نهاية المطلب في دراية المذهب

كتاب الفرائض (1)
6186 - الأصل في الفرائض الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعلم بها مما توافت الأخبار على الترغيب في طلبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعلموا الفرائض؛ فإنها من دينكم، وإنها نصف العلم، وإنها أول علم ينتزع من أمتي، وينسى " (2). وقال صلى الله عليه وسلم: " تعلموا الفرائض، وعلموها الناس، فإنّي امرؤٌ مقبوض، وإن العلم سينزع حتى إن الرجلين من أمتي يختلفان في فريضة لا يجدان من يخبرهما بها " (3). وقيل: سماها رسول الله
صلى الله عليه وسلم نصفَ العلم؛ لأن الخلق بين طوري الحياة والموت، والشرع ينقسم إلى أحكام الأحياء وأحكام الأموات.
__________
(1) يستمر العمل على نسخٍ أربع هي (د 2) وهي الأصل، ومعها (د ا)، (ت 3)، (ت 2). والله المعين.
(2) حديث " تعلموا الفرائض، فإنها من دينكم ". رواه ابن ماجة: الفرائض، باب الحث على تعليم الفرائض، ح 2719، والدارقطني (4/ 67)، والحاكم (4/ 332)، والبيهقي (6/ 209) كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد ضعفه الحافظ (ر. التلخيص: 3/ 172 ح 1387، وخلاصة البدر المنير: 2/ 128).
(3) حديث: " تعلموا الفرائض، وعلموها الناس". رواه من حديث ابن مسعود، النسائي في الكبرى (4/ 63، 64، ح6305، 6306)، والدارمي: ح 221 والدارقطني (4/ 81 - 82) والحاكم (4/ 333)، والبيهقي في الكبرى (6/ 208)، وفي السنن الصغير (3/ 353، ح 2277)، وبنحوه مختصراً الترمذي: الفرائض، باب ما جاء في تعليم الفرائض، ح 2091. وقد ضعف الحافظ الحديث. ر. التلخيص: (3/ 171 ح 1386).

(9/5)


وعن عمر بن الخطاب أنه قال: " إذا تحدثتم، فتحدثوا بالفرائض وإذا لهوتم، فالهوا بالرمي " (1).
وكان يجب على المحتضَر في ابتداء الإسلام الوصيةُ للوالدين والأقربين، كما أنبأ عنه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أيْ فرض عليكم إذا حضر أحدَكم علاماتُ الموت إن ترك مالاً، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] معناه لحب المال لبخيل.
واختلفوا في المراد بالأقربين المذكورين مع الوالدين، فذهب بعضهم إلى أن الأولاد يندرجون تحت الأقربين.
وقال قائلون: كانت الوصية تجب للوالدين، ومن عدا الأولاد من الأقربين، وكان الأولاد يأخذون ما يفضل من الوصايا، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النساء: 9] معناه ليخْش الذين يحضرون المحتضَر من الشهود، ولْينصحوه إذا قصد أن يستغرق المال، ولا يُبقي للأولاد شيئاً، وليتقوا الله في نصيحته، وليقولوا قولاً معروفاً.
ثم هدّد الأوصياء وتوعّدَهم على التبديل، فقال تعالى (2): {فمن بدله} من الأوصياء {بعد ما سمعه} من الموصي، {فإنما إثمه} ووباله على المبدّلين، فإن الله سميع بما قال الموصي، عليم بما يفعله.
ثم أطلق على الأوصياء التخويفَ إذا علموا من الموصين ميلاً في وصاياهم، فقال عزّ من قائل: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [البقرة: 182]: أي علم منه ميلاً، والخوف يأتي بمعنى العلم، {فلا إثم عليه} هو، في أن يُبدّله، وذلك مثل ألا يُبقي للأولاد شيئاً.
__________
(1) أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رواه البيهقي (6/ 209)، والحاكم (4/ 333) وقال:= صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وأعله الحافظ بالانقطاع. ر. التلخيص: (3/ 186ح 1409).
(2) هذا معنى الآية الكريمة [البقرة: 181]، حيث مزج التفسير بالألفاظ الكريمة.

(9/6)


ثم استقرت الشريعةُ على الفرائض.
6187 - وقال أبو العبّاس بنُ سُريج: كان يجب في ابتداء الإسلام على المحتضَر أن يوصي لكل أحد بما في علم الله من الفرائض، فكان من يوفَّق له مصيباً ومن يتعداه مخطئاً.
وهذا زلل من أبي العباس ولا يجوز أن يعتقَد ثبوتُ مثل ذلك في الشرائع؛ فإنه تكليفٌ على عماية، وكان ابن سُريج يقول: كُلّفوا ذلك حسبما كلفوا الاجتهاد في القبلة والأواني.
وهذا إن صح عنه مشعر بالخلو عن أركان الاجتهاد؛ فإن الاجتهاد لا بد وأن يتعلق بأدلّةٍ قطعيةٍ، أو علاماتٍ ظنية، وفرضُ ما ذكرناه غيرُ ممكن في الفرائض. وإن كان النظر إلى أقدار الحاجات، فهي تختلف، ولا تنضبط.
6188 - ثم أبان الله سبحانه وتعالى الفرائض في قوله تعالى: {يوصيكم الله} وفي الآية التي تليها، وفي آية الكلالة في مختتم السورة (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى لم يكل قَسْم مواريثكم إلى مَلكٍ مقرَّب، ولا إلى نبي مرسلٍ، ولكن تولى قَسْمها، فقسمها أبْين قَسْم، ألا لا وصية لوارث " (2).
__________
(1) يشير إلى آيات الفرائض، وهي الآية: 11، 12، من سورة النساء، ثم الآية الأخيرة من السورة الكريمة نفسها، وهي رقم: 176.
(2) حديث: " إن الله تعالى لم يكل قسْم مواريثكم إلى ملك مقرّب ... " لم نجده بهذا السياق الذي ساقه به الإمام، قال ابن الصلاح في مشكل الوسيط: الثابت في هذا المعنى: " أن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث ". رواه الترمذي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن خارجة وقال: " هذا حديث حسن صحيح. وروي أيضاً من حديث أبي أمامة وأنس بن مالك رضي الله عنهم ". ا. هـ. المشكل:2/ 61أ، 61ب.
وروى أحمد والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث عمرو بن خارجة =

(9/7)


6189 - وقيل كانوا يتوارثون في ابتداء الإسلام بالتحالف، والنُّصرة، وكان الواحد يقول لصاحبه: دمي دمُك، ومالي مالك، ترثني وأرثك، وهو بيّن في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33]. ثم نسخ الله تعالى ذلك بالإسلام والهجرة، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]، فكان المهاجر وغير المهاجر لا يتوارثان.
ثم نسخ الله تعالى ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]،و [الأحزاب:6] وقيل: كان الرجال يُورَّثون دون النساء، وكان يقال: الرجال يتحملون المؤن ويُقْرون الضيف، ويلقَوْن الحروب، وكان ينفَق على المرأة من مال زوجها بعد موته سنة، وذلك حظُّها من الميراث. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]. ثم نسخ حكمَ هذه قولُه تعالى: {الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. ثم لم تشتمل الآي الثلاث على جميع الوقائع.
6190 - وانقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضوانه واختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظم اختلافهم فيما لم يلقَوْه منصوصاً، وسبب ذلك أنهم لم يجدوا قواعد الفرائض مبنيةً على معانٍ معقولة، فاضطربوا في التمسك بالأشباه والتقريبات، فأتوا فيها بالعجائب والآيات.
__________
= (واللفظ للنسائي): " إن الله قد قسم لكل إنسان قسمةً من الميراث فلا تجوز لوارث وصية ". (ر. أحمد: 4/ 186، 187 و5/ 267، الترمذي: الوصايا، باب لا صدقة لوارث: 2121،2120، النسائي: الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث:3671، 3672، 3673، ابن ماجة: الوصايا: باب لا صدقة لوارث:2712، 2713، 2714، الدارقطني: 4/ 152، البيهقي: 6/ 264، التلخيص: 3/ 197ح 1421).

(9/8)


وقال العلماء بالفرائض: تحزّب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أحزاب، فتكلم أربعةٌ منهم في جميع الفرائض: علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وابن عباس.
وتكلم قومٌ في معظم أصول الفرائض مثل: أبي بكر، وعمر، ومعاذ.
وتكلّم بعضُهم في مسائلَ نادرةٍ، كعثمان وغيره رضي الله عنهم أجمعين.
ثم من بدائع حكم الله تعالى أن الأربعة الذين تكلموا في الجميع لم يُجمِعوا في مسألة إلا أجمعت الأمة على مذهبهم، ولم يتفق في مسألة مصير اثنين منهم إلى مذهب، وذهاب اثنين إلى مذهب الآخر، ولكن إذا اختلفوا وقفوا آحاداً، وصار ثلاثةٌ إلى مذهب، وواحد إلى مذهب واحد.
6191 - ثم نظر الشافعي إلى مواقع الخلاف، ولم يجد مضطرباً في المعنى، فاختار أن يتبع زيد بن ثابت، ولم يضع لأجل هذا كتاباً في الفرائض، لعلمه بعلم الناس بمذهب زيد، وإنما نصّ على مسائلَ متفرقة في الكتب، فجمعها المزني، وضم إليها مذهب زيد في المسائل. ولم يقل: تحرَّيْتُ [فيها] (1) مذهب الشافعي كقوله في أواخر الكتب التي مضت؛ فإن التحرّي اجتهاد، ولا اجتهاد في النقل. وقد تحقق عنده اتباع الشافعي زيداً.
وتردد قول الشافعي حيث ترددت الروايات عن زيد، واعتمده فيما رواه من ذلك ما رواه الأثبات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " أفرضكم زيد" (2)، قال المحققون: لو رفعت واقعة إلى مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيها مذاهب لعلماء صحابته، فقال فيها:
__________
(1) ساقطة من الأصل فقط.
(2) حديث " أفرضكم زيد " رواه أحمد، والترمذي، والنسائي في الكبرى، وابن ماجة من حديث أنس (ر. أحمد: 3/ 184، الترمذي: المناقب، باب مناقب معاذ وزيد، ح 3791، النسائي في الكبرى: 8242، ابن ماجة: المقدمة باب فضائل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ح 154، التلخيص: 3/ 172 ح 1389).

(9/9)


أفرضكم زيد، وزيد منهم وفيهم، لتعين اتباعُ مذهبه (1).
فكذلك يجب هذا في جميع القواعد إذا قال: أفرضكم زيد.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " أقضاكم علي، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ "، فالقول في القضايا يتسع، ويتعلق بما لا يسوغ التقليد فيه، وكذلك الحرام والحلال.
وعندنا أن المذهب لا يستقل بهذا القدر؛ فإن زيداً ما انتحل مذهبه إلا عن أصلٍ يجول الرأي فيه، ولهذا خالفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والشافعي لم يُخلِ مسألةً عن احتجاج، وإنما اعتصم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجيحاً، وهذا بيّن.
وإذا كان كذلك، فحقٌّ على الناظر أن يتبين مواقع الكلام في كل قاعدة حسبما يفعل ذلك في قواعد الشريعة.
6192 - ثم الذي نراه بعد ذلك أن نذكر جُملاً في صدر الفرائض تتنزل منزلة المعاقد والضوابط، يطلع حافظها بها على الأصول، ثم نعود بعد الإيناس بها إلى ترتيب السواد، ونعتمد شرح مذهب زيد، ولا نخلي أصلاً عن ذكر المشاهير من مذاهب الصحابة رضي الله عنهم، ونشُمِّرُ للتلخيص والتقريب جهدنا، ثم نتعدى قليلاً حدود الفقهاء في تمهيد أصول الحساب، وتسهيل طرقها، وتقريب مأخذها، ثم المهارة فيها موكولة إلى الدُّربة.
__________
(1) كذا في جميع النسخ، ويلوح لي أن العبارة في أصلها هكذا: " قال المحققون: قد رفعت واقعة إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها مذاهب لعلماء صحابته، فقال فيها: " أفرضكم زيد، وزيد منهم وفيهم؛ فتعين اتباع مذهبه " هذا مجرد ظن وتوقع ولم نره في أي مصدر.

(9/10)


فصلٌ
في معاقد جُمْلية
نأتي بها توطئةً وإيناساً
6193 - فنقول: استحقاق الإرث متعلق بالقرابة والسبب. والسبب ينقسم إلى خاص، وعام: والسبب العام التوريث بالإسلام. والسببُ الخاص النكاح والولاء، أما الولاء، فسبيل الإرث به التعصيب لا غير، والزوجية سبيل الإرث بها الفرض.
والأصول المورّثةُ بالقرابة الأبوة، والأمومة، والبنوّة، والأخوة، والجدودَة، والعمومة.
والورثة من القرابة ينقسمون على أنحاء، ونحن نردد تقاسيمهم في كل غرض، فنقول أولاً: هم ينقسمون إلى الأصول والفروع.
أما الأصول، فهم الذين ليس بينهم وبين الميت واسطة بها يُدلون، وهم أربعة: الأب، والأم، والابن، والبنت، وهؤلاء لا يحجبون بالأشخاص حجباً كلّياً.
والفروع من الورثة على أربعة أقسام: ذكرٌ يُدلي بذكرٍ، وهم بنو البنين، وبنو الأب، وهم الإخوة وبنوهم. وبنو الجد، وهم الأعمام وبنوهم.
وذكر يدلي بأنثى، ولا يُلفى الوارث من هذا القبيل إلا شخص واحد، وهو الأخ للأم؛ فإن إدلاءه إلى الميت بالأم.
وأنثى تدلي بذكر، وهو (1) ثلاث: بنت الابن، وبنت الأب: وهي الأخت من الأب، وأم الأب.
__________
(1) وهو: ضمير يعود على القسم.

(9/11)


وأنثى تدلي بأنثى، وهو الأخت للأم، والجدة أم الأم.
والحجب بالأشخاص يتطرق إلى الفروع، كما سيأتي ذلك، إن شاء الله تعالى.
6194 - ثم إنا نقسمهم تقسيماً آخر فنقول: كل ذكر يدلي بذكر من القرابة، فهو عصبة، وكل ذكر يُدلي بأنثى، فهو صاحب فرض. وكذلك الأنثى المدلية بالأنثى. فأما الإناث المدليات بالذكور، فلا يرثن بالتعصيب بأنفسهن. وقد ذكرنا أنهن ثلاث: بنت الابن، والأخت من الأب، وأم الأب. أما أم الأب، فلا ترث إلا بالفرض. وبنت الابن، والأخت يعصّبهما غيرهما، وإذا انفردتا عن معصِّب أخذتا بالفرض.
6195 - ونقسم جملة الورثة تقسيماتً آخر، فنقول: منهم من يأخذ بالتعصيب لا غير، وهم البنون، وكل ذكرٍ يُدلي إلى الميت بذكر، والجدُّ مستثنىً من ذلك. والمستحق بالولاء.
ومنهم من يرث بالفرض المحض، وهم من القرابة: الأم، وكل مُدْلية بأنثى، والذكر المدْلي بأنثى، وهو الأخ من الأم، والزوج والزوجة.
ومنهم من يرث بالفرض والتعصيب، وهؤلاء قسمان: منهم من يرث بأحدهما، ولا يجتمع الوجهان له، ومنهم من يرث بالفرض المحض تارةً، وبالتعصيب أخرى، ويرث بالفرض والتعصيب جميعاَّ.
فأما من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، ولا يجتمعان له، فهم البنات، وبنات الابن، والأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب. وأما من يرث بالفرض وحده، و [بالتعصيب وحده، ويرث بهما جميعاً، فالأب يرث بالفرض مع الابن وابن الابن، ويرث] (1) بالتعصيب المحض إذا لم
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(9/12)


يكن معه ولد، ولا ولد ابن، ويرث بالفرض والتعصيب جميعاً مع البنات، وبنات الابن، والجد في ذلك كلّه بمثابة الأب عند عدم الأب.
فهذه جمل عقدناها.
6196 - ونحن نعقد جملة أخرى فنقول: الوارثون من الرجال على البسط خمسةَ عشرَ: الابن، وابن الابن، وإن سفل، ما أدلى بمحض الذكور، والأب، والجد: أيو الأب، ما لم يدل بأنثى، والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب، والأخ من الأم، وابن الأخ من الأب والأم، وإن سفل ما أدلى بمحض الذكور، وابن الأخ من الأب وإن سفل، ما أدلى بمحض الذكور، والعم أخ الأب من أبيه وأمه، والعم أخ الأب من أبيه، وابن العم من الأب والأم، وإن سفل ما أدلى بمحض الذكور، وابن العم من الأب كذلك. وعم أب الميت بمثابة عم الميت، وكذلك عم جدّه الوارث، وبنوهم على قياس بني أعمام الميت، والزوج، والمولى المعتِق.
6197 - والوارثات من النساء على البسط عشر: البنت، وبنت الابن، وإن سفلت ما أدلت بمحض الذكور، والأم، والجدة أم الأم، وإن علت ما أدلت بمحض الإناث، والجدة أم الأب وإن علت، ما لم تدل بذكرٍ مُدلٍ بأنثى، والأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، والأخت من الأم، والزوجة، والمولاة المعتقة.
وليس في الورثة أنثى تستغرق الميراث إلا المعتِقة.
6198 - وإن أوجزنا قلنا: الوارثون من الرجال: الابنُ، وابنُ الابن، والأبُ، والجد، والأخ، وابنُ الأخ من الأب، والعم من الأب، وابن العم من الأب، والزوجُ، والمولى المعتِق.
6199 - والوارثات من النساء: البنتُ، وبنتُ الابن، والأم، والجدةُ

(9/13)


المدلينَ بوارث، أو وارثة، والأخت، والزوجة والمولاة المعتقة.
6200 - ومن الجمل التي نعقدها أن نقول: التوريث بالتعصيب والفرض: أما التعصيب فالوارث به يستغرق التركة إن لم يزاحم، ويأخذ الفاضل من الفرائض، وإذا استغرقت الفرائض أجزاء التركة، سقط، إلا في مسألة المشتركة على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
6201 - وأما الفرض، فأصله في اللسان القطع، وسميت الحزَّةُ التي تستقر فيها عروةُ الوتر فُرضة، ثم استعمل الفرض بمعنى التقدير، فإن المقدّرات مقتطعة عن الجمل، فالفرائِض هي المقدرات.
والمقدرات التي هي الأصول في المواريث ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
وإن أحببت قلت: النصف ونصفه، ونصفُ نصفه، والثلثان، ونصف الثلثين، ونصف نصفه.
ويجمع هذه الستة أصلان: النصف والثلثان.
ثم يتشعب من النصف نصفه، وربعه، ويتشعب من الثلثين نصفه وربعه. وما ذكرناه أصول الفرائض، وإذا عالت المسائل، وزادت المقدّرات على أجزاء المال، فلا تتعدى هذه المقدّراتُ في الإطلاق، وإن كان السدس فيها سبعاً، وتسعاً، وعشراً.
6202 - وقد نص الله سبحانه وتعالى على هذه الأجزاء الستة في ثلاثةَ عشر موضعاً في كتابه.
فذكر النصف في ثلاثة مواضع: ذكره للزوج إذا لم يكن للمرأة ولد، في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، وللبنت الواحدة، في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]،

(9/14)


وللأخت الواحدة إذا كانت لأب وأم، أو لأب فقال تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176].
وذكر الربع في موضعين: للزوج إذا كان للزوجة ولد، وللزوجة إذا لم يكن للزوج ولد.
وذكر الثمن للمرأة إذا كان للزوج ولد، ومواضع الربع والثمن [بينة] (1).
وأما الثلثان، فقد ذُكر في موضعين: ذكره للأختين، إذا كانتا لأب وأمٍ، أو لأبٍ، فقال تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: 176] وللبنات فقال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] ثم للبنتين الثلثان كما للأختين على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
وشرط في الأختين أن يكون الميت كلالة، فمنهم من قال: الكلالة من لا ولد له ولا والد، وهو قول أكثر الصحابة رضي الله عنهم، وإحدى روايتي ابن عباس، ويعني بالوالد: الآباءَ، والأجدادَ، دون الأمهات، وبالولد الذكورَ والإناثَ، الوارثين منهم، قربُوا أو بعدوا.
ومنهم من قال: هو من لا ولد له، وإن كان له والد. وهو الرواية الثانية عن ابن عباس.
ثم اختلفوا، فقال بعضهم: الكلالة اسمٌ للميت، وقال بعضهم: الكلالة اسمٌ للورثة، وسنعطف على جميع ذلك في الشرح، إن شاء الله عز وجل.
فأما الثلث، فقد ذكره الله تعالى في موضعين: ذكره للأم إذا لم يكن هناك ولد ولا إخوة في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وذكره للاثنين من أولاد الأم، فقال تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وهو يثبت للجدّ عند بعض منازله.
__________
(1) في الأصل: فيه، والمثبت من باقي النسخ الثلاث.

(9/15)


وأما السدس، فقد ذكره في ثلاثة مواضع: ذكر للأبوين السدس في قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]، وللأم إذا كان للميت ولد، أو اثنان من الإخوة، فصاعداً، وذكره للواحد من أولاد الأم، فقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12]، وللسدس مواضع ملحقة بالنص.
فهذا بيان الفرائض في نصوص الكتاب.
6203 - ونحن نصوغ عن مستحقيها عبارةً جامعةً تشير إلى الكليات، فنعود، ونقول: النصف فرض خمسة:
فرضُ الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد، ولا ولد ابن.
وفرضُ البنت الواحدة من الصلب، إذا لم يكن معها ابنٌ يعصّبها.
وفرضُ بنت الابن الواحدة، إذا لم يكن في الصلب ولد، ولم يكن معها غلام يعصّبها في درجتها.
وفرْضُ الأخت الواحدة من الأب والأم، إذا لم يكن معها في الفريضة من يعصبها.
وفرض الأخت الواحدة من الأب إذا لم يكن في الفريضة أحدٌ من الإخوة من الأب والأم، لا الذكر، ولا الأنثى، ولم يكن معها معصّبٌ، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- ذكرُ من يعصِّبُ الأخوات.
والربع فرض اثنين: فرض الزوج إذا كان للزوجة ولد، أو ولد ابن.
وفرض الزوجة إذا لم يكن للزوج ولد، ولا ولد ابن.
وكأن الزوجين يتوارثان على نسبة التعصيب بين الذكر والأنثى، حيث يقول: [للذكر] (1) مثل حظ الأنثيين، فللزوج ضعف نصيب الزوجة مع الولد،
__________
(1) ساقطة من الأصل.

(9/16)


ودونه، فله النصف حيث يكون لها الربع، وله الربع حيث يكون لها الثمن.
ثم الزوجات كالزوجة الواحدة في الربع والثمن، ولولا ذلك، لاستغرقت أربع زوجات الميراثَ، بأربعةِ أرباع.
والثمن فرض صنف واحد: وهنَّ الزوجات إذا كان للزوج ولد، أو ولد ابن.
والثلثان فرض أربعة أصناف: ولا يثبت إلا بعددٍ:
فرض بنتي الصلب، فصاعداً، إذا لم يكن معهن ابنٌ يعصبهنّ.
وفرض بنتي الابن فصاعداً إذا لم يكن في الصلب ولد، ولم يكن في درجتهن غلام يعصّبهن.
وفرض الأختين من الأب والأم، فصاعداً، إذا لم يكن في الفريضة من يعصّبهن.
وفرض الأختين من الأب، فصاعداً إذا لم يكن في الفريضة أحدٌ من أولاد الأب والأم، ولم يكن معهن من يعصّبهن.
وأمّا الثلث ففرض الاثنين (1)، فصاعداً من الإخوة والأخوات من الأم (2).
وفرض الأم إذا لم يكن للميت ولد، ولا ولد ابن، ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعداً، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف، فلها الثلث.
إلا في فريضتين: إحداهما - زوج وأبوان، والأخرى - زوجة وأبوان. للزوج النصف وللأم ثلث ما تبقى، والباقي للأب، وهذا والسدس واحدٌ، ولكنا لا نطلق السدسَ، حذاراً من مخالفة لفظ الكتاب.
__________
(1) في غير نسخة الأصل: " صنفين " مكان الاثنين. وهو خطأ كما سيظهر من الشرح.
في غير نسخة الأصل زيادة بعد كلمة " من الأم " نصها: " يقسم بينهم بالسوية، لا يفضّل
ذكر على أنثى ".

(9/17)


وللزوجة الربع من الفريضة الأخرى، وللأم ثلث ما تبقى، وهو ربعٌ في الحقيقة، ولكنا لا نطلقه.
(3 والثلث يثبت لاثنين فصاعداً من أولاد الأم مفضوضاً عليهم بالسوية لا يفضّل ذكر على أنثى 1).
والثلث فرض الجدّ في بعض منازله، كما سيأتي في بابه مشروحاً، إن شاء الله تعالى.
والسدس فرض سبعةٍ:
فرض الأب إذا كان للميت ولد أو ولد ابنٍ.
وفرض الأم إذا كان للميت ولد أو ولد ابن، أو اثنان من الإخوة والأخوات، فصاعداً.
وفرض الجدات، فيشتركن فيه، إذا استوين في الدرجة، وتستحقه الواحدة إذا انفردت.
وفرض بنت الابن، أو بنات الابن إذا كان في الصّلب بنتٌ واحدة، ولم يكن معهن في درجتهن ذكر يعصّبهن.
وهذا السدس يسمى تكملة الثلثين ضمّاً إلى النصف الثابت لبنت الصلب.
وهو فرض الأخت الواحدة والأخوات من الأب إذا كان في الفريضة أخت واحدةٌ من الأب والأم، وليس في الفريضة من يعصّب الأخوات فللأخت من الأب والأم النصفُ، وللأخت أو الأخوات من الأب السّدس تكملة الثلثين.
وهو فرض الواحد من أولاد الأم ذكراً كان، أو أنثى.
وفرض الجد في بعض منازله.
فهذه معاقد كلية وقواعدُ جُملية، ذكرناها وأجريناها على مذهب زيدٍ،
__________
(1) ما بين القوسين سقط من جميع النسخ ما عدا الأصل. (وهو في مقابلة الزيادة السابقة).

(9/18)


ونحن نعود بعدها إلى ترتيب المختصر، ونستوعب تفاصيل القواعد، ونعوّل على استقصاء مذهب زيد، ولا نخلي ما نجريه عن حكاية مذاهب غير زيدٍ من الصحابة رضي الله عنهم.
***

(9/19)


باب من لا يرث
6204 - ذكر المزني في صدر هذا الباب أن ذوي الأرحام لا يرثون.
والترجمة (1) أوّلاً مأخوذةٌ عليه، فإن قال معترض: من يرث أحق بالضبط ممن لا يرث، فلم صدّر الكتاب بذكر من لا يرث؟
قلت: لعله رأى الكلامَ فيمن يرث باتفاق مضبوطاً قريباً، فرأى تصدير الكتاب بذكر محلّ الخلاف؛ فإنه أهمّ، وكل من عدا المذكورين من الوارثين والوارثات من المتصلين بالقرابة من الأرحام.
ومذهب زيد أنهم لا يرثون، وصار إلى توريثهم علي، وابنُ مسعود، وابنُ عباس، وغيرُهم. ولسنا نرى الخوض في ذكرهم الآن، وسنعقد في أمرهم باباً، إن شاء الله عز وجل.
وأصناف ذوي الأرحام على التقريب أحد عشر:
أولاد البنات، وبنات الإخوة، وأولاد الأخوات، وأولاد الإخوة للأم، وكل جدٍّ وقع بينه وبين الميت أنثى، وكل جدّة وقع بينها وبين الميت ذكر بين أنثيين، والعمة، والخالة، والخال، والعم للأم، وبنات الأعمام.
ومن لا يرث من هؤلاء فالمدلي به لا يرث، لأن المدلي لا يزيد على الذي به
__________
(1) ترجم المزني في أول (اختصار الفرائض) قائلاً: " باب من لا يرث " ثم ذكر تحت
الترجمة ذوي الأرحام. (ر. المختصر: 138).

(9/20)


الإدلاء، وسنفرد في ذوي الأرحام -إن شاء الله عز وجل- باباً نذكر ما يقع به الاستقلال.
فصل
قال فيمن لا يرث: " والكافرون ... إلى آخره " (1).
6205 - اختلاف الدين إسلاماً وكفراً، يمنع التوارث من الجانبين، فلا يرث الكافرُ المسلمَ، ولا المسلمُ الكافرَ، وهذا مذهب معظم العلماء.
وقال معاذ: المسلمُ يرث الكافرَ، والكافر لا يرثه، كما أن المسلمَ ينكح الكافرة، والكافر لا ينكح المسلمة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتوارث أهل ملّتين شتى " (2).
والكفار يتوارثون وإن اختلفت مللهم، فاليهودي يرث النصراني والمجوسي والنصراني يرثهما.
وقال شريح (3) والأوزاعي: الكفار المختلفون في الدين لا يتوارثون،
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 139.
(2) حديث " لا يتوارث أهل ملتين ... " حديث حسن، رواه أبو داود (واللفظ له): الفرائض، باب هل يرث المسلم الكافر؟ ح 2911، وابن ماجة: أبواب الفرائض، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك، ح2731، والنسائي في الكبرى، ح 6383، 6384، وأحمد (2 - 178، 195)، والدارقطني (4 - 75 - 76)، والبيهقي (6/ 218) كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ورواه الترمذي من حديث جابر: الفرائض، باب لا يتوارث أهل ملتين، ح 2108، ورواه الدارمي من حديث عمر، ح 2992، 2997، وانظر التلخيص (3/ 183 ح 1405).
(3) شريح: شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي. من أشهر القضاة في الإسلام، وأخباره مستفيضة في أخبار القضاة لوكيع، يقال: له صحبة، ولم يصح، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاه عمر قضاء الكوفة، فقيل: أقام على قضائها ستين سنة، =

(9/21)


واحتجا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يتوارث أهل ملتين شتى ". والحديث محمولٌ على ملة الكفر والإسلام، والكفر في التوارث ملّة واحدة. قال الله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] فجعل الكفار في حكم أهل دين واحدٍ.
والمرتد لا يرث عندنا، ولا يورث، وله باب مفرد يأتي في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.
فصل
قال: " والمملوكون ... إلى آخره " (1).
6206 - العبد لا يرث، ولا يورث، فإنه على الصحيح لا يملك، وإن ملّكناه على القديم، ولا يملك إلا من جهة تمليك السّيد إياه، ثم هو ملكٌ، لا قرار له. والمكاتب في معنى القن.
ومن نصفه حر ونصفه عبد لا يرث عندنا، وهل يرثه حميمُه؟ في المسألة قولان: أقيسهما - أنه لا يرثه؛ لأن من لا يرث لا يورث. هذا هو الأصل.
والثاني - يرثه لأنه ملك ملكاً تاماً بنصفه الحر، فهو فيه كالشخص الكامل الحرية.
فان قلنا: لا يورث، ففيما خلّفه وجهان: أحدهما - يعود إلى مالك الرق في نصفه.
__________
= كما قضى بالبصرة أيضاً، ولذا كان يقال له: قاضي المصرين. توفي سنة ثمانين من الهجرة (ر. سير أعلام النبلاء: 4/ 100 - 106) ومصادر ترجمته وفيرة منها: طبقات ابن سعد: 6/ 131، طبقات خليفة بن خياط: 145، وأخبار القضاة لوكيع: 2/ 189 - 202 وطبقات الشيرازي: 80، وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 243.
(1) ر. المختصر: 3/ 139.

(9/22)


والثاني - يُصرف إلى بيت المال.
وإن قلنا: يرثه حميمُه، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنه [يرث] (1) جميعَ ما يجمع بنصفه الحر.
والثاني - يرث نصفَ ذلك، ويعود النصف منه إلى السيّد، لأن سبب الإرث الموت، والموت حلّ جميعَ بدنه، وبدنُه ينقسم إلى الرق والحرية، فيجب انقسام ما يخلِّفه؛ فإن ذلك ليس ملكَ نصفه، وإنما هو ملك كله؛ إذ يستحيل أن يملك نصفُ شخصٍ شيئاً، وكأن النصفَ الحر يُثبت حكم الملك للجملة، والرق ينافي الملك إذا لم تَسْتتبعْه (2) الحرية.
وقال علي وابن مسعود: من نصفه حر ونصفه عبد يرث ويورث. وقيل هو مذهب المزني.
قال الشافعي: لو ورثناه من حميمه، لأدّى ذلك إلى توريث الأجانب بعضهم من بعض؛ لأن ما يملكه يقع مستحقاً بينه وبين مولاه، كما لو احتش أو احتطب، [أو اتّهب] (3).
فصل
قال: " والقاتلون ... إلى آخره " (4)
6207 - القتل قسمان: مضمون، وغير مضمون. فالمضمون يوجب الحرمان، سواء كان مضموناً بالقصاص، أو الدية، أو الكفارة. ولا فرق بين أن يكون عمداً أو خطأ، وبين أن يكون القاتل صبياً أو بالغاً، عاقلاً أو مجنوناً،
__________
(1) في جميع النسخ: يرثه.
(2) في غير نسخة الأصل: نستضعفه.
(3) ساقطة من الأصل.
(4) ر. المختصر: 3/ 139.

(9/23)


ولا فرق بين أن يقع القتل بسببٍ (1) أو مباشرة، كل ذلك يوجب حرمان الميراث.
وقال عثمان البتِّي (2): قتل الخطأ لا يوجب حرمان الميراث.
وقال مالك (3): القاتل خطأ لا يرث من ديّة المقتول شيئاً؛ لأن الديّة حصلت بفعله، ويرث من سائر أمواله.
ومعتمدنا في الباب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ليس للقاتل من الميراث شيء " (4).
وقال أبو حنيفة (5): قَتْلُ الصبي والمجنون لا يتعلق به حرمان الميراث، وكذلك القتل بالسبب.
هذا في القتل المضمون.
6208 - فأما إذا لم يكن القتل موجباً للضمان، فإنه ينقسم إلى قتلٍ مستحَق، وإلى قتلٍ لا يوصف بكونه مستحقاً.
__________
(1) (د ا)، (ت 2): محضاً، (ت 3): بخطأ. (هكذا) وهو تحريف واضح.
(2) عثمان البتي: أبو عمرو، اسم أبيه مسلم، وقيل: أسلم، وقيل سلمان. فقيه البصرة، وأصله من الكوفة، والبتي نسبة إلى بيع البتوت، وهي الأكسية الغليظة. أو الأنسجة (الخام) قبل قصْرها. توفي سنة 143هـ (سير أعلام النبلاء: 6/ 148، وتهذيب التهذيب: 7/ 153 - 154).
(3) ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: 2/ 1021، مسألة:2098، 2099، حاشية العدوي: 2/ 356، جواهر الإكليل: 2/ 338، الفواكه الدواني: 2/ 181.
(4) حديث: " ليس للقاتل من الميراث شيء ". رواه النسائي في الكبرى (6368) وابن ماجة: الديات، باب القاتل لا يرث، ح 2646، ومالك في الموطأ (2/ 867)، والشافعي (ترتيب المسند، 2/ ح 366، وعبد الرزاق (17782، 17783)، الدارقطني (4/ 72، 73، 96)، والبيهقي (6/ 220،219)، وانظر: (التلخيص 3/ 184 ح 1406)، وخلاصة البدر المنير 2/ 136، والإرواء: ح 1671 (وقال: صحيح).
(5) ر. مختصر اختلاف العلماء: 4/ 442 مسألة 2132، حاشية ابن عابدين: 5/ 489.

(9/24)


والذي يوصف بكونه مستحقاً، فإنه ينقسم إلى الواجب الذي لا يسعُ تركه، وإلى ما يسعُ تركه.
فأما ما لا يسعُ تركه، فالحدّ، فإذا أقامه من إليه الإقامة، ففي المسألة ثلاثة أوجه: أحدها - أنه لا يوجب الحرمان؛ فإن الإمام لا يجد بداً من إقامته.
والثاني - يُحْرَمُ، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس للقاتل من الميراث شيء " وإذا استبعد القائل الأول فَهْمَ [حرمان] (1) هذا القاتل من الخبر، لزمه [قَتْلُ] (2) المخطىء، فإنه ليس متهماً؛ فإن قيل: لا نأمن قصده سرّاً، وإبداءه الخطأ ظاهراً، قيل: لو لم يشعر أحد بقتله، فلم يحرم الميراث باطناً بينه وبين الله تعالى؟ وهو في علم الله تعالى مخطىء.
والوجه الثالث: أن الحدّ إن ثبت بالإقرار، لم يُحرم القاتل، وإن ثبت بالبينة، حُرم؛ فإن التهمة تتطرق، من جهة احتمال المواطأة في القتل المترتب على البينة.
هذا في القتل المستحَق الذي لا محيص عنه.
فأما القتل الذي يسع تركه، كالقصاص، فإذا اقتص الرجل من حميمه، فهل يحرم الميراث؟ فعلى وجهين مرتبين على الوجهين في الحد، وهو أولى بأن يتضمن الحرمان؛ لأن القاتل [متخيّر] (3) بين القتل والترك، والتركُ مندوبٌ إليه.
6209 - فأمّا القتل الذي لا يوصف بكونه مستحَقاً، ولا يتضمن ضماناً، ولا يتصف بكونه محظوراً، فهو كقتل القاصد دفعاً، وفي تعلق الحرمان به
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: مثل.
(3) ساقطة من الأصل.

(9/25)


وجهان مرتبان على الوجهين في القصاص، وهو أولى بأن يتعلق الحرمان به؛ من جهة أنه لا يوصف بكونه مستحقاً، والتهمة تتطرق إلى القاتل الدافع؛ من حيث يُظن أنه زاد على قدر الحاجة.
6210 - ويتصل بما نحن فيه قتلُ العادل الباغيَ، وقتل الباغي العادلَ. أما قتل العادل الباغيَ، فقريب من قتل المقصود القاصد دفعاً.
وأما قتل الباغي العادل، فيترتب على أنه هل يضمن أم لا؟ فإن قلنا: إنه يضمن، فيحرم الميراث. وإن قلنا: لا يضمن، ففي حرمان الميراث وجهان مرتبان على الوجهين في العادل، وفي المقصود إذا قتل القاصد دفعاً، والباغي أولى بالحرمان؛ لأن قتل العادل لا يوصف بكونه مباحاً.
6211 - والمكره إذا قتل حميمه، وقلنا: إنه يضمن، فلا شك أنه يحرم. وإن قلنا: لا يضمن، فهل يحرم؟ المذهب أنه يحرم؛ لأنه آثم بالقتل منهي عنه.
وفيه وجهٌ بعيدٌ أنه لا يحرم. وهذا مرتب على الباغي، والمكره أولى بالحرمان؛ لأن الباغي على تأويل في قتل العادل.
فصل
قال: " ومن عمي موتُه ... إلى آخره " (1).
6212 - إذا مات اثنان معاً، لم يتوارثا، وإذا ماتا، ولم يُدْرَ أماتا معاً أم تقدم موتُ أحدهما على موت الثاني، فلا توارث بينهما، وذلك بأن يموتا في غريق، أو حريق، أو تحت هدم، أو يُقتلا في معركة، أو يموتا في بلادِ غُربة، ويستبهم الأمر في موتهما.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 139.

(9/26)


وهذا فيه إذا أيسنا من درك حقيقة الحال، ولو علمنا تقدُّم موت أحدهما، ولكن أشكل علينا المتقدّم على وجهٍ لا يمكن فرضُ الإحاطة به، فالأمر كما وصفناه، في أنا لا نورّث ميتاً من ميت.
وقد ذكرنا فيه إذا تيقنا السبق، وأشكل علينا السابقُ في نكاحين على امرأة، وفي جُمعتين في بلدةٍ - قولين، ولا ينتظم في الميراث القولان.
والفرق أن فسخ النكاح ممكنٌ إذا تعذر إمضاؤه، وتعارضت الحجج في الخصومات، وأمر الناس بإقامة الظهر لا تعذر فيه، إذا صحت جُمعةٌ، لا بعينها.
وإذا أيسنا من درك السابق، وتميزه عن المسبوق في الميتين، فلا سبيل إلى وقف الميراث أبداً.
وكان شيخي يتردد في صورة في الموت، وهي إذا سبق أحد الموتين، وتعيّن السابق، ثم أشكل إشكالاً، لا يتوقع دركُه. وهذه صورة يُقْطَع فيها بصحة جمعة، وصحة نكاح.
والرأي أن اللَّبس مهما تحقق في الموتين أولاً وآخراً، فلا نورّث ميتاً من ميت، بل نقول في كل ميت: ننظر إلى من خلّفه من الأحياء، ونجعل كأن ذلك الميت الآخر، لم يكن أصلاً.
6213 - وقال عمرُ، وابنُ مسعود، وبعضُ أهل الكوفة: نورث الموتى بعضهم من بعض.
ثم إذا عمي موتُ رجلين، فإنما يرث أحدهما من تليد مال صاحبه، دون الطريف، والمراد بالطريف الذي ورث هو منه (1).
__________
(1) هذا على قول عمر وابن مسعود.

(9/27)


مثاله: أن يغرق رجل مع زَوْجةٍ، وابنٍ لهما، وخلّف الرجل من الأحياء امرأةً أخرى، وبنتاً، وخلّفت أم الابن -وهي الزوجة- أخاً، وخلّف الابن ابناً.
فعلى قول زيد، نقول: مات الرجل عن:
بنت، وزوجة، وابن ابن:
فللبنت النصف، و [للزوجة] (1) الثمن، والباقي لابن الابن، والفريضة من ثمانية.
وماتت [المرأة] (2) عن:
أخٍ، وابنِ ابن.
فيسقط الأخ، والمال لابن الابن.
ومات الابن عن ابن
فماله له.
6214 - وعلى قول عمر، وابن مسعود: مات الرجل الغريق عن:
امرأتين، وابنٍ، وبنت، وابن ابن.
فللمرأتين الثمن، والباقي بين الابن والبنت، للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط ابن الابن. فينكسر سهمٌ بين المرأتين، وسبعة أسهم بين الابن والبنت، وهما في التقدير ثلاثة؛ فإن الذكر باثنين، ففي المسألة كسران: اثنان، وثلاثة: نضرب اثنين في ثلاثة فتصير ستة، ثم نضرب الستة في أصل المسألة، كما سيأتي ذلك، إن شاء الله تعالى في أبواب تصحيح الكسُور، فصار المبلغ ثمانية وأربعين، للمرأتين ستة، وللابن ثمانية وعشرون، وللبنت أربعة عشرَ.
__________
(1) في الأصل: وللمرأة.
(2) في الأصل: الأم.

(9/28)


ثم يقسم نصيب [المرأة] (1) الغريقة، وهو ثلاثة على أحياء ورثتها، دون من غرق معها، ووارثها من الأحياء: ابنُ ابنها، ويسقط أخوها.
ونصيب الابن الغريق لابنه.
وأمَّا تليد مال الأم، فهو مقسوم بين ورثتها الأحياء والأموات. فنقول: ماتت عن:
زوج، وابن، وابن ابن، وأخ.
فيسقط ابن الابن، والأخ، فللزوج الربع، والباقي للابن.
والفريضة من أربعة، فيقسّم نصيب الأب (2)، وهو سهم على الأحياء من ورثته، وهم:
زوجة، وبنت، وابن ابن.
وفريضته من ثمانية، ولا ينقسم سهم على ثمانية، فنقدِّر الثمانية كسراً، ونضربها في أصل فريضة الأم وهو أربعة فتصير اثنين وثلاثين، نصيب الأب وهو الزوج منها ثمانية، بين ورثته الأحياء والباقي نصيب الابن، فيصرف ذلك إلى وارثه الحي، وهو ابنه.
وأما تليد مال الابن، فبين ورثته الأموات والأحياء، فنقول: خلّف: أبوين، وابناً.
فللأبوين السدسان، والباقي للابن، فنصيب [لأب] (3). وهو سهم بين ورثته الأحياء، وهم امرأة، وبنت، وابن ابن، وفريضته من ثمانية، ولا [ينقسم] (4) سهم بين ثمانية، فنضرب ثمانية في فريضة الابن، وهو ستة فتُرد
__________
(1) في الأصل: الأم. وهي ساقطة من جميع النسخ. والمثبت اختيار منا.
(2) في النسخ الثلاث غير الأصل: الابن.
(3) في الأصل: الابن.
(4) في الأصل: يستقيم.

(9/29)


ثمانية وأربعين، نصيب الأب ثمانية بين ورثته الأحياء، ونصيب الأم لوارثها الحي، وهو ابن ابنها.
قال أصحابنا: توريث الميت من الميت يجرّ محالاً في بعض الصور. فإذا أعتق الرجل عبداً وأعتق رجلٌ آخر أخاً لذلك المعتَق، وعمي موتُ المعتَقَيْن الأخوين، وخلّف أحدهما ألف دينار، ولم يخلّف الثاني، فمن يورّث ميتاً من ميت يورّث الذي لا شيء له من أخيه جميعَ ماله، ثم يصير منه إلى معتقه، فيحصل في يدي من مات معتَقُه عن لا شيء ألفُ دينار (1)، ولا يصل في يد من مات معتِقُه عن ألف دينار شيء.
والذي أراه أنه إذا تحقق وقوع الموتين معاً، فيبعد توريث أحدهما من الآخر؛ فإن الميت لا يرث، فلعل الخلاف فيه إذا سبق موتُ أحدهما، وأشكل الأمر. والعلم عند الله تعالى.
فصل
قال: " كل هؤلاء لا يرثون، ولا يحجبون ... إلى آخره " (2).
6215 - لما ذكر الشافعي الأسباب الثلاثة الحاجبة: اختلافَ الدين، والرقّ، والقتل، قال: من لا يرث بوصفٍ من هذه الأوصاف، لا يَحجُب، ولا أثر له أصلاً، لا في الحجب الكلّي، ولا في الحجب البعضي.
وعن ابن مسعود أنه لا يَحْجُبُ حجبَ الحرمان، ويحجب حجب النقصان: فإذا مات رجل عن ابنٍ كافر، وامرأةٍ مسلمة، وابن ابن مسلم، أو عن أبٍ مسلمٍ، فالابن الكافر لا يحجب ابن الابن، ولكن تُحجب المرأة عنده من الربع إلى الثمن. وقال: إنه لا يحجب الأب من العصوبة إلى الفرض.
__________
(1) وذلك عندما يرثه بالولاء، كما هو مفهوم.
(2) ر. المختصر: 3/ 139.

(9/30)


واختلفت الرواية عنه في أنه هل يحجب أولاد الأم، والإخوةُ الكفار يحجبون الأم من الثلث إلى السدس.
فصل
قال الشافعي: " لا ترث الإخوة والأخوات من الأم، لا مع الأب، ولا مع الجد ... إلى آخره " (1).
6216 - افتتح الكلام في طرفٍ من الحجب بالأشخاص، على ترتيب الوارثين، والوارثات، على مذهب زيد، و [نصل] (2) به تقاسيمَ تُفيد الضبطَ، ثم نرجع إلى ترتيب (السَّواد) (3). فنقول:
6217 - الحجب ينقسم إلى الحجب بالأوصاف، وإلى الحجب بالأشخاص.
فأما الحجب بالأوصاف، فقد تقدم القول في الأوصاف الحاجبة وبان أنها ثلاثة: اختلاف الدين، إسلاماً وكفراً، والرق، والقتل.
6218 - وأما الحجب بالأشخاص، فينقسم إلى حجب الحرمان، وإلى حجب النقصان.
فأما حجب النقصان، فمن فرضٍ إلى فرض، وهو في حق الأم: من الثلث إلى السّدس، وذلك يحصل بالولد، وولد الابن، وباثنين من الإخوة والأخوات، فصاعداً. ثم الإخوة يحجبونها من الثلث إلى السدس، وإن كانوا محجوبين بالأب.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 139.
(2) في الأصل: وفصَلَ.
(3) السواد: المراد به مختصر المزني، كما أشرنا مراراً.

(9/31)


هذا مذهب زيد، فإذا كان في الفريضة:
أبوان، فللأم الثلث، والباقي للأب.
ولو كان فيها: أبوان، وأخوان.
فالأخوان محجوبان، وهما يردّان الأمَّ من الثلث إلى السدس، فلها السدس والباقي للأب.
ومن حَجْبِ النقصان ردُّ الزوج من النصف إلى الربع، وردُّ الزوجة من الربع إلى الثمن، وذلك يحصل بالولد، وولد الابن.
وقد يلتحق ردُّ الأب من العصوبة إلى الفرض بقسم النقصان.
6219 - فأما حجب الحرمان، فنذكره على ترتيب الوارثين، والوارثات، فنقول: أما الابن، فلا يحجبه عن الميراث أحد.
وابن الابن لا يحجبه إلا الابنُ. والقريبُ من ذكور الأحفاد يحجب البعيدَ.
والأب لا يحجبه عن الميراث شخص.
والجد أب الأب لا يحجبه أحدٌ إلا الأبُ، وإذا ترتب الأجداد، فالقريب يحجب البعيد.
والأخ من الأب والأم يحجبه الابن، وابن الابن، وإن سفل، والأبُ.
والأخ من الأب يحجبه الابن، وابن الابن، والأب، والأخ من الأب والأم.
والأخ من الأم يحجبه الابن، وابن الابن، والبنت، وبنت الابن، والأب، والجد.
وابن الأخ من الأب والأم يحجبه: الابن، وابن الابن، والأب، والجد، والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب.

(9/32)


وابن الأخ من الأب يحجبه هؤلاء، وابنُ الأخ من الأب والأم.
والعم من الأب والأم يحجبه هؤلاء وابن الأخ من الأب.
والعم من الأب يحجبه هؤلاء والعم من الأب والأم.
وابن العم من الأب والأم يحجبه هؤلاء، والعم من الأب.
وابن العم من الأب يحجبه هؤلاء وابن العم من الأب والأم.
والزوج لا يحجبه عن أصل الميراث أحد.
والمولى المعتِق لا يرث مع عصبة نسب، ولا يرث إن [استغرقت] (1) الفرائض التركة. فإن لم تكن عصبة من نسب، ولا ذو فريضة، استغرق التركة. فإن أفضلت الفرائض، استحق الفاضل.
وسيأتي بابٌ في المولى والإرثِ بالولاء.
6220 - فأما الوارثات، فالبنت لا تحجب عن أصل الميراث.
وبنت الابن يحجبها الابن، وبنتان في الصلب، إذا لم يكن معها في درجتها أو أسفل منها غلام يعصبها.
والأم لا يحجبها عن أصل الميراث شخص.
والجدة أم الأم لا يحجبها إلاّ الأم.
والجدّة أم الأب يحجبها الأم، والأب.
والقول في القربى والبعدى من الجدات يأتي، إن شاء الله تعالى.
والأخت من الأب والأم يحجبها الابن، وابن الابن، والأب.
والأخت من الأب يحجبها الابن، وابن الابن، والأب، والأخ من الأب
والأم، وأختان من الأب والأم، إذا لم يكن معها أخ [من الأب] (2) يعصبها.
__________
(1) في الأصل: استغرق.
(2) زيادة من غير نسخة الأصل.

(9/33)


والأخت من الأم يحجبها من يحجب الأخ من الأم.
والزوجة لا تحجب عن أصل الميراث.
والمولاةُ المعتِقة كالمولى المعتِق.
فهذه جملٌ في الحجب على رأي زيد بن ثابت.
وفي بعض ما ذكرناه خلاف سنشرحه في مسائل الكتاب، إن شاء الله عز وجل.
6221 - فنعود إلى ما ذكره الشافعي قال رضي الله عنه: " لا يرث الإخوة والأخوات من قبل الأم، مع الجد، وإن علا، ولا مع الأب ".
وقد قدمنا أن ولد الأم يحجبه الابنُ، وابنُ الابن، والبنتُ، وبنتُ الابن، والأبُ والجدّ.
وقال عبد الله بن عباس: أولاد الأم يرثون مع الأب والجد، وإنما يسقطون بالولد وولد الابن.
6222 - وإنّما نشأ هذا الخلاف من الاختلاف في الكلالة، فإنه عز من قائل، قال: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] فما ذهب إليه زيدٌ وجماهير العلماء: أن الكلالة من لا ولد له ولا والد، وذهب ابن عباس أنّ الكلالة من لا ولد له، وإن كان له والد.
واختلف في اشتقاق الكلالة، وفي المسمى بها، فقيل: المسمى بها الميت، وقيل المسمّى بها الورثة.
وأمَّا الاشتقاق، فمنهم من قال: هو من قولهم: كَلَّ [سيف] (1) فلان، إذا ذهب طرفاه، وبقي الجوانب، والحواشي، وهذا يظهر إذا حملنا الكلالة على الميت، الذي لا أب له، ولا ولد.
__________
(1) في الأصل: نسب.

(9/34)


وقيل الكلالة الورثةُ، سموا بذلك لأنهم كالإكليل للميت، والإكليل يحيط بجوانب الرأس وأعلاهُ مقوّر، فإذا كان الورثة كالإكليل، سمُّوا كلالة.
وتعلق ابن عباس بقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ} [النساء: 176] فأوضح الله تعالى معنى الكلالة، وفسرها بمن لا ولد له.
وقد قال معظم الصحابة رضي الله عنهم: المراد بقوله تعالى {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 76]، ليس له ولد ولا والد، فوقع الاقتصار على أحد الطرفين، والدليل عليه أنه تعالى أثبت للأخت النصف، والإجماع منعقدٌ على أن الأخت لا ترث النصف مع الأب. وكان عمر متوقفاً في تفسير الكلالة، ولما راجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها قال صلى الله عليه وسلم: "يكفيك آية الصّيف"، أراد قولة تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176].
وهذه الآية نزلت في الصيف.
وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النساء: 12] نزلت في الشتاء. وكان عمر لا يتبين حتى قد قرأ هذه الآية، وفيها {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176] فقال عمر: هذا لمن بيَّنَتْ له، فأما عمر، فلم يتبين.
فصل
قال الشافعي:" لا يرث مع الأب أبواه، ولا مع الأم جدة ... إلى اَخره " (1).
6223 - أما قوله: لا يرث مع الأب أبواه، ولا مع الأم جدة، فالمراد أن أب الميت يحجب أب نفسه، وهو جد الميت، ويحجب أم نفسه وهي جدة الميت؛
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 139.

(9/35)


من جهة الأب. وإذا حجب الجدَّ الأدنى، حجب من فوقه، وكدلك القولُ في الجدات البعيدة المدليات به.
وقال ابن مسعود: أمُّ الأب ترث مع الأب، ووافق أن أب الأب لا يرث، وتعلق ابن مسعود بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ورّث جدّة وابنها حي " وفي رواية " ورّث أمّ حسكة، وابنها حي " (1) وهي أول جدّة ورثت في الإسلام. وحمل علماؤنا ما رواه على العم. وقالوا: ورّث الجدة، وابنها الذي هو عم الميت حي. والله أعلم.
6224 - وأمّا قول الشافعي، ولا مع الأم جدة، فالمراد أن الأم تحجب الجدة المدلية بها، والجدة المدلية بالأب.
وسنذكر هذا في فصول الجدات.
ولو كان في المسألة:
أم أب، وأم أم، وأب.
فلو لم يكن الأب، لكان السدس بين الجدتين، والأب حجب الجدة التي هي أمُّه، وفي الجدة التي هي أم الأم وجهان لأصحابنا: أحدهما - أنها تستحق السدس بكماله؛ فإنها منفردة بالاستحقاق.
والثاني - أنها لا تستحق إلا نصف السدس، والجدة من الأب وإن سقطت،
__________
(1) حديث توريث الجدة وابنها حي، وفي بعض الروايات أم حسكة، وأنها أول جدة ورثت في الإسلام أخرجه من عدة طرق سعيد بن منصور في سننه (حديث رقم 99، 102، 103، 104، 105 - 110) وابن أبي شيبة (حديث رقم 11351) وانظر المحلى (9/ 279 وما بعدها)، حسكة هو: حسكة الحنظلي، صحابي، لم نجد له ترجمة إلا في الإصابة، قال الحافظ: " كان من عمال خالد بن الوليد على بعض نواحي الحيرة في خلافة أبي بكر، وتقدم غير مرة أنهم كانوا لا يؤمرون إذ ذاك إلا الصحابة " (ر. الإصابة 1/ 328). أمّا أم حسكة فلم نصل لترجمتها في أي من المصادر التي رجعنا إليها.

(9/36)


فبقي أثر مزاحمتها؛ فإنها لم تسقط بالجدة من قبل الأم. وهذا بمثابة حجب الإخوة المحجوبين بالأب الأمَّ من الثلث إلى السدس. وسيأتي مجموع ذلك في فصول الجدات، إن شاء الله تعالى.
***

(9/37)


باب المورايث
6225 - ذكر الشافعي في هذا الباب الفرائض الست، وأبان مستحِقَّ كل فريضة، ونحن ذكرنا فيما تقدم الجُمَل والمعاقد، والآن نتبع النصوص، وترتيب (السواد) (1)، ونذكر ما فيها من مشاهير الخلاف.
وقد ذكر الشافعي في أول الباب فرضَ الزوجين، وليس فيهما خلاف،
ولا حاجة إلى مزيد بيان، مع نص القرآن.
فصل.
قال: " وللأم الثلث ... إلى آخره " (2).
6226 - فنقول: إن كان للميت ولدٌ أو ولد ابن، فللأم السدس، بلا خلاف، وكذلك إذا كان للميت ثلاثة من الإخوة، والأخوات، فللأم السدس.
وإن كان للميت اثنان من الإخوة والأخوات فمذهب زيد وجماهير الصحابة رضي الله عنهم أن للأم السدس. [وقال] (3) ابن عباس: لا ترجع الأم إلى السدس باثنين من الإخوة، وقيل: ناظَر ابنُ عباس عثمانَ، وتمسك بظاهر قوله
__________
(1) في الأصل: الشواذ. وهو تحريف عجيب مع أن الكلمة مرت آنفاً.
(2) المختصر: 3/ 140.
(3) في الأصل: فقال.

(9/38)


تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وقال محتجاً: ليس الأخوان إخوة في لسان قومك. فقال عثمان: " إن قومك حجبوها يا غلام " (1)، وأشار بهذا إلى مخالفته ما كان العلماء عليه قبل إظهار مذهبه.
ثم مقتضى اللسان التساهل في إطلاق لفظ الجمع على الاثنين، وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الاثنان فما فوقهما جماعة " (2)، وتبيّن في أصول الفرائض نزول الاثنين منزلة الجماعة من ذلك الجنس، كالأخوات يستحققن الثلثين، وللأختين الثلثان أيضاً، ولثلاثة فصاعداً من أولاد الأم الثلث، ولاثنين منهم الثلث.
6227 - ومما خالف فيه ابن عباس ما استثناه من الفريضتين، وهما:
زوج وأبوان.
وزوجة وأبوان.
قد ذكرنا أن للأم فيهما ثلث ما تبقى بعد فرض الزوج، وخالف ابن عباسٍ
__________
(1) أثر ابن عباس في مناظرة عثمان رضي الله عنهما، رواه البيهقي (6/ 227)، والحاكم (4/ 335) وصححه، ووافقه الذهبي. قال الحافظ: " وفيه نظر، فإن فيه شعبة مولى ابن عباس، وقد ضعفه النسائي " ر. التلخيص (3/ 186ح 1410). هذا وليس في الحديث العبارة التي ذكرها الإمام عن عثمان وإنما فيه قول عثمان رضي الله عنه: " لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس ".
(2) حديث: " الاثنان فما فوقهما جماعة " رواه ابن ماجة: كتاب الصلوات، باب الاثنان جماعة، ح 972، وابن أبي شيبة (2/ 531)، والدارقطني (1/ 280)، والحاكم (4/ 334)، والبيهقي (3/ 69) كلهم من حديث أبي موسى الأشعري. وله طرق أخرى عن أنس وأبي أمامة والحكم بن عمير وعبد الله بن عمرو، وكلها ضعيفة كما في التلخيص وخلاصة البدر المنير والإرواء، لكن يشهد لمعناه حديث مالك بن الحويرث " فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما " الذي أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأذان، باب اثنان فما فوقهما جماعة، ح 658، ر. التلخيصص: (3/ 177 ح 1395)، الخلاصة: (2/ 131 ح1734)، الإرواء: (2/ 248 ح 489).

