط من (ح).
(6) زيادة من (ح).

(11/36)


[أموال] (1) مختلفة الأقدار؛ فإن الجزية زيادةٌ نأخذها.
فإن كانت المسألة بحالها، ونقصت من جزية الجميع عشرةَ دنانير، فانقص من أصل جزية كل علج ما كنت تزيده عليه لو كانت الزيادة بدلاً عن النقصان، فما بقي، فهو جزيته الباقية، وهذه الجملة تجري في [الأخرجة] (2) على أصل من يراها إذا فرضت زيادة عليها أو نقصان منها.
7277 - مسألة: فإن قيل: إذا مرّ حربي بعشّار يأخذ من كل أربعين درهماً درهماً، ومع من مرّ به عشرةُ أثواب، فأخذ العشار على هذا الحساب ثوباً، ورد عليه درهماً، كم ثمن كل ثوب؟
فطريق الباب أن نضرب الدرهمين في أربعين، فترد ثمانين، فاحفظها، ثم اقسم عددَ الأثواب، وهو عشرة على ما أخذه العشار، وهو واحد، فتكون عشرة، فانقصها من الأربعين يبقى منها ثلاثون، فاقسم عليها الثمانين (3) المحفوظة، فيخرج درهمان وثلثان، فذلك قيمة كل ثوب.
وإن أردت تقريباً بطريق النسبة، [قلت] (4) المسألة مفروضةٌ فيه إذا كانت الأثواب متساويةَ القيم لا محالة، فكل ثوب عُشر الجملة، فإذا اقتضى التعديل ردَّ درهمين، والمستحق ربعُ العشر، وكل ثوب عشر البضاعة، والدرهمان المردودان ثلاثة أرباع الثوب، فإذا [تقدّر] (5) ثلاثةُ الأرباع بدرهمين، فقيمة الربع ثُلثُ الدرهمين، وهو ثلثا درهم، فكل ثوب قيمته درهمان وثلثان، وقيمة الثياب ستة وعشرون درهماً وثلثان، وعشر هذا المبلغ درهمان وثلثان، وربع الدرهمين والثلثين ثلثا درهم، فقد أخذ الثوبَ، وهو يستحق منه مقدار ثلثي درهم، فيرد لذلك درهمين.
__________
(1) في الأصل: المال.
(2) مكان بياضٍ بالأصل.
(3) (ح): الثنى.
(4) تقدير منا مكان بياضٍ بالأصل. وفي (ح): ثلث.
(5) في النسختين: تقدم.

(11/37)


7278 - فإن أخذ منه العشّار ثوبين وردَّ عليه عشرين درهماً، كم ثمن كل ثوب؟
فاضرب العشرين في الأربعين، فالمردود في هذه المسألة ثمانمائة، فاحفظها ثم اقسم الأثواب، وهي عشرة على العدد الذي أخذه العشار من الأثواب، [وهو اثنان] (1)، فيخرج خمسة، فانقصها من الأربعين، يبقى منها خمسةٌ وثلاثون، فاقسم عليها الثمانمائة المحفوظة، فيخرج اثنان وعشرون درهماً وستُّ أسباع درهمٍ، فذلك قيمة الثوبين المأخوذين، ويكون قيمة كل ثوب أحدَ عشرَ درهماً وثلاثةُ أسباع درهم.
وطريقة النسبة أن كل ثوب عُشر البضاعة، والثوبان خُمُسها.
وإن كان يأخذ من العشرة ربعها، فيأخذ من الخمس ثمناً، فالمستحق من الثوبين ثمنها، والعشرون درهماً في مقابلة سبعة أثمانها، فإذا كانت سبعة أثمان تساوي عشرين، فأردنا قيمة الثمن الآخر، زدنا على العشرين سُبعها، وهي اثنان وستة أسباع، فيخرج قيمةُ الثوبين، كما خرج بالضرب والقسمة.
ثم قيمةُ كل ثوب نصفُ ذلك أحدَ عشرَ وثلاثة أسباع.
فإن أخذ من عشرة أثواب [ثوباً، ورد عليه] (2) مثل جذر ما أخذ، كم ثمن كل ثوب؟
فقد علمت أن العشار إنما يطلب من عشرة أثوابٍ رُبعَ ثوب، فإذا أخذ ثوباً، لزمه أن يرد ثلاثة أرباع ثوب، فاقسم واحداً على ثلاثة أرباع، فيخرج واحد وثلث، فهذا جذر ما أخذ، فاضربه في مثله يكون واحداً وسبعةَ أتساع، فهذا قيمة كل ثوب.
والحساب يعتدل (3) إذا امتحنت.
وإن شئت فاقسم العشرة على [العدد] (4) الذي أخذه، وهو واحد، فتكون عشرة، فانقصها (5) من الأربعين، تبقى ثلاثون، واقسم الأربعين على هذه الثلاثين، فيخرج واحد وثلث، وهو جذر ثمن كل ثوب.
__________
(1) في الأصل: وهذا بيانه.
(2) عبارة الأصل: ثمن ما ورد علينا. والمثبت من (ح).
(3) (ح): معدل.
(4) في الأصل: القدر.
(5) (ح): فابعضها.

(11/38)


فإن أخذ منه ثوبين وردّ عليه جذرَ ما أخذ، فانقص ربعَ ثوبٍ من ثوبين؛ لأن له من عشرة أثواب ربعَ ثوب، [يبقى ثوبٌ] (1) وثلاثة أرباع، وهو الذي يلزمه رده، فاقسم الثوبين على واحدٍ وثلاثة أرباع، فيخرج واحدٌ وسبع، فهذا (2) جذر ثمن الثوبين.
وإن شئت، فاقسم العشرة الأثواب على الثوبين، فيخرج خمسة، فانقص الخمسة من الأربعين، تبقى خمسةٌ وثلاثون، فاقسم الأربعين على الخمسة والثلاثين، فيخرج واحد وسبع، فهو جذر ثمن الثوبين.
فصل
7279 - مسألة: في حساب الأرزاق والجرايات تمس إليها حاجةُ الأمراء في إدرار الرزق على الجند المعقود.
إن قيل: قائدٌ أعطى جنده أرزاقهم، فأعطى أول رجل منهم درهماً، والثاني درهمين، والثالث ثلاثة، وعلى هذا وقع التفاضل بدرهم درهم، فلم يرضَوْا بذلك، فاسترجع منهم الدراهمَ، وقسمها بينهم بالسوية، فأصاب كلَّ واحد منهم ثلاثون درهماً. كم عدد الرجال وعددُ الدراهم؟
فأضعف نصيبَ الواحد منهم عند التسوية، وهو (3) ثلاثون، فيبلغ ستين، فانقص منه واحداً أبداً، يبقى تسعةٌ وخمسون، وهي عدد الرجال، فاضربها في ثلاثين، فما بلغ فهو عدد الدراهم.
ونظير هذه المسألة من طرائف الحساب أن يقال: جواري دخلن بستاناً فتناولت الأولى رمانة، والثانية اثنتين، والثالثة ثلاثة، وتفاوتن واحدةً واحدةً، ثم [اقتسمن] (4) بالسويّة، فأصاب كلّ واحدة سبعُ رمانات، فأضعف السبعة، وانقص من
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) (ح): هذا.
(3) (ح): وهم.
(4) في الأصل: اقسم.

(11/39)


الضعف واحداً، تبقى ثلاثةَ عشرَ، وهي عددهن، ثم اضرب ذلك في سبعة، فما بلغ، فهو عدد الرمان.
فإن قيل: جيش خرج ربعه من مدينة أصاب أولُهم درهماً، والثاني درهمين والثالث ثلاثة دراهم، ثم تفاضلوا (1) بدرهم [درهمٍ]، (2)، فاقتسم (3) الجيشُ كلّه فيما (4) أصاب الربع منهم بينهم بالسوية، فأصاب كل رجل منهم خمسة دراهم، كم الجيش كلّه؟ وكم الدراهم؟
قياس الباب أن نضرب (5) أربعة -لقوله ربع الجند (6) - في اثنين أبداً، وإذا (7) كان التفاضل بدرهم درهم، فيكون ثمانية، ثم اضربها في الخمسة التي هي حصة كل واحد، يكون أربعين، أسقط منها واحداً أبداً تبقى تسعة وثلاثون، فذلك ربع الجند، وجميع الجند أربعة أمثاله، وهو مائة وستة وخمسون، فاضربها في خمسة، فما بلغ، فهو عدد الدراهم.
7280 - فإن قيل والمسألة بحالها: أصاب الأولُ درهماً والثاني ثلاثة، والثالث خمسة، ثم تفاضلوا كذلك بدرهمين درهمين، ثم اقتسم كلُّ الجند ما حصَّل [ربع الجند] (8) فأصاب كل واحد منهم خمسة، فاضرب أربعة لقوله ربع الجند في خمسة، لقوله أصاب كل واحد منهم خمسة، فيكون عشرين، ولا حاجة إلى التضعيف في هذه المسألة؛ فإن التفاضل وقع بدرهمين درهمين، [فرُبع] (9) الجند عشرون، ولا يخفى العمل بعدّة [الضربات] (10).
__________
(1) (ح): فاضلوا.
(2) مزيدة من (ح).
(3) (ح): فانقسم.
(4) (ح): فلما أصاب.
(5) (ح): يصرف.
(6) (ح): الجذر.
(7) (ح): إذا. (بدون واو).
(8) في الأصل: له مع الجند.
(9) في الأصل: فدفع.
(10) في الأصل: بعده والصواب. (وهذا من طرائف التصحيف، وما أكثرها).

(11/40)


فلو قال: أصاب كل واحد ثلاثة، فضربت الأربعة في ثلاثة، ولو [تفاضلوا] (1) بثلاثة ثلاثة، أو بأكثر، لضربت الأربعة فيما تفاضلوا به، وطردت المسائل على العمل المتقدم.
7281 - فإن قيل: مائة درهم [وقفيز] (2) حنطة، [وقفيز] (2) شعير، [وقفيز] (2) ذرة تقسم على عشرين مسكيناً بالسويّة، والمرعيُّ الاستواء في [الماليّة] (3)، فأصاب خمسة منهم الحنطة، وأربعة منهم الشعير، وثلاثة منهم الذرة (4). كم ثمن كل قفيزٍ؟ وكم حصةُ كلِّ مسكينٍ؟ قياس الباب أن نجمع [عِدَّة] (5) القوم الذين أخذوا الأصناف وهم اثنا عشر، فنقسم المائة على الثمانية (6)، وتعلم حصة كل واحد من الدراهم، فتعلم أن حصة كلِّ مَن أخذ صنفاً من الأصناف مثلُ ذلك المقدار، ثم نجمع تلك الحصص [ونستخرج] (7) [قيمة] (8) كل صنف. فإن أردت مسلك الحسّاب، قلت (9): نقسم المائة على ثمانية، فيخص كل واحد منهم اثنا عشر ونصفٌ، فإذا أردت معرفة ثمن الحنطة، فاضرب الاثني عشر والنصف في عدد الذين أخذوا الحنطة، وهم خمسة، فيكون اثنين وستين ونصفاً، واضربها أيضاً في عدد الذين أخذوا الشعير، وهم أربعة، فيكون خمسين، المبلغ الأول قيمة الحنطة، وهذا قيمة الشعير، فاضربه (10) في عدد أصحاب الذرة، وهم [ثلاثة] (11) فيكون سبعة وثلاثين ونصفاً، فذلك ثمن الذرة.
__________
(1) في النسختين: غلط.
(2) في الأصل: وقفة.
(3) في الأصل: المسألة.
(4) وأخذ الثمانية الباقون المائة درهم.
(5) في الأصل: هذه، (ح): عنده.
(6) الثمانية: أي الذين أخذوا المائة درهم.
(7) في النسختين: ونستثني.
(8) في الأصل: فيه.
(9) (ح): ثلث.
(10) فاضربه: المراد الاثنا عشر، وليس قيمة الشعير.
(11) في الأصل: ثلاثون.

(11/41)


فصل
في حساب البرد والفيوج (1)، تمس الحاجة إليه في جواسيس الجنود
7282 - إذا قيل: بَرِيدان أرسلتهما إلى موضع وأمرت أحدَهما أن يسير كلّ يوم عشرين فرسخاً، وأمرت الآخر أن يسير اليوم الأول فرسخاً، واليوم الثاني فرسخين، والثالث ثلاثةً، ثم يزيد سيرَه في كل يوم فرسخاً، ففي كم يوم يلحق الأول؟
قياس الباب أن نأخذ نصف الفضل الواقع في سير الثاني، وذلك نصفٌ؛ فإن سيره في كل يوم يفضل سيره في أمسه بواحدٍ، فخذ نصفه، وانقصه من مقدار [سيره] (2) في اليوم الأول، فيبقى نصفه، فنلقيه من العشرين، التي هي سير صاحب العشرين في كل يوم، يبقى تسعةَ عشرَ ونصف، فاقسمه على نصف التفاضل وهو نصف، فيخرج تسعة وثلاثون؛ فإن القسمة على الكسور معناها بيان حصة الواحد، فإذا كان النصف تسعة عشر ونصف، فالواحد تسعة وثلاثون، [فنقول] (3) يلحقه في تسعة وثلاثين يوماً.
فإن كان الأول يسير كل يوم عشرين فرسخاً، ويسير الآخر في اليوم الأول فرسخين، وفي الثاني ثمانية، وفي الثالث أربعة عشر فرسخاً، فكان يزيد كل يوم ستة فراسخ، فنصف التفاضل أكثر مقدار مسيره في اليوم الأول. فإذا [اتفق] (4) ذلك، فانقُص سيرَه في اليوم الأول، وهو اثنان من نصف التفاضل وهو ثلاثة، يبقى واحد، فزده على العشرين، واقسم المبلغ على نصف التفاضل وهو ثلاثة، فيخرج سبعة أيام، ففي مقدارها يلحقه.
7283 - فإن قيل: بريد أرسله بشرط أن يسير كل يوم خمسة فراسخ، فسار عشرين
__________
(1) البُرد والفيوج: البرد جمع بريد، وهو هنا بمعنى الرسول، ومثله الفَيْج مفرد فيوج (معجم ومصباح).
(2) في النسختين: نصيبه.
(3) في النسختين: فقد.
(4) في الأصل: ابين.

(11/42)


يوماً، ثم أرسلت آخر بعد العشرين، وأمرته أن يسير كل يوم ثمانية فراسخ في كم يومٍ يلحق الأول؟
فانقُص الخمسة التي هي سير الأول من الثمانية التي يسيرها الثاني، يبقى ثلاثة، وهي المقسوم عليها. ثم اضرب أيام [المسير] (1) وهي عشرون في مقدار مسير السابق في كل يوم، وهو خمسة، فيبلغ مائةً، فاقسمها على الثلاثة المحفوظة، فيخرج ثلاثة وثلاثون وثلث، ففي مقدارها من الأيام يلحقه.
7284 - فإن قيل: بريدان خرج أحدهما من بغداد إلى الكوفة يسير كلَّ يوم ثلث الطريق، وخرج الآخر في تلك الساعة من الكوفة إلى بغداد يسير كل يوم ربع الطريق، في كم من الزمان يلتقيان؟ خذ مخرج الثلث والربع، وهو اثنا عشر، فاجمع ثلثها وربعها، فتكون سبعة، فهي أجزاء اليوم، فاقسم الاثني عشر على السبعة، فيخرج واحدٌ وخمسةُ أسباع يوم، فيلتقيان في مقدار يوم وخمسة أسباع يوم.
فإن أردت أن تعرف ما قطعه كلُّ واحدٍ منهما، فاضرب السبعةَ في الاثني عشر، فيبلغ أربعةً وثمانين، [فهي أجزاء الطريق] (2) ثم أنت تعلم أن الذي يسير في كل يوم ثلثَ الطريق يسير في كل يوم وخمسة أسباع يوم ثمانيةً وأربعين جزءاً من أربعةٍ وثمانين. والذي يسير في اليوم ربع الطريق يسير في يوم وخمسه أسباع يوم ستةً وثلاثين جزءاً من أربعةٍ وثمانين جزءاً، فهذا مقدار مسيرهما، ويلتقيان على أربعة أسباع الطريق مما يلي بغداد، وثلاثة أسباعه مما يلي الكوفة.
7285 - فإن قيل: بريد وجهتَه من بغداد إلى الرَّي وأمرته أن يسير إليها في خمسة أيام، وأمرت بريداً آخر أن يسير من الري إلى بغداد في سبعة أيام، فخرجا في ساعةٍ واحدة [يؤمّان مقصديهما] (3) في كم يلتقيان؟
الطريقُ أن نجمع الخمسة والسبعة، فالمجموع اثنا عشر، وهي المقسوم عليها،
__________
(1) (ح): السبق.
(2) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام إلا بها. وقد سقطت من النسختين.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.

(11/43)


ثم اضرب الخمسةَ في السبعة، فتبلغ خمسةً وثلاثين، فاقسمها على اثني عشر، فيخرج يومان وأحدَ عشرَ جزءاً من اثني عشر جزءاً من يوم، ففي (1) مقدار ذلك يلتقيان.
7286 - فإن قيل: بريدٌ وجهته إلى موضعٍ، وأمرته أن يسير كلّ يوم في قصده ثمانيةَ عشرَ فرسخاً، وفي انصرافه كلَّ يوم اثني عشر فرسخاً، فانطلق [وعاد] (2) في أربعين يوماً. في كم ذهب؟ وفي كم انصرف؟ فاجمع سيرَ الذهاب في كل يوم، وسيرَ الانصراف في كل يوم، فيبلغ [ثلاثين] (3) فهي المقسوم عليها، ثم اضرب سير الانصراف، وهو اثنا عشر في الأربعين التي هي المدة، فيبلغ أربعمائة وثمانين، فاقسمها على ثلاثين، فيخرج ستة عشرَ، فذلك زمان انطلاقه، [ومن ستةَ عشرَ] (4) إلى تمام الأربعين زمان انصرافه.
فإن أردت عدد الفراسخ، فاضرب أيام الانطلاق في ثمانيةَ عشرَ، وزمانَ الانصراف في اثني عشرَ، فما بلغ فهو عدد الفراسخ.
7287 - فإن قيل: بريد سار من بلدٍ إلى مقصدٍ، فكان يسير كلّ يوم خُمس الطريق، ويرجع سُبع الطريق، في كم [يومٍ] (5) يقطع المسافة؟ فهذا يناظر مسألة من طرائف الحساب، وهو قول القائل حيّةٌ يخرج كل يوم خُمسها من جحرها ويدخل سُبعُها، في كم يوم يتم خروجها؟ فاطلب مخرج الخُمس والسبع، وهو خمسة وثلاثون، فخذ التفاضل بين الخمسة والسبعة، وذلك اثنان، فاقسم عليها الخمسة والثلاثين، فيخرج سبعةَ عشرَ ونصف، ففي مقدارها يتم قطعُ المسافة، وخروج الحية. وكذلك إذا قيل: رجل اكتسب كلَّ يوم خُمسَ درهم، وأنفق سبع درهم، في كم يوم اجتمع له درهمٌ؟ فجوابه ما مضى.
__________
(1) (ح): يبقى.
(2) زيادة من المحقق، حيث سقطت من النسختين.
(3) في الأصل: ثمانين.
(4) زيادة من المحقق، حيث سقطت من النسختين.
(5) زيادة من (ح).

(11/44)


فصل
في بيان حساب العصير المطبوخ
7288 - يحتاج إليه [من ينتجون] (1) المثلث (2) ويحتاج إليه من يحاول تثليث العصير في إصلاح العصر من غير أن يتخذ منه مسكراً. وينبغي أن يكون القِدرُ الذي يُطبخ فيه قِدراً قاعدتها مسطحة [لا تقعُّرَ فيها] (3) والجدار المحيط مستديراً في ارتفاعها على الاستقامة والاستواء من غير تخريط (4) وعلى [داخل] (5) القدر خطوطٌ تقسّمها ثلاثةَ أقسام، ثم يطبخ العصير حتى ينتهي في [سكونه] (6) إلى العلامة الأخيرة. وهذا صناعةٌ.
وحظُّ الحساب من الفصل في مسائلَ منها، أن يقول القائل: قدرٌ فيها (7) ثلاثون دورقاً من العصير، وذهب منها بالطبخ خمسةُ دواريق، وعُرف ذلك بعلاماتٍ وخطوط، كانت على جدار القِدْر، ثم رفع من الباقي، وهو خمسةٌ وعشرون دورقاً ثلاثةُ دواريق، إلى (8) كم يُردّ الباقي، حتى يكون مثلثاً؟ قياس الباب أن [العدد] (9) الحلال -على رأي من يُحله (10) -[مِن] (11) اثنين وعشرين دورقاً كقدر عشرة دواريق -
__________
(1) مكان بياضِ بالأصل، وأثبتناها من (ح) على صعوبة في قراءتها.
(2) المثلّث: هو الشراب أو العصير يُطبخ حتى يذهب ثلثاه، فيصير حلالاً، ويكون من العنب خاصة. (حاشية ابن عابدين: 5/ 292) وهو لا يحلّ عندهم إلا بذهاب ثلثيه.
(3) في الأصل: لا يتغير منها، (ح) لا تقعر منها.
(4) أي ضيق من أعلى، لتكون مخروطية الشكل.
(5) في الأصل: واصل.
(6) في الأصل: سائرها.
(7) (ح): صب فيها.
(8) (ح): كم يردّ. (بدون إلى).
(9) زيادة من (ح).
(10) في النسختين: يحل.
(11) زيادة من (ح).

(11/45)


وهي الثلث (1) - من خمسةٍ وعشرين، وهي خمساها، فخذ [خمسي] (2) الباقي الذي هو اثنان وعشرون وذلك ثمانية دواريق وأربعة أخماس دورق، فإذا رجع الباقي إلى هذا المقدار، حلّ عندهم.
وبيان ذلك أنه لما رجع العصير إلى خمسةٍ وعشرين، كان [يحل] (3) بأن يذهب منه خمسةَ عشرَ دورقاً، وخمسةَ عشرَ ثلاثةُ أخماس الخمسة والعشرين، فلما [رفع] (4) من الخمسة والعشرين ثلاثةُ دواريق، فيجب رعاية نسبة الأخماس في الاثنين والعشرين، فليذهب منها ثلاثةُ أخماسها. وإذا أسقطت ثلاثةَ أخماس اثنين وعشرين، بقي ثمانيةُ دواريق وأربعةُ أخماس دورق كما ذكرنا. ولو رفعت من الخمسة والعشرين عشرة أو عشرين (5)، لرددت الباقي إلى [خُمسيه] (6) ليحل.
هذا وجه رعاية النسبة.
ولو ذهب بالطبخ عشرةُ دواريق، ورفعت من الباقي خمسةَ دواريق، فالطريق أن نقول: لما [رجع] (7) بالطبخ إلى عشرين دورقاً، فكان يحل لو ذهب من الباقي عشرةٌ أخرى بالطبخ، وهو مثل نصف الباقي، فإذا رفعت خمسةً من العشرين، فلا نبالي بما ارتفع، واعتبرْ نسبةَ النصف من الباقي.
فإذا ذهب من الخمسةَ عشرَ الباقية سبعةٌ ونصف [يحلّ] (8) الباقي -على رأي من يُحله-.
وقس على هذا ما في معناه.
__________
(1) الثلث: أي ثلث الكل. فالعشرة هي التي تحلّ من الثلاثين، بعد ذهاب الثلثين.
(2) في النسختين: خمس.
(3) في الأصل: حل.
(4) في الأصل: رجع.
(5) عشرة أو عشرين: هذا تمثيل، يعني أياً كان المرفوع، كثيراً أو قليلاً، فيحل من الباقي خمساه.
(6) في الأصل: خمسه، وفي (ح): خمسته.
(7) في النسختين: رفع. وهو خطأ واضح.
(8) في الأصل: على.

(11/46)


7289 - إن قيل: ثلاثون دورقاً ذهب بالطبخ منها خمسةُ دواريق، ثم رفع منها شيء مجهول، لا ندري مقدارَه، وكان حلال الباقي ثمانية دواريق، كم كان المرفوع منها؟ فالطريق أن نقول: لما رجع (1) بالطبخ إلى [خمسةٍ وعشرين] (2)، كان يحل الباقي لو رجع إلى عشرة، وذهب منها خمسةَ عشرَ، فالخمسةَ عشرَ ثلاثة أخماس الخمسة والعشرين، ونسبة الأخماس تقتضي أن يذهب من كل خمسة ثلاثة، ويتحصل من كل خمسة دورقان، فإذا كان الحلالُ ثمانيةً، فنعلم أنها من عشرين دورقاً، فالمرفوع إذاً خمسة. ولو [بقيت] (3)، لتحصّل (4) منها دورقان، وتمت العشرة، فإذا أنقصت العشرة (5) بدورقين، تبين أن المرفوع خمسة.
[قال] (6) الحُسّاب في هذه المسألة: قدرُ المرفوع من خمسةٍ وعشرين كقدر النقصان الذي في الباقي الحلال من ثلث جميع العصير.
وبيانه أن الثمانية نقصت عن ثلث العصير بخُمس العشرة، فبان أن المرفوع من خمسة وعشرين خمسُها.
فصل
في مسائل تتعلق بالسؤالات عند التلاقي
7290 - رجلان اجتمعا على ثوبٍ ينادَى عليه، فقال أحدهما للآخر: إن أعطيتني ثلث ما معك فزدتُه على ما معي، تَمَّ لي ثَمَنُ هذا. وقال الآخر للأول: إن أعطيتني رُبع ما معك وزدتُه على ما معي تمَّ لي ثَمنُ الثوبِ. كم الثمن؟ وكم مع كل واحد منهما؟
__________
(1) (ح): رفع.
(2) في النسختين: ثمانية وعشرين.
(3) غير مقروءة بالأصل (انظر صورتها).
(4) في الأصل: فيحصل.
(5) (ح): العدّة.
(6) في الأصل: فإن.

(11/47)


فنقول: نضرب مخرج الثلث وهو ثلاثة في مخرج الربع وهو أربعة، فيبلغ اثني عشر، فننقص منها واحداً أبداً، يبقى أحدَ عشرَ، فهو ثمنُ الثوب. ثم نرجع إلى الاثني عشر، ثم نعزل منه ثُلثَه، وهو أربعة، يبقى ثمانية، فهي [مع] (1) الأوّل، ثم نعزل منه (2) ربعَه، يبقى تسعة، فهي مع الثاني، والمسألة صحيحةٌ على الامتحان، [ولكنها] (3) قليلة الفائدة؛ فإن [أقل] (4) عدد صحيح يُفرض [منه] (5) هذا الذي ذكرنا [فقد] (6) يتصور تضاعف الثمن على هذه النسبة، وكأن الحُسَّاب [نبهوا] (7) بأقلّ عددٍ صحيح يصح فيه السؤال.
7291 - فإن كانوا ثلاثة، فطلب الأول من الثاني ثُلثَ ما معه، وطلب الثاني من الثالث ربعَ ما معه، وطلب الثالث من الأول خُمس ما معه، ليتم لكل واحد منهم ثَمنَ الثوب، فاضرب مخرجَ [الثلث] (8)، وهو ثلاثة في مخرج الربع، وهو أربعة، ثم ما اجتمع في مخرج الخمس، وهو خمسة. فبلغ ستين، فزد (9) عليه واحداً أبداً، إذا كان عددُ القوم فرداً، وإن كان عدد القوم زوجاً، فانقص من المبلغ واحداً، فالمبلغ في هذه المسألة أحدٌ وستون، فهذا ثمن الثوب، فإن أردت أن تعلم الذي (10) مع الأول، فخذ مخرج الثلث وألقِ منه واحداً، يبقى اثنان، فاضربه في مخرج الربع، فيبلغ ثمانية، فزد عليها واحداً أبداً، فيبلغ تسعةً، فاضربها في مخرج الخُمس، فيصير خمسةً وأربعين، فهي مع الأول.
__________
(1) ساقطة من الأصل. وفي (ح): ربع. والمثبت تقدير منا.
(2) منه: أي الاثني عشر.
(3) غير مقروءة في الأصل.
(4) في الأصل: كان.
(5) في النسختين: منها.
(6) في الأصل: قد.
(7) ساقطة من الأصل.
(8) في الأصل: الثوب.
(9) ساقطة من (ح).
(10) في (ح): التي.

(11/48)


وإن أردت أن تعلم ما مع الثاني، فاطرح ذلك من أحدٍ وستين، يبقى ستةَ عشرَ، فاضربها في ثلاثة، تكون ثمانيةً وأربعين، فهي ما مع الثاني. ثم اطرح هذا المبلغ من أحدٍ وستين، فيبقى ثلاثةَ عشرَ، فاضربها في أربعةٍ، فتصير اثنين وخمسين، وهي ما مع الثالث. والواحد الذي زدته على الستين إنما [هو] (1) مضروب الثلث في الربع، ثم في الخمس؛ فإنك إذا ضربتَ الثلث في الربع كان نصف سدس، وهو جزء من اثني عشر جزءاً، فإذا ضربته في الخمس، كان جزءاً من ستين جزءاً.
وهذا غامض لا يحيط به إلا [ماهرٌ] (2) في الحساب.
فعلى هذا إذا قال الأول للثاني: إن أعطيتني ثلاثةَ أخماس ما معك، صار معي ثَمنُ هذا الثوب، وطلب الثاني من الثالث أربعة أسباع ما معه، وطلب الثالث من الأول خمسةَ أثمان ما معه.
فاضرب المخارجَ بعضها في بعض، فتكون مائتين وثمانين، فنزيد عليها عدد الأخماس مضروباً في عدد الأسباع، ثم ما بلغ في عدد الأثمان، وذلك ستون، فيبلغ ثَلاثمائة وأربعين (3)، فهي ثمن الثوب.
ثم خذ مخرج الخُمس: خمسة، فاعزل منها ثلاثةَ أخماسها، يبقى اثنان، فاضربهما في مخرج السبع، فيبلغ أربعةَ عشرَ، فزد عليها عددَ الأخماس مضروباً في عدد الأسباع، وذلك اثنا عشر، فيبلغ ستةً وعشرين، فاضربها في مخرج الثمن، فيكون مائتان وثمانية. فهذا رأس مال الأول. فنلقيه من ثمن الثوب، فما بقي، فهو ثلاثة أخماس مال الثاني، فزد عليه [ثلثيه] (4)، فما بلغ، فهو مال الثاني، فنلقيه من ثمن الثوب كلِّه، فما بقي، فهو أربعة أسباع مال الثالث، فنضرب [رُبعه] (5) في سَبعةٍ، فما [بلغ] (6)، فهو ماله.
__________
(1) في الأصل: بقي، وفي (ح): هي.
(2) في النسختين: ما هو.
(3) فيبلغ ثلاثمائة وأربعين: أي بإضافته إلى ما خرج من ضرب المخارج.
(4) في النسختين: ثلثه.
(5) في الأصل: أربعة.
(6) في النسختين: بقي.

(11/49)


7292 - رجلان قال أحدهما لصاحبه: إن أعطيتني ثلث ما معك صار معي خمسةُ دراهم، وقال الآخر للأول: إن أعطيتني ربع ما معك، صار معي سبعةٌ.
بيانه أن نلقي من [ضرب] (1) مخرج الثلث [في مخرج] (1) الربع واحداً، فيبقى أحدَ عشرَ، فهي المقسوم عليها، فاحفظها؛ لأنها مخرج أجزاء الدرهم [الواحد] (2) في هذه المسألة، ثم نلقي من الخمسة ثُلثَ السبعة، يبقى اثنان وثلثان، فاضربها في مخرج الثلث والربع، فيبلغ اثنين وثلاثين، فاقسمها على الأحد عشر، فيخرج اثنان وعشرةُ أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من درهم، وهو الذي مع الأول.
ثم ألقِ من السبعة ربعَ الخمسة، يبقى خمسة وثلاثة أرباع، فاضربها في مخرج الثلث والربع وهو اثنا عشر، فيبلغ تسعةً وستين، فاقسمها على الأحدَ عشرَ، فيخرج ستةٌ وثلاثةُ أجزاء من أحد عشر. فهذا الذي مع الثاني.
7293 - رجلان وجدا كيساً فيه دراهم، فقال أحدهما: إن أخذته وضممته إلى ما معي، صار معي خمسة أمثال ما معك.
وقال الآخر: إن زدته على ما معي، صار سبعةَ أمثال ما معك. كم في الكيس؟ وكم مع كل واحد منهما؟
فاضرب عدد الأمثال في عدد الأمثال: خمسة في سبعة، وانقص من المبلغ واحداً، يبقى أربعةٌ وثلاثون، فهي التي في الكيس.
ثم زد على الخمسة واحداً، فتبلغ ستة، فهي التي مع الأول. وزد على السبعة واحداً، فما بلغ، فهو الذي مع الثاني.
فإن كانوا ثلاثة ووجدوا الكيس، فقال الأول للثاني: إن أخذتُه أنا، صار معي ثلاثة أمثال ما معك، وقال الثاني للثالث: إن أخذته أنا، صار معي أربعة أمثال ما معك، وقال الثالث للأول: إن أخذته أنا، صار معي خمسة أمثال ما معك، فاضرب مخرج الثلث في مخرج الربع، ثم في مخرج الخمس، فيبلغ ستين. فانقص
__________
(1) عبارة النسختين: أن نلقي من مخرج الثلث والربع. والمثبت تقدير منا، رعاية للسياق.
(2) زيادة من (ح).

(11/50)


منه واحداً، يبقى تسعةٌ وخمسون، فهي التي في الكيس.
فإن أردت معرفة ما مع الأول، فخذ مخرج الأمثال التي ذكرناها، وهو ثلاثة، فزد عليها واحداً، واضرب ما بلغ في مثله، فيكون ستة [عشر] (1) فهي ما مع الأول، فزد ذلك على تسعة وخمسين، فيبلغ خمسةً وسبعين، فخذ ثلثَها: خمسةً وعشرين، فذلك مع الثاني، فزدها على تسعة وخمسين، فيبلغ أربعةً وثمانين، فخذ [ربعه: أحداً] (2) وعشرين، فهو ما مع الثالث.
7294 - رجل معه كيس فيه دراهم، فسأله رجل عن مقدارها، فقال: ليتها لي، ومثلَها ومثلَ نصفها، ومثلَ ربعها، حتى أزيدَها على درهم لي [في بيتي] (3) فيتمَّ لي مائةُ درهم. كم في الكيس؟
خذ مخرج النصف والربع، لذكر النصف والربع، وهو أربعة، فخذها ومثلَها، لقوله: ليتها لي ومثلها، فيكون ثمانية، فزد عليهما نصفَ الأربعة وربعها، لذكره النصفَ والربعَ، فيكون أحدَ عشرَ، فهو المقسوم عليه، فاحفظه، ثم ألق من المائةِ واحداً، يبقى تسعةٌ وتسعون، فاضربها في مخرج النصف والربع، وهو أربعة، فيبلغ ثَلاثمائة وستةً وتسعين، فاقسمها على الأحد عشر المحفوظة فيخرج ستة وثلاثون، وهي عدد الدراهم التي في الكيس.
7295 - فإن قيل: مالٌ عزلت منه ثُلثَه وربعَه، فبقي [منه] (4) ثلاثةُ دراهم؟ فمأخذ هذا الفن أن نعلم أنَّ مخرج الثلث والربع إذا عزلا، فالباقي ربع وسدس، فإذا كان الربع والسدس ثلاثة، لم يخف إخراج الباقي؛ فإنه إذا بانت قيمةُ جزء؛ [بان] (5) قيمة جميع الأجزاء، والسبيل المعروف أن نأخذ شيئاً له ثلث وربع، وذلك اثنا عشر، فنلقي منه ثلثه وربعه، تبقى منه خمسة، فهي المقسوم عليها، ثم اضرب الباقي، وهو
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: فخذ أربعة وعشرين.
(3) زيادة من (ح).
(4) زيادة من (ح).
(5) في الأصل، وفي (ح): فإن.

(11/51)


ثلاثة في مخرج الثلث والربع، وهو اثنا عشر، وقسم المبلغ على الخمسة المحفوظة، فيخرج سبعة وخمس، فهو أصل المال.
ومن هذا القبيل أن يقول القائل: قصبة ثلثها في الطين، وربعها في الماء، والخارج منها ثلاثة أذرع، أو سمكة رأسها ربُعها، وذنبها ثُلثُها، والباقي منها ثلاثة أمناء. كم وزن السمكة؟ أو كيسٌ (1) عزلت منه ثُلثَه وربعَه، فبقي منه ثلاثة أقفزة. كم مقدارُ الكيس؟ وهذا الفن من الجليات، لما ذكرناه في ابتدائه.
7296 - فإن قيل: حوض له ثلاثة أنهار، ويملؤه واحد في ثلاثة أيام، والثاني في أربعة أيام، والثالث في خمسة أيام، فُتحت الأنهار إليه وأخذت في الانصباب في ساعةٍ واحدةٍ، في كم يمتلىء (2)؟ فخذ عدداً له ثلثٌ وربعٌ وخمسٌ، لجريان (3) الثلاثة والأربعة والخمسة، وذلك ستون. فخذ ثلثها وربعها وخمسها، وذلك سبعةٌ وأربعون، فهي المقسوم عليها، ثم اقسم المخرج وهو ستون عليها، فيخرج واحد وثلاثةَ عشرَ جزءاً من يوم، ففي هذا المقدار يمتلىء الحوض.
فإن قيل: نهر [يملؤه] (4) في يوم، والثاني في يومين، والثالث في ثلاثة أيام، أُرسلت كلُّها إليه [في ساعة واحدة، ففي كم يمتلىء] (5)؟ فخذ عدداً له نصفٌ وثلث، لذكره يومين وثلاثة، وذلك ستةٌ. ثم خذ لليوم الواحد ستة، و (6) لليومين نصف ذلك، وهو ثلاثة، ولثلاثة أيام ثلث ذلك، وهو اثنان، فاجمع ذلك كلَّه، فيكون أحدَ عشرَ، ثم اقسم المبلغ عليها، فيخرج ستة أجزاء من أحدَ عشرَ جزءاً من يوم، ففي مقدارها يمتلىء الحوض.
7297 - فإن قيل: حوض طوله أربعون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، وعمقه
__________
(1) (ح): كرسي.
(2) (ح): على.
(3) (ح): عبارتها هنا مصحفة محرفة مضطربة، هكذا: فخذنا في الثلث والأربعة والخمسة، وذلك ستون.
(4) زيادة من (ح).
(5) زيادة من المحقق.
(6) في (ح) كلمة مقحمة هنا لا معنى لها: لليوم الواحد ستة وليس لليومين ...

(11/52)


ثلاثة أذرع، حفرنا إلى جنبه بئراً طولها ثلاثة أذرع في عرض ذراعين، كم يجب أن يكون عمقها حتى يسع البئرُ ماءَ الحوض؟ فاضرب طول الحوض في عرضه، ثم ما بلغ في عمقه، فيبلغ ألفين وأربعمائة، فاحفظها، ثم اضرب عرض البئر في طولها، يكون ستة، فاقسم عليها الألفين والأربعمائة، فتخرج أربعمائة ذراع، فهي عمق البئر.
7298 - إن قيل: ثمانية أرغفة بين رجلين: لأحدهما ثلاثة، وللآخر خمسة، أتاهما ضيف، فجعلوا الأرغفة أثلاثاً متساوية، وأكلوها أكلاً متساويا، ولم يأكل أحد الرجلين صاحبي الأرغفة من أرغفة صاحبه، فأعطاهما الضيف ثمانية دنانير عوضاً عما أكله من رغفانهما، كيف يقتسمان الدنانير؟
فالجواب أن لصاحب الثلاثة الأرغفة ديناراً واحداً، والباقي، وهو سبعة لصاحب الأرغفة الخمسة.
وذلك لأن الأرغفة لما جُعلت أثلاثاً، صارت الخمسةُ منها خمسَ عشرةَ قطعة، وصارت الثلاثةُ تسعَ قطع، فذلك أربعٌ وعشرون قطعة، فقد أكل كل واحد منهما ثمانِ قطع، فصاحب الخمسة له خمسةَ عشرَ أكل منها ثمانية، وأكل الضيف من نصيبه سبعة، وصاحب الثلاثة له تسعُ قطع، أكل منها ثمانية، وأكل الضيفُ من نصيبه قطعةً، فلذلك كان لصاحب الثلاثة دينارٌ، ولصاحب الخمس سبعة دنانير.
7299 - إن سئلتَ عن عددٍ إذا قسم على اثنين زاد واحداً، وإن قسم على ثلاثة زاد واحداً، وكذلك إذا قسم على أربعة، وعلى خمسة، وعلى ستة. وإن قسم على سبعة، خرج سواء، فبيانه أن نطلب أقل عدد يكون له هذه الأجزاء ما خلا السبع، فنجده ستين، فنزيد عليه واحداً، يكون أحداً وستين، فهذا إذا قسم على اثنين، أو ثلاثة، أو خمسة، أو ستة، يفضل واحدٌ، وإن قسم على سبعة، يفضل خمسة، وإن قسمت ستين على سبعة يفضل أربعة، فانظر في عدد [نضربه في الستين] (1) ونزيد على مبلغه واحداً، فنقسم ما بلغ على سبعة، فنجده خمسةً، فاضرب الخمسة في الستين، وزد على المبلغ واحداً، فيكون ثَلاثَمائةٍ وواحداً، فهو المطلوب.
__________
(1) في النسختين: يضرب الستين.

(11/53)


فهذه جملٌ ترشد إلن قواعد الحساب في المعاملات [لم نحب تخلية] (1) الكتاب عنها.
7300 - ونحن (2) نذكر الآن فصلاً في قواعد النِّسب يستغني به الحاسب ويتخذه أصلاً مرجوعاً إليه؛ فإن أمَّ الحساب النسبة، وجملة الطرق ملتقاة منها، والنِّسب شيء لا تمس الحاجة إلى جميعها في المعاملات، كالنسب التأليفية التي يستعملها أصحاب الألحان، والنسب النَّظمية التي يستعملها أهل الهندسة في أضلاع المجسمات، وهي مثل قول القائل: زيادة الستة على الاثنين كزيادة التسعة على الستة، وكزيادة الأربعةَ عشرَ على العشرة.
والنسبة التي تمس حاجتنا إليها، وعليها تدور المعاملات في البيع والإجارة، والأرباح، والخسرانات، وبها يخرج ما غمض من مسائل الدور، والعين والدين، والوصايا، ومساحة الأشكال، فنعتني بذكر هذه النسبة في فصل نعقده (3).
فصل (4)
7301 - النسبة المطلوبة في هذه الأبواب على ضربين نسبة متوالية، ونسبة غير متوالية، فالمتوالية أن تكون نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثاني إلى الثالث، وكنسبة الثالث إلى الرابع، وكنسبة الرابع إلى الخامس، وكذلك ما زاد عليه من الأعداد المتناسبة على التوالي.
__________
(1) بياض بالأصل، والمثبت من (ح).
(2) ح: فالحق نذكر الآن.
(3) إلى هنا انتهى هذا الجزء من نسخة ت 3، وجاء في خاتمته ما نصه:
آخر الجزء الثامن من نهاية المطلب في دراية المذهب.
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
يتلوه في التاسع -إن شاء الله تعالى- فصل النسبة المطلوبة في هذه الأبواب على ضربين.
(4) من هنا بدأ اعتماد نسخة (ح) أصلاً (منتصف الورقة 23 ش). وهي نسخة وحيدة إلى (الورقة 51 ش) حيث تجتمع معها نسخة (س) إن شاء الله.

(11/54)


فأما النسبة التي هي غير متوالية، فهي التي يكون نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع، ولا تكون نسبة الثاني منها إلى الثالث كنسبة الأول إلى الثاني.
ونقول: متى كان عدد الأعداد المتناسبة فرداً، [كانت] (1) نسبتها متوالية لا محالة، ومتى كانت عِدّة الأعداد المناسبة زوجاً، فربما كانت نسبتها متوالية، وربما كانت غير متوالية، فمثال المتوالية في أربعة أعداد أن يكون أولها اثنين، [والثاني] (2) أربعة، والثالث ثمانية، والرابع ستة عشر.
ومثال غير المتوالية في أربعة أعداد أن يكون أولها اثنين، والثاني أربعة، والثالث ثلاثة، والرابع ستة، ومعاملات [المتعاملين] (3) في الشراء والبيع والإجارات تدور على النسبة التي ليست بمتوالية، والنسبة المتوالية عليها تدور معظم أصول المساحة، ومعظم أبواب المعادلات في الجبر والمقابلة، وكذلك أبواب الربح والخسران، وتعجيل الزكوات.
وكل ثلاثة أعداد متناسبة يقال فيها: نسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثاني إلى الثالث، فإن نسبة الأول إلى الثالث كنسبته إلى الثاني، [ .... ] (4) بالتكرير، وهذا كالاثنين والأربعة والثمانية، فالأول نصف الثاني، والثاني نصف الثالث، والأول إلى الثالث كالأول إلى الثاني [على] (5) معنى التكرير؛ فإن الأول إلى الثاني نصفه، والأول إلى الثالث [نصف] (6) نصفه.
7302 - وإذا كانت ثلاثةُ أعداد متناسبة وعلم اثنان منها، أمكن استخراج الثالث، فإن كان الأول مجهولاً، ضرب الثاني في مثله، وقسم المبلغ على الثالث، فما خرج فهو الأول المجهول. وبيانه أبداً.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: والثالث.
(3) في الأصل: الثلثين.
(4) ما بين المعقفين مكان كلمة غير مقروءة بالأصل.
(5) زيادة من المحقق.
(6) زيادة اقتضاها السياق والبيان.

(11/55)


ويمثّل كنسبة عددٍ إلى الأربعة كنسبة الأربعة إلى الثمانية، ولم يذكر لك العدد الأول، فاضرب الأربعة في نفسها، واقسمها على الثمانية، فالخارج من القسمة هو العدد الأول، كأنه قيل: نسبة الاثنين إلى الأربعة كنسبة الأربعة إلى الثمانية.
فإن كان الثالث مجهولاً ضُرب الثاني في مثله، وقسم المبلغ على الأول، فما خرج فهو الثالث.
وإن كان الثاني مجهولاً، ضرب الأول في الثالث وأُخذ جذرُ ما بلغ، فما كان فهو الثاني، كقول القائل نسبة الاثنين إلى عددٍ كنسبة ذلك العدد إلى الثمانية، فنضرب الاثنين في الثمانية، فيخرج ستةَ عشرَ، فنأخذ جذرها أربعة، فهي العدد الثاني (1).
والعلةُ (2) في ذلك أن ضرب الأول في الثالث يكون مثلَ ضرب الثاني في مثله أبداً متى كانت متناسبة على التوالي، وكل أربعة أعداد متناسبة متوالية أو غير متوالية، فإن ضرب الأول في الرابع كضرب الثاني في الثالث، ومتى ضرب الأول في الرابع وقسم المبلغ على الثاني، خرج الثالث، وإن قسم المبلغ على الثالث، خرج الثاني. ومتى ضرب الثاني في الثالث، وقسم المبلغ على الأول، خرج الرابع. وإن قسم المبلغ على الرابع، خرج الأول.
وبذلك نستخرج المجهول منها.
ومتى كانت أربعة أعداد متناسبة نسبةً متوالية، وعلم اثنان منها أمكن أن يُعلم المجهولان، فإن كانت الواسطتان مجهولتين، ضربنا العدد الأول في مثله، فما بلغ ضربناه في العدد الرابع، وأخذنا كعب ما بلغ، فما كان فهو العدد الثاني. وإن ضربنا العدد الرابع في [مثله] (3)، ضربنا مبلغه في العدد الأول، وأخذنا كعب المبلغ؛ فإن ذلك العددُ الثالث (4).
__________
(1) في الأصل: والثاني.
(2) عبارة الأصل مضطربة، هكذا: " والثلثه في العلة في ذلك ". فتصرفنا فيها بالحذف، وإضافة الواو.
(3) في الأصل: مثلهم.
(4) مثال ذلك، هذه الأعداد الأربعة المتوالية: 2 - 4 - 8 - 16 حاول أن تمتحن القاعدة، وستجدها إن شاء الله صحيحة.

(11/56)


وإن كان الطرفان مجهولين، ضربنا الواسطةَ الأولى في مثلها، وقسّمنا المبلغ على الواسطة الثانية، فما خرج فهو الأول، وإن ضربنا الواسطة الثانية في مثلها، وقسمنا المبلغ على الواسطة الأولى، كان الخارج من القسمة مثلَ الطرف الرابع.
هذا إذا كانت نسبة الأعداد متوالية.
فإن كانت غيرَ متوالية، لم يكن منها ما ذكرناه الآن.
وكل خمسة أعداد متناسبة، فإنَّ ضرب الأول في الخامس مثلُ ضرب الثاني في الرابع، ومثل ضرب الثالث في مثله.
فإن كان الثالث مجهولاً، ضربنا الأول في الخامس، وأخذنا جذر المبلغ، فهو الثالث.
وكذلك إن ضربنا الثاني في الرابع، وأخذنا جذر ما بلغ، كان ذلك الجذرُ مثلَ الثالث.
فإن كان الأول مجهولاً، ضربنا الثالث في مثله، وقسمنا المبلغ على الخامس، فما خرج فهو الأول، وكذلك إن ضربنا الثالث في مثله، وقسمنا المبلغ على الخامس، فما خرج فهو الأول، وكذلك إن ضربنا الثالث في مثله وقسمنا مبلغه على الأول [خرج] (1) الخامس، وكذلك إن ضربنا الثالث في مثله وقسمنا المبلغ على الرابع، خرج الثاني.
وإن قسمناه على الثاني خرج الرابع.
وعلى هذا فقس.
7303 - واعلم أن أم الطرق المُخرِجة [للمجاهيل] (2) الجبرُ، وما عداه فقبضةٌ منه، وكل مسألة تطرّق إليها تعادلٌ على الإفراد من غير اقتران، فسلِّط الجبر عليها، وأخرج المقصود منها، ومستنده التناسب الذي ذكرناه. ومن اطلع على سرّ النسبة، لم يحتج إلى الجبر، وإنما يتأتى النفوذ في النسبة بطول المرون والدُّرْبة، والجبرُ من
__________
(1) في الأصل: فخرج.
(2) في الأصل: " بالمجاهيل ".

(11/57)


النسبة كعلم العروض (1) مع الذوق، فمن تطيعت (2) له النسبة في مجاريها، أغنته عما عداها، ومن تبلّد فيها، اتخذ مدارج الجبر ذريعة إليها، وإن نزّل المسألة واقتَرنت فيها المعادلات، فلا يُتصور إجراء المسألة إلى المسائل الثلاث المقترنة إلا بالنسبة، وهو أن يعرف تناسب نقصانين أو زيادتين، فيقول: نقصان كذا من كذا كنقصان كذا من كذا، وزيادة كذا على كذا كزيادة كذا على كذا، ثم لا بد في معظم المقترنات من الضرب بعد تحصيل النسبة، ويقع التردد بين أربعة متقابلات، فيضرب الجزء من أحد الجانبين في الكل من الجانب الثاني، ويفعل مثلَ ذلك في الطرف الآخر، ثم يأخذ [في] (3) الجبر والمقابلة، فيقع لا محالة في أحد الطرفين نوعان، وفي الطرف الثاني نوع واحد، ثم يجري على المراسم التي ذكرناها، وقد ينغلق الجواب فلا يتأتى فتحه؛ فإنك قد تحتاج إلى إخراج جذر، فتلقى ما يخرج جذره أصمّ، فلا يتبقَّى طريقٌ في فتح الجواب. وأقصى ما نقدر عليه أن نقول: ننقُص من كذا جذرَ كذا، ولا يتأتى منك البَوحُ به.
فهذا منتهى القول في غوامض حساب الكتاب.
والآن نعود بتوفيق الله تعالى إلى ترتيب المختصر إن شاء الله عز وجل، فقد يشتمل بعضُ فصول (السواد) (4) على ما يخرج إلى طرفٍ من [الحساب] (5) هينِ المأخذ، سهلِ المُدرك مستندٍ إلى حساب الفرائض وتصحح الكسور والضرب والقسمة. ومن أحكم ما قدمناه، استقلَّ بإخراج ما ينيبه (6). والله الموفق للصواب.
__________
(1) يريد أن يقول: إن صاحب الذوق الشعري، لا يحتاج إلى علم العروض ليخرج شعره موزوناً، فكذلك النسبة والجبر.
(2) في الأصل: "يطيعه" وهو تصحيف جعل تاء المضارعة ياء، والتاء المفتوحة هاءَ. والمعنى: فمن لانَتْ له النسبة في مواضعها أغنته عما عداها.
(3) في الأصل: مِن.
(4) السواد: نذكر بما قلناه في تفسيره من قبل. وأنه يعني به مختصر المزني، وهذا المعنى لم تورده المعاجم المعروفة، فيما وصلنا إليه.
(5) في الأصل: أكساب.
(6) الفعل (ناب) واوي ويائي.

(11/58)


فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو قال: ضعف ما يُصيب أحد ولدي، أعطيته مثلَه مرتين ... إلى آخره " (1).
قد تقدم من (2) صدر الكتاب القول في معنى الوصية بنصيب أحد الأولاد، أو أحد الورثة، وأوضحنا الفرقَ بين أن يقول: أوصيت لفلان بنصيب ولدي وبين أن يقول: أوصيت لفلان بمثل نصيب ولدي، وبيّنا أن معظم أئمتنا لم يفصل بين اللفظين، وإنما فصل بينهما مالك، وذكرنا [مذهباً] (3) شاذاً عن بعض المتأخرين لم نعتدّ به مذهباً، وهذا الفصل يشتمل على بيان الوصية بالضعف.
فإذا كان له ابنان، فقال: أوصيتُ لفلان بمثل نصيب أحدهما، زدنا على فريضة الميراث سهماً، وقسمنا المال بين الموصَى له وبين الابنين أثلاثاً.
فلو قال: أوصيت لفلان بضعف نصيب أحد ابني، قدّرنا للوصية سهمين، ولكل ابن سهماً، إن أجازا ما زاد على الثلث، وكان معنى الضعف المثلين، وكأنه أوصى [بمثلي] (4) نصيب أحد الابنين، وهذا ظاهر.
ولو أوصى بضعفي نصيب أحد ولديه، قال الشافعي: للموصى له ثلاثة أمثال نصيب الولد، فأثبت الضعف الأول مثلين، ولم يثبت لمكان الضعف الثاني إلا مثلاً.
وقال على هذا القياس: لو أوصى لإنسان بثلاثة أضعاف النصيب، كانت الوصية بأربعة أمثال النصيب، ولو أوصى بأربعة أضعاف النصيب، كانت وصيةً بخمسة أمثال النصيب، فأثبت [مثلين] (5)، [للضعف الأول] (6)، وجعل أعداد الأضعاف بعده
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 160. وعبارة الشافعي غير مقروءة تماماً في الأصل.
(2) كذا، وهي بمعنى (في) كما قال ابن هشام في (المغني).
(3) في الأصل: مذهبها.
(4) في الأصل: مثل.
(5) في الأصل: مثلا.
(6) زيادة من المحقق لا يستقيم الكلام بدونها.

(11/59)


أمثالاً، وهذا لم أحط به، ولم أعقل معناه، وقد [تلقيتُه] (1)، وهو رضي الله عنه [منفرد] (2) بمذهبه فيه.
قال الأستاذ أبو منصور: القياس أن يثبت للضعف الواحد مثلين ويثبت لكل ضعف مثلين؛ فإنه إذا ثبت أن الضعف مثلان، فالضعفان مثلان مرتين، وحكى الأستاذ أن الموصي لو قال: ضعفوا لفلان ضعفَ نصيب أحد ولدي، فالضعفان أربعة أمثال بلا خلاف، وإنما قال الشافعي ما قال: إذا قال الموصي: أوصيت لفلان بضعفي نصيب [ولدي] (3) أو أضعافِه. فإذا صرح بتضعيف [الضعف] (4)، كان كلُّ ضعفٍ مثلين.
وهذا الذي قاله سديد، لا يجوز غيرُه.
7304 - [وإطلاق] (5) الشافعي لفظه قد [يحوج] (6) المبتدىء إلى التأول، والشافعي رضي الله عنه أطلقها للبيان والتمثيل، وذلك أنه قال: إذا أوصى، وقال أوصيت لفلان بضعفي ما يصيب أحد ولدِي، فله ثلاثة أمثال ما لأحد أولاده؛ فإن كان نصيب أحدهم [درهماً] (7)، فله ثلاثة، وإن كان نصيب الولد الذي عينه مائة أعطيته، ثَلاثَمائة، ولم يُرد رضي الله عنه أن حصة أحد البنين إن كان مائة درهم، زدنا للوصية ثَلاثمائة؛ لأن هذا يوجب أن يكون كل [الزحام] (8) داخلاً على الورثة دون الوصية، وليس كذلك، بل [العول] (9) يدخل عليهم كلِّهم، والذي أطلقه الشافعي عبارةٌ عن
__________
(1) في الأصل: (ـلقـ ـه) هكذا بدون نقط الأول والرابع.
(2) في الأصل: فتفرد.
(3) في الأصل: الذي.
(4) في الأصل: الضعيف.
(5) في الأصل: وأطلق.
(6) في الأصل: "يخرج".
(7) عبارة الأصل: فإن كان نصيب منهما، فله ثلاثة.
(8) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل: (انظر صورتها).
(9) في الأصل: القول.

(11/60)


السهام: أي إن كان نصيبُ أحدهم مائةَ سهم، زدنا للموصى له ثَلاثمَائة سهم، وقسمنا المال على ذلك، فهذا هو المراد.
فصل
قال: "ولو قال: أوصيت لفلان بنصيب أو حظ أو قليل أو كثير ... إلى آخره" (1).
7305 - إذا قال: أوصيت لفلانٍ بسهمٍ، أو نصيبٍ، أو شيءٍ، فهذه الألفاظ كلّها مبهمةٌ، والرجوع في تفسيرها إلى الموصي.
فإن مات قبل أن نتبين، فالرجوع بعد موته إلى ورثته. ثم مذهب الشافعي أنه لو فسَّر هذه الألفاظ مَنْ إليه التفسير بأقلِّ القليل، قُبل، وعلةُ المذهب أن هذه الألفاظ تضاف إلى أشياء مختلفة المبالغ، فسهمٌ من العشرة ينتظم إطلاقه، كما ينتظم إطلاقه من ألف، فإذا كان كذلك، ولا منتهى للمضاف إليه، فلا تقدير لهذه الألفاظ.
وأبو حنيفة (2) وافقنا في جميع هذه الألفاظ، خلا السهم؛ فإنه حمل مطلَقَه على السدس، وهذه الألفاظ في الوصايا بمثابتها إذا استعملت في الأقارير غيرَ أن الأقارير أخبارٌ، والإيصاء إنشاءُ عطية يتنجز بالموت، على الشرائط المرتبة في الوصايا.
7306 - وأورد الأستاذ أبو منصور ألفاظاً في بعضها غموض وإشكال على ما يأتي الشرح عليها، إن شاء الله عز وجل.
[فمما] (3) ذكره أن الموصي لو قال: أوصيت لفلان بثلث مالي إلا شيئاً، قال: هو وصية بنصف الثلث وزيادة؛ فان المستحَق لو كان أكثر من هذا، لكان يقول: أوصيت لفلان بشيء أو بأقلَّ من نصف الثلث، [فلما] (4) ذكر الثلث والشيء، [بان] (5)
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 160. وعبارته: " لفلان نصيب أو حظ أو قليل أو كثير ... إلخ ".
(2) لر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 25، مسألة: 2165.
(3) في الأصل: فهما.
(4) في الأصل: فيما.
(5) زيادة من المحقق.

(11/61)


أنها تستعمل مستثنىً، إذا كان الباقي أكثرَ من النصف.
وهذا لم أره لأئمة المذهب في كتبهم، ولم أسمعه ممن تلقيتُ منه، والذي يقتضيه المذهب عندي على قطعٍ، أنه لو فسَّر ما يبقى من الثلث بعد الاستثناء بأقل القليل، قُبل منه؛ فإن لفظَ الشيء مبهمٌ صالحٌ للقليل والكثير، واستثناءُ المعظم غيرُ ممتنع؛ فإنه لو قال: أوصيت لفلان بعشرةٍ إلا تسعةً، كان الموصى به درهماً، [ولو] (1) أقرّ كذلك، صح استثناؤه؛ فاللفظ المطلق في الوصية والإقرار محمولٌ على الأقل.
فإن اتبع متبعٌ العرفَ، لم يستقم له هذا على قياس الشافعي رضي الله عنه، مع مصيره إلى أن الإقرار بالمال العظيم يجوز أن يحمل على الحبة والقيراط، فما دونهما.
7307 - وقد رأيت لصاحب التقريب مسألةً حكاها في كتابه من (2) جواب الشافعي مسائلَ، وذلك أنه قال: قيل للشافعي: إذا أوصى رجل لرجل بأقلَّ من مائة دينار، فالموصى به كم؛ فقال الشافعي -فيما حكاه عنه- الموصى به تسعةٌ وتسعون ديناراً.
وهذا مما لا أحيط به، ولست أدري مأخذه من أصل الشافعي، ولا اغترار بأن يقول قائل: ذكر المائةَ فيُلزمها ونطرح لقوله: أقلّ من مائةٍ ديناراً واحداً؛ لأنه ذكر الدنانير، فأقلُّ محطوطٍ مع لزوم الدنانير دينارٌ.
والذي يقتضيه قياس الشافعي القطعُ بأنه موصٍ بأقلّ ما يتموّل؛ فإنه يجوز أن يقال: القيراط [أقلُّ] (3) من مائة دينار، ولا يعارض هذا إلا قولُ القائل: هذا غيرُ مستعمل في العرف؛ فقد أوضحنا أن العرف لا مبالاة به [في] (4) هذا المقام. هذا هو الذي [يجب] (5) القطع به.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) مرادفة لـ (عن).
(3) زيادة من المحقق. ومعنى العبارة: أن من قال: أوصيت بأقلَّ من مائة، يجوز أن يحمل قوله على الوصية بقيراطٍ، فالقيراط يجوز أن يطلق عليه أنه أقلُّ من مائة دينار.
(4) في الأصل: من.
(5) في الأصل: معنى القطع به.

(11/62)


ويتطرق إلى وضع الكلام فسادٌ آخر، وهو حمل الموصى به على ما يقل عن مائة وينحط عنها بقيراط؛ إذ [هو] (1) أقلّ [من مائة] (2)، والمصير إلى حط الدينار تحكُّمٌ لا أصل له.
7308 - وفيما ذكره الأستاذ أنه لو قال: أوصيت لفلان بثلث مالي إلا كَسْراً أو إلا شيئاً كثيراً، وأراد حمل ذلك على ما يزيد على نصف الثلث، جاز؛ لذكره الكثير، ثم لا وقوف بعد مجاوزة النصف في الاستثناء، ولا وجه إلا تجويزُ حمل الموصى [به] (3) على أقل ما يتمول، وهذا جارٍ على القياس لا نزاع فيه.
وقال: لو قال: أوصيت لفلان بأكثرِ مالي، فالوصية محمولة على ما يزيد على شَطر المال بأقل القليل؛ فإن الأكثر يَقتضي الزيادة على النصف لا محالة، ثم الزائد على الثلث موقوف على الإجازة.
وقال: لو قال: أوصيت لفلان بأكثرِ مالي، وبمثل نصفه، كان ذلك محمولاً على الوصية بثلاثة أرباعٍ وزيادة، وإن قلّ قدرُها. وإذا ثبت حملُ الأكثر على ما يزيد على النصف، فلا شك أن الجمع بينه وبين النصف يقتضي ما ذكره.
ولو قال: أوصيت لفلان بأكثرَ من مالي، فهذه وصية منه بجملة المال، ووصية بما يزيد عليه، ووصيته في الزائد على ماله ملغاة، فيبقى الوصية بالمال.
ولو قال: لفلان علي أكثر من ألف درهم، فيكون مقراً بألف وزيادة على هذا الموجب، وليس لقائلٍ أن يقول: إذا كنا نحمل المالَ العظيم في الإقرار على أقل القليل، ولا نُثبت بسبب الوصف بالعظم مزيداً، فيجب أن [يكون] (4) الوصف بالكثرة بمثابة الوصف [بالعظم] (5)؛ فإن الوصف بالكثرة يعرض لتزايد القدر، وذكر العظيم مشعر بعظم المرتبة، كما تقدم تقريره في كتاب الأقارير.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: منه.
(3) في الأصل: له.
(4) في الأصل: يكبر.
(5) في الأصل: العظيم.

(11/63)


وهذا وإن كان [لائحاً] (1) فقد يعترض عليه تجويز حمل الكثرة على العِظم في المرتبة، ولكن لا يعوّل على هذا الذي يخطر، فالأصل ما ذكرناه.
فإن قيل: لو قال: لفلان عليَّ مال كثير، فالمقر به كم؟ قلنا: هو كقوله: لفلان عليّ مال عظيم أو كثير؛ إذ لا ضبط للكثير، وليس كما لو أضاف [الكثرة] (2) إلى مقدار، فيحمل على الزيادة عليه، مثل أن يقول: لفلان علي أكثر من ألف درهم، وهذا يجر [اختباطاً] (3) في الفكر. ولو قال: لفلان عليّ أعظمُ من ألف، فالوجه القطع بجواز حمل هذا على أقل القليل؛ فإن العظم ليس ناصاً على التعرض للمقدار والتفاوت به.
فهذا ما وجدناه وألفيناه مَعْرِضاً لنظر الفطن، فليتأمله المتأمل مستعيناً بالله جل وعز.
فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربع ماله ... إلى آخره " (4).
7309 - مضمون هذا الفصل يتعلق بثلاثة أشياء: أحدها - الوصايا بأجزاء بحيث لا تزيد كل وصية على ثلث المال.
والآخر - بيان الوصايا بأجزاء، وبعضها يزيد على الثلث. وهذان النوعان منه إذا لم تزد الوصايا على أجزاء المال.
ومن متضمنات الفصل وهو الثالث - ذكر الوصايا الزائدة على مقدار المال.
فأما إذا لم تزد الوصايا على المال، ولم تزد واحدةٌ منها على الثلث، ولكنها بجملتها زائدة على الثلث، فالوجه أن نذكر في مفتتح الكلام إجازةَ الوصايا بجملتها من
__________
(1) في الأصل: لائماً.
(2) في الأصل: الكثيرة.
(3) في الأصل: احتياطاً.
(4) ر. المختصر: 3/ 60.

(11/64)


جملة الورثة، ثم نذكر ردّ الزائد من جميعها على الثلث من جملة الورثة، ثم نخوض بعد ذلك في رد البعض للبعض مع إجازة البعض، والقول في التبعيض ينقسم أقساماً، سنشرحها إذا انتهينا إليها، إن شاء الله عز وجل.
فإن أجازوا الوصايا كلَّها، فالعمل (1) [فيها] (2) على ما تقدم في صدر الكتاب.
7310 - وهذا الذي ابتدأنا ينقسم إلى ما يستغرق المال، وإلى ما ينقص عن الاستغراق، ويزيد على الثلث، فإن استغرق الوصايا المالَ، وقد أجيزت، فليس على الحاسب إلا أن يطلب مخرج أجزاء الوصايا، ويقيم سهامها.
وإن قصُرت أجزاء الوصايا عن استغراق المال، فالوجه -وقد أجاز الورثة- أن نطلب مخرج أجزاء الوصايا، ونقيم سهامَ فريضة الورثة، ونسلِّم إلى الموصى لهم وصاياهم، ثم ننظر، فإن انقسم ما فضل من فريضة الوصايا على فريضة الميراث، قسمناه، واكتفينا به، وإن انكسر، نُظر، فإن لم يكن بين ما فضل من فريضة الوصايا، وبين فريضة المواريث موافقة، ضربنا مخرج الوصية في سهام الفريضة، أو سهام الفريضة في سهام الوصية، وصحت القسمة من هذا المبلغ لا محالة.
فإن وافقت (3) البقية سهام الميراث بجزء، أخذنا جزء الموافقة من سهام الميراث، وضربناه في مخرج الوصايا، وصحت القسمة.
7311 - وإن لم يُجز الورثة ما زاد على الثلث، وردّوا بأجمعهم مقدارَ الزيادة من
__________
(1) العمل: يقصد به الحساب.
(2) في الأصل: منها.
(3) مثال الأرقام التي لا توافق بينها: 2، 5، 7، 9 ... إلخ وضابطها: كل رقمين لا يوجد بينهما رقم يقبلان القسمة عليه بدون باقٍ، غير الواحد الصحيح. فالخمسة والسبعة لا يقسمان معاً على 2، ولا على 3 وهكذا.
أما الأرقام المتوافقة فمثالها، 4 مع 6، 8 مع 12، فيوجد بين كل رقمين رقم آخر يقبلان
القسمة عليه، وهو (2)، فماذا ضربت ما خرج من قسمة أحدهما على (2)، ردّ الرقم الذي تخرج منه الأسهم بدون باقٍ، مثل: 6/ 2 3 و3 × 4 = 12، والعكس صحيح، والمردود في الحالين (12).

(11/65)


جميع الوصايا ردّاً شائعاً، فالوجه أن نقسم الثلث بين أهل الوصايا، على نسب أقدار وصاياهم لو أجيزت، وأصل الحساب حينئذ أن نقيم سهام الميراث، ثم نطلب عدداً يخرج منه أجزاء الوصية، ثم نجمع أجزاء الوصية من ذلك العدد ونسميها سهام الوصية، ثم نأخذ ثُلثَه أبداً للاحتياج إلى الثلث والثلثين، ونقسم سهماً من الثلاثة على سهام الوصية، وسهمين منها على سهام الميراث، فتكون سهام الوصية في المعنى [كصنف] (1) انكسر عليهم سهمٌ، وكذلك تكون سهام الميراث كصنفٍ آخر انكسر عليهم سهمان، فان كان السهمان يوافقان سهام الميراث، بأن تكون سهام الميراث [نصفاً -ولا] (2) يتصور الوَفْق مع الاثنين إلا بهذا الجزء- ضربنا وفق سهام الميراث في سهام الوصية، فما بلغ فاضرب مبلغه في ثلاثة، وتصح القسمتان من هذا المبلغ.
وإن لم يكن بين السهمين وبين سهام الفريضة موافقة، فإن لم يكن لسهام الميراث نصف، ضربت جميع سهام الفريضة -يعني الميراث- في سهام الوصية، فما بلغ ضربته في ثلاثة، فما بلغ فمنه تصح القسمة.
فإذا أردت -وقد فرغت من الضرب- أن تُبيّن ما يثبت لكل واحد من الموصى لهم، أخذت العدَدَ الذي ضربته في ثلاثة، فقسمته على سهام الوصية، فما خرج نصيباً للواحد فهذا أصل الضرب فيه نصيب كل واحد من سهام الوصية، فما بلغ فهو نصيبه.
فإن أردت أن تبيّن ما لكل واحدٍ من الورثة، أخذت العددَ الذي ضربته في ثلاثة، فضاعفته أبداً لمكان الثلثين، وانحصار الوصايا في الثلث، فما بلغ قسمته على سهام الورثة، فما خرج [نصيباً للسهم] (3)، فهو أصلٌ نضرب فيه نصيبَ كل واحد من الورثة، فما بلغ، فهو نصيبه (4).
__________
(1) كذا قدرناها على ضوء السياق، فهي غير مقروءة في الأصل.
(2) في الأصل: تكون سهام الميراث نصف أو لا يتصور ... إلخ. والمثبت تقدير منا على ضوء السياق.
(3) في الأصل: نصيب السهم.
(4) سيظهر هذا بوضوح في الصفحات التالية عند ذكر الأمثلة.

(11/66)


وهذا الذي ذكرناه في تعيين أقدار أنصباء الورثة هو الذي سميناه في الفرائض طريقَ العطاء، هذا الذي ذكرناه هو الأصل في الحساب.
وقد أجرى الأستاذ طرقاً مقتضبة من هذا الأصل، لو وصفناها وصفاً كلياً، لم تسلم عن [إبطالٍ] (1) أو إبهام، فرأينا تأخير ذكرها إلى الأمثلة، وعندها يتضح مجموع الكلام.
7312 - مثال: ميت خلَّف ثلاثةَ بنين، وأوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربع ماله، فإن أجاز الورثةُ الوصيتين، فسهام الورثة ثلاثة، ومخرج الوصية اثنا عشر، نُسقط منها الوصيتين، فهما سبعة، فالباقي خمسة لا ينقسم على سهام الورثة، ولا يوافقها، فنضرب سهام الورثة في مخرج الوصية، فتبلغ ستةً وثلاثين، منها تصح القسمة: كان للموصى له بالثلث أربعة، وهي الآن مضروبة في ثلاثة يكون له اثنا عشر، وكان للموصى له بالربع ثلاثة، وهي مضروبة في ثلاثة، فالمبلغ تسعة، وقد ذهب بالوصيتين إحدى وعشرون سهماً، يبقى خمسةَ عشرَ سهماً بين ثلاثة بنين، كان لكل واحد منهم سهم، وهو الآن مضروب في خمسة (2).
فإن لم يجيزوا ما زاد على الثلث، فسهام الوصية ثلاثة، وتخرج الوصية [من] (3) اثني عشر، نجمع الوصيتين منها فتكون سبعة، فنسميها سهام الوصية، ثم نأخذ ثلاثة، ونقسم منها سهماً واحداً على سهام الوصية، فهي هذه السبعة، فلا تصح
__________
(1) في الأصل: إبطاله.
(2) صورة المسألة بالأرقام:
. . . . . . . . . . موصى له ... موصى له ... 3 أبناء ... وأجاز الورثة
. . . . . . . . . . . . 1/ 3 ........ 1/ 4 ........ الباقي
مخرج الوصايا 12 ...... 4 .......... 3 ........... 5 تنكسر أسهم الورثة على عدد الرؤوس
. . . . . . . . 36 ...... 12 .......... 9 ........ 15 فنضرب عدد الرؤوس من مخرج الوصايا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لكل ابن 5
(3) زيادة من المحقق.

(11/67)


ولا توافق، ونقسم منها سهمين على سهام الورثة، وهي ثلاثة، فلا تصح ولا توافق، فنضرب سهام الورثة في سهام الوصية، فتبلغ أحداً وعشرين، فنضربها في الثلاثة التي هي الأصل، فتبلغ ثلاثة وستين (1)، منها تصح القسمة، فإذا أردنا أن نعرف نصيب كل موصىً له، أخذنا العدد الذي ضربناه في ثلاثة، وهو أحدٌ وعشرون، فقسمناه على سهام الوصية، وهي سبعة، يخرج ثلاثة، فضربنا كلّ وصية فيها، وصاحب الثلث سهامه أربعة من الأصل، فنضربها في هذه الثلاثة، فتبلغ اثني عشر، فهو نصيبه، وضربنا نصيب الموصى له بالربع من سهام الوصية، وهو ثلاثة في هذه الثلاثة الخارجة من القسمة، فبلغ تسعة، فهي نصيبه.
وإن أردنا أن نبيّن حصة كل وارث أضعفنا العدد المضروب في ثلاثة، وهو أحدٌ وعشرون، فبلغ اثنين وأربعين، فقسمناها على سهام الورثة، وهي ثلاثة، خرج أربعةَ عشرَ، فهي الأصل الذي نضرب فيه نصيب كل واحد من الورثة، ولكل ابن سهم، وهو مضروب في أربعةَ عشرَ، والمردود أربعةَ عشرَ، فهو حصة كل ابن.
هذا مسلك الكلام على الأصل الذي إليه الرجوع وبه الامتحان.
7313 - صورة أخرى: إن ترك ثلاثةَ بنين وأوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بسدسه. فإن أجاز الورثة، فسهام الورثة ثلاثة ومخرج الوصية ستة، يسقط منها ثلثها وسدسها بالوصية، فيبقى ثلاثة منقسمة على سهام الورثة.
__________
(1) صورة المسألة بالأرقام:
موصى له ... موصى له ... 3 أبناء (ولم يجز الورثة)
1/ 3 ........... 1/ 4 ....... الباقي
12 4 .......... 3 .......... 5 نرد المسألة إلى (3) لنخرج الثلث والثلثين
3 .............. 1 ........... 2 لا يوجد توافق في الصنفين. فتضرب سهام
63 ........... 21 ......... 42 الورثة (3) × (7) التي هي سهام الوصية
..... 12 ......... 9 ... 14 - 14 - 14 فيخرج 21 فنضربها في الأصل 3 × 21 = 63
ومنها يصح إخراج كل الأنصباء.

(11/68)


وإن لم يجيزوا، أقمنا سهام الفريضة، وهي ثلاثة، ونأخذ سهام الوصيتين من ستة، فنجمع ثلثها وسدسها، فيكون ثلاثة، فهي سهام الوصية، ثم نأخذ ثلاثة، فنقسم سَهْماً منها على سهام الوصية، فلا يصحّ ولا يوافق، ونقسم سهمين منها على الورثة، فلا تصح ولا توافق، ولا نحتاج أن نضرب سهام الورثة في سهام الوصية؛ لأنهما متماثلتان، فاكتفينا بإحداهما وضربناها في الثلاثة التي جعلناها أصلاً للوصية والميراث [جميعاً] (1) فبلغ تسعة، ومنها تصح القسمة: ثلثها ثلاثة [للموصى لهما] (2): لصاحب الثلث سهمان، ولصاحب السدس سهم، والباقي ستة للورثة: لكل واحد منهم سهمان.
7314 - فإن ترك ثلاثةَ بنين وأوصى لرجل بربع ماله ولآخر بخُمس ماله؛ فإن أجاز الورثة، فسهام الورثة ثلاثة، ومخرج الوصية عشرون، فنسقط منها الوصية وهي تسعة، والباقي أحدَ عشرَ لا ينقسم على سهام الورثة، ولا يوافقها، فنضرب سهام الورثة في مخرج الوصية، وهو عشرون، فيبلغ ستين، فمنها تصح القسمة، ولا حاجة إلى اعتبار السهام الثلاثة؛ فإن الوصايا زائدة على الثلث وقد أجازها الورثة، فلا حاجة إلى نسبة الثلث والثلثين. ثم كان للموصى له بالربع خمسة أسهم من عشرين، فنضربها في سهام الورثة وهي ثلاثة، فيبلغ نصيبه خمسةَ عشرَ، وكان للموصى له بالربع أربعة مضروبة في ثلاثة يكون اثني عشر. هذا طريق العطاء في الإجازة؛ لأنه يتضعف كل قسط بضرب سهام الورثة في العشرين، وذهب بالوصيتين سبعةٌ وعشرون، وبقي ثلاثةٌ وثلاثون، وقد كان لكل ابن في سهام الفريضة سهم، فاضربه فيما بقي من العشرين، وهو أحدَ عشرَ، فلكل ابن أحد عشر سهماً.
وإن لم يجيزوا، فسهام الوصية كما ذكرنا تسعة، وسهام الورثة ثلاثة، ثم نعمد إلى ثلاثة للاحتياج إلى نسبة الثلث والثلثين، فلا ينقسم سهمٌ على السبعة، ولا سهمان
__________
(1) في الأصل: جمعاً.
(2) في الأصل: من الموصى لهما.

(11/69)


على الثلاثة، والثلاثة داخلة في التسعة، فنضرب التسعة في ثلاثة، فيرد سبعة وعشرين [نميز] (1) ثلثها تسعة: للموصى له بالربع خمسة من تسعة، وللموصى له [بالخمس] (2) أربعة، والباقي وهو ثمانيةَ عشرَ بين ثلاثة بنين: لكل واحد منهم ستة.
[فإن] (3) ترك ثلاثة بنين، وأوصى لرجل. بربع ماله، ولآخر بخُمسه، ولآخر بسدسه، فإن أجاز الورثة، فسهام الفريضة ثلاثة، ونطلب [عدداً تخرج] (4) منه أجزاء الوصية وهو ستون، فنأخذ منها أجزاء الوصية، ومجموعها سبعةٌ وثلاثون، والباقي منها ثلاثة وعشرون، ولا تصح على سهام الفريضة، ولا توافقها، فنضرب سهام الفريضة في مخرج الوصية، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح المسألة، ثم نقول: كان للموصى له بالربع خمسةَ عشرَ، نضربها في سهام الورثة، فيكون له خمسة وأربعون، وكان للموصى له بالخُمس اثنا عشر، نضربها في ثلاثة، [فتردّ] (5) ستةً وثلاثين، وكان للموصى له بالسدس عشرة، نضربها في ثلاثة، فيكون له ثلاثون. وقد ذهب مائةٌ وأحدَ عشرَ بالوصايا، وبقي من المال تسعة وستون للورثة، وقد كان لكل واحد منهم سهم، وهو مضروب في ثلاثة وعشرين الباقية من مخرج الوصية بعد إسقاط الوصايا، فلكل واحد منهم ثلاثة وعشرون.
فإن لم يجيزوا، فأجزاء الوصية سبعةٌ وثلاثون، كما قد ذكرنا، وأجزاء الميراث ثلاثة، فالوجه ما ذكرناه من قسمة ثلاثة على المبلغين، فنقسم [سهماً] (6) على سهام الوصايا، فلا ينقسم ولا يوافق، وكذلك القول في السهمين وسهام الورثة، وليس بين الثلاثة [: سهام الورثة وسهام الوصية] (7) وهي السبعة والثلاثون موافقة، فنضرب ثلاثة في سبعة وثلاثين، فتبلغ مائة وأحدَ عشرَ، ثم نضرب هذا المبلغَ في ثلاثة التي
__________
(1) في الأصل: نميزه.
(2) في الأصل: بالخمسة.
(3) في الأصل: بأن.
(4) في الأصل: عدد الجرح.
(5) مزيدة من المحقق.
(6) في الأصل: بينهما.
(7) زيادة من المحقق.

(11/70)


بها تعديل الثلث والثلثين، فيبلغ ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين، فمنها تصح القسمة، ولا حاجة إلى الامتحان (1).
هذا فيه إذا زادت الوصايا على الثلث، فأجازها الورثة أو [ردّوها] (2)، ولم يكن في آحاد الوصايا ما تزيد على الثلث.
7315 - فإن كان في آحاد الوصايا ما يزيد على الثلث، مثل أن يوصى بنصفٍ [وثلثٍ] (3)، فالنصف زائد على الثلث، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن سبيل تخريج هذا النوع من المسائل كسبيل تخريج ما تقدم، فنفرض الإجازة من الورثة، ونجري قياسَ حساب الإجازة، ثم نفرض الردّ، ونقسم الثلث بين أهل الوصايا على النسبة التي اقتسموا [بها] (4) ما نالهم من المال عند الإجازة.
وأبو حنيفة (5) يقول: إذا ردّ الورثة، فالموصى له بالنصف لا يضرب إلا بالثلث، وإنما يتفاوت أصحاب الوصايا إذا كانت أجزاء وصاياهم متفاوتة بالثلث [فما] (6) دونه، ولم نُعد حساب هذا القسم لمّا وجدناه على الطَّرْز الأول من غير تفاوت.
هذا كله إذا أجاز الورثة جميعَ الوصايا، أو ردوا بأجمعهم ما زاد على الثلث.
__________
(1) نضع صورة هذه المسألة بالأرقام مثالاً آخر للإيضاح:
. . . . . . . .3 أبناء ... موصى له ... موصى له .... موصى له ... لم يجز الورثة ولذا نردّ
مخرج الوصية .............. 1/ 4 ...... 1/ 5 ........ 1/ 6 .......... المسألة إلى (3) لنخرج
من 60 ........ 23 ........ 15 ...... 12 ........ 10 الثلث والثلثين.
3 .............. 2 ..................... 1 .................... نضرب سهام الورثة 3
333 ......... 222 ................. 111 .................... في 37 سهام الوصية =
......... 74 - 74 - 74 .......... 45 - 36 - 30 ............. 3 ×37 - 111 ثم نضرب هذا
....................................................... في 3 = 3 × 111 = 333 ومنها تصح
....................................................... القسمة وبهذا ظهر نصيب كل وارث.
(2) في الأصل: أو زادوها.
(3) في الأصل: وثلثه.
(4) زيادة من المحقق.
(5) ر. حاشية ابن عابدين: 5/ 428.
(6) في الأصل: فيما.

(11/71)


7316 - فأما إن أجاز [البعضُ] (1) بعض الوصايا، ورد البعض، أو أجاز بعضهم جميعَ الوصايا، أو أجاز بعضهم بعضَ الوصايا، وأجاز غيره غير تلك [الوصايا] (2)، فالقياس فيه أن نصحح المسألتين إحداهما على تقدير الإجازة من الجميع للوصايا كلها، والثانية على تقدير الرد من الجميع، ثم ننظر إلى المسألتين. فإن كانتا متباينتين، ضربنا إحداهما في الأخرى، وإن كانتا متوافقتين، ضربنا وَفْق إحداهما في جميع الأخرى، فما بلغ فمنه تصح القسمة.
وإن كانتا متداخلتين، صحت القسمة من أكثرهما، ولا يتصور أن يكونا متماثلتين.
ثم كيفية القسمة على تقدير الإجازة والرد تنكشف [مقترنة] (3) بضرب الأمثلة.
7317 - مثال: ثلاثة بنين، وقد أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر [بخُمسي] (4) ماله. فإن أجازت الورثة، فسهام الميراث ثلاثة، ومخرج الوصية خمسةَ عشرَ، فنلقي ثلثَها وخمسها، وذلك أحدَ عشرَ، والباقي أربعة، لا يصح على سهام الميراث، ولا يوافق، فنضرب سهامَ الفريضة في مخرج الوصية، فبلغ خمسةً وأربعين، وكان للموصى له بالثلث خمسة مضروبة في ثلاثة، فله خمسة عشر، وكان للموصى له بالخُمسين ستة، فهي له مضروبة في ثلاثة تكون ثمانيةَ عشرَ، وقد ذهب بالوصيتين ثلاثة وثلاثون سهماً، وبقي منه (5) اثنا عشر، وكان لكل ابن من سهام الفريضة سهم، مضروب في الأربعة الباقية من مخرج الوصية، فيأخذ كلُّ واحد منهم أربعة من اثني عشر.
وإن لم يجيزوا، فالشافعي رضي الله عنه يقول: سهام الفريضة ثلاثة، ومخرج الوصية خمسةَ عشرَ، وسهام الوصية منها أحد عشر، فإذا جرينا على العمل الذي
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: الوصية.
(3) في الأصل: مقترناً.
(4) في الأصل: بخمس.
(5) منه: أي الأصل.

(11/72)


رسمناه، فقد: بلغ العدد تسعة وتسعين، فمنها تصح [القسمة] (1)، وبها يعتدل الثلث والثلثان، هذا في إجازتهم جميعاً للجميع، أو في ردهم جميعاً للزيادة في الجميع.
ونحن نذكر صوراً في رد البعض وإجازة البعض، وإنما ذكرنا ما قدمناه الآن اخر (2)، ومذهب الشافعي رضي الله عنه على مخالفة مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه.
7318 - صورةٌ: رجل أوصى لرجل بالثلث ولآخر بالربع، وخلّف ابنين، فإن [أجازا، فمخرج] (3) الوصية من اثني عشر، نلقي ربعها وثلثها، وذلك سبعة والباقي خمسة للابنين، لا ينقسم ولا يوافق، فنضرب اثنين في اثني عشر، فيصير أربعة وعشرين، يصح لصاحب الثلث ثمانية ولصاحب الربع ستة، ولكل ابن خمسة.
وإن لم يجيزوا، [فطريق] (4) العمل في الرد أن نقول: سهام الوصية سبعة، وسهام الورثة اثنان، فنقسم الثلاثة على صنفين، ينكسر سهم على سهام الوصية، ولا يوافق، وينقسم [السهمان] (5) على سهام الورثة، فيعود الكلام إلى كسرٍ واحد، وهو سبعة، فنضربها في الثلاثة التي بها التعديل، فيرد واحداً وعشرين، فمنها تصح القسمة.
وإن أجازا لصاحب الثلث جميع وصيته ولم يجيزا الزائد من وصيّة الربع، فالربع ثلاثة أسباع الثلث، ولصاحب الثلث تمام الثلث.
[فطريق] (6) الكلام في هذه المسألة، وفي المسائل التي تترتب عليها مشتملة على جهات التبعيضات في الرد والإجازة أن يعدّ الإنسان العددَ الأقصى الذي يخرج منه جملة التبعيضات المفروضة أولاً، ثم نعلم أن المسائل تنقسم، فمنها ما لا يصح إلا من العدد الأقصى، ومنها ما يصح دونه، بعدد قريب، وليس من الوجه تخريج المسألة بعددٍ كثيرٍ، مع صحتها بعددٍ دونه.
__________
(1) في الأصل: القيمة.
(2) كذا.
(3) في الأصل: أجاز المخرج.
(4) في الأصل: بطريق.
(5) في الأصل: السهام.
(6) في الأصل: بطريق.

(11/73)


والعدد الأقصى في هذه المسألة وأمثالها أن ننظر إلى الفريضة الجامعة للوصية والميراث في الرد العام من جميع الورثة في جميع الوصايا، وتلك الفريضة في هذه المسألة أحدٌ وعشرون، وننظر إلى فريضة الإجازة العامة من الجميع في الجميع، وهي أربعة وعشرون في هذه المسألة، فإن كان المبلغان متباينين، ضربنا أحدَهما في الثاني كدأبنا في كَسْرين، فإن كانا متوافقين، ضربنا وَفْق أحدهما في جميع الثاني، فهذا هو [العدد] (1) الأقصى، والمسائل كيف تصرفت في التبعيضات، تخرج منه على الوجوه التي سنذكرها، إن شاء الله.
ولكن إذا جوزنا أن يخرج بعض المسائل بعددٍ أقل من العدد الأقصى، فالوجه أن نتخذ فريضةَ الرد العام معتبراً ونقول: لو قسم الرد بالفريضة من أحدٍ وعشرين، [لكان] (2) لكل ابن سبعة وللوصايا سبعة: لصاحب الثلث أربعة منها، ولصاحب الربع ثلاثة.
7319 - فإذا أجازا الزائدَ في الوصية بالثلث، ولم يجيزوا الزائد في الوصية بالربع، أقررنا الوصية بالربع على ثلاثة أسباع الثلث، وقد أخذ صاحب الثلث أربعة أسباع الثلث، وله بحكم إجازتها ثلاثة أسباع إلى قيمة الثلث، فنأخذ سُبعاً ونصفاً من كل ابن، فيحصل له ثلثٌ كامل، ولكن يبقى في يد كل ابن خمسةٌ ونصف، فإذا أردنا إزالة الكسر، ضربنا فريضة الرد في مخرج النصف، فردَّ اثنين وأربعين، ثم نعود فنقول: لصاحب الربع ثلاثة أسباع الثلث من هذا المبلغ، فهو ستة، ولصاحب الثلث تمام الثلث لمكان الإجازة، وهو [أربعة عشر] (3)، فيبقى اثنان وعشرون، لكل ابن أحدَ عشرَ.
7320 - وإن أجاز الابنان لصاحب الربع جميع وصيته، ولم يجيزا لصاحب الثلث، [ما زاد] (4) على حقه من الثلث، فالرجوع إلى فريضة الرد، وهي أحدٌ وعشرون، فلصاحب الثلث أربعة أسباع الثلث؛ إذ لا إجازة في حقه، ولصاحب الربع
__________
(1) في الأصل: العدو.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: أربعة.
(4) في الأصل: فازاد.

(11/74)


ثلاثة أسباع الثلث من غير حاجة إلى إجازة وله بحق إجازة الابنين تمامُ الربع، وربع أحدٍ وعشرين خمسةٌ وربع؛ وقد أخذ منها ثلاثة، فيبقى سهمان وربع، نأخذ نصفها من كل ابن، وهو سهم وثمن، فيبقى في يد كل ابن خمسة أسهم وسبعة أثمان، فإذا أردنا رفع الكسر، ضربنا فريضة الرد في مخرج (1) الثمن وهو ثمانية، فيرد مائةً وثمانيةً وستين، وهذا هو العدد الأقصى، فإنك إذا ضربت سبعة وهي [الوَفق] (2) [لفريضة] (3) الرد في تمام لفريضة الإجازة، [ردّ هذا المبلغ] (4) [وهو] (5) مائة وثمانية وستون. فنقول: لصاحب الثلث أربعة أسباع الثلث من هذا المبلغ، وهو اثنان وثلاثون، ولصاحب الربع الربعُ الكامل: اثنان وأربعون، ولكل ابن سبعة وأربعون.
7321 - فإن أجاز أحد الابنين الوصيتين جميعاً، ولم يجز الآخر واحدةً [منهما] (6)، فنرجع إلى فريضة الرد، ونقول: الثلث للوصيتين على سبعة أسهم من غير حاجة إلى فرض إجازة، فإذا أجاز أحدهما، فصاحب الثلث [يأخذ] (7) من المجيز بعد [أربعة] (8) الأسباع نصفَ [تتمّة] (9) الثلث، وهو سهم ونصف، ويأخذ صاحبُ الربع من المجيز نصف تتمّة الربع، وهو سهم وثمن، فيكون الكسر بالنصف والثمن، فنضرب فريضة الرد في مخرج الثمن، فيرد العدد الأقصى [مائة وثمانية وستين] (10)،
__________
(1) هنا عدة سطور مكررة من المسألة السابقة.
(2) في الأصل: الرفق. والمراد بالوفق العدد الذي يخرج من قسمة أحد الفريضتين على العدد الذي يتوافقان في القسمة عليه، والفريضتان عندنا في هذه المسألة 24 فريضة الإجازة، 21 فريضة الرد، وهما يتوافقان في القسمة على 3، والخارج يسمى الوفق، وإذا ضربت وفق أحدهما في كامل الآخر، كانت النتيجة واحدة 168 هكذا: 7×24= 168، 8×21= 168.
(3) في الأصل: في فريضة الرد.
(4) في الأصل: وهذا المبلغ.
(5) في الأصل: وهي.
(6) في الأصل: لها.
(7) في الأصل: نافذ.
(8) زيادة من المحقق.
(9) في الأصل: قيمة.
(10) زيادة من المحقق.

(11/75)


ثم نقول: ندفع إلى الذي أجاز سهامه من فريضة الإجازة، فهي خمسة، فنضربه في ثلث فريضة الرد (1)، يكون خمسة وثلاثين، فندفع إلى الذي لم يجز سهامه من فريضة الرد، وهي سبعة مضروبة في ثلث فريضة الإجازة، فيكون له ستة وخمسون، وهي الثلث، والباقي وهو سبعة وسبعون للموصى لهما، لصاحب الثلث أربعة أسباعها أربعةٌ وأربعون، ولصاحب [الربع] (1) ثلاثة أسباعها.
وإذا عرفت أن الفريضة تصح من المبلغ الأقصى، فالمسلك [الأيسر] (2) أن نقول: نُثلث هذا المبلغ، ونصرف إلى كل ابن ثلثاً، وهو ستةٌ وخمسون، ونصرف إلى الوصية ثلثاً، ثم نأخذ من المجيز من الابنين ما كان يخصه [لو] (3) أجاز الابنان جميعاً، وهو نصف تمام الثلث في حق صاحب الثلث، ونصف تمام الربع في حق صاحب الربع، فيبقى في يده خمسةٌ وثلاثون، ولو أجاز صاحبُه، لكان لا يبقى له إلا خمسة وثلاثون.
__________
(1) تكررت وستتكرر الإحالة إلى فريضة الإجازة وإلى فريضة الرد، فأحببنا أن نضع صورة الفريضتين على هيئة الأرقام أمام الناظرين تسهيلاً وتيسيراً لتصور المسائل:
. . . . . . . . . . . . فريضة الأجازة
. . . . . . . . . . . . موصى له بـ 1/ 3 موصى له بـ 1/ 4 ابنان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . 1/ 3 ............... 1/ 4 ...... الباقي
تصح المسألة من (12) ............... 4 ............... 3 ............ 5 تنكسر الـ 5 على 2
تصحيحاً من (24) .................. 8 .............. 6 ......... 5، 5 فنضربها في 12 = 24
فريضة الرد
. . . . . . . . . موصى له بـ 1/ 3 ... موصى له بـ 1/ 4 ... ابنان
تصح من (3) .......................................... 1 ...... 2
يقسم الواحد بين الموصى لهما بنسبة 4: 3
ولا يتوافقان، فنضرب مجموعهما (7) في الأصل: 7 × 3 = 21، ومنه تصح المسألة
. . . . . . موصى له 1/ 3 ... موصى له 1/ 4 ... ابنان
21 ................. 4 ............... 3 ...... 7، 7
(2) الأيسر: هكذا قرأناها بصعوبة.
(3) في الأصل: ولو.