(9/39)


فيهما، فأثبت للأم في الفريضتين الثلثَ الكاملَ.
ومعتمدُ المذهب أن أصل الفرائض أنه إذا اجتمع ذكرٌ وأنثى في درجةٍ واحدة، فالذكر يفضل الأنثى، وإدْلاءُ الأبوين جميعاً بالميت من جهة الأبوّة، وقد ثبت أنهما إذا اجتمعا، فللأم الثلث، والباقي للأب، وتبين ما اختص الأب به من البسطة والقوة في الميراث؛ فإنه يجتمع له الفرض والتعصيب في الفريضة الواحدة، ويثبت له حق الإرث بكل واحدةٍ من الجهتين، فلو قلنا في مسألة:
زوج وأبوين:
للأم ثلث جميع المال، لكانت آخذةً مثلَيْ ما يأخذ الأب. وهذا خلاف موضوع الفرائض.
وكذلك إذا ثبت أن الأب ينبغي أن يفضل الأمَّ، فيلزم منه أن يفضلها على النسبة التي ذكرناها، وذلك يحصل بقولنا: للأم بعد الربع ثلث ما تبقَّى، والباقي للأب، وإذا قلنا: للأم ثلث جميع المال، والباقي للأب، ففيه تفضيلٌ للأب، ولكن ليس التفضيل على النسبة المطلوبة.
وهذا الذي ذكرناه من تفضيل الذكر على الأنثى يدخل عليه تسويتُنا بين الذكر والأنثى في الأخ والأخت من الأم.
ويدخل عليه تسويتنا بين الأب والأم إذا كانا يأخذان بالفرض، حيث يكون في الفريضة معهما ابن، فإنا نقول: للأبوين السّدسان، والباقي للابن.
فهذا منتهى ما ذكر في ذلك.
6228 - والأَوْلى في المسائل التي انفرد فيها ابن عباس بالخلاف التمسكُ بما ذكره عثمان في المسألة الأولى من هذا الفصل؛ فإن ابن عباس أظهر الخلاف بعد سبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم إلى الاتفاق، ومفرداته مأخوذة من مسألةٍ في الأصول وهي أن الإجماع هل يشترط فيه انقراض أهل

(9/40)


العصر، حتى يقال: لا يقع الحكم بالإجماع إذا نشأ في العصر مخالفٌ قبل انقراض أهله؟ وقد ذكرنا أن المختار ألا يشترط انقراض أهل العصر (1).
فصل
قال: " وللابنة الو احدة النصف ... إلى آخره " (2).
6229 - نستفتح الكلامَ في ميراث الأولاد والبنين. ونحن نقول أولاً: انعقد الإجماع على أن الابن الواحد يحوز المال إذا انفرد، وليس لهذا ذكر في الكتاب والسنّة. وقال بعض أصحابنا: الإجماع انعقد عن شرع من قبلنا، وقد نقول (3): إن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، ووجه التمسّك بشرع من قبلنا أن الله تعالى أخبر عنه، فقال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16].
وهذا مدخولٌ من وجهين: أحدهما - أنا نقطع في مسالك الأصول بأنا لا نتمسك بشرع من قبلنا (4)، والآخر أن قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] كلام مستعار، والمراد به أنه قام مقامه في الملك، والنبوّة، ويشهد له قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ... } الآيات [النمل: 16 وما بعدها].
وتكلف بعض الأصحاب في هذا وجهاً آخر، فقالوا: قد ثبت أن الابن والبنت إذا اجتمعا، فالمال عند اجتماعهما مصروف إليهما على نسبة من التفاضل، فللابن ضعف ما للبنت حالة الاجتماع، فليكن للابن حالة الانفراد
__________
(1) راجع هذه المسألة في كتاب (البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين: فقرة 640، 641).
(2) ر. المختصر: 3/ 140.
(3) (ت 2): " وقد تقرر في الأصول أن شرع من قبلنا شرع لنا ". وراجع رأي الإمام في هذه القضية في كتابه (البرهان) الفقرات: 411 - 416.
(4) (ت 2): أنا لا نقطع في مسالك الأصول بأنا نتمسك.

(9/41)


ضعف ما للبنت [المفردة] (1) ثم للبنت المنفردة النصف، فليكن للابن المنفرد
الجميع.
وهذا تكلف مستغنىً عنه؛ فإن من القواعد [المستفيضة] (2) أن الأخذ بالتعصيب يستغرق المال إن لم يزاحَم. وعلى هذا القياس يجري العصبات أجمعون، والابن أقوى العصبات، فإذا انفرد ولم يكن ذو فرض، ولا وجه إلا أن يستغرق المال، فإن الابن الواحد يستغرق، والابنان يشتركان في الاستحقاق، وكذلك البنون.
فصل
قال: " وللبنت النصف، وللبنتين فصاعداً الثلثان ... إلى آخره " (3)
6230 - أما الواحدة من البنات، فلها النصف بنصّ القرآن، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11].
وللبنتين فصاعداً الثلثان عندنا، وهو مذهب عامة الفقهاء، وادّعى بعض الفرضيين الإجماعَ فيه، وحكَوْا موافقةَ ابن عباس.
ورُوي عنه أنه كان يقول: للبنتين النصف، وللثلاث فصاعداً الثلثان، محتجاً بظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11].
ونحن نقول: قد حصل الوفاق على أن للأختين الثلثان، قال عزّ من قائل: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] فإذا ثبت ذلك في الأختين مع
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) ر. المختصر: 3/ 140.

(9/42)


بُعد درجة الأخوات، فالبنات مع قرب الدرجات بذلك أولى، [ثم] (1) قد روي أن عثمان ابن مظعون (2) مات وخلف زوجةً، وبنتين، وأخاه قدامةَ بنَ مظعون، فرفع قدامةُ جميع المال، فجاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن أخاك عثمان مات، وخلفني وبنتين، وأخاه قدامة، وإنه رفع جميعَ المال، فقال صلى الله عليه وسلم: " لك الثمن ولبنتيك الثلثان، والباقي للاخ " (3).
فصل
قال: " فإذا استكمل البنات الثلثين ... إلى آخره " (4).
6231 - إذا خلّف الرجل بنتاً، وبنت ابن، فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين.
ولو كان في المسألة بنتٌ واحدة في الصلب، وجماعةٌ من بنات الابن، فللابنة النصف ولبنات الابن السّدس، يشتركن فيه إذا لم يكن في الفريضة معصِّب. وعن هزيل بن شرحبيل أنه قال: أتيت سليمان بن ربيعة، وأبا موسى الأشعري، وسألتهما عن:
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) المشهور والمروي فيما رأيناه من كتب السنة أن الواقعة كانت مع زوجة سعد بن الربيع وليس عثمان بن مظعون وفي رواية عند أبي داود أنها في ابنتي ثابت بن قيس، وقال أبو داود: وهو خطأ. (ر. أبو داود، ح 2891، التلخيص: ح 1399).
(3) حديث: " لك الثمن ولبنتيك الثلثان والباقي للأخ " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وهو في ابنتي سعد بن الربيع كما أشرنا آنفاً (ر. أبو داود: الفرائض باب ما جاء في ميراث الصلب ح 2891، الترمذي: الفرائض باب ما جاء في ميراث البنات، ح2092، ابن ماجة: الفرائض باب فرائض الصلب، ح2720، أحمد: 3/ 352، الحاكم: 4/ 332، 333، التلخيص: 3/ 181 ح1399).
(4) ر. المختصر: 3/ 140.

(9/43)


بنت، وبنت ابن، وأخت.
فقال: للبنت النصف، والباقي للأخت، ثم قال أبو موسى: ائت عبدَ الله بنَ مسعود، فاسأله؛ فإنه سيتابعُنا، فأتيته وسألته، وأخبرته بما قال أبو موسى، فقال عبد الله: قد ضللت إذاً، وما أنا من المهتدين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للأخت " (1). قال هزيل: فرجعت إليهما، فأخبرتهما بما قال ابنُ مسعود، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء، وهذا الحبر بين أظهركم.
وقد تمسك الأصحاب بهذه الصورة على ابن عباس فيه إذا كان في الفريضة بنتان، فقالوا: إذا كنا نصرف إلى بنت واحدة فى الصلب، وإلى بنت ابن واحدة الثلثين (2)، فالبنتان في الصلب بالثلثين أولى.
ولو كان في المسألة:
بنت واحدة، في الصلب، وبنت ابن، أو بناتُ ابن، وغلامٌ من الأحفاد دونهن في الدرجة.
__________
(1) هزيل بن شرحبيل الأزدي الكوفي، مختلف في صحبته، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين، وذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الثالث، وذكره أبو موسى في الذيل (ر. الإصابة، تهذيب التهذيب).
وحديثه رواه البخاري مختصراً: الفرائض، باب ميراث ابنة ابنٍ مع ابنةٍ، ح 6736، وأبو داود: الفرائض، باب ما جاء في ميراث الصلب، ح 2890، والترمذي: الفرائض، باب ما جاء في ميراث بنت الابن مع بنت الصلب، ح 2093، وابن ماجة: الفرائض، باب فرائض الصلب، ح 2721، والدارمي: ح2890، وأحمد (1/ 389، 440،428، 463)، والبيهقي في الكبرى (6/ 229)، وفي الصغير (2/ 363 ح 2293). (ر. التلخيص: 3/ 181ح 1400).
(2) المراد مجموع المصروف إليهما (بنت صلبية مع بنت ابن). والمعنى أنهم يحتجون بهذه
الصورة على ابن عباس رضي الله عنه في قوله: إن للثنتين من البنات النصف.

(9/44)


فللبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي للغلام المستقل.
ثم قال: " فإذا استكمل البنات الثلثين ... إلى آخره " (1).
6232 - الوجهُ أن نذكر مذهب زيد ومذهب الجمهور مجموعاً في الأولاد وأولاد الابن، حتى ينتظم الكلام، ثم نذكر خلاف من يخالف في آحاد المسائل، فنقول:
أولاد الصلب إذا تمحّضوا، نُظر: فإن كانوا ذكوراً، أوْ لم يوجد منهم إلا ذكرٌ واحد، فسبيل الاستحقاق استغراق التركة.
وإن كانوا ذكوراً، وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن لم يكن في المسألة ذكورٌ، وكان فيها بنات الصلب، فللبنت الواحدة النصف، وللبناتِ إذا زدن على اثنتين الثلثان، و (2 للبنتين الثلثان 2) أيضاً.
ولا يصح عن ابن عباس الخلاف في ذلك، وروى بعضُ الفرضيين عنه الخلافَ كما قدمناه.
هذا في أولاد الصلب إذا تمحضوا ذكوراً، أو إناثاً، أو اختلطوا ذكوراً وإناثاً.
6233 - فإذا لم يكن في الفريضة أحدٌ من أولاد الصلب، وكان فيها أولاد الابن، فيفصّل القول فيهم كتفصيل القول في أولاد الصلب إذا تمحضوا في الأحوال الثلاثة: ذكوراً أو إناثاً، أو مختلطين، فإنّ ابنَ الابن كالابن، وابن الابن مع بنت الابن، كالابن مع البنت.
__________
(1) كرر هذا القول للشافعي هنا مع أنه صدر به الفصل، وذلك تجدّيداً للعهد به، حيث طال الحديث عن حالات البنت الواحدة في الصلب، مع بنات الابن.
(2) ما بين القوسين ساقط من (د ا)، (ت 3).

(9/45)


وإذا انفردت بنت ابن واحدة، فهي كبنتٍ واحدة في الصلب، وبنتا الابن فصاعداً، لا ذكر معهن، كبنتي الصلب فصاعداً.
6234 - وإذا اجتمع في الفريضة أولاد الصلب، وأولاد الابن، نظر: فإن كان في الصلب ذكر، فأولاد الابن محجوبون به.
وإن لم يكن في الصلب ذكر، نُظر: فإن كان في الصلب بنت واحدة، فلها النصف. ثم ينظر في أولاد الابن، فإن كانوا ذكوراً، أو كانوا ذكوراً وإناثاً، فالباقي بعد النصف لأولاد الابن.
وإن كان في الصلب بنتٌ واحدة، ومعها بنت ابن أو بنات ابن، لا ذكر معهن في درجتهن، فالسدس لبنت الابن، أو بنات الابن تكملة الثلثين.
ولو كان في الصلب بنتان فصاعداً، فلهن الثلثان، ثم ينظر في أولاد الابن، فإن لم يكن فيهن ذكر، سقطن بعد استغراق الثلثين. وإن كان أولاد الابن ذكوراً، فالباقي لهم، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالباقي [بينهم] (1) للذكر مثل حظ الأنثيين.
والذكر مع الأنثى في هذه المنزلة يسمى الأخَ المبارك؛ فإن بنت الابن، كانت تسقط لولاه. وإنما ورثت بسببه.
ثم قال الأئمة: إذا كان في المسألة بنتا صلبٍ، وبنت ابن، وابن ابن [ابن] (2) فللبنتين الثلثان، والباقي بين بنت الابن، [وابن] (3) ابن الابن المتسفِّل في الدرجة: للذكر مثل حظ الأنثيين، فالذكر في درجتها يعصبها، والذكر المتسفِّل عنها يعصبها.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) سقطت من الأصل.
(3) في الأصل: وبين.

(9/46)


ولو كان في الفريضة بنت واحدة في الصلب، وبنت ابن، وابن ابن ابن، فلبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي لابن ابن الابن.
ولو كان الغلام في درجة بنت الابن، فكان في الفريضة بنت وبنت ابنٍ وابن ابن، فللبنت النصف، والباقي بين بنت الابن وابن الابن للذكر مثل حظ الأنثيين.
6235 - والضابط في ذلك لمذهب زيد والجمهور: أنه إذا كان في الفريضة بنتا صلب، واستغرقتا الثلثين، فبنات الابن يسقطن إذا لم يكن معهن ذكر، ولا يستحققن إذا انفردن شيئاً، وإذا كان غلام معصِّب، ورثن بسبب تعصيبه، فحيث يرثن، [يرثن] (1) بسبب الغلام، ولولاه لسقطن، فالغلام يعصبهن إذا كان في درجتهن، ويُثبت إرثَهن، وكذلك لو تسفّل عنهن، عصّبهن.
ولو كانت بنات الابن يرثن دون غلام -وإنما يكون ذلك إذا كان في الصلب بنت واحدة- فإن كان الغلام في درجتهن عصّبهن، وإن كان أسفل منهن، لم يعصبهن، وثبت لهن فرضُهن، وهو السدس، المكمِّل للثلثين. ثم الباقي للغلام المتسفل، والسبب في ذلك أن الغلام إذا كان سببَ توريث بنات الابن، عصّبهن، وهو في درجتهن، فإذا كان أسفل منهن، فلا يمكن إسقاط الغلام؛ فإنه عصبة ذكر، ثم إذا لم يسقط الغلام، كيف تسقط بنت الابن القريبة، وقد ثبت أن الغلام يشاركها إذا كان مساوياً لها في الدرجة، فيستحيل أن ينفرد بالإرث
إذا بعُدت درجتُه.
فأمَّا إذا كان لبنت الابن فرض السدس، فالغلام في درجتها يعصّبها، كما يعصب الابنُ البنتَ، فإذا تسفل درجة الغلام، رددنا الأمرَ إلى القياس، فلبنت
__________
(1) زيادة من المحقق. إخالها سقطت من جميع النسخ.

(9/47)


الابن فرضُها، والفاضل من الفرض للغلام المتسفّل.
6236 - وإذا لم يكن في المسألة أولاد الصلب، وكان فيها درجات من أولاد البنين، فالدرجة العليا منهم بالإضافة إلى الدرجة التي تليها كدرجة أولاد الصلب مع أولاد الابن في كل تفصيل:
فلو كان في المسألة بنتا ابن، وبنت ابن ابن، فلبنتي الابن الثلثان، وتسقط بنت ابن الابن، فإن الثلثين صار مستغرقاً في الدرجة الأولى. فإن كان مع المتسفلة، أو أسفل منها غلام، عصّبها حينئذ. ولو كان في المسألة بنتٌ وبنت ابن، وبنت ابن ابن، فلبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وتسقط المتسفلة عن هذه الدرجة، إذا لم يكن معها معصب؛ فإن الثلثين صار مستغرقاً بالنصف والسدس.
هذا بيان القواعد.
ومهما سفلت واحدة من أولاد البنين بعد الثلثين، فلو تقدم عليها بالدرجة ذكر أسقطها، لا محالة، ولو قاربها أو تسفل عنها عصبها.
6237 - وقال عبد الله بن مسعود: " إذا استكملت بناتُ الصلب الثلثين، فلا شيء لبنات الابن " (1)؛ فإن كان معهن ذكر في درجتهن، أو أسفل منهن، فالباقي مصروفٌ إلى الذكر، وليس لبنات الابن شيء. قال: لأنهن لا يستحققن دون الغلام، فالغلام لا يُثبت لهن ميراثاً.
وعبّر عن هذا فقال: " ليس لإناث أولاد البنين [بعد الثلثين] (2) شيء ".
وقال عبد الله أيضاً: إذا كان في الصلب بنت واحدة، فلها النصف، ولبنات الابن لو انفردن السدس، فلو كان معهن ذكر يعصبهن، فلهن [الأضرُّ من السدس
__________
(1) أثر عبد الله بن مسعود رواه ابن أبي شيبة: 11/ 286، 287 ح 11446.
(2) ساقط من الأصل.

(9/48)


أو المقاسمة، فإن كان السدس أضرَّ بهن، فالسدس لهن] (1) والباقي لابن الابن، وإلا فالمقاسمة.
6238 - وطريق (2) إيضاح مذهبه أن نقول: إن لم يكن في الفريضة صاحب فرضٍ غيرُ الأولاد والأحفاد، اطرد في معرفة الأضر مسلك واحد، وهو أن نقول: إن كان عدد الذكور والإناث سواء بالرؤوس، لا بتقدير ذكر أنثيين [عدداً] (3)، فالسدس، والمقاسمة سواء، وإن كان عدد الإناث أكثر، فالسدسُ شِرْكُهن (4) وأضرٌّ بهن، وإن كان عدد الذكور أكثر، فالمقاسمة شِركُهن.
وبيانه: بنت صلب، وبنت ابن، وابن ابن، فالاستواء محقق، فيستوي السدس والمقاسمة. والمسألة في تقدير المقاسمة من اثنين: لبنت الصلب النصف سهم واحد من اثنين والباقي لهما وهو سهم منكسر على ثلاثة؛ فإنا نقسمه للذكر مثل حظ الأنثيين، فنضرب ثلاثة في اثنين، فتصير ستة: لبنت الصلب منها ثلاثة، ولبنت الابن مما بقي الثلث وهو سهم واحد من ستة، وهو السدس بعينه.
ولو كان في المسألة ابنا ابن وبنت ابن، فالسدس خير لها. بيانه: بنت صلب، وابنا ابن، وبنت ابن. المسألة من اثنين في المقاسمة، وينكسر سهمٌ على خمسة، فنضرب الخمسة في اثنين [فتصير عشرة] (5)، للبنت من العشرة خمسة، ولبنت الابن سهم واحد، فقد خصها بالمقاسمة عشر المال.
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(2) " طريق إيضاح مذهبه ": بمعنى الضابط أو المعيار.
(3) مزيدة من غير الأصل.
(4) شِرْكهن: بكسر المعجمة في أوله، وإسكان ثانيه: النصيب.
(5) زيادة من المحقق، حيث سقطت من جميع النسخ، وسوَّغَها لنا أن في الكلام حذفاً يحتاج
إلى إيضاح، فقد يخفى على بعض الشداة (المبتدئين) من أين جاءت (العَشَرة).

(9/49)


وإن كان في المسألة مع بنت الصلب بنتا ابن، وابن ابن فالمسألة من اثنين، فينكسر بينهم على أربعة، فنضرب أربعة في اثنين فترد ثمانية. للبنت منها أربعة، ولبنتي الابن سهمان، فقد خصهما بالمقاسمة ربعُ جميع المال، فهو خير لهما من السدس (1).
6239 - وهذا الاعتبار (2) كافٍ إذا لم يكن في المسألة صاحبُ فرضٍ غيرُهن، فإن كان في المسألة صاحبُ فرض، فلا يستقيم هذا الاعتبار.
وبيان اضطرابه أنه لو كان في المسالة زوج، وبنت صلب، وابن ابن، وبنت ابن، فالمسألة من أربعة: للزوج الربع سهمٌ، ولبنت الصلب سهمان. يبقى سهمٌ واحد لا ينقسم عليهما، فنضرب ثلاثة في أربعة، فللزوج ثلاثة من اثني عشر، والبنتُ ستة، يبقى ثلاثة: لبنت الابن سهم واحد؛ فقد خصها بالمقاسمة نصف السدس، مع الاستواء في [العدد] (3)، فينبغي أن نأخذ في اعتبارٍ آخر.
6240 - وقد أكثر الفرضيون في ذلك.
ونحن نرتاد من جملة ما ذكروه طريقين: إحداهما - أن نقول: إذا أردت أن تعرف هل في المسألة خلاف مع عبد الله رضي الله عنه، فأعط بنتَ الصلب ومن معها من ذوي الفروض فروضَهم، ثم انظر: فإن كان الباقي من المال سدساً، أو أقلَّ، فلا خلاف ولا وجه إلا المقاسمة.
وإن كان الباقي أكثر من السدس، فاعزل منه السدس، وخذ نصف الباقي، وانسبه إلى السدس، وانسب عددَ بني الابن إلى عدد بنات الابن، فإن كانت نسبة
__________
(1) هنا أيضاً إيجازٌ في الكلام، بيانه أن يزاد هنا: " ولكن لهما الأضرُّ، ولذا لا يصرف لهما الربع الذي حصل بالمقاسمة، بل يردّان إلى السدس ".
(2) " هذا الاعتبار " إشارة إلى ضابط مذهب ابن مسعود الذي فرغ من شرحه توّاً. والذي بدأه بقوله آنفاً: " وطريق إيضاح مذهبه أن نقول ... ".
(3) في الأصل: " القدر ".

(9/50)


عدد بني الابن بالرؤوس إلى عدد بنات الابن مثل نسبة نصف الباقي إلى السدس، أو أكثر فلا خلاف، ولا وجه إلا المقاسمة. وإن كانت نسبة الذكور إلى الإناث أقل من تلك النسبة، فهي مسألة الخلاف مع ابن مسعود، فإنه يثبت السدس للإناث، وغيرُه يثبتون المقاسمة.
ونُوضح الطريقةَ بثلانة أمثلة: المثال الأول - بنت، وابنا ابن، وبنتا ابن، وجدة. فللجدة السدس، وللبنت النصف، ويبقى من المال الثلث، فنعزل منه السدس، فيبقى منه السدس، فننسب نصفه إلى السدس، ثم ننسب عدد الذكور إلى الإناث باعتبار الرؤوس، فنرى الذكور مثل الإناث، فهذه النسبة أكثر من نسبة نصف السدس إلى السدس، فلا خلاف إذاً، والمقاسمة أضرُّ.
ولو فرضنا بنتاً وجدة، وابن ابن، وبنتي ابن، فنحط النصف والسدس، كما تقدم، فيبقى الثلث، ونعزل منه السدس، وننسب نصفَ ما بقي إلى السدس، فيقع نصفَه، ثم ننسب الذكر إلى الإناث، فيقعُ نصفَ الإناث، فقد استوت النسبتان، فلا خلاف.
وإن كان في المسألة ثلاثُ بنات ابن، وابن ابن، و [طردنا] (1) الطريقة، على النسق الذي ذكرناه، فتقع نسبة الذكر إلى الإناث أقلَّ من نسبة [نصف] (2) الباقي إلى السدس المعزول، فهو صورة الخلاف؛ فإن السدسَ أضرُّ بالإناث من المقاسمة.
والطريقة كما تجري مع الفرض تجري من غير فرض، غيرَ أنها من غير فرض تطّرد على استواء. ويختلف عدد الذكور والإناث، فإذا كان في المسألة بنت وابنا ابن وبنتا ابن فنعطي البنت نصفها، ونعزل من النصف الباقي السدس، ثم ننسب نصف ما بقي بعد السدس إلى السدس، والباقي بعد السدس ثلث ونصفه
__________
(1) في الأصل: واطرد.
(2) ساقطة من الأصل.

(9/51)


سدس، فهو مثل السدس المعزول، ونسبة رؤوس الذكور إلى الإناث بالمثل أيضاً، فقد استوت النسبتان، فلا خلاف. ولا يعسر طرد الطريقة في الصور كلِّها مع فرضٍ، ومن غير فرضٍ.
6241 - الطريقة الثانية في استخراج الأضرّ، والتنصيص على صورة الخلاف والوفاق - فنقول: إن كان في الصلب بنتان فصاعداً، واجتمع في أولاد الابن ذكورٌ وإناث، فهي مسألة خلاف، لا محالة. وكذلك إذا استُغرِق الثلثان بالنصف والسدس تكملة الثلثين، ووقع الكلام في درجة متسفِّلة، وفيها ذكور وإناث، فهي صورة الخلاف.
وإن كان في الصلب بنتٌ واحدة وفي الدرجة الأولى من أولاد الابن ذكور وإناث، فابن مسعودٍ يعتبر الأضرَّ، وسبيل طلبه سواء كان في المسألة صاحب فرض سوى الأولاد، أو لم يكن أن نقول: يُدفع إلى البنت وذوي الفروض فروضهم، إن كانوا، ثم [نضرب] (1) ما تبقى من سهام المسألة في عدد بنات الابن، ونحفظ مبلغه، ثم نضرب سدس جميع المال في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور من أولاد الابن، فما بلغ نقابله بالمبلغ الأول، فإن كان مثله، فالقسمة والسدس سواء، وإن اختلفا، فانظر: فإن كان مضروب باقي السهام في عدد الإناث أقلَّ، فالقسمة أضرّ بهن، فلا خلاف في المسألة. وإن كان مضروب السدس في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور أقلّ، فالسدس أضرُّ بهن، وفيها خلاف.
ومثاله: امرأة (2)، وبنت، وأربعة بني ابن، وثمان بنات ابن. المسألة من أربعة وعشرين، للمرأة الثمن ثلاثة، وللبنت النصف اثنا عشر، والباقي تسعةُ أسهم، نضربها في عدد بنات الابن، وهم ثمان، فتبلغ اثنين وسبعين،
__________
(1) في الأصل: " يصرف " وهو تصحيف واضح.
(2) امرأة: أي زوجة.

(9/52)


فنحفظها، ثم نضرب سدس أصل المسألة وهي أربعة في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور وذلك ستة عشر، فيبلغ أربعة وستين، وهو أقل من اثنين وسبعين، فالسدس أضر، فالمسألة خلافية.
فعلى أصل الجمهور للمرأة الثمن، وللبنت النصف، والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين. وعلى أصل ابن مسعود للمرأة الثمن، وللبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، والباقي لبني الابن.
ولو كان عدد بني الابن خمسة، فباقي المسألة على ما ذكرنا، فنضرب سدس المسألة، وهو أربعة في عدد الإناث، وضعف عدد الذكور، وذلك ثمانية عشر، فصار المبلغ اثنين وسبعين، مثل المبلغ الأول. واستوى السدس والقسمة، وزال موضع الخلاف.
ولو كان عدد بني الابن فيها ستة، وضربنا سدس أصل المسالة في عدد
الإناث، وضعف عدد الذكور، وذلك عشرون، صار المبلغ ثمانين، وهي أكثر من المبلغ الأول الذي هو اثنان وسبعون، فالقسمة أضر، وزال الخلاف.
6242 - وذكر القفال طريقةً أخرى في استخراج الأضر، وبيان صور الوفاق والخلاف، وهي مطردة مع الفروض ومن غير فرض، فقال: نصحح الفريضة، ثم ننظر فيما يخص بنات الابن في المقاسمة، ونقرب ذلك في مخرج السدس، ثم نقابل بين ذلك المبلغ، وبين المبلغ الذي صحت الفريضة منه، فإن استوى المبلغان، استوت المقاسمة والسدس، وزال الخلاف، وإن كان مبلغُ الضرب في مخرج السدس أقلَّ من الفريضة المصححة، فالسدس خير، والقسمة أضرُّ، ولا خلاف.
وإن كان مبلغ الضرب في مخرج السدس أكثرَ من الفريضة المصححة، فالسدس شرٌّ لهن، ويقوم الخلاف.
والطريقة ممتحنة مُطردة.

(9/53)


ونحن نضرب لها مثالاً، ونردّده، فنقول:
زوج، وبنت صلب، وبنت ابن، وابن ابن. فالمسألة من أربعة: للزوج الربع سهمٌ، ولبنت الصلب النصفُ سهمان. والباقي وهو سهم ينكسر على ثلاثة، فنضرب ثلاثة في أربعة [تصير] (1) اثني عشر. للبنت ستة، وللزوج ثلاثة. ومن الباقي للبنت سهم واحد فنضربه في مخرج السدس فتصير ستة، فنقابل بين هذا المبلغ وبين الفريضة المصححة، فإذاً الفريضة اثنا عشر فالمقاسمة شرٌّ من السدس، ولا خلاف.
ولا يعسر ترديد الصور بالزيادة في عدد الذكور والإناث.
فصل
6243 - اعلم أن الناظر في علم الفرائض يحتاج إلى العلم بالفتاوى، والأحكام، وإلى العلم بالأنساب، وإلى المهارة في الحساب، وإلى اتباع ألفاظ الفرضيين.
أما الفتاوى؛ فهي الأصل، وأما الأنساب، فقد تشتبه في صور الوقائع ويجرّ الزلل فيها خبطاً عظيماً، وينشأ من الأنساب المتشابهة مسائلُ من المعاياة (2).
وأما الحساب، فهو ركن لا ينكر مسيس الحاجة إليه في القسمة، وتصحيح المسائل. وأما الألفاظ، فلا بد منها، فإذا كان في الفريضة زوج [وعم] (3) فمن خُرْق المفتي أن يقول: للزوج النصف وللعم النصف -وإن كان هذا سديداً في
__________
(1) غير مقروءة في الأصل.
(2) المعاياة: مفاعلة من الجانبين، من عايا فلانٌ صاحبَه ألقى عليه كلاماً، لا يهتدي لوجهه (المعجم) والمعني الإلغاز بالمسائل، وتبادل مُعْوِصاتها، وشائع على ألسنة الفقهاء: " إياك، ومسائل المعاياة فإنها صعبة المعاناة ".
(3) في جميع النسخ: (عصبة).

(9/54)


المعنى- لأن العصبة لا يعبّر عن حصته بمقدارٍ، والسبب فيه أن السامع قد يعتقده مُقَدّراً كفرض الزوج. ثم ذاك لا ثبات له، وهو يتغير بتغير الصور، فالعصبة الذي يأخذ نصفاً، يأخذ في صورة أخرى ثلثاً، أو ثلثين على ما نفصل من الفرائض.
وقيل: سأل الحجاجُ الشعبيَّ عمّن خلّف بنتاً، وأباً، فقال الشعبي للبنت النصف والباقي للأب، فقال الحجاج: أصبت في المعنى وأخطأت في العبارة، هلا قلت: للأب السدس، والباقي له بالتعصيب.
والغرضُ من هذا أن الأنساب قد تشتبه في أولاد الابن، فلا بدّ من التعرّض لهُ.
6244 - ونحن نذكر منشأ الاشتباه، وطريقَ التفصيل. وإن تعدينا حدّ الاختصار في مثل ذلك، فالعذر واضح. ومثل هذا المجموع لا يختص بالأذكياء، بل حقه أن يشترك فيه المبتدىء والمنتهي.
6245 - فإن قيل: ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، فنقول: هن بنت ابن، وبنت ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن. فالفتوى أن نقول: لبنت الابن النصف، ولبنت ابن الابن السدس تكملة الثلثين، ولا شيء لبنت ابن ابن الابن، إلا أن يكون معها في درجتها، أو أسفل منها غلام فيعصّبها. هذا مذهب الجمهور. والتصحيح بالحساب بيّن.
وأما النّسب، فنقول: يحتمل أن تكون العليا عمة الوسطى، ويحتمل أن تكون بنت عم أبيها. أمّا تصوير كونها عمة الوسطى، فنقول: كان لرجل ابن، ولابنه [ابن] (1) وبنت، ولابن ابنه بنت. فالعليا وهي بنت الابن أخت أب الوسطى؛ فتكون عمةٌ لها.
__________
(1) سقطت من الأصل.

(9/55)


وأمّا قولنا: يحتمل أن تكون العليا ابنة عم أبيها، فتصوير ذلك أن يكون لرجل ابنان: زيد وعمرو، ولزيد بنتٌ، ولعمرو ابن، ولابنه بنت، فبنت زيد تكون بنت عم أبي الوسطى، لأن زيداً عمُّ أبيها، فهذه بنت عم أبيها.
والسبب الذي يوجب الاختلاف في القرابات بين الدرجات أنا قد نصوّر للميت ابناً واحداً، ونصوّر لذلك الابن أحفاداً، ونرتب منهم: عليا، ووسطى، وسفلى. والأبُ واحدٌ جامع، فيتضمن هذا الجنس الأول من القرابة.
ويتصوّر للميت [ابنان] (1)، ثم لأحدهما بنتٌ هي العُليا، وللآخر ابن، وله بنت، وهي الوسطى، فتقع القرابة على وجهٍ آخر لا محالة.
6246 - وإذا قيل لنا: ما القرابة بين السفلى، والوسطى؟ قلنا: يحتمل أن تكون عمة السفلى، بأن كان لرجل ابن ابن، وله بنت وابنٌ، ولذلك الابن ابنة، فبنت ابن الابن تكون أخت أبيه.
ويحتمل أن تكون ابنة عم أب السفلى: بأن كان [رجل يسمى زيداً] (2)، وله بنت ابن ابن تسمى فاطمة، بنت خالد، بن بكر، بن زيد. ولزيد ابن آخر يسمى [عمراً] (3)، ولعمرو بنت تسمى عائشة، فعائشة بنت ابنه، وفاطمة بنت ابن ابنه، فتكون عائشة بنت عم أب فاطمة؛ لأن عمراً عمُّ خالد، وهو أب فاطمة.
ويحتمل أن تكون الوسطى بنت ابن عم جد السفلى، بأن كان لرجل يسمى محمداً ابنٌ يسمى زيداً، وله بنت ابن ابن، تسمى فاطمة، بنت خالد، بن بكر، بن زيد، بن محمد. ولمحمد ابن آخر يسمى عمراً، ولعمرو بنت ابنٍ، تسمى عائشة، بنت جعفر، بن عمرو، بن محمد، فعائشة بنت ابن عم جد
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل، (ت 3)، (د ا): " لرجل ابن يسمى زيداً " والمثبت من (ت 2). ولا فرق في المعنى، ولكن في هذه اختصار درجة لسهولة التصور.
(3) سقط من الأصل.

(9/56)


فاطمة، لأن عمراً عم جدّها، وعائشة بنت ابن عمرو.
6247 - وأما العليا من السفلى، يحتمل أن تكون عمة أب السفلى، وذلك بأن يكون لرجلٍ ابنٌ هو زيد، وله [ابن يقال له: بكر و] (1) بنت تسمى عائشة، ولابن ابنه بنتُ ابن تسمى فاطمة، بنت خالد، بن بكر، بن زيد، وعائشة أخت بكر، فتكون عمة خالد.
ويحتمل أن تكون العليا بنت عم جد السفلى، بأن كان للميت سوى ابنه زيد ابنٌ آخر يسمى جعفراً، ولجعفر بنتٌ هي العليا، فبنت جعفر تقع من السفلى التي صورناها من زيد بنت عم جدّها.
وهذا التفاوت سببه ما ذكرناه من تصوير ابنٍ واحد، وتشعيب أحفاده تارةً، ومن تصوير ابنين، وأخذ العليا من أحدهما، وتصوير الدرجة الأخرى من الآخر.
ومن تنبه لما ذكرناه، هان عليه الدَرْك بالفكر.
6248 - وإذْ (2) قلنا: بنتا الابن في الدرجة العليا، فإن كانتا من ابن واحد للميت، [فهما أختان من أبٍ لا محالة] (3)، فإن كانت أمُّهما واحدة، فأختان من أبٍ وأم، فإذا كان أحدهما غلاماً، فنقول: إنه يعصب أخته.
6249 - ولو فرضنا بنتي ابنين للميت، فهما في الميراث كبنتي ابن واحد للميت، ويكون كل واحد منهما بنت عم الأخرى. فإذا كان أحد الحفيدين ذكراً، والدّرجة واحدة يقال: عصب بنت عمه.
وإذا فرضنا تعصيب الغلام المتسفّل لمن فوقه، فيتصوّر تعصيبٌ مع قرابة أبْعد
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(2) في باقي النسخ: وإذا.
(3) عبارة الأصل: فهما أختان وكانتا من أب لا محالة.

(9/57)


مما ذكرنا، فإذا نظر الناظر إلى ما بين الغلام المعصّب، والجارية المعصَّبة، فقد يكون أحدهما من ذوات الأرحام إذا نسب إلى الآخر، ولكن التعصيب ليس يقع بما بينهما من القرابة، وإنما يقع بانتسابهما جميعاً إلى الميت بالبنوة، وهي شاملة لهما.
6250 - وإذا قلنا: أخُ الميت يعصب أخته، فليس التعصيب لما بينهما من الأخوة، إنما يعصب أحدهما الآخر، لأنهما ولدا أب الميت، غيرَ أن الدرجة إذا انحطت فصورنا ابن أخٍ، وبنت أخ، فلا تعصيب؛ لأن بنت الاخ في نفسها من أرحام الميت، فلم ترثه، وإذا لم ترثه، لم تعصَّب، فإن قيل: ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، وثلاث بنات ابن [آخر] (1) بعضهن أسفل من بعض، فنقول: حصلت ابنتانِ في الدرجة العليا، ووسطيان، وسفليان، فللبنتين في الدرجة العليا الثلثان، ويسقط من دونهما، إلا أن نفرض غلاماً دون الدرجة العليا، فإن فرضناه في الدرجة الوسطى، فالباقي بعد الثلثين مصروف إلى أهل الدرجة الوسطى، للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من في الدرجة السفلى. وإن كان الغلام [في الدرجة السفلى] (2)، فما بقي بعد الثلثين للوُسْطيَيْن، وللسفليَيْن، وللغلام: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأصل المسألة من ثلاثة، وتصح من ثمانية عشر.
وعلى هذا البابُ وقياسه.
6251 - فإن قيل ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض، مع كل واحدة أختُها، قلنا: إن كانت الأخت في الدرجة الأولى: لأب وأم، أو لأب، فهما بنتا ابنِ الميت، فنقول حصَل بنتا ابن، وكذلك القول في الوُسْطيين، والسفليين. وإن كانت الأخت للأم، فليست بوَارثة؛ لأنها ربيبة ابن الميت.
__________
(1) ساقطة من الأصل وحدها.
(2) في الأصل: " مع السفليين ". والمؤدى واحد.

(9/58)


فإن قيل: بنت ابن معها بنت عمها، فنقول: إن كانت بنت عمها لأب وأم، أو لأبٍ، فهما بنتا ابن الميت، ولكن من ابنين.
وإن كانت بنت عمها لأم، فلا ترث، وتقع بنت [ربيب] (1) الميت لا محالة.
فإن قيل: ثلاث بنات ابن، بعضهن أسفل من بعض، مع كل واحدة منهن عمتها، فنقول: عمةُ العليا بنت الميت، وعمة الوسطى بنت ابن الميت، وكذلك القول فيمن بعدها. ولا معنى للتطويل.
والمراد بما ذكرناه العماتُ من قبل الأب.
ومن أحاط بالمسالك التي ذكرناها، وتدرّب في الفكر قليلاً، صار من المهرة في مضمون الفصل.
6252 - وإن قيل: بنت ابن معها جدتها، فنستفسر، ونقول: هل هي أم الأب، أم هي أم الأم؟ فإن قالوا: أم الأم، فهي أمُّ زوجة ابن الميت. وإن قالوا: هي أم الأب استفسرنا، وقلنا: الميت رجل أو امرأة، فإن قالوا: رجل، فقد تكون زوجة الميت. وإن قالوا: امرأة، فلا تتصور هذه المسألة لأن الجدة هي الميتة بنفسها.
وفي القدر الذي ذكرناه مقنعٌ، ومزيد كشفٍ في التنبيه على المآخذ.
وطرقُ الأصحاب قد تحوي صوراً مرسلة من غير تنبيه على المآخذ.
6253 - ولو قيل: ثلاث بنات ابن، بعضُهن أسفلُ من بعض، (2 وثلاث بنات ابن ابن، بعضهن أسفل من البعض، وثلاث بنات ابن ابن ابن، بعضهن أسفل من البعض 2)، فنقول: هي بنت ابن، وبنتا ابن ابن، ثلاث بنات ابن ابن
__________
(1) في الأصل: (ابنت) بهذا الرسم. وهو تحريف واضح، حيث صارت (الراء) ألفاً.
(2) ما بين القوسين ساقط من جميع النسخ ما عدا الأصل.

(9/59)


ابن [وبنتا ابن ابن ابن ابن، وبنت ابن ابن ابن ابن ابن، (1)، بعضهن أسفل من البعض، فإنهن درجات مترتبات، وفي كل درجة بناتُ ابن مترتبات، فيقع في الدّرجة العليا واحدة، ويقع في الدرجة الأخرى الوسطى من العليا، والعليا من الوسطى، ويقع في الدرجة الأخرى السفلى من العليا والوسطى من الوسطى، والعليا من السفلى، ويقع في درجة أخرى السفلى [من الوسطى، والوسطى من السفلى، ويقع في درجة أخرى السفلى] (2) من السفلى.
ولا يخفى بيان المواريث والفتاوى فيها.
فصل
قال: " وبنو الإخوة لا يحجبون الأمَّ عن الثلث ... إلى آخره " (3).
6254 - بنُو الإخوة يفارقون الإخوة في أمور: منها - أن الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وبنوهم لا يحجبونها.
ومنها - أن الإخوة يقاسمون الجدّ عند زيد ومعظم الصحابة، وبنوهم يسقطون بالجد.
والإخوة يعصبون أخواتهم إذا كانوا من أبٍ وأم، أو من أب. وبنُو الإخوة لا يعصبون أخواتهم؛ لأن بنات الأخ لا يرثن.
والإخوة للأب والأم مشاركون الإخوة من الأم في المشرّكة، كما سياتي [في باب المشتركة] (4) -إن شاء الله تعالى-. وبنو الإخوة لا يشاركون أولاد الأم.
ولا خفاء بشيء مما ذكرناه.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(2) سقط من الأصل ما بين المعقفين.
(3) ر. المختصر: 3/ 142.
(3) ساقط من الأصل.

(9/60)


ولكن لا بُدّ من إقامة مواسم الفرضيين، واتباع عباراتهم.
ثم قال (1): " ولو أخذ الإخوة والأخوات من قبل الأم السدسَ، وهذا لا إشكال فيه، ولا خلاف، فللواحد من أولاد الأم السدس، ذكراً كان أو أنثى.
وللبنتين فصاعداً الثلث، يستوي فيه الذّكور والإناث ".
وهذا غريب في الفرائض فإنا كما نفضل الذكر على الأنثى في التعصيب، نفضل الذكر على الأنثى في الفرض، عند الاستواء في الجهة، وطريق الإدلاء، فالأب يَفْضُل الأم إذا كان عصبة، والزوج يفضل الزوجة، ولكن لا يتصور اجتماعهما، والأم والأب يستويان مع الابن. فإن كان معهما بنت استويا في الفرض، وانفرد الأب بالعصوبة بعد الفرض، والأخ والأخت من الأم يستويان أبداً.
فصل
قال: " فإذا استوفى الأخوات للأبِ والأم الثلثين ... إلى آخره " (2).
6255 - الأخوات من الأب والأم مع الأخوات للأب، بمثابة بنات الصلب مع بنات الابن، في التفاصيل التي قدمناها، فلو كان في المسألة أخ من أب وأم، وأختٌ من أبٍ، سقطت الأخت بالأخ، كما تسقط بنت الابن بالابن.
ولو كان في المسالة أختان من أب وأم، وأختٌ من أبٍ، فللأختين من الأب والأم الثلثان، وتسقط الأخت من الأب، إلا أن يكون معها أخ من أبٍ يعصبها، وهو منها بمثابة ابن الابن مع بنت الابن، وفي المسألة بنتان من الصلب.
ولو كان في المسالة أخت واحدة من الأب والأم، وأخت، أو أخواتٌ من
__________
(1) " ثم قال ": القائل هو الشافعي في المختصر. نفس الموضع السابق.
(2) ر. المختصر: 3/ 142.

(9/61)


الأب، فللأخت من الأب والأم النصفُ، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس، تكملةَ الثلثين، وهن ينزلن مع الأخت للأب والأم منزلة بنات الابن مع بنت الصلب.
ولو كان معهن أخٌ من أبٍ، فالباقي بعد نصيب الأخت من الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6256 - ولا فرق بين هذا الباب وبين بنات الصلب وبنات الابن، إلا في أمرين يرجعان إلى الصورة، فبنات الابن وإن سفلن يرثن؛ فإنهن لا يخرجن عن حكم الأولاد، وقد ثبت توريثهن أحفاداً، ولا فرق بين مرتبة ومرتبة، والأخوات من الأب لا يتصوّر فرض تسفّلهن، ولو أردنا إقامة الأولاد (1) مقام الأصُولِ، كان ذلك ممتنعاً؛ فإنّ الأولاد ليسُوا إخوة، ففي فرض التسفل الخروجُ عن الجنس.
[والأمر] (2) الثاني: أنه لا يعصّب أولاد الأب إلا الأخ من أب، أو البنات (3) على تفاصيل ستأتي فيهن -إن شاء الله عز وجل- وأولاد البنين قد يجري فيهم تعصيب العمات وبنات الأعمام، وكل ذلك يجري على [افتراق] (4) البابين في التصوير. (5 وابن مسعود يخالف في أولاد الأب، في محالّ مخالفته في أولاد الابن، فيسقط أولاد الأب بعد استغراق الثلثين، ويعطيهنّ الأضرَّ. كما تقدم 5).
__________
(1) المراد أولاد الإخوة.
(2) في الأصل: والوجه.
(3) سيأتي أن الأخوات الشقيقات أو لأب، يعصبهن الفرع الوارث المؤنث: البنت، بنت الابن.
(4) في الأصل: انفراق.
(5) ما بين القوسين سقط من جميع النسخ، ما عدا الأصل.

(9/62)


ثم قال: " والإخوة والأخوات للأب بمنزلة الإخوة والأخوات للأب والأم ... إلى آخره " (1).
6257 - الإخوة والأخوات للأب إذا ورثوا، وخلت الفريضة من أولاد الأب والأم، بمنزلة أولاد الأب والأم؛ فإنهم يقاسمون الجدّ، ويردون الأم إلى السدس، ويحوز الذكر منهم جميعَ المال، وللأنثى النصف، وللأختين فصاعداً الثلثان، وإذا اجتمعوا، فللذكر مثل حظ الأنثيين، فهم بمثابة أولاد الابن إذا لم يكن في الفريضة أولاد الصلب.
والأخ من الأب يفارق الأخَ من الأب والأم، في مسألةِ المشتركة، فإن الأخ من الأب والأم يشارك أولاد الأم في فرضهم، لمشاركته إياهم في قرابتهم. والأخ من الأب لا يشاركهم؛ لأنه ليس يشاركهم في قرابتهم على ما سيأتي ذلك، إن شاء الله تعالى (2).
فصل
قال: " وللأخوات مع البنات ما بقي ... إلى آخره " (3).
6258 - الأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب مع البنات، وبنات الابن عصبة، عند الجمهور، فتُنزل الأختَ من الأب والأم، والأختَ من الأب، مع البنت منزلة الأخ على قرابتها.
فإذا كان في الفريضة بنتان وأخت من أب وأم، فللبنتين الثلثان، والباقي للأخت.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 143.
(2) زادت هنا جميع النسخ -ما عدا الأصل- ما سبق أن سقط منها عن مذهب ابن مسعود، فقد استدركته هنا، وجعلته بنصه السابق ختام الفصل، (انظر التعليق الذي سبق آنفاً).
(3) ر. المختصر: 3/ 143.

(9/63)


وكذلك لو كانت أختاًَ من أب.
ولو كان مع البنت أخت من أب وأم، وأخت من أب، فللبنت النصف، والباقي للأخت من الأب والأم، وتسقط الأخت من الأب؛ فإنّ الأُخوّة إذا ورَّثت بالعصوبة لم يشارك صاحبُ الأخوّة الواحدة (1) صاحبَ التعلّق بالأخوّتين.
والأختان فيما ذكرناه كالأخوين (2).
ثم الأخ من الأب والأم يُسقط الأخ من الأب، فكذلك تَسقُطُ الأختُ من الأب بعصوبة الأخت من الأب والأم.
ولو كان في الفريضة بنت، وأخوات على أخوّة (3) واحدة، فللبنت فرضُها، والباقي للأخوات على رؤوسهن، كما لو كن إخوة.
والسبب فيما ذكرناه أنّه إذا كان في الفريضة بنتان فصاعداً، أو بنتا ابن وأخذن الثلثين، فلو كان معهن أخت، أو أختان، فإن أعطينا الأخوات بالفرض، وأعَلْنا المسألة، كان ذلك مؤدياً إلى حطِّ نصيب البنتين بالأخوات، والأخوات يرثن ببنوّة الأب، فبعُد على الصحابة رضي الله عنهم أن يزحموا الأولادَ بأولاد الأب، ولم يمكنهم أن يُسقطوا الأخوات، فرأَوْا أن يثبتوهن عصبات؛ حتى يدخل النقص عليهن دون البنات. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل: عمن مات، وخلف بنتاً، وبنت ابن، وأختاً، فقال صلى الله عليه وسلم: " للبنت النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي للأخت " (4).
6259 - وقال عبد الله بن عباس: ليست الأخت مع البنت، وبنت الابن
__________
(1) صاحب الأخوّة الواحدة: المراد به الأخوة من الأب.
(2) والأختان فيما ذكرناه كالأخوين، أي صار لكل منهما حكم الأخ، فالأخت من الأب والأم صارت في حكم الأخ الشقيق. وكذلك الأخت لأب صارت في حكم الأخ لأب.
(3) أخوّة واحدة: المراد درجة واحدة، بمعنى كلهن شقيقات، أو كلهن لأب.
(4) ورد هذا في حديث هزيل بن شرحبيل، وقد سبق تخريجه.

(9/64)


عصبة. ثم مذهبه أن الفاضل من الأولاد وأولاد الابن، يُصرف إلى العصبة، وتسقط الأخت. هكذا نقله الفرضيون، والشيغ أبو بكر، ولم أر أثبت منه في نقل كل ما ينقل سيّما في كتاب الفرائض. واحتج ابن عباس بقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ} [النساء: 176]، قال: ورثها الله تعالى بشرط ألا يكون للميت ولد.
وهذا الذي ذكره غير سديد؛ فإنّ توريثها النصف مشروط بألا يكون في الفريضة ولدٌ، ونحن لا نورّثها النصف، وإنما نورثها بالعصوبة المقدارَ الذي يفضل من الفرائض. وإذا تطرق احتمالٌ إلى ظاهر القرآن، ووجدنا سنةً ناصة، تعيّن اتباعُها. وقد رُوِّينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فريضة فيها بنت، وبنت ابن، وأخت: " الباقي للأخت " [رواه] (1) هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعيّن التنبيه له أن ابن عباسٍ لا يقول بالعول، [وَبَعُد] (2) عليه تعصيب الأخت، ولم يرَ إدخالَ النقص على البنات، فلم يتجه إلا إسقاط الأخت.
6260 - ومما نذكره على مذهب الجمهور أنا إذا جعلنا الأخت عصبة، طردنا حكمَ تعصّبها، وأسقطنا الأخت للأب بالأخت الواحدة من الأب والأم، وهذا يتضمن تنزيلَها منزلة الأخ.
ثم نقول: لو كان في الفريضة
بنت، وأخ، وأخت، من أب وأم، أو من أب
فالفاضل عن الفرائض بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا نقول: هي مع [الأخ] (3) بمثابة الأخ؛ لمعنيين: أحدُهما - أن الأخ أولى بتعصيبها من البنت؛
__________
(1) في الأصل: رواية. وحديث هزيل سبق تخريجه (انظر ص 44).
(2) في الأصل وحدها: تعسر.
(3) في الأصل: الأخت.

(9/65)


فإنّ تعصيب البنت للأخت [أتى] (1) عن ضرورةٍ، لأنا لم نتمكن من حطِّ نصيب الأولاد بالإعالة بسبب فرض الأخت، وعسر إسقاطها، ولا حاجة، فجرى ذلك مجرى الاضطرار، وتعصيب الأخ الأخت أصلٌ لا يناقضُ فيه في باب التعصيب، فهذا معنى.
والمعنى الثاني - أنّا لم نثبت التعصيب بين الذّكر والأنثى إلا لنُفضل الذكورَ على الإناث، حتى اتخذنا هذا مسلكاً في الفرائض، وقلنا في مسألة: زوج، وأبوين، وزوجة، وأبوين: لا نفضل الأم على الأب، ولا نعطيها الثلث الكامل، وطلبنا أن يكون الأب -وإن كان عصبة في الفريضتين- مفضلاً عليها بالضِّعف.
وإذا كان كذلك، فلا بد من تفضيل الأخ على الأخت إذا كان في الفريضة بنت أو بنت ابن.
6261 - ومما نطردُه في حقيقة تعصيب الأخت مع البنت: أن الفرائض لو عالت، وفيها: بنتٌ، وأخت، فالأخت تسقط سقوط الأخ، فنقول في فريضة فيها:
زوج، وأم، وبنتان، وأختٌ:
الأختُ ساقطة؛ لأنها بمثابة الأخ مع البنات.
والأخت تقع عصبة مع الجد، ثم تستغرق الفرائض في الأكدرية (2)، والقياس يقتضي سقوطَ الأخت، ولا يسقطها زيد رضي الله عنه، وستأتي تلك المسألة في باب الجد، إن شاء الله عز وجل.
__________
(1) زيادة من (ت 2) وحدها.
(2) الأكدرية: هذه مسألة من المسائل الملقبات. وستأتي بعدُ.

(9/66)


6262 - ومما يُطلقه الفرضيون في الإخوة والأخوات عبارات يتداولونها، وينوطون بها أحكاماًً، ونحن نذكرها اتباعاً، ومعظم تعويل الكتاب. على الاتباع.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقات، قلنا: هن
أخت لأب وأم، وأختٌ لأب، وأختٌ لأم.
فللأخت للأب والأم النصف، وللأخت للأب السدس، تكملة الثلثين، وللأخت للأم السدس. والباقي للعصبة.
وإن قيل: ثلاثة إخوة متفرقين، قلنا: هم:
أخ لأب وأم، وأخ لأب، وأخ لأم.
فللأخ لأم السدس، والباقي للأخ للأب والأم.
فإن قيل: ثلاثة إخوة متفرقين، وثلاث أخوات متفرقات، قلنا: هم أخ، وأخت لأب وأم، وأخ وأخت لأب، وأخ وأخت لأم.
فللأخ والأخت من الأم الثلث، بينهما بالسّوية، والباقي للأخ والأخت من الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
المسألة من ثلاثة وتصح من ثمانية عشر.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقات، مع كل واحدة أختها لأبيها وأمها. قلنا: هنّ
أختان لأب وأم، وأختان لأب، وأختان لأم بالنسبة إلى المتوفى الموروث.
فإن قيل: مع كل واحدة أختها لأبيها. قلنا: هن
أخت لأب وأمّ، وثلاث أخوات لأبٍ. واحدة هي الأصليّة في الذِّكْر الأول،
وواحدةٌ هي التي معها، وواحدة هي التي مع الأخت من الأب والأم، وأختٌ لأم.

(9/67)


فأمّا أخت الأخت للأم من الأب، فليست بوارثةٍ؛ لأنها ربيبة [أبيها] (1).
فإن قيل: ثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ، مع كل واحدة أختها لأمها. قلنا: هن أخت لأب وأم، وثلاث أخوات لأم، وأخت لأب.
فأمّا أخت الأخت للأب من الأم، فليست بوارثة، لأنها ربيبة أبيها.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقات مع كل واحدة ثلاث أخوات متفرقات قلنا: هنّ
أختان لأبٍ وأمٍّ، وأربع أخوات لأبٍ، وأربع أخواتٍ لأمّ.
وعددهن ثنتا عشرة، والوارثات منهن هذه العشر؛ لأن أخت الأخت للأم من الأب لا تكون وارثة، وكذلك أخت الأخت للأبِ من الأم، لا تكون وارثة من الميت.
ثم لا ترث العشر أيضاً؛ فإنّ أخوات الأب يسقطن لاستغراق أولاد الأبِ
والأم الثلثين. ولكن ذلك حجبٌ، والغرض أن العَشْرَ من قبيل الوارثات.
فإن قيل: أختان لأبٍ، مع كل واحدةٍ منهما أختٌ لأبٍ وأم، قلنا: هن أربع أخوات لأبٍ في حق الموروث.
فإن قيل: مع كل واحدة منهما أختان لأبٍ، وأختان لأبٍ وأم، قلنا: هن ست أخوات لأب.
وعلى هذا البابُ وقياسُه.
__________
(1) في الأصل: ربيبة أم المتوفى، (ت 2): ربيبة أمها، والمثبت من (د 1)، (ت 3).
والمعاني الثلاثة صحيحة، يظهر ذلك عند التأمل.

(9/68)


فصل
قال: " وللأب مع الابن وولد الابن السدس ... إلى آخره " (1).
6263 - الأب يستغرق التركة إذا انفرد.
ويأخذ بالتعصيب المحض إذا لم يكن في الفريضة ولد، أو ولد ابن.
فإن كان فيها ولد أو ولد ابن، وإن سفل، فإن كان ذكراً، فللأب السدس لا غير، وإن كان أنثى، فلها فرضها، وللأب السدس بالفرض، والباقي بالتعصيب.
6264 - وقد يجمع الشخص الواحد بين الفرض والتعصيب لسببين، كالذي يعتق جاريةً، ثم ينكحها، فإذا ماتت، ورثها بالزوجية بالفرض، وبالولاء بالتعصيب.
وكذلك إذا أعتقت عبداً، ونكحته.
وكذلك ابنُ عمٍّ إذا كان أخاً لأمّ؛ فإنه يأخذ بالفرض والتعصيب على ما سنذكر ذلك في آخر باب العصبات، إن شاء الله تعالى.
6265 - ولكن كل ما ذكرناهُ توريثٌ بسببين، وجهتين لا امتزاج بينهما. والأب يُجمع له بين الفرض والتعصيب بسببٍ واحدٍ، وهو الأبوّة. وهذا حكمٌ بِدْعٌ، صار الأب به متميزاً عن جميع الورثة.
6266 - فأما الجدّ، فله السدس مع الابن، وابن الابن، كما ذكرناه في الأب، وهذا متفق عليه.
ولو كان مع الجدّ بنت، أو بنت ابن، فمن يرى تنزيلَ الجد منزلةَ الأب في
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 143.

(9/69)


إسقاطِ الإخوة، يطلق لهُ اجتماعَ الفرض والتعصيب، كما ذكرناه في حق الأب.
ومن لا يسقط الإخوة بالجد من علماء الفرائض اختلفوا في أنا هل نثبت للجد الفرضَ والتعصيب تنزيلاً له منزلة الأب، فذهب طوائف من أصحابنا إلى أنه كالأب فيما ذكرناهُ، وهو الذي كان يقطع به شيخي.
وذهب طوائف من حذّاق الفرضيين إلى أنا لا نطلق ذلك في حق الجدّ، إذا لم يرد فيه ثَبَثٌ، وهو شُهر بكونه خاصية الأب، والجدُّ قصُر عن الأب في أمور سنصفها في باب الجد -إن شاء الله عز وجل- فينبغي أن يقصر عنه في خاصيته.
وهذا القائل يقول: في بنت، وجد، للبنت النصف، والباقي للجد، وإن ضاقت الفرائض، فلا بدّ من رد الجدّ إلى السدس، وإن كان عائلاً، وذلك مثل:
زوج، وبنت، وأم، وجدة.
فالمسألة من اثني عشر، وهي عائلة بنصف سدسها إلى ثلاثة عشر، وسيأتي الجلي والخفي من أحكام الجد في بابه، إن شاء الله عز وجل.
فصل
قال: " وللجدة والجدتين السدس ... إلى آخره " (1).
6267 - الأصل في الجدات السنة والإجماع، وليس للجدات فرضٌ في كتاب الله عز وجل. وروي: أن أم الأم جاءت إلى أبي بكرٍ تطلب الميراث، فقال لها: لا أجدكِ في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أشاور الناس، فجمع الصحابة رضي الله عنهم، واستشارهم في أمرها، فقام المغيرةُ بن شعبة، فقال: " أشهدُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 143.

(9/70)


أطعم الجدّةَ السدس ". وفي روايةٍ: " ورّث الجدةَ السدس ". فقال له الصديق: ومن يشهد معك؟ فقام محمد بن مسلمة وقال: " أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك "، فورثها السدس (1).
وهذا الاستشهاد جرى من أبي بكرٍ؛ لأنه رأى ذلك أصلاً في الشريعة برأسه، ولم ير له (2) أصلاً ليقدّر ما كان [يشتور فيه] (3) فرعه.
وقد روي أن أبا موسى الأشعري أتى بابَ عمرَ، واستأذن، فدخل حَاجبُه
يرفأ، واستأذن له، فلم يأذن لأنه كان مشغولاً بأمرٍ من أمور بيت المالِ، ثم استأذن ثانياً، فدخل (4)، فلم يأذن له، ثم ثالثاً، فلم يأذن له، فانصرف، فلما فرغ ممّا كان فيه، طلبه، فقيل له: انصرف، فقال: عليَّ به، فرُدَّ عليه فقال: ما الذي حملك على الانصراف، فقال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الاستئذان ثلاثة، فإن أُذن لك، وإلا، فانصرف " فقال عمر: ائتني بمن يشهد لك، وإلا أوجعتُ ظهرك، فجعل أبو موسى الأشعري يطوف على الأنصار، ويطلب من يشهد له، فقالوا له: لا يشهد لك إلا أصغرنا، وإنما عَنَوْا به أبا سعيدٍ الخدريّ، فجاء إلى عمر، وشهد بذلك، فقال له عمر: " ألا
__________
(1) حديث قَبيصة بن ذؤيب في خبر الجدة مع أبي بكر رواه مالك في الموطأ (2/ 513)، وأحمد (4/ 225، 226)، وأبو داود: الفرائض، باب في الجدة، ح 2894، والترمذي: الفرائض، باب ما جاء في ميراث الجدة، ح 2100، والنسائي في الكبرى: الفرائض، باب ذكر الجدات، ح 6339 - 6345، وابن ماجة: الفرائض، باب ميراث الجدة، ح2724، وابن حبان (5999)، والحاكم (4/ 338)، والبيهقي (6/ 234)، قال الحافظ: وإسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق (ر. التلخيص:3/ 178 ح 1396، الخلاصة: 2/ 132، والإرواء: 6/ 124، ح1680).
(2) كذا. والمعنى أنه رأى ميراث الجدة أصلاً قائماً برأسه، ولم يجد له نصاً يعتمده، ولا رآه فرعاً عن أصلٍ فيه نص.
(3) في الأصل: فمستور منه.
(4) أي الحاجب. ففي الكلام حذف تقديره: فدخل (الحاجب واستأذن)، فلم يأذن له.

(9/71)


إني لم أتهمك فيما رويت، لكني خشيتُ أني كلما راجعتُ أحداً في شيء يروي لي خبراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1).
6268 - وروي أن أم الأب جاءت إلى عمر بعد ذلك، وطلبت الميراث، فقال لها عمر: " لا أجدك في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في قضاء أبي بكرٍ [شيء] (2) 0 السدُس لكما إن اجتمعتما، ولإحداكما إذا انفردت " (3).
ثم الكلام في الجدات يتعلق بستة فصول: أحدها - في صفة الجدّة الوارثة، وصفة الجدة الساقطة. والثاني - في تنزيل الجدّات وترتيبهنّ مع الساقطات. والثالث - في مقدار ميراثهن، وكمّيته. والرابع - في حجب الجدّات، بعضهن بالبعض. والخامس- في حجبهن بغيرهن. والسادس- في بيان توريثهن من الوُجوه المختلفة.
الفصل الأول
في بيان الجدة الوارثة
6269 - ذهب علي، وزيدٌ إلى أن كل جدة يدخل في نسبها إلى الميت ذكر بين أنثيين، فهي ساقطة، وكل جدّة لا يدخل في نسبها ذكر بين أنثيين، فهي ممن يرث.
__________
(1) حديث استئذان أبي موسى الأشعري على عمر رواه مسلم (الآداب، باب الاستئذان، ح 2153، والترمذي: أبواب الاستئذان والآداب، باب ما جاء في الاستئذان ثلاثاً، ح 2690).
ووجه إيراد الإمام لقصة أبي موسى مع عمر لائحٌ، فهو وما روي من طلب أبي بكر شاهداً من المغيرة من باب واحد، رضي الله عنهم أجمعين.
(2) في الأصل: هي.
(3) حديث الجدة أم الأب مع عمر، جزء من حديث قبيصة بن ذؤيب في خبر الجدة مع أبي بكرفي الصفحة السابقة.

(9/72)


وذهب ابن عباس إلى توريث الجدّات كلِّهن بالفرض، ولم يجعل فيهن جدة ساقطة. هذا مذهبه المشهور. وقال مالك (1): لا يرث إلا جدّتان، وهما: أم الأم، وأم الأب، وأمهاتهما.
واختلف قولُ الشافعي، فأصح قوليه ما حكيناه عن علي وزيد، وضبط هذا القول أنَّ كلَّ جدة أدْلت بوارث، فهي وارثة، والمدلية بها وارثة.
والقولُ الثاني للشافعي - مثل مذهب مالك، وضبط هذا القول أن كل جدة تدلي بمحض الإناث، فهي وارثة، وكل جدة تدلي بذكَر فهي ساقطة، إلا أمّ الأب.
فأما الفصل الثاني
في تنزيل الجدات الوارثات، وبيان ما بان أنهن من الساقطات،
وذِكْر عددهن في كُلّ مرتبة
6270 - والتفريعُ على مذهب علي وزيد، وعلى القول الصحيح للشافعي: فإذا سئلنا عن عدد من الجدات، نزلناهن على أقرب الرتب، وعلى هذا يجري [ترتيب] (2) السؤال، فإذا قيل: جدتان متحاذيتان في درجة، فقل: هما أم الأم، وأم الأب.
وإذا سئلت عن عدد من الجدّاتِ أكثر من اثنتين كلّهن يشتركن في الميراث،
فخذ لفظ السائل، وتلفظ بعدد ما ذكر السائل إناثاً من جانب الأم. وقل: العليا منهن هي الجدة الأولى، ولا يتصور من جانب الأم إلا وارثة واحدة؛ فإن القربى من جهتها تحجب البعدى. ثم عُد وتلفظ بمثل ذلك العدد إناثاً من جانب الأب
__________
(1) ر. جواهر الإكليل: 2/ 330، حاشية العدوي: 2/ 357، الفتح الرباني: 3/ 45.
(2) في الأصل: تقدير.

(9/73)


إلا الأب، ثم اجعل العليا الجدة الثانية، ثم أبدل كل أنثى بذكر، حتى تستوعب العدد المسئول عنه.
6271 - وبيان ذلك أنك إذا سئلت عن خمس جدّات وارثاتٍ على قول علي وزيدٍ، على أقرب ما يمكن، فتقول: هي من جانب الأم: أم أم أم أم الأم.
ومن جانب الأب: أم أم أم أم الأب.
والثالثة - أم أم أم أب الأب.
والرابعة - أم أم أب أب الأب.
والخامسة - أم أب أب أب الأب.
وإذا أردت تصويرهن برقوم فاجعل كل أنثى دائرة وبدل كل ذكر خطاً مثلَ الألف بهذه الصورة.
5 5 5 5 5
5 5 5 5 1
5 5 5 1 1
5 5 1 1 1
5 1 1 1 1
وعلى هذا، فقس ما تسأل عنه. من أعدَادِ الجدات المحاذيات على المذهب الذي ذكرناه.
6272 - فإذا عرفت الوارثاتِ، ثم أردت أن تعرف من بإزاء الوارثاتِ من الساقطات، فانظر، فإن وقع السؤال عن جدتين وارثتين، فليس بإزائهما ساقطة (1).
__________
(1) انظر الشكل الموضّح رقم (2) في آخر المجلد لتتبيّن هذه الصور، وغيرها من قضايا هذا
الفصل.

(9/74)


وإن وقع عن أكثر من جدتين، فخذ عددَ ما وقع السؤال عنهن من الوارثات، وألقِ من جملتهن اثنتين أبداً، وضعّف الاثنين بقدر ما بقي من عدد الجداتِ الوارثاتِ بعد [إسقاطِ] (1) الاثنين، فما بلغ بعد التضعيف، فهو عدد ما في تلك الدرجة من الجدات الساقطات والوارثات، فأسقط منهن عدد الوارثاتِ، فما بقي منهن، فهن ساقطات، بإزاء الوارثات. ثم نصف العدد يقع من جانب الأم، ونصفه من جانب الأب. والوارثة من جانب الأم واحدة، وما بقي من عدد الوارثاتِ، فهن من قبل الأب.
ومثال ذلك في الخمس جدّات اللاتي ذكرناهن: [أن نلقي] (2) اثنتين من هذا العدد ونُبقي ثلاثة، فنضعف الاثنين ثلاث مرّاتٍ فنقول أربعة، وهو تضعيف، ثم تقول ثمانية، ثم تقول ستة عشر، هذا معنى تعديد التضعيف.
فنقول: الدرجة التي فيها خمس وارثاتٍ تشمل ستَّ عشرةَ جدة: الوارثات خمس، وإحدى عشرة ساقطة.
ونَصِّف الستةَ عشرَ. فنقول: من جانب الأم ثمان جدات: الوارثة واحدة، وسبعٌ ساقطات.
ومن جانب الأب ثمانية: أربع وارثات، وأربع ساقطات.
وإذا سئلت عن ثلاث جدات وارثاتٍ، فاعزل من الثلاث اثثين، فتبقى واحدة، وضعّف الاثنتين مرة، وقل: الجدات المتحاذيات أربع: واحدة ساقطة وثلاث وارثات. والساقطة من جانب الأم.
وإذا سئلت عن جدتين وارثتين، علمت أن لا ساقطة؛ فإنك لو عزلت اثنتين، لم تُبق عدداً تضعّف الاثنين به، ولا تضعيف، ولا مزيد على المسؤول.
__________
(1) في نسخة الأصل وحدها: حذف.
(2) في الأصل: فنلقي.

(9/75)


وإن أردت أن تعرف الوارثات اللائي وقع السؤال عنهن، في أية درجة يقعن من الجداتِ؟ فخذ العدد المسؤول عنه، وانقص منه واحداً، واقض بأنهنّ في الدرجة التي هي سمَّى العددُ الباقي.
فإذا قيل: خمس وارثات في أي درجة يقعن على أقرب ما يمكن؟ حططنا من الخمسة واحدة، فتبقى أربع، فالخمس الوارثات في الدرجة الرابعة وإذا سئلت عن وارثتين، فأسقط من العدد واحداً، وقل: هما في الدرجة الأولى.
فهذا بيان ما أردناهُ في هذا الفصل.
الفصل الثالث
في مقدار ميراث الجداتِ
6273 - أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على أن فرضَ الجدة السدس، وشهد الحديثُ الذي ذكرناه في أصل ميراث الجدّات بذلك. ثم اتفقوا على أن الجدّات يشتركن في السدس بالغاً ما بلغن.
وروي عن ابن عباسٍ في روايةٍ شاذة أنه قال: الجدة من قبل الأم إذا انفردت بالإرث، كانت كالأم: حتى تأخذ الثلث تارةً، والسدس أخرى، كالأم، وهذا لا يعتدّ به، والرواية عنه مرسلة رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن عباسٍ (1).
__________
(1) رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل مذهب ابن عباس في ميراث الجدات، رواها ابن عبد البر في التمهيد والرواية هذه شاذة كما ذكر ابن عبد البر (الترتيب الفقهي للتمهيد 12/ 590)، وابن المنذر في الإجماع، والقاضي عبد الوهاب في عيون المجالس (4/ 1924)، وابن قدامة في المغني (7/ 52).

(9/76)


الفصل الرابع
في بيان حجب الجدات بعضهن ببعض
6274 - أجمعوا على أن الجدتين المتحاذيتين لا تحجب إحداهما الأخرى، بل السدس بينهما.
وأجمعوا على أن القربى تحجب البعدى إذا دخلت القريبة [في جهة إدلاء] (1) البعيدة، فالبعيدة تسقط بالقريبة؛ فإن إدلاءها بها.
فأما إذا اختلفن في الدرج (2)، ولم يدخل بعضهن في طريق البعض، فقد اختلف علماء الصحابة، فذهب علي، وابن عباسٍ، إلى أن القريبة تحجب البعيدة، سواء كانت القريبة من قبل الأم والبعيدة من جهة [الأب] (3) أو كانت القريبة من قبل الأب، والبعيدة من جهة الأم (4).
وكذلك روى الشعبي (5) بطريقه عن زيد بن ثابت.
وروى عطاء وقتادة عن زيد أنه قال: " القريبة من جهة الأم تحجب البعيدة من قبل الأب، والقريبة من قبل الأب لا تحجبُ البعيدة من جهة الأم " (6) وقيل: هذه الرواية أصحُّ عن زيد.
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) كذا. وهي صحيحة.
(3) في الأصل: الأم.
(4) انظر الشكل رقم (3) في أخر هذا المجلد.
(5) رواية الشعبي عن زيد بن ثابت أخرجها سعيد بن منصور في سننه، ح 92، وعبد الرزاق في مصنفه، ح19090،19089، والبيهقي في الكبرى (6/ 237).
رواية قتادة أخرجها البيهقي في الكبرى (6/ 237)، وعبد الرزاق في مصنفه، ح
19087، وأخرج البيهقي (6/ 237)، وعبد الرزاق (19086،19085)، وسعيد بن
منصور، ح 93، الأثر من طريق خارجة بن زيد أيضاً، أما رواية عطاء فلم نجدها.

(9/77)


وكان شيخي يذكر للشافعي قولين في ذلك.
ونقول في ضبط محل الخلاف والوفاق: القُربى من كل جهة تحجب البعدى من تلك الجهة، والقربى من جهة الأم تحجب البعدى من جهة الأب. والقربى من جهة الأب هل تحجب البعدى من جهة الأم؟ فعلى قولين.
الفصل الخامس
في بيان حجب الجدات بغيرهن
6275 - اتفق العلماء على أن الأم تحجب جميع الجدات، سواء كن من قبلها أم من قبل الأب، وأجمعوا أيضاً على أن الأب لا يحجب جدَّةً من قبل الأم، واختلفوا في حجب الجدات اللائي هن من قبله.
فذهب علي، وزيد، وابن عباس، إلى أنه يحجبهن؛ فإن إدلاءهن به. وهذا مذهب الشافعي.
وعن عمر وابن مسعود أن الأب لا يحجب جدّةً بحال، وذهب إليه جماعةٌ من الفرضيين: سليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وأحمد بن حنبل، وغيرهم.
الفصل السادس
في توريث الجدة من وجوهٍ كثيرة
6276 - اعلم أن الجدّة قد تكون جدّة من وجهين، ومن ثلاثة أوجهٍ، وأكثر منها، غير أنها لا تصير جدّة من وجهين إلا بعد حصُولها جدة قبل ذلك من وجه واحدٍ، [ولا يتصور حصولها] (1) جدّة من ثلاثة أوجه إلا بعد حصولها قبل ذلك
__________
(1) في الأصل: لا تصير جدة ....

(9/78)


جدّة من وجهين. وعلى هذا القياس تزيد الوجوه.
مثاله [امرأة] (1) تزوج ابنُ ابنها، بنتَ ولدها (2)، فأولدها ولداً صارت المرأة جدة لذلك الولد من وجهين.
فإن تزوج هذا الولد سبطاً آخر لهذه الجدة، وأولدها ولداً، صارت الجدة العليا جدّة لهذا الولد الآخر من ثلاثة أوجُه. ثم هكذا تتعدد الوجوه.
وقد تكون بعض الوجوه أقربَ من بعض، وقد تكون بعض الوجوه مورّثاً وبعضه غير مورث.
فإذا خلّف الميت جدّةً تُنسب إليه من وجوه مورِّثة؛ فإن كانت منفردة، فالسدس لها ولا تزيد.
وإن كان معها جدَّةٌ أخرى من وجهٍ واحد، أو من وجوه، فإن حجبت إحداهما الأخرى ببعض الوجوه، فالسدس للحاجبة.
وإن صحت الوجوه، فمذهب الشافعي ومالك والثوري أنه لا نظر إلى الوجوه، والنظرُ إلى رؤوس الجدّات، والسدس يقسم على الجدّتين، وإن كانت إحداهما متعلقة بجهة واحدة، والأخرى متعلقة بجهات.
وعن ابن مسعود أن المدلية بجهتين مع المدلية بجهةٍ تأخذ حصة جدّتين، وكذلك إذا زادت الجهاتُ المورّثةُ، فالسدس يقسّم عنده على الجهات، لا على الرؤوس (3). هذا بيان ما يتعلق بالجدّات، والله أعلم.
...
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في غير نسخة الأصل: بنت ابنةٍ لها.
(3) انظر الشكل رقم (4) في آخر هذا المجلد.

(9/79)


باب العصبات
6277 - الأصل في الباب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى عصبةٍ ذكر " (1). قيل: أراد بالأولى الأقرب، وهو من الوَلْي، والوَلْيُ القربُ.
ومن يأخذ بالتعصيب ينقسم إلى من هو عصبة في نفسه وإلى من [يعصِّبه] (2) غيرُه.
فأما من يعصبه غيرُه، فالبنات، وبنات الابن، والأخوات من الأب والأم،
والأخوات من الأب.
ومقصود الباب بيانُ الغصبات الذين يرثون بالتعصيب بأنفسهم، وذكر الأقرب منهم، فالأقرب وبيان ترتيبهم.
6278 - ثم ذكر المزني أن أَوْلى العصبات البنون.
__________
(1) حديث " ألحقوا الفرائض " متفق عليه من رواية ابن عباس بلفظ " ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكَرٍ " (اللؤلؤ والمرجان 2/ 159 ح1041).
وعلق ابن الصلاح على لفظ (عصبة) في رواية الإمام قائلاً: " فيها بُعد عن الصحة من حيث اللغة، فضلاً عن الرواية، فإن العصبة في اللغة اسم للجمع لا للواحد " وقال الحافظ في التلخيص نقلاً عن ابن الجوزي، والمنذري: " إن هذه اللفظة لا تحفظ " (ر. مشكل الوسيط لابن الصلاح بهامش الوسيط: 4/ 346، التلخيص: 3/ 177 ح1394).
(2) في الأصل: يعصب.

(9/80)


ومن الفرضيين من لا يسمي الابن عصبة، ويقولون: العصبات هم الذين يقعون على حاشية عمود النسب.
ولا معنى للتناقش في هذا. وغرضنا بذكر العصبات بيان من يستغرق التركة إذا انفرد، وله ما أبقت الفرائض، والابن بهذه المثابة، وهو كما قال المزني أَوْلَى العصبات؛ إذ لا يتصور معه عصبة، فإن فرض معه غيرُه من العصبات، فالابن يسقطه، ويحجبه، أو يردّه إلى الفرض.
فأمّا من يرده إلى الفرض، فالأب والجد، وأما من يحجبه، فباقي العصبات، فهو الأوْلى إذاً.
وبعده ابنُ الابن كيف تسفّلوا. والمقدّم الأقرب منهم، فالأقرب، ولا عصبة مع البنين، وذكور الأحفاد، وإن تسفلوا.
6279 - ثم أولى العصبات بعدهم الأبُ، ولا يتصور معه عصبة بعد الذين ذكرناهم.
ثم الجدّ عصبة بعد الأبِ، إذا لم يكن معه إخوة، فإن كان مع الجدّ إخوة من أبٍ وأمٍ، أو أبٍ، قاسمهم، مادامت المقاسمة خيراً له من ثلث المال على مذهب زيد.
والقول في الجدّ والإخوة سيأتي على إثر هذا في بابٍ، إن شاء الله تعالى.
ثم الجد يُسقط بني الإخوة، لأنهم أبعد منه بدرجة؛ فإن الجد الأدنى أب الأب يدلي إلى الميت بواسطة الأب، وبين ابن الأخ وبين الميت [واسطتان] (1)؛ فإنه ابن الأخ، والأخ ابن أب الميت.
ولو اجتمع أبُ الجدّ، وابن الأخ، فالمذهب الظاهر أنه يَسقُط ابنُ الأخ، كما يسقط بالجد الأدنى.
__________
(1) في الأصل: اثنان.

(9/81)


ومن أصحابنا من قال: إن أبَ الجدِّ يقاسم ابنَ الأخ، كما يقاسم الأخُ الجدّ.
وهذا ضعيف مردود؛ فإن ابن الأخ بالنزول عن الأخ يخرج عن اسم الأخ، والجدّ بالعلوّ لا يخرج عن اسم الجدودة.
ومن أصول الباب تقديمُ النوع على النوع؛ فإنا لمّا قدمنا ابنَ الأخ على العم، لم نفرق بين القريب والبعيد؛ فإن ابن الأخ مقدّم على العم، وابن ابن ابن الأخ مقدم على العم أيضاً، فهذا هو الأصل في [أب] (1) الجد، وجدّ الجد، مع ابن الأخ. وما سواه غير معتد به.
فأما أبُ الجد مع الأخ إذا اجتمعا، فالأخ أقرب، وأبُ الجد أبعد، فالذي رأيته في ذلك، أن أبَ الجدِّ لا يسقط بالأخ، ولكن لا يقاسمه الأخُ، بل له السدس. والباقي للأخ، وهو مع الأخ بمثابة الجد مع ابن الميت.
وفي القلب من هذا شيء، ولا يمتنع أن نَعتبرَ الجدودة وقوتَها، وكونَها على عمود النسب، ثم نقول: أب الجد مع الأخ كالجد مع الأخ، على ما سيأتي تفصيل الجد مع الإخوة، إن شاء الله عز وجل.
6280 - ثم إن لم يكن جد، فالأخ من الأب والأم، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ للأب والأم، ثم ابن الأخ للأب.
وهاهنا موقفٌ هو مزِلّة الباب، فليتثبت النّاظر عنده. فلو اجتمع ابنُ ابن أخٍ من الأب والأم، وابنُ أخٍ من الأب، ففي أحدهما قوةُ القرابة، وفي الثاني قرب الإدلاء وقد يبتدر الفقيه، فيقدم ابن ابن الأخ من الأب والأم على ابن الأخ من الأب تعويلاً على قوة القرابة، كما نقدم ابن ابن الأخ على العمّ، وإن كان العم أقربَ من ابن الأخ المتسفِّل.
__________
(1) في الأصل: باب.

(9/82)


وهذا خطأ، لم يصر إليه أحد من الأئمة، والمذهب المبتوت أن ابن الأخ من الأب مقدم على ابن ابن الأخ من الأب والأم لقربه.
وإذا اجتمع ابنا أخوين: أحدهما مُدْلٍ بالأخ من الأب والأم، والثاني مُدْلٍ بالأخ من الأب، فإن استويا في القرب، قدمنا صاحب القوة في القرابة، وهو ابن الأخ من الأب والأم، فإن اختلفا في القرب، نُظر: فإن كان الأقرب صاحب القوة، فلا شك في تقدّمه. وإن كان الأقرب ابنَ الأخ من الأب، قدمناهُ بقرب الدرجة على ابن ابن الأخ من الأب والأم، كما يقدم الأخ من الأب على ابن الأخ من الأب والأم. هكذا أورده الصيدلاني والقاضي، وهو منصوص عليه في آخر باب العصبة بيِّنٌ لمن يتأمله.
ثم ابن ابن الأخ للأب وإن تسفَّل، مقدّمٌ على العم للأب والأم.
6281 - ثم العم من الأب والأم، ثم العمّ من الأب، ثم ابن العم للأب والأم، ثم ابن العم للأب.
والقول في بني الأعمام، كالقول في بني الإخوة، [فابن] (1) العم من الأب وإن تسفَّل مقدّم على عم الأب من الأب والأم.
والعم الذي أطلقناه أولاً هو عم الميت، وهذا عمُّ أبيه، وهو عصبة، غير أن بني عم الميت وإن بعُدُوا مقدّمون على عم أبيه. ثم الترتيب فيهم كما تقدم، فعم الأب من الأب والأم، ثم عمّه من الأب، ثم بنوهما، على الترتيب السابق. ثم عم الجد. وهكذا إلى حيث ننتهي.
6282 - فإن لم نجد أحداً من عصبات النسب، فالمعتِق، ثم عصبات المعتِق، وترتيبُ عصبات المعتِق كترتيب عصبات الميت، إلا في مسائلَ نذكرها، فنقول أولاً:
__________
(1) في الأصل: ثم ابن العم.

(9/83)


عصبات المعتِق هم الورثة إذا انتهى الترتيب إليهم، ولا يتصور أن يرث المعتَقَ المنعَمَ عليه أحدٌ من ذوي الفروض المتصلين بالمعتِق المنعِم، فالسبيل أن نقول: إن كان للمعتَق عصبةُ نسب، لم ينته الإرث إلى المعتِق، وكذلك إن كان له أصحاب فرائض يستغرقون ميراثه، فإن لم يكونوا، [أو أفضلت] (1) الفرائض شيئاً، فالمعتِق هو المستحِق، فإن لم يكن، فعصباته المتعلقون بالعصوبة بأنفسهم، لا بتعصيب معصِّب إياهم؛ فإن الذين يتعصّبون بغيرهم لا يرثون بالولاء إجماعاً؛ فابن المعتِق وبنتُ المعتِق إذا اجتمعا، فالميراث لابن المعتِق لا حظّ فيه للبنت. وإن كنا نقضي بكونها عصبة مع الابن. ولا ترثُ أنثى قط بالولاء إلا المعتِقةُ نفسُها، أومعتِقَةُ المعتِق.
ولو اجتمع ابن المعتِق وأبوه، فميراث المعتَق المنعم عليهِ لابن المعتِق، لا حظّ للأب فيه؛ فإن الأب صاحب فرض مع الابن، ولا حظ لأصحاب الفرائض في الميراث بالولاء.
ولو اجتمع جد المولى وأخُ المولى، ففي المسألة قولان: أحدهما - أن أخ
المولى أولى من الجد؛ لأنه يُدْلي بالبنوة، والعصُوبة المحضة، وهو يقول: أنا ابن أب المولى، والجد يقول: أنا أب أب المولى، والابن بالعصوبة أولى.
والقول الثاني أن الأخ والجدّ يرثان؛ لاستوائهما في القرب، ولكن الجد كأخٍ أبداً.
والقولان جميعاً يخالفان [قياسَ] (2) الأخ والجد في النسب، فإنا في القول الأول نحجب الجدَّ بالأخ، وفي القول الثاني نُثبت المقاسمة بينهما من غير أن نردّ الجد إلى الثلث، كما نردّه في النسب؛ فإن الفرض لا مطمع فيه في باب الولاء.
__________
(1) في الأصل: إذا فضلت.
(2) ساقطة من الأصل.

(9/84)


ويتفرع على هذين القولين الجدُّ، وابنُ الأخ، فإن راعينا قوة البنوة [قدمنا] (1) ابن الأخ وإن بعد وتسفل.
وإن راعينا استواء الجدّ والأخ في القربِ والبعد، قدّمنا الجدّ على ابن الأخ؛ فإنه أقرب.
وفي أب الجدّ مع ابن الأخ ما في الجدّ والأخ من الخلاف؛ فإنهما مستويان في الدرجة، ولأحدهما قوة البنوة، كما ذكرناهُ في الجدّ والأخ.
6283 - ثم ممَّا نذكره في هذا أن الأخ من الأب والأم مقدم على الأخ من الأب في الولاء، فأخُ المعتِق من أبيه وأمه مقدّمٌ على أخيه من أبيه، وإن كانت الأخؤة من الأم لا يثبت بها استحقاقٌ في الولاء، [إلا] (2) أنها تقوي العصوبة وتعضّدُها، وإن كانت لو [استقلت] (3) لم تُفد إرثاً.
هذا هو المذهبُ.
ومن أصحابنا من نزّل الأخ من الأب والأم مع الأخ من الأب في عصبات المولى بمثابة الأخ من الأب والأم مع الأخ من الأب في ولاية النكاح. وفيها قولان: أحدهما - أنهما يستويان؛ فإن الإدلاء بالأم لا أثر له في الولاية. والثاني - أن الأخ من الأب والأم أولى بولاية النكاح من الأخ من الأب.
والقولان مشهوران في النكاح، وذكرهما في التوريث بعصوبة المولى بعيدٌ في النقل غيرُ معتدٍّ به. والوجه القطعُ بتقديم أخ المعتِق من أبيه وأمّه. ثم ليحتج بهذا ناصر أحد القولين في ولاية النكاح.
ثم ترتيب عصباتِ المعتِق بعد ذلك على ما ذكرناهُ، في عصبات النسب.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في جميع النسخ: لأنها. والمثبت تقدير منا على ضوء المعنى.
(3) في الأصل: تسفلت.

(9/85)


6284 - فإن لم نجد أحداًَ منهم، فالميراث لمعتِق المعتِق. ثم إن لم نجد، فلعصباتِ معتِق المعتِق من النسب، فإن لم نجدهم، فلمعتِق معتِق المعتِق وهكذا إلى حيث نرقى.
فإن لم نجد أحداً من هؤلاء، أو كان الميت الأول [لا ولاء له عَلَيْهِ، أو كان المعتَق] (1) لا ولاء عليه.
فإذا عدمنا الفرض والتعصيب بالجهات الخاصة، فالميراث مصروف إلى الجهة العامة وهي جهة الإسلام، ثم مصرف التركة إلى المصالح العامة على ما سنُوضحُ التفصيلَ في السهام المرصدة للمصالح في كتاب القَسْم، إن شاء الله تعالى.
ولو لم نجد المعتِق وعصباته، (2 ومعتق المعتق 2)، ووجدنا معتِقَ عصبةِ المعتق، فإنا لا نورث من المعتَق المنعم عليه إلا معتِق أب المعتِق؛ فإنه يرث.
وهذا الفصل يستدعي بيان استحقاق الولاء مباشرة وجرّاً. ومن جملة ارتباط الولاء ما ذكرناه من إعتاق الأب، والقول في هذا يطول، وهو كتاب برأسه نذكره في العتق، ويتعلق به طرفٌ غامض من أحكام المواريث، وفيه دَوْرُ الولاء، ولا سبيل إلى الخوض في شيء منه هاهنا. فالوجه أن نذكره ثَمّ.
فصل
6285 - إذا مات الرجل وخلّف ابني عمّ، أحدهما أخ لأمّ، فللذي هو أخ لأم السدس بأخوة الأم، والباقي مقسوم بينهما بالعصوبة.
وقال ابن مسعود: ابن العم، الذي هو أخ لأم يتقدم على ابن العمّ الذي ليس أخاً لأم، كما يتقدم الأخ من الأب والأم على الأخ من الأب.
__________
(1) في الأصل مكان ما بين المعقفين: " صلبياً ولاء عليه، أو كان المعتق صلبياً ".
(2) ساقط من جميع النسخ ما عدا الأصل.

(9/86)


ومذهب زيد والجمهور ما ذكرناه، من إفراد أخوة الأم بالفرض، ورد الباقي إليهما بالعصوبة.
ولو كان في المسألة ابنا عم: أحدهما - ابن العم من الأب والأم، والآخر ابن العم من الأب، ثم كان ابن العم من الأب أخاً لأم، فله السدس والباقي لابن العم من الأب والأم؛ فإنه يحجب ابنُ العم من الأب والأم ابنَ العمِ من الأب في العصوبة.
6286 - ولو كان في المسألة: بنتٌ، وابنا عم، أحدهما أخ لأم.
قال ابن الحدّاد: المال نصفه للبنت، والباقي لابن العم الذي هو أخ لأمّ، ولا شيء للآخر؛ لأن الإدلاء بالأم ممّا يقع الترجيح به، ولا يمكن أن يناط به استحقاق فرضٍ في هذا المحل؛ فإن الأخ من الأم لا يرث مع البنت، فصارت الأخوة من الأم في هذا المقام كالأخوة من الأم في ترتيب عصبات الولاء. وقد ذكرنا أن الأخ من الأب والأم مقدم في الولاء على الأخ من الأب، لمّا سقط اعتبارُ أخوة الأم في الولاء، فاستعملناها ترجيحاَّ.
ولو اجتمع في الولاء ابنا عم: أحدهما أخ لأم، فليت شعري ما يقول ابنُ الحداد فيه، وقد سقطت أخوة الأم؟
وإن طرد قياسه، وقدّم الأخ من الأم على الآخر، فقد أبعد، وإن سلم هذا، فقد ناقض ما عوّل عليه.
وقد خالف معظمُ الأصحاب ابنَ الحدّاد فيما قال، وصاروا إلى أن الفريضة التي فيها بنتٌ وابنا عمّ أحدهما أخ لأمٍ، تسقط فيها أخوة الأم، والباقي بعد الفرض لابني العم.
وليس كما إذا كان في المسألة بنت وأخ من أب وأم وأخ لأب، فإن الأخ من الأب والأم يحجب الأخ من الأب، ولا نقول: البنت تحجب أخوة الأم، ويستوي الأخوان بعد سقوطها في أخذ الفاضل من الفرائض بالتعصيب؛ فإن

(9/87)


الأخوة من الأم لا تُفرد عن الأخوة من الأبِ؛ إذ لو أفردت عنها، لقيل في أخوين أحدهما من أبٍ وأم، والآخر من أبٍ: للذي هو أخ من أبٍ وأمَّ السدس بأخوة الأم، والباقي بينهما بأخوة الأب.
كما تقول في ابني عم أحدهما أخٌ لأم، فللذي ينفرد منهما بأخوة الأم السدس، والباقي بينهما بالعصوبة، والسبب فيه أن القرابتين مختلفتان في ابن العم الذي هو أخ لأم؛ فلم تمتزجا على رأي زيد والجمهور، والأخوة من الأم تمتزج بالأخوة من الأب، فإن الولدين من أبوين لا يعدّان مختلفي القرابة.
هذا بيان القاعدة.
6287 - وابن مسعود قدم ابن العم الذي هو أخ من أم على ابن العم الذي ليس أخاً لأم، كما تقدم.
ومن مذهبه أنه لو كان في المسألة ابنا عم: أحدهما ابنُ عم من أب، وهو أخٌ من أم. والثاني ابن عم من أبٍ وأمٍ، فالذي هو أخ لأمٍ مقدم على ابن العم من الأب والأم.
ومذهب زيد والجمهور أن للذي هو أخ لأم السدس، والباقي لابن العم من الأب والأم.
6288 - ثم ذكر الفرضيون جملاً في تشابه القرابات، ونحن نذكر عيونها، وأصولها التي ترشد الفطن إلى ما عداها.
فمما يتعلق بما كنا فيه الآن: أنه إذا قيل: خلّف:
ابني عمّ، أحدهما أخٌ لأم، وأخوين لأمٍ أحدهما ابن عم.
فأهل الفرائض مختلفون في السؤالِ المطلق في مثل ذلك إذا كان يحتمل عددين أقلَّ وأكثر: فمنهم من يحمل السؤال المطلق على أقل العددين، ومنهم من قال: يُؤخذ بالأكثر: فمن قال: يُؤخذ بالأكثر يقول: العدد أربعة ابنا عمٍ

(9/88)


أحدهما أخ لأم، وأخوان لأم أحدهما ابن عم، وفي هؤلاء الأربعة من طريق القرابة ثلاثةُ إخوة لأم، وثلاثة بني أعمامٍ، فللإخوة من الأم الثلث، والباقي لبني الأعمام، والمسألة في وضعها من ثلاثة، وهي تصح من تسعة، فيحصل لكل من هو ابن عم وأخ ثلاثة أسهم: سهم بأخوة الأم، وسهمان بالعصوبة، ويحصل للمنفرد بأخوة الأم سهم، وللمنفرد بالعصوبة سهمان.
هذا مسلك.
ومن يأخُذ بالعدد الأقل يقول: لما قال: ابنا عم أحدهما أخ لأمٍ، فهمنا شخصين، ولما قال: أخوان من أم: أحدهما ابن عم، جوزنا أنه زاد أخاً لأم، وأعاد أحد الشخصين المفهومين أولاً، وهو الأخ من الأم الذي كان ابن عم، فتحصَّل معنا ثلاثة أشخاص: أخوان لأم وابنا عم، فللأخوين من الأم الثلث، والباقي لابني العم، والمسألة من ثلاثة وتصح من ستة.
وهذا الذي ذكرناه ليس خلافاً على الحقيقة؛ فإن المستفتي لو أطلق لفظةً مبهمةً تتردد بين عدد كبير وقليل، فلا تحل الفتوى من غير استفصال، وإذا كان كذلك، فلا حاصل لما ذكرناه، إلا أن الفرضيين في تصانيفهم مختلفون في تصوير المسائل، ووضعها بالعبارات؛ فمنهم من يعتاد في وضع المسائل حمل العبارة على الأكثر، ومنهم من يعتاد حملها على الأقل.
6289 - وعلى هذا النسق ترددوا في ذكر القرابة إذا ترددت بين القرب
والبعد، فمنهم من يحمل على أقرب الوجوه، ومنهم من لا يحمل عليه.
6290 - ولو قيل: خلّف:
ثلاثة بني أعمام: أحدهم زوج، وآخر أخ لأم، وثلاثة إخوة متفرقين، [وأما] (1).
__________
(1) في الأصل: "أم"

(9/89)


فهذه مسألة المشركة تُلقَى كذلك أغلوطة، فاطّرح الأخ من الأب، وأعط الزوج النصف، والأم السدس، والأخوين للأم الثلث، ويشاركهما الأخ من الأب والأم، ولا شيء لأحد بأنه ابن عم.
6291 - فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقاتٍ، مع كل واحدةٍ عمّها لأب وأم، فعمّ الأخت من الأب والأم عمّ الميت لأب وأم، وعم الأخت للأب عمُّ الميت لأب وأمٍ لا محالة، وعم الأخت من الأم أجنبي من الميت، ففي المسألة ثلاث أخوَّاَت متفرقاتٍ، وعمَّان، فللأخت من الأب والأم النصف، وللأخت من الأب السدس، تكملة الثلثين، وللأخت للأم السدس، والباقي للعمّين.
والمسألة تصح من اثني عشر.
فإن قيل: ثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ مع كل واحدة أمها، فالمسألة مستحيلة؛ لأن الأخت للأب والأم، والأخت للأم أمهما واحدة فلا يُتصوّر لهما أمّان. وأمّا الأخت من الأب، فأمها أجنبية، فقد ترك الميت أماً وثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ.
فإن قيل: ثلاث أخوات متفرقاتٍ، مع كل واحدة ابن أخيها لأب وأمٍ، فإن لم يغالط السائل، ولم [يَعْنِ بالذي] (1) مع الأخت من الأب والأم ابنَ الميت وقال: أردت ابنَ أخٍ غيرِه، ولم أعْن الميت، فقرابة ابن أخ كل واحدة من الميت كقرابتها نفسها، من الميت. وكأنّه خلّف ثلاث أخواتٍ متفرقاتٍ، وثلاث بني إخوة متفرقين.
فإن زاد وقال: مع كل ابن أخ جدتاه من أقرب ما يكون، فاعلم أن جدات هؤلاء من جهة الأم أجنبيات من الميت، لأن كل واحدة منهن أم زوجة أخ الميت: فأمّا جدة ابن الأخ للأب من جهة الأب، فهي أجنبية من الميت، لأنها زوجة أبيه، فأما جدة الآخرَيْن، فهي واحدة، وهي أم الميت، والمسألة
__________
(1) في الأصل: ولم يعين، فالذي.

(9/90)


مستحيلة من حيث إنه لا يتصور لكل واحدة جدة، بل جدتهما واحدة، فكأنه خلّف أمّاً وثلاث أخوات متفرقات، وابن أخ لأب وأمّ، وابن أخ لأب، وابن أخ لأم.
6292 - فإن قيل: ثلاث بنات ابن بعضهن أسفلُ من بعض، مع كل واحدة أخوها. فإن أبهم، أمكن أن يريد الأخ من الأم، فيقع أجنبياً من الميت.
فإن قال السائل: مع كل واحدة أخوها لأب، أو لأب وأم، فقرابته من الميت كقرابتها، فكأنه خلف بنت ابن وابن ابن، فالمال بينهما، ويسقط الآخرون.
فإن قيل: مع كل واحدة أختها من أبيها، فقد ترك ابنتي ابن، وابنتي ابن ابن وابنتي ابن ابن ابن، ولا يخفى الحكم.
فإن قيل: مع كل واحدة ابن أخيها، فابن أخ العليا في درجة الوسطى، وابن أخ الوسطى في درجة السفلى، وابن أخ السفلى أسفل منها بدرجة.
فلبنت الابن النصف، والباقي بين الوسطى والغلام الذي في درجتها.
6293 - فإن قيل: مع كل واحدةٍ أبُوها، فأبُو العليا ابن الميت، رجلاً كان الميت أو امرأة، وأب الوسطى ابن ابنهِ، وأب السفلى ابن ابن ابنه، فالمال للابن.
فإن قيل: مع كل واحدةٍ أمها، فهن أجنبيات من الميت.
فإن قيل: مع كل واحدةٍ عمُّها، فأمّا عم الوسطى والسفلى إن كان عماً لأم، فهو أجنبي من الميت. وإن كان عماً لأب وأم، أو لأب، فعمُّ الوسطى ابنُ ابنِ الميت، وعم السفلى ابن ابن ابن الميت، رجلاً كان الميت أو امرأة. وأمَّا عم العليا، فإن كان عماً (1 لأم، والميت رجل، أو كان عمّاً 1) لأبٍ والميت
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من غير الأصل.

(9/91)


امرأة، فهو أجنبي من الميت، وإن كان عماً لأمٍّ، والميت امرأة، أو عمّاً لأبٍ، والميت رجل، أو عماً لأب وأم، والميت رجل أو امرأة، فهو ابن الميت.
والفرضيون يحملون المطلق على جهة الوراثة. وهذا كالتواضع بينهم.
فإن قيل: مع كل واحدة جدها أبو أبيها، فإن كان الميت رجُلاً، فالمسألة محال، لأن الميت جدّ العليا.
وإن كان امرأة، فالمسألة متصورة، فجد العليا ربما يكون زوج الميتة، فيبحث عن الزوجية، فالفرضيون يبحثون هاهنا؛ فإن الزوجية عارضة، فأمَّا جدُّ الوسطى، فهو ابن الميت بكل حالٍ، رجُلاً كان أو امرأة، وجدُّ السفلى هو ابن ابن الميت، فالمال للابن.
فإن قيل: مع كل واحدة جدتُها، فجدة السفلى والوسطى أجنبيتان من الميت، وأما جدة العليا فإن كان الميت امرأة، فالمسالة محال؛ لأنها جدة العليا، وإن كان الميتُ رجُلاً فالمسالة متصورة ولعلها زوجة الميت، فإن ذكر السائل [الزوجة، أجبنا] (1). ولا تحمل على الجدّاتِ من قبل الأم؛ فإنهن ساقطاتٌ، أجنبيات من الميت.
6294 - فإن قيل مع كل واحدةٍ عمتُها، أما عمة العليا، فهي بنت الميت إذا كانت لأبٍ وأمٍ، أو لأب، والميت رجُل، أو كانت عمة لأم، والميت امرأة، فإن كانت عمة لأم، والميت رجل، أو كانت لأبٍ والميت امرأة، فهي أجنبية من الميت. وأمّا عمة الوسطى، وعمّة السفلى للأم فأجنبيتان من الميت، كيف كان الميت. وأمّا عمتاهما لأبٍ وأم، أو لأبٍ، فلهما قرابة، فأمّا عمّة الوسطى ففي درجة العُليا، وأما عمة السفلى، ففي درجة الوسطى، فالميت خلّفَ بنتاً، وابنتي ابن، وابنتي ابن ابن.
__________
(1) في الأصل: الزوجية اختار.

(9/92)


فإن زاد في السؤال فقال: مع كل عمة [ثلاث] (1) عمات متفرقات، فالمسألة فيه إذا كانت عمة ذات قرابة من الميت.
فأمّا عمات عمة العليا، [فهنّ] (2) ثلاث أخواتٍ متفرقات للميت إن كان رجلاً، وإن كان امرأةً فهنّ أجنبيات منها.
وأمّا عمات عمة الوسطى، فاثنتان منهن بنتان للميت، ثم ننظر: فإن كان الميت رجلاً، فبنتاه هي العمة للأب والأم، والعمة للأب، (3 فأما العمة للأم فهي 3) أجنبية. [وإن كان الميت امرأة، فابنتاها هما العمةُ للأب والأم والعمة للأم. فأمّا العمة للأب فأجنبية] (4).
وأما عمات عمة السفلى، فاثنتان منهن ابنتا ابن الميت وهما العمة للأب والأم، والعمة للأب، فأما العمة للأم فأجنبية من الميت بكل حال، فقد خلف الميت ثلاثَ أخواتٍ متفرقاتٍ، وثلاث بناتٍ، وأربع بناتِ ابن، وابنتا ابن ابن وبنت ابن ابن ابن. فللبنات الثلثان، والباقي، للأخت من الأب والأم.
فهذه جُملٌ في تشابه القرابات، يمكن أن يقاس بها غيرها، وربما نذكر طرفاً منها في باب الأرحام، والمعنَّى (5) بطلب الفقه قد يتبرم بمثل هذا، ولكنا لا نجد بداً في هذا المجموع من ذكر ما يقع به الاستقلال في كل فن.

...
__________
(1) في الأصل: بنت.
(2) في جميع النسخ: فهي.
(3) ما بين القوسين سقط من (د 1).
(4) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(5) في غير الأصل: والمعتني.

(9/93)


باب ميراث الجد
قال الشافعي: " الجد لا يرث مع الأب ... إلى آخره " (1).
6295 - الأب يحجب أبا نفسه، وهو جد الميت (2)، والجد القريب يحجب الجدَّ البعيد، وهذا متفق عليه، وإن حكينا خلافاً في أن الأب هل يحجب أمه، وهي جدة الميت، فمن خالف ثَمَّ من الصحابة رضي الله عنهم، لم يخالف هاهنا.
6296 - فإن لم يكن في المسألة أب، فالجد أب الأب بمثابة الأب. واستثنى الأئمة أخذاً من معنى الشافعي، ومن نصِّه أربعَ مسائل: إحداها - أن الأب يحجب الإخوة، والجد لا يحجب الإخوة والأخوات من الأب والأم، ومن الأب، على رأي زيدٍ وغيره من جلَّة الصحابة رضي الله عنهم.
والثانية - أن الجد لا يُسقط أمهاتِ الأب، والأب يُسقط أمهات نفسه.
والمسألتان الباقيتان هما الفريضتان المعروفتان: زوج وأبوان وزوجة وأبوان. وقد ذكرنا أن للأم فيهما مع الأب ثلث ما يبقى والباقي للأب، فلو كان بدل الأب جدٌّ، فللأم ثلث المال كاملاً، على رأي معظم الصحابة.
وعن عمر أنه نزل الجد في الفريضتين منزلة الأب، وقضى بأن للأم ثلث ما يبقى بعد نصيب الزوج، والزوجة، والباقي للجد، كما ذكرناه في الأب.
__________
(1) ر. المختصر: 3/ 146.
(2) لم يبين الإمام الجد الصحيح الوارث، وهو: الجد الذي لا تتوسط بينه وبين الميت أنثى، وانظر الشكل رقم (5) في آخر هذا المجلد.

(9/94)


وذهب ابن سيرين (1) إلى الفرق بين الفريضتين مع الأب، فقال في زوج وأبوين: للأم ثُلث ما يبقى، فإنا لو أعطيناها ثلث الجميع، بعد النصف، لكان ما أخذته أكثر ممّا يأخذه الأب.
وقال في زوجةٍ وأبوين: للأم ثلث جميع المال؛ فإنه ليس في إكمال الثلث لها تفضيلها على الأب.
وهذا مذهبٌ متروكٌ.
ومن قال من أصحابنا لا يأخذ الجد بالفرض والتعصيب، فيقع ذلك فرقاً بين الأب والجد أيضاً.
ثم ذكر الشافعي رضي الله عنه أن كل جدٍّ وإن علا، فكالجد الأدنى، إذا لم يكن دونه جدّ. وهذا ممّا قدمنا القولَ فيه، وذكرنا خلاف الأصحاب في أب الجدّ مع الأخ، وفي أب الجد، مع ابن الأخ.
فهذا ذكر جُمل من ميراث الجد.
6297 - ومقصود الباب بيانُ ميراثه مع الإخوة من الأب والأم، والإخوة من الأب إذا لم يكن معهم صاحب فرض، وما اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بابٍ اختلافَهم في هذا الباب، وروي أن عمر رضي الله عنه قضى في الجد بمائة قضيةٍ مختلفة (2). ثم لما طعنه أبو لؤلؤة، وأشرف على الموت،
__________
(1) ابن سيرين: محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء ت 110 هـ.
(2) الرواية عن قضاء عمر في الجد مائة قضية مختلفة أخرجها ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي، وذكر الحافظ أن الخطابي رواها في الغريب بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن الجد، فذكره، ثم قال الحافظ: " أنكر الخطابي هذا إنكاراً شديداً بما لا محصل له، وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة في مقدمة مختلف الحديث، وما المانع أن يكون قول عبيدة مائة قضية على سبيل المبالغة ... " (ر. مصنف عبد الرزاق، ح 19043، البيهقي 6/ 245، التلخيص 3/ 189).

(9/95)


قال: " احفظوا عني ثلاثاً: لا أقول في الكلالةِ شيئاً، ولا أقول في الجدِّ شيئاً، ولا أستخلف عليكم أحداً " (1). وعن علي أنه قال: " من سرّه أن يتقحّم جراثيمَ جهنّمَ بحُرّ وجهه، فليقْضِ في الجدّ والإخوة " (2). وقال ابن مسعود: " سلوني عما شئتم من عَضْلكم ولا تسألوني عن الجد لا حياه الله ولا بيّاه " (3). وعن عمر أنه قال: " أجرؤكم على مسائل الجد أجرؤكم على النّار " (4) وما رتب أحد من الفرضيين هذا الباب ترتيب الأستاذ أبي منصور البغدادي (5) (4 ونحن نتخذ ترتيبه أسوة في الباب، ثم نذكر فيه ما ينبغي، إن شاء الله 6).
6298 - فنقول: أولاً أمّا الإخوة من الأم، فلا شك في سقوطهم بالجد،
__________
(1) أثر عمر رضي الله عنه: " احفظوا عني ثلاثاً ... " أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/ 1، ح 256. قال الألباني: صحيح دون ذكر الجد (ر. الإرواء: 6/ 129 ح 1686، فيض القدير: 1/ 158).
(2) أثر علي رضي الله عنه: "من سرّه أن يتقحم جراثيم جهنم " رواه ابن أبي شيبة، ح 11318،11314، وعبد الرزاق، ح19047، وسعيد بن منصور، ح 56، 57، والدارمي، ح 2902، والبهيقي (6/ 245)، قال في إرواء الغليل: ضعيف (6/ 128 ح 1684).
(3) أثر ابن مسعود " سلوني عما شئتم ": لم نصل إليه.
(4) أثر عمر رضي الله عنه: " أجرؤكم على مسائل الجد " رواه عبد الرزاق في مصنفه، ح 19047، ولفظه: " أجرؤكم على جراثيم جهنم أجرؤكم على الجد ". ورواه سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن المسيب مرسلاً، ح 55. وانظر إرواء الغليل 6/ 129، فيض القدير: 1/ 158.
(5) الأستاذ أبو منصور البغددي: عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي البغدادي نشأة، ثم استقر في نيسابور. شيخ إمام الحرمين في الفرائض، علامة العالم في الحساب والمقدَّرات والكلام والفرائض والفقه وأصول الفقه، تكرر ذكره في الروضة في الوصايا وغيرها، وذكره في الوسيط أيضاً في الوصايا في أواخر الباب الثاني. وهو صاحب (الفَرق بين الفِرق) ت 429 هـ (تهذيب الأسماء واللغات:2/ 268، طبقات السبكي: 5/ 136، وأعلام الزركلي).
(6) ما بين القوسين ساقط من غير الأصل.

(9/96)


وأما الإخوة من الأب والأم، والإخوة من الأب، فقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم؛ فمنهم من نزّل الجدّ منزلة الأب وأسقط به جميعَ الإخوة والأخواتِ، كما يسقطهم الأب. وإليه ذهب أبو بكرٍ الصديق، ومعاذ بنُ جبل، وعبد الله بن عباس، وجابر، وعُبَادة بنُ الصامت. وأُبي بن كعب، وأبو الدرداء، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وعمران بن حصين، وعائشة، وبه أخذ طائفة من العلماء: الحسن (1)، وطاووس، والزهري، وعطاء، وأبو حنيفة، وأبو ثورٍ، والمزني في اختياره الظاهر، ونسَبَ هذا إلى ابن عباس ابنُ سريج، ومحمد بن (2) نصر المروزي من أئمة أصحاب الشافعي.
ومنهم من شرك بين الجدِّ والإخوة والأخوات من الأب والأم، ومن الأب. وهو مذهب علي، وزيد، وابن عباسٍ، وابن مسعود، وبه قال مالك، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، وابنُ أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد (3).
واختلف الرواية في ذلك عن عمر وعثمان فروي عنهما القولان معاً.
ثم اختلف المشرّكون في تفصيل التشريك على مذاهبَ مختلفة، وأصولٍ متباينة، ونحن نذكر مذهب علي أولاً في جميع قواعد الباب، ثم نذكر [مذهب
__________
(1) الحسن، وطاووس، والزهري، وعطاء كلهم من فقهاء التابعين. والحسن هو الحسن البصري، فحيثما تجد الحسن مطلقاً، فهو الحسن بن يسار البصري الإمام في كل فن، توفي110هـ.
وطاووس هو طاووس بن كيسان توفي سنة 106 هـ.
والزهري هو محمد بن مسلم، المشهور بابن شهاب. توفي سنة 124 هـ.
وعطاء هو عطاء بن أبي رباح، وهو المعني في الفقه إذا أُطلق، توفي سنة115هـ على الأرجح.
(2) محمد بن نصر المروزي، من أصحاب الوجوه في المذهب، توفي 294 هـ (تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 94 ترجمة رقم: 94).
(3) لم يذكر مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو ثالث المذاهب المتبوعة التي تقول بتشريك الجد مع الإخوة.

(9/97)


زيد] (1) ثم نذكر مذهبَ ابن مسعود، ثم نذكر مذهبَ عمر على رواية التشريك، ثم نذكر مذهب عثمان، فإذا بانت مذاهبهم نفتتح فرضَ المسائل، ونذكر في كل مسألة مذاهب الصحابة رضي الله عنهم.
الفصل الأول
في بيان قول علي ومن تبعه
6299 - قال رضي الله عنه: ننظر في الإخوة والأخوات، هل هم من جهةٍ واحدة، أو هم من جهتين؟ فإن كانوا من جهةٍ واحدة، مثل أن يكونوا جميعاً لأب وأم، أو لأب، نَظَر: فإن كانوا إخوة، أو إخوة وأخوات، فالجدُّ كواحد منهم، وقَسَّمَ المالَ بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. والأمر كذلك مادامت القسمة خيراً له من السدس.
فإن كان نصيبه بالقسمة سدس المال أو أكثر، فالقسمة صحيحة.
وإن أصابه بالقسمة أقلُّ من السدس، فَرَض له السدس، والباقي للإخوة والأخوات.
وإن كن أخوات لا أخ معهن، فَرَضَ لهن: للواحدة النصف، وللاثنتين فما فوقهما الثلثان، والباقي للجد.
6300 - وإن كانوا من جهتين: بعضهم لأبٍ وأم، وبعضهم لأبٍ، نَظَرَ: فإن كان [في] (2) الذين من قبل الأب والأم أخ، سقط الذين من قبل الأب، وكان المال مقسوماً بين الجد والذين من قبل الأب والأم، مع اعتبار السدس، كما تقدم.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) ساقطة من الأصل.

(9/98)


وإن لم يكن في الذين من قبل الأب والأم أخ، وكانت أختٌ أو أخواتٌ، فرض لهن للواحدة النصف، وللاثنتين فصاعداً الثلثان.
ثم نَظَرَ فيمن هو من جهة الأب، فإن كان فيهم أخ، [صار] (1) الجدّ كأخ لأبٍ، وقسم الباقي بين الجد والذين هم من قبل الأب، واعتبر خير الأمرين من القسمة والسدس.
وإن لم يكن في الذين هم من قبل الأب أخ، نظر: فإن كان في أولاد الأب والأم أخت واحدة، فلها النصف، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين، والباقي للجدِّ، وإن كان في أولاد الأب والأم أختان، فلهما الثلثان، والباقي للجدّ، وتسقط الأخوات من الأب.
6301 - وهذا كله إذا لم يكن مع الجدّ والإخوة ذو فرض: مسمَّى سوى الأخوات، فإن كان معهم ذُو سهمٍ مفروضٍ، نَظر: فإن كانت بنت، أو بنت ابن (2)، فرض لهما، وفرض للجدّ معهما السدس وإن زادت الفرائض، أعال المسألة، فإن بقي بعد الفروض شيء، كان للإخوة والأخوات على حسب استحقاقهم في سائر المسائل.
والأخوات على رأي علي عصبة مع البنات، وبنات الابن.
وإن كان معهم ذو فرض آخر سوى البنت، وبنت الابن، ولم يكن في المسألة بنت ولا بنت ابن، أعطى كلَّ ذي فرض فرضَه، ونَظَر: فإن كانوا أخوات لا أخ معهن، فرض لهنّ أيضاً، وكان الباقي للجدّ إن كان سدساً، أو
__________
(1) في الأصل: فقال.
(2) كانت بنت أو بنت ابن ... : كان هنا تامة بمعنى وجد، والمعنى إن كان في أصحاب الفروض مع الجد والإخوة بنات أو بنات ابن، وذلك ليرتب عليه قول علي بتعصيب الأخوات بالبنات، ثم ليستقيم الكلام عن زيادة الفروض وإعالة المسألة، وإلا فلو كان أصحاب الفروض بنت فقط أو بنت ابن، لا تعول المسالة.

(9/99)


أكثر، وإن كان الباقي أقلَّ من السدس، أو لم يكن بقي من المال شيء، فرض للجد السدس، وأعال المسألة.
وإن كانوا إخوة أو إخوة وأخواتٍ، نَظَرَ: فإن كانوا من جهةٍ واحدةٍ، قسم الباقي بينهم وبين الجدّ، واعتبَرَ في حق الجد القسمةَ والسدسَ.
وإن كانوا من جهتين، نظر: فإن كان في الذين من جهة الأب والأم أخٌ، سقط أولاد الأب، والباقي مقسومٌ بين الجدّ والذين من قبل الأب والأم، مع اعتبار السدس. وإن لم يكن في أولاد الأب والأم ذكر، فرض لمن هن من قبل الأب والأم، وقسّم الباقي بين الجد والذين من قبل الأب، واعتبر السدس: فإن كان الباقي أقلَّ من السدس، أو لم يبقَ شيء، فرض للجدّ السدس، وأعال المسألة.
هذا إذا كان في أولاد الأب ذكر، فإن لم يكن في الذين من قبل الأبِ ذكر، فرض لهن [السُدس] (1) إن كان في أولاد الأب والأم أخت واحدة، وفرض للجد السدس إن كان الباقي من المال أقلّ من السدس، أو لم يبق منه شيء، وأعال المسألة.
فهذا مذهب علي في هذا الباب. وهو الرواية المشهورة عنه.
6302 - ورويت عنه روايات شاذة، لا عمل بها، فروي عن سعيد (2) ابن المسيب عن علي أنه جعل الجدَّ أباً وأسقط به الإخوة والأخوات.
وروى الشعبي أن ابنَ عباسٍ كتب إلى علي في ستّة إخوة وجد، فكتب إليه
__________
(1) ساقطة من الأصل والسدس هنا المراد به تكملة الثلثين ضمّاً إلى النصف للأخت الواحدة من الأب والأم.
(2) رواية سعيد ابن المسيب أن علياً جعل الجد أباً لم نجدها، وروى عبد الرزاق، والبيهقي عن عطاء " أن علياً كان يجعل الجد أباً، فأنكر قولَ عطاء ذلك عن علي بعضُ أهل العراق " (ر. مصنف عبد الرزاق، حديث رقم 19057، البيهقي في الكبرى 6/ 246).