(11/76)


وإذا بان [الغرض] (1) واتضح مسلك التصحيح، فلا حرج على من يغير ويقدر.
وإن شئت قلت: [هذه] (2) المسألة [تخرج من] (3) فريضة الإجازة: أربعة وعشرين، فنقسمها بين الاثنين ونقدر كأن لا وصية، فلكل ابن اثنا عشر، فخذ من الذي لم يُجز ثلثَ ما في يده أربعةَ أسهم؛ لأن الثلث جائز (4) عليه، [و] (5) هذا القدر في حقه مصروف إلى الوصيتين، فيبقى معه ثمانية، وخذ من الذي أجاز ثلث ما في يده وربع ما في يده؛ فإنه أجاز الوصيتين، وذلك سبعة، فيبقى في يده خمسةُ أسهم.
فيجتمع للموصى لهما أحدَ عشرَ سهماً، يقسمانها على سبعة أسهم، فلا تصح ولا توافق، فاضرب أصل الفريضة، وهو أربعة وعشرون في سبعة، تكون مائة وثمانية وستين، ثم سبيل تعيين الحصص أن تقول: للذي لم يُجز ثمانيةٌ من أصل الفريضة مضروبة في سبعة، وذلك ستةٌ وخمسون، وللذي أجاز خمسةٌ في سبعة، وذلك خمسةٌ وثلاثون، وكان للموصى لهما أحدَ عشرَ في سبعة، والمردود سبعةٌ وسبعون، أربعةُ أسباعها لصاحب الثلث، وهو أربعة وأربعون، وثلاثة أسباعها لصاحب الربع، وهي ثلاثة وثلاثون.
7322 - فإن أجاز أحدهما لصاحب الثلث، وأجاز الآخر لهما، فإن أحببتَ، رجعت إلى فريضة الرد، وقلت: للوصيتين سبعةٌ من أحدٍ وعشرين، من غير حاجة إلى إجازة، ثم يأخذ صاحب الثلث ممّن أجاز الوصيتين نصفَ تمام الثلث، ويأخذ صاحب الربع منه نصفَ تمام الربع، فيحصل لصاحب الثلث من جهته سهم ونصف، ويحصل لصاحب الربع سهم وثمن، فيبقى في يده أربعة وثلاثة أثمان، ويأخذ صاحب الثلث ممّن أجاز الوصية بالثلث نصفَ [تتمّة] (6) الثلث، وهو سهم ونصف، ولا يرجع إليه
__________
(1) في الأصل: الفرض.
(2) في الأصل: وهذه.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) جائز عليه: أي لا يحتاج إلى إجازة الورثة.
(5) ساقطة من الأصل.
(6) في الأصل: قيمة.

(11/77)


صاحب الربع بمزيد، فيكمل الثلث لاجتماع الإجازتين في حقه.
ويحصل لصاحب الربع [أربعٌ] (1) وثمن، وإذا كان الكسر بالثمن، ضربنا فريضة الرد في ثمانية، فرد المبلغَ الأقصى، فهو مائة وثمانيةٌ وستون.
وقد يؤدي إلى ذلك أن نأخذ العمل من فريضة الإجازة، وهي أربعةٌ وعشرون، فنقول: لو لم يكن وصية لأخذ كل ابن اثني عشر، فخذ من الذي أجاز لهما ثلث ما في يده، وربع ما في يده، وذلك سبعة يبقى معه خمسة.
وخذ من الذي أجاز لصاحب الثلث ثلث ما في يده: أربعةً، وثلاثة أسباعها: سهمٌ وخمسةُ أسباع، والكسر سبعةٌ، فاضرب سبعةً في أربعة وعشرين، فيردّ المبلغَ الأقصى مائة وثمانية وستين. [لمن] (2) أجاز لهما من أصل الفريضة خمسة مضروبة في سبعة، وذلك خمسة وثلاثون، وللذي أجاز لصاحب الثلث هذه أربعةٌ وأربعون؛ فإنه كان له بعد إخراج الثلث وثلاثة أسباع الثلث مما في يده ستة وسبعان، فنضربها في السبعة، فيردّ أربعة وأربعين.
7323 - وإن أجاز أحدهما لصاحب الربع وحده، وأجاز الآخر لهما، فالفريضة من مائة وثمانية وستين، على الترتيب الذي ذكرناه. وأن ينظر المتصرف لطريق العمل أخذ المبلغ الأقصى، وهو مائة وثمانية وستون، وقَسْمها بين الاثنين، كأنْ لا وصية، فلكل ابن أربعةٌ وثمانون، ثم يأخذ من الذي أجاز لهما ثلثَ ما في يده، وربع ما في يده، وذلك تسعة وأربعون، يبقى معه خمسةٌ وثلاثون.
وخذ من الذي أجاز لصاحب الربع ثلث ما في يده أولاً؛ فإن هذا جائز من غير حاجة إلى الإجازة، وهذا مصروف إلى الوصيتين على نسبة الأسباع، فيبقى في يد هذا الابن ستة وخمسون؛ فإن الثلث المأخوذ ثمانية وعشرون، فيجتمع للموصى لهما سبعة وسبعون، فيقسم هذا المبلغ بينهما أسباعاً: أربعةُ أسباعها وهي أربعة وأربعون، لصاحب الثلث.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: لما.

(11/78)


وثلاثة أسباعها لصاحب الربع، وهو ثلاثة وثلاثون، وقد بقي لصاحب الربع إلى تمام الربع سبعةُ أسهم، يأخذها من الذي أجاز له وحده، فيبقى مع الذي أجاز له وحده سبعةٌ وأربعون.
7324 - فإن أجاز أحدهما لصاحب الثلث وحده، ولم يجز الآخر لهما ما زاد على الثلث، فإن أحببت اتخذت فريضة الرد مرجوعَك، والثلث (1) بينهما على سبعةٍ من غير حاجةٍ إلى إجازة: لصاحب الربع ثلاثة أسباع الثلث، ولصاحب الثلث أربعة، ولكل ابن سبعة، ثم يأخذ صاحب الثلث من المجيز منهما نصفَ [تتمّة] (2) الثلث، فهو سهم ونصف، فيتطرق إلى المسألة الكسر بالنصف، فاضرب فريضة الرد، وهي أحدٌ وعشرون في اثنين، فتردّ اثنين وأربعين، فتصح القسمة من هذا المبلغ، فتصح منها المسألة.
وإن أجاز أحدهما لصاحب الربع وحده، ولم يجز الآخر لهما، فنرجع إن أردنا إلى فريضة الرد، فالثلث بينهما على سبعة من غير حاجة إلى إجازة، على النسبة التي ذكرناها، وقد بقي لصاحب الربع إلى تمام الربع درهمان وربع، يأخذ نصفها من الذي أجاز له، وذلك واحدٌ وثمن، فاضرب أحداً وعشرين في ثمانية، فترد العدَدَ الأقصى.
ووجه العمل بيّن.
7325 - وإن أجاز أحدهما لصاحب الثلث وحده، وأجاز الآخر لصاحب الربع وحده، فالثلث بينهما على سبعة، ولكل ابنٍ سبعة، ثم يأخذ صاحب الثلث من المجيز نصفَ تتمّة الثلث، وهو سهم ونصف. ويأخذ صاحب الربع من المجيز نصفَ قيمة الربع، وهو سهم وثمن، فإذا انتهى الكسر إلى الثمن، فالمسألة تصح من العدد الأقصى بعدُ، وصحّ التصرف في عموم الرد وعموم الإجازة [وجهات] (3) التبعيض.
7326 - إذا ماتت امرأة، وخلّفت زوجاً، وأماً، وأختاً من أب، فاوصت لرجل
__________
(1) عبارة الأصل: وثلث الثلث بينهما.
(1) في الأصل: قيمة.
(3) في الأصل: وجهاً من.

(11/79)


بثلثي مالها، فأجازت الأم الثلثين، وأجاز الزوج النصفَ، وردّ ما جاوز النصف، ولم تُجز الأخت أكثر من الثلث.
ففريضة الميراث من ثمانية أسهم، أصلها ستة، وقد عالت بثلثها: للزوج ثلاثة، وقد أجاز النصف، فخذ نصف ما في يده، فيبقى معه سهم ونصف، وللأم سهمان، وقد أجازت الثُّلثين، فخذ ثلثي ما في يدها، وهو سهم وثلث، بقي معها ثلثا سهم، وللأخت ثلاثة، فخذ ثلثَ ما في يدها، وهو سهم، بقي معها سهمان، واجتمع للموصى له ثلاثة أسهم وخمسة أسداس سهم، فاضرب الفريضة في ستة، فترد ثمانية وأربعين: للموصى له ثلاثة وخمسة أسداس مضروبة في ستة، فيجتمع له ثلاثة وعشرون سهماً، وللزوج سهم ونصف في ستة، وهو [تسعة] (1)، وللأم ثلثا سهم في ستة يكون لها أربعة أسهم، وللأخت سهمان في ستة، فلها اثنا عشر.
ومن أحاط بما ذكرناه وصورناه، لم يخف عليه طريق القياس، واتسعت عليه المسالك في اعتبار طريق الرد والإجازة.
7327 - [وقد] (2) بقي علينا من التراجم التي ذكرناها نوع واحد، وهو الوصية بجملة [التركة] (3) مع الوصية بجزءٍ منها. والذي قدمناه في الوصية بأجزاء لا تزيد على الثلث أو تزيد على الثلث ولا تستغرق المال، ثم قسمنا هذا القسم إلى أقسام سبقت.
فلو أوصى بجميع ماله لإنسان، وأوصى بثُلثه لآخر، وأجاز الورثة الوصيتين، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن المال يقسم بين الوصيّتين على حساب العول، فجملة المال مستغرقة بصفة الوصية بالكل، والموصى له بالثلث يزحم بالثلث، فنأخذ مخرج الثلث، وهو ثلاثة ونُعِيلُها بثلثها، ونقسم المال كلَّه بين الموصى له بالجميع وبين الموصى له بالثلث أرباعاً. هذا قياس الشافعي رضي الله عنه في الباب.
ولو أوصى لرجلٍ بجميع ماله، وأوصى لآخر بربع ماله، جعلنا المال أربعة
__________
(1) في الأصل: سبعة.
(2) حرفت في الأصل إلى: دور.
(3) زيادة من المحقق على ضوء السياق.

(11/80)


أسهم، وأَعَلْناها بربعها، فيصير المال خمسة أسهم، للموصى له بالجميع أربعة أخماسها، وللموصى له بالربع خمسها؛ ولا يخفى طريق [العوْل] (1).
ولو ردَّ [الورثة] (2) الوصيتين جميعاً، قسمنا الثلث بينهما على نسبة قسمة الإجازة، فإن كان أوصى بكل المال لإنسان وبثلثه لآخر، فردّ الورثةُ الزائد [فالثلث] (3) مقسوم بينهما أرباعاً: ثلاثة أرباعه للموصى له بالكل، وربعه للموصى له بالثلث. واعتبر أبو حنيفة (4) في هذا النوع القيمة على الدعاوى، فقال: إذا كانت إحدى الوصيتين بالكل والأخرى بالثلث، فصاحب الكل يقول لصاحب الثلث: لا دعوى لك في الثلثين؛ فأستبدُّ بهما، والثلث الشائع بيننا أنت تدّعيه، وأنا أدّعيه، فنقسِّمه نصفين، ويخلص لصاحب الوصية بالكل خمسة أسداس المال، ولصاحب الوصية بالثلث سدسه، وقال: إذا رد الورثة الزائد، فالثلث مقسوم بينهما نصفين، وهذا خارج على أصله المشهور في ردّ ما يزيد على الثلث، فمن [ردّ] (5) الوصيّةَ الزائدةَ على الثلث في مقدارها إذا فرضت، رد [مثل هذه] (6) الوصايا.
فإذا تمهد هذا الأصل، بنينا عليه فصلاً مهمّاً متصلاً.
فصل
7328 - إذا أوصى لرجل بعبد قيمته مائة، ولآخر بثلث ذلك العبد، أو بثلث ماله، ولا مال له غيرُ العبد، فإن أجاز الورثةُ، فالعبد بينهما على أربعةٍ: للموصى له بجميعه ثلاثة أرباعه، ولصاحب الثلث رُبعُه.
وإن لم يجز الورثة، فلهما ثلث العبد بينهما على أربعة: لصاحب الكل ثلاثة أرباع الثلث، ولصاحب الثلث ربع الثلث.
__________
(1) في الأصل: القول.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: بالثلث.
(4) ر. مختصر اختلات العلماء: 5/ 9 مسألة رقم 2153.
(5) في الأصل: جزء.
(6) زيادة من المحقق.

(11/81)


وإن أجازوا نصفَ الوصيتين فسلِّم نصفَ العبد إليهما، فيقسمانه على أربعة أسهم: لصاحب [الكل] (1) ثلاثة أرباع النصف، فهي ثلاثة أثمان العبد، ولصاحب الثلث ربع النصف، وهو ثمن العبد. ولا يكاد يخفى ما لم نذكره قياساً على ما ذكرناه.
7329 - ولو ترك [مائتي] (2) درهم والعبدَ، وقيمته مائة، وكان أوصى بجميع العبد لرجلٍ، وأوصى بثلث ماله لرجل آخر، وأجاز الورثةُ [الوصيتين، فللموصى] (3) له بالعبد ثلاثة أرباعه، ولصاحب الثلث ربعُ العبد [و] (4) ثلث الدراهم وذلك ستة وستون درهماً وثلثان.
ومما يجب التنبيه له أن الوصية بالعبد وصيةٌ بمقدار الثلث، والوصية الأخرى واقعةٌ بالثلث، فظاهر الأمر [يشعر أن الوصيتين وصية بالثلثين، وليس كذلك] (5) فإن الموصى له [بالثلث] (6) يشيع حقه في العبد، فيصير [مزاحماً] (7) للموصى له، فينقص حق الموصى له بالعبد بسبب زحمته، ولا تزاحم للموصى له بالثلث في الدراهم، فيأخذ ثلث الدراهم كَملاً عند فرض الإجازة، فيأخذ من العبد ثلثاً عائلاً وهو ربع، فيُجمَع للموصى له بالثلث من الدراهم ستة وستون وثلثان، ومن رقبة العبد خمسةٌ وعشرون، فالمجموع عنده أحدٌ وتسعون وثلثان. وينقص من حقه بسبب الزحمة ثمانية وثلث.
والموصى له بالعبد يأخذ ثلاثة أرباع العبد، وقيمتها خمسةٌ وسبعون، فينقص من حقه خمسة وعشرون، وهو مائة درهم [قيمته] (8). والسبب فيه أن حقه ينحصر في
__________
(1) في الأصل: الملك.
(2) كذا قدرناها على ضوء ما سيأتي في تفصيل المسألة، وإلا فهي غير مقروءة.
(3) في الأصل: بالوصيتين، فالوصي.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: يشعر بثلثي الوصيتين بالثلثي، فليس كذلك.
(6) في الأصل: بالثلثين.
(7) في الأصل: متزاحماً.
(8) في الأصل: فيه.

(11/82)


العبد، وهو مزحوم فيه، ويثبت للموصى له بالثلث ثلثُ الدراهم بلا زحمة، والمزاحمة في العبد.
7330 - فإن لم يُجز الورثة ما زاد على الثلث، رددنا الوصيتين إلى الثلث لا محالة، والنظرُ الدقيق في كيفية قسمة الثلث بينهما، وهذا مقصود الفصل، وفيه وجوه من الإشكال: أحدها - أن إحدى الوصيتين لا تعدو غيرَ العبد ولا تعترض للورثة في [شتى] (1) الأعيان، وإنما حقهم [في الفوز بثلثي المال] (2)، فكيف يعتبر الثلث؟ وما الوجه؟
قال الفقهاء الحسّاب، ومنهم شيخنا أبو بكر الصيدلاني: نتأمل فريضة الإجازة، فنعلم أنا نحتاج إلى تربيع العبد، والعبد ثلث، فإذا جعلنا ثلثا أربعة، جعلنا كلّ ثلث أربعة، ثم إذا أردنا استكمال الحساب، وجعلنا كل ثلث مربعاً مثلَّثاً، لإمكان تعرّض الرد إلى الثلث، [فنضع] (3) المسألة من اثني عشر أوّلاً، نضربها في ثلاثة، فترد علينا ستة وثلاثين، العبدُ منها اثنا عشر، فإذا أجاز الورثة الوصيتين، قلنا: للموصى له بالعبد تسعةُ أسهم، وهو ثلاثة أرباع العبد، وللموصى له بالثلث ثلاثةُ أسهم من العبد، وثلثٌ من المائتين، وقد جعلنا كلَّ مائة اثني عشر أيضاً، فتجمَّع لصاحب الثلث أحدَ عشرَ سهماً: ثلاثة من رقبة العبد، وثمانية (4) من المائتين، فإذاً [حصل] (5) لهما عشرون سهماً: تسعةٌ منها [لصاحب] (6) العبد، وأحدَ عشرَ سهماً لصاحب الثلث.
7331 - فإذا فرضنا ردّ الوصيتين إلى الثلث، فالوجه أن نجعل الثلث عشرين (7)،
__________
(1) في الأصل: نفس. والمثبت من اختيار المحقق.
(2) في الأصل: القدر ثلثي المال.
(3) في الأصل: فتضيع.
(4) ثمانية من المائتين: لأن كل مائة جعلناها اثني عشر، فالثلث من كل مائة أربعة.
(5) في الأصل: جعل.
(6) في الأصل: فصاحب.
(7) نجعل الثلث عشرين: لأن القسمة بين الموصى لهما تكون على هذه النسبة (11:9) (9) للموصى له بالعبد، (11) للموصى له بالثلث.

(11/83)


وإذا جعلنا الثلث عشرين، جعلنا المال كلّه ستين، فالعبد منها عشرون، لصاحب الوصية بالعبد تسعةٌ منه لا غير، وللآخر ثلاثة منه، وبقي للورثة من العبد ثمانيةُ أسهم، وللموصى له بالثلث ثمانية (1) أسهم من أربعين سهماً من المائتين، والباقي وهو اثنان وثلاثون سهماً من المائتين للورثة، فيجتمع للورثة من المائتين والعبد أربعون سهماً، وهي ضعف الوصيتين.
وهذا هو المسلك الحق المستند إلى القانون المعتبر المتفق عليه، وهو قسمة الوصايا حالةَ الرد على نسبة قسمتها حالة الإجازة.
وقد لاح وجهُ حصر صاحب حق العبد في العبد؛ فإنا قدرنا سهامه من الثلث، وهي تسعة من عشرين، فحصرناها في العبد، ثم أثبتنا حق صاحب الثلث، على القياس الواضح.
7332 - وذكر الأستاذ أبو منصور هذه المسألة، وجرى في حالة الإجازة على ما قدمنا، فلا خلاف فيها، فلما انتهى إلى الردّ [مال مسلكُه] (2) عن مسالك فقهائنا، ونحن نذكر ما ذكره على وجهه، ونبيِّن ما تخيله.
قال رضي الله عنه: إذا رُدّت الوصيتان إلى الثلث، [فالثلث بين] (3) صاحب العبد وبين صاحب الثلث (4) [يقتسمانه] (5) بالسوية، يضرب صاحب العبد بخمسين
__________
(1) ثمانية أسهم: فإنه قد حصل على ثلاثة أسهم من العبد، فلم يبق له إلا ثمانية، ليكمل حقه، وهو أحد عشر سهماً.
(2) في الأصل: "فقال ملكه". فانظر إلى أي حد وصل التحريف والتصحيف بالعبارة. والمثبت تقديرٌ منا، ما كنا لنصل إليه إلا بعون الله وإلهامه.
(3) في الأصل: بالثلث من.
(4) المراد بالثلث الذي بين صاحب العبد وصاحب الثلث هو ثلث المال كله، وليس ثلث العبد، ثم إن العبد يمثل كل ثلث التركة بالنسبة لصاحب العبد؛ حيث انحصرت وصيته في العبد، ولذا نراه يأخذ من العبد خمسين درهماً باعتبارها نصف الثلث، على حين ثبت حق الموصى له بالثلث شائعاً في العبد والدراهم، أي كل التركة، ولذا نراه يأخذ نصف السدس من كلٍّ منها.
(5) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل (انظر صورتها).

(11/84)


درهماً [ويأخذها] (1) من العبد (2)، ولصاحب الثلث خمسون درهماً يأخذ مقدار ثلثها من العبد، وهو ستةَ عشرَ درهماً وثلثان، هذا ثلث الخمسين، وهو قيمة سدس العبد، ويأخذ ثلثي وصيته، وهو ثلاثة وثلاثون درهماً وثلثٌ من الدراهم (3)، ويبقى للورثة ثلث العبد وثلثا الدراهم، وهي مائة وستة وستون درهماً وثلثا درهم، وجملة ذلك مائتا درهم، وهي ضعف الوصيتين؛ لأن الوصيتين جميعاً مائة درهم.
قال رضي الله عنه: إن شئت نسبتَ الثلث إلى الوصيتين، وخرّجت الجواب على النسبة، [ومبلغ] (4) الوصيتين مائتا درهم، ومبلغ الثلث مائة، فالثلث نصف الوصايا، فنأخذ هذه النسبة ونقول: لكل واحد منهما نصفُ وصية، فيكون لصاحب العبد نصف العبد؛ فإنه أوصى له بالعبد، ولصاحب الثلث نصف ثلث العبد؛ فإنه أوصى له بثلث العبد، ونصف الثلث سدس، وله أيضاً نصف ثلث الدراهم، وذلك سدس الدراهم، [فيجتمع] (5) له سدس العبد وسدس الدراهم، وهذه النسبة تجري مطردة، بلا مناقضة.
هذا كلام الأستاذ، ولا يخفى على الناظر. أنه خالف فيه المسلك الذي حكيناه عن الفقهاء؛ فإن الفقهاء نظروا إلى القسمة حالة الإجازة، فوجدوا الوصيتين قاصرتين عن الثلثين عند إجازة [الورثة] (6) على تفاوتٍ، فإنا قدرناها من عشرين، ورأينا صاحب العبد يأخذ من العشرين تسعة، وصاحب الثلث يأخذ أحدَ عشرَ، فإذا كان اقتسامهما على التفاوت حالة الإجازة، وجب أن يكون اقتسامهما الثلثَ على نسبة اقتسامهما حالة الإجازة. والأستاذ رحمةُ الله عليه لم يرْعَ التفاوتَ حالة الرد، وذهب إلى أن صاحب العبد يضرب مثل ما يضرب به صاحب الثلث، وليس الأستاذ -على علو قدره في دقائق
__________
(1) عبارة الأصل: ويأخذه هذا من العبد.
(2) ويأخذها (الخمسين التي هي نصف الثلث) من العبد؛ لأن حقه محصور في العبد، لا يتعداه.
(3) من الدراهم: أي المائتين، فإن التركة مائتا درهم مع عبد قيمته مائة.
(4) عبارة الأصل: وثلث مبلغ الوصيتين.
(5) في الأصل: ومجتمع.
(6) زيادة من المحقق.

(11/85)


الحساب- ممّن يخفى عليه أن قسمة الرد على نسبة قسمة الإجازة، وقد ذكر هو تفاوتَ حالِ الإجازة، فلا بد وأن يكون لما ذكره غورٌ (1) في مقتضى الحساب.
والذي يلوح لنا منه أنه نقَصَ في حالة الإجازة حظَّ صاحب العبد؛ من جهة كونه مزحوماً فيه؛ إذ حقه منحصرٌ في العبد لا يتعداه، وقد صادفه فيه مزاحم، وانبسطت الزحمة على محل حقه بالثلث، واستبد صاحب الثلث بأكثرِ حقه من غير مزاحمة، والمزحوم عن حقه ليس بساقط (2) الحق.
وبيان ذلك بالمثال أن من قتل جماعة [ترتيباً] (3)، فحق [الاقتصاص] (4) لأولياء القتيل الأول، وهذا حق تقديم، وإلا فحق القصاص ثابت لأولياء القتيل [الثاني] (5)، وآية ذلك أن ولي القتيل الأول لو عفا، [انتقل] (6) لولي القتيل [الثاني] (7) حق (8) القصاص، ونظائر ذلك كثيرة في الشريعة، فالعبد إذاً موصى به لصاحب العبد، وآية ذلك أن صاحب الثلث لو ردّ الوصية [بجملتها، سُلِّم العبد إلى الموصى له به] (9)، ولو رد الموصى له بالعبد الوصية، فالثلث من العبد ملكٌ للموصى له بالثلث، فليست الوصية بالثلث رجوعاً عن الوصية بالعبد، وإنما بينهما ازدحام، فكان التفاوت حالة الإجازة لقيام الازدحام، فإذا ردت الوصيتان إلى الثلث، ففي
__________
(1) في الأصل بدون نَقْط (الغين). ولعل معناها: من غار الرجل في الأمر: دقق النظر فيه. (معجم).
(2) المزحوم عن حقه ليس بساقط: المعنى أن صاحب العبد إنما أخذ نصيباً أقل من صاحب الثلث (عند الإجازة) لأنه كان مزحوماً، أما عند الرد وقسمة الثلث بينه وبين الموصى له بالثلث، فليس هناك زحمة، فقيمة العبد تسمح له بأن يأخذ نصف الثلث كاملاً، فلماذا ينقص عن صاحبه؟
(3) في الأصل مصحفة هكذا: تونننا.
(4) في الأصل: الاختصاص.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) ساقطة من الأصل.
(7) في الأصل: الباقي.
(8) عبارة الأصل: على حق القصاص.
(9) في الأصل: لو رد الوصية بالعبد بجملته سلّم إلى الموصى له به.

(11/86)


العبد مضطرب، ويبقى منه للورثة مع توفية حق الوصيتين حسماً من الثلث.
وإذا زالت الزحمة، فالوصية بالعبد وصية بمائة، والوصية بالثلث وصية بمائة، ثم كما رُدّ صاحب العبد إلى نصف العبد، ولم نردّه إلى نصف ثلاثة (1) أرباعه، كذلك رُد الموصى له بالثلث إلى نصف الثلث كاملاً وهو السدس. فهذا المعنى [أوجب] (2) الفرقان بين حالة الرد والإجازة؛ فإن علة التفاوت حالة الإجازة زالت بالرد، فصار كل واحد منهما ضارباً بما أُوصي له به [لا بما] (3) يسلم له بالإجازة، والذي قدمته [عن] (4) الفقهاء، وإن كان جليّاً، فهذا [أغوص] (5). ولو قلت: هو الصحيح، لم أكن مبعداً.
7333 - ثم ذكر الأستاذ مسائل وأجرى فيها مسلكه هذا، ونحن نأتي بها ونجريها مرسلة حتى ننتهي إلى محل خلاف الفقهاء، فننبه حينئذ على وجه الخلاف.
ولو أوصى لرجل بعبدٍ بعينه، ولآخر بثلثه، ولثالث بسدسه، ولم يترك [غيرَ] (6) العبد، فإن أجاز الورثة، جعلنا العبد ستة أسهم؛ أخذاً من المخرَج الأقصى، ثم [نُعيل] (7) الستة بثلثها وسدسها. فإن أردنا، قلنا: نعيلها بنصفها (8)، فنقسم العبد تسعة أسهم: للموصى له بجميعه ستة أسهم، وللموصى له بثُلثه سهمان، وللموصى بالسدس سهم؛ فيرجع حق الموصى له بالعبد إلى ثلثيه، ويرجع حق الموصى له بالثلث إلى تسعي العبد، ويرجع حق الموصى له بالسدس إلى [تسع] (9)
__________
(1) ثلاثة أرباعه: أي حظه من العبد عند الإجازة.
(2) في الأصل: أوجبت.
(3) في الأصل: لأنهما، وهو تصحيف بجعل الكلمتين كلمة واحدة.
(4) زيادة من المحقق.
(5) في الأصل: أعرض. ومعنى أغوص: أدق وأبعد، من قولهم: غاص على المعاني، كأنه بلغ أقصاها حتى استخرج ما بعد منها. (مصباح ومعجم).
(6) في الأصل: عن.
(7) في الأصل: تفيد.
(8) بنصفها: لأن 1/ 3 + 1/ 6 = 1/ 2.
(9) في الأصل: نسعي.

(11/87)


العبد، وترجع الحقوق على نسبةٍ واحدة.
ْفإذا كان الموصى له بالكل راجعاً إلى ثلثي حقه، والموصى له بالثلث أيضاً راجع إلى ثلثي الثلث؛ فإن [التسعين] (1) ثلثا الثلث، فنعلم أن التسع الثابت لصاحب السدس ثلثا السدس.
هذا إذا أجاز الورثةُ الوصايا.
فإن لم يجيزوا [فالثلث] (2) بينهم على تسعة: لصاحب العبد ثلثا ثلثه، ويُجعل العبد سبعة وعشرين؛ ليكون ثلثُه تسعةً (3)، ولصاحب الثلث تُسعا الثلث سهمان من تسعة، أو سهمان من سبعةٍ وعشرين إذا نسبت إلى جميع المال، ولصاحب السدس تُسعُ الثلث، وهو سهم واحد من سبعةٍ وعشرين، ولا خلاف بين الأصحاب في هذا المقام؛ فإن الزحمة في ثلث العبد على نحو الزحمة في كله.
وإن أحببت قلت: مبلغ وصاياهم مرسلة من غير زحمة مائة وخمسون؛ فإن العبد مائة، وقد عالت الوصايا في الإجازة بمثل نصفها، والثلث ثلاثة وثلاثون وثلث، وإذا نسبت الثلث إلى الوصايا، كان مثلَ تُسعي الوصايا كلِّها (4).
فإذا ردت إلى الثلث، فقل لكل واحد منهم تسعا وصيته (5)، ولا تقل لكل واحد تُسعَا ما عُلم له في الإجازة، [فنقول: كان لصاحب] (6) العبد العبدُ كلُّه بالوصية المرسلة، وله الآن تسعاه، وإذا ردت الوصايا إلى الثلث، فلصاحب (7) الثلث ثلثا
__________
(1) في الأصل: السعي.
(2) في الأصل: بالثلث.
(3) فيكون لصاحب العبد 2/ 3 من 9 أي 6 يعني 6/ 27 ولصاحب الثلث 2/ 27، ولصاحب السدس
1/ 27 فالمجموع 9/ 27 أي ثلث العبد.
(4) وبيان أن الثلث بالنسبة إلى الوصايا = 2/ 9 هكذا 1/ 3 33 ÷ 150 = 100/ 450 (بعد تصحيح البسط) 100/ 450 = 2/ 9
(5) لكل واحد تسعا وصيته، بيانها هكذا = لصاحب العبد 6/ 27 = 2/ 9 من العبد، وصاحب الثلث
2/ 27 = 2/ 9 من ثلث العبد، وصاحب السدس 1/ 27 = 2/ 9 من سدس العبد.
(6) في الأصل: فنزل فاصاحب العبد.
(7) في الأصل: ولصاحب.

(11/88)


وصيته، ووصيتُه ثلثُ العبد، وثلثاه تسعا ثلث العبد، فانسب كل جزء حالة الرد إلى الوصية المرسلة، فصاحب العبد وصيته العبد، فله تسعا العبد، وصاحب الثلث له ثلث العبد بالوصية، فله تسعا ثلثه عند الرد، وصاحب السدس له بالوصية سدسه الكامل أخذاً من لفظة الوصية لا بما يسلّم عند الإجازة مع الزحمة، فإذا كان له السدس بالوصية، فله تسعا سدس العبد.
7334 - فإن ترك مائتي درهم سوى العبد، وأوصى لرجل بالعبد، وقيمتُه مائة، وأوصى لآخر بثلث ماله، وأوصى لآخر بسدس ماله. فإن أجاز الورثةُ الوصايا، فالعبد بين أهل الوصايا على تسعة أسهم: لصاحب العبد ثلثاه ستة، ولصاحب الثلث تسعاه سهمان، وله ثلث الدراهم أيضاً، ولصاحب السدس تُسع العبد وسدس الدراهم.
وهذه القسمة متفق عليها حالة الإجازة.
وإن لم يُجز الورثة، تضاربوا في الثلث بوصاياهم.
وعند ذلك يخالف جوابُ الأستاذ مسلكَ الفقهاء؛ فإن الفقهاء يقسّمون الثلث على التفاوت الذي وقعت عليه قسمة الإجازة، والأستاذ يقول: ذلك التفاوت كان نتيجة الزحمة، وقد زالت؛ فيضرب صاحب العبد في الثلث بكمال قيمته، وهو مائة، ويضرب صاحب الثلث بكمال ثلث المال، وهو مائة، ويضرب صاحب السدس بسدس المال على الكمال وهو خمسون، فيصير الثلث بينهم على خمسة أسهم: لصاحب العبد خمسا الثلث، ومبلغه أربعون درهماً، يأخذها من العبد؛ فإن حقه محصور فيه، وذلك خمسا العبد.
ولصاحب الثلث خمسا الثلث، وهو أربعون درهماً، يأخذ [ثلث] (1) ذلك من العبد وهو ثلاثةَ عشرَ درهماً وثلث، ويأخذ ثلثي وصيته، وهو ستة وعشرون درهماً وثلثا درهم، من الدراهم.
__________
(1) في الأصل: ثلثا من ذلك من العبد.

(11/89)


ولصاحب السدس خُمس الثلث، وهو عشرون درهماً، يأخذ ثلث ذلك، وهو ستةُ دراهم وثلثا درهم من العبد، ويأخذ ثلثي العشرين من الدراهم؛ لأن العبد ثلث مال الميت، فكل من جرت له الوصية بجزءٍ شائع من المال فإنه يأخذ عند الرد ثلثَ ذلك الجزء من كل ثلث، والعبد ثلث.
وإن شئت قلت: مبلغ وصاياهم مائتان وخمسون، والثلث مائة وهي قدر خمسي الوصايا، فلكل واحد منهم خمسا ما أُوصي له [به] (1)، فلصاحب العبد خمسا العبد، ولصاحب الثلث خمسا ثلث العبد وخمسا ثلث الدراهم، ولصاحب السدس خمسا سدس العبد وخمسا سدس الدراهم.
هذا طريقه المنقاس.
ومن اعتبر من فقهائنا حالة الرد بحالة الإجازة، أو مع القسمة على [التقاسم] (2) المعلوم حالة الإجازة قال في هذه الصورة: نجعل كل ثلث تسعة، ثم لصاحب العبد ستة من تسعة، [ولصاحب الثلث سهمان من تسعة العبد، وستة أسهم من المائتين،] (3) فيحصل له ثمانية أسهم، وللموصى له بالسدس سهم من تسعة من العبد، وثلاثة من المائتين، فلصاحب العبد ستة، ولصاحب الثلث ثمانية، ولصاحب السدس أربعة، والمجموع ثمانيةَ عشرَ، والمال سبعة وعشرون، فإذا أردنا القسمة حال الرد، نجعل الثلث ثمانية عشر، فنجعل المالَ أربعةً وخمسين، ونقسّم الثلث على التفاوت الذي ذكرناه في الإجازة.
7335 - ولو أوصى بعتق عبدٍ لا مال له غيره، وأوصى لآخر بالثلث، فأجاز الورثة، ففي أئمتنا من يرى تقديم العتق على غيره من الوصايا، على ما سيأتي ذلك -إن شاء الله عز وجل- مشروحاً في موضعه، والأصح أنه لا يقدم؛ فإن المسألة مفروضةٌ في الوصية بالعتق، والوصايا لا يتفاوت ترتبها إذا لم يذكر الموصي تقديم بعضها.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل.
(3) من المائتين: أي الدراهم. وعبارة الأصل هكذا: ولصاحب الثلث سهمان من العبد، فالعبد تسعة، وستة أسهم من المائتين.

(11/90)


فإذا فرّعنا على هذا، وهو ظاهر المذهب، فالعبد من جهة الوصية بالعتق، ومن الموصى له بثلث العبد على حساب العَوْل ينعتق ثلاثة أرباعه (1)، ويرِق ربعه: لصاحب الثلث.
فإن لم يُجز الورثةُ الزائد على الثلث، أوقفنا ثلثي العبد لهم، وقسّمنا ثُلثه بين جهة العتق وبين الموصى له بالثلث أرباعاً، فيعتِق ثلاثةُ أرباع ثُلثه، وذلك ربع العبد، ويصرف إلى صاحب الثلث ربعُ ثُلثه، وهو نصف السدس.
ولو ترك عبدين قيمةُ كل واحد منهما مائة، وأوصى بعتق أحدهما، وأوصى لآخر بثلث ماله، فأجاز الورثة، والتفريع على أنا لا نقدم الوصية بالعتق، ينعتق ثلاثةُ أرباع العبد المعني [بالعتق] (2)، ويرق ربعُه للموصى له بالثلث، ويأخذ هو أيضاً ثلثَ العبد الآخر.
وإن رأينا تقديم العتق، أعتقنا العبد المعيّن بكماله وأبطلنا فيه حقَّ الموصى له بالثلث، وللموصى له بالثلث ثلثُ العبد الآخر.
وإن لم يجز الورثة، فمبلغ الوصيتين مائة وستةٌ وستون درهماً وثلثان، وقيمة الثلث ستة وستون وثلثان، فالثلث مثل خمسي الوصيتين، فلكل واحد منهما خمسا ما أوصى له به، فيعتق خمسا العبد، وذلك أربعون، ولصاحب الثلث خمسا ثلث كل عبد، وقيمة ذلك ستة وعشرون وثلثان.
وهذا أجراه الأستاذ على طريقته، وليس يخفى التفريع على مذهب الفقهاء.
7336 - ولو ترك ثلاثة أعبد، قيمةُ كل واحد مائة، وأوصى بعتق أحدهم، وأوصى لآخر بثلث ماله، فأجاز الورثة، فمن لم يقدِّم العتقَ [فقد] (3) عتق ثلاثة أرباع العبد الذي أوصى بعتقه، [ورقَّ] (4) ربعُه لصاحب الثلث، وأخذ ذلك الإنسان أيضاً ثلث العبدين الآخرين.
__________
(1) ثلاثة أرباعه، بحساب العبد كله ثلاثة أسهم، والوصية بالثلث سهم، فيصير أربعة أسهم.
(2) في الأصل: للعتق.
(3) في الأصل: في.
(4) في الأصل: وأرق.

(11/91)


وإن لم يُجيزوا، [فمبلغ] (1) الوصايا مائتان، والمعنى موجَب الوصايا، [لا أنّا] (2) نسلِّم [ذلك] (3) حالة الإجازة، على ما نبهنا عليه فيما تقدم، فمبلغ الوصيتين مائتان: عبدٌ قيمته مائة، وثلث ثلاثة أعبد قيمة كلِّ واحد منهم مائة، فالمجموع مائتان، والثلث مائة، وهي قدر نصف الوصايا؛ فلكل واحد نصفُ وصيته، يعتق نصفُ العبد، ولصاحب الثلث نصف ثلث كل عبد، على طريقة الأستاذ.
ومسلك الفقهاء واضح في تنزيل حالة الرد على التفاوت الذي ثبت حالة الإجازة.
7337 - ولو أوصى لرجل بثوبٍ قيمته [مائة] (4)، وأوصى لآخر بنصف ماله، ولآخر بسدس ماله، وترك الثوبَ وخمسمائة درهم.
فإن أجاز الورثةُ، قسَّمنا الثوب على عشرة أسهم على قياس [العبد: بأن] (5) نجعلَ الثوبَ ستةً، ونزيد عليها مثلَ نصفها، وسدسها، فيصير عشرةَ أسهم، يضرب منه صاحب الثوب بجميع الثوب، وهو ستة، ويضرب منه صاحب النصف بنصف الثوب [وهو] (6) ثلاثة، يضرب منه صاحب السدس بالسدس وهو سهم، فيكون [الثوب بينهم] (7) على عشرة أسهم: لصاحب [الثوب] (8) من الثوب ستةُ أعشاره، ولصاحب النصف ثلاثة أعشاره، ولصاحب السدس عُشرُه، ثم يأخذ صاحب النصف نصفَ الدراهم، ويأخذ صاحب السدس سدسَ الدراهم.
وإن لم يجيزوا، تضاربوا في الثلث بوصاياهم، لا بأقدار حصصهم حالة
__________
(1) في الأصل: المبلغ.
(2) في الأصل: لأنا.
(3) زيادة من المحقق.
(4) زيادة اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: على قياس العدل ثمان. وهو تصحيف بالغ. ثم المراد بالعبد، العبد الموصى به في المسألة السابقة.
(6) في الأصل: بنصف الثوب وثلاثة.
(7) في الأصل: فيكون الثلث فيهم.
(8) ساقطة من الأصل.

(11/92)


الإجازة، على طريقة الأستاذ [فيضرب] (1) صاحب الثوب بقيمته، وهو مائة، ويضرب فيه صاحب النصف بنصف المال وهو ثَلاثُمائة. ويضرب فيه صاحب السدس بسدس المال وهو مائة؛ فيكون الثلث بينهم على خمسة: لصاحب الثوب خُمس الثلث، وهو أربعون درهماً، يأخذه من الثوب، وهو [خمساه] (2)، ولصاحب النصف ثلاثة أخماس الثلث، وهو مائةٌ وعشرون؛ فإن الثلث مائتان، فأخذ سدس ذلك من الثوب، وذلك عشرون درهماً، وهو خُمس الثوب، ويأخذ خمسةَ أسداس وصية من الدراهم، وذلك مائةُ درهم، فيكون قد أخذ من كل مائة خمسها، فيجتمع له مائةٌ وعشرون، وهي ثلاثة أخماس الثلث.
ولصاحب السدس خُمس الثلث وهو أربعون درهماً، بفضِّها (3) على المائتين، والمالُ مع [الثوب] (4) ستمائة، فنأخذ سدس ذلك، وهو ستة دراهم وثلثان من الثوب، وذلك ثلثُ خمس الثوب، ويأخذ خمسةَ أسداس وصيّة من الدراهم؛ لأن الميت جعل وصية صاحب النصف وصاحب السدس مشاعاً في جميع التركة، والثوبُ من التركة سدسها، يأخذ كل واحد منهما سدسَ وصيته من الثوب، وخمسةَ أسداسها من الدراهم؛ لأن الدراهم خمسةُ أسداس التركة، فنجعل الثوب خمسة عشر سهماً للموصى له به خمساه ستة أسهم، ولصاحب النصف خُمس الثوب ثلاثة أسهم ومائة درهم، ولصاحب السدس ثلث خمس الثوب سهم واحد، وثلاث وثمانون درهماً وثلث درهم.
وللورثة خمسة أسهم من الثوب، وهو ثلث الثوب، ولهم أيضاً ثلاثمائة وستة وستون درهماً وثلثا درهم.
__________
(1) في الأصل: مضروب.
(2) في الأصل: خمسه.
(3) فضّ الشيء: أي قسَّمه، والمعنى بتقسيم الأربعين درهماً وأخذها من المائتين، التي هي ثلث المال.
(4) في الأصل: مع العبد.

(11/93)


7338 - وإن شئت قلت على سبيل النسبة: مبلغ الوصايا خمسمائة: [الثوب] (1) وقيمته مائةٌ، ونصف المال، وهو ثَلاثُمائة، وسدسه، وهو مائة، والثلث مائتان وهي خمسا الوصايا، فإذا رُدت الوصايا، فلكل واحد خمسا وصية: لصاحب الثوب خمسا الثوب، ولصاحب النصف خمسا النصف، وهو مائة وعشرون؛ [فله خمس الثوب] (2) ثم له من كل مائة [خمسها] (3)، [أو] (4) خمسا نصف الثوب، وخمسا نصف الدراهم.
ولصاحب السدس خمسا سدس الثوب، وخمسا سدس الدراهم.
7339 - ولو أوصى لرجل بعبدٍ قيمته مائة، ولآخر بدارٍ [قيمتها] (5) مائتان، ولآخر بعَرْضٍ قيمته ثَلاثُمائة، ولم يترك غير ذلك، ولم يجز الورثة، فلكل واحد منهم ثلث العين التي أوصى له بها، ويدخل على كل واحد منهم من النقص بقدر ثلثي وصيته، وهذا واضح.
ولو ترك معها ستمائة درهم، فبلغ الثلث أربعمائة، وهي ثلثا الوصايا، فيأخذ كل واحد منهم ثلثي العين التي أوصى له بها.
وعلى هذه الطرق استخراج أمثال هذه المسائل، والله الموفق للصواب.
فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإذا أوصى لوارث وأجنبي، فلم يجيزوا ... إلى آخره" (6).
7340 - نذكر في مقدمة هذا الفصل تفصيلَ القول في الوصية للوارث على
__________
(1) في الأصل: العبد.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: خمساها.
(4) في الأصل: وخمسا.
(5) في الأصل: "قيمته" بتذكير الضمير العائد على الدار.
(6) ر. المختصر: 3/ 161.

(11/94)


الكمال، ونبين طريقه، [ونصل] (1) به فرعاً لابن الحداد، ثم نعود إلى مضمون هذا الفصل -إن شاء الله تعالى- فنقول أولاً: إذا أوصى الرجل لأجنبي بأكثرَ من ثُلثه، فالزائد على الثلث منوطٌ برأي الورثة، فإن ردّوه، ارتد، وإن أجازوه، نفذ.
ثم إجازتهم تنفيذ الوصية، أم هي منهم ابتداء عطية؟ فيه قولان، ذكرناهما في صدر الوصايا. هذا إذا كانت الوصية للأجنبي وهي زائدة على الثلث.
7341 - فأما إذا أوصى لأحد ورثته، فالقول في ذلك ينقسم أقساماً قد يكون له وارث واحد، فيوصي له، أو يكون له ورثة، فيوصي لواحد منهم، أو يكون له ورثة فيوصي لجميعهم.
فإن كان له وارثان، فأوصى لأحدهما بشيء، فلا يخلو الوارث الثاني إما أن يجيز أو يرد، فإن ردّ، فلا شك في بطلان الوصية، سواء كان الثلث يحمل تلك الوصية، أو كان يضيق عليها.
فأما إذا أجاز الوارث الذي لم يوصَ له الوصيةَ، فهذا ينبني (2) على أن الإجازة ابتداء عطية أو تنفيذ وصية، وفيه القولان.
فإن قلنا: الإجازة ابتداء عطية، يصح ذلك، كأنَّ الوارث وهب لصاحبه، فتُراعى شرائطُ الهبات.
وإن قلنا: إن الإجازة للوصية تنفيذ لها، وليس بابتداء عطية، فعلى هذا اختلف أصحابنا في الوصية للوارث: فمنهم من قال: تنفذ الوصية له؛ فإن الوصية للوارث قلّت أو كثرت كالوصية الزائدة على الثلث في حق الأجنبي، فالمرعيُّ [حق] (3) الورثة. فإذا رضي من له الحق، وجب التنفيذ.
ومن أصحابنا من قال: لا تصح الوصية. للوارث، وإن أجازها الورثة. وهذا القائل يتمسك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وصية لوارث" (4). وهذا
__________
(1) في الأصل: ويتصل.
(2) في الأصل: ينبني يُحمل على.
(3) في الأصل: أحق.
(4) حديث "لا وصية لوارث" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة، =

(11/95)


القائل يزعم أن الوصية للوارث كالوصية للقاتل، على قولنا بإبطال الوصية للقاتل، وتلك المسألةُ (1) عند إجازة الورثة مختلف فيها أيضاً، ولكن الأصح أنه لا تنفذ بالإجازة؛ فإنها مردودة شرعاً نازلةً منزلة [أخذ] (2) القاتل الميراث، وسيأتي ذلك مشروحاً، إن شاء الله عز وجل.
وهذا القائل يحتج من طريق المعنى بأن يقول: لو كانت الوصية للوارث تنفذ لجهة الإجازة، لوجب الحكم بثبوتها في مقدار الثلث من غير حاجة إلى الإجازة؛ فإن مقدار الثلث مستحقٌّ للميت، يصرفه بالحق إلى الجهات التي يبغيها من التبرعات.
هذا كله إذا كان له وارثان، أو ورثة، فأوصى لبعضهم.
7342 - فأما إذا كان له وارث واحد مستغرِق لجميع ماله، كالابن مثلاً، فأوصى له، فالقول في ذلك ينقسم: فإن أوصى له بملك شيء، فهو لغوٌ، لا معنى له؛ فإنه يستحق للكل إرثاً، فكيف يوصي له به.
وإنما يظهر أثر ذلك في الوقف، فلو وقف وله ابنٌ واحد داراً عليه، وكانت مقدار الثلث، فإن قلنا: لو كان له ابنان وأوصى لأحدهما بشيء، وأجاز الثاني، فالوصية مردود غيرُ [نافذة] (3)، فعلى هذا يكون الوقف في الدار مردوداً إذا أوصى به، أو أنشأه في مرض موته، ولا معنى لإجازة الابن ذلك؛ فإنه لا يجوز وصيةً، تفريعاً على أن الوصية باطلة، لا تنفذ [بالإجازة] (4)، وإن جعلنا التنفيذ ابتداء أمرٍ (5)، فالوقف باطل
__________
= وكذا رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن خارجة. (أحمد: 5/ 267، 4/ 186، 187. وأبو داود: البيوع، باب في تضمين العارية، ح 3565، الترمذي: الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث، ح 2120 وقال: حسن. وح 2121 وقال: حسن صحيح. النسائي: الوصايا. باب إبطال الوصية للوارث، ح 1641 - 1643. ابن ماجه: الوصايا، باب لا صدقة لوارث ح 2713، 2712).
(1) أي إجازة الوصية للقاتل.
(2) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل (انظر صورتها).
(3) في الأصل: غيرنا هذه.
(4) في الأصل: فالتنفيذ.
(5) ابتداء أمرٍ: المراد ابتداء عطية.

(11/96)


أيضاً؛ فإن الإنسان لا يقف على نفسه، على المذهب [المعتبر] (1)، كما سبق تقريره في كتاب الوقف.
وإن قلنا: إذا أوصى لأحد الابنين، [فأجاز] (2) الثاني، تجوز الوصيةُ، وتنفذ وصيتهُ، فعلى هذا إذا وقف على ابنه الدارَ، وهي قدر الثلث، لزمت الوصية في حقه، ولا حاجة إلى تنفيذه، وإجازته، ولو أراد ردّ الوقف، لم يجد إليه سبيلاً، فإن قيل: ألسنا في الوارثين [نعتبر] (3) الرضا في قدر الثلث أيضاً، فهلاّ اعتبرنا ذلك في حق الوارث الواحد، [حتى] (4) نقول: ما لم [يرض] (5) لا ينفذ الوقف؛ إذ في تنفيذ الوقف إزالة ملكه عن رقبة الدار؟ قال الشيخ أبو علي: إنّا اعتبرنا الرضا في الوارثَيْن من الذي لم يوصَ له؛ لأنه يقول: قد [فضَّله] (6) عليّ بالوصية، [فله ردُّ التفضيل] (7) وإن كان في قدر الثلث، وليس كذلك إذا كان الوارث واحداً؛ [فالوصية] (8) غير زائدةٍ على الثلث، [وليس فيها] (9) معنى التفضيل، [فالثلث] (10) مستحق للمورِّث (11)، والتفريع على أن الوصية جائزة على الجملة للوارث، فاقتضت هذه الأصول تنفيذَ الوصية على اللزوم في قدر الثلث. هذا ما ذكره الشيخ.
ولم أر في الطرق ما يخالفه، وليس يخلو ما ذكره من احتمال؛ فإنا إذا كنا نجوِّز عند تعدد الورثة ردَّ التصرف في الثلث [للتفضيل] (12)، فلا يبعد أن نثبت للابن الواحد
__________
(1) في الأصل: فالمعتبر.
(2) في الأصل: فإجازة.
(3) في الأصل: تعيين
(4) في الأصل: خمسي.
(5) في الأصل: يوصي.
(6) في الأصل: فعله.
(7) في الأصل: فلو ردّ له لتفضيل.
(8) في الأصل: بالوصية.
(9) في الأصل: فليس له.
(10) في الأصل: بالثلث.
(11) للمورّث: أي من حق المورّث أن يوجهه تبرعاً كما يشاء.
(12) في الأصل: التفضيل.

(11/97)


ردّ الوصية بالوقف لتبقى الدار مملوكةً له، وقد ظهر من قول الأصحاب أن الوصية للوارث بالثلث كالوصية للأجنبي بالزائد على الثلث، فيظهر في وجه القياس أن يقال: لا ينفُذ الوقف في حق الابن [الواحد] (1) وصيةً ما لم يرض به، وهذا ذكرناه احتمالاً.
7343 - والذي صح عندنا النقل فيه ما رويناه عن الشيخ، فليقع التفريع على ما ذكره، ثم تصوير هذه المسألة فيه إذا نجَّز الوقف في مرض موته، وكان الابن إذ ذاك طفلاً، فقبله [له] (2)، ثم مات، فحاول الابن الرد أو الإجازة (3).
وإن كانت الدار زائدةً على قدر الثلث، والابن واحدٌ، فلا شك أن له ردَّ الوصية في الزائد على الثلث، يعني الوقف، فأما قدر الثلث، فالكلام فيه على التفصيل الذي ذكرناه.
فأما إذا كان له وارثان، فأوصى لهما جميعاً، ولم تزد الوصايا على الثلث، فإن لم يفضِّل أحدَهما على الثاني، فلا معنى لهذه الوصية إذا كانت تمليكاً؛ فإنها عبارة عن استحقاقها على نسبةٍ يقتضيها الإرث.
وإن فضّل أحدَهما في الثلث على الثاني، [فذلك] (4) الفضل هو الوصية في الحقيقة، وهو كما [لو] (5) أوصى لأحدهما بزيادةٍ دون الثاني، وقد سبق الكلام فيه.
ولو وقف داراً عليهما، والدار قدرُ الثلث، فإن لم يفضّل أحدَهما على الثاني في قدر استحقاق الميراث، فإن قلنا: لا وصية لوارث، وهي مردودة شرعاً، لم يصح الوقف وصيةً، وإن صححنا الوصية، والتفريع على ما ذكره الشيخ، فيصح الوقف، ويلزم؛ [فإنه] (6) في قدر الثلث ولا تفضيل فيه.
__________
(1) في الأصل: الواصف.
(2) في الأصل: عليه. ثم المعنى أن الأب قبل الوقف عن الطفل، فهو وليه الطبيعي.
(3) يرى الرافعي أنه لا حاجة إلى التقيد بهذه الصورة؛ لأنه لو كان بالغاً وقبل بنفسه لنفسه، لم يمتنع عليه بعد الموت؛ إذ الإجازة المعتبرة هي الواقعة بعد الموت. (ر. فتح العزيز: 7/ 31، 32، والروضة: 6/ 114).
(4) في الأصل: بذلك.
(5) زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: مائة.

(11/98)


7344 - ولو خلّف ابناً وبنتاً، ووقف في مرض الموت عليهما داراً، وهي قدر الثلث، وجعل الدار وقفاً عليهما نصفين، فقد فضّل؛ إذ من حق الابن أن يكون على ضعف البنت في الاستحقاق، فإن فرعنا على ما انتهى إليه كلامُ الشيخ أبي علي آخراً، فالابن لا يخلو إما أن يجيز الوصية على وجهها، فتجوز وينفذ الوقف، وإما ألا يجيزها: [ويردّ الوقف، فإن ردّ] (1) ذلك، قال أصحابنا: للابن أن يقول: إذا كان النصف وقفاً عليّ، فليكن الربع وقفاً على البنت، فأرد الوقف في ربع الدار، فيصير نصفها وقفاً عليّ، وربعها وقفاً على البنت، والربع الذي عاد ملكاً يقسم بيننا: للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال الشيخ أبو علي: هذا هو الذي رأيته لمشايخ المذهب، والذي عندي (2) في ذلك أن الابن يقول: نصف الدار وقف عليّ على حكم شرط الواقف، والنصف على حكم شرطه وقفٌ على البنت، فأردّ الوقف في السدس، وأضمُّه إلى نصف الدار، فيحصل في يدي الثلثان: وقفاً وملكاً، نصفها وقفط عليَّ، وسدسها ملكٌ لي، ولا ينتظم في تعليل الحساب غيره (3)؛ فإنه لو أبطل الوقفَ في الربع كما ذكره الأصحاب، فالربع مع النصف ثلاثة أرباع الدار، وهذا زائد على حساب التضعيف.
فإن قيل: الربع الذي رد الوقف فيه يقسم بينهما (4)، فيقع مقدار الوقف [ثلاثة أرباع] (5)، وإن كان كذلك، فاحتكام الابن في نقض الوقف في الربع هو المستنكر؛ فإنه يستبد بالوقف بالنصف، ويحتكم في الربع، فليقتصر استبداده [و] (6) تحكمه على مقدار الثلثين، وهذا يوجب أن ينقض الوقفَ في سدسٍ، ويضمَّه إلى الوقف في النصف.
__________
(1) في الأصل: أرد الوقف بأن أراد ذلك.
(2) والذي عندي .. " الكلام للشيخ أبي علي، كما صرح بذلك النووي في الروضة: 6/ 114 ".
(3) قال النووي: " قول أبي علي هو الأصح أو الصحيح أو الصواب " (ر. الروضة: 6/ 115).
(4) يقسم بينهما: أي يقسم بينهما ملكاً لا وقفاً، للذكر مثل حظ الأنثيين.
(5) في الأصل: فيقع مقدار الوقف ثلثاً.
(6) زيادة من المحقق.

(11/99)


وهذا الذي ذكره الشيخ [منقدحٌ] (1) حسن، ولا يمكنه أن يقول: لا أنقض الوقف، ولكن أردّ السدس إلى نصفي وقفاً، حتى يكون ثلثا الدار وقفاً عليّ، فإنه لو فعل ذلك، كان مخالفاً لشرط الواقف، والوقفُ وإن كان يُنقضُ بحقٍّ، فلا سبيل إلى تبقيته مع مخالفة شرط الواقف، والواقف لم يقف عليه إلا نصف الدار.
ثم قال الشيخ أبو علي: إذا كان السدس المضموم إلى نصفه ملكاً، فربع ما في يده ملكٌ؛ [إذاً، فللبنت أن تقول: أنا أجعل ربع ما في يدي ملكاً أيضاً، حتى أساوي الابن] (2)، وهذا حسن بالغ؛ فإنا لو منعنا البنت من هذا، لكُنَّا مفضلين الابن عليها؛ فإن الملك أكملُ من الوقف، وقد ذكرنا أن الوصية للوارث إذا اقتضت تفضيلاً، فيجوز لغير الموصَى له من الورثة ردُّها، فإن كانت الوصيةُ في قدر الثلث، فيخرج من ذلك أن للمرأة أن ترد الوقف في نصف سدس، وللابن أن يرد الوقف في سدس، فيعود الأمر إلى رد الوقف في الربع مع قسمة ذلك الربع بينهما: ثلثاً وثلثين، ولكن لا يتم هذا إلا بهما.
والذي ذكره المشايخ مقتضاهُ -على ما نقله الشيخ أبو علي- انفرادُ الابن بنقض الوقف في الربع، وهذا لا وجه له، وغالب ظني أن الأئمة أرادوا بنقض الوقف في الربع نقضَه إذا رضيا به، وإن أرادوا نقضه فيه على معنى أن الابن يستبد به، فهذا خطأ صريح؛ فإن نقض الوقف عليها (3) محال، لا يصير إليه من يُعدّ من الفقهاء.
هذا بيان المقدمة في الوصية للوارث، ووجه الخلاف فيما يصح [وينفذ] (4).
7345 - ونحن الآن نعود إلى مقصود الفصل مستعينين بالله عز وجل. فنقول: مضمون الفصل يدور على بيان وصية الأجنبي ووارث، مع تقدير الرد والإجازة، وهذا يستدعي مع ما قدمناه تمهيدَ أصلٍ آخر، وهو أن الوصية للأجنبي إذا وقعت
__________
(1) في الأصل: ينقدح.
(2) في الأصل اضطراب وتكرار وخطأ في العبارة هكذا: " إذا فلا فللبنت أن تقول: إنما أجعل أيضاً ربع ما في يدي ملكاً أيضاً، حتى أساوي الابنين ".
(3) عليها: أي على صورة نقض الربع مستبداً.
(4) في الأصل: ونفذ.

(11/100)


على قدر الثلث من غير مزيد، فهي منفذةٌ له، [وتصرف وصية الوارث بمقدار] (1)، فالوارث لا يزاحم الأجنبي في قدر الثلث، ومقدار الثلث مسلَّم للأجنبي لا يزحمه الوارث فيه. هكذا ذكره الأستاذ أبو منصور حكايةً عن ابن سريج.
فنقول على مساق ذلك: لو أوصى للأجنبي بثلث ماله، وأوصى لواحد من الورثة بجميع ماله، فأجاز الورثة الذين لم يوص لهم الوصية، فالأجنبي يفوز بالثلث الكامل لا يزاحِم الموصى له من الورثة فيه، وللوارث الموصى له الثلثان، وتفريع هذا الفصل على تصحيح الوصية للوارث، كما تفصَّل المذهب فيه.
وإن لم يُجز الورثة ما جاوز الثلث، فللأجنبي الثلث الكامل، ولا شيء للوارث الموصى له، من جهة الوصية، وله حقه في الميراث.
7346 - ولو أوصى لأجنبي بنصف [ماله] (2)، ولوارثٍ بجميع ماله، فأجاز الورثةُ، فللأجنبي الثلث، لا يزاحَم فيه، [ويبقى له من] (3) وصيته السدس إلى تكملة النصف، فالكلام في الثلثين (4)، والوارث الموصى له يضرب فيهما بالجميع،
__________
(1) في الأصل: ولتصرف وصية الإرث بمقدار.
(2) في الأصل: مال.
(3) في الأصل: كلمة غير ذات معنى، رسمت هكذا: (وَيومر).
(4) فالكلام في الثلثين: المعنى أن الثلث للأجنبي أولاً بلا كلام، ولكن الكلام في توزيع الثلثين الباقيين، بين الأجنبي، وقد بقي له من وصيته 1/ 6، وبين الوارث الموصى له بالكل.
وسنرى أنه سيجعل الثلثين في حكم ماله كله، ويقسمها بين الوارث والأجنبي بنسبة 6 إلى 1، فالوارث له الكل ستة أسداس، والأجنبي له سدسٌ واحد، فالمسألة من 7، وتصح من 21 وصورتها هكذا:
أجنبي موصى له بالنصف .............. وارث موصى له بالكل
21 7 (ثلث المال من غير مزاحم) .... ـ
يبقى 14 بينهما على سبعة أسهم
2 ..................................... 12
وبذلك يحصل الأجنبي على 9 أسهم من 21، ويلاحظ أنه لم يزاحم في الثك (7) فأخذه كاملاً، ولكنه زوحم في السدس (الذي بقي له بعد الثلث ليصل إلى النصف) - فلم يأخذه كاملاً، وإنما عال، فأصبح 2/ 21 بعد أن كان سدس المال كله.

(11/101)


والأجنبي يضرب فيهما بسدس، فنجمل الثلثين، ونُثبت السدس للأجنبي عائلاً، فنقسم الثلثين على سبعة أسهم، للوارث ستة أسباعه وللأجنبي سبعُه.
وتصح الفريضة من أحدٍ وعشرين سهماً، للأجنبي الثلث أولاً، وهو سبعة [وله] (1) سبع الباقي وهو سهمان، فيجتمع له تسعة أسهم، وهي ثلاثة أسباع المال، وللوارث الموصى له ستة أسباع الثلثين، وهو أربعة أسباع المال، وذلك اثنا عشر سهماً.
7347 - ولو أوصى لأحد ابنيه بنصف ماله، وأوصى لأجنبي بنصف ماله، وأجاز الابنُ الذي لم يوص له الوصيتين، ورضي الابن الموصى له بحكم الحال، وموجَبِ القضية. فهذه مسألة سئل القفال رضي الله عنه عنها ببخارى، فابتدرها مجيباً، وقال: للابن الموصى له النصف، وللأجنبي النصف، فروجع في المسألة، وقيل له: المذهب خلاف ما ذكرته، قال القفال يجيب عن المسألة: فوجدت جواب ابن سريج (2) فيها مخالفاً لما [أفتيت] (3) به؛ فإن ابن سريج قال: للأجنبي النصف، وللابن الموصى له السدس والربع، وللابن المجيز نصفُ سدس يفوز به إرثاً.
ثم قال القفال: أطلت [كلامي] (4) في المسألة [عن] (5) جواب ابن سريج، وعنّ لي أن أخرّج المسألة على وجهين ذكرهما، [وبناهما] (6) على أصله.
7348 - ونحن نمهد ذلك الأصلَ، ونقدمه، ثم نبين تصرّفَ القفال فيه، ونختتم المسألة بما عندنا.
فنقول: إذا كان لرجل ابنان، فأوصى لأحدهما بنصف ماله -وكل هذه المسائل
__________
(1) في الأصل: أو له.
(2) نقل الرافعي عن الأستاذ أبي منصور أنه حكى جواب القفال هذا عن ابن سريج، فقال في الفتح مستدركاً على إمامنا: " ونسب الإمام وغيره الوجه الأول إلى جواب القفال، والثاني إلى ابن سريج، ورأيت الأستاذ أبا منصور حكى الأول عن ابن سريج " ا. هـ (ر. فتح العزيز: 7/ 30).
(3) في الأصل: أفيدت.
(4) كلامي: كذا قرأناها بصعوبة.
(5) زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: ونفاهما.

(11/102)


خارجةٌ على تصحيح الوصية للوارث، وعلى أن الإجازة [تنفيذ] (1) - فإذا طال الكلام ورُمت [مأخذه] (2)، فالوجه الاكتفاء بأصح الأقوال في الأصول، فإذا وقعت الوصية بالنصف لأحد الابنين، وأجاز الثاني [فعند] (3) جميع أصحابنا في المنتهى الذي عليه نفرِّع أن النصف يفوز به الموصى له، ويقسمان النصف الثاني شطرين، وكأن النصفَ الموصى به مُخرجٌ من التركة غيرُ معتد به.
ولو أوصى لأحد الابنين بمقدار زائد على النصف، فقال: أوصيت لابني هذا بثلثَيْ مالي، فالذي ذهب إليه المحققون الجريانُ على القياس الذي قدمناه، وهو أنا نقدر الثلثين ونراهما وصيةً للموصى له، ثم إنهما يقسمان الثلثَ الثاني شطرين.
ومن أصحابنا من قال: إذا كان الموصى به أكثرَ من النصف، فليس للموصى له إلا ذلك المقدار، ويستبد الابن الذي لم يوص له بباقي المال، لا يزاحمه فيه الموصى له.
توجيه [الوجهين] (4): من قال: يفوز الموصى له بالموصى به ويشاطر أخاه في الباقي، احتج بصيغة اللفظ أولاً؛ فإن الموصي عبر عن الثلثين بالوصية، فليقعا موصىً بهما، فإذا وقعا موصىً بهما، وأجيزت الوصية، كانت الوصية لأحد الابنين بالثلثين كالوصية للأجنبي بالثلثين، فما يفضل من المال بعد الوصية تركةٌ يستويان في استحقاقه إرثاً، وقد اختص الموصى [له] (5) بالقدر الموصى به، ويستشهد هذا القائل [بما] (6) إذا أوصى [لأحد] (7) الابنين بنصف المال، فإنه يفوز بالنصف، ثم يقتسمان النصف الآخر شطرين.
ومن تمسك بالوجه الثاني فرّق أولاً بين الوصية بالنصف وبين الوصية بالزائد عليه، فقال: يبعد أن يُحمل لفظُ الوصية بالنصف على أن ذلك القدر حقُّ الموصى له
__________
(1) تنفيذنا.
(2) في الأصل: ما أخذه.
(3) في الأصل: نفذا.
(4) في الأصل: الوصيتين.
(5) ساقطة من الأصل.
(6) في الأصل: ما.
(7) في الأصل: أحد.

(11/103)


فحسب؛ فإنه يستحق هذا القدرَ بالإرث، فلو لم يثبت له إلا النصف، لأبطلنا فائدة الوصية بالكلية، فتبين لما ذكرناه حملُ الوصية بالنصف على حقيقة الوصية، ثم يبقى بعدها التساوي إرثاً في الباقي.
فأما إذا أوصى لأحد الابنين بأكثرَ مما يستحقه إرثاً له، لم يكن وصية، فيحتمل أنه قصد بذلك تخصيصَه بمزيد الزيادة، وتفضيلَه بها على أخيه، فتقع الوصية في تلك الزيادة، وإذا كان ذلك ممكناً، فالوصايا المترددة بين كثيرٍ وقليلٍ محمولةٌ على القليل، وليس كالوصية للأجنبي؛ فإنه لا استحقاق له إلا من جهة الوصية، والابن يستحق من جهة الإرث، [فاتجه] (1) حمل لفظ الوصية على [التفضيل] (2) بالقدر الزائد.
هذا بيان هذا الوجه.
7349 - ومما يجب الإحاطة به أنه إذا أوصى لأحد بنيه بنصف [المال] (3) [و] (4) أجاز الثاني [فالذي] (5) يجب إطلاقه في عقد المذهب أن الابن المجيز الذي لم [يوص] (6) له أبطل حق إرثه في ربع المال بإجازة الوصية، والابن القابل للوصية أخذ النصف وصيةً، وليس في ذلك النصف ميراث، وكأنه [استبرأ] (7) عن حقه في ذلك النصف من الميراث [بالوصية] (8)، فكان في [استبرائه] (9) مبطلاً حق إرث نفسه في ربعٍ بصرفه إياه إلى جهة الوصية، وهو في هذا الفقه نازل منزلة الابن المجيز في قطع حق الميراث عن نصف التركة، [ويرجع] (10) الإرث إلى نصف الباقي.
__________
(1) في الأصل: واتجه.
(2) في الأصل: التفصيل.
(3) في الأصل: المائة.
(4) الواو ساقطة من الأصل.
(5) في الأصل: "بالذي".
(6) في الأصل: يرض.
(7) استبرأ: كذا قرأناها بصعوبة بالغة.
(8) في الأصل: الوصية (بدون باء).
(9) في الأصل: في سراه.
(10) في الأصل: ومرجع.

(11/104)


7350 - فإذا تبين هذا الأصلُ، [بان] (1) تصرف القفال بعده، فخرَّج عليه المسألة التي ذكرناها، وهي إذا أوصى لأحد ابنيه بالنصف، وأوصى لأجنبي بالنصف، ورأى فيها جوابين: أحدهما - ما سبق إليه [مبتدراً] (2)، إذ سئل عنها، وهو أن النصف للأجنبي، والنصف للابن.
والثاني - ما حكاه عن ابن سريج وهو أن النصف للأجنبي، والسدسُ والربع للابن الموصى له، وللابن المجيز نصف السدس، فقال رحمة الله عليه: هذان الوجهان يخرّجان على الوجهين اللذين حكيناهما عن الأصحاب فيه إذا أوصى لأحد الابنين بأكثر من النصف.
وأول ما نحتاج إلى تقريره بيان تصوير هذه المسألة على الصورة التي فيها خلاف الأصحاب، فنقول: لما أوصى للأجنبي بالنصف، فالثلث يستحق له لا يزاحمه فيه الابنان، ولا حاجة فيه إلى الإجازة؛ فإنه يُستحَق من غير إجازة، فيبقى من المال الثلثان وقد أوصى لأحد الابنين بالنصف، فإذا أقررنا الثلث للأجنبي بحكم الاستحقاق، بقي الثلثان بين الابنين، فإذا فرضنا الوصية للابن بالنصف، كان النصف بالإضافة إلى الثلثين زائداً على القدر الذي يستحقه الموصى له بالإرث، فإن الذي يستحقه بالإرث ثلثٌ، ويستحق [أخوه] (3) ثلثاً، فإذا وقعت الوصية، فقد صادف محل خلاف الأصحاب. فإن قلنا: الموصى به إذا [أجيز أوْ رُدّ، اقتسم] (4) الابنان الباقي إرثاً، فعلى هذا النصفُ للابن والنصف للأجنبي؛ وذلك أنا إذا صرفنا إلى الابن النصفَ من الثلثين، وبقي سدس، فهو بين الموصى له وبين الابن الذي لا وصية له نصفين إرثاً، فيحصل للابن الموصى له نصفٌ [بالوصية] (5) ونصف سدس بالإرث، ويحصل للابن المجيز نصف سدس بالإرث.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل.
(3) في الأصل: اجره.
(4) في الأصل: إذا أجيزا فرد وانقسم.
(5) في الأصل: فالوصية.

(11/105)


فإن أجازا للأجنبي، [تكملة] (1) النصف، وقد أخذ الأجنبي الثلثَ، فالموصى له يجيز نصف سدس، والابن الذي لا وصية له يجيز نصف سدس، [فتمّ] (2) ملك النصف للأجنبي، وقد فاز الموصى له بالنصف وصيةً، فاستند الجواب الذي لم يقرره القفال على هذا الأصل تخريجاً على هذا الوجه، وهو أصح الوجهين.
فإن حكمنا بأن الموصى له بأكثر من حصته من الإرث لا حق له في الباقي، فعلى هذا يبقى للابن الذي لا وصية له سدسٌ، لا حظ فيه للابن الموصى له، والأجنبي يحتاج إلى سدس إلى تمام النصف، فإذا أجاز الموصى له هذه الزيادة في حق الأجنبي، وأجازها الابن الذي لا وصية له، فيُخرج كلُّ واحد منهما نصف سدس مما خلص له، فينتقص نصف الموصى له بنصف سدس لإجازته الأجنبي، ويُخرج الابنُ الذي لا وصية له نصفَ سدس، فيتم النصفُ للأجنبي، ويبقى للموصى له سدسٌ وربع، والذي لا وصية له نصف سدس. هذا وجه خروج جواب ابن سريج، فانتظم وجهان مستندان إلى وجهي الأصحاب، وقد انتهى كلامُ القفال، [تصرّفُه] (3) في هذه المسألة.
7351 - ونحن نقول وراء ذلك: ليس ينقدح عندنا في المسألة جواب [إلا صرف] (4) النصف إلى الابن الموصى له، وصرف النصف إلى الأجنبي. هذا هو المسلك [القويم] (5)، وما عداه احتيالٌ لا حقيقة له.
والذي يقرّر الحقَّ في ذلك أنّا إن فرعنا على أن الموصى له [من] (6) الابنين يفوز بالوصية، ويشارك في الباقي، فقد لاح أن للابن الموصى له النصفَ على هذا الوجه، فلا حاجة إلى إجازته.
__________
(1) في الأصل: فكلمة.
(2) زيادة من المحقق.
(3) في الأصل: ونضربه.
(4) في الأصل: جواب الآخر في النصف. وهو تصحيفٌ عجيب ظل يحوك في صدرنا أياماً حتى هدانا الله بفضله ومنه إلى إدراكه.
(5) في الأصل: القديم.
(6) في الأصل: في.

(11/106)


وإذا فرعنا على الوجه الثاني، فعليه خرّج القفال وجهَ ابن سريج، كما بيّنه الآن، ولا خروج له عندي؛ فإنا على ذلك الوجه نقول: يفوز الابن الموصى له بالمقدار الموصى به، فيبقى السدس حقاً للابن الذي لا وصية له، فلا حاجة إلى إجازة الابن الموصى له، وإنما ترتبط الإجازة في حق الأجنبي بالابن الذي لا وصية له، ولا أثر لرد الموصَى [له] (1)؛ فإنه لا يستحق من التركة إلا النصفَ الذي (2) أخذه من جهة الوصية، ولا إجازة من الوصية، فإذا قال الابن الذي لا وصية له: أجزت [وصية أبي] (3) كما قال، [فقد] (4) أسقط جميعَ حقه من المال، فانصرف السدس إلى تكملة نصف الأجنبي على الخصوص، ولا حاجة إلى إجازة الموصى له.
وإذا نظر الناظر إلى وصيةٍ [لشخصٍ] (5) مع طيب نفس من لا وصية له، فخروجه من التركة في موافقة أبيه، فكيف نطوّقه نصفَ سدس وهو لا يبغيه؟ والوصيتان مستغرقتان للتركة، فالوجه إذاً القطعُ بما أجاب به القفال أوَّلاً.
ولو أوصى لأحد ابنيه بنصف ماله، وأوصى [لأجنبي] (6) بنصف ماله، وأوصى لأجنبي آخر بثلث ماله، فأجاز الابنان ورضيا؟
موجبُ القضية في سبيل الجواب أن نقول:
نقدّر للأجنبيين الثلث، ولا نتعرض معه لكيفية [قسمته عليهما] (7)، حتى يستتم ما يحصل لهما.
ونعود فنقول: قد خرج الثلث من غير حاجة إلى الإجازة، ومجموع وصيتي الأجنبيين خمسةُ أسداس المال، وقد خرج من غير حاجة إلى الإجازة الثلثُ، فيبقى نصف المال موصى به بين الأجنبيين، ولسنا نتعرض لكيفية وقوع ذلك النصف
__________
(1) في الأصل: ولا أثر لرد الموصى إنه فإنه.
(2) في الأصل: والذي.
(3) في الأصل: وصتي إلى.
(4) في الأصل: نفد.
(5) في الأصل: لشخصي.
(6) في الأصل: للأجنبي.
(7) في الأصل: قسمت عنها.

(11/107)


بينهما، حتى نتبين الغرض [آخراً] (1)، فقد بقي الثلثان من التركة، والأجنبيَّان يضربان فيهما بالنصف، والابن الموصى له بالنصف يضرب في الثلثين بالنصف، فإذا استوى ما يضربان [به] (2) [جُزئيةً] (3) وقدراً، اقتضى ذلك جعلَ الثلثين بين الابن الموصى له بالنصف، وبين الأجنبيين نصفين، فيقع الثلث للابن الموصى له، ويصرف الثلث إلى جهة [الأجنبيّين] (4)، فيحصل لهما ثلثان، الثلث الأول من غير إجازة، والثلث الثاني [بالمضارَبة] (5) بعد وقوع الإجازة، ثم نقول: يُقسَّمُ الثلثان بين [الأجنبيّين] (6) أخماساً؛ فإن [وصية] (7) أحدهما النصف، ووصية الثاني الثلث، [فالقسمة] (8) على هذه الجزئية توجب نسبة الأخماس، فللموصى له بالنصف ثلاثة أخماس الثلثين، وللموصى له بالثلث خمسا الثلثين.
وللابن الموصى له بالنصف الثلث، وسبب نقصان حقه عن المبلغ الذي أخذه الأجنبي الموصى له بالنصف أنه استبد (9) بأجزاء من الثلث الذي لا [يزاحَم الأجنبي فيه] (10)، وانحصر حقُّ الابن الموصى له في الثلثين، ثم اقتضى التضارب [بينهم] (11) النصفَ له: نصفَ الثلثين.
هذا هو الحق، وليس يسوغ الالتفات على ما فرعنا عليه نقلاً عن القفال؛ فإن
__________
(1) في الأصل: أحداً.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) في الأصل: فجُزية.
(4) في الأصل: الأجنبي.
(5) في الأصل: المضارب.
(6) في الأصل: الأجنبي.
(7) في الأصل: وجب.
(8) في الأصل: كلمة غير مقروءة (انظر صورتها).
(9) استبد: أي انفرد وتميز عن الابن الموصى بأخذ أجزاء من الثلث الذي لا يزاحم الأجنبي فيه، ولا يحتاج إلى إجازة.
(10) ما بين المعقفين مكان كلمة غير مقروءة في الأصل. (انظر صورتها).
(11) في الأصل: بينه.

(11/108)


ذلك الوجهَ، لم ينتظم، ولم نجد [له] (1) فائدة، فلا ينبغي أن يشغل الفقيه نفسه بالتعرض لمثله، على أن ذلك إنما تخيله الحذاق؛ من جهة أنه يبقى للابن المجيز شيء، فتخيلوا معنى تفضيل الموصَى له، واعتقدوا صرف الوصية إلى قدر التفضيل، والابن المجيز في هذه المسألة لا يسلم له شيء؛ فإن الوصايا عائلة زائدة على أجزاء المال.
هذا إذا أجاز الابنان للأجنبيين.
7352 - فأما إذا قال الابن [الذي] (2) لا وصية له: أجزت ما [فعل أبي] (3)، وقال [الابن] (4) الموصى له: رددتُ أنا ما يتعلق بي من الوصية الزائدة على الثلث للأجنبيين، فقد قال الأستاذ: سبيل الجواب أن نقول: أما الثلث، فإنه مصروف إلى [الأجنبيين] (5) من غير احتياج إلى إجازة، فيبقى الثلثان، ونقسم المسألة من ستة، ونقول فيها: لهما سهمان من ستة، كما سنبين القسمة بينهما، ثم نقدر سهمين في يد الموصى له، وسهمين في يد المجيز، ثم يفوز الموصى له بسهميه، فيبقى السهمان في يد المجيز، فيزدحم فيهما الابن الموصى له والأجنبيان على نسبةٍ واحدة، فيصرف نصفه وهو سهم إلى الابن الموصى له، ونصفه إلى الأجنبيين.
وبيان ذلك أن الأجنبيين كانا يضربان بالنصف، وهو سهم إلى الابن الموصى له [والابنُ الموصى له] (6) والأجنبيان على نسبة واحدة، فيصرف نصفه، وهو سهم إلى الابن الموصى له، ونصفه إلى الأجنبي.
وبيان ذلك أن الأجنبيين كانا يضربان بالنصف بعد إقرار الثلث، وضربهما [بسدس] (7) من كل واحد من الثلثين الباقيين، ثم إن الابن الموصى له لما (8) ردّ
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: أرى.
(3) في الأصل: ما فعلا بن.
(4) في الأصل: للابن.
(5) في الأصل: الأجنبي.
(6) زيادة من المحقق.
(7) في الأصل: بسبع.
(8) عبارة الأصل: ثم إن الابن الموصى له وبيان لما ردّ ...

(11/109)


ما يتعلق به، فقد رجع إلى حق الإرث في ثلث المال، فكأنه قطع عن هذا الثلث ضربَ الأجنبي، وقطع عنه أيضاً حكمَ الوصية في حق نفسه، واكتفى في هذا الثلث بجهة الإرث، فانقطع عن هذا الثلث حق الوصايا كلها، وبقي الأجنبيان على نسبة النصف في الثلث الباقي، وبقي الابن الموصى له على مثل تلك النسبة في ذلك الثلث؛ فإن [نصفي] (1) الجهتين ثبتا على قضية واحدة، ثم انقطعت الجهتان عن أحد الثلثين على نسبة واحدة، فبقي التضارب في الثلث الباقي على نسبة واحدة.
7353 - هذا بيان مسائل الباب، وما مرت (2) من مسائل الكتاب [أعوصُ] (3) وأغمضُ منها، وسبب ذلك عسر تصوير الوصية للوارث؛ فإنه يستحق بجهة الإرث، فإذا صححنا له الوصية أُحوجنا إلى الوصية لمالكٍ في بعض ما أُوصي له، وحق الإرث قهري، والوصية [نحلة] (4)، فاعتاصت مسائل الباب؛ لأنها استحدثت قضيةً في الوصايا، لا عهد بها.
7354 - ومما نختم الفصلَ به أنَّا حكينا عن الأصحاب أن الوصية [للوارث] (5) والأجنبي إذا ثبتت، فالأجنبي مقدّمٌ بحقه: مقدارِ الثلث، والورثةُ لا يزاحِمون فيه؛ فإن الثلث محل حق الأجانب، وإنما تُفرض الزحمة من الوارث والأجنبي في الوصية الواقعة وراء الثلث. هذا هو الأصل، وعليه تفريع المسائل، وتعليله واضح.
7355 - فلو (6) أوصى بثلث ماله لأجنبي ووارث، ثم ردّ الورثة الوصيةَ للوارث، فالسدس للأجنبي؛ فإن الموصي لم يوصِ له إلا بالسدس، لمّا جعل الثلث بينه وبين الوارث.
__________
(1) في الأصل: النصفي.
(2) ما مرت: (ما) نافية وليست موصولة.
(3) في الأصل: أغوض.
(4) في الأصل: نحيلية.
(5) في الأصل: الإرث.
(6) في الأصل: لو.

(11/110)


ونُقل (1) أن أبا حنيفة صرف الثلث بكماله إلى الأجنبي في هذه الصورة، وهذا مذهب سخيف (2)؛ من جهة أن صيغة الوصية في وضعها لم تقتضِ للأجنبي إلا نصفَ الثلث، فلئن بطلت الوصية في حق الوارث في مقدارٍ من الثلث، فإثبات الزيادة للأجنبي على ما يقتضيه لفظ الموصي [بحاله] (3).
7356 - ولو أوصى لأجنبي بثلث ماله، وأوصى لأحد الورثة بثلث ماله، ورد الورثةُ الوصيةَ للوارث، فتبقَى الوصيةُ بالثلث في حق الأجنبي.
ولو كانت المسألة بحالها ببيان (4) الورثة بردّ الوصيتين إلى الثلث، ثم يبطل حق الوارث، فيبقى للأجنبي السدس، كان ذلك محالاً منهم؛ لأن الوصية وقعت بالثلث للأجنبي، فلا حطيطة في حقه من الثلث قط. وأيضاً، فإن الورثة إذا أرادوا ردّ وصية [الوارث] (5) فكيف يقدرونه مزاحماً لا حق له.
ولو قالوا: نرد الوصيتين إلى الثلث، فيكون الثلث بين الوارث [وبين] (6) الأجنبي، قيل: لا سبيل إلى ذلك؛ فإن الأجنبي (7) لا ينقص من الثلث، فإن الوصية وقعت في حقه بالثلث.
هذا قانون الباب.
7357 - وقد حكى الصيدلانيُّ مسألةً وفيها وجهٌ عن القفال أخرت حكايته، لأنه ليس معتداً به، وهو من الهفوات، ولولا [الثقة] (8) بنقله، وعلو قدر المنقول عنه، لما استجزت نقلَه:
__________
(1) ونُقل: كذا بصيغة التمريض. ولم أصل إلى هذا في كتب الحنفية.
(2) سخيف: أي ضعيف، يقال: ثوب سخيف إذا كان ضعيفاً غير متداخل النسج، أو رق وضعف من البلى (معجم ومصباح) فليس للكلمة ما تحمله الآن من معنى السب والشتم.
(3) في الأصل: بحال.
(4) ببيان الورثة: أي مع بيان الورثة لردّهم.
(5) في الأصل: الإرث.
(6) في الأصل: من.
(7) عبارة الأصل: فإن من الأجنبي.
(8) في الأصل: الثقلة.

(11/111)


فنذكر تلك المسألة، قال: إذا أوصى لأجنبي بثلث ماله وأوصى لكل واحد من ابنيه بثلث ماله، فأجاز كل واحد من الابنين لصاحبه، ولم يجيزا للأجنبي.
فالمذهب المبتوت أن الأجنبي يستحق ثلثَ المال، ولا معنى لقولهما: " لا نجيز للأجنبي "؛ فإن الثلث مستحق للأجنبي، لا حاجة فيه إلى الإجازة، ولا أثر فيه للرد كما قدمناه.
وحكى عن القفال وجهاً ثانياً أن للأجنبي ثلث أسهل (1) الثلث؛ فإن ثلثه كان شائعاً في أثلاث المال، وإذا ردّ الابنان حقَّه عن ثلثيهما، فقد سقط ثلثا الثلث. وهذا ليس بشيء، وهو خرمٌ للقاعدة التي أجمع الأصحاب عليها. وإذا لم يكن للوارث أن ينقص حق الأجنبي في الثلث، حيث لا وصية للوارث، فكيف ينتظم من الابنين أن ينقصا ثلثه بأن فرضت لهما وصية. ثم لا حاصل للوصية بمقدار الإرث؛ إذْ لكل واحد من الابنين الثلث، فالوصية بالثلث المستحق بالإرث لا حاصل له.
هذا تمام المراد في ذلك.
فرع متعلق بالوصية للوارث:
7358 - إذا وقف الرجل داراً لا يملك غيرها على ابنه وابنته لا يرثه غيرُهما، فقد مضى هذا في فرع ابن الحداد، ولكنا رسمنا هذا الفرع لمزيد [معنى] (2)، فلو ردّا الوقفَ في الزائد على الثلث، ارتد الوقفُ بردهما في الثلثين، وبقي الوقف في مقدار الثلث. ثم الثلثان يقسمانها للذكر مثل حظ الأثثيين، ويبقى الثلث موقوفاً بينهما، والوقف لازمٌ فيه، تفريعاً على الأصل الذي فرعنا عليه مسألةَ ابن الحداد.
فإن قيل: إن كان الوقف في ثلث الدار بينهما نصفين، فهذا خلاف ما يقتضيه وضع القسمة؛ فإن حق الذكر ضعفُ حق الأنثيين، فهذا الساري (3) تفاضلٌ في
__________
(1) كذا. والعبارة مستقيمة بدونها.
(2) زيادة من المحقق.
(3) كذا. ومعناها: الحاصل الواقع.

(11/112)


الحقيقة بالإضافة إلى حق الذكر والأنثى في الميراث، وقد ذكرنا أن الأب لو أراد أن يفضّل بعضَ ورثته على بعض في الثلث الذي هو محل تصرفه، لم يكن له ذلك على المذهب.
فإن قلنا: الوقف في الثلث بينهما على التفاوت، كان ذلك على خلاف شرط الواقف، فإن موجبَ شرطه التسويةُ بينهما، فإن رُدَّ الوقف في مقدار لحق الورثة في الملك (1)، فتغييّر شرط الواقف في المقدار الذي يصح الوقف فيه محال. قلنا: [الشرط] (2) أولاً أن الوقف على التفاوت، ووجه الجواب عما ذكره القائل من خروج الوقف عن شرط الواقف أنا نقدّ الثلثين مثلاً في جانب الابن، والثلث في جانبها، ثم الابن نقضَ الوقف في ثلثي حصته، ونفرض [نقْضَ] (3) ثلثي حصتها، فيبقى ثلث حصتها، وهو تسع، ويبقى ثلث حصته وهو تسعان (4).
وإن أحببت قلت: نقدر الدار في يد كل واحد منهما على حكم الوقف المرسل، ثم الابن يسترد سدسها؛ حتى يكون في يده ضعف ما في يدها. ثم الذي يسترده لا يبقى وقفاً، ثم يزداد في نقض الوقف حتى [يرجع] (5) إلى ما ذكرناه.
فرع:
7359 - إذا خلف رجل ورثةً وأعيانَ أموال، فأوصى لكل واحد منهم بعينٍ من أعيان ماله، وكانت قيمة تلك العين على قدر حصة ذلك الشخص الذي عيّن له تلك العين، فلم يفضِّل في أقدار المالية، وإنما خصص كلاً بعينٍ.
مثل أن يخلف بنين وأعبداً قيمهم متساوية، وأوصى لكل واحد من بنيه بعبد معيّن.
__________
(1) المعنى: أنه إذا جاز ردّ الوقف في مقدار لحق الورثة، فلا يجوز تغيير شرط الواقف لذلك في المقدار الذي يصح الوقف فيه، بل هو محال.
(2) في الأصل: الشرى.
(3) في الأصل: بعض.
(4) وهو تسعان: معنى ذلك أنه يبقى موقوفاً من حصتها 1/ 9 الدار، ومن حصته 2/ 9 فالمجموع 3/ 9، وهي 1/ 3 الدار، فيقع الثلث موقوفاً على التفاوت.
(5) في الأصل: رجع.

(11/113)


فقد اختلف أئمتنا في ذلك على وجهين. قال قائلون: ينفُذُ ذلك، وليس لبعضهم أن يبطل التعيين على البعض؛ فإن حقوقهم في المقادير لا في الأعيان، بدليل أنه لو باع داراً منه في مرض موته بثمن مثلها، لم يُنقض ذلك عليه، ولم يكن تعيين الدار له بالبيع وصية.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك وصية وللبعض أن يبطل على البعض؛ فإن للناس في الأعيان أغراضاً واضحة، فلا يجوز إبطالها بطريق الشرع، وليس كالبيع؛ فإنه عقدٌ لازم، فإذا خلا عن المحاباة، نفذ البيع لوضعه في أصل الشرع.
فصل
قال: " ويجوز الوصية لما في البطن وبما في البطن ... إلى آخره " (1).
7360 - هذا الفصل مشتمل على مقصودين: أحدهما - الوصية للحمل، والثاني - الوصية بالحمل.
فأما الوصية للحمل، فإنها جائزٌ بشرطين: أحدهما - أن ينفصل الحمل حيّاً، ويكون بحيث تصح الوصية لمثله حالة الانفصال، ولو انفصل ميتاً، فلا وصية، ولا يُقضَى بأنها صحت وبطلت، بل نتبين أنها لم تصح، ولا فرق بين أن ينفصل ميتاً بإجهاض من غير جناية، وبين أن ينفصل بجناية جانٍ، وإنما ذكرنا هذا على [وضوحه] (2)؛ لأنا قد نقيم [الولد] (3) المنفصل بالجناية مقام الولد المنفصل [حياً] (4) في قاعدة الغرور؛ فإن المغرور لا يغرم قيمة الولد إذا انفصل ميتاً، ويغرَم قيمته إذا انفصل حياً، وإذا انفصل بجناية يقوَّم ويرجع [عليه] (5)، على تفصيلٍ طويل سيأتي، إن شاء الله عز وجل في كتاب النكاح.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 161.
(2) في الأصل: على وخرجه.
(3) في الأصل: الدار.
(4) في الأصل: حملاً.
(5) ساقطة من الأصل.

(11/114)


فأحببنا أن نقطع وهم من يظن أنا نفصل بين السقوط بالجناية، وبين السقوط من غير جناية، كصنعنا في الغرور؛ فإن هذا الأصلَ وهو الوصية مداره على استيقان حياة الموصى له. وهذا المعنى يفوت بانفصال الجنين ميتاً، سواء انفصل بجناية [أو] (1) غيرها.
هذا أحد الشرطين.
7361 - والشرط الثاني أن يكون العلوق بالولد الموصى له متحققاً حالة الوصية، فإذا أوصى لحملٍ بشيء، فأتت المرأة به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، فقد استيقنا وجودَ الحمل حالة الوصية.
ولا ينبغي للفقيه أن يصرف فكره إلى اشتراط كون الحمل حياً حالة الوصية؛ فإن هذا لا مطلع عليه والحملُ جنين، فيكفي وجود العلوق حالة الوصية، وتحقق الحياة حالة الانفصال.
ولو أتت المرأة بالولد لأكثر من أربع سنين من وقت الوصية، فلا شك في بطلان الوصية؛ فإنه أوصى للحمل الكائن، وقد تحقق أنه لم يكن حالة الوصية حملٌ.
ولو أتت بالولد لأقلَّ من أربع سنين، وأكثر من ستة أشهر، نُظر: فإن كانت المرأة تحت زوج يُظن أنه يغشاها، فلا تصح الوصية لجواز أنها علقت بعد الوصية بوطء الزوج إياها.
ولو لم تكن ذات زوج، فأتت بولدٍ لأكثرَ من ستة أشهر، فهل تصح الوصية له؟
فعلى وجهين مشهورين: أحدهما - أن الوصية لا تصح لجواز حدوث العلوق بعد الوصية بوطء شبهة، أو سفاح.
والوجه الثاني - أن الوصية تصح؛ إذ لا سبب يستند إليه تجدد الوطء [وتقدير] (2) وطء الشبهة والزنا بعيد، ودوام الحمل أكثر من ستة أشهر غالبٌ غيرُ نادر؛ فإن الوضع على الستة والسبعة من النوادر التي تذكر.
__________
(1) في الأصل: له.
(2) في الأصل: وتقديم.

(11/115)


هذا تأسيس الكلام.
ولو قال للحامل: أوصيت لحملك من فلانٍ بكذا، فأتت به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، ولمدة يقتضي الشرع التحاقه بمن نسبه إليه، استحق الوصية إذا انفصل حياً، حتى لو كان طلقها، فأتت به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، ولأكثر من ستة أشهر من وقت الطلاق، وأقلّ من أربع سنين، فالولد يلحق والوصية تثبت.
فإن قيل: ذكرتم أن الوصية لا تثبت ما لم تستند إلى تعيين، وثبوت النسب.
[وثبوتُ النسب] (1) في الصورة التي ذكرتموها ليس مستيقناً.
قلنا: أولاً تحقق الوجود، فلا طريق لثبوت النسب إلا ظاهرُ الإمكان، مع تقدم الفراش، فيحمل قوله في النسب على الممكن فيه.
ولو أتت بالولد لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الفراق، لما كان النسب مقطوعاً به [حسّاً] (2)؛ فإن كون الحمل من رجل معين غيبٌ لا اطلاع عليه، ولكن يكفي ويكون [النسب] (3) محكوماً به. نعم، لو أتت بالحمل لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية، ولأكثرَ من وقت الطلاق [حيّاً] (4)، ولأقل من أربع سنين من الوصية والطلاق، فالنسب يثبت، والوصية لا تثبت؛ فإن ثبوت النسب يعتمد الإمكان [و] (5) قد تحقق وثبوت الوصية يستدعي استيقان الوجود حالة العقد، وهذا المعنى لم يتحقق.
هذا أصح الوجهين.
ومن أئمتنا من أثبت الوصية إذا لم تكن ذات زوج، ولم يبنِ الأمرَ على تقدير وطء شبهة أو سفاح، على ما قدمنا ذكره.
ثم ذكر صاحب التقريب مسائل فيه.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل رسمت هكذا (احا).
(3) في الأصل: النسبة.
(4) في الأصل رسمت هكذا (اخا) كسابقتها، وزادت فنقطت الأول.
(5) ساقطة من الأصل.

(11/116)


[مسائل] (1) في الوصية للحمل
7362 - منها: أنه لو قال الموصي: أوصيت لحمل فلانة بكذا، فخرج اثنان حيان، فالوصية لهما جميعاً.
ولو خرج أحدهما حيّاً والآخر ميتاً، فجميع الوصية للحي، ويجعل كأن الميت لم يكن، ولا نقول: إن الوصية تتقسط على الولدين، ثم تبطل حصة الميت، وليس كما لو أوصى لحي وميت ابتداء، فإنا قد نسقط قسطاً من الوصية، على ما سيأتي ذلك مشروحاً من بعدُ، إن شاء الله عز وجل.
هذا ما ذكره صاحب التقريب، ووجهه أن الميت غيرُ معتد به في الحمل، وكأنه عَلقَة أو مُضغة، ولا حمل إلا الحي، وليس يخلو ما ذكره [عن كلام] (2)؛ فإنه لو أوصى لحمل امرأة، فانفصل ميتاً، فقيل: الوصية باطلة كما إذا ابتدأ، فأوصى لميت، والميت حمل، فلا (3) تصح الوصية له، فلا يبعد عن القياس أن نقول: لو نيطت الوصية [بالحمل] (4) وهو حي وميت، فليبطل قسطٌ منها يقابل الميت.
7363 - ومما ذكره صاحب التقريب أنه لو قال: إن كان حملك غلاماً، فقد أوصيت له بألف، فأتت بغلامين، فلا شيء لواحد منهما؛ فإن حملها عبارة عن جميع ما يحتوي عليه رحمها، فقد بان أن حملها لم يكن غلاماً، بل كان غلامين. وكذلك لو أتت بغلام وجارية.
7364 - [ومثله لو] (5) قال: إن كان في بطنك غلام، فقد أوصيت له بألف، فخرج غلام وجارية، صح الألف للغلام؛ فإنه كان في بطنها غلام، ومثله لو خرج غلامان،
__________
(1) في الأصل: مسألة.
(2) زيادة اقتضاها السياق.
(3) عبارة الأصل: " والميت حمل ولكن لا تصح الوصية له ... " والمثبت تصرفٌ منا، ساعدنا عليه أن كلمة [لكن] أقحمت من الناسخ بين السطور.
(4) في الأصل: للحمل.
(5) في الأصل: وبمثله أو.