(9/100)


بقسمة المال بينهم بالسويّة، وأمره بأن يمحو كتابه (1) ولا تصح هذه الرّواية. فهذا مذهب علي رضي الله عنه.
[الفصل الثاني] (2)
في بيان مذهب زيدٍ
6303 - والوجه أن نذكر مذهبه في الجد والإخوة من غير أن يكون معهم
صاحبُ فرض، ثم نذكر الجدّ والإخوة مع أصحاب الفروض.
فإن لم يكن معهم صاحب فرضٍ، فالجد يقاسم الإخوة والأخوات المنفردات، والإخوة والأخوات المجتمعين، ويكون الجدّ في جميع ذلك كأحد الإخوة، ثم إنه يقول: يقاسمهم مادامت المقاسمة ثلثاً أو أكثر من الثلث، فإن كان الثلث خيراً له من المقاسمة، فرض له الثلث.
وإذا أخذ الجد نصيبه، نظر في الإخوة والأخوات: فإن كانوا من جهةٍ واحدةٍ أخذوا حقوقهم، فإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن كانوا ذكوراً متمحّضين أو إناثاً متمحّضات، فالمال بينهم بالسوية.
وإن كانوا من جهتين، نَظرَ في الذين من قبل الأب والأم، فإن كان فيهم ذكر، استرجع ما في يد ولد الأب، وإن لم يكن فيهم ذكر، استرجع ممّا في يد ولد الأب ما يكمل به فرض ولد الأب (3) والأم.
__________
(1) رواية الشعبي عن ابن عباس أن علياً قضى في جد وستة إخوة بالمقاسمة. أخرجها الدارمي: = الفرائض، باب قول علي في الجد، ح 2917، وابن أبي شيبة (11/ 293 ح 11269) والبيهقي في الكبرى (6/ 249).
(2) في الأصل: الثالث. وهو سبق قلم واضح.
(3) معنى هذا أن التقسيم يشمل الإخوة من الجهتين جميعاً: لأب وأم ولأبٍ فقط، ثم بعد =

(9/101)


وهذا كله إذا لم يكن معهم ذو سهم مفروض.
وأصل زيدٍ في المعادَّة لا يتأتى ذكره إلا في فصلٍ مفرد، سنذكره، إن شاء الله عز وجل.
6304 - فإن كان معهم ذو فرض مثل، ابنة أو ابنة ابن، أو زوج، أو زوجة، أو أم، أو جدّة، أعطى كلَّ ذي فرض فرضَه، ونَظر: فإن بقي في المال سدس، فهو للجدّ خاصّة، وإن بقي أقل من السدس، أو لم يبق منه شيء، فَرَضَ له السدس، وأعال المسألة.
وإن بقي بعد الفرض أكثر من السدس، قُسّم بين الجد والأخوات، كيف كانوا، ولا يَعْتَبر مع القسمة ثلثَ جميع المال في حق الجدّ، ولكنه يقول: للجدّ الخير من أحد ثلاثة أشياء: إما السدس، وإمّا ثلث ما بقي، وإما القسمة، فأي هذه الثلاثة، كان خيراً للجد خُصّ به، وكان الباقي للإخوة والأخوات.
6305 - وكان لا يفرض للأخت مع الجدّ إلا في مسألة واحدة تعرف بالأكدرية، وصورتها:
زوجٌ، وأم، وجد، وأخت لأب وأم، (أو أخت لأب).
للزوج النصف، وللأم الثلث، فلم يبق إلا السدس.
قال زيدٌ: للأخت النصفُ، وللجدّ السدس، وأعال المسالة من ستة إلى تسعة، ثم جمع بين نصيب الأخت والجد، فكان أربعة، فقسمها بين الجدّ والأخت للذكر مثلُ حظ الأنثيين، وينكسر أربعة على ثلاثة، فنضرب ثلاثة في أصل المسألة بعولها، فتبلغ سبعة وعشرين. للزوج منها تسعة، وللأم ستة،
__________
= ذلك يسترجع الذكر من أولاد الأب والأم (إن وجد) نصيب أولاد الأب، لأنهم محجوبون أصلاً بأولاد الأب والأم. وسيأتي مزيد شرح وتفصيل في مسائل (المعادة)، كما وعد الإمام.

(9/102)


وللأخت تسعة، وللجد ثلاثة، ثم يجمع بين نصيب الجد والأخت فتقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين: للجد ثمانية، وللأخت أربعة.
هذا أصل زيدٍ المشهور في مسائل الجدّ، وهذا مذهبُه المعرُوف في هذه المسألة الملقّبة بالأكدرية. وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل.
6306 - وعن زيد رواية شاذّة في الأكدرية، سئل قَبِيصةُ بنُ ذؤيب (1) عن قضاء زيد في الأكدرية، وذكر له الرواية المشهورة، فقال: والله ما فعل هذا زيد قط، ولكن قاس الفرضيون على قوله. ثم قال المحققون: إن صح ما قاله قَبِيصةُ، فالذي يقتضيه أصل زيد وقياسه في الأكدرية أن يقول: للزوج النصف، وللأم، الثلث، وللجدّ السُدس، وتسقط الأخت، لأنها عصبة مع الجدّ عند زيدٍ، كالأخ، ولو كان بدلها أخ في هذه المسألة، لسقط، فكذلك الأخت.
ولكن الرواية المشهورة ما تقدم، فلا تعويل على قول قَبِيصة (2).
__________
(1) قبيصة بن ذؤيب: أبو سعيد، ويقال: أبو إسحاق قبيصة بن ذؤيب بن حَلْحَلة الخزاعي المدني. إمام من كبار فقهاء التابعين، كان أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت. ولد عام الفتح سنة ثمان، وتوفي في خلافة عبد الملك بن مروان سنه ست أو سبع وثمانين. (تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 56، سير أعلام النبلاء: 4/ 282).
(2) رواية قَبيصة بن ذؤيب في إنكار قضاء زيد في الأكدرية، لم نصل إلى هذه الرواية. وقد تبع الرافَعي إمام الحرمين في رواية أثر قبيصة هذا. وعلّق الحافظ في التلخيص على كلام الرافعي قائلاً: " بوّب عليه البيهقي وأورد أقوال الصحابة فيها ". وقد وجدنا البيهقي (6/ 251) بوّب قائلاً: " باب الاختلاف في مسألة الأكدرية " ولكن لم يورد فيه أثر قبيصة.
ثم وجدنا هذا الأثر عند ابن حزم في المحلى حيث قال: وروينا من طريق سفيان بن
عيينة فال: حدثوني عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: حدثني راوية زيد بن
ثابت -يعني قَبيصةَ بنَ ذؤيب- أنه لم يقل في الاكدرية شيئاً- يعني زيد بن ثابت.
(ر. المحَلى: 9/ 290 مسألة رقم: 1732، والتلخيص: 3/ 191).

(9/103)


الفصل الثالث
في قول ابن مسعود
6307 - اعلم أن ابن مسعود في هذا الباب وافق علياً في بعض مذهبه، ووافق زيداً في بعض أصله، وانفرد عنهما في بعض مسائل الباب.
فأما ما وافق فيه علياً، فشيئان: أحدهما - أنه فرض للأخوات مع الجد إذا لم يكن معهن أخ.
والثاني - أنه كان لا يجمع بين ولد الأب والأم، وولد الأب في مقاسمة الجد معادّة، كما سنذكر ذلك مشروحاً من مذهب زيد.
وأمّا ما وافق فيه زيداً فشيئان: أحدهما - أنه اعتبر في المقاسمة بين الجد والإخوة والأخوات خيرَ الأمرين من المقاسمة، وثلث المال، إذا لم يكن معهم ذو فرض.
وإن كان معهم ذو فرض اعتبر ما اعتبره زيد من الأشياء الثلاثة: القسمة، وثلث ما تبقى، وسدس جميع المال، كما ذكرناه عن زيد.
6308 - وأما ما انفرد به في الباب فثلاثة أشياء: أحدها - أنه قال: متى ما كان في المسألة مع الجد أخت، أو أخوات من الأب والأم، وأخ من أب، كان للأخوات فرضهن، والباقي للجد، ويسقط الأخ من الأب.
فإن كان في المسألة أخت من أب، وأختٌ من أبٍ وأم، وأخ من أب، قال: للأخت من الأب والأم النصف، والباقي للجد، ويسقط الأخ من الأب، ويسقط بسببه الأخت من الأب.
ولو لم يكن أخ من الأب، لقيل للأخت من الأب والأم النصف، وللأخت من الأب السدس تكملة الثلثين، والباقي للجد، فإذا كان معها أخ، سقطت بسقوطه، وسمي الأخُ الأخَ المشؤوم.

(9/104)


والثاني - أنه كان [لا] (1) يفضل أُمّاً على جدٍ، والخلاف يتبين في كل مسألة لا يكون فيها من يحجب الأم من الثلث إلى السدس، وإذا دفعنا إليها الثلث، كان الباقي للجد أقلّ من ذلك، فإذا كانت المسألة متصورة بهذه الصورة، فعنه روايتان: إحداهما - أن للأم ثلث ما بقي بعد الفرض، وهو في معنى السدس.
والباقي للجد. كذلك رواه الشعبي عنه، وهو الرواية المشهورة.
والرواية الثانية - أن الباقي بعد الفرض يكون بين الأم والجد نصفين، وعلى هذه الرواية تصير المسالة إحدى مربعاته، كما سنصفها، إن شاء الله تعالى.
والثالث - أنه كان يقول في بنت، وأخت، وجد: للبنت النصف، والباقي بين الأخت والجد نصفان، وهذه المسألة إحدى مربعاته.
هذا هو المشهور من أصل ابن مسعود.
وقد رويت عنه رواية شاذة في مسألة من الباب عن الأعمش والمغيرة: أنهما قالا في أم، وأخٍ، وجد: للأم السدس، والباقي بين الأخ، والجد: نصفان، في قول عبد الله. قال الفرضيون: هذا ساقط غيرُ معتمد، والإجماع منعقد على أن للأم الثلث، فلا نخرم الإجماع بالرواية الشاذّة.
الفصل الرابع
في بيان قول عمر
6309 - اختلف الرواية عنه رضي الله عنه، فروي مثلُ قول زيد، إلا مذهبُه في الأكدرية، وكان لا (2) يفضل الأم على الجدّ.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في غير نسخة الأصل: "يفضل". وهو لا يتفق مع ما أجمعت عليه النسخ في آخر الفصل، وما رأيناه في مذهب زيد، وأكد ذلك ما رواه سعيد بن منصور: ح 69، والبيهقي (6/ 252) من طريق إبراهيم النخعي قال: " كان عمر وعبد الله لا يفضلان أماً على جد".

(9/105)


وروي عنه مثلُ قول علي في النظر إلى السدس، والمقاسمة، إذا لم يكن مع الجدّ والإخوة أحدٌ من أصحاب الفرائض.
وروي عنه مثلُ قول أبي بكر في أن الجد كالأب.
وروي عنه التوقفُ في ذلك كله.
وروي عنه النظر إلى ثلث المال والمقاسمة، كما صار إليه زيد.
وروي عنه القول بالمعادّة أيضاً (1).
وإنما أفردنا الثلث، والمعادّة بالذكر، لأنهما من خصائص مذهب زيدٍ.
وروي أنه خطب في الناس، وقال: هل منكم أحد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرُ الجدّ؟ فقام رجلٌ، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض له السدسَ، فقال عمر: " من كان معه من الورثة "؟ فقال: لا أدري، فقال: " لا دريت ".
ثم خطبهم مرة أخرى، فسألهم؛ فقال رجل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الثلث، فقال: من معه من الورثة؟ فقال: لا أدري. قال: " لا دَرَيْتَ " (2).
ثم جعل عمر عند تلك الرواية للجدّ مع الإخوة المقاسمةَ أو الثلث.
وبالجملة الروايات عنه مختلفة، وأصحها عنه مُوافقة زيد في هذا الباب إلا في ثلاثة مواضع: أحدها - الأكدرية.
__________
(1) الروايات المختلفة عن عمر في الجد أخرجها البيهقي في الكبرى: (6/ 246) وما بعدها، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 265 وما بعدها)، وسعيد بن منصور في سننه: باب قول عمر في الجد (1/ 47).
(2) روى هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه سعيد بن منصور وعبد الرزاق والبيهقي، وهو خطبة واحدة تعددت فيها إجابة سؤال عمر وأخرجه أبو داود مختصراً (ر. سنن سعيد بن منصور:= ح 39، مصنف عبد الرزاق: ح 19058، البيهقي في الكبرى6/ 248، والمعرفة 9/ 139 - 140، أبو داود: الفرائض باب ما جاء في ميراث الجد، ح 2896).

(9/106)


والثاني - أنه كان لا يفضّل الأم على الجدّ وقد يفضلها (1) زيد.
والثالث - أن عمر فرض للأخت مع الجدّ النصف، وروي ذلك عنه [نصاً] (2) في مسألة الخرقاء (3)، وما فرض زيد للأخت مع الجدِّ قط إلا في الأكدرية، وذلك تقدير وليس بتحقيق.
الفصل الخامس
في بيان أصل عثمان، والروايات مختلفة عنه رضي الله عنه
6310 - فروي عن طاووس أن عثمان جعل الجد أباً (4).
وروي أن معاوية كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجدّ والأخ، فكتب إليه: حضرتُ الخليفتين عمرَ وعثمانَ يقضيان للجدِّ مع الأخ النصف، ومع الاثنين الثلث، وكانا لا ينقصان من الثلث شيئاً (5).
وأصح الروايات عن عثمانَ، أنه قال: بمذهب زيد. إلا في مسألة
الخرقاء، وصورتها:
أم، وأخت، وجد.
__________
(1) فيما عدا الأصل: فضلها.
(2) في الأصل: أيضاً.
(3) الخرقاء من المسائل الملقبات في علم الفرائض، وصورتها:
أم جد أخت
وسميت (خرقاء) لكثرة أقوال الصحابة فيها. وستأتي في الفصول التالية.
(4) أثر أن عثمان جعل الجد أباً، رواه عبد الرزاق في مصنفه، عن الزهري (11/ 263 ح 19050)، ورواه سعيد بن منصور عن عطاء: ح 46، أما رواية طاووس فقد أشار إليها العظيم أبادي في التعليق المغني على الدارقطني (4/ 92)، وذكر أن يزيد بن هارون أخرجها من طريق ليث عن طاووس.
(5) رواه عبد الرزاق: ح 19062، وسعيد بن منصور: ح 63، والبيهقي (6/ 249).

(9/107)


6311 - فإن عثمان قسم المال فيها بينهم بالسويّة، وسميَّت المسألة مثلثة عثمان.
وقال زيد: للأم الثلث، والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، أصلها من ثلاثة، وتصح من تسعة.
وقال علي: للأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس.
وقال عمر: للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، والباقي للجدِّ.
وهذه رواية عن ابن مسعود.
وروي عن ابن مسعود رواية أخرى، أنه قال: للأخت النصف، والباقي يقسم بين الأم والجدّ نصفين، ولذلك تصير المسألة من مربعاته.
ومن جعل الجدّ أباً يقول: للأم الثلث، والباقي للجدّ.
وسميت المسألة الخرقاء لتخرّق المذاهب فيها (1).
هذا بيان مذاهب الأئمة على الجملة.
6312 - ونحن نذكر بعد ذلك ما يقع الاستقلال به في تعليل المذهب على الإيجاز، ثم نخوضُ في المسائل، ونخرّجها على الأصول.
فأمَّا الكلام في أن الجد لا يُسقط الإخوة، أو يسقطهم، فمستقصىً مع أبي حنيفة في مسائل الخلاف.
وإنما نتعرّض للتفاصيل مع القول بأن الجد لا يحجب الإخوة.
6313 - فأما القول في الثلث والسدس على مذهب علي وزيد. فأما السدس، فتعليله بيّن.
__________
(1) انظر الروايات في مسألة الخرقاء في مصنف عبد الرزاق (10/ 269، 270 ح 19069،
19070)، وسنن سعيد بن منصور (ح 70 - 71)، والبيهقي (6/ 252)، (ر.
التلخيص 3/ 190).

(9/108)


والقياس أن يقاسم الجدُّ الإخوةَ أبداً، إلا أن علياً رضي الله عنه قال: إذا كان الجدّ يأخذ السدس مع الابن، فلأن يأخذه مع الإخوة -وهم بنو الأب- أولى.
وأما زيد، فمذهبه في اعتبار الثلث يعتضد بالحديث الذي رويناه في أثناء المذاهب في الفصل الذي ذكرنا فيه مذهب عمر، وروينا أنه وافقه عليه الخليفتان عمر وعثمان.
ثم لزيد أن يقول: إذا اقتسم الأبوان، فالقسمة تقع أثلاثاً بينهما: للأم الثلث، وللأب الثلثان، وهما في الدرجة الأولى. [والجدّ] (1) والجدة يقعان في الرتبة الثانية، ثم للجدة السدس، وهو نصف ما للأم، فوجب أيضاً ألا ينقص الجد مع الإخوة عن الثلث، الذي هو نصف ما للأب.
6314 - وأما الكلام في الفرض للأخوات مع الجد، فتعليله بيِّن؛ فإنه لا معصِّب معهن، وليس في الفرائض ذكر يعصّب أنثى وهم من قرابتين مختلفتين.
ومن عصّب الأخت بالجد قال: أقمنا الجدَّ مقام أخٍ، فقلنا: في جد، وأخ، وأخت: المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فليكن الأمر كذلك. في جدٍّ وأخت؛ فإنه لم يحدث ما يردّ الجدّ إلى الفرض، وكان الجد عصبة معصِّباً.
وهذا ضعيف؛ فإن تعصيبه يمكن إبقاؤه مع فرض الأخت، بأن يقال: للأخت النصف، وللأختين الثلثان، والباقي للجد.
وقد يقول زيد: الجد مع الأخت والأخ يفضل الأخت: فإذا كان في المسألة: أختان، وجدّ، فينبغي أن يفضُلَ الجدُّ كلَّ واحدةٍ منهما. أو (2) إذا كان
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) (د 1)، (ت 3)، (ت 2): وإذا كان.

(9/109)


في المسألة أخت واحدة، فينبغي أن يفضلها، مع كونه عصبة، ولا طريق مع ذلك إلا إحلال الجد محل أخٍ.
وهذا مع ما ذكرناه مدخول؛ إلا أن يعضد بتقرير قوة الجد؛ فإنه عصبة من صلب النسب، ولأجل هذا ذهب شطر الأُمة إلى إسقاط الإخوة بالجدّ، فهذا منتهى الاضطراب في ذلك.
6315 - فأمّا القول في الجد، والبنت، وبنت الابن، مع الإخوة، فمن يرى للجد السدس، يعتلّ بأن البنت وبنت الابن يردان الأبَ إلى السدس، فيجب ذلك في الجد، ثم إذا ثبت، فلا يُجمع له بين السدس ومزيدٍ؛ إذْ معه في الفريضة من يرث، وإنّما يأخذ الأب بالفرض والتعصيب إذا انفرد عن مزاحمٍ بعد البنت، وبنت الابن.
فأمّا زيد؛ فإنه يقول: في الجدّ قوة الأبوة، ولكنه لا يُسقط الأخَ والأختَ، فَقَصْرُه على السدس، وتفضيل الأخ والأخت عليه، لا سبيل إليه، ولو اقتصر حقُّه على السدس، لكانت البنت سبباً في تكثير نصيب الأخ، وتقليل نصيب الجد، وهذا بعيد.
وأمّا قول زيد في المعادّة عند تقديره القسمةَ بين الجد، والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب، فمعلّلٌ بأن الأخ من الأب والأم يقول للجدّ: أنت لا تحجب الأخ من الأب، وإنما أنا الحاجب؛ فأعدّه عليك، لأزحمك، ثم أسترد منه، على ما سيأتي تفصيل ذلك.
وهذا كما أن الإخوة يحجبهم الأب، وهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وإن سقطوا بالأب، وهو على التحقيق بمثابة تلك المسالة، غيرَ أن ذلك حَجْبٌ من فرض إلى فرض، وهذا حَجْبٌ بالزحمة.
6316 - هذا منتهى ما أردناه في تعليل المذاهب، ولولا شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بالتقدّم في الفرائض وإلا لاقتضى الإنصاف اتباعَ عليٍّ في

(9/110)


باب الجد؛ فإنه أنقى المذاهب وأضبطها، وليس فيه خرم أصل، ولا استحداث شيءٍ بدع.
ونحن بعد ذلك نستفتح المسائل، ونخرّجُها على المذاهب. ومسائل الباب أصناف، فالذي يقتضيه الترتيب إيرادها مفصلةً صنفاً صنفاً.
6317 - قال الأستاذُ أبو منصور: مسائل الباب يحصرها ستة أقسام: القسمُ الأول- أن يكون فيها مع الجد عصبة من الإخوة والأخوات، ويكون الإخوة من صنف واحد، فإنهم إن كانوا أولاد أب وأم، وأولاد أبٍ، وقعت المسائل في المعادّة، ومسائلها تقع في القسم السادس. فإذاً هذا الصنف في جدٍ مع إخوة، أو إخوة وأخواتٍ من أب وأمٍ، أو من أب، وليس معهم ذو فرض.
فعليٌّ رضي الله عنه يقول: يقاسم الجدُّ إلاّ (1) أن يكون السدس خيراً له من المقاسمة، وزيد وابن مسعود يقولان يقاسمهم، إلا أن يكون الثلث خيراً من المقاسمة. ومسائله:
أخ وجد.
فالمال بينهما نصفان.
أخوان، وجد.
المال بينهما أثلاث.
ثلاثة إخوة، وجد.
في قول علي: المال بينهم أرباع.
وفي قول زيد وابن مسعود: للجد الثلث، والباقي للإخوة: أصلها من ثلاثة، وتصح من تسعة.
__________
(1) (د 1)، (ت 3)، (ت 2): إلى أن.

(9/111)


خمسة إخوة، وجد.
في قول علي: المال أسداس. وفي قول زيد، وابن مسعود: [للجدّ] (1) الثلث، والباقي [للإخوة]: أصلها من ثلاثة وتصح من خمسةَ عشرَ.
ستة إخوة، وجَد.
في قول علي: للجد السدس، والباقي للإخوة: أصلها من ستة، وتصح من ستة وثلاثين.
وفي قول زيد، وابن مسعود: [للجد] الثلث، والباقي [للإخوة]: أصلها من ثلاثة، وتصح من تسعة.
أخ، وأخت، وجدّ.
للذكر مثل حظ الأنثيين على خمسة في قولهم.
أخ وأختان وجدّ.
المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على ستة.
أخٌ، وثلاث أخوات، وجدّ.
في قول علي: المالُ بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على سبعة.
وفي قول زيد وابن مسعود: للجد الثلث، والباقي بين الأخ والأخواتِ للذكر مثل حظ الأنثيين: أصلها من ثلاثة وتصح من خمسةَ عشرَ.
وعلى هذا البابُ وقياسه.
6318 - القسم الثاني من مسائل هذا الباب - أن يكون مع الجد عصبة من الإخوة (2) مع اتحاد الصنف، وذو فرضٍ مسمّىً، فإن كان معهم من فرضُه
__________
(1) هذه الكلمة بين المعقفين، وثلاث بعدها حذفت اختصاراً، ورأينا إثباتها لمزيد الإيضاح. والله من وراء القصد.
(2) من الإخوة: أي ومعهم الأخوات، كما هو مفهوم، ثم مذكور صراحة في آخر المسألة.

(9/112)


السدس، فالاعتبار بالمقاسمة في قول علي إلى عشرة أسهم، فإن زادت السهام على ذلك، فُرض له السدس، وكان الباقي للإخوة والأخواتِ.
وفي قول زيد وابن مسعود يكون الاعتبار بالمقاسمة إلى ستة، فإن زادت السهام على ذلك، فرض للجد ثلث الباقي بعد السدس، وتصير المسألة حينئذ من ثمانية عشر. وهي من ضرب ثلاثة في ستة.
وإن كان معهم من فرضه الربع، فالمقاسمة في قول علي إلى تسعة (1)، فإن زادت على ذلك، فرض له السدس.
وفي قول زيد وابن مسعود إلى الستة، وإن زادت، فرض له ثلث الباقي بعد الربع، وصار أصلها من أربعة.
وإن كان معهم من فرضه النصف، فالاعتبار بالمقاسمة إلى ستة في مذهب الجميع، فإن زادت على الستة، جعل أصل المسألة من ستة.
وإن كان الفرض أكثر من النصف، فرض له السدس، وكان الباقي بعد الفروض للإخوة والأخوات.
مسائله:
جدّ، وجدة، وأخ، وأختان.
للجدة السدس، والباقي بين الجد والأخ والأختين على ستة أسهم للذكر مثل حظ الأنثيين، أصلها من ستة، وتصح من ستة وثلاثين.
جدّة، وجد، وأخوان، وأخت.
في قول علي: للجدة السدس، والباقي بين الأخوين، والأخت، والجد،
__________
(1) يتضح ذلك بفرض مسألة من: زوجة، وجد، وأخوين، وثلاث أخوات من أب. فالمسألة من أربعة، وتصح من اثني عشر، للزوجة ثلاثة. ويبقى تسعة للجد اثنان، وهذا ما يساوي السدس، الذي لا يقل الجد عنه في مذهب علي. فلو زادت السهام بعد (الربع) على تسعة، لا تصح المقاسمة لأنها ستعطي الجد أقل من السدس.

(9/113)


على سبعة. أصلها من ستة وتصح من اثنين وأربعين.
وفي قول زيد وابن مسعود: للجدّة السدس، وللجد ثلث ما يبقى، والباقي للأخوين، والأخت على خمسة، أصلها من ثمانية عشر. ومنها تصح.
جدّة، وجد، وثلاث أخوات، وثلاثة إخوة.
في قول علي: للجدّة السدس، وللجد السدس، والباقي بين الإخوة، والأخوات، على تسعة: أصلها من ستة، وتصح من أربعة وخمسين.
وفي قول زيد وابن مسعود: للجدة السدس وللجد ثلث الباقي، والباقي بين الإخوة، والأخوات على تسعة. أصلها من ثمانية عشر، وتصح من مائة واثنين وستين.
زوجة، وجد، وأخ، وأخت.
للمرأة الربع، والباقي بين الجد والأخ والأخت على خمسة. أصلها من أربعة، وتصح من عشرين.
زوجة، وجد، وأخ، وأختان.
للمرأة الربع والباقي بين الجد، والأخ، والأختين على ستة. أصلها من أربعة وتصح من ثمانية.
امرأة، وجد، وأخوان، وثلاث أخوات.
في قول علي: للمرأة الربع، والباقي بين الجدّ والأخوين والأخوات على تسعة.
وفي قول زيدٍ وابن مسعود: للمرأة الربع، وللجد ثلث ما يبقى، والباقي بين الأخوين والأخوات، على سبعة. أصلها من أربعة، وتصح من ثمانية وعشرين.

(9/114)


زوج، وأخت، وأخ، وجد.
للزوج النصف، والباقي بين الجد والأخ والأخت على خمسة. أصلها من اثنين وتصح من عشرة (1).
زوج، وجد، وأخ، وأختان.
للزوج النصف، والباقي بين الجد، والأخ، والأختين، على ستة. أصلها من اثنين، وتصح من اثنا عشر (2).
زوج، وجد، وأخوان، وأخت.
للزوج النصف، وللجد السدس، وهو مثل ثلث الباقي، والباقي بين الأخوين والأخت، على خمسة. أصلها من ستة، وتصح من ثلاثين (3).
جد، وجدة، وزوج، وأخ.
للجدّة السدس، وللزوج النصف، والباقي بين الجدّ والأخ (4).
جد، وجدّة، وزوج، وأخوان.
للجدة السدس، وللزوج النصف، وللجد السدس، والباقي للأخوين، أصلها من ستة، وتصح من اثني عشر.
6319 - القسم الثالث - أن يكون مع الجد أخوات من صنفٍ واحد، فعلى قول علي وابن مسعود يفرض للأخوات، والباقي للجد، إلا أن يكون غيرهن صاحب فرض معهن. فإن كان الفاضل سدساً، فهو للجد، وإن كان أقلَّ، فرض له السدس، وعالت المسألة.
__________
(1) المقاسمة أحظُّ للجد هنا؛ فقد أعطته 2/ 10 وذلك أكثر من سدس الكل، وأكثر من ثلث الباقي بعد الزوج.
(2) هنا استوت المقاسمة وثلث الباقي وسدس الكل؛ حيث أعطته 2/ 12.
(3) فرض للجد السدس هنا؛ لأن المقاسمة -لوكانت- ستنقصه عن سدس الكل، وعن ثلث الباقي، حيث ستعطيه 2/ 14.
(4) أعطته المقاسمة سدس الكل، وأكثر من ثلث الباقي.

(9/115)


وفي قول زيد يقسم المال بين الجدّ والأخوات إلى ستة للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن زادت سهام القسمة على ستة، فرض له ثلث جميع المال.
وإن كان معهم ذو فرض، وزادت السهام، فرض له ثلث الباقي بعد الفروض إلا أن يكون السدس أكثر من ثلث ما بقي، ويكون الباقي للأخوات، ولا فرض للأخوات مع الجد إلا في الأكدرية.
مسائله:
جدّ، وأخت.
في قول علي، وعبد الله بن مسعود: للأخت النصف، والباقي للجد، وتصح من اثنين.
وفي قول زيد: المال بينهما: للذكر مثل حظ الأنثيين، على ثلاثة.
جد، وأختان.
في قول علي وعبد الله: للأختين الثلثان، والباقي للجد. من ثلاثة.
وفي قول زيد: المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، على أربعة.
جدّ، وخمس أخوات.
في قول علي وعبد اللهِ: للأخوات الثلثان، والباقي للجدّ.
وفي قول زيدٍ: للجدّ الثلث، والباقي للأخوات. والقولان يرجعان إلى معنىً واحد، ويختلفان في التقدير.
جد، وجدة، وأخت.
في قول علي وعبد الله: للجدة السدس، وللأخت النصف، والباقي للجدّ.
وفي قول زيد: للجدة السدس، والباقى بين الجدّ والأخت على ثلاثة.
أصلها من ستة، وتصح من ثمانية عشر.

(9/116)


جد، وجدة، وخمس أخوات.
في قول علي وعبد الله: الجدة السدس، وللأخوات الثلثان، والباقي للجد.
وفي قول زيد: للجدة السدس، وللجد ثلث الباقي، والباقي للأخوات.
أصلها من ثمانية عشر ومنها تصح.
امرأة، وجد، وأختان.
في قول علي وعبد الله: للمرأة الربع، وللأختين الثلثان، وللجد السدس.
أصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر.
وفي قول زيد: للمرأة الربع، والباقي بين الجد والأختين على أربعة. أصلها من أربعة وتصح من ستة عشر.
زوج، وأختان، وجد.
في قول علي وعبد الله: للزوج النصف وللأختين الثلثان، وللجد السدس. أصلها من ستة، وتعول إلى ثمانية.
وفي قول زيد: للزوج النصف، والباقي بين الجدّ والأختين، على أربعة.
أصلها من اثنين، وتصح من ثمانية.
القسم الرابع من مسائل الباب
6320 - أن يكون مع الجدّ، والإخوة، والأخوات، بنت، أو بنت ابن.
كان علي يفرض للجدّ السدس، فلا يزيده عليه، ويجعل الباقي بعد الفروض للإخوة والأخوات [وبنت أو بنت ابن] (1).
وكان زيد يقسم الباقي بعد الفرض، بين الجدّ والإخوة والأخوات إلا أن
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/117)


تكون القسمة أقلّ من السدس، أو ثلث ما بقي. وكذلك كان يفعل ابن مسعود إلا في مسألةٍ واحدة، وهي:
بنت، وأخت، وجد.
فإنه قسّم الفاضل عن فرض البنت بين الأخت والجد نصفين.
مسائله:
بنت، وأخ، وجد.
في قول علي: للبنت النصف، وللجد السدس، والباقي للأخ.
وفي قول زيد وابن مسعود: للبنت النصف، والباقي بين الجد والأخ نصفين، وتصح من أربعة.
بنت، وأخوان، وجد.
في قول علي: للبنت النصف، وللجد السدس، والباقي بين الأخوين.
وفي قول زيد وابن مسعود: للبنت النصف والباقي بين الجد والأخوين أثلاثاً.
بنت، وثلاثة إخوة، وجد.
في قول الثلاثة علي وابن مسعود وزيد: للبنت النصف، وللجد السدس، وهو مثل ثلث الباقي، وما بقي للإخوة. أصلها من ستة، وتصح من ثمانية عشر.
بنت، وأخ، وأخت، وجد.
في قول علي: للبنت النصف، وللجد السدس، والباقي بين الأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول زيد وابن مسعود: للبنت النصف، والباقي بين الجد والأخ، والأخت، على خمسة. أصلها من اثنين وتصح من عشرة.

(9/118)


بنت، وأخت، وجد.
في قول علي: للبنت النصف، وللجد السدس، والباقي للأخت، وتصح من ستة.
وفي قول زيد: للبنت النصف والباقي بين الجدّ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول ابن مسعود: للبنت النصف، والباقي بين الجد والأخت نصفين.
وهذه إحدى مربعاته.
وإنما وقع له هذا، لأنه لا يعصّب الأخت بالجد، ولا يمكنه أن يعطيها الفرض، لمكان البنت، فربَّع المسألة لذلك، وجعل الأخت أخاً؛ لأنها عصبة مع البنت، كما أن الجد عصبة.
بنت أو بنت ابن، وخمس أخوات، وجد.
في قول الثلاثة: للبنت النصف وللجد السدس، وهو مثل ثلث الباقي، والباقي للأخوات.
امرأة، وبنت، وأخ، وأخت، وجدّ.
في قول الثلاثة: للمرأة الثمن، وللبنت النصف، وللجد السدس، والباقي
بين الأخ والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن أسقطت الأخت منها، ففي قول علي: للمرأة الثمن، وللبنت النصف، وللجد السدس، والباقي للأخ.
وفي قول زيد، وابن مسعود: للمرأة الثمن وللبنت النصف، والباقي بين الأخ، والجد، نصفين، أصلها من ثمانية وتصح من ستة عشر.
جدّة، وبنتان، وجد، وأخ.
للجدة السدس، وللبنتين الثلثان، وللجد السدس، ويسقط الأخ في قول الجميع.

(9/119)


زوج، وبنت، وأخت، وجد.
للزوج الربع، وللبنت النصف، وللجد السدس، والباقي للأخت في قول الثلاثة.
زوج، وأم، وبنتان، وأخت، وجد.
للزوج الربع، وللأم السدس، وللبنتين الثلثان، وللجد السدس، تعول المسألة من اثني عشر إلى خمسةَ عشرَ، وتسقط الأخت في قول الثلاثة.
زوجة، وأم، وبنتان، وأخت، وجد.
للزوجة الثمن، وللأم السدس، وللبنتين الثلثان، وللجد السدس، والمسألة تعول من أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين، وتسقط الأخت في قول الجميع.
القسم الخامس
في ميراث الأم مع الجد وبعض الإخوة
6321 - كان عمر لا يفضل الأمَّ على الجد، ويُنزل الجدَّ منزلة الأب في الفريضة، ويقول:
زوج، وأم، وجد.
بمثابة زوج وأبوين.
وزوجة، وأم، وجد.
بمثابة زوجة وأبوين.
وهو رواية عن ابن مسعود.
وروي عن ابن مسعود التسويةُ بينهما.
ولا يخفى مذهب زيد في تفضيل الأم على الجد، وهو مذهب علي.

(9/120)


مسائله:
زوج، وأم، وأخ، وجد.
في قول علي وزيد: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس، ويسقط الأخ.
وفي قول عمر وعبد الله: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي وهو السدس، والباقي بين الأخ والجد نصفين.
زوج، وأم، وأخت وجد.
وهي مسألة الأكدرية.
في قول ابن مسعود: للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وهو السدس، وللأخت النصف، وللجد السدس، تعول من ستة إلى ثمانية.
وفي قول علي: للزوج النصف، وللأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس، تعول من ستة إلى تسعة. وهذا مذهب زيد في وضع المسألة، في الرواية المشهورة رواها خارجة (1) بن زيد إلا أنه يجمع بين نصيب الجد والأخت، فيقسم بينهما على ثلاثة، وتصبح من سبعة وعشرين.
وعلى رواية قَبيصة، للزوج النصف وللأم الثلث، وللجد السدس، وتسقط الأخت.
امرأة، وأم، وأخت، وجد.
في قول عمر وعبد الله: للمرأة الربع، وللأم السدس وللأخت النصف، وللجد السدس. تعول المسألة من اثني عشر إلى ثلاثةَ عشرَ.
في قول علي للمرأة الربع، وللأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس. تعول من اثني عشر إلى خمسةَ عشرَ.
__________
(1) خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري- تابعي. أحد فقهاء المدينة السبعة ت 99 هـ.

(9/121)


وفي قول زيد: للمرأة الربع، وللأم الثلث، والباقي بين الجد والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين. أصلها من اثني عشر، وتصح من ستة وثلاثين.
أم، وأخت، وجد.
هذه مسألة الخرقاء، وقد بيّنا الخلافَ فيها قبل هذا.
امرأة، وأم، وجد، وأخ.
في قول علي وزيد: للمرأة الربع، وللأم ثلث المال، والباقي بين الأخ والجد نصفين.
وفي قول عمر وعبد الله: للمرأة الربع، وللأم ثلث ما بقي، والباقي بين الجدّ والأخ نصفين، وهذه إحدى مربعات ابن مسعود، وله أربعُ مربعات نجمعها:
إحداها - مسألة الخرقاء، وصورتها:
أخت، وجدّ، وأمّ.
للأخت النصف، والباقي بين الأم والجد نصفين، فكانت الفريضة مربعة عنده.
والثانية:
زوج، وأخت، وجد.
فعند ابن مسعود: للزوج النصف، وللأخت الربع، وللجد الربع، فهذه مربعته الثانية.
والثالثة:
بنت، وأخت، وجد.
للبنت عنده النصف، وللأخت الرّبع، وللجد الربع.

(9/122)


الرابعة:
زوج، وأم، وأخت، وجد.
فعند ابن مسعود: للزوجة الربع، وللأم ثلث ما تبقّى، وهو ربع المال، وللأخت الربع، وللجدّ الربع.
فهذه مربعاته.
ومذهبه مختلطٌ فيها.
القسم السادس - في المعادَّة
6322 - جملة المعادة على أربعة أضرب.
الأول - أن يكون ولد الأب والأم عصبة وولد الأب عصبة، على قول علي وعبد الله: لا يكون بولد الأب اعتبار، وتكون القسمة بين الجدّ، وولد الأب والأم.
وفي قول زيد القسمة بين الجميع، مع اعتبار الثلث للجد، ثم يَرُدّ ولدُ الأب ما في يده على ولد الأب والأم. فإن كان معهم ذو فرض اعتبر بعد الفرض للجدّ القسمةُ، أو ثلثُ ما بقي، أو سدس المال، على ما تقدم أصله.
مسائله:
جدّ، وأخ من أبٍ وأم، وأخ من أب.
في قول علي وعبد الله: المال بين الأخ من الأب والأم، وبين الجد نصفين.
وفي قول زيد: المال بين الجدّ والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب على ثلاثة، ثم يرُدّ الأخ من الأب ما في يده على الأخ من الأب والأم، فيصير للأخ من الأب والأم ثلثا المال، وللجد الثلث.

(9/123)


جدٌّ، وأخٌ وأخت لأب وأم، وأخ لأبٍ.
في قول علي وعبد الله: المال بين الجد والأخ والأخت من الأب والأم على خمسة.
وفي قول زيد: للجدّ الثلث، والباقي بين الأخ والأخت من الأبوين على ثلاثة. أصلها من ثلاثة وتصح من تسعة.
زوجٌ، وجد، وأخ من أبٍ وأمٍ، وأخ من أب.
في قول علي وعبد الله: للزوج النصف، والباقي بين الجد والأخ من الأب والأم نصفين.
وفي قول زيد: للزوج النصف، والباقي بين الجد، والأخ من الأب والأم، والأخ من الأب، على ثلاثة، وتستوي فيها القسمة والسدس، وثلث الباقي، ثم يردُّ الأخُ من الأب سهمَه على الأخ من الأب والأم.
امرأة، وجد، وأخ من أبٍ وأم، وأخ من أب.
في قول علي وعبد الله: للمرأة الربع، والباقي بين الجد والأخ من الأب والأم. وفي قول زيد: للمرأة الربع، والباقي بين الجد والأخ من الأب والأم والأخ من الأب، على ثلاثة. ثم يردُّ الأخ من الأب ما في يده على الأخ من الأب والأم، فيكمل للأخ من الأب والأم نصف المال. وللجد الربع، وتصير من أربعة.
6323 - والضرب الثاني: من مسائل المعادّة: أن يكون ولد الأب والأم عصبة، وولد الأب أخوات، فلا اعتبار بولد الأب في قول علي وعبد الله.
وفي قول زيد: يدخُلن في القسمة ثم يدفعن ما أصابهنّ إلى ولد الأب والأم.

(9/124)


مسائله:
جدّ، وأخ لأبٍ وأمٍ، وأخت لأبٍ.
في قول علي وعبد الله: المال بين الجدّ والأخ نصفين.
وفي قول زيد: المال بين الجميع على خمسة، ثم تَردُّ الأختُ سهمَها على الأخ من الأب والأم، فيصير للجدّ سهمان، وللأخ ثلاثة.
جدّ، وأخ لأبٍ وأم، وأختان لأب.
في قول علي وعبد الله: المال بين الجد والأخ نصفين.
وفي قول زيد: المال بينهم على ستة، ثم تَردُّ الأختان سهمَهما على الأخ من الأب والأم، فيصير للجد سهمان، وللأخ أربعة.
جد، وأخ وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخت لأبٍ.
في قول علي وعبد الله: المال بين الجد والأخ والأخت من الأب والأم، على خمسة.
وفي قول زيد: المال بين الجميع على ستة، ثم ترد الأخت من الأب سهمَها على الأخ من الأبِ والأم، بينهما على ثلاثة. أصلها من ستة وتصحُّ من ثمانيةَ عشرَ.
امرأة، وجد، وأخ من أبٍ وأمٍ، وأخت من أب.
في قول علي وعبد الله: للمرأة الربع، والباقي بين الجد والأخ من الأب والأم نصفين، أصلها من أربعة، وتصحّ من ثمانية.
وفي قول زيدٍ: للمرأة الربع، والباقي بين الجد، والأخ والأخت على خمسة أصلها من أربعة، وتصحّ من عشرين. ثم تَردّ الأختُ ما في يدها على الأخ من الأب والأم.

(9/125)


6324 - الضرب الثالث من مسائل المعادة: أن يكون ولد الأب والأم أخوات، وولد الأب عصبة.
على قول علي: نفرض لولد الأب والأم ونقسم الباقي بين ولد الأب والجد، [ونعتبر] (1) القسمةَ والسدس.
وفي قول عبد الله: يُفرض لولد الأب والأم، ويكون الباقي للجد، ويسقط
ولد الأب؛ فإن كان الباقي أقلَّ من السدس، فرض للجد السدس.
وفي قول زيد: يقسم المال بين الجميع: للذكر مثل حظ الأنثيين ما لم تجاوز القسمة ستة أسهم، وما حصل في يد ولد الأب ردّوا منه على ولد الأب والأم مقدارَ ما يكمل به فرضهن، أوْ جميع ما في أيديهم إلى تكملة الفرض.
مسائله:
جد، وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخ لأب.
في قول علي: للأخت النصف، والباقي بين الجد والأخ نصفين.
وفي قول ابن مسعود: للأخت النصف، والباقي للجدّ.
وفي قول زيد: المال بين الجميع، على خمسة، ثم يرد الأخُ من الأب على الأخت تمامَ النصف، فتصحّ من عشرة، للجدّ من أول القسمة أربعة، وللأخ من الأب أربعة، وللأخت من الأب والأم سهمان، ثم يردُّ الأخ من الأب على الأخت من الأب والأم ثلاثة؛ تكملة النصف، فيفضل له سهمٌ واحد.
أخت لأبٍ وأم، وأخوان لأب، وجدّ.
في قول علي: للأخت النصف، والباقي بين الجد والأخوين على ثلاثة، وتصح من ستة.
وفي قول عبد الله: للأخت النصف، والباقي للجد.
__________
(1) في الأصل: فنعتبر.

(9/126)


وفي قول زيد للجدّ الثلث، [ونجعل] (1) للأخت النصف، والباقي للأخوين، وتصح من اثني عشر.
أخت لأبٍ وأمٍ، وأخ، وأخت لأبٍ، وجد.
في قول علي: للأخت من الأب والأم النصف، والباقي بين الجد، والأخ، والأخت من الأب: على خمسة، وتصح من عشرة.
وفي قول عبد الله: للأخت من الأب والأم النصفُ، والباقي للجد، وصار الأخ مشؤوماً على الأخت من الأب.
وفي قول زيد: المال بينهم على ستة، ثم يرد ولد [الأب] (2) على الأختِ من الأبِ والأم تمامَ النصف، فيبقى مع ولد الأب سهمٌ بينهما: على ثلاثة. أصلها من ستة، وتصح من ثمانية عشر.
جدّ، وجدة، وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخ لأب.
في قول علي: للجدة السدس، وللأخت من الأب والأم النصف، والباقي بين الجد والأخ نصفين.
وفي قول عبد الله: للجدة السدس، وللأخت من الأب والأم النصف، والباقي للجدّ خاصة.
وفي قول زيد: للجدة السدس، والباقي بين الجد، والأخ، والأخت على خمسة، ثم يردّ الأخُ من الأب على الأخت من الأبِ والأم ما في يده ليكمل لها النصف، وتصحّ من ستة.
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخ، وأخت لأب.
في قول علي: للأم السدس، وللأخت النصف، وللجد السدس، والباقي
__________
(1) في الأصل: ويحصل.
(2) في الأصل: الابن.

(9/127)


بين الأخ والأخت من الأب على ثلاثة، وتصح من ثمانية عشر.
وفي قول عبد الله: للأم السدس، وللأخت من الأبِ والأمِ النصف، والباقي للجد.
وفي قول زيدٍ: للأم السدس، والباقي بين الجد، والأخت من الأب والأم، والأخ والأخت من الأب على ستة، يستوي فيها القسمة، وثلثُ ما تبقّى، وهما خير من السدس، ويرد فيها ولدُ الأب على الأخت من الأب والأم تمام النصف، فيبقى في يد ولد الأب سهم، بينهما على ثلاثة، وتصح المسألة من أربعة وخمسين.
امرأة، وجد، وأخت من أبٍ وأمٍ، وأخ لأب.
في قول علي: للمرأة الربع، وللأخت النصف، وللجد السدس، والباقي للأخ.
وفي قول عبد الله: للمرأة الربع، وللأخت النصف، والباقي للجد.
وفي قول زيد: للمرأة الربع، والباقي بين الجد، والأخ، والأخت، على خمسة، ثم يردّ الأخ ما في يده على الأخت من الأبِ والأمِّ، وتصح من عشرين.
أختان لأبٍ وأم، وأخ لأب، وجد.
في قول علي: للأختين الثلثان، والباقي بين الجد والأخ [من الأب] (1) نصفين.
وفي قول عبد الله: للأختين الثلثان، والباقي للجد.
وفي قول زيد المال بينهم على ستة، ثم يرد الأخ من الأب جميعَ ما في يده على الأختين من الأبوين ليكْمَل لهما الثلثان.
__________
(1) زيادة من النسخ الثلاث غير الأصل.

(9/128)


6325 - الضرب الرابع من مسائل المعادّة: أن يكون ولد الأب والأم وولد الأب كلاهما أخوات، فعلى قول علي، وابن مسعود: يفرض لهن على القياس فيهن، ويكون الباقي للجد، إلا أن يكون أقل من السدس.
وفي قول زيد: يقسّم المال، أو الباقي منه بعد فرض ذوي الفروض، بين الجد والأخوات. إلا أن يكون السدسُ، أو ثلثُ الباقي خيراً له من القسمة. ثم يَردُّ ولدُ الأب على ولد الأب والأم ما يتم به فرضُهم، أو جميعَ ما في أيديهم إن لم يتم الفرض.
مسائله:
جد، وأخت لأب وأم، وأخت لأب.
في قول علي وعبد الله: للأخت من الأب والأم النصفُ، وللأخت من الأب السدس، والباقي للجد. وتصحّ من ستة.
وفي قول زيد: المال بين الجد والأختين على أربعة، ثم تردّ الأخت من الأب على الأخت من الأب والأم [ما في يدها] (1) لتكمل لها النصف، فيصير المال بين الجد والأخت من الأب والأم نصفين.
أختٌ لأبٍ وأمٍّ، وأختان لأبٍ، وجد.
في قول علي وعبد الله: للأخت من الأب والأم النصف، وللأختين من الأب السدس، والباقي للجد.
وفي قول زيد: المال بينهم: للذكر مثلُ حظ الأنثيين، على خمسة، ثم يرد الأختان من الأب، على الأخت من الأب والأم مقدارَ سهمٍ ونصفٍ ليكمل لها النصف، ويبقى للأختين [من الأب] (2) نصفُ سهم بينهما، فنضرب أربعةً في خمسة، فتردّ عشرين، فمنها تصح.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) زيادة من غير الأصل.

(9/129)


أخت لأبٍ وأمٍ، وأربع أخوات لأبٍ، وجد.
في قول علي وعبد الله: للأخت من الأبِ والأم النصف، وللأخوات من الأب السدس، والباقي للجد.
وفي قول زيد: للجدِّ الثلث، وللأخت من الأب والأمَّ النصف، والباقي للأخواتِ من الأبِ.
جد، وأختان لأبٍ وأم، وأخت لأب.
في قول علي وعبد الله: للأختين من الأب والأم الثلثان، والباقي للجد.
وفي قول زيد: المال بينهم على خمسة ثم ترد الأخت من الأب، ما في يدها على الأختين من الأب والأم.
جد، وأم، وأخت من أبٍ وأمٍّ، وثلاث أخوات لأب.
في قول علي وعبد الله: للأم السدس، وللأخت من الأب والأم النصف، وللأخوات من الأب السدس، والباقي للجد.
وفي قول زيدٍ: للأم السدس، والباقي بين الجد والأخوات على ستة، تستوي المقاسمة وثلث ما يبقى، وهما خيرٌ من السدس، ثم يرد ولد الأب على الأخت من الأب والأم تمامَ النصف.
جد وجدّة، وأخت لأب وأم، وأربع أخوات لأب.
في قول علي وعبد الله: للجدة السدس، وللأخت من الأب والأم النصف، وللأخوات من الأب السدس، والباقي للجد، وهو السدس.
وفي قول زيد: للجدة السدس، وللجد ثلث الباقي، وللأخت من الأب والأم النصف، والباقي للأخواتِ من الأب: أصلها من ثمانيةَ عشر، وتصح من اثنين وسبعين.

(9/130)


زوج، وجد، وأخت لأبٍ وأمٍّ، وأخت لأب.
في قول علي وعبد الله: للزوج النصف، وللأخت من الأب والأم النصف، وللأخت من الأب السدس، وللجد السدس، وتعول المسألة من ستة إلى ثمانية.
وفي قول زيد: للزوج النصف، والباقي بين الجد والأختين على أربعة، ثم تردُّ الأختُ من الأب ما في يدها على الأخت من الأب والأم، فيكون الباقي بعد نصيب الزوج بين الجد والأخت من الأب والأم نصفين.
زوج، وأختان لأبٍ وأمً، وأختان لأبٍ، وجد.
في قول علي وعبد الله: للزوج النصف، وللأختين من الأب والأم الثلثان، وللجد السدس، وتعول من ستة إلى ثمانية.
وفي قول زيد: للزوج النصف، والباقي بين الجد والأخوات على ستة، ثم تردّ الأختان من الأب ما في أيديهما على الأختين من الأب والأم.
وعلى هذا فقِسْ جميعَ مسائل الباب. ولم نذكر في المسائل مذهبَ من يجعل الجد أباً لظهوره.
القول في العول وبيان المذاهب فيه
6326 - ذكر الشافعي العول، ومصيرَ جمهور الصحابة رضي الله عنهم إليه، فنذكر أولاً الأصول التي تنشأ مسائل الفرائض منها، ثم نعطفُ عليها العولَ ومسائلَه.
فنقول: المسالة الواقعة في المواريث لا تخلو إمّا أن تشتمل على صاحب فرضٍ أو أكثر، وإما أن تخلو عن أصحاب الفروض. وتشتمل على العصبات.
6327 - فإن تجرد فيها العصبات، فالعدد الذي تصحّ المسألة منه يؤخذ من

(9/131)


أعدادِ الرؤوس: فإن تمحّضوا ذكوراً، فالمسألة تقام من عدد رؤوسهم، كما إذا قيل: مات رجل، وخلف عشرةً من البنين، فالمسألة من عشرة.
وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، أخذنا عددَ رؤوس الإناث، وحسبنا كلَّ ذكرٍ برأسين؛ فإن حصةَ الذكر في التعصيب حصة الاثنين، ونقيم المسألة من عدد الإناث، وضعف عدد الذكور؛ فإن قيل: في المسألة سبع بنات، وسبعةٌ بنون، فنأخذ عدد الإناث ونضعِّف عددَ الذكور، فنقول: المسألة تصح من أحد وعشرين.
وهذا قياس لا خفاء به.
6328 - فإن اشتملت المسألة على ذي فرضٍ مقدّر، فالأصول التي تنشأ منها مسائل الفرائض على قول المتقدمين سبعة:
اثنان، وثلاثة، وأربعة، وستة، وثمانية، واثنا عشر، وأربعة وعشرون.
وزاد المتأخرون على رأي زيد أصلين آخرين: ثمانيةَ عشرَ، وستةً وثلاثين. وهما ينشآن من مسائل الجد.
فأما الاثنان، فكل مسألة اشتملت على النصف، والنصف، وذلك أن يكون في المسألة زوج وأخت، [أو] (1) على النصف وما بقي.
والثلاثة أصل كل مسألة فيها، ثلث وثلثان، أو ثلث وما بقي، أو ثلثان وما بقي.
والصور:
(أم، وأخ) (بنتان، وعم) (أختان لأب وأم، أو لأب، واثنان من أولاد الأم) والأربعة أصل كل فريضة فيها ربع، وما بقي.
وهي: زوج، وابن. أو زوجة، وأخ.
__________
(1) في الأصل: " له " مكان " أو "، وهو تحريف واضح.

(9/132)


أو: ربعٌ، ونصفٌ، وما بقي، وهي: زوج، وبنت، وأخ. أو: زوجة، وأخت، وابن أخ.
أو ربع، وثلث ما يبقى، وما يبقى وهي: زوجة، وأبوان. أو زوجة، وجد، وثلاثة إخوة.
والستة أصل كل فريضة فيها سدس، وما بقي، أو سدس، وثلث، وما بقي، أو: سدس، وثلثان، وما بقي. أو: نصفٌ، وثلث، وما بقي.
ولا يخفى وضع الصور على من انتهى إلى هذا المنتهى.
والثمانية أصل كل فريضة فيها ثمن، وما بقي، أو: ثمن، ونصفٌَ، وما بقي.
وليس في الفرائض ربعٌ وثمنٌ. ولو كانا لخرجا من ثمانية.
وأما اثنا عشر، فأصل كل فريضة فيها: ربع، وسدس، وما بقي. أو: ربع، وثلثٌ، وما بقي، أو: ربعٌ، وثلثان، وما بقي.
والأربعة والعشرون أصل كل فريضة فيها: ثمنٌ، وسدس، وما بقي، أو: ثمن وثلثان، وما بقي. ولا يتصور اجتماع الثمن والثلث في الفريضة، ولو تصور [لخرجا] (1) من أربعةٍ وعشرين.
6329 - وأما ثمانية عشر على طريقة المتأخرين، أصل كل فريضة فيها: سدس، وثلث ما بقي، وما بقي، وصورتها (جدة، وجد، [وإخوة] (2)) أو: أم، وجد، وإخوة.
للجدة السدس ثلاثة، وللجد ثلث ما يبقى خمسة، والباقي بين الإخوة.
__________
(1) في الأصل: تخرجا.
(2) زيادة من المحقق لبيان صورة المسألتين اللتين أرادهما المؤلف.

(9/133)


فأما الستة والثلاثون، أصل كل فريضة فيها ربع، وسدس، وثلث ما بقي، وما بقي.
وهي: زوجة، وأم، وجد، وإخوة.
للزوجة الربع: تسعة، وللأم، أو الجدة السدس: ستة، وللجد ثلث ما تبقى، وهو سبعة، والباقي للإخوة.
ولم يضع المتقدمون هذين الأصلين، وقالوا: إنما نضع الأصول التي تخرج منها الفرائض، المذكورة في الكتاب؛ فإن اعترض شيء لم نزد، ولم نتعدَّ، وصححنا ما يقع من المسائل بالضَّرْب. وهؤلاء يقولون: المسألة الأولى من ستة، ثم بالضرب تصير ثمانيةَ عشرَ: للجدة سهمٌ من ستة، فيبقى خمسة، ونحن نحتاج إلى ثلث ما تبقى، وليس للخمسة ثلثٌ صحيح، فنضرب مخرج الثلث، وهو ثلاثة في أصل المسألة، فتصير ثمانية عشرَ.
ووضعوا المسألة الثانيةَ على اثني عشر، ثم بالضرب تصير ستةً وثلاثين، وبيانه: للجدة السدس: سهمان من اثني عشر، وللزوجة الربع: ثلاثة. وللجد ثلث ما يبقى، وليس للسبعة (1) ثلثٌ صحيح، فنضرب مخرج الثلث في أصل المسألة فترد ستة وثلاثين.
وهذا الذي نذكره الآن مراسمُ.
وسنذكر قدراً صالحاً في الضرب والقسمة، ووضع الأعداد المشتملة على الأجزاء الصحيحة التي يعبّر عنها بالكسور، ووضع هذه الأصول قدمناه لمسيس الحاجة إليه ناجزاً في ذكر أصول العَوْل.
6330 - والغرض من وضع الأصول تأسيسُ أعدادٍ تخرج منها مقدّرات الفرائض، ثم لا نلتزم ضبطَ أعداد المستحقين، فربما يكونوا (2) على عدّةٍ يصح
__________
(1) السبعة: أي الباقية بعد سهمي الجد، والزوجة (12 - 5) =7.
(2) " فربما يكونوا " هكذا في النسخ الأربع بحذف النون، نون الرفع، وهي لغة صحيحة =

(9/134)


قسمةُ مواريثهم من أصل مسألتهم، وربما يكونُوا على عدّة لا تصح قسمةُ مواريثهم بسبب العدد، وما كان كذلك فطريقه تصحيحُ الكسور بالضرب، على ما سيأتي مشروحاً، إن شاء الله.
وإنا لم نلتزم وضعَ المسائل على الصحة؛ فإن الأعداد لا نهاية لها.
6331 - والأصول التي ذكرناها تنقسم: فمنها ما يقوم (1) بأفراد الفرائض، ومنها ما لا يقوم إلا بتعدد الفرض، فأما ما يقوم بأفرادِ الفرائض فالاثنان، والثلاثة، والأربعة، والستة، والثمانية.
وأمّا ما لا يقوم إلا بتعدد الفرض، فالاثنا عشر، والأربعةُ والعشرون.
فأما ما يقوم بأفراد الفرائض، فإنه قد يشمل على فرضين، ولكن ليس الفرضان من ضرورة قيامه، والاثنا عشر والأربعة والعشرون من ضرورة قيامهما تعدُّدُ الفرض.
ثم طريق إقامتهما أن نقول: إذا احتجنا إلى الربع والثلث أخذنا مخرج الربع أربعة ومخرج الثلث ثلاثة، وضربنا أحد المخرجين في الثاني، وقلنا: العدد الذي له ثلث وربع صحيحان: اثنا عشر.
وإذا احتجنا إلى الربع، والسدس أخذنا مخرج الربع أربعة، ومخرج السدس ستة، ثم نجد بينهما موافقة بالنصف، فنضرب نصفَ أحدهما في كل الثاني.
وإذا احتجنا إلى الثمن والثلثين، أخذنا مخرج الثمن ثمانية، ومخرج
__________
= وعليها في حديث مسلم، عن أصحاب القليب، يوم بدر: " كيف يسمعوا، وأنى يجيبوا " قال النووي في شرح مسلم: " وهي لغة صحيحة، وإن كانت قليلة الاستعمال، وسبق بيانها مرات، ومنها الحديث السابق في كتاب الإيمان: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا " (رقم 54) (النووي على مسلم: 18/ 206: كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه ح 2874).
(1) يقوم: أي يكون ويوجد.

(9/135)


الثلث، ثلاثة، وضربنا أحدهما في الثاني، فيبلغ أربعة وعشرين، وقلنا: أقل عدد يخرج منه الثمن والثلثان صحيحين أربعة وعشرون.
فإذا احتجنا إلى الثمن والسدس، أخذنا الثمانية، والستة، ثم نجد بينهما موافقةً بالنصف، فنضرب نصف أحدهما في كل الثاني فيرد أربعة وعشرون.
6332 - ومسألتا باب الجد، وهما ثمانية عشر، وستة وثلاثون صحيحتان على قاعدة التركيب، ولكن لم يُفردها المتقدمون لأمرين: أحدهما - أن الأصول موضوعة على المقدّراتِ المنصوصة في الكتاب، وهي المجمع عليها، وثلث ما يبقى في المسألتين ليس منصوصاً، ولا متفقاً عليه، والأمر في ذلك قريب.
6333 - ثم الأصول السبعة منقسمة إلى عائلةٍ، وغير عائلةٍ، فغيرُ العائلة منها: الاثنان، والثلاثة، والأربعة، والثمانية:
هذه الأصول لا يتطرق إليها العولُ، وهي منقسمة إلى عادلةٍ، وناقصة، فالعادلة: الاثنان، والثلاثة، ونعني بالعادلة أن سهامها التي تخرج عنها تستغرقها.
فإذا كان الاثنان عادلة، فهو إذا اجتمع نصفان.
والثلاثة إذا كانت عادلة، فهي إذا اجتمع الثلث والثلثان، فتستغرقان الثلاثة.
والناقصة: أربعة، وثمانية، والمعني بالناقصة أن سهام المسألة التي عليها وضع المسألة لا تستغرقها؛ فإن الذي يخرج من الأربعة: الربع، والنصف، وهما لا يستغرقان الأربعة.
والذي يخرج من الثمانية: الثمن، والنصف، وهما لا يستغرقان الثمانية.
6334 - والعائلة من الأصول: الستةُ وضعفُها، وضعفُ ضعفها. فهذه الأصول هي التي يتطرق العول إليها على رأي الجمهور، لا غير.

(9/136)


أما الستة، فإنها تعول بأفرادها (1) وأشفاعها، ومنتهى عولها عشرة.
ْفتعول بسدسها إلى سبعة، وبثلثها إلى ثمانية، وبنصفها إلى تسعة، وبثلثيها إلى عشرة. على ما سيأتي شرحها، إن شاء الله تعالى.
وأما الاثنا عشر، فتعول بالأوتار دون الأشفاع، تعول بنصف سدسها إلى
ثلاثة عشر، وبربعها إلى خمسة عشر، وبربعها وسدسها إلى سبعة عشر.
وأما الأربعة والعشرون فتعول عولةً واحدة بثمنها إلى سبعة وعشرين، لا غير. وهذا إذا كان في المسألة زوجة وبنتان وأبوان.
وهي الملقبة بالمنبرية، وقد قيل: سئل علي عنها وهو على المنبر، فقال على الارتجال: صار ثمنها تسعاً (2).
فنذكر فصلين أحدهما في معنى العول، وبيان المذاهب فيه على الأصل.
والثاني في تفصيل مذهب القائلين بالعول، وضرب الأمثلة، وتصوير المسائل.
فأمّا
الفصل الأول
6335 - فنقول: كلّ مسألة اجتمع فيها أهل السهام، وكان مجموع سهامهم زائداً على أصل الفريضة، فهي من مسائل العول. والذي ذهب إليه الجمهور، والجلّة: عمرُ، وعلي، وزيد، والعباس، ومعاذ بنُ جبل، وابنُ مسعود، وأكثر الصحابة رضي الله عنهم: قسمةُ المال بين أهل السهام، على مبلغ سهامهم، وإن زادت على الفريضة، فنجعل مبلغ السهام أخذاً من أجزاء أصل المسألة أصلَ القسمة، ونقسم التركة بها، وهذا مذهب مالك والشافعي
__________
(1) أفرادها وأشفاعها: أي تكون شفعاً، فتعول إلى ثمانية، وإلى عشرة، وتكون وتراً (فرداً)، فتعول إلى سبعة وتسعة. وهي لغة صحيحة.
(2) خبر (المنبرية) رواه أبو عبيد، والبيهقي (6/ 253) قال الحافظ: " وليس عندهما أن ذلك كان على المنبر، وقد ذكره الطحاوي من رواية الحارث عن علي فذكر فيه المنبر ". (ر. التلخيص 3/ 192).

(9/137)


والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة، ومن تدور عليه فتاوى الأمصار.
وذهب ابن عباس إلى إبطال العول، وإذا ازدحمت السهام، ولم يرَ فيها حاجباً ولا محجوباً، فأصل مذهبه إدخالُ النقص على أربعة أصنافٍ، إذا ضاقت المسألة عن سهامها، وهم: البناتُ، وبنات الابن، والأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب. تابعه على مذهبه محمدُ بنُ الحنفية، ومحمد بن علي بن الحسين، وعطاء، وأهلُ الظاهر.
واختلفت الرواية عن ابن عباس في إدخال النقص على الإخوة والأخوات من الأم، فالمشهور من طريق الرواية أنه لا يدخل الضرر عليهم.
وروي عنه من طريق شاذ: إدخال النقص عليهم. وهذه الرواية وإن كانت غريبة، فهي اللائقة بقياس أصله. فإنا نقول في مسألة [فيها] (1).
زوج، وأم، واثنان من أولادِ الأم:
لا بد لابن عباس من أحد أقوالٍ ثلاثة: إمّا أن يقول فيها: للزوج النصف، وللأم (2) الثلث، ولولدي الأم الثلث، فيكون أعال المسالة من ستة إلى سبعة، وهذا خلاف أصله.
وإما أن يقول: للزوج النصف وللأم السدس ولولدي الأم الثلث، فيكون قد حجب الأم من الثلث إلى السدس بالاثنين من الإخوة، وذلك خلاف أصله؛ فإنه لا يحجبها بأقل من ثلاثة.
وإما أن يقول: للزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي لولدي الأم، وهو السدس، فيكون قد أدخل النقص على أولاد الأم.
وهذا هو الأشبه بأصله.
__________
(1) زيادة من جميع النسخ غير الأصل.
(2) للأم الثلث: لأن ابن عباس لا يحجبها من الثلث إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة على
الأقل. كما تقدم، وسيأتي قريباً جداً.

(9/138)


6336 - واختلف الفرضيون على قياس قول ابن عباس في البنت وبنت الابن إذا اجتمعتا، مع ذوي الفروض. وفي الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، إذا اجتمعتا مع ذوي الفروض، وكان الباقي من المال بعد الفروض- أقلَّ من النصف.
فمنهم من قال: قياس قوله يقتضي أن يكون الباقي كلُّه للبنت خاصّة، وتسقط بنت الابن. أو الأخت من الأب والأم خاصة، وتسقط الأخت من [الأب] (1).
وقيل: هذه رواية يحيى بن آدم.
وروى الباقون عنه: أن الباقي من المال بعد الفروض التي وصفناها، يقسم بين البنت، وبنت الابن. وبين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب على أربعة أسهم: للبنت منها ثلاثة، وكذلك للأخت من الأبِ والأم. ولبنت الابن سهمٌ، وكذلك للأخت من الأب.
6337 - وأجمع الفرضيون في نقل مذهبه على أن الباقي من المال إذا كان نصف المال، أو أكثر، أنه يجب توفير النصف على البنت، أو الأخت من الأب والأم، وتخصيص بنت الابن، والأخت من الأب بالنقص، والإسقاط. مثال ذلك:
زوج، وأبوان، وبنت، وبنت ابن.
فعلى رواية يحى بن آدم (2): للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي للبنت.
وعلى الرواية الثانية: الباقي بين البنت، وبنت الابن، على أربعة أسهم:
__________
(1) في الأصل: الأم، وهو سبق قلم لا شك.
(2) يحيى بن آدم بن سليمان، أبو زكريا الأموي، مولاهم، الكوفي. صاحب كتاب الخراج.
ت 203 هـ (تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 150، سير أعلام النبلاء: 9/ 522).

(9/139)


ثلاثةُ أرباعه للبنت، وربعُه لبنت الابن.
والمثال في الأختين أن يكون الميت خلّف:
امرأته، وأماً، وأختاً لأب وأم، وأختاً لأبٍ.
فعلى رواية يحيى: للمرأة الربع، وللأم الثلث (1)، والباقي للأخت من الأب والأم، وتسقط الأخت من الأب.
[و] (2) على رواية غيره: الباقي بعد الربع، والثلث، على أربعة أسهم: للأخت من الأب والأم منها ثلاثة، وللأخت من الأب سهم.
وبالجملة لا يجد ابن عباس بداً من إدخال النقص على بعض أصحاب السهام. ثم إنه يدخل النقص في رواية على صنفٍ، وفي روايةٍ على صنفين، وسنذكر علّة مذهبه بعد الفراغ عن تمهيد المذهب، إن شاء الله عز وجل.
6338 - واختلف الفرضيون على قياس مذهبه في مسألةٍ:
زوج وثلاث أخوات متفرقات.
فروى يحيى عنه: للزوج النصف، وللأخت من الأم السدس، والباقي للأخت من الأب والأم.
وروى غيره: للزوج النصف، وللأخت من الأم السدس، والباقي بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، على أربعة أسهم: ثلاثة للأخت من الأب والأم، وواحد للأخت من الأب.
وروى أيوبُ بنُ سليمان الفرضي (3) مذهباً ثالثاً عن ابن عباس في هذه
__________
(1) تذكر أن الكلام في مذهب ابن عباس، فلا تظن أن الثلث للأم هنا خطأ.
(2) في الأصل: " على " بدون الواو.
(3) أيوب بن سليمان الفرضي، لم نجد ترجمة له في طبقات الفقهاء، وإنما وجدنا في طبقات الحفاظ: أيوب بن سليمان بن بلال، أبو يحيى المدني، إمام ثقة روى عنه البخاري وأصحاب السنن. ت 224 هـ. فلعله هو (تهذيب التهذيب: 1/ 404).

(9/140)


المسألة، وهو أنه قال: للزوج النصفُ، والباقي بين الأخوات على خمسة أسهم: ثلاثة أخماسه للأخت من الأب والأم، وخمسُه للأخت من الأب، وخمسُه للأخت من الأم. وقيل هذا قياسٌ، وليس بنقلٍ.
6339 - ومما اختلف الفرضيون في قياسه على مذهب ابن عباس.
زوج، وأم، وأختان لأب وأم، وأختان لأم.
قال يحيى ابنُ آدم: قياسُه، للزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، وتسقط الأختان من الأب والأم.
وقيل: قياسه أن يقال: للزوج النصف وللأم السدس، والباقي بين الأختين من الأم، والأختين من الأب والأم بالسوية، لاستوائهن في قرابة الأم. وهذا يناظر التشريكَ في مسألة المشركة.
6340 - أما تفصيل مذهب القائلين بالعول، فسيأتي في رسم المسائل.
ومن قال بالعول استمسك بإجماع الصحابة رضي الله عنهم قبل أن أظهر ابنُ عباسٍ خلافَه، لما قال ابن عباس: " إن الذي أحصى رمل عالج عدداً، لم يجعل في مالٍ نصفاً، وثلثين " قيل له: " هلا ذكرت ذلك لعمر "، فقال: " كان رجلاً مهيباً، فهبته " (1)، ولا تخرج مفرداتُ ابن عباس في الفرائض إلا على مذهب من يشترط في الإجماع انقراضَ عصر المجمعين.
وعلةُ القولِ بالعول بيّنةٌ؛ فإن أصحاب الفروض إذا ازدحموا، ولم يكن بعضهم حاجباً، وبعضهم محجوباً، وضاقت أجزاء المال عن مبالغ الفروض، فالتحكّم بإسقاط بعضهم لا معنى له، وتخصيص البعض بإدخال النقص عليه لا حاصل وراءه، فلا وجه إلا أن نجعل القسمة من مبالغ الفروض، ونجعل
__________
(1) أثر ابن عباس: " إن الذي أحصى رملَ عالج " قطعة من حديث طويل، رواه البيهقي (6/ 253)، ورواه الحاكم مختصراً دون ما ذكره الإمام (4/ 340)، وعبد الرزاق (19022) (ر. التلخيص: 3/ 192، إرواء الغليل: 6/ 145).

(9/141)


أصحابها كمزدحمين بالديون على تركة تضيق عن الوفاء بها، فكلٌّ يضرب في التركة بمقدار حقّه.
فأما ابن عباس، فإنه خصّص بالنقص طوائفَ يتطرق إليهم التعصيبُ، وهم البنات، وبناتُ الابن، الأخوات من الأب والأم، والأخوات من الأب، فإن الذكور يعصبونهم، فإذا عُصّبن، نقصت حقوقُهن عن المفروض.
ثم اضطرب رأيه في أولاد الأم؛ من حيث إنهن لا يعصَّبْن، ولكنهن أخوات كأولاد الأب والأم، وأولاد الأب.
فهذا متعلَّقُ كل فريق.
وقد غلّظ ابنُ عباسٍ في هذه المسألة قولَه على مخالفيه، فروي أن عطاء قال له: لا يُغني عني وعنك ما تقول شيئاً ولو متَّ ومتُّ، لقُسِّم ميراثُنا على ما عليه القوم من خلاف [رأيك] (1) فقال ابن عباس: إن شاؤوا، فلندْع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا، ونساءهم، وأنفسنا، وأنفسهم، ثم نبتهل، فنجعل لعنةَ الله على الكاذبين (2).
ولهذه القصة سمّيت هذه المسألة (3) مسألة المباهلة.
الفصل الثاني
في ذكر الأصول العائلة، ومنتهى عول كل أصل،
وضرب الأمثلة، وبيان الأجوبة فيها
6341 - فنقول على سبيل التمهيد: الأصول العائلة على قول أصحاب العول ثلاثة: الستة، والاثنا عشر، والأربعة والعشرون. وما سوى هذه الأصول
__________
(1) في الأصل: ذلك.
(2) أثر عطاء عن مباهلة ابن عباس رواه سعيد بن منصور في سننه: ح 37، وأخرج عبد الرزاق نحوه من حديث طاووس، ح 19024.
(3) المسألة: المراد بها قضية العول.

(9/142)


لا تعول على مذهب عمر، وعلي، وزيد، وابن مسعود، وغيرهم.
وعلى قول معاذ قد تعول مسألة أصلها من ثلاثة؛ لأصلٍ قدمناه في عدد من يحجب الأم من الإخوة والأخوات. والثلاثةُ تعول عنده إلى أربعة.
وأما الستة، فإنها تعول إلى عشرة، في قول الجمهور، وفي قول معاذ قد يبلغ عولُها إلى أحدَ عشرَ، على ما سنذكر أمثلةَ ذلك.
وأما الاثنا عشر، فإنها تعول على قول الجمهور بالأفراد إلى سبعة عشر، فتعول إلى ثلاثةَ عشرَ، وإلى خمسةَ عشرَ، وإلى سبعة عشر، ولا تعول إلى أربعةَ عشرَ، ولا إلى ستة عشرَ.
وعلى قول معاذ: تعول إلى تسعة عشر.
وأمّا الأربعة والعشرون، فقد قال الجمهور منتهى عولها سبعةٌ وعشرون.
وقال عبد الله بن مسعود: إنها قد تعول إلى أحدٍ وثلاثين. وألْجأه إلى ذلك أنه كان يحجب الأم إلى السدس، والزوجَ إلى الربع، والزوجة إلى الثمن بمن لا يرث: من كافرٍ، أو قاتل، أو مملوكٍ.
واختلفت الرواية عنه في حجب الإسقاط بهؤلاء، فروي أنه كان يحجب بهم الإخوةَ، والأخوات من الأم، وروي أنه كان يحجب بهم حجب النقصان، ولم يحجب بهم حجبَ الإسقاط.
ولم تختلف الرواية عنه في أن الأب الكافرَ لا يحجب الجدَّ، وإنما اختلفت الرواية عنه في حجب الفروع بالأصول.
ثم قال الفرضيون: متى عالت المسألة من ستة إلى عشرة وإلى تسعة وإلى ثمانية وإلى سبعة (1)، كان الميت فيها امرأة، لا محالة.
__________
(1) في الأصل: من ستة إلى عشرة، إلى سبعة، وإلى ثمانية. وفي باقي النسخ: من ستة إلى عشرة، وإلى تسعة، وإلى ثمانية. والمثبت تصرف من المحقق، حيث جمع بين السبعة والتسعة، وقد فرقت بينهما النسخ. مع أنهما في معنىً واحد.

(9/143)


وإذا عالت اثنا عشر إلى سبعة عشر، كان الميت رجلاً لا محالة، ومتى عالت إلى خمسةَ عشرَ، أو إلى ثلاثة عشر، فربما كان الميت رجلاً، وربما كان امرأة.
والأربعةُ والعشرون، فلا بدّ وأن يكون الميت فيه رجلاً لمكان الثمن، عالت، أو لم تعل.
6342 - مسائل الباب:
زوج، وأختان لأبٍ.
في قول أصحاب العول: للزوج النصف، وللأختين الثلثان، والفرضان
عائلان. أصلها من ستة، وتعول إلى سبعة.
وعلى قول ابن عباس: للزوج النصف، والباقي للأختين. أصلها من اثنين، وتصح من أربعة.
زوج، وأخت لأب وأم، وأخت لأب.
للزوج النصف عائلاً، وللأخت من الأب والأم النصفُ، وللأخت من الأب السدسُ: تكملةَ الثلثين، والنقص داخلٌ على الفرائض. المسألة من ستة، وتعول إلى سبعة.
وعلى قول ابن عباس: للزوج النصف، وكذلك للأخت من الأب والأم، وتسقط الأخت من الأب.
أم، وأختان لأم، وأختان لأبٍ وأمٍ.
في قول علي وزيد وابن مسعود، ومن تبعهم: للأم السدس، وللأختين من الأم الثلثُ، وللأختين من الأب والأم الثلثان. أصلها من ستة، وتعول إلى سبعة.

(9/144)


وفي قول معاذ بن جبل: للأم الثلث، ولولدي الأب والأم الثلثان، ولولدي الأم الثلث. المسألة عنده من ثلاثة، وتعول إلى أربعة. فإنه لا يرى الحجب بالأخوات، وإن كثرن، ما لم يكن فيهن ذكر.
وفي قول ابن عباسٍ: للأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، والباقي للأختين من الأب والأم، أصلها من ستة، وتصح من اثني عشر.
زوج، وأم، وأختان لأبٍ وأمٍ.
في قول علي، وزيد، وابن مسعود: تعول من ستة إلى ثمانية.
وفي قول معاذ تعول إلى تسعة.
وفي قول ابن عباس: للأم الثلث، وللزوج النصف، والباقي للأختين.
زوج، وأم، وثلاث أخوات مفترقات.
في قول علي وزيد وابن مسعود تعول من ستة إلى تسعة.
وفي قول معاذ: تعول إلى عشرة.
وفي قول ابن عباس: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخت من الأم السدس وفي الباقي عنه روايتان: إحداهما - أنه للأخت من الأب والأم خاصة.
والثانية - أن الباقي بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، على
أربعة أسهم: ثلاثة منها للأخت من الأب والأم، وواحدٌ للأخت من الأب.
زوج، وأم، وأختان لأب، وأختان لأم، في قول علي، وزيد، وابن مسعود: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأختين من الأب الثلثان، وللأختين من الأم الثلث. المسألة من ستة، وتعول إلى عشرة.
وفي قول معاذ: للأم الثلث، فتعول إلى أحد عشرة.
فهذه الأمثلة في عول الستة. وليس في الأصول أكثر عولاً منها؛ فإنها تعول عند الجمهور بثلثيها وعند معاذ بخمسة أسداسها.

(9/145)


6343 - وأمّا أمثلة عول الاثني عشر، فمنها:
امرأة، وجدة، وأختان لأب وأم.
فللمرأة الربع، وللجدة السدس، وللأختين الثلثان. أصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر.
وفي قول ابن عباس: الباقي بعد الربع، والسدس، للأختين.
امرأة، وأم، وأختان لأب.
فعلى قول علي، وزيد، وابن مسعود: جوابها كالجواب في التي قبل هذه؛ لأن نصيب الأم كنصيب الجدة في تلك.
وفي قول معاذ: تعول إلى خمسة عشر؛ لأنه يفرض للأم فيها الثلث.
وفي قول ابن عباس: للمرأة الربع، وللأم الثلث، والباقي للأختين.
امرأة، وأختان لأم، وأختان لأبٍ.
في قول أهل العول تعُول المسألة من اثني عشر إلى خمسةَ عشرَ.
وفي قول ابن عباسٍ: للمرأة الربع، وللأختين من الأم الثلث، والباقي للأختين من الأب.
ولو كان فيهما بدل الأختين من الأب أخت لأب وأم، وأخت لأب، وباقي المسألة على حالها، فلا يخفى جواب من يُعيلُ. وفي الباقي روايتان عن ابن عباس: إحداهما - أن الباقي بعد الربع، والثلث، للأخت من الأب والأم، والرواية الثانية - أن الباقي بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، على أربعة أسهم. كما تكرّر.
امرأة، وأم، وأختان لأم، وأختان لأب:
في قول علي وزيد وابن مسعود: للمرأة الربع وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، وللأختين من الأب الثلثان، وتعول إلى سبعة عشر.

(9/146)


وفي قول معاذٍ: للأم الثلث، فتعول إلى تسعة عشر، وفي قول ابن عباس: للمرأة الربع، وللأم السدس، وللأختين من الأم الثلث، والباقي للأختين من الأب.
ولو فرضنا بدل الأختين من الأب أختاً من أب وأم، وأختاً من أب، لكان الجواب على ما مضى إلا أن الرواية تختلف عن ابن عباس فيما يبقى بين الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب، كما تكرر.
6344 - وأما أمثلة الأربعة والعشرين:
امرأة، وأبوان، وبنتان.
في قول أهل العول: للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، وللبنتين الثلثان.
أصل المسألة من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعةٍ وعشرين.
وكذلك لو كان بدل الأبوين فيها أب، وجدة.
وكذلك لو كان بدل الأبوين أم، وجدّ.
وكذلك لو كان بدل الابنتين بنتا ابن.
وفي قول ابن عباس: يكون الباقي بعد الثمن والسدسين للبنتين.
فإن كان بدلهما بنت وبنت ابن، لكان للبنت النصف كاملاً، والباقي لبنت الابن، وهو أقل من السدس.
وأما مثال العول إلى أحدٍ وثلاثين في قول ابن مسعود، فهو فريضة فيها.
امرأة، وأم، وأختان لأم، وأختان لأب وأم.
وولدٌ كافر، أو قاتل، أو رقيق. والتفريع على أن المحجوب بهذه الأسباب يحجب حجب النقصان، ولا يحجب حجب الإسقاط، فيحجب الابن المرأة من الربع إلى الثمن، ولا يحجب الأخوات، فإنه لا يحجب حجب الحرمان، على هذه الرواية التي عليها التفريع.

(9/147)


فللأم السدس: أربعة، وللزوجة الثمن؛ ثلاثة، وللأختين من الأم والأب الثلثان: ستة عشر، وللأختين من الأم الثلث: ثمانية فتبلغ المسألة إحدى وثلاثين.
وقد نجزتْ مسائل العول. وقواعده.
***

(9/148)


باب ميراث المرتد
6345 - لم يختلفوا في أن المرتد لا يرثُ المسلمَ، والخلافُ في أن المسلمَ هل يرثُه؟ فمذهب الشافعي أن المسلمَ لا يرثه، ولا فرق بين ما اكتسبه في الإسلام، وبين ما اكتسبه في الردة.
وقال أبو حنيفة (1): يرثه المسلم ما اكتسبه في الإسلام، ولا يرثه ما اكتسبه في الردة، وعبر عما اكتسبه في الإسلام بالتليد، وعما اكتسبه في الردة بالطريف.
وفي العلماء (2) من قال: يرثه التليدَ والطريفَ جميعاً.
والكفار عندنا يتوارثون، وإن اختلفت مللهم، واختلف قول الشافعي في أن الذمي هل يرث الحربيَّ؟ والحربيُّ هل يرث الذميّ؟ فأحد القولين - أنهما يتوارثان؛ لأن الكفر يجمعهما، والثاني - لا يتوارثان لانقطاع الموالاة بينهما.
والمرتد لا يرث مرتداً عندنا، كما لا يرث مسلماً.
__________
(1) ر. مختصر الطحاوي: 261، وشرح معاني الآثار: 3/ 268. وما أشار إليه إمامنا هو قول أبي حنيفة، وقد خالفه أبو يوسف ومحمد، فأثبتا الإرث في الكل.
(2) العلماء: منهم أبو يوسف ومحمد، كما أشرنا آنفاً، وكذا الأوزاعي، وإسحاق، والحسن البصري، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، وروي عن علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وهو رواية عن أحمد (ر. معالم السنن: 3/ 327، والمغني: 7/ 174).

(9/149)


والأصل المعتبر أن المرتد فيه عُلقةُ الإسلام، والأمر مغلّظٌ فيه. فإذا طالب المرتد ميراث مرتدٍ، قلنا: لا نورثك منه، كما لا نورثك من مسلم. وهذا كما أن المرتد لا ينكح مرتدة ابتداءً، وإن كانا متساويين في الردة. وسيأتي في كتاب المرتد [قولٌ: إن ولد المرتد من المرتدة مرتدٌّ، فكان لا يبعد على هذا أن نورث المرتدَّ من المرتد] (1).
والقول الظاهر أن ولد المرتد من المرتدة مسلم، فعلى هذا يتجه قطعُ ميراث المرتد عن المرتد.
وسنذكر في كتاب الجراح [قولاً أنّ] (2) المرتد يستوجب القصاص بقتل المرتد، وهذا يتضمن الحُكم بتساويهما. ولا يدفع ما ذكرناه من الاحتمال قولُ القائل: مال المرتد مستحَقٌّ بجهة الفيء، فإن ذاك الاستحقاق إنما يسلّم إذا لم توجد جهةٌ خاصة في الوراثة.
نعم، إن قلنا: ملكُ المرتد يزول بالردّة إلى أهل الفيء، وإذا مات مرتداً نتبيّن أن ملكه زال إلى أهل الفيء من وقت ردّته، فلا وجه للتوريث منه؛ فإن ملكه زال قبل الموت [تحقُّقاً، وتبيُّناً] (3) فأمّا إذا قلنا: يزول ملكه (4) بالموت، ففيه التردد الذي ذكرته.
والذي رأيته للأصحاب أن المرتدَّيْن لا يتوارثان.
6346 - ثم أجرى الشافعي في الاحتجاج على أبي حنيفة كلاماً، وقال: المرتد لا يرث المسلم، فلا يرثه المسلم. وهذا قد يرد عليه في القرابات
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(2) في الأصل: " قولان ". وهو تحريف ظاهر.
(3) في الأصل: تحقيقاً أو تبيناً.
(4) (ت 2): لا يزول بالموت.

(9/150)


مسائلُ، منها: ابن الأخ مع العمة، فإنه يرثها، ولا ترثه، ولكن إذا قُرّر طريانُ الردة، واعتراضُه وأبينَ أن اختلاف المسلم والمرتد في الدّين الحق والباطل أمرٌ شملهما على قضيةٍ واحدة، فإذا تضمن قطعَ الميراث من جانب، وجب أن يتضمن قطعَه من الجانب الثاني، فهذا يتقرّر. ويخرّجُ عليه. انقطاعُ ميراث المبتوتة في مرض الموت (1)؛ فإن الزوج لا يرثها لو ماتت، فلا ترثه؛ فإن البينونة شملتهما.
6347 - ولما أشار الشافعي (2) إلى هذا الكلام ولم يحرره، تعلق [المزني (3) به فيمن] بعضه حرّ وبعضه عبد، ومذهبه أنه يرث ويورث، والكلام في توريثه والتوريث منه عند الفرضيين قطبٌ من أقطاب هذا العلم. فلو أردت الاقتصارَ على مذهب الشافعي، لاكتفيت بما تقدَّم، فإني أوضحت من أصله أنه لا يرث، وهل يورث؟ فعلى قولين. ثم فرعت على القولين بما فيه بيان كافٍ، ولكن لستُ أوثر أن أخلي هذا المجموع عن ذكر هذا الأصل على مذهب الغير، مع أنه من الأركان، ونحن نعقد في ذلك باباً نوضح فيه مذهبَ من يقول بتوريث من بعضه حر وبعضه عبد، ونجعل مضمون الباب في فصول تحوي الغرض، ونطرح المكررات وتكثيرَ المسائل.
__________
(1) ميراث المبتوتة في مرض الموت: المراد بهذا أن أصل الشافعي: (أن الناس يرثون من حيث يورثون) فإذا قلنا: المرتدّ لا يرث، فينبني عليه أنه لا يورث، وعلى هذا أيضاً أن من طلق زوجته في مرض الموت، وبت طلاقها، فلا ترثه (بحجة أنه طلقها فراراً من ميراثها إياه) حيث الإجماع على أنه لا يرثها. وقد روي عن الشافعي قولان، وقياس أصله أنها لا ترثه. (ر. المختصر: 3/ 150 - 151).
(2) حكى المزني في المختصر، هذا الذي أشار إليه الشافعي، فقال: " قد زعم الشافعي أن نصف العبد إذا كان حرّاً يرثه أبوه إذا مات، ولا يرث هذا النصفُ من أبيه إذا مات أبوه، فلم يورّثه من حيث ورّث منه. والقياس على قوله: أنه يرث من حيث يورث. (ر. المختصر: 3/ 150).
(3) في الأصل: المرتد به في.

(9/151)


القول فيمن بعضه حر وبعضه مملوك
6348 - وهذا موضوعٌ على من يسلِّم تبعُّضَ الرق والحرية؛ فإن في العلماء من يكمل الحرية في كل صورة، فإذا صورنا شخصاً بعضه رقيق، وبعضه حر، فمذهب زيد: أنه لا يرث ولا يورث. وافقه الشافعي في أنه لا يرث، وردَّد قوله في أنه هل يورث كما تقدم (1) شرحه.
وقال عليٌّ بن أبى طالب: إنه يرث ويورث، وبه قال الشعبي، وعطاء والمزني، وأبو ثور.
واختلفت الرواية عن ابن مسعود، فروي عنه مثلُ قول علي، وروي عنه مثل قول زيد.
وغرضنا الآن تفريع مذهب علي في توريثه. وقد اختلف العلماء في قياس مذهبه، ونحن نذكر أصناف الورثة في فصولٍ، ونذكر الطرق في كل فصلٍ، إن شاء الله عزوجل.
فصل
في ميراث البنات اللائي بعضهن حر
6349 - إذا مات الرجل، وخلّف بنتاً نصفُها حر، أو ثلثها، أو ربعها، فلا اضطراب، ولا إشكال في مذهب علي إذا كانت البنت واحدة، فنقول: لو كانت حرة كاملة، لأخذت نصفَ المال، فإذا كان نصفها حراً، تأخذ نصف النصف، وإن كان ربعها حراً، فلها ربع النصف، وكذلك القول في جميع الأجزاء.
فإن ترك بنتين نصفُ كل واحدةٍ منهما حر، فقد اختلف الفرضيون في قياس
__________
(1) كما تقدم شرحه: المراد شرح توريث من بعضه حر، وبعضه عبد، وقد سبق في باب (من لا يرث).

(9/152)


قول علي، فقال أبو يوسف، ومحمد، واللؤلؤي (1)، وابن أبي ليلى، ويحيى ابن آدم: قياس قوله: أن يجمع ما فيهما من الحرية، فتكون حريةَ بنت كاملة الحرية، فنقول: لهما بذلك النصف، وهو بينهما، لكل واحدة منهما الربع.
وهذه الطريقة ليست مرضية عند الفرضيين.
وقال سفيان الثوري: قياس قوله أن يقسم المال بينهما وبين العصبة، على تقدير كمال الحرية، فتصيب كلُّ واحدةٍ منهما ثلثَ المال لو كانتا حرتين، فنقول بعد هذا التقدير: لكل واحدة من الثلث بقدر حريتها، وهو نصف الثلث، فلكل واحدة السدس إذاً، والباقي مصروف إلى العصبات.
وعبّر البصريون عن هذا المذهب بعينه بعبارة أخرى، تؤدي إليه، فقالوا: ننظر إلى جزء الحرية، ونأخذ مثلَ ذلك الجزء من المال، فيقسم بينهما وبين العصبة على ثلاثة: الثلثان لهما، والباقي من النصف مع النصف الآخر للعصبة، وجزء الحرية النصف، فينقسم على النسبة التي ذكرناها: النصفُ، ثم يضم الفاضل من النصف إلى النصف الباقي، ونسلمه إلى العصبة.
وهذا وإن كان غيرَ مذهب سفيان، فهذا يؤدي إليه بالحساب، ومذهب سفيان مشتمل على الفتوى. وطريقة سفيان عند الفرضيين مرضية، وسنبيّن أثرَهَا.
6350 - صورة أخرى:
أربع بنات نصف كل واحدة حر
فعلى طريقة أبي يوسف، ومحمد، ومن تبعهما: نجمع أجزاء الحرية فتكون حرية بنتين كاملتين، فلهن الثلثان، والباقي للعصبة.
__________
(1) اللؤلؤي، الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، أبو علي، قاضٍ، فقيه من أصحاب أبي حنيفة، له كتب منها: الفرائض، والوصايا، والنفقات، والخراج ت 204 هـ (الأنساب للسمعاني، وأعلام الزركلي).

(9/153)


وهذا فيه خبطٌ؛ من جهة أنهن لو كن حرائر، لما ورثن أكثر من الثلثين، فإذاً الرق لم ينقصهن شيئاً، وقد يتجه لهم أن يقولوا: الثلثان يكملان لبنتين حرتين، ثم لا يزيد بزيادتهن، فلو كن أربع حرائر، فلا حاجة إلى عدّتهن لاستحقاق الثلثين.
وأما على طريقة سفيان، فنقول: لو كن حرائر، لكان لهن الثلثان، لكل واحدة منهن السدس. فنقول: لكل واحدة السدس لو كانت حرة، فإذا كان النصف منهما رقيقاً، نقصها الرقُّ نصفَ ما كانت تستحق لو كانت حرة، فلهن إذاً ثلثُ المال، لكل واحدةٍ منهن نصفُ السدس، والباقي للعصبة.
وعبر البصريون فقالوا: جزء الحرية نصفٌ، فنقسم النصف بينهن وبين العصبة، ثلثين وثلثاً، فلهن ثلثا النصف، وهو ثلث المال، وباقي النصف مع النصف الآخر مصروفٌ إلى العصبات.
6351 - صورة أخرى:
ثلاث بناتٍ ثلثُ كل واحدة حرّ.
فعلى طريق أبي يوسف ومحمد: نجمع الحريةَ فتكون حريةً كاملة (1)، لهن بذلك النصف، لكل واحدة ثلث النصف.
وعلى طريقة سفيان لو كن حرائر، لكان لهن الثلثان، وإذا قسمنا على ثلاثة، تقع القسمة بالأتْساع لكل واحدة منهن تسعان لو كانت حرة، فلكل واحدة منهن ثلث التسعَين، والباقي للعصبة.
والبصريون يقولون: جزء الحرية ثلث، فنأخذ ثلث المال ونقسمه بينهن وبين العصبة على تسعة، لهن ثلثاها، وهو ستة أسهم، والباقي من الثلث مع ثلثي المال للعصبة. وهذا مذهب سفيان.
__________
(1) المراد حرية بنت كاملة.

(9/154)


6352 - صورة أخرى
بنتان نصف إحداهما، وثلث الأخرى حر.
فعلى طريقة أبي يوسف، ومحمد: نجمع حريتَهما فتبلغ خمسة أسداس حرية، لهما بذلك خمسة أسداس النصف، يقسمانها على نسبة الحريتين.
6353 - وعلى طريقة سفيان دقيقةٌ لا بد من التنبه لها، وهي حسنةٌ مستقيمة.
فإن استويا في ثلث الحرية، فلكل منهما من هذا الحساب ثلث الثلث، وهو التّسع. ثم التي نصفها حر لها زيادة حرّية وراء الثلث، وهو السدس، فلها سدس النصف.
والذي يجب مراعاته في ذلك أنا لا ننسبها في حصة هذه الزيادة إلى صاحبتها؛ إذْ لَوْ نسبناها إلى صاحبتها، لقلنا: للتي نصفها حر في أصل الوضع نصف الثلث، ولا سبيل إلى ذلك؛ فإن التثنية تتحقق في الجزء الذي استويا فيه، ففي ذلك [يعتبر] (1) حساب التثنية، فإذا انفردت بجزء اعتبر في ذلك الجزء حسابُ الانفراد، وهو النصف، فيجتمع لها من حساب التثنية والانفراد ما ذكرنا.
وعبّر البصريون فقالوا: نقسم ثلثَ المال بينهما، وبين العصبة على ثلاثة، لاستوائهما في ثلث الحرية، فيكون لكل واحدةٍ منهما ثلث الثلث، وهو التسع، ثم نأخذ سدس المال لأجل السدس الزائد في حرية إحداهما فيقسم بين التي نصفها حر وبين العصبة نصفين؛ فيحصل لها نصف سدس المال ضماً إلى التسع، وهو سدس النصف.
6354 - صورة أخرى:
بنت نصفها حر، وأخرى ثلثها حر، وثالثة ربعها حر.
فعلى قول أبي يوسف، ومحمد: نجمع أجزاء الحرية فتكون حرية ونصف
__________
(1) في الأصل: بغير.

(9/155)


سدس حرية، فلهن بالحرية الكاملة نصف المال، وبنصف السدس الزائد نصف سدس السدس؛ فإن هذا يعتبر من حساب العدد، فيجمع ذلك إلى النصف، فيكون سبعة وثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من المال، وهذا يقسم على ثلاثةَ عشرَ [للتي] (1) نصفها حر ستة، وللتي ثلثها حر أربعة، وللتي ربعها حرّ ثلاثة، والباقي للعصبة.
وعلى طريقة سفيان قد استوين في ربع الحريّة، فلكل واحدة منهنّ ربع التسعَيْن، ثم نُخرج التي ربعها حر، فلا حساب معها.
ثم التي ثلثها حر والتي نصفها حر اشتراك (2) في نصف سدس، فلكل واحدة منهما نصف سدس الثلث، وحسابهما من اثنين، فنخرج التي ثلثها حر، ثم يكون للتي نصفها حرّ سدس النصف، وما بقي للعصبة.
قال البصريون: يؤخذ ربع المال، فيقسم بينهن وبين العصبة على تسعة، لهن ستة، ثم يؤخذ نصف سدس المال، فيقسم بين التي نصفها حر، وبين التي ثلثها حر، وبين العصبة على ثلاثة: لهما سهمان منها، ثم يؤخذ سدسُ المال، فيقسم بين التي نصفها حر وبين العصبة نصفين.
فصل
في ميراث البنين
6355 - اثنان نصف كل واحد منهما حُرّ، فعلى قياس أبي يوسف ومحمد: المال بينهما نصفين؛ لأنه قد اجتمع فيهما حريةُ ابنٍ كامل، ويلزم على طريقتهم ألا يكون للرق أثر، وجوابه ما ذكرناه في الباب الأول.
__________
(1) في الأصل: إلى.
(2) كذا. وهي سائغة، والمعنى واضح.

(9/156)


وعلى طريقة سفيان نقدِّر قسمةَ المال بينهما نصفين، ثم نسترد من كل واحدٍ منهما نصفَ حصته، ونسلّمُهُ إلى العصبة.
صورةٌ أخرى:
ابنان ثلث كل واحدٍ منهما حرّ
على قياس من جَمَعَ الحريةَ: لكل واحدٍ منهما ثلث المال.
وعلى قياس سفيان لكل واحد منهما ثلث النصف.
وعبارة البصريين تؤدي أبداً إلى مذهب سفيان.
صورة أخرى:
ثلاثة بنين نصفُ كلِّ واحدٍ منهم حُرّ
فعلى رواية من جمع الحرية: المال بينهم أثلاثاً.
وعلى رواية سفيان: لكل واحد منهم نصف الثلث، وهو السدس. وعلى هذا البابُ وقياسُه.
صورة أخرى:
ثلاثة بنين: نصف أحدهم، وثلث الثاني، وربع الثالث حرّ
فعلى قياس أبي يوسف ومحمد: لهم جميع المال، على ثلاثة عشر سهماً، لصاحب النصف ستة، ولصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة.
وعلى رواية سفيان: نقسم المال بينهم بالسويّة، فيصيب كل واحد منهم الثلث، فيأخذ كلُّ واحد منهم ربعَ الثلث، فإنهم اشتركوا في حرية الربع، وربع الثلث نصف سدس المال، ونخرج الذي ربعه حر، ثم نقسم المال بين الباقيين نصفين: فيأخذ كل واحد منهما نصف سدس النصف، وهو ربع السدس، ونخرج صاحب الثلث. ثم يأخذ صاحب النصف سدس المال، فيحصل لصاحب الربع نصف سدس المال، ولصاحب الثلث ثمن المال، ولصاحب

(9/157)


النصف سدس المال، وثمنه. والباقي للعصبة.
وعلى عبارة البصريين: نقسم ربع المال بينهم أثلاثاً، ثم نقسم نصف سدس المال بين الآخرين نصفين، ثم يكون لصاحب النصف سدس المال.
فصل
في ميراث البنين والبنات إذا تبعضت الحرية فيهما
6356 - فنقول:
ابن وبنت، نصف كل واحد منهما حر
على رواية أبي يوسف ومحمد: نضم نصفَ حرية البنت إلى حرية الابن، وإنما يفعلون ذلك، لأن بنتين بابن، فنجعل ثلاثة أرباع حرية، فلهم بذلك ثلاثة أرباع المال، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6357 - وانفرد عنهما يحى بن آدم في هذا الباب بمذهبٍ آخر، فقال: معنا نصف حرية ابن، ونصف حرية بنت، وحرية الابن لو كانت كاملةً مع رق البنت، لتعلق بها استحقاق جميع المال، ومع حريتها يتعلق بها (1) استحقاق ثلثي المال، فحرية البنت تحجبه عن ثلث المال، فنصف حريتها يحجبه عن نصف الثلث، وهو السدس، فللابن على هذا التقدير خمسة أسداس المال لو كان حراً كاملاً، والبنت نصفها حر.
فإذا كان نصف الابن حراً، فله نصف ذلك وهو ربعٌ وسدسٌ.
ثم قال: البنت تستحق بحريتها الكاملة مع كمال رق الابن نصفَ المال، وتستحق مع حريته ثلثَ المال، فحرية الابن تحجبها عن سدس المال، فنصف حريته يَحجبها عن نصف السدس، فيبقى لها ثلث، ونصف سدس، لو كانت
__________
(1) بها: أي بحرية الابن.

(9/158)


حرة، والابن مبعَّضاً. فإذا كان نصفها حراً، كان لها نصف ذلك، وهو سدس، وربع سدس.
6358 - وحكى عنه الفرضيون عبارةً أخرى تؤدي إلى هذا المذهب، وهي أنه قال: نقسم حرية الابن على حرية البنت ورقها، فما أصاب [رقُّها من حريته، ورث به من جميع المال بقسطه، وما أصاب حريتُها] (1) من حريته ورث به بقسطه من ثلثي المال؛ لأنه يرث مع رقها جميع المال، ومع حريتها ثلثي المال.
فإذا قسمنا على هذا الاعتبار حريةَ الابن على رق البنت وحريتها، أصاب حريةُ البنت ربع حرية الابن، فله بذلك ربع الثلثين وهو السدس. وأصابَ رقُّ البنت ربعَ حرية الابن، فله بذلك ربعُ (2) جميع المال، فيحصل له ربع وسدس.
وكذلك البنت ترث مع حرية الابن ثلثَ المال، ومع رقِّه نصفَ المال، فنقسم حريتها على حرّية الابن ورقِّه، فتصيب حريتُه ربعَ حريتها، لها بذلك ربع الثلث، ونصفُ رقه ربعُ حريتها، لها بذلك ربعُ النصف، وجملتها: سدس وربع سدس، وهو ربع النصف، وربع الثلث، وربع النصف ثُمُن الكل، فيخرج ذلك من أربعة وعشرين، فثمنه ثلاثة، ونصف سدسه اثنان: الجملة خمسة، والخمسة سدس، وهو أربعة، وربع سدس، وهو واحد. فقد أدّت هذه العبارة إلى ما أدى إليه الاعتبار الأول.
واستحسن الحُسَّاب هذه العبارة الثانية من يحيى.
6359 - فأما سفيان؛ فإنه يقسّم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين: للابن الثلثان، وللبنت الثلث، ثم نقول يأخذ كل واحد منهما نصفَ ما أصابه، فيكون
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(2) عبارة (د 1): فله بذلك ربع السدس، وكذلك البنت ...
وعبارة (ت 3): فله بذلك ربع جميع المال، فيحصل له ربع السدس.

(9/159)


ثلث المال للابن، والسدس للبنت والباقي للعصبة.
وعلى عبارة البصريين يقسم نصف المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فيؤدّي إلى مذهب سفيان.
فصل
في ميراث البنات وبنات الابن اللائي بعضهن حُرُّ
6360 - هذا الفصل تقطعت فيه مذاهب العلماء كما نصفه في المثال:
بنت وبنت ابن نصف كل واحدة منهما حُرّ
قال أبو يوسف: يدفع إلى البنت الربع، ويقال لبنت الابن: لو كانت بنت الصلب مملوكة، وأنت حرة، لكان لك النصف، ولو كنتما حرتين، لكان لك السدس، فحريتها تحجبك عن الثلث، فنصف حريتها يحجبك عن نصف الثلث، فيحصل لك الثلث: السدس باعتبار كمال حرية البنت، والسدس الآخر باعتبار حرية نصفها. ثم أنت في نفسك مبعَّضة: نصفك حُر، ونصفك رقيق، فلك مما [تجمع] (1) نصفه، وهو السدس. [فيخرج من هذا] (2) الاعتبار أن للبنت الربع، ولبنت الابن السدس، لأن البنت أخذت بحساب انفرادها؛ فإن للبنت الواحدة النصف، سواء كان معها بنت الابن، أو لم يكن. وبنت الابن أخذت بحسابين أحدهما بحساب الانفراد، ولها فيه النصف، والآخر بحساب الاجتماع مع بنت الصلب، فخرج من الاعتبارين السدس.
6361 - وقال محمد بن الحسن في قياسه: تضافُ حرية بنت الابن إلى حرية بنت الصلب، فيحصل في المسألة بنتٌ كاملة، فيكون لهما النصف بينهما
__________
(1) في الأصل: يخرج.
(2) عبارة الأصل: فيخرج منه أن ...

(9/160)


بالسوية، لكل واحدة منهما الربع، فأدى اعتباره إلى التسوية بين بنت الصلب، وبنت الابن، والسبب فيه أن بنت الابن تقول لبنت الصلب: ليس لك إلا الربع، فخذي ربعَك، واتركيني مع العصبة، ولي لو انفردت مع العصبة النصف، كما لك لو انفردت النصف. فآخذ بعد نصيبك بحساب الانفراد.
وإذا قيل لمحمّد بن الحسن: قد أبطلت أثر حجب بنت الصلب لبنت الابن [قال: لو كانتا حرتين، لقيل: الثلثان بينهما لبنت الصلب النصف منها، فكانت بنت الابن] (1) مزحومة في بعض نصيبها لو انفردت ببنت الصلب، والآن هي تقول: ليس لكِ لو انفردت إلا الربع، وقد أخذتِ الربعَ، فلا زحمة بيني وبينك، فآخذ بحساب الانفراد كما أخذتِ.
فهذا مذهب محمد.
وذكر بعض الكوفيين أن قياس محمد أن نأخذ النصف ونقسمه بين البنت وبنت الابن على أربعة: ثلاثة أرباعها لبنت الصلب، وربعها لبنت الابن على نسبه قسمة الثلثين بينهما لو كانتا حرتين.
6362 - وأما يحيى بن آدم، فإنه وقع في مذهب أبي يوسف، فإن ما ذكرناه من اعتبار أبي يوسف، هو بعينه اعتبارُ يحيى في الفصل الذي قبل هذا، وهو النوع الذي سمّاه الفرضيون المخاطبةَ والدعوى.
6363 - وأما سفيان، فإنه يقسم المال بينهما وبين العصبة على تقدير كمال الحرية، فللبنت النصف، ولبنت الابن السُّدُسُ، ثم تردُّ كلُّ واحدة نصفَ حصتها لو كانت حرة: فلبنت الصلب الربع، ولبنت الابن نصفُ السدس.
وإذا ضمت حصتها إلى حصة البنت، فالحصتان ثلث المال، وهو مقسوم
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(9/161)


بين البنت وبنت الابن على نسبة الأرباع: سدس ونصف سُدسٍ، لبنت الصلب وهو ربع. ونصف سدس لبنت الابن.
فهذا بيان المذاهب في هذا الصنف، والمثال الذي ذكرناه كافٍ في غيره من الأمثلة.
فصل
في ميراث البنين وبني البنين مع تبعّض الرق والحرية
6364 - وخاصّية هذا الفصل أن الابن لو كان حراً، حجب ابنَ الابن حَجْب حرمان، لا حجبَ نقصان، فإذا تبعَّضت الحريةُ والرق، فنذكر مثالاً، فنقول:
ابنٌ نصفه حر، وابن ابن ثلثاهُ حر
قال أبو يوسف: نبدأ بالابن الأعلى، فندفع إليه ما يستحقه لو انفرد، فإن ابن الابن لا يُزاحمه، فنسلِّم له نصفَ المال، ونقول: لابن الابن الثلث؛ فإن الابن الأعلى يحجبه عن الجميع، بكمال الحرية لو كانا حرَّين، فيحجبه عن النصف بنصف الحرّية، فله من النصف ثلثاه؛ فإن ثلثيه حُرّ، وهو ثلث جميع المال.
6365 - وعلى رواية محمد بن الحسن: نضم حرية الأسفل إلى حرية الأعلى، فيحصل معنا حرية وسدس، فسدس الحرية ساقط لا حاجة إليه؛ فإنا نستوعبُ المالَ بحريةٍ، فالمال إذاً [بينهما] (1) نصفان، وتعليل ذلك أن الحجب الذي يقع بين الأشخاص يرجع حقيقةً إلى الزحمة: فلو كانا حرّين، فالابن الأعلى يزحَم بجميع المال، فيقدّمُ به، وينتج هذا سقوطَ ابن الابن. فإذا أخذ الابن الأعلى النصفَ، فقد سقطت منه زحمتُه؛ فإنه لا يستحق إلا هذا القدر لو
__________
(1) في الأصل: فيها.

(9/162)


انفرد. فيقول ابن الابن: اخرج أنت من [البين] (1)، واتركني مع العصبة، ولو انفردت معهم لأخذتُ النّصف، فإن قيل: ثلثاه حرّ؟ قلنا: نعم. ولكنا أبطلنا سدسَ الحرية في وضع المسألة.
6366 - وعلى طريقة سفيان: للابن الأعلى النصف، ثم بين الابن وابن الابن لو كانا حرين حجْبُ الحرمان، فإذا كان الابن يحجب ابن الابن، فنصفه يحجب نصفَه، فيسقط بهذا السبب أثر الحرية في نصف ابن الابن؛ فإن أثر الحرية في نصف الابن الأعلى يعارض النصف في الأسفل، فيسقط النصفُ بالنصفِ، ويبقى في الأسفل سدس الحرية، لا يعارضه حريةُ الأعلى، ففيه سدس حرية لا يعارضه حجبٌ، فله سدس المال بذلك السبب.
ولو كان في المسألة ابنُ صلب، وابن ابنٍ نصف كلِّ واحدٍ منهما حرٌّ، فللابن نصف المال، ويسقط ابن الابن على رأي سفيان؛ فإن الحرية بنصف الأعلى تعارض كمال الحرية في نصف الأسفل، فيسقط كما تسقط كل حرية لو كملت ابنَ الابن.
وإنّما فرضنا المال في ابن ابن ثلثاه حر، وابنٍ نصفه حُرّ، حتى لا يسقطَ ابنُ الابن على رأي سفيان.
فحاصل الأجوبة في المال الذي ذكرناه أن لابن الصلب النصف في كل مذهب، وفي ابن الابن ثلاثة أجوبة: أحدها - له النصف، والثاني - له الثلث، والثالث - له السدس.
__________
(1) في الأصل: البنين، وهو تحريف.
والبين من ألفاظ إمام الحرمين، في هذا الكتاب وفي غيره، وهو يستعمله -كما ترى- في معانٍ، لم أر لها ذكراً في المعاجم.

(9/163)


فصل
في ميراث البنت وابن الابن
6367 - فنقول:
بنتٌ، وابن ابن، نصف كل واحدٍ منهما حر
فأبو يوسف يرى أن يدفع إلى البنت بقدر حرّيتها، ثم نورث ابن الابن على المخاطبة والدعوى.
وقاعدته في ذلك أنه إذا اجتمع شخصان وتبعَّضت الحرية فيهما، وكان أحدهما لا يؤثر في الثاني، فالذي لا يتأثر منهما بالاجتماع والانفراد، فيعطَى بقدر حريته. والذي يتأثّر منهما بسبب صاحبه، فتكونُ حاله عند الانفراد على وجه، وعند المزاحمة على وجه، فحصَّته تبين بالمخاطبة والدعوى، عند أبي يوسف.
ومحمد: يبدأ بالبنت فيدفع إليها بقدر حريتها، كما ذكرنا، ويدفع إلى ابن الابن بقدر حرَّيته من جميع المال. فإن كان قدر ما فيه من الحرية يزيد على ما بقي من المال، دفع إليه ما بقي.
وسفيان يقسم المال بينهما على كمال الحرية فيهما، ثم يأخذ كلُّ واحد منهما ممّا أصابه بقدر حريته.
وبيان ذلك بالمثال، صوّرنا:
بنتاً، وابنَ ابن نصف كل واحد منهما حر
فعلى رواية أبي يوسف: للبنت الربع، ثم يقال لابن الابن: أنت تستحق مع رق البنت جميعَ المال، ومع حريتها النصف، فهي تحجبك عن نصف النصف، فيبقى لك ثلاثة أرباع المال، ولكن نصفك حر ونصفك عبدٌ، فلك نصف هذا

(9/164)


المبلغ وهو ثلاثة أثمان، ويدخل عليه نوعان من النقص: أحدهما - من رقّه، والآخر - من الحرية في بعض البنت.
وعلى رواية محمد: للبنت ربع المال، ولابن الابن نصف المال، والباقي للعصبة.
وعلى طريقة سفيان: يقسم المال بينهما على تقدير كمال الحرية نصفين، ثم يأخذ كلُّ واحدٍ مقدارَ حريته، وهو نصف النصف، فيخرج من ذلك أن النصف بينهما مقسوم نصفين، فلكل واحدٍ ربعُ جميع المال.
فصل
في ميراث البنين وبنات الابن
6368 - والمثال:
ابنٌ وبنت ابن نصف كل واحدٍ منهما حر
فعلى رواية أبي يوسف: للابن نصف المال، ثم يقال لبنت الابن: أنت تستحقين مع رقّ الابن نصف المال، ولا تستحقين مع حريته شيئاً، فهو يحجبك عن النصف، فنصفه يحجبك عن نصف النصف، فحصل لك الربع. ولكن نصفك رقيق، فلك بهذا السبب نصفُ الربع، وهو الثمن.
وعلى رواية محمد: للابن نصف المال، وحق بنت الابن في نصفٍ من الباقي لتبعض الرق والحرية، وهو الربع.
ثم الذي وجدناه في الكتاب (1) أن الابن بنصف حريته يحجبها عن نصف
__________
(1) الكتاب: لعله (الأصل) لمحمد بن الحسن، وقد وجدنا ابن المنذر (في الأوسط) يشير في أكثر من مسألة إلى (كتاب محمد بن الحسن) ثم نجدها في (الأصل)، انظر -مثلاً- (1/ 456) (3/ 219) (4/ 225). كما وجدنا في (المبسوط) للسرخسي مثل هذا =

(9/165)


الربع، فترجع إلى الثمن. وهذا يخالفُ قياسَ محمد.
والذي لا يجوز غيره أن يقال: لا يحجب الابن (1) بنتَ الابن؛ فإنه فاز بنصفه، ولا يثبت له إلا هذا، وإن لم يكن بنتُ ابن، فقياسه في المسائل المقدمة أن تستحق بنت الابن الربع من غير نقصان، وقد حكينا عنه: أنه إذا كان في المسألة ابنٌ وابنُ ابن نصف كل منهما حر: للابن النصف، ولابن الابن النصف. وهذا يقتضي لا محالة أن يكون للابن النصف، ولبنت الابن نصفُ النصف.
وأما سفيان، فإنه يقول: للابن النصف كما ذكرناه، وتسقط بنت الابن؛ فإنّ نصفها حر، فيسقط بالحرية في نصف الابن، فإن الكل إذا أَسقطَ الكلَّ أسقطَ النصفُ النصفَ.
فصل
في ميراث الإخوة والأخوات
6369 - أصل الباب أن الأخوات متى كنّ لأبٍ وأمٍّ، أو لأبٍ، فميراثهن كميراث البنات، وإذا تمحّض الإخوة ذكوراً من أب وأم، أو من أبٍ، فهم كالبنين.
وإذا كانوا ذكوراً وإناثاً من أبٍ وأم، أو من أبٍ، فهم كالبنين مع البنات.
والأخت من الأب والأم، مع الأخت من الأب، كالبنت وبنت الابن.
والأخ من الأب والأم مع الأخ من الأب، كابن الصلب مع ابن الابن.
والأخت من الأب والأم مع الأخ من الأب، كبنت الصلب مع ابن الابن.
__________
= (3/ 11). وفي نتائج الأفكار تكملة فتح القدير قال في (8/ 37): " وإطلاق محمد رحمه الله في الكتاب يدل عليه ... ".
(1) في (د 1)، (ت 3): ابن الابن.