(11/117)


فالوصية ثابتة، ثم ذكر قولين بعد الحكم بثبوت الوصية: أحدهما - أن الخيرة في ذلك إلى الوارث [يصرف الألف] (1) إلى أي الغلامين شاء، ولا سبيل إلى التشريك؛ فإنه ما أوصى لجميع الحمل، بل أوصى لغلام في البطن، والوارث ينزل منزلة الموروث في التعيين.
هذا قولٌ.
والقول الثاني - أنه لا خيار للورثة في ذلك، ثم على هذا القول قولان: أحدهما - أن الموصى به مقسوم على الغلامين نصفين، إذ ليس أحدهما أولى من الثاني، واسم الغلام يتناول كلَّ واحد منهما. وقد ثبتت الوصية، والقول الثاني - أنه مالٌ مشاعٌ بينهما، يدّعيه كل واحد منهما، فهو موقوف إلى أن يصطلحا.
وهذا يضاهي مسألة ستأتي في نكاح المشركات، وهي أن الكافر لو أسلم عن ثمانٍ، وأسلمن معه، ولم يتفق أن يختار أربعاً منهن، فإذا مات قبل الاختيار، فظاهر المذهب أنه يوقف بينهن ميراث زوجة إلى أن يصطلحن.
وفي المسألة قولٌ آخر حكاه صاحب التقريب: أن الميراث مفضوضٌ عليهن بالسوية؛ إذ ليس إحداهن أولى به من صواحباتها. وليس هذا كالطلاق المبهم، على ما سيأتي مشروحاً، إن شاء الله عز وجل.
7365 - ولو قال الرجل: أوصيت لأحد هذين الرجلين بألفٍ، وأشار إلى زيد وعمرو، ثم توفي قبل التعيين.
قال صاحب التقريب: هذه المسألة كمسألة الحمل، وقد قال: إن كان في بطنك غلام، فقد أوصيت له بألف، فانفصل غلامان، ووجه التشبيه [بيّن] (2)، وقد ينقدح للفقيه فرقٌ بينهما؛ فإن قوله: أوصيت لأحدكما تنصيصٌ منه على تخصيص أحدهما بالاستحقاق، وحرمان الثاني، فيبعد قول الاشتراك في هذه المسألة، ويجرى قولُ تعيين الوارث، وقول الوقف بينهما.
__________
(1) في الأصل: ينصرف الأول.
(2) زيادة اقتضاها السياق.

(11/118)


وإذا قال: إذا كان في بطنك غلام، أمكن أن يُتخيّل من لفظه صرف الوصية إلى جنس الغلامين؛ إذ ليس في لفظه نفيٌ وإثبات بين غلامين، ومسألة نكاح المشركات بالوصية لأحد الرجلين أشبه؛ فإن الزوجية لا يفرض شيوعها في ثمانٍ، على ما سنصف ذلك في موضعه، إن شاء الله عز وجل.
7366 - ولو أوصى بشيء لحمل امرأة من زيد، فأتت به لأقلَّ من ستة أشهر من وقت الوصية، [فظاهر الإمكان] (1) يلتحق فيه [بزيد] (2)، لكن زيداً نفاه باللعان، فقد حكى العراقيون والشيخ أبو علي في ذلك وجهين: أحدهما - أن الوصية لا تثبت؛ فإن النسب من زيد قد انتفى، وشرط ثبوت الوصية ثبوتُ النسب من زيد.
والوجه الثاني - حكاه العراقيون عن أبي إسحاق المروزي: إن الوصية تثبت، وإن انتفى النسب باللعان؛ فإنه يثبت ظاهراً [للإمكان] (3)، وهو يعتمد للنسب، فإن نفينا النسب -لضرورةٍ داعية- باللعان، فلا ينقطع الإمكان المعتبر في باب الوصية، حكَوْا ذلك، وزيفوه [وعدّوه] (4) من غلطاته.
7367 - ولم يتناه الشيخ (5) في تزييف ذلك، وبنى عليه مسألة أخرى، تتعلق بأحكام النسب، فقال: لو أتت امرأةُ الرجل [بولدين] (6) توأمين من بطن واحدٍ، فنفاهما الزوج باللعان، فلا شك أنهما يتوارثان بقرابة الأم، فإنهما يُنسبان إلى الأم، وإن كانت زانيةً، فهما إذاً أخوان من الأم، وهل يثبت بينهما أخوة الأب حتى يقال: إنهما أخوان من أبٍ وأمٍّ؟
ذكر الشيخ وجهين مأخوذين من المأخذ الذي ذكرناه في الوصية: أحدهما - أن
__________
(1) ما بين المعقفين مكان كلمة غير مقروءة (انظر صورتها).
(2) في الأصل: زيد.
(3) في الأصل: ظاهر الإمكان.
(4) في الأصل: وعلّوه.
(5) الشيخ: المراد به الشيخ أبو علي السنجي.
(6) في الأصل: مولدين.

(11/119)


الأخوّة من الأب لا تثبت بينهما؛ لأن الأبوة لم تثبت، بل انتفت. والأخوة من الأب متفرعة على الأبوة.
والوجه الثاني - أنه تثبت بينهما أخوة الأب؛ تعويلاً على الإمكان، وقيام الفراش، وكأن هذا القائل يزعم أن أثر اللعان في النفي يختص بالملاعِن؛ فإن اللعان حجةُ خصوص.
وهذا لا حاصل له، وهو من خيالات الاحتجاج.
فإن قيل: هلا تردد الأصحاب في أن الرجل إذا قذف امرأته بأجنبي (1)، [والْتعن فلا يندفع عنه الحد] (2)؛ من جهة أن اللعان يختص بالنكاح ولا يتعلق بالأجنبي (3)؟ قلنا: هذا مما يتوجه به أحد الوجهين، ثم الأصحاب [عدّوا] (4) ذكر الأجنبي من الضرورة (5)، على ما قررناه في مسائل اللعان.
7368 - ومما ذكره الشيخ أبو علي رحمة الله عليه في شرح الفروع أنه لو أوصى لحمل امرأة، فأتت بولد لدون ستة أشهر من وقت الوصية، ثم أتت بولدٍ آخر لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية، ولأقل من ستة أشهر من الولادة، فالوصية مصروفةٌ إلى
__________
(1) بأجنبي: أي سمّى الزاني الذي قذفها بالزنا به.
(2) ما بين المعقفين مكان عبارة غير مستقيمة، وفي أولها كلمة قرأناها بصعوبة (انظر صورتها).
(3) المعنى لا يندفع عنه حد قذفه للأجنبي الذي ذكره؛ لأن أثر اللعان يختص بالنكاح، ولا يتعداه إلى غير الزوجين. والمذهب أن اللعان يُسقط حقَّ الأجنبي الذي قذفها به في المطالبة بالحد (ر. الروضة: 8/ 344).
(4) في الأصل: عدداً.
(5) عدوا ذكر الأجنبي من الضرورة: أي إذا قذف الزوج امرأته بأجنبي عيّنه، فيذكر اسمه ضرورة في صيغة اللعان عند ملاعنته زوجته، فيشهد بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا بفلان، فإن فعل ذلك سقط عنه الحد بقذف هذا الأجنبي، فإن لم يذكره، لم يسقط عنه الحد، وجاز لهذا الأجنبي أن يطالب بحده حدّ القذف، قال النووي: هذا هو الأظهر.
فعلى هذا إن أراد إسقاط حق الأجنبي، فطريقه أن يعيد اللعان ويذكره. قلت (عبد العظيم): جعل ذكره الأجنبي ضرورة ردُّ على من قال: إن اللعان يختص بالنكاح، ولا يتعلق بالأجنبي. (ر. روضة الطالبين: 8،/344، 345).

(11/120)


الولدين جميعاً؛ فإنا تبيّنا أنهما حملٌ واحد؛ تحققنا الوجود بانفصال الولد الأول دون ستة أشهر، [وتحققنا من وجود الثاني لانفصاله بعد الأول لدون ستة أشهر] (1) فانتظم من مجموع ذلك أنا استيقنا وجودهما جميعاً حال الوصية.
وهذا ظاهر [لا إشكال] (2) فيه.
وقد انتهى تفصيل القول في الوصية للحمل.
7369 - [ونحن] (3) الآن نذكر الوصية بالحمل فنقول: الوصية بالحمل جائزة إذا تحقق وجوده حالة الوصية، [بان] (4) تأتي الأم به لأقلّ من ستة أشهر من وقت الوصية.
فإن كانت الوصية [بحمل بهيمة] (5)، فالرجوع [فيها] (6) إلى أهل الخبرة، فإن [زعموا] (7) أنه لم يحدث علوق بعد الوصية، فالحمل [موصىً] (8) به إذا انفصل.
وليس عندنا في حمل البهائم ضبط في الأوقات [يُرجَع] (9) إليه، على حسب ما ذكرناه في بنات آدم؛ فإن العلماء اعتنَوْا بتتبع أوقات الحمل في النسوة، وأحاطوا بالأكثر والأقل، وحكَّموا الوجودَ (10) في ذلك تحكيمهم إياه في أقل الحيض وأكثره، وأوقاتُ الحمل في البهائم تختلف باختلاف أجناسها، فليقع الرجوع إلى أهل الخبرة، فإن قطعوا بطريان الحمل، فلا وصية، وإن قطعوا بوجوده، أثبتنا الوصية.
فإن كان قَرُبَ الزمان، فترددوا، فلم يُبعدوا طريان الحمل بعد الوصية، أبطلناها.
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق.
(2) في الأصل: "ظاهر الإشكال" وهو عكس المعنى المراد.
(3) في الأصل: والحق الآن.
(4) في الأصل: منها.
(5) في الأصل: ليحمل بهبة.
(6) في الأصل: منها.
(7) في الأصل: فإن فاعلموا.
(8) في الأصل: مرضي به.
(9) في الأصل: رجع.
(10) الوجود: أي الوقوع، وذلك هو المنهج الاستقرائي بعينه الذي يتبع في هذه الدراسات.

(11/121)


ومما يختص بهذا الطرف أنه لو أوصى لإنسان بحمل جارية منكوحة، فلو انفصل الحمل ميتاً، فلا أثر للوصية، ولو انفصل بجناية جانٍ وألزمناه ما يلزم في الأجنة (1) المملوكة [فالوصية] (2) ثابتة، وما أُلزمه الجاني مصروف إلى الموصى له، وليس كما إذا كان الحمل موصىً له، ثم انفصل ميتاً بجناية جانٍ؛ فإنا لم نصادف للموصى له حياة، فوقعت الوصية [لمن] (3) لم نعلم حياته، والحمل لا يمتنع تعلّقُ [الحكم] (4) به حملاً، وإذا انفصل بجناية جانٍ، قام الغرم على الجاني مقام حياة الجنين لو انفصل حياً؛ فإن المالية دامت بالتزام الجاني بدل الجنين.
وهذا واضح.
7370 - ولو أوصى بالحمل كما ذكرنا، فانفصل حياً ومات، فمؤونة تجهيزه على الموصى له، ولو انفصل ميتاً، فالذي أراه أن الموصى له لا يلتزم مؤنة تجهيزه؛ من جهة أن الوصية تعتمد ثبوت المالية، أو ثبوت كون الموصى به منتفعاً به، ولم يتحقق واحد منهما، إذا انفصل الحمل ميتاً، فالوجه أن يتبع الحمل الجارية، فيقوم بتجهيزه من يقوم بمؤونة الجارية.
7371 - ومما يتعلق الفصل [به] (5) أنا إذا جوّزنا الوصية بالحمل، فيجوز استثناء الحمل من الوصية بالجارية، وذلك بأن يوصي لإنسان بجاريةٍ حاملٍ دون ولدها، وهذا على خلاف حُكمنا في البيع؛ فإنه لما لم يجز إفراد الحمل بالبيع، لم يجز استثناء الحمل عن بيع الجارية، على ما فصلتُ المذهبَ فيه في كتاب البيع.
ولا خلاف أنه لو أوصى بجاريةٍ لشخصٍ وبحَمْلها لآخر، صح، ولو أطلق الوصية بالجارية الحامل، ولم يتعرض لحملها بنفي ولا إثبات، [ففي] (6) اشتمال الوصية على
__________
(1) في الأصل: الأجنة والمملوكة.
(2) في الأصل: بالوصية.
(3) في الأصل: إن.
(4) في الأصل: الكل.
(5) ساقطة من الأصل.
(6) في الأصل: وفي.

(11/122)


الحمل احتمال ظاهر، مستنده إلى تردد العلماء في أن الحمل هل يحل محل أجزاء الأم في تناوله الاسم المطلق الواقع على الأم؟ ولهذا التفات على قواعد يكفي التنبيه عليها.
ثم إن قلنا: لا يدخل تحت الوصية بالجارية، فإنه يبقى ملكاً للموصي، ثم يخلُفه الورثةُ فيه.
صيان قلنا: تتناوله الوصيةُ، فإذا انفصل قبل موت الموصي، وقد كان موجوداً حالة الوصية، فهو يوصي به.
فإن أوصى بالجارية مطلقاً، وقضينا باشتمال الوصية على الحمل، فلو أوصى بعد ذلك بحملها لآخر، فإن رجع عن الوصية الأولى، ثبت الرجوع، واختص الموصى له الثاني بالحمل، وإن لم يرجع عن الوصية الأولى، ازدحمت وصيتان على الحمل، وكان هذا كما لو أوصى بعبدٍ لزيد، ثم أوصى به لعمرو، فالعبد بينهما نصفان.
وحساب المسألة يقام على قاعدة [العول] (1)، فهذه مسألة عالت [بكلها] (2) ويقتضي ذلك التنصيف.
7372 - ومما يتعلق بهذا المقصود أنه لو أوصى بحمل جاريةٍ، ثم تحققنا أنه لم يكن حالة الوصية حملٌ، ولكن الجارية علقت بعد الوصية، فليس الحمل الحادث موصىً به.
وإن تردد الأمر، فهو على القياس [المقدّم] (3) في الوصية للحمل.
7373 - ولو قال الموصي: أوصيت لك [بما] (4) ستحمل هذه في المستقبل، أو أَوْصى [بنتاجٍ اعتاده] (5) في المستقبل.
__________
(1) في الأصل: القول.
(2) في الأصل: وكلها. ومعنى عالت بكلها، أي ضعفها، أي بمثل الأصل.
(3) في الأصل: العدم.
(4) في الأصل: ما.
(5) كذا قرأناها بعد جهدٍ جهيد. فحمداً لله ملهم الصواب.

(11/123)


ضبطُ (1) المذهب في ذلك أن الوصية بمنافع الدار وغيرها في المستقبل جائزة وفاقاً -على ما سنعقد في ذلك فصلاً على أثر هذا، إن شاء الله عز وجل- وإن (2) كانت المنافع معدومة في الحال؛ لأن الشرع ألحق [توقّعَ] (3) الوجود منها حالاً على حال بتحقق الوجود في الأعيان، ولذلك صحت الإجارة، ومقصودُها المنافع التي ستكون.
فأما إذا أوصى بما سيكون من حمل، أو نتاجٍ، ففي صحة الوصية وجهان مشهوران: أحدهما - أنها تصح قياساً على المنافع.
والثاني - لا تصح؛ فإن ارتقاب وجود المنافع تباعاً ووِلاء في الاعتياد ملتحق بالحاصل الكائن، والنتاج والولد [أعيان] (4) لا يستند التوقع فيهما إلى ثبت واطراد في الاعتياد.
ولو أوصى لإنسان بالثمار التي ستكون في مستقبل الزمان، فلأئمتنا طريقان: منهم من ألحق هذه الوصية بالوصية بالنتاج المنتظر والحمل المتوقع؛ من جهة أن الثمار إذا وجدت، كانت أعياناً كالنتاج والولد، وليست كالمنافع؛ فإن المنافع في وجودها لا تبقى، فلا تعويل على وجودها؛ إذ لا ننالها بعد الوجود، ولو لم يكن التصرف متقدماً على وجودها، لم يُتصوّر فيها التصرف، والأعيان إذا وجدت، بقيت، فأمكن ارتقاب وجودها حتى يعتمدَ التصرفُ الوجودَ المستمر.
ومن أئمتنا من ألحق الثمار بالمنافع، فقطع بجواز الوصية بها، واستدل هؤلاء بأن قالوا: وجدنا في قبيل الثمار تصرفاً لازماً وارداً على الثمار المتوقعة، وهي المساقاة، فالتحقت الثمار لذلك بالمنافع، وليس في قبيل المعاملات ما يلزم على الحمل والنتاج في الاستقبال.
__________
(1) ضبط المذهب: حقه أن يكون بالفاء جواباً للشرط. ولكنه جعل الجواب مفهوماً، تقديره: فما الحكم؟ وجاءت هذه استئناف كلام.
(2) وإن كانت: متعلق بقوله: جائزة.
(3) في الأصل: يرفع.
(4) في الأصل: عيان.

(11/124)


وإن التفت ملتفتٌ إلى السّلم في الحيوان، فهو [منقطع عما] (1) نحن فيه؛ فإن معتمد السلم الذَّيْن الواقع في الذمة معلوماً بالوصف مقدوراً عليه عند توجه الطلب، وعلى الفقيه تكلف في الحكم بأن المسلم المتعين بالتسليم هو المسلَم فيه، ولولا أن سبيل تأدية الديون هذا، لقلنا: ليس المقبوض مسلماً فيه. والوصايا إذا أضيفت إلى نتاج [أغنام] (2) بأعيانها، فهي بعيدةٌ عن وضع السَّلَم؛ فإن التعيين والسلم يتنافيان.
7374 - ومما يتصل بتمام القول في ذلك [أنا] (3) إن منعنا الوصيةَ بما سيكون من حمل، أو أجزناها، ففي الوصية للحمل الذي سيكون تردد [ظاهرٌ للأصحاب] (4):
قال العراقيون: المذهب في ذلك المنع؛ فإن حق الوصية أن ترتبط بالموجود وتصح الوصية له حال الإنشاء، والعدمُ يضاد [الإثبات] (5). ولا تصح الوصية لكل ثابت فكيف تصح [لمن] (6) لا ثبوت له.
وحكَوْا عن أبي إسحاق المروزي أنه أجاز الوصية [لمن] (7) سيكون، وزيفوا مذهبه في ذلك.
وليس ما قاله أبو إسحاق بعيداً عندنا؛ من جهة أن الوقف يصح على من سيكون، إذا وَجَد الوقفُ مورداً في الحال، وهذا سبيل وقف الرجل على أولاده، وأولاد أولاده ما توالدوا، ولو كان الوقف منقطع الأول، وكان وروده على [متوقع] (8)، ففيه اختلاف قدمته في كتاب الوقف، والوقف من التصرفات الناجزة اللازمة، فإذا تطرق إليها خلافٌ في صورةٍ، فاللائق بالوصية القطعُ بصحتها فيها؛ فإن مبنى الوصية على
__________
(1) في الأصل: مقتطع ما نحن فيه.
(2) مكان كلمة لم نستطع قراءتها بعدُ، رسمت هكذا: (الحمام).
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: تردد الأصحاب ظاهر. والمثبت تقدير منا؛ فهو المعهود دائماً في عبارات الإمام.
(5) في الأصل: لا ثبات.
(6) في الأصل: إن.
(7) في الأصل: من.
(8) في الأصل: يتوقع.

(11/125)


التوقع، وإذا كان يستأخر القبول فيها عن الإيجاب، فليس الاستئخار بعيداً في وضعها.
وهذا نجاز القول في الوصية للحمل، والوصية بالحمل.
فصل
قال: " ولو أوصى بخدمة عبده، أو بغَلّة داره، أو بثمرة بستانه، والثلث يحتمله، جاز ذلك ... إلى آخره " (1).
7375 - اتفق الأئمة على صحة الوصية بمنافع الدور وغيرِها، من العقار، والعبيد، والدواب، وكلُّ منفعة يثبت استحقاقها بطريق الإجارة يصح الوصية بها، ثم أصل القول فيها أنها ليست إعارةً على قاعدتنا، ولذلك تلزم الوصية بها إذا اتصفت بالقبول، والعواري لا تلزم.
وأبو حنيفة رحمه الله (2) زعم أن الوصية بالمنافع في معنى الإعارة، ولكنها من حيث إنها تقع بعد موت المبيح تلزم؛ فإن الرجوع في العاريّة يثبت للمعير، وتنقطع العاريّة بموته، وابتداء الوصية يقع بعد [موت] (3) الموصي، فكان لزومها لذلك.
وليس الأمر على هذا الوجه عندنا؛ ولكن الإعارة لم تلزم؛ من جهة أنها نِحْلةٌ وهبة، وركنُ لزوم الهبات القبض، والقبض لا يلزم في المنافع؛ من حيث إنه لا يتحقق وجودها، والوصية [منيحة] (4) ولكنها لا تستدعي في تمامها الإقباضَ؛ فإنها تلزم بالقبول إذا وسعها الثلث في الأعيان من غير جريان القبض [فيها] (5).
وحقيقة المذهب في المنافع الموصى بها أنها [تصير] (6) ملكَ الموصَى له، كما أن
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 161.
(2) ر. البدائع: 7/ 352، والهداية: 4/ 252.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: منحية.
(5) في الأصل: منها.
(6) زيادة من المحقق.

(11/126)


الأعيان تصير ملكاً للموصى له، [وآية] (1) ذلك أنه ينفذ تصرفه في المنافع بالإجارة، والمستعيرُ لا يصح منه إجارة المستعار، والمنافع لا يستوفيها ملكاً، وإنما يستوفيها على حكم الإباحة، وهي قريبة الشبه من إباحة الطعام للضيفان.
ولهذا المعنى لم تكن العين الموصى بمنفعتها مضمونةً على الموصى له، بخلاف العين المستعارة؛ فإن المستعير لا يثبت له استحقاق في المنافع، والموصى له يستحق لها، على ما قدرنا مسالك الجمع والفرق في مسألة العارية.
فهذا بيان حقيقة الوصية بالمنفعة.
7376 - ثم إنا نذكر بعد هذا أصولاً في هذه القاعدة، ونذكر في كل أصل ما يتصل به؛ فإن شذت مسائل رسمناها فروعاً، على [دأبنا] (2) في أصول المذهب.
7377 - فممّا نرى تقديمَه القولُ في بيع العين الموصى بمنفعتها، فإن كانت المنفعة الموصى بها [مُقدّرةً] (3) مضبوطة بأمدٍ مضروبٍ، فالقول في جواز بيع [العين] (4) الموصَى بمنفعتها كالقول في بيع الدار المستأجرة؛ فإن الاستحقاق في المنفعة والاستيلاء على العين بسببها ثابتٌ في الموضعين، والاستحقاق مؤقت.
وإن أوصى الموصي بمنفعة عينٍ أبداً، فالوصية صحيحة، لم يختلف في صحتها علماؤنا وإن قال قائل: إنها مجهولة، فالجهل لا ينافي صحة الوصية، وإنما يراعَى الإعلام في [الأعواض] (5) والمعوّضات في عقود [المعاوضة] (6)، ثم العين الموصى بمنفعتها [أبداً] (7) لا يصح بيعها إذا لزمت الوصية، وتمت بالقبول، وفي الثلث.
هذا هو المذهب الظاهر.
__________
(1) في الأصل: رواية ذلك.
(2) في الأصل: رأينا.
(3) في الأصل: فقدره.
(4) في الأصل: العتق.
(5) في الأصل: الأعراض.
(6) في الأصل: المعارضة.
(7) في الأصل: إنه.

(11/127)


وذكر العراقيون من طريق التنبيه وجهاً عن بعض الأصحاب في تخريج بيع العين الموصى بمنفعتها أبداً على القولين، وصرح بنقل هذا الوجه الشيخ أبو علي في الشرح، وهذا بعيد؛ فإن العين مسلوبةُ المنفعة.
ووجهُه على بعده أن الملك في الرقبة لا يَنقُص [بها] (1)، وامتناع الانتفاع ينزل منزلة امتناعه بزمانة (2) العبد، ولم يختلف علماؤنا في جواز بيع العبد الزَّمِن، الذي لا انتفاع فيه.
وهذا ملتبس؛ من جهة أن المعتمد في منع البيع ثبوتُ يد مستحق المنفعة، وامتناعُ إزالتها، وهذا لا يتحقق في الزَّمِن.
والتعلق بالنكاح في توجيه الوجه البعيد أمثلُ؛ فإن النكاح معقود على التأبيد، ثم لا يمتنع به البيع في الرقبة.
7378 - وإذا جرينا على المسلك الأصح، وهو المنصوص عليه للشافعي، وصححنا الوصية بالثمار التي ستكون في المستقبل كتصحيحنا الوصيةَ بالمنافع، فتفصيل القول في بيع الأشجار الموصى بثمارها، كتفصيل القول في بيع العين الموصى بمنفعتها، [فالمقدّر] (3) من الثمار كالمقدّر من المنافع، والاستحقاق على التأبيد في الثمار يضاهي المنفعة المؤبدة في ترتيب المذهب في بيع الأعيان.
وكان شيخي أبو محمد يقطع القول بأن [الوصية] (4) بأولاد الأمة في مستقبل الزمان لا تمنع بيعها قولاً واحداً؛ فإن منافعها باقية، وولدُها ليس مما يؤثِّر ويقدح في تمام الملك في الرقبة، وكان [يتردّد] (5) في بيع المواشي الموصى بنتاجها، وصغْوُه الأظهر إلى صحة بيعها.
ويتجه عندي تصحيح بيع الأشجار الموصى بثمارها؛ فإن الذي يتجه اعتماده في
__________
(1) بها: أي الوصية بالمنفعة. وفي الأصل: منه.
(2) الزمانة: مرض يدوم، والاسم منها: الزمن. (مصباح).
(3) في الأصل: كالمقدّر.
(4) في الأصل: بأن الموجب.
(5) في الأصل: تردّدَ.

(11/128)


منع بيع العين الموصى بمنفعتها استيلاء المنتفع بها، [وإدامة] (1) اليد عليها، لا سقوطُ المنفعة؛ فإنا لو اعتمدنا سقوطَ المنفعة، لترددنا في بيع المعضوب (2) الزَّمِن، ولا تكاد تثبت اليدُ على الأشجار للموصى له بثمارها؛ فإنه [يبغي] (3) ثمارها إذا برزت الثمار، ولا تطّرد يده اطراد يد الموصى له بالمنفعة والمستأجر، وهذا بمثابة النكاح؛ فإن الزوج وإن كان يستحق [الاستخلاء] (4) بزوجته الأَمة لقضاء الوطر منها، فليست يده يد استيلاء، ويد السيد أغلب وأعلى من يده.
فانتظم [مما] (5) ذكرناه تردّدُ الأصحاب في المنافع، كما تفصل المذهب فيها، والقطعُ بأن الوصية بولد الجارية [لا تمنع] (6) بيعها، وفي المواشي الموصى بنتاجها تردّدٌ [للأصحاب، ونزَّلوا] (7) الأشجار الموصى بثمارها منزلة الأعيان الموصى بمنافعها، وفي ذلك شيء نبهت عليه.
7379 - ومما يتعلق بهذا الأصل أن ابن الحداد قال: إذا أوصى رجل لرجل بدرهم من غلّة [داره] (8)، وكانت أجرة الدار مائة درهم، فإذا كانت الوصية [مؤبّدة] (9)، امتنع البيع في جميع رقبة الدار؛ جرياً على الأصح في أن التأبيد يمنع البيع، وغرضه بذكر هذه الصورة أن يبيّن أن البيع ينحسم في جميع الدار، وليس للقائل أن يقول: ينبغي ألا يمتنع البيع إلا فيما [يُدرّ] (10) مقدارَ الدرهم من الدار؛ فإن الدار قد ترجع غلتها إلى مقدار درهم، وهذا من قول ابن الحداد دليل على امتناع بيع الأشجار
__________
(1) في الأصل: وامه.
(2) المعضوب: الذي لا حراك به عجزاً وزمانة (مصباح).
(3) مكان كلمة لم نُساعد على قراءتها بعدُ، رسمت هكذا " معى ".
(4) في الأصل: الاستخلال.
(5) في الأصل: ما.
(6) في الأصل: لا يقع.
(7) في الأصل: تردد الأصحاب تركوا الأشجار ... إلخ.
(8) في الأصل: دايرة.
(9) في الأصل: مرتدة.
(10) في الأصل: بعد.

(11/129)


الموصى بثمارها؛ فإنه فرض [مسألته] (1) في الوصية بالولد، ولم يفرضها في إثبات حق الانتفاع [الذي] (2) يستدعي استيلاء يده على رقبة الدار.
هذا تمام الغرض في هذا الركن.
7380 - ومن أركان الفصل القولُ في كيفية اعتبار خروج المنفعة الموصى بها من الثلث، فنقول: هذه الوصية معتبرةٌ من الثلث اعتبار غيرها، فالموصي وإن كان خلّف على ورثته تركته، فالمنافع التي ستوجد بعد وفاته ملحقة في اعتبار الوصية بها من الثلث، باعتبار التركة، [فلينتبه] (3) الناظر عند ذلك.
وقد نقول: منافع أعيان التركة ليست من التركة، حتى لا يتعلق بها قضاء الديون [وتنفيذ] (4) الوصايا، ولعلنا نذكر تحقيق ذلك في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
وسبب هذا أن الوصية بالمنافع [تنقُص] (5) قيمةَ الأعيان، وتؤثر [فيها] (6) أثراً بيّناً.
فهذا وجه عدّ الشرع [المنافع] (7) من الثلث، وأيضاً، فإن ما أدخله من المنافع في تصرفه صار كالناجز المحصل، فإذا أوصى بها، فكأنها حصلت.
7381 - فإذا وضح بالتنبيه الذي ذكرناه [الأصلَ المجمعَ] (8) عليه، وهو اعتبار الوصية بالمنافع من الثلث - فالكلام بعد هذا في بيان ما يحسب من الثلث، والوجه أن نقسم القول، فنقول:
الوصية لا تخلو إما أن تقع على التأبيد، وإما أن تقع على التأقيت؛ فإن وقعت على
__________
(1) في الأصل: مسألة.
(2) في الأصل: التي.
(3) كذا قرأناها بصعوبة وقدرٍ كبير من التوسم.
(4) في الأصل: "فتنفيذ".
(5) في الأصل: يقتص.
(6) في الأصل: بها.
(7) في الأصل: بالمنافع.
(8) في الأصل: لأصل الجميع.

(11/130)


التأبيد، والتفريعُ على الأصح، الذي هو الأصل في أن الوصية بالمنفعة على التأبيد إذا لزمت، [امتنع] (1) منها بيع العين.
فإذا فرعنا على هذا، فقد اختلف أئمتنا فيما يعتبر خروجه من الثلث، فمنهم من قال: المعتبر خروجُ قيمة العين من الثلث؛ فإنها مسلوبة المنفعة في جهة الوصية، والتصرفات ممتنعة على الورثة بحيلولةٍ دائمةٍ، وكأن العين مستهلكة [من] (2) حقوقهم، وكأن الوصيةَ واقعةٌ بالرقبة.
ومن أصحابنا من قال: تعتبر قيمةُ المنافع وخروجُها من الثلث؛ فإنها الموصى بها، والسبيل في اعتبارها أن نقول: هذا العبد كم يساوي مع وفور المنفعة؟ فيقال: مائة، فنقول: كم قيمته، وهو مستحق المنافع؟ فيقال: عشرة، فنتبين أن قيمة المنفعة تسعون.
فهذا وجهُ الوصول إلى معرفة قيمة المنفعة، ومعنى اعتبارها من الثلث.
التفريع على الوجهين:
7382 - إن اعتبرنا خروج الرقبة من الثلث، فلا كلام، ومعنى اعتبار الرقبة اعتبار خروج قيمتها موفورةَ المنافع.
فإن قلنا: الاعتبار بخروج قيمة المنفعة من الثلث، على ما أوضحنا معنى ذلك، فالمقدار الذي يُفرض قيمةَ الرقبة وهي مسلوبة المنفعة هل يحسب على الورثة من التركة أم لا يحسب عليهم؛ فعلى وجهين ذكرهما العراقيون: أحدهما - أنها محسوبة على الورثة من التركة؛ فإنها حقهم وملكهم استحقوها إرثاً.
والوجه الثاني - أنها لا تحتسب من مقدار الوصية؛ فإن الموصى بها المنفعة، ولا تحسب على الورثة، لوقوع الحيلولة المؤبدة بينهم وبينها (3).
هذا أصل القول فيما يحتسب من الثلث، إذا كانت المنافع مؤبدة في مقتضى الوصية.
__________
(1) في الأصل: انتفع.
(2) في الأصل: في.
(3) أي لا تحسب على هؤلاء، ولا على هؤلاء، هذا هو الوجه الثاني.

(11/131)


وعلينا في ذلك بقية سنذكرها، إن شاء الله عز وجل إذا تكلمنا في الوصية المؤقتة، فنقول:
7383 - قدمنا التفصيل في أن الموصى بمنفعته على التأقيت هل يجوز بيعه؟ فإن قضينا بجواز بيعه، فلا خلاف أن المحتسب من الثلث أجرة المنافع لا غير.
وقد يعترض في هذا المنتهى إشكال؛ فإن المنافع ليست بتركةٍ على الحقيقة -كما نبهنا عليه- فكان يجب أن نجعل الموصي بالمنافع في حكم من لم يتصرف في التركة، وهذا غير سديد؛ فإنه لو كان كذلك، [لانتفت] (1) الوصية بالمنفعة رأساً؛ فإنها تصرفٌ في حق الورثة، فإذا نفذنا الوصية، دلّ [ذلك على] (2) أن المنافع ملحقةٌ بالتركة في هذه القضية، وأيضاً، إن الوصية بالمنفعة تؤثر في قيمة العين، وتقلل الرغبة فيها. هذا إذا قلنا: الوصية المؤقتة لا تمنع البيع.
فأما إذا قلنا: الوصية المؤقتة تمنع بيعَ العين ما دامت، فلأئمتنا طريقان: منهم من قطع بأن المحتسَب من الثلث قيمة المنافع، ومنهم من خرّج المسألة على وجهين، كالوجهين المقدّمين في الوصية بالمنفعة على التأبيد.
أحدهما - أنا نعتبر خروج قيمة الرقبة لمكان الحيلولة الواقعة في [الحال] (3) ولا ننظر إلى توقع انقضاء الحيلولة بانقضاء المدة المضروبة.
والوجه الثاني - أن الذي يعتبر خروجُه المنافعُ، ولا مبالاة بالحيلولة الناجزة في العين إذا كانت عرضة الزوال.
فإن قيل: هلا جعلتم الحيلولة الواقعة في العين [بمنزلة] (4) الحيلولة الحاصلة في الثمن [بالأجل] (5) المضروب [فيه] (6)، حتى تسلكوا بهذا مسلك البيع بالثمن
__________
(1) في الأصل: لانتفعت.
(2) ساقط من الأصل.
(3) في الأصل: الحالة.
(4) في الأصل: منزلة.
(5) في الأصل: بالأصل.
(6) في الأصل: قيمة.

(11/132)


المؤجل؟ قلنا: هذه الحيلولة، مع حصول العين، وتوقع الزوال لا مبالاة بها؛ فإنا لا نعرف خلافاً في أن المريض إذا أجّر داره بأجرة مثلها، والتفريع على أن الدار المستأجرة لا تباع، فلا نقول: إذا مات المكري في أثناء المدة نبيع [عقاره] (1) بالنقص؛ فإن الإجارة من عقود الغبطة، وكان أوقع حيلولةً [بعوض] (2).
ولو باع عَيْنَه بعوض، لنفذ فيه، فلا فرق إذاً بين الإجارة، وبين الوصية بالمنفعة [إلا أن] (3) الإجارةَ معاوضة، والوصية تبرّع، ثم حق ما كان تبرعاً أن يحتسب من الثلث؛ فإنّ الثلث يستحق للمريض لا يعترض عليه فيما يوقعه [فيه] (4).
هذا بيان أصل المذهب في أنَّ المحتسب من الثلث [ماذا؟] (5) قيمة المنفعة أو قيمة العين في الوصية المؤقتة والمؤبدة.
7384 - ومما نستكمل به بيان هذا الفصل أن الثلث إذا ضاق عن احتمال الوصية بالمنفعة، واقتضت الحالُ، رَدَّ الوصية إلى الثلث، ففي كيفية ردها كلام، نحن نفصّله، فنقول:
إن كانت الوصية بالمنفعة مؤقتةً، [كأن] (6) أوصى بخدمة عبده عشر سنين، فقد ذكرنا أن الاعتبار بخروج المنافع من الثلث، فعلى هذا إذا كان العبد يساوي مائة، وما كان خلّف سواه شيئاً، فنقول: منافعه عشرَ سنين كم تساوي؟ فإن قيل: إنها تساوي ثُلُث المائة، والعبد الآن دون منافعه في العَشْر يساوي ثلثي المائة، فالوصية منفّذة؛ فإنها خارجة في الثلث والثلث [وافٍ] (7) بها.
وإن كانت المنافع في عشر سنين تساوي خمسين، والعبد مع استحقاق منافعه في
__________
(1) في الأصل: عقده.
(2) في الأصل: بعرض.
(3) في الأصل: الآن.
(4) في الأصل: توقعه عنه.
(5) في الأصل: فإذا.
(6) في الأصل: وكان.
(7) في الأصل: داقر.

(11/133)


العشر يساوي في الحال خمسين، فلا بد من ردّ الوصية إلى الثلث، وقد اختلف أصحابنا في كيفية ردها، فمنهم من قال: ننقص من المدة ونردها إلى قدر الثلث، ويكون جميع العبد مستحَق المنفعة في أقلَّ من المدة التي ضربها، على ما يقتضيه الحساب.
والوجه الثاني - أنا لا ننقص من المدة، ولكن ننقص من الرقبة، فنقول: إذا كان الثلث لا يفي باستحقاق جميع منفعة العبد عشرَ سنين، وكان يفي باستحقاق منفعة ثلثي العبد، أو ما يتفق عشْرَ سنين، فنرد الأجرة (1) إلى بعض الرقبة في تمام المدة، ولا ننقص من المدة شيئاً.
وارتضى الشيخ أبو علي هذا الوجهَ، وذلك أن المدة قد تختلف أجرتها، فلو نقصنا من المدة، وقعنا في جهالة يتعذر ضبطها.
ويمكن أن يقال: هذان الوجهان متعلّقان بأن البيع هل يُمنع في الرقبة لمكان الوصية؟ فإن قلنا: إن البيع لا يمتنع في الرقبة، فينقدح خروج الوجهين لما ذكرناه في الوجه الثاني [الذي] (2) اختاره الشيخ. وإن قلنا: البيع يمتنع في الرقبة، فالظاهر ردّ الأجرة، وأن [ننقص] (3) الرقبة حتى ترتفع الحيلولة عن بعضها (4)، وينطلق [فيه] (5) تصرف الورثة، وكل ذلك على أن المعتبر خروج المنفعة من الثلث، فإذا اعتبرنا خروجَ الرقبة، فلا يخفى أنا نرفع الحيلولة عن ثلثي الرقبة إذا لم يخلِّف غيرَها.
وكل ما ذكرناه فيه إذا كانت الوصية بالمنفعة مؤقتة.
7385 - فأما إذا كانت الوصية بالمنفعة مؤبدة، والتفريع على الأصح، وهو امتناع البيع في الرقبة، فلا يتجه في هذا القسم إذا طلبنا ردّ بعض الوصية إلا تبعيضَ الأمر في
__________
(1) الأجرة: المراد قيمة المنفعة وتقديرها.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: نقص.
(4) ترتفع الحيلولة عن بعضها: المعنى أن نجعل الوصية بمنافع جزء من الرقبة، لا كل الرقبة، مثل خمسة أسداسها أو نحو ذلك.
(5) في الأصل: قيمة.

(11/134)


الرقبة؛ فإنا إن اعتبرنا خروج الرقبة من الثلث، لم يخف ذلك، وإن اعتبرنا خروج المنفعة، فالمنفعةُ مؤبدة، لا نهاية فيها، ولا ضبط لها، ولا يمكن التصرف [فيها] (1) بالتبعيض، ولا وجه إلا تبعيض الوصية على الرقبة؛ حتى تثبت على التأبيد في بعض الرقبة، على ما يقتضيه الحساب.
هذا تمام البيان في معنى احتساب هذه الوصية من الثلث، ونحن نختتمه بذكر سؤالٍ على وجه ضعيف وجواب عنه فنقول:
7386 - إذا فرعنا على الوجه الضعيف في أن الوصية بالمنفعة على التأقيت توجب احتساب الرقبة [من] (2) الثلث، فإذا كان أوصى بمنفعة عبده سنةً، ولم يكن له مالٌ غيرُ العبد، فالذي يقتضيه التفريع على الوجه الضعيف ردُّ الوصية إلى ثلث العبد ورجعها عن الثلثين.
فإن قيل: إذا انقضت المدة، انطلق الحجر عن جميع الرقبة، واستمكن الورثة من جميع الرقبة، فلا تقع الوصية ثلثاً، وليس كان ينقدح ذلك في الوصية المؤبدة، من حيث إن الوصية المردودة إلى [الثلث مردودة إلى] (3) ثلث العبد متأبداً، وتنزل منزلةَ وقف جزء من العبد، وتحبيسه، [وهذا] (4) لا اتجاه له، والوصيةُ مؤقتة.
قلنا: هذا يُضعف هذا الوجهَ، ويبين [سقوطه] (5).
ثم الممكن في توجيه [هذا] (6) الوجه أن الوصية بالمنفعة المؤقتة مقصودُها تمكّن الموصى له من المنفعة مدة معلومة، ثم اقتضى وقوع الحيلولة ردّ الاعتبار إلى الرقبة، فإذا انقضت المدة التي ضربها الموصي، فقد انقضى ثلث مقصوده، وكأن هذا القائل لا ينظر إلى القيمة، وإنما يثلّث المنحة في نفسها بفضِّها على أجزاء العبد، فلئن انطلق
__________
(1) في الأصل: منها.
(2) في الأصل: عن.
(3) زيادة اقتضاها السياق.
(4) في الأصل: فهذا.
(5) في الأصل: سقوط.
(6) ساقطة من الأصل.

(11/135)


الحجر عن العبد، فهذا انطلاق على حسب مقتضى الوصية.
والذي ذكرناه لا ثبات له؛ فإن الوصايا تعتبر من الثلث على قياس القيم وأقدارها، وهذا النوع من التثليث لا ينتظم فيه اعتبار القيمة أصلاً؛ فإنا اعتبرنا قيمة الرقبة وثبتنا التثليث عليها، ثم الثلث المصروف إلى الوصية استرددناه، ورددناه إلى الورثة.
وقد نجز المقصود.
7387 - ومما يعد من أركان الفصل القول في نفقة العبد الموصى بمنفعته.
حاصل ما ذكره الأصحاب أوجه: أصحها - أن نفقة العبد تجب على الورثة؛ فإن ملك الرقبة لهم، والنفقة تتبع ملك الرقبة إذا لم تثبت عوضاً في عقد، وهذا احتراز عن نفقة النكاح؛ فإنها بنيت على مضاهاة الأعواض، ولا ينظر إلى خروجها عن الضبط؛ فإنها تعارض (1) معوضاً خارجاً عن الضبط، وهو منفعة البضع.
هذا ظاهر المذهب في نفقة العبد الموصى بمنفعته.
ومن أصحابنا من قال: النفقةُ على الموصى له بالمنفعة، وهذا الوجه حكاه صاحب التقريب، ووجهه تشبيه استحقاقه المنفعة باستحقاق الزوج منفعة البضع.
وهذا رديء، لا اتجاه له، والذي أرى القطعَ به تخصيصُ حكاية هذا الوجه بالوصية المؤبدة، فإنها إذا كانت مؤقتة، كان العبد الموصى بخدمته بمثابة العبد المستأجر، ثم نفقة العبد المستأجر على المالك، ثم [بنى] (2) صاحب التقريب فِطرة العبد على الخلاف في النفقة؛ فإن الفطرة تتبع النفقة، فإن أوجبنا نفقةَ العبد على الورثة، فعليهم زكاة فطره، وإن أوجبناها على الموصى له، فعليه زكاة فطره.
وذكر العراقيون وجهاً ثالثاً في النفقة، فقالوا: نفقة العبد تتعلق بكسبه [وحق] (3) الموصى له وراء عمل العبد في تحصيل [مؤنته] (4). ثم قالوا: إن عجز العبد عن
__________
(1) تعارض: المعنى تقابل وتساوي.
(2) في الأصل: بين.
(3) في الأصل: وعن. وهو تصحيف خفي لم ندركه إلا بفضل من الله بعد معاناة شديدة.
(4) في الأصل: مؤنة.

(11/136)


الكسب، فصاحب هذا الوجه لا يوجب نفقته على الورثة، ولا على الموصى له، بل يوجبها في بيت المال.
وهذا فيه ضعف؛ من جهة أن صرف نفقة [المملوك] (1) على بيت المال مع استظهار (2) المالك وبقائه بعيدٌ، وكان لا يبعد في قياس هذا الوجه أن يقال: النفقة تتعلق بالكسب، فإن لم يكن، انقلب وجوبُها إلى الوارث، أو إلى الموصى له.
فإن قيل: لم تذكروا متعلق الوجه الذي حكاه صاحب التقريب سوى التحكم بالتشبيه بالنكاح. قلنا: ذاك وجهٌ بعيد لا يتوجه، ثم الذي يظهر التعلّقُ به أنا لو صرفنا المنفعة إلى الموصى له أبدأ، [وصرفنا] (3) كلّ العبد ومؤونته على الوارث، لثقل وقع ذلك، وانضمّ إلى الحيلولة غُرم النفقة. وليس هذا كنفقة العبد المستأجر؛ فإن المكري اعتاض عوضاً من المنفعة، وعوض المنفعة في موجب العادة يقابل احتمال النفقة، وقد يظهر مع هذا التنبيه طردُ ذلك الوجه الضعيف في الوصية المؤقتة بالمنفعة.
ثم ما ذكرناه في النفقة يطّرد في الكسوة، وفي جملة المؤن الواجبة على المالك في [مملوكه] (4).
7388 - ومما [يُعد] (5) من أركان الفصل الكلام في الجناية على هذا العبد، وفي جنايته.
ونحن نبدأ بالجناية عليه، والقول فيه ينقسم إلى الكلام في [قتله] (6)، وإلى الكلام في الجناية على أطرافه.
__________
(1) في الأصل: المملوكة.
(2) استظهار: معناها هنا قدرة.
(3) في الأصل: وضربنا.
(4) في الأصل: مملوك.
(5) في الأصل: يعمل.
(6) في الأصل: مثله.

(11/137)


فإن قتله قاتل قتلاً يوجب المالَ، التزم قيمتَه، وفيمن تصرف إليه القيمة اضطرابٌ للأصحاب:
فذهب ذاهبون منهم إلى أن القيمة مصروفةٌ إلى الورثة، وقد بطلت الوصية، وانقطعت؛ فإن الموصى له كان يستحق منفعته ما دام حياً، فإذ قتل، فقد [انتهت] (1) الوصاية به نهايتها، كما ينتهي النكاح بموت [الزوجة] (2) وقتلها؛ [فالقيمة] (3) تسلم إلى مالك الرقبة، وهو الوارث.
ومن أصحابنا من قال: نصرف [تلك] (4) القيمة إلى [شراء] (5) عبدٍ ونقيمه [خادماً] (6) للموصى له بالخدمة، حتى نكون مقيمين [لحق] (7) مالك الرقبة [ولحق] (8) مالك المنفعة.
وأبعد بعض أصحابنا، فزعم أن القيمة مصروفةٌ إلى الموصى له بالمنفعة، وزعم هذا القائل أن هذا الوجه يخرّج على اعتبار خروج قيمة الرقبة من الثلث، فإذا كنا نعتقد ذلك، فكأنا اعتقدنا كونَ العبد مستوعباً بحق الموصى له؛ فإذا قُتل، صرفنا القيمة إلى من اعتبرنا خروج القيمة من الثلث في حقه، ولا شك أن هذا الوجه إن صح النقلُ فيه إنما يجري إذا كان العبد موصىً [بمنفعته] (9) أبداً.
والوجه الثاني [المذكور] (10) قبل هذا، يجري مع تأقت الوصية؛ فإن صاحب
__________
(1) في الأصل: انبنت. وقد سوغّ لنا التغييرَ رعايةُ المزاوجة التي يريدها الإمام في عبارته: انتهت .. نهايتها.
(2) في الأصل: الوصية. وهو تصحيف قريب، بل هو سبق قلم في الواقع.
(3) في الأصل: بالقيمة.
(4) في الأصل: ملك.
(5) سقطت من الأصل.
(6) في الأصل: "حال ما" كذا تماماً (انظر صورتها) وتأمل هذا التصحيف، وكيف الوصول -بفضل الله - إلى سرِّه، وحقيقته.
(7) في الأصل: بحق.
(8) في الأصل: ونحن.
(9) كذا قرأناها بصعوبة (انظر صورتها).
(10) في الأصل: المدرك.

(11/138)


ذلك الوجه يرى شراء عبد بتلك القيمة، ثم إذا مرّت المنفعة وانقضت المدة، خلصت الرقبةُ ومنفعتها للوارث.
فإن قيل: أليس العبد المستأجر إذا قتل في أثناء المدة، ارتفعت الإجارة في بقية المدة، فما الفرق بين الإجارة وبين الوصية المؤقتة؟
قلنا: الإجارة عقد معاوضة، وإذا لم يَسْلَم فيه المعقود عليه [إن تملكه] (1)، فحكم [المعاوضة] (2) الانفساخ، ثم إنه [يرجع] (3) بقسط من [العوض] (4) ولا [تبعض] (5) في الوصية، فلو قطعناها، لكان ذلك إحباطاً (6) لحق الموصى له.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً رابعاً من أصل المسألة وقال: القيمة [تُفضُّ] (7) على المنفعة [به، وعلى] (8) الرقبة، [وهي مسلوبة المنفعة] (9)، فينصرف ما يخص المنفعة إلى الموصى له، وما يخص الرقبة إلى الوارث، وسبيل تقويم المنفعة [إن] (10) كانت مستحقة على التأبيد أن يقال: منفعة هذا العبد كم تساوي؟ والعبد مسلوب المنفعة كم يساوي؟ فإن قيل: كيف يتأتى تقويم المنفعة، [وهي] (11) مجهولةُ المقدار؟ قلنا: سبيل [تقويم المنفعة سبيل] (12) تقويم الرقبة؛ فإن قيمة الرقبة تتعلق برجاء البقاء، ولو علم طالب الرقبة أنها فائتةٌ على القرب، لم يرغب فيها، ثم القيمة معلومةٌ
__________
(1) كذا تماماً. ولم نساعد على قراءتها. ولعلها: "لمن يملكه".
(2) في الأصل: المعارضة.
(3) في الأصل: رجع.
(4) في الأصل: العرض.
(5) كذا قرأناها بصعوبة. (انظر صورتها).
(6) إحباطاً: إهداراً (المصباح).
(7) في الأصل: تفيض.
(8) في الأصل: فيه على.
(9) في الأصل: " وهي مسئلة به المنفعة " وهو تصحيف بالغ الخفاء، أُلهمنا من فضل الله قراءته، (وانظر صورة هذه الجملة).
(10) في الأصل: وإن.
(11) في الأصل: وقال.
(12) زيادة اقتضاها السياق.

(11/139)


مع تردد في طرفي البقاء، فكذلك القول في المنفعة.
ويتأتى [تقويم] (1) المنفعة على وجهٍ آخر، قدمنا ذكره في فصل الخروج من الثلث، فنقدر العبد منتفعاً به، فنضبط قيمته، ثم نقومه مسلوب المنفعة، فالقدر الذي ينحط مع تقدير الانتفاع قيمةُ المنفعة.
وما ذكرناه فيه إذا قُتل العبد قتلاً يوجب المال.
7389 - فإن قتل قَتْلَ قصاص، فقد أجمع أئمتنا على أن المالك -وهو الوارث - يثبت له حق طلب القصاص، وإذا اقتص من القاتل، سقطت الوصية، وصار كما لو مات العبد الموصى بمنفعته حتف أنفه.
وأبعد بعض أصحابنا، فأثبت للموصى له حقَّ طلب القصاص، وهذا غلطٌ غيرُ معتد به؛ فإن طلب القصاص [والقتيل] (2) مملوك من خواص أحكام ملك الرقبة، وإنما غلِط هذا القائل [من] (3) مصير بعض الأصحاب إلى صرف القيمة بكمالها إلى الموصى له بالمنفعة، وهذا لا [متعلَّقَ به] (4)؛ فإن القيمة قد تصرف إلى حق من لا يطلب القصاص، كالمرتهن إذا قتل العبد المرهون في يده.
هذا كله إذا كانت الجناية على نفسه.
7390 - فأما إذا قطع الجاني يدَ العبد، فقد ظهر اختلاف أصحابنا في مصرف الأرش، فقال قائلون: الأرش مصروف إلى الوارث؛ فإنه بدل الطرف الفائت، والطرف ملكُ مَن الرقبة ملكه.
وحكى صاحب التقريب وجهاً آخر: وهو أنا ننظر إلى ما انتقص من المنفعة، وإلى ما انتقص من قيمة الرقبة، فنفضّ الأرش عليهما، ونصرف ما يجبر نقصانَ الرقبة إلى الوارث، وما يخص نقصان المنفعة إلى الموصى له بالمنفعة. وإذا اعتبرنا نقصان
__________
(1) في الأصل: تقوّم.
(2) في الأصل: القتل.
(3) في الأصل: في.
(4) في الأصل: لا يتعلق فيه.

(11/140)


القيمة، نظرنا إلى قيمة عبد مسلوب المنفعة، ونسبنا النقصان إليه، وهذا الوجه هو الذي حكيناه في الجناية على النفس.
وصار صائرون إلى أن ما يقابل المنفعة من القيمة مصروف إلى الموصى له بالمنفعة، وما يقابل الرقبة منها مصروف إلى الوارث.
ولم يصر أحد إلى صرف تمام الأرش إلى الموصى له بالمنفعة، وإن [ذُكر] (1) في القيمةِ والجنايةُ على النفس.
ولم ير أحدٌ صرف الأرش إلى عبدٍ أو شقصٍ من عبد، حتى يستحقه الموصى له بالمنفعة.
هذا قولنا في الجناية على العبد الموصى بمنفعته.
7391 - فأما التفصيل في جناية العبد الموصى بمنفعته، فنقول: إذا كان هو الجاني، وجنى جناية مذهبها المال، فالأرش يتعلق برقبته، وحق الموصى له لا يمنع من ذلك، كما أن ملكَ المالك، وحقَّ المرتهن لا يمنع من تعلق الأرش بالرقبة، ثم إن فداه الوارث، وتخلّصت الرقبة، فحق الموصى له بالمنفعة قائم كما كان، وإن امتنع الوارث من فدائه لم يلزم الفداء، ولكن يباع العبد إن مست الحاجة إلى بيع جميعه.
فإن قيل: هلا قلتم يمتنع بيعُه لأنه مسلوب المنفعة؟ قلنا: حق الأرش مقدّم على حق الموصى له، وهذا كما أن المرهون لا يباع دون إذن المرتهن، وإذا جنى بيع، وأُبطل حق المرتهن.
فإن قال الموصى له عند امتناع الوارث من الفداء: أنا أفديه، فإن قبل المجني عليه الفداء، فلا كلام؛ فإن الأجنبي لو فدى العبد الجاني وقبله المجني عليه، انفلت [من] (2) الجناية، وإن قال المجني عليه: لست أقبل الفداء، فقد ذكر الأصحاب
__________
(1) في الأصل: وإن ذكروا.
(2) ساقطة من الأصل.

(11/141)


وجهين في أنه هل يجبر على قبول الفداء؟ أحدهما - لا يجبر كالأجنبي؛ فإنه لا حق له في الرقبة، والأرش يتعلق بالرقبة.
والوجه الثاني - يجب قبول الفداء فيه؛ [فإن في فداء العبد فداء حقه] (1)، وفي بيعه انقطاع حقه.
وقد أجرى الأصحاب هذين الوجهين في العبد المرهون إذا جنى، وامتنع الراهن من فدائه، وأراد المرتهن أن يفديه، حتى لا ينفك حق [استيثاقه] (2)؛ [ففيه] (3) الوجهان اللذان ذكرناهما في الموصى له، ولعل تصحيح الفداء من المرتهن أوْجَهُ؛ لأن حقه متعلق بالعين، ولهذا تصرف قيمة المرهون إذا أُتلف إليه من غير تردد، وفي قيمة العبد الموصى بمنفعته إذا قُتل ما ذكرناه.
7392 - ومما يعدّ من قواعد الفصل التفصيلُ فيما يملكه الموصى له بالمنفعة، وفي تصرفاته [بمنافع] (4) البدن، فلا شك أنه يملكها، وبنى الأصحاب عليه أنه لو احتطب أو احتش، أو صاد، فهذا الاكتسابُ للموصى له بالمنفعة، ولو كان محترفاً، فأجر أعماله له.
فإن اكتسب [كسباً] (5) نادراً مثل أن يهب منه إنسان شيئاً فيتّهبه، ففي هذا الفن وجهان مشهوران: أحدهما - أنه لا يستحقه الموصى له، وإنما [يستحقه] (6) الوارث بحق ملك الرقبة.
والثاني - أنه يستحقه الموصى له بالمنفعة.
هكذا أطلق الأصحاب الخلاف، وهو يحتاج إلى فضل بيان، فالاتهاب ليس مما يتعلق بعمل العبد، فالوجه في تنزيل الخلاف والوفاق أن نقول: كل كسب يحصّله
__________
(1) عبارة الأصل: كان في بناء العبد بناء حقه.
(2) في الأصل: استئنافه.
(3) في الأصل: فيه.
(4) في الأصل: بما منافع البدن.
(5) في الأصل: أكساباً.
(6) في الأصل: يستحق.

(11/142)


عملٌ، فهو للموصى له بالمنفعة، وكل كسب لا يحصله ما [يعدّ من الأعمال] (1) [كذلك العبد الذي اتهب] (2)، ففيه خلاف: من أصحابنا من قال: هذا لا [يعاوضه] (3) عمل، ولا يقتضيه نوعٌ من المنفعة، بل التغليب فيه لهبة الواهب، فيجب صرفه إلى مالك الرقبة.
فإن أردنا في ذلك ضبطاً، [فكل] (4) ما يمتنع على العبد من أعماله، حتى يراجع مولاه، فهو المنفعة التي يتعلق بها الاستحقاق، فأما قوله وحكمه، فمما لا يحتاج العبد في إطلاقها إلى مراجعة مولاه.
هذا قاعدة المذهب.
ثم الذي ذكره العراقيون [أن] (5) منفعة البضع تدخل تحت مطلق الوصية بالمنفعة؟ وبنَوْا عليه أن الجارية الموصى [بمنفعتها] (6) لو وطئت بشبهة، فالمهر للموصى له بالمنفعة، هذا هو [المعتدّ به] (7) ولا شك أن قياس المراوزة يخالف هذا؛ فإن منفعة البضع مما لا يصح الوصية به، فلا يتعلق الاستحقاق بمنفعة البضع بنحلةٍ وهبةٍ إذا بقي الملك في الرقبة للواهب المتبرع، فيجب ألا يدخل تحت الوصية بالمنفعة إلا المنفعةُ التي تستباح بالإعارة، وتستحَق بالإجارة.
ثم ترقى بعض الأصحاب من منفعة البضع إلى الكلام في الولد، فذكروا وجهين في أن الجارية الموصى بمنفعتها لو أتت بولد رقيقٍ، فالملك فيه للوارث، أو للموصى له.
وهذا خرّجوه على أن [استفادة] (8) الولد فيها [كاستفادة] (9) الأكساب، واشتمال الرحم على المولود كاشتمال الشبكة على الصيد.
__________
(1) في الأصل: ما بعد من الأعمار.
(2) في الأصل: كترك العبد اتهب.
(3) في الأصل: "يعارضه".
(4) في الأصل: وكل.
(5) سقطت من الأصل.
(6) في الأصل: منفعتها.
(7) كذا قدرناها (انظر صورتها).
(8) في الأصل: استعارة.
(9) في الأصل: كاستعارة.

(11/143)


وهذا في نهاية البعد؛ فإن الولد يعد في وضع الشرع جزءاً من الأم لا يملكه إلا من ملك الأمَّ، إلا أن تفرض الوصية ناصّةً على الأولاد، فيخرّج القول حينئذٍ على الاختلاف في الوصية بالأولاد في الاستقبال، والوصية بالثمار.
وذكر بعض أصحابنا الولدَ على وجهٍ آخر، فقالوا: الولد المملوك ملكُ الوارث، ولكن هل يصير الموصى له بالمنفعة مستحِقاً لمنفعة الولد، كما أنه مستحق لمنفعة الأم؟ فعلى وجهين: وهذا [أبعد] (1) من الخلاف المحكي في صرف ملك الولد إلى الموصى له بالمنفعة؛ فإن ذلك على بعده محمول على التشبيه بالعبد، والخلاف في منفعة الولد مع تسليم الملك فيه للوارث، لا اتجاه له على مذهب الشافعي رضي الله عنه؛ فإنه لا يُتبع الولدَ الأمَّ في هذه الأشياء، ولذلك لم يحكم بتعدِّي الرهن من الأم إلى الولد، وقد سبق استقصاء القول فيما نُتبع الولدَ فيه الأصلَ، وفيما لا نتبع، وفيما يُختلف فيه.
7393 - ومما يتعلق بتمام القول في هذا الفصل الكلامُ في وطء الجارية الموصى بمنفعتها، فالذي ذكره الأئمة المعتبرون في نقل المذهب أن وطأها محرم على الوارث؛ من جهة أن الوطء يسبب العلوقَ، والعلوقُ يُفضي إلى [الطَّلْق] (2)، وهو من أسباب الهلاك، والحملُ ناجزاً يؤثِّر في تنقيص المنفعة.
ولم يختلف علماؤنا في تحريم وطئها على الموصى له، ومَنْ ذهب إلى أن عُقرها إذا وُطئت بشبهة مصروف إلى الموصى له، لم يخالف في تحريم وطئها عليه. وهذا أصدق آيةٍ على فساد صرف استحقاق منفعة البضع إلى الموصى له.
وحكى الصيدلاني في مجموعٍ له في الخلاف وجهين عن الشيخ الإمام سهل (3) في
__________
(1) في الأصل: البعد.
(2) في الأصل: المطلق.
(3) الإمام سهل: هو سهل بن محمد بن سليمان، أبو الطيب الصعلوكي، الفقيه الأديب مفتي نيسابور وابن مفتيها، النجيب ابن النجيب (ابن الأستاذ أبي سهل) جمع بين العلم والعمل، تخرج به جماعة من الفقهاء بنيسابور، وسائر مدن خراسان ت 404 هـ (طبقات الشافعية لابن السبكي: 4/ 393 وما بعدها).

(11/144)


أن الوارث هل يستبيح وطء الجارية الموصى بخدمتها؛ تعويلاً على الملك؟ وهذا بعيد.
فإن صح النقل فيهما، فالوجه تنزيلهما على وطء الراهن الجاريةَ المرهونة إذا كانت صغيرة، لا يتوقع علوقها، وقد قدمنا في الرهن أن الوطء مع إمكان الإعلاق محرم، وإذا كان الإعلاق مأموناً، ففي تحريم الوطء وجهان (1): فينبغي أن يخرّج وطء الوارث الجارية على هذا القياس.
فإذا فرعنا على الظاهر، وهو أن الوطء محرّم، فلا شك أن الوارث إذا وطىء لم يستوجب الحد، لمكان ملكه في الرقبة، وهل يلتزم المهرَ؟ هذا يخرّج على ما قدمنا من أن مهر مثل الجاربة إذا وطئت بشبهة هل ينصرف إلى الموصى له؟ فإن صرفناه إليه، فعلى الوارث مهرُ المثل، وإن لم نجعل المهر [مصروفاً] (2) إليه، فهو للوارث.
فعلى هذا إذا وطىء الوارث، لم يستوجب بالوطء مهراً.
وأما الموصى له، فلا خلاف في تحريم وطء الجارية عليه، فإن وطئها، وقلنا: منفعة البضع مصروفةٌ إليه استحقاقاً، وإن امتنع عليه استيفاؤها، فلا حد عليه إذا وطىء، فإن قلنا: منفعة البضع لا تصرف إليه، فيلتزم بالوطء على الشبهة المهرَ للوارث، وإن لم يكن شبهة، فقد قطع العراقيون بانتفاء الحد.
ولا يمتنع عندي أن يجب عليه الحد كما يجب على [المرتهن] (3) إذا وطىء الجارية المرهونة.
والعراقيون بنَوْا ما قالوه على مصيرهم إلى أن المهر للموصى له، فقد ذكرنا أن القياس الظاهر عندنا أن منفعة البضع لا تُصرف إلى الموصى له، ولست أدري ماذا يقول العراقيون فيه إذا أوصى بمنفعة بُضع جاريةٍ لإنسان دون منفعة بدنها؟ فإن قضَوْا
__________
(1) يحرم الوطء إن كانت ممن تحبل، وإذا أمن العلوق، فوجهان، أظهرهما التحريم. (ر. العزيز: 7/ 114، والروضة: 6/ 190).
(2) كذا قدرناها على ضوء السياق، وصورة أحرفها المصحفة المحرفة (انظر صورتها).
(3) في الأصل: الموصي.

(11/145)


بانصراف الاستحقاق إليه، فهذا سخف خارج عن قاعدة الشريعة، وإن أبطلوا ذلك، [كان] (1) [إقراراً] (2) بإثبات الاستحقاق فيه تبعاً. مع أن منفعة البضع لا تفهم مندرجة تحت الوصية بالمنافع.
فهذا تمام القول فيما يندرج تحت الوصية بالمنفعة.
7394 - [فأمّا] (3) تصرّف الموصى له في المنفعة، فإنه يتصرف فيها انتفاعاً، وله إباحة المنافع بالإعارة، وله إيراد عقد الإجارة عليها، ومن حقوقه إثبات اليد على العين الموصى بمنفعتها، فاختلفت الأئمة في أنه هل يملك المسافرة بالعبد الموصى بمنفعته: فذهب بعضهم إلى أنه يملك ذلك؛ لأن ملكه ثبت في جميع جهات الانتفاع المسوَّغة للملاك.
[ومن] (4) أئمتنا من منع المسافرة لحق الملك في الرقبة، واستدل بأن زوج الحرة يسافر بها حيث شاء، وزوج الأمة لا يسافر بها.
ولكنْ بين النكاح وبين استحقاق المنفعة (5) فرقٌ؛ فإن للمولى أن يسافر بالجارية الزوجة، ولا يمنعه من المسافرة حقُّ الزوج.
والوارث لو أراد المسافرةَ بالعبد الموصى بمنفعته، لم يكن له ذلك قطعاً، والضابط لتصرفاته حكمنا بالملك الحقيقي له في المنفعة، ولأجل هذا قطع من يعوَّل على نقله من الأئمة بأن الموصى له بالمنفعة إذا مات، انتقل الاستحقاق إلى وارثه (6).
وأبعد بعضُ الأصحاب، فذهب إلى انقطاع الحق الموهوب للموصى له وعَوْدِ الاستحقاق إلى وارث الموصي إذا بقي بعده.
وهذا ساقطٌ غيرُ معتد به.
__________
(1) زيادة من المحقق.
(2) في الأصل: إفراد.
(3) في الأصل: فأمها.
(4) في الأصل: ففي.
(5) الأصح أن له المسافرة بالعبد الموصى له بمنفعته (ر. الروضة: 6/ 188).
(6) الصحيح أن الوصية بالمنافع تنتقل إلى الوارث (ر. الروضة: 6/ 186).

(11/146)


ولو وطىء الوارث الجارية الموصى بمنفعتها، وأولدها، صارت أم ولدٍ له بمصادفة العلوق الملكَ.
ولا خلاف أن الموصى له إذا وطىء وأعلق، لم يثبت الاستيلاد، وإن درأنا الحدَّ، ولم نُلزمه المهر، وصرفنا إليه القيمة عند القتل، فلا سبيل مع هذه الأصول إلى الحكم بالاستيلاد؛ لأن وطأه لم يصادف ملك الرقبة. نعم، إن حكمنا بأن الولد لو حدث رقيقاً لكان له، [فالولد] (1) حر؛ فإنه لا يعلق مولوده ملكاً له، ثم إذا كان المُولدُ الوارثَ، فالوصية بالمنفعة تبقى مع ثبوت الاستيلاد.
7395 - ومما يتصل بهذا المنتهى أن العبد الموصى بخدمته لا ينكح إلا بإذن المالك، والموصى له بالمنفعة: أما المالك، فلا بد من استئذانه؛ فإن التزوج تسلط على الاستمتاع، وذلك يؤثر في الملك، ولا بد من استئذان الموصى له بالمنفعة [فإن ذلك يؤثر في استيفاء المنفعة] (2).
وذهب بعض الأصحاب إلى أن إذن الموصى له بالمنفعة كافٍ، وهذا القائل يقول: إنما يفتقر نكاح العبد الخالص لمولاه إلى إذنه، لتعلق المهر والنفقة بالكسب، ولا معنى للنظر إلى ما في الوطء من [إنهاك] (3) القوى؛ فإن ذلك بعيد، غيرُ مدرك بالحس.
والدليل عليه أنه لو صح نكاحه، لم يكن للسيد أن يحجر عليه، ويكلّفه الاقتصادَ (4)، والحكمُ في ذلك [مَيْلَ] (5) النفس، والنظر في الضارّ منه خوضٌ في التطبيب الذي لا ينتهي إليه نظر الفقيه، وهذا يقرب (6) من المأكل؛ فإن معظم [الاعتلال] (7) من الإكثار أو الإقلال في المطعم، ولا حجر على العبد فيه،
__________
(1) في الأصل: بالولد.
(2) ما بين المعقفين زيادة اقتضاها السياق. وعبارة الأصل: " ... الموصى له بالمنفعة في الملك، وذهب ... إلخ".
(3) في الأصل: إنها.
(4) الاقتصاد: أي في الوطء.
(5) في الأصل: مثل.
(6) كذا قرأناها بصعوبة.
(7) في الأصل: الأعلاك.

(11/147)


[فالعهدة] (1) إذاً في افتقار النكاح إلى الإذن أنه إذا صح، تعلقت حقوقه بالكسب، والكسب مستحق للمولى.
فإذا تبين ذلك، فالمنافع والاكساب للموصى له، فليقع الاكتفاء بإذنه في النكاح.
فإن كان الموصى [بخدمته] (2) جارية، فلا بد في تزويجها من إذنهما جميعاً وفاقاً؛ فإن التزويج ينقُص من القيمة، وما ينقص من القيمة يؤثر في الملك لا محالة. ثم قال فقهاؤنا: الولي في التزويج الوارثُ، ولكن لا بد من رضا الموصى له، وهذا حسن ظاهر.
7396 - ومما ألحقه الأصحاب بالقواعد المقدمة القولُ في [بيع] (3) الوارث العبدَ الموصَى بخدمته، وقد اختلف أصحابنا في ذلك على ما تقدم الشرح فيه.
فإن ملّكنا الوارثَ البيعَ، فلا شك في نفوذ إعتاقه.
فإن قلنا: لا ينفذ بيعه، فالذي قطع (4) به معظم الأصحاب أن إعتاقه ينفذ، ثم بنَوْا عليه أن العتق إذا نفذ، بقيت المنفعة مستحقةً للموصى له.
وقد ذكر شيخي وطوائف من الأئمة أن العبد المستأجر إذا عَتَق في أثناء مدة الإجارة، هل يملك فسخ الإجارة؟ فعلى وجهين، فالرأي في الإجارة القطعُ بأنه لا يملك الفسخ (5).
فأما إذا كانت الوصية بالمنفعة، فهذه [منيحة] (6)، [ويتجه] (7) في ذلك ترددٌ لمثابة الاستحقاق، والظاهر [أنْ لا خيار] (8) [في أن الاستحقاق يهدم] (9) كما إذا أُعتقت
__________
(1) في الأصل: فالعهد.
(2) في الأصل: بحق.
(3) في الأصل: جميع.
(4) وهو المعتمد الذي عليه الشيخان: الرافعي والنووي (ر. العزيز: 7/ 112، والروضة: 6/ 189).
(5) وهو المعتمد (ر. العزيز: 7/ 112، والروضة: 6/ 189).
(6) في الأصل: "قبيحة" (انظر صورتها) والمثبت من اختيارنا.
(7) زيادة من المحقق على ضوء عبارة الإمام في مثل هذه العبارات.
(8) في الأصل: أن الأخيار.
(9) كذا تماماً، لا تقرأ إلا هكذا. والعبارة قلقة، ولكن المعنى مفهوم من السياق والسباق، وهو =

(11/148)


الأمة تحت زوجها الحر؛ فإن النكاح مؤبد عليها، وهو رق كما قال المصطفى صلى الله عليه، وإنما ثبت الخيار [للمعتَقة] (1) تحت العبد للخبر (2).
ويجوز أن يقال: إذا أُعتق العبد الموصى له بخدمته أبداً، [يُخيّر] (3) كالأمة تُعتَق تحت العبد؛ فإنها لو عتقت تحت حر، [لرجع] (4) إليها حظ ظاهر في [الاستمتاع] (5)، فلا ضرار إلا استمرار حكم النكاح. ولو أثبتنا حق الانتفاع للموصى له بعد الحرية، لكان دوام هذا الاستحقاق كالاسترقاق، وهذا يزيد على ما ينال [المعتقة] (6) من الضرار تحت العبد.
فإن قيل: إذا أثبتم الخيار، فهل يحتمل أن يقال: تنقطع الوصية من غير حاجة إلى خيار؟ قلنا: لم يصر إلى ذلك أحد من الأصحاب، وإذا كنا نثبت الوصية بالمنفعة على التأبيد والملك في الرقبة [بعدُ للموصي] (7)؛ فلا يبعد أن تبقى المنفعةُ مستحقةً بعد زوال الملك، ولكن الخيار يعتمد الضرار، كما قدمناه.
فهذا منتهى الكلام في ذلك.
ثم من [قالى] (8): نفقة الموصَى [بمنفعته] (9) على المالك، فإذا [أعتقه] (10) يتخلص
__________
= أن الظاهر أنه لا خيار للعبد المعتق واستحقاق الموصى له بمنفعته قائم، كما أنه لا خيار للمعتقة تحت حُرّ.
(1) في الأصل: المعتق.
(2) الخبر: يشير إلى قصة بريرة.
(3) في الأصل: مخير.
(4) في الأصل: فرجع.
(5) في الأصل: الاستحقاق، والمثبت من هامش الأصل، والمقصود بالحظ الظاهر في الاستمتاع أن يد السيد ارتفعت عنها، فلا يستطيع أن يأخذها عن زوجها، وأن يسافر بها كما كان له الحق في ذلك قبل عتقها.
(6) في الأصل: المعتق.
(7) في الأصل: بعد الموصى.
(8) في الأصل: ملك.
(9) في الأصل: فمنفعته.
(10) في الأصل: أعتق.

(11/149)


من النفقة، وإن قلنا: النفقة على الموصى له، فالاستحقاق دائم عليه؛ فإن سبب الاستحقاق عليه ثبوت المنفعة له على التأبيد، وهذا المعنى دائم مع حصول الخدمة.
فرع:
7397 - الصحيح من المذهب أنه لا يجوز (1) إعتاق الموصى بمنفعته عن الكفارة؛ لعجزه عن الكسب لنفسه، فأشبه ذلك عجزه عن الكسب بالزمانة.
ومن أصحابنا من قال: يصح إعتاقه عن الكفارة لكمال الرق والأطراف، فليقع النظر في ذاته وصفاته، لا في مصرف منافعه.
فرع:
7398 - ذهب طوائف من أئمتنا إلى أن مكاتبة العبد الموصى بخدمته غيرُ صحيحة (2)، فإنه ليس قادراً على أكساب نفسه لنفسه، وقال هؤلاء: يجوز كتابة العبد المؤاجَر في مدة الإجارة.
ومن أصحابنا من صحح الكتابة؛ تعويلاً على صرف الصدقات إليه، ويجب أن يكون في مكاتبة العبد الزمن هذا التردد.
ومن منع كتابة العبد الموصى بمنفعته رأى هذين التصرفين متناقضين. فعلى هذا من أوصى بالمنفعة، ثم [كاتب] (3)، كانت الكتابة من الموصي رجوعاً عن الوصية بالخدمة، والذي قدمناه من منع الكتابة مفروض في الوارث إذا أراد مكاتبة العبد بعد استقرار الوصية بالمنفعة.
فرع:
7399 - إذا غصب رجلٌ العبد الموصى بمنفعته أياماً، وعطل منافعه على مستحقها، فإنه يغرَم له أجرة المثل، من جهة أنه أتلف عليه المنافعَ المملوكة له.
ولو غصب غاصب العبد المستأجَر في أثناء المدة، وضيّع منافعه على المستأجر، فقد ذكرنا أن المذهب الصحيح أنه لا يغرَم شيئاً للمستأجِر، وإنما يغرَم أجر المثل للمالك المكري ويحط (4) عن المستأجِر قسطاً من الأجرة المسماة.
__________
(1) هذا هو المعتمد في المذهب (ر. العزيز للرافعي: 7/ 112، وروضة الطالبين: 6/ 189).
(2) عدم صحة الكتابة للعبد الموصى بخدمته هو المعتمد في المذهب. (ر. روضة الطالبين: 6/ 189، والعزيز: 7/ 113).
(3) زيادة من المحقق.
(4) يحط: أي المالك.

(11/150)


والفرق بين الموضعين أن المنافع إذا لم تتلف في يد المستأجِر، فليست مضمونة عليه، بل هي محسوبةٌ على المكري، ثم [عهدة] (1) العقد توجب ما ذكرناه، وليس في الوصية بالمنفعة عوضٌ يفرض سقوطه في مقابلة تضييع المنفعة على الموصى له، فلا وجه إلا تغريم الغاصب قيمة ما يتلفه من المنفعة لمستحقها ومالكها، ومستحقُّها الموصى له.
فرع:
7399/م- إذا ذكَر للمنفعة وقتاً، لم يخف حكم التأقيت، وقد بان حكم التأبيد أيضاً.
فلو أوصى لإنسانٍ بمنفعة عبد، ولم يتعرض لتأقيتها، ولا لتأبيدها، فالذي ذكره الشيخ أبو علي في الشرح القطعُ بحمل ذلك على التأبيد؛ فإن العقود المطلقة القابلة للتأبيد محمولةٌ على التأبيد.
هذا ما ذكره، ولم أر في الطرق ما يخالف ذلك.
فصل (2)
قال: " فإن كان أكثرَ من الثلث، فأجازه الورثة في حياته، لم يجز ذلك إلا أن يجيزوه بعد موته ... إلى آخره " (3).
7400 - الوصية إذا كانت زائدةً على الثلث، فلو أجاز الوارث الزيادة قبل موت الموصي، فإجازته ملغاة لا أصل لها؛ فإنها [حدثت] (4) عنه قبل أن يثبت له حق الإرث، فكذلك لو استأذن الموصي ورثته، فأوصى وزاد، فتلك الزيادة لا تنفذ.
وهذا بمثابة ما لو أذن الشفيع لشريكه في بيع الشقص وإذا باع نثبت الشفعة [ولا] (5) أثر للإذن المتقدم.
__________
(1) في الأصل: عهد.
(2) من هنا بدأ عندنا نسختان: نسخة الأصل (ح)، ونسخة (س) مساعدة.
(3) ر. المختصر: 3/ 162.
(4) في الأصل: حدوث.
(5) مزيدة من: (س).

(11/151)


وكذلك إذا قبل الموصى له الوصية في حياة الموصي، فقبوله مردود؛ فإنه لا يدخل وقتُ القبول ما لم [يمت] (1) الموصي، فهو على خِيرَته بعد موته. وإن قبل في حياته. فكذلك إن رد الوصية، فلا حكم لرده في الحياة. ولو كان يؤثر قبوله ورده في حياة الموصي لاشتُرط اتصالُ القبول بالإيصاء، وسيكون لنا إلى هذا [عودة] (2) في أثناء الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
فصل
أورده صاحب التقريب، مضمونه يشابه الوصيةَ بالمنفعة على التأبيد، وله تعلق بالثلث ومقدارِه وتفصيل الإجازة.
7401 - قال رضي الله عنه: إذا أوصى لإنسان بدينارٍ كلَّ سنة، ولم يذكر مقدارَ الدنانير، ومنتهى السنين، قال: تصح الوصية بالدينار الواحد في السنة الأولى؛ فإنه مضبوط لا شك فيه.
فأما بقية الدنانير في السنين المستقبلة، فقد ذكر صاحب التقريب فيها قولين: أحدهما - أن الوصية باطلة فيها؛ فإن ضبطها غير ممكن، ولا ندري كم مبلغها، لنقدر خروجها من الثلث، وقد يتفق معها وصايا، فلا يتحقق مبلغ حصة هذه الوصية في المضاربة، ولو صححناها، لبقينا في موجَبها أبداً.
هذا أحد القولين.
والقول الثاني - أنه لا تبطل الوصية في باقي السنين؛ فإن الجهالة لا تتضمن بطلان الوصايا، كالوصية بالمنفعة.
ومن قال بالقول الأول، (3 نفصل عن الوصية بالمنفعة، بأن قال: الوصية بالمنفعة 3) على التأبيد غايتها أن تقتضي احتساب العبد من الثلث، ولتقويم المنفعة
__________
(1) في الأصل: يجب.
(2) في (ح): "مردّة".
(3) ما بين القوسين ساقط من (س).

(11/152)


جهةٌ أوضحناها، أما إخراج دينار في كل سنة من غير ذكر نهاية، فهو مشكل جداً.
ثم اختار (1) من القولين تصحيحَ الوصية، وقال مفرعاً على هذا:
7402 - إذا ثبتت هذه الوصية، فلا يخلو: إما أن يكون في التركة وصايا سواها، أو لا يكون في التركة وصيةٌ غيرُها.
فإن لم يكن في التركة وصيةٌ غيرها، فلا شك أن الورثة لهم أن يتصرفوا في ثلثي التركة؛ إذ لهم رد الوصية في الثلثين، فأما الثلث، فهل ينفذ تصرفهم [فيه؟] (2) فعلى وجهين ذكرهما: أحدهما - ينفذ تصرفهم فيه، بعد إخراج الدينار الواحد؛ فإن مِلْكه متحقق، ولا يُدرى هل يستحق الموصى له في مستقبل الأعوام أم لا.
والوجه الثاني - أن الثلث يوقف؛ فإن الموصى له إذا قبل الوصية، فقد ثبتت، ولا نهاية لها، فلا وجه إلا وقفُ الثلث. فإن رأينا الوقفَ، فلا كلام، فإذا بقي من له الحق على مر السنين، حتى استوعب بالدنانير الثلث، فذاك.
فإن مات قبل ذلك، فبقية الثلث مردودةٌ على الورثة.
وهذا الذي ذكره فيه نظر؛ فإن الوصية بالدنانير إلى غير نهاية، كالوصية بثمار الأشجار من غير نهاية، فإذا صححنا الوصية بثمار الأشجار، ثم مات الموصى له بها، فالوجه إقامة وارثه في الاستحقاق مقامه.
7403 - والغرض في ذلك يبين بفرض ثلاث مسائل: إحداها - الوصية بالمنفعة، فالمذهب الظاهر أن الموصى له إذا مات، قام وارثه مقامَه، وخلفه في الاستحقاق.
وفيه وجهٌ بعيد ذكرناه (3).
وإذا (4) أوصى بثمار الأشجار، فتخصيص الاستحقاق به وقطعه عن الورثة يظهر
__________
(1) اختار: أي صاحب التقريب.
(2) سقطت من النسختين.
(3) في الأصل: ما ذكرناه.
(4) المسائل الثلاث التي فرضها هي: 1 - الوصية بالمنفعة. 2 - الوصية بثمار الأشجار. 3 - الوصية بالدينار كل سنة. ففي هذه المسائل يظهر التدرج في قطع الوصية بعد موت الموصى له، ففي الوصية بالمنفعة هو وجه بعيد، وفي الوصية بثمار الأشجار يظهر بعض الظهور، وفي الوصية بالدينار يظهر جداً.

(11/153)


بعض الظهور؛ فإنّ في الوصية بالثمار احتمالاً في أصلها.
وإذا أوصى بأن يُصرفَ إلى إنسان (1) كلَّ سنة دينار، [فمات] (2) ذلك الشخص، فيظهر في هذه (3) الصورة جداً انقطاعُ الوصية بموته، ويتجه أيضاً إذا صححنا الوصية أن يدوم الاستحقاق لورثته، ولهذا الإشكال في التفريع خرج قولٌ في إبطال الوصية.
ولو قيدَ الكلامَ بصرف دينار إليه كل سنة ما بقي، فلا شك في أن ذلك ينقطع بموته.
فإن صورنا المسألة في هذه الصورة، أو فرعنا على ما قطع به صاحب التقريب من حمل الوصية على الدنانير التي تكون على سني عمر الموصى له، فنقول: [نصرف] (4) الثلث على وجه الوقف، ونصرف إلى الموصى له ديناراً ديناراً، فإن استغرق الثلثَ في حياته، [فذاك] (5). وإن مات، وقد بقي من الثلث بقية، رددناها على الورثة.
فإن قلنا: لا يُوقف الثلث، فالورثة يتصرفون فيه، ومهما استحق عند انقضاء سنة ديناراً، طالب الورثةَ به، وكان ذلك بمثابة ما لو اقتسم الورثةُ التركة، ثم ظهرت وصية.
وهذا فيه نظر؛ فإنه إذا ظهرت وصية تتبَّعْنا تصرَّفَ الورثة في الثلث [بالنقض] (6)، فإن كان الأمر كذلك في مسألتنا، فلا فرق. وظاهر كلام صاحب التقريب أن تصرّفهم في الثلث ينفذ، ولا يُتْبَع بنقض.
وهذا فيه إشكال واحتمالٌ ظاهر، وبين المسألة التي نحن فيها وبين ظهور الوصية فرقٌ؛ من جهة أن [الدنانير] (7) تنقسم على أواخر السنين في هذه المسألة وتثبت ديناراً ديناراً، وليس كالذي [يبين] (8) أنه كان ثابتاً، ولم نعلمه.
__________
(1) عبارة (س): إلى كل إنسان كل سنة.
(2) في الأصل: فاق.
(3) في الأصل: في أن.
(4) في الأصل: نقف.
(5) في الأصل: بذلك.
(6) في الأصل: فالنقض.
(7) في الأصل: الدينار.
(8) مكان كلمة غير مقروءة في الأصل، وساقطة من (س).

(11/154)


وجميع ما ذكرناه فيه إذا تجردت تلك الوصية، ولم يكن معها وصايا.
7404 - فأما إذا أوصى بوصايا ومن جملتها الوصيةُ التي ذكرناها (1)، فإن [جعل] (2) الوصية التي ذكرناها معلّقةً بعُمر الموصى له، فقد قطع صاحب التقريب بأن الثلث يُفضّ على مستحقي الوصايا في الحال، ولا نؤخر حقوقهم؛ فإنا لا نضبط مبلغ الوصية الأخرى، فلا وقف في حقوقهم، وإنما الاختلاف في وقف الثلث في حق الورثة إذا تجردت الوصية التي نحن فيها (3)، والفرق أن الثلث إن وقفناه، فهو حق المتوفَّى، ومحل تبرعاته، فلا بُعد لو [حُلْنا] (4) بين الورثة وبينه، فأما إذا ثبتت وصايا ناجزة، فالثلث محلُّ حقوقهم، فيبعد أن نقف الثلث إلى أن نتبين منتهى هذه الوصية المجهولة، فإذا فضضنا الثلث على الدينار الذي انتجز من هذه الوصية في هذه السنة وعلى سائر الوصايا، فإذا انقضت سنة أخرى، استحق الموصى له ديناراً وضارب به أربابَ الوصايا، واسترد منهم ما يقتضيه التقسيط في ذلك القدر، ثم لا يزال يفعل ذلك في كل ما يستحقه حتى تنتهي الوصية.
وهذا الذي ذكره بيّنٌ إذا كانت الوصية مقيّدة بحياة الموصى له، فأما إذا لم تتقيّد بحياته، ورأينا أن نقيم ورثته مقامه، فهذا مشكلٌ لا يُهتدى إليه، وحاصله مضاربةُ [أقوام] (5) حقوقُهم مقدرة بما لا نهاية له.
ولو قيل: إنه لا يضارب إلا بمقدار الثلث، ويبطل ما وراءه، لانتفاء النهاية عنه، لم يبعُد. وهذا الإشكال في مضاربة الوصايا؛ فإن الورثة إذا [ردّوا الوصية إلى الثلث] (6) انحصرت فيه، والغموض في مضاربة ما لا نهاية له أقداراً متناهية، فيجوز
__________
(1) هذا التفصيل متصل بقوله السابق: إذا ثبتت هذه الوصية، فلا يخلو إما أن يكون في التركة وصايا سواها أو لا يكون.
(2) في الأصل: فصَلَ.
(3) في (س): نشأ منها.
(4) في النسختين: حملنا.
(5) في الأصل: أقدام.
(6) في الأصل: ردوا إلى الوصية إلى الثلث.

(11/155)


أن تبطل الوصية في الزائد على الثلث، ويكون هذا في هذه المسألة مناظراً لمذهب أبي حنيفة (1) في رده ما يزيد من الأجزاء على الثلث إذا رُدّت الوصايا إلى الثلث، وهذه مناظرة لفظية، وإلا [فما] (2) ذكره أبو حنيفة باطل؛ فإنه أبطل السدس من الوصية بالنصف، وهو [مقدّر] (3)، وإنما الغموض في هذه المسألة من جهة انتفاء النهاية عن الوصية.
وينقدح أن يقال: يضارب بمقدار المال كله، حتى كأنه أوصى له بكل المال، ثم ردت الوصايا إلى الثلث، فإنا نثبت المضاربة بالزائد على الثلث.
ومنتهى الأمر تقدير الوصية بجميع المال، ثم هذا التضارب يقع شيئاً شيئاً.
كذلك قال صاحب التقريب.
ويجوز أن يقال: يوقف له القدر الذي ذكرناه، إما في تقدير الثلث وإما في تقدير الكل، بحكم المضاربة.
وقد قال صاحب التقريب: إذا قال: ادفعوا إلى فلان في انقضاء كل سنة ديناراً إلى عشرين سنة، فهل نقف هذا القدر له في معارضة الوصايا؟ فعلى وجهين.
7405 - فليتأمل المتأمل أطراف هذه المسألة ولْيقْضِ العجبَ منها، وفي [اختباط] (4) تفاريعها يظهر للإنسان بطلان الوصية، وليت شعري ما قول الأصحاب فيه إذا قال: أوصيت لفلان بما لا نهاية له من الدنانير؟ هذا فيه تردد، فينقدح إبطال الوصية؛ فإنها [وقعت] (5) بغير ممكن، ويجوز أن يقال: هي وصية بالمال كله، والعلم عند الله عز وجل.
__________
(1) ر. المبسوط: 28/ 121 وما بعدها.
(2) في الأصل: بما.
(3) في الأصل: مقدار.
(4) في الأصل: "احتياط ".
(5) في الأصل: "رفعت".

(11/156)


فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو قال أعطوه رأساً من رقيقي ... إلى آخره" (1).
7406 - إذا قال الموصي: أعطوا فلاناً رأساً من رقيقي، فمضمون هذا اللفظ الوصيةُ له بمملوك من جملة مماليك، ومقصود الفصل بيانُ مقتضى هذا اللفظ، وإيضاحُ المعنى الذي يكون وفاء في المطلوب منه، فإذا كان للموصي عبيد وإماء، فأعطى الوارثُ الموصى له عبداً أوْ أمةً من جملة رقيقه، فقد خرج عن موجَب الوصية ومقتضى لفظها؛ فإن الرقيق يتناول الذكر والأنثى.
ولو كان في رقيقه خنثى، فالمذهب الصحيح أنه مجزىء، وبذلُه كافٍ؛ فإن اسم الرقيق يتناوله.
وذكر صاحب التقريب وجهاً آخر أنه لا يجزىء، ولا يكون بذله وفاءً باللفظ؛ فإن هذا الاسم يتناول ما يفهم منه [في] (2) العرف، والخنثى يندر اتفاق وجوده، فلا يتناوله الاسم العام.
وهذا عريّ عن التحصيل، لا اعتداد به؛ فإن الاسم العام، وهو رأس من الرقيق يتناول الخنثى تناوله للذكر والأنثى، ولو قال الرجل: [مماليكي] (3) أو أرقائي أحرار، دخل الخنثى [بحيث يعتِق] (4)، فإن [منع] (5) صاحب التقريب [ذلك] (6)، كان في نهاية البعد، وإن سلّمه، وفرّق بأن المماليك إذا [تناولت] (7) الجميع عموماً،
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 162.
(2) زيادة من (س).
(3) في الأصل: ما يمكن.
(4) في الأصل: يجب العتق.
(5) في الأصل: يقع.
(6) في الأصل: وكل.
(7) في الأصل: تنازلت.

(11/157)


لم يبعد اشتمال اللفظ على الخنثى مع جريانها على مقتضى عمومها؛ فإن اللفظ المُجرى على حقيقة عمومه يتناول [النادر] (1) مع تناوله لغيره، وإذا قال: رأساً من رقيقي، فحمل على النادر الذي لا يخطر بالبال دون غيره، كان بعيداً، فهذا الفرق لا حاصل له؛ فإن قوله: رأساً من رقيقي وإن كان مقتضاه بذلَ واحدٍ، فهو مضاف إلى لفظ جامع شامل على أصل، فهذا الوجه (2).
7407 - ولو قال: أوصيت لفلان برأسٍ من رقيقي، ولم يكن له رقيق حالة [الإيصاء] (3)، ولم يمت عن رقيق أيضاً، فالوصية باطلة، فإنه أضاف الموصى به إلى أرقائه، فإذا لم يكن له مماليك، فلا أصل ولا مستند للفظه.
ولو قال: أوصيت لفلان برأس من رقيقي، ولم يكن له حالة الإيصاء رقيق، ثم ملك مماليك، ومات عنهم، فالمذهب أن الوصية تنفذ في واحد منهم.
ومن أصحابنا من قال: الوصية مردودة؛ فإن لفظه حالة الإيصاء لم يجد متعلقاً فلغَى وبطل، ثم لا أثر لوجود الأرقاء بعد ذلك، وهذا يضاهي ما لو قال: أوصيت لفلان بثلث مالي، وكان لا يملك إذ ذاك شيئاً أصلاً، ثم تموّل ومات عن مال، فالأصح أن ثُلث ماله مصروفٌ إلى وصيته.
ومن أصحابنا من قال: الوصية مردودة؛ لأنها لم تتناول مورداً، [ولم] (4) تثبت بمتعلَّقٍ حالة الإنشاء.
ولم يختلف أصحابنا أنه لو كان يملك درهماً، فقال: أوصيت لفلان بثلث مالي، فخوله الله تعالى مالاً جماً، ومات، فثلث جميع ما خلف مصروف إلى وصيته.
هكذا ذكر الشيخ أبو علي في صورة الوفاق والخلاف في شرح التلخيص.
__________
(1) في الأصل: النار.
(2) الوجه: خبر هذا. والمعنى أن هذا هو الوجه المعتمد.
(3) في الأصل: الإحياء.
(4) في الأصل: أو لم تثبت.