(9/166)


والأخ من الأب والأم مع الأخت من الأب، كابن الصلب مع بنت الابن.
ولا يختلف القياس في ذلك كله.
6370 - ومقصود الفصل بعد هذا التنبيه الكلامُ في الإخوة من الأم، والأخوات من الأم، إذا تبعض الرقُّ والحريةُ فيهم.
فعلى رواية أبي يوسف ومحمد، ومن تابعهما: نجمع أجزاء الحرية، فإن بلغت حرّيةً كاملة، فلهم السدس بينهم على قدر أجزائهم.
وإن نقص عن حرّيةٍ، كان لهم بقدر ذلك من السدس.
وإن زاد على حريةٍ كاملة، فللحرية الكاملة سدس المال، ولما زاد عليها بقدره من السدس.
وعلى رواية سفيان يقسم المال بينهم، وبين العصبة على كمال الحرية، فما أصاب كلّ واحدٍ منهم أخذ بقدر حريته منه.
ومثاله:
أخ، وأخت من أم، نصف كل واحدٍ منهما حر
فمن جمع أجزاء الحرية، دفع إليهما سدسَ المال بينهما نصفين.
وعلى رواية سفيان: نقول: لو كانا حرّين، لكان لكل واحدٍ منهما السدس، فلكل واحد منهما نصف السدس.
وقد اتفقت الأجوبة في هذه المسألة.
فإن كانُوا ثلاثة نصف كل واحد منهم حر، فمن جمع أجزاء الحرية دفع إليهم سدساً، ونصفَ سدس.
وسفيان يقول: الثلث بينهم أثلاثاً، لكل واحد منهم التُّسع، فلكل واحدٍ نصف التسع بسبب تبعُّض الحرية فيهم.
فإن كانوا أربعة نصف كل واحد حر

(9/167)


فمن جمع أجزاء العتق، دفع إليهم الثلث، لكل واحدٍ منهم نصفُ السدس، والباقي للعصبة.
وعلى قول سفيان: لكل واحدٍ نصف نصف السدس، وهو ربع السدس، والباقي للعصبة؛ فإنه [يَفُضُّ]، (1) الثلثَ عليهم، فيخصُّ كلَّ واحد نصفُ سدس، ثم نسترد نصف حصته.
صورة أخرى: أخ من أم كُلّه حر، وآخر ثلثاه حر
فمن جمع أجزاء العتق، دفع إليهما سدساً وثلثي سدس، وقسمه بينهما على خمسة: للكامل ثلاثة، وللناقص سهمان.
وعلى طريقه سفيان: يأخذ كل واحد منهما ثلثي السدس؛ لأنهما اشتركا في هذا القدر من الحرية، ويخرج الناقص، ثم ياخذ الآخرُ ثلثَ السدس أيضاً. والباقي للعصبة.
فصل
في ميراث الأم مع الولد
6371 - والولد قد يكون عصبة، وقد يكون ذا سهمٍ، ونحن نضرب مثالين في الجنسين: أحدهما -
أم، وبنت، نصفُ كل واحد منهما حر.
فعلى رواية أبي يوسف للبنت ربع المال، ثم يقال للأم: أنت ترثين مع رقِّ البنت الثلث، ومع حريتها السدس، فحريتها الكاملة تحجبك عن السدس، فنصف حريتها يحجبك عن نصف السدس، ويحصل لك الربع (2) 2/ 12، ولكن نصفك حر، فلك بهذا السبب نصف الربع، وهو الثمن.
__________
(1) في الأصل: نقص.
(2) اجتمع لها الربع من نصف الثلث، ونصف السدس، هكذا (1/ 3 × 1/ 2) + (1/ 6 × 1/ 2) = 1/ 6 + 1/ 12 = 2/ 12 + 1/ 12 = 3/ 12 =1/ 4.

(9/168)


وهذا مذهب محمد أيضاً، (1 لأنه يقول: لها السدس مع حرية البنت، والثلث مع رق البنت، فتأخذ نصف الثلث، ونصف السدس، وهو ربعٌ، فلها نصف الربع 1).
وعلى طريقة سفيان: لو كملت حريتهما، لكان للبنت النصف، وللأم السدس، فلكل واحدةٍ منهما نصف ما كان يصيبها.
ومثال الجنس الثاني:
ابنٌ، وأم، نصف كل واحدٍ منهما حر
فعلى رواية أبي يوسف يقال للأم: أنت ترثين مع رق الابن الثلث، ومع حريته السدس، فهو يحجبك عن السدس فنصفه يحجبك عن نصف السدس، فيحصل لك الربع (2)، فلك نصف ذلك، وهو الثمن.
ثم يقال للابن: أنت ترث مع رقِّ الأم جميعَ المال، ومع حريتها خمسة أسداس المال، فهي تحجبك عن السدس فنصفها يحجبك عن نصف السدس، فيحصل لك خمسة أسداس المال، ونصف سدس، فإذا كان نصفك حراً، فلك نصف ذلك، وهو ثلثٌ وثمنٌ.
وعلى رواية محمد: للأم نصف نصف الثلث، ونصف نصف السدس، وذلك ثمن المال.
وللابن نصف المال كاملاً، والباقي للعصبة.
وعلى رواية سفيان: يقسم المال بينهما على ستة، فيكون للأم السدس، والباقي للابن، فيأخذ كل واحد منهما نصفَ ما أصابه، والباقي للعصبة.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من جميع النسخ عدا الأصل.
(2) حصل لها الربع -مثل الحالة الأولى- من نصف الثلث، ونصف السدس.

(9/169)


فصل
في ميراث الأب مع الابن
على رواية أبي يوسف.
يورّث كل واحدٍ منهما على المخاطبة والدّعوى.
ومذهب محمد في الأب يأتي في التفصيل. [ويختلفان في العبارة] (1).
المثال:
أب، وابن، نصف كل واحدٍ منهما حر.
فعلى رواية أبي يوسف: يقال للأب: أنت ترث مع رق الابن جميعَ المال، ومع حريته السدس، فحريته تحجبك عن خمسة أسداس المال، فنصفها يحجبك عن نصفه، فيحصل لك ثلث، وربع (2). فإذا كان نصفك حراً، وجب لك نصف ذلك وهو سدس وثمن.
ثم يقال للابن: أنت ترث مع رق الأب جميع المال، ومع حريته خمسةَ أسداس المال، فهو يحجبك عن السدس، فنصفه يحجبك عن نصف السدس، فيحصل لك خمسة أسداس، ونصف سدس، فإذا كان نصفك حراً، وجب لك نصف ذلك، وهو ثلث وثمن.
وأمّا محمد؛ فإنه يقول: الأب عصبة إذا انفرد، والابن عصبة؛ فتضاف حرية الأب إلى حرية الابن، فيحصل ابن كامل، فيكون المال بينهما نصفين.
ولو كان ثلثا الابن حراً، فضممنا الحرية، فيحصل ابن وسدس، فيستحقان جميع المال. للابن ثلثاه، والباقي للأب.
__________
(1) زيادة من النسخ الثلاث غير الأصل.
(2) حصل له الثلث والربع؛ لأن نصف حرية الابن حجبته عن نصف الخمسة أسداس، فكأنه
حصل على 1/ 6 + نصف الـ 5/ 6، أي 1/ 6 + 5/ 12 = 2/ 12 + 5/ 12 = 7/ 12 = 14/ 24 أي 8/ 24، 6/ 24 أي 1/ 3، 1/ 4.

(9/170)


ثم قال: لو كان ثلثا الأب حراً، ونصف الابن حرّاً، فيكون لهما المال: للابن النصف، وللأب النصف. ولا نجعل لزيادة الحرية في الأب أثراً.
ولعله راعى فيه قوة عصوبة الابن.
وعلى الجملة ليس لقوله في هذا الباب ثَبَتٌ. إلا أن يقال: ليس من مذهبه الحجب إذا كان الوارثان عصبتين، وإن كان أحدهما يحجب الثاني عند كمال الحرية، كما ذكرناه في الابن، وابن الابن.
ثم إذا كانت حرية الأب أكثر، لم نبالِ بها، لاستحالة أن يتقدم الأبُ في العصوبة على الابن. فصرف إلى الابن النصف -وإن كان ثلثا الأب حراً- ثم صَرَف الباقي إلى الأب. فهذا منهاجه.
وعلى قول سفيان: المال بينهما على كمال الحرية للأب السدس، والباقي للابن، فلكل واحد منهما نصف ما أصابه.
فصل
في ميراث الأبوين مع الولد
6372 - من أحاط بما مهدناه من الأصول في ميراث أحد الوالدين مع الولد، هان عليه مُدرك القياس في اجتماعهما. فنقول:
أب نصفه حر، وأم ثلثها حر، وبنت ربعها حر
فعلى رواية أبي يوسف: للبنت ربع النصف، وهو الثمن. ثم يقال للأم: أنت ترثين مع حرية البنت السدس، ومع رقِّها الثلث، فهي تحجبكِ عن السدس، فربعها يحجبك عن ربع السدس، فالحاصل لكِ سدسٌ، وثمن. فإذا كان ثلثكِ حراً، وجب لكِ ثلثُ ذلك.
ثم يقال للأب: أنت ترث مع حرّيّة الأم والبنت ثلث المال، ومع رقِّهما جميع المال، فهما يحجبانك عن ثلثي المال أما البنت، فتحجبك عن نصف

(9/171)


المال، والأم تحجبك عن السدس، فإذا كان ربع البنت حراً، حجبتك عن ربع نصف المال، وإذا كان ثلث الأم حراً، حجبتك عن ثلث السدس، (1 فيحصل لك ما بقي من المال بعد أن ينقص منه ربع النصف، وثلث السدس 1).
فإذا عرفت ذلك، وكان نصفك حراً، وجب لك نصف ذلك.
وتصح القسمة من اثنين وسبعين سهماً، للأم سبعة، وللبنت منها تسعة، وللأب [تسعة وعشرون ونصف] (2)، والباقي للعصبة.
وعلى رواية محمّد للبنت ربع النصف.
وللأم عنده ما لها عند أبي يوسف، ولكنهما يختلفان في العبارة.
ويكون للأب عند محمد نصف المال كاملاً، والباقي للعصبة.
وعلى رواية سفيان يقسم المال بينهم على أنهم أحرار، فيكون للأب الثلث، وللأم السدس، وللبنت النصف، فيأخذ كل واحد ربعَ نصيبه وهو القدر الذي اشتركوا به في الحرية، فتأخذ البنت ربعَ النصف، والأم ربع السدس، والأب ربع الثلث، ثم نقسم نصف سدس المال بين الأم والأب على ثلاثة، ثم للأب بعد ذلك سدس جميع المال ضمّاً إلى ما تقدم.
6373 - ولأصل سفيانَ معتبر نرمز إليه هاهنا، ونحققه بعد ذلك: [فمن] (3) أصله أنه إذا كان في المسألة تقدير حجبٍ، لو كملت الحرية، فإذا كانت الحرية في الأجزاء، وشابه جزءُ حريةِ الحاجب جزءَ حرية المحجوب في المقدار، حصل الحجب به، فإذا كان الحجب كلياً، سقط من يسقط لو كملت الحرية في الحاجب والمحجوب.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من غير الأصل. أما (ت 2)، ففيها اضطراب وتكرار لا داعي
لتسويد الأوراق بذكره.
(2) في الأصل: ثمانية وعشرون.
(3) في الأصل: من.

(9/172)


وإن كان الحجب بعضاً واستوى جزءُ الحريتين في الحاجب والمحجوب، أخذ المحجوبُ من الفرض الأدنى بحصته من الحرية.
وإن كان المحجوب ذا فرضَيْن، كما ذكرناه، وكان جزء حرية المحجوب أكثرَ، فالقدر الذي يساوي فيه جزءُ الحاجبِ جزءَ المحجوب يعتبر فيه الفرضُ الأدنى، ويثبت بزيادة الحرية من الحساب الذي لا حجب فيه.
وهذه المسألة (1) فيها اختلافٌ في الحرية؛ فإن نصف الأب حرٌّ، وربع البنت حر، فجرى بين الثلث والربع ما ذكرناه، وانفرد الأب بسدس الحرية، فكان له بذلك السدس سدسُ جميع المال؛ ضمّاً إلى ما تجمع له.
وسنوضح هذا بعد ذلك.
فصل
في ميراث أحد الزوجين مع الولد
6374 - الولد يفرض أنثى، وذكراً. ونحن نضرب المثال أوّلاً في الأنثى، فنقول:
زوجة ثلاثة أرباعها حرة، وبنت نصفها حر
فللبنت الربع على قول الجميع.
وأمّا الزوجة، فيقال لها على رواية أبي يوسف: لك مع حرية البنت الثمن، ومع رقها الربع، فهي تحجبك عن الثمن، فنصفها يحجبك عن نصف الثمن، فيحصل لك ثمن، ونصف ثمن، فلك ثلاثة أرباع ذلك، وهي تسعة أجزاء من أربعة وستين جزءاً.
وهذا مذهب محمد في الزوجة كذلك.
__________
(1) المسألة: المراد بها المثال الذي كان موضع التفصيل آنفاً.

(9/173)


6375 - وعلى رواية سفيان يقسم بينهما وبين العصبة على ثمانية ثم يكون للبنت نصف النصف، وللزوجة نصف الثمن. ثم يكون للزوجة مع ذلك أيضاً ربع الربع وتصح القسمة من ستةَ عشرَ.
وتحقيق هذا أن البنت ساوت [الزوجة] (1) بنصف الحرية، فردّتها في هذا المقدار إلى اعتبار الثمن، وثبت للزوجة ربع آخر من الحرية، فأخذت بذلك الربع من حساب الفرض الأكمل. فهذا بابُه وقياسه.
وعلى مذهبه لو كان نصف الزوجة حرّاً، ونصف البنت حراً، فليس للزوجة إلا نصف الثمن، وصارت محجوبة عن الربع بالكلية. ولو كانت الزوجة حرّةً بكمالها، ومعها بنت نصفها حرٌ، فللبنت الربع، وقد ساوت الزّوجة في نصف الحرية، فتأخذ الزوجة من هذه الجهة نصف الثمن، وقد انفردت بنصف آخر في الحرية، فتأخذ نصف الربع، والمجموع ثمن ونصف ثمن.
ومذاهب العلماء متفقة في هذه الصورة وقياسهم فيها لائحٌ.
ولو كانت البنتُ حرةً بكمالها، وكان معها زوجة نصفها حر: للبنت النصف، وللزوجة نصف الثمن باتفاق علماء الباب.
6376 - صورةٌ أخرى:
زوجة ثلثاها حر، وابنٌ نصفه حر
فعلى رواية أبي يوسف يقال للزوجة: أنت ترثين مع حرية الابن الثمن، ومع رقه الربع، فهو يحجبك عن ثمن، فنصفه يحجبك عن نصف الثمن، فيحصل ثمنٌ ونصف ثمن، فلك ثلثا ذلك.
ويقال للابن: أنت ترث مع حرّية الزوجة سبعة أثمان المال، ومع رقِّها جميعَ
__________
(1) في الأصل: الزوجية.

(9/174)


المال، فهي تحجبك عن الثمن، وثلثاها يحجبك عن ثلثي الثمن، فتصير لك سبعة (1) أثمان المال، و [ثلث] (2) ثمنه، فلك نصف ذلك.
وعلى رواية محمد: للزوجة مثل ما ذكره أبو يوسف وبينهما اختلاف العبارة.
وللابن نصف جميع المال، والباقي للعصبة.
وعلى رواية سفيان: يقسم المال بينهم على ثمانية، ثم يأخذ كل واحدٍ منهما نصف ما أصابه، ثم للزوجة بعد ذلك سدسُ الربع، لمكان زيادة الحرية، فإن ثلثيها حر، فحريتها زائدة على حرية الابن بسدس، فتأخذ به من أكمل الفرضين، وهو سدس الربع.
ولو كان بدل الزوجة في هذه المسائل كلِّها زوجٌ، فهو مقيس عليها، غيرَ أن للزوج الربع، في محل ثمن الزوجة، والنصف في محل ربعها، وباقي القياس كما مضى.
فصل
في ميراث الزوجين مع الأبوين
6377 - فنقول:
زوجة، وأبوان نصف كل واحد منهم حر
فللزوجة الثمن، باتفاقهم، وهو نصف الربع؛ إذ ليس في المسألة من يحجبها، غيرَ أن نصفها رقيق، فسقط نصف الربع، وبقي نصفه، وهو الثمن الذي ذكرناه.
__________
(1) في غير نسخة الأصل: خمسة أسداس المال، ونصف سدسه.
(2) في الأصل: وثمن ثمن.

(9/175)


ثم أبو يوسف يقول للأم: أنت ترثين مع رق الزوجة في هذه المسألة الثلث الكامل، ومع حريتها الربع، وهو ثلث ما يبقى، فهي تحجبك [عن] (1) نصف السدس، فنصفها يحجبك عن نصف ذلك، فيحصل لك سدس وثمن، فلك نصف ذلك.
ويقال للأب: أنت ترث مع رقهما جميعاً جميعَ المال، ومع حريتهما نصفَ المال، فهما يحجبانك عن النصف، كل واحدةٍ عن الرّبع، فنصف كلّ واحدةٍ يحجبك عن نصفه، يبقى لك ثلاثة أرباع المال، فلك نصف ذلك لمكان الرق وهو ثلاثة أثمان المال.
وعلى رواية محمد: فرض الزوجة كفرضها على رواية أبي يوسف، ولا خلاف في فرضها عند علماء الباب.
وللأم عند محمد ما لها عند أبي يوسف، غيرَ أنه يخالفه في العبارة، فيقول: للأم نصفُ نصفِ الثلث، ونصف نصف الربع، وهذا هو الذي يسلم للأم على رأي أبي يوسف؛ فإن أبا يوسف قدّر للأم السدس والثمن، ثم أسقط نصفَ ذلك. ونصف السدس، والثمن هو نصفُ نصف الثلث، ونصف نصف الربع؛ فإن نصف الثلث سدس، ونصفُ نصفه نصف السدس، ونصف الربع ثمن، ونصف نصفه نصفُ الثمن.
وللأب (2) عند محمد نصف جميع المال.
وعلى رواية سفيان يقسم المال بينهم على أربعة: للزوجة الربع، وللأم ثلث ما يبقى، والباقي للأب. ثم يأخذ كل واحد نصفَ ما أصابه.
__________
(1) في الأصل: غير.
(2) (د 1)، (ت 3): الأم.

(9/176)


فصل
في ميراث الأم مع الإخوة والأخوات
6378 - والغرض منه القول في حرية الإخوة والأخوات، والنظرُ في حجب الأم من الثلث إلى السدس.
وقياس مذهب أبي يوسف، ومحمد ومن تابعهما في جمع الحرية في هذا الباب كقياسهم في أبواب البنات وغيرهن.
فنقول:
أخوان، وأم نصف كل واحدٍ منهم حر
فمن يجمع الحرية، يقول: نجمع نصفي الأخوين، فيكون بمثابة أخٍ، فلا يحجب الأم، فللأم بحساب الثلث نصفُه، وهو السدس.
وفي قول سفيان: للأم نصف السدس، فإنه يرى حجب نصفٍ بنصفين، كما يرى حجب شخص بشخصين.
ثم قال أبو يوسف: للأم نصف الثلث والباقي للأخوين.
وعبارة سفيان، بعد العلم بما ذكرناه من أصله: إن الفريضة تقسم من ستة: يقدر للأم السدس وللأخوين خمسة الأسداس، ثم تردُّ الأمُّ نصفَ السدس، وكلُّ أخٍ نصفَ ما أخذه، ويصرف إلى العصبة.
6379 - صورة أخرى:
ثلاثة إخوة، وأم، نصف كل واحد حرُّ
فالذين جمعوا الحرية، وجدوا في هذه المسألة أخاً ونصفاً، ثم لهم مذهبان في هذا الباب: منهم من يقول: لم تُحجب الأم من حساب الثلث إلى السدس

(9/177)


بنصفي أخوين في الصورة الأولى، ولكن دخلها النقص، من جهة رقها، فاستحقت السدس، وهو نصف الثلث.
وفي هذه المسألة زادت الحرية، فمعنا حريةُ أخٍ ونصف، فهذا النصف الزائد يقع الحجبُ به، ولا يقع بغيره، فللأم السدس من غير (1) حجب، ولها من السدس الآخر الذي هو تكملة الثلث نصفه لمكان النصف الزائد؛ إذ معنا ثلاثة أنصاف إخوة، فيحصل لها سدس، ونصف سدسٍ. ثم إنها تستحق نصفَ ذلك، وهو الثمن.
هذا مذهب.
ومنهم من قال: إذا زادت الحرية على أخٍ كامل، فإنا نجعل جميع الحرية مؤثراً في الحجب، فإن الأخ إذا لم يحجب، فلو فرض أخٌ آخر، فالحاجب الأخوان، لا الأخ الزائد، فإذاً تُحجب الأم بثلاثة أنصاف إخوة، فالسدس لا حجب فيه، وإنما الحجب في السدس الثاني الذي هو تكملة الثلث، فتحجب الأم عن ثلاثة أرباع هذا السدس، فيبقى سدس وربع سدس، فللأم نصف ذلك، وهو نصف سدس، وثمن سدس.
وعلى رواية سفيان: يقسم المال بينهم من ستة، ثم للأم نصف السدس وللإخوة نصف خمسة أسداس.
__________
(1) من غير حجب: أي لا تحجب عنه، والعبارة قد يبدو فيها شيء من الغموض للنظرة العجلى، ولكن عند التأمل نجدها صحيحة واضحة. فالمعنى أن الأم بغير حجب لها الثلث، وهذا الثلث: سدس، وسدس، فتستحق السدس كاملاً أولاً، ثم يدخل الحجب بنصف الاخ على السدس الثاني، فتستحق منه نصف سدس، فتجمع لها سدس ونصف. ثم هي أصلاً ترث بنصف حرّيتها، فترث نصفَ هذا الذي تجمع لها (سدس ونصف سدس) فيصير لها: ثمن.
ولو وضحنا ذلك بالحساب نجعل المسألة من 24 لها 1/ 6= 4 و 1/ 2 سدس= 2 المجموع: 4+2=6 لها النصف من هذا= 6/ 2=3. والثلاثة= 3/ 24= 1/ 8.

(9/178)


6380 - صورة أخرى
أربعة إخوة، وأم، نصف كل واحد منهم حر
فمن جمع الحرية ردّ الأم إلى السدس ثم إلى نصف السدس، والباقي للإخوة عنده.
وعلى رواية سفيان: للأم نصف السدس، وللإخوة نصف خمسة أسداس؛
فإنه لا يرى جمع أجزاء الحرية، كما تمهّد أصله.
6381 - صورة أخرى:
أختان، وأم، نصف كل واحدة منهن حر
فللأم مع الأختين ما لها مع الأخوين عند الجميع، وقد بان ما لها مع الأخوين، وذكرنا الاختلاف فيه بين سفيان وغيرِه.
فأمّا الأختان، فمن جمع الحرية، قال: لهما النصف لكل واحدةٍ الربع، وسفيان يقول: لهما نصف الثلثين.
فصل
في ميراث الإخوة والأخوات مع الأولاد
6382 - فنقول:
ابنٌ وأخٌ نصفُ [كلِّ] (1) واحد منهما حرٌّ.
فعلى رواية أبي يوسفَ بالمخاطبة والدّعوى، يكون للابن النصف، وللأخ الربع.
وعلى رواية محمد لكل واحد منهما النصف.
وعلى قول سفيان: للابن النصف ويسقط الأخ.
__________
(1) سقطت من الأصل.

(9/179)


صورةٌ أخرى:
ابنٌ نصفه حرّ، وأخٌ كله حر
المال بينهما نصفان باتفاق علماء الباب، وقياسهم لائح.
صورةٌ أخرى:
ابنٌ، وأخت لأب، نصف كل واحد منهم حر
للابن النصفُ، وللأخت الثمن، على رواية أبي يوسف بالمخاطبة والدّعوى.
وعلى رواية محمد: للأخت مثل ما لها على رواية أبي يوسف.
وعلى قول سفيان: للابن النّصف، وتسقط الأخت، والباقي للعصبة الأحرار.
فإن كانت الأخت كلّها حرة، والابن نصفه حر، فللأخت الربع على رواية أبي يوسف ومحمد، وعلى رواية سفيان كذلك أيضاً، وقياسه بيِّن.
صورة أخرى:
ابنٌ نصفُه حر، وأخ (1) لأم كلّه حر
فللابن النصف، ولولد الأم نصف السدس، في قول الجميع على الأصول المختلفة.
صورةٌ أخرى:
بنت، وأخت لأبٍ، نصف كل واحدة منهما حر
فالبنت مع الأخت من الأب كالبنت مع ابن الابن؛ فإن الأخوات مع البنات عصبة. وقد مضى ذلك.
__________
(1) في غير نسخة الأصل: أخت لأم كلها حر.

(9/180)


فصل
في ميراث الجدّات إذا تبعض فيهن الرق
6383 - فأمّا أبو يوسف ومحمد، ومن تابعهما؛ فإنهم يجمعون الحرية، فإن بلغت حريةً كاملة، أو زادت، فليس إلا السدس، وهو مقسومٌ بينهن على أجزاء حريتهن. وإن لم يبلغ حريةً كاملة، ورثن بقدر ذلك من السدس، مقسوماً بينهن على قدر أجزاء الحرية فيهن.
وعلى رواية سفيان: السدس بينهن كيفما كن، زادت الحرية، أو نقصت، فما أصاب كلّ واحدةٍ، أخذت منه بقدر حريتها، والباقي للعصبة.
وإن اتفقت:
أم، وجدة
فالأم حاجبة، والجدة محجوبة، وتعود التفاصيل على المذاهب.
وقد نجزت مسائل الباب على أوجز وجهٍ وأبينها (1). ومن أحاط بها، لم يخف عليه القياس فيما لم نورده.
وقد اختار الفرضيون طريقةَ سفيان؛ فإنه [منقاس] (2) حسن مُطرد، لا يخلو في قياسه صورة عن أثر نقص الرّق بخلاف سائر المذاهب، ولعل المزني يختار طريقه.
6384 - ثم مما يجب التنبُّه له أن من منع توريثَ مَنْ بعضُه حر يحتج بأنا لو ورّثناه، لصرفنا ما يرثه إلى جهة الرق والحرية، ويلزم منه صرفُ حصةٍ إلى مالك رقِّه، وهذا توريث أجنبي من حميمه، من غير نسب ولا سبب.
__________
(1) كذا في جميع النسخ، فالضمير يعود على المسائل.
(2) في الأصل: مقياس.

(9/181)


وهو ليس بشيءٍ؛ فإن من يورث الشخص إنما يُورِّث الجزءَ الحرَّ منه، ويحصر الاستحقاقَ فيه، ويقطع بأنه لا حظ لمالك الرق فيه.
وليس كما إذا احتش، أو احتطب أو اتّهب؛ فإن اكتساب الرقيق بهذه الجهات غيرُ ممتنعٍ، والإرث بالرق ممتنعٌ محالٌ، وما طردنا على مذهب المورثين مسألةً إلا حططنا حظ الرق فيها، والله المستعان.
***

(9/182)


باب المشرّكة
6385 - صورة المشرّكة:
زوجٌ، وأمٌّ، واثنان من أولاد الأم، وأخٌ، أو إخوة من أبٍ وأم
فللزوج النصف، وللأم السدس، ولأولاد الأم الثلث، ثم الإخوة من الأب والأم يشرَكون أولادَ الأم في الثلث، وينزلون معهم منزلتهم، لأجل مشاركتهم إياهم في قرابة الأم، ويجعل كأنهم ليسوا مدلين بالأب. ثم لا تفضيل لهم على أولاد الأم الذين لا يدلون بغير قرابتها، ولا تفضيل لذكرٍ على أنثى.
والقول الوجيز ما ذكرناه من تنزيلهم منزلة أولاد الأم، فالثلث إذن مفضوضٌ على كافتهم بالسويّة.
وهذا مذهب زيد، ومعظم الصحابة رضي الله عنهم.
6386 - واختلفت الرواية عن علي: فأظهر الروايتين عنه أن أولاد الأب والأم يسقطون؛ فإنهم عصبة، وقد استغرقت الفرائض أجزاء المال.
وهذا مذهب أبي حنيفة.
ورويت روايةٌ عن زيد مثل ذلك، وهي شاذة، ولم يمِل الشافعيُّ إليها، وقطع جوابه بالتوريث والتشريك.
واختلف قضاء عمر فيها، فروي أنّه قضى بالتشريك أوَّلاً، ثم قضى بالإسقاط بعد ذلك، فقيل له: قضيت بالتشريك في العام الأول، فقال: ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي. وقيل: إنما شرك في العام الأول لما شرك

(9/183)


بسبب كلامٍ صدر من أولاد الأب والأمّ، وذلك أنه لما هم بإسقاطهم، قالوا: يا أمير المؤمنين هَبْ أن أبانا كان حِمَاراً، ألسنا بني أمٍّ واحدة. والمسألة تلقب بالمشرّكة لما ذكرنا فيها من التشريك، وتلقب بالحِمارية لما نقلناه من قول أولاد الأبِ والأمَ.
6387 - ثم المشركة لها أركان: أحدها - أن يكون فيها زوج، ولا تتصور المسألة دونه. وإذا نظر النّاظر في أصحاب النصف، تبين له هذا.
ومن أركان المسألة - أن يكون فيها أمٌّ أو جدة، لمكان السدس.
ومن أركانها - أن يكون فيها اثنان من أولاد الأم، فصاعداً حتى يحصل الاستغراق بالفرائض.
فلو كان في المسألة:
زوج، وأم، وأخت من أم، وإخوة من أب وأم
فللزوج النصف، وللأم السدس [وللأخت] (1) من الأم السدس، والباقي لأولاد الأب والأم، على قياس العصوبة، وإن كان ما يخص كل واحدٍ منهم أقلَّ مما أخذه ولدُ الأم.
ومن أركان المسألة - أن يكون فيها ذكرٌ من أولاد الأب والأم؛ إذ لو كان فيها أختٌ من أبٍ وأمٍّ، فرضنا لها النصف، وأعلنا المسألة، ولو كن أخواتٍ، فرضنا لهن الثلثين، وأعلنا.
ولو كان بدل الإخوة من الأب والأم، إخوة من أبٍ، سقطوا؛ فإنهم لا يشاركون أولاد الأم في قرابتهم.
هذا بيان المسألة تصويراً، وحُكماً، وتعليل المذهب مذكور في كتاب الأساليب ومسائل الخلاف.
__________
(1) في الأصل: وللإخوة.

(9/184)


ولو كان في المسألة أخت أو أختان من أبٍ، فرضنا لهن فرضهن، وأعلنا المسألة، ولو كان معهن أخ من أبٍ، يسقطن بسقوطه، وكان مشؤوماً (1) عليهن.
...
__________
(1) مشؤوماً: أي شؤماً: غير مبارك، بل هو مصدر شر. (المعجم والمصباح).

(9/185)


باب ميراث ولد الملاعنة
6388 - ولد الزنا لا يرث الزاني [ولا يرثه الزاني] (1)، إذ لا نسب بينهما، وهو يرث أمَّه، لم يختلف العلماء فيه، وترثه الأم. والقول في ولدها من الزنا في حقها كالقول في ولدها من النكاح، فلا يختلف جانبها بوقوع العلوق عن حِلٍّ، أو تحريم، أو شبهة، أو نكاحٍ، أو سفاحٍ.
وإذا تعرّض [نسبٌ] (2) للثبوت لوقوع الولادة على فراشٍ، وكان لا يَنْتَفي إلا باللعان، فإذا لاعَنَ الزوجُ، ونفى النسبَ، انتفى، وانقطع الميراث بينه وبين المنفي، حسَب انقطاعه بين الزاني وولد الزنا، ثم لو عاد، فاستلحقه، لحقه، ويعود الميراث. وتفصيل ذلك يُستقصى في اللعان، إن شاء الله عز وجل.
6389 - ثم إذا انقطع الميراث بين النافي والمنفي، فكل من يدلي بالنافي، فلا يرث المنفي كبنيه وإخوته وأبيه، فإنه الأصل، فاذا انقطع، انقطع بانقطاعه إرث الفروع.
ثم أمه ترثه بالفرض، كما ترثه به لو لم يُنفَ باللعان.
وكل من يدلي بالأم، فإنه يرثه إذا كان الإدلاء بجهة الوراثة، فالإخوة من الأم يرثون المنفيَّ باللعان، وولد الزنا، وكذلك أمُّ الأم على الترتيب المبيّن في الورثة.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) في الأصل: سبب.

(9/186)


والسبب فيه أنها إذا ورثت، وثبت أصل الإرث فيها، ترتب على توريثها توريثُ المدلين بها.
ثم إذا ثبت أنها ليست ترث بالعصوبة، فعصباتها لا يرثون المنفيَّ، وولدَ الزنا، ولا يرثه أبوها (1)، وهو أقرب مُدْلي بها، فما الظن بمن سواه؟
نعم. قد يرث المنفيَّ وولد الزنا مولى الأم إذا ثبت الولاء؛ فإن ولاء أولاد المعتَقة [لمولاها] (2)، وليس له أبٌ حتى ينجرّ الولاء إليه، على ما سنفصل في باب الولاء، إن شاء الله عز وجل.
فيخرج ممّا ذكرناه أن الأم ترثه الثلث، ويرثه أولادها؛ فإنهم إخوته من الأم، والاثنان منهم يحجبان الأمَّ من الثلث إلى السدس، وإن كان إدلاؤهم إلى الميت بالأم.
ويرثه مولى الأم إن كان عليها ولاء، ولا يورث بالتعصيب إلا من جهة الولاء، والقول في تفصيله محالٌ على باب الولاء.
وهذا فيما يتعلق بالأم، وهو في نفسه إذا خلّف أولاداً، ورثوه على القواعد البينة.
6390 - وقال ابن مسعود: أمّ الولد الذي لا ينسب إلى أبٍ عصبةٌ له تستغرق ميراثَه، وهذا مذهب أبي حنيفة (3) في روايةٍ، ولم تختلف الروايةُ عنه في أن عصبات الأم عصبةٌ له. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أم ولد الملاعَنه عصبتُه، وعصبتُها عصبتُه " (4). وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:
__________
(1) ولا يرثه أبوها: لا يقال: إنه لا يرثه ولو كان ثابت النسب، فإنه جدٌ لأم. لا يقال هذا؛ فإنه ذكر تمثيلاً للإدلاء بغير جهة الوراثة، لا تمثيلاً بخصوص ولد الزنا والملاعنة.
(2) في الأصل: لمواليها.
(3) ر. المبسوط: 29/ 198، مختصر اختلاف العلماء: 4/ 479 مسألة رقم 2148.
(4) حديث " أم ولد الملاعنة عصبته ... " رواه سعيد بن منصور، والدارمي، والحاكم، =

(9/187)


" تحوز المرأة ثلاثة مواويث: ميراث عتقها، ولقيطها، والذي لاعنت عنه " (1)، ولم يصحح الشافعيُّ الحديثين (2).
6391 - ومما يتعلق بالباب أن الرجل إذا لاعن، ونفى ولدين عن امرأةٍ واحدةٍ، فهما يتوارثان بكونهما أخوين من أم، وهل يتوارثان بأخوة الأب؟ ظاهرُ المذهب أنهما لا يتوارثان بها؛ فإن الأبوة غيرُ ثابتة، والأخوة من جهة الأب مفرّعة على ثبوت الأبوّة.
ومن أصحابنا من قال: يتوارثان في أنفسهما بالأخوة من الأب والأم؛ فإن الزنا لم يثبت عند التلاعن بدليل تصوّر الاستلحاق بعد النفي، فليتوارثا بأخوة الأب على الإبهام، إذا لم يثبت زنا الأم.
ولا خلاف أن المرأة لو علقت بتوأمين من وطء شبهة، ثم جُهل ذلك الواطىء، فهما يتوارثان بأخوة الأب. وهذا الخلاف يقرب من تردد الأصحاب في أن من نفى نسباً متعرضاً للثبوت باللعان، فهل يحل لابن الملاعن أن ينكح تلك المنفية، وإنما فرضنا فيه؛ لأن الملاعِن نفسَه لا ينكحها؛ إذ هي ربيبتُه، ولا يتوارث ولدَا زنا بأخوة الأب باتفاق الأصحاب، والله أعلم.
...
__________
= والبيهقي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما (ر. سنن سعيد بن منصور، ح 117 - 120، الدارمي: الفرائض، باب ميراث الملاعنة، ح 2961، 2962، 2963، الحاكم: 4/ 341، البيهقي في الكبرى 6/ 258، والمعرفة: 5/ 74، 75).
(1) حديث: " تحوز المرأة ثلاثة مواريث " رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، من حديث واثلة بن الأسقع (المسند 3/ 495، أبو داود: الفرائض، باب ميراث ابن الملاعنة، ح 2906، الترمذي: الفرائض، باب ما يرث النساء من الولاء، ح 2115، ابن ماجه الفرائض باب تحوز المرأة ثلاثة مواريث، ح 2742، الدارقطني 4/ 89، الحاكم 4/ 340، البيهقي 6/ 259).
(2) ر. الأم 4/ 82، وتفصيل ذلك في معرفة السنن والآثار 5/ 74، 75.

(9/188)


باب ميراث المجوس
6392 - إذا اجتمع في الشخص جهتا قرابة لا يجوز التسبب إلى تحصيلهما، فلا يقع التوريث بهما جميعاً عند الشافعي، وإنما يقع التوريث بإحداهما على ما سنفصِّل المذهبَ، إن شاء الله تعالى.
وذهب علي، وابنُ مسعود إلى التوريث بالقرابتين، والقراباتِ إذا اجتمعت إذا كان لا يحجب بعضُ الوجوه بعضاً.
وإنما نفرض البابَ في المجوس؛ فإنهم قد ينكحون الأمهات والبنات، ومن هذه الجهات تتركب القرابات التي لا يحلّ التسبب إلى تحصيلها.
وقد يتأتى فرضها من المسلم على سبيل وطء الشبهة.
والرواية الصحيحة عن زيد توافق مذهب الشافعي.
6393 - ثم إذا لم يرَ الشافعيُّ التوريثَ بالقرابتين والقرابات؛ فإنه يورّث بأقواها. فإن كان بعض الوجوه يحجب بعضاً لو فرضت الوجوه في أشخاص، فلا شك، ولا إشكال، وإن كان بعضها لا يحجب بعضاً، فالتوريث يقع بأثبتها، ولا نظر إلى كثرة الفرض وقلّتِه، والمعنيُّ بالثبوت أن يكون سقوط إحدى الجهتين أقلَّ من سقوط الأخرى: فإذا كانت المرأة أمّاً وأختاً، ورثت بالأمومة؛ فإن الأم لا تسقط أصلاً بخلاف الأخت، وإذا كانت بنتاً وأختاً، ورثت بالبنوة، وإذا كانت جدة وأختاً، ورثت بالجدودة.

(9/189)


وصورة الأم التي هي أخت: أن يستولد المجوسي أو الواطىء بالشبهة ابنته، فإذا ولدت، فالوالدة أخت المولود، وأمُّه، والمولود ابنتها وأختها.
وإذا استولد بنت بنته، فالعليا جدة المولود، وأخته.
وإذا استولد أمَّه فهي جدة المولود وأمه، والمولود ابنتها وحفيدتها، والمستولد أبُ المولود، وأخوه لأمه.
وقد وافق أبو يوسف، ومحمد، الشافعيَّ، واتفق على مذهبه عُلماءُ المدينة.
6394 - واختلفت الروايةُ عمّن يورث بالقرابتين فيه إذا كان في الفريضة أم هي أخت، وأخت أخرى، فهي مع الأخت الأخرى هل تحجب نفسها من الثلث إلى السدس، ومذهب أبي حنيفة أنها لا تحجب.
6395 - وقد انتهى القول في الأبواب التي مقصود مسائلها فتاوى الفرائض، وأحكامها، ولم يبق منها إلا ميراث الخناثى، والحمل، والقول في الردّ، وتوريث الأرحام، ونحن نرى أن نقدم القول في توريث الأرحام والرد، ثم نذكر بعد نجاز الغرض منه [فنَّ] (1) الحساب، وما يتعلق بتصحيح المسائل، بالضرب، والقسمة، ثم نذكر ميراث الخناثى، والحمل، ثم نختم الكتاب بمسائل من المعاياة، والملقبات. والله المستعان.
__________
(1) في الأصل: في.

(9/190)


القول في التوريث بالرحم
مضمون هذا الأصل يحويه بابان: أحدهما - في الرد، والثاني - في توريث الأرحام، فلتقع البداية بالرّدّ (1).
...
__________
(1) إلى هنا انتهت نسخة (د 1). وجاء في خاتمتها ما نصه:
يتلوه في الثامن بحمد الله وعونه وحسن توفيقه باب الرد، وبيان الخلاف فيه.
كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى عبد الله بن جبريل بن أرسلان، بالمدرسة الفاضلية ( ... ) غفر الله لنا وله، ولمستنسخها وللناظر فيها. ولجميع المسلمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد ( ...... ).

(9/191)


باب الرّدّ وبيانُ الخلاف فيه
6396 - قال الفرضيون: مسائل الفرائض ثلاثة أقسام: مسالة عادلة، ومسألة عائلة، ومسالة ناقصةٌ غيرُ كاملة.
فالعادلة: هي التي تستوعب فيها الفرائض الأجزاءَ، أو تشتمل على عصبة خاص، أو على فرائضَ وعصبة.
والفريضة العائلة: هي التي تزيد فيها مبالغُ المقدَّرات على أجزاء المال.
وقد شرحنا هذا، وما فيه من الخلاف.
وأما الفريضة الناقصة: فهي المشتملة على فرائضَ تنقص عن أجزاء المال، وليس فيها عصبة [خاص] (1)، وفيها يقع الكلام في الرد.
6397 - وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الباقي من المال إذا لم يكن في المسالة عصبة، فقال زيد بن ثابت: إذا لم تكن عصبةُ نسب ولا مولى، فالباقي مصروفٌ إلى مصالح المسلمين. وقيل: ذهب إلى ذلك أبو بكر الصديق، وعبدُ الله بنُ الزبير، وهو مذهبُ مالكٍ، والشافعي، وأبي ثور، وداود، وأهل الظاهر، وعُلماء المدينة.
وقال عمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود بالرد على ذوي
السهام، كما سنفصل مذهبَهم، إن شاء الله تعالى، وبه قال سفيان الثوري
__________
(1) ساقطة من الأصل.

(9/192)


وشَريك (1)، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، وأصحابُه، وكل من قال بتوريث ذوي الأرحام قال بالرد.
ثم اختلفوا في كيفية الرد.
6398 - فقال جماهيرُ الأئمة القائلين بالرد: التوريثُ بالولاء مقدّم على الرد، فإن كان في المسألة فرضٌ مِمن يُردّ عليه -كما سنذكره، إن شاء الله عز وجل- ومولى، فلصاحب الفرض فرضه، والباقي للمولى، ولا رَدَّ.
وعن عبد الله بن مسعود: إن صاحب الفرض إذا كان ممن يرد عليه، فالباقي بعد الفرض مردود عليه، غيرُ مصروف إلى صاحب الولاء.
6399 - ثم الذين صاروا إليه قالوا: إنه لا يرد على الزوج بالزوجيّة، وإنما الرد على ذوي الفروض من أهل القرابة، وروى جابرُ بن زيد (2) أن عثمان رضي الله عنهم أجمعين كان يرى الردَّ على الزوج والزوجة، وهذه رواية غريبة، لم يعوِّل عليها الفرضيون.
6400 - فإذا تبيّن ذلك، فمذهبُ علي أن الباقي بعد المقدّرات إذا لم يكن في المسألة مولىً، ولا عصبةُ المولى، مردود على ذوي السهام على أقدار سهامهم، إلا على الزوج والزوجة.
قال ابن عباس: يرد على جميع ذوي الفروض إذا لم يكن في المسألة مولىً، ولا عصبة، ولا عصبةُ مولى، إلا الزوج والزوجة، فلا ردّ عليهما قط، وزاد، فقال: الجدة لا يرد عليها مع كل ذي فرضٍ يرث بالرحم، فإن انفردت، أو كانت مع أحد الزوجين، يرد عليها حينئذ.
__________
(1) شَرِيك النَّخَعي، شريك بن عبد الله بن الحارث، محدث، فقيه قاضٍ، اشتهر بالذكاء وسرعة البديهة. ت 177 هـ (ر. تاريخ بغداد: 9/ 279، والأعلام للزركلي).
(2) جابر بن زيد الأزدي البصري أبو الشعثاء. تابعي، فقيه من الأئمة، من بحور العلم، ت 93 هـ (الأعلام للزركلي، البداية والنهاية: 9/ 93 - 95).

(9/193)


وقال ابن مسعود: الرد مقدّم على المولى وعصباته، كما تقدم، ولم ير الردَّ على الزوج والزوجة بحالٍ، وكان لا يرد على أربعة مع أربعة، ويرد عليهم دونهم، وكان لا يرد على بنات الابن مع بنت الصلب، ولا يرد على الأخوات من الأب مع الأخت من الأب والأم، ولا يرد على الأخت من الأم مع الأم، وكان لا يرد على الجدة وفي المسألة أحد من ذوي الفروض المتعلقين بالرحم، كما حكيناه عن ابن عباس.
فهذا بيان قواعد المذهب.
6401 - ونحن نفصّلها بالمسائل، ونذكرها صنفاً صنفاً.
فإذا خلّف الميت صنفاً واحداً من أصحاب السهام المتعلّقين بالرحم، و [لا] (1) عصبة، كما فصّلنا، فله فرضه، والباقي مردودٌ عليه.
فأما إذا كان في المسألة جدّة مفردة، أو مع أحد الزوجين، فلها فرضها إذا انفردت، والباقي مردود عليها.
وإن كانت مع أحد الزوجين، فلكل واحد منهما فرضُه، والباقي مردود على الجدة، على الرواية التي عليها العمل.
ثم ما ذكرناه يجري في جميع أصناف ذوي الفروض المتعلّقين بالرحم.
6402 - ولو كان في المسألة:
أم، وبنت
فالمال بينهما على أربعة أسهم: للأم الربع فرضاً وردَّاً، وللبنت ثلاثة أرباع فرضاً وردّاً.
وكذلك الأم وبنت الابن.
__________
(1) ساقطة من الأصل.

(9/194)


أخٌ لأمٍ، وأخت لأب وأم
المال بينهما على أربعة، على مذاهبهم: للأخ من الأم سهم، وللأخت من الأب والأم ثلاثة أسهم.
بنت وبنت ابن
في قول علي، وابن عباس: المال مقسوم بينهما على أربعة، كما ذكرنا رُبْعُه لبنت الابن، وثلاثة أرباعه لبنت الصلب. وفي قول ابن مسعود: لبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس، والباقي لبنت الصلب خاصّة.
وإن اختصرت، قلت: لبنت الابن السدس، والباقي للبنت فرضاً ورداً.
زوج (1)، وجدة، وبنت
في قول علي للزّوج الربع، وللجدة السدس، وللبنت النصف، والباقي مردود على الجدة والبنت: بينهما على أربعة أسهم.
وإن اختصرت قلت: للزوج الربع والباقي بين الجدة والبنت على أربعة: رُبْعُه للجدة وثلاثة أرباعه للبنت، وتصح القسمة من ستة عشر.
وعن ابن مسعود: للزوج الربع، وللجدة السدس، والباقي للبنت فرضاً ورداً.
جدة، وبنت، وبنت ابن
في قول علي: المال بينهم على خمسة بالفرض والردّ، للجدة سهم، وللبنت ثلاثة أسهم، ولبنت الابن سهم.
وفي قول ابن عباسٍ: للجدة السدس، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة.
__________
(1) (ت 3)، (ت 2): " الزوجة " ومن ثمَّ تغير الفرض، كما تغير الأصل الذي تصح منه
المسألة. فلا حاجة إلى التنبيه على هذه الفروق.

(9/195)


وفي قول ابن مسعود: للجدة السدس ولبنت الابن سدس، والباقي لبنت الصلب فرضاً ورداً.
أم، وبنت، وبنت ابن
في قول علي وابن عباسٍ المال بينهن على خمسة، للأم سهم، ولبنت الابن سهم، ولبنت الصلب ثلاثةُ أسهم. وفي قول ابن مسعود (1): لبنت الابن السدس، والباقي بين الأم والبنت على أربعة.
ولا يصح الرد قط عند ابن مسعود على ثلاثة أصناف، وإنما يصح ذلك على أصل علي وابن عباس (2).
أم، وأخت لأم، وأخت لأب
في قول علي: المال بينهن على خمسةٍ فرضاً ورداً: للأم سهم، وللأخت من الأم سهم، وللأخت من الأب ثلاثة (3) أسهم.
وفي قول ابن عباس: للأم الثلث، وللأخت من [لأم] (4) السدس، وللأخت من الأب النصف. وليست من مسائل الردّ.
وفي قول ابن مسعود:
للأخت من الأم السدس، والباقي بين الأم، والأخت من الأب على أربعة. زوجة، وجدة، وبنت، وبنت ابن
في قول علي للزوجة الثمن، وللجدة السدس وللبنت النصف، ولبنت الابن
__________
(1) (ت 3): ابن عباس. وهو سبق قلم واضح.
(2) (ت 3)، (ت 2): " عبد الله " والمراد عبد الله بن مسعود، وهو مبني على الخطأ
المشار إليه في التعليق السابق.
(3) (ت 3): " النصف ". وهو خطأ واضح، فقد صار النصف منسوبا إلى أصل المسألة، وهو يساوي 3/ 5 من هذا الأصل.
(4) في الأصل: " الأب ". وهو تكرار بيّن الخطأ.

(9/196)


السدس، والباقي مردود على الجدة، والبنت، وبنت الابن، على خمسة، فإن اختصرت قلتَ للزوجة الثمن، والباقي بعد الثمن بين الجدة والبنت، وبنت الابن على خمسة. وتصح من أربعين.
وفي قول ابن عباس: للزوجة الثمن، وللجدة السدس، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة.
وفي قول ابن مسعود: للزوجة الثمن، وللجدة السدس، ولبنت الابن السدس، والباقي للبنت.
وإن أردنا استيعاب المذاهب قلنا في قول زيد ومن تبعه: الباقي بعد الفروض لبيت المال.
فقد وقع الرد على ثلاثة أجناس في المسألة على مذهب علي.
وعلى جنسين على مذهب ابن عباس.
وعلى صنفٍ واحد على مذهب ابن مسعود.
6403 - وفيما قدمناهُ من تمهيد المذاهب أولاً استقلال، وكفاية، ولكنا أوضحناه: بالمسائل التي ذكرناها.
ولم نفرعّ على الرواية الشاذة عن عثمان (1)؛ فإنها لم تصح عند الفرضيين، وهي مردودة من جهة المعنى؛ فإنَّ تَعلُّقَ أصحابِ الرد بأن صاحب الفرض بعد استيفاء فرضه يتعلق بالرحم، وهو سبب الرد عليه، وهذا لا يتحقق في الزوجين. ونحن نستعين بالله تعالى ونخوض في التوريث بالرحم، إن شاء الله تعالى.
...
__________
(1) الرواية الشاذة عن عثمان: يعني بها: الرد على الزوجين بالزوجية.

(9/197)


بابٌ في توريث ذوي الأرحام
6404 - اختلف أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في توريثهم: فذهب أبو بكر الصديق، وعثمان بنُ عفان، وزيدُ بنُ ثابت، وعبدُ الله بنُ الزبير إلى أن ذوي الأرحام لا يرثون بالرحم شيئاً، وجعلوا مالَ من لم يخلِّف غيرَهم لبيت المال، وبه قال سعيد بنُ المسيب، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وعلماء المدينة، وداود، وأهل الظاهر.
وذهب علي، وابنُ عباس، وابن مسعود، ومُعَاذ بنُ جبلٍ، وأبو عبيدة، وأبو الدرداء، وعائشة إلى توريث ذوي الأرحام، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق (1) بن راهْوَيْه، وأبو حنيفة، وأصحابُه، ويحى بنُ آدم، وطائفة.
واختلفت الرواية في ذلك عن عمرَ، فروى عاصمُ عن زِرِّ بن حُبَيش، أنه قال: " كان عمر بن الخطاب يورّث العمةَ والخالة " (2).
وروى الأعمش: " أن عُمرَ ورّث الخالَ المالَ كفَه " (3).
__________
(1) إسحاق بن رَاهْوَيْه، يأتي غالباً مطلقاً (إسحاق) بغير وصفٍ ولا إضافة، فحيثما وجدتَ (إسحاق)، فإياه يعنون.
وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي، اجتمع له الحديث والفقه، وعنه ينقل الإمام أحمد كثيراً. ت 238 هـ (الأعلام للزركلي، وتاريخ بغداد: 6/ 345).
(2) رواية عاصم عن زِرّ بن حبيش أخرجها ابن أبي شيبة (11/ 259 ح 11160) وسندها صحيح متصل كما قال ابن التركماني في الجوهر النقي (6/ 217).
(3) رواية الأعمش عن عمر أخرجها سعيد بن منصور في سننه (1/ 69 ح 159).

(9/198)


وعن مالك بن أنس عن محمد بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع أباه يقول: " كان عمر لا يورث بالرحم "، وكان يقول عمر: " عجباً للعمة تورَثُ ولا ترث " (1) وقال للعمة: " لو رضيك الله، لذكرك " (2).
فهذا بيان أقاويلهم على الجملة.
ومذهب من لا يورث بالرحم مضبوطٌ لا حاجة إلى تفصيله.
6405 - وأما المورِّثون بالرحم، فلهم في كيفية توريثهم اختلافٌ عظيم، وقد اختلفت أجوبتُهم في فروع ذوي الأرحام، لاختلافهم في أصولها، ولا يتأتى ذكرُ ضابطٍ لمذهب كل واحد من المورّثين يعمُّ جميعَ الباب، فلا بد من ذكر تفاصيلهم في أبوابٍ يشتمل كل باب على تفصيلِ مضمونه، وذكرِ ما يليق به.
6406 - وممَّا اتفق عليه المعتبرون المورثون لذوي الأرحام، أن قالوا: لا يرث من يتعلق بالرحم المحض، مع ذي فرض يرث بالفرض والقرابة، فالرد عندهم مقدّم على التوريث بالرحم المحض.
وروي على شذوذٍ عن ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز أنهما ورّثا الخالَ مع البنت. وقيل: إنما فعلا ذلك؛ لأنهما صادفَا الخالَ عصبةً بالولاء. أوْ من جهةٍ أخرى على ما سنبينه؛ فلا تعويل إذاً على هذه الرواية، ولا تفريع عليها.
6407 - واختلفوا في توريثهم مع مولى النعمة وعصبته، فذهب ابنُ عباس، ومعاذ ابنُ جبل، وأبو عبيدة إلى تقديم مولى النِّعمة وعصبته على ذوي الأرحام،
__________
(1) أثر عمر " عجباً للعمة تورث ولا ترث " رواه مالك في الموطأ: الفرائض، باب ما جاء في العمة (2/ 517)، وابن أبي شيبة (11/ 262 ح 11171)، والبيهقي في الكبرى (6/ 213)، والصغير (3/ 266 ح 2303)، والمعر فة (5/ 84 ح3900).
(2) أثر عمر " لو رضيك الله لذكرك " رواه مالك في الموطأ: الفرائض، باب ما جاء في العمة (2/ 516)، والبيهقي في الكبرى (6/ 213)، والمعرفة (5/ 84 ح 3899).

(9/199)


وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وإليه صار أكثر من يورِّث بالرحم.
وذهب ابنُ مسعود إلى أن ذوي الأرحام أولى بالميراث من المعتِق وعصبتِه، وهو مذهب شريح وعطاء وإسحاق بن رَاهْوَيْه، وجماعة من البصريين.
6408 - ثم أصنافُ المورِّثين اختلفوا في كيفية التوريث، ولقَّبهم الفرضيون بثلاثة ألقاب، فقالوا: فرقة منهم تُعرَف بأهل القرابة منهم أبو حنيفة، وأبُو يوسف، ومحمد، وعيسى ابن أبان.
وإنما سمُّوا أهلَ القرابة، لأنهم رتَّبوا ذوي الأرحام قريباً من ترتيب العصبات، فورّثوا الأقرب، فالأقرب.
والفرقة الثانية تعرف بأهل التنزيل، وهم الشعبي، وشَرِيك، وابن أبي ليلى، والثوري، والقاسم (1) بن سلاّم، ومحمد بن سالم (2)، وأبو نُعَيْم ضرار بنُ صُرَد (3)، ونُعَيم بن حمّاد (4)، ويحى بنُ آدم، والحسن بن زياد اللؤلؤي. وقد صح عند هؤلاء من مذهب عليّ وابن مسعود المصيرُ إلى التنزيل، وسُمّي هؤلاء منزِّلين؛ لأنهم نزّلوا كلَّ واحدٍ من ذوي الأرحام بمنزلة الوراث الذي يُدلي به. وكان أحمدُ بنُ حنبل يقول بقول المنزِّلين إلا في موضعٍ
__________
(1) القاسم بن سلاّم الهروي الأزدي الخزاعي بالولاء، أحد الأئمة الكبار في علومٍ شتى، وبخاصة: الحديث، والفقه. ت 224 هـ (ر. الأْعلام للزركلي، تاريخ بغداد: 12/ 403).
(2) محمد بن سالم الهمداني، أبو سهل، الكوفي، مختلف في توثيقه، كان معروفاً بالفرائض، وله كتاب فيها، والذين ضعفوه قالوا: إنه كان في الفرائض أحسن حالاً (تهذيب التهذيب: 9/ 176، وميزان الاعتدال: 3/ 556) ولم أصل إلى تاريخ وفاته.
(3) ضرار بن صُرد التيمي أبو نعيم الطحان الكوفي، قال أبو حاتم: صدوق، صاحب قرآن وفرائض، ت 229 هـ (تهذيب التهذيب: 4/ 456).
(4) نعيم بن حماد المروزي، نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، كان
من أعلم الناس بالفرائض. ت 228 هـ (الأعلام للزركلي، تاريخ بغداد: 13/ 306).

(9/200)


واحدٍ، وهو أنّه كان يقدّم الخال على جميع [ذوي] (1) الأرحام. فإن لم يكن خالٌ، فقوله كقول أهل التنزيل في كل تفصيل.
والفرقة الثالثة ذهبوا إلى التوريث بالرحم من غير ترتيب، ولا تنزيلٍ، وقسموا المال بينهم بالسوية سواء اختلفوا في القرابة، أو استوَوْا فيها، وبه قال نوحُ بنُ درّاج (2)، وحُبيش (3)، وشرذمة قليلة.
6409 - وأصحاب الشافعي وإن كانوا لا يرَوْن التوريث بالرحم؛ فإنهم اليومَ قد يميلون إلى صرف المال إلى ذوي الأرحام لاضطراب أمر بيت المال، ثم ميلُهم إلى قول المنزِّلين؛ لأنه أقيس على الأصولِ، وآثارُ المورِّثين من الصحابة رضي الله عنهم تشهد لأهل التنزيل.
6410 - والقول في توريث الأرحام في حكم افتتاح قسمةٍ أخرى، وتأسيس ورثةٍ سوى الذين استقر الشرع فيهم، وهم ينقسمون إلى من ثبت له فرض بالتقريب القياسي، وإلى من يقام مقام العصبات، ولا ذكر لهم في أبواب العصبات، ولا في أبواب ذوي السهام.
فإذا مست الحاجة إلى النظر فيهم، اقتضى ذلك اهتماماً بالغاً بعد الاستعانة بالله تعالى، وقد كثر فيه خبط العُلماء واختلافهم، وقد رأيت أن أذكر في كل صنفٍ منهم باباً مشتملاً على ذكر أصول العُلماء المورِّثين، ثم على تَبْيين الأصول بالمسائل بتخريجها على الأصول، فإذا نجز القول في أفراد أصنافهم، ذكرنا بعد
__________
(1) سقطت من الأصل.
(2) نوح بن دراج النخعي مولاهم أبو محمد الكوفي القاضي محدث فقيه، مختلف في توثيقه، والأكثرون على تضعيفه. ت 182 هـ (تهذيب التهذيب: 10 - 482).
(3) حبيش: أرجِّح أنه: حبيش بن مبشر بن أحمد بن محمد الثقفي، أبو عبد الله الفقيه الطوسي نزيل بغداد ت 258 هـ (ر. تهذيب الكمال: 5/ 415، تهذيب التهذيب: 2/ 195، وتاريخ بغداد: 8/ 272).

(9/201)


ذلك كلاماً بالغاً في اجتماعهم، وفيمن يقدّم منهم، ومن يؤخر، وإذا انتهى هذان النوعان، اختتمنا الكلام بجوامع في مذاهب العلماء تحل محل التراجم، ولو ذكرتُ الجملَ، كانت مبهمة على من يبتدىء النظر فيها، وقد يعتريه ملالٌ من استبهامها، فبندأ بأبواب الأفراد من الأصناف الوارثين بالرّحم.
***

(9/202)


باب في توريث أولاد البنات
6411 - أصل هذا الباب على قول أهل القرابة أن تنظر في أولاد البنات، فإن اختلفت درجاتُهم، وكان فيهم من هو أقرب، وفيهم من هو أبعد -وهذا هو المراد باختلاف الدرجات- فيقدم من هو أقرب في الدرجة، وإن كان الأبعد يتصل إلى الوارث من غير واسطة، [كالأقرب] (1) مثل:
بنت بنت، وبنت بنت ابن
فكل واحدة منهما مُدلية بوارث، ولو كان في المسألة بنت، وبنت ابن، لورثتا، ولكن بنت البنت مقدمة عند أهل القرابة على بنت بنت الابن؛ فإنها اختصت بقوة القرب. وهذا قاعدة اعتبار القرابة.
وإن استوت الدرجتان، نظر: فإن سبق أحدهما إلى الوارث قبل اتصال الثاني بالوارث، قدِّم من سبق إلى الوارث. وهذا
كبنت بنت ابن، بنت بنت بنت
فبنت بنت الابن أولى؛ لأنها سبقت إلى الوارث في الدرجة الأولى، وبنت بنت بنت الصلب تتصل بالوارثة بدرجتين.
وإن شئت قلت: إذا استوت الدّرجتان في القرب، فإن كان الأصل بنتين، فلا يتصور التفاوت في السبق إلى الوارث.
__________
(1) في الأصل: كالأبعد.