(11/158)


فعلى هذا لو كان قال؛ أعطوه رأساً من رقيقي، وكان يملك إذ ذاك أرقاء، ثم ملك غيرهم ومات، فللوارث أن يسلّم رأساً من الذين استفادهم بعد الإيصاء.
ولو قال: أعطوه رأساً من مماليكي، وكان لا يملك إلا مملوكاً واحداً ومات على ذلك، ولم يخلّف غيرَه من المماليك، فهذا اللفظ فيه خبلٌ، واضطراب؛ من جهة أنه أضاف المملوك الموصى به إلى مماليكه، وليس له جمع من المماليك يصح إضافة المملوك الموصى به إليهم، ولكن الذي يقتضيه المذهب القطع بتنزيل وصيته على ذلك المملوك الواحد، وإن لم نجد في ملكه جمعاً من المماليك، يضيف ذلك العبدَ إليهم؛ فإنا وجدنا متعلقاً لوصيته، فاستقلت به، ولا مبالاة بأن يختل بعد هذا المتعلق لفظهُ.
ولم يختلف أصحابنا في أنه إذا أوصى برأسٍ من رقيقه، وكان له جمع من الأرقاء، فماتوا إلا واحداً منها، نزلت الوصية عليه.
7408 - ومما يتصل بمقصود الفصل، وهو المعتبر فيه -وعلى المنتهي إلى هذا الموضع من هذا الفصل أن يتامل ما نلقيه إليه- أنَّ هذه الوصية مفروضةٌ فيه إذا أطلق الموصي لفظه، وأرسل وصيته، وحاول أن تنفذ فيما ينطلق عليه لفظُه، ولم يضمر إرادةَ تعيينٍ من رقيقه، فمسائل الفصل مدارةٌ على هذه القاعدة، والغرض بيان مقتضى هذه الصيغة عند الإطلاق.
وعلى هذا قال الأئمة: لو أوصى برأسٍ من رقيقه، وكان له جمع من المماليك، فانتحى الوارث معيَّناً منهم، واعتمد أحسنهم قدراً، أجزأ ما يُخرجه عن الوصية؛ فإن اسم رأسٍ من رقيق يتناوله، وهذا متفق عليه بين الأصحاب.
فإن قال الموصى له: لم يُرد الموصي هذا، لم يردّه، على أن نُفهمه معنى عموم اللفظ وشمول الصيغة ونبين له أن المسألة مفروضةٌ فيه إذا لم يعيّن الموصي بلفظه أحداً من مماليكه، وإنما أراد أيَّ واحدٍ كان من أرقائه.
ولو قال الموصى له: إنه أضمر واحداً منهم، وإن أبهم لفظه، فليس يبعد أن يضمر مع الإطلاق، وإن كان لفظه عاماً؛ فإن سيد المماليك لو قال: واحد منهم

(11/159)


حُرٌّ، ثم زعم أنه عنى عند اللفظ متعيناً منهم، تبيّنا نزول العتق عليه.
وكذلك إذا قال الزوج: واحدةٌ من نسائي طالق. وأضمر عند إطلاق هذا اللفظ واحدةً متعينة منهم في نفسه، فهي المطلقة.
وإن أطلق إبهام العتاق والطلاق، ولم يضمر معيناً، خوطب بإيجاب التعيين عليه، على ما ستأتي هذه المسائل مشروحةً في كتاب الطلاق، إن شاء الله عز وجل.
7409 - فإذا وقع التنبيه لها، فنقول: الموصى له غير بعيد عن الاحتمال، ولكن لا نقبل دعواه، ما لم يعيّن عبداً، وما لم يقل هذا مَعْنِيُّه ومرادُه؛ فإن الدعوى المبهمة مردودة ممّن يبغي مالاً.
ثم إن عين، فالقول قول الورثة، فإن قالوا: لم يعيّن، ولم يُضمر تعييناً أصلاً، وإنما أبهم اللفظ ليُجرى على [مقتضى] (1) عمومه، فالرجوع إلى أقوالهم.
وإن فرض عرْضُ يمين، فالقول في صيغتها يأتي في سياق الكتاب، فليس تفصيلها من غرضنا الآن.
7410 - ولو قال: اشتروا عبداً من مالي وسلموه إلى فلان، فاشترى الورثة عبداً معيناً، وسلموه إلى الموصى له، وقع الاكتفاء به في قول أصحابنا المعتبرين؛ تعلّقاً بما ذكرناه من مقتضىً، وتشبيهاً لهذا بما لو قال: أعطوه رأساً من رقيقي، وكان فيهم معيب [فقصدوه] (2) وأخرجوه إلى جهة الوصية.
وذهب بعض أصحابنا إلى أن الوصية إذا كانت متقيّدة بالشراء، فلا يقبل [فيها] (3) معيب؛ فإن الشراء يقتضي سلامة المشترَى، ولذلك يثبت الرد بالعيب.
فإذا قال: اشتروا عبداً أو مملوكاً، وسلموه إلى فلان، فقد أوصيت [له به] (4)،
__________
(1) في الأصل: يقتضي.
(2) في الأصل: يقصدوه.
(3) في النسختين: منها.
(4) في الأصل: لزيد.

(11/160)


فربْطُه المملوكَ الموصى به بجهةٍ مقتضاها طلب السلامة يقتضي السلامة.
وهذا لا أصل له؛ فإن الوصية تستقل بموجب اللفظ، واللفظ عام، كما سبق تقريره، فلئن كان مقتضى العهدة في البيع ثبوت خيار الرد، فلا تعلق لهذا بوضع الوصية، والدليل عليه أن الرجل إذا وكل وكيلاً ليشتري له مملوكاً، وأطلق التوكيل ولم يقيّده بالسلامة، فاشترى الوكيل عبداً، ثم اطلع على عيب به، وكان العبد مع ذلك العيب يساوي الثمن المذكور، فالبيع يصح عن الموكل؛ حملاً على مقتضى الاسم المطلق، ثم عهدة العقد تقتضي ثبوتَ الخِيَرة في الرد، فلزم تنزيل الوصية على العبد المشترى وإن كان معيباً، ثم لا عهدة في الوصية حتى نفرض رد العبد فيها.
7411 - ومما يتعلق بتحقيق الفصل أنه إذا قال: أوصيت لفلان برأسٍ من رقيقي، وكان له مماليك، فماتوا قبل [موت] (1) هذا الموصي، انقطعت الوصية.
وكذلك لو ماتوا بعد موت الموصي، وقَبْل قبول الموصى له، فلا فائدة للحكم ببقاء الوصية؛ فإنها لو ثبتت، لكانت متعلقة بعبد من العبيد الذين خلّفهم الموصي، فإذا ماتوا موتاً لا يُعقب ضماناً على آخر، فقد فاتت الوصية في أعيان العبيد، ولم يُعقب موتُهم أَبْدَالاً، وعَسُر الوفاء، ونزل هذا منزلة ما لو ماتوا قبل وفاة الموصي.
7412 - ولو أوصى برأس من رقيقه، فقُتِل أرقاؤه في حياته قتلَ ضمان، فاتت الوصية؛ فإنّ نَفَذ (2) الوصية ما بعد الموت، وقد [مات] (3) ولا رقيق له.
ولو قتلوا بعد موته، وقبل قبول الموصى له، نزلت قيم العبيد القتلى منزلة العبيد بأنفسهم، فيعيّن الوارث [قيمة] (4) من شاء من المماليك.
__________
(1) في الأصل: ثبوت.
(2) في (س): مقرّ. واخترنا ما في الأصل: (نَفَذَ) لما عهدناه في أسلوب الإمام من استخدام المصدر على وزن (فُعول) بصيغة (فَعَل) مثل صَدَر مكان صدور، وحدَث مكان حدوث، ونفذ مكان نفوذ.
(3) في الأصل: فات.
(4) في الأصل: فيه.

(11/161)


وعلى الناظر تأملٌ في هذا؛ فإن الأقوال [مختلفة] (1) في أن الملك في الموصى به متى يحصل للموصى له؟ ففي قولٍ يحصل الملك بنفس موت الموصي، ويستقر بالقبول.
وفي قولٍ يقف الأمر على القبول، فإن قُبل، تبيَّنا استنادَ الملك إلى موت الموصي، وإن ردّ الموصى له الوصية، تبيّنا انتفاء الملك أصلاً، ومسألتنا مفروضة [فيه] (2) إذا قُتل العبيد، وقَبِل الموصى له الوصية بعد قتلهم، [فيستدّ] (3) على القولين المذكورين صرفُ قيمة عبد إلى حقه؛ فإنا نتبيّن على الوقف، أو نحكم على تحقق أن عبداً من العبيد قُتل ملكاً للموصى له.
وفي أصل المسألة قولٌ ثالث، وهو أن الملك يحصل للموصى له بالقبول، فعلى هذا يقع قبوله [بعد] (4) فوات رقاب المماليك، والوصية [بواحدٍ] (5) منهم، فقد يُشْكل ورود الملك على قيمة عبد ابتداء، ولكن أطلق الأصحاب ما حكيته، والممكن منه أنا وإن حكمنا بأن الملك يحصل بالقبول، فللموصى له حق في الموصى به قبل القبول.
وآية ذلك أنه يستبد بتملكه، ولا يقدر أحد على إبطال هذا الحق عليه، وليس كحق القبول في البيع والهبة بعد الإيجاب من الموجِب؛ فإن الموجِب لو أراد بعد التلفظ بالإيجاب أن يُبطل إمكان القبول، تُصوِّر ذلك منه، ولا يتصور من الورثة قطع حق القبول، فخرج منه أنا وإن حكمنا بأن [القبول] (6) يستعقب الملك، فلسنا ننكر
__________
(1) في الأصل: مختلف.
(2) زيادة من (س).
(3) في الأصل: "فيستمر". وفي (س): فيستتم. والمثبت اختيار من المحقق على ضوء المعهود من ألفاظ الإمام، والأوفق للمعنى؛ فإن (يستد) معناها (يستقيم)؛ فهي لا شك أوفق من (يستمر) التي تصحفت إليها على كثير من النساخ.
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: واحد.
(6) في النسختين: المقبول.

(11/162)


ثبوت حق الموصى له قبل القبول، فالحقوق اللازمة الماليّة إذا تعلقت بأعيانٍ (1)، لم يمتنع انتقالُها من الأعيان إلى أبدالها، كحق الموصى [له] (2)، فهذا هو الممكن.
ولا يبعد عن القياس أن يقال: إذا حكمنا بأن القبول يستعقب الملك، تسقط الوصية [و] (3) تفوت بفوات الأعيان قبل القبول، وهذا ابتداء احتمال من طريق النظر، ولم يصر إليه أحد من الأصحاب، فلا (4) اعتداد به.
7413 - ولو قتل العبيد بعد موت الموصي وقبل القبول إلا واحداً منهم، فالذي ذكره أئمتنا في الطرق أن للورثة أن يصرفوا الوصية إلى قيمة [قتيلٍ] (5)، كما لو قتلوا بأجمعهم، ولهم إخراج العبد الباقي.
ووجه ما قالوه أن [القتلى بمثابة] (6) الأحياء في بقاء الوصية؛ إذ لو قتلوا، لكانت الوصية قائمة، فبقيت خِيرَةُ الورثة، ولا فرق بين الحي الباقي وبين [القتلى] (7).
وقطع العراقيون قولهم بأنه يتعين على الوارث تسليم العبد الباقي، وإن كان لو قتلوا جميعاً، لعيَّنُوا [أيَّةَ] (8) قيمةٍ شاؤوا، واعتلّوا بأن قالوا: الأصل في الوصية إخراج (9 رأسٍ من الرقيق، فما دام ذلك ممكناً، فالوفاء بحق الوصية إخراج 9) رقيق؛ فإن فاتوا من عند آخرهم، أقمنا الأبدال لتعلق الوصية بالأعيان مقام الأعيان.
وهذا الذي ذكروه فقيه (10) متجه، وما ذكره أصحابنا المراوزة ممكن غيرُ بعيد.
__________
(1) (س): بالأعيان، لم يمتنع المرجوع من الأعيان إلى إبدالها.
(2) سقطت من النسختين.
(3) زيادة من (س).
(4) (س): على اعتداد فيه.
(5) في الأصل، كما في (س): القتيل.
(6) في الأصل: أن القتل عليه بمثابة ...
(7) في الأصل: القتل.
(8) في الأصل: به.
(9) ما بين القوسين ساقط من (س).
(10) (س): غير متجه.

(11/163)


7414 - ولو أوصى بعبد معيَّنٍ لإنسانٍ، فقُتل ذلك العبد قبل موت الموصي قَتْلَ ضمان، فقد فاتت الوصية بفوات العبد، ولا تعويل على القيمة؛ فإنه لم يوص (1) بالقيمة، ولما قتل العبد، لم يقع مثلُه في وقتٍ ثبت فيه ملكُ الموصى له، أو حق تملكه.
فلو قتل بعد موت الموصي وقبل القبول، فإذا قبل الموصى له، كانت القيمة له، وهذا خارج على ما قدمناه من قول الأصحاب.
7415 - وقد نجز الغرض في الفصل المفروض فيه إذا قال: أعطوه رأساً من رقيقي، وتبين أن شرط هذه الوصية أن يخلّف أرقاء، أو رقيقاً، كما بينا ذلك مفصلاً.
7416 - فلو قال: أوصيت لفلان بعبد من مالي، أو قال: أعطوا فلاناً رقيقاً من مالي، فلا يشترط في صحة هذه الوصية أن يخلف مملوكاً، ولكن لو لم يخلف مملوكاً أصلاً، اشترينا من الثلث مملوكاً، وصرفناه إلى جهة الوصية.
ولو خلف مملوكاً [أو] (2) مماليك، ولفظ وصيته: أعطوا فلاناً عبداً من مالي، فلو أراد الورثة أن يشتروا عبداً ويسلموه إلى الموصى له، فالذي صار إليه المحققون أن لهم ذلك، ولا يتعين عليهم إخراج عبد من عبيد التركة؛ فإنهم لو لم يكونوا، لاستقلت الوصية في مكان تحصيل العبد من المال، فلا أثر [لوجود العبيد ولعدمهم] (3).
ورأيت في بعض التصانيف رمزاً إلى أنه يتعين تسليم عبد من الموجودين، إذا كانوا في التركة، فإن لم يكونوا، فتحمل الوصية حينئذ [على] (4) تحصيل العبد من التركة.
وهذا غير معتد به، ولا سبيل إلى عد مثله من المذهب.
__________
(1) (س): فإنه لو فرض، ولو قتل العبد لم يقع مثله.
(2) في الأصل: له.
(3) في الأصل: "فلا أثر لوجوه السيد واحد منهم".
(4) سقطت من النسختين.

(11/164)


فصل
قال: " ولو قال: شاةً من مالي ... إلى آخره " (1).
7417 - إذا أوصى بشاةٍ من ماله، فالمذهب الذي عليه التعويل أن اسم الشاة ينطلق على الذكر والأنثى، فلو أخرج كبشاً أو تيساً أجزأه؛ فإن الهاء في الشاة ليست هاء التأنيث، وإنما هي هاء التوحيد، فيما يتميز الواحد فيه عن الجمع بالهاء، على قياس التمر والتمرة، والجوز والجوزة، [فقولك] (2) شاة أصله شاهة، ويتبين ذلك بقولك في التصغير شويهة، والتصغير يرد المحذوف إلى أصله.
هذا هو المذهب.
وأبعد بعض أصحابنا؛ فحمل الشاة على الأنثى. ثم لا خلاف أن الضانية والماعزة، مندرجان تحت الشاة، فيجوز للوارث أن يخرج من أي نوع شاء، ولو أخرج سخلة، فظاهر النص أنها تجزئه، وهو الذي قطع به صاحب التقريب وأئمة العراق، ومعظم المراوزة.
وذكر الشيخ أبو بكر في مجموعه في طريقة القفال، [في روايةٍ أن] (3) السخلة لا تجزىء؛ فإن اسم الشاة لا يتناولها، كما أن اسم الرجل والمرأة لا يتناولان الطفل.
ثم قال الشافعي رضي الله عنه في الوصية بالشاة: " لو أخرج الوارث صغيرة، أجزأت "، فحمل الشيخ أبو بكر (4) الصغيرة على جذعةٍ من الضأن صغيرة الجثة، وهذا الذي ذكره وإن كان له اتجاه على حالٍ، فهو خلاف ما صرح به الأصحاب أجمعون في طريقهم؛ فإنهم متفقون على إجزاء السخلة، وذلك أن اسم الشاة يتناول
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 162.
(2) في الأصل: فقد ذكر.
(3) في الأصل: من عقد نفسه فإن.
(4) الشيخ أبو بكر: المراد به الصيدلاني، كما سيصرّح بذلك بعد سطور.

(11/165)


في اللسان ما يعد من جنس الغنم، والسخالُ من جنس الغنم، ويكمل بها نصاب الجذاع [والثنايا] (1) في الزكاة، فلا اغترار [بما ذكره] (2) الصيدلاني، والتعويل على الجنس كما [ذكرناه] (3)، ثم إن جرى جارٍ على ما رآه (4) اعتُرِض له بالجذعة من المعز؛ فإنها غيرُ مجزئة في الضحايا، والظاهر أنها مقبولة في الوصية بالشاة. [فإنها منزلة على مرتبة السخال والجذاع، والله أعلم] (5).
7418 - والكلام في الفرق بين أن يقول: شاة من غنمي أو شاة من مالي، والكلام في موت الشياه وقتلها، والفرق بين قتل جميعها وبقاء بعضها كما ذكرناه في الأرقاء، فلا معنى لإعادة ما تقدم. وإنما نذكر في كل فصل ما يتجدد فيه، والقول في المعيبة والسليمة، كما سبق.
7419 - ولو أوصى لإنسان ببعيرٍ، فالنص أنه محمول على الذكر، لا تجزىء الناقة فيه.
وقد ذهب طوائف من أئمتنا إلى أن الناقة مقبولةٌ، فكان هذا منهم قولاً مخرَّجاً، وهو موافقٌ للغة؛ فإن من كلام أئمة اللسان أن البعير من الإبل، كالإنسان يتناول الذكر والأنثى، والجمل كالرجل، والناقة كالمرأة. هذا وضع اللسان.
وما ذكره الشيخ أبو بكر في أن السخلة لا تجزىء عن الشاة الموصى [بها] (6) على الإطلاق يظهر (7) في البعير؛ فإنه قد يبعد حمله على فصيلٍ وحُوارٍ [ومن] (8) قبل
__________
(1) في الأصل: والبقايا.
(2) في الأصل: ما ذكرناه. والمثبت تصرف من المحقق. وأما (س): فلا أثر لما ذكره الصيدلاني.
(3) في الأصل: ذكره.
(4) ما رآه: الضمير يعود على الصيدلاني، والاعتراض واضح إن شاء الله.
(5) زيادة من: (س).
(6) في الأصل: مهما.
(7) في الأصل: ويظهر.
(8) في الأصل: وقد. والمثبت تقدير منا. وعبارة (س) مضطربةٌ فيها سقط هكذا: يبعد حمله =

(11/166)


السخال في الغنم طرَدَ مذهبَه في الفُصلان ولم يُناقَض.
ثم قد ذكرنا أن مذهب جماهير الأصحاب أن الشاة مترددة بين الذكر والأنثى، والهاء للتوحيد، وما يخالف هذا بعيدٌ.
7420 - واشتهر خلاف الأصحاب في الوصية بالبقرة والبغلة، فذهب بعضهم إلى أن البقرة محمولة على الأنثى، وكذلك البغلة، وذهب آخرون إلى أنها مترددة بين الذكر والأنثى تردد الشاة، ورأيت الطرق متفقةً على أن الكلب محمولٌ على الذكر من جنسه، لا غير.
وهذه الفصول المتداخلة تقتضي ترتيباً، فنقول:
ما لا يتخيل فيه التأنيث ويجري في قبيله تمييز الواحد عن الجمع بالهاء، فالمذكور بالهاء واحدٌ من الجنس، وهذا كالجوزة والتمرة واللوزة والشجرة والنخلة ولا [تعويل] (1) على ما يُذْكر في النخيل من الذكور والإناث، والجنس الذي تتحقق فيه الذكورة والأنوثة من جهة الخلقة ينقسم، فمنه ما يتميز فيه الذكر عن الأنثى بالهاء، مع اتحاد البناء، وهذا بمثابة الكلب والكلبة، والحمار والحمارة، فالاسم المذكور مع الهاء الأنثى، ومن غير هاءٍ للذكور. وعليه (2) يخرّج قول الأصحاب في حمل الوصية [بالكلب] (3) على الذكر، وإن خطر لإنسانٍ فيه إشكال، فسببه [ردّ] (4) الاسم إلى العجمية، وليس في لغة العجم فرق بين الذكر والأنثى.
فأما ما لم يثبت في اللسان فيه [فرق] (5) بين الذكر والأنثى بالهاء ثبوتاً متحققاً
__________
= على فصيل وجوب قبل السخال في الغنم، طرد مذهبه في الفضلا.
(1) في الأصل: تحويل.
(2) في الأصل: بدون واو.
(3) في الأصل: بالطلب.
(4) في الأصل: بردّه.
(5) في الأصل: رق.

(11/167)


منقولاً، [ففيه] (1) اختلاف الأصحاب، وهذا ينقسم: فمنه ما غلب منه إرادة التوحيد، حتى لا يكاد العرب تفهم منه التأنيث، وهو كالشاة، وفيه ما لا يبعد فهم التأنيث منه، وهو كالبقرة والبغلة، [فظهر] (2) الخلاف في البقرة والبغلة [للتردد] (3) بين التوحيد والأنوثة، وبُعد الخلاف في الشاة.
فهذا ما يجب ضبطه في هذه المسائل.
7421 - ولو أوصى لإنسانٍ بدابةٍ، فاسم الدابة في اللسان ينطبق على ثلاثة أجناس: الخيل، والبغال، والحمير، ولا يندرج تحتها الإبل، وإن كانت [مركوبة] (4)، وهذا متفق عليه، ومعناه في اللسان واضحٌ، لا إشكال فيه.
ثم تردد أئمتنا في لفظ الدابة، إذا جرت في [مصر، وقد] (5) قيل: إن أهلها لا يفهمون منه إلا الحمار، فلو فرضت بلدة لا يفهم أهلها من الدابة إلا الفَرَس، نفرض (6) الكلامَ [على] (7) ما يتحمل اللفظ على موجب اللسان ليتردّد بين الأجناس الثلاثة (8): الخيل، والبغال، والحمير، أو يُحمل اللفظ على موجب عرف المكان؟ فيه تردد للأصحاب: فمنهم من لم يبال بالعرف [لظهور] (9) معنى اللسان، ومنهم من حمل اللفظ على موجب عرف المكان؛ فإن العرف قرينة الألفاظ.
7422 - ويتصل بهذا الفصل أن ألفاظ العقود في النقود قد تحمل على الدراهم
__________
(1) في الأصل: وفيه.
(2) في الأصل: فظاهر.
(3) في الأصل: المتردد.
(4) في الأصل: في كونه.
(5) في الأصل: في مصروفة.
(6) نفرض الكلام ... إلخ جواب (فلو فرضت بلدة) والاستفهام مقدّر.
(7) مزيدة من المحقق.
(8) عبارة (س): ففرض الكلام ويحمل اللفظ على موجب اللسان لتردد بين الأجناس الثلاثة ... إلخ.
(9) في الأصل: بظهور.

(11/168)


المغشوشة إذا كانت بيّنة العيار جاريةً في المعاملات، وقد ذكرنا أن الإقرار بالدراهم محمول على المطبوع من النقرة، وذكرت وجه ذلك على ما ينبغي، ولم أر للأصحاب في الوصية بالدراهم شيئاً، ووجدت صَغْوَهم الأظهرَ إلى تنزيل ألفاظ الوصايا منزلة ألفاظ المقرّين (1)، ولكن لا يبعد عن الاحتمال عندي صرف الوصية بالدراهم إلى الدراهم الجارية في المعاملات، والظاهر إجراء الوصية مجرى الإقرار، والعلم عند الله تعالى.
وتمام القول في حمل الألفاظ على العرف يأتي في كتاب الأَيمان، إن شاء الله عز وجل.
فصل
قال: " ولو قال: أعطوه كلباً من كلابي ... إلى آخره " (2).
7423 - الوصية بالكلب الذي يجوز اقتناؤه صحيحة، والكلب الذي لا يُقتنى لا تصح الوصية به، وقد فصلنا في كتاب البيع ما يصح اقتناؤه، وما لا يحل اقتناؤه، وذكرنا تفصيلاً في الجرو الذي ينتفع به إذا كبر.
والقدر الذي يُكتفى به هاهنا ما ذكرناه من الرجوع إلى جواز الاقتناء، (3 وعماد جواز الاقتناء 3) الانتفاع المشروع، ثم البيع وإن كان ممتنعاً، فالوصية جائزة؛ فإن البيع يستدعي الملكَ المطلقَ التامّ، والوصية لا تقتضي ذلك، بل أقرب معتبر فيها الوراثة، فكل ما يتعلق به حقُّ الإرث تتعلق الوصية به إذا انتفع الموصى له انتفاع الوارث.
وهذا فيه احتراز عن القصاص [وحدّ القذف] (4)؛ فإن الوارث ينتفع به من جهة
__________
(1) (س): الألفاظ المفروضة.
(2) ر. المختصر: 3/ 163.
(3) ما بين القوسين ساقط من (س).
(4) في الأصل: وجه الفرق.

(11/169)


شفاء الغليل، وهذا لا يحصل للموصى له، والوارث يخلف الموروث في الانتفاع بالكلب المنتفع به، والموصى له بمثابة الوارث، وهذا يجري مطرداً في الأعيان النجسة التي يجوز الانتفاع بها، كالزبل والخمرة المحترمة، والجلدِ القابلِ للدباغ قبل الدباغ، [فالوصية] (1) جائزة بهذه الأشياء؛ تعويلاً على تعلق استحقاق الوراثة بها مع التقييد الذي قدمناه.
ثم إن قال: أوصيت لفلان بكلب من كلابي، وله كلاب، فالوصية نافذة.
ولو قال: أوصيت لفلان بكلبٍ من مالي، ولم يكن له كلاب، فالوصية باطلة، فإن سبيل تقدير صحة الوصية ابتياع كلبٍ، وتسليمه إلى الموصى له، وهذا لا سبيل إليه؛ فبطلت الوصية.
7424 - ومما يتعلق بمقصود الفصل كيفية اعتبار خروج الكلب من الثلث: قال الأئمة: إن كان له مال سوى الكلب، فالكلب خارج، وإن كان لا يملك إلا دانقاً، ولم يخلف على ورثته غيرَ ذلك الدانق (2)، وعللوا بأن ما خلّفه من المال، وإن قل قدرُه، فهو أعلى قدراً من الكلاب؛ فإنها لو قُتلت، لم تُضمن، ولا يصح بيعها.
وعلى هذا لو أوصى بكلابه، وخلف درهماً، أو أقلَّ، فالكلاب بجملتها مسلمةٌ، والوصية بها نافذةٌ.
وذكر العراقيون هذا المسلك، وحكَوْا وجهاً آخر معه، وهو أنه لا أثر لوجود المال وعدمه في الوصية بالكلاب، حتى لو كان في يده كلب، وخفف مالاً جمّاً، وقد أوصى بذلك الكلب، فالوصية تقع بثلث الكلب، وذلك أن الكلب ليس من قبيل الأموال، وليست الأموال من جنس [الكلاب] (3)، والثلث المعتبر من ثلاثة أجزاء،
__________
(1) في الأصل: بالوصية.
(2) مكانها بياض في (س).
(3) في الأصل: الكلام.

(11/170)


فإذا لم يكن الكلب من جنس المال، فعدُّه جزءاً من المال محال، فلا أثر إذاً للمال كان [أو] (1) لم يكن.
وهذا الذي ذكروه بعيد، لا أصل له.
وكل ما ذكرناه فيه إذا أوصى بكلب أو كلاب، ومعه شيء من المال، فأما إذا لم يكن له إلا الكلاب، فأوصى بكلب منها، فللأصحاب في المعتبر الذي إليه الرجوع في الخروج من الثلث، أوجه: أحدها - أن الاعتبار بالعدد لا غير، إذ لا قيم (2) لها فتعتبر.
ومن أصحابنا من قال: [تعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة، ومبنى الثلث على هذا التقدير.
ومن أصحابنا من قال:] (3) مبنى الثلث على اعتبار منافعها، وهذا قريب من اعتبار قيمتها، فإن قيمتها لمكان منافعها.
هذا منتهى القول في ذلك.
ومن تمامه أنه لو أوصى لإنسان بكلب [أو] (4) خمر محترمة وأُهب، لم تدبغ بعدُ، فلا يمكننا اعتبار العدد في ذلك، ولا يتجه إلا قيمتها لو كانت لها قيمة، فإن منافعها لا تتجانس، فتعتبر.
ومن أصحابنا من يقول: إذا أخلف، (5) كلاباً وأزقةً من الخمر المحترمة، فتعتبر الأعداد. وهذا بعيد.
...
__________
(1) في الأصل: إذا.
(2) (س): قيمة.
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(4) في الأصل: وله.
(5) في الأصل: تكلف.

(11/171)


فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو قال: طبلاً من طبولي ... إلى آخره" (1).
7425 - الطبل له ثلاثة محامل: أحدها - طبل العطارين (2)، والثاني - طبل الحرب، وفي معناه طبل الحجيج، والثالث -[طبل] (3) اللهو، وهو الذي يضربه النسوة والمخنثون، وهو المسمى [الكوبة] (4).
فأما طبل الحرب وطبل الحجيج [وطبل] (5) العطارين، فيجوز بيعها، وتصح الوصية بها.
وأما طبل اللهو وهو الكوبة، فمن آلات الملاهي، وسبيله سبيل المعازف، ثم الضبط فيها أنه إذا وجب تغييرها إلى حدٍّ (6) يُسقط عنها الاسمَ المذكور، فالبيع باطل فيها وفاقاً.
فإن قيل: هلا صححتم البيع (7) [ونزلتموه] (8) على الأجزاء التي تبقى بعد التغيير؟ فإن آلات المعازف لا تبطل [بالكلّية] (9) ولكنها تغير وتفسد فيها الصيغة التي [تتهيّأ] (10) لهو لأجلها. ويبقى أجزاؤها ورُضَاضها، وقد ذكرنا (11) في الغصوب
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 163.
(2) طبل العطارين هو سفَط لهم، والسفط وعاءٌ يخبأ فيه الطيب ونحوه (ر. الروضة: 6/ 121).
(3) زيادة من (س).
(4) في الأصل: الكربة. والكوبة الطبل الصغير المخصّر (مصباح).
(5) في الأصل: كلمة غير مقروءة (انظر صورتها) وهي بمعنى عَيبة أو وعاء.
(6) (س): جهة.
(7) عبارة (س): صححتم البيع الواقع على الأجزاء.
(8) في الأصل: تركتموه.
(9) في الأصل: بالكلمة.
(10) في الأصل: نبهنا.
(11) (س): ذكرنا طرق الأصحاب.

(11/172)


طرق الأصحاب في [المنتهى] (1) الذي لا يتجاوز في الكسر والتغيير؟
قلنا (2): البيع وإن كان سائغاً في الرضاض، فلا يصح إيراده على آلة اللهو قبل الترضيض. وهذا متفق عليه.
والسبب فيه [استحثاث] (3) الناس على الانكفاف عن التصرف في آلات الملاهي، ولو جوزنا بيعها، ثم حملناه على [الأجزاء] (4) التي تبقى، لكان هذا تنجيزَ (5) تصرف فيما أمرنا باجتنابه، والتباعدِ عن التصرف [فيه] (6)، فنخرّج عليه أنه لو قال: " بعتك هذا "، وأشار إلى كوبة أو بَرْبَط، فالبيع باطل، وإن لم يسم؛ فإن تعليل البطلان ما ذكرناه من الانكفاف عن التصرف فيه رأساً.
ثم إذا بان فساد البيع فيها، فالوصية بالآت الملاهي فاسدة أيضاً.
فإن قيل: قد صححتم الوصية بالكلب وإن منعتم بيعه، فهلا صححتم الوصية بآلات الملاهي، حملاً على رُضاضها؛ فإن الوصية تحتمل ما لا يحتمله البيع، ولذلك صححنا الوصية بالكلب وإن لم نصحح بيعه؟
قلنا: حق من يبغي دَرْك حقائق المذهب ألا يتبع الألفاظ، ويضرب عن المعاني، فالمعنى الذي لأجله رددنا البيعَ هو المنع (7) من تعاطي هذه الأشياء، والجريان على شعار الدين في الانكفاف عن التصرف في هذه الأشياء، وهذا المعنى يجري في الوصية جريانَه في البيع، والدليل عليه أنا أخذنا الوصية من الوراثة، وقلنا: ما يستحقه الوارث لا يمتنع الوصيةُ به، ثم طبل اللهو لا يبقى في يد الوارث، فإذا كان
__________
(1) في الأصل: المسمى.
(2) في (س): فإن.
(3) في الأصل: استحقاق.
(4) في الأصل: الأجرام.
(5) كذا في النسختين ولعل الصواب تجويز.
(6) زيادة من المحقق. وفي (س) والتباعد عنه.
(7) (س): المتبع.

(11/173)


لا يبقى في يد الورثة، فلا يصح الوصية به، غيرَ أن الوارث لا يستحقه طبلاً، ولو [رُضّض] (1)، لكان الرضاض ملكَه إرثاً.
وإذا أبطلنا الوصية بطبل اللهو، لم نثبت للموصى له حقاً في رضاض الطبل، ومُكَسَّره (2)؛ فإن الوصية من العقود، فإذا أُبطلت، قُدّر كأنها لم تكن، والإرث خلافة ضرورية، ووضعُها يقتضي أن يكون الوارث كالموروث، وقد كان الطبل مقرّاً على الموروث، وملكُه مستمر في المكسّر المغيّر.
7426 - ولو أوصى لإنسان بطبل لهو، وكان يخرج عن صلاحية اللهو بتغييرٍ، كما فصلناه في كتاب الغصوب، واسم الطبل يبقى مع انتهاء التغيير المستحق نهايته، فقد قال العلماء: تصح الوصية بالطبل على هذا الوجه؛ فإن الاسم الذي اعتمد به الوصية يمكن تقريره وتنزيلُ الوصية عليه، فصحت [الوصية] (3) على هذا النسق، واتفقت الطرق عليه.
ويجب على مقتضى ذلك القطع بتصحيح الوصية بمكسّر الطبل، أو رُضاض العود؛ فإنه جَعل موردَ العقد لفظاً مشعراً بمملوك محترم، وكأنه قال: رضضوه وسلموا إليه رضاضه، والوصية تقبل التعليق.
7427 - ولو قال صاحب [البَرْبَط] (4): بعت منك رُضاض هذا، لم يصح البيع؛ فإن البيعَ لا يحتمل التعليق، فقوله: بعتك رضاضه تقديره: إذا رُضّض، فقد بعتك رُضاضه. ثم ليس للترضيض منتهى يوقف [عنده] (5) على ضبط.
فإن قلنا: يكفي في تغيير البَرْبط نزعُ الأوتار منه، فقال: بعتك هذا دون وتره [أو] (6) محلولاً الوتر (7).
__________
(1) في الأصل: رخص.
(2) الواو مزيدة من (س).
(3) في الأصل: الوجه.
(4) في الأصل: الربط.
(5) في الأصل: هزه. وهو تصحيف طريف.
(6) زيادة من المحقق.
(7) عبارة (س): بعتك محلولاً عن الوتر هذا دون وتره أو محل عن الوتر. فهذا ... إلخ.

(11/174)


فهذا يقرب من بيع ذراعٍ من خشبة تُعنى للحطب، والعلم عند الله.
7428 - ولو باع إناء من فضة، وكان اتخذ آلة من آلات الملاهي من الفضة، فإذا باعه، فهذا [محتمل] (1) عندي؛ فإن الصنعة، وإن لم تكن محترمة في آلة اللهو، وفرعنا على منع استصناع الآنية من التبرين، فالمقصود الأعظم نفاسة الجوهر، والصنعة تابعة، وليس كذلك الآلات المتخذة من الجواهر الخسيسة، كالخشب وغيرها؛ فإن المقصود الأظهرَ منها الصنعةُ، والرضاضُ بعد التكسير تابع غير مقصود، فيجوز أن يكون النظر إلى المقصود في النوعين، حتى يصحّ بيع الإناء وآلات الملاهي من التبرين.
ولا يجوز بيع آلات الملاهي من الخشب؛ فإن عماد المقصود فيها الصنعة، وهي مستحقة التغيير.
ويجوز أن يقال: لا يصح البيع في النوعين نظراً إلى الصنعة، فإن ما يبقى من آلة الخشب متموّل، وإن قل قدره.
فإذا ثبت ما ذكرناه، قلنا بعده:
7429 - إذا أوصى بطبلٍ من طبوله، وله طبولُ حرب، وطبول لهوٍ، فالوصيةُ محمولةٌ على طبل الحرب، ثم للوارث أن يعيّن من طبول الحرب ما شاء.
ولو قال الوارث: لفظُ الطبل يتناول طبلَ اللهو، وطبلَ الحرب، والطبول موجودة في تركته، فلست أحمل لفظه على طبول الحرب ليصحّ، بل أحمله على طبل اللهو ليفسد، فنقول له: إذا أوصى، فقد أثبت والتزم، فلا بد من إثبات وصيته ما وجدنا إلى الإثبات سبيلاً.
[فانتظم] (2) من هذا أن اللفظ إذا تردد بين محملين يصح في أحدهما، ويفسد في الثاني، فهو محمول على الوجه الذي يصح [فيه] (3)؛ فإن الموصي أثبت للوصية لفظاً
__________
(1) في الأصل: محمل.
(2) في الأصل: فأعظم.
(3) في الأصل: منه.

(11/175)


وقصد إثباته، فلاح [لنا] (1) من لفظه وقصده الإثبات، [فمِلنا] (2) إليه.
ولو تردد لفظُ الموصي [بين] (3) الكثرة والقلة، حملناه على القلة؛ فإن اللفظ مع القلة [مستقل] (4) والوصية ثابتة، ونحن على تردد في الزائد على حد القلة، فلا يثبت ما ترددنا فيه.
هذا أصل المذهب.
7430 - وقال الأئمة: لو أوصى بعودٍ من عيدانه، فاسم العود ينطلق على البَرْبط، وعلى العود الذي هو خشب كالعصا وغيرها، فاللفظ يحمل على العود الذي تصح الوصية به، لتناول اللفظ للنوعين، قياساً على ما ذكرناه في طبل اللهو والحرب.
7431 - وممّا ذكره الشافعي رضي الله عنه الوصية بالقسيّ (5)، فنقول: إذا أوصى بقوسٍ من قسيه، أو [من] (6) ماله، اندرج تحت لفظه قسيُّ العجم، وقسيُّ العرب، وقسي الحُسبان، والحُسبان سهام صغار، ترمى على قسيِّ العجم (7)، وهي المسماة نازك (8)، ولا يدخل تحت اسم القوس قوسُ النَّدْف ولا قوس الجُلاهق، وهو قوس البنادق؛ فإن قسيّ النَّدْف مشبهة في الصورة بالقسي لمكان أوتارها، فكان تسميتها قوساً بحق التشبيه لا بوضع الاسم، وكذلك قوس الجُلاهق. هكذا ذكره الشافعي وأطبق الأئمة عليه.
__________
(1) في الأصل: له.
(2) في الأصل: حملنا.
(3) في الأصل: من.
(4) في الأصل: مستقلة.
(5) ر. الأم: 4/ 21، والمختصر: 3/ 167.
(6) ساقطة من الأصل.
(7) الحسبان: مرامي صغار لها نصالٌ دفاق يرمي بها الرجل في جوف قصبة، ينزع في القوس، ثم يرمي بعشرين منها، فلا تمر بشيء إلا عقرته ... وقوسها فارسية صلبة. (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: فقرة: 591).
(8) في (س): المسماة بالنبل، وتسمى أيضاً: (النيزك)، وهو الرمح القصير. (ر. معجم الألفاظ الفارسية المعرّبة، والمصباح أيضاً).

(11/176)


ولو جرت الوصية في ناحية لا يعرف فيها إلا نوعٌ من هذه الأنواع، فهذا يخرّج على التردد الذي ذكرناه في الوصية بالدابة في القطر الذي لا يفهم منها إلا صنفاً واحداً.
وهذه المسألة وتيك تخرّجان على أن المتبع موجب اللسان في إطلاق اللفظ، أو ما يفهم منه في طرد العرف؟.
7432 - ولو أوصى بقوس معيَّنٍ، وكان عليه وترٌ، فقد ذكر العراقيون وجهين في دخول الوتر في الوصية: أقيسهما عندنا - أنه [لا يدخل الوتر؛ لأنه ليس جزءاً من] (1) القوس متصلاً به اتصال صيغة.
والآخر - لا اتجاه له وإن ذكره العراقيون، ولعلهم إنما يقولون هذا في القوس المعيّن، أو في قوسٍ من قِسيٍّ كلها موترة، فأما إذا لم يكن على القسيّ أوتار، وقال: اشتروا قوساً [وسلموه] (2) إلى فلان، فلا يجوز أن يُتخيلَ خلافٌ في أنه لا يجب ضمُّ وترٍ إلى القوس الموصى بها.
وما ذكروه من الخلاف في دخول الوتر تحت الوصية بالقوس يجب طرده في بيع القوس الموتر؛ فإن ما يؤخذ من الألفاظ ولا يختلف فيه موجب الوصيةِ والبيعِ [يجب] (3) طَرْدُ البابين [فيه] (4) على قضية واحدة.
7433 - ومن تمام القول في هذا أنه إذا كان عند الرجل قسيُّ ندْفٍ أو قسي جُلاهق، فقال: أوصيت لفلان بقوسٍ من قسيَّي، فالوصية تُصرف إلى قوسٍ من قسيّ الندف؛ فانه ليس [يملك] (5) غيرَها، فإضافته القوس إلى ما يملك تصريحٌ منه بقوس الندف، وهو كما لو قال: أوصيت لفلان بقوس ندف.
__________
(1) عبارة الأصل: لا يدخل على الوتر ليس جزءاً من القوس.
(2) في الأصل: ذكره.
(3) زيادة من (س).
(4) في الأصل: منه.
(5) في الأصل: تمليك.

(11/177)


ولو كان له قسيُّ ندفٍ، فقال: أوصيت لفلان بقوسٍ، أو قال: أعطوه قوساً، لم يصرف ما أوصى به إلى ما عنده، فالقوس محمولة على قوس الرمي لا غير. وإن كان يظن الظان أنه يريد بالقوس [ما] (1) عنده.
ولو قال: أعطوه عوداً من القسي، فقوس العرب يُتخذ من نبعة واحدة، وليست القوس غيرَها، فالوصية تحمل على عودٍ مهيىءٍ لقوس العرب. فأما قسيُّ العجم، فهي مركبة من [أجناس شتى] (2)، وقد يكون الخشب أقلها، فلا ينتظم لفظ العود فيها، فيتعين الصرف إلى أعواد قسي العرب، وأمثال هذا سهلة مع إحكام الأصول.
فصل
قال: " ويجعل وصيته في الرقاب والمكاتبين ... إلى آخره " (3).
7434 - إذا قال: "اجعلوا ثلث مالي في الرقاب"، فهو موضوع في المكاتبين عندنا، وعند أبي حنيفة (4) رحمه الله، وقال مالك (5): يُشترى بثلث ماله عبيد يعتقون.
واتفق العلماء على أن الرقاب في صيغة الوصية محمولة على ما يُحمل عليه قول الله تعالى في آية الصدقات: {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] غيرَ أنا حملنا الرقاب في آية الصدقات على المكاتبين، وحملها مالكٌ على صرف قسط (6) الصدقات إلى شراء عبيد ليعتقوا.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: من أجناس مجتمعة من قسي. وفي (س): من أجناسٍ مجتمعة من شتى. والمثبت تصرف من المحقق على ضوء المعنى.
(3) ر. المختصر: 3/ 163.
(4) ر. البدائع: 2/ 45، حاشية ابن عابدين: 2/ 60.
(5) ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: 1/ 421 مسألة: 616، جواهر الإكليل: 1/ 139، والتهذيب للبرادعي: 1/ 445.
(6) في الأصل: وقسط.

(11/178)


فإن قيل: اسم الرقاب يتناول المكاتبين والأرقاء، فلِمَ يتعين في الوصية الحمل على المكاتبين؟ قلنا: رأى العلماءُ لفظَ الرقاب لفظاً عاماً في اللغة، خاصاً في عرف الشريعة، فغلّبوا [اللفظ] (1) الشرعي، كما غلبوا لفظ الصوم، والصلاة، والحج، فإنها إذا جرت في وصيةٍ، أو نذر، أو يمين، كانت محمولةً على عرف الشرع، فكذلك القول في الرقاب.
ثم إذا قال: ضعوا ثلث مالي في الرقاب، فلا بد من وضعه في ثلاثة من المكاتبين فصاعداً، والاقتصار على الثلاثة جائز، والزيادة حسنة جائزة، والنقصان ممتنع، وكذلك الوصية للفقراء والمساكين، وما في معانيهم.
والقول الضابط [فيه] (2) أنه إذا أوصى لأشخاصٍ، تعيّن استيعابهم، ثم إذا كانت الوصية مطلقةً، يجب صرف الموصى به إلى جميعهم بالسوية من غير تفصيل، وإذا أوصى بشيء لموصوفين لا [حصر] (3) لهم، وكانت الصفات فيهم عوارض لا تلزم، كالفقر، والمسكنة، والغُرم، والكتابة، فهذه الوصية مستقلّة بأقلّ الجمع، ولا نقصان من الأقل، وأقل الجمع في وضع الشرع ثلاثة، ويجوز الازدياد على الأقل إلى غير نهاية، والأمر مفوض إلى رأي الوصي إذا كانت الوصية مطلقة. وفي حكم هذا القسم جواز تفضيل [البعض] (4) على البعض، حتى لو رأى الصرف إلى ثلاثة، فصرف المعظم إلى واحد منهم، وصرف إلى كل واحد من الباقين مقداراً نزراً، جاز ذلك، على ما سيأتي تقرير هذا في قَسْم الصدقات، إن شاء الله عز وجل.
7435 - ولو أوصى لأقوامٍ يبعد عن الإمكان حصرهم، وكانوا موصوفين بصفات ملازمة لهم، لا تحل محل العوارض التي يفرض طريانُها وزوالُها، وهذا بمثابة الوصية للعلويّة، فأنسابهم في حكم الصفات اللازمة، وحصرهم غير ممكن، ففي
__________
(1) في الأصل: "العرف".
(2) في الأصل: منه.
(3) في الأصل: لا حصة.
(4) ساقطة من الأصل.

(11/179)


صحة الوصية لهم قولان؛ فإن الصفات إذا لزمتهم، تضمن ذلك كونَهم مقصودين بأعيانهم، وليسوا كالموصوفين بما يعرِض ويزول؛ فإن الأشخاص ليسوا معينين، فإنما العَرَضُ يتبع الصفة التي يقع التعرض لها في جمعٍ، وسيأتي تفصيل القول في الوصية للعلوية وغيرهم، وإنما اعترض ذكرهم لاستيعاب أقسام الكلام، والغرض الآن أن الاقتصار على ثلاثة في الوصية للرقاب سائغ، كما يسوغ الاقتصار على ثلاثة في صرف سهام الرقاب من الزكاة إليهم، ثم الوصي إن صرف الموصى به إلى ثلاثة من المكاتبين، فقد وفَّى، وإن صرف الموصى به إلى اثنين وفات الأمرُ، فإنه يغرَم حصة ثالث، وفي القدر الذي يغرَمه خلاف مشهور.
ومن أصحابنا من قال: يغرَم له أقلَّ ما يتموّل، فإنه لو صرف إليه ذلك القدر ابتداء، لكان خارجاً عن العهدة [وافياً] (1) بموجب الوصية، فخرج عن عهدة [الغرم، بما كان يخرج به عن عهدة] (2) الوصية ابتداء.
ومن أصحابنا من قال: يلزم لمكاتب ثلث الموصى به، فإنه غرم واحداً من ثلاثة، وانتسب إلى المخالفة الملزمة للغرامة، فيجب أن يكون مطالباً بمقدارٍ منضبط، وأقرب الأمر الفَضُّ على رؤوسٍ ثلاثة. وسنشرح هذا أيضاً في قَسْم الصدقات، إن شاء الله عز وجل، فاكتفينا بذكر مراسمَ في التقاسيم.
7436 - فإن قيل: إذا صححتم الوصية للعلوية، فهل توجبون استيعابهم؟ قلنا: إيجاب ما لا يستطاع محال، فالوصية إذا صحت لهم، فهم نازلون منزلة الفقراء، فيجوز الاكتفاء بثلاثة منهم، ثم لا يجب التسوية، بل يجوز تفضيل البعض على البعض، كما ذكرناه في الفقراء، ثم إذا أوجبنا على الوصي أن يغرم لمكاتبٍ ثالث شيئاً، فقد قال القفال [فيما] (3) حكاه الصيدلاني: ليس لهذا الوصي أن يدفع بنفسه ما لم يلزمه إلى مكاتبٍ؛ فإنه إنما يسلم إلى المكاتَبَيْن [ما] (4) يسلِّم بحكم الوصية،
__________
(1) في الأصل: رانياً.
(2) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(3) في الأصل: فما.
(4) في الأصل: "فما".

(11/180)


وكونه وصياً، وهو الآن غارم، وليس وصيّاً [فيما] (1) يغرمه ولا مؤتمناً، فيتعين عليه أن يسلم ما يلزمه إلى حاكمٍ ليقبضه منه. ثم لو ائتمنه ذلك الحاكم فأمره بصرفه إلى مكاتب، جاز له ذلك امتثالاً لأمر الحاكم، وهذا حسن ظاهر.
فصل
قال: "فإن لم يبلغ ثلاث رقاب، وبلغ أقل من رقبتين ... الفصل" (2).
7437 - ذكر المزني هذا الفصلَ معطوفاً على الوصية للرقاب، وفي العطف إخلالٌ؛ فإن مضمون هذا الفصل الكلامُ في صرف ثلث المال إلى عبيد يشترَوْن ويعتقون، ومضمون الفصل الأول في صرف طائفة من المال إلى جمعٍ من المكاتبين، فإذا قال بعد نجاز الكلام في المكاتبين: " فإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين "، لم ينتظم مبتدأ هذا الكلام مع مختتم الفصل الأول، وكان الوجه أن يبتدىء، فيقول: " لو أوصى بصرف شيء من ماله إلى شراء عبيدٍ، فلم يبلغ [ثلاث] (3) رقاب، فحكمه كذا ".
نعود إلى مقصود الفصل وفقهه ونقول:
7438 - إذا أوصى بصرف ثلث ماله إلى شراء عبيد ليعتقوا، فلا بد من صرفه إلى ثلاثة من العبيد؛ لأن اللفظ لفظ الجمع، فإن لم يوجد بثُلثِه ثلاثةُ أعبد، فقد قالت الأئمة المعتبرون من المراوزة: نصرف الثلثَ إلى عبدين [نفيسين] (4)، فإن لم يتأت إلا صرفُه إلى عبدين، وفضل فضلٌ لم نجد به رقبة، ولم نجد عبدين يستوعب [ثمنهما] (5) الثلثَ، فالفاضل مردود على الورثة، والوصية باطلةٌ فيه، ولا يجب
__________
(1) في الأصل: مما.
(2) ر. المختصر: 3/ 163.
(3) في الأصل: ثمن، و (س): ثمان، والمثبت تقدير منا أخذاً من عبارة المزني المذكورة آنفاً.
(4) في الأصل: شيئين.
(5) في الأصل: منها.

(11/181)


صرف ذلك الفضل إلى شقصٍ (1) من عبد، وعللوا هذا بأنه ذكر العبيد، واسم العبد لا ينطلق على شقص من عبد.
هذا مسلك أئمتنا المراوزة.
وأخذ العراقيون مأخذاً آخر، وقالوا: لا يرتدّ الفاضل إلى الورثة، بل يجب صرفه إلى شقصٍ من عبد؛ فإن غرض الموصي أن يصرف الثلث إلى جهة العتق، فإن تمكنا من الوصول إلى تحصيل العتق في أشخاصٍ، فعلنا ذلك، وإن لم نقدر على تحصيل العتق في [جمعٍ] (2) من الأشخاص، حصلناه في شخصٍ أو شخصين، فإن فضل فضلٌ، [فصرفه] (3) إلى شقصٍ أقربُ إلى مقصودِ الموصي من رده إلى الورثة.
ثم قالوا: إن أمكن صرف الثلث إلى عبدين نفيسين يستوعب ثمنهما الثلث، وأمكن صرفه إلى عبدين دونهما مع صرف الفاضل إلى شقص، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنه يجب أن نشتري العبدين النفيسين؛ حتى لا يؤدي إلى التبعيض. وهذا المسلك حتمٌ. قالوا: وهو اختيار ابن سريج.
والوجه الثاني - وهو اختيار أبي إسحاق فيما حَكَوْه أنه يجب أن نشتري عبدين، ونُفْضل، ونشتري بالفضل جزءاً من ثالثٍ؛ فإن هذا أقربُ إلى مقصود الموصي؛ إذ من مقصوده ربطُ العتق [بجمع] (4).
وطريق العراقيين بعيدةٌ عن طريق المراوزة؛ فإنهم لم يرَوا لشراء الشقص وإعتاقه وجهاً، وإذا [فرض] (5)، لم يقع عن جهة الوصية عندهم.
__________
(1) (س): بعض.
(2) في الأصل: جميع.
(3) في الأصل: فنصرفه.
(4) في الأصل:، بجميع، وفي (س): "بجميع الثلث" والمثبت تصرّف من المحقق رعاية للمعنى المقصود.
(5) في الأصل: مرض.

(11/182)


فالخارج من أقوال الأئمة [أن] (1) الصرف إلى ثلاثة من غير تشقيص إن أمكن تعيّن. ولو في أخسّاء من المماليك.
وإن لم نجد ثلاثة، ووجدنا عبدين وشقصاً، فالمراوزة قاطعون بردّ الفضل إلى الورثة، والعراقيون قاطعون بوجوب صرفه إلى شقصٍ.
وإن [تصدّى] (2) لنا شراء نفيسين وشراء عبدين دونهما مع شراء شقصٍ في ثالث، [فقد] (3) ذكر العراقيون وجهين، كما قدمنا، وقطع المراوزة بما حَكوه من اختيار ابن سُريج.
7439 - ثم قال العراقيون: إذا قال المريض: اشتروا عبداً وأعتقوه عنِّي، فاشترى الوارث عبداً وأعتقه، ثم ظهر دينٌ مستغرق للتركة، نُظر: فإن كان اشترى من عين التركة، فقد بان بطلان البيع؛ إذ لا وصية مع الدين ولا ينفذ صرف شيء من التركة إلى ثمن العبد المشترى، لمكان الدَّين المستغرِق للتركة، فالعبد مردود على بائعه، والعتق فاسدٌ، وثمن العبد يُسترد ويصرف إلى الدين. وإن كان اشترى العبد في الذمة وأعتقه، نفذ البيع والعتقُ؛ فإن البيع اعتمد الذمة، فصح للوارث (4)، ثم يَسْري العتقُ منه مطلقاً في ملكه، فلا مرد له. وهذا واضح لا خفاء به.
فصل
قال: "ولو أوصى أن يحج عنه، ولم يكن حج حجةَ الإسلام ... الفصل" (5).
7440 - ذكرنا صدراً صالحاً في الاستئجار على الحج المفروض والمتطوّع به في كتاب الحج، وقد يتكرر في أثناء الكلام بعضُ تلك القواعد.
__________
(1) في الأصل: إلى.
(2) في الأصل: تعدى.
(3) في الأصل: نفذ.
(4) (س): من الوارث.
(5) ر. مختصر المزني: 3/ 164.

(11/183)


فإذا استجمع الكامل شرائط الاستطاعة، والتزم حجةَ الإسلام، ومات فتحصيل الحج دين من رأس التركة، أوصى به أو لم يوصِ. وقال أبو حنيفة (1): إذا مات ولم يوص، لم يحج عنه، وطرد هذا في الزكوات المستقرة في حالة الحياة، فقال: إذا مات من تجمعت عليه الزكاة، ولم يوصِ بأدائها، لم تُخرج من ماله، وإن لقي الله عاصياً، وإن أوصى بإخراجها، أُخرجت من ثُلثه إن وفّى بها.
وكان شيخنا أبو محمد رحمة الله عليه يحكي هذا قولاً قديماً للشافعي رضي الله عنه، ولم يتعرض لحكاية هذا أحد من الأئمة الذين يبعد أن يشذ [عنهم] (2) قريب وبعيد.
ثم معتمد أبي حنيفة رحمة الله عليه افتقارُ الزكاة إلى النية، ثم إن صدرت النية من ملتزم الزكاة، فذاك، وإلا (3) قامت نية من يستنيبه مقامَ نيته، فإذا مات، فقد فات صدَرُ (4) النية منه، ولم يوص، فتقوم نية وصيِّه ومأموره مقام نيته.
وهذا لا يستقيم على أصلنا مع مصيرنا إلى أن السلطان يأخذ زكوات الممتنعين، كما صح ذلك في سيرة الصديق رضي الله عنه، وإنما تردد أصحابنا في أن السلطان إذا أخذ الزكاة قهراً، وسقطت طَلِبتُه، فهل تسقط الزكاة عمن عليه باطناً بينه وبين الله تعالى؟ فيه اختلاف ذكرناه في موضعه من الزكاة. ثم كنا نقول في مراجعة شيخنا أبي محمد: القياس إن لم يكن من هذا القول [بُدّ] (5) أن يقال: إذا أوصى، فالزكاة محسوبة من رأس المال؛ فإن متعلق هذا المذهب [تعذّرُ] (6) النية وسقوطُ الزكاة بتعذرها، فإذا جرت الوصاية، فقد أمكنت النية على طريق النيابة، فليؤدِّ الزكاة ديناً، فكان يأبى هذا ويقول: "القول القديم مثلُ مذهب أبي حنيفة، فالزكاة تسقط إذا لم
__________
(1) ر. رؤوس المسائل: 247 مسألة: 141، حاشية ابن عابدين: 2/ 28، 5/ 415.
(2) في الأصل: منهم.
(3) (الواو) مزيدة من (س).
(4) صدر النية: أي صدور.
(5) في الأصل: به.
(6) في الأصل: يعتذر.

(11/184)


تجر وصية، فإن جرت، فهي من الثلث"، وهذا لا أعرف له وجهاً أصلاً.
رجع بنا الكلامُ إلى التفريع على أصل المذهب، فنقول:
7441 - إذا استقر الحج في ذمته ومات، [فحجة] (1) الإسلام الواقعة ركناً ميقاتية، هذا هو الركن، فيستأجر من الميقات أجيراً بأجرة قريبة، ويتأدى حج الإسلام به.
ولو كان نذر حجاً في صحته، لزمه الوفاء به إن استطاع إلى الحج سبيلاً، فلو مات قبل الوفاء، ففي الحجة المنذورة قولان: أحدهما - أنها دَيْنٌ، كحجة الإسلام من رأس المال (2)، ووجهه أنه وجب في الصحة، فاستقر في الذمة، فكان ديناً لله تعالى كحجة الإسلام.
والقول الثاني - أنها لا تكون من رأس التركة؛ فإن الناذر أدخل الوجوبَ على نفسه، فيجوز أن يقال: يُلزمه الشرع الوفاء به في تمكنه، فأما أن يصير ما أدخله على نفسه مزاحماً [لحقوق] (3) الورثة، فلا.
وهذا التوجيه فيه مخيلةٌ (4) من الفقه، وهو معنى (5) قول بعض الأصحاب: إن هذين القولين [مبنيان] (6) على أن [المنذور] (7) هل يثبت له حكم الواجب شرعاً أم لا؟ وهذا فيه لبس وتعقيد؛ فإن الذي ذُكر من التردّد في أن الواجب بالنذر هل يأخذ حكم الواجب شرعاً؛ معناه أن من نذر لله تعالى صلاةً، ثم صلى قاعداً مع القدرة على القيام، فهل يخرج عن موجَب نذره؟ فهذا ومثله يخرّج على القولين في أن الواجب بالنذر هل يتقيد بالشرائط المرعية في الواجب شرعاً، ففي قولٍ نحمل [النذر] (8) على
__________
(1) في الأصل: بحجة.
(2) جعلهما النووي وجهين، وقال: إن هذا أصحهما (ر. الروضة: 6/ 197).
(3) في الأصل: بحقوق.
(4) (س): فيه مختلف في الفقه.
(5) في الأصل: وهو معنى عن قول بعض الأصحاب. وفي (س): وهو خارج عن قول بعض الأصحاب.
(6) في الأصل: ينتهيان.
(7) في النسختين: النذور.
(8) في الأصل: القدر.

(11/185)


ما يسمى صلاة؛ اتباعاً للفظ، وفي قول نحمله على مضاهاة الواجب شرعاً؛ تقريباً وتشبيهاً. فهذا مأخذ ذلك.
فأما القول في أن المنذور هل يكون من رأس التركة يبعد (1) أخذه مما ذكره هؤلاء.
والخلاف في احتساب الكفارة من رأس التركة، وقد لزمت الكفارة في الصحة، كالخلاف في الملتزم بالنذر؛ فإن الكفارات دخلت عليه بتسبُّبِه إلى التزامها، وليست من وظائف الشرع، فنزلت منزلة المنذور.
وهذا فيما يجري في الصحة.
والنذرُ الذي يصدر من المريض في مرضه المخوف من الثلث، لا خلاف فيه، وكذلك الكفارات التي تجري أسبابها في المرض.
ونقول وراء ذلك: نذر الصحة إن (2) جعلناه ديناً، فلا كلام. وإن لم نجعله ديناً، فالذي أشعر به كلام الأئمة أنه لا بد من الوصية فيه، فإن لم تكن (3)، [سقط] (4) بالكلية.
وفي بعض كلام المحققين ما يدل على أنها تخرج من الثلث، وإن لم يكن وصية؛ فهي مستحقة من الثلث، ونفسُ جريان النذر في حكم الوصية به، وكذلك القول في الكفارات وأسبابها.
وهذا فقيهٌ حسن.
7442 - ومما نذكره في قاعدة الفصل أن الوصية بحج التطوع هل تصح؟ فعلى قولين (5) مشهورين ذكرناهما في المناسك، والأصح في الفتوى الصحة، وهو الذي
__________
(1) بدون الفاء في جواب (أما) كدأب الإمام في اختيار هذه اللغة الكوفية.
(2) في الأصل: وإن.
(3) فإن لم تكن: أي فإن لم توجد الوصية.
(4) في النسختين (سقطت). والمثبت تصرف من المحقق، فالفاعل ضمير يعود على النذر.
(5) في الأصل: وجهين قولين، وفي (س) وجهين: والتصويب من العزيز للرافعي، والروضة للنووي، وقد قال: إن الأظهر صحة الوصية بحج التطوع. (ر. العزيز: 7/ 121، والروضة: 6/ 195).

(11/186)


تشهد له [الآثار] (1) والأقيسُ أنها لا تصح؛ فإن الحج عبادةٌ بدنية وإجراء النيابة في المفروض منه في حكم الضرورة المتبوعة بطريق الرخصة، والوصيةُ بالتطوع مستغنى عنها.
ثم ذكر طوائف من أئمتنا أنا إذا صححنا الوصية بالحج تطوعاً، فهل تقدم على سائر الوصايا، أم هي مساوية لها في المرتبة؟ فعلى قولين: أحدهما - أنها مقدَّمة. والثاني - أنها مساوية، وهذا ترددٌ وذكر اختلاف قول، لستُ أعرف وجهه؛ فإن الوصية بالحج ليست على مرتبة من التأكيد تقتضي تقديمَها، وكيف يُدّعى ذلك وفي (2) أصل صحتها قولان: أحدهما -[عدمُ] (3) الثبوت، والمشهورُ اختلاف القول في تقديم الوصية بالعتق على ما سواه من الوصايا، وذلك لسلطان العتق في نفوذه، كما سيأتي شرح ذلك في مسائل الوصايا بالعتق.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة ناصة على الحقيقة تشفي الغليل، وعليها التعويل عندي: قال رضي الله عنه: الوصية بحج التطوع لا تقدم على غيرها من الوصايا إلا أن ينص الموصي على تقديمها، فتقدم حينئذ بحكم الإيصاء، كما سنصف ذلك أثناء الفصل، إن شاء الله عز وجل.
والحجة المنذورة في الصحة إذا قلنا: إنها محسوبة من الثلث، قال رضي الله عنه: هل تقدم على سائر الوصايا؟ فعلى قولين: أحدهما - لا تقدم؛ لأن محلها الثلث.
والثاني - أنها مقدمة لتأكد لزومها في حالة الصحة. وهذا في نهاية الحسن.
ثم قال رضي الله عنه: نُجري في الوصية بالحج والوصية لزيد وعمرو بشيءٍ الاختلافَ في أنه إذا ازدحم على [المال] (4) المتضايق حق الله تعالى، وحق الآدميين، فالمقدم أيُّهما؟ وفيه أقوال ستأتي، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في الأصل: الاختيار.
(2) في الأصل: في صحتها (بدون واو).
(3) في الأصل: أحدهما عن الثبوت ... وعبارة (س): قولان لبعدها من الثبوت.
(4) في النسختين: "الحال" والمثبت من اختيارنا.

(11/187)


فإن قلنا: المقدَّم حقُّ الله تعالى، اتجه عليه تقديمُ الحج على الوصية للآدميين، وإن لم نَرَ ذلك، فقد نقدم حقَّ الآدمي في قول وقد نُسوِّي.
فأما الوصية بالحج والوصية بالصدقة إذا اجتمعا، فلا وجه لتقديم الوصية بالحج.
وكل ما ذكرناه في حكم المقدِّمة لمقصود الفصل.
7443 - ونحن الآن نعود إلى غرض الفصل ونقول:
قد بينا أن حجة الإسلام إذا قرّت في الذمة، فهي دين، فلو كان أوصى الرجل بوصايا، ثم قال: أحِجوا عني حجةَ الإسلام من ثلثي، فقوله هذا محمول على مزاحمة الحج للوصايا، حتى إذا زاحمها، وقلت الوصايا [بمزاحمته] (1) إياها، فإن تحصّل ما يتأدى الحج به من المضاربة، فهو المراد، وإن لم يتحصل من مزاحمة الوصايا ما يتم به الحج، أكملناه من رأس المال.
هذا إذا صرح الوصي بالإحجاج عنه من ثُلثه، وكان عليه حجةُ الإسلام، وقد استكمل الاستطاعة في حياته.
ولو قال: أوصيت إليكم أن تُحجوا عني إنساناً، ولم يتعرض للثلث ولاعتبار الحج منه، ولكنه ذكر لفظ الوصية، فقد اختلف أصحابنا في ذلك على ما حكاه العراقيون، فذهب بعضهم إلى أن هذا [ينزل] (2) منزلة تصريحه بالإحجاج عنه من ثلثه، حتى يقتضي مزاحمةَ الوصايا؛ فإن الوصية لفظةٌ مشهورةٌ فيما يحسب من الثلث، فجرى مجرى التصريح بالحَسْب (3) من الثلث.
وذهب آخرون إلى أن الحج لا يزاحم الوصايا إذا لم ينصّ الموصي على اعتباره من الثلث؛ فإن الإيصاء بمثابة الأمر، ولو قال: أحجوا عني إنساناً، لم يتضمن مجردُ
__________
(1) في الأصل: المزاحمة.
(2) في الأصل: نزلت.
(3) (س): في الاحتساب.

(11/188)


الأمر مزاحمةَ الحج للوصايا، ثم ذكروا صورةً أخرى، ورتبوا [فيها] (1) الخلاف على ما ذكرناه، وقالوا: إذا قال: أوصيت إليكم أن تُحجوا عني وأن تصدقوا بكذا، وتعتقوا رقبة، فذكر لفظ الوصية في الحج [وقَرَنه] (2) بما هو محسوب من الثلث، فهل يتضمن هذا في الحج مزاحمة الوصايا به؟ فعلى وجهين مرتبين على الوجهين فيه إذا أطلق الوصية بالحج، ولم يقرنه بتبرعٍ محسوبٍ من الثلث، وهذه الصورة الأخيرة أولى بحَسْب الحج فيها من الثلث؛ فإنه انضم إلى لفظ الوصية ذكرُ الحج مع تبرعٍ يحسب من الثلث في قَرَنٍ، والإقران في الذكر من ضروب البيان.
ولو [أمر] (3) بالإحجاج عنه، وقرن الحجَّ بتبرعٍ، ولم يَجْر لفظُ الوصية، ففي [مزاحمة] (4) الوصايا بالحج خلاف، والأظهر أنا لا نزاحم به، إذا لم يجْرِ لفظُ الوصية؛ فإن مجرد الاقتران لا يستقل بنفسه تبييناً، ولكن إذا جرى لفظٌ له مقتضىً، فالاقتران يؤكده.
هذا مجموع القول في ذكر الحج أمراً وإيصاء، وتصريحاً بالحَسْب من الثلث، وذكْرِ غيره معه.
7444 - وما ذكرناه في الحج، وهو دين يحتسب من رأس المال يجري في جملة الحقوق التي سبيلها أن تكون من رأس المال.
فإذا نصّ مَنْ عليه الحق على حَسْبه من الثلث إذا أطلق لفظَ الإيصاء أو قرنه بتبرعٍ، فالتفصيل في المزاحمة على ما ذكرناه في الحج، وفاقاً وخلافاً.
7445 - ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أنا إذا فرعنا على تقديم الوصية [بحجّ] (5) التطوع على الوصايا، فإذا أوصى [من] (6) عليه حجةُ الإسلام، فإن تحصل الحجة من
__________
(1) في الأصل: منها.
(2) في الأصل كلمة غير مقروءة رسمت هكذا: [ونسريه].
(3) في الأصل: أصر.
(4) في الأصل: تزاحمه.
(5) في الأصل: فحج.
(6) سقطت من الأصل.

(11/189)


ثُلثه؛ فالذي دلّ عليه فحوى كلام الأئمة أنا على تقديم الحج على الوصايا نقدم حجة الإسلام على الوصايا جُمَع، فلا مزاحمة، حتى إن لم يفضل من الثلث شيء، بطلت الوصايا، وإذا فضل عن تمام الحج شيءٌ، صرف الفضلُ إلى الوصايا [وفُض] (1) عليها، فتثبت المزاحمة في الثلث بحج الإسلام على حسب المزاحمة من حج التطوع والوصايا.
ومن أصحابنا من قال: نحن وإن قدمنا حجة التطوع على الوصايا، فإذا أوصى أن يوقع حجة الإسلام في الثلث، لم نقدمها، وذلك أنا نتلقى الاحتساب في الثلث من قوله المشعر بإرادة (2) المزاحمة، وإلا فحجة الإسلام حقُّها أن تُقدَّمَ على الثلث، فإن أثّر تقديمُها في [تقليل] (3) الثلث، فلا بد من ذلك، فأما مزاحمة الوصايا في محل الوصايا، فمتلقى من [قصد] (4) الموصي، لا من مقتضى حجة الإسلام.
نعم، إن قال: قدموا حجِّي في ثلثي على الوصايا، فيقدّم حينئذٍ عليها؛ اتّباعاً للفظه.
7446 - ومما نذكره في استكمال هذا أنا إذا صححنا الوصية بحجة التطوع، فإذا أطلق الوصية بها، فقد ذكر العراقيون وجهين في أن الوصية المطلقة بالحجة محمولةٌ على حجة [ميقاتية] (5)، أم هي محمولة على حجة ينتهض لها قاصداً من دويرة الموصي؟ أحدهما - أنها محمولة على ميقاتية، ولعل هذا هو الظاهر؛ فإن ألفاظ الموصي محمولة على أقل المعاني، فلذلك تحمل الوصية [بالمال] (6) على أقل ما يتموّل، كما يحمل الأقرار عليه. واسم الحج ينطلق على الحج الميقاتي، فليقع الاكتفاء به.
__________
(1) في الأصل: ونص، وفي (س): ومضى. والمثبت اختيار المحقق على ضوء السياق والمعهود من ألفاظ الإمام.
(2) في الأصل: فإرادة.
(3) في الأصل: تعليل.
(4) في الأصل: فصل.
(5) في الأصل: منقاسة.
(6) في الأصل: فالمال.

(11/190)


والوجه الثاني - أن الوصية المطلقة محمولة على إحجاج قاصدٍ من دويرة الموصي؛ إذ هذا هو العرف الغالب، وهو المفهوم من الحج المطلق، فإذا أراد مريدٌ الحجَّ الميقاتي، قيده بذلك. والعرف إذا اقترن باللفظ، كان اللفظ محمولاً على موجب العرف، فإذا تبين ذلك، فلو قال في حجة الإسلام: أحجوا عني رجلاً من ثلثي، فالحج من الميقات مردودٌ إلى الثلث لغرض المزاحمة، وهل يتضمن الأمر بالإحجاج ترشيحَ قاصدٍ من دويرة الموصي؟ اختلف أصحابنا في ذلك أخذاً من الوصية المطلقة [بحج] (1) التطوع، فمنهم من قال: لا يُحَج عنه إلا من الميقات، والمزاحمة تقع بالحجة الميقاتية، ومنهم من قال: ذكْر الحج في محل الوصايا يتضمن أن نرشح عنه قاصداً من دويرته.
وكان شيخي يقول: الأمر المطلق بالحج والحج ركنٌ لا يتضمن [الإحجاج] (2) من دويرته، والأمر على ما قال.
وقال الأصحاب كافة: إذا فرعنا على أن حج التطوع مقدم على الوصايا، فهذا [فيه] (3) إذا كان المبذول للأجير مقدارَ أجر مثله، فإن كان بذل له الموصي أكثرَ من أجر مثله، فتلك الزيادة الموصى بها لا تقدم على الوصايا قولاً واحداً؛ فإن سبب التقديم في الحج قوةُ الحج، أو شرفه، أو ما يرى (4)، وهذا يختص بالحج، فإذا فرضتَ نِحْلة ومزيداً (5) في الأجرة، فذلك الزائد كالوصايا.
وذكر شيخي أبو محمد أن من أصحابنا من رأى تقديم الزائد على أجر المثل في الحج على الوصايا إذا وقع التفريع على تقديم الحج؛ فإن (6) ما يثبت عوضاً في الحج يتبعه في مقتضاه، ويكتسب حكمه. وهذا بعيدٌ، لم أره إلا له.
__________
(1) في الأصل: فحج.
(2) في الأصل: بالإحجاج.
(3) في الأصل: منه.
(4) أو ما يرى: أي إرادة الموصي ذلك.
(5) سقطت من (س).
(6) (س): فأما.

(11/191)


7447 - ثم إن ابن الحداد ذكر مسألة وأخرى معها ثم شعّبهما الأصحاب بالتفريع.
قال ابن الحداد: إذا كان على الإنسان حجةُ الإسلام، وقد وضح أنها ميقاتية.
فإذا قال: أخرجوا حجة الإسلام من ثلثي، [وأخرجوا] (1) أجرته إلى فلان، وسمى زيداً مثلاً، وقرر الأجرة، وقال مائة، وكان مقدار أجرته أجرة المثل، وأوصى لعمرٍو بما يبقى من ثلثه بعد الحج، وأوصى لبكرٍ بثلث ماله، وخلّف تسعمائة، فإن أجاز الورثة الوصايا، صرفنا ثلثاً كاملاً، وهو ثلاثمائة إلى الموصى له بالثلث، وصرفنا من ثلثٍ آخر مائة إلى الحج، وصرفنا الباقي من هذا الثلث وهو مائتان إلى عمرو، وهذا ترتيب القسمة حال الإجازة.
ولو رد الورثة الوصايا إلى الثلث، وأبطلوا الزائد عليه، والثلث ثلاثمائة في هذه الصورة، فحاصل ما ذكره الأئمة في كيفية القسمة بين الوصايا ثلاثة أوجه: أحدها - غلطٌ على المذهب.
والثاني - مزيّفٌ.
والثالث - المذهب.
7448 - أما الغلط، فجواب ابن الحداد، قال: يصرف مائة إلى الحج، ويقسم باقي الثلث وهو مائتان بين عمرو الموصى له بباقي الثلث بعد الحج، وبين بكر الموصى له بالثلث، واعتلّ ابنُ الحداد بأن قال: لو ثبت الوصية بالحج مع الوصية بالباقي بعد الحج، والمسألة كما صورناها، [لقلنا: للحجّ] (2) مائة، والباقي [للموصى] (3) له بما يبقى من الحج، ولو فرضنا الوصية بالحج مع الوصية بالثلث، لقلنا مع ردّ الورثة الزائدَ على الثلث: نصرف إلى الحج مائة، ونصرف إلى الموصى له بالثلث مائتين، فإذا كان كل واحد من الرجلين في الوصية بالباقي، والوصية بالثلث
__________
(1) في الأصل كلمة غير مقروءة. (انظر صورتها).
(2) في الأصل: فقلنا صحَّحَ مائة.
(3) في الأصل: يعرض له ما يبقى.

(11/192)


يستحق مائتين، فإذا اجتمعا مع الحج وقد بان مساواة ما يستحقه كل واحدٍ لما يستحقه صاحبه، فإذا اجتمعا، استويا. فهذا [إذاً مصير منه] (1) إلى تقديم الحج.
ثم فرع بعد هذا على مذهب أبي حنيفة؛ فإنه يُقدّر في قسمة الرد -بين الذين لهم الوصية- حالةَ انفراد كل واحد منهم، ولهذا يقول: الموصى له بالنصف يساوي الموصى له بالثلث عند رد الوصيتين إلى الثلث؛ لأن الورثة إذا ردوا الزائد وفرض انفراد الموصى له بالثلث، فليس له إلا الثلث، ولو فرض عند ردهم انفراد الموصى له بالنصف، فليس له إلا الثلث، فإذا اجتمعا في المسألة اشتركا على استواء في الثلث.
هذا مذهب أبي حنيفة (2).
ونحن نقول: الاعتبار في حالة الرد بنسبة القيمة حالة الإجازة، والموصى له بالنصف يفضُل الموصى له بالثلث حالة الإجازة؛ فيتفاضلان في الثلث حالة الرد على نسبة التفاضل حالة الإجازة، كذلك نقول في مسألة ابن الحداد: [لو] (3) أجيزت الوصايا، فالحج مائة، وللموصى له بالباقي مائتان، وللموصى له بالثلث ثَلاثُمائة، فإذا رُدّت الوصايا إلى الثلث، ورأينا تقديم الحج، يجب أن تكون القسمة بين صاحب الثلث والباقي على [التفاضل] (4)، كما سنصفه عند ذكرنا الوجه الثالث إن شاء الله.
هذا جواب ابن الحداد وبيان خطئه.
وهذا الجواب وإن صدر عن رجل عظيم القدر، فليس معدوداً من المذهب؛ فإنه غلطٌ لا يستراب فيه.
7449 - والوجه الثاني - وهو المزيّف الضعيف مذهب ابن خَيْران، قال: وجدنا الثلثين حالة الإجازة على ستة أسهم بين الوصايا والحج: للحج منها سهم،
__________
(1) في الأصل: فهذا إذ لا مصير منه، و (س): وهذا أولاً تضمن منه إلى يم الحج، والمثبت تصرف من المحقق.
(2) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 9 مسألة رقم 2153، ومختصر الطحاوي: 158.
(3) في النسختين: ولو. (ولا محلّ للواو، فحذفناها).
(4) في الأصل: الفاضل.

(11/193)


وللموصى له بالباقي سهمان، وللموصى له بالثلث ثلاثة أسهم، فنتخذ هذه النسبة أصلاً في الرد، ونقول: للموصى له بالثلث ثلاثةُ أسهم من ثلاثمائة، وهو مائة وخمسون، وللموصى له بالباقي سهمان، وهو مائة، ولجهة الحج خمسون.
والثلاثمائة كذلك تنقسم إذا قسمت أسداساً.
وهذا الذي ذكره ركيك بالغٌ في الرداءة؛ فإن الموصى له بالباقي [مؤخر] (1) عن تقدير تمام الحج، فالتبعيض من الحج ساقط رديء، وقد وافق ابن خَيْران في أن الموصي لو صرح بتقديم الحج، فقال: قدموا الحج بمائة، وما فضل فهو إلى تمام الثلث لعمرو، فلا يدخل النقص -إذا كان كذلك- على الحج، وقوله ما فضل من الحج تصريحٌ بتقديم الحج، ونظره إلى سهام الإجازة نظرٌ (2) من حيث الظاهر لا غوْصَ (3) فيه؛ فإن الباقي من الحج وقع سهمين، فإذا ردّت الوصايا، فينبغي أن نعتبر الباقي من الحج، ثم ننظر كم يقع.
فقد بطل هذا المذهب.
وما ذكره ابنُ الحداد، وإن لم يخرّج على مذهب الشافعي رضي الله عنه، فهو خارج على مذهب أبي حنيفة.
7450 - والمذهب الصحيح أنا إذا رأينا تقديمَ الحج، أخرجنا للحج مائة، وقسمنا الباقي بين الموصى له بالثلث وبين الموصى له بالفضل من الحج أخماساً؛ فإن الوصية بالثلث والوصية بالباقي على هذه النسبة [وقعتا] (4) حالة الإجازة، إذا صرفنا إلى الحج مائة، وإلى الموصى له بالثلث ثلاثمائة، وإلى الموصى له بالباقي مائتين، فنرعى هذه النسبة في الوصيتين بعد تقديم الحج؛ فإنا على تقديمه نفرع.
فإن لم نر تقديمَ الحج، فالوجه أن نقول: كنا صرفنا حالة الإجازة ثلثاً إلى الحج،
__________
(1) في الأصل: مرجو.
(2) عبارة (س): ونظره إلى سهام الإجازة تطرق خبر الظاهر لا عوض منها.
(3) في الأصل: عوض منها.
(4) في الأصل: وقلنا.

(11/194)


والفاضل منه كان مصروفاً إلى من له الباقي، وصرفنا ثلثاً إلى الموصى له بالثلث، فنجمع الحج والوصية بالباقي بعد الحج، ونصرف إليهما نصف الثلث، ونصرف إلى الموصى له بالثلث نصف الثلث، ثم الحج من نصف الثلث وهو مائة وخمسون مائةٌ كاملة، والباقي وهو خمسون للموصى له بالباقي، ونصرف نصف الثلث وهو مائة وخمسون إلى الموصى له بالثلث.
هذا هو الوجه الصحيح الذي لا يسوغ غيرُه، فرّعناه على تقديم الحج على الوصايا كلّها، ثم فرعناه آخراً على تقديم الحج على إحدى الوصيتين، وهي الوصية بالباقي.
7451 - صورة أخرى: إذا جرت الوصايا على ما ذكرنا، ثم رد الورثة الزائد على الثلث، وكان الثلث مائة وخمسين، ورأينا أنه لا نقدم الحج على جميع الوصايا، وهو الأصح، فعلى هذا نجعل الثلث نصفين، وسبيله (1) أن نقول: صاحب الحج، وصاحب الباقي بعد الحج نجعلهما حزباً، وصاحب الحج يقول للموصى له [بالثلث] (2): أنا والموصى له بالباقي نأخذ مثل ما تأخذ [فأَعُدُّ] (3) الموصى له بالباقي عليك، حتى أشاطرك، فاني وصاحبي مضافان إلى الثلث، ثم أفوز بنصف المائة والخمسين، ولا أدفع إلى صاحبي شيئاً، وأُعَادِكَ (4) به، كفعل الأخ من الأب والأم مع
__________
(1) (س): وسيأتي.
(2) في الأصل: فالثلث.
(3) في الأصل: مثل ما نأخذفاً عند الموصى له ... وفي (س): مثل ما نأخذ ما عدا الرضى. والمثبت تقدير منا، على ضوء السياق.
(4) وأعادك به: يمثلون هذه المسألة من مسائل الوصية بمسائل المعاداة في ميراث الجد مع الإخوة، فهنا يقول صاحب الحج للموصى له بالثلث: أنا والموصى له بالباقي بعد الحج إلى تمام الثلث، نشاطرك الوصيةَ نصفين، ثم أفوز أنا بالنصف كاملاً ولا أدفع للموصى له بتمام الثلث بعد أجرة الحج شيئاً، وذلك مثل مسألة (المعادّة) من مسائل ميراث الجد مع الإخوة، حين تجمع الفريضةُ الأخَ الشقيق وأخاً لأب مع الجد، فهنا يُحسب الأخُ لأب، ويُعدّ على الجد، ويُقسم له ثلث التركة، ثم يعود الأخُ الشقيق، فيأخذ نصيب الأخ إلى نصيبه؛ لأن الأخ لأب يُحجب بالأخ الشفيق، ولكنه احتُسب على الجد؛ لأن الجد يعجز عن دفع الإخوة لأب إذا اجتمعوا معه منفردين عن الأشقاء، فإذا اجتمعوا مع الأشقاء، وهم أقوى، كان الجد عن =

(11/195)


الأخ من الأب، [والجد] (1)؛ فإن الأخ من الأب، وإن كان محجوباً بالأخ من الأب والأم، فإنه يعدُّه على الجد (2)، ونقدر الأخ من الأب ضارباً في ثلثي التركة حتى لا يخص الجدَّ إلا ثلث، ثم ما يقدّر للأخ من الأب يفوز به الأخ من الأب والأم، كذلك صاحب الحج يشاطر صاحب الثلث بضم صاحب الباقي إلى نفسه، ثم يفوز بجميع الشَّطر؛ فإنه أقلُّ (3) من المائة التي يستحقها، فلا يفضل منه شيء.
هكذا (4) ذكره أئمة العراق وصاحب التقريب وكلُّ معتبرٍ في المذهب، فلا فرق بين المعادّة في الفرائض، وبين ما ذكرناه هاهنا. ومن [قبيل] (5) المعادَّة ردُّنا الأمَّ إلى السدس في فريضة فيها أبٌ وأخوان وأم؛ فإن الأخوين وإن سقطا بالأب، فهما معدودان على الأم، والأب يقول: أنا حاجبهما، فهما محسوبان عليك.
وقال ابن خَيْران: اعتبرْ حالة الإجازة، فإذا كان الثلث مائةً وخمسين، فالثلثان (6) ثلاثمائة، فلو أجاز الورثة الوصايا، فعلمنا للموصى له بالثلث مائة وخمسون، وللحج مائة، والباقي من الثلث الثاني وهو خمسون للموصى له بالباقي بعد الحج، فقد وقعت القسمة في الإجازة في هذه الصورة أسداساً، ولكن وقع للحج سهمان في الإجازة وللباقي سهم وللثلث ثلاثة أسهم، فإذا ردّت الوصايا إلى مائة وخمسين، قسمناها على ستة أسهم: لصاحب الثلث [منها] (7) ثلاثة أسهم، وهو خمسة
__________
= دفعهم أعجز، فهم إذاً يُحسبون على الجد، ثم يسلّم نصيبهم للأشقاء، وما أحسن قول صاحب الرحبية:
واحكم على الإخوة بعد العَدِّ ... حكمَك فيهم عند فقد الجد
(1) في الأصل: والأم.
(2) في الأصل: بعده على الجد به، ونقدر.
(3) (س): أولى.
(4) (س): هذا.
(5) في الأصل: قبل.
(6) أي عندما يجيز الورثة صرف الثلثين.
(7) في الأصل: فيها.

(11/196)


وسبعون، ولصاحب الحج سهمان، وهو خمسون، ولصاحب الباقي سهم، وهو خمسة وعشرون.
وهذا ظاهر السقوط، وتبيّن بقوله في هذه الصورة ضعفُ مذهبه [وإن] (1) جرى على قياس واحد؛ لأن ما ذكره لو كان نسبة حقيقية بالجزئية، لكانت لا تختلف بقلة المال وكثرته، وقد (2) خص صاحب الباقي في المسألة الأولى مائتان وخص الحجَّ مائة، والسبب فيه أن الباقي هو المعتبر، وقد اختلف قدر الباقي، ولا باقي في مسألتنا عن الحج، بل ليس [ما بقي] (3) معنا بمقدار الحج، فيظهر بطلان مذهبه، واتضح أن المسلك الحق ما ذكرناه.
وفي نفسي من المعادّة شيء؛ من جهة أن صاحب الباقي [مترتب] (4) على الحج (5)، فكيف يعادّ به صاحبُ الحج صاحبَ الثلث، والأخ من الأب يزاحم الجد مزاحمة الأشخاص، وكذلك الإخوة في فريضة فيها أبٌ وأم، (6 وإذا لم نعتبر المعادّة، ولم 6) نعتبر الحج، قلنا فريضة فيها حج بمائة، ووصية بثلث، وهما محصوران في الثلث، والثلث مائة وخمسون، فيجب أن نصرف للحج سهمين ولصاحب الثلث ثلاثة أسهم، [وهذا احتمال] (7)، والأصل ما ذكره الأصحاب من المعادّة.
7452 - صورة أخرى: إذا كان ترتيب الوصايا على ما صورنا، والثلث مائةٌ، وقد جرت الوصية بالثلث، وأجرةُ الحج مائةٌ.
فنقول: أما الوصية بما تبقى بعد أجرة الحج إلى الثلث، فباطلةٌ في هذه الصورة؛
__________
(1) في الأصل: ولو.
(2) عبارة (س): بقلة المال وكثرته، وحظ الحج مائة، والسبب فيه أن الباقي في المسألة الأولى مائتان، وحظ الحج فيه مائة، والسبب فيه أن الباقي هو المعتبر ... إلخ.
(3) عبارة الأصل: بل ليس في معنا ما بقي بمقدار الحج.
(4) في الأصل: مترقب.
(5) في الأصل: على أن الحج.
(6) ما بين القوسين سقط من (س).
(7) في الأصل: وهو الاحتمال.

(11/197)


فإن الأجرة مستغرقة للثلث، فليس يفضل منها شيء، والمعادّة التي ذكرها الأئمة في الصورة المتقدمة لا معنى لها في هذه الصورَة؛ فإن المعادّة إنما تجري بين ثلاثة أشخاص فصاعداً، إذا كان الذي يقع المعادة به [يُفرضُ استحقاقُه] (1) مع واحد من الثلاثة إذا لم يكن (2) الثالث، كالجد والأخ من الأب والأم والأخ من الأب، فالمعادّة تقع بالأخ من الأب؛ من جهة أنه لو كان مع الجد وليس معهما أخ من أب وأم يقاسم الجدَّ، فيعدّه الأخُ من الأب والأم على الجد.
وإذا كان من يُفرض المعادّة به (3) لا يرث مع أحدٍ في الفريضة، فلا معنى للمعادّة به، وهذا كالأخ من الأم مع الجد، والأخِ من الأب والأم.
والوصيةُ بالباقي إذا كلان الثلث زائداً على المائة التي هي قدر الثلث يقدّر ثبوتُها لو تفردت الوصية بالحج، فيجوز أن يقع [بتلك] (4) الوصية معادّة مع الموصى له بالثلث، فأما إذا كان الثلث على مقدار أجرة الحج، فلا يتصور للوصية بالباقي ثبات (5). ثم إن رأينا تقديمَ الوصية بالحج، فالوصية بالثلث ساقطة، كما سقطت الوصية بالباقي، والثلث مستغرَق بأجرة الحج، وهو مصروف إليها، وإن لم نر تقديم الحج، [فالثلث] (6) بين الحج وبين الموصى له بالثلث؛ فإن الحاج يضرب بمائة والموصى له بالثلث [يضرب] (7) بالثلث، وهو [مائة] (8) فيما نطلقه في أول المسألة إلى أن تظهر غائلتها.
7453 - ثم المسألة تدور لا محالة؛ فإنها مفروضة في الوصية بحجة الإسلام،
__________
(1) في الأصل: ففرض استحقاق. و (س): بعوض استحقاق، والمثبت تصرف منا.
(2) يكن الثالث: كان هنا تامة.
(3) سقطت من (س).
(4) في الأصل: لملك، و (س): لتلك.
(5) (س): فلا يتصور الوصية بالباقي بثلث.
(6) في الأصل: بالثلث.
(7) في الأصل: يصرف.
(8) في الأصل: بمائة.

(11/198)


والثلث في الصورة التي ذكرناها لا يفي بمقدار الحج، فلا بد من استكمال أجرة الحج من رأس المال، وإذا أخذنا من رأس المال مقداراً، نقص (1) الثلث، وقلّ ما يحصل المضاربة [به] (2) [ويزداد] (3) المأخوذ من رأس المال، ولا ننفصل (4) إلا بالحساب، ومهما لم تف حصة الحج [بأجرة الحج] (5) وهو حجة الإسلام، [دارت] (6) المسألة؛ للاحتياج إلى أخذ التكملة والقيمة من رأس المال.
ثم قال الأصحاب: وجه الدور في هذه المسألة أن يقال: نأخذ من رأس المال شيئاً مجهولاً، فيبقى مال ناقص شيئاً، فثلثه وهو مائة ناقص بثلث شيء، فنقسم ذلك بين الحج وبين الموصى له بالثلث نصفين، يخص كلَّ واحد منهما خمسون ناقصاً بسدس شيء؛ فإن الثلث مائة ناقصة بثلث شيء، وفي يد الحاج شيء وخمسون درهماً ناقصاً بسدس شيء، فنجبر الخمسين بسدس شيء من هذا الشيء الذي أخذناه، فصار خمسين وخمسة أسداس شيء، وذلك يعدل مائة، فيذهب الخمسون بالخمسين، ويبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسين، فالشيء يعدل [ستين] (7)، فنعود ونقول: الشيء المأخوذ من رأس المال ستون، يبقى مائتان وأربعون، ثلثها ثمانون، أربعون منها لعمرو الموصى له بالثلث، وأربعون للحج، وإذا ضم إلى [ستين] (8)، كملت المائة.
قال الشيخ القفال: هكذا عَمَلُ (9) أصحابنا، وهو غلط عندي؛ لأنا إذا أخذنا
__________
(1) (س): مقداراً من الثلث.
(2) ساقطة من الأصل، وعبارة (س): وقل ما يحصل بالمضاربة.
(3) مكان بياضٍ بالأصل.
(4) ولا ننفصل: المعنى ولا يتم بيان المسألة إلا بالحساب.
(5) زيادة من (س).
(6) في الأصل: وارث.
(7) في الأصل: شيئين.
(8) في الأصل: شيئين.
(9) (س): ذكره أصحابنا، والأولى نسخة (عمل) فهذا يشبه المصطلح عند الفقهاء يريدون به الحساب.

(11/199)


الستين من رأس المال، وكان الثلث بعد الستين ثمانين، فالموصى له بالثلث يجب أن [يضرب] (1) بثمانين؛ فإن الثلث إنما يقام ويعدّل بعد أخذ الديون من رأس المال، والحاج يضارب بالمائة التامة بحكم الوصية.
فالمسلك الحق في الفقه لو صحت هذه الصورة أن يضرب الحاج بعشرة أسهم، ويضرب الموصى له بالثلث بثمانية أسهم. وإذا جرى التضارب كذلك، ازداد نصيب الحج، واختلف الحُسَّاب في المأخوذ من رأس المال، وعلى عبارة الجبر يضارب الحاج بمائةٍ كاملة، ويضارب الموصى له [بالثلث بمائة ناقصة ثلث شيء، فالتضارب في مائة ناقصة ثلث شيء، وصاحب الحج يضرب] (2) بمائة تامة، هذا كلام القفال (3)، ويجب بحسبه في الصورة التي ذكرناها أن يكون المأخوذ من رأس المال [أقلَّ] (4) من ستين، فإنا لو أخذنا الستين [وأثبتنا] (5) المضاربة بالمائة، [لزاد] (6) ما يحصل على مائة.
ونحن نقول: ما ذكره القفال من تغليط الأصحاب صحيح لا مراء فيه [ووجهه] (7) ما أبديناه من كلامه.
__________
(1) في الأصل: يصرف.
(2) ما بين المعقفين سقط من الأصل، وأثبتناه من (س).
(3) في هامش نسخة الأصل حاشية عبارتها كالآتي:
" هذا من كلام الإمام الأجل أبي نصر القشيري رضي الله عنه " ثم بعد هذا مباشرة: "قوله: الحاج يضارب بالمائة التامة فيه نظر: إذا وقع له شيء من رأس المال، فلا يضارب بمائة تامة، لأنه يؤدي إلى أن يقال: يضارب بأكثر من المائة، لأنه وقع له شيء من رأس المال، فالوجه ما ذكره الأصحاب لا غير. وما قاله القفال يؤدي إلى ألا ينقضي حكم المسألة أبداً، وهو محال" ا. هـ بنصه من هامش نسخة الأصل.
(4) في الأصل: يقل.
(5) في الأصل: وأثبثت.
(6) في الأصل: أراد.
(7) في الأصل: وجهه.

(11/200)


هذا القدر من كلام الشيخ [الإمام] (1) أبي نصر القشيري (2) رحمة الله عليه (3)، ثم لم يذكر (4) رضي الله عنه وجه الصواب في الحساب.
ونحن إن وفق الله تعالى نذكر ما يحضرنا في هذه المسألة، إن شاء الله عز وجل فنقول وقد نجزت مسائل الحج بما فيها: قد (5) ذكر أئمة العراق في مسألة ابن الحداد وهي الوصية بالحج وبما بقي إلى تمام الثلث مع الوصية بثلث لثالثٍ شرطاً لم أره إلا لهم، وذلك أنهم قالوا: إذا تقدمت الوصية بالحج وبما بقي من الثلث، ثم جرت الوصية بثلث بعد ذلك، [فالأجوبة] (6) كما قدمناها في أطراف المسألة.
فأما إذا تقدمت الوصية بالثلث، ثم جرى بعدها الوصية بالحج وبما يبقى بعد الحج إلى الثلث، فالوصية بالباقي إلى تمام الثلث باطلة؛ فإنه قد تقدم ذكر الثلث كاملاً، فالوصية بما يبقى بعد الثلث فاسدة في اللفظ.
__________
(1) زيادة من (س).
(2) الإمام أبو نصر القشيري، هو الإمام بن الإمام، الأستاذ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري. الفقيه الفرضي.
أحد النوابغ المرموقين، والهداة المهديين، إمام العلم والعمل. تخرّج بوالده، ثم بإمام الحرمين، فقد لازمه وواظب على درسه وصحبته ليلاً ونهاراً، ولزمه حتى حصّل طريقته في المذهب والخلاف.
بلغ من نبوغه وعلوّ شأنه أن نال التقدير والإجلال من شيوخ عصره، وأئمة وقته، وتوّج ذلك أن شيخه إمام الحرمين كان يعتدّ به ويستفرغ أكثر أيامه معه، واستفاد منه بعض مسائل الحساب في الفرائض والدور والوصية؛ ودوّن ذلك منسوباً إليه في كتابه هذا (نهاية المطلب).
وبحقٍ قال السبكي: "وأعظم ما عظم به أبو نصر أن إمام الحرمين نقل عنه في كتاب الوصية من النهاية، وهذه مرتبة رفيعة".
توفي الإمام أبو نصر سنة 514 بنيسابور.
(طبقات السبكي: 7/ 159، والإسنوي: 2/ 302، وابن الصلاح: 1/ 546).
(3) الترحّم من الناسخ، وإلا فإن أبا نصر توفي -كما ترى- بعد إمام الحرمين.
(4) (س): يدرك وجه الصواب.
(5) في النسختين: وقد.
(6) في الأصل: فالأوجبة.

(11/201)


وهذا الذي ذكروه لا أصل له؛ فإنه [و] (1) إن جرى ذكر الثلث، فالوصية بالباقي بعد الثلث من الحج مقدرة من ثلثٍ آخر، ولا يمتنع تقدير [فضلٍ] (2) من الحج إذا قُدّر ثلث آخر؛ فإن ذلك الباقي مضاف إلى الحج، وما تبقى منه إلى تمام ثُلثٍ.
7454 - ومما كان يذكره شيخنا أبو محمد رضي الله عنه أن الوصية بالحج إذا تقيدت بترشيح رجل من بلدةِ الموصي، فإن وجدنا وفاء نفذناه، وإن لم نجد وفاءً، رَدَدْنا الحجة إلى الميقات، وإن كان [يفي] (3) ما ظفرنا به ببعض الطريق قبل الانتهاء إلى الميقات، فإنا نُحجّ شخصاً من نصف الطريق، وكلما طالت مسافة القصد، كان [الحج] (4) أفضل. وبالله التوفيق (5).
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو أوصى بأمةٍ لزوجها وهو حُرّ ... إلى آخره" (6).
7455 - هذا الفصل وفصول بعده يستند إلى الملك متى يحصل للموصى له في الموصى به؟ ونحن نمهد قاعدة المذهب في هذا أولاً، ونوضح ما فيه أصلاً وتفريعاً، ثم نعود إلى تتبع الفصول المذكورة في (المختصر) على وِلائها، فنقول أولاً: الإيجاب في الوصية لا بد منه، وهو لفظةٌ دالةٌ على التمليك نصّاً صادرةٌ من
__________
(1) الواو زائدة من (س).
(2) في الأصل: حصل.
(3) في الأصل: يثمن.
(4) في الأصل: بالحج.
(5) هنا في نسخة الأصل: تمت المجلدة الرابعة عشرة بعون الله وحسن توفيقه. وبعدها البسملة في أول الفصل، وأبقيناها تيمناً.
(6) ر. المختصر: 3/ 164.

(11/202)


الموصِي، وذلك مثل أن يقول: أوصيت لفلان بكذا، أو ملكته كذا، أو أعطوه كذا، أو سلموا إليه من مالي كذا، فهذه الألفاظ وما في معانيها إيجابٌ من الموصي.
وتردد أئمتنا فيه إذا قال: وهبت لفلان كذا، ورام الإيصاء، لا تنجيز [الهبة] (1): فمنهم من قال: هذا إيصاء، كقوله: ملكت فلاناً، ومنهم من قال: لا تصح (2) الوصية بهذه اللفظة؛ فإنها صريح في الهبة المنجزة، فإذا لم يترتب عليها مقتضاها في تنجيز الهبة، بطلت.
فهذا بيان ما يكون إيجاباً.
فإذا ذكر صيغةً صريحة في الإقرار، فهي إقرار، وليست [إيصاءً] (3)، وذلك كقوله: هذا العبد لفلان، حتى لو أراد حملَ ذلك على الإيصاء، لم يُقبل منه، ولو قرن باللفظ ما يخرجه عن كونه إقرار، مثل أن يقول: هذا العبد من مالي لفلان، فالإقرار على هذه الصيغة باطل، وهل يكون هذا إيصاءً مع عُروّه عن إنشاء تمليك؟ فيه تردّدٌ واحتمال (4). ولو قال: جعلت هذا العبدَ لفلان، فهذا إيصاء (5 لتصريحه بإثبات الملك له، ولو قال: عيّنتُ هذا العبدَ لفلان، فما أرى ذلك إيصاء 5)؛ فإن التعيين له يتردد بين معانٍ: أحدها وعْدٌ بالإيصاء، كأنه قال: عينته له لأوصي له [به] (6)، ويجوز أن يريد بلفظه [تعينه] (7) للوصية بالمنافع، وإذا تقابلت جهات الإمكان، فلا نجعل اللفظ إيجاباً في الإيصاء، فإن زعم من [يُقرّ] (8) أنه أراد إيصاء، فالظاهر عندي صحةُ الإيصاء (9) بالكنايات إذا اقترنت بالقصود والنيات. وقد ذكرت
__________
(1) في الأصل كلمة غير مقروءة (انظر صورتها).
(2) وهو الأصح، ذكره النووي في الروضة: 6/ 140.
(3) في الأصل: اسيا (انظر صورتها).
(4) المعتمد في المذهب أنه يصح، قاله النووي (ر. الروضة: 6/ 140).
(5) ما بين القوسين سقط من (س).
(6) في الأصل: بها.
(7) في الأصل: تعينها.
(8) في الأصل: بعد.
(9) وهو المعتمد: (ر. الروضة: 6/ 140).

(11/203)


تردداً في انعقاد البياعات بالكنايات، والسبب فيه استدعاء البيع جواباً ناجزاً من المخاطب به، وذلك يستدعي إفهاماً وهو عَسِرٌ بالكناية، وسأجمع في ذلك قولاً جامعاً [في] (1) كتاب الخلع، إن شاء الله تعالى، والإيصاء لا يستدعي في الحال (2) جواباً ولذلك قَبِل التعليقَ بالأغرار والأخطار.
فهذا بيان ما يقع إيصاء، ثم لا خلاف أن الوصية لا تستدعي جواباً من الموصى له في الحال، بل أجمع أئمتنا على أنه لو قبل، لم يكن لقبوله في حياة الموصي حكم، ولو أراد الردّ بعد موت الموصي، لكان على خِيَرته فيه، وكذلك لو ردّ الوصيةَ في حياة الموصي، لم يكن لرده حكم، وهو على خِيرَته في القبول بعد موت الموصي، ثم لا خلاف أن القبول لا بد منه، كما سنصفه، ولا يشترط مبادرة القبول من الموصى له كما (3) بلغه موت الموصي، ولكن الخيار إليه في التأخير والتعجيل.
7456 - فإذا تبين ما ذكرناه، افتتحنا بعده غرضنا في أن الملك متى يحصل للموصى له في الموصى به؟ وقد اختلفت النصوص، وحاصل الأقوال في ذلك ثلاثةٌ: أحدها - أن الملك يحصل بموت الموصي من قَبْل القبول، ولكن لزومه منوط بالقبول، فإن قبل الموصى له، لزم الملك، واستقرّ إذا وفّى الثلث، وإن ردّ، انقطع الملك بعد ثبوته.
والقول الثاني -وهو أعدل الأقوال وأمثلها- أن الملك موقوف (4) مراعى، فإن قبل الموصى له، تبيّنا أن الملك حصل بموت الموصي إسناداً إليه، وإن تأخر القبول عنه بمدة مديدة. وإن ردّ، تبينا أن الملك لم يحصل.
__________
(1) في الأصل: من.
(2) في (س): جواباً في الحال.
(3) كما بلغه: كما بمعنى عندما، وهذا استعمال جرى كثيراً في لسان الإمام، وتبعه فيه تلميذه أبو حامد الغزالي، وقال النووي في التنقيح: " وليست بعربية ولا صحيحة " وقد أشرنا إلى هذا من قبل أكثر من مرّة.
(4) وهو كما قال الإمام، فهو المعتمد في المذهب (ر. الروضة: 6/ 143).

(11/204)


والقول الثالث - أن الملك يحصل للموصى له في الموصى به عند تمام قبول الموصى له؛ فالقبول يستعقب الملك على هذا القول.
7457 - التوجيه: من قال: الملك يحصل بموت الموصي، احتج بأن هذا ملكٌ يقتضيه الموت، مع تقدم الإيصاء، فشابه الملك الذي يقتضيه التوريث، غير أنا نسلّط الموصى له على الزد إن أراده، حتى لا يدخل على اللزوم في ملكه ما لا يريده، ولو كان القبول يستعقب الملك في المقبول، لوجب اشتراط اتصال القبول بالإيجاب، فلما لم يكن كذلك، بل كان القبول المتصلُ بالإيصاء في حياة الموصي مردوداً ساقطَ الأثر، دلّ أن عماد الملك الموتُ بعد الإيصاء.
ومن قال: الملك يحصل عقيب القبول، احتج بأن قال: القبول معتبر بالاتفاق، إنما الكلام في أثره وفائدته، وكل تمليك اعتبر القبول فيه وجب أن يكون القبول مؤثراً في تحصيل الملك، حتى لا يتقدم حصول الملك عليه، وأيضاً؛ فإن إدخال الأشياء في أملاك الناس قَهْراً من غير ولاية بعيدٌ عن قاعدة الشريعة، وإن ثبتت (1) لهم الخيرة في الرد. وسيتضح وقع هذا في التفريع.
وأما وجه قول الوقف، فواضح، وفيه الجمع [بين نكت] (2) الأقوال؛ فإن القبول لا بد منه، وليس هو على قياس القبول في سائر العقود، وللموت أثر بيّن في اقتضاء تحصيل الملك، فالوجه ربط الملك بالقبول في معرض التبيّن والإسناد.
7458 - فإذا ظهرت الأقوال نقلاً وتوجيهاً، فأظهرها في نصوص الشافعي قولُ الوقف، وأبعدها في النقل قولُ استعقاب القبول الملك، ويلي قولَ الوقف في الظهور قولُ حصول الملك بموت الموصي.
وأول ما نذكره في تأسيس الأقوال قبل الخوض في تفصيل التفريع عليها أنا إن حكمنا بوقوع الملك بالموت، فالرد نقضٌ للملك، وإن حكمنا بالوقف، فمعناه لائح، وإن حكمنا باستعقاب القبول الملكَ، فالملك في الموصى به بعد موت
__________
(1) (س): وإن لم تثبت لهم الخيرة.
(2) في الأصل: من نكة.

(11/205)


الموصي إلى قبول الموصى له لمَنْ؟ فيه وجهان مشهوران: أحدهما - أن الملك للوارث [فيه] (1).
والثاني - أن الملك [يبقى للميت، فإذا فرض القبول، فإذ ذاك يملك الموصى له.
توجيه الوجهين:
7459 - من قال: الملك] (2) للوارث احتج بأن الموصى به مملوك، وليس يحتمل مذهب الشافعي إثباتَ مملوك لا مالك له، ويستحيل بقاء الملك للميت؛ فإن الموت مقطعةٌ للأملاك، ومِن أدنى آثاره أن يخرج الميت عن كونه مالكاً، فيتيعن إسناد الملك إلى الوارث.
ومن قال بالوجه الثاني، احتج بأن الملك لو وقع بالموت للوارث، لكان الموصى له متملّكاً عنه، (3 وهذا بعيد عن وضع الوصية، مع أن الموصي مملِّك والموصى له يتملك عنه 3) ولا يبعد تقدير بقاء الملك له إلى اتفاق التملك بالقبول، حتى يكون ملكُ الموصى له مترتباً على ملك الموصي، وإن كان لا يبعد بقاء الدّين على الميت تحقيقاً، فكذلك لا يبعد بقاء الملك له، وقد صار صائرون من أئمتنا إلى أن الأكفان على ملك الميت، كما سيأتي شرح ذلك، إن شاء الله تعالى.
فإذا ثبتت الأقوال تأصيلاً، افتتحنا التفريع عليها، [حتى إذا استكملنا ما أراد الله من التفريع، خرَّجنا على مجاري التفريعات] (4) فصولَ السواد (5)، إن شاء الله.
7460 - فإن قلنا: الملك في الموصى به يحصل بموت الموصي، فيتفرع على ذلك القولُ [في] (6) الزوائد، والمغارم، وانقطاع النكاح إن كان أوصى مالكُ الجارية
__________
(1) في الأصل: منه.
(2) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(3) ما بين القوسين ساقط من (س).
(4) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(5) السواد: المراد به مختصر المزني، كما تكررت الإشارة سابقاً.
(6) في الأصل: والزوائد.

(11/206)


برقبتها لزوجها، يتفرع أيضاً عتقُ الموصى به على الموصى له إن كان ابنه أو أباه أو غيرهما من الأصول والفصول. فهذه الأحكام لا بد من تفريعها.
فأما القول في الفوائد كالأكساب، والنتاج الحادث، والثمار وما في معانيهما من الفوائد المنفصلة، فالقول الوجيز فيها أن الوصية إذا اتصلت بالقبول والتفريع على أن الملك يحصل بالموت، فتلك الزوائد تساق بجملتها إلى الموصى له، ولو أتلف بعضَها متلفٌ قبل القبول، غرِم البدلَ للموصى له؛ فإنه اجتمع أمران: أحدهما - حصول الزوائد في وقت ملكه، على القول الذي عليه التفريع، والثاني - استقرار الملك عليه آخراً بالقبول. هذا إذا قبل.
فإن ردّ الوصية، ارتد الملكُ وانقلب إلى الورثة، وكان تركةً يؤدى منه الديون وتنفّذ منه الوصايا الثابتة. وفي تلك الزوائد وجهان مشهوران: أحدهما - أنها تنقلب إلى الورثة وتتبع الأصل في انقلابها.
والوجه الثاني - أن الملك يرتد في الموصى به، وتبقى الزوائد في ملك الموصى له ملكاً لازماً لا يملك رده.
توجيه الوجهين: من قال: إنها تبقى على اللزوم، احتج بحصولها في الملك مع اختصاص الرد بمحل الوصية، ولو أراد الموصى له ردّ الزوائد، لم يملكه، كما (1) لو حدثت زوائد على العين المشتراة (2) في يد المشتري، ثم [إذا ردّ] (3) المشتري بعيب اطلع عليه، فالزوائد تبقى له، ولا ترتد بردّه، وهذا مما نقله الشيخ أبو بكر في أثناء كلامه.
ووجه الوجه الثاني - أن الزوائد ترتدُّ تابعةً؛ إذ لو قضينا ببقائها على ملك الموصى له، لكان ذلك تسبباً إلى إدخال شيء في ملكه قهراً، وهو مطلق لا حجر عليه، وهذا بعيد عن القواعد، وينضم إليه أن الملك قبل حصول القبول ضعيف؛ فيليق بارتداده
__________
(1) (س): حتى لو حدثت.
(2) (س): المستردة.
(3) في الأصل: أراد ردّ المشتري.

(11/207)


استتباع الزوائد، وقد ذكرنا في التفريع على أقوال الخيار في البيع أنه إذا حدثت [زوائد] (1) في زمان الخيار، ثم أفضى العقد إلى الفسخ، والتفريع على أن الملك في زمان الخيار للمشتري، فإذا ارتد ملكه في المبيع، فهل يرتد الزوائد؟ فعلى خلافٍ مشهور، وبقاء الملك للمشتري في الزوائد مع ردّ الأصل أوجه من بقاء الملك في الزوائد في الوصية؛ فإن عقد البيع جرى بإيجابه وقبوله على حسب اختيار المشتري على حالٍ، فإن بقّينا له زوائدَ. صادفنا في ذلك [مستنداً من] (2) اختيار المشتري، ولم يجْرِ في الوصية قبل القبول اختيارٌ، [فيبعد] (3) عن القواعد إلزام الموصى له الملكَ في الزوائد على وجهٍ لا يملك نقضَه وردَّه.
ولا شك أنه يلتحق بالزوائد [العُقر] (4) الذي يجب على الواطىء بالشبهة بين [موت] (5) الموصي والقبول، وهو مندرج تحت ما أطلقناه من قيم الفوائد؛ فإن منافع البضع من الفوائد التي تجري بين موت الموصي وقبول الموصى له، والعُقر قيمةُ ما أتلفه الواطىء من منافع البضع.
وكذلك القول في أجرة المنافع إذا وجبت على الغاصب للعين الموصى بها.
هذا منتهى قولنا في الزوائد عند فرض القبول والردّ، تفريعاً على أن الملك يحصل بالموت.
7461 - فأما ترتيبُ القول في المغارم التي من جملتها زكاة الفطر، فإذا فرض استهلال هلال شوال بين موت الموصي وقبول الموصى له، فزكاة الفطر تجب على الموصى له إن قبل الوصية على ظاهر المذهب؛ فان الملك كان في الرقبة حالة الاستهلال للموصى له، ثم أفضى إلى القرار بالقبول، وقد ذكرت هذا بما فيه
__________
(1) في الأصل: زايد.
(2) في الأصل: مستند إلى.
(3) في الأصل: فبعد.
(4) في النسختين: العقد.
(5) زيادة من المحقق، سقطت من النسختين.

(11/208)


مستقصىً في كتاب الزكاة، وأتيتُ في ترتيبه وتوصيفه بالعجائب والآيات، فليتأمّله مَنْ يريده في موضعه (1)، ولْيَجمع بين ما ذكرتُه ثَمَّ وبين ما جمعتُه ها هنا لتتم القواعد جُمَع.
والقول في النفقات والمؤن بين الوفاة والقبول يخرج على هذا القانون، فإن [أفضى] (2) الملك إلى القرار، فالمؤن بجملتها على الموصى له، وإن رد الموصى له الوصيةَ، فلا أحد من الأصحاب يستجيز إلزام الموصى له بالمؤن بين الموت والرد؛ فإن هذا إن قيل به هجومٌ عظيم على القواعد، وليس هذا كإلزامه ملكَ الزوائد حتى لا يمكن ردّها، نعم، وفي إلزامه الزوائد إلزامُه مؤن الزوائد، وهذا والحق أحق ما قيل فيه بعيدٌ، ولكنه متعلق بملك يقرّ (3) في الزوائد، فكان يقرب بعض القرب، وإنما الأمر الذي لا يحتمل إلزام المؤنة مع ارتداد الملك في الأصل.
وقد يعترض وراء ما ذكرناه إشكال، وهو أن الموصى له إذا كان يؤخر القبولَ والنفقاتُ التي تسد الحاجات جاريةٌ لا تقف، فمن المطالب بها؟
الوجه أن نقول للموصى [له] (4): هل لك في تعجيل القبول [أو] (5) الرد؟ ولا نُلزمه واحداً [منهما] (6)، فإن قبل، لم يخف حكم القبول ولزوم النفقات، وإن ردّ، لم يخف حكم الردّ وانقلابُ المؤن إلى الورثة، وإن قال: لست أقبل الآن، ولست أردّ، وليس لكم حملٌ على أحد هذين، فيتجه جداً إن قال ذلك، أن يُطوَّقَ النفقةَ (7) ونلزمه إياها؛ بناء على حصول الملك، وهو مقتدر على صرف المؤن عن نفسه بالرّدّ، ولو لم نقل هذا، والنفقاتُ لا تقف، وإلزامُ الورثة ولا ملك لهم محال،
__________
(1) الزكاة ج 3 ص 387.
(2) في الأصل: أمضى.
(3) (س): تقرر.
(4) سقطت من الأصل.
(5) في الأصل: والرد.
(6) في الأصل: منها.
(7) (س): أن نلزمه النفقة.

(11/209)


والإنفاق من التركة محالٌ، وردُّ المؤن إلى بيت المال بعيد - لم نجد للمقال مساغاً، ثم لا نعدَم للإلزام مثالاً، فإن من طلق على الإبهام إحدى امرأتيه طلاقاً مبيناً، وامتنع عن بيان المطلقة منهما، فعليه [التزام] (1) نفقتهما جميعاً -كما سيأتي ذلك مشروحاً، إن شاء الله عز وجل- وإن كانت إحداهما بائنة، وكذلك القول في النسوة [الزائدات] (2) على منتهى العدد إذا أسلم عليهن زوجُهن، وأسلمن، ثم امتنع الزوج عن اختيار أربع منهن، فنفقتهن واجبة عليه في زمان التوقف، وليس ينقدح مسلك آخر سوى ما ذكرناه.
فإن قيل: إذا مضت مدة [الخيار] (3) على ما [وصفناه] (4)، ثم اختار الموصى له الردّ، قلنا: النفقة المقتضاة منه جاريةٌ، [لا استدراك] (5) لها، ولا تراجع فيها؛ فإنه أُتي من قِبَل نفسه، ولم يختلف أصحابنا في أن الزوج إذا توقف عن البيان زماناً، وألزمناه النفقةَ، ثم بيّن، فما ألزمناه من النفقة لا يرجع به، هذا والمطلقةُ بائنة لا اعتصام لها في النفقة إلا [تأخر البيان] (6)، والملك على القول الذي عليه نفرع ثابت للموصى له، وقد انضم إليه توقُّفُه مع القدرة على التنجيز.
7462 - فلو فرضنا الموصى له غائباً، وعسر (7) الوصول إليه، وتعذرت مراجعته، فنفقة العبد الموصى به ممن تؤخذ في الحال؟ الوجه (8) أن يقال: إن أمكن استكساب العبد، فعلنا ذلك، فإن كان لا يكسب، ولا يستقل به، فلسنا نرى في الحال مأخذاً
__________
(1) في النسختين: إلزام.
(2) في الأصل: الزائد.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) في الأصل: وضعنا.
(5) في الأصل: الاستدراك.
(6) مكان كلمة لم نساعَد على قراءتها، فاستغلقت علينا (انظر صورتها). وفي (س) يمكن أن تقرأ على استكراه: "إلا التبيين المتأخر".
(7) (س): وتيسر.
(8) (س): فالوجه.

(11/210)


إلا بيتَ المال؛ إذ لا ملك للورثة فيطالبوا، وإنما يطالب بالنفقة مالكُ الرقبة، ولا سبيل إلى التعطيل، فلا وجه إلا ما ذكرناه.
ثم إذا قبل الموصى له الوصية، فالرجوع عليه بما أخرجناه من بيت المال منقدحٌ، وقد استقر الملك عليه آخراً، ويثبت للسلطان هذا النوع من التسلط، وهو بمثابة ما لو أنفق على عبيدِ غائب لمسيس الحاجة إلى الإنفاق عليهم، فإذا رجع المالكُ، رجع السلطان عليه، وإن ردّ الموصى له الوصية لمّا بلغه خبرها، [ففي] (1) الرجوع عليه بالنفقة [بُعدٌ] (2)؛ من جهة أن في ذلك إلزامَه مؤنةً من غير اختيارٍ منه، ومن غير تردّد مع العرض عليه، ولا سبيل أصلاً إلى الرجوع على التركة والورثة؛ فإن الملك لم يكن لهم، والنفقة تتبع الملك، كما رآه الناظر.
ولا يبعد أن يقال: إذا كنا نرى ارتداد الزوائد إلى الورثة إذا رُدّت الوصية، فينقلب عليهم الرجوع بالنفقات التي جرت، ونقول بحسبه: إذا كنا نُبقي الزوائد للموصى له مع ردّه الأصلَ، فلا يبعد أن يرجع السلطان عليه [بالمؤنة] (3)، هذا مسلكٌ في الاحتمال، [والفرق أظهر] (4) فيه؛ فإن إثبات الملك للغير (5) أقرب إلى [الأصول] (6) من إلزامه مؤنةً من غير اختياره، ومن غير تسببه إلى التوقف، وانقلاب الزوائد على الورثة على مذهب الاتباع من وقت ارتداد الملك، وليس ذلك على الإسناد إلى ما تقدم، فينتظم من مجموع ذلك ألا يكون لبيت المال [مرجع] (7).
هذا منتهى القول في الزوائد والمؤن والمغارم، تفريعاً على أن الملك يحصل بموت الموصي.
__________
(1) في الأصل: مع.
(2) في الأصل: بعيد.
(3) في الأصل: بالدية.
(4) في الأصل: والفرق فيه، وفي (س): والمعنى أظهر فيه، والمثبت اختيار منا، وهو تلفيق من النسختين مراعاة للمعنى والسياق.
(5) (س): المعين.
(6) في الأصل: الوصول.
(7) في الأصل: يرجع.

(11/211)


7463 - فأما القول في انفساخ النكاح إذا فرضنا الوصية بزوجة الموصى له والتفريع على أن الملك يحصل بموت الموصي، فالنكاح ينفسخ بنفس موت الموصي، وذلك أن الملك ينافي النكاح منافاة المضادة، ويستحيل أن تكون زوجة الإنسان مملوكته، وكل ما يتلقى من التضاد، فلا فرق فيه بين الضعيف وبين القوي.
وإن فصل فاصل بين الملك الضعيف والقوي في إفادة الزوائد (1) واقتضاء المغارم، فلا معنى لذلك فيما ينافي الشيءَ منافاة الضد، فخرج من ذلك أن الوصية إذا كانت بزوجة الموصى له، فالنكاح ينفسخ، سواء قَبِل الوصيةَ أو ردَّها، فإن الرد على هذا القول لا يبيّن لنا أن الملك لم يكن، ولكنه يقطع ملكاً حاصلاً.
7464 - فأما القول [في] (2) حصول العتق، فإذا كان الموصى به ابنَ الموصى له، فإذا قبل الوصية، عتق عليه ابنُه.
وهل يحكم بحصول العتق قبل القبول، حتى نقول: لو ردّ، لم ينفذ الرد؟ هذا محل التردد والاختلاف، وللمسألة التفاتٌ على قواعد نشير إليها، منها: أن المشتري إذا أعتق العبد المشترى في زمان الخيار، والتفريع على أن الملك له مع الفرض في ثبوت الخيار للبائع أيضاً مع ثبوته للمشتري، فقد اختلف أصحابنا في نفوذ العتق.
وبين مسألتنا وبين ما ذكرناه فرق ظاهر؛ من قِبَل أنا لو نفّذنا العتق في الصورة التي ذكرناها، لأفضى ذلك إلى إبطال خيار البائع، وإبرام العقد على الاستبداد، والحق في القبول للموصى له، وليس لأحدٍ معه حق، فيجوز أن يقال: نظير الوصية من البيع ما لو كان المشتري منفرداً بالخيار، والملك له، ولو كان كذلك [فعتقه] (3) ينفذ باتفاق الأصحاب.
وبين هذه المسألة الأخيرة من البيع وبين الوصية فرق، فإن المشتري اختار
__________
(1) عبارة (س): في انتفاء المغارم وإفادة الزوائد.
(2) في الأصل: من.
(3) في الأصل: معتقه.

(11/212)


التملك، وأثبت لنفسه مستدركاً، فإذا ضم إليه الإعتاق، كان ذلك منه قطعاً للخيار، والموصى له لم يوجد منه اختيار للوصية، ولو حكمنا بحصول العتق، لكان هذا إثباتَ ملك له على اللزوم قهراً، من غير اختيار من جهته؛ فإن العتق لا يترتب إلا على ملك، ثم العتق يستعقب الولاءَ، ومن حكم نفوذ العتق عليه لزوم (1) الولاء له، فقد تبين بما ذكرناه تردد [الرأي] (2) في المسألة.
وحاصل ما ذكره الأئمة أنه إن ردّ الوصية ففي (3) الحكم [بنفوذ] (4) العتق متقدماً على ردّه -وفيه (5) ردُّ ردِّه (6) - وجهان: أحدهما - أنه يحصل؛ لسلطان العتق ونفوذه، وسقوط حق غير الموصى له.
والثاني - أنه لا ينفذ؛ لبعد إثبات الولاء له على [قهرٍ] (7)، وهو مطلق لا اعتراض عليه (8).
هذا إذا رد الوصية.
فإن قبلها، فالعتق هل ينفذ مع الموت متقدماً على القبول؟ فعلى وجهين (9).
وظن بعض الأصحاب أن هذه الصورة تترتب على الأولى، وهي أولى بنفوذ العتق منها؛ من جهة إفضاء الوصية إلى القبول.
وهذا كلامٌ قليل الجدوى [والفحوى] (10)؛ فإنا لسنا نفرع على [قول] (11)
__________
(1) (س): نفوذ.
(2) في الأصل: الثاني.
(3) (س): بقي.
(4) في الأصل: نفوذ.
(5) وفيه: أي نفوذ العتق، فهو ردٌّ ومنع للموصى له من الردّ؛ ففيه ردٌّ لردّه.
(6) عبارة (س): وفي ردّه وجهان.
(7) في الأصل: على جهة.
(8) الجمهور على أنّ الموصى له يملك الردّ، وأن العتق لا يحصل قبل القبول (الروضة: 6/ 146).
(9) إن قلنا: يملك بالموت، أو الملك موقوف، نتبين أنه عتق عليه يوم الموت، وإن قلنا: يملك بالقبول، عتق عليه حينئذ (ر. الروضة: 6/ 146).
(10) في الأصل: والفتوى.
(11) زيادة من (س).

(11/213)


الوقف، حتى نتبين بالقبول استناد قوة إلى الملك السابق.
وإذا حكمنا بنفوذ العتق، فلا أثر للقبول، [ولا] (1) معنى للترتيب. وحاصل المذهب حصول الخلاف قبل القبول، [فُرض الردُّ أو القبول] (2).
وقد نجز ما أردناه من تفريع الأحكام الأربعة (3) على قولٍ واحد.
7465 - فأما إذا فرعنا على الوقف، فالكلام الوجيز فيه أن الموصى له إن قبل، ثبتت هذه الأحكام على قضية الملك اللازم، فلا نقول: نتبين إسنادَ الملك إلى حالة الموت على جوازٍ [حتى] (4) نتردد في الزوائد، وحصولِ العتق، ترددنا في الملك قبل القبول على قولنا يحصل الملك بنفس الموت، وذلك لأن ذلك الملك وإن حكمنا به، فهو جائز، وإذا أسندنا الملك على قول الوقف نُسنده تاماً، ولسنا نقول: نسند ملكاً على الضعف، فلنثبت أحكام الملك التام. وهذا واضح.
وإن فرضنا الرد، لم يثبت في حق الموصى له حكمٌ من الأحكام المترتبة على الملك؛ فإنا نتبين أنْ لا ملك أصلاً، ولكن [يعترض] (5) في هذه الحالة فقهٌ يناظر ما ذكرناه من حال الإجازة، وهو أن تلك الأحكام بجملتها للورثة؛ فإن القبول كما (6) يُبيّن استنادَ الملك التام إلى ما تقدم، فالردّ يبين تقرر الملك التام للمالك.
فليفهم الناظر [ما ذكرناه من] (7) أمثال ذلك، وإن كان من الجليّات؛ فمعظم الزلل ينشأ من الغفلة عن الجليّات.
7466 - فأما إذا حكمنا بأن الملك يحصل بالقبول [ولا] (8) يتقدم عليه
__________
(1) في الأصل: فلا.
(2) في الأصل: فرضي الرد والقبول.
(3) الأحكام الأربعة هي: 1 - الزوائد. 2 - النفقات والمغارم. 3 - انفساخ النكاح. 4 - العتق.
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: يعبر من.
(6) ساقطة من (س).
(7) زيادة من (س).
(8) في الأصل: لا (بدون واو).

(11/214)


تحققاً ولا تبيّنا، فنفرّع الأحكام الأربعة، ونقول: أما الزوائد الحاصلة بعد موت الموصي وقبل قبول الوصية، فسبيل الكلام [فيها] (1) أن نقول: لا يخلو الموصى له إما أن يقبل الوصية وإما أن يردّها، فإن ردّها، فلا شك أنه لا حظ له في الزوائد، ثم هي تابعة للملك، وقد ذكرنا وجهين في أن الموصى به بعد الموت وقبل القبول ملك مَن؟ فإن قلنا: إنه ملك الميت، فالزوائد تحدث على هذا التقدير، ثم تكون إرثاً وحكمه حكم التركة يقضى منه الديون، وتنفّذ منه الوصايا.
وإن قلنا: الموصى به بين الموت والقبول ملكُ الوارث، فالزوائد حيث انتهى الكلام بمثابة الزوائد المستفادة من التركة، والظاهر من المذهب أن زوائد التركة لا تقضى منها الديون؛ فإن التركة مرتهنة بالديون، وهي مملوكة للورثة، فلا يتعدى حقوق مستحق الديون إلى الزوائد، والفوائد.
[ومن] (2) أصحابنا من يثبت لزوائد التركة حكمَ التركة، وهذا لا خروج له إلا على قول من يقول: التركة لا يملكها الورثة إذا كانت مستغرقة بالديون، فانتظم إذاً وجهان في أن الزوائد تركة أم هي خالصُ حق الورثة.
هذا كله إذا ردّ الموصى له الوصيةَ.
فأما إذا قبلها، ففي الزوائد الحاصلة بعد الموت وقبل القبول وجهان: أحدهما - أنها للموصى له نظراً إلى قرار الملك.
والثاني - أنها مجراةٌ على القياس الذي قدمناه فيه إذا ردّ الوصية؛ فإنا لسنا نفرعّ على قول الإسناد، فوجود طريان الملك بعد الزوائد. وعدمه بمثابة واحدة، وقد قدمنا في كتاب البيع أنه إذا حدثت زوائد في زمان الخيار -والتفريع على أن الملك للبائع- ثم أفضى العقد إلى اللزوم، فالزوائد مختلف فيها: من أصحابنا من جعلها للبائع؛ فحدوثها في حالة ثبوت الملك له، ومنهم من جعلها للمشتري؛ نظراً إلى قرار الملك في الأصل.
__________
(1) في الأصل: منها.
(2) في الأصل: وفي.

(11/215)


والضابطُ فيما هذا سبيله أنه إذا ثبت [حقُّ] (1) الملك لجهة، ثم استقر على تلك الجهة، فالزوائد لتلك الجهة؛ فإنه اجتمع كونُ الملك حالة حصول الزوائد، والقرارُ من الآخر.
فإن كان الملك لجهةٍ والقرارُ على أخرى، ففي الزوائد وجهان: أحدهما - أنها تتبع جهة الملك حالة حصول الزوائد. والثاني - أنها تتبع جهة القرار، ثم إن جعلنا الزوائد للموصى له، فلا كلام، وإن لم نجعلها له، فهي على التفصيل الذي ذكرناه فيه إذا رد الموصى له الوصية.
7467 - فأما القول في المغارم، فلم أر أحداً من أصحابنا يتبعها قرارَ الملك، مع تردّدهم في الزوائد، وكان لا يبعد عن القياس تنزيلُ الغرم منزلة الغُنم، ولكن تتبع الملك الناجز.
ثم يعرض في ذلك أنه ملكٌ ضعيف، وفي تعلق زكاة الفطر بالملك الضعيف خلاف [قدّمته] (2) في كتاب الزكاة على أبلغ وجهٍ في البيان.
7468 - فأما القول في انفساخ النكاح، فنقول: إذا كان حصول الملك للموصى له يقف على القبول، ثم يحصل معه، ولا (3) يستند إلى ما تقدم تبيّناً، فلا يخفى حكم الموصى له في النكاح، فإذا قبل الوصية في زوجته المملوكة، انفسخ النكاح، ولا خفاء ببقاء النكاح قبل القبول.
هذا حكمه.
فأما إذا كانت الجارية الموصى بها زوجة الوارث، والتفريع على أن الملك لا يحصل للموصى له إلا مع القبول، فقد ذكرنا خلافاً في أن الملك في الموصى به ما بين موت الموصي إلى قبول الموصى له لمَنْ؟ من أصحابنا من قال: إنه للميت، فعلى هذا لا ينفسخ نكاح الوارث، فإنه لا يحصل الملك له.
__________
(1) في الأصل: "جواز".
(2) في الأصل: قد بينته.
(3) في الأصل: فلا.

(11/216)


ومن أصحابنا من قال: إن الملك للوارث إلى اتفاق القبول، فعلى هذا هل يحكم بانفساخ نكاح الوارث؟ اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: ينفسخ نكاحه بحصول الملك له في زوجته، وقد أوضحنا أن الملك والزوجية يجريان مجرى الضدين، وإذا كان انتفاء الزوجية بالملك على مضاهاة اعتقاب الضدين، فلا نظر إلى الضعف والقوة في الملك، قياساً على ملك المشتري في زمان الخيار؛ فإن من اشترى زوجته على شرط الخيار، وفرّعنا على أن الملك للمشتري، انفسخ النكاح بالملك الجائز.
ومن أصحابنا من قال: لا ينفسخ نكاح الوارث؛ فإن هذا الملك تقديرٌ اضطررنا إليه؛ من جهة أنا لا نرى إثبات ملك لا مالك له، فوضْعُ هذا إذا فرض القبول من الموصى له لا يفضي إلى مقاصد الأملاك وحقائقها، وليس ذلك كملك المشتري في زمان الخيار؛ فإنه ملك واقع في سبيل جلب الملك؛ [فأثبت منّا قضاءً] (1) ولو رد الموصى له الوصية، فقد [تقرر] (2) ملك الوارث، فمن قال بانفساخ نكاح الوارث إذا قبل الموصى له الوصية، فلا شك أنه يقول بانفساخه إذا ردّ.
ومن قال: إذا قبل الموصى له، لم ينفسخ نكاح الوارث؛ لأن ملكه في زوجته الموصى بها تقدير، فالأظهر أنا نحكم الآن باستناد الانفساخ إلى وقت موت الموصي، وهذا لطيفٌ؛ فإن حكم الإسناد يليق بقول الوقف، وقد اتجه في هذا الطرف، والتفريعُ على أن الملك يحصل بالقبول. وسببُ اتجاهه أنا لم نحكم بانفساخ النكاح إذا فرض القبول من الموصى له من حيث إن ذلك الملك كان مقدّراً، والآن إذا رُدّت الوصية، واستمر ملك الوارث، صار التقدير تحقيقاً، وهذا يتضمن الانعطافَ على ما تقدم.
__________
(1) في الأصل: ما ينسَبُ مناقضاً (هكذا بكل وضوح بهذا الضبط) وفي (س): فانتسب مناقضاً (هكذا بهذا التنوين، مع صعوبة في قراءة الكلمة الأولى) والعبارة قلقة مع كل هذا.
(2) زيادة من (س).

(11/217)


وقيل (1): لا نحكم بانفساخ نكاح الوارث قبل الرد، وإنما نحكم بانفساخه إذا ردّ الموصى له؛ فإنَّ التحقيق يثبت من وقت الردّ، وهذا متجه، والأول ألطفُ وأغوص في الفقه.
7469 - فأما القول في بيان من يعتِق على الوارث، أو على الموصى له، فإن كانت الوصية بمن يعتق على الموصى له، فحصول العتق يتوقف على القبول، فإن الملك به يحصل على القول الذي نفرع عليه، ثم إذا حصل، استقرّ، فلا يُتصور للموصى له على هذا القول ملك جائز في الوصية الصحيحة التي يحتملها الثلث.
فأما إذا كان الموصى به ممن يعتق على الوارث، فإن قلنا: الملك للميت ما بين الموت إلى القبول، فلا إشكال، وإن قلنا: الملك للوارث، فهذا ملكُ تقدير، وقد اتفق الأئمة على أنه لا يعتِق على الوارث؛ فإن الملك تقديرٌ، كما ذكرناه؛ وفي الحكم بنفوذ العتق إبطالُ الوصية، وهذا محال، وليس هذا العتقُ لو حكم به موجباً غُرماً على الوارث؛ فإن الغرم إنما يثبت في سرايات العتق إذا ترتبت على أسباب اختيارية (2)، ولا سبيل (3) إلى إبطال الوصية، فليفهم الناظر مواقع الكلام، ومأخذ الأحكام، وليقض العجب من محاسن الشريعة. نعم، لو رد الموصى له الوصية، لم يبعد أن يستند نفوذ العتق إلى ما تقدم إن كان العتق ينفذ في الملك الضعيف.
وقد انتهى تفريع الأحكام على الأقوال الثلاثة.
7470 - ومما يتعلق بتمام القول في هذا الأصل بيانُ المذهب في موت الموصى له بعد موت الموصي [وقبل] (4) القبول والرَّد، فإذا مات الموصي [ولم] (5) يتفق من
__________
(1) (س): ومن أصحابنا من قال: لا نحكم بانفساخ ...
(2) (س): إجبارية.
(3) (س): ولا سبب.
(4) في الأصل: قبل. (بدون واو).
(5) في الأصل: لم. (بدون واو).

(11/218)


الموصى له قبول ولا رَدٌّ حتى مات، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن وارث الموصى له بالخيار: إن شاء، قبل الوصية، وإن شاء، ردّها.
وقال أبو حنيفة (1) تلزم الوصية بموت الموصى له، وهذا في نهاية الضعف؛ فإنه إلزامٌ يتضمنه عقدٌ مع أقوامٍ مطلقين، وكان ينقدح في القياس القضاء ببطلان الوصية، لو كان مذهباً لذي مذهب؛ من جهة أن الموصى له قد مات، ففرضُ القبول من غيره، وليس القابل موصًى له [بعيدٌ] (2)، ولم يصر إلى هذا أحدٌ نعلمه من العلماء. فإذا لم يصح هذا مذهباً، وبطل لزوم الوصية من غير قبول، لم يبق بين هذين الطرفين إلا إحلالُ الوارث محل الموروث.
وهذا المنتهى يشعر بدقيقة، وهي أن قبول الوصية ليس على حقائق قبول العقود، ولهذا استأخر عن الإيجاب، مع إمكان فرضه متصلاً بالإيجاب، ولكن الإيصاء يُثبت عند الموت للموصى له حقَّ التملك بالقبول، ولا يبعد أن يجري الإرث في حق التملك، كالشفعة على مذهبنا. ثم أبو حنيفة أبطل الشفعة بموت الشفيع، وألزم الوصيةَ بموت الموصى له.
7471 - فإذا ثبت [أن] (3) وارث الموصى له بالخيار في القبول والرد، فإن فرعنا على قول الوقف، لم يكن [بين] (4) قبول الوارث وردّه، [وبين] (5) قبول الموصى له وردّه فرقٌ؛ فإن قبل الوارثُ الوصية، [تبيّنا] (6) أن الملك كان حصل بموت الموصي للموصى له، ثم خلفه إرثاً على ورثته، وننُزلُ قبولَ الوارث منزلة قبول الموصى له في حياته.
__________
(1) ر. مختصر الطحاوي: 157، الاختيار: 5/ 65.
(2) زيادة من (س).
(3) في الأصل: كان.
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: ومن.
(6) في الأصل: ثبتت.

(11/219)


وإن رد الوراثُ الوصيةَ، [تبيّنَّا] (1) أن الملك لم يحصل أصلاً، ونُنزل ردّ الوارث منزلةَ ردّ الموروث نفسه.
7472 - وإن قلنا: الملك يحصل للموصى له بموت الموصي، وقبولُه للوصية [تقريرٌ] (2) للملك، وردُّه [قطعٌ لملكٍ حاصل من غير تبيّنٍ وإسناد، فقبول الوارث وردُّه] (3) بمثابة قبول الموصى له وردّه، ولا يظهر على هذا القول أيضاً [مزيد] (4) حكمٍ.
7473 - فأما إذا قلنا: الملك في الموصى به يحصل بالقبول، فقد [يعتاص الكلام بعض الاعتياص] (5) في قبول الوارث، أما ردّه، فلا إشكال فيه؛ فإنه يستأصل الوصية ويقطع أثرها.
7474 - فأما إذا قبل الوارث والتفريع على قول القبول، فقد اختلف أصحابنا على وجهين حكاهما صاحب التقريب: فذهب بعضهم إلى أن الوارث إذا قبل تقدّم الملكُ في الموصى به إلى ألْطف لحظة قبل موت الموصى له.
ومن أصحابنا من قال: يحصل الملك مع قبول الوارث من غير تقدم.
توجيه الوجهين: من قال بتقدم الملك، احتج بأن الموصى له هو المقصود بالوصية؛ فيستحيل أن نثبت الوصية من غير أن يثبت للموصى [له] (6) ملكٌ في الموصى به، فاضطررنا إلى الإسناد على الحد الذي ذكرناه. وإن كنا لا نفرع على قول الإسناد والوقف.
__________
(1) في الأصل: ثبتت.
(2) في الأصل: مقدمة.
(3) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(4) في الأصل: مزية.
(5) في الأصل: يعتاض الكلام بعض الاعتياض، وفي (س): يعترض الكلام بعض الاعتراض. والمثبت تقدير منا بناء على معهود ألفاظ الإمام.
(6) مزيدة من (س).

(11/220)


ومن قال بالوجه الثاني احتج بأنّ التفريع إذا كان على قولٍ، فلا يجوز أن يترك أصله في تفصيله، وأصل قول القبول استعقاب القبول للملك، فيبعد أن يتقدم عليه.
التفريع على هذين الوجهين:
7475 - إن حكمنا بأن الملك يتقدم على موت الموصى له، فالموصى به تركة الموصى له، ولا غموض.
وإن حكمنا بأن الملك يحصل مع قبول الوارث، فعلى هذا الوجه وجهان:
أحدهما - أن الملك يحصل للميت، ثم ينتقل إلى القابل إرثاً.
والثاني - أن الملك يحصل ابتداء للوارث.
توجيه الوجهين: من قال: يحصل الملك للميت، والموصى به تركة يُقضى منها ديون الموصى له، وتنفّذ منه وصاياه، احتج بأن الوصية للمتوفى لا لوارثه، فيستحيل أن تستقر الوصية من غير أن [يستند] (1) الملك إلى الموصى له.
ومن قال: الملك يحصل للوارث، احتج بأن الميت يستحيل أن يثبت له ملكٌ على الابتداء، فيثبت الملك لمن خلفه، وحلّ محله. وهذا القائل يقول: استحق وارث الموصى له [حق] (2) التملك، وهذا هو الموروث، وهو بمثابة إجراء الإرث في حق الشفعة، فإذا أقمنا الوارث في الشفعة مقام الموروث، فالملك يحصل في الشقص المشفوع للوارث ابتداء، وإن كان تلقي الملك مترتباً على حقّ موروث. ومال اختيار صاحب التقريب إلى هذا الوجه.
التفريع:
7476 - إن حكمنا بأن الملك يستند إلى حياة الموصى له، فلو كان الموصى به ممن يعتِق على الموصى له تبيّناً، [فإنه] (3) يعتق عليه، على ما سيأتي
__________
(1) في الأصل: يستبد. و (س) بدون نقط.
(2) في الأصل: من.
(3) في النسختين بأنه.

(11/221)


التفصيل في أن القريب كيف يعتِق على القريب في مرض موته؛ والمقدار الذي ننجزه أن المريض إذا ورث قريبه، عتق عليه من رأس المال، وتقدير الملك للموصى له لا اختيار فيه، فكان كالإرث على ما سيأتي ذلك مشروحاً، إن شاء الله تعالى.
وإن قلنا: الملك يحصل مع قبول الوارث للميت، فإذا كان الموصى به ممن يعتِق على الموصى له، فإنه لا يعتِق على الموصى له، فإنا قدّرنا الملك بعد موته، ولا ينفذ العتق على الميت، على ما سنبين ذلك في مسائل نجمعها في العتق في هذا الكتاب.
وإن قلنا: الملك يحصل للوارث، وكان الموصى به ممن يعتق على الموروث في حياته، ولا يعتق على الوارث، بأن كان ابنَ الموصى له وأخَ الوارث القابل.
نعم، تردد أئمتنا على هذا الوجه في شيءٍ وهو أن الوارث إذا ملك الموصى به، فهل يجعل هذا في حكم تركة الموصى له، حتى يقضى منه ديونه؟ اختلف أصحابنا: فمنهم من قال: ليس ذلك تركته؛ فإنه لم يدخل في ملكه، فصار كالشقص المأخوذ بالشفعة.
ومنهم من قال: هو في حكم تركة الموصى له؛ لأن الوارث ملكه بسببه، وليس كالمبيع المشفوع؛ فإنه مملوك بعوضه لا بالإرث، وإنما الموروث حق تملكه، والموصى به في مسألتنا مملوكٌ بالوصية للميت، فشابه ذلك ما لو كان نصب شبكة في حياته وتعقّل بها صيدٌ بعد موته، فالمذهب الظاهر أن الصيد يثبت له حكم تركة الميت؛ لترتب الملك على سبب وجد منه في حياته، والملك المستفاد مشبه في مأخذه (1) بالغُرم اللاحق، ولو كان حفر بئراً في محل (2) عدوان، وتردى فيها بعد موته متردٍّ مضمونٌ، صار الضمان وإن طرأ بعد الموت كالدين الذي التزمه الميت في حياته.
__________
(1) (س): تأخره.
(2) (س): في ملك غيره.

(11/222)


ومن أصحابنا من لم يجعل الصيد المتعقل بالشبكة تركةً، كما ذكرناه في الموصى به إذا قبله الوارث، ويبعد أن يقال: الصيد يدخل في ملك الميت، ثم ينتقل عنه، وإن ذكرنا هذا وجهاً في الموصى به؛ وذلك أنا اضطررنا إلى هذا في الوصية لعلمنا أن الموصى له هو المقصود بالوصية المملكة.
هذا منتهى الكلام في حصول الملك في الموصى به إذا قبله الموصى له أو قبله وارثه.
وقد ذكرنا طرفاً من هذا في كتاب الزكاة، ولكنا أوجزناه، وحق من ينتهي إلى هذا الفصلِ من كتاب الزكاة أن يحيل الناظر إلى هذا الكتاب.
7477 - ونحن نذكر بعد هذا -إن شاء الله تعالى- أصولاً نقلها المزني عن الشافعي رضي الله عنهما ونذكر في كل فصل ما يليق به، ونحرص ألا نعيد ما أوضحناه من أحكام الرّدّ والقبول.
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو أوصى بأمةٍ لزوجها وهو حر، فلم يعلم حتى وضعت له بعد موت سيدها أولاداً ... إلى آخره " (1).
صورة المسألة أن السيد إذا أوصى بأمةٍ لزوجها الحر، ومات الموصي وتأخر القبول حتى وضعت أولاداً، ثم قبل الزوج الوصية. قال الشافعي رضي الله عنه: " عَتَق الأولاد ولم تكن أمهم أمَّ ولد له، حتى تلد بعد القبول بستة أشهر فأكثر؛ لأن الوطء قبل القبول وطء نكاح، والوطء بعد القبول وطء ملك " (2).
وهذا النص مشكلٌ، وفي ظاهره تناقضٌ، كما سنوضحه في معرض السؤال، ثم نذكر الممكن [والواجب] (3).
فإن قيل: الأولاد إنما يعتقون عليه إذا حكمنا بأن الملك يحصل بموت الموصي،
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 164. وتمام النص: "فإن قبل، عتقوا، ولم تكن أمهم أم ولد حتى تلد منه بعد قبوله بستة أشهر فأكثر" كما سيأتي بعد سطور.
(2) السابق نفسه.
(3) في الأصل: والمرات. والمثبت من (س).

(11/223)


فيحدث الأولاد [مملوكين] (1) لمن الأم مملوكة له، وإذا وقع التفريع على هذا، فيجب على موجبه أن يكون النكاح منفسخاً مع الموت، ثم يثبت الاستيلاد لمصادفة الإعلاق ملكَه، وإن كان الملك الضعيف لا [يستقرّ] (2) فيه الاستيلاد على رأيٍ، فهو وجهٌ، وقد ذكرته. ولكن موجَبه أن الملك الضعيف لا يفيد الملك في الأولاد.
وإن قيل: يحصل الملك في الأولاد إذا بان استقرار الملك، [فيلزم] (3) أن يثبت الاستيلاد (4 إذا بان استقرار الملك، فنفْيُ الاسيتلاد 4) مع إثبات الملك في الأولاد، والقضاءُ بعتقهم عليه مشكل جداً.
7478 - ومن [أراد] (5) فقه هذا الفصل، فقد قدمنا قواعد المذهب، وتفاريعها، وإنما غرضنا الآن الكلام على النص.
فمن أصحابنا من غلّط المزني في [النقل] (6)، ونسبه إلى نقل جوابين للشافعي مفرعين على قولين (7).
ومن أصحابنا من قال فَرْض الكلام فيه إذا علق الولد بوطءٍ قبل موت الموصي؛ فإن الاستيلاد لا يثبت (8 به، لا شك 8) فيه؛ من قِبَل أن الوطء إذا فرضناه قبل موت
__________
(1) في الأصل: مملوكة.
(2) في الأصل: لا يفيد.
(3) في الأصل: فيلزمهم.
(4) ما بين القوسين ساقط من (س).
(5) في الأصل: أراده. وعبارة (س): ومن أراد معرفة هذا الفصل.
(6) في الأصل: في النص.
(7) مفرعين على قولين: بيان ذلك أن قوله "عتِقوا" تفريع على حصول الملك بالموت، وقوله: "ولا تصير أم ولد" تفريع على حصوله بالقبول.
وقال الأكثرون -في تفسير تخليط المزني في النقل- بل هو تفريع على قول الوقف، وأراد الشافعي " بالقبول " في قوله: " حتى تلد منه بعد القبول " أراد " الموت " فسماه قبولاً، لأنه وقت القبول.
وقال بعضهم: لفظ الشافعي " الموت " لكن المزني سها فيه فجعله " القبول " ا. هـ من الروضة: (6/ 154).
(8) ما بين القوسين ساقط من (س).

(11/224)


الموصي، فهو جارٍ في وقت لا ملك فيه للواطىء، ولكن فرضنا الولادة بعد موت الموصي وأتبعنا الولدَ الأمَّ في الملك تفريعاً على أن الحمل يتبع الأم في الوصية المطلقة، على ما أوضحنا ذلك فيما سبق. وهذا لا بأس به.
ولكن في نص الشافعي ما يدرأ هذا؛ فإن الشافعي رضي الله عنه لما منع الاستيلاد علّل، فقال: لم تصر أم ولد لأن الوطء متقدم على قبول الوصية، فاعتبر تقدم الوطء على القبول، لا على موت الموصي.
وليس يتجه عندنا للنص تأويلٌ إلا من وجهٍ واحد، وهو أن نقول: لعلّه فرّع على أن الملك يحصل بالقبول، فلا ملك في الجارية إذاً قبل القبول، ولكنا قد نقول على قول القبول: إذا حدثت زوائد قبل القبول، ثم استقرت الوصية بالقبول، فالزوائد تكون للموصى له؛ نظراً إلى قرار الوصية، لا إلى الحالة التي حدثت فيها الزوائد، ولكن الاستيلاد لا يتقدم ثبوته على الوقت الذي يثبت الملك فيه، وهذا وإن كان منتظماً يبعد أن يفرِّع الشافعي عليه.
ومهما [نعرض] (1) لقول القبول؛ -فإن الملك يحصل به- ابتدره [فريق] (2)، وقال: هذا قولٌ ينكسر (3) عندنا، ثم ما ذكرناه في استحقاق الزوائد التي تقدمت على وقت ملك الأصل وجهٌ ضعيف على قولٍ ضعيف؛ فحَمْلُ نص الشافعي عليه استكراهٌ بيّن، وميلٌ عن مجاري كلام الشافعي، فلا وجه إلا نسبة المزني إلى الإخلال بالنقل، فَشَرْطُنا في كتابنا هذا ألا نتعدى قدرَ الحاجة في التنبيه على الغرض فيما يتعلق [بنص] (4)
__________
(1) في الأصل: يعرض، و (س): تعرض.
(2) في النسختين: فريقه.
(3) كذا في النسختين. وأكاد أقطع بأنها مصحفة محرفة عن عبارة لم نُساعَد على إدراكها. والله المعين.
(4) في الأصل: "بفعل" وفي (س): "بسواد المختصر". والمثبث اختيار منا على ضوء ما قاله إمام الحرمين في مقدمته، إذ قال: "ولا أعتني بالكلام على ألفاظ السواد، فقد تناهى في إيضاحها الأئمة الماضون" (انظر مقدمة المؤلف ص7 من الجزء الأول).

(11/225)


سواد المختصر (1)، وبعد كمال البيان للفقه والمعنى، [فقد] (2) أوضحنا فقه الفصل فيما تقدم.
7479 - ثم قال الشافعي رضي الله عنه: " فإن مات قبل أن يقبل أو يرد، قام ورثته مقامه ... إلى آخره " (3).
ذكر الشافعي رضي الله عنه قبولَ ورثة الموصى له بعد موت الموصَى له من غير قبول ولا ردّ، ثم فرض هذه المسألة في الصورة الأولى حيث يفرض حصول أولادٍ للجارية الموصى بها قبل موت الموصى له.
ثم قال: " إذا قبل ورثةُ الموصى له الوصيةَ عَتَق الأولاد " (4). وهذا فرّعه على أن الأولاد تدخل في ملك الموصى له، ثم يعتِقون عليه [بتقدير] (5) ثبوت الملك فيه، وهذا ينقدح على قول الوقف، ويجري منقاساً حسناً، وكذلك [يجري] (6) تفريعه
__________
(1) سواد المختصر: لأول مرة يجمع بين اللفظين ويضيف (السواد) للمختصر، فقد كان يضع أحدهما مكان الآخر، فتارة كان يقول: سأجري على ترتيب (السواد)، وأخرى يقول: ونعود إلى ترتيب (المختصر).
وقد أشرنا من قبل إلى أنه يضع لفظ (السواد) بمعنى (المتن) أو (الأصل)، وأن هذا المعنى غير وارد في المعاجم، وقد أفادني شيخي الشيخ محمود شاكر -برد الله مضجعه- بأن لفظ (السواد) يرد في لسان بعض الأئمة بمعنى (الأصل) أو (المتن)، وهو استعمال كان مألوفاً عندهم. ورحم الله شيخي فقد كان -عندما أفادني بذلك- في أخريات أيامه، وفي حالة لم تسمح لي بالإثقال عليه وطلب المواضع والنصوص التي جرى فيها هذا الاستعمال، وما كان هو بقادرٍ على ذلك لو أراد (رحمه الله رحمة واسعة).
نعود لجمع إمام الحرمين هنا بين اللفظين، فأقول: إنه واضح -إن شاء الله- فالمعنى: "متن المختصر" وهي ألفاظ الشافعي التي "تناهى الأئمة الماضون في الكلام عليها".
(2) في الأصل: وقد.
(3) ر. المختصر: 3/ 165.
(4) هذا معنى كلام الشافعي، أما لفظه -كما في المختصر: 3/ 165 - فهو: "فإن قبلوا، فإنما ملكوا أمةً لأبيهم، وأولادُ أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها أحرار، وأمهم مملوكة".
(5) في الأصل: بتقدمه.
(6) في الأصل: يخرج.

(11/226)


متجهاً على قولنا: إن الملك يحصل (1 بموت الموصي، ويتفرع أيضاً على قولنا: الملك يحصل بالقبول 1) ولكن يتقدم على موت الموصى له، ويُجعل كأنه قبل ثم مات.
وهذا أبعد المحامل لكلام الشافعي؛ فإنه لا يكاد يفرّع على قول القبول، وإن جرى منه ذكر هذا القول، لم يزد على تزييفه، ثم إن المزني ذكر مسألة الوارث [ونبّه] (2) بعد ذكرها لما في الكلام من الاختلاف في المسألة الأولى، حيث حكم الشافعي بعتق الأولاد ولم يحكم بثبوت الاستيلاد، وقد مضى القول فيه.
7480 - ثم تكلم الأصحاب في مسألة قبول الورثة، فقالوا: إذا مات الموصى له بولده (3) مثلاً، فقام وارثه مقامه في القبول، وحكمنا بأن الولد يعتِق، فهل يرث أباه مع الوارث القابل للوصية؟ قالوا: هذا مما ينظر فيه إن كان يؤدي توريثه إلى حرمان القابل وإخراجِه عن أن يكون وارثاً، فلا يرث الولد المقبول، وإن حكمنا بنفوذ العتق وصحة القبول، وذلك مثل أن يخلّف الموصى له (4) أخاً فقبل الأخ له ولده (5)، فلو ورّثنا الولد يخرج الأخ من أن يرث؛ فإن الابن يحجب الأخ عن الميراث، والمسألة فيه إذا كان الولد ابناً. ثم إذا قدرنا حرمان الأخ وخروجَه عن كونه وارثاً، لم يصح قبوله؛ وإذا لم يصح القبول، لم يعتِق الابن، وإذا لم يعتِق، لم يرث، ففي توريثه إبطالُ توريثه. وهذا من [الدوائر] (6) الفقهية، وسنجمع منها مسائلَ في كتاب النكاح نبيّن بها قواعدَ الدوائر الفقيهة -إن شاء الله عز وجل- وهذه المسألة منها.
7481 - وإن كان القابل لا يخرج عن كونه وارثاً، بتقدير توريث الابن المقبول،
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (س).
(2) في الأصل: وبينه.
(3) (س): بعد موت الموصي مثلاً، فقام وارثه ...
(4) (س): يخلف الموصى له ابناً وأخاً، فقبل الأخ، فلو ورّثنا ... إلى آخره.
(5) فقبل الأخ له ولده: أي قبل أخو الموصى له ولدَه الموصى به، أي ولدَ الموصى له. وإنما رجحنا عبارة الأصل هذه لما رأيناه من عبارته الآتية بعد سطور، حيث وصف الابن بأنه الابن المقبول.
(6) في الأصل: من الزوائد.

(11/227)


وذلك مثل أن يخلف الموصى له ابناً [حُرّاً] (1) فقبل الوصيةَ بالابن المملوك، فإذا عتِق، فللأصحاب وجهان في أنه هل يرث: أحدهما أنه يرث؛ لأن القابل لا يخرج عن كونه وارثاً بتوريث هذا الابن.
والوجه الثاني -وهو اختيار القفال رحمه الله- أن الابن المقبول لا يرث أيضاً في هذه الصورة؛ لأن القابل بتوريث هذا المقبول [يخرج] (2) عن أن يرث جميع المال من جهة مشاركة المقبول [في استحقاق الميراث لو ورّثناه، فلو كان كذلك، فلا يصح القبول] (3) في كل الوصية؛ [إذ لا يصح القبول في كل الوصية] (4) إلا ممن يرث كلَّ المال، ومن يرث البعض [يقبل] (5) البعض، ولا (6) سبيل إلى أن يقبل هذا الابن الذي كان رقيقاً بنفسه ليعتِق، فإن ورّثناه، لم يصح قبولُ أخيه له إلا في البعض، وإذا كان كذلك، لم يعتِق منه إلا البعض، والمعتَق بعضُه لا يرث، ففي توريثه إبطال توريثه من جهة التبعيض، وقد لاح أن هذا المقبول لا يتعاطى (7) قبول الوصية؛ فإن الوصية لأبيه، فكيف يقدر الرقيق على قبوله، فليس يتجه إذاً إلا ما ذكره (8) القفال رضي الله عنه، واختاره.
7482 - ثم قال الأئمة: من [ورَّث] (9) الابنَ المقبول، فينبغي أن يخرّج توريثه على قول الوقف، أو على قولنا يحصل الملك بموت الموصي، فيقتضي هذا أن يحصل العتق سابقاً على موت الموصى له، وهذا وإن صورناه كذلك، ففيه الإشكال الذي ذكره القفال؛ فإنا لو ورثنا ذلك الابنَ، لاحتجنا إلى فرض القبول منه، ويستحيل أن
__________
(1) في الأصل: حياً.
(2) في الأصل: تخريج.
(3) زيادة من (س).
(4) زيادة من المحقق اقتضاها السياق.
(5) في الأصل: فقبل.
(6) عبارة (س): ومن يرث البعض، ولا سبيل إلى ...
(7) عبارة (س): لا يتعاطى قبول الوصية لابنه، وكيف يقدر الرقيق ...
(8) ما ذكره القفال: أي عدم توريث الابن المقبول مع أخيه القابل.
(9) في الأصل: أرّث.

(11/228)


يتقدم حصول العتق فيه على وقت قبوله، فإنه لو أقدم على القبول رقيقاً، فقبوله باطل، ولو أقدم على القبول حراً، [فقد] (1) حصل العتق دون قبوله.
وهذا كلام مضطرب، وسنأتي فيه وفي أمثاله بما يشفي الغليل في [الدوائر] (2) الفقهية من كتاب النكاح، إن شاء الله تعالى.
7483 - ثم قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو أوصى بجاريةٍ، ومات، ثم وهب للجارية مائة دينار ... إلى آخره " (3).
غرضُ هذا الفصل الكلامُ في أن الزوائد التي تحصل من الموصى به بين (4) موت الموصي. وقبول الموصى له، أو قبول ورثته فتلك الزوائد لمن؟ والمائة (5) الموهوبة كسبٌ متجدد في الحالة التي ذكرناها.
[وقد ذكرنا] (6) بيان الأكساب والزوائد وإيضاح من يملكها على أحسن وجه في الترتيب، وأوقع نظامٍ في التفريع، فلا حاجة إلى [إعادته] (7).
وقد نجز الكلامَ في [أقوال] (8) الملك في الموصى به، وأنه متى (9) يحصل، وكيف [يتشعب] (10) المذهب في تفريعاته، وتخريجات الأحكام الأربعة التي هي المعتبر (11) وإليه الرجوع. والله ولي التوفيق، وهو [بإسعاف] (12) راجيه حقيق.
__________
(1) في الأصل: قد.
(2) في الأصل: الرواية.
(3) ر. المختصر: 3/ 165.
(4) في (س): بعد.
(5) في الأصل: المائة (بدون واو).
(6) زيادة من المحقق، حيث سقط من النسختين.
(7) في الأصل: إعادة.
(8) في الأصل: أموال.
(9) ساقطة من الأصل.
(10) في الأصل: يحصل.
(11) في الأصل: المعتبرة.
(12) في الأصل: باستعانة.

(11/229)


فصل
قال: " ولو أوصى له بثلث شيء بعينه، فاستُحِق ثلثاه ... إلى آخره " (1).
7484 - إذا أوصى لإنسان بثلثٍ من عبدٍ أوْ دارٍ أو غيرهما من الأعيان، وكنا نقدّر أن العبد بكماله ملكُ الموصي، وأنه خصّصَ بوصيةٍ ثلثَه، ثم تبين استحقاق ثلثيه وأن الموصي كان لا يملك منه [إلا] (2) الثلث، فإن لم يخلف سوى ذلك الثلث، وردّ الورثةُ الوصيةَ في الزائد على الثلث، فالوصية ترجع إلى ثلث الثلث لا محالة.
وإن خلف من الأموال ما يفي ثلثُها بتمام الثلث الموصى به، فالمنصوص عليه للشافعي رضي الله عنه القطعُ بأن جميع الثلث موصًى به.
وذهب بعض السلف إلى أن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث الثلث؛ فإنّ ذكر الثلث جرى شائعاً، فكأنه أوصى بثلثٍ من كل ثلث، فإذا ثبت الاستحقاق في الثلثين، بطلت الوصية بثلثي الثلث، وهذا مذهب أبي ثور وزفر، والذي يستقيم على قياس الشافعي تنفيذ الوصية في جميع الثلث الموصى به.
وترتيب المذهب [في هذه المسألة] (3) وغيرها [من] (4) هذه الأجناس أن مَنْ كان يملك الشقص من دارٍ، فباعه، ولم يضفه إلى نفسه، مثل أن يقول: بعتك [نصف] (5) هذه الدار، وكان مالكاً لنصفها، ولم يقل: بعتك النصف الذي أملكه، فهل نحمل بيعَه المطلق على ما يملكه [أم] (6) نشُيعه في جميع الدار، حتى نجعلَه جامعاً بين بيع النصف من نصفه وبين بيع النصف من النصف الذي [له] (7)؟ فيه اختلاف.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 167.
(2) زيادة من (س).
(3) سقط من الأصل.
(4) في النسختين: في.
(5) في الأصل: بنصف.
(6) في الأصل: لزم. وهو تحريف واضح. وفي (س): أو.
(7) في الأصل: ليس فيه اختلاف.

(11/230)


والأوجه عندنا تصحيح البيع في النصف الذي يملكه؛ فإنه باع النصفَ، وله النصفُ، [والشيوع ينافي التميز] (1)، فلا حاصل لقول القائل: باع بعضَ ماله، وبعضَ ما لشريكه.
وقد ذكرنا هذا في كتاب البيع.
7485 - فإذا أوصى بجزءٍ يستحقه من عبد أوْ دارٍ، ولم يضفه إلى ملك نفسه، فإذا صححنا البيع في جميع حصته، فلا إشكال في نفوذ الوصية أيضاً في جميعها، وإن جعلناه في البيع بائعاً بعضَ ما يملك، فالوجه حمل الوصية على جميع ما يملك، من جهة أن وضع الوصية [حملُها] (2) على الصحة إذا ترددت بينها وبين الفساد؛ ولهذا قال الأئمة إذا أحضر الإنسان طبلين طبلَ حرب وطبلَ لهو، وقال: بعتك أحدَهما [فالبيع] (3) لا يُحمل على طبل الحرب، ولكن يُقضى بفساده، لما في لفظه من التردّد، وإذا أوصى بطبل من طبوله، وله طبل لهو وطبل حربٍ، فالوصية محمولةٌ على طبل الحرب؛ لتصح؛ فيجب على هذا المقتضى صرفُ الوصيةِ إلى تمام حصة الموصِي.
وذهب ابن سريج من أصحابنا إلى أن الوصية تصح في جزءٍ من حصته، وينفصل عن البيع؛ من حيث إن البيع قد يفسد كله، لتفرق الصفقة، والوصية لا تبطل لتفرق الصفقة في المقدار الذي تصح منه لو أُفرد بالوصية.
ثم حاول ابن سريج فرقاً بين مسألة الطبل وبين مسألة الشيوع، فقال: إذا أوصى بطبل من طبوله، ففي حمل وصيته على طبل اللهو إبطالُها بالكلية، مع ظهور [قصد] (4) الموصي في تصحيحها وقبولها للتردّد والورود على المجاهيل، وإذا صححنا الوصية على مذهب الإشاعة في جزءٍ من الحصة التي أطلقها الموصي، فقد
__________
(1) في الأصل: وللشيوع ما في التميز.
(2) في النسختين: وحملها.
(3) في الأصل: بالبيع.
(4) في الأصل: القصد.

(11/231)


وجدت الوصية متشبثاً، مع استمرار قياس الإشاعة، فانفصل بذلك عن مسألة الطبل.
هذا منتهى الغرض في المسألة.
فصل
قال: " ولو قال: ثلث ما لي للمساكين، قُسم ثلثُه في ذلك [البلد] ... إلى آخره " (1).
7486 - قد مضى في كتاب الزكاة صدرٌ من الكلام في نقل الصدقات، وسنذكره مستقصى، إن شاء الله تعالى في قَسْم الصدقات، وغرض هذا الفصل أنا إن جوّزنا نقلَ الصدقات، فالوصية للمساكين لا تختص بمساكين [البقعة] (2) التي جرت الوصية فيها. وإن منعنا نقلَ الصدقات الشرعية، فالوصايا المطلقة المضافة إلى موصوفين لا ينحصرون هل يجوز نقلها أم تتقيد بقيد الصدقات الشرعية؟
اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: يجب تنزيل الوصية المطلقة على موجب الزكاة، وهذا ما إليه [صغوُ] (3) معظم الأصحاب.
وقد يوجّه بأن الألفاظ التي أجريت (4) عن مستحقي الزكاة إذا جرت في ألفاظ الموصين، فهي محمولة على معانيها في الزكوات الشرعية، وهذا كذكر أبناء السبيل والرقاب وغيرها، فإذا كانت ألفاظ [الموصين محمولة] (5) على معاني ألفاظ الكتاب والسنة في أصناف الزكاة [فالألفاظ] (6) المطلقة في الوصايا ينبغي أن تتقيد بما تتقيد به
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 167. وفي النسختين: قسم ثلثه في ذلك الثلث. والتصويب من المختصر.
(2) في الأصل: النفقة.
(3) في الأصل: صعود.
(4) (س): أعربت.
(5) في الأصل: ألفاظ المؤمنين محمولاً.
(6) في الأصل: بالألفاظ. و (س): والألفاظ.

(11/232)


الألفاظ المطلقة في الكتاب والسنة، ثم المساكين وإن أطلقوا في الزكاة محمولون على مساكين البلدة التي بها [أمال] (1) الزكاة، فكذلك إذا قال الموصي: أوصيت بثلثي للمساكين، وجب حملهم على مساكين بلده.
ومن أصحابنا من قال: لا يجب ذلك في الوصايا، فإنا إنما منعنا النقل في الزكوات لأخبارٍ وآثار وأقضية مصلحية تجري في وظائف الزكوات، فأما الوصية، فليس فيها ما يوجب منعَ النقل، والدليل عليه أنه يصح للموصي أن يصرف وصاياه قصداً إلى غير مساكين بلده، فاتباع موجَب لفظ [الموصي] (2) أولى من حمله على الزكاة.
فصل
قال: " ولو أوصى له بدارٍ، كانت له وما يثبت فيها ... إلى آخره " (3).
7487 - [أراد أن] (4) الوصية بالدار بمثابة بيع الدار، فكل ما يدخل تحت إطلاق اسم الدار في البيع، فهو داخل تحت مطلق تسمية الدار في الوصية.
وقد ذكرنا في كتاب البيع ما يندرج تحت البيع إذا سميت الدار، وأوضحنا موضع الخلاف والوفاق، وهذا لا إشكال فيه، ولكن نتكلم في مسألة وراء هذا، ونحن نذكرها، ونذكر نقيضها (5).
7488 - فإذا أوصى بدارٍ لإنسان، فانهدمت في حياة الموصي، أو انهدم بعضُها، فذلك النقض مختلفٌ فيه: فمن أصحابنا من قال: إنه (6) يخرج عن الوصية، فإن اسم
__________
(1) في الأصل: قال.
(2) في الأصل: "المولى".
(3) ر. المختصر: 3/ 168 ..
(4) زيادة من (س).
(5) في (س): تفصيلها.
(6) ساقطة من (س).

(11/233)


الدار [لا يتناول النقض، ولا يُستحق بالوصية إلا ما يبقى تحت اسم الدار] (1) عند قرار الوصية، كما سنوضح المعنى بقرارها.
ومن أصحابنا من قال: النقضُ موصى به؛ اعتباراً بحالة الإيصاء، واسم الدار كان متناولاً لهذه الأجزاء التي تحطمت بالانهدام، فيبقى تحت قضية اللفظ، وإنما [يتغير] (2) قرار الوصية فيما يتعلق بتغاير الأملاك، أو فيما [يشعر] (3) بالرجوع عن الوصية في حق الموصي؛ فإنه لو أوصى بحنطة ثم طحنها، فقد يكون هذا رجوعاً منه عن الوصية؛ من جهة إشعار طحنه باستعمال الطحين، وصرفه عن الاعتياد والإبقاء للموصى له، فأما انهدام الدار، فليس من هذا القبيل، وليس من الفقه تشبيه هذا بالنقض في حق [الشفيع] (4)؛ فإن المبيع إذا انهدم قبل ثبوت ملك الشفيع فيه، ففي أخذه النقضَ خلافٌ قدمناه في كتاب الشفعة، وذلك الأصل ينفصل عما نحن فيه؛ فإنه لا يؤخذ من الألفاظ، والإطلاقات، وإنما [يرتبط بأصلٍ حُكمي] (5)، وهو أن الشفعة لا تتعلق إلا بالثوابت.
ثم إن قلنا: نقضُ الدار (6) يبقى تحت مقتضى الوصية إذا انهدمت الدار قبل موت الموصي، فلو انهدمت بعد موته، فإن قلنا: الملك على الوقف أو يحصل بالموت، فالنقض للموصى له إذا قبل الوصية.
وإن قلنا: يحصل الملك بالقبول ففي النقض خلاف مرتب على ما إذا انهدمت الدار قبل موت الموصي، وهذه الصورة أوْلى باستحقاق النقض فيها؛ من جهة أن الموصي إذا مات، [فقد] (7) دخل وقت إمكان القبول، وهذا الآن على مضاهاة الشفعة مع بُعد الوصية عن قياس الشفعة.
__________
(1) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(2) في الأصل: يعتبر، و (س): تغير.
(3) في الأصل: يشرع.
(4) في الأصل: المبيع.
(5) في الأصل: يربط بأصل حكمٍ.
(6) (س): الدواير.
(7) في الأصل: وقد.

(11/234)


هذا بيان انهدام الدار.
7489 - فأما نقيض ذلك، فلو أوصى بدارٍ، ثم زاد في بنائها، [فتغييراته بها] (1) لا تكون رجوعاً عن الوصية، بخلاف طحن الحنطة؛ فإن الحنطة تُطحن لتؤكل، والتغايير في الدار لا تشعر بمناقضة الوصية.
إذا أحدث زوائد في البناء، فقد ظهر اختلاف أصحابنا في أن تلك الزوائد هل تدخل في الوصية؟ وهذا الاختلاف يبتني على أن أجزاء الدار من الدار تنزل منزلةَ أطراف العبد من العبد أم يثبت لأجزاء البناء حكم الاستقلال؟ وفيه خلاف ذكرناه في البيع، [وأعدناه] (2) في أثناء الكتب، ونحن نحصّل القول فيه الآن مجموعاً، فنقول:
7490 - إذا باع رجل داراً، فاحترق سقفها، فمن أصحابنا من يقول: احرّاق السقف من الدار بمثابة تعيّب العبد المبيع، فإن سقطت يدُه أو تناله آفةٌ أخرى، فللمشتري الخيار، فإن فسخ، استرد الثمن، وإن أجاز، أجاز بجميع الثمن.
ومن أصحابنا من قال: احتراق السقف بمثابة تلف مبيعٍ مضمومٍ إلى مبيعٍ مع اتحاد الصفقة واشتمالها عليهما، فهو كما لو اشترى الرجل عبدين، فتلف أحدهما، فالبيع ينفسخ فيه.
والرأي الظاهر أنه يسقط قسطٌ من الثمن، كما ذكرناه في تفريق الصفقة.
ثم عبّر الفقهاء عن هذا، فقالوا: أجزاء الدار في وجهٍ كالصِفة (3) للمبيع، وفي وجهٍ هي مبيعة في أنفسها، وكل جزء متقوّم من الدار مبيع في نفسه.
فبنى الأئمةُ زيادةَ العمارة في الدار على هذه القاعدة، فقالوا: إن جعلنا أجزاء الدار كالصفات [فزيادةُ] (4) الأعيان في العمارة الجديدة بمثابة كبر الغلام الموصى به،
__________
(1) في الأصل: فتعين أنه لها. و (س): فتغيراته بها.
(2) في الأصل: واعتبرناه.
(3) (س): كالصفقة.
(4) في الأصل: وزيادة.

(11/235)


ونموّ الفسيل [الموصى به] (1) وجملة الزيادات المتصلة.
وإن (2) قلنا: لكل جزء من الدار حكمُ الاستقلال، فلا (3) تدخل الزيادة المحدثة في الدار تحت الوصية.
7491 - وهذا كلام مختلط عندي، والوجه القطع [بأن] (4) زيادة الأعيان لا تدخل تحت الوصية؛ فإنا لو فتحنا هذا الباب، وأقمنا الزيادة صفةً حقيقةً (5)، لزمنا منه ما صار إليه أبو حنيفة (6) من أن الغاصب إذا استعمل الأعيان المغصوبة في دارٍ ابتناها على عرصته المملوكة، صارت الأعيانُ المغصوبة صفة لملك الغاصب، حتى لا تنتزع، ويُلزم (7) بدلها؛ لأنه [فوّتها] (8) على مالكها. ثم أبو حنيفة وإن طرد هذا في الغصب، لم [يجره] (9) في الدار المشفوعة إذا زاد المشتري من أعيان ماله في بنائها، ولم يَقُل: الشفيع يأخذه؛ لأن ما زاده انقلب صفة للرَّبع المشفوع، فلا سبيل إلى اعتقاد حقيقة الصفة في الأعيان التي تزاد، ومن انتسب إلى التحقيق من أصحاب أبي حنيفة لم يعتمد في مسألة غصب الساجة (10) إلا محاذرة إلحاق الضرار بالغاصب،
__________
(1) زيادة من (س).
(2) (س): فإن.
(3) (س): ولا.
(4) في الأصل: لأن.
(5) (س): حقيقية.
(6) ر. مختصر اختلاف العلماء: 4/ 178 مسألة: 1867، الاختيار: 3/ 62.
(7) (س): وإنما يلتزم.
(8) في الأصل: فوته.
(9) في الأصل: يجزه، و (س): ينجزه.
(10) الساجة: خشبة من أخشاب البناء. وصورة المسألة أن يغصب غاصب ساجة، فيدخلها في بناء دارٍ له على أرضٍ مملوكة له، فعند أبي حنيفة لا نلزمه نزع الساجة وردّها، بل نلزمه قيمتها؛ والعلة عند أبي حنيفة أن الساجة صارت في حكم (صفةٍ) من صفات البناء، فخرجت عن حقيقتها. ولكن من انتسب إلى التحقيق من أصحاب أبي حنيفة لم يجعل علّة عدم إلزامه نزع الساجة أنها صارت صفةً من صفات البناء، وإنما جعل العلة محاذرة إلحاق الضرار بالغاصب إذا كلفناه هدم داره لنزع الساجة وردّها.

(11/236)


ورأى وجه النظر من الجانبين ألاّ نهدم بناء الغاصب ونغرّمه قيمة الأعيان المغصوبة.
ولئن (1) تخبط أصحاب أبي حنيفة، لا يليق بمذهب الشافعي مثلُ هذا.
نعم، اشتهر الخلاف في تلف أجزاء الدار في يد البائع، وليس ذاك من جهة التردّد في أن أجزاء الدار صفاتٌ، ولكن سبب الاختلاف أن الدار بيعت جملةً واحدةً، فوقع البيع في غرض المتعاقدين على صيغة (2) مقتضاها ألا تُفردَ (3) الأجزاء بالثمن، وليست أجزاء الدار في حكم قصد المتبايعين مع عرصة الدار بمثابة عبد [مضمومٍ] (4) إلى عبد في البيع (5)، ولست أعرف خلافاً أن البائع لو زاد في الدار المبيعة من أعيان ملكه قبل القبض، [فالمشتري] (6) ينزعها أو يكلف البائع نزعها.
وإذا كان كذلك، فلا يتجه أصلاً تخيّل الخلاف في أن الأعيان التي زادها الموصي تدخل تحت الوصية، ولكن ذكرتُ ما ذكره الأصحاب، وقد حكاه الصيدلاني أيضاً ثم نبهنا على تحقيق القول [فيه] (7)، ولم يختلف أصحابنا في أنه لو باع سقفَ داره، أو خشبةً من السقف، وسهل [رفعها] (8)، وتسليمها من غير تغير ظاهر في الأعيان التي اتصلت الخشبة بها [أن البيع جائز] (9) وما جاز إفراده بالبيع كيف ينتظم فيه كونُه صفةً على التحقيق؟
هذا منتهى القول في هذا الفصل.
__________
(1) (س): وقد تخبط.
(2) (س): صفة.
(3) (س): تنفرد.
(4) في الأصل: مضمون.
(5) (س): المبيع.
(6) في الأصل: فالمثوي.
(7) في النسختين: منه.
(8) في الأصل: بيعها.
(9) زيادة من (س).

(11/237)


[مسائل مختلفة] (1)
ثم ذكر ابن الحداد وغيره مسائلَ في الوصايا مختلفة، ومتجانسة، [وأنا أرى] (2) وضعَها هاهنا، فنرسم مسائل، ونضمّن كلَّ مسألة ما يليق بها.
7492 - مسألة: إذا أوصى لرجل بعشرة دراهم، وأوصى لآخر بعشرة، وأوصى لثالثٍ بخمسة، وشرط أن نقدم صاحب الخمسة على أحدهما، وضاق الثلث عن احتمال الوصايا بجملتها، مثل أن يوصي لزيد بعشرة ولعمرٍو بعشرة وخالدٍ بخمسة، وشرط تقدّمَ خالدٍ على عمرٍو بخمسته، والثلث عشرون.
فالوجه أن نضع المسألة عريّةً عن شرط التقديم، ثم نذكر موجَب التقديم، فإذا لم يقدم [أحداً] (3) من هؤلاء الثلاثة، ولم يتسع الثلث لجميع الوصايا، فينقدح في [تخريج] (4) المسألة مسلكان قريبان تقدّما في المسائل، أو تقدم أمثالُهما: أحدهما - أن نضبط مبلغ الثلث، ومبلغ الوصايا، ثم نضيف الثلاثة بالنسبة إلى الوصايا، وننفذ (5) من كل وصية مثلَ تلك النسبة.
وبيان ذلك أن الثلث عشرون وجملة الوصايا خمسة وعشرون، فإذا أضفت عشرين إلى خمسة وعشرين، كانت العشرون أربعة أخماس الوصايا (6)، فلكل واحد من مستحقي الوصية أربعةُ أخماس وصيته: لصاحب العشرة أربعة أخماسها، ولصاحب الخمسة كذلك، فيكون لصاحب كل عشرة ثمانية، ولصاحب الخمسة أربعة.
ويتجه مسلكٌ آخر، وهو مسلك التضارب، وذلك بأن ننسب الوصايا بعضها إلى
__________
(1) العنوان من عمل المحقق.
(2) في الأصل: وإن أدى.
(3) زيادة من (س).
(4) في الأصل: تحريم.
(5) (س): وتقدم.
(6) ساقطة من (س).

(11/238)


بعض، ونقدرها سهاماً على أقل [ما معنا] (1): لصاحب الخمسة على سهمٍ، وصاحب كل عشرة على [سهمين] (2)، فيضربون بخمسة أسهم في عشرين سهماً، ونجري العشرين خمسة أسهم، يأخذ صاحب كل عشرة جزأين من العشرين، أو خُمسين من العشرين، ويأخذ صاحب الخمسة جزءاً، وإن أحببت، قلت: خُمساً فيؤدي إلى ما ذكرناه. فإذا قدرنا قسمة العشرين بين هذه (3) الوصايا من غير تقديم، (7 [فنبيّن] (4) على هذا التقديمَ (5)، [فنقول] (6): يأخذ صاحب الخمسة أربعةً من غير تقديم 7)، ويأخذ كل واحد من صاحبيه ثمانية، فنقدر لزيدٍ ثمانية ولعمرٍو ثمانية ولخالدٍ أربعة، ثم يأخذ خالدٌ من عمرٍو ما يكْمُل له به الخمسةُ، وهو سهمٌ، فيبقى في يد عمرٍو سبعة، وفي يد زيد ثمانية، ويكمل لخالد خمسة، ولا خفاء بهذا، ولكنه أوّل مسألة ذكرها ابن الحداد في هذا الكتاب.
7493 - مسألة: تشتمل على تفصيل القول فيمن يعتق على المريض في مرض موته، فنقول: جهات الملك في مرض الموت ثلاثة في غرض المسألة: إحداها - الإرث، فإذا ورث المريض من يعتِق عليه، يثبت الملك إرثاً، ويترتب عليه حصول العتق من رأس المال، هذا متفق عليه؛ فإنه ملك قهري حصل من غير عوض، ووقع حصوله مستحَقاً بجهة العتاقة، فلا احتساب من الثلث.
ولو اشترى المريض من يعتق عليه، واحتمل الثلثُ العتقَ عَتَق عليه، وإن لم يسع الثلثُ تمامَ القيمة عَتَق منه القدرُ الذي يسعه الثلث، ورق باقيه، وهذا متفق عليه.
والعتق ملحقٌ بالتبرعات إذا كان الملك متلقَّى من جهة الشراء والابتياع.
__________
(1) في الأصل: ما مر بنا.
(2) في الأصل: سهم.
(3) في الأصل: وهذه (بزيادة واو).
(4) في الأصل: ونبين.
(5) التقديمَ: مفعول نبيّن، وليست بدلاً من (هذا). والمعنى نبين كيفية التقديم لأحد الموصى لهم.
(6) في الأصل: ونقول.
(7) ما بين القوسين سقط من (س).

(11/239)


ولو اتهب من يعتق عليه، أو كان أُوصي له به، ومات الموصي [وجاز] (1) قبول الوصية، فقبلها في مرضه، فهل يجب العتق من ثُلثه أم ينفذ (2) من رأس المال؟ فعلى وجهين ذكرهما الشيخ أبو علي رضي الله عنه: أحدهما - أنه من رأس المال؛ من جهة أن الملك لم يحصل بعوضٍ، فصار كالملك المستفاد إرثاً.
والثاني - أنه محسوب من الثلث؛ فإنه تملّكٌ على اختيارٍ، فإذا حصل في ملكه باختياره، ثم قُدِّر العتق، كان كما لو اتهب عبداً ثم أنشأ إعتاقه.
وهذا الوجه ركيكٌ، لا اتجاه له، والاستشهادُ بالاتهاب والإعتاق باطلٌ؛ فإنه لو ورث عبداً، ثم أعتقه، كان العتق محسوباً من ثلثه، فلا تعويل إذاً إلا على كون العتق مستحقاً، مع أنه لم يبذل عوضاً في تحصيله حتى [يعدّ] (3) بذله نقصاناً وخسراناً في المال، وإذا كان العتق مستحقاً، فلا أثر لاختيار الملك وإنما يؤثر اختيار العتق [لو كان] (4) متعلقا بالاختيار.
7494 - ثم إن (5) اشترى من يعتِق عليه بمثل قيمته، فالوجه (6) أن يحسب من الثلث، حتى لو فرض دينٌ مستغرِقٌ، [فالعتق بجملته مردودٌ] (7)، على ما سنبين شرحَه في أثناء المسألة، إن شاء الله تعالى.
وإن اشترى من يعتِق عليه بأقلَّ من ثمن مثله، فإن قلت: العتق فيما يتهبه من الثلث، فلا إشكال في هذه المسألة.
[وإن] (8) فرعت على المسلك الحق، وهو أن العتق فيما يتهب من رأس المال،
__________
(1) في الأصل: وصار.
(2) (س): أو يعدّ.
(3) في الأصل: يعدل.
(4) في الأصل: لكان.
(5) (س): من اشترى.
(6) (س): فالوجه الحسب من الثلث.
(7) في الأصل: بالعتق فجملته مردودة.
(8) في الأصل: فإن.

(11/240)


فيجب أن يقال: إذا اشترى ابنَه وقيمتُه ألفٌ بخمسمائة، فنقدّر المحاباة بمثابة المستفاد على حكم الاتهاب، وإنما يتحقق التبرع في المقدار المبذول من العوض؛ من جهة أنه بذل العوض، ولم يستبدل عنه ما يبقى ملكاً.
7495 - وتمام البيان في هذا الفصل أنا حيث نقول: يعتِق على المريض ابنُه أو أبوه بجهةٍ (1)، فلا كلام، وحيث لا يحكم بحصول العتق فيه، مثل أن اشترى ابنه بمثل قيمته وعليه دينٌ مستغرق، فالمذهب أن الشراء يصح (2) والابن لا يعتِق، ويسلَّم إلى جهة الديون رقيقاً.
ومن أصحابنا من قال: إذا كانت العقبى تقتضي ردَّ العتق، فلا يصح الابتياع في أصله، حتى لا يُفضي إلى أن يتصرف في ابنه الواقعِ في ملكه حسب التصرف في الأرقاء والعبيد، [والأظهر] (3) الأصح تصحيح الابتياع، والمصير إلى أنه يباع في الديون.
7496 - ومما يلتحق بهذه القضايا أنا حيث نحسب العتق من الثلث، ثم وسع (4) الثلث القيمة، [ولا] (5) مزاحمة من دَيْن؛ فإنه يعتِق ولا يرث؛ لأنه لو ورث وعتقه محسوب من الثلث، لكان العتق [مصروفاً] (6) إلى حطه (7) وصية له، والوصية للوارث مردودة، [وإذا رددناها] (8)، فلا إرث (9)، ففي توريثه منع توريثه، وهذا ملتحق بالدوائر الفقهية.
__________
(1) ساقطة من (س).
(2) "فالمذهب أن الشراء يصح" استقر المذهب فعلاً على ذلك، فالنووي جعل المسألة على وجهين أصحهما هذا (ر. الروضة: 6/ 204).
(3) في الأصل: فالأظهر.
(4) (س): يسع.
(5) في الأصل: فلا.
(6) في الأصل: مضروباً.
(7) (س): حط.
(8) في الأصل: والمردد الإرث.
(9) فلا إرث: لأنه لا عتق.

(11/241)


وحيث نحكم بأن العتق ينفذ من رأس المال، فإذا عتِق مَن (1) ملكه عتقاً مستحقاً محسوباً من رأس المال، فقد ذكر الشيخ أبو علي وجهين في أنه هل يرث: أحدهما - وهو الصحيح (2) أنه يرث؛ لأنه [لا] (3) مانع من توريثه؛ فإن عتقه لم يقع في حكم الوصايا، فهو بمثابة ما لو عتَقَ في حالة الصحة.
والوجه الثاني - أنه لا يرث، وهو اختيار الإصطخري، ولست أعرف هذا وجهاً، ولكنّ الشيخ أبا علي [استدلّ له] (4) بأن قال: العتق حصل، وفيما نحتسب جنسَ العتق فيه من الثلث، فلا نظر إلى خروج هذا العتق عن القياس.
ولا ثبات لمثل هذا الكلام؛ فإن العتق لاسمِه ولقبِه لا يعتبر من الثلث، وهو منقسم: فمنه ما يحسب من الثلث، ومنه ما لا يحتسب، فلا حاصل [تحت] (5) ما قال.
واستشهد بمسألة [فقال] (6): إذا نكحت المرأة في مرضها بدون مهر مثلها، فيصح ذلك منها، ولا يحسب من الثلث، فإنها حابت في عوض البضع، وليس البضع [ممّا يبقى] (7) للورثة، قال: فهذا فيه إذا كان الزوج بحيث لا يرثها، مثل أن يكون رقيقاً أو مسلماً، وهي كافرة (8)، فأما إذا كان الزوج يرثها، فيلزمه مهرُ مثلها كَمَلاً، فكأنا قدرنا ذلك وصيةً في حق الزوج الوارث، وإن لم نقدره وصيةً في حق غيره.
هكذا ذكره الشيخ، وأطلق [جوابه] (9) في الفرق بين من يرث وبين من لا يرث.
__________
(1) (س): في.
(2) ما قاله الإمام من أن هذا هو الصحيح استقر عليه المذهب، فقد قاله النووي بلفظه (الصحيح). (ر. الروضة: 6/ 204).
(3) زيادة من (س).
(4) في الأصل: استدركه.
(5) في الأصل: يجب.
(6) في الأصل: وقال.
(7) في الأصل: بما بقي، و (س): مما بقي.
(8) كافرة: المراد ذمية كما صرح بذلك في الروضة: 6/ 133.
(9) في الأصل: حرازه.

(11/242)


وكان شيخي رضي الله عنه لا يفصل، ويقول: المحاباة بمهر المثل في النكاح من المريضة صحيحة مع الوارث وغير الوارث. وهذا متجهٌ حسن (1)، وسيأتي كلام في نكاح المريضة ونكاح المريض، إن شاء الله عز وجل، هذا منتهى المسألة.
7497 - مسألة: مشتملة على تفصيل القول في الوصية لمن نصفه حر ونصفه رقيق، والغرض يتعلق [بصورتين] (2): إحداهما - أن يوصي لشخص نصفه حرٌ ونصفه رقيق لغير وارثه.
والصورة الثانية - أن يكون النصف الرقيق ملكاً لوارث (3) الموصي.
فأما إذا كان الرقيق منه ملكاً لمن لا يرث الموصي، فممَّا نجدد العهدَ به قبل الغوص (4) في المسألة أن من وهب شيئاً لعبد غيره، فإن قبل العبدُ الهبة بإذن مولاه، صحت الهبة، ووقعت للمولى، وكذلك إن أوصى لعبدٍ بشيء، فقبِل الوصية بإذن السيد، فالوصية تصح، ويقع الملك في الموصى به للسيد.
فإن قبل الهبة والوصيةَ من غير إذن السيد، ففي (5) المسألة وجهان قدمناهما في مواضع: أحدهما - أن القبول باطل، ولا تصح الوصية ولا الهبة، فإنهما لو صحتا، لثبت الملك للمولى قهراً، والعبد محجورٌ عليه على حالٍ، فلا يصح منه أن يُكسب (6) مولاه مالاً بعقدٍ من غير إذنه.
والوجه الثاني - أن القبول يصح، ويثبت الملك للمولى، [إن] (7) لم يردّه، كما لو احتش العبد أو احتطب، وكما لو خالع زوجته على مالٍ؛ فإن عوض الخلع يدخل في ملك المولى قهراً.
__________
(1) والوجه المعتمد، هو الوجه الأول الذي سماه الإمام الصحيحَ (ر. الروضة: 6/ 133).
(2) في الأصل: بصورتهن.
(3) (س): للوارث.
(4) (س): الخوض. وهي في الأصل محرّفة إلى (العَوْض).
(5) (س): في.
(6) (س): يكتسب.
(7) في الأصل: وإن لم.

(11/243)


فإذا تجدد العهد بما ذكرناه، عُدنا إلى تفصيل المسألة:
7498 - فإذا أوصى الرجل (1) لشخص نصفه حر ونصفه مملوك لأجنبي، فقبل الموصى له الوصية دون إذن المالك، ففي صحة القبول على مقابلة (2) الرق وجهان، كالوجهين فيه إذا كان عبداً قِنّاً: فإن قلنا: يصح قبول المملوك دون إذن المالك، فقد ثبتت الوصية، [ولا] (3) كلام.
[وإن] (4) قلنا: لا يصح قبوله فيما يخص الرقيق منه، فقد بطل القبول في نصف الوصية.
وهل يصح في النصف الآخر؟ فعلى وجهين ذكرهما الشيخ أبو علي: أحدهما - أنه يصح؛ فإنه لو كان عليه معترَضٌ في مقدار الرق منه، فلا [يعترض] (5) في مقدار الحرية.
والوجه الثاني - أنه لا يصح القبول في شيء؛ فإنا لو صححنا القبول، وأثبتنا ذلك القدرَ المقبولَ لمقدار الحرية منه، لم يصح ذلك؛ من قِبل أنّ كل ما يستفيده، فحقه أن ينقسم على شطريه، [واختصاصُ] (6) بعضه بالتملك على وجهٍ لا يَشيع [محالٌ] (7)، فإن حصرنا، بطل الحصر، وإن أشعنا وأثبتنا البعضَ الذي صححنا القبولَ منه بينه وبين مالك رقّه، [انعكس] (8) الأمر إلى إدخال شيءٍ في ملك المالك من غير إذنه، وهذا لا ينتظم قط؛ فيجب القضاء ببطلان أصل الوصية.
__________
(1) (س): الوكيل.
(2) كذا. وفي (س) تقرأ بصعوبة (معاملة). والمعنى واضح على أية حال. فهو يقول: في صحة القبول لما يقابل الجزء الرقيق وجهان.
(3) في الأصل: فلا، و (س): بلا.
(4) في النسختين: فإن.
(5) في الأصل: يتعرض، وفي (س): فليعترض.
(6) في الأصل: اختصاص. (بدون واو).
(7) في الأصل: بحال.
(8) في الأصل: إن عكس.