(9/203)


وإن كان أصل إحدى الدرجتين ابناً، وأصل الدرجة الأخرى بنتاً، فمن هو على درجة الابن أسبقُ إلى الوارث لا محالة.
وإن كان السابق إلى الوارث أبعد بالدرجة والقريبُ بالدرجة أبعد عن الوارث، مثل أن يكون في المسألة:
بنت بنت بنت الابن ومعها بنت بنت البنت، فالبعيدة بالدرجة تتصل بالوارثة بنفسها، والقريبة بالدرجة تتصل بالوارثة وهي بنت الصلب بدرجة، فقد وُجد في إحدى الدرجتين بُعدٌ وسبْقٌ، وفي الدرجة الثانية قربٌ مع واسطةٍ. وقد ثبت أن المقرِّبين يقدّمون القربَ على السبق، والمنزِّلون يقدمون السبقَ على القُرب، فإن تحقق الاستواء في الدّرجة قرباً وبعداً، ووجد الاستواء في السبق إلى الوارث، ورثوا جميعاً.
6412 - ثم اختلف أبو يوسف، ومحمد في كيفية القسمة: فاعتبر أبو يوسف أبدان ذوي الأرحام عدداً وصفةً، فإن كانوا إناثاً سوّى بينهن، ولم ينظر إلى الأصول؛ وإن كانوا ذكوراً، فكذلك، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فالقسمة للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا يلتفت أبو يوسف إلى ما تقدم من الدرج والوسائط أصلاً، وإنما نظره إلى الوارثين بالرحم في أنفسهم.
وأمّا محمد؛ فإنه ينظر إلى أول درجة وأعلى بطنٍ وقع فيه الخلاف، من آباء هؤلاء الذين يورّثهم وأجدادِهم، وأمهاتهم، وجدّاتهم، فيجعل كلَّ ذكرٍ في ذلك البطن بعدد أولاده الأحياء الذين تقع القسمةُ عليهم، فيثبت ذلك العدد في الدرجة العليا، ويقدِّرُهم ذكوراً، وكل أنثى في الدرجة العليا يجعلها بعدد أولادها الأحياء إناثاً؛ سواء كان الأولاد الأحياء ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً، فالعدد مأخوذ من الأولاد الأحياء، والذكورة والأنوثة مأخوذتان من الدرجة العليا.
وإذا فعل ذلك، قسّم المالَ في الدرجة العليا للذكر مثلُ حظ الأنثيين، إن

(9/204)


كانوا ذكوراً وإناثاً. وإن كانوا ذكوراً، فالقسمة على الذّكور، وإن كانوا إناثاً، فالقسمة عليهن. ثم يُفرد نصيبَ الذكور على حدة، ونصيبَ الإناث على حدة، وينظر إلى كل واحدٍ من الصنفين. فإن لم يقع في أولاده الذين بينه وبين أولاده الأحياء اختلاف، قسّم ما أصابه بين أولاده الأحياء على اعتبار أبدانهم.
وإن وقع فيهم اختلافٌ، قسم ما أصابه في البطن الذي وقع فيه الاختلاف، واعتبر في ذلك ما اعتبره في البطن الأول، ثم لا يزال يفعل ذلك حتى تنتهي القسمة إلى الأولاد الأحياء، فإذا انتهت القسمة إليهم، قسم ما أصابهم بينهم على اختلاف أبدانهم.
هذا قولُ محمد. وأكثر أهل الرأي يقولون: هو قول أبي حنيفة، ولا يتّضح هذا الأصلُ إلا بضرب الأمثلة وإيراد المسائل.
6413 - فأما المنزّلون، فإنهم ينزّلون كلَّ واحدٍ من أولاد البنات منزلة آبائه، وأمهاته، ويرفعونه بطناً بطناً، فأيّهم سبق إلى وارثٍ، كان أولى.
وإن استوَوْا في السبق، قُسِّم المالُ بين الورثة الذين صاروا إليهم، ثم يقسّم ما يصيب كلّ واحد من الورثة تقديراً بين من يدلي به على حسب ما يستحقون فيه لو كان الميت ذلك الوارث.
ثم إن كانوا في أنفسهم ذكوراً، أو إناثاً، قسم بينهم بالسوية، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً فللذكر مثل حظ الأنثيين؛ فإن استحقاقَهم كذلك يقع، وهذا سبيل التوريث بالبنوة.
هذا مذهب جمهور المنزّلين.
6414 - فأما أبو عبيد القاسم بن سلاّم وإسحاق بن رَاهْوَيْه، وغيرُهما ممن تابعهما قالوا: إذا كان فيهما ذكور وإناث، فالحصة مقسومة عليهم بالسوية لا يفضُل ذكرٌ أنثى؛ فإنهم لا يرثون بالعصوبة، وإنما يرثون بالرحم.

(9/205)


وهذا فاسد؛ فإن المنزّلين يُحلّون ذوي الأرحام محلَّ أصولهم، وهذا حقيقةُ التنزيل.
والتوريث بالرحم المطلق يرفع اعتبارَ القُرب والبعد، والنظرَ إلى الأصول.
فهذا تمهيد قاعدة الباب.
مسائله:
بنت بنت، وثلاث بنات بنت أخرى
بهذه الصورة: (1)
° ...... °
° ... ° ° °
على قول أهل القرابة: يقسم المال بينهم أرباعاً، لا غير.
ولو قدّر محمد هذا العدد في الأصلين، لكان الجواب هكذا.
وعلى قول أهل التنزيل: نقسم المال بين بنتي الصلب تقديراً نصفين فرضاً وردّاً، ثم نجعل نصيب كل بنت لولدها، فيخص بنت البنت الفردة نصفٌ ويخصّ بنات البنت الأخرى نصف.
ابن بنت مع أخته وبنت بنتٍ بهذه الصورة:
° ... °
|° ... °
فعلى قول أهل القرابة المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على أربعة،
__________
(1) بهامش الأصل شرح لهذه الرسوم هذا نصه:
الدائرة علامة الإناث، والألف علامة الذكور. وإذا اتصلت الألف بدائرة فوف الألف، فذلك علامة ذكر يتصل بأنثى. وإذا اتصلت الألف بدائرة تحت الألف فعلامة أنثى تتصل بذكر.

(9/206)


فيعتبرون ذوي الأرحام بأنفسهم في هذه الصورة.
ومحمد يوافق أصحابه لأن أصولهم ورثة، وهو إنما يعتبر تعديدَ الأصول بعدد الأولاد إذا كانوا أرحاماً، ولهذا [قيدنا] (1) الكلامَ، وقلنا: ننظر إلى البطن الأعلى الذي فيه الخلاف، وأردنا البطنَ الأول من الأرحام.
ومذهب جمهور المنزِّلين أن النصف لبنت البنت المفردة، والنصف لولدي البنت الأخرى: بينهما للذكر مثل حظ الأثثيين.
وعلى قول أبي عبيد وإسحاق: النصف الذي لولدي البنت بينهما بالسوية.
ابن بنت، وبنت بنت أخرى، وثلاث بنات بنت ثالثةٍ:
° ... ° ....... °
| ... ° ... ° ° °
على قول أهل القرابة: المال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين، كما تقدم.
وعلى قول المنزِّلين: لولد كل بنتٍ الثلث، ويقسم الثلث الذي يصيب البنت الثالثة بينهن على ثلاثة.
بنت بنت وبنت بنت ابن
بهذه الصورة
° ... |
° ... °
..... °
أهل القرابة يقولون: المال لبنت البنت لقربها في الدرجة.
وفي التنزيل: المال بينهما على أربعة بالفرض والرد، كما يكون كذلك بين بنت الصلب وبنت الابن.
__________
(1) في الأصل: مهدنا.

(9/207)


بنت ابن بنت وبنت بنت ابن
بهذه الصورة
° ... |
| ... °
° ... °
ْفالمال لبنت بنت الابن عند الفريقين؛ لأنها أسبق إلى الوارث، مع استواء الدرجتين؛ فإن المنزّلين يعتبرون السبق إلى الوارث، ولا يعتبرون الدرجة قربت، أو بعدت، وأهل القرابة يعتبرون السبق إلى الوارث عند استواء الدرجتين، فلا خلاف بين الفريقين إذاً: نعني أهل التنزيل وأهل القرابة.
وأما نوح وحُبَيش ومن تابعهما من المورثين بالرحم المطلق، يسوّون بين القريب والبعيد، والسابق إلى الوارث والمسبوق، ويقولون: المال بينهما نصفين. وهذا المذهب يجري في كل صورة، ولكنا نذكره عند اتفاق
الفريقين، حتى يتبين خلافهم لهما، ويحصل بتكرير ذكرهم إبانة مذهبهم.
بنت ابن بنت، وبنت بنت بنت
بهذه الصورة
° ... °
| ... °
° ... °
فعلى قول المنزِّلين المال بينهما بالسوية، وتعليله بيّن؛ فإنهم يقسمون المال نصفين، بين بنتي الصلب، ثم يحطّون النصفين إلى الواسطة، ثم منهما إلى الدرجة التي نتكلم فيها، وهذا مذهب أبي يوسف من أصحاب القرابة؛ فإنه ينظر إلى صفة من يقسم عليه.
وعلى قول محمد: يقسّم المال في الدرجة الوسطى التي فيها الخلاف؛ فإن أهل الدرجة الوسطى أرحام، فللذكر مثل حظ الأنثيين على ثلاثة، فإن ما أصاب الذكر، وهو الثلثان يسلّم إلى ولده، وهي بنت ابن البنت، وما أصاب بنت

(9/208)


البنت في الواسطة، وهو الثلث يسلّم إلى ولدها، وهي بنت بنت البنت.
بنتا بنت بنت، وثلاث بنات ابن بنت أخرى
بهذه الصورة
. ° ...... °
. ° ...... |
° ° ... ° ° °
فعلى التنزيل: النصف بين بنتي بنت البنت بالسويّة، والنصف الآخر بين بنات ابن البنت الأخرى على ثلاثة بالسوية.
وعلى قول أبي يوسف: المال بينهن على خمسة بالسوية، فإنه ينظر إلى أعداد من يقسم عليهم وصفاتهم، وهي خمسة.
وعلى قول محمد: نجعل الذكر الذي في الوسط ثلاثة ذكور بعدد أولاده ونجعل الأنثى التي في الدرجة الوسطى اثنتين بعدد أولادها فنقسم المال في الدرجة الوسطى بين ثلاثة ذكور وأنثيين على ثمانية، فنصيب الذكر ستة، فتدفع إلى أولاده، لكل واحدة منهن سهمان.
ونصيب الأنثى سهمان يكون ذلك لولديها لكل واحدةٍ منهما سهم.
وقد اتضح الآن مذهب محمد بن الحسن للناظر، وسيزداد وضوحاً، إن شاء الله عز وجل.
بنتا بنت بنت، وابن، وثلاث بنات ابن بنت
بهذه الصورة
. ° ........ °
. ° ........ |
° ° ... | ° ° °
فعلى قول المنزلين نسلّم نصفاً إلى أولاد ابن البنت، وهم أربعة ثلاثة إناث، وواحد ذكر، والنصف مقسوم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والنصف الآخر لبنتي بنت البنت بينهما بالسوية.

(9/209)


وعند أبي يوسف من المقرِّبين: المال مقسومٌ بين الذين نورّثهم للذكر مثل حظ الأنثيين على سبعة أسهم، ولا نظر إلى من قبله.
وعلى قول محمد نجعل الذكر الذي في الوسط بمنزلة أربعة ذكور، والأنثى التي في الوسط بمنزلة الأنثيين، ويقسم المال في الدرجة الوسطى، بين أربعة ذكور وأنثيين: على عشرة، فيصيب الذكر ثمانية، والأنثى اثنان، والنصيبان [يتفقان] (1) بالنصف (2)، فنرد كلَّ واحدٍ منهما إلى نصفه اختصاراً، فتعود المسألة على خمسة للذكر أربعة، وللأنثى سهم، فالأربعة التي هي نصيب الذكر بين أولاده: للذكر مثل حظ الأنثيين، على خمسة والأربعة لا تصح عليها، ولا توافق الواحد الذي هو نصيب الأنثى بين ولديها: ينكسر على اثنين، ولا يصح، ولا يوافق، وليس بين الاثنين والخمسة موافقة، فنضرب اثنين في خمسة يكون عشرة، ثم نضرب العشرة في الخمسة التي أردنا قسمتها فيكون خمسين منه تصح المسألة وهذا تمامُ بيان مذهب محمد في هذا الباب.
...
__________
(1) في الأصل: ينقصان.
(2) بالنصف: المراد هنا نصف الثمانية والاثنين، وليس نصف التركة، فتنبه.

(9/210)


باب في كيفية توريث بنات الإخوة وأولاد الإخوة والأخوات
6415 - أصل هذا الباب على مذهب المنزِّلين أن يُنزَّل كلُّ واحد منهم بمنزلة أبيه أو أمه، وإذا تسفّلوا، رُفِّعوا كذلك بطناً بطناً، فإن سبق بعضُهم إلى وارث، كان أولى بالميراث، وإن استوَوْا في السبق، قدّرنا قسمة المال بين الورثة الأصليين، فما أصاب كلُّ واحدٍ منهم، قُسّم بين أولاده، ورُوعيت صفتهم في الذكورة والأنوثة في الاختلاف والاتفاق.
6416 - ثم مما يجب التنبه له في قاعدة الباب من مذهب المنزِّلين أنا نقسم حصة أولاد الأخت من الأب والأم، وحصة أولاد الأخت من الأب بينهم بعد التنزيل الذي ذكرناه مع مراعاة صفاتهم في الذكورة والأنوثة، فإن كانوا ذكوراً [قسم عليهم بالسوية، وكذلك الإناث الممحّضات، وإن كانوا ذكوراً] (1) وإناثاً، فالمذهب الذي عليه التعويل أن حصتهم مقسومةٌ عليهم: للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا فيما أصاب أولاد الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب.
فأما أولاد الأخ والأخت من الأم، فحصتهم مقسومة عليهم بالسويّة، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً: لا يفضَّل ذكرٌ على أنثى، كما لا يفضل الأخ من الأم على الأخت.
وهذا فيه مجال للفكر، من طريق العلة، وإن كان الحكم متفقاً عليه؛ فإن
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(9/211)


قياس المنزّلين يقتضي أن تقسم حصةُ أولاد الوارث على نسبة قسمة تركة ذلك الوارث لو مات، وسيأتي مصداق ذلك في الأبواب والمسائل، إن شاء الله عز وجل.
وهذا يقتضي أن يقال: لو مات الأخ من الأم، وله ابنٌ، وبنت، فما يخلّفه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكن لم يصر إلى ذلك أحد من المنزِّلين، في هذا المقام. وقطعوا بأن أولاد الأخ من الأم يستوون، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً.
6417 - وأصل الباب على قول أهل القرابة أن ننظر: فإن كان في أولاد الأخوات وبنات [الإخوة] (1) من هو أقرب بالدرجة، فهو أولى من أي جهةٍ كان، سواء كان من أولاد الأب، أو من أولاد الأم.
وإن استوت الدرجات، فأيّهم سبق إلى الوارث، فهو أولى من أي جهة كان السابق.
وإن [استوَوْا] (2) في الدرجة والسبق، فقد اختلف فيه أهل القرابة، فأمّا أبو حنيفة، وأبو يوسف، فإنهما جعلا من كان من قِبل الأب والأم أولى، ثم من كان من قبل الأب، ثم من كان من قِبل الأم، وراعى هؤلاء قوة القرابة، ولم يلتفتوا إلى الأصول، وإلى من يسقط منهم أو يبقى. ثم قال هؤلاء: أولاد من كان من قبل الأب والأم، أو من قبل الأب يتفاضلون إذا كانوا ذكوراً وإناثاً: للذكر مثل حظ الأنثيين. فأما إن كانوا من أولاد الأخ من الأم، أو الأخت من الأم، فلا يفضّل الذكر منهم على الأنثى، على حسب ما ذكرناه على مذهب المنزِّلين.
فأما محمد بن الحسن، فإنه يأخذ حكمَ كل فريق من آبائهم، ويأخذ العدد من
__________
(1) في الأصل: الأخ.
(2) في الأصل، (ت 3): استوت.

(9/212)


الأولاد، كما ذكرناه في أولاد البنات [وسيتضح مذهبه بالمثال، فلينظر الناظر حتى ينتهي إليه، وإذ ذاك نبينه بياناً] (1) شافياً.
6418 - مسائل الباب:
بنت أخت، وابنا أختٍ أخرى.
في قول المنزّلين: لولد كلّ أختٍ النصفُ، ثم أحد النصفين بين ابني الأخت نصفين، والنصف الآخر لبنت الأخت الأخرى.
وعلى قول أهل القرابة المال بين بنت الأخت وابني الأخت الأخرى: للذكر مثل حظ الأنثيين على خمسة.
والأختان من جهة واحدة: إما من أبٍ وأم، أو من أب.
ثلاث بنات ثلاثة إخوة مفترقين
على قول أبي حنيفة، وأبي يوسف: السدس (2) لبنت الأخ من الأم، وهو نصيب أبيها لو كان هو الوارث، والباقي لبنت الأخ من الأب والأم؛ وذلك أن الأخ من الأب يَسقُط بالأخ من الأب والأم، فكذلك يسقط ولدُه.
هذا حكم التنزيل، وهذا بعينه مذهبُ محمد بن الحسن.
ثلاث بنات ثلاث أخوات متفرقات
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف: المال لبنت الأخت من الأب والأم.
وفي قول المنزِّلين وقول محمد بن الحسن: المال بينهن على خمسة، كما يكون بين أمهاتهن كذلك، بالفرض والرّد.
وكذلك الجواب في
ثلاثة بني ثلاث أخوات مفترقات عند الفريقين.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(2) (ت 3): المال. وسقطت من (ت 2).

(9/213)


ثلاثة بنين، وثلاث بنات ثلاث أخواتٍ مفترقات
مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف: أن المال بين ولدي الأخت من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول محمد نجعل كأنه خلَّف ست أخوات مفترقات، فأخذ العدد من الأولاد، والحكم من الأصول. وهذا موضع التنبيه الموعود؛ فإنا [ذكرنا] (1) من أصله في باب أولاد البنات أنه يأخذ في هذا الاعتبار من الدرجة الأولى التي فيها الخلاف، وهي أعلى الدرجات من الأرحام، ولا يعتبر هذا في الأصول الوارثين. وفي هذا الباب اعتبر في العدد الأصول في الصفة، وأقام كلَّ أصل على عدد أولاده، حيث قال: نجعل كأنّ في المسألة ست أخواتٍ مفترقات، فإذاً للأخت من الأم الثلث بتقديرها أختين، وللأخت من الأب والأم الثلثان؛ لأنها بمنزلة الأختين لأب وأم، ثم الثلث الذي أضيف إلى الأخت من الأم يكون بين ولديها نصفين، والثلثان الذي قدرناه للأخت من الأب والأم بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين على ثلاثة.
ومذهب المنزلين: أن المال يقدّر بين أمهاتهن على خمسة، فما أصاب الأختَ من الأم، وهو سهمٌ من خمسة، فهو بين ولديها: بالسوية لما مهدناه من التسوية بين أولاد الأخ من الأم، والسهم الذي يصيب الأخت من الأب بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين. والثلاثة التي للأخت من الأب والأم بين ولديها: للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا يكاد يخفى طريق التصحيح.
وعلى قول أبي عبيد وإسحاق: نقسم المال بين الأمهات، كما ذكرناه على خمسة، وما أصاب كلّ واحدة منهن بين ولديها: نصفين من غير تفضيل ذكر على أنثى.
__________
(1) في الأصل: نذكر.

(9/214)


ابن أخت لأم معه أخته، وابن ابن أخت لأبٍ وأم
فالمال لولدي الأخت من الأم بينهما نصفين على قول الفريقين.
وفي قول نوح وحُبيش (1): المال بين الثلاثة بالسويّه.
بنتا أخٍ، وخمس بنات أخٍ آخر
عند أهل القرابة: المال بينهن على سبعة، وهذا مذهب محمد أيضاً؛ فإنه إذا نقل عددَ الأولاد إلى الأخوين، وقعت القسمة كذلك.
وعند المنزِّلين يقدّر لكل أخٍ نصف المال، ثم يقسم نصفٌ على اثنين، ونصفٌ على خمسة، ولا يخفى التصحيح.
ابنا أخٍ لأمٍ، وبنتُ أخت لأبٍ:
في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف: المال لبنت الأخ من الأب.
وقال محمد بن الحسن: المال بينهم على خمسة، فإنه يقدر الأخ من الأم على عدد الأولاد، ففي المسالة على هذا التقدير: أخت لأبٍ، وأخوان لأم، فتقع القسمة من خمسة.
وعلى قول المنزلين: يقسم المال بينهم على أربعة، ويقدر في المسألة أخٌ لأم، وأخت لأبٍ. ولو كانا، لقسمنا المال بينهما بالفرض والرد على هذه النسبة.
ثم الربع الذي يقع لولدي الأخ من الأم بينهما نصفين.
ابنا أختٍ لأبٍ، وبنت أخت لأبٍ وأم
في قول أبي حنيفة وأبي يوسف المال لبنت الأخت من الأب والأم.
وفي قول محمد كانه خلف أختاً لأبٍ وأم، وأختاً لأبٍ، فالمال على هذا
__________
(1) نوح وحبيش: يورثان بالرحم مطلقاً، من غير نظر إلى قرابة ولا إلى تنزيل، فيسوون بينهم (انظر ما سلف ص 201).

(9/215)


التقدير بينهن على أربعة بالفرض والرد، فما أصاب الأختَ من الأب -وهو سهم- لولديها نصفين.
وهذا مذهبُ المنزِّلين.
وقد أجرينا بعضَ الصور المقدمة على قول علي في الرد؛ فإنه رضي الله عنه يرد المال على الأخت من الأب والأم، والأخت من الأب على آربعة. ومن قال بقول ابن مسعود، فإنه يجعل السدس لولدي الأخت من الأب، والباقي لولد الأخت من الأب والأم؛ فإنه لا يرى الردَّ على الأخت من الأب [مع الأخت من الأب] (1) والأم.
فهذا اعتبار الباب، وبيان أصول العلماء بالمسائل، وضرب الأمثلة.
...
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/216)


باب في كيفية توريث الأخوال والخالات والأعمام والعمات من الأم
6419 - قاعدة الباب على رأي أهل القرابة أن الخالات لو كن منفردات، ننظر: فإن كان جميعهن من جهةٍ واحدة، بأن كن أخوات الأم من أبٍ وأم، أو أبٍ، أو أمٍ، فالمال بينهن بالسوية، وإن اختلفت جهاتهن: بأن كنّ ثلاث أخوات مفترقات لأم الميت، فأَوْلاهن من كان من قبل الأب والأم، ثم من كان من قبل الأب، ثم من كان من قبل الأم.
وحكم الأخوال إذا انفردوا، كحكم الخالات المنفردات؛ فإن اجتمع الأخوال والخالات، وكانوا من جهةٍ واحدةٍ، فالمال بينهن: للذكر مثل حظ الأنثيين، سواء كانوا من قبل الأب والأم، أو من قبل الأب، أو من قبل الأم. ولم يفصّلوا في تفضيل الذكر على الأنثى بين جهةٍ وجهةٍ، ولم يقولوا إخوة الأم من جهة الأم، وهم أخوال الميت: لا يفضل ذكرهم على أنثاهم.
وقد مهدنا في باب أولاد الأخوات أن أولاد الأخت والأخ من [الأم] (1) يستوون، وإن كان بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً، فليعلم الناظر هذا فصلاً بين البابين.
هذا قول المُقرِّبين في الأخوال والخالات.
فأمّا العمات المنفردات على رأيهم، فحكمهن حكم الخالات، فإن اجتمع
__________
(1) في الأصل: الأب.

(9/217)


مع العمات من الأم أعمام من الأم، ولم يكن في المسألة غيرهم، قسم المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
6420 - وإذا اجتمع الخالات والعمات جميعاً، فالمذهب المشهور من قول أصحاب أبي حنيفة أنه يُدفع إلى الخالات الثلث، وإلى العمات الثلثان، ثم يعتبر في ثلث الخالات والثلثين للعمات ما كان يعتبر في جميع المال لو صرف إلى أحد الصنفين عند انفراده.
وروى ابنُ سماعة (1) عن أبي يوسف أنه قال: إنما نجعل المال ثلثاً، وثلثين بين العمات والخالات، إذا استوت جهة العمات، والخالات، فأمّا إذا اختلفت الجهتان، فالمال كلّه لأقواهما، خالاتٍ كنّ أو عمات.
وكان بشر (2) يقول: المال مصروفٌ إلى العمات على أية جهة كُنَّ، دون الخالات.
وهذا مذهب شاذ، ولا يعدّ خلاف بشر.
6421 - فأما أهل التنزيل فقد قالوا: إذا كانت الخالات منفردات، قسّم المال بينهم على حسب ما يرثن من الأم لو كانت هي الميتة، وكذلك الأخوال المنفردون، والأخوال والخالات إذا اجتمعوا قسّم المال بينهم على حسب استحقاقهم من أم الميت لو كانت هي الميتة.
فأمَّا العمات المنفردات، فلأهل التنزيل في العمة مذاهبٌ: منهم من قال: العمة بمنزلة الأب؛ فإنها تدلي إلى الميت بالأب؛ إذ هي أخت أب الميت.
__________
(1) ابن سماعة، محمد بن سماعة بن عبد الله التميمي، أبو عبد الله، ولى القضاء لهارون الرشيد، وكان يقول بالرأي على مذهب أبي حنيفة، وله كتاب (النوادر) عن أبي يوسف ت 233 هـ. (ر. الأعلام للزركلي، وتاريخ بغداد: 5/ 341).
(2) بشر: أبو الوليد بشر بن الوليد بن خالد بن الوليد الكندي، أخذ العلم عن أبي يوسف خاصة، وولي القضاء ت 238 هـ (طبقات الفقهاء: 138، الجواهر المضية 1/ 452).

(9/218)


ومنهم من قال: هي بمنزلة العم من الأب والأم، سواء كانت عمة من أب، أو عمة من أم، أو عمة من أبٍ وأم.
فهذا القائل ينزلها منزلة العم من الأب والأم.
وهذه روايةٌ عن علي.
ومن المنزّلين من نزّل العمات المفترقات منزلةَ الأعمام المفترقين.
ومن المُنَزِّلين من نزلهن منزلة الجد؛ من جهة أنها تدلي بالجد أب الأب.
وهذا إنما يستقيم في العمة من الأب والأم، والعمة من الأب، فأمَّا العمة من الأم، فينبغي أن تكون كالجدة أم الأب؛ فإنها على هذا الطريق تدلي بالجدّة.
ونحن نعود إلى شرح هذه المذاهب في آخر توريث الأرحام عند نجاز الأبواب المعقودة في أفراد أصناف ذوي الأرحام، إن شاء الله تعالى.
6422 - فمن نزل العمةَ منزلة الأب، أو منزلة العم من الأب والأم؛ فإنه يقول في العمات المفترقات: إنهن يستحققن الميراث على حسب استحقاقهن من الأب لو كان هو الميت.
وهذا موضع تدبر؛ فإن العمة لو انفردت جعلناها كالأب من أي جهةٍ كانت، فقد يخطر للناظر أن يجعلهن وإن اختلفت جهاتهن كالمستويات، ولكن ليس الأمر كذلك عند المنزِّلين؛ فإنهم يعتبرون تقدير ميراثهن من الأب، كما اعتبروا في الخالات المفترقات تقدير ميراثهن من الأم.
ومن نزل العمات المفترقات منزلة الأعمام المفترقين، قدم العمة من الأب والأم، ثم العمة من الأب، فإن لم تكونا، فإذ ذاك ترث العمة من الأم.
ومن نزلهن منزلة الجدّ، فإنه يُسقط من كان من قبل الأم؛ فإنها ليست مدلية بالجد. ويقسم ما أصاب بين العمة من الأب والأم، والعمة من الأب بالسوية،

(9/219)


ولا يعتبر غيرَ ذلك؛ فإن المتبع عنده الإدلاء بالجد، وقرابة الأم غير معتبرة.
وهاهنا موقف للناظر؛ إذْ كان يحتمل أن يقال: العمة من الأم كالجدة أم الأب، كما ذكرناه، والجدة أم الأب ترث مع أب الأب. ولكن لم يفعل المنزّلون ذلك، وغلّبوا العمةَ المدلية بالجد، وأسقطوا بها العمة المدليةَ بالجدة وزادوا، فلم يرجحوا العمة من الأب والأم على العمة من الأب.
6423 - وكان أحمد بن حنبل يجعل الخال أولى من جميع ذوي الأرحام لخبرٍ فيه، سنذكره بعد نجاز الأبواب، إن شاء الله تعالى. فإن لم يكن خال، فمذهبه مذهب المنزّلين في كل معنىً. وهذه الأصول تُهذَّب بالمسائل.
مسائل الباب
ثلاث خالات مفترقاتٍ
في قول أهل القرابة: المال للخالة من الأب والأم.
ومذهب المنزّلين أن المال بينهن على حسب استحقاقهن من أم الميت، لو كانت هي الميتة، ثم الصحيح مذهبُ عليّ في الرّد، فالمال إذن بين الخالات على خمسة كما لو ورثن أمَّ الميت بالفرض والرد.
وعلى أصل ابن مسعود في الرد: السدس للخالة من الأم، والباقي بين الخالة من الأب والأم، والخالة من الأب على أربعة.
ثلاثة أخوال مفترقين.
عند أهل القرابة: المال للخال من الأب والأمّ.
وعلى رأي المُنَزِّلين: المالُ بين الخال من الأم، والخال من الأب والأم على ستة: للذي هو من الأم السدس، والباقي للخال من الأب والأم، على قياس توريثهم من أم الميت.

(9/220)


ثلاثة أخوال مفترقين، وثلاث خالات مفترقات
مذهب المُقَرِّبين: أن المال بين الخال والخالة من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
[وعند المُنَزِّلين: الثلث بين الخال والخالة من الأم للذكر مثل حظ الأنثيين] (1).
6424 - وهذا مشكل بالإضافة إلى ما قدمناه في أولاد الأخوات؛ فإنّا جعلنا المال بين أولاد الأخ من الأم مقسوماً بالسوية على الذكور والإناث، وهاهنا فضلنا الذكر على الأنثى في أُخُوَّة الأم من قبل أمهما، وإن كانوا يرثونها لو ماتت بالسوية؛ ومبنى التنزيل في هذه الأبواب على اعتبار الإرث من الأم لو كانت هي الميتة، والذي يحقق ذلك أنا قدرنا الثلث للخال والخالة من الأم، وما ذلك إلا لاعتبار التوريث من الأم، فيجب اعتبار قياس التوريث منها.
وقال المُنَزِّلون: الباقي بعد هذا الثلث للخال والخالة من الأب والأم:
للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا سديد في إخوة الأم من أبيها وأمها؛ فإنهم على هذا القياس يرثونها لو ماتت.
وعند أبي عبيدٍ ومن تابعه: الثلث بين الخال والخالة من الأم نصفين، والثلثان بين الخال والخالة من الأب والأم نصفين، وهذا أصله المطّرد في التسوية بين الذكور والإناث.
6425 - ثلاث عماتٍ مفترقات
عند أهل القرابة: المال بين العمة من الأب والأم
وعند المنزلين: تختلف المسالك، فمن نزل العمات منزلة الأعمام، جعل
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل، (ت 3)، وأثبتناه من (ت 2).

(9/221)


العمة من الأب والأم أولى، كما ذهب إليه المقربون.
ومَنْ نزلهن منزلة الأب، قسم المال بينهن، كما يرثن من الأب لو كان هو الميت، فعلى أصل عليٍّ في الرّدّ: المال مقسوم على خمسة، وعلى أصل ابن مسعود في الرد (1) السدس للعمة من الأب، والباقي بين العمة من الأب والأم، والعمة من الأم على أربعة.
خالة لأم، وعمة لأب
على مذهب القرابة في الرواية المشهورة: الثلث للخالة، والثلثان للعمة.
وعلى رواية ابن سماعة عن أبي يوسف: المال كله للعمة من الأب، فإن الجهتين قد اختلفتا، وروايته أن الجهتين إذا اختلفتا، قدمت [أقواهما] (2).
وعلى مذهب المنزلين: الثلث للخالة، والثلثان للعمة، وتنزلان منزلة الأم والأب.
خالة لأب وأم، وعمة لأب
فمذهب الجمهور من المقرّبين: أن المال بينهما على ثلاثة، كما ذكرنا: [الثلث للخالة من الأب والأم، والثلثان للعمة.
وعلى رواية ابن سماعة المال للخالة.
ثلاثة أخوال مفترقين، وثلاث عمات مفترقات
عند أهل القرابة] (3) الثلث للخال من الأب والأم، والثلثان للعمة من الأب والأم.
__________
(1) نذكّر بأن أصل عليٍّ في الرد الرّدُّ على جميع أصحاب الفروض ما عدا الزوجين.
وأما ابن مسعود، فلا يرد على بنت الابن إذا كان معها صلبية، ولا على الأخت لأب إذا كان معها شقيقة، ولا على أخت لأم إذا كان معها أم، ولا على الجدة إذا كان معها صاحب فرضٍ متعلقه الرحم. وأما الزوجان فلا يرد عليهما أصلاً، وعلى أية حال.
(2) في الأصل: أبوهما. وهو من غرائب التصحيف.
(3) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(9/222)


وعلى قول المنزِّلين: الثلث، بين الخال من الأم، والخال من الأب والأم، على ستة: للخال من الأم سهم، وللخال من الأب والأم [خمسة] (1)، والثلثان الذي للعمات يخرّج على اختلاف المنزّلين في تنزيل العمات، فمن نزل العمات منزلةَ الأعمام جعل الثلثين للعمة من الأب والأم.
ومن نزلهن منزلة الأب، قسم الثلثين بين العمات على خمسة في قول علي، كما يرثن الأب كذلك، لو كان هو الميت، فأمَّا على أصل ابن مسعود في الردّ، فسدس الثلثين للعمة من الأب، والباقي بين العمة من الأب والأم، والعمة من الأم، على أربعة: رُبْعُه للعمة من الأم، وثلاثة أرباعه للعمة من الأب والأم (2).
عمتان من أبٍ، وعمّ وعمّةٌ من أم، وخالة من أب وخالة من أم
في قول أهل القرابة: الثلث للخالة من الأب، والثلثان للعمتين من الأب.
وعلى قول المنزلين: الثلث بين الخالة من الأم، والخالة من الأب على أربعة أسهم للخالة من الأم الربع، وللخالة من الأب ثلاثة أرباع المال. وللعمتين من الأب ثلثا الثلثين، وللعمّ والعمة من الأم الثلث من الثلثين بينهما نصفين.
وهذا الآن يخالف ما قدمناه، من قسمة المال، والحصة بين الخال والخالة من الأم للذكر مثل حظ الأنثيين، كما نبهنا عليه في أثناء الباب. فإن صح ذلك الذي تقدم نقلاً، فيجب هاهنا قسمة ثلث الثلثين بين العم والعمة من الأم، للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن صح قسمة ثلث الثلثين بين العم والعمة نصفين، وهذا
__________
(1) في الأصل: سهمان.
(2) لأن العمة من الأب هنا لا يرد عليها مع وجود العمة لأب وأم، فهي أختٌ لأبٍ مع أختٍ شقيقة، ولو عبرنا عن المسألة بعبارة أوضح، لقلنا: الثلث للخال من الأب والأمً، والخال من الأم ......... والثلثان للعمات: للعمة للأب والأم النصف، وللعمة من الأب السدس، وللعمة من الأم السدس، والباقي -من الثلثين- يُردُّ على العمة من الأب والأم، والعمة من الأم، دون العمة من الأب؛ فليس لها هنا إلا سدسها.

(9/223)


هو القياس المنطبق على أصل التنزيل، وجب على مقتضاه لا محالة قسمة المال والحصة بين الخال والخالة من الأم نصفين بالسوية. ومن نزّل العمات بمنزلة الأعمام، جعل الثلثين كلَّه للعمتين من الأب.
فهذا ما نقلناه على ثَبَتٍ من كتاب الأستاذ أبي منصور رحمه الله.
***

(9/224)


باب في توريثهم لأولاد الأخوال والخالات والعمّات
6426 - أصل هذا الباب على قول أهل القرابة أن أولاد الأخوال والخالات، إذا كانوا منفردين، يُنظر فيهم: فإن استَوَوْا في الدرج وكانوا من جههٍ واحدة، ورثوا جميعَ المال.
ثم أبو يوسف يعتبر أبدانهم عدداً، وصفةً، ويقسم بينهم على اختلافهم في أنفسهم، ولا ينظر إلى أصولهم في الذكورة والأنوثة.
ومحمد يعتبرهم بأصولهم في الذكورة، ثم يعدّد الأصول بعدد الأولاد، كما تمهّد ذلك من أصله في أولاد الأخوات، وبنات الإخوة.
فإن اختلفت جهاتهم، فكان بعضهم أولاد الخال أو الخالة من الأب والأم، وبعضهم أولاد الخال أو الخالة من الأب، وبعضهم من الأم. فإن كان فيهم قريبٌ بالدّرجة، فهو أولى على رأي المقرِّبين. وإن استوَوْا في القرب يقدم أسبقهم إلى الوارث، وليس ذلك لاختيار التنزيل، وإنّما هو لقوة القرابة المدانية لقرب الدرجة، فإن استوَوْا في السبق إلى الوارث، اعتُبر بعد ذلك قوةُ القرابة، فقرب الدرجة، مقدّم على السبق، وقوة القرابة، والسبقُ بعده، مقدَّم على [قوة] (1) القرابة. فإن حصل الاستواء في قرب الدرجة، والسبقِ إلى الوارث، اعتبر بعدهما قوةُ القرابة، فإن استوَوْا في القرب، والسبق، وقوة القرابة، اشتركوا. والمعتبر أبدانُهم على رأي أبي يوسف.
__________
(1) في الأصل: قرب.

(9/225)


وأمّا محمد يعتبر آباءهم، كما تقدم. والآباء في هذا الباب الأخوالُ، والخالات، وهم مختلف فيهم. وقد ذكرنا أنّه يعتبر صفات الآباء إذا كانوا أرحاماً في الدرجة الأولى، ويعتبر الأعدادُ من الأولاد. وقد تكرر ذلك.
ونحن نُفرد (1) في صدر هذا الباب أولادَ الأخوال والخالات، ثم نذكر بنات الأعمام وأولاد العمات، ثم نذكر اجتماع بنات الأعمام وأولادَ العمات، وأولادَ الأخوال والخالات.
فأمَّا الفصل الأول، فقد مهدنا فيه أصلَ المقرِّبين.
فأما أهلُ التنزيل، فأصلهم يطرد في الأبواب، ولا يكاد يختلف، فيُنزِّلون أولادَ الأخوال والخالات درجةً درجة: إذا نزّلوا واحداً درجةً، نزّلوا الآخر؛ فإن سبق أحدهم إلى وارثٍ للميت، كان أولى من غيره، ولا نظر عندهم إلى قرب الدرجة.
وإن استوَوْا في السبق إلى الورثة، قسّم بين الورثة الذين صاروا إليهم، وانتهَوْا إلى وراثتهم، على حسب استحقاقهم من الميت، فإذا بانت حصةُ كل واحدٍ من ورثة الميت، فُضَّت حصتُه على من انتهى إليه بالتنزيل، على حسب استحقاقهم منه، لو كان هو الميت.
وهذا الأصل لاطراده يذكر في صدر كل باب، فيستقيم أصلاً فيه.
مسائل هذا النوع:
6427 - ثلاث بنات أخوال مفترقين
في قول أهل القرابة: المال لبنت الخال من الأب والأم؛ لقوة القرابة.
وعند المنزِّلين السدسُ لبنت الخال من الأم، والباقي لبنت الخال من الأب والأم.
__________
(1) (ت 3): نقرر.

(9/226)


وكذلك الجواب في ثلاثة بني أخوال مفترقين.
ثلاث بنات خالات مفترقات
على أصل أهل القرابة: الميراث لبنت الخال من الأب والأم، وعند المنزِّلين على رأي عليٍّ في الردّ المالُ بينهن على خمسة: لبنت الخالة من الأم سهم، ولبنت الخالة من الأب سهم، ولبنت الخالة من الأب والأم ثلاثة أسهم.
[ومن قال بقول ابن مسعود في الردّ، وكان من المنزّلين] (1)، قال: لبنت الخالة من الأب السدسُ، والباقي بين بنت الخالة من الأم، وبنت الخالة من الأب والأم على أربعة.
ثلاث بنات أخوال مفترقين، وثلاثة بني (2) خالات مفترقات
في قول أبي يوسف: المال بين ولدي الخال والخالة من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي قول محمد: يقسم المال بين الخال والخالة من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، فما أصاب كلّ واحد منهما، دفع إلى ولده، فيكون سهمان لبنت الخال من الأب والأم وسهمٌ لابن الخالة من الأب والأم.
وأما على مذهب المنزلين، فالأخوال والخالات إخوةٌ لأم، فيقسم المال بينهم، فيخص الخالَ والخالةَ من الأم ثلثُ المال، ويكون الباقي للخال والخالة من الأب والأم، ويسقط الخالة والخالُ من الأب.
فأمّا ما خص الخال والخالة من الأم، فيقسم بين ولديهما بالسوية، كما ذكرناه في أولاد الأخ من الأم في بابه.
__________
(1) عبارة الأصل: " وعلى قول ابن مسعود في الرد، ومن يقول بالتنزيل ".
(2) (ت 3): بنات.

(9/227)


وأما ما يخص الخالَ والخالةَ من الأب، فمسلمٌ إلى أولادهما للذكر مثلُ حظ الأنثيين إلا في قول أبي عُبيد من المنزِّلين، فإنه لا يفضل الذكر على الأنثى.
6428 - فأما بنات الأعمام وأولاد العمات، فأصل المقرِّبين على ما تمهّد.
والمبتدىء في هذا العلم ينتفع بالتكرير ويألف المذاهبَ به.
فإن اختلفت الدرجات، فالأقرب أولى، وإن استوت، فالأسبق إلى الوارث أولى، وإن لم يكن فيهم أسبق، فالأقوى أولى.
وبيان ذلك قبل المسائل أنه إذا كان في المسألة:
ابنة ابن عمٍّ لأبٍ وأم، وبنت عمة من أم، فالمال لبنت العمة عند المقرِّبين، لأنها أقرب، فإنْ ترك بنتَ بنت عمّة، وبنت ابن عم لأب وأم، فالمال لبنت ابن العم؛ لأنها أسبق، فإن ترك بنت عمة لأب وأم، وبنت عمة لأب أو لأم، فالمال لبنت العمة من الأب والأم؛ لأنها أقوى، فإن ترك بنت عمّة، وبنتَ عم لأبٍ وأم، أو لأبٍ، فبنت العم أولى؛ لأن أباها عصبة، فهذا أصل المقربين، وأصل المنزِّلين ما سبق.
- مسائله
6429 - ثلاث بنات عمّات مفترقات
عند أهل القرابة: المال لبنت العمّة من الأب والأم.
وأما المنزِّلون: فمن نزل العمات منزلة الأعمام، قدم بنتَ العم من الأب والأم، ومن نزل العمات منزلة الأب قسّم المالَ بينهن على خمسة، على قول عليٍّ في الرد: لبنت العمة من الأم سهم، ولبنت العمة من الأب سهم، ولبنت العمة من الأب والأم ثلاثة أسهم.

(9/228)


ومن فرّع على رأي ابن مسعود جعل السدس [لبنت] (1) العمة من الأب، والباقي بين بنت العمة من الأم، وبنت العمة من الأب والأم على أربعة أسهم.
ثلاث بنات أعمام مفترقين
المال لبنت العم من الأب والأم عند الجميع، إلا على قول نوح وحُبيش، فإن المال بينهن أثلاثاً.
ثلاث بنات أعمام مفترقين، وثلاثة بني عمات مفترقات
فالمال لبنت العم من الأب والأم عند الفريقين.
فأما إذا اجتمع
بنات الأعمام، وأولادُ العمات، وأولادُ الأخوال والخالات، فمذهب المقرِّبين أن من كان أقرب منهم بالدرجة، فهو أولى، وإن استوَوْا في الدرجة، فالأسبق إلى الوارث أولى. وإن استوَوْا في السبق إلى الوارث، فالثلثان لجهة بنات الأعمام وأولاد العمات.
ثم النظر فيه على ما قدمناه في أفرادهم (2).
والثلثان في حقهم كجملة المال لو انفردوا، والثلث لجهة أولاد الأخوال والخالات، ثم يعتبر في الثلث ما يعتبر في جميع المال لو انفردوا.
وأهل التنزيل ينزِّلون الأخوال كما قدمنا في انفرادهم، ويختلفون في تنزيل العمَّات، وأولادهم على ما نبين في المسائل.
ثلاث بنات أخوال مفترقين، وثلاث بنات أعمام مفترقين، وثلاثة بني عمات مفترقات، وثلاث [بني] (3) خالات مفترقات، فبنت العم من الأب والأم أوْلى
__________
(1) في الأصل: لابن.
(2) (ت 3)، (ت 2): أولادهم.
(3) في الأصل: بنات.

(9/229)


على رأي الفريقين [إلا نوح وحُبيش] (1)، لأنها أسبق إلى الوارث، مع الاستواء في الدرجة.
ثلاث بنات أخوال مفترقين، وثلاث بنات عماتٍ مفترقات
عند أهل القرابة الثلث لبنت الخال من الأب والأم، والثلثان لبنت العمة من الأب والأم.
وعند المنزّلين: الثلث بين بنت الخال من الأم، وبنت الخال من الأب والأم، على ستة أسهم: سهمٌ لبنت الخال من الأم، وخمسة أسهم لبنت الخال من الأب والأم، وتسقط بنت الخال من الأب.
وأمَّا بنات العمات، فمن نزل العمات منزلة الأعمام، جعل الثلثين لبنت العمة من الأب والأم، ومن نزّلهن، منزلة الأب أو نزّلهن منزلة العم من الأب والأم، وإن اختلفت قراباتهن، تصدّى له مذهب عليٍّ وابنِ مسعود في الرد، فإن قال بقول عليٍّ، قسمَ الثلثين بينهن على خمسة: سهم لبنت العمة من الأم، وسهمٌ لبنت العمة من الأب، وثلاثة أسهم لبنت العمة من الأب والأم.
ومن فرع على مذهب ابن مسعود في الرد، جعل لبنت العمة من الأب سدسَ الثلثين، وقسم خمسة أسداس الثلثين بين بنت العمة من الأم، وبنت العمّة من الأب والأم، على أربعة أسهم.
كما تكرر ذكره مراراً.
بنت ابن خال من الأب والأم، وبنت ابن عمة من الأب والأم، وبنت بنت عم لأب
المال لبنت بنت العم عند الفريقين. وعند نوح وحبيش هو بين الثلاث بالسوية.
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/230)


بنت عمة من أم، وبنت ابن عم من أب، وبنت خالٍ من أب وأم
عند المنزلين: المال لبنت ابن العم، فإنها أسبق إلى الوارث.
وعند أهل القرابة: الثلث لبنت الخال، والثلثان لبنت العمة، وتسقط بنت ابن العم، فإنها وإن كانت أسبق إلى الوارث، فبنت العمة أقرب، والقرب على مذهب القرابة، مقدم على السبق إلى الوارث.
***

(9/231)


باب في كيفية توريث قرابات الأبوين: مثل أخوالهما وخالاتهما وأعمامهما وعماتهما
6430 - فنذكر قرابات الأم، ثم نذكر قرابات الأب، ثم نذكر اجتماعهم.
فأما أخوال الأم وخالاتها على رأي المقرِّبين، فهم بمنزلة أخوال الميت، وخالاته يعتبر فيهم ما يعتبر فيهم.
وعمّاتها إذا انفردن، وأعمامها، يعتبر فيهم ما يعتبر في عمات الميت وأعمامه من الأم.
فإن اجتمعت عمةُ الأم، وخالُها، فقد اختلفت الرواية عن المقرِّبين، فروى أبو سليمان الجوزجاني (1) أن الثلث للخالة والثلثين للعمة. وإن تعددت، فالثلث للخالات، والثلثان للعمات، والأخوال كالخالات، على قياس خالات الميت وعماته.
وروى عيسى بن أبان أن المال كلَّه للعمّة.
وذكر بعض الفرضيين أن هذا مرويٌّ عن أبي يوسف، وقيل: هو مذهب أبي حنيفة، ومحمد.
فإن اجتمع أعمام أم الميت، وعماتها، فالرواية المشهورة أن المال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
__________
(1) أبو سليمان الجوزجاني: أبو سليمان موسى بن سليمان، أخذ عن أبي يوسف ومحمد وروى كتبهما، فقيه محدث. ت بعد المائتين (طبقات الفقهاء: 137).

(9/232)


وروى بعض الفرضيين عنهم أن المال كلَّه للعم إن كان من أبٍ وأمٍّ، أو أبٍ.
فإن كان لأم، وكانت العمة كذلك لأم، فالمال بينهم: للذكر مثل حظ الأنثيين.
6431 - وهذا مضيقٌ اضطروا إليه؛ فإنهم يعتبرون القرابةَ والقربَ، وقد اطّرد لهم في عمة الميت وخالة الميت الثلث والثلثان، وهو في التحقيق قُربٌ من مذهب التنزيل؛ فإنهم نزّلوا الخالة منزلةَ الأم، والعمة منزلة الأب، ثم ذلك إن احتُمل، فلا اطراد له في عمّة الأم، وخالة الأم، فإنهما جميعاً من جهة الأم، وعظم عليهم الكلامُ في ذلك.
والأقيس اعتبارُ الثلث والثلثين؛ فإن عمة الأب كأبيها، وخالةَ الأم كأمها.
والمذهب على الجملة مضطرب في الباب على أصحاب القرابة.
6432 - وأما أهل التنزيل، فإنهم نزّلوا أخوال الأم وخالاتها بمنزلة (1 الجدة أم الأم، ونزلوا أعمامها وعمّاتها 1) بمنزلة الجد أب الأم (2)، ثم جرَوْا على قياسهم في التوريث، كما نبين في المسائل.
6433 - مسائله:
ثلاث خالات الأم مفترقات
عند أهل القرابة: المال لخالة الأم من الأب والأم.
وعند المنزّلين: كأن الجدّة أم الأم ماتت عن ثلاث أخواتٍ مفترقات، فالمال بينهن على خمسة، بالفرض والرد، على مذهب عليٍّ، ولا يخفى مذهبُ ابن مسعود في الرد.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (ت 3).
(2) (ت 3): بمنزلة الجدات للأب، (ت 2): بمنزلة الجد أب الأب. وكلاهما خطأ واضح.

(9/233)


ثلاثة أخوال الأم مفترقين.
في قول أهل القرابة: المال للخال من الأب والأم.
والمنزلون يقولون: كأنّ أم الأم ماتت عن ثلاثة إخوة مفترقين، فسقط الذي للأب، ويكون المال بين الآخرين على ستة: سدُسُه للخال من الأم، والباقي للخال من الأب والأم.
ثلاث عمات الأم مفترقات
عند أهل القرابة: المال لعمتها من الأب والأم.
والمنزلون قالوا: نجعل كأن أب الأم مات عن ثلاث أخواتٍ مفترقاتٍ، ولا يخفى التفريع على المذهبين في الردّ.
ثلاثة أعمامٍ الأم مفترقين
عند أهل القرابة: المال لعمها من الأب والأم.
وعند المنزلين: نجعل كأنّ أب الأم مات، وخلف ثلاثة إخوة مفترقين.
ثلاثة أعمام الأم، وثلاث عماتها مفترقين
المذهب المشهور لأهل القرابة أن المال بين عمها وعمتها لأب وأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، وعلى رواية لهم غريبة: المال لعمتها من الأب والأم، رواها حمدان الجنابي (1).
__________
(1) حمدان الجنابي: لم نجد له ذكراً في تهذيب التهذيب، ولا لسان الميزان، ولا ميزان الذهبي، ولا سيره، ولا الشيرازي، ولا السبكي، ولا الإسنوي ولا ابن الملقن في طبقاتهم، ولا الخطيب البغدادي في تاريخه ولا في موضح الأوهام، ولا الوافي للصفدي، ولا توضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي، ولا الأنساب ولا في كتب تراجم الأحناف، الجواهر، التاج، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري، الفوائد البهية، طبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، الطبقات السنية، ولا في الإكمال لابن ماكولا، ولا الأعلام للزركلي.
هذا مع تقديرنا لتصحيف الاسم، فبحثنا في كل الصور الممكنة بالإعجام أو =

(9/234)


وعند المنزلين: كأن الجد أب الأم خلّف ثلاثة إخوة، وثلاث أخواتٍ مفترقين، فالثلث بين الذين لأم بالسوية، والثلثان بين الذين لأب وأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا على قول أبي عبيد ومن تابعه، فالمال بينهما بالسوية؛ فإن هؤلاء لا يفضلون الذّكر على الأنثى.
أما خالة الأم وعمة الأم إذا اجتمعتا، فسنذكر مذهب المنزلين في ذلك آخر الباب، إن شاء الله عز وجل؛ فإن إيضاح الغرض يستدعي تقديم مسائل.
6434 - فاما أخوال الأب، وعماته، فمسائله:
ثلاثة أخوال الأب مفترقين
[عند أهل القرابة: المال لخال الأب من الأب والأم.
وعند المنزلين: كأن أم الأب ماتت عن ثلاث أخوات مفترقاتٍ] (1) ولا يخفى التفريع.
ثلاث خالات الأب مفترقات
عند أهل القرابة: المال للخالة من الأب والأم.
وعند المنزلين: كأنّ أم الأب ماتت عن ثلاث أخواتٍ مفترقاتٍ، ولا يخفى حكمُ التفريع على مذهبي الردّ.
ثلاثة أخوال الأب، وثلاث خالاته مفترقين
المال على مذهب القرابة للخال والخالة من الأب والأمّ: للذكر مثل حظ الأنثيين.
وفي التنزيل على القاعدة الممهدة: ثلث المال بين الخال والخالة من الأم
__________
= الإهمال، على سبيل المثال: الجناني، الحناني، الحنائي، الجبائي ... إلخ الصور.
(2) ما بين المعقفين سقط من الأصل.

(9/235)


بالسوية، والثلثان بين اللّذَيْن لأب وأم: للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا على مذهب أبي عبيدٍ ومتابعيه.
ولا يخفى [تفصيل] (1) العمات من جانب الأب، ولا يتأتى مزجهن بالأعمام، فإن عمَّ الأب من الأب والأم، ومن الأب عصبة، يحجب الأرحام.
ولا يخفى تخريج العم من الأم.
6435 - فأما ذكر قرابات الأبوين من الجانبين
خالة أم، وخالة أب
في القرابة: لخالة الأم الثلث، ولخالة الأب الثلثان.
وفي التنزيل خالة الأم بمنزلة أم الأم، وخالة الأب بمنزلة أم (2) الأب، فهما كجدتين لهما السدس، والباقي ردٌّ عليهما، فالمال بينهما نصفين.
عمة أم، وعمة أب
في القرابة لعمة الأم الثلث، ولعمة الأب الثلثان.
وفي التنزيل العمة على الرأي الظاهر بمنزلة الأب (3)، كما أن الخالة بمنزلة الأم، فعمة الأب بمنزلة أب الأب، وعمة الأم بمنزلة أب الأم، فالمال لعمة الأب، وتسقط عمة الأم؛ فإن أب الأب وارثٌ، وأب الأم من الأرحام.
خالة الأم، وعمة الأب
في القرابة: لخالة الأم الثلث، ولعمة الأب الثلثان.
وفي التنزيل: لخالة الأم السدس؛ لأنها بمنزلة أم الأم، والباقي لعمة
__________
(1) في الأصل، (ت 2): تفضيل.
(2) (ت 3)، (ت 2): أب الأب. وهو خطأ واضح.
(3) (ت 3)، (ت 2): بمنزلة أب الأب. وهو وهم أيضاً.

(9/236)


الأب؛ لأنها بمنزلة أب الأب، أو عم الأب، وكيفما قدّرنا، فالأمر كذلك.
ثلاث عمات الأب، وثلاث خالاته، كلّهن مفترقات، وثلاثة أعمام الأم، وثلاث عماتها مفترقات، وثلاث خالاتها مفترقات
فعلى الرواية المشهورة لأهل القرابة: ثلث الثلث لخالة الأم من الأب والأم، وثلثا الثلث لعمها وعمتها من الأب والأم: للذكر مثل حظ الأنثيين. وثلث الثلثين لخالة الأب من الأب والأم وثلثا الثلثين لعمته من الأب والأم.
وعلى رواية عيسى (1): الثلثُ لعم الأم وعمتها من قبل الأب والأم، والثلثان لعمة الأب من الأب والأم.
وعند المنزلين: نصف السدس بين خالات الأم على مذهبي الردّ لعلي وابن مسعود، والنصف الآخر من السدس يقسم بين خالات الأب على هذين القياسين في الرد، فأما خمسة الأسداس، فهي لعمّات الأب خاصّة يدار عليهن على قياس الردّ لعلي وابن مسعود.
وعلى قول نوح وحُبَيش المال بين الكل بالسوية.
6436 - وقد تبيّن من مذهب المنزلين أن خالة الأم تقدم على عمة الأم؛ لأن خالة الأم كأم الأم، وهي وارثة، وعمة الأم كأب الأم، وهو جدّ فاسد من الأرحام.
وإذا تمهد هذا، لم يخف تخريج أخوال الأبوين، وخالاتهما، وأعمامهما، وعماتهما.
وأخوالُ الأجداد، وخالاتهم، وعماتُهم، تخرج على القياس المقدّم.
وأصل التنزيل أن ينزّل كل خال وخالة بمنزلة الجدّة التي هي أختها.
__________
(1) عيسى: أي ابن أبان.

(9/237)


وينزل كل عم وعمة بمنزلة الجد الذي هو أخوها، ثم نجري على قياس هذا التقدير.
وأصل أهل القرابة على القانون المقدم لا يختلف منه شيء مع اعتبار القرب، ثم السبق، ثم القوة، وبعد ذلك اختلافُ الروايات في العمات والخالات، من جانب الأب، ومن جانب الأم.
***

(9/238)


بابٌ في كيفية توريث الأجداد والجدات الذين هم من ذوي الأرحام
6437 - هؤلاء سماهم المورثون بالرحم الأجداد الفاسدة، والجدات الفاسدة، وراموا بإطلاق هذا اللفظ الفصلَ بين الجد الوارث بالجدودة، وبين الجد الوارث بالرحم، وكذلك القول في الجدتين.
6438 - فأصل الباب على قول أهل التنزيل: أن ينزل كل واحد من الأجداد والجدات بطناً بطناً، وننظر؛ فإن سبق بعضُهم إلى وارث، فله المال كله، وإن استوَوْا في السبق، قسم المال بين الورثة الذين صاروا إليهم، فما أصاب كلُّ وارث، قُسم بين من يدلي به، على حسب الاستحقاق.
6439 - وأما أهل القرابة، فلهم خبطٌ عظيم في هذا الباب، ونحن نصفه، ونذكر اختلافهم فيه، ونشير إلى أقيس (1) المذاهب على طريق القرابة، إن شاء الله عزوجل.
فإن كان فيهم من هو أقرب، قُدّم من أي جهةٍ كان، وهذا أصل لا يناقضون فيه، وإن استوَوْا في القرب، واختلفوا في السبق، فنذكر صورةً، ونخرّج عليها خبطَهم نقلاً، ونوضِّح وجه القياس، وهي:
أب أب الأم، وأب أم الأم
قال عيسى بن أبان، ومعظم المعتَبرين: المال لأب أب الأم، ولا شيء لأب
__________
(1) (ت 3)، (ت 2): أقيسة.