(11/244)


7499 - ولو وَهَبَ ممّن نصفه حرّ ونصفه رقيق، وأبطلنا الهبة في نصيب المالك، فهل تصح الهبة في حصة الحرية؟ فعلى الخلاف الذي ذكرناه في الوصية، غير أن الهبة تنفصل عن الوصية في قضيةٍ (1) ظاهرة، وهي أن القبول في الهبة إذا أبطلناه لأنه لم [يصدر] (2) عن إذن المولى، فلو أذن المولى بعد تخلل الفصل وانقطاع الرابطة المرعية بين الإيجاب والقبول، فلو أذن السيد من بعدُ، فلا يصح القبول إلا أن يجدّد الواهب الهبة.
وإذا أبطلنا القبول في الوصية لعدم الإذن، ثم أذن المولى، [فجدّد العبدُ] (3) قبولاً، فيصح القبول الآن ويحصل، كأن القبول الأول لم يكن، وهذا ظاهر، والغرض أمرٌ وراء هذا، وهو أن السيد لو ردّ الوصية، فهل يفسد بردّه (4) سبيلُ القبول من بعدُ، حتى لو بدا له أن يأذن في القبول، وقد [ندم] (5) على ما قدّم من الردّ، فلا ينفذ إذنه بعد الردّ، أم كيف السبيل فيه؟ هذا مما يتعين الاعتناء (6) به، والاهتمام بفهمه.
فنقول: الهبة إذا قبلها العبد بإذن المولى، فالملك [فيها] (7) يقع للمولى من غير واسطة، ولهذا قطع الأصحاب بأن الوصية لعبدِ الوارث وصيةٌ للوارث، (8 والهبة من عبده في مرض الموت تبرع على الوارث 8) ومع هذا لو قبل السيد الهبةَ، والمخاطب عبده (9)، لم تنعقد الهبة بقبول السيد، وإن كان الملك واقعاً له، لأنا نرعى في القبول
__________
(1) في الأصل: نصيبه.
(2) في الأصل: يعدر.
(3) في الأصل: مجرّد الهبة.
(4) (س): يردّ.
(5) في الأصل: قدم.
(6) (س): الاهتمام به والاعتناء بفهمه.
(7) في الأصل: فيما.
(8) ما بين القوسين ساقط من (س).
(9) (س): غيره.

(11/245)


نظماً يقتضيه الإيجاب (1) ليكون جواباً عنه، والسيد لم يخاطَب به، [فلا] (2) يقع جوابه لو وقع، ولو ردّ السيد وكان حاضراً لما وَهَب من عبده، فإن شرطنا في قبول العبد إذنَ السيد، وأبطلناه بعدم الإذن، فالردّ أبلغ من عدم الإذن، وإن صححنا قبول العبد من غير إذن المولى، فلو زجره عن القبول، فالظاهر عندي أن الهبة تصح، ويقع الملك للمولى، ويكون كما [لو نهاه] (3) السيد عن مخالعة امرأته على [مالٍ،] (4) فخالف سيدَه وخالعها، [فعوض] (5) الخلع يقع في ملك السيد قهراً وإن نهى عن الخلع زجراً، فكأن العبد في قبول الهبة على هذا القول الذي فرعنا عليه ليس محجوراً عليه، والقبول يعتمد صحة لفظه.
هذا قولنا في الهبة.
7500 - فأما في الوصية فلو قبل سيدُ العبد الوصية بعد موت الموصي بناءً على أن الملك يحصل له، [فكأنه الموصى له] (6) على التحقيق، فهذا فيه احتمال ظاهر عندي، يجوز أن يقال: لا تثبت الوصية [بقبول] (7) المولى قياساً على الهبة، ويجوز أن يقال: تثبت الوصية بقبول المولى؛ فإن قبول الوصية [يخالف في وضعه] (8) القبول في العقود، ولهذا ينفصل عن الإيصاء (9)، ويقع بعد خروج الموصي عن أن يكون من أهل التصرفات، ويموتُ الموصى له فيخلفه الوارث، وهذا ينص على الغرض (10):
__________
(1) ساقطة من (س).
(2) زيادة من (س).
(3) في الأصل: لزمناه.
(4) في الأصل: ماله.
(5) في الأصل: بعوض الخلع.
(6) في الأصل: فكان للموصى له، و (س) فكان الموصى له. والمثبت تصرف من المحقق على ضوء السياق.
(7) في الأصل: لقبول.
(8) عبارة الأصل: فإن قبول الوصية في وضوه.
(9) الإيصاء: المراد الإيجاب، أي ينفصل القبول ويتأخر عن الإيجاب.
(10) في الأصل: العوض.

(11/246)


فإذا [كان] (1) الوارث يقبل، وليس موصىً له، فلا يبعد أن يقبل السيد وإن لم يسمَّ (2) في الوصية، نظراً إلى [مصير] (3) الملك إليه.
ثم ينبني على هذا أنا إن (4) صححنا قبولَ السيد، فيجب (5) أن يبطل ردُّ (6) العبد لو ردّ.
ولا ينبغي أن يغتر الفقيه بصورة يعارَض بها إذا قيل له: نحن وإن أقمنا الوارث مقام الموروث في قبول الوصية، فلو كان الموروث ردّ الوصية، [لبطلت] (7)، وإذا مات، لم يصح قبول وارثه، فهلا قلتم: قبول السيد يصح، ولو ردّ العبد، لارتدت الوصية؟ فإن (8) الموروث لو قبل، لكان الملك له، فهو الأصل في الوصية، فترتد الوصية بردّه، بخلاف العبد، [وهذا] (9) واضحٌ لا غموض فيه.
7501 - وكل ما ذكرناه فيه إذا لم يكن بين مالك نصفه وبينه مهايأة، وكانت أعماله وأكسابه تقع (10) مشتركة.
[فأما] (11) إذا جرى بينه وبين مالك [رِقِّه] (12) مهايأة، ووقع التواضع بينهما على أن
__________
(1) في الأصل: بان.
(2) (س): يستمر.
(3) في الأصل: يصير.
(4) (س): لو.
(5) (س): لوجب.
(6) (س): بردّ.
(7) في الأصل: لبط.
(8) فإن الموروث: متعلق بقوله: ولا ينبغي أن يغتر الفقيه بصورة يعارض بها ... إلخ فهذا ردٌّ على السؤال: فهلاّ قلتم ... إلخ. ببيان الفرق بين قبول وراثة الموصى له وقبول السيد عن عبده الموصى له، حيث إن الموصى له هو الأصل في الوصية، فلو ردّ لا يصح أن يبطل ردُّه بقبول الورثة، والعبدُ هو الأصل في الوصية، ولذا لا يمكن أن يبطل ردُّه بقبول السيد.
(9) في الأصل: وهو.
(10) ساقطة من (س).
(11) في الأصل: فإنا.
(12) في الأصل: ربه.

(11/247)


يعمل ويكتسب في مدةٍ (1) تواضعا عليها لمالك رقه، ويكتسب في مدةٍ لنفسه، فالأكساب المعتادة كالاحتشاش، والاحتطاب، واستحقاق أجرة العمل، إذا كان الشخص صانعاً، فهذه الأكساب تدخل تحت قضية (2) المهايأة وفاقاً، وأثر دخولها تحتها أن صاحب كلِّ مدَّة يختص بما يقع فيها من كسب، فإذا كانت النوبة للشخص، اختص بأكسابه فيها اختصاص [الأحرار، وإذا كانت النوبة لمالك الرق، اختص بالأكساب فيها اختصاص] (3) المالك بأكساب عبده الخالص.
وظهر اختلاف أصحابنا في أن الاكساب [النادرة] (4) هل تدخل تحت المهايأة، وعدّوا من جملتها قبول الوصايا والهبات. وهذا الاختلاف (5) ذكره المصنفون ولم يوضحوا مأخذه، [وأنا أتحيل] (6) لهذا الخلاف وجهين ومسلكين: أحدهما - أن قبول الهبة والوصية ليس مما يحتاج فيه إلى إعمال منفعته (7)، وإنما هو لفظةٌ لا تحول بين العبد وبين جميع الأعمال التي يلابسها، والمهايأة ترد على المنافع، حتى كأنها قسمة فيها، وتصير المنفعة في كل نوبة حقَّ صاحب النوبة، كما يصير حق منفعة الشبكة لمن يستأجرها، وإذا اصطاد بها والمنفعة له، فالصيد ملكه، [فالأكساب] (8) إذاً تبعُ المنافع، وقبول الهبة والوصية لا يتعلق [ببذل] (9) منفعة، فلم يدخل في المهايأة التي وضعت لاقتسام المنافع، وإذا كان كذلك، تعيّن قسمة الموهوب على
__________
(1) في (س): يده.
(2) ساقطة من (س).
(3) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(4) في الأصل: الباردة.
(5) (س): خلافٌ.
(6) في الأصل: وأنا حيل (هكذا بإهمال الأول والثاني) والمثبت من (س) بإهمال الحاء أيضاً، فهل هي من التحيل (بالمهملة) بمعنى التفنن، أم هي بالمعجمة من التخيل؟ أم هي: أنخل؟ بنون فخاء معجمة؟ الله أعلم.
(7) كذا. والمعنى واضح وهو أن قبول الهبة ليس مما يحتاج إلى بذل جهد واستهلاك طاقة.
(8) في الأصل: بالاكتساب، و (س): والأكساب.
(9) في الأصل: بعدل.

(11/248)


الرق [والحريّة] (1) سواء جرت المهايأة أو لم تجر.
هذا بيان مسلك الخلاف.
ويجب أن نقول بحسبه: لو كانت الهبات غالبة في [قُطرٍ] (2)، وكانت لا تعد من النوادر، فهي خارجة على الخلاف أيضاً؛ تلقِّياً [مما] (3) ذكرناه في المنافع واختصاص أثر المهايأة بها.
ويجوز أن يقال: [مأخذ] (4) الخلاف [الندور] (5) والعموم (6) كما أطلقه الأصحاب، ووجهه أن المهايأة المطلقة ترد (7) على ما يجري في العرف، فلا يمتنع أن يقول المولى، أو الشخص: إنما أوردنا المهايأة على ما يجري العرف به، وما يندر، [يبقى] (8) على حكم التقسّط والتوزّع، فعلى هذا إذا عمت الهبات في قُطرٍ، دخلت تحت المهايأة، وإنما الخلاف فيه إذا كانت الهبات والوصايا نادرة.
ويجري على هذه الطريقة تفصيلٌ آخر، وهو أنهما لو صرحا بإدراج الأكساب النادرة تحت المهايأة، لدخلت تحتها؛ فإن الخلاف [في] (9) هذا المسلك محمول على (10 أنهما وضعا المهايأة 10) على ما يجري العرف الغالب به، فإذا وقع التصريح بإدراج الأكساب النادرة، اندرجت.
وإن سلكنا المسلك الأول في اتباع المنافع وتنزيل المهايأة عليها، فلا أثر للتصريح
__________
(1) في الأصل: والهُريّة. (وهذا التصحيف يشهد بأثر عجمة قديمة في لسان الناسخ المتعرب).
(2) في الأصل: نظر.
(3) في الأصل: بما.
(4) في الأصل: يأخذ.
(5) في الأصل: المنذور.
(6) والعموم: المراد الشيوع والكثرة عكس القلّة والندرة.
(7) (س): تنزل.
(8) في الأصل: فبقي.
(9) في الأصل: من.
(10) ما بين القوسين سقط من (س).

(11/249)


بإدخال الهبات، ولو وقع التصريح كذلك، لما دخلت.
التفريع:
7502 - إن قلنا: قبول الهبات والوصايا لا تدخل تحت المهايأة، فقد مضى التفريع فيه إذا لم يكن مهايأة، فنقول: وإن جرت المهايأة، فلا أثر لجريانها في قبول الهبات والوصايا.
وإن قلنا: إنها تندرج تحت المهايأة، فالنظر إلى النوبة: فإن وقع ما يعتبر -كما سنشرحه، إن شاء الله- في نوبة الشخص، فيخلص له الموهوب والموصى به، وإن وقع في نوبة المولى [يخلص] (1) له ما وقع في نوبته، ثم الاعتبار بالإيصاء أم بقبول الوصية؟ وهذا الذي أبهمناه الآن (2).
اختلف أصحابنا في المسألة: منهم من قال: الاعتبار بالإيصاء؛ فإنه ابتداء العقد، وهو الأصل، وعليه يترتب القبول.
ومنهم من قال: الاعتبار بالموت وما بعده، كما سنشرحه، إن شاء الله تعالى؛ فإن أوان قرار الوصية يدخل بالموت. والقائل الأول يحتج في اعتبار الإيصاء بالالتقاط، فإنا إذا جعلنا العبد من أهل الالتقاط وأدرجناه تحت المهايأة، فالاعتبار بيوم الالتقاط لا بيوم انقضاء الحول.
فإن قلنا: الاعتبار بيوم الإيصاء، فلا كلام.
وإن قلنا: الاعتبار بالموت وما بعده، فهذا يتفرع على أن الملك في الموصى به متى (3) يحصل؟ فإن قلنا: إنه يحصل بالموت إما تحقيقاً وإما تبيُّناً، فالنظر إلى اليوم الذي يقع الموت فيه.
وإن قلنا: يحصل الملك في الموصى به بالقبول، فعلى هذا القول وجهان:
أحدهما - أن العبرة بالقبول، فإنه يستعقب الملك.
والثاني - أن العبرة بالموت، وإن فرعنا على قول القبول؛ فإن الأصل في الباب
__________
(1) في الأصل: يتخلص، و (س): فيخلص.
(2) عبارة (س): وهذا الذي أبهمناه. والآن اختلف ...
(3) (س): متى ما يحصل.

(11/250)


الموت، وهو (1) الذي يُثبت حقَّ القبول، ويمكِّن الموصى له منه، فليكن الاعتبار به. قال الشيخ أبو علي: يتصل بذلك أنه لو وهب لمن نصفه حرّ ونصفه عبد في يوم سيده، وقبض في يوم نفسه، فالهبة في يوم من؟ فعلى وجهين: أحدهما - أن الموهوب يصرف إلى من وقعت الهبة (2) في يومه؛ فإن الهبة هي الأصل، وعليها يترتب الإقباض. قال الشيخ: وهذا الاختلاف ينبني على أن عقد الهبة هل يقتضي الملك مع ثبوت الخيار للواهب في الرجوع ثم القبض يلزمه ويُتمُّه؟ أم نقول القبض يستعقب [الملك] (3) ويقتضيه وعقد الهبة لا يقتضيه؟ فيه اختلاف قولٍ قدمناه في كتاب الهبات، فإن حكمنا بأن عقد الهبة يُثبت الملك قبل الإقباض، فالاعتبار باليوم الذي وقع العقد فيه، وإن قلنا: الملك يحصل بالقبض، ففي المسألة وجهان كالوجهين المفرعين على قولنا: إن الملك في الموصى به يقع بالقبول.
وجميع ما ذكرناه فيه إذا وقعت الوصية لمن نصفه حر ونصفه رقيق لأجنبي.
7503 - فأما إذا أوصى لمن نصفه حر ونصفه مملوك لوارثه (4)، فالكلام في المهايأة جرت أو لم تجر، وفي (5) أن قبول الوصايا هل يدخل تحت المهايأة؛ [قد] (6) تقدم.
ونحن نقول الآن: إن (7) تصورت المسألة بصورةٍ لو فرضت فرْضَ المالك الأجنبي، لكان الملك بكماله للمالك، فالوصية في مثل تلك الصورة مردودة في مسألتنا؛ فإنا لو صححناها، لكانت للوارث، والوصية للوارث مردودة.
وإن تصوّرت المسألة بصورة لو فرضت والمالك فيها أجنبي، لكانت الوصية (8)
__________
(1) (س): وهذا الذي.
(2) (س): إليه.
(3) في الأصل: العتق.
(4) هذه هي الصورة الثانية من صورتي المسألة، والتي أشار إليها منذ عدة صفحاتٍ مضت.
(5) (س) في أن قبول ... (بدون واو).
(6) في النسختين: فقد.
(7) (س): تصوّر المسألة.
(8) (س): المسألة.

(11/251)


تقع للشخص (1) المنقسم، [فالوصية] (2) تصح بجملتها لهذا الشخص في مسألتنا.
فإن (3) اقتضى التفريع في الأجنبي قسمة الموصى به على السيد والشخص، فقد قال الشيخ أبو علي: إن انتهينا إلى ذلك، أبطلنا الوصية أيضاً؛ فإن البعض منها ينصرف إلى مالك الرق، وصرفه في مسألتنا إلى الوارث غيرُ جائز، فتبطل الوصية رأساً، واستشهد في ذلك بالإرث؛ فإن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن من نصفه حر ونصفه عبد لا يرث؛ فإن التوريث بنصفه الرقيق ممتنع، فإن فسد التوريث بالبعض، من جهة أنا لو ورّثناه بنصفه الرقيق، لصرفنا ذلك القدرَ إلى مالك الرقيق، وهذا يؤدي إلى توريث أجنبي من حميمه (4)، ثم كما (5) أبطلنا الإرث أبطلناه رأساً.
وهذا الذي قاله فيه نظر. أما الإرث، فمذهب الشافعي رضي الله عنه فيه ما ذَكَر؛ فإن الانقسام فيه متعذر، وأما الوصية، فلا يمتنع أن (6) يقال فيها: تبطل الوصية في حصة الوارث، وتصح في حصة الشخص (7)؛ فإن التبعيض ليس بدعاً (8) في الوصايا؛ فإن الوصية الزائدة على الثلث تتبعض عند [ردّ] (9) الورثة. فهذا ما أردناه.
[ويتفرع] (10) على هذا المنتهى شيء (11)، وهو أن من أوصى لإنسان بوصية خارجة من الثلث، فقبل [الموصى] (12) له بعضَها، وردّ بعضها، فيجوز أن يقال:
__________
(1) الشخص المنقسم: المراد به المنقسم بين الرق والحرية. وفي (س): المقسّم.
(2) في الأصل: بالوصية.
(3) (س): وإن.
(4) كذا فى النسختين.
(5) كما: أي عندما. وهذا استعمال خاص بإمام الحرمين، وتبعه فيه الغزالي. "وليس بصحيح ولا عربي" قال ذلك النووي في التنقيح (وأثبتناه مراراً من قبل).
(6) (س): فلا يمتنع أن تبطل الوصية.
(7) الشخص: أي الذي نصفه حر ونصفه مملوك لوارث الموصي.
(8) (س): يُرعى.
(9) في الأصل: بعض.
(10) في الأصل: فيتفرع.
(11) ساقطة من (س).
(12) في الأصل: للوصي.

(11/252)


يصح ذلك، ويجوز أن يقال: لا يصح. ووجه المنع تشبيه قبول الوصية بالقبول في الهبة، ولو قبل الموهوب له الهبة في بعض ما وهب منه (1 لم يصح القبول 1) في شيء، ومن فرق تمسك بما أشرنا إليه من الفرق بين قبول الوصايا وبين القبول في الهبة وغيرها من العقود. وسنذكر أن الموصى له إذا مات قبل القبول، وخلّف ذرية، فقبل بعضهم وردّ بعضهم، فالقبول قد يثبت في حق من قبل، وإن تضمن تبعيضاً في الوصية.
7504 - ومما ذكره الشيخ أبو علي في خاتمة المسألة أن الرجل لو قال [لمن] (2) نصفه حر ونصفه عبد: أوصيت لنصفك الحر، فكيف السبيل في ذلك؟ قال: قال القفال: هذه الوصية باطلة في كل مسلك؛ فإن الإيجاب لا يجوز توجيهه على نصف الشخص.
وذكر الشيخ أبو علي وجهاً أن الوصية تصح وإن توجهت على بعض الشخص، وطرد هذا الوجهَ في الهبة أيضاً إذا وُجّهت على البعض.
وكشْفُ القول في هذا أن نقول: إن حكمنا بأن الهبة والوصية لا تدخل تحت المهايأة، وأنهما يقعان على الاشتراك لا محالة، وإن جرت مهايأة، فتخصيص الوصية والهبة بالبعض الحر (3) على خلاف موجَب [التبرّع] (4)، فتبطل، وإن لم يتعد وقوع [التبرّع] (5) بالوصية والهبة لهذا الشخص بحكم المهايأة.
فإذا وقع التوجيه على النصف الحر، نظر: فإن لم يكن مهايأة، بطلت أيضاً؛ فإن مقتضى الحال ألا (6) تختص الهبة والوصية.
وإن كان [ثَمَّ] (7) مهايأة، فإن وقع ذلك في نوبة السيد، بطلت أيضاً، فإن هذا
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (س).
(2) في الأصل: بأن.
(3) (س) بالبعض جرت.
(4) في النسختين: الشرع.
(5) في الأصل: الشرع.
(6) (س): لأن تختص.
(7) في الأصل: "به" وعبارة (س) مضطربة فيها تقديم وتأخير. هكذا: فإن مقتضى الحال =

(11/253)


على مناقضة الواجب. وإن وقع هذا في نوبة العبد، والتفريع على أن التبرع يقع (1) له لو خُوطب به كله، فإذا خوطب به نصفه الحر، ففي صحة ذلك وجهان: أحدهما - الفساد لاختلال اللفظ والمعنى، أما اللفظ فبيّنٌ، وأما المعنى، فلا يتصور أن يتّهب نصفٌ، وهذا الشخص في نوبته يتهب بنصفيه، ولكن نصفه الرقيق في نوبته عوضٌ عن نصفه الحر في يوم سيده.
والوجه الثاني - أن الهبة تصح؛ فإن [قرار] (2) الملك بالحرية، وهي متبعضة بمخاطبة الجزء الحُرّ [منه] (3) مخاطبة للمالك؛ فإنّ النصف الرقيق منه لا يملك لنفسه.
وللمسألة الآن التفاتٌ في الوصية على ما إذا قبل الموصى له بعضَ الوصية، وليست المسألة كتلك (4)؛ فإن ما ذكرناه يجري في الوصية والهبة، وتبعيض القبول يختص بالوصية؛ فإن من قال لشخص (5): وهبت منك هذا العبد، فقال المخاطب: قبلتُ الهبةَ في نصفه، لم يصح وفاقاً.
وقد نجزت المسألة، ولم نغادر ما تمس الحاجة إلى ذكره، إن شاء الله تعالى.
7505 - مسألة: السيد إذا أوصى لعبده القنِّ بثلث ماله، فإن نص على إدخال ثلث [رقبته] (6) في الوصية، دخل فيها، وإذا قبل الوصية عَتَق ثلثُه ولا يسري العتق، وهذا أصلٌ جارٍ في العتق الوارد (7) على بعض العبد بعدَ موت الموصي بالعتق؛ فإن العتق
__________
= ألا تختص الهبة والوصية، وإن وقع ذلك في نوبة السيد، بطلت أيضاً، فإن هذا على مناقضة الواجب. وإن وقع في نوبة العبد، فإن كان ثم مهايأة، فإن وقع ذلك العبد والتفريع.
(1) سقطت من (س).
(2) في الأصل: إقرار.
(3) في الأصل: به.
(4) (س): كذلك.
(5) (س): قال لشخص: وهبته منك هذا العبد.
(6) في الأصل: وصيته.
(7) عبارة (س): العتق الوارد على بعض الموت الموصي بالعتق.

(11/254)


إنما يسري على موسرٍ، والميت معسر وإن خلَّف وَفْراً كثيراً، ومالاً جمّاً، ولا (1) يجوز صرف الثلث إلى رقبته بالكلية، وإن وفّى الثلث بقيمته وزاد؛ لأنه أوصى له بثلث ماله، فيستحق الثلث في كل صنف على مقتضى الوصية، ولا يجوز صرف حصتِه (2) من جميع الأصناف إلى رقبته؛ فإن ذلك لو قدرناه، لكان مخالفاً لصيغة الوصية، فيعتِق إذاً [منه] (3) ثلثه، وتبقى الوصية له، وبعضه حر وبعضه رقيق للورثة [فما يقابل] (4) الرقيق منه تبطل الوصية فيه.
وفي بطلان الوصية فيما يقابل الجزء الحر منه ما قدمناه في المسألة المتقدمة على هذه (5)، واختيار (6) الشيخ القطعُ ببطلان الوصية فيما يقابل الحرية [تخريجاً] (7) لذلك على منع توريث من بعضه حر، وقد أوضحنا وجه الاحتمال، وطريقَ الفرق بين الميراث وبين الوصية.
7506 - [ومما] (8) يتعلق بما نحن فيه أن من أوصى بأن يُعتَق عبدٌ عينه من عبيده، ووفَّى الثلث به، فالوصية تنفذ، ولا حاجة إلى قبول العبد؛ فإن الغالب في العتق حق الله تعالى، والعبد المعين لا يملك إبطال حق الله، فلا حاجة إلى قبوله؛ إذ لا ترتدّ الوصية بردّه.
ولو قال: أوصيت لعبدي هذا برقبته، فمآل هذه الوصية أن [يَعتِق] (9)، فهل يُشترط قبول العبد؛ فإنّ سبيل حصول العتق في هذه الجهة أن يملك العبد رقبته ويعتِق؛ هذا فيه تردّد تلقيتُه من فحوى كلام الأئمة؛ فيظهر أن نقول: لا حاجة إلى
__________
(1) (س): فلا.
(2) (س): حصة.
(3) في الأصل: فيه.
(4) في الأصل: فالقابل.
(5) (س): على هذا.
(6) واختيار (الواو زيادة من المحقق حيث سقطت من النسختين).
(7) في الأصل: يجري.
(8) في الأصل: وفيما.
(9) في الأصل: يعين.

(11/255)


قبوله، لما ذكرناه من أن مقصود هذه الوصية إعتاقُه، فصار (1) كما لو أوصى بأن يُعتق.
ولا يمتنع أن يقال: الوصية تتوقف على قبوله، وهذا الوجه أفقه، ووجهه أنه لم يوصِ بتحصيلِ العتق، ولكنه أوصى لعبده بملك رقبته، فليس العتق في مقصود الوصية مطلوباً للموصي على جزمٍ، وكأنه قال: "إن اختار عبدي قبولَ الوصية عَتَقَ بالوصية"، وإن لم [يقيّد] (2) باختيار القابل؛ فهي في وضعها مقيدةٌ بذلك شرعاً.
وهذا التردد الذي ذكرته يجري في الوصية للعبد بثلث المال، مع التصريح بإدخال رقبته في الوصية، فيجوز أن نقول: يعتق ثُلثه من غير قبول؛ فإن الوصية في رقبته عتاقةٌ محضة، ويجوز أن نقول: لا بد من قبوله، وإن ردّ الوصيةَ، ارتدت وكان رقيقاً للورثة.
وكل ما ذكرناه فيه إذا أوصى لعبده بثلث ماله، وصرح بإدخال ثلث رقبته في الوصية.
7507 - فأما إذا أطلق الوصية له بثلث ماله، ولم يتعرض لإدراج رقبته تحت مقتضى وصيته، فقد اختلف أصحابنا في المسألة، فذهب بعضهم إلى أن ثلث رقبته يدخل في الوصية، وهذا اختيار ابن الحداد، ووجهه أن اسم المال يتناول رقبة العبد؛ فإنه من ماله، فأشبه ما لو صرّح بإدخال رقبته في الوصية، وقد تقدم بيان المذهب فيه (3).
ومن أصحابنا من قال: لا تدخل رقبته في الوصية؛ فإن المخاطب لا يدخل فيما هذا سبيله تحت الخطاب، فإذا قال: أوصيت لك (4)، اقتضى ذلك أن يكون الموصى به غيرَ الموصى له، وهذا في إطلاقه يمنع دخوله تحت الموصى به، وهو كما لو قال لوصيّه: اصرف ثلث مالي إلى الفقراء، فلو كان الوصي (5) فقيراً، لم يجز له أن يأخذ من الثلث شيئاً.
__________
(1) (س): فيصير.
(2) في الأصل: وإن لم يقاتل.
(3) ساقطة من (س).
(4) (س): لكن.
(5) (س): الموصي.

(11/256)


ومن نصر الوجهَ (1) الأول، انفصل عن هذه المسألة بأن قال: الصرف يقتضي إقباضاً من الوصيّ (2)، وقبضاً من الآخذ، وذلك لا يتأتى من الوصي في حق نفسه، والوصية بالملك لا تقتضي قبضاً وإقباضاً.
فإن قلنا: يدخل ثلث العبد تحت الوصية المطلقة، عَتَقَ الثلث منه، فكان الكلام في باقي [العبد] (3) على ما تقدم.
وإن قلنا: لا يدخل ثلثه في الوصية، فلا يعتِق شيء منه، وإذا لم يعتق، وقعت الوصية بكمالها للورثة، فبطلت.
7508 - مسألة: إذا كان بين رجلين عبدان مشتركان لكل واحدٍ [منهما] (4) النصفُ من كل عبد، وقيمة كل عبدٍ ألفُ درهم، فأعتق أحد الشريكين في مرضه نصيبه من العبدين، وكان ثلث مال هذا المريض ألفا وخَمسَمائة، فقد استوفى بالإعتاق من ثلثه ألفاً، وبقي إلى تمام الثلث خَمسمائة، ومحل تصرفه ثلثُه، وهو في مقدار ثلثه موسرٌ في تبرعاته، فلا بدّ من تسرية عتقه في مقدار خمسمائة، ولا مزيد؛ فإنه فيما وراء الثلث معسرٌ، وعتْق المعسر لا يسري، فإذا ثبت ذلك، فكيف يسري هذا (5) المقدار؟ أنفضُّه على العبدين أم نُقرع بينهما، ويحصل تمام العتق لأحدهما؟
قال ابن الحداد: نَفُضّ العتق على العبدين، ولا نقرع.
وقال في مسألةٍ تُداني هذه بالإقراع.
وصورتها كما ذكرناها، غيرَ أنه لم [ينجز] (6) الإعتاق في مرضه، بل أوصى بإعتاق
__________
(1) (س): القول.
(2) (س): الموصي.
(3) في النسختين: في باقي الثلث.
(4) سقطت من الأصل. وفي (س): منهم.
(5) (س): فكيف يسري؟ أنفضه.
(6) في الأصل: يجز.

(11/257)


نصيبه من العبدين بعد موته [وأوصى] (1) بتكميل [العتق] (2) فيهما، وردّ الورثة الزائد على الثلث، فيعتِق نصيبه، ويسري مقدارُ خمسمائة، ثم قال في هذه الصورة: نقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة، [نكمل العتق فيه، وقد تم الثلث، فيعتق عبدٌ كامل، ويعتق النصف] (3) تنجيزاً من الثاني.
فاختلف أصحابنا في المسألتين: فمنهم من قال: لا فرق بينهما، وفيهما جميعاً وجهان: أحدهما - أنا نفضُّ السراية إلى تمام الثلث عليهما؛ لأن المقتضي للسراية قد تحقق فيهما جميعاً، فليس أحدهما أولى بسراية العتق فيه من الثاني.
والثاني - أنا نقرع بينهما؛ فإن مذهب الشافعي رضي الله عنه جميعُ (4) العتق بالقرعة، وسراية العتق لا تزيد على إنشاء العتق، ولو أعتق ثلاثة أعبدٍ لا مال له غيرهم؛ فإنا نردّ بالقرعة العتقَ إلى واحدٍ، إذا استوت قيمتهم، ونعتق واحداً، ونرق اثنين، وإن كان ذلك مخالفاً لقصده، وقد أثبت لكل واحد منهم حقّاً في العتاقة (5)، فلم نعتبر قصدَه، وحكّمنا القرعة، فلتكن السراية بهذه المثابة.
ومن أصحابنا من أجرى المسألتين على جوابي ابن الحداد فيهما، فقال في إنشاء العتق في النصيبين: نفضّ السراية إلى تمام الثلث على العبدين، ونقرع في مسألة الوصية بالإعتاق والتكميل، والفرق عند هذا القائل بين المسألتين أنه إذا أعتق نصيبه من العبدين، فليس له في تكميل العتاقة قصدٌ [وإنما] (6) السراية حكمٌ ينفذ عليه، وإن لم يُردْه، فليس أحدُ العبدين أوْلى به من الثاني، وإذا أوصى بإعتاق نصيبه من العبدين، وأوصى بالتكميل، فقد ظهر قصدُه في تكميل العتاقة، ولم يمكن ذلك في
__________
(1) زيادة من (س).
(2) في الأصل: العدّة.
(3) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(4) كذا في النسختين. ولعل صوابها: (تنفيذ أو تحقيق). والمعنى أن مذهب الشافعي اعتماد القرعة -عند الإبهام- في العتق.
(5) (س): في الوصية.
(6) في الأصل: قصدوا بالسراية.

(11/258)


العبدين إذا ردّ الورثة الزائد على الثلث، [فكان] (1) التكميل في أحدهما [قريباً من] (2) مقصوده، ولم يوجد من المعتِق في المرض ذلك القصد.
وهذا ضعيفٌ، لا ثبات له، ولا يتجه على مذهب الشافعي رضي الله عنه إلا التوصل إلى إكمال العتق في أحدهما بطريق القرعة في الصورتين جميعاً.
قال الشيخ رضي الله عنه: لو قال المريض في الصورة التي صورناها: أعتقت العبدين، وعبر عن إعتاقهما جميعاً، فالوجه تنزيل هذه المسألة على حكم مسألة الوصية؛ فإنه لما أعتقهما، ظهر قصدُه في طلب كمال الحرية، فكانت هذه الصورة (3) بمثابة ما لو أوصى بتكميل العتق فيهما، ولو كان ثلثه بحيث لا يفي بتكميل العتق في أحد العبدين.
ولو صرفنا تمام ثلثه إلى أحدهما، لم يكمل عتقه، فيجوز أن يقال: إذا تصورت مسألة الوصية بهذه الصورة، فالعتق إلى تمام الثلث [مفضوضٌ] (4) على العبدين؛ فإنا لا نستفيد بتخصيص العتق بأحدهما إكمالَ [إعتاقه] (5).
هذا منتهى القول في ذلك.
7509 - ومن تمام البيان فيه أنا لما صوّرنا المسألة في الوصية، وأردنا تصوير السراية، لم نجد إليها سبيلاً؛ فإن العتق الوارد بعد الموت على بعض العبد لا يسري على الميت قط، لما حكمنا به من أن الميت بمثابة الحي المعسر.
ومن لطيف القول في ذلك أن الثلث محلّ تصرف الميت في [مرضه] (6) وبعد
__________
(1) في الأصل: وكان.
(2) في الأصل: "فكان التكميل في أحدهما قوياً وهو مقصوده" و (س): قويّاً من مقصوده، والمثبت تصرفٌ من المحقق. عسى أن يكون صواباً.
(3) (س): المسألة.
(4) في الأصل: منصوص.
(5) في الأصل: إضافة.
(6) في الأصل: فرضه.

(11/259)


موته، وقد يتخيل [الفطن] (1) [تسرية] (2) العتق إلى تمام ثُلثه، وليس الأمر كذلك؛ فإنه [لو] (3) لم يوصِ ولم يتبرع، لكان ثُلثه لورثته، فإنما يكون الثلث محلاً لتبرعاته إذا أنشأها؛ فإذا لم يوجد منه إنشاء تبرع، فباقي ثلثه ملكُ ورثته.
وهذا حسنٌ بالغ.
7510 - مسألة: إذا ملك ثلاثة أعبد قيمة كل واحد ألف، ولا مال له سواهم، ْوقال: أعتقوا بعد موتي من كل عبد نصفَه، فقد زادت الوصية على الثلث، فإن أجازها الورثة، نفذت، وإن ردّوها، رُدّت الوصية إلى مقدار [نصفي] (4) عبدين، ويتميز ذلك بالقرعة، فنقرع (5) بينهم، كما سيأتي تفصيل القرعة في كتاب العتق إن شاء الله عز وجل، فإذا خرجت قرعة الحرية على واحدٍ، عتق نصفه ورق باقيه، فإذا خرجت قرعةٌ أخرى على عبد آخر، عَتَق نصفُه ورق باقيه، ورق العبد الثالث بكماله.
وهذا الذي ذكرناه يستند إلى أصلين: أحدهما - أن العتق الوارد على بعض العبد لا يسري على (6) الميت، هذا أصلٌ متفق عليه، كما [تكرر] (7) تقريره وتعليله.
والأصل الثاني - أنا لا نجمع نصفي عبد [من] (8) عبد، حتى نعتق عبداً كاملاً، ونرق [عبدين] (9) والسبب فيه أنه لم يتعرض لطلب إكمال العتق، حتى يتوصل إلى ذلك، ولو في عبد واحد، وليس كما إذا قال: أعتقوا العبيد الثلاثة، فإنا نعتق واحداً، ونرق اثنين إذا استوت قيمتهم.
__________
(1) في الأصل: النظر.
(2) في الأصل: قرية.
(3) زيادة من (س).
(4) فى الأصل: وصفية.
(5) قال النووي: هذا هو الأصح (ر. الروضة: 6/ 206).
(6) على الميت (ساقط من س).
(7) في الأصل: تقدّر.
(8) في الأصل: في.
(9) في الأصل: عبديه.

(11/260)


ولو أعتق في مرض (1) موته أنصاف هؤلاء العبيد الثلاثة، ثم مات من مرضه، لا مال له غيرُهم، قال الأئمة: نقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رِقّ، فنُعتق منه عبداً كاملاً، ونرق عبدين، ولا نظر إلى ذكره (2) الأنصاف (3)؛ فإن المالك إذا ذكر العتق في البعض، كان كما لو وجه العتق على كمال العبد.
ولو أعتق العبيد الثلاثة تنجيزاً، ورُدت الوصايا إلى الثلث؛ فإنا نعتق واحداً، ونرق اثنين، وليس كذلك إذا أوصى بإعتاق أنصاف العبيد بعد موته؛ فإن الإعتاق في الأنصاف مضاف إلى وقت لا يتصور سريان العتق فيه، ولا [يتعدّى] (4) ما وراء الثلث إلى ملك من يقع العتق عنه.
والقول الوجيز فيه: أن إنشاء العتق من المريض في البعض بمثابة تنجيز العتق في الكل. هكذا ذكره الشيخ، وهو متَّضح، ولم أر فيما ذكره خلافاً للأصحاب.
ولو كان له عبدان لا مال له سواهما، فقال: أعتقوا من هذا نصفه، ومن هذا ثلثه بعد موتي، وقيمة كل عبد ألف، فقد زاد على الثلث، فنقرع بين العبدين، فإن خرجت القرعة على صاحب النصف، عتق نصفه، وعتق من الآخر سدسه، وقد تم الثلث.
وإن خرجت القرعة على صاحب الثلث عتق ثلثه، وعتق من صاحب النصف ثلثه، وقد تم الثلث.
ولو قال في مرض موته: أعتقت من هذا نصفه، ومن هذا ثلثه، فهو كما لو قال: أعتقتكما؛ فإن العبارة عن الثلث في حق المريض بمثابة توجيه العتق على الجميع، ولو قال: أعتقتكما، أقرعنا سهماً، فمن خرجت قرعته، عتق فيه ثلثاه، ورق ثلثه، ورقّ العبد الآخر بكماله.
__________
(1) (س): في مرضه.
(2) (س): إلى ما ذكره من الأنصاف.
(3) وهذا هو الذي قاله النووي (ر. الروضة: 6/ 206).
(4) في الأصل: يعز.

(11/261)


7511 - مسألة: إذا أوصى لرجل ببعض عبدٍ، والعبدُ ممن لا يعتق على الموصى له، ولكن كان بحيث (1) يعتِق على وارثه، فلو مات الموصي، ثم مات الموصى له قبل قبول الوصية، فالوارث بالخيار، إن شاء قبل الوصية، وإن شاء ردّها، فإن قبلها عَتَقَ عليه ذلك الجزء الموصى به، وهل يسري العتق إلى الباقي إذا كان الوارث القابل موسراً؟ هذا يستند إلى أصلٍ سيأتي استقصاؤه في كتاب العتق -إن شاء الله تعالى- وهو أن من ورث في صحته نصفاً من ابنه، وعتَقَ عليه، لم يسر العتق إلى الباقي وإن كان الوارث موسراً؛ لأنه لم يتسبَّب إلى تحصيل الملك في المقدار الذي عتق عليه، فيبعد أن يلزمَه غرمٌ في الباقي، وإذا بعُد تغريمه، امتنعت السراية؛ فإنها من غير غُرم محال.
ولو اشترى النصفَ ممن يعتق عليه، وجرى القضاء بنفوذ العتق فيه، فالعتق يسري إلى باقيه إن كان المشتري ذا وفاءٍ بقيمة الباقي، والسبب فيه أنه أقدم على تحصيل الملك [قصداً بمسلك وُضِعَ لجلب] (2) الملك مباشرة من غير تخلل واسطة.
ولو اشترى المكاتب ابنَ سيده، ثم عجز عن أداء النجوم، فردّه مولاه إلى الرق، فلا شك [أن] (3) ابن السيد يعتِق عليه لدخوله في ملكه، فلو كان اشترى المكاتَب نصفَ ابن سيده، ثم جرى التعجيز، والإرقاق وعَتَق عليه ذلك النصف، فهل يسري العتق إلى باقيه؛ فعلى وجهين: أحدهما - يسري؛ لأن سبب الملك إرقاق المكاتب ورده قِنّاً، وذلك جرى باختيار السيد، فأشبه ما لو اشترى النصف من ابنه.
والوجه الثاني - أن العتق لا يسري؛ فإن الملك في بعض الولد ليس مقصوداً في عينه، وإنما جرى القصد في الإرقاق، ثم ترتب عليه انقلاب أكساب المكاتب إليه، ولهذا نظائر ستأتي مشروحة -إن شاء الله- فيما نذكره (4)، وهو:
__________
(1) (س): ممن يعتق.
(2) في الأصل: قصد المسلك موضع بجلب.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) (س): ومما نذكره مسألة ابن الحداد.

(11/262)


7512 - مسألة ابن الحداد: من أوصى لإنسان بنصف عبد، وكان ذلك العبد ممن يعتِق على وارث الموصى له، فمات الموصي، ومات الموصى له، وقَبِل الوارثُ الوصية، فهذا يخرّج على أن وارث الموصى له إذا قبل الوصية، فالملك يحصل للموصى له، ثم ينتقل إرثاً إلى الوارث، أم يحصل الملك للوارث ابتداء؟ وقد ذكرنا تقرير ذلك على أبلغ وجه في البيان.
فإن فرعنا على الأصح وهو أن الملك يحصل للموصى له، ثم ينتقل إرثاً إلى الوارث، فإذا نفذ العتق في ذلك المقدار الموصى به، فهل يسري؟ فعلى الوجهين المقدمين؛ فإنه قد قصد واختار، ولكن لم يقع الملك له من غير واسطة، بل تضمّن قبولُه تحصيلَ الملك للموصى (1) له، ثم ترتب عليه انتقالُ الملك إليه، فالتحق هذا بمسألة المكاتب وما في معناها.
وهذه المسائل تدار على ثلاث صور: إحداها - ألا يكون لمن يعتِق عليه اختيار أصلاً، فإذا جرى مثل هذا في البعض وعتِق، لم يسر.
والصورة الثانية - أن يختار مباشرة التملك، كما إذا ابتاع البعضَ من [ولده] (2) أو اتهب، فإذا عتِق عليه، سرى إذا كان موسراً.
والصورة الثالثة - أن يختار سبباً يُفضي إلى حصول الملك بواسطة، فإذا حصل العتق، ففي السريان وجهان.
وإن قلنا: وارث الموصى له يملك الموصى به من غير تقدير إرث، فهذا يلتحق بما إذا اتهب البعض من [ولده] (3) أو اشتراه.
7513 - مسألة: إذا قال: أعتقوا فلانة بعد موتي، أو قال: إذا مت، فهي حرة، وكانت حاملاً ولم يستثنِ حملَها، ولا تعرض له، فإذا أعتقت الجارية بعد موته، والحملُ جنين، قال الشيخ أبو علي: يسري العتق إلى الحمل إذا وسع الثلث.
__________
(1) (س): تحصيل الملك له.
(2) في الأصل: داره.
(3) في الأصل: داره.

(11/263)


فإن قيل: لو أوصى بإعتاق قسط من عبده، نفذ (1) العتق فيه، ولم يسر، مع أن وضع العتق على السريان، ولو أعتق أحدُ الشريكين نصيبَه من عبدٍ مشترك، وكان موسراً، نفذ العتق إلى نصيب صاحبه، ولو كانت الجارية الحامل ملكاً لزيد وكان حملها ملكاً لآخر، [فإن] (2) فرضت الوصية بالجارية لزيد وبحملها لعمرٍو، فإن أعتق [مالك] (3) الجاريةِ [الجاريةَ] (4) لم يسر العتقُ إلى الولد. فإذا كان لا يسري العتق في البعض في حق الميت إلى باقي العبد، مع أن العتق يسري إلى ملك الغير، فكيف يسري العتق من الأم إلى الحمل، مع أن عتق الأم لا يسري إلى الولد المجتنّ في البطن؟ أجاب الشيخ عن هذا، [بأن] (5) قال: العتق لا ينفذ في الحمل على مذهب السريان، ولكن اسم الجارية يتناول التي سماها مع جنينها، ولهذا يشتمل البيع الوارد على الأم الحامل على حملها.
هذا قول الشيخ، وقد قدمت لبعض الأصحاب أن الوصية بالجارية مطلقاً لا تتضمن الوصية بحملها (6)، وإذا كان كذلك، فيخرج من هذا أن الوصية بإعتاق الجارية يجوز ألا يتناول ولدَها، وقد بطل (7) السريان على الميت، فينتظم منه أن العتق لا يتعدى إلى (8) الحمل، وهذا متجه، وإن قطع الشيخ بما ذكرناه.
7514 - ولو كانت الجارية حاملاً، وقال: أعتقوا عيْنَ (9) هذه دون حملها، فاستثنى الحملَ مصرحاً [ناصّاً] (10) فإذا أعتقت الجارية، فهل يعتِق ولدُها؟ ذكر الشيخ
__________
(1) (س): تعدى.
(2) في الأصل: بأن.
(3) في الأصل: بمالك.
(4) مزيدة من (س).
(5) في الأصل: وقال.
(6) (س): بجملتها.
(7) (س): يبطل.
(8) (س): على.
(9) (س): عنى.
(10) زيادة من (س).

(11/264)


أبو علي وجهين في هذه الصورة: أحدهما - أنه لا يعتِق ولدُها، وهو المذهب المبتوت الذي يبعد عن القياس غيرُه؛ فإنا إن قلنا في صورة الإطلاق: يعتِق الولدُ لاشتمال الاسم على الحمل، فهذا لا يتحقق مع التصريح باستثناء الحمل، وقد ذكرنا أن السريان لا سبيل إلى الحكم به في حق الميت.
والوجه الثاني - أن الولد يعتِق، وإن استثناه إذا اتسع الثلث، كما سنصف التفصيل فيه -إن شاء الله- ووجهه أن الحمل بمثابة عضو من الأم في قواعدَ، أَوْلاها بذلك العتقُ، لما له من السلطان، فاستثناؤه ينزل منزلة استثناء عضو منها، بعد توجيه العتق عليها، مثل أن يقول: أعتقت هذه إلا يدها.
ولو قال لجاريته الحامل بولد رقيق في مرض موته: أنت أو حملُك حر، فردّد العتقَ بين الأم وبين الولد، قال الأئمة: نقرع بعد موته بين الحمل وبين الأم؛ فإن خرجت القرعة على الحمل عتَق واقتصر العتق عليه؛ فإن المذهب الأصح الذي نقله المعتبرون أن العتق لا يسري من الحمل إلى الأم بخلاف الأعضاء؛ فإن المالك لو وجه العتقَ على عضو من مملوكه، عتق المملوك، كما سيأتي مشروحاً في كتاب الطلاق، إن شاء الله تعالى - فإن خرجت القرعة على الأم عَتَقت.
والمسألة مفروضة فيه إذا كان الثلث يسع الأم والولدَ جميعاً معاً، فإذا عتقت والثلث يتسع (1)، فهل يعتق الحمل؟ فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما فيه إذا أوصى بإعتاق الأم واستثنى الولد، وذلك أن ترديد العتق بين الأم والولد يتضمن ألا يجمع العتق فيهما. فإن قلنا: الحمل لا يعتق، فوجهه اتباع قول المريض، وإن قلنا: إنه يعتق، فوجهه تنزيله (2) منزلة عضوٍ من الأم في العتق الغالب، وهذا يقتضي أن يسري العتق من الحمل إذا وجه عليه إلى الأم، كما ينفذ العتق الموجه على طرف من أطراف المملوك، ولم يصر أحدٌ من أئمة المذهب إلى ذلك، إلا الشيخ أبو بكر الطوسي (3)
__________
(1) (س): متسع.
(2) (س): بين منزلة.
(3) الشيخ أبو بكر الطوسي، هو محمد بن بكر بن محمد أبو بكر الطوسي النَّوْقاني كان إمام أصحاب الشافعي بنيسابور، كان إمام العلم والعمل، عرف بالتقوى والزهد، والرغبة عن =

(11/265)


رحمه الله [فإنه] (1) قال: يسري العتق من الحمل إلى الأم. وهذا فيه ضعفٌ؛ فإن انفراد الحمل بالحرية ليس بدعاً، والأمَةُ الرقيقة قد تَعْلق بولدٍ حر، وإنما يجب الحكم بنفوذ العتق إذا وُجّه على طرفٍ؛ لأنه لا يتصف (2) بالعتق، ففي ترك التسرية (3) تعطيل العتق، والحمل يعتق، وليس جزءاً شائعاً من الأصل.
وكل ما ذكرناه فيه إذا كان الثلث يسع الأمَّ والحمل.
7515 - فأما إذا خرجت القرعة على الأم واحتملها (4) الثلث وحدها، ولم [يحتمل] (5) حَمْلها، فإن قلنا: إن الحمل لا يعتِق إذا اتسع (6) الثلث واحتملها، فلا إشكال، فيقتصر العتق على الأم، وإن قلنا: العتق يسري إلى الولد [إذا اتّسع] (7) الثلث وإن استثناه صريحاً، ففي هذه الصورة وقد ضاق الثلث وجهان: أحدهما - أنا نعتق من الجارية مع الحمل ما يسعه الثلث، فيعتق منها مقدارٌ، ومن حملها مقدار، بحيث لا يزيد المقداران على الثلث، وذلك بأن نقوّمها حاملاً، ثم نرِق منها ومن ولدها ما يزيد على الثلث.
والوجه الثاني - أن الأم تعتق دون الحمل، وإن كنا نرى التسرية إلى الحمل، فنضطر (8) هاهنا إلى ترك التسرية؛ فإن الحمل يقع وراء الثلث، ولا يتعدى تبرع
__________
= الحياة وكراهية الدخول على السلاطين، تفقه به جماعة منهم الأستاذ أبو القاسم القشيري، نقل عنه الرافعي في الإجارة، بهذا اللقب، فقال: "وعن الشيخ أبي بكر الطوسي" ونقل عنه في الجنايات، وفي القصاص. توفي بنوقان في 420 هـ أربعمائة وعشرين للهجرة. (ر. طبقات الفقهاء: 132، وطبقات السبكي: 4/ 121، وطبقات الإسنوي: 2/ 157).
(1) في الأصل: بأنه.
(2) (س): لا ينصرف.
(3) (س): التسوية.
(4) (س): أو حملها الثلث وحدها.
(5) في الأصل: يحصل.
(6) (س): امتنع.
(7) في الأصل: إذ لا يتسع الثلث.
(8) (س): فيه ظهر هنا إلى ترك ..

(11/266)


المريض إلى [ما] (1) يقع وراء الثلث، فالحمل إذاً بمثابة الحمل الحر، ولو كانت حاملاً بولدٍ حُرٍّ، لنفذ العتق فيها ولا معنى لنفوذه في حملها وهو حر الأصل.
وقد نجز الغرض من المسألة.
7516 - مسألة: الرجل إذا كانت له جاريةٌ مملوكة، ولتلك الجارية ابنان حرّان: أحدُهما من سيدها، وكانت علقت به حراً من السيد قبل أن ملكها، بأن نفرض وطء شبهة، أو وطئاً في نكاح على حكم الغرور، والولد الثاني كان من غير السيد -وتصويره سهل- فلو أوصى بهذه الجارية للابن الذي ليس منه، ومات الموصي وخلّف ابنه منها وارثاً، فإن كان الثلث يحمل الجارية، فلا يخلو إما أن يقبل الموصى له الوصية، وإما أن يردّها، فإن قبلها، عتِقت عليه؛ فإنها أمه دخلت في ملكه، وإن ردّ الوصية، عتقت أيضاً على ابنها من سيدها.
ولو كان الثلث لا يحتمل خروجها، فالابن الوارث لا يخلو إما أن يجيز الزائد على الثلث، وإما أن يردّ الزيادة: فإن ردّ الزيادة على الثلث وقبل الموصى له القدرَ الخارج من الثلث، فيعتق على الموصى له القدرُ الذي صحت الوصية فيه، ويعتِق على ابن السيد منها باقيها.
هذا إن أراد الوارث ردَّ الزائد على الثلث.
وإن أراد أن يجيز الوصية بكمالها، فقد قال الشيخ أبو علي رضي الله عنه: هذا يخرّج على أن الإجازة ابتداء عطية من المجيز أم تنفيذ وصية؟ وفيه قولان، فإن قلنا: إنها ابتداء عطية، فلا يجد الابن الوارث إلى إجازة الوصية في الزيادة سبيلاً؛ لأن حقيقة هذا القول أن الزائد على الثلث دخل في ملكه قطعاً، وإذا دخل عتق (2)، فلا يتأتى ابتداء العطية فيما ملكه وعَتَق عليه.
وإن قلنا: الإجازة تنفيذ وصية، فإذا أجاز الابن الوارثُ، صحت الوصية، ونفذت بكمالها على الابن الموصى له إذا قبل الوصية، وتعتِق عليه لا محالة.
__________
(1) في الأصل: لما.
(2) (س): ملك.

(11/267)


وهذا فيه سرٌّ (1) يجب التنبّه له، وهو أن قائلاً لو قال: إذا منعنا ثبوت الخيار في شراء من يعتق على المشتري، فكأنا حسمنا مسلك ردّ الملك والعتق، وهذا القياس يقتضي أن نقول: لا يتخير الابن الوارث في إجازة الوصية، بل يعتِق عليه بعضُها، وتنقطع الخِيَرةُ، وهذا إن قيل به، فليس ببعيد. ولكن سرّ الفقه ما ذكره الشيخ، وهو أن الإجازة تنفذ على قولنا: إنها (2) تنفيذ وصية، فإن معنى هذا القول أنّا عند الإجازة نتبيّن أن الوصية بكمالها نفذت من الموصي، [إلا] (3) أن ذلك القدر الزائد يدخل في ملك المجيز، ثم يخرج بالإجازة، وسبيل تخيّره في الإجازة كسبيل تخير الإنسان في اتّهاب من يعتق عليه إذا وهب منه.
هذا تمام البيان في ذلك.
7517 - ولو كان للرجل جاريةٌ، ولها ابن حرٌّ من غيره، وللسيد أخٌ، أو وارثٌ غيرُه، بحيث لا تعتِق الجاريةُ عليه، فإذا أوصى بالجارية لابنها، فلو لم [تخرج] (4) الجارية من الثلث، فاعتق الوارث القدر الذي لم يخرج من الثلث من الجارية، وقبل الموصى له الوصية، قال ابن الحداد: نفذ العتق على الموصى له، ولم يسْرِ العتق في حق واحدٍ منهما، بل ينفذ إعتاق الوارث في الزائد على الثلث إنشاءً، ويعتِق على الموصى له ما قَبِل الوصية فيه. هكذا قاله الشيخ أبو علي (5).
قال الأصحاب: ما ذكره من نفي السراية من الجانبين مطلقاً غيرُ سديد، والوجه تخريج المسألة على القولين في أن الملك في الموصى به متى يحصل (6)؟ فإن قلنا: يحصل مستنداً إلى موت الموصي، فعلى هذا يعتق على الموصى له قدرُ الوصية، ويسري عتقه إلى نصيب الورثة؛ فإن وقوع العتق تبيناً (7) يتقدم على إعتاق الوارث،
__________
(1) (س): بحث.
(2) (س): على قولنا: وصية.
(3) في الأصل: ولا.
(4) في الأصل: يجز.
(5) قاله الشيخ أبو علي: أي نقلاً عن ابن الحداد في شرح الفروع.
(6) عبارة (س) فيها خرم واضطراب: "في الملك في الموصى له متى يحصل مستنداً إلى ... ".
(7) ساقطة من (س).

(11/268)


والمسألة مفروضةٌ في بيان (1) الموصى له والوارث جميعاً.
وإن قلنا: إن الملك يحصل عقيب القبول، فينفذ عتق الوارث في قدر الزيادة، ويسري عتقه إلى نصيب الوصية؛ إذْ (2) لم يثبت في الوصية حق العتق بعد، فإذاً تثبت السراية على القولين، على خلاف ما قاله ابن الحداد، ولكن يختلف المذهب فيمن يسري عتقه، كما اقتضاه التفريع.
ثم إذا سرّينا عِتْقَ الوارث، فإنه يغرم للابن قيمة مقدار الوصية، وهذا يقع بدْعاً؛ فإن قيمةَ الأم غُرمت له، ولم تعتق عليه، والسبب فيه أن قبوله صادف الغُرْم، والقيمةُ لا تقبل العتق.
7518 - ثم ذكر ابن الحداد على الاتصال بهذا مسألةً وأجاب فيها بجواب يخالف جوابه في هذه المسألة، فقال: لو أْوصى بعبدٍ لمن يعتِق عليه ولأجنبي، لكلِّ واحدٍ منهما النصفُ، فإن قبلا معاً، عتق نصيب الابن، وسرى عتقُه إلى الذي هو للأجنبي، إذا كان الابن موسراً، وكذلك إن قبل الابن نصيبه أولاً، فيعتِق نصيبه ويسري العتق إلى نصيب الأجنبي، ثم إن قبل الأجنبي الوصيةَ، فعلى الابن قيمةُ نصيبه، وإن ردّ الأجنبي الوصيةَ، ارتد نصيبه إلى الوارث، فيغرَم للوارث قيمةَ نصف العبد (3).
قال: ولو قبل الأجنبي أولاً نصيبه، وأعتقه إنشاء، ثم قبل الابن نصيبه، فهذا يخرّج على القولين في أن الملك متى يحصل للموصى له؟ فإن قلنا: إنه يحصل له الملك عقيب القبول، فقد نفذ إعتاق الأجنبي في نصيبه، وسرى إلى نصيب الابن، ويغرَم للابن قيمةَ نصيبه.
وإن قلنا: إن الملك يستند إلى [مَوْت] (4) الموصي، فعلى هذا إذا قبل الابن،
__________
(1) "بيان" سقطت من (س).
(2) (س): أو لم يثبت.
(3) ويغرم للوارث قيمة نصف العبد: هذا يقع بدْعاً على حدّ تعبير الإمام الذي مرّ آنفاً، والسبب فيه أن ردّه صادف نصف القيمة، والقيمة لا تقبل العتق.
(4) في الأصل: "ثبوت".

(11/269)


بان أنه عتَق نصيبه بعد الموت، وسرى العتق إلى نصيب الأجنبي.
هذا تفريع ابن الحداد على القولين أجراه على السداد، ولم يتعرض له في المسألة السابقة. وهذا زلل غريب؛ فإنه أغفل أصلاً، ثم ذكره وفرّع عليه على الاتصال، ولم يستدرك، ولم [يُسَبِّب] (1) بفرقٍ، وكيف نقدر الفرق في تفريعِ أصلٍ واحد!!
7519 - مسألة: إذا أوصى بعبدٍ لأبيه الحرّ أو لابنه، ومات الموصي، ثم مات الموصى له قبل قبوله الوصية، وخلّف ابنين.
فإن ردّا الوصية، فلا كلام.
وإن قبلا، فظاهر المذهب أن الملك يحصل للمتوفى الموصى له، فعلى هذا يعتِق العبد على المتوفى، لأنه يدخل في [ملك من] (2) يعتِق عليه. هذا هو المذهب.
قال الشيخ: قد ذكر بعض أصحابنا: أنه لا يصح قبولهما، ولا قبولُ أحدهما؛ فإنا لو صححنا القبول، لحكمنا بالعتق على الموصى له، ولو عتق عليه، لثبت له الولاء، ولكان الورثة قد أَلْزَموه الولاء من غير اختيارٍ فرطَ منه في حياته، وهذا الوجه ضعيف.
هذا إذا قبلاه أو ردّاه.
فأما إذا قبل أحدهما الوصيةَ وردّ الثاني، فالذي ذكره الأصحاب أن القدر الذي قبله يعتِق على الميت. ثم إن كان في يد القابل من التركة ما يفي بالسراية، سرى العتق فيه، وبذل القابل القيمة مما في يده، وينفذ العتق على الميت [في] (3) هذه الصورة ابتداءً وسرايةً. هكذا ذكره الأصحاب. ولو لم يكن في يده من التركة شيء أصلاً، فلا يسري العتق.
ثم قالوا: يعتبر في ذلك ما في يد القابل من التركة، ولا يعتبر ما في يد صاحبه؛ فإنه ردّ الوصية، ولم يختر قبولَها.
__________
(1) في الأصل: "يسيب" وفي (س): "تثبيت" مع إسقاط كلمة: (بفرق).
(2) في الأصل: ملكه متى. (وس): ملكن من.
(3) في الأصل: من.

(11/270)


قال الشيخ: الذي عندي فيه أنه إذا قبل أحدُهما وردّ الثاني، فيعتق القدر الذي قبله، ولا يسري أصلاً؛ فإنه لو سرى، لسرى على الميت، وقد ذكرنا أن العتق لا يسري على الميت؛ لأن حكمه حكم المعسرين.
ولا وجه إلا ما ذكره الشيخ، وما سواه غلط في القياس.
ثم قال رضي الله عنه: إذا قبل أحدهما، وعتق ما قبله، أو قلنا بالسراية على رأي الأصحاب، فسرى إلى التمام، فالولاء للميت، ويرث به الابن القابل، وهل يرث به الابن الذي لم يقبل؟ ذكر فيه وجهين: أحدهما - أنه يرث به؛ إذ الولاء [يثبت] (1) للموروث في الأصل، فاستوى فيه الورثة، وهذا هو الصحيح.
والثاني - أنه يختص بالإرث بالولاء من تسبب إلى جَلْبه، وهذا ضعيفٌ؛ فإن الولاء ليس يورث، بل يورث به، وإذا ثبت الولاء للموروث، وجب [توريث] (2) كافة الورثة به (3).
7520 - مسألة: إذا قال: إذا مت، فعبدي حر، أو قال: إذا مت، فاصرفوا إلى فلان كذا.
فإذا قُتل، فهو كما لو مات حتف أنفه؛ فإن كلّ قتيلٍ ميت (4)، ويجب طرد هذا في (5) عاقبتي اليمين حنثاً وبرّاً.
ولو قال: إن مت من مرضي هذا، فعبدي حر، فبرأ [واستبلّ] (6)، ثم مرض
__________
(1) زيادة من (س).
(2) في الأصل: توريثه.
(3) ساقطة من (س).
(4) (س): مريض.
(5) (س): على مبنى اليمين.
(6) في النسختين: استقلّ. والمثبت تقدير منا على ضوء المعنى وعلى المعهود لدينا من ألفاظ إمام الحرمين. واستبلّ معناها شفي من مرضه وعوفي، من قولهم: بلّ من مرضه: بَرَأ (معجم ومصباح).

(11/271)


ومات، فلا يعتِق عبدُه؛ [فإنه] (1) علّق وصيتَه على هذا الوجه بموته من ذلك المرض، [فلم] (2) تثبت الوصية.
ولو مات، فاختلف الموصى له والوارث، فزعم الوارث أنه مات من مرضٍ آخر، وزعم الموصى له أنه مات من ذلك المرض بعينه. قال ابن الحداد: القول قول الوارث؛ فإن ما قاله محتمل، والأصل عدم ثبوت الوصية.
قال الشيخ: هذا هو المشهور، ومن أصحابنا من قال: القول قول الموصى له؛ فإنه قد ثبت موتُه، والأصل بقاء ذلك المرض، والوارث يدّعي زوالَه وارتفاعَ وصيةٍ ثبت أصلُها. وابن الحداد يقول: الوصية إنما تثبت إذا ثبت الموت من ذلك المرض.
والصحيح ما قاله ابن الحداد.
7521 - مسألة: إذا قبل الموصى له الوصية، ثبت ملكه في الموصى به، ولم يتوقف حصوله على القبض والتسليم، بخلاف الهبات.
ثم الذي قطع به المراوزة أن الموصى له لو حاول ردّ الوصية بعد قبولها وقبْل القبض لم يكن له ردُّها، ولو ردّها، لم ترتد؛ فإن المنح والتبرعات إذا أفضت إلى تحصيل الملك، لم تَقبل الفسخ والنقضَ، والرجوعُ الذي أثبته الشرع في الهبات في حق بعض الناس في حكم تملك جديد أثبته الشرع.
وذكر العراقيون هذا وارتضَوْه، وحكَوا معه وجهاً آخر، وهو أن الموصى له بالخيار في الردّ -وإن قبل- ما لم يقبض، فإذا قبض (3)، لم يصح منه الرد بعد القبض والقبول. وهذا ضعيف لا مستند له من أثرٍ ولا معنى، فلست أعتد به.
...
__________
(1) في النسختين: وإن. والمثبت تصرفٌ من المحقق رعايةً للسياق.
(2) في الأصل، وكذا (س): لم. والمثبت تقدير منا اقتضاه سلامة العبارة.
(3) (س): قيل.

(11/272)


باب نكاح المريض
7522 - إذا نكح المريض امرأة، صح النكاح وفاقاً، والمنكوحة ترث الزوجَ خلافاً لمالك (1) رحمه الله، وإياه قصد الشافعي رضي الله عنه بالرد، وقد أسرف مالك رضي الله عنه في طرفي نقيض، فقال: المنكوحة في المرض لا ترث، والمبتوتة في المرض ترث وإن انقضت عدتُها قبل موت الزوج، وذكر الأستاذ أبو منصور مذاهب للسلف مختلفة في نكاح المريض، لسنا لها.
فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويلحق الميتَ من فعل غيره [وعمله ثلاث] ... إلى آخره" (2).
7523 - روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ابنُ آدم، انقطع عنه (3) عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له" (4). وقال
__________
(1) ر. الرسالة لأبي زيد مع غرر المقالة: 255، 256، والكافي لابن عبد البر: 248، وأيضاً: التسهيل: تسهيل المسالك إلى هداية السالك إلى مذهب الإمام مالك: 4/ 122.
(2) ر. المختصر: 3/ 168. هذا. وفي الأصل: ويحمله ثلاثة. والمثبت من (س) وعبارة المختصر: قال في الإملاء: "يلحق الميت من فعل غيره ثلاث حج يؤدّى، ومال يتصدق به عنه، أو دين يقضى، ودعاء" ا. هـ. بنصه.
(3) هذا اللفظ (عنه) ليس في رواية النسائي ولا الترمذي، ولكنه عند أبي داود. مما يدفع التهمة الموجهة إلى الإمام بأنه لم ير (سنن أبي داود)، وأنه كان لا يدري الحديث.
(4) حديث "إذا مات ابن آدم ... إلخ": رواه مسلم في الوصية: باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، ح 1631، وأبو داود في الوصية: باب ما جاء في الصدقة عن الميت، ح 2880، والنسائي في الوصايا: باب فضل الصدقة عن الميت، ح 3681، والترمذي في الأحكام: باب الوقف، ح 1376، والبخاري في الأدب المفرد: 20.

(11/273)


رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادةً في أعمالكم" (1). وقال عليه السلام: "تصدَّق وأنت شحيح بخيل، ولا تؤخر حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد صار لفلان" (2).
7524 - ومضمون هذا الفصل تفصيل القول فيما يقع عن الموتى، وقد أطلق الأئمة رضي الله عنهم في الطرق أن من تصدق عن ميت بصدقة، وقعت الصدقةُ عن الميت، ولا فرق بين أن يكون المتصدق وارثاً أو غير وارث، وقرنوا الصدقة بالدعاء، وقالوا: بركة الدعاء يُرجى التحاقها بالميت، من غير فصلٍ بين داعٍ وداعٍ، فكذلك صدقة التطوع، واحتجوا عليه بما روي أن [سعد بن عبادة] (3) قال لرسول الله عليه السلام: "إن أمي أُصمتت، ولو نطقت، لتصدّقت، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم" (4).
__________
(1) حديث "إن الله تصدق عليكم ... إلخ" أخرجه عدد من دواوين السنة بألفاظٍ قريب بعضها من بعض، فهو عند أحمد في المسند: 6/ 440، 441، وابن ماجه: كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، ح 2709، والبيهقي في السنن الكبرى: 6/ 269، والدارقطني في سننه: 4/ 150.
(2) قوله: "تصدق وأنت شحيح بخيل ... إلخ" هو من معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه، أخرجه البخاري في الزكاة: باب فضل صدقة الصحيح الشحيح، ح 1419، 2748، ومسلم في الزكاة: باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، ح 1032، وأبو داود في الوصايا: باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية، ح 2865، والنسائي في الوصايا: باب الكراهية في تأخير الوصية، ح 3641، وأحمد في المسند: 2/ 231، 250، 415، 447.
(3) في النسختين: "سعد بن أبي وقاص"، وهل هذا سبق قلم من النسّاخ أم هو وهم من إمام الحرمين؟ الله أعلم أي ذلك كان.
(4) هذا الحديث رواه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه، كلهم عن هشام (بن عروة) عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهم جميعاً: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أمي افتُلِتت نفسها (أي ماتت فجاة) وأظنها لو تكلمت لتصدقت ... ".
فليس في هذه الرواية تصريح باسم السائل، ولكن الحافظ قال في الفتح إنه سعد بن عبادة، وسمى أمَّه أيضاً، فقال: إن اسمها عَمْرة، وقد جاء التصريح باسم السائل (سعد بن =

(11/274)


هذا ما ذكره الأئمة في الطرق، ووجدت في بعض التصنيفات رمزاً إلى شيء يدور في خَلَد الفقيه، وذلك أن الصدقة نرجو لحوق بركتها الميت، فأما أن تقع عن الميت وصَدَرُها (1) من غير وارث، وهي متطوع [بها] (2). فهذا بعيد عن القياس.
وقد ذكر الصيدلاني وغيره أنها تقع عن الميت، ومعنى وقوع التطوع عن الشخص أن يلتحق بأعماله، وكيف (3) يُفرض هذا، ولم يعمله، ولم يأمر به؟ نعم، إن تصدق الرجل (4) وقصد شخصاً، كان ذلك في معنى الدعاء له، فلا يبعد أن يخفف الله على (5) المتصدَّق عنه، وتنزل الصدقة وهي واقعة عن المتصدِّق منزلةَ الدعاء؛ فإن الدعاء يقع عبادة عن الداعي، وينال بركتَه الميت.
وفي حديث سعد تأملٌ للناظر، فإنه وارث، وللخلافة والوراثة أثر سنبيّنه في أثناء الفصل، إن شاء الله تعالى.
وأيضاً، فإنه لم يسأل عن وقوع الصدقة عن أمه، وإنما قال: أينفعها ذلك؟ فقال رسول الله عليه السلام: نعم. وليس يبعد عندي أن الأصحاب الأولين أرادوا هذا.
__________
= عبادة) في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنه. وصرح بذلك أيضاً حديث النسائي عن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده. وأما أبو داود، فقد جعل السائل المبهم في حديث عروة امرأة، وأبهم السائل في حديث ابن عباس، وجعله (رجلاً). (البخاري: الجنائز، باب موت الفجاءة البغتة، ح 1388، والوصايا: باب ما يستحب لمن توفي فجأة، ح 2760، 2761، ومسلم في الزكاة، ح 51، وفي الوصية، ح 12، 13، رقم عام 1004، وأبو داود في الوصايا: باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية، ح 2881، 2882، والنسائي في الوصية: باب إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه، وابن ماجه في الوصايا: باب من مات ولم يوصِ، ح 2717.
هذا، وليس في أيٍّ من هذه الروايات "أصمتت". وإنما كلها: افتلتت نفسها.
(1) صَدَرُها: أي صدورها، وهذا الوزن يجري على لسان الإمام لهذا المصدر ونحوه، فيقول في حدوث العالم: حَدَث العالم.
(2) في الأصل: فهذا. (أي مكررة).
(3) في الأصل: "وكيف يفرض من هذا ولم يعمله، ولم يأمر به" وفي (س): "وكيف يعمله ولم يأمر به".
(4) (س): الميت.
(5) (س): "يحقق الله ظنّ المتصدّق، وتنزل ... ".

(11/275)


ولكن صرح المتأخرون بوقوع الصدقة عن الميت، وكان شيخي أبو محمد يبوح بهذا، ويعلله بأن النفوس متشوقة إلى إتباع الموتى الصدقاتِ، ومقتضى الشرع الحث على الصدقات بالجهات، فلا يمتنع أن يقع الحكم بوقوع الصدقة عن الميت، وهذا يعضده الزكاة؛ فإنها ركن الدين [وقوامها] (1) النية، ثم قد تقع معتداً بها من غير نية.
7525 - فإذا تمهدت هذه المقدمة [أتبعناها] (2) باتفاق الأصحاب بأن من أعتق مملوكاً عن ميت متبرِّعاً، ولم يكن على الميت عتق، فالعتق لا يقع عن الميت، سواء كان المعتِق وارثاً أو غيرَ وارث.
وفرّق من أجاز التصدق عن الميت بين العتق والصدقة، بأن قال: العتق يُعقب ولاءً، وإثبات الولاء يتضمن [صدر] (3) العتق عن ملك من له الولاء بعد العتق، وتمليك الميت [بعيد] (4) بخلاف الصدقة.
وهذا كلام لا غَوْصَ له؛ فإن الصدقة عن الغير تقتضي صدرها عن ملكه، بَيْد أن الصدقة تفارق العتق بالولاء، وافتراقها في ذلك لا يوجب فرقاً في افتقار كل واحد منهما إلى الصدور (5) عن الملك.
7526 - ولو مات وعليه كفارة، فقد قدمنا في الكفارات والمنذورات -وإن جرى التزامها في الصحة- قولين في أنها ديونٌ من رأس المال، أم سبيلها سبيل الوصايا؟
فإن (6) جعلناها ديوناً، وهو الأصح، وعليه تفريع الفصل، كما سنذكره الآن -إن شاء الله عز وجل- وإن جعلناها بمثابة الوصايا، فهي بمنزلتها في الاحتساب من الثلث، وهل (7) تسقط بالموت إذا لم يَجْر إيصاءٌ بها أم لا حاجة إلى الإيصاء؟ فيه تردد
__________
(1) في الأصل: وثوابها.
(2) في الأصل: انتفاها.
(3) في الأصل: تعدّر.
(4) في الأصل: بعده.
(5) (س): الصدقة.
(6) جواب الشرط لم يُذكر، بل محالٌ لما سيذكره من تفريع.
(7) (س): وهي.

(11/276)


[مقتضبٌ] (1) من كلام الأصحاب: يجوز أن يقال: إنها تسقط على هذا القول؛ فإنها إذا حلّت محل الوصايا، فلا بد من تقدير (2) ذكرها والإيصاء بها.
والظاهر عندي أنه لا حاجة إلى ذكرها، وجريانُ أسبابها كافٍ، ولكنها قصرت عن الديون، من حيث أدخلها المرء على نفسه، وليست واجبة شرعاً ابتداء.
ونحن نعود بعد ذلك إلى التفريع على الأصح، وهو أنها ديون، ولا حاجة إلى فرض الإيصاء بها، فنقول: إن كان التكفير (3) الواجب بإخراج طعامٍ أو كسوة، فلا خلاف أن الوارث لو أخرجه، وقع الموقع، ولا فرق بين أن يخرجه من تركته، وبين أن يخرجه من مال نفسه إذا لم يخلّف الميت تركة. هذا متفق عليه.
ولو أخرج أجنبيٌ عنه ما وصفناه، فالذي ذهب إليه معظمُ الأصحاب أنه يقع الموقع كما لو أخرجه الوارث، ووجهه أن وجوب الكفارة متحقق بعد الوفاة، وقد فاتت النية ممن عليه الكفارة، وفات تقدير الإنابة؛ فصار ما يخرج في حكم دَيْن محض، لا يفتقر إلى النية، ويصح من الأجنبي أن يؤدي ديْنَ الغير؛ من جهة أنه لا يفتقر إلى النية، ويمتنع [في] (4) حالة الحياة من الأجنبي تأدية الكفارة والزكاة عن الغير؛ من جهة أن نية من عليه ممكنة، واستنابته [متوقعة] (5)، والآن [إن مات] (6)، فقد فاتت النية وتوقعها، وانحسم مسلك الاستنابة.
ومن أصحابنا من قال: ليس للأجنبي أن يطعم عنه أو [يكسو] (7)، وإنما ذلك للوارث؛ فإن للوراثة خلافة لا تنكر، فلا يبعد أن نقيم الوارث مقام الموروث، وتخصيص ذلك [بمن] (8) يخلف في الوراثة.
__________
(1) (س): مغتصب.
(2) (س): تقدم.
(3) (س): التنفيذ.
(4) في الأصل: من.
(5) في الأصل: موقعة.
(6) في الأصل: إذا فات.
(7) في النسختين: يكسوه.
(8) في الأصل: ممن.

(11/277)


ثم إذا كان للميت ورثة واشترطنا صدور الإطعام عن الوارث، فلا خلاف أن بعضهم لو استبدّ بالإطعام، جاز، وإن لم يخلّف الميت شيئاً، وهذا يؤكد تصحيح الإطعام من الأجنبي، فإن ما يُشترط (1) فيه خلافةُ الوراثةِ يُشترط فيه صَدَره من جميع الورثة، كالإقرار بالنسب.
7527 - ولو لزمته كفارة فيها إعتاق، لم يخل العتق من أن يكون متعيّناً في ثبوته، أو يكون مع غيره على قضية التخير، كالعتق في كفارة اليمين.
فإن كان العتق متعيناً في وضعه كالعتق في كفارة القتل والظهار والوقاع في نهار رمضان، فإذا أخرج الوارث رقبةً وأعتقها عن المتوفَّى، فلا شك أنه إن أخرجه من تركته أو من مال نفسه وخلَّص التركة لنفسه، [فذلك] (2) حق يخرجه، ودين يؤدّيه، والتفريع على أن الكفارات الواجبة في الصحة ديون بعد الموت.
وإن لم يخّلف الميت شيئاً، وأعتق عنه وارثه من خاص ماله عبداً، صرفه إلى كفارته، وقع العتق عن المتوفى، ومن آثار وقوعه عنه أن الولاء له.
ولو أعتق أجنبي عنه عبداً والعتق متعيَّن، ففي المسألة وجهان مرتبان على الوجهين في الإطعام، والعتقُ أولى بألا يصح؛ لاستعقابه الولاءَ، وهذا في رأي [العلماء] (3) يقتضي تعلقاً بملك أو خلافة، ولذلك لم يصحح التطوعَ بالإعتاق من الأجنبي عن الميت من يصحح منه التصدقَ عن الميت تطوعاً، فقال: إذا أعتق الأجنبي عن الميت تبرعاً، وقع العتق عن المعتِق، وانصرف إليه الولاء، ولغا قصدُه الميتَ.
هذا إذا كان العتق متعيَّناً في الكفارة.
7528 - فإذا (4) ثبت على قضية التخير كالعتق في كفارة اليمين، فإذا لم نجد من الميت إيصاء، فإن أطعم الوارث، أو كسا، وقع الموقع، وإن أعتق (5) عنه عبداً،
__________
(1) (س): مشترط.
(2) في الأصل: بذلك.
(3) في الأصل: العليا.
(4) (س): فأما إذا.
(5) (س): وإن كسا أو أعتق عنه عبداً.

(11/278)


ففي المسألة وجهان: أحدهما - أن العتق لا يقع الموقع؛ فإنه غير معيّن (1)، وهو من هذا الوجه مُضاهٍ (2) للعتق المتطوع به، وقد ذكرنا أن الوارث لو أعتق عن الموروث متبرعاً، لم يقع عنه.
والوجه الثاني - أن العتق يقع عن الميت؛ فإن العتق مع الإطعام والكسوة على قضيةٍ واحدة، والتخيّر يتعلق بجميعها، وما اتفق إخراجه [منها] (3) يقع واجباً، ويلتحق في وقوعه بما يتعين، وقد ذكرنا أن العتق المتعيّن إذا صدر عن الوارث، وقع عن الميت موقع الإجزاء.
هذا إذا أطعم الوارث أو أعتق.
فأما إذا أطعم الأجنبي، فظاهر المذهب أنه يجزىء عن الميت إذا نواه وقصده، وفيه وجهٌ آخر ذكرناه.
فإن أعتق الأجنبي عن الميت في كفارة اليمين، ففي المسألة وجهان، إن أحببنا رتبناهما على الوجهين في الوارث، وهو أولى بألا يقع الموقع من الأجنبي، والفرق انتفاء الخلافة وثبوتها، وإن أحببنا، رتبنا الوجهين على الخلاف المذكور في إطعام الأجنبي.
هذا كله إذا لم يوص من عليه الكفارة.
7529 - فأما إذا لزمته كفارة يمين، فأوصى بأن يعتق عنه، فإن وفى ثلثه، فذاك، وإن قصر الثلث -والتفريع على أن الكفارة ديْنٌ- فقد كان شيخي يقول: يجب الإعتاق عنه من رأس ماله.
وهذا ما أراه كذلك؛ بل ما دل عليه فحوى كلام الأئمة أن تعيين العتق في حكم الوصية.
وإن فرعنا على أن الكفارة دين؛ فإنه غير متعين، وفي إخراجه مغرم بيّن، وشيخنا
__________
(1) (س): متعمد.
(2) (س): يضاهي العتق.
(3) في الأصل: فيما.

(11/279)


كان يقول: ما حكيته بناء على أن العتق في الكفارة أحد الواجبات الثلاثة، فإذا عينه تعين.
وهذا عري عن مساق الفقه، وتعيين العتق وفي غيره كفايةٌ [عنه] (1) مندوحةٌ بمثابة تعيين عبد شريف للإعتاق وفي عبد قليل القيمة مَقنعٌ، واستجماعٌ لشرائط الإجزاء.
وسيكون لنا إلى هذا الفصل عودة في كتاب الأيمان، إن شاء الله عز وجل.
فصل
قال: "ولو أوصى له ولمن لا يحصى، فالقياس أنه كأحدهم ... إلى آخره" (2).
7530 - إذا أوصى لزيدٍ وللفقراء بثلث ماله، فقد ذكر الشيخ أبو علي ثلاثة أقوال في المسألة، ولم يذكر شيخنا والصيدلاني إلا قولين منها: أحدهما - أن لزيد نصفَ الموصى به؛ فإنه (3) معنى في شخصه، والفقر معنى في نفسه، فكان إضافة الثلث إليه وإلى الفقراء بمثابة إضافة الثلث إلى شخصين، ولو قال: يصرف ثلثي إلى زيد وعمرو، فهو بينهما (4) نصفان.
والقول الثاني - أن زيداً كواحد من الفقراء.
ثم [لو] (5) أوصى للفقراء، فأراد الوصيّ صرفَ الموصى به إلى ثلاثة منهم، فله أن يصرف إلى واحد أقلَّ القليل، وكذلك الثاني، ثم [يخصص] (6) الثالث بتتمة الموصى به، فزيد إذا ضم إلى الفقراء بمثابة واحد منهم، إذا أوصى لهم دون غيرهم.
وحكى الشيخ أبو علي قولاً ثالثاً، هو أن زيداً المضموم إلى الفقراء
__________
(1) في الأصل: "وغنية".
(2) ر. المختصر: 3/ 168.
(3) (س): فإن زيداً معنى في شخصه.
(4) (س): فيهما.
(5) ساقطة من الأصل.
(6) في الأصل: تخصيص.

(11/280)


يستحق (1) ربع الموصى به، فإنه لا بدّ من رعاية الجمع في الفقراء، وأقل الجمع ثلاثة، فيكون زيد رابعَهم، ثم هو مقصود في نفسه، فتصير الوصية في حقه بمثابة وصية أضيفت إلى أربعة، فلا ينحط حقه عن الربع، وليس كالواحد من الفقراء، فإنه لا حصر لهم.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة أخرى، فقال: من أصحابنا من قال: إنْ تعرض الموصي لفقر زيد، فقال: أوصيت لزيد الفقير وللفقراء، وكان زيد فقيراً، فتخرج المسألة على ثلاثة أقاويل: أحدها - أن له نصيبَ فقيبر، فأما إذا لم يصف زيداً بالفقر الذي هو وصف المضمومين إليه في الوصية، ولكنه قال: أوصيت لزيد وللفقراء، قالوا: فلا يخرج في هذه الصورة إلا قولان: أحدهما - له النصف.
والثاني - له الربع، فأما القول الثالث، فلا يخرج.
وهذه الطريقة ضعيفة.
ثم قال الشيخ: إذا قلنا لزيد مثل نصيب فقير، فقد اختلف أصحابنا في معنى ذلك: منهم من قال: معناه أنه لو أُعطي أقل [ما يتمول أجزأ] (2) ذلك، وهذا هو السديد، ومنهم من قال: ينظر إلى عدد الفقراء الذين يتفق (3) التسليم إليهم، فإن أعطى ثلاثة من الفقراء وأراد الاقتصار، فلزيد ربعُ الوصية [لا ننقص] (4) من الربع، وإن كان ينقص آحادَ الفقراء [ويزيد] (5) لبعضهم.
وإن أعطى خمسةً من الفقراء، فيعطيه السدسَ، وإن أعطى عشرة، فيعطيه من الوصية جزءاً من أحدَ عشرَ جزءاً من الوصية.
وهذا ضعيف جداً. هذا كله إذا ذكر في الوصية زيداً وأقواماً موصوفين غيرَ منحصرين بصفةٍ لا تلزم.
__________
(1) (س): مستحق.
(2) في الأصل: ما يتموله أحد في ذلك.
(3) (س): اتفق.
(4) في الأصل: منقصة.
(5) في الأصل: فيزيد.

(11/281)


7531 - فأما إذا قال: أوصيت لزيد وللبكريّة والعلويّة، فقد اختلف قول الشافعي في أن الوصية للعلوية والبكرية ومن في معناهم، وهم أقوام لا ينحصرون، وليسوا على صفة [يتوقّع] (1) تحولهم عنها، فأحد القولين - الوصيةُ لهم (2) باطلة.
والثاني - أنها صحيحة، وقد أشرنا إلى توجيه القولين فيما تقدم.
فإن صححنا الوصية، فهو كما [لو] (3) أوصى لزيد وللفقراء، وقد تبين التفصيل فيه. وإن لم نصحح الوصيةَ للعلوية، فالمذهب أن الوصية تصح لزيد [ثم] (4) في قدر ما يستحقه الأقوالُ والتفصيلُ الذي قدمناه.
ومن أصحابنا من قال: إذا أبطلنا الوصية للعلوية، فتبطل الوصية لزيد المسمى، وهذا يخرّج على القول الذي يقول: إنه يستحق ما يستحقه أحد الفقراء، على معنى أنهم إن اتفقوا ثلاثة، فله الربع وإن اتفقوا أربعة، فله الخمس، فإذا (5) بطلت الوصية للعلوية فلم يُعطَ واحدٌ منهم شيئاً [لنعتبر] (6) نصيبَ زيد به، فالوصية لزيد لا تثبت.
وهذا وإن كان فيه تخييل، فالأصل الذي عليه التفريع فاسد.
7532 - ولو أوصى لزيد والملائكة (7) بثلث ماله، فالوصية للملائكة باطلة، والتفريع بعد هذا كالتفريع على ما [لو] (8) أوصى لزيد والعلوية وحكمنا ببطلان الوصية للعلوية.
__________
(1) في الأصل: فيوقع.
(2) ساقطة من (س).
(3) زيادة من (س).
(4) مزيدة من (س).
(5) عبارة (س): وإذا بطلت الوصية للعلوية، فلم يعد واحد منهم شيئاً لتعيين نصيب زيد به، فالوصية لا ثثبت.
(6) في الأصل: لتغير. و (س): لتعيين. والمثبت تقدير منا، لا يصح غيره -إن شاء الله- ولا يستقيم المعنى إلا به. ومعنى "لنعتبر": أي لنقيس.
(7) (س): والمالكية. ورسمت في الأصل هكذا: والمليكة. وترجيحنا (الملائكة) سيظهر صوابه فيما يأتي من عرض المسألة. هذا وكل موضع ذكر فيه (الملائكة) رسمته نسخة الأصل هكذا، وجعلته (س) المالكية.
(8) زيادة من المحقق، حيث سقطت من النسختين.

(11/282)


وفي هذا المنتهى أمرٌ لا بد من التنبيه [إليه] (1) وهو أنه إذا أوصى لزيدٍ وللفقراء، وقلنا: يستحق زيدٌ الأقلّ مثلاً، وهو أن تقليل نصيبه وتكثيره إلى الوصي (2)، ولا اختيار للوارث فيه بحق الإرث.
فأما إذا أوصى لزيد والملائكة، وقلنا: لزيد الأقل في أوضاع هذه المسائل، فقد ذكر صاحب التلخيص في ذلك قولين: أحدهما - أن اختيار الأقل فيه إلى الوصي (3) الذي [ننصبه] (4) فيصرف (5) إليه ما شاء من المسمى، ويرتدّ الباقي ميراثاً، حتى لو استوعب معظمَ ما وقع الوصية به جاز.
والقول الثاني - أن الخيار في هذه الصورة إلى الوارث، فلو قالوا (6): لا تدفع إليه إلا درهماً أو أقل مثلاً، وقال الوصي (7): ندفع إليه ألفَ (8) درهم فنتبع (9) الورثة.
قال الشيخ: لعل هذا هو الأصح؛ لأنه إذا أوصى لزيد والفقراء بثلثه [فكل]، (10) الثلث يُستحق (11) بالوصية، فتعيين القدر إلى من [يُنصبُ] (12) وصياً في ذلك.
وفي هذه المسألة بطل بعض الوصية، وآل التنازع إلى القدر المستحق في الوصية، فالقول قول الورثة والعبرة بمرضاتهم.
وإذا أوصى لزيد، والبكرية، وأبطلناها في حق البكرية، فهو كما لو أوصى لزيد والملائكة.
__________
(1) في النسختين: له.
(2) (س): الموصي.
(3) في (س): الموصي.
(4) في النسختين: يصيبه. والمثبت تقدير منا.
(5) (س): فينصرف.
(6) قالوا الجمع على معنى الورثة.
(7) (س): الموصي.
(8) سقطت من (س).
(9) (س): فينبغي للورثة.
(10) في الأصل: فذلك.
(11) (س): مستحق.
(12) في النسختين: يصيب.

(11/283)


7533 - قال: ولو أوصى لزيد ولجبرائيل عليه السلام، (1 فالوصية لجبريل باطلة، وتصح في حق زيد المضموم معه، ولا يخرج في هذه المسألة قولُ الفساد في حق زيد إذا ذكر مع الملائكة، ووجهه بيّن؛ فإن الفساد أتى من الجهل بعدد الملائكة، وجبريلُ 1) واحدٌ في نفسه.
ولو أوصى لزيد وللرياح بثلث ماله، فقد اختلف أصحابنا (2) في المسألة: فمنهم من قال: كل الوصية مصروف إلى زيد؛ فإن الرياح ليست من الأشخاص التي يتوهم إضافة العقود إليها، وليست كجبريل عليه السلام؛ فإنه من الأشخاص التي يتوهم ذلك فيه.
والوجه الثاني - وهو الصحيح أنه يستحق نصف المسمى كالمسألة الأولى، ولا نعتقد الرياحَ أعداداً.
ولو أوصى لزيد والجدار، أو غيره من [الجمادات] (3)، فهو كما لو أوصى لزيد والرياح.
ولو أوصى لزيد ودابّةٍ لعمرو، فلزيد النصف، [وفي الوصية لدابة عمرو تفصيل سنذكره مفصلاً بهذا إن شاء الله] (4).
فصل
مشتمل على ذكر من تصح الوصية له و [من] (5) لا تصح له
7534 - فنعرض لما يكاد يغمض أو يتطرق إليه خلاف.
أما الوصية للوارث، فقد سبق القول فيه، وذكر صاحب التلخيص بعدها الوصيةَ
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (س).
(2) (س): اختلف أصحابنا، فمنهم.
(3) في الأصل: الجدارات.
(4) ما بين المعقفين زيادة من (س). ولعل صوابها: (بعد هذا، إن شاء الله).
(5) سقطت من الأصل، وأثبتناها من (س).

(11/284)


للقاتل، وفيها قولان مشهوران: أحد القولين - أنها تصح، وهو القياس (1).
والقول الثاني - أنها لا تصح، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وصية لقاتل" (2). وهذا الحديث ليس على الرتبة العالية في الصحة، والصحيح لا وصية لوارث.
ثم سلك بعض الفقهاء مسلك التوجيه بطريق التشبيه بالإرث؛ فإن استحقاق الوصية يتعلق بالموت كالميراث، ثم زجر الوارث عن القتل (3) حتى لا يستعجل الميراث به، فحُرم ما يستعجله، وهذا يتحقق في الوصية تحققه في الميراث.
ثم اختلف أصحابنا في محل القولين على طرق:
فمنهم من قال: القولان فيه إذا تقدمت الوصية، ثم قتل الموصى له الموصي، فإنه في هذه الصورة ينسب إلى الاستعجال، فأما إذا [جرح] (4) رجلاً ثم إن المجروح
__________
(1) قال النووي: " المذهب الصحة مطلقاً " (الروضة: 6/ 107).
(2) حديث "لا وصية لقاتل" رواه البيهقي: 6/ 281، بلفظ: "ليس لقاتلٍ وصية" من حديث علي رضي الله عنه، ورواه الدارقطني: 4/ 236، 237. وهو لا يحتج به كما هو مفهوم كلام إمام الحرمين، قال البيهقي: تفرد به مبشر بن عبيد الحمصي، وهو منسوب إلى وضع الحديث. وقال الحافظ في التلخيص: إسناده ضعيف جداً.
هذا وقد عجب الحافظ في التلخيص من قول إمام الحرمين عن هذا الحديث: إنه ليس في الدرجة العالية من الصحة، وقال: "إنه ليس له في أصل الصحة مدخل" (التلخيص: 3/ 197 ح 1420).
وتقديري أن هذا الكلام فيه نوع تحامل على إمام الحرمين من الحافظ، فإمام الحرمين لا يعنى بألقاب المحدّثين وتبويبهم وترتيبهم، فهو ليس من أهل هذه الصناعة، وإنما مراده هنا: أن هذا الحديث غير صالح للاحتجاج به كما هو فحوى كلامه. ولا يعني بقوله إنه صحيح، ولكن لم يبلغ الدرجة العالية من الصحة، لا يعني ما يفهم من ظاهر هذه العبارة، وإلا لو كان كذلك، لأخذ بالحديث، وبنى عليه الحكم ولم يردّه.
وفي كلام إمام الحرمين عن الأخبار ودرجاتها في كتابه البرهان، ما يشهد لما أقول، ومن ذلك قوله: "إن الردّ والقبول يعتمد على ظهور الثقة وانخرامها، وهذا هو المعتمد الأصولي، فإذا صادفناه، لزمناه، وتركنا وراءه المحدّثين يتقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب" (البرهان: فقرة رقم 593).
(3) (س): الفعل.
(4) في الأصل: خرج.

(11/285)


أوصى للجارح، فالوصية صحيحة إذا مات المجروح بالجرح السابق على الوصية قولاً واحداً.
ومن أئمتنا من قال: إن وقع القتل بعد الوصية، بطلت الوصية، كما سنصف بطلانها في التفريع، وإن تقدم الجرح، وتأخرت الوصية ووقع الموت بالجرح المتقدم، ففي المسألة قولان.
ووجه هذه الطريقة بناء الأمر على العمل بالخبر، ثم هو نصٌّ فيمن [تأخر قتله] (1) عن الوصية له.
وفي التعلق بالخبر نظرٌ إذا تقدم الجرح وتأخرت الوصية؛ من جهة أنا نفهم من حرمان القاتل حكم معاقبته بمنع مقصوده، وإن كان اللفظ ظاهراً.
وهذا يناظر تردّدَ الأصحاب في حرمان من يقتُل بحق لخروجه عن محل المعاقبة؛ [إذ المعاقبة] (2) على ترك التحفظ عند وقوع الخطأ، مع عموم قول رسول الله عليه السلام: "ليس للقاتل من الميراث شيء".
ثم حيث نقضي بصحة الوصية، فلا خِيرةَ للورثة، وحيث لا نقضي بنفوذها، اختلف أصحابنا، فمنهم من قال: إذا أجازها الورثة، جازت، ومنهم من قال: لا تنفذ بإجازتهم، وهذا الاختلاف مفرّعٌّ على قولنا: إن إجازة الورثة تنفيذ وصية، فأما إن جعلنا إجازته (3) عند وجوب مراجعته ابتداء عطية، فابتداء وصية الوارث لقاتل الموروث [نافذ] (4) لا شك فيه.
ثم قال صاحب التلخيص: وإن منعنا الوصيةَ للقاتل، فلو قتلت أمُّ الولد سيدها، عتَقَت؛ فإن عتقها محسوب (5) من رأس المال، لا يسلك به مسلك الوصايا.
فأما المدبّر إذا قتل سيدَه، والتفريع على أن الوصية للقاتل مردودة، فقد اختلف
__________
(1) في الأصل: يأخذ مثله.
(2) في الأصل: أو المعاينة.
(3) إجازته: كذا في النسختين، ويستقيم الكلام على معنى: الوارث.
(4) في الأصل: فإنه.
(5) (س): يحسب.

(11/286)


أصحابنا: فمنهم من قال: القول فيه يخرّج على أن التدبير وصية أم تعليق عتق [بصفةٍ] (1)؟ فإن جعلناه تعليقاً، نفذ العتق، ولم يؤثر القتل.
وإن جعلناه وصيةً، لم يعتِق على [منع] (2) الوصية للقاتل.
ومن أصحابنا من قال: سواء قلنا: إن التدبير تعليق أو (3) وصية، فتخرّج المسألة على أن العتق لا ينفذ إذا منعنا الوصية للقاتل، وذلك أن العتق على القولين محسوب من الثلث وفاقاً، وكل تبرع يكون محسوباً من الثلث، فهو في الحكم الذي نتكلم فيه وصية.
وأثر القولين في أن التدبير تعليق أو وصية يرجع إلى جواز الرجوع عن التدبير، فإن جعلناه تعليقاً، لم يجز الرجوع صريحاً.
7535 - وذكر صاحب التلخيص فيمن لا تصح له الوصية: الحربي، وكلامه يقتضي أن الوصية له باطلة، واعتلّ في ذلك بانقطاع الموالاة بيننا وبينهم، قال الشيخ: هذا لم يقله أحدٌ من الأصحاب، بل قطعوا (4) بأن الوصية للحربي جائزة إذا لم يكن الموصى به سلاحاً، (5 فإن أوصى له بسلاح، فهو كما لو باع منه سلاحاً 5)، وقد مضى تفصيل ذلك في كتاب البيع. وما ذكر صاحب التلخيص من التعرض للموالاة فإنه كلام عريٌّ عن التحصيل؛ فإن الوصية لا تقتضي الموالاة، ولا تعتمدها، ولست أدري ماذا كان يقول في الهبة من الحربي، وظاهر قياسه أنها كالوصية.
7536 - والوصية للذمي منفذة؛ فإنهم في عوننا ونصرتنا، ويتعين علينا الذب عنهم [فالوصية] (6) حمل على إعانتهم بطائفة من المال؛ فإن المال أهون من تعريض النفوس للهلاك بسبب الذب عنهم.
__________
(1) في الأصل: نصفه.
(2) في الأصل: موضع.
(3) (س): أم.
(4) قال النووي: إن جواز الوصية للحربي هو الأصح (الروضة: 6/ 107).
(5) ما بين القوسين ساقط من (س).
(6) في الأصل: بالوصية.

(11/287)


7537 - ومما تعرض له صاحب التلخيص والشارحون القولُ في الوصية للعبد والوصية للدابة، فلتقع البداية بالوصية للعبد: أجمع الأصحاب على أن الوصية للعبد صحيحة، ثم بان لنا من حقيقة ترتّبهم أن الوصية تقع للعبد [في] (1) نفسه، ولكن إن كان من أهل الملك حالة القبول، وقعت الوصية (2 له، وإن لم يكن من أهل الملكِ حالة القبول، وقعت الوصية 2) لمالكه.
وبيان ذلك أنه إذا أوصى لعبدِ إنسانٍ بمالٍ، ثم عتق ذلك العبد في حياة الموصي، ثم مات الموصي، فإذا قبل هذا المعتَقُ الوصيةَ، صح قبوله، ووقع الملك في الموصى به له، ولو بقي مملوكاً حتى قَبِل الوصية بعد موت الموصي، فالملك في الموصى به يقع لمالكه.
ولو مات الموصي والعبد بعدُ مملوك لوارث الموصي، فأعتق الوارث العبدَ قبل قبول الوصية، قال الشيخ: هذه المسألة تخرّج على القولين في أن الملك في الموصى به متى يحصل للموصى له؟ فإن فرعنا على قول الوقف، وقلنا: إذا جرى القبول استند الملك تبيّناً إلى موت الموصي، فعلى هذا لا تصح الوصية؛ فإنها لو صحت، لاستند الملك إلى حالة الموت، وهو إذْ ذاك رقيقٌ للوارث، فلو قدّرنا فيه ملكاً، لكان للسيد.
وإن قلنا: يحصل الملك بالقبول، فيقع الملك للعتيق دون الوارث.
هكذا قال رضي الله عنه.
7538 - وقال في هذه المسألة: لو باع الوارث العبدَ قبل قبول الوصية، [ثم إنه قبلها في ملك المشتري. فإن فرّعنا على قول الوقف] (3) والإسناد، فلا يصح القبول؛ إذ لو صح، لا نصرف الملك إلى الوارث، لأنه كان مالك رقِّه حالة موت الموصي.
__________
(1) في الأصل: من.
(2) ما بين القوسين ساقط من (س).
(3) ما بين المعقفين زيادة من (س).

(11/288)


وإن قلنا يحصل الملك بالقبول، فيصح القبول [ويقع] (1) الملك للسيد الثاني.
7539 - فانتظم [ممّا] (2) ذكره الأصحاب أن الوصية للعبد تتعلق بالعبد على ترقّب (3) ما يكون، فإن عتَقَ قبل الموت، وقَبِل الوصيةَ بعد موت الموصي، انصرفت الوصية إليه.
ثم الأصحاب مع قطعهم بهذا أطلقوا القول بأن من لا تصح الوصية له لا تصح الوصية [لعبده] (4)، فأرادوا إذا بقي رقيقاً إلى القبول، وهذا قد يتطرّق إليه من طريق المعنى احتمال، لأن الموصى له هو العبد، وليس وارثاً (5)، ولكن لم يصر إلى هذا أحدٌ من الأصحاب أعرفه.
ثم (6) على قول القبول (7) يحصل الملك لمن يكون [مالك رقّ] (8) القابل وقت القبول، وهذا يدل على أن المالك ليس معنيّاً بالملك، وإنما متعلق الوصية العبدُ، ثم إن اتفق كونه حراً على التفصيل المقدم، فالملك له، وإن تبدّل الرق والملك، فالملك لمالكه، ولسنا نذكر هذا (9) التخريج [وجهاً] (10)؛ فإن المذهب ما نقلناه وما ذكرناه نبنيه على طريق المعنى.
ومما يخطر للفقيه في ذلك التعرضُ لاشتراط إذن المالك، وقد فرعناه فيما تقدم، ووصلنا به القول في أن السيد لو قبل وردّ العبدُ، فكيف يكون أمره؟ -[وإن] (11) كنا
__________
(1) في الأصل: وقع.
(2) في الأصل: بما.
(3) (س): ترتيب.
(4) في الأصل: لعبد.
(5) (س): إرثاً.
(6) ثم: سقطت من (س).
(7) قول القبول: أي القول بحصول الملك في الموصى به للموصى له بالقبول.
(8) في الأصل صحفت هكذا: بالطارق القابل.
(9) (س): لهذا.
(10) في النسختين: وجه.
(11) في الأصل: فإن.

(11/289)


ذكرناه لم يضر أن نرمز إلى إعادته- فإن لم نشترط إذنَ السيد في القبول، فلا أثر لردّه وقبوله، وإن شرطنا إذن السيد في القبول، ففي صحة قبول السيد في أوان القبول مع إعراض العبد أو مع (1) ردّه وجهان.
ومن تأمل هذه الأصول، لم يخف عليه من طرق الاحتمال شيء مع التزام (2) المنقولات عن الأئمة.
7540 - ومما يتعلق بهذا الفصل أنه إذا أوصى لدابة زيد بشيء، فأول ما فيه أنا نستفصل الموصي في حياته، فنقول: ما الذي أردتَ بذلك (3)؟ فإن قال: أردت بذلك تمليكَ الدابة، فتبطل وفاقاً؛ فإنه قصد بما أطلقه محالاً.
وإن قال: قصدت بذلك صرفَ الموصى به إلى (4) حاجة الدابة في علفها وسقيها، قال الأصحاب: صحت الوصية على تفصيلٍ نذكره.
وإن قال: لم أنوِ شيئاً أصلاً، قال الشيخ: تبطل الوصية؛ فإن ظاهرها تمليك الدابة، فلم تصح.
فإذا نوى الصرفَ إلى العلف، كما قلناه أو صرح به، ومات الموصي، قال صاحب التلخيص: إن قبل مالك الدابة الوصيةَ، ثبتت وإن ردّها، بطلت، [ورُدَّت] (5)؛ فإن هذه الوصية تتعلق به؛ من حيث إنها تتعلق بمصلحة ملكه، ويستحيل أن نلزمه هذه الوصية حتى نتصرف في دابته بالعلف والسقي.
قال الشيخ: رأيت للشيخ أبي زيد أنه قال: تثبت الوصية، وإن لم يقبلها مالك الدابة؛ فإن الموصي قصد بذلك علفَ الدابة. وذلك حسبةٌ، "وفي كل ذات كبدٍ حرّى أجر" (6).
__________
(1) (س): أو ردّه.
(2) (س): إلزام.
(3) ساقطة من (س).
(4) (س): إلى الدابة.
(5) في النسختين: واردت.
(6) حديث "في كل ذات كبد حرّى أجر" متفق عليه، أخرجه البخاري: كتاب الشرب والمساقاة، ح 2363، ومسلم: كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم، ح 2244.

(11/290)


قال الشيخ: وهذا ضعيفٌ جداً (1)، ويلزم من مساقه تجويز الوقف والتحبيس على عبيد الإنسان ودوابّه.
7541 - [ثم قال] (2) صاحب التلخيص: فإذا قبل صاحب الدابة الوصية، فإن (3) كان للموصي وصيٌّ، فلا يسلِّم الوصيُّ [ذلك] (4) الموصى به إلى صاحب الدابة، ولكن يخرجه بنفسه إلى علف الدابة، على حسب الحاجة.
قال الشيخ القفال: عندي أنه إذا قبل الوصية، قبض الموصى به، ولم يتركه في يد الوصي (5)، ثم قال: عندي أنه لا يتعين عليه صرف ما قبضه بعينه إلى الدابة، ولكنه لو أراد صَرْف غيره إلى علفها وتملّكَ ما قبضه، فله ذلك، وحقيقة هذا الاختلاف ترجع إلى أنه هل يملك صاحب الدابة عينَ ما أوصى به أَوْ لا؟ فالقائل الأول لا يثبت فيه ملكاً 6) حقيقياً، ولكنه يصرفه إلى الدابة، والقفال يثبت الموصى به ملكاً لمالك الدابة، ومن هذا المنتهى ينعكس كلام [على] (7) الوصية للعبد، فإن الملك الحاصل في الموصى به للعبد تَسْميةً وإطلاقاً لسيده.
ثم لم يختلف أئمتنا في أنه لا يجب على السيد صرفُ الموصى به إلى مصلحة العبد، كما لم يختلفوا في أن الملك فيه يحصل للمولى.
وفي (8) تعليل ذلك، والفرق بين تعيين العبد في الوصية وتعيين الدابة سرٌّ لطيف، وهو أنّا (9) من وجه نقدّر العبد موصى له، حتى كان الموصى به واقعٌ [له] (10)، ثم
__________
(1) قال النووي: إن اشتراط قبول المالك هو الأصح (ر. الروضة: 6/ 105).
(2) في الأصل: فقال.
(3) (س): فإن الموصي وصي، فلا يسلم.
(4) في الأصل: لك.
(5) (س): الموصي.
(6) سقطت من (س).
(7) زيادة من (س).
(8) (س): في (بدون واو).
(9) (س): أن في.
(10) زيادة من (س).

(11/291)


لا حرج على الموصى له في الموصى به، غير أنه ليس من أهل الملك، فيثبت الملك لسيده، ثم لا حرج على السيد؛ فإنه بمثابة العبد، حتى كأنه نابَ عنه في الملك، وخرج العبد من الوسط. [و] (1) لا يتصور فرض هذا من (2) الدابة، ولا بد من تعليق الوصية بالدابة إذا علقت بها، فإذا لم تتعلق بها [لتقبل أو لتردّ] (3) انصراف الوصية إليها [عند حالة تطرأ] (4)، ولا بد من ربطٍ وفاءً بالوصية، فرأى الأصحاب صرْفَ الموصى به إلى مصلحتها، ثم لما كانت مملوكة، لم يتأت التصرف فيها دون المالك، فَشُرِط قبول المالك على شرط الوفاء بتخصيص الموصى به بالدابة.
والقفال رضي الله عنه جعل الوصية للدابة وصيةً لربّها، وهذا وإن كان يخلِّص مما ذكرناه، فإنه (5) يورّط في غائلة عائصة؛ لأن اتباع الوصية لا بد منها، فإن أضيفت إضافة صحيحة، وجب الوفاء بها، وإلا وجب إفسادها.
ثم ذكر القفال في تحقيق مذهبه مسألةً [مستشهداً بها] (6)، وهي أنه لو مات رجل، [فدفع] (7) إنسان إلى وارثه ثوباً ليكفنه به، [فإن] (8) له أن يستأثر به، ويكفنه في ثوب من عنده، وهذا خرجه على المذهب الصحيح في وضع الكفن، فإنه ملك الوارث، ولكنه (9) مستغرَقٌ بحاجة الميت. هذا أصح الوجوه، فكأنه رضي الله عنه رأى بذل الثوب من الباذل إحلالاً منه الثوبَ محل الكفن (10).
__________
(1) الواو ساقطة من الأصل.
(2) (س): في.
(3) عبارة (س): لتقبل انصراف الوصية إليها. وفي الأصل: لتقبل أو لتقدير انصراف الوصية إليها، والمثبت تصرف من المحقق على ضوء السياق.
(4) كذا في النسختين، ويمكن أن تقرأ: عند حالة نظرا.
(5) ساقطة من (س).
(6) في الأصل: يستشهد أنها.
(7) في الأصل: فيدفع.
(8) في الأصل: فاتفق له.
(9) (س): ولكنه مستغرقاً لحاجته.
(10) (س): محل الكفن كما قال. قال الشيخ: وهذا ...

(11/292)


قال الشيخ: وهذا الذي ذكره في الثوب أبعد [منه] (1) في الدابة. وهو كما قال؛ فإن باذل الثوب لم يملّكه أحداً، وإنما بذله ليدرج فيه الميت، فإما أن يرتسم رسمه (2) وإما أن يرد عليه.
ثم قال الشيخ: إن حكمنا بما ذكره القفال، فربُّ الدابة يملك الموصى به ويقبض، ولا [يعترض] (3).
وإن قلنا: إنه لا يملكها، فإن كان ثمَّ وصيٌّ، فهو ينفقه على الدابة، وإن لم يكن، فقد تردد فيه كلام الأصحاب. فالظاهر من كلامهم أنه إذا لم يكن وصي، صرف المال إلى مالك الدابة، ثم ليس له إبدالُه، بل ينفقه على حسب الإمكان.
[وقال] (4) قائلون: ينصب القاضي في ذلك قيّماً حتى يقوم بتنفيذ الوصية.
7542 - ومن فقه (5) هذه المسألة أن الموصي إذا وصى للدابة، ومات قبل البيان، نرجع (6) إلى الورثة، فإن قالوا: نوى الصرفَ إلى العلف، صحت، وإن قالوا: نوى تمليك الدابة، بطلت، ولمالك الدابة تحليفهم، وإن قالوا: لا نعلم، فيحلفون على نفي العلم، وتبطل الوصية، وتصير كما لو قال الموصي: لم يكن لي نيّة.
7543 - ثم ألحق الشيخ أبو علي بآخرِ هذا الكلام مسألةً، وهي أن رجلاً لو وقف شيئاً على مسجد واقتصر عليه، وقال: ينبغي أن نفصل القول في ذلك على الواقف، فإن قال: نويت تمليك (7) المسجد منافع الوقف، فالوقف باطل، وكذلك إن قال: لم تكن لي نية بل أطلقت الوقف، ولو قال: قصدت صرف رَيْع الوقف إلى مصالح
__________
(1) في الأصل: أبعد بما ذكره في الدابة.
(2) في النسختين: يرسم. وارتسم رسمه امتثل أمره، من قولهم: رسم له بكذا: أي أمره به (معجم ومصباح).
(3) في الأصل: يعرض.
(4) في الأصل: فقال.
(5) (س): بقية هذه المسألة.
(6) (س): فنرجع.
(7) ساقطة من (س).

(11/293)


المساجد، فالوقف يصح حينئذ، وأجرى إضافةَ الوقف إلى المسجد مجرى إضافة الوصية إلى الدابة.
وهذا الذي ذكره فيه نظر؛ فإنه شبه الوقف على المسجد بالوصية للدابة وبينهما فرق واضح؛ فإن الوصية للدابة نادرةٌ شاذة إذا ذُكرت لأهل العرف، استنكروها (1)، فتعينت مراجعة صاحب اللفظ، وأما الوقف على المسجد، فقد عم استعماله في إرادة مصالح المسجد عموماً ظاهراً، فينبغي أن يحمل مطلقُه على ما يقصد منه في عموم الاستعمال. والله أعلم.
هذا منتهى القول في الوصية للعبد والدابة.
7544 - ومما ذكره صاحب التلخيص في أطراف الكلام في ذكر من تصح الوصية له ومن لا تصح الوصية له، قال: إذا جوزنا الوصية للقاتل، ومنعنا الوصية للوارث، فلو أوصى لوارثه بشيء، ثم إن الوارث قتل موروثه، فحكم التفريع على منع (2) الوصية للوارث وتصحيحها للقاتل أن تصح الوصية، وهذا ظاهرٌ؛ من قِبَل أن القاتل خرج عن كونه وارثاً بالقتل.
وإنما أوردت هذه المسألة على ظهورها؛ لاقتضاء الكلام إلى حالةٍ يصير القتل فيها سبباً لتصحيح الوصية.
ثم [ممّا] (3) أجراه أن عبداً لو جرح رجلاً، فأوصى له المجروح، فالوصية تصح، وإن منعنا الوصيةَ للقاتل؛ فإن هذه الوصية ترجع فائدتها إلى السيد، فليتأمل الناظر التفات هذا الفصل، ومصير (4) الوصية للعبد تارةً إلى أن العبد هو الموصى له، وتارةً إلى أن الموصى له مولاه. [والقتل الحاصل منه] (5) أن ما يتعلق بنسبة الموصى له إلى
__________
(1) في الأصل: واستنكروها.
(2) عبارة (س): فحكم التفريع على الوارث ...
(3) في الأصل: بما.
(4) (س): وهل الوصية للعبد، وهي في الأصل: ومسير (بالسين).
(5) في النسختين: "والقول الحاصل فيه" والمثبت تقدير من المحقق، بناء على مقتضى السياق، =

(11/294)


الاستعجال (1)، فالعبد فيه لا يكون موصىً له، فإنه لا يتحصل على طائل، فينسب إلى استعجاله.
وإذا كان العبد لوارث الموصي، فنقدّر كأن الوصية للوارث؛ فإن الموصي ممنوع عن تفضيل الورثة، فلو صححنا الوصية لعبد الوارث، كان هذا مسلكاً اختياريّاً (2) في تفضيل الورثة. وما (3) يرجع إلى القبول وحكمه، فالنظر فيه إلى العبد وإنما (4) يمتحن حذق المهرة في الفقه إذا اشتملت المسألة على معانٍ متعارضة، تكاد أن تتناقض، حيث صححنا الوصية للعبد القاتل، ولم نصححها لعبد القاتل، وأفسدناها لعبد الوارث؛ نظراً (5) منا في ذلك كله إلى من إليه تصير الفائدة، فذلك فيه إذا بقي رقيقاً لذلك الشخص، فلو عتَق في حياة الموصي، فقد تبين رجوع الفائدة إليه، وهو القابل أيضاً نقدره موصى له قطعاً، وانظر هل فيه ما يمنع صحة الوصية من قتل أو غيره واجْرِ فيه على القياس، مستعيناً بالله عز وجل.
7545 - و [مما] (6) أجراه الشارحون الوصية للمرتد، قالوا: هي بمثابة الوصية للحربي؛ فإنه لا عاصم للمرتد من سيف الإسلام كما لا عاصم للحربي، وقد ذكرنا [أن] (7) الوصية للحربي جائزة في ظاهر القياس، وقد حكى صاحب التلخيص [منع] (8) الوصية للحربي من نص الشافعي، ووافقه في النقل من يوثق بنقله (9).
__________
= فالمعنى: أن العبد الموصى له إذا قتل لا ينسب إلى استعجال الموصى به. والله أعلم (ر. الروضة: 6/ 108، والشرح الكبير: 7/ 22).
(1) في (س) إلى الاستعمال ... استعماله.
(2) في (س): اختياراً.
(3) في (س): ومما.
(4) (س): وإنما يتبين تصرف المهرة.
(5) (س): نظيرا هذا كله.
(6) في الأصل: بما.
(7) في الأصل: بأن.
(8) في الأصل: بيع.
(9) في الأصل: بفعله.

(11/295)


والذي صار إليه فقهاء الأصحاب تصحيحُ الوصية للحربي بكل ما يجوز بيعه منه، فأما الوصية للمرتد فأولى بالصحة؛ لأنه في عصام (1) الإسلام، وقتلنا إياه ليس حدّاً مقاماً عليه، وإنما [نجدّد له] (2) الإسلام بالبرهان الظاهر، فإن عاند، فبالسيف الباتر، ومذهب الشافعي أنه يحكم له وعليه بما (3) يحكم به على المسلمين، ويجوز أن يقال: إذا حكمنا بأن الردّة تزيل ملكه، فالوصية ضعيفة حريِّة بالفساد.
وأحكام المرتدين ستأتي مستقصاة في آخر كتاب قتال أهل البغي، إن شاء الله عز وجل.
فصل
في بيان من تصح منه الوصية (4)
7546 - البالغ العاقل الحر المسلم تصح وصيته، ووصية [الذمي] (5) نافذة إذا وافقت (6) شرط الشرع.
وهي على أقسام منها أن يوصي لشخص، وقد سبق التفصيل فيمن تصح الوصية له، فالقول فيمن يوصي الذميُّ له كالقول فيمن يوصي المسلم له.
ومن الأقسام أن يوصي بما يكون قربة عندنا وعندهم، فإذا رفعت إلينا وصيته، والثلث متسع، أجزناها ونفذناها، كالوصية بعمارة المسجد الأقصى.
وألحق الشافعي بذلك عمارة قبور الأنبياء عليهم السلام، وهذا حسن؛ فإن قبورهم مشاهد قوم، وعمارتها قُربة، وكان شيخي يميل إلى ذلك في قبور مشائخ
__________
(1) (س): عاصم.
(2) في النسختين: نجدده إلى الإسلام.
(3) (س): مما.
(4) (س): فيه الوصاية.
(5) في الأصل: الدين.
(6) (س): وافقه.

(11/296)


الإسلام وعلماء الدين، بناءً على ما ذكرناه، والضابط فيه أن كلَّ قبرٍ يزار تقرباً، فعمارة نعشه لإدامة الزيارة قُربةٌ (1).
وكذلك إذا أوصى الذمي للفقراء أو لجهة من جهات الخير، ولو أوصى بما هو قربة عندنا، وليس قربةً عندهم، مثل أن يوصي بعمارة مساجدنا، فالوصية نافذة على شرطها في محلها.
ولو أوصى بما يكون قربةً عندهم، معصيةً عندنا كعمارة الكنائس والبيع وبيت النيران، فالوصية إذا رفعت (2) إلينا، أبطلناها.
هذا مذهب الشافعي، رضي الله عنه، وقال أبو حنيفة (3) وأبو يوسف تجاز هذه الوصية، وكذلك أجازوا الوصية بالخمر والخنزير من ذمي لذمي.
7547 - ومما يتعلق بالفصل وصية الصبي المميز، وفيها قولان للشافعي رضي الله عنه: أحدهما -[أن] (4) وصيته جائزة، وكذلك تدبيره، وهو مذهب طوائف من العلماء، وقد عُزي هذا القول بتصحيحها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وروي أيضاً عن عثمان وابن عمر رضي الله عنهما.
ورمز الشافعي رضي الله عنه إلى طرفٍ من المعنى، فقال: الوصية لا تنجِّز حجراً، ولا تمنع تصرفاً، فإذا كانت لا تفوّت مقصوداً مالياً، فإن بقي، فالمال عتيد، وإن مات، كانت الوصية ذُخراً.
__________
(1) ما حكاه الإمام عن الشافعي، وعن والده هنا، هو ما استقر عليه المذهب، فقد أقره شيخا المذهب: الرافعي، والنووي. قال في الروضة: "يجوز للمسلم والذمي الوصية لعمارة المسجد الأقصى، وغيره من المساجد، ولعمارة قبور الأنبياء، والعلماء، والصالحين؛ لما فيها من إحياء الزيارة والتبّرك بها" ا. هـ (6/ 98).
كما أقره المتأخرون من أئمة المذهب واستقروا عليه، انظر على سبيل المثال: حاشية قليوبي على شرح الجلال المحلي على المنهاج (3/ 159 سطر 12).
(2) (س): إذا وقعت أبطلناها.
(3) ر. المبسوط: 28/ 94، الاختيار لتعليل المختار: 5/ 84.
(4) زيادة من (س).

(11/297)


والتعويل على الآثار أولى مع مصير الشافعي رضي الله عنه إلى أن الصبي لا عبارة له في العقود الواردة على الأموال (1).
هذا أحد القولين.
وقال الشافعي رضي الله عنه في موضع آخر: لا تجوز وصيته، ولا تدبيره، وهو مذهب ابن عباس واختيار المزني.
7548 - ثم قطع الأصحاب أقوالهم (2) بتصحيح الوصية والتدبير من السفيه المبذر؛ فإن عبارته صحيحة، ولذلك كان من أهل الطلاق والإقرار بالجناية الموجبة للقصاص، واستلحاق الولد ونفيه باللعان.
7549 - ولو أوصى مملوك أو مكاتب، فالوصية [لا يقع تصحيحها في الحال، فلو ماتا على الرّق، تبينّا فساد الوصية] (3). وإن عتقا وتموّلا وماتا - فقد اختلف أصحابنا في المسألة: فمن (4) أصحابنا من قال: تصح الوصية، نظراً إلى صحة العبارة ابتداء وإلى الحرية انتهاءً.
ومن أصحابنا من قال: لا تصح الوصية؛ فإنها جرت والرق مستمر، فإن أراد تصحيحها، [فليُنشئها] (5) بعد الحرية.
...
__________
(1) ما رجحه الإمام من عدم جواز وصية الصبي هو الأظهر -في المذهب- عند الأكثرين (ر. الروضة: 6/ 97).
(2) (س): ثم قطع الأصحاب بتصحيح الوصية ...
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(4) (س): فمنهم.
(5) في النسختين: فلينسبها.

(11/298)


باب
الوصية للقرابة
قال: "ولو قال: ثلثي لقرابتي، أو لذوي رحمي أو لأرحامي ... إلى آخره" (1).
7550 - هذه الألفاظ إذا استعمل الموصي واحدةً منها، لم يختلف حكمها، فقوله: أوصيت لقرابتي، أو لذي رحمي أو لأرحامي عباراتٌ عن معبَّر واحد.
والعلماء مضطربون في الوصية للقرابة، ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إذا قال: أوصيت لقرابتي، أو لأقاربي بثلث مالي، فإنا لا نفضِّل الأدنى والأقرب على البعيد [إذا كان البعيد] (2) قريباً ولا فصْل بين المحرم وغير المحرم، ولا فرق بين الغني والفقير، والذكر والأنثى، والموصى به مفضوضٌ عليهم بالسويّة.
وتعليل ما ذكرناه بيّن، ومقتضى اللفظ شاهدٌ عليه.
والذي يغمض في هذا الفصل؛ من طريق الانتشار [المحوج] (3) إلى [الضبط] (4) أن المدلين بالأجداد العالية من بين الأعمام قد يكثرون وينتشرون انتشاراً عظيماً، وللعلماء اضطرابٌ في طلب موقف ينتهون إليه ولا يتعدَّوْن، فقال (5) أبو يوسف (6): ننتهي إلى أعلى (7) أبٍ له في الإسلام، ولا نتعدى إلى آباء الشرك، ونصرف الوصية إلى
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 168، 169.
(2) زيادة من (س).
(3) في النسختين: المخرج.
(4) في الأصل: النمط.
(5) (س): وقال.
(6) ر. الاختيار: 5/ 78.
(7) (س): أبعد.

(11/299)


المنتسبين من ذلك الأب العالي فمن دونه.
ونحن لا نصير إلى هذا؛ فإنه خارج عن الضبط، وإذا لم نرتضِ هذا، فأين الموقف مع عموم لفظ القرابة؟ المعتمدُ (1) في هذا مأخوذ من كلام الشافعي رضي الله عنه، ولم يقصر (2) الشيخُ أبو بكر في التعبير عن مراد الشافعي رضي الله عنه: الوصيةُ (3) [تصرف] (4) إلى البطن الأدنى الذي ينتمي إليه ويعرف به دون الأباعد، واستشهد، فقال: إذا كانت الوصية للقرابة والرجل من بني شافع، فالوصية مصروفة إلى بني شافع دون سائر بني المطَّلب، أو سائر بني عبد مناف، أو سائر قريش؛ فإن الشافعي وإن كان مطّلبياً مَنَافياً قُرشياً، فإنما يشهر بشافع.
فهذا هو الضبط التام في ذلك، ولا ينتهي رهط الرجل إلى الخروج عن الضبط حتى تكون وصيته لقرابته كوصيته للعلوية؛ فإنهم إذا انتشروا هذا الانتشار، وكثروا هذه الكثرة، اشتملوا على شُعب والموصي من شعبةٍ هو يشهر بها.
ثم قال أئمتنا: ما ذكره الشافعي رضي الله عنه في حمل الوصية للقرابة من الرجل الشافعي على بني شافع (5 محمول على عهده القريب بأرومة شافع 5) وجُرثومته، والآن، فقد انتشروا، ولكل موصٍ ينتمي إلى الأب العالي الشافعي بطن يخصّه وهم فصيلته التي تؤويه، ولا يخفى على الفطن بعد ذلك حقيقة المراد، ثم كل من نصرف إليه من الوصية للقرابة شيئاً، فهو يُدلي إلى الميت بأسلوب من أساليب القرابة لا محالة.
7551 - وقال الأئمة: إن كان الموصي من العجم، دخلت تحت اسم قرابته القرابةُ من قِبَل الأب، والقرابةُ من قِبل الأم، وهذا الذي ذكره الأصحاب (6) واضح؛ فإن
__________
(1) (س): والمعتمد.
(2) (س): يفض أبو بكر في التعبير عن مراد الشافعي في الوصية تصرف.
(3) الوصية تصرف ... إلخ تفسيرٌ للمعتمد المأخوذ من كلام الشافعي.
(4) في الأصل: تنصرف.
(5) ما بين القوسين ساقط من (س).
(6) ساقطة من (س).

(11/300)


اسم القرابة في وضع اللسان شامل للقرابة من جهتي الوالدين.
قال الشيخ أبو بكر وجمهور الأصحاب: إن كان الموصي من العرب وقد أوصى لقرابته، فالوصية لقرابته من قبل أبيه لا غير، وزعم الأصحاب أن العرب لا تفهم من القرابة في عرف لسانها إلا الذين يدلون (1) به من قبل آبائه.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً أنه لا فرق بين العربي والعجمي، وقرابة الأم داخلون تحت إطلاق اسم القرابة، كما ذكرنا في العجم، وهذا -وإن استبعده الأئمة- متجهٌ جداً موافق للغة، ومن (2) موجب اللسان، ولا مستمسك لحمل القرابة في حق العربي على الذين يدلون من قبل الأب إلا من [جهة] (3) ادعاء عرفٍ غالب في العرب، وهذا لم أتحققه من عرفهم على أني أكثرت مخالطتهم، وأصل اللسان يشمل الجانبين، والقرابة إن عُرضت على الاشتقاق، فهي من القُرب، وإن كان مختصاً بقرب النسب.
7552 - ومما يتعلق بهذا الفصل أنه إذا أطلق الوصية للقرابة، فهذا الاسم يتناول الورثة ومن ليس وارثاً، ثم قال الصيدلاني: إذا أبطلنا الوصية للوارث، فهي مصروفة بجملتها إلى الذين لا يرثون من القرابة، وقال غيره: نجعل الوصية مضافة إلى من تصح الوصية له، وإلى من لا تصح الوصية له، وظاهر القياس في مثل هذا الموضوع تقدير التقسيط على الكل، ثم المصير إلى إبطال ما يقابل الورثة، وتصحيح ما يقابل من ليس بوارث.
وذكر طوائف من أصحابنا أنه إذا أوصى للقرابة، فالأولاد والأبوان لا يدخلون في الوصية، وذهب آخرون إلى أنهم يدخلون تحت اسم القرابة، وإذا دخلوا، أمكن فرضهم بحيث لا يرثون لاختلاف دين.
وقد يوصي الرجل لقرابة زيدٍ، فتمس الحاجة إلى التعرض لدخول أولاده وأبويه، ومن أدخل هؤلاء، تمسك بموجب اللسان، ومن لم يدخلهم تمسك بموجب
__________
(1) (س): يكون.
(2) (س): اللغة وموجب اللسان.
(3) في الأصل: حرية.

(11/301)


العرف؛ فإن الأصول لا يسمَّوْن قرابة في إطلاق اللسان، ومن سمى أباه وابنه وأمه قرابته، كان ذلك في العرف تعقيداً وإلغازاً.
ثم الذين لم يدخلوا الأبوين اختلفوا في الأجداد والجدات، وأولاد الأولاد، فمنهم من أدخلهم، ومنهم من لم يدخل واحداً من الأصول ولا واحداً من الفصول، وإن بعُدوا، وخصّص القرابة بالذين يقعون على جانب من عمود النسب.
ولو أوصى للأقرب فقال: أوصيت بثلثي لأقربهم بي رحماً، فقد قال الأئمة: تسلم الوصية إلى أقربهم بأبيه وأمه؛ فإنه ذكر الرحم، وهذا يتناول جانبَ الأب والأم جميعاً، ويستوي في ذلك العربي والعجمي.
قال الصيدلاني: ظاهر كلامه دليل على أن اعتبار جانب الأم في حق العربي سببُه ذكرُ الرحم والقربُ به؛ فإن لفظ الموصي على ما صور (1): "أوصيت لأقربهم بي رحماً" وهذا يقتضي أنه إذا قال: أوصيت لذوي رحمي -والموصي عربي- دخل تحته المدلون بالأم، وكذلك إذا قال: أوصيت لأرحامي، وإنما يحمل لفظ العربي على المدلين بجانب الأب إذا ذكر القرابة، ولم يتعرض للرحم، فعلى هذا إذا قال: أوصيت لأقرب قرابتي، ولم يتعرض للرحم والموصي عربي، فيجب على مساق [ما] (2) حكاه الصيدلاني ألا نعتبر جانب الأم؛ فإن الذي ذكره الموصي القرابة مع صيغة تشعر بالأدنى.
ثم أجمع الأصحاب على أن الأقرب يتناول الأبوين والولد، وإنما التردد فيه إذا ذكر لفظ القرابة ولم يتعرض للأقرب، وتعليل ذلك بيّن؛ فإن الإنسان إذا أشار إلى شخص، وقال: هذا قرابتي، وكان أباه أو ولدَه، فلفظه تعقيد، وإذا قال: هذا أقرب قرابتي، ثم فسره بالأب والولد، قبل منه، ولم يعدّ ذلك تعقيداً.
7553 - فإذا [تبين] (3) أصل الكلام في هذا عدنا بعده إلى من تصرف إليه الوصية
__________
(1) (س): على ما صور، وهو قوله: أوصيت لأقربهم ...
(2) في الأصل: بما.
(3) في الأصل: بيّن.

(11/302)


للأقرب على شرط التحرز من صرف الوصية إلى وارثٍ، كما قدمناه، وإذا أردنا أن نتوسع في تصوير الأقرب مع تصحيح الوصية له، فرضنا الكلام في وصية الرجل لأقرب قرابات زيد، فتجري لنا جميع الصور، فنقول أولاً: لسنا نتبع الميراث في هذه القاعدة؛ فإنا نرى قريباً مدلياً [بالعصبة] (1) لا يرث كابن البنت، ويرث أولاد عمومة الجد مع وقوعهم حاشية على البعد، والوصايا تنفذ على مقتضى الألفاظ، فلسنا نحكم إذاً فيما [ننفي] (2) ونثبت الميراث، ولكنا نتبع لفظ الأقرب، فإن ظهر لنا معناه في مسألة، [تبيّنا] (3) الجواب قطعاً، وإن ترددنا، أنشأنا ترددنا عن إشكال في معنى اللفظ، ونحن نعلم أن الأقرب يشير (4) إلى قرب الدرجة، ويشير أيضاً إلى قوة القرابة، هذا معلوم من معنى اللفظ، وما يفهم منه في مجرى العرف.
ومما نمهده قبل المسائل أن الأقرب يتعلّق بجانب الأب والأم جميعاً، والمُدْلي بالجهتين (5) نقدمه على المختص بإحداهما على الترتيب الذي سنذكره، إن شاء الله عز وجل.
ومن أهم [ما] (6) يجب الاعتناء به أنه إذا قال: أوصيت لأقربهم لي رحماً، فقد يظن الفقيه أن لفظ الرحم يختص بجانب الأم، وليس الأمر كذلك؛ فإن الرحم المطلق في القرابة لا يعنى به مقرّ (7) الولد، وإنما شاع هذا اللفظ في القرابة، واللفظ إذا شاع على وجهٍ لم يلتفت إلى اشتقاقه، كالدابة؛ فإنها في الأحكام اللفظية محمولة على حيوان مخصوص، وإن كانت مشتقة من الدبيب.
7554 - فإذا تمهدت هذه الأصول، افتتحنا بعدها المسائل، وخرّجناها على مقتضاها، فلفظ الأقرب يتناول الأب والأم على وجهٍ واحد، والموصى به بينهما
__________
(1) في الأصل: بالوصية.
(2) في الأصل: فيما نبقي ونثبث، و (س): فيما نبغي ونثبت.
(3) في الأصل: يثبت.
(4) (س): أن الأقرب إلى قرب الدرجة يشير.
(5) (س): بالجهة.
(6) في الأصل: مما.
(7) (س): مقدار.

(11/303)


بالسوية، والابن والأب في قياس الطرق مستويان، وذكر العراقيون وجهين: أحدهما - ما ذكرناه، وهو الذي صححوه.
والثاني - أن الابن أولى، وهذا على بعده قد يتجه [فيه] (1) كلام له غوصٌ في الفقه؛ فإن الوصية إذا وقعت لأقرب الناس بفلان، فقد يعتقد أن لفظ القرب في الولد أحرى منه في الأب، فإن ولد الرجل قريب منه، [وقد لا ينساغ] (2) هذا في [الأب] (3) انسياغه في الولد؛ فإن الولد قريبٌ من والده، وولده قريب منه، فهذا تخيل يؤول إلى معنى اللفظ، لا اتجاه [له] (4) على بعدٍ، والأصح التسوية؛ فإن القرب من أسماء الإضافة، وما قرب من شيء، قرب ذلك الشيء منه، وإنما يختلف [النسب] (5) والأسماء، فالولد قريب من أبيه؛ من جهة كونه بعضه، والأب قريب من الولد من جهة كونه أصله، فلا وجه إلا التسوية (6).
ولا يخفى أنه إذا اجتمع أولاد الدِّنْية (7) والأحفاد، فالأقربون أولادُ الدِّنْية، وهكذا البطون إذا اجتمعوا والوصية للأدنَيْن (8): أولاد الدِّنية.
ولو كان في الدرجة الأولى من الأحفاد [أولادُ] (9) البنات [وكان أسفل بنو بني
__________
(1) في الأصل: منه.
(2) في الأصل: وقولاً ينساغ.
(3) في الأصل: "الولد".
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: للتسبب.
(6) خالف النووي في ذلك، فقال: الأصح تقديم الابن. (ر. الروضة: 175) وكذا الرافعي، إذ قال: إنه الأظهر: (ر. العزيز: 7/ 101).
(7) الدِّنية: بالدال المهملة مشدّدة مكسورة = الأقرب من قولهم: هو ابن عمي، أو ابن خالي، أو ابن عمتي أو خالتي دِنيةً، دِنياً، بالتنوين، ودُنيا ودِنيا بغير تنوين أي: لحّاً، بلام وحاء مهملة مشددة، أي لصيق القرابة من: لحت القرابة بيننا تَلِح لحاً: دنت ولصقت (ر. القاموس: د، ن، ي، والمعجم: ل. ح. ح).
(8) (س): والوصية لأدنى، ولو كان في الدرجة الأولى ...
(9) في الأصل: وأولاد (بالواو).

(11/304)


البنين، فالوصية لأولاد البنات] (1)؛ فإنهم الأقربون، ولا نظر إلى الميراث، ولا فرق بين الذكور، والإناث.
قال شيخي: لو اجتمع أسباطٌ متسفلون، وإخوة [فالأسباط] (2) مقدمون في الاستحقاق، وإن بعدت درجتهم؛ لأنهم ينتمون بالتعصبة؛ فقرابتهم أقوى وإن بعدوا، ولسنا نعلل [هذا] (3) من طريق المعنى، ولكنا نرعى أن هؤلاء وإن بعدوا، فهم المفهومون من الأقربين إذا اجتمعوا مع الإخوة، وهذا متجةٌ ظاهر.
وإذا اجتمع الأخ من الأب والأم والأخ من الأب، فالأخ من الأب والأم أولى؛ لأنه جمع القرابة من الجهتين، وهو مقدم أيضاً على الأخ من الأم لما ذكرناه.
ثم الأخت من الأب والأم مقدمة على الإخوة [من الأب] (4) لما ذكرناه من اجتماع القرابتين، فلا التفات إلى الذكورة والأنوثة ومسالك التوريث.
وابن الأخ وبنت الأخ بمثابةٍ واحدة في الاستحقاق، وإن اختص بالإرث ابنُ الاخ.
والأخ من الأب مع الأخ من الأم مستويان، وكل واحد منهما على قرابة واحدة.
فالضابط في هذا الفن استعمال الدرجة والقوة.
وابن الأخ من الأب يتقدم (5) على ابن ابن الأخ من الأب والأم؛ لأن قرب الدرجة في هذا المقام أولى بالاندراج تحت الأقرب من الاختصاص بمزية (6) قرب مع البعد في الدرجة.
7555 - وذكر الصيدلاني وغيره من أئمة المذهب قولين في الجد والأخ من الأب
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل، وأثبتناه من (س).
(2) في الأصل: بالأسباط.
(3) في الأصل: بهذا.
(4) زيادة من (س).
(5) (س): مقدم على ابن الأخ من الأب والأم، فإن قرب.
(6) عبارة (س): من الاختصاص ثم الأقرب مع البعد.

(11/305)


والأم أو من الأب: أحد القولين - أن الأخ مقدم على الجد؛ لأن [إدلاءه] (1) بالابن وإدلاء الجد بالأب، وإدلاؤه بالبنوة، والإدلاء من جهة البنوة أقوى.
والقول الثاني - أنهما سواء (2)، وقد ذكرنا إجراء هذين القولين في عصبات الولاء.
وينشأ من هذا إشكال يحيك في صدر الفقيه، وذلك أن سبب اختلاف القول في الولاء أن التعويل في التوريث بالولاء على قوة العصوبة، والبنوةُ أجلب للعصوبة من الأبوة، ولمَّا رأينا في التوريث بالقرابة التسويةَ بين الجد والأخ، ولم نردّد القولَ، كان السبب فيه أن التوريث بالقرابة لا يقتصر على طريق العصوبة.
[فهذا] (3) نظر كلي في التوريث بالقرابة والولاء. ومن [لا] (4) يُجري القولين في الجد والأخ يقول: في الجد وابن الأخ قولان: أحدهما - أن الجد أولى، ويسقط ابن الأخ.
والثاني - أن ابن الأخ أولى لقوة قرابته، ولا [مزيد] (5) في الضعف على هذا (6)؛ فإن تقديم ابن الأخ وإن تسفل في الوصية للأقرب [في] (7) نهاية السقوط، وإنما اتجه هذا في الولاء لاتباع العصوبة، [فأما] (8) صرف الوصية إلى الأقرب، فمأخذه موجب اللفظ، [وقد] (9) ذكرنا أن هذه المسألة لفظية، ثم أوضحنا أن من كان على عمود النسب أصلاً وفصلاً، فهو في حكم العرف وفهمِ الخطاب أولى باسم الأقرب، ثم
__________
(1) في الأصل: "الإدلاء". ثم العبارة -مع هذا- فيها شيء؛ فالجد والأخ كلاهما يدلي (بالأب) ولكن الفرق أن الأخ ابنُ الأب، والجد أبوه، فليس فيهما من يدلي بالابن.
(2) اختار النووي الأول، ووصفه بالأظهر. (ر. الروضة: 6/ 175).
(3) في الأصل: بهذا.
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: يزيد.
(6) المذهب تقديم الجد على ابن الأخ، قاله النووي (الروضة: 6/ 175).
(7) في الأصل: من.
(8) في الأصل: فإنا.
(9) في الأصل: فقد.

(11/306)


حكينا عن شيخنا أن الأحفاد وإن سفلوا مقدمون على الأخ القريب.
ومَنْ ضبط ما قدمناه وأحاط بما [نبهنا] (1) عليه الآن، لم ينقدح له وجه من الرأي إلا تقديم الجد على الأخ؛ فإن تَحَامَل، يسوي بينهما، أما تقديم الأخ، فبعيدٌ عن مأخذ الكلام في المسألة، ولست أذكر مثل هذا لأغيّر (2) المذهب؛ فإن التعويل على النقل فيه، ولكن لا بد من تنبيه.
ولا شك في تقديم بني الإخوة على الأعمام، وإن بعدوا، وكذلك يقدّمون على [بني] (3) الأعمام، والسبب فيه تعلقهم بقوة قرابة الأخوّة، فهذه قوةٌ مقدمة على قرب الدرجة، وليس كقوة ابن ابن الأخ من الأب والأم مع قرب ابن الأخ من الأب؛ فإن القرب مقدم على هذا [القدر من] (4) القوة؛ فإن الأخوّة جامعة، وقرب الدرجة أجلب لاقتضاء اسم الأقرب من الاختصاص بأخوّة مع البعد في الدرجة.
ولم يختلفوا أن الجد مقدم على الأخ من الأم، وقالوا: في أب الأم وأخ الأم قولان؛ فإن أبا (5) الأم أصلٌ، وأخ الأم يدلي إلى الأم بالبنوة، ولا نظر إلى الميراث.
قال الصيدلاني: أبو الأم بمثابة أبي الأب، وأخو الأم بمثابة الأخ من الأب فيجري قولان: أحدهما - أن الأخ من الأم مقدم. والثاني - أنهما سواء، وهذا [خبط] (6) لا ينساغ للفقيه.
فإن قيل: إخوة متفرقون وأخوات مفترقات؟ قلنا: الوصية لأولاد الأب والأم من الذكور والإناث بالسوية.
__________
(1) في الأصل: بنينا.
(2) (س): إلا عن المذهب.
(3) زيادة من (س).
(4) في الأصل: القرب في القوة.
(5) هكذا يزاوج بين الاستعمالين للأسماء الخمسة في مسألة واحدة، بل سطرٍ واحد.
(6) في الأصل: حط.

(11/307)


فإن قيل: بنو إخوة مفترقون وبنات إخوة مفترقات؟ قلنا: الوصية لبني الإخوة وبنات الإخوة من الأب والأم بالسوية.
7556 - والأعمام والعمات يشتركون في الاستحقاق، وإن اختلفوا في الإرث، ويجب القضاء بالتسوية بين الأخوال والأعمام للاستواء في الدرجة، وقرابة الأم كقرابة الأب.
فهذا بيان معنى الأقرب، مهّدنا أصوله، ثم هذبنا الأصول بالصور، ونصصنا على محل الإشكال، وهو الجدّ والإخوة، فلم يبق مالا يخرج على الأصول التي ذكرناها.
7557 - ثم يتشعب من هذه الأصول مسائل ذكرها العراقيون وغيرهم من أئمة المذهب منها: أنه إذا أوصى لأقرب الناس به رحماً، [فإذا كان] (1) أقرب الناس به وارثاً، ورددنا الوصية للوارث، قالوا: فالوصية تبطل في هذه الصورة؛ فإن الأقربين خرجوا عن استحقاق الوصية، وامتنع تصيير الوصية إلى الأبعدين لمكانهم، وهذا قياس الطرق.
ومما ذكروه أنه إذا أوصى لجماعة من الأقربين [لزيد] (2)، وذكر في هذا لفظاً يقتضي الجمعَ، فلو كان لزيد ثلاثة من البنين، وجمعٌ من بني البنين، فلا شك أن الوصية مصروفة إلى البنين [دون بنيهم] (3).
قالوا: فلو كان له ابن واحد وابنا ابن، فللابن الثلث والباقي لابني الابن.
وكذلك لو كانوا ثلاثة (4)، فللابن الثلث والباقي بينهم، يعني بين البنين.
وزعموا أن ضبط المذهب في ذلك أنا [إن] (5) وجدنا من الأقربين ثلاثة، صرفنا
__________
(1) في الأصل: قال: إذا كان ...
(2) في الأصل: من الأقربين بزيد، و (س): وزيد.
(3) في الأصل: دون بني بنيهم.
(4) أي أبناء الابن.
(5) زيادة من (س).

(11/308)


الكلَّ إليهم، وإن لم نجد منهم ثلاثة، فنصرف إلى من وجدنا ما يخصه لو كانوا ثلاثة، فإن كان واحداً، فالثلث، ثم نصرف الباقي إلى الذين في الدرجة الثانية.
وليس ذلك كما لو أوصى الرجل لأقرب الناس به رحماً، فإنا نبطل الوصية للورثة إذا كانوا هم الأقربين، ولا نقول: إذا لم نجعلهم مستحقين نرتفع إلى غيرهم، وذلك أنهم وجدوا ولم (1) يستحقوا، فهو كما لو ردّوا الوصية فبطلت الوصية بردهم، وليس كذلك إذا ذكر لفظ الجمع، ثم لم نجد من الأقربين إلا واحداً أو اثنين، وهذا ذكره على هذا الوجه صاحب التقريب موافقةً للعراقيين حرفاً حرفاً، والكلام في هذا المقام لطيفٌ جداً.
فإذا قال: أوصيت لأقرب الناس لي، فكان أقرب الناس به وارثاً محجوباً عن الوصية، فوجوده يحجب من بعُد، وإذا ذكر لفظ الجمع، ثم لم يوجد في الدرجة الأولى جمع، فكيف يثبت الحجب، ولم يتحقق جمع؟ ثم إذا لم يثبت الحجب (2) دخل في الاستحقاق من بَعُد، ولكن لمن قرب اختصاصٌ، فاستحق الثلث، فهذا جواب متركب من قواعد حسنة ينجح بمثلها الفقيه.
7558 - وتمام هذا الفصل في مسائل نذكرها للشافعي وللأصحاب تتعلق برعاية الجمع، قال الشافعي رضي الله عنه: إذا أوصى لقرابة فلان أو لأقربائه، فسواء كان له قريب واحد أو اثنان أو ثلاثة، فالوصية لهم، والأقرباء صيغة جمع إن كان في القرابة نظر (3).
ووجه ما ذكره الشافعي رضي الله عنه أن لفظ الجمع في هذا المقام لا [يعني الجمع] (4)، وإنما الغرض الصرف إلى جهة القرابة، فإن جرت لفظة الجمع، فالغرض أن يستوعب قرابة ذلك الرجل، ثم يذكر الذاكر الجمع وهو يبغي
__________
(1) (س): وإن لم يستحقوا، كما لو ردّوا الوصية بردهم.
(2) (س): الجمع.
(3) كذا في النسختين.
(4) في الأصل: يعين للجميع.

(11/309)


[الجهة] (1) والصنف، وقد يحمله على ذكر الجمع استيعاب جمعٍ إن كانوا، وليس من غرضه قصرُ الوصية إذا لم يبلغوا جمعاً.
وذهب بعض أصحابنا إلى أنه إذا ذكر لفظ الأقرباء، فلم يكن [له] (2) إلا قريب واحد، فليس له إلا ثلث الوصية، وهذا يتيسر توجيهه. وما ذكره الشافعي أفقه وأليق بمعنى الكلام.
فإن أوصى لذي قرابته وله قريب واحد، فلا خلاف أن الوصية مصروفةٌ إليه بكمالها. والذي أطلقه الأصحاب أن الوصية للقرابة لا تتضمن جمعاً؛ فإن القرابة ليست من أبنية الجمع، وإذا قيل: قرابة فلان، فمعناه ذو قرابته. وإذا قال: أوصيت لذوي قرابة فلان، وقريبُه واحد، فهل يكون له جميع الوصية؟ فهذا لفظ مشعر [بالجمْع] (3) وهو بمثابة قوله: أوصيت لأقرباء فلان؟ ظاهر النص أن الوصية مصروفة إلى قريب واحد إذا لم يكن غيره.
ومن أصحابنا من قال: لا تصرف جميع الوصية إلى ذلك الواحد، ثم هؤلاء يفضّون الوصية (4) على تقدير جمع، وأقل الجمع في هذه المسائل ثلاثة.
وإذا تبين ما ذكرناه، فلو أوصى للأقربين، كان كما لو أوصى للأقارب في أنه هل يُحمل هذا على اقتضاء الجمع لا محالة، أو تصرف الوصية بكمالها إلى واحد إن لم نجد من الأقربين غيره؟
وقد ذكرنا مسألةً في الأقربين، وفرضنا ابناً، وأحفاداً، وتلك المسألة تخرّج على وجوب رعاية الجمع. فإن فرعت على النص وأردت تخريج تلك المسألة، [فنصوّر] (5) في صيغة الوصية تقييداً بلفظةٍ تقتضي جمعاً لا محالة، مثل أن يقول:
__________
(1) في الأصل: الجمعة.
(2) في الأصل: لهم، و (س): فلم يكن له قريب واحد.
(3) في الأصل: الجميع.
(4) (س): يفضون على تقدير جمع.
(5) في الأصل: سنصور.

(11/310)


أوصيت لجماعة من [أقرباء] (1) فلان، ثم تتفرع تلك المسألة، وتنساق على حسب ما قدمناه.
7559 - وقد نجز القول في الوصية للقرابة والأقربين، ونحن نذكر ألفاظاً نفرض إجراءها في الوصايا، ونذكر معانيها. فقد كثر اختباط الفقهاء فيها، وقد نذكر في بعضها مذاهب بعض السلف، لأغراضٍ لنا صحيحة.
فإذا قال: أوصيت لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أن آل رسول الله كل من يحرم عليهم الصدقة، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، واعتمد الشافعي في هذا هذا الأصلَ، وهو تحريم الصدقة؛ فإنهم أقيموا في هذه القاعدة مقام رسول الله عليه السلام، وهذا حسن.
وقال مالك: آل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وقيل: آل رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمّتُه. وهذه اللفظة فيها استبهام، واشتقاق اللفظ -إن لم يُقدّر فيه قلبٌ [وإبدال- من قولك] (2) آل يؤول، فكل من آل إليك أمره فهو من آلك، وقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] أراد به الذين ضلّوا بسببه، وآل ضلالُهم إليه.
ومن الناس من يقول أصل الآل الأهل، فأبدلت الهاء همزة، فصار أَأْلاً، ثم استثقلوا اجتماع الهمزتين فأبدلوا الثانية ألفاً، فصار آلاً، واللفظة على [حالٍ] (3) فيها [تردد] (4).
ثم الشافعي رضي الله عنه قطع جوابه في آل الرسول صلى الله عليه وسلم للأصل الذي وجده فيهم من تحريم الصدقة، [ونزّل] (5) ذلك منزلة القرينة المشاعة في العرف، ورأى تقييد هذا اللفظ المتردّد بها.
__________
(1) في الأصل: أقرب.
(2) في الأصل: وإبداله من قبلك.
(3) في الأصل: حالها.
(4) في الأصل: يتردد.
(5) في الأصل: وينزل ذلك.

(11/311)


فلو أوصى رجل لآل زيد وعمرو، ولم نتبين معنى لفظه، فمن أصحابنا من أبطل الوصية، لاستبهام اللفظ وتردده بين القرابة، وأهل الدِّين، وأصحاب الموالاة، وغيرها من الجهات.
ومن أصحابنا من صحح الوصية؛ فإن الاحتكام بإبطال الوصية لا معنى له.
وهذه المسألة قطبٌ يقاس به كل وصية تشتمل على لفظ مجمل متردد بين جهات من الاحتمالات يعسر [جمعُها] (1)، ويعسر الاحتكام بتعيين بعضها، ثم من صحح الوصية اختلفوا: فمنهم من قال: الوصية للآل كالوصية للقرابة، ومنهم من قال: نصحح الوصية [ونفوضها] (2) إلى اجتهاد الحاكم، ثم سبيل الحاكم أن يرعى الأصلح في جهات الاحتمال، فإن أدى اجتهاده في معنى اللفظ إلى جهة، اتبع رأيه فيها، ولو كان [نصب] (3) وصياً، فقد قال هؤلاء نتبع رأي الوصي أيضاً، وهذا فيه نظر؛ لأنه ليس مسلّطاً على أن يفعل ما يشاء، وليس مجتهداً يرجع إلى اجتهاده، فينتظم مع الوصي وجهان: أحدهما - أن الرجوع إلى رأي الحاكم. والثاني - أنه يجوز الرجوع إلى رأي الوصي.
7560 - فلو أوصى لأهل بيت رجل، فقد اختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فذهب بعضهم إلى أن الوصية لأهل البيت كالوصية للآل، ومنهم من زاد على معنى الآل الزوجة؛ فإنها أصلٌ في معنى لفظ أهل البيت.
ولو أوصى لأهل رجل، ولم يقل: أوصيت لأهل بيته، فقد قال [بعض] (4) الأصحاب: هذه الوصية تختص بالزوجة، وقال بعض أصحابنا: تعم كلَّ من يلزمه نفقته، والوجه الأول مذهب أبي حنيفة (5)، والوجه الثاني مذهب أبي يوسف ومحمد.
__________
(1) في الأصل: جميعها.
(2) في الأصل: ونفرضها.
(3) في الأصل: نصبه.
(4) زيادة من (س).
(5) ر. البدائع: 7/ 350، الاختيار: 5/ 77.

(11/312)


ولو أوصى لأهل امرأة، فهذا يخرّج على الخلاف المقدم، فمن قال: الأهل معناه الزوجة، فالوصية باطلة، ومن حمل الأهلَ على من تلزم نفقته، صَرَفَ الوصيةَ إلى من يلزمها نفقتهم.
7561 - ولو أوصى لأختانه، فقد قال أبو حنيفة (1): يدخل فيها زوج كل ذات رحم محرم [منه] (2) ويدخل أيضاً كلُّ ذي رحم محرم من ذلك الزوج.
وقال أصحاب الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: الوصية للختن وصيةٌ لزوج البنت، واختلفوا في أزواج الأخوات ولم يتعدَّوا هذا [الحدّ] (3)، وقطعوا القول بأنه لا يدخل أزواج العمات والخالات وغيرهم من المحارم. والأصحُّ التخصيص بأزواج البنات.
ثم سنذكر خلافاً في أن الأحفاد في الوصية للأولاد هل يدخلون تحت اسم الأولاد، فمن أدخلهم تحت الوصية للأولاد، أدخل أزواج الإناث من الأحفاد تحت الوصية للأَخْتان، فلو أوصى للأَخْتان، وكانوا قد طَلَّقوا البنات طلاقاً [يقطع] (4) الزوجية، وصادفنا البناتِ غيرَ ذواتِ أزواج يوم موت الموصي، فلا وصية للذين كانوا أزواجاً، فإنهم لم يكونوا أختاناً عند الموت، وقد يتجه [فيه] (5) قول [أنّا] (6) نعتبر حالة الإيصاء، وهذا يخرّج على أنا إذا ردَدْنا الإقرار للوارث، فيعبتر كونه وارثاً يوم الإقرار، أو يُعتبر ذلك يوم الموت؟
وكان شيخي أبو محمد يقول: هذا التردّد في الاقرار للوارث على قول ردّ الإقرار، فإنا [قد نعلّل] (7) ردَّ الإقرار بالتهمة، فأما الوصايا [فالاعتبار] (8) فيها بحالة
__________
(1) البدائع: 7/ 350، الاختيار: 5/ 77.
(2) في الأصل: فيه.
(3) في النسختين، الحدود.
(4) في الأصل: فقطع.
(5) في الأصل: منه.
(6) في الأصل: أنما.
(7) في الأصل: فإنا به إبطال.
(8) في الأصل: فلا اعتبار.

(11/313)


موت الموصي؛ فإنها ليست مبنية على [التهمة، ومقرّ] (1) الوصايا يوم الموت، فعلى هذا لو أوصى لأَختان بناته، وما كن مزوّجات، ثم تزوجن، وكن في حِبالة (2) أزواجهن يوم موت الموصي؛ فالوصية مصروفة إلى أزواجهن، ولو كن متزوجات يوم الموت فقبل الأزواج الوصية، ثم أبانوا البنات، فالوصية قد استقرّت لهم، ولو طلقوا ثم قبلوا، فإن وقع التفريع على أن الملك بالموت أو هو موقوف فالوصية تثبت لهم، وإن قبلوها بعد البينونة، فإن حكمنا [بأن الملك يحصل في الوصية بالقبول، ففي المسألة وجهان: أحدهما -] (3) أن الوصية تبطل إذا تقدمت البينونة على القبول؛ فإن التعويل [في] (4) هذا القول على القبول، وما كانوا أزواجاً يومئذ.
والوجه الثاني - أن الوصية تثبت؛ فإن القبول إن (5) استعقب الملك، فالاعتبار في صفة الموصى له بيوم الموت، والمسألة محتملة.
ولو تزوجن بعد موت الموصي، فهذا فيه تردّد أيضاً، مأخوذ مما ذكرناه، فإن اعتبرنا يوم الموت أو فرّعنا على الوقف، لم نصرف الوصية إليهم، وإن فرعنا على قول القبول، ففيه تردد مأخوذٌ ممّا قدمناه في تقديم البينونة على القبول، وإن طلق الزوج طلاقاً رجعياً، فهو زوج [ووجهه بيّن] (6).
7562 - ولو أوصى [لأصهاره] (7) فقد قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: الوصية للأصهار وصيةٌ لأبوي المرأة، فإن أوصى لأصهار نفسه، دخل تحت الوصية أبو زوجته وأمها، وإن كانت له زوجات، دخل تحت الوصية آباء الزوجات وأمهاتهن
__________
(1) في الأصل: التهم، وتقر الوصايا.
(2) الحِبالة -بكسر الحاء- شبكة الصائد، واستعملت هنا مجازاً بمعنى رباط الزوجية.
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(4) في الأصل: على.
(5) (س): قد استعقب الملك.
(6) في الأصل: ووجهين (تداخلت الكلمتان).
(7) في الأصل: لأمه إن.

(11/314)


فحسب، ولم يدخل تحتها أبوا امرأة ابنه (1 ولا أبو امرأة أبيه 1). وإذا خرج هؤلاء، فما الظن بسائر القرابات؟
والوصية للأحماء كالوصية للأصهار.
ثم إذا جعلنا الوصيةَ للأصهار وصيةً لأبوي الزوجة، ففي أجدادها وجداتها تردد بين الأصحاب سيأتي له نظائر، إن شاء الله عز وجل.
7563 - ولو أوصى لأمهاتٍ [رجل، فالجداتُ] (2) من قبل الأم يدخلن لا محالة؛ فإنه لما ذكر الأمهات على صيغة الجمع، عرفنا أنه لم يُردْ قصرَ الوصية على الوالدة، وفي دخول الجدات من قبل الأب تردُّدٌ، والأظهر أنهن لا يدخلن.
وإن أوصى لآبائه، دخل تحت ذلك الأجداد من قبل الأب، وهل يدخل الأجداد من قبل الأم؛ فعلى اختلافٍ وتردُّدٍ بين الأصحاب.
ولو أوصى لأجداده، دخل الأجداد من الجهتين بلا خلاف.
وكذلك إذا أوصى لجدّاته دخلت الجدات من الجهتين بلا خلاف، الوارثات منهن والساقطات عن الإرث بمثابةٍ في استحقاق الوصية.
7564 - ولو أوصى [لبني] (3) فلان، نُظر: فإن كانوا محصورين، وقد عزاهم إلى أب معلوم، وكان له بنون وبنات، فظاهر المذهب أنه يختص بالوصية الذكورُ من أولاده.
ومن أصحابنا من قال: يدخل جميع أولاده الذكور منهم والإناث، وهذا بعيدٌ، لا اعتبار به.
ولو أوصى لبني فلان، وذكر [قبيلة، مثل أن يوصي] (4) لبني شافع، فقد اتفق
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (س).
(2) في الأصل: دخل بالجدات.
(3) في الأصل: لشيء.
(4) في الأصل: وذكر قبله إن وصى لبني شافع.

(11/315)


الأصحاب على أن اللفظ لا يخصص بالذكور؛ فإن القبائل يعبر عنها على هذا الوجه، ولكن يتعرض للتفصيل إمكانُ حصرهم، فإن كان الحصر ممكناً، فالوصية صحيحة، وإن لم يكن الحصر ممكناً، ففي المسألة القولان المذكوران في الوصية للعلوية ومن في معناهم.
7565 - ولو أوصى لأولاد رجل، يتناول الذكور والإناث، وهل يختص بأولاد الدِّنية (1)، أو يتناول الأحفاد؟ فيها خلاف مشهور، وظاهر النص أنه يختص بأولاد الصلب، فإن جعلنا اللفظ شاملاً لأولاد الصلب والأحفاد، فلا كلام، وإن خصصنا الوصية بأولاد الصلب عند وجودهم، فلو قال: أوصيت لأولاد فلان، ولم يكن له أولاد صلب إذْ ذاك وكان له أولاد أولاد، ففي المسألة خلاف.
ثم إن قلنا: إنهم يدخلون، فيدخل أولاد بنيه، وهل يدخل أولاد بناته على هذا الوجه؟ وجهان، وسبب التردّد أن انتساب أولاد بنيه إليه بوسائط [البنين] (2)، وانتساب أولاد بناته إلى أزواجهن، وهذا معنى قول القائل:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد (3)
وإن أوصى لإخوة فلان، فقد قال أبو حنيفة (4) والشافعي: إن كانوا ذكوراً استحقوا الوصية وإن كن إناثاً، لم تصرف الوصية إليهن، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً إخوة وأخوات، فمذهب أبي حنيفة وظاهر نص الشافعي أنه يختص بالوصية الإخوة دون الأخوات، وقال أبو يوسف ومحمد: هو لجميعهن.
__________
(1) (س): الذرية.
(2) في النسختين: "البنت".
(3) البيت من شواهد ابن عقيل (الشاهد رقم 51) قال محيي الدين عبد الحميد: "نسب جماعة هذا البيت للفرزدق، وقال قوم: لا يُعلم قائله مع شهرته في كتب النحاة وأهل المعاني والفرضيين". (شرح ابن عقيل: 1/ 233).
(4) ر. البدائع: 7/ 345، الاختيار: 5/ 81، 82.

(11/316)


7566 - ولو أوصى لمولاه، فاسم المولى يتناول المعتِق، وهو المولى (1 الأعلى، وقد يتناول المعتَق، وهو المولى 1) الأسفل، قال مالك (2): الوصية للمولى مصروفة إلى الأسفل. وقال أبو حنيفة (3): إن لم يبين، فالوصية باطلة، وقال أبو ثور: يقرع بين الأعلى والأسفل، وحكى البويطي عن الشافعي قولين: أحدهما - أنه يوقف بينهم حتى يصطلحوا.
والثاني - أنه يقسم بين الأعلى والأسفل.
وهذا إذا وُجد الموليان، فإن كان لا يوجد إلا أحدهما، صرفت الوصية إلى ذلك الصنف، فإن اقتضى الحال صَرْفَ الوصية إلى المعتَقين، فكل من يثبت له الولاء عليه داخلٌ تحت الاستحقاق سواء كان متبرعاً بالعتق، أو مؤدياً فرضاً، كالذي يعتق عن كفارة أو وفاء [نذر] (4)، وهل يدخل تحت الوصية أمهات الأولاد والمدبّرون الذين يعتِقون عند الموت؟ اختلف أصحاب الشافعي [في ذلك] (5) فمنهم من قال: لا يدخل هؤلاء، وبه قال محمد بن الحسن، وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف.
ومنهم من قال: يدخلون، وهو الرواية الثانية عن أبي يوسف، وليس ذلك بعيداً عن القياس، ومولى الموالاة والمحالفة ليس من الموالي عند الشافعي رضي الله عنه.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (س).
(2) ر. المدونة: 6/ 74، حاشية الدسوقي: 4/ 433.
(3) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 57 مسألة 2191، البدائع: 7/ 342.
(4) في الأصل: يقدر.
(5) زيادة من (س).

(11/317)


فصل
7567 - إذا أوصى لجيرانه، فقد قال الزهري (1): حدُّ الجوار أربعون داراً من كل ناحية، وهذا هو الذي ذكره العراقيون مذهباً لنا، ولم يعرفوا غيره، واستدلوا فيه بمذهب عائشة رضي الله عنها، والظن بها أنها لا تحتكم بذلك إلا [عن] (2) ثبت عندها (3).
وللعلماء في ذلك مذاهب مختلفة، والظاهر من مذهب أصحاب الشافعي أن الجار هو الملاصق من الجوانب لا غير، وهذا مذهب أبي حنيفة (4)، وهو القياس؛ لأن الجار من المجاورة، ومعناها الظاهر الملاصقة، فإن حُملت على مزيدٍ، فلا منتهى له يوقف عنده، فيجب الاقتصار على القدر المعلوم.
واختلف أصحابنا في الذين يجمعهم زقاق غير نافذ، فهل نجعلهم جميعاً جيرانا؟ فيه اختلاف، ومحل الخلاف في الذين لا يلاصقون.
وكذلك اختلف الأصحاب في الجار المحاذي وإن كانت السكة نافذة، وسبب الاختلاف أنه يسمى في العرف جاراً، وقد يقال: في تقسيم الجيران: جار ملاصق، وجار مقابل.
ثم من [رأى] (5) إدخال الجار المحاذي، فلا يشترط الحذاء المحقق على معنى
__________
(1) الزهري: سبق له ذكرٌ في الطهارة، وفى الفرائض.
(2) في الأصل: بمن.
(3) قال النووي عن الصرف إلى أربعين داراً: هذا هو الصحيح المعروف للأصحاب، والثبت الذي يشار إليه عند عائشة رضي الله عنها: "أربعون داراً جار". وفي رواية: "أوصاني جبريل بالجار إلى أربعين داراً" رواه البيهقى: 6/ 276، وقال: كلاهما ضعيف، وإنما يعرف عن طريق الزهري مرسلاً ا. هـ رواه أبو داود في المراسيل بسند رجاله ثقات ر. التلخيص: 3/ 201 ح 1427.
(4) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 50 مسألة 2185، الاختيار: 5/ 77.
(5) في الأصل: رأس.

(11/318)


المسامتة، ولكن لو زال عن الحذاء قليلاً، فهو كالمحاذي، والضبط في هذا الفن أن يكون داره من دار الموصي بحيث يتوقع منها ضرار الاطلاع، وفي مثل ذلك نذكر ضرار الجار ونقيضه، وهذا نبينه على تفصيلٍ في اتساع الطريق وضيقها؛ فإن الشارع إذا اتسع، فلا يكون المحاذي من الجانب الآخر جاراً.
وإذا ضممنا إلى ما ذكرنا ما ذكره العراقيون ورأوه مذهباً، انتظم منه أوجهٌ، لا يخفى تعدادها، فهذا اقصى الإمكان في ضبط معاني هذه الألفاظ المشكلة.
وإنما ذكرنا في بعضها مذاهب العلماء إشعاراً بإشكالها؛ حتى يأخذ الفقيه في نظره فيها حِذْرَه، ويتثبت في الفتوى جهده، فقد بلغنا في بعض مسموعاتنا أن المسألة الجلية كانت تُعرض في جمع من علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتفادَوْن (1) في الجواب، ويحيل البعض على البعض، فربما يخرج السائل ولا جواب معه.
7568 - ومما يتعلق بالألفاظ المذكورة في الوصايا أنه إذا أضاف الوصيةَ إلى صنفٍ من أصناف الزكاة، فسيأتي بيان أوصافهم في قَسْم الصدقات.
والقدر الذي نذكره هاهنا أن الفقراء يتميزون عن المساكين، والفقير أشد حالاً من المسكين، فإن وقعت الوصية للفقراء والمساكين جميعاً، فرَّقنا بينهما بما سنذكره في الصدقات، وإن أوصى للفقراء، فهذا الاسم في الانفراد [يصلح] (2) للفقراء والمساكين جميعاً، لم يختلف علماؤنا فيه، وكذلك إذا أوصى للمساكين، فهو يتناول الفقراء وأهل المسكنة، وكأن اللفظين لا يستقل واحد منهما بمزيّة حتى يجتمعا، [فنتحقق] (3) عند اجتماعهما فرقاً.
__________
(1) (س): يتدافعون.
(2) في الأصل: أصلح، و (س): لا يصلح. والمثبت تقدير منا على ضوء الآتي من عبارة الإمام.
(3) في الأصل: مسحر (هكذا بدون نقط) وفي (س): يتنجز، والمثبت تقدير منا.

(11/319)


فصل
7569 - إذا أوصى لأرامل بني فلان فقد قال الشعبي (1): هذا يقع على الرجال والنساء، وبه قال إسحاق بن راهويه (2) واستدلوا بقول [جرير] (3):
هذي الأرامل قد قضيت حاجتَها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
وقال الشافعي رضي الله عنه: الأرامل هن اللواتي مات عنهن أزواجهن، أو بِنَّ عنهم بسبب من الأسباب.
ثم اختلف أصحابنا في أنا هل نشترط مع ذلك فقرهن ليدخلن تحت الوصية للأرامل؟ وظاهر النص يشير إلى اشتراط الحاجة والخِلة، ثم إن كن محصورات، صحت الوصية، وإن لم يكنّ محصورات، صحت الوصية أيضاً، ويحمل على أقل الجمع.
وليست الوصية لهن كالوصية للعلوية؛ فإن ما وصفن به لا يلزمهن أيضاً [كما لا] (4) يلزم الفقر والمسكنة.
ولو أوصى لأيامى بني فلان، كانت الوصية مصروفة إلى غير ذوات الأزواج، والفرق بين الأيامى والأرامل أن الأرملة هي التي [كان] (5) لها زوج، والأيم هي التي ليست ذاتَ زوج في الحال، ولا فرق بين أن يتقدم لها زوج أوْ لا تكون نكحت قط، ثم لا فرق عندنا بين الأبكار والثُّيب (6)، فاسم الأيامى يشملهن، وفي اشتراط الفقر،
__________
(1) الشعبي: سبق له ذكر في الفرائض.
(2) إسحاق بن راهويه: سبق في الفرائض.
(3) في النسختين: الفرزدق، والتصويب من اللسان، والأساس. وقال في الأساس: ولا يقال شيخ أرمل إلا أن يشاء شاعر تمليح كلامه، ثم ساق البيت شاهداً.
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: هي التي لأن لها زوج. وهذا يؤكد ما قلناه في وصف النسخة.
(6) الثُّيب: بضم المثلثة مشدّدة، وبفتح المثناة التحتية المشددة. قال في المصباح: إنه من كلام المولَّدين وليس بمسموع.

(11/320)


والوصيةُ للأيامى تردّد كما ذكرنا في الأرامل؛ فإن كلّ واحد من اللفظين يشعر بعدم الكافل، وذلك يشير إلى الحاجة.
ولو أوصى لكل ثيب من بني بكر، فالذي ذهب إليه أكثر أصحابنا أن الوصية للنساء دون الرجال، وهو مذهب أبي حنيفة (1).
ومن أصحابنا من قال: يدخل الرجال الذين جامعوا تحت اسم الثيب.
وكذلك لو أوصى لكل بِكرٍ من بني فلان، ففي المسألة وجهان في دخول الرجال.
وإنما صار إلى الوجه الضعيف من صار إليه لقول رسول الله عليه السلام: "البكر بالبكر جلد مائةٍ وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائةٍ والرجم" (2).
7570 - ومن الألفاظ التي تستعمل في الوصايا الغلمان، والشيوخ، والكهول، والأطفال، والصبيان، والفتيان، قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد (3): الغلام من لم يحتلم ولم يبلغ خمس عشرة سنة، وكذلك القول في الطفل والصبي، وكذلك الذراري.
وفي طريق العراقيين ما يدل على أنا لا نشترط في الذراري الصِّغر، وهم النسل والأولاد كيف كانوا، ومن خالف في أن اسم الولد هل يتناول الحافد، ذهبوا إلى [أن] (4) الذرية يتناول الأولاد والأحفاد، فقال أبو يوسف: يكون الإنسان بعد البلوغ فتًى إلى ثلاثين سنة، ثم كهلاً إلى خمسين سنة، ثم يكون بعدها شيخاً إلى آخر عمره.
وقال محمد بن الحسن: هو بعد البلوغ فتى إلى أربعين سنة، ويسمى شاباً في هذه المدة، ثم يكون كهلاً إلى خمسين، ثم شيخاً إلى آخر عمره، وهذه الألفاظ معانيها مشكلة في الإطلاق، ولكنا نعلم أن الطفولية إلى تهيؤ الجبلّة لثبوت مادة الزرع فيها،
__________
(1) ر. بدائع الصنائع: 7/ 348.
(2) الحديث سيأتي في الحدود إن شاء الله.
(3) ر. الاختيار: 5/ 81.
(4) سقطت من الأصل.

(11/321)


ثم من هذا الوقت في كل جبلّة [نموٌّ] (1) وازدياد في الجسم والقوى، ثم إذا انتهى النمو، ظننا [وقوفاً] (2) في مدة، فإذا انتهى ابتدأ النقص.
والشباب من كمال الجبلّة وتهيئها لأن تولد مادة تصلح لمثلها، ومن هذا الوقت شباب إلى منقرض وقت النمو، ووقتُ الوقوف كهولة.
فإذا ابتدأ النقصان الجبليِّ، فهو شيخوخة إلى منقرض العمر.
ثم هذه الأطوار لا تنضبط بمددٍ معلومة في جميع الجبلات؛ فإنها مختلفة في البنية والقوى، وورد في الشرع [ضبطٌ زماني] (3) في البلوغ إن استأخر الحكم، فلو ورد مثلُه في هذه الأطوار، لاتبعناه، هذا إلى اختلال الأبنية [بالاعتلال] (4) والعوارض، فكيف السبيل والذي أطلقه الأصحاب الرجوع إلى العرف، وإلى ما يفهم منه في الجبلات المختلفة؟
ولست أرى في ذلك متمسكاً شرعياً أو جبليّاً، والقدر الذي ورد الشرع به ذكْر الأربعين، فإنها الأشُدّ في التفسير الظاهر، وقد شهد بذلك نصّ القرآن قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15] وإذا غمض المدرك في شيء، واستبهم الأمر، اكتفى الفطن بالمتعلق الذي لا يتعلق بمثله إذا اتسع المجال.
هذا، ولا نصَّ لصاحب المذهب، وليس ما [نُجريه] (5) من الأمور الوجودية، كأدوار الحيض، وسن الاحتلام، ومدة الحمل في الأقل والأكثر.
ولست أنكر [مع] (6) ذلك الالتفاتَ إلى شيئين: أحدهما - الضعف الذي لا يحمل على الأعراض والأمراض، ووخط المشيب الذي لا يحمل على الندور، مع أنه قد
__________
(1) في الأصل: ثمر.
(2) في الأصل: وقوف.
(3) في الأصل: ضبط زمانٍ.
(4) في الأصل: الأعلال.
(5) في الأصل: ما تحريمه.
(6) في الأصل: منع.

(11/322)


يُمتَّع بالسواد الشيخ ويبادر الشابَّ الشيبُ، هذا إلى الاستمساك [بما المرء] (1) فيه إلى ظهور الزوال، على أني ذكرت من مذهب السلف ما يضطرب (2) ذو الرأي فيه.
7571 - ولو أوصى ليتامى بني فلان، فيستوي في ذلك الذكور والإناث، وهم الذين لا آباء لهم، [ولا يتم] (3) بعد البلوغ، اتفق عليه أصحابنا، ونطق به الخبر الصحيح (4)، وهل يشترط الفقر، واسم الأيتام مطلق؟ فعلى وجهين، وهذا الخلاف يجري في كل صفة [تذكر] (5) في الوصية مشعرة بعجزٍ في النفس أو انقطاعٍ كامل، كالوصية للعميان والزمنَى والأرامل واليتامى والأيامى.
فأما الوصية للصبيان، فلا تقتضي فقراً وفاقاً، وكذلك الوصية للشيوخ.
ولا يخفى على المتأمل الفرق.
ثم يجري في جميع المسائل انحصار الموصى لهم وخروجهم عن الحصر، وترتيب المذهب على ما تقدم في بيان محل الوفاق والخلاف.
7572 - ولو أوصى لعقب فلان، يتناول ذلك الأولادَ والأحفادَ وإن سفلوا، ولا فرق بين الذكور والإناث.
وذكر بعض الأصحاب أنه إذا كان لمن أوصى لعقبه أولادُ صُلبٍ (1 وأولاد أولادٍ،
__________
(1) في الأصل: بما المرافيه. وفي (س): بما ألم فيه. والمثبت قراءة للأصل على ضوء المعنى والسياق.
(2) "يضطرب" من (المضطرب) بمعنى المجال والسعة، والمعنى: ذكرت من مذهب السلف ما فيه مجال لتدبر الرأي واختياره.
(3) في الأصل: ولا يتهم.
(4) الحديث: رواه أبو داود: الوصايا، باب ما جاء متى ينقطع اليتم، ح 2873، قال الحافظ: أعله العقيلي، وعبد الحق، وابن القطان والمنذري، وحسنه النووي، متمسكاً بسكوت أبي داود عليه، ورواه أيضاً الطيالسي والطبراني في الصغير. ر. تلخيص الحبير: 3/ 217 ح 1463.
(5) في الأصل: صفة تؤكد.

(11/323)


فالوصية مصروفةٌ إلى الأَدْنَيْن، فإن لم يكن له أولاد صلب 1)، فإلى الأقرب فالأقرب (2) من الأحفاد.
وهذا غير صحيح عندي؛ فإن اسم العقب في وضعه يتناول الأولاد وأولاد الأولاد، وإن سفلوا، فلا معنى لتخصيص هذا اللفظ المطلق بالأدنَيْن، ولعل الذين رأَوْا ذلك أخذوه من الخلافة، فإن أولاد الدِّنْية يعقبون من الموروث [خلافة] (3)، فإن لم يكونوا، فأولاد الأولاد يعقبونه، وهكذا على ترتيب البطون.
ولو أوصى لعقب فلانٍ، ومات الموصي، والمذكورُ عقبه حيٌّ بعدُ، قال جماهير الأصحاب: بطلت الوصية؛ فإنه ما دام حيّاً، فليس يعقبه أحد، وهذا جارٍ على قياس تقديم الأقرب فالأقرب؛ فإنا إذا كنا نفهم من العقب من يعقب، فالحي لا يعقبه أحدٌ وهو حي، ومعنى العقب عند هذا الإنسان من [تقدّم العقب غيرُه] (4).
والظاهر عندنا (5) أن الوصية تصح إذا كان له أولادٌ؛ فإنهم يسمون أعقاباً في حياة الإنسان.
7573 - ولو أوصى لورثة إنسان، فالوصية لكل مَنْ ورثه من ذكر أو أنثى بنسب أو بسبب، غير أن الموصى به في الإطلاق موزّع عليهم بالسوية، وإن اختلفت حصصهم في الاستحقاق بالميراث.
ولو أوصى لورثة فلان ومات الموصي ومن يُنسب الورثةُ إليه حي، فقد قال الأصحاب: تبطل الوصية، وقولهم في هذا أظهر؛ فإن الوراثة لا تتبين في حياة
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (س).
(2) (س): فالأقرب بالإرث.
(3) في الأصل: خلاف.
(4) في الأصل: تقدم يعقب عنده.
(5) هذا الذي اختاره الإمام هو الذي قطع به صاحب (العدّة) وجعله مذهبنا، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى. ا. هـ عن النووي في الروضة: 6/ 180.

(11/324)


الإنسان. فإن كان يتطرق إليه احتمال، فيشترط فيه الوقوف إلى أن يموت، ونتبين من يرثه من الموجودين [عند موت الموصي.
وإذا قلنا: تصرف الوصية إلى عقبه وهو حي] (1) فقد يحتمل أيضاً أن نتوقف حتى نتبين من يعقبه.
ومن هذا التنبيه يتبيّن ظهور كلام الأصحاب.
ولو أوصى لورثة زيد، ثم مات ولم يكن [له] (2) وارث خاص، فالوصية باطلة، ولا نقول: كأنه أوصى للمسلمين، لأنهم يرثونه؛ فإن الوراثة في هذه المنزلة حكم لا يتلقى مثله من موجب الألفاظ.
ولو أوصى لورثة فلان، فمات فلان، وخلفته بنتٌ واحدة، فقد اختلف أصحابنا في المسألة على وجهين: منهم من قال: يصرف إليها جميع الوصية، وإن لم نقل بمذهب الردّ.
ومنهم من قال: نصرف إليها نصفَ الوصية ويبطل النصف منها.
ثم قال الأصحاب: إن أوصى لعصبة فلان، فمات الموصي وفلان حيّ، فالوصية تصح لعصبته، ولا يشترط موته في استحقاق الوصية عند موت الموصي، وليس كالورثة؛ فإن هذا اللفظ يشعر بالوراثة، ولا وراثة في الحياة، وليس كالعقب؛ فإنه يشعر بالخلافة، ولا خلافة في الحياة. وهذا حسن متجه.
ثم قال الأصحاب (3) في الوصية للعصبة: "أولاهم بالوصية أولاهم بالعصوبة" وهذا مستقيم لا يسوغ غيرُه؛ فإن حكم العصوبة يثبت للأقربين.
هذا منتهى ما بلغنا من الكلام في هذه الألفاظ المدارة في الوصايا.
__________
(1) ساقط من الأصل، وأثبتناه من (س).
(2) مزيدة من (س).
(3) عبارة (س) فيها خلل: ثم قال الأصحاب للوصية بالعصبة: أولاهم بالعصوبة، وهذا مستقيم.

(11/325)


ولو أوصى لعترته، قال العراقيون: قال ثعلب (1) وابن الأعرابي (2): العترة هم الذرية، وقال القُتبي (3): العترة هم العشيرة، وعشيرة الرجل قرابته، وردّد العراقيون قولَهم لتردد أئمة اللغة. والله أعلم.
...
__________
(1) ثعلب وابن الأعرابي: هما من أئمة اللغة.
وثعلب هو: أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني، أبو العباس، إمام الكوفيين في النحو، صاحب الفصيح، ومجالس ثعلب، ومعاني القرآن، وإعراب القرآن ت 291 هـ.
(ر. أعلام الزركلي، وتذكرة الحفاظ: 2/ 666 ترجمة رقم 686 من الطبقة العاشرة، ورقمه فيها 32، وتاريخ بغداد: 5/ 204 ترجمة رقم 2681) وهو في تذكرة الحفاظ: أحمد بن يحى بن يزيد (بدلاً من زيد).
(2) ابن الأعرابي هو: محمد بن زياد، أبو عبد الله، علامة باللغة، وأحد المشار إليهم في معرفتها، ومن أشهر حفاظها، كان ثقة، قال عنه ثعلب المذكورآنفاً: انتهى إليه علم اللغة، له العديد من المؤلفات بين مخطوط ومطبوع توفي سنة 231 هـ (ر. تاريخ بغداد: 5/ 282 - ترجمة رقم 2781، والأعلام للزركلي).
(3) القتبي هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدّينوري، أبو محمد اشتهر بابن قتيبة، ولكن إمام الحرمين يذكره باسم القُتبي، وهو العلامة الكبير، ذو الفنون، نزل بغداد، وصنف وجمع، وبعُد صيته، كان ثقة ديناً فاضلاً، من المكثرين تصنيفاً، فمن ذلك: غريب القرآن، غريب الحديث، ومشكل القرآن، ومشكل الحديث، وإصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث.
ذكره إمام الحرمين في البرهان في مراتب العلوم، والخلاف في المحسوسات، وهل كلها في درجة واحدة؟ وقال عنه: "إنه ولاّج هجوم على ما لا يحسنها". وقد ردّ هذا عن القتبي العلامة المحقق السيد أحمد صقر، في مقدمته لتحقيق تأويل مشكل القرآن، فراجع هذا إن أحببت، توفي ابن قتيبة سنة 276 هـ، وقيل: 270. (ر. صير أعلام النبلاء: 13/ 296، وتاريخ بغداد: 10/ 170 - 171، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 281، والبرهان لإمام الحرمين: فقرة: 52، والأعلام للزركلي).

(11/326)


باب ما يكون رجوعاً في الوصية
7574 - العطايا المحتسبة من الثلث تنقسم، فمنها: ما ينجزها المريض في حياته ويتممها في ظاهر أمره، فما كان كذلك لم يملك هو في نفسه استدراكه، وإن كنا قد نردّ ما يزيد منهما على الثلث، إذا مات من مرضه الذي يتبرع فيه، وهذا كالعتق المنجز والهبات المبرمة بالقبض والصدقات، والإبراء المنجّز، والمحاباة في البيع والشراء.
وأما الأعطية التي [يُضيفها] (1) إلى حالة الموت، [فهي] (2) محسوبة من الثلث، فجملتها وصايا، والموصي بها يملك الرجوع في جميعها، إلا التدبير، ففيه قولان: أحدهما - أنه بمثابة الوصايا، وفائدة ذلك تمليك المدبِّر الرجوع عن التدبير لفظاً، مع إدامة الملك على الرقبة.
والقول (3) الثاني - أنه [تعليق] (4) عتق. وفائدة ذلك أنه لا يملك الرجوع عن التدبير لفظاً، وسيأتي إيضاح ذلك في كتاب التدبير، إن شاء الله تعالى.
وحظ هذا الباب منه ما يتعلق بحكم الرجوع، هذا تمهيد قاعدة الباب.
7575 - ثم التبرعات الجارية في مرض الوفاة إذا تمت تصرف المتبرَّعُ عليه تصرف مثله لو جرى التبرع في الصحة من المتبرّع، وإن كنا في الزائد على الثلث [ننعطف
__________
(1) في الأصل: تصنيفها.
(2) في الأصل: وهي.
(3) (س): والوجه الثاني.
(4) في الأصل: يتعلق.

(11/327)


نتعقب] (1) تلك التصرفات بالنقص [تبيّناً] (2) من غير إنشاء نقض، وقد نتبين بطلان جميعها، إذا ركب المريضَ دينٌ مستغرق المال.
ومما يفارق التبرعاتُ فيه الوصايا المضافةَ إلى الموت أن الوصايا تقع محسوبة من الثلث، وإن وقع الإيصاء بها في الصحة؛ نظراً إلى حالة الموت، والتبرعات الواقعة في الصحة لا تحتسب من الثلث، ولو جرى تعليق في الصحة [في] (3) عتقٍ ووجد الصفة في مرض الموت المعلق، فللأصحاب وجهان مشهوران في أن الاعتبار بحالة التعليق أم بحالة وقوع العتق؟ وسيأتي شرح ذلك في موضعه من كتاب العتق، إن شاء الله تعالى.
7576 - وقد تمهد أن الرجوع في الوصايا سائغ، والباب معقود لبيان ما يكون رجوعاً عن الوصية وما لا يكون رجوعاً عنها، فنقول: ما يقع به الرجوع ينقسم إلى ما هو صريحٌ في الرجوع، وإلى ما يتضمن الرجوع.
فأما التصريح في الرجوع، فإذا قال: رجعت عن هذه الوصية، أو قطعتُها، أو رفعتها، أو أبطلتها، أو نسختها، فهذه الألفاظ [وما في معناها] (4) رجوعٌ.
ولو قال: حرمت هذه العين على فلان، وكان قد أوصى له بها، فظاهر المذهب أن هذا يكون رجوعاً عن الوصية؛ [فإنا] (5) نكتفي في ثبوت الرجوع [بمخايل] (6) وعلامات في الأقوال والأفعال، سنشرحها في الباب، ولفظ التحريم أوضح منها وأولى [بإفادة] (7) الرجوع.
7577 - ولو قيل له: أوصيتَ لفلان، فأنكر، وقال: ما أوصيتُ، فالذي ذهب إليه
__________
(1) في الأصل: ينعطفه يعقب، و (س): نعطيه تعقب. والمثبت تقديرٌ منا.
(2) في الأصل: ميتاً.
(3) في الأصل: (من).
(4) في الأصل: وما يعطى منها.
(5) في الأصل: فإنما.
(6) في الأصل: بحال.
(7) في الأصل: فأفادة.

(11/328)


الأصحاب، وهو ظاهر النص أن هذا يكون رجوعاً، وقد يتجه في هذا نوعٌ من الاحتمال؛ من جهة أنه قد ينسى الوصيةَ، فينكرها، والإنكار إخبار، وليس بإنشاء قطع (1).
ولو قيل له: أوصيتَ لفلان، فقال: لا أدري، فهذا لا يكون رجوعاً عند الشافعي رضي الله عنه إذا كان أوصى، خلافاً لأبي حنيفة (2).
فهذا ما يكون رجوعاً تصريحاً، أو تلويحاً بقولٍ مقصودٍ في إظهار الرجوع.
وانتظم منه أن النص في الرجوع يقطع الوصية، واللفظ الظاهر كالتحريم فيه تردّدٌ، والتصريح [بالإنكار] (3) ملتحق بالظاهر عندي، والنص قول الأصحاب فيه ما ذكرته، وهذا كلامٌ في قسمٍ واحدٍ.
7578 - فأما القسم الثاني، فهو ما لا يكون رجوعاً صريحاً، ولكنه يتضمنه، وذلك ينقسم إلى تصرفاتٍ بالأقوال وإلى تصرفاتٍ بالأفعال.
فأما الأقوال، فما يتضمن [بتَّ] (4) الملك، فلا شك أنه يقتضي رجوعاً [مثل أن يوصي بعبد لإنسان، ثم يبيعه] (5) بيعاً لازماً، فهذه التصرفات تنفذ متضمنةً رجوعاً.
فأما ما لا يتصف باللزوم [ولكنه] (6) يشعر بقصد الرجوع، فقاعدة المذهب أنه يتضمن الرجوع، فإن كان من تردّدٍ [في] (7) بعض المسائل، فهو لاعتقاد من يتردد في بُعد المسألة عن القاعدة.
__________
(1) (س): قطعي.
(2) رُوي في البدائع عن أبي يوسف في نوادره "أنه قال في رجل أوصى بوصية ثم عُرضت عليه من الغد، فقال: "لا أعرف هذه الوصية" قال: هذا رجوع منه" ثم عرض صاحب البدائع، صوراً ومسائل متعددة، فلتراجع. (البدائع: 7/ 380).
(3) في الأصل: بالأفكار، (س): بإنكاره. والمثبت اختيار منا.
(4) في الأصل: بقاء.
(5) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(6) في الأصل: ويمكنه.
(7) ساقطة من الأصل.

(11/329)


قال الأئمة: لو عرض العينَ الموصى بها على البيع، كان ذلك رجوعاً منه، وإن لم يبعها، وكذلك قالوا: لو وكل ببيعها، كان ذلك بمثابة العرض على البيع، فلعله أظهر في الدلالة على قصد الرجوع.
ولو رهن، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنه يكون رجوعاً؛ فإن مقصود الرهن بيعُ المرهون في الدين، فلا ينحط الرهن عن العرض على البيع.
والوجه الثاني - أن الرهن لا يكون رجوعاً؛ فإن [الذي] (1) يُضمر إبقاء الوصية قد [يرهن] (2) الموصى به لحاجة [باديةٍ] (3) مع إبرامه العزم على فك الرهن، فليس الرهن إذاً من علامات الرجوع، وليس كذلك العرض على البيع؛ فإنه تحكُّمٌ خاص في الدلالة على البيع القاطع للوصية.
ولست أرى في الرهن فرقاً بين أن يتصل بالإقباض وبين ألا يتصل به؛ فإنه إنما يكون رجوعاً -إذا كان- لدلالته على القصد، وهذا لا يختلف بوجود الإقباض وعدمه.
ولو وهب العين الموصى بها، يجب القطع بكون ذلك رجوعاً؛ فإن الهبة عقد تمليك، وظهور القصد كافٍ، ثم لا يتوقف حصول الرجوع على الإقباض، وذكر بعض الناقلين خلافاً في الهبة قبل القبض، وهذا مما لا نستجيز عدَّه من المذهب.
وإذا رأينا العرض على البيع رجوعاً، فإذا جرى البيع على شرط الخيار، لم يسترب الفقيه في كونه رجوعاً، وإن فسخ العقد، وسرُّ هذا الفصل أن [مبنى] (4) الوصية على تقدّم الإيصاء على القبول بزمانٍ متطاولٍ، والعقود التي ينبني انعقادها على الإيجاب والقبول المتصلين لو تخلل [بينهما] (5) قاطع، لقضينا بانقطاع الإيجاب عن
__________
(1) في الأصل: الذين.
(2) في الأصل: رهن.
(3) في الأصل: بإذنه.
(4) في الأصل: معنى.
(5) في الأصل: فيهما.

(11/330)


القبول، ولا يشترط في الوصية وقبولها تواصلٌ زماني، ولكن إذا جرى من [الموصي] (1) عَلَمٌ ظاهر في الرجوع، كان ذلك خَرْماً للإيصاء، وقطعاً له.
وهذا يتضح بذكر أصولٍ يفرض في مثلها رجوع، والغرض بذكرها امتيازها عما نحن فيه، فالراجع في هبته بعد الإقباض وإن ملك الاستبداد بالرجوع لا يصح رجوعه بالمخايل والعلامات؛ فإن رجوعه في حكم تملك جديد، حتى نقول: لو أعتق العبدَ الموهوبَ المسلَّمَ (2)، لم ينفذ عتقه عند بعض الأصحاب، ما لم يقدِّم على العتق رجوعاً، ولو باع، فالبيع أولى بالرّد من العتق.
ومن باع عبداً بشرط الخيار، ثم عرضه على البيع، فلسنا نرى العرض على البيع فسخاً منه، بخلاف الوصية.
7579 - والغرضُ في ذلك يتبيّن بنظم ترتيبٍ: أما الرجوع في الهبة بعد التمام، فيليق به التصريح بالرجوع؛ فإن الهبة بعد التمام أفادت تمام نقل الملك، وليس [ملك] (3) الرجوع في الهبة خياراً في عقدٍ، وإنما هو تسلط -على ملك الغير- شرعيٌّ.
(4 والرتبة الثانية 4) في الفسخ -[الفسخُ] (5) من البائع في زمان الخيار، [فهذا] (6) يصادف جوازاً من العقد، ولكن العقد [ثَمَّ يسعه] (7)، فإن لم يصرح الفاسخ بالفسخ، فلا بد من أحد أمرين: إما أن يتصرف تصرفاً يستدعي نفوذُه الفسخَ، كالإعتاق والبيع، وإما أن يأتي بعلامة في نهاية الظهور كالوطء.
ولسنا نلتزم الآن ذكرَ تلك التفاصيل؛ [فإنا] (8) استقصيناها في أول البيع، وإنما
__________
(1) في الأصل: المرض.
(2) ساقطة من (س).
(3) في الأصل: تملك. و (س): وليس ملك الهبة في الرجوع.
(4) ما بين القوسين ساقط من (س).
(5) زيادة من المحقق.
(6) في الأصل: هذا.
(7) كذا بالأصل، وفي (س): لم نسعه.
(8) في الأصل: فإنما.

(11/331)


غرضنا التنبيه على المراتب لنفصل البعض منها عن البعض.
7580 - ثم الذي نستقصيه الآن ما يتعلق بالوصية، [فالوصية] (1) إذاً مستأخرة عن المرتبتين؛ من جهة أنه لم يثبت إلا أحد شقيها، فلا هي أفضت إلى إثبات حق، ولا أدّت إلى انعقاد عقد، فوقع الاكتفاء بعلامةٍ تخرم الإيصاء.
والذي يدور في الخَلَد عند ذلك أنه لو عَرَضَ الموصى [به] (2) على البيع، ثم قال: كنت نسيت الإيصاء به، أفنقول: انبتّت (3) الوصية ظاهراً وباطناً، أم نقول: الوصية بحالها؟ هذا فيه تردد، والظاهر انقطاع الوصية ظاهراً وباطناً؛ فإنه اختل الإيصاء في هذه العين بما جرى [وانقطع] (4) الإيصاء عن القبول. وفي المسألة احتمال.
7581 - ومما يتعلق بهذا القسم أنه لو أوصى لإنسانٍ بعبد، ثم إنه دبره، فهذا يستدعي تقديم مسألةٍ مقصودة في نفسها، وبها يحصل الغرض فيما ذكرناه: أجمع الأصحاب في الطرق على أن من أوصى بعبدٍ معين لزيد، ثم لم يتعرض لتلك الوصية، وأنشأ (5) إيصاءً بذلك العبد لعمرو، قال فقهاؤنا: العبد مشترك بين الرجلين إذا تمت الوصية؛ فإن كل واحد منهما [موصًى له، فيصيران فيه بمثابةٍ] (6)، وإذا ازدحم شخصان على هذه النسبة على عينٍ، اقتضى ذلك تشطيرها بينهما، وقد ذكرنا في ذلك قواعد ومسائل في الوصية بالكل والجزء، ثم نبهنا في هذا على [دقيقة] (7) وقلنا: الاقتسام يقع على حكم الازدحام من غير فرض رجوع عن الوصية الأولى، حتى لو لم يقبل الموصى له الثاني ورَدَّ، فالعبد بكماله مصروف إلى الأول، وهكذا يكون سبيل القسمة التي تقتضيها الزحمة.
__________
(1) في الأصل: والوصية.
(2) في الأصل: الموصى له.
(3) (س): فنقول: ثبتت الوصية.
(4) في الأصل: ما يقطع. وعبارة (س): في هذه العين وانقطع الإيصاء.
(5) (س): وأوصى أيضاً بذلك العبد لعمرو.
(6) في الأصل: فإن كل واحد منهما يصرف منه بتمامه.
(7) في الأصل: على وفقه.

(11/332)


ومن (1) لم يعتقد هذه المسألة حسيكة في باب الرجوع، فليس من الفقه على حظّ؛ فإنا إذا كنا نرى ارتفاع الوصية بالعلامات القريبة، فالوصية [بكمال] (2) الموصى به لغير الموصى له الأول في نهاية الظهور في قصد الرجوع عن الوصية الأولى.
[وقد] (3) قال الأئمة: إن ذكر في الوصية الثانية لفظةً تدل على الرجوع عن الأولى، كان رجوعاً عنها، وذلك أن يقول: العبد الذي أوصيت به لفلان قد جعلته لفلان، أو العبد الذي أوصيت به لفلان هو لفلان، أو العبد الذي أوصيت به لفلان قد أوصيت به لفلان. وقالوا: هذه القرائن تتضمن الرجوع عن الوصية الأولى، وإنما يحمل الأمر على ازدحام الوصيتين إذا جرت الوصية الثانية مطلقةً، من غير تعرضٍ للوصية الأولى، وما ذكروه الآن من أن الرجوع يثبت في الوصية الأولى جارٍ على قياس الباب، وإنما الإشكال في أن الوصية كيف لم تكن رجوعاً عن الوصية السابقة؟ فهذا لا وجه في تعليله إلا أن الوصايا يثبت فيها أصل الازدحام، وصار ذلك قانوناً متبعاً [وأصلاً] (4) في حكم المتفق عليه، (5 فالوصايا تزدحم على الثلث إذا زادت عليه ورُدّت إليه 5)، [فكل ما ظهر حمله على الزحمة ولم يقترن] (6) به أمر زائد على اقتضاء الزحمة، فهو محمول عليها.
فأما إذا انضم إلى ذلك مزيدٌ في التعرض [للوصية] (7) الأولى، فإذ ذاك يقع الحكم بالرجوع. فهذا هو الممكن في ذلك.
7582 - رجعنا إلى ما ذكرناه من تدبير العبد الموصى به، قال الأئمة رضي الله عنهم: إذا أوصى الرجل بعبده لإنسان، ثم إنه دبّر ذلك العبدَ، ولم يتعرض للوصية
__________
(1) (س): ولم يعتقد هذه حسيكة.
(2) في الأصل: فكمال.
(3) في الأصل: فقد.
(4) في الأصل: وامتلا.
(5) ما بين القوسين ساقط من (س).
(6) في الأصل: فكل ما حمل ظهر على الزحمة، ولم يعنون به.
(7) في الأصل: بالوصية.

(11/333)


الأولى، كان التدبير رجوعاً عن الوصية، وليس كما لو أوصى لزيدٍ بذلك العبد، ثم أوصى به لعمرو وأطلق الوصية الثانية؛ فإن الوصيتين تزدحمان على العبد، وذكروا مسلكين في طلب الفرق: أحدهما - أن مقصود التدبير (1) العتقُ، وهو مخالف لمقصود الوصية بملك الرقبة، فإن اختلف المقصودان، ظهر بالثاني قصد الرجوع عن الأول.
هذا وجه.
والثاني - أن العتق يحصل إذا وسعه الثلث، في المدبر بالموت، والقبول يقع بعده، فيتقدم نفوذ مقصود التدبير على قبول الموصى له الأول. هذا ما ذكره الأئمة.
قال صاحب التقريب: إن حكمنا بأن التدبير تعليقُ عتق بصفةٍ؛ فإنه يكون رجوعاً عن الوصية (2) في مقصودها ووضعها، والعتق المعلق عند وجود الصفة كالعتق المنجز عند التعليق.
فأما إذا حكمنا بأن التدبير وصيةٌ بالعتق، فإذا أوصى بعبد لإنسان، ثم دبره، فقد ذكر فيه وجهين: أحدهما - أن ذلك يكون رجوعاً عن الوصية الأولى، فيثبت التدبير في جميع العبد، وهذا ما قطع به الأصحاب.
والوجه الثاني - أن ذلك لا يكون رجوعاً عن الوصية الأولى، ولكن [يثبت] (3) حق التدبير على الزحمة في جميع العبد، ويبقى حق الوصية الأولى كذلك في جميع العبد، كما لو أوصى لزيد بعبد، ثم أوصى لعمرٍو بذلك العبد، ثم حكم الازدحام يقتضي التنصيف كما ذكرناه، فيعتِق نصفه بحكم التدبير، ويبقى نصفه موصىً وهذا الذي ذكره صاحب التقريب وإن كان متجهاً في القياس، فهو مخالف لما
__________
(1) (س): الترتيب.
(2) عبارة (س): فإنه يكون رجوعاً عن الوصية لزيد بملك الرقبة، فإن التدبير تعليق بصفة، وهذا القول يخالف الوصية في وضعها ومقصودها.
(3) في الأصل: لا يثبت.

(11/334)


ذكره أئمة المذهب، فلو دبّره، ثم أوصى به لرجل، فإذا قلنا: التدبير وصية، فالذي ذهب إليه الأصحاب أن الوصية برقبة العبد رجوعٌ عن التدبير؛ فإن الوصية مع التدبير متناقضان. ولا شك أن صاحب التقريب يطرد وجهين في هذه الصورة: أحدهما - أن الوصية رجوع عن التدبير، والثاني - أن التدبير والوصية يزدحمان.
وإن قلنا: إن التدبير تعليق عتقٍ بصفة، وقد تقدم واستأخرت الوصية، فالوصية ساقطة؛ فإن التدبير لا يزول بالرجوع عنه، والوصية لا تنجز حقاً، بخلاف تنجيز الإعتاق، وبخلاف البيع والهبة مع الإقباض، فإذا امتنع الرجوع، نفذ العتق المعلق بالموت معه، ولا أثر للوصية.
7583 - ومما يتعلق بهذا القسم أنه لو أوصى بعبدٍ لزيد، ثم قال: بيعوه بعد موتي، وتصدقوا بثمنه، فالأمر بذلك رجوع عن الوصية؛ فإن الأمر بالبيع يناقض استبقاء الرقبة حتى يفرض الازدحام فيها.
ولو أوصى بأن يباع العبد بعد موته ويصرف ثمنه إلى الفقراء، ثم أوصى بأن يصرف [ثمنه] (1) في الرقاب، فهذا يقتضي الازدحام، فيتضمن تشطير الثمن بين الجهتين.
وقد نجز الغرض في ذكر الأقوال التي تتضمن الرجوع عن الوصية.
7584 - فأما الأفعال، فإنا نعدّد منها جملاً ذكرها الأصحاب، ونشير إلى ما اعتمدوه في قياسها، ثم نذكر المسلك المرتضى عندنا.
قال أئمتنا: إذا أوصى لإنسان بحنطة معيّنة، ثم طحنها الموصي، فيكون الطحن رجوعاً عن الوصية، وكذلك لو أوصى بالدقيق، ثم عجنه وخبزه.
وقالوا أيضاً: لو أوصى بشاةٍ لإنسان، ثم ذبحها، كان الذبح رجوعاً عن الوصية، وكذلك لو أوصى بثوبٍ، ثم قطعه وفصله، فالقطع والتفصيل رجوع.
[وتعلق] (2) الأصحاب في تعليل ثبوت الرجوع في هذه المسائل بزوال الاسم،
__________
(1) في الأصل: عنه.
(2) في النسختين: "واعتمد". والمثبت اختيار منا ليستقيم الكلام مع قوله: (بزوال الاسم).

(11/335)


فقالوا: هذه التصرفات تزيل الأسماء التي تعلقت الوصية بها، فتحولت وزالت، وحدثت أسماء أخرى، فكان الموصى به في حكم التالف المعدوم، وهذا الذي ذكروه من التعليل غيرُ مرضيّ عندنا، بل المعتمد أن نقول: لما أوصى بالحنطة، فبقاؤها إلى نفوذ القبول فيها مظنون ممكن، فإذا اختار طحنها، استبان بهذه العلامة أنه يبغي استعمال الدقيق، وكذلك إذا خبز الدقيق، فقد صرفه به عن جهة البقاء الممكن له إلى جهةِ هو فيها متشوف إلى الاستعمال، وكذلك القول في الشاة والذبح، والثوب والقطع والتفصيل.
7585 - ولو أوصى لإنسانِ بلحمٍ، ثم شواه، فمن يرعى زوال الاسم، فالاسم لم يزل، فلا يبعد أن تبقى الوصية، ومن راعى ظهور علامة الاستعجال والاستعمال، فقد ظهر هذا المعنى.
وذكر العراقيون وجهين فيه إذا أوصى بخبز، ثم دقّه واتخذه فتيتاً: أحدهما - أن ذلك رجوع بمثابة طحن الحنطة الموصى بها.
والثاني - أنه ليس برجوع؛ فإن الدق لم يسلبه اسمَ الخبز، فلا تنقطع الوصية بهذا القدر من التغيير.
ولو أوصى لإنسان بجاريةٍ، ثم كان يستخدمها، لم يكن الاستخدام رجوعاً؛ فإنه ليس علامة في قطع الوصية؛ إذ الإنسان يوصي بعبده، ثم لا يعطل منافعه.
وكذلك لو أوصى بجارية لإنسان، ثم زوّجها، فأما إذا أوصى بها ثم وطئها، فالطريقة المشهورة أنه إن عزل عنها، لم يكن ذلك رجوعاً، وكان الوطء كالاستخدام، وإن لم يعزل عنها، فيكون ذلك رجوعاً حينئذ؛ فإن ذلك يدل على استبقائه إياها لنفسه، والتسري بها.
ومن أصحابنا من قال: الوطء رجوعٌ كيف فرض (1 ومنهم من قال: إنه ليس برجوع كيف فرض 1). وهذا أضعف الوجوه.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (س).

(11/336)


7586 - وقد أجرى الأصحاب في أثناء الكلام في هذه المسألة مسألةً من اليمين، وهي أن مالك الجارية إذا قال: "والله لا أتسرى بها"، فمتى يحنث؟ ذكروا في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها - أن التسري يحصل بالوطء نفسه.
والوجه الثاني - أن التسري إنما يحصل إذا لم يعزل، فأما إذا عزل، لم يكن الوطء تسرياً، ولم يحنث في يمينه.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً ثالثاً - وهو أنه إذا أفرزها عن خادمات المهنة وحصّنها، وظهر من قصده إرادة الاستئثار [بها] (1)، كان ذلك تسرياً، وإن لم يجر وطء، وهذا وجه ضعيف، لا استناد له إلى ثبت.
7587 - ومما يتعلق بهذا القسم أن يوصي بعينٍ، ثم يُحدث فيها زيادةً من غير أن يسقط اسمُها، وذلك مثل أن يوصي بدارٍ، ثم يزيد في بنائها، مع بقائها تحت اسم الدار، فهذه الزيادة لا تكون رجوعاً عن الوصية؛ فإنها لا تشعر [باستئثاره] (2) بالدار، ومن راعى زوال الاسم، فالاسم غير زائل، [وقد] (3) ذكرت تفصيل المذهب في أن تلك الأعيان التي زادها هل تدخل تحت الوصية.
وإن أوصى لإنسان بدار عينها، ثم غيرها، واتخذ منها خاناً، [فالذين] (4) ذهبوا إلى زوال الاسم وبقائه، حكموا ببطلان الوصية، ورأوا هذا التغيير رجوعاً عن الوصية، لأن اسم الدار قد زال. وهذا فيه احتمال عندي؛ لأنه ليس فيما فعله ردُّ العرصة إلى حكم نفسه [باستعمالٍ] (5) وصرفٍ عن الجهة الأولى، وإنما هذه عمارة رآها وأجراها، وقد ذكرت أن التعويل على الاسم ليس بالقويّ.
__________
(1) في الأصل: بما.
(2) في الأصل: بإيثاره.
(3) في الأصل: فقد.
(4) في الأصل: فالذي.
(5) في الأصل: باستعجال.

(11/337)


7588 - [ولو] (1) أوصى بثوب مفصل غير مخيط، ثم إنه خاطه، فقد قال الشافعي وأبو يوسف: لا يكون ذلك رجوعاً، وتعليله بين؛ فإن الاسم لم يتغير على مذهب من يراعي الاسم، والطريقة التي ذكرناها لا تجرى في هذه المسألة. وقال أبو حنيفة ومحمد (2): يكون ذلك رجوعاً.
ولو أوصى لإنسان بقطن ثم حشا به جُبة، فقد قال من يعوّل على بقاء الاسم وزواله من أصحابنا: تبقى الوصية؛ فإن اسم القطن [باقٍ، والصحيح عندي أن ذلك رجوع عن الوصية؛ فإن القطن] (3) إذا حشا به الجبة، فهو إلى الفساد والاتساخ، وسقوط القيمة، والخروج عن معظم المقاصد المتعلقة بالقطن، وهذا يشعر بصرفه عن جهة الوصية إلى جهة الاستئثار والاستعمال.
7589 - ومما يتعلق بهذا القسم أنه لو أوصى لإنسانٍ بحنطة معينة، ثم إنه خلطها بحنطة أخرى من عنده، فهذا يكون رجوعاً عن [الوصية] (4)، فإنّ فعله يُعسِّر تسليمَ الحنطة المعينة [فيتضمن] (5) هذا رجوعاً عن موجب الوصية، وهذا ظاهر متفق عليه.
ولو أوصى لإنسان بمقدارٍ من الحنطة من جملة حنطة كثيرة، مثل أن يقول: أوصيت لزيد بصاعٍ من حنطة هذا البيت، فلو أنه خلط بحنطة البيت حنطةً أخرى، فقد قال صاحب التقريب: إنْ خلط حنطة البيت بمثلها، فلا يكون ذلك رجوعاً، وإن خلطها بأجود منها، كان رجوعاً، وإن خلطها بأردأ منها، فعلى وجهين.
أما ما ذكره من الخلط بالمثل، فقد اتفق الأصحاب عليه؛ من جهة أنه في وصيته لم يعتمد تعيين مقدار من الحنطة، فلا يكون الخلط مخالفاً لمقصوده. فأما إذا خلط
__________
(1) في الأصل: فلو.
(2) ر. تبيين الحقائق: 6/ 186، مجمع الأنهر: 2/ 694.
(3) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(4) في الأصل: الهبة.
(5) في الأصل: فيضمن.

(11/338)


بالأجود، فقد لا يسمح بالتسليم لمكان الجودة، وإن خلط بأردأ، فيتعارض فيه معنيان: أحدهما - أنه إذا سمح بالحنطة الأولى، فإنه يسمح بالأردأ أيضاً، وهذا يعارضه أنه قد لا يرضى للموصى له بالأردأ، [فلهذا خرَّج] (1) صاحب التقريب المسألة على وجهين.
وينقدح عندنا من طريق الاحتمال كون الخلط رجوعاً في الأقسام كلّها، فإنه يتعذر به التسليم من تلك الحنطة الأولى، والوصية ضعيفة يتسرع البطلان إليها.
ولو قال: بعتك صاعاً من هذه الصُّبرة، ثم خلطها بمثلها، أو أجود أو أردأ منها، فإنه يتعذر تسليم المبيع، وكل ما يتعذر [بسببه] (2) تسليم المبيع فبالحري أن يقدر رجوعاً عن الوصية في هذا الفن.
هذا تمام البيان فيما يكون رجوعاً عن الوصية.
7590 - واتسق من مضمون الباب أن التبرعات [المنفذة] (3) في المرض لا يملك المتبرع الرجوع فيها، والوصايا المحضة يملك الرجوع فيها صريحاً وضمناً، والتدبير لا ينزل منزلة التبرع المنفذ؛ من جهة أن السيد له بيعُ المدبّر وتنجيز إعتاقه، والتصرف فيه بجميع الجهات التي ينصرف بها في المملوك القنّ، فالتدبير من هذه الوجوه مباين للتبرعات المنجزة، ولكن في [نزوله] (4) منزلة التبرعات المحضة -حتى يجوز التصريح بالرجوع فيه- قولان كما ذكرنا.
...
__________
(1) في الأصل: فإنه أخرج.
(2) في الأصل: نسبُه.
(3) في الأصل: المتقدمة.
(4) في الأصل: نزولها.

(11/339)


باب المرض الذي يجوز فيه العطية ولا يجوز
7591 - مقصود هذا الباب متعلق بتنجيز التبرعات؛ فإن الوصايا المعلقة بالموت محسوبة من الثلث، سواء فرض إنشاؤها في الصحة أو في المرض، والتدبير في هذا المعنى نازل منزلة الوصايا؛ ومن هذا ظهر إلحاقه بالوصايا؛ فإنّ عِتق المدبر من الثلث، وإن جرى تدبيره في الصحة؛ فإنما تفترق الحال إذاً بين أن يكون الموصي صحيحاً أو مريضاً مرض الموت في التبرعات المنفذة كالعتق، والهبة، والمحاباة، وما في معناها.
فإن كان المرض مخوفاً وأفضى إلى الموت، [فهي] (1) من الثلث، وإن جرت وانتهت في الصحة، أو في مرض غيرِ مخوف، فمن رأس المال.
7592 - ثم لا مطمع في الاطلاع على تقاسيم الأمراض والمَيْز بين المخوف منها وغير المخوف؛ فإن العلم بذلك ليس [بالهيّن] (2) وهو يتعلق بفنٍّ معروف قد يستوعب طالبُ الكمالِ فيه العمرَ (3)، ثم لا ينال مطلوبَه، والعجب أن الفقهاء خاضوا في عدّ المخوف من الأمراض وغير المخوف منها، ولست أرى التزام ذلك، و [إن] (4) اعتلقتُ طرفاً صالحاً منه، ولكن الوفاء به غير ممكن، فالوجه أن نقول: ليس المرض المخوف هو الذي تندرُ النجاةُ منه وُيؤئِس المعالجَ؛ فإن البرْسام معدودٌ من الأمراض المخوفة، [والنجاة] (5) منه ليست بالنادر، فلا ينبغي أن يظن الفقيه أن
__________
(1) في الأصل: فهو.
(2) في الأصل: كلمة غير مقروءة.
(3) واضحٌ أن الفن الذي يشير إليه هو فن الطب.
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: والتي.

(11/340)


المخوف هو الذي يغلب الهلاك منه، حتى يعد الاستبلال والبرء منه في حكم النادر، ولكن يكفي ألا يكون الهلاك منه في حكم النادر، فليتثبت الناظر في هذا [العقد] (1) فإليه الرجوع، فإنا إذا كنا نرعى الخوفَ، كفى [فيه] (2) ظهور توقع الموت وإن لم يغلب عليه يلتحق ببقية [النوادر] (3).
والمرض الذي ليس بمخوف هو الذي يندر ترتب الموت عليه، لأجل ذلك لا يكون توقع الموت [منه] (4) في حكم [المظنون] (5).
7593 - فلو كان المرض مخوفاً، وجرت فيه تبرعات ثم اتفق البرء منه، فجملة التبرعات منفَّذة نازلة منزلة ما يقع في الصحة، وهذا لا شك فيه؛ فإن الخوف المعتبر إنما يظهر أثره إذا أفضى إلى الموت.
7594 - وإن كان ذلك المرض بحيث لا يعد مخوفاً، ولكن اتفق ترتب الموت عليه، فهذا لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يتفق الموت من سبب عارض سوى ما كنا نعرفه، وإما أن يتفق غلطٌ ممن رجعنا إليه في نفي الخوف، والغلط يفرض من وجهين: أحدهما - ألا يكون ذلك المرض من الجنس الذي ظنه مَنْ إليه الرجوع، وإما أن يكون من ذلك الجنس، ولكنه لم ينسبه إلى قوّة المريض النسبة الصحيحة؛ فإن القوة إذا انحطت، فالمرض الذي لا يكون مخوفاً من القوي مخوف في حق الضعيف؛ إذ القوةُ حمالةُ الأمراض، وعلى قدرها الخوفُ وظنُّ البرء.
فإن ثبت طريان سبب آخرَ مخوفٍ، فالموت محال عليه، والتبرع الذي جرى في المرض الأول بمثابة التبرع في الصحة.
__________
(1) في الأصل: الصفة.
(2) زيادة من (س).
(3) في الأصل: بالنوادر، و (س): يلتحق نقيضه بالنوادر.
(4) في الأصل: عنه.
(5) في الأصل: المضمون.
وعبارة الأصل فيها اضطراب وخلل: في حكم المضمون، فلو كان المضمون، فلو كان المرض المخوف ... إلخ.

(11/341)


وإن بان أن سبب الموت ذلك المرضُ بعينه، ولكنه أفضى إلى الموت لضعف المريض وعجزه عن الاستقلال، [فقد بان أنّا ظنناه] (1) غير مخوف وكان مخوفاً.
فإن قال قائل: لو لم يكن ضعفٌ، ولم يتجدد سبب آخر، واتفق الموت؟ [قلنا: هذا ما لايكون في مستقر العادة، وعليه الكلام] (2).
ومما يعترض في ذلك أنه إذا اتفق مرضٌ غيرُ مخوف في ظاهر الظن، وترتب الموت عليه، وقال أهل البصر: لا بد من تجدّد [سببٍ] (3) باطن في الأعضاء الرئيسية، فالتبرع المتقدم على ذلك تبرع [في] (4) الصحة.
وإن جوز من [إليه] (5) الرجوع تجدّدَ سببٍ، وجوز أن يكون الموت من ذلك المرض بسبب ضعف القوة، وأنه لم يتأمل مقدار المرض والقوة، فالظاهر -إذا كان كذلك، [وعسُر] (6) الاطلاع على الحقيقة- إلحاقُ المرض بالأمراض المخوفة. وفيه احتمالٌ من جهة أنا نستصحب حكم الصحة إلى تحقق نقيضه، وقد يطرأ مثل هذا في إفضاء الجرح إلى الموت مع اعتراض هذه الاحتمالات، وحاجتنا تمس إلى دَرْك ذلك لإيجاب القصاص ونفيه، وسيأتي ذلك مستقصىً في كتاب الجراح، إن شاء الله تعالى.
7595 - ومما يجب الاعتناء بدركه أن العليل إذا كان لا يعدّ في مرض مخوفٍ ونشأت (7) علة أخرى، فإن قال أهل البصر: العلة الأولى تُفضي إلى هذه [العلة] (8) إفضاءً مظنوناً مخوفاً، فالعلة الأولى إذاً مخوفة، وإن قالوا: يندر
__________
(1) في الأصل: "بعد أن ظنناه غير مخوف".
(2) في الأصل: قلنا: ما لا يكون في مستقر العادة، فلا شيء عليه الكلام.
(3) في الأصل: "فسببٌ".
(4) ساقطة من الأصل.
(5) في الأصل: عليه، و (س): البر.
(6) في الأصل: وعند.
(7) عبارة الأصل: في مرضٍ مخوفٍ به نشأت علة أخرى.
(8) زيادة من (س).

(11/342)


إفضاؤها إلى هذه العلة، فالأولى ليست مخوفة، وما يجري فيها من تبرع ملتحق بتبرع الصحة.
ولو لم تتجدد علّة، ولكن تزايدت، والعلة واحدة، فهكذا (1 سبيل إفضاء 1)
العلل إلى الموت؛ فإنها مقسومة إلى التزايد والانتهاء والانحطاط، والقوى يقسّمها مهرةُ الأطباء على هذه الأطوار، فيبنون على ذلك ظنَّ البرء والهلاك، فإذا جرى التبرع في ابتداء حمّى، وقد لا يطّلع الطبيب على جنس الحمى، وهي منقسمة إلى المخوف وغير المخوف، فإذا ظهرت أعراضها، وبان للطبيب أنها مخوفة، فابتداؤها بحكم التبين مخوفٌ، ولكنه عرفه الآن وليس ما يتجدد من اطلاعه تجرّد علةٍ.
هذا هو الذي لا بد من بناء الباب عليه.
ثم ما ظهر كونه مخوفاً، لم يخف حكمه إذا أفضى إلى الموت، وما لم يكن مخوفاً لم يخف حكمه، وما أشكل الأمر فيه، فالرجوع إلى أهل البصر، ثم إن فرض نزاع، لم يثبت كون المرض مخوفاً إلا بشهادة مسلمَيْن عَدْلين من أهل العدالة، ولا يقبل فيه رجل وامرأتان، وإن كان مقصود الشهادة التعرضَ للمال؛ فإن المشهودَ به المرض وصفتُه، وهو ليس بمالٍ، وليس [موجِبَ] (2) مالٍ بنفسه، بل هو ينفصل عن الأحكام المالية، فإن كانت الشهادة على علةٍ بامرأة على وجهٍ لا يطلع الرجال عليها غالباً، فإن تلك العلة تثبت بشهادة أربع نسوة، وإذا ثبت بِشهادتهن تثبت أيضاً بشهادة رجلين وشهادة رجل وامرأتين.
وإن أشكل الأمر على الذين راجعناهم، كما صورتُ الإشكال في صدر الباب، وذلك بأن يفرض مرضٌ ليس مخوفاً في صنفه ويتقدّر الموت، ثم يتردّد الظن في أن الموت كان لعلّةٍ طارئةٍ، أو هو محمول على ذلك المرض بعينه، مع اعتقاد إفضائه إلى الهلاك بسبب ضعف قوة المريض. هذا فيه تردّدٌ، وقد قدمته. والشهادة تمس الحاجة إليها عند ادّعاء علةٍ وإنكارها، فأما إذا ثبتت علةٌ، ووقع الاتفاق على صنفها،
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (س).
(2) في الأصل: مرحب.

(11/343)


وآل الكلام إلى أنها مخوفة أم لا، [ورجع] (1) النزاع إلى نسبة قوة المريض إلى العلة، وهذا يختص بدركه الماهرون من علماء الطب، فلا بد مع الإشكال من مراجعة خبير موثوقٍ به.
ثم الذي أراه أن ذلك لا يلحق بمراتب الشهادات من كل الوجوه، بل يلحق بالتقويم وتعديل الأقساط في القسمة، حتى يختلف الرأي في اشتراط العدد (2) ولفظ الشهادة. هذا منتهى حظ الفقه من الباب.
7596 - ولو ذهبت أتبع ما ذكره الفقهاء من تقاسيم العلل التي عدُّوها وأنّى لهم بها، لأتيتُ بكلام [سخيفٍ] (3)، ولو [ستمددتُ] (4) مما حَظِيتُ به من هذه الصناعة، لأتيت بكلام كثير في غير موضعه، وهو لا يثمر فائدةً.
وهذا يضاهي محاولة [إغراق] (5) الكلام في أدلة القبلة في بابها.
7597 - ومما أجراه المزني أن قال: "السل ليس بمخوف"، وهذا كلام مدخولٌ، لا يرتضيه أرباب البصائر، وإن كان يرى أن العلل المزمنة التي ليست بالحادة، ليست مخوفة، كالدِّق (6) والاستسقاء وما في معناهما من الأعلال التي يظهر [الخوف] (7) فيها، وليست سريعة الانقلاب إلى البرء، أو الهلاك، فهذا بعيد مع تحقق الخوف.
فليتأمل الناظر ما يمر به.
__________
(1) في الأصل: وراجع.
(2) قطع النووي بأن المذهب اشتراطُ العدد وغيره مما يشترط في الشهادة. (الروضة: 6/ 129).
(3) زيادة من (س).
(4) في الأصل: استهدفت.
(5) في الأصل: اعراف.
(6) الدِّق: حُمّى تعاود يومياً، تصحب السلّ غالباً (معجم) وعرفه الرافعي بأنه داءٌ يصيب القلب ولا تمتد الحياة معه غالباً (فتح العزيز: 7/ 45).
(7) في الأصل: الحوت، و (س): القول. والمثبت تقدير منا.

(11/344)


7598 - والهرَم في الشيخ الكبير ليس يلتحق بالأمراض المزمنة، (1 فافهموا ترشدوا.
وإنما يتطرق الكلام إلى الأمراض المزمنة 1) من وجهين: أحدهما - أن الأئمة قالوا: الحامل ليست في حالة خوف، وإنما تُعدّ في حالة الخوف إذا طُلقت (2)، وإن كنا نعلم أن كل حاملة (3) تضع أو تجهض، وإلى أي المصيرين صارت فإلى الخوف مصيرها، ثم لم تجعل في حالة خوف قبل الطّلْق (4). هكذا. ولكن المرض المزمن ينفصل عنه، من جهة أن صاحبه مريض في الحالة الراهنة [وذات] (5) الحمل على [أحوال الصحة] (6) إلى أن تُطْلَق، ويتطرق إلى الأمراض المزمنة أنها إذا لم تكن حادّة، فقد تمكّن من العلاج في طول المدة، وهذا مما يجب التنبه له.
والذي يتحصل عندنا في ذلك أن نمزج إمكان العلاج، وطول المدة بقوة المريض (7)، وتقع القضية على حسب ذلك، فإن قال [أهل] (8) البصر مع ما ذكرناه: الخوف غالبٌ، فالمرض مرض الموت إذا أفضى إليه، ولا نظر إلى طول المدّة وقصرها، والله أعلم.
وقد ذكرنا في أثناء الكلام مسألةَ الحامل، وهي مقصودة، فلتعرف كما وصفناها.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (س).
(2) طُلقت: بضم فكسر: أصابها وجع الولادة. (معجم ومصباح) وضبطت في (س) بثلاث فتحات، وهو من أوهام الناسخ.
(3) حاملة: المشهور المعروف (حامل) بغير (هاء)؛ لأنها صفة مختصة، وربما قيل: (حاملة) بالهاء؛ أرادوا المطابقة بينها وبين حملت، وقيل أرادوا مجاز الحمل، إما لأنها كانت كذلك أو ستكون، فإذا أريد الوصف الحقيقي قيل: حامل بغير هاء. (قاله الفيومي في المصباح).
(4) (س): ... في حالة خوف، ولكن ...
(5) في الأصل: ودار.
(6) في الأصل: الأحوال الصحة، و (س): الأحوال الصحيحة. والمثبت تصرف من المحقق.
(7) (س): المرض.
(8) ساقطة من الأصل.

(11/345)


فصل
7599 - نص الشافعي رضي الله عنه على أن الرجل إذا كان في قُطرِ وقع فيه الطاعون الغالب، وعم طريانه، فأمر المقيم في ذلك القطر مخوفٌ، وإن لم [يطعن] (1) بعدُ.
وكذلك من كان في التحام القتال بعد التفاف الصفين، وازدحام القسي، فأمره مخوف وإن لم يجرح بعدُ.
وقال في أهل السفينة إذا هاج البحر والتطمت الأمواج وانتهَوْا إلى حالة مخوفة: هم في حالة خوف، وإن لم تنكسر السفينة بعدُ. هذه نصوص الشافعي رضي الله عنه، ثم نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: من قُدّم ليقتص منه غيرُ مخوف ما لم يجرح (2)، فمن أصحابنا من جعل في هذه المسائل كلها قولين، وكذا في أسيرِ في يد طائفة من الكفار يقتلون الأسارى. وهذا اختيار المزني؛ فإنه [لم ير فرقاً] (3) في هذه المسائل، من جهة أنا إن نظرنا إلى الشخص، فهو صحيح في بدنه، وإن نظرنا في توقّع إلمام الخوف به، فهذا المعنى حاصل.
ومن أصحابنا من فرق بين مسألة القصاص، فأجراها على النص وبَيْن غيرها من المسائل، وقال: يغلب من المسلم أن يرحم إذا ملك واقتدر، وقد يرغب في المال، فيعفو، وهذا لا يتحقق في سائر المسائل، وهذا الفرق لا يكاد يتضح.
والذي يعترض في نفس الفقيه أنا إذا حكمنا [بالخوف] (4) في هذه المسائل، فالحامل وإن لم تُطلَق بعد لا يمتنع أن تلحق بالمسائل التي ذكرناها، وهذا احتمال أبديناه، والذي ذكره الأصحاب أنها ما لم تطلق لا يثبت مقتضى الخوف [في] (5) حقها.
__________
(1) في الأصل: يظن.
(2) ر. المختصر: 3/ 172، 173، والأم: 4/ 36، 37.
(3) في الأصل: فإنه لم يرض.
(4) في الأصل: حكمنا الحرف.
(5) في الأصل: من.

(11/346)


ثم قال (1): "ومن أنفذته الجراح فمخوف" قال الأصحاب: صاحب الجائفة مخوف، وكذا صاحب الجراحة الواصلة إلى العظم، وكذلك إذا انتهت إلى مجتمع اللحم.
والذي عندنا في هذا أن نذكر للفقيه ما ذكره الأئمة في الجراح التي توجب القصاص، على ما سيأتي القول فيها مشروحاً، إن شاء الله.
وقد قالوا: من قطع إصبع إنسان أو أنملة من أنامله، فالجرح جرحُ قصاص، وردّدوا الخلاف في الإبرة تغرز في غير مقتل، فإن كانوا يجرون حكم الخوف في الوصايا ذلك المجرى، فقد اتسق القياس في [البابين] (2).
وإن كان أئمة المذهب يَفْصلون بين البابين ويخصصون الخوف بالجوائف والجراحات المنتهية إلى مجتمع اللحم، وقد تبين أنهم لم يرعَوْا هذا في وجوب القصاص، كان هذا من مشكلات المذهب، والممكن إن كان الأمر كذلك أن يقال: الجراح الموجبة للقصاص نيط القصاص بهما، وإن كانت لا تؤدي إلى القتل غالباً محافظة على صون الأرواح؛ فإن أغوار الجراح لا تنضبط، ولا يُدرى كيف وصولها إلى التجاويف والتلافيف، فعلِّق القصاص بقبيلها، حسماً للباب وردعاً للجناة، فأما القضاء بالخوف، فينبغي أن يتبع وقوع الخوف، وظاهر كلام الأئمة الفرق بين البابين.
وقد نجز مقصود الباب.
7600 - وذكر صاحب التلخيص مسائل وأقوالاً غريبة تتعلق بأحكام الأمراض، ونحن نذكر الزوائد منها وإن كان لا يليق بعضها بهذا الكتاب، فمما ذكره اختلاف قول الشافعي رضي الله عنه في إقرار المريض للوارث، وفيه قولان مشهوران ذكرناهما في كتاب الأقارير، والذي زاده صاحب التلخيص أنه حكى قولاً أن إقرار المريض للأجنبي
__________
(1) قال: أي الشافعي. انظر: السابق.
(2) في الأصل: الباقين.

(11/347)


في مرضه بمنزلة تبرعه عليه (1)؛ من جهة أنا لا نأمن اتخاذ الإقرار ذريعة إلى صرف طائفةٍ من ماله إلى الأجنبي، إذا علم أن التبرعات الزائدة على الثلث مردودة. وهذا القول بعيد جداً، قال الشيخ: لم يحكه أحد غيره.
7601 - ومما حكاه أن الجنون يُسقط الصلاة أداءً وقضاءً، والإغماء إذا استغرق وقت الصلاة ينزل منزلة الجنون، فتسقط به الصلاة أداء وقضاء، وأما الصوم، فالمنصوص أن الجنون يسقطه، فلو مرت أيام من رمضان في الجنون، ثم أفاق المجنون، فلا قضاء، ولو مرت أيام في الإغماء، فيجب قضاء الصوم، والذي زاده صاحب التلخيص أن من أصحابنا من جعل المسألة على قولين في الجنون والإغماء نقلاً وتخريجاً: أحدهما - لا يسقط الصوم بواحد منهما، ويجب القضاء فيهما عند زوال العذر. والثاني - لا يجب القضاء في أحدٍ من العذرين، وهذا لم أره لأحد من أصحابنا غيره.
ومما ذكره متعلقاً بأحكام الأمراض: أن الصائم إذا مرض في رمضان، وخشي زيادة الأوجاع، فله أن يفطر، وقد ذكرت في كتاب الصيام تقريب القول في الأمر المرعي في المرض الذي يبيح الفطر.
7602 - قال الشيخ (2) متصلاً بهذا: ما يجوّز للصائم في رمضان أن يُفطر قد (3) يجوّز لمن لزمته كفارة الظهار أن يترك به صومَ الشهرين، فيتحول إلى الإطعام، وإن كانت الكفارة تقبل التأخير. هذا ما ذكره الشيخ، وقطع [به] (4) وفيه تأمل على الناظر. نعم، لا يشترط أن يكون المرض مزمناً لا يرجى زواله حتى يجوز التحول، ولكن إن قلنا: الاعتبار في الكفارات بوقت (5 الوجوب وكان مريضاً إذ ذاك، فيجوز التحول إلى الإطعام، وإن قلنا الاعتبار بوقت 5) الأداء، ففي هذا
__________
(1) تبرعه عليه: فيها تضمين (تبرَّع) معنى تصدَّقَ. ثم عبارة (س) بدون لفظ (عليه).
(2) الشيخ: هو الشيخ أبو علي السنجي، فعنه ينقل إمامنا أقوال صاحب التلخيص الغريبة.
(3) (س): ما يجوز للصائم في رمضان أن يفطر به ولمن لزمته كفارة الظهار ...
(4) زيادة من (س).
(5) ما بين القوسين ساقط من (س).

(11/348)


أدنى نظر، يجوز أن يقال: إذا أطعم وهو مريض أجزأه الإطعام كما قال الشيخ، ويجوز أن يقال: إذا دام المرض شهرين، فالأمر على ما قال، وإن انقطع دون الشهرين، ففيه تردد والأظهر ما ذكره الشيخ.
***

(11/349)


باب الأوصياء
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا يجوز الوصية إلا إلى بالغٍ حر عدلٍ ... إلى آخره" (1).
7603 - نَصْبُ الأوصياء (2) جائز، وجوازه متفق عليه، وقد صار أبو حنيفة (3) وأصحابه إلى أن الوصاية تنزل منزلة الولاية، وليس الأمر كذلك؛ فإنها نيابة، غيرَ أنا نشترط في الأوصياء كثيراً من صفات الولاة، من جهة أن الوصاية أُثبتت مصلحةً، ولو رُدّ الأمر فيها إلى ظاهر (4) القياس، لما صحت؛ فإن قياس النيابة أن تنقطع بموت المستنيب، من جهة أن النائب فرعُ المستنيب، فيبعد أن يتصرف بعد خروج أصله من التصرف، ولكن أثبت الشرع [الوصاية] (5) نظراً للأطفال، وقياماً بالوصايا، وهي في النيابات تنزل منزلة الوصايا في التصرفات؛ فإن التصرفات حقها أن تنقطع بانقضاء العمر، ثم نفذت الوصايا بعد منقرض العمر، كذلك نفذت الوِصاية غير أنها أثبتت خارجة عن قياس وضع النيابة لمسيس الحاجة إليها، فاشترط لذلك اتصاف المنصوب بالصفات التي تطابق المصلحة، فظن أبو حنيفة أن اشتراط هذه الصفات ألحق الأوصياء بالأولياء، ثم ناقض هذا، فجوّز للإنسان أن ينصب عبدَه وصيّاً على أطفاله (6)، ولم يجوّز أن يوصي إلى عبدٍ لأجنبي، ونحن لا نجوّز الوصاية إلى عبدٍ.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 172.
(2) (س): الأولياء.
(3) ر. حاشية ابن عابدين: 4/ 367، 5/ 448.
(4) ساقطة من (س).
(5) في الأصل: الوصية.
(6) ر. مختصر اختلاف العلماء: 5/ 72 مسألة رقم 2206، وحاشية ابن عابدين: 5/ 448.

(11/350)


7604 - والصفاتُ المرعية في الأوصياء خمسٌ: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والعدالة. ذكر الأصحاب هذه الصفات. والرشدُ لا بد منه؛ فإن من لا يستقل وإن كان عدلاً لا يصلح للقيام على الأطفال، وتنفيذِ الوصايا، وإنما اشترطنا العدالة في الوصاية ولم نشترطها في الوكالة؛ من جهة أن من يوكل وكيلاً من أهل التصرف فإنما يوكله في حق نفسه، ويُحل تصرفَه محل تصرف نفسه، فلا معترض عليه. والوصي يتصرف في حق غير الموصي، فيجب أن يُرعى فيه استجماع الصفات التي ذكرناها.
فقد قال علماؤنا: إذا وكل الرجل وكيلاً، ثم قال له موكله: وكِّل فيما فوضت إليك وكيلاً، فليس لذلك الوكيل أن يوكِّل فاسقاً؛ فإنه إنما يوكّل على غيره؛ فيجب أن يرعى المصلحة فيه؛ فلا يوكِّل إلا موثوقاً به صالحاً.
وكذلك لمالك المال أن يودعه عند فاسق، والمودَع في نفسه إذا احتاج إلى المسافرة، وجوزنا له أن يودع الوديعة التي (1) عنده، فيتعين عليه أن يودعها عند عدلٍ موثوق به.
ثم اشتراط التكليف بيِّنٌ؛ فإلب التصرف لا يصح إلا من مكلّف، واشتراط العدالة معلَّلٌ بما ذكرناه، واشتراط الحرية سببه أن العبد لا يستقل بنفسه؛ ولذلك لم يكن من أهل الولايات.
ثم مذهب الشافعي رضي الله عنه أن المكاتب لا يجوز أن يكون وصياً، كالقِنّ؛ فإنه وإن كان مستبداً بنفسه في تصرفاته وأكسابه، فلا يستقلّ استقلالاً تاماً، ولذلك يمتنع عليه كثير من التصرفات، وعند أبي حنيفة يجوز أن يكون المكاتب وصياً، وهذا أيضاً يناقض قول أصحابه (2): [إن] (3) الوصي بمثابة الولي.
وأما اشتراط الإسلام فسببه أنا [لا نثق بكافر] (4)، فإن أوصى مسلم إلى كافرٍ، لم
__________
(1) ساقطة من (س).
(2) ر. الاختيار: 5/ 67، وحاشية ابن عابدين: 5/ 448.
(3) في الأصل: فإن.
(4) في الأصل: لم نثق بكافر.

(11/351)


يصح، وإن أوصى كافر إلى مسلم، صحت الوصاية، وإن كان يتصرف في حقوق أطفالٍ من الكفار، وهذا يوضح أن الوصاية ليست ولاية.
ولو نصب كافرٌ كافراً وصياً، ورفعت الوصاية إلينا، فهل ننفذها؟ وهل نقضي بها؟ فعلى وجهين ذكرهما العراقيون، وهذا يقرب من التردّد في أنا هل نحكم بولاية الكافر على ابنته الكافرة؟ وإذا كان الظاهر [أن] (1) ولي الكافرة كافر، فالظاهر أيضاً تنفيذ وصاية الكافر إلى الكافر، وهذا إذا كانت الوصاية (2) لا تتعلق بحقوق المسلمين، مثل أن ينصب كافر كافراً في حقوق أطفاله الكفار، فأما إذا كان أوصى للمسلمين بوصايا، ونصب وصياً في تنفيذها [فيبعد] (3) تصحيح الوصاية إلى كافر [في] (4) مثل هذا.
7605 - ثم قال أئمتنا العراقيون: هذه الأوصاف التي شرطناها في الوصي في أيةِ حالةٍ تراعى وتعتبر؟ فعلى ثلاثة أوجه: أحدها - أنها تعتبر يوم الموت، فإذا تحققت يومئذ، نفذت (5) الوصاية مع القبول، ولا يضر اختلالها قبل ذلك. وهذا أصح الوجوه، وهو الذي قطع به المراوزة؛ فإنا نعتبر في أركان الوصية حالة الموت، فكذلك في الوصاية.
والوجه الثاني - أنا نعتبر حصول هذه الشرائط في وقتين: أحدهما - وقت عقد الوصاية من الموصي، والثاني - حالة الموت، ولا يضر اختلالها بين هاتين الحالتين.
والوجه الثالث - أنه يشترط تحققها في الوقتين، ويشترط دوامها بينهما، حتى لو اختل شيء منها ما بين الوصاية والموت، بطلت الوصاية.
وهذا ضعيفٌ، لا أصل له.
__________
(1) زيادة من (س).
(2) (س): الوصاية تتعلّق [بدون (لا)].
(3) في الأصل: سغة (بهذا الرسم).
(4) ساقطة من الأصل.
(5) (س): تقررت.

(11/352)


7656 - ثم إنهم لما ذكروا هذه الأوجه بنَوْا عليها حكمَ القبول، فقالوا: إن لم نعتبر الأوصافَ في حياة الموصي، فلا حكم على هذا [القول] (1) لقبول الوصي ورده في حالة الحياة، كما لا حكم لقبول الموصى له ورده في حياة الموصي.
وإن قلنا: إنا نعتبر (2) الأوصاف في حياة الموصي، فلا خلاف أنا لا نشترط قبول الوصي متصلاً بالإيصاء، فإن الوصي قد يكون [غائباً] (3)، ولكن لو قبل الوصي المستجمع للأوصاف في حياة الموصي، فهل يثبت قبوله؟ ولو رد الوصاية هل يلزم رده؟ فعلى وجهين ذكروهما: أحدهما - يلزم ردّه، ويثبت قبوله فيكونان كالرد والقبول بعد موت الموصي، والثاني - لا حكم لهما أصلاً.
وهذا هو الصحيح الذي لم يعرف المراوزة غيرَه.
ومما ذكره العراقيون في الأوصياء خلافُ الأصحاب في أن الأعمى هل يجوز أن يكون وصياً؟ (4 وهذا فيه احتمال 4).
7607 - ومما يتعلق بتمام القول في هذا الفصل تغير الوصي عن الصفات المشروطة في الوصاية بعد قبول الوصاية، واستقرارها: أما ما يُصيِّره مَوْليّاً عليه كالجنون، فلا شك أنه يُخرجه عن كونه وصياً، ثم إذا عقل، لم يعد وصياً بعد الانعزال.
فأما إذا فسق الوصي، [فالذي] (5) دلّ عليه ظاهر كلام الأصحاب أنه ينعزل، ولا ينفذ بعد فسقه تصرفهُ بالوصاية.
وقد ظهر اختلافٌ بين الأصوليين في أن الإمام الأعظم لو فسق هل ينخلع بفسقه (6 أو يخلع 6)؟.
__________
(1) في الأصل: فلا حكم على هذا القبول الوصي، و (س): فلا حكم على هذا القول للوصي. والمثبت تصرّف من المحقق.
(2) (س): إنا لا نعتبر.
(3) في الأصل: غالباً.
(4) ما بين القوسين ساقط من (س).
(5) في الأصل: والذي.
(6) ما بين القوسين ساقط من (س).

(11/353)


وذكر الفقهاء قريباً (1) من هذا الخلاف في فسق القضاة والولاة الذين تلقَّوا الولاية من تولية الإمام، والقدر الذي نذكره هاهنا أن فسق الأئمة مختلفٌ فيه، ولو قلنا: الظاهر أنهم لا ينعزلون بنفس الفسق، لكان ذلك مستقيماً، والسبب فيه أن استمرار العصمة بعيد، والمصير إلى انخلاع الإمام بالفسق يخرم ثقة الخلق بالإمامة والزعامة، وليس وراء الإمام ناظر، فالوجه ألا يطلق القول [بانعزاله] (2).
وأما القضاة فللخلاف فيهم مجال؛ من جهة أن نظر الإمام محيطٌ بهم، فإن حكمنا بانعزالهم، لم يجرّ ذلك [خللاً] (3)؛ فإن الإمام مستقل بالاستبدال عنهم من غير إفضاء الأمر إلى انتشار الرأي.
فأما الوصي؛ فإنه ليس ولياً، والعدالة مشروطة في منصبه اشتراط العقل، وهو من العقود الجائزة، فطريان الفسق عليه كطريان الجنون.
7608 - ثم الوصاية لا تثبت إلا بالقبول على الرأي الظاهر، ومن أصحابنا من أحلّها محل الوكالة، وخرّجها على الخلاف المذكور في أنا هل نشترط القبول من المستناب؟ ثم إذا قبل الوصاية، لم (4) يلزمه الوفاء بها، وله أن يعزل نفسه، كما للوكيل أن يعزل نفسه.
وخالف أبو حنيفة (5) في هذا، فأوجب على الوصي الوفاء بالوصاية إذا قبلها.
7609 - ومما يتصل بهذا الفصل أن الوصي إذا خرج عن كونه وصياً، تعين على السلطان أن ينصب قيّماً، ويقيمه مقامه، حتى لا تتعطل أمور الأطفال، وتنفذ الوصايا المنوطة بالأوصياء.
هذا إذا خرج الوصي عن كونه وصياً، (6 فأما إذا لم يخرج عن كونه وصيّاً 6)،
__________
(1) عبارة الأصل: وذكر الفقهاء قرباً قريباً من هذا الخلاف.
(2) في الأصل: ما يزاله.
(3) في الأصل: خلا، و (س): أصلاً.
(4) (س): قبل الوصاية من لم يلزمه الوفاء بها.
(5) ر. الاختيار: 5/ 66، وحاشية ابن عابدين: 5/ 447، 448.
(6) ما بين القوسين سقط من (س).

(11/354)


ولكن عظمت أشغاله، وكان وحده لا يستقل بها، فالسلطان يضم إليه من يعينه حتى لا يتطرق الاختلال إلى مقصود الوصاية.
ولو لم يكن على الأطفال وصي، فحقٌ على القاضي أن يقيم عليهم قيِّماً على الشرائط التي ذكرناها في الإيصاء، فإذا نصب قيماً، ولم يستقلّ ذلك القيم بجميع الأشغال، فالقاضي إن أراد، صرفه، وأقام مستقلاً بالأمر. وإن أراد أن يضمّ إليه مضموماً، فعل.
ووصيُّ المتوفَّى إذا لم ينعزل ولكنه لم يستقل، فليس للسلطان أن يعزله؛ فإنه ما تلقَّى الوصاية من جهته، وإنما للسلطان بل عليه أن يضم إليه من يدرأ الخلل؛ حتى يحصل الاستقلال بهما، فأما القيم فأمره إلى الوالي، إن أراد صَرْفَه من غير سببٍ، لم يُعترض عليه.
هذا منتهى القول في الأوصياء، وصفاتهم المرعية، وبيان ما يطرأ عليهم، وتفصيل القول في القبول والردّ.
7610 - ونحن نذكر الآن ما يتعلق بالأوصياء فنقول: إن كان في الورثة أطفالٌ، أو مجانين، وكان المتوفى يليهم لو كان حيّاً، فله أن ينصب وصياً (1) عليهم؛ حتى يرعاهم. وإن كان الأطفال إخوةَ الميت، فهو لا يليهم حياً، فلا يصحّ أن ينصب عليهم وصياً، بل أمرهم مفوّض إلى السلطان، وهذا بيّن.
ولو لم يكن في الورثة مَوْليٌّ عليه، فلا معنى لنصب وصي على الورثة، ولكن إن أوصى بوصايا وفوض تنفيذها إلى الوصي، فهي إليه، ثم الوصايا قد تكون لجهاتٍ عامة، كالوصية للفقراء أو لبناء المساجد، أو لعمارة الثغور، وغيرها من وجوه الخير، فإن فوض تفصيلها إلى رأي الوصي، فلا معترض عليه ما وافق الشرع، وإن أوصى لمعيّنين، ونفذت الوصايا باتّساع الثلث وقبول الموصى لهم، فلا يكاد يظهر للوصي أثر، سيّما إذا كانت الوصية بأعيانٍ؛ فإن الذين لهم الوصية يأخذونها ولا يراجعون الأوصياء.
__________
(1) (س): ولياً.

(11/355)


وإن أوصى بإعتاق عبد معين، فإنشاء الإعتاق إلى الوصي، وإن كان لا يملك العدول عن العبد المعين، والدليل عليه أن ذلك العبد المعين لا يعتِق، ما لم يُعتق.
وأما قضاء الديون، فلا يتعلق منه أمرٌ بالوصي؛ فإن الورثة لو أرادوا قضاء الديون من أموالهم واستبقاء أعيان التركة لأنفسهم، كان لهم ذلك؛ فإن أبَوْا أن يؤدوها من أموالهم، وأرادوا -وهم أهل رشدٍ لا يولّى عليهم- أن يتعاطَوْا بيعَ التركة وصرفَ الثمن إلى الغرماء، وكان المتوفى فوّض ذلك إلى الوصي، فهذا فيه تردّدٌ؛ من جهة أن الوصي نائب عن الموصي، فلا يبعد أن يقال: إذا لم يؤدِّ الورثةُ الديون من أموالهم، فله أن يتولى البيع ويحتاط، ولا يعترض عليه.
ويجوز أن يقال: التعويل على الورثة في ذلك. فليتأمل الناظر هذا الموضع.
فأما تجهيز الميت إذا لم يجْر فيه وصيةٌ منه في تعيين ثوب، أو مالط، فهو بمثابة الديون، وقد قدّمنا فيها تفصيل المذهب، ومحلَّ الوفاق وموضعَ التردّد.
وأما ردُّ الغصوب والودائع، فليس يتعلق بالأوصياء؛ فإن مُلاك الأعيان يأخذونها. نعم، مؤنة ردّ الغصوب من التركة، وسبيل تلك المؤنة كسبيل الديون.
7611 - والمرأة إذا خلفت أولاداً، ونصبت عليهم وصياً، فهذا يخرّج على الخلاف المشهور في أن المرأة في نفسها هل تلي أطفالها إذا لم يكن لهم أب [كافل] (1)؛ فإن قلنا: إنها تليهم، فلها أن توصي إلى إنسان وتنصب وصياً عليهم، وإن قلنا: إنها لا تلي في حياتها، فلا يصح منها نصبُ الوصي على أطفالها.
__________
(1) في الأصل: كامل.

(11/356)


فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو أوصى إلى رجلين، فمات أحدهما، أو تغيّر ... إلى آخره" (1).
7612 - إذا نصب الرجل وصيين في أمورِ أطفاله وتنفيذ وصاياه، لم يخل من ثلاثة أقسام: أحدها - أن يجوِّز لكلٍّ منهما أن يستقل بالتصرف.
والثاني - أن يشترط عليهما أن يجتمعا في الأمور، ولا ينفرد واحدٌ منهما بنفسه.
الثالث - أن يطلق الإيصاء، ولا يتعرض لإثبات استقلال كل واحد منهما، ولا لنقيضه.
فأما إذا أثبت لكل واحد منهما أن يستقل، فلا إشكال، ولكن لو كان أوصى بصرف طائفةٍ من ماله إلى المساكين، مثلاً، وكل واحد منهما مستقل بنفسه، فلو أراد أحدهما أن يصرف الموصى به إلى أقوام من المساكين بعينهم، وأراد الثاني أن يصرفه إلى آخرين معينين عنده، فنقول أولاً: إن اتفق سبقُ أحدهما إلى التنفيذ، فلا [معترض] (2) لما نفذه على موجب الشرع، وقول الموصي.
وإن اجتمعا وتنازعا، فمن أصحابنا من قال: الحاكم يقرع بينهما. وهذا فيه بعدٌ؛ فإنّ استعمال القرعة من غير ثبتٍ شرعي في كل موضع لا سبيل إليه، ولم يرد في مثل هذا استعمال القرعة.
ومن أصحابنا من قال: السلطان يضع ذلك المال فيمن يراه، على وَفْق الوصية والشرع، ويتركهما يتنازعان. هذا إذا كان فوّض إلى كل واحد منهما أن يستقلّ، فأما إذا شرط [اجتماعهما] (3)، واعتضاد كل واحد منهما [بالآخر] (4) أو أطلق الإيصاء
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 173.
(2) في الأصل: يتعرض.
(3) في الأصل: اجتماعها.
(4) زيادة من (ص).

(11/357)


إليهما، [فعندنا] (1) أن إطلاق الإيصاء [يقتضي] (2) ألا ينفرد كلُّ واحد منهما، كما لو قيّد الإيصاء بالاجتماع؛ فإن غرضه من جمعهما [صدور] (3) الأمر عن رأي اثنين.
وهذا من [الأغراض] (4) الظاهرة والمقاصد البينة، ثم كل ما أوضحنا أنه لا يتعلق بالوصاية، فلا معنى لربطه باجتماعهما، وهذا كردّ الودائع والغصوب، وكتسليم الأعيان الموصى بها إلى الموصى لهم؛ فإن هذه الأشياء لا وصية بها، ولا أثر للوصاية فيها.
فأما ما يتعلق بالوصاية، فلا يستقل [واحدٌ] (5) منهما بنفسه.
هذا مذهب الشافعي وأصحابه، وأبو حنيفة (6) يرى لكل واحد منهما أن يستقلّ، وهذا بناه فيما زعم أصحابه على أن الوصاية ولاية، في خبطٍ لهم طويل، لسنا له الآن.
ولو كان أوصى بعتق عبد معين، فلا بد من اجتماعهما، ولا ينفرد بإعتاق ذلك العبد المعين أحدُهما؛ فإن الشرط اقترانهما في كل تصرف، [لا بد] (7) من إنشائه وإعتاق ذلك العبد المعين بهذه المثابة.
__________
(1) في الأصل: بعيداً.
(2) مزيدة من (س).
(3) في الأصل: يقدّر.
وعندي أنها (صَدَر) كدأب الإمام في جميع كتبه في استعمال هذا المصدر، وأن الذي أمامنا من تصرّف الناسخ.
(4) في الأصل: الاعتراض.
(5) زيادة اقتضاها السياق.
(6) الذي رأيناه في كتب الأحناف أن هذا قول أبي يوسف، وأما أبو حنيفة ومحمد، فعندهما يبطل فعل أحد الوصيين، إلا إذا أجازه صاحبه، فيجوز دون عقد جديد. (ر. حاشية ابن عابدين: 5/ 449، ومختصر اختلاف العلماء: 5/ 76 مسألة رقم 2210، والاختيار: 5/ 67).
(7) في الأصل: فلا بد.

(11/358)


فصل
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإن اختلفا، قُسّم بينهما ما كان ينقسم ... إلى آخره" (1).
7613 - أراد رضي الله عنه بذلك أن الوصيين إذا تنازعا في حفظ المال، فإن كان يجمعهما مسكن واحد، فإنهما يشتركان في مراقبة المال وصونه بالحفظ الممكن المعتاد، وإن كانا يسكنان مسكنين، قال الشافعي رضي الله عنه: إن كان المال قابلاً للقسمة، قسم بينهما، واستقل كل واحد منهما بحفظ حصته.
وإن كان المال مما لا ينقسم، وتعذر اشتراكهما في الحفظ، فإن اتفقا على رجل موثوق به واستحفظاه، فجائز، وإن لم يتفقا وتنازعا [انتزعه] (2) الحاكم من أيديهما ووضعه على (3) يدي عدل رضاً.
[هذا] (4) ما ذكره الشافعي رضي الله عنه، وهو من مشكلات الباب وسؤالاته.
7614 - فإن قيل: التفويض المطلق عند الشافعي إلى الوصيين يقتضي أن يشتركا في وجوه الاستصلاح، ولا ينفرد واحد منهما بوجه من الوجوه دون صاحبه، فإذا [اقتسما] (5) المالَ، فكل واحد منفرد بحفظ مقدار، والاشتراك في الحفظ [يزيد] (6) في الاحتياط، فليس المحفوظ في كلاءتين والملحوظ بعينين (7)، كالمحفوظ بعينِ واحدٍ، كما أن التصرفات الصادرة [عن] (8) رأيين مختصة [بمزيد] (9) احتياط، فإذا
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 173.
(2) في الأصل: انزعه.
(3) (س): في يد عدلٍ هذا ما ذكره ...
(4) زيادة من (س).
(5) في الأصل: انتها المال.
(6) في الأصل: من يد.
(7) ساقطة من (س).
(8) في الأصل: في.
(9) في الأصل: بمؤيد.

(11/359)


اشترطنا صدور التصرفات عن نظرهما، فلمَ نجوز اختصاص كل واحد منهما بحفظ مقدار من المال لا يشاركه فيه صاحبه؟
قلنا: معظم هذه الأحكام المتلقاة من الألفاظ راجعٌ إلى حكم العرف، فإذا فوض الرجل تصرفاً إلى اثنين، اقتضى ذلك أن يشتركا فيه. هذا [موجب] (1) اللفظ ومعناه، في فهم أهل العرف، وهو لائق أيضاً بالمقاصد، فرأى الشافعي رضي الله عنه أن نسبة تفويض التصرف بالوصاية إلى اثنين بمثابة توكيل رجلين ببيع أو غيره من التصرفات، فأما الاشتراك في الحفظ، فمّما يعسر تكليفه، ولا يُفهم من تفويض الوصاية إلى رجلين أن يتخذا مسكناً واحداً، ويشتركا في حفظه، فاقترن موجب العرف باللفظ، واحتكم عليه. وأما إصدار التصرفات عن نظرين، فمعتاد.
هذا ما يتوجه به النص، وما ذهب إليه جمهور الأصحاب.
7615 - وذهب صاحب التقريب إلى طريقة [خالف] (2) بها الأصحاب، وذلك أنه قال: إن فوض الوصاية إليهما على أن يستقل كل واحد منهما، فلا شك أنه لا يمتنع على هذا المقتضى استقلالُ كل واحد بحفظ مقدار من المال.
وإن كانت [إضافة] (3) الوصاية إليهما تقتضي أن يشتركا في التصرفات ولا ينفرد بها واحد، فإن اقتسما المال بينهما على ما ذكرناه لينفرد كلُّ واحد منهما بحفظ مقدار، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أن ذلك [لا يسوغ] (4)؛ فإن الاشتراك فيه ممكن، وموجب التفويض الاشتراك، كما ذكرناه في التصرفات.
وهذا قياسٌ بيّنٌ.
والوجه الثاني - أن ذلك سائغ وتوجيهه ما ذكرناه.
ثم فرع على الوجهين، وقال: إن فرعنا على ظاهر النص (5)، فإذا تنازعا، قسم
__________
(1) في الأصل: موجبه.
(2) في الأصل: خالد.
(3) في الأصل: إجابة.
(4) في الأصل: لا يشرع.
(5) (س): ظاهر المذهب.

(11/360)


المال بينهما إن كان مما ينقسم، وإن فرّعنا على الوجه الثاني، قيل لهما: إما أن تشتركا في الحفظ وفاءً بموجب التفويض المطلق المقتضي للاشتراك، وإما أن تمتنعا [من] (1) ذلك، فيرى القاضي في حفظ المال رأيه.
ثم إن أخرج الإمام أو القاضي المال من أيديهما عند امتناعهما من الاشتراك في الحفظ، فهل للقاضي أن يستحفظ فيه رجلاً واحداً، أم يستحفظ فيه رجلين؟ فعلى وجهين: أصحهما - أنه لو أراد أن يستحفظ رجلاً واحداً، جاز؛ فإن اشتراكهما كان متلقّىً على الوجه الذي عليه التفريع من لفظه الموجِب لذلك، وكان لفظه مختصاً بهما.
فإذا امتنعا، انقطعت [قضية] (2) الوصاية، وصار كأنه لم يوصِ أصلاً، ولو خلّف رجلٌ ذريةً، ولم يوصِ، فالقاضي بحكم نظره ينصب عليهم قيماً، كذلك في هذه المسألة.
والوجه الثاني - أنه يستحفظ رجلين؛ فإن الوفاء بذلك ممكن، وهو من مقاصد الموصي. وهذا ضعيفٌ لا شيء.
قال صاحب التقريب: هذا إذا كان المال مما ينقسم، فإن كان مما لا ينقسم، ففي المسألة وجهان (4 على موجب [النظر] (3) فإن قلنا في المال المنقسم: إنه لا يقسم بينهما، بل ينتزعه القاضي منهما، فهذا متحقق في المال الذي لا ينقسم، ثم التفريع فيه ما تقدم، وإن قلنا: يقسم القاضي المال بينهما، فإن كان مما لا ينقسم قال: في المسألة وجهان 4) أحدهما - أنه ينتزعه منهما؛ إذ لا سبيل إلى القسمة، وقد امتنعا من الاشتراك في الحفظ.
والوجه الثاني - أن [الوالي] (5) يقرع بينهما، فمن خرجت قرعته سلّم إليه المال.
__________
(1) في الأصل: في.
(2) في الأصل: نصبه.
(3) زيادة من المحقق.
(4) ما بين القوسين سقط من (س).
(5) في الأصل: الولي.

(11/361)


هذا تفصيل القول في حفظهما وتنازعهما فيه.
7616 - ومما يجب الإحاطة به [أنا] (1) أطلقنا وجوب الاشتراك في التصرفات، وليس المعنى به أن يتلفظا بإيجاب البيع وقبول الشراء، ولكن الغرض أن يجري كل تصرف صادر عن نظرهما ورأيهما، فإذا حضرا العقد ونظرا، ثم قال أحدهما لصاحبه: اشتر هذا بكذا أو بعه، ووافق العقدُ رأيهما، فذلك جائز وفاقاً، وكذلك إذا وكلا من يبيع ويشتري بحضرتهما، فهو جائز لصدور العقد عن رأيهما.
ولو وكلا من يشتري على ما يرى أو يبيع كذلك من غير أن يراجعهما، لم يجز ذلك.
فإن قيل: إذا [ارتضيا] (2) ذلك، فقد جرى التوكيل عن رأيهما؟ قلنا: هذا رأيٌ يتضمنه إثبات الاستقلال لشخص، وهو مخالف لرأي الموصي وموجب لفظه المقتضي للاشتراك، كما تقدم ذكره.
فإن قيل: قد تكلفتم تعليل انفراد أحد الوصيين بحفظ مقدار بالعرف، [فهلا] (3) قلتم: إذا ارتضى أحدهما بحفظ الثاني وأمانته وفوّض إليه الحفظ [جاز] (4)، كما لو فوض إليه إنشاء عقد؟ قلنا: إنه يرى أولاً رأيه في العقد، ثم [يفوّضه] (5) بمرأى منه، أو على غيبةٍ قريبة لا يختلف [في] (6) مثلها وجوه الرأي، فأما الحفظ، فالمنفرد مستقل به ولَحْظُ صاحبه منقطع عنه، وهو بمثابة ما لو فوض أحدهما إلى الثاني النظرَ في التصرفات، وجوز له أن ينفرد بها من غير مراجعة صاحبه في تفاصيل العقود، ولو [فعل] (7) ذلك لم يجز. فهذا منتهى الغرض.
__________
(1) في الأصل: أن.
(2) مكان كلمة غير مقروءة في الأصل. هكذا (استقر ـا) وفي (س) هكذا: (استوصا).
(انظر صورتها في الجزء الأخير (قائمة الألفاظ التي تعذر قراءتها).
(3) في الأصل: وهلاّ.
(4) مزيدة من (س).
(5) في الأصل: ثم يعرضه. و (س): نُفْرضه (بهذا الضبط) والمثبت تصرف من المحقق.
(6) في الأصل: من.
(7) في الأصل: ولو نفل ذلك.

(11/362)


فصل
قال: "وليس للوصيّ أن يوصي ... إلى آخره" (1).
7617 - إذا نصب وصيّاً، ولم يجعل إليه أن يوصي بتلك الوصاية إلى وصيٍّ عند موته، فليس له أن ينصب وصياً؛ فإن الوصاية [تقتضي] (2) تفويضَ التصرف المذكور إلى الوصي، فأما إقامته غيرَه مقام نفسه عند انقطاع تصرفه، فليس من مقتضيات الوصاية، ولا مما يقتضيه العرف، حتى يُعتقَد تقيّد اللفظ به.
نعم، إذا وكّل الوصي المطلقُ في حياته وكيلاً صالحاً موثوقاً به، فهو جائز؛ [فإنّ] (3) العرف يقتضي اقتضاءً ظاهراً [تجويز] (4) ذلك، وهذا كما أن العامل في القراض يوكّل ويستنيب في تفاصيل تصرفاته، ولا ينصب مقارضاً.
فأما إذا قال: أوصيت إليك بكذا فقُمْ فيه، وأوْصِ إذا حضرتك الوفاة بهذه الوصاية إلى وصيّك، ففعل ممتثلاً لإذنه، ففي جواز ذلك قولان: أحدهما - أنه يجوز، لأن الموصي الأول أذن في ذلك، ورضي به.
والقول الثاني - لا يجوز؛ لأن الوصاية [المتعلّقة] (5) بموته المتصلة به جائزة شرعاً جوازاً خارجاً عن القياس، كما سبق التنبيه عليه (6 في صدر الباب 6).
فأما إثبات أوصياء متعاقبين يخلف البعض منهم البعض، فلا توقيف [فيه] (7) والأصل مفتقر إلى التوقيف.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 174.
(2) مزيدة من (س).
(3) في الأصل: قال.
(4) في الأصل: يجري.
(5) في الأصل: ألا تعلقه.
(6) ما بين القوسين ساقط من (س).
(7) في الأصل: منه. وساقطة من (س).

(11/363)


ولو قال للأول: أنت وصيي في كذا وكذا، فإذا متَّ وأوصيتَ إلى رجل، فهو وصيي فيما أنت وصيي فيه، ففي المسألة طريقان: من أصحابنا من قطع بأن من يعيّنه الوصي الأول إذا حضرته الوفاة [يصير] (1) وصياً (2 للموصي الأول؛ فإنه هو الذي نصبه وصياً 2) نصباً [معلقاً] (3)، والتعليق غير ممتنع في نصب الأوصياء؛ إذ لو قال: أنت وصيي إلى أن يبلغ هذا الصبي رشيداً، ثم هو وصيي، أو قال: أنت وصيي، فإذا [قدم] (4) فلان، فهو وصيي، فهذا جائز (5).
ومن أصحابنا من جعل المسألة على قولين في الصورة التي ذكرناها، وفرق بأنه إذا عيّن شخصاً وعلّق الوصية إليه بمقدمه، فهو جائز قولاً واحداً؛ لأنه عالم به، وإذا قال: من أوصيتَ إليه، فهو وصيِّ، فهذه جهالة تقطع نظر الموصي عن الوصي الثاني، ولا يصح نصب الوصي كيف كان، بل لا بد من رعاية صفات فيمن ينصب وصياً، فإذا كانت رعايتها إلى الوصي الأول، فهو المتخير (6) إذاً، والصور (7) التي ذكرناها في تعليق الوصاية مفروضة في معيّنين (8).
والصحيح قطعُ القول بانتصاب الوصي الثاني وصيّاً بنصب الوصي الأول، ولا حاصل في الجهالة التي ذكرناها، حتى ذهب ذاهبون من الأصحاب إلى تغليط المزني في نقل القولين في الصورة التي قطعنا القول فيها. وقد ذكر قولين في هذه الصورة.
__________
(1) في الأصل: يوصي.
(2) ما بين القوسين ساقط من (س).
(3) في الأصل: متعلقاً.
(4) في الأصل: تقدم.
(5) هذا هو المذهب. قاله النووي (ر. الروضة: 6/ 314).
(6) (س): متخير.
(7) (س): والوصية.
(8) قال النووي في قوله: "لو متَّ، فوصيك وصيِّي": باطلة على الأظهر، وقيل: قطعاً.
وقيل صحيحة قطعاً (ر. الروضة: 6/ 314) وقال العز بن عبد السلام في الغاية في اختصار النهاية: جاز على الأصح. (ر. ورقة 22 من الجزء الثالث).

(11/364)


فرع:
7618 - إذا نصب وصيين، وجعل إليهما التصرف جمعاً، فقد ذكرنا أنه لا ينفرد أحدهما بالتصرف، فلو فسق أحدهما، أو مات، فيقيم القاضي مقامه آخر، فلو أدى اجتهاد القاضي إلى تفويض الأمر إلى [الثاني] (1)، ورآه مستقلاً كافياً ليكون منصوباً من جهته، ووصياً من جهة الميت، فهل يجوز ذلك؟ فعلى وجهين، ذكرهما العراقيون: أحدهما - لا يجوز؛ فإن الميت لم يرض إلا بشخصين، فلا بد من ارتسام رسمه.
والثاني - يجوز؛ فإن رسمه [إنما يمتثل] (2) ما بقي الوصيان، فإذا خرج أحدهما عن الوصاية [تعذَّر] (3) اتباع [أمره وفات] (4) رعاية اجتماعهما، ثم القاضي يرى رأيه.
قالوا: كذلك إذا ماتا جميعاً، أو فسقا، فهل يتعين على القاضي نصبُ شخصين أم يجوز أن ينصب شخصاً واحداً؟ فعلى. وجهين، وذكر الخلاف في هذه الصورة بعيد؛ فإنه إذا بقي أحدهما، فهو متعلّق الوصاية، فلا يبعد اشتراط ضمِّ شخص آخر إليه؛ فإذا خرجا جميعاً بالفسق عن الوصاية، أو ماتا، فقد زالت الوصاية بالكلية، فصار كما لو لم يوصِ أصلاً.
فصل
7619 - إذا نصب وصيّاً (5)، وعيّن له شغلاً، لم يكن له أن يتصرف في غير ذلك الشغل المعيّن، خلافاً لأبي حنيفة (6). وسرّ (7) المذهب على ما بنينا الباب عليه، من أن الوصاية نيابة مترتبةٌ على الاستنابة، فلا تعدو محلّ الإذن كالوكالة.
__________
(1) في الأصل: "الباقي".
(2) في الأصل: ألا يمثل.
(3) في الأصل: ـعله.
(4) في الأصل: أمر وفا رعاية.
(5) (س): ولياً.
(6) ر. حاشية ابن عابدين: 5/ 461.
(7) (س): وبناء المذهب.

(11/365)


فرع:
7620 - الجد أب الأب أوْلى عند عدم الأب، فلو أوصى [الأب] (1) في أمور أطفاله إلى أجنبي، فقد ظهر اختلاف أصحابنا في أن الوصي هل يتصرف بالوصاية؟ منهم من قال: الوصاية باطلة مع الجد أب الأب، إذا كان مستجمعاً لشرائط الولاة؛ فإن الوصاية إنما أثبتت لعدم الولي الخاص، وولاية الجد أقوى، وهو بالتصرف والنظر أولى من الوصي الأجنبي.
ومن أصحابنا من قال: الوصي أولى؛ لأنه بمثابة الأب بعد وفاته، فكان مقدّماً على الجد، كما يتقدم وكيل الأب على الجد في حياة الأب، وهذا التردد في ولاية الأطفال.
فأما إذا وصى إلى أجنبي صرف صدقةٍ أو غيرِها من جهات التبرعات، فهو أولى من الجد، لا خلاف فيه.
7621 - ثم عقد المزني باباً في تصرف الوصي في مال اليتيم وقد أتينا به على أحسن مساق في كتاب البيع، وذكر فصولاً من الفروع: أولها - أن الوصي لا يملك التزويج بالوصاية، وهذا وما يتصل به سيأتي في كتاب النكاح، إن شاء الله عز وجل.
7622 - وقد نجزت المنصوصات من كتاب الوصايا، ونحن نرسم مسائل انسلّت عن ضبط الأبواب، ونأتي بها على غير نظام ترتيب، وبنجازها [نجازُ] الوصايا، إن شاء الله عز وجل. منها: إن المريض في مرضه المخوف لو قدّم بعضَ الغرماء بتمام حقه، وكانت التركة تضيق عن جملة الديون، ولو قسمت، لنقص حق كل واحد منهم، فإذا توفي والمسألة كما صورناها، فهل نسترد من الذي قدمه المقدار الذي يزيد على حصته عند المضاربة؟ فعلى وجهين حكاهما صاحب التقريب عن ابن سُريج: أحدهما - لا نسترد شيئاً، ونُمضي ما فعله؛ فإن ما صدر منه لا يسمّى تبرعاً أصلاً.
والوجه الثاني - أنا نسترد؛ فإن ما يفعل في المرض بمثابة ما يوصي به، ولو أوصى بتقديم بعض الغرماء، لم نقدمه.
__________
(1) في الأصل: الآن.

(11/366)


7623 - ومنها أنه لو ضمن عن وارثه في مرضه لأجنبي، قال الأصحاب: لا يصح ذلك؛ فإنها وصية لوارث، أو نازلة منزلة الوصية؛ إذْ لو أدى لأدى عن وارثه. ولو ضمن في مرض موته ديناً عن أجنبي لوارثه، ففي المسألة وجهان ذكرهما صاحب التقريب: أحدهما - لا يصح، كالصورة الأولى لتعلّق الضمان بوارثه.
والوجه الثاني - أنه يصح؛ فإنه لم يزد الوارث على حقه المستحق شيئاً، وهذا فيما إذا ضمن ضماناً يثبت له الرجوع على [المضمون عنه] (1) وليس يتضح بين المسألتين (2) في الضمان -الأولى وهذه- فرقٌ سديد.
7624 - ومنها لو قال لإنسان: ضع ثلثي فيمن شئت وأين شئت. فلو أراد الوصي أن يضعه في نفسه، فيكون مستحقه، قال صاحب التقريب: ليس له ذلك. وفيه احتمال عندنا على بُعد.
قال: ولا يضعه أيضاً في وارث [الموصي] (3)؛ فإنه وإن لم يقصد وارثه، فإذا رددنا الوصية للوارث، فلا ينبغي (4) أن يصل شيء من الوصية إلى الوارث، سواء قصد بها أو أطلقنا الوصية ولم نقصد بها، فلا يدفع إليه شيء في الحالتين.
ثم قال: فلو دفع قسطاً مثلاً من الثلث في هذه المسألة إلى الوارث على سبيل الوصية، فما الحكم فيما دفعه إليه؟ فذكر (5) فيه وجهين: أحدهما - أنه يُسترد، ويردّ إلى الوصي ليضعه حيث شاء.
__________
(1) في الأصل: على يسر.
(2) عبارة (س) أكثر وضوحاً هنا: "وليس يتضح في الضمان فرقٌ سديد بين المسألتين: الأولى وهذه".
(3) في الأصل: الوصي.
(4) عبارة (س): فلا ينبغي أن يصل من الوصية للوارث، سواء قصد بالوصية أو أطلقت الوصية ولم يقصد بها، فلا ندفع إليه شيء في الحالتين. والعبارة -على القراءتين- فيها شيء.
(5) (س): قد ذكر. والذي "ذكر وقال" هو صاحب التقريب.

(11/367)


والثاني - أنه ينقلب ذلك القدر ميراثاً، فإنه وضعه حيث شاء، فانتهى تصرفه في ذلك القدر، ولكن لما بطل رُدَّ ميراثاً. وهذا ليس بشيء.
7625 - منها لو قال المريض وقد نصب وصياً: "قد أوصيت بثلثي لرجل [سميته] (1) لوصي هذا، فإذا مت، [وجاء] (2) فذكره وسماه، فصدقوه فيما يقول، وسلموه إلى من يسميه، فإنه صادق". فإذا سمى ذلك الوصي رجلاً، وكذبه الوارث فله تكذيبه؛ فإنه يجوز أن [يكذب] (3) وقد كلف ورثته بتصديقه فيما يجوز كذبه فيه.
نعم لو شهد الوصي لذلك الرجل وحلف مع شاهده، ثبت المقصود.
7626 - ومنها أنه إذا كان للمريض دين على وارثه، وقد ضمن عن الوارث أجنبي، فأقر في مرض موته أنه استوفى الدين من الوارث، فقد اختلف قول الشافعي في أن الإقرار للوارث هل يقبل. فإن قلنا: لا يقبل إقراره للوارث، فيبقى الدين على الوارث، ولا يبرأ عنه بإقرار المريض. فأما الأجنبي، فهل يبرأ عن الضمان؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه يبرأ عن الضمان؛ فإن الإقرار وإن رُدّ في حق الوارث، وجب قبوله فيما يتعلق بحق الأجنبي.
والثاني - أنه لا يبرأ؛ فإن أصل إقراره مردُودٌ في حق الوارث وبراءة الكفيل تبعٌ لبراءة الأصيل في مثل هذه الصورة.
وبمثله لو كان له دين على أجنبي، والوارث ضامنٌ به، فأقر [بأني قبضتُ] (4) ذلك من الأصيل يقبل إقراره في حق الأصيل، وهل يبرأ الضامن الوارث؟ فعلى وجهين ذكرهما صاحب التقريب: أحدهما - لا يبرأ؛ لأن الإقرار في حق الوارث مردود.
والثاني - يبرأ؛ فإن الإقرار إذا قبل في الأصل، [فبراءة] (5) الوارث تقع تبعاً. ثم
__________
(1) في الأصل: سميت.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: يكون.
(4) في الأصل: ثاني بنصيب.
(5) في الأصل: ببراءة، (س): وبراءة. والمثبت من المحقق.

(11/368)


ذكر صاحب التقريب مسلكاً ثالثاً فقال: إن رددنا الإقرار في حق الوارث، لم يبعد أن نردّه في حق الأجنبي؛ من جهة أن الإقرار لا يتبغض في هذا المقام، فإذا وجب ردّه، فالوجه تعميم ذلك؛ إذ يستحيل مطالبة الضامن مع الحكم ببراءة الأصيل.
7627 - ومنها مسألة فرّعها صاحب التقريب على قولنا: إن الوصية للقاتل باطلة، فقال: لو أوصى لزيد بألف ولعمرو بألفٍ، وخلّف ابنين، فأقام أحدهما بيّنة أن زيداً قتله، وأقام الثاني بينةً أن عمراً [قتله] (1) فقد ذكر أقوالاً متشعّبة من [أصول] (2) مشهورة في الدعاوى: أحدهما - أن البيّنتين تتهاتران (3) وتسقطان جميعاً مقرراً وصيتهما.
والقول الثاني - أن كل واحد من الابنين يستحق نصفَ الدية على الذي ادعى أنه قتل أباه، ويبرأ عن حصته من الوصية، ويكون نصف وصيته على الابن الذي لم يدّع أنه قتله.
والقول الثالث - أنه يجعل كما لو قتلاه اشتراكاً، فتسقط الوصيتان، ويشتركان في الدية. وهذا قول بعيد، لا أصل له.
7628 - ومنها أنه لو وقف ذمِّيٌّ على كنيسة شيئاً، فرفع إلينا، فلا ننفذ [وقفه] (4)، ومثله لو كان نفذه قاضيهم، ثم رفعوه إلينا، قال: فيجوز ألا ننقضه، ونجعل إبرام قاضيهم بمثابة ما لو اشترى واحد منهم خمراً وقبضه؛ فإنا لا ننقض [عهدهم] (5).
والصحيح أنه لا أثر للقضاء في ذلك، بل لا وقع لأحكام قاضيهم.
7629 - ومنها أنه لو قال لأمته: إذا مت فأنت حرة، على ألا تتزوجي، فإذا مات، فإن قبلت ذلك، عَتَقَت. قال (6): ولا بد من قبولها، وإن كان لا يلزمها
__________
(1) في الأصل: فله.
(2) في الأصل: أمور.
(3) تتهاتران: تهاتراً: ادعى كل واحد على الآخر باطلاً، والتهاتر: الشهادات التي يكذب بعضها بعضاً. (المعجم) فالبينتان تتهاتران، أي تكذب كل واحدة منهما الأخرى وتسقطها.
(4) في الأصل: رفعه.
(5) في الأصل: عندهم.
(6) قال: القائل صاحب التقريب، كما صرح بذلك العز بن عبد السلام في مختصره.

(11/369)


الامتناع من التزوج، ولكن قال: لا بد من القبول لتعتِق، كما لو أعتق الرجل أمته على خمرٍ؛ فإنها لا تعتِق ما لم تقبل، وسيأتي أصل ذلك في النكاح، والخلع -إن شاء الله عز وجل- ثم ينبغي أن يقع قبولها بعد الموت، هكذا قال.
ثم قال: ولو قال لأمته المسلمة: إذا مت، فأنت حرة إن بقيتِ على الإسلام، فلا تَعتِق بالموت ما لم تقبل.
ثم قال: إذا قبلتْ عَتَقت، ويلزمها قيمتُها، كذلك القيمة تلزم إذا التزمت أن لا تتزوج.
وهذا الذي ذكره صاحب التقريب في الإسلام [بعيد] (1)؛ فإن الإصرار على الإسلام ليس مما يتخيل مقابلته بمال، بخلاف الامتناع عن التزوج؛ فإنها في امتناعها معطِّلة على نفسها حقَّها من [الاستمتاع] (2)، فالوجه أن نجعل التعليق بالإصرار على الإسلام تعليقاً محضاً.
ثم في النفس شيء من الحكم بعتقها في الحال، فإن عنى بقوله: إن [بقيت مسلمة] (3) بقاءها على الإسلام إلى وقت موته، فلا إشكال، وإن عَنَى بقاءها على الإسلام إلى موتها، فالحكم بالعتق ولم يتحقق ما يكون منها فيه نظر، إذا أخرجنا التزام (4) ذلك على قياس المعاوضات، ولا يتبين حقيقة [الأمر] (5) ما لم تمت على الإسلام في ظاهر الأمر، ثم يستند (6) الحكم.
ولفظ صاحب التقريب في المسألة أنه قال: إذا متُّ، فانت حرة [إن] (7) بقيتِ على الإسلام، وهذا تعليقٌ في صيغته.
__________
(1) في الأصل: بعد.
(2) في الأصل: المستمتع.
(3) في الأصل: يثبت مسلماً.
(4) (س): إلزام.
(5) في الأصل: الأمن.
(6) أي يثبت الحكم بالاستناد إلى التعليق السابق.
(7) في الأصل: فإن.

(11/370)


ولا يبعد أن يقال: لو قال لها: إذا مت، فأنت حرة إن لم تتزوجي، فذكر امتناعها على صيغة التعليق لا على صيغة الإلزام المقتضي للقبول، فلا نحكم بحصول العتق في الحال ما لم ينقضِ عمرها.
ثم يعترض في هذا إشكال، وهي أنها إن تزوجت، فقد خالفت، وإن استقلت (1)، فهذا فاسد، والفاسد لا حكم له، وإن زوجها الوارث، فإذ ذاك نتبين أنها ما عتقت، وسيأتي دقائق العتق والتدبير والتعليقات إن شاء الله عز وجل.
فرع (2):
7630 - لو أوصى بجاريةٍ لإنسان ومات الموصي، فعلقت بعد الموت بمولودٍ، وانفصل قبل القبول، قالوا: الولد (3) إما أن يكون للورثة على قولٍ، أو للموصى له، ولا يكون محسوباً من التركة، حتى يُقضى منه الدين، وطرد العراقيون هذا في جميع زوائد التركة إذا فرضت [قبل] (4) اتفاق صرف التركة إلى الديون. هذا ما ذكره العراقيون، ثم قالوا: من ذهب مذهب الإصطخري فقال: إذا كان في التركة دين، فلا يملك الورثةُ التركةَ، فعلى هذا ما حصل من زيادة فيكون حكمها حكم التركة.
7631 - ومما ذكره العراقيون أنه إذا أوصى بعبدٍ قيمته مائة وخلف مائتي درهم، وكانتا غائبتين، وتعذر الوصول إليهما في الحال، فلا يسلم جملة العبد إلى الموصى له في الحال؛ فإنا لا ندري تَسْلمُ الدراهم للورثة أم لا تسلم؟ ولكن نصرف ثلث العبد إلى جهة الوصية، ونرقب العاقبة.
ثم قال العراقيون إذا صرفنا ثلث العبد إلى الوصية، فلا نقول: إن تصرف الورثة ينفذ في بقية العبد، فإنا نقدّر وصولَ المال إليهم، ولو وصلت الدراهم يسلم تمامُ العبد.
__________
(1) "استقلّت" أي بعقد النكاح.
(2) في (س): فصل.
(3) في الأصل: الولد له إما أن يكون ...
(4) في الأصل: مثل.

(11/371)


ثم إذا منعناهم من التصرف في ثلثي العبد، فهل ينفذ تصرفات الموصى له في الثلث الذي صرفناه إليه في الحال؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه ينفذ تصرفه فيه؛ فإنه يسلم له ثلث العبد على كل حال، فلا شيء يتوقع مما ينقص هذا الثلث، وليس كذلك الورثة؛ فإنا [إنما] (1) منعناهم عن ثلثي العبد، حتى تصل إليهم التركة.
والوجه الثاني - أنه لا ينفذ تصرف الموصى له في الثلث رعاية للتسوية بين الورثة وبين الموصى له؛ إذ يبعد أن لا يسلم للورثة شيء ولا ينفذ تصرفهم، وينفذ تصرف الموصى له.
وناصر الوجه الأول يقول: إذا كان لا يطمع الورثة في ثبوت حق لهم في الثلث، فلا معنى للحجر على الموصى له فيه، وهو يتعين لاستحقاقه لا محالة، ثم إن لم يتصرف الورثة، فسببه بيّن، وعلته ظاهرة، والضرورة في أطراف المسائل تؤدي إلى أمثال هذا.
7632 - وهذا الفصل لا يشفي ما لم نفصل القول في الغيبة: فإن كان المال الغائب بحيث يعسر الوصول إليه لخوفٍ، أو لسبب من أسباب الحيلولة، فيظهر فرض المسألة التي ذكرناها هاهنا، ولا يجوز بيع مثل هذا المال؛ فإنه غير مقدور عليه، إلا أن يفرض بيعُه ممن يقدر عليه.
فأما إذا كان المال غائباً والطرق آمنة، وكان الوصول إليه في العرف يُعدّ [متيسراً] (2)، وقد جرت الوصية بالعبد الحاضر، فقد رأيت في كلام الأئمة تردّداً في أن هذه الغيبة هل تعد حيلولة مع إمكان التصرف في المال أم لا؟ وبنَوْا على هذا التردّد اختلافاً في أنه هل يجب إخراج الزكاة عنه، مع وجوبها فيه، وهذا القدر لا يُلحق المال بالمجحود والمغصوب حتى يَخْرجَ في أصل وجوب الزكاة قولان، ولكن إذا وجبت هل يجب تنجيز الإخراج؟ فيه الخلاف الذي أشرنا إليه، فإن أوجبنا
__________
(1) في الأصل: إن.
(2) في الأصل: تيسيراً.

(11/372)


إخراج الزكاة في الحال، [فلا أثر لهذه الغيبة، وإن لم نوجب إخراج الزكاة في الحال] (1) فيجوز أن نقول: لا يسلم إلى الوصية إلا ثلث العبد، ولكن يجب القطع بنفوذ تصرف الموصى له؛ لأن تصرفات الورثة نافذة في المال الغائب.
هذا تمام ما أردناه.
فصل
7633 - إذا أوصى أن يحج عنه فلان بمائة، ففي المسألة أحوال: أحدها - أن يكون الحج فرضاً، وكانت المائة أجرَ المثل، فلا شك أنها من رأس المال، فإن حج [ذلك] (2) المسمى، فذاك، وإن لم يحج، أحججنا عنه غيرَه.
فإن وجدنا من يحج بأقلّ من مائة، أحججنا عنه ذلك الإنسان. فلو قال ذلك [المعين] (3): قدِّروا هذا وصيةً لي، فأحجوني بالمائة، وإن قدرتم المائة تبرعاً [فالثلث] (4) وافٍ. قلنا: ما ذهب إليه معظم الأصحاب أنا لا نجيبه إلى ذلك؛ فإنه ليس متبرَّعاً عليه، والوصية إنما تنفذ بالتبرع، وهو بمثابة ما لو قال: لا تبيعوا تركتي في صرفها إلى ديوني إلا من فلان، فهذه الوصية باطلةٌ لا معنى لها.
ولو كانت المائة أكثر من أجر المثل، فالزيادة على أجر المثل وصية، فإن لم يكن المعيّن وارثاً ووفى الثلث، وجب إحجاج ذلك المعيّن، فإن لم يحج ذلك المعيّن، أحججنا آخر بأجر المثل، أو أقل إن وجدنا من يسامح.
ولو كان الحج تطوعاً، وجوزنا النيابة [فيه] (5)، فالأجرة بكمالها من الثلث، وإن لم يحج الشخص الذي عينه الموصي، فهل نستأجر غيره (6 ليحج؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا نستأجر غيره فتبطل الوصية 6) كما لو قال: اشتروا عبد فلان فأعتقوه، فلم
__________
(1) ما بين المعقفين زيادة من (س).
(2) في الأصل: بذلك.
(3) في الأصل: المبين.
(4) في الأصل: والثلث.
(5) في الأصل: منه.
(6) ما بين القوسين سقط من (س).

(11/373)


يبع فلان العبد؛ فإنا لا نشتري عبداً آخر.
والوجه الثاني - أنا نستأجر [غيره] (1)؛ فإن المقصود الظاهر الحج، فلا نعطل المقصود الظاهر [بتعذّر] (2) تحصيله من جهة شخص معين، وليس كما لو عين العبدَ؛ فإن مقصودَه الظاهر تحصيل العتق لذلك العبد.
ولو عين لحج التطوع وارثاً، وسمى له أكثر من أجر المثل، فالزيادة وصية، والوصية للوارث باطلة، فإن حج الوارث عنه بأجر المثل، فذاك، وإن أبى، أحججنا عنه غيرَه بأجر المثل.
ولو قال: أحجوا عني رجلاً بألف درهم، وكان الألف زائداً على أجر مثل كل من يحج، ولم يعيّن أحداً، فمن أصحابنا من قال: هذه الزيادة باطلة؛ فإنه لم يعيّن لاستحقاقها رجلاً، وليس صرف هذه الزيادة من [جهات الخير] (3)، فلا معنى له، فنُحِج عنه بأجر المثل.
ومن أصحابنا من قال: الوصية صحيحةٌ، ويجب تنفيذها، والتعيين إلى الوصي.
وهذا تمام مسائل الوصايا.
...
__________
(1) زيادة من (س).
(2) في الأصل: يمنعه وتحصيله.
(3) في الأصل: من جهة الجنس.

(11/374)