(9/239)


أم الأم. هذا هو الذي قطع به القاضي أبو محمد (1) في تصنيفه.
وقال بعض المتأخرين من أصحاب أبي حنيفة كأبي الفضل (2) الخفاف، وأبي سهل الفرائض (3) وعلي بن عيسى البصري (4): المال كله لأب أم الأم، ولا شيء لأب أب الأم.
__________
(1) القاضي أبو محمد، لم نستطع القطع بمن هو القاضي أبو محمد، أي اجتمع فيه لقب القاضي= والكنية بأبي محمد، ولعله: أبو محمد سهل بن إبراهيم القاضي، ذكره القرشي في الجواهر (ترجمة رقم 629) ولم يذكر له كتاباً، ولم يؤرخ لوفاته. ثم وجدنا الصيمري في أخبار أبي حنيفة وأصحابه (ص 167) يذكره مع أبي عمرو الطبري (أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المتوفى سنة 340) أي أنه من رجال القرن الرابع.
(2) أبو الفضل الخفاف، ذكره القرشي في الجواهر ولم يزد على ذكر كنيته ولقبه ولم يذكر من أخباره شيئاً، إلا أنه مذكور في نص سراج الدين الفرضي في مختصره كما في الجواهر (2/ 585): " قال الإمام سراج الدين الفرضي في مختصره في فصل في الصنف الثاني، أولاهم بالميراث أقربهم إلى الميت من أي جهة كان، وعند الاستواء، فمن كان يُدلي بوارث فهو أولى عند أبي سهل الفرائضي، وأبي الفضل الخفاف، وعلي بن عيسى البصري ". ولم نجد مزيداً في ترجمة أبي الفضل الخفاف مع بحثنا في باقي كتب تراجم الأحناف كالتاج والفوائد البهية وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري، وطبقات الفقهاء لطاش كبري زاده، وكذا في المراجع المذكورة آنفاً عند البحث عن ترجمة حمدان الجناني، وقد ذكر محقق الجواهر عبد الفتاح الحلو رحمه الله أن للخفاف ترجمة في الطبقات السنية برقم 2897، لكن لم يتسنّ الاطلاع عليها، لأن الجزء الذي فيه هذه الترجمة لم يطبع بعد. (ر. الجواهر المضية: 4/ 75 ترجمة 1963، 2/ 285، 4/ 71).
(3) أبو سهل الفرائضي، ويذكر تارةً بالغزالي، وتارة بالزُّجاجي، من تلاميذ أبي الحسن الكرخي، ومن شيوخ الجصاص، تفقه به أهل نيسابور، وبها توفي، ولم تذكر المصادر سنة وفاته أو ولادته، كما لم تذكر اسمه. وأخباره في: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري: 165، طبقات الشيرازي: 144، الجواهر 4/ 51 - 52 وقال إنه وجد ضبط الزجاجي بضم الزاي في نسخة عتيقة من طبقات الشيرازي، التاج: 335، الفوائد البهية: 81، طبقات الفقهاء لطاش كبري زاده: 68.
(4) علي بن عيسى البصري، ذكره القرشي في الجواهر (2/ 585 ترجمة 988) و (4/ 71) ولم يزد على ذكر اسمه، وما ذكرناه في التعليق قبل السابق في ترجمة أبي الفضل الخفاف يعود هنا، غير أنه لم يشر محقق الجواهر أن لعلي بن عيسى البصري ترجمة في الطبقات السنية.

(9/240)


وقال أبو سليمان الجُوْزجَاني: المال بينهما على التفاضل ثلثاه لأب أب الأم، وثلثُه لأب أم الأمّ.
وقال أبو علي محمد بن موسى البُسْتي (1): إذا استوَوْا في الدرجات، فالمال بينهم بالسوية.
فهذا بيان اضطرابهم.
6440 - ونحن نذكر لكل مذهبٍ من هذه المذاهب وجهاً، ثم نوضّح القياس: فأمّا ما رواه عيسى بنُ أبان، فوجهه أن أب أب الأم قرابته قوية من الأم؛ فإنه عصبتها، وصاحب فرضها. وهي بنت ابنه، فإذا قويت القرابة بين هذا الجد وبين الأم، اقتضى دْلك تقديمَه، وأب أم الأم ليس يرثها بالجدودة، وهو جدّ فاسد في حقها، وهي منه بنت بنته، فكانت هذه القرابة ضعيفة، واعتبار السبق إلى الوارث بعيدٌ على رأي أهل القرابة، وتأويله -حيث تعتبر [آثاره] (2) - قوة في القرابة، وليس مأخذه مأخذ مذهب المنزلين. فإذا وجدنا قوةً في القرابة أولى من اعتبار السبق، لم يُعتبر السبق.
وأما من راعى الثلث والثلثين، فهو بناءٌ منه على قرابة الأم والأب، كما ذكرنا التفصيل في قرابات الأبوين.
ومن راعى التسوية، التفت على مذهب أبي يوسف في القسمة على الأبدان، وتَرْكِ النظر إلى الأصول.
__________
(1) أبو علي محمد بن موسى البستي، ذكره القرشي في الجواهر (4/ 71 ترجمة 1957) مثلما ذكر أبا الفضل الخفاف تماماً، غير أن أبا علي البستي يمتاز بأن إمام الحرمين ذكر اسمه (محمد بن موسى)، على حين لم يذكر صاحب الجواهر إلا لقبه وكنيته، وقد ذكر محقق الجواهر رحمه الله أن له ترجمة في الطبقات السنية برقم 2897 وهي في الجزء الذي لم يطبع من الكتاب.
(2) في الأصل، (ت 2): إثارته.

(9/241)


ومن قدم أب أم الأم على أب أب الأم، اعتبر السبقَ إلى الوارث، فأم الأم جدة صحيحة ترث بالجدودة.
والأقيس عندنا هذا المذهب، فإن قوة القرابة ينبغي أن تُرعى بين الوارث والميت، ومن يسبق إلى وارث الميت أقرب إليه ممن يتأخر عن السبق.
وأهل التنزيل يستغنون عن هذا التطويل.
ولو اجتمع في المسألة:
أب أم الأب، وأب أم الأم
فهما يستويان في السبق والقرب، ولا يتأتى فيها الاختلاف الذي تقدم، وإنما تنقدح روايةُ الجوزجاني في صرف ثلث المال إلى الجد من جانب الأم، وصرف ثلثيه إلى الجد الذي من جانب الأب، ويجري فيه رواية البستي في التسوية.
هذا بيان قاعدة الباب.
6441 - مسائله
أب أب أم، وأب أم أب
عند المنزلين: المال لأب أم الأب، لأنه أسبق إلى الوارث.
وقد ذكرنا خبط أصحاب القرابة في ذلك.
أب أم الأم، وأب أم الأب
عند المنزلين المال بينهما نصفين؛ فإن أب أم الأم بمثابة أم الأم، وأب أم الأب بمثابة أم الأب ولو كانتا موجودتين، لاقتسمتا المال بينهما فرضاً ورداً.
والمذهب المشهور الذي به يُفتي أصحابُ أبي حنيفة، أن الثلث لأب أم الأم والثلثان لأب أم الأب.

(9/242)


جدَّا أم الأم وجدَّا أم الأب
عند المنزلين يختلف جدَّا أم الأم؛ فإن أحدهما أب أم [أم] (1) الأم. والثاني أب أب أم الأم. وأب أم أم الأم أسبق إلى الوارث، فهو الوارث.
ومن جانب الأب الوارثُ أب أم أم الأب؛ فإنه أسبق من أب أب أم الأب إلى الوارث، فإذاً المال بين أب أم أم الأم وبين أب أم أم الأب نصفين، على رأي التنزيل، ونجعلهما كجدتين.
وعلى رواية الجوزجاني من أهل القرابة: الثلث بين جدي أم الأم ثُلثُه للذي هو من قبل الأم، وثلثاه للذي هو من قبل الأب.
والثلثان بين جدي أم الأب ثلثُهُ للذي من قبل الأم، وثلثاه للذي هو من قبل الأب.
وعلى رواية عيسى: الثلث لأب أب أم الأم والثلثان لأب أب أم الأب.
وعلى مذهب المتأخرين: الثلث لأب أم أم الأم، والثلثان لأب أم أم الأب تعويلاً على توريث الأسبق.
6442 - ومما يتعلق بهذا الباب ويليق به بيان توريث الأجداد، والجدات، من ذوي الأرحام مع الأخوال، والخالات، والعمات، وأولادهم.
أصل الباب على قول أهل التنزيل: أن ننزلهم بطناً بطناً، فمن سبق إلى وارث، فهو أولى، فلا يبعد أن نُورِّث عمّةً قريبةً، ونُسقط جداً بعيداً.
وكذلك القول في الخالات، والجدات.
__________
(1) في الأصل: أب، وهو خطأ كما يظهر من الشرح، والمثبت الموافق للمعنى من (ت 2) وفي (ت 3) خطأٌ وسقطٌ، لا فائدة في تسويد الصحائف بذكره.

(9/243)


وإن لم يسبق بعضهم، قُسم المال بين الورثة الذين انتهَوْا إليهم، فما أصاب كلُّ وارثٍ، قُسّم بين من يدلي به، على ما يقتضيه الشرع.
وأما أصحاب القرابة: فمذهب أبي حنيفة أن الأجداد، والجدات أولى، وإن بعدوا، فأصل الباب على قول أبي يوسف ومحمد: أن ننظر إلى الخالات، والعمات، فإن كُنّ مِنْ وَلَدِ جدٍّ أو جدة في طبقة الجدِّ والجدّة المذكورين في المسألة، فالجد والجدة المذكورون في المسألة أولى بالمال. وإذا كان كذلك، فما الظن إذا كان أصول الخالات والعمات أبعد.
وإن كنّ من ولد جدٍّ أو جدة [هما] (1) أقرب من الجد أو الجدة المذكورين في المسألة، فالخالات والعمات أولى بالمال. ومتى جُعلت الخالاتُ والعماتُ أولى من الأجداد والجدات، كان أولادهم، وإن سفلوا أولى منهم على ترتيب العصبات، فإنا إذا قدمنا ابنَ الأخ على العم، قدمنا بنيه، وإن سفلوا على العم.
6443 - المسائل:
أب أم، وخال
عند الجميع المال لأب الأم، إلا عند نوحٍ وحُبَيش.
أب أب أم، وخالة، وعمة
عند أبي حنيفة: المال لأب أب الأم.
وعند أبي يوسف ومحمد: الثلث للخالة، والثلثان للعمة، وكذلك عند المنزّلين، لأنهما أسبق إلى الوارث.
أب أب أم، وخال أم
عند أهل القرابة: المال لأب الأم.
__________
(1) في الأصل: هذا.

(9/244)


وعند المنزلين: المال لخال الأم، فإنه أخ أم الأم.
أب أب أم، وخال أم، وعمة أم، وخال أب، وعمة أب
عند أهل القرابة المال لأب [أب] (1) الأم.
وعند المنزلين السدس بين خال الأم، وخال الأب نصفين، والباقي لعمة الأب. وقد أوضحنا هذا الأصلَ فيما مضى.
أم أب الأم، وخالة
عند أبي حنيفة: المال للجدة.
وعند أبي يوسف ومحمد: المال للخالة.
وعند المنزِّلين: يقول: ماتت الأم، وخلفت أم أب، وأختاً، فالمال بينهما أرباعاً: بالفرض، والرد: لأم الأب الربع، وللخالة ثلاثة الأرباع.
6444 - وهذا فيه نظر؛ لأن الخالة أخت الأم، فتنتهي إلى الأم، وهي وارثة الميت. وأمّ أب الأم ينزل إلى أب الأم، وليس وارثاً للميت الذي يقسم ميراثه، والمنزِّلون حقهم أن يعتبروا السبقَ إلى من يرث الميت، وهذا القياس يقتضي أن يصرف المال إلى الخالة، ولا يصرف إلى أم أب الأم شيئاً، ولكن أخت الأم هي الخالة بعينها، فتوريثها بأخوة الأم، وتوريثها بالخؤولة واحد. وإنما معنى توريث الخالة أن نُميتَ الأمَّ تقديراً، وننظر من يرثها، فعلى هذا يرثها أم أبيها، كما يرثها [أختها] (2) وذلك التنزيل إنما هو تنزيل الولادة، بأن تنزل أصلاً إلى فرع، أو فرعاً إلى أصل، وتنظر كيف السبق إلى الوارث. وهذا موقف لا يحيط بمذهب التنزيل من لم يحط به. والذي يُظهر ذلك، ويوضّحه أن أخ الأم ابن أبيها، وجدتها أم أبيها، فاتصالهما جميعاً بها بواسطة، ونحن نجري التنزيل
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) في الأصل: أخوها.

(9/245)


على معنيين نذكره ونريد [حط] (1) البطون، كما ذكرناه في (2) حط (3) الأصول والفروع، ونذكره ونريد به قيام شخص، كقولنا الخالة تنزل منزلة الأم.
6445 - أب أم، وعمة
في القرابة: المال للجدّ.
وفي التنزيل للجد الثلث، وللعمة الثلثان.
أم أب الأم، وخالة، وعمة
عند أبي حنيفة الجدة أولى، وعند أبي يوسف ومحمد الثلث للخالة، والثلثان للعمة.
وعند المنزلين للعمة الثلثان، والباقي بين الجدة والخالة على أربعة: للجدة ربعه وللخالة ثلاثة أرباعه، على قياس توريثنا الخالة وأم أب الأم لو انفردتا.
ولو كان في المسألة بدل الخالة خال، فللعمة الثلثان كما ذكرناه، وللجدة سدس ما بقي، والباقي للخال. ونميت الأم، ونقول: خلّفت أم أب، وأخاً، وليقع الكلام في خالٍ من أبٍ وأمٍ، أو من أبٍ. فهذا بيان المذاهب في تقديم الأجداد والجدات، والعمات والأخوال، والخالات، ذكرته هاهنا لشدة اتصاله بالباب، وسأذكر بعد ذلك جمل المذاهب في تقديم الأصناف، بعضَهم على بعضٍ، إن شاء الله تعالى.
...
__________
(1) (ت 3)، (ت 2): حق.
(2) (ت 3)، (ت 2): من.
(3) (ت 3): حظ.

(9/246)


باب في كيفية توريث من يُدلي من ذوي الأرحام بقرابتين
6446 - اجتماع القرابتين والقرابات تتفق في أولاد البنات، وأولاد الإخوة والأخوات، والعمات، والخالات، والأجداد والجدات.
فأمَّا وجه اتفاقه في أولاد البنات أن يزوّج الرجل بنت بنته من ابن ابنته فيولد لهما ولد، فهو ولد بنت بنته، وولد ابن بنته.
وكذلك يفرض في أولاد الأخوات، وبنات الإخوة.
6447 - أمّا أهل التنزيل، فإنهم نزّلوا وجوهَ القرابة، فإن سبق بعضُ الوجوه إلى وارث، فصاحب ذلك الوجه أولى من غيره، وإن استوت الوجوه في السبق، قدّروا الوجوه أشخاصاً، وورثوا بها على ما يقتضيه الحال.
وأما أهل القرابة: فقد قال أبو يوسف: إن اتفق ذلك في أولاد الإخوة والأخوات، فنورّث بالأقوى.
ومن أصل محمد أنه يورث بالوجهين، على قياس التقريب والترتيب فيه.
وإن اتفق ذلك في أولاد البنات، أو في الجدّات، فعند أبي يوسف يجعل الوجوه كلها كوجهٍ واحد، وعند محمّد يورث بالوجوه.
6448 - مسائله:
ابنا أخ لأم أحدهما ابن أخت من أب
عند المنزّلين: المال في الأصل بين الأخ من الأم، والأخت من الأب على

(9/247)


أربعة بالفرض والرد، ثم نصيب الأخ، وهو سهم واحد بين ابنيه، ونصيب الأخت، وهو ثلاثة أسهم لابنها، فيحصل للذي هو ابن أخت ثلاثة أسهم من أمه، ونصف سهم من أبيه. ولأخيهِ نصفُ سهم من أبيه. وتصح المسألة من ثمانية: لصاحب القرابة الواحدة سهم، ولصاحب القرابتين سبعة أسهم.
وعند أبي يوسف المال كله للذي هو ابن أختٍ.
وعند محمد يجعل ولد الأخ أخوين لأم، وولد الأخت أختاً، فيكون كأختٍ لأب، وأخوين لأم، فالمال بينهم على خمسة بالفرض والردّ، فيصير في يد كلِّ واحد منهما سهم بقرابة الأب، وفي يد أحدهم ثلاثة أسهم بقرابة الأم فيحصل لصاحب القرابة الواحدة سهم واحد، ولصاحب القرابتين أربعة أسهم.
بنتا أختٍ من أم إحداهما بنت أخ من أبٍ، وابن أختٍ من أب وأم
في قول المنزّلين: تصح من اثني عشر سهماً، لأن للأخت من الأب والأم النصف ستة، فهو لابنها، ولبنت الأخت من الأم التي هي بنت أخٍ لأبٍ أربعة أسهم بقرابة أبيها، وسهم آخر بقرابة أمها، ولأختها سهم واحد.
وفي قول محمد: لابن الأخت من الأب والأم النصف ستة، وللتي هي بنت أخ لأب سدس بأمها وسدس بأبيها ولأختها سدس.
وفي قول أبي يوسف: المال لابن الأخت من الأب والأم.
بنتا ابن خالة إحداهما بنت بنت خال
عند المنزلين: للتي هي بنت بنت خال الثلثان بأمها، وسدس بأبيها، ولأختها السدس.
وعند محمد للتي هي بنت بنت خال [النصف بأمها، والربع بأبيها] (1)، ولأختها الربع.
__________
(1) في الأصل: النصف بأبيها، والربع بأمها.

(9/248)


وعند أبي يوسف للتي هي بنت بنت خال ثلثٌ بأبيها، وثلث بأمها، ولأختها الثلث.
6449 - هكذا أورده الأستاذ (1)، وهو مصرِّح بأنه يورّث بالقرابتين، ولكنه يجعل القرابات الثلاث في هذه المسألة ثلاث بناتٍ، ولا ينظر إلى صفة الأصل، فيقسم المال على القرابات الثلاث، كما يقسم على ثلاثة أشخاص مستوين. وقد أورد القاضي أبو محمد (2) في كتابه أن أبا يوسف لا يورّث بقرابتين، ونحن نقول: الرجوعُ إلى ما نقله الأستاذ أولى؛ فإنه إمام الصناعة مُطلقاً، وكل الصّيد في جوف الفَرَا (3). وقد قال الأستاذ في أول الكتاب: إن أبا يوسف يورّث بأقوى القرابتين، ثم حقق أصله في الصورة التي تقدمت، على هذه، وهي: ابنا أخٍ من أم، أحدهما ابن أختٍ من أبٍ.
فقدّم الذي هو ابن أختٍ، لأن قرابة الأخت من الأب أقوى في الأرحام عند أبي يوسف، فرأى التقديمَ بالأقوى، وإذا لم تكن إحدى القرابتين أقوى من الأخرى، فلا وجه للتقديم بالقوة، والقرابتان ليستا ممتزجتين حتى يكون اجتماعهما قوة، بل هما بمثابة قولنا في ابني عم أحدهما أخ لأم.
وأبو يوسف ومحمدّ وإن [وافقا الشافعيَّ في مواريث المجوس: في أنه] (4) لا يجمع بين القرابتين، فالسبب فيهما أنهما قرابتان لا يقصد جمعهما في
__________
(1) الأستاذ: المراد هنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، وليس الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني، الذي يلقبه في (البرهان) بالأستاذ مطلقاً.
(2) القاضي أبو محمد وكتابه انظر تعليقاً بشأنه مضى قريباً (ص:240).
(3) مثلٌ سائر: مجمع الأمثال للميداني: 3/ 11.
(4) عبارة الأصل: وإن كان سواء، فقال الشافعي رضي الله عنه في مواريث المجوس في أنا لا نجمع ...

(9/249)


الإسلام، وهذه القرابات في الأرحام تجتمع في الإسلام، فليس لما أطلقه القاضي أبو محمد من أن أبا يوسف لا يورث بالجهتين وجه، ولكن لا يترجح قرابة الخال على قرابة الخالة، حتى يقال: تقوى إحدى القرابتين، فلا وجه إلا تقدير القرابات الثلاث أشخاصاً في الخؤولة.
ثم أبو يوسف لا ينظر إلى الأصول ويقسم المال أثلاثاً، على القرابات للتي هي بنت ابن خالة ثلثٌ بأبيها، وثلثٌ بأمها، ولأختها الثلث.
6450 - بنتا بنت خال إحداهما بنت ابن خالة
ففي التنزيل، وقولِ أبي يوسف: للتي هي بنت ابن خالة ثلث بأبيها، وثلث بأمها، ولأختها الثلث.
وفي قول محمد بن الحسن: للتي هي بنت ابن خالة خمسان بأمها، وخمس بأبيها، ولأختها خمسان؛ فانه يقدِّر الخال خالَيْن بعدد بنتيه، والخالة واحدة، فتقع القسمة كذلك، ثم يسلَّم إلى الولدين على هذا الترتيب.
عمتان من أبٍ إحداهما خالة من أم، وخالة من أب وأم
عند المنزِّلين تصح المسألة من اثني عشر: للعمتين الثلثان بكونهما عمتي الميت، وهو ثمانية، والثلث للخالتين مقسوم بين الخالة من الأم، والخالة من الأب والأم، على أربعة للتي هي من الأم سهم، والتي هي من الأب والأم ثلاثة، فإذاً للعمة التي هي خالة من أم خمسة أسهم: أربعة بأنها عمة، وسهم بأنها خالة وللخالة من الأب والأم ثلاثة أسهم.
وفي قول المقرِّبين: للخالة من الأب والأم الثلث، وللعمتين الثلثان بينهما نصفين.
خالتان من أم إحداهما عمة من أب، وعم من أم وهو خال من أب
في قول أهل التنزيل المسألة من ثمانيةَ عشرَ: للخالة التي هي عمة من الأب

(9/250)


تسعة أسهم بالعمومة، وسهم بأنها خالة، ولأختها سهم، وللعم ثلاثة أسهم، بأنه عم من أمٍ، وله أربعة أسهم بأنه خال من أبٍ. وعند أهل القرابة للخال الثلث، والباقي للعمة.
***

(9/251)


باب كيفية توريث ذوي الأرحام مع أحد الزوجين
6451 - لا شك أن ذوي الأرحام لا يحجبون الزوجين، ولا ينقصون نصيبَهما بالعول، والمذهب الذي عليه التعويل لأهل القرابة والتنزيل أنا نبتدىء فنخرج نصيب أحد الزوجين نصفاً كاملاً، أو ربعاً كاملاً، ولا يعتد ذلك من التركة، ويقسم الباقي بين ذوي الأرحام على القواعد التي مهدناها، ويقدر كأن نصيب الزوج مأخوذٌ من رأس التركة، كما يؤخذ الدّين.
والسبب فيه أن الأرحام لا يعادلونهم، فلا ردّ على الزوجين؛ إذ لا رحم لهما، فلا وجه إلا ما ذكرناه.
مسائله:
زوج، وبنت بنت، وخالة، وبنت عم
للزوج النصف ستة، ولبنت البنت نصف ما بقي: ثلاثة، وللخالة سدس ما بقي (1): سهم، ولبنت العم سهمان.
هذا هو المشهور من مذهب الجمهور. والصائرون إليه يسمَّوْن أصحاب اعتبار ما بقي.
6452 - وذهب يحيى بنُ آدم وضرار بن صُرد، ومن تبعهما من أهل التنزيل إلى أنا ننزّل كلَّ واحدٍ من ذوي الأرحام بمنزلة الوارث الذي يدلي به، ونقسّم المال بينهم، وبين الزوج، أو الزوجة على حسب استحقاقهم، فإن كان منهم
__________
(1) ما بقي: أي بعد الزوج.

(9/252)


من يحجب الزوج أو الزوجة، حُجِبا، ثم تقام سهام الفريضة على ذلك، ويحفظ مبلغ السهام، ثم يسقط من ذلك نصيبُ الزوج، أو الزوجة، فما بقي من السهام يُحفظ.
ثم يدفع إلى الزوج أو الزوجة نصيبهما [كَمَلاً] (1) من أصل المال، ونقسم ما بقي من المال بين ذوي الأرحام على ما بقي من السهام المحفوظة.
والعبارة الوجيزة عن هذا: أن يقال: يقسم باقي المال عن فرض الزوج والزوجة على مقادير سهام من يدلون به مع الزوج والزوجة.
وهذه الفرقةُ تعرف بأصحاب اعتبار الأصل، فقالوا في
زوجٍ، وبنت بنت، وخالة، وبنت عم
يقسم المال بين زوج، وبنت، وأم، وعم، فللزوج الربع، وللبنت النصف، وللأم السدس، وللعم ما بقي
المسألة من اثني عشر، فاجمع سهام من في المسألة غير الزوج، تكون تسعة، فاجعل للزوج نصف المال، واقسم الباقي بين ذوي الأرحام في هذه المسألة على تسعة، وتصحّ من ثمانية عشر: للزوج منها تسعة، والتسعة الباقية تقسم على مقادير سهام الورثة الذين يُدلي هؤلاء بهم، مع الزوج، أو الزوجة، فإذاً لبنت البنت من التسعة الباقية ستة، وللخالة سهمان، وللعم ما بقي، وهو سهم.
فنصيب الزوج لا ينتقص على مذهب الفريقين، ولكن يُغَيِّر الزوج حصصَ ذوي الأرحام.
والذي يُظهر ذلك أن الفرقة الأولى، جعلوا لبنت البنت ثلاثة من اثني عشر،
__________
(1) في الأصل: " على التمام " وأثبتنا (كملاً) كما في (ت 3)، (ت 2) مؤئرين إياها،
لأنها من ألفاظ الإمام المعهودة، وما أظن (على التمام) إلا تصرفاً من الناسخ.

(9/253)


وهي ربع المال، وهؤلاء جعلوا لها ستة من ثمانية عشر، وهي ثلث المال، فتختلف الحصص على هذا النسق.
قال الأستاذ: إنما يختلف اعتبار ما بقي في هذا الباب، متى كان ذوو الأرحام يرثون المال بينهم على مثال الفرض والتعصيب، فأمّا إذا ورثوه على مثال الفرض والردّ، أو على طريق العَوْل، أَوْ ورث الكل عن طريق التعصيب، فيستوي الاعتباران.
***

(9/254)


باب في تشابه النسب في ذوي الأرحام
6453 - الخالة إذا كانت من قبل الأم والأب، فخالتها خالة الأم، وإذا كانت الخالة من قبل الأم، فخالتها خالة الأم أيضاً، وإن كانت الخالة من قبل الأب، فخالتها ساقطة، وعمة الخالة من الأب والأم عمة الأم، وعمة الخالة من الأب عمة الأم، وعمة الخالة من الأم ساقطة؛ والعمة إذا كانت من قبل الأب والأم، فعمتها عمةُ الأب، وإن كانت من قبل الأب، فعمتها عمّة الأب، وإن كانت من قبل الأم، فعمّتها ساقطة.
وخالة [العمة] (1) من قبل الأب والأم خالةُ الأب، وخالة العمة من قبل الأم خالة الأب، وخالة العمة من الأب ساقطة.
ولعلنا نذكر طرفاً من ذلك في فصول المعاياة، وإن كانت قليلةَ الفائدة.
6454 - وقد نجز أحد النوعين من الكلام في توريث الأرحام، وهو ذكر تفاصيل مذاهب المورّثين في أفراد ذوي الأرحام، ونحن نذكر الآن تفاصيلَ المذاهب في اجتماع ذوي الأرحام وتقديم من يُقدم منهم إذا اجتمعوا، ودركُ المذاهب في هذه الجمل سهلٌ على من أحاط بالتفاصيل.
ولو صدَّرنا توريثَ ذوي الأرحام بهذه الجمل قبل الإحاطة بالتفاصيل، لكانت مبهمة لا تتبين للمنتهي إليها في مفتتح هذا الفن.
__________
(1) في الأصل: العم.

(9/255)


القول في ترتيب ذوي الأرحام
على قول الفريقين: أهل القرابة، وأهل التنزيل
6455 - أما أهل القرابة، فقد اختلفوا، فالظاهر من مذهب أبي حنيفة أن أَوْلى ذوي الأرحام أولادُ البنات، ثم الأجداد والجدات، الذين هم من ذوي الأرحام، ثم بنات الإخوة، وأولاد الأخوات، ثم الخالات، والعمات.
وروى محمد بنُ الحسن، والحسنُ بن زياد اللؤلؤي عن أبي حنيفة أن الجدات من جانب الأم أولى من أولاد البنات، وألحق أهل هذه الروايةِ، جميعَ الأجداد والجدات، فقالوا: هؤلاء أولى، ثم أولاد البنات، ثم أولاد الأخوات وبنات الإخوة، ثم الخالات والعمات.
وقال أبو يوسف ومحمد: أَوْلى ذوي الأرحام بالميراث أولادُ البنات، ثم بنات الإخوة وأولاد الأخواتِ، ثم الجدات، ثم الخالات والعمات. ولهم تفصيلٌ في الخالات، والعمات، والجدّات، قد قدمنا ذكرَه موضَّحاً في آخر باب الأجداد والجدات.
ومن حقيقة مذهب المقرّبين، أن الجهة إذا قُدّمت على الجهة، كتقديم بنات البنت على بنات الإخوة، وأولاد الأخوات [فأولاد] (1) البنات، وإن بعدوا وتسفّلوا مقدّمون على بنات الإخوة وإن قَرُبْن؛ على قياس ترتيب العصبات؛ فإنّ ابن الأخ من الأب لما قُدِّم على العم، قدّم حافده وإن بعد في تسفّله على العم. وكذلك بنات الإخوة، وأولاد الأخوات لمّا قدموا على الخالات والعمات، فأولادهنّ وإن تسفلوا مقدّمون على الخالات والعمات وإن قربن.
__________
(1) في جميع النسخ: وأولاد. (بالواو). وهذا تصرف من المحقق، نرجو أن يكون
صواباً.

(9/256)


وإنما تردّد المقرِّبون في الأجداد والجدات، والخالات والعمات، إذا قرب البعض، وبعُد البعض، على ما قدمنا إيضاح مذهبهم.
6456 - وأما أهل التنزيل؛ فإنهم ينزِّلون كلَّ واحدٍ منزلةَ الوارث الذي يُدلي به، ثم يُنظر في الورثة لو قدر اجتماعُهم، فإن كانوا يرثون، ورث المدلي بهم؛ وإن كانوا لا يرثون، ويحجب البعض منهم البعضَ، جرى الأمرُ كذلك في ذوي الأرحام المدلين بهم.
واعتماد المنزِّلين بعد هذا الاعتبار على السبق إلى الوارث، كما مهدناه في أبواب التفاصيل.
واعتماد المقرِّبين إذا اتحدت الجهة على ثلاثة أشياء: أولها - القرب، وهو مقدّم على كل شيء، فإن فرض الاستواء في القرب، فالاعتبار بعده بالسبق إلى الوارث، فإن استَوَوْا في ذلك، فالاعتبار بقوة القرابة، وقد تقدم ذلك.
فأولاد البنات عند المنزّلين بمنزلة البنات، وأولاد الأخوات بمنزلة الأخوات، وبنات الإخوة عند الجمهور المعتبرين بمنزلة الإخوة، فيكون ثلاث بنات إخوة مفترقين، كثلاثة إخوة مفترقين.
وذهب ضرار بنُ صُرَد إلى أن بنات الإخوة كبني الإخوة.
وهذا المذهب شاذّ، لا فتوى به، ولا عبرة به.
وروي عنه روايةٌ أخرى مفصّلة، لسنا لها.
والخالة والخال عند الجمهور بمنزلة الأم، في التقدير الأول، وإذا اجتمع الأخوال والخالات، صرفنا إلى الخؤولة ميراث أمٍّ، إذا كان معهم من الأرحام من يرث، ثم حصّةُ الأم تقسم على الأخوال والخالات، بأن نُقدِّرَها ميّتةً، وقد خلّفت هؤلاء.

(9/257)


واختلف الرواية عن مسروق (1)، فروي عنه أنه نزّل الخالَ والخالة منزلةَ الجدة أم الأم، وروي أنه نزَّلها منزلةَ الأم، كمذهب الجمهور، وهو الذي عليه التعويل.
وأما العمةُ، فقد قدمنا اختلافَ المنزّلين في تنزيلها، وفرّعنا على الطرق مفصّلةً.
6457 - وأما نوح وحُبيش، فإنهم لا ينزّلون، ولا يقرّبون، ويسوّون بين القريب والبعيد، ولا يفضّلون أحداً من ذوي الأرحام على أحدٍ.
ونُقل في المبسوطات مذاهبُ شاذّة، لا تفريعَ عليها، فلم نذكرها.
6458 - ونحن نذكر الآن مسائل تهذّب هذه الجملَ، ضمّاً إلى تهذيب التفاصيل، التي تقدمت في الأبواب المشتملةِ على الأفراد.
بنت بنت، وبنت أختٍ لأبٍ
عند أهل القرابة: المال لبنت البنت.
وعند المنزّلين المال بينهما نصفين.
خمسة بني بنت، وبنت أخت
عند أهل القرابة: المال بين بني البنت: على خمسة.
وعلى مذهب التنزيل: النصف بين بني البنت على خمسة، والنصف لبنت الأخت.
ابني بنتين، وبنت أخت لأب
عند المقرّبين: المالُ بين ابني البنتين: نصفين.
__________
(1) مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، تابعي، ثقة، فقيه، مفتٍ. ت 63 هـ.
(الأعلام للزركلي، وتهذيب التهذيب: 10/ 109، والإصابة: ترجمة رقم 8408).

(9/258)


وعند المنزِّلين: لابني البنتين الثلثان، ولبنت الأخت الثلث.
بنت بنت، وثلاث بنات أخوات مفترقات
في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: لبنت البنت النصف، والباقي لبنت الأخت من الأب والأم،
على قياس الأخوات مع البنت.
بنت بنت بنت، وثلاث بنات أخوات مفترقاتٍ
ففي القرابة المال لبنت بنت البنت.
وفي التنزيل: المال بين بنات الأخوات على خمسة؛ فإنهن أسبق من بنت بنت البنت [إلى الوارث] (1).
ثم يختلف مذهب علي وابن مسعود في الردّ كما تقرّر.
بنت بنت ابن، وبنت أخ
في القرابة: المال لبنت بنت الابن.
وفي التنزيل: بينهما نصفين؛ فإنهما بمثابة بنت ابن، وأخ.
بنت بنتٍ وثلاث بنات أخوات مفترقاتٍ، وثلاث بنات إخوة مفترقين في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: النصف لبنت البنت، والباقي بين بنت الأخ من الأب والأم، وبنت الأخت من الأب والأم، على ثلاثة.
بنت بنت، وابن أخٍ، أو أختٍ من أم
المال لبنت البنت عند الفريقين؛ فإن الأخَ من الأم محجوب بالبنت.
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/259)


بنت بنت، وخالة
في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: المال بينهما، على أربعة للخالة الربع، ولبنت البنت ثلاثة أرباع، بالفرض والرد.
بنت بنت ابن، وخالٌ، وخمالة
في القرابة: المال لبنت بنت الابن.
وفي التنزيل: الربع بين الخال والخالة على ثلاثة، والباقي لبنت بنت الابن [بالفرض والردّ] (1).
بنت بنتٍ، وعمةٌ
في القرابة: لبنت البنت.
وفي التنزيل: بينهما نصفين.
بنت بنت، وبنت عمة
المال عند الفريقين لبنت البنت.
بنت بنتٍ، وخالة لأم، وخالة لأب، وعمة لأم، وعمة لأب في القرابة: المال لبنت البنت.
وفي التنزيل: لبنت البنت النصف، وللخالتين السدس بينهما على أربعة، الربع للخالة من الأم، وثلاثة الأرباع للخالة من الأب. وللعمّتين الثلث بينهما على أربعة، كما ذكرناه في الخالتين.
بنت أختٍ، وخالة
عند المقرِّبين: المال لبنت الأخت.
__________
(1) سقط من الأصل ما بين المعقفين، وبدون قوله: " بالفرض والردّ " قد تغمض المسالة، فإن سدس الأم صار بالردّ (ربعاً) وهو ما قسم بين الخال والخالة. والباقي مفهوم.

(9/260)


وفي التنزيل: المال بينهما على خمسة: للخالة خمسان، ولبنت البنت ثلاثة الأخماس، كأنهما أخت وأمّ.
بنتا أختين، وخال، وخالة
في القرابة: المال لبنتي الأختين.
وعند المنزلين: لبنتي الأختين أربعة أخماس المال، وللخال والخالة خمس المال بينهما: للذكر مثل حظ الأنثيين [بالفرض والردّ] (1).
بنت بنت، وبنت أخت، وعمة
في القرابة: المال لبنت البنت.
وعند المنزلين: في العمة خلافٌ، فمن نزّلها منزلة الأب، قال: النصف لبنت البنت، والنصف للعمة. وكأن في المسألة بنتاً، وأختاً، وأباً.
ومن نزلها منزلة العم، قال: النصف لبنت البنت، والنصف لبنت الأخت. بنت أختٍ وجدّ هو أب أم
عند أبي حنيفةَ: الجد أولى، وعند أبي يوسف ومحمد: بنت الأخت أولى.
وعند المنزِّلين: المال بينهما على خمسة: للجد خمساه، ولبنت الأخت ثلاثة أخماسه.
وعلى هذا البابُ وقياسُه.
وقد نجزت مسائل ذوي الأرحام، معللةً، موضَّحة، على أحسن وجهٍ، وحذفنا منها رواياتٍ شاذّة لا مبالاة بها، وقد حان أن نفتتح القولَ في الحساب، وتصحيحِ المسائل.
__________
(1) زيادة في النسختين غير الأصل.

(9/261)


القول في حساب مسائل الفرائض
6459 - علم الحساب فنٌّ برأسه، يشد الطلبةُ الرحالَ في تحصيل المهارة فيه، ولو أثبتنا ما حصّلناه في هذا المجموع، لطال الكتاب. والاقتصارُ على مراسم الفقهاء لا يُفيد الاستقلالَ، ونحن نسلك مسلكاً وسطاً ننبه على القواعد الحسابية التي تَمَسُّ الحاجة إليها في تصحيح مسائل الفرائض، ثم نتُبعها بالأبواب، ونذكر تصحيح الكسور، وكيفيةَ القسمة، وتقريبَ الطرق، وتسهيل المسالك.
ومن أحاط بها، لم يخف عليه مُدرك، ولم يبق عليه إلا طلبُ المهارة بالدُّرْبة واعتياد العمل.
وقد رأيت الحاجةَ تمس إلى تبيين ثلاثة أصول:
أحدها - باب الضرب، وما يتعلق به.
والثاني - باب القسمة.
والثالث - استخراج الكسور، ووضعُ الأعداد الصحيحة المشتملة عليها، فنبدأ بباب الضرب.
***

(9/262)


باب في أقسام الضرب
6460 - الضرب ينقسم إلى ضربٍ لا كسر فيه، وإلى ضربٍ يشتمل على الكسر.

[الفصل الأول]
فأما ضربُ الأعداد الصحيحة، بعضِها في بعض، فمعنى الضرب أولاً أن تعُدّ العددَ المضروبَ فيه بآحاد عدد المضروب، وتجمعها، فما اجتمع فهو الخارج بالضرب، ثم كلُّ عددين أردتَ ضرْبَ أحدهما في الثاني فسواء ضربت الأقلَّ في الأكثر، أو الأكثر في الأقل، فالمردود واحد، فضرب الثلاثة في الأربعة، كضرب الأربعة في الثلاثة.
ثم ضرب العدد في العدد، مأخوذٌ من ضرب أحد ضلعي المربع في الضلع الثاني، والضلعان محيطان بزاوية قائمةٍ، فإذا تقدر الضّلعان بالدُّرْعان، فرُمْتَ أن تعرف تكسير السطح، فاضرب أحد الضلعين في الثاني، كما وصفناهما، فالمردود تكسير السطح. فإذا كان أحد الضلعين أربعة، والثاني ثلاثة، فمعنى الضرب أن ترسُم خطوطاً على الضلع الذي هو [أربعة على الدُّرعان، ثم ترسم خطوطاً على الضلع الذي] (1) هو ثلاثة، وتصل الخطوطَ إلى الضّلعين الباقيين الموازيين للضلعين المقدّمين، فيتشكل السطح على عِدَّة المردود من ضرب أحد الضِّلْعين في الثاني.
6461 - ثم مما يجب الإحاطة به أن المراتب التي هي الأصول للأعداد أربعة: الآحاد، وهي من الواحد إلى منقرض التسعة.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.

(9/263)


والمرتبة الثانية - العشرات إلى مائة.
والمرتبة الثالثة - المئات إلى الألف.
والمرتبة الرابعة - الألوف.
ثم تتكرر المراتب بعد ذلك، وتنقسم إلى آحاد الألوف، وعشراتها، ومئات الألوف، وألوف الألوف، ثم هكذا إلى غير نهاية.
ثم إذا ضربت الآحاد في الآحاد، فواحد المردود واحد، وعشرته عشرة، وهذا هو المعنيُّ بقول الحُسّاب: ضربُ الآحاد في الآحاد آحاد. والمراد بذلك أن المردود من الضرب ليس مقدَّراَّ، ولا معتبراً بغيره، وإنما هو آحاد من غير مزيدٍ، أو آحاد وعشرات.
وضرب الآحاد في العشرات عشرات، وواحدها عشرة، وعشرتها مائة.
وبيان ذلك أنك إذا ضربت ثلاثة في ثلاثين، فإنما أنت ضاربٌ ثلاثة في ثلاث عشرات، فالمردود تسعة، وكل واحد منهما عشرة.
وضرب الآحاد في المئات مئات واحدها مائة، وعشرتها ألف.
وضرْب الآحاد في الألوف ألوف، واحدها ألف، وعشرتها عشرة آلاف.
وضرب العشرات في العشرات مئات، واحدها مائة وعشرتها ألفٌ.
فإذا أردت ضرب خمسين في خمسين، فاضرب خمسة في خمسة، واحسب كلَّ واحد [مائة] (1) فالمردود ألفان ومائتان وخمسون.
وضربُ العشرات في المئات ألوفٌ، واحدها ألف، وعشرتها عشرة آلاف.
وضرب العشرات في الألوف عشرات ألوف، وواحدها عشرة آلاف، وعشرتها مائة ألف، وضرب المئات في المئات عشرات ألوف، واحدها عشرة
__________
(1) في الأصل: عشرة.

(9/264)


آلاف، وعشرتها مائة ألف. وضرب المئات في الألوف مئات ألوف، واحدها مائة ألفٍ، وعشرتها ألف ألف.
وضرب الألوف في الألوف ألوف الألوف، واحدها ألف ألف، وعشرتها عشرة آلاف ألف.
وعلى هذا القياس، فاعتبر المراتب بعدها.
6462 - فإذا سئلت عن ضرب جنس من هذه المراتب في جنسٍ، وأردت أن تعرف أن المضروب في أي مرتبة يقع، فخذ سميّ الجنسين من الآحاد، واجمعهما، وانقص مما بلغ واحداً أبداً، فما بقي فمنتهاه مرتبة المردود من الضرب.
مثاله: إذا أردت أن تعرف ضربَ المئات في الألوف، فالمائة في المرتبة الثالثة، فخذ لها ثلاثة، والألوف من المرتبة الرابعة، فخذ لها أربعة، ثم اجمع الثلاثة والأربعة، تكون سبعة، فانقص منها واحداً، يبقى ستة، فتعلم أن مبلغ ضرب المئات في الألوف يكون من المرتبة السادسة، وهي مئات الألوف، فيكون واحدها مائة ألف، وعشرتها ألف ألف.
وليعلم الطالب أن الشرط الأول على من يبغي المهارة أن يحفظ ضربات الآحاد بحيث لا يحتاج إلى الفكر فيها، [وهي طريحة ساعده] (1).
6463 - ثم ذكر الحُسَّابُ طُرقاً في علم الضرب يتعلق بعضها بتسهيل الضرب والاختصار، وبعضها يتعلق بخواص الضرب.
ونحن نذكر من كل فن ما نراه كافياً.
__________
(1) عبارة الأصل: وهو طريحة ساعة. وعبارة (ت 2): وهي صريحة ساعده، والمثبت من (ت 3).
وطريحة ساعده. كناية عن قربها ويسرها على من يريدها.

(9/265)


فمن طرق الاختصارات والتسهيلات أنك إذا أردت أن تضرب عدداً في عدد، فانظر إلى نسبة أحد العددين من العقد الذي يليه، فما كان، فخذ مثل تلك النسبة من العدد الآخر، فما كان فابْسُطْه من جنس ذلك العدد الذي نسبت إليه، فيكون كل واحد منه واحداً من جنس ذلك العقد، وكسر الواحد منه يكون كسراً مضافاً إلى ذلك العقد.
مثاله إذا أردت أن تضرب ثمانين في خمسة وعشرين، فانظر إلى نسبة الخمسة والعشرين إلى المائة، فنجدها ربعَ المائة، فخذ ربع الثمانين، وذلك عشرون، وخذ لكل واحدٍ من العشرين مائة، فيكون المبلغ ألفين.
وإن أردت أن تضرب خمسين في أحد وأربعين، فنجد الخمسين نصف المائة، فخذ نصف أحد وأربعين، وذلك عشرون ونصف، فابسطها مئاتٍ، فيكون للعشرين ألفين، وللنصف نصف المائة وهو خمسون، فالمبلغ ألفان وخمسون.
6464 - واختار الحسّاب للاختصار مسلكين: أحدهما - النسبة، والآخر القسمة، وهما جاريان طرداً في ضرب العدد في العدد، سواء كان العدد من مرتبة واحدة، أو من مراتب.
ونحن نذكرهما، ونوصي الطالب بالاعتناء بهما، فإنهما متلقيان من النسبة التي منها تلقِّي أصل الباب.
فإذا أردت أن تضرب مائة وخمسة وعشرين في أربعة وثمانين، نسبت المائة والخمسة والعشرين، إلى العقد الذي [يليه] (1) وهو الألف، فتصادفه ثمن الألف، فخذ ثمن الأربعة والثمانين، تكن عشرة ونصف: ثمن الثمانين عشرة، وثمن الأربعة النصف، فخذ لكل واحدٍ ألفاً، وللنصف نصف الألف، وهو المردود.
__________
(1) في الأصل: ثلثة. وهو تصحيف عجيب.

(9/266)


هذه طريقة النسبة.
6465 - وإن أردت القسمة، فاقسم المائة والخمسة والعشرين على مائة فيخصّ كلَّ واحد درهمٌ وربع، فاضرب الدرهم والربع في الأربعة والثمانين، فدرهم في أربعة وثمانين، أربعة وثمانون، والربع في هذا المبلغ أحد وعشرون، فضمه إلى الأربعة والثمانين، فالمجموع مائة وخمسة، فاحسب لكل واحدٍ عقداً عليه قسمتَ، وهو المائة، فالمبلغ عشرة آلاف وخمسمائة.
وهذا يطّرد في كل عددٍ يُضرب في عدد إذا كان يشتمل على مراتب.
والمرتبة الواحدة لا يُشكل إدراكها. والطريقان جاريان فيها.
وإذا أردت أن تضرب مائة وثلاثة وعشرين في الأربعة والثمانين، فاضرب مائة وخمسة وعشرين على النسبة التي ذكرناها، واضبط المبلغ، ثم اضرب ما زدت، وهو اثنان في أربعة وثمانين، وحُطّ هذا المبلغ مما معك، والباقي بعد الحطّ مردودك.
وإن أردت أن تضرب مائة وسبعة وعشرين في الأربعة والثمانين، أو فيما أردت، فاضرب مائة وخمسة وعشرين، واضبط المبلغ، ثم اضرب الزائد، وهو اثنان في الأربعة والثمانين، وضمّه إلى ما معك، والمبلغان مطلوبك، والقسمةُ تُساوق النسبةَ أبداً.
ثم قد يكون أحد الطرفين أسهلَ على الناظر، فليختر الأسهل عليه.
6466 - ثم أصل الضرب أنك إن أردت ضربَ مرتبة في مرتبة، كفتك ضربة واحدة، ثم تأخذ مقصودَك من المراتب التي قدمناها، فإن ضربت الآحاد في الآحاد، لم يخف، وإن أردت ضرب العشرات في العشرات، فاضرب عدد العشرات، في عدد العشرات، وخذ لكل واحدٍ من المردود مائة، مثل أن تضرب تسعين في تسعين، فاضرب التسعة في التسعة، فيخرج من الضرب أحدٌ

(9/267)


وثمانون، فخذ لكل واحد مائة، فالمبلغ ثمانية آلاف ومائة. وإن أردت ضرب مرتبتين في مرتبتين، فاضرب اثنين في اثنين تردُّ عليك أربعة، واعتقد أن عليك أربع ضربات في الأصل إلا أن تستعمل طريقة في الاختصار.
وبيان ذلك أنك إذا أردت ضربَ خمسة عشر في ستة عشر، فإنما تطلب ضرب مرتبتين في مرتبتين، فتحتاج إلى أربع ضربات، فتضرب العشرة في العشرة، والخمسة في العشرة، ثم تضرب العشرة في الستة، ثم تضرب الخمسة في الستة، وتجمع مردودَ الضربات، والمبلغ مطلوبك.
وإن أردت ضرب مائة وخمسة وعشرين، في مثله فأنت تبغي ضرب ثلاث مراتب في ثلاث مراتب؛ فتحتاج إلى تسع ضربات.
وإن أردت ضرب مائة وخمسة وعشرين في أربعة وثمانين، فأنت تطلب ضربَ ثلاث مراتب في مرتبتين، فنحتاج إلى ست ضربات.
هذا هو الأصل في التفصيل.
وإذا أردت امتحان طريقة في الاختصار أتصدق أم تكذب، فاعتبرها بهذا الأصل.
6467 - ومما ذكره الحُسّاب في ضرب أعدادٍ من جنسين، كضرب الآحاد والعشرات في الآحاد والعشرات وهذا يكثر الابتلاء به، فضم الآحاد من أحد الجانبين إلى جميع العدد الثاني، واحسب الكل عشراتٍ، ثم اضرب الآحاد من أحد الجانبين في الآحاد من الجانب الثاني، والمجموع مطلوبك.
مثاله: إذا أردت أن تضرب خمسة عشر، في سبعةَ عشرَ، فضم الخمسة إلى السبعة عشر، فيكون المجموع اثنين وعشرين، فاحسب بكل واحد عشرة، ثم اضرب الخمسة في السبعة فيردّ عليك خمسة وثلاثين، فاضممه إلى المائتين والعشرين، والمجموع مطلوبك.

(9/268)


6468 - ومن خواص الضرب أنك إذا أردت ضربَ عددٍ في عددٍ، وهما مختلفان، فضمَّ أحدهما إلى الثاني، ثم خذ نصفَ المبلغ، واضربه في نفسه، واحفظ المردودَ، ثم خذ نصفَ فَضْل ما بين العددين، فاضربه في نفسه، فما كان، فانقصه من المبلغ المحفوظ، فما بقي، فهو المراد.
مثاله: إذا أردت أن تضرب عشرين في أربعة عشر، فاجمع بينهما فتكون أربعة وثلاثين، فخذ نصفها، وهو سبعةَ عشرَ، فاضربها في مثلها بالطريقة التي ذكرناها قبل هذا، فيردّ عليك مائتين وتسعة وثمانين، فاحفظها، ثم خذ نصفَ فضل ما بين العشرين والأربعة عشر، والفضل ستة، ونصفها ثلاثة، فاضرب الثلاثة في نفسها، فتردُّ عليك تسعة، فانقصها من المحفوظ، وهو مائتان وتسعة وثمانون، فيبقى مائتان وثمانون، وهو مبلغ ضرب العشرين في أربعةَ عشرَ.
6469 - مسلك آخر من الخواصّ
إذا أردت أن تضرب عدداً في عدد، فخذ بُعْدَ أحد العددين من العقد الذي
يليه، [فألقه من العدد الآخر] (1)، فما بقي، فاضربه في ذلك العقد، واحفظ
المبلغ، ثم اضرب بُعد أحد العددين من ذلك العقد في بُعد العدد الآخر من ذلك
العقد، فما بلغ فتردّه على المبلغ المحفوظ معك، والمجموع مطلوبك.
مثاله: إذا أردت ضربَ أربعةَ عشرَ في ستةَ عشرَ، فألق من الأربعةَ عشرَ البُعْد
الذي بين ستةَ عشرَ وبين العشرين، فيرجع إلى عشرة، فاضربها في عشرين،
فتبلغ مائتين، ثم اضرب أحدَ البُعدين وهو أربعة في البعد الثاني، وهو ستة
فيبلغ أربعة وعشرين، فردّها على المائتين، وهو مطلوبك.
هذا القدر كاف فيما نريده من ضرب الأعداد في الأعداد.
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/269)


الفصل الثاني في ضرب الكسور في الكسور، وضرب الصحاح في الكسور
6470 - فنبدأ بضرب الكسور في الكسور، فنقول: هي ثلاثة أقسام: كسر
مفردٌ له اسم فرد - كالنصف، والثلث، والربع.
وكسور معطوفة - مثل نصفٍ وثلثٍ وربعٍ.
وكسور منسوبة - مثل نصف ثلث ربع، وما زاد، إذا نسب بعضها إلى بعض.
فأمَّا الكسور المفردة، فقد تقسم إلى كسر له اسم، وإلى كسر ليس له اسم.
وإنما تبين [بالنسبة] (1) بالجزئية إلى عددٍ، فأما الكسر الذي له اسم مختص مشعرٌ بمخرجه، ويدخل تحته ما يسمّيه الحُسَّابُ الكسورَ الطبيعية، وهي ناشئة من الاثنين إلى العشرة، وهي تسعة: النصف، والثلث، والربع، والخمس، والسدس، والسبع، والثمن، والتسع، والعشر.
والكسر الذي ليس له اسم، وإن كان مفرداً، فهو كجزءٍ من أحدَ عشر جزءاً من درهم، إذا كسَّرتَ الدرهمَ على هذه النسبة.
6471 - فإذا أردت أن تضربَ كسراً مفرداً من غير عطفٍ، ولا نسبة في كسر مفرد، ولهما جميعاً اسمان، فأضف (2) أحد الكسرين إلى الآخر، فما كان، فهو المبلغ.
مثاله: إذا أردت أن تضرب نصفاً في ثلث، فقل: مبلغه نصف الثلث، وإن شئت قلت: ثلث النصف.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) المراد هنا الإضافة النحوية، وليست الإضافة الحسابية، كما يظهر من عبارته في المثال الذي ضربه.

(9/270)


وإذا جمعت من جنس واحد كسرين أو أكثر، فالجواب كذلك، فضرب ثلثي درهم في ثلاثة أرباع درهم، ثلثي ثلاثة أرباع درهم، وهو نصف درهم وإن شئت قلت: ثلاثة أرباع ثلثي درهم، وهو نصف درهم، وإن ضربت كسراً من هذا في عددٍ صحيح، فأضف الكسر إلى العدد، وهو المراد.
وقد يتعجب المبتدىء من حكم ضرب الكسور؛ فإنه إلى انتقاصٍ، وضربُ العدد في العددِ تضعيفُ أحد العددين بآحاد العدد الثاني، وقد ذكرنا أن ضرب العدد في العدد مأخوذ من تكسير السطح بضرب أحد الضلعين المحيطين بزاوية قائمة في الضلع الثاني. وضربُ الكسر مبرهن بتكسير السطح أيضاً، فنفرض سطحاً مربعاًَ كل ضلع من أضلاعه ذراعٌ، ثم نعمد إلى ضلع، ونأخذ منه نصفَ ذراع، ونعلم عليه، ثم نأخذ من الضلع الآخر الذي يحيط بتلك الزاوية نصف ذراع، ونخط من موضعي العلامتين خطين موازيين للضلعين المحيطين بالزاوية، ونصل الخطوط، فيكسر السطح أربع مربعات يحيط بكل مربع أربعة أضلاع متوازية كل ضلع نصف ذراع بهذه الصورة
........ 1/ 2
1/ 2 × 1/ 2 = 1/ 4 ... ذراع
نصف ذراع ـ 1/ 2
ذراع كامل × ذراع كامل = ذراع
فيستبين أن النصف في النصف ربع.
6472 - وإن أردت أن تضرب جزءاً، هو كسرٌ، لا اسمَ له إلا الجزئية في كسرٍ، له اسم مخصوص، أو في جزءٍ لا اسمَ له، فطريقه أن تضرب أجزاء أحدهما في أجزاء الثاني، إن لم يكن لهما اسمان، فتحفظ المبلغ، ثم تضرب مخرج أحد الكسرين في مخرج الكسر الآخر، ثم أضف مبلغ الكسور إلى مبالغ المخارج.
مثاله: إذا أردت أن تضرب ثلاثة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم في أربعة

(9/271)


أجزاء من ثلاثة عشر جزءاً من درهم، فاضرب أحد الكسرين في عدد الكسر الآخر، وقل ثلاثة في أربعة تكون اثني عشر، فاحفظ ذلك، ثم اضرب أحد المخرجين في الآخر، وذلك أحد عشر في ثلاثةَ عشرَ، فيكون مائة وثلاثة وأربعين، فأضف (1) إليها الاثني عشر، فالمردود اثنا عشر جزءاً من مائة وثلاثة وأربعين جزءاً من درهم.
6473 - وأما ضرب الكسر المعطوف في الكسر، فلا بد فيه من جمع كل واحد منهم، ثم ضرب مجموع أحدهما في مجموع الآخر.
مثاله: إذا أردت أن تضرب نصفاً وثلثاً في ربع وثلث، فتجمع النصف والثلث، فيكون خمسة أجزاء من ستة أجزاء من درهم، وذلك خمسة أسداس درهم، وتجمع الربع والسدس من مخرجهما، فتكون خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من درهم. وقد رجع الأمر إلى قول القائل: اضرب خمسة أجزاء من ستة أجزاء، في خمسة من اثني عشر جزءاً من واحد، فتضرب الأجزاء في الأجزاء، فتقول: خمسة في خمسة، فالمبلغ خمسة وعشرون، ثم تضرب أحدَ المخرجين، وذلك ستة في اثني عشر، فيبلغ اثنين وسبعين، فتضيف إليها الخمسة والعشرين فتكون خمسة وعشرين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من واحد، وهو المطلوب.
6474 - وأما ضرب الكسور المنسوبة في أمثالها، فمثل ضرب ثلث ربع في خُمس سدس، فيجب في هذا أن ينسب كل واحد منهما إلى المخرج الذي يخرج منه؛ فنقول: ثلث الربع جزء من اثني عشر؛ لأن أقلَّ عدد ربعه ثلاث اثنا عشر، ثم نقول: خمس السدس جزء من ثلاثين جزءاً من واحد؛ لأن أقل عدد له سدس، ولسدسه خُمسٌ ثلاثون، وقد رجع الأمر إلى قول القائل: اضرب
__________
(1) الإضافة هنا هي الإضافة النحوية، فتنبه.

(9/272)


جزءاً من اثني عشر جزءاً في جزء من ثلاثين جزءاً من واحد، فنضرب الجزء في الجزء، فيكون واحداً، ثم نضرب أحد المخرجين في الآخر، فيبلغ ثلثمائة وستين، فنضيف إليها الجزء الواحد، فالمردود جزء من ثلثمائة وستين جزءاً من واحد.
فإن قيل: كم يكون ضرب نصفٍ في ثلثٍ، في ربع، في خمسٍ؟ فمبلغه جزءٌ من مائة وعشرين جزءاً من درهم.
ووجه العمل أن تضرب النصف، وهو واحد في الثلث، وهو واحد، فيكون واحداً، ثم تضرب ذلك في الربع، وهو واحد، فيكون واحداً، ثم تضرب ذلك في الخمس، وهو واحد، فاحفظه، ثم اضرب مخرج النصف، وهو اثنان في مخرج الثلث، وهو ثلاثة، فيكون ستة، فتضربها في مخرج الربع، وهو أربعة فيكون أربعة وعشرين، فتضربها في مخرج الخمس، وهو خمسة، فتبلغ مائة وعشرين، فتضيف إليها الواحد المحفوظ، فيكون جزءاً من مائة وعشرين جزءاً من واحد.
فإن قيل: كم يكون ضرب ثلثين في ثلاثة أرباع، في خمسة أسداس؟ فقل: تكون ثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً من واحد.
ووجه العمل أن تضرب الثلثين وهو جزءان في عدد الأرباع، وهو ثلاثة، فتكون ستة، فتضربها في عدد الأسداس، وهو خمسة فتكون ثلاثين، فتحفظها، ثم تضرب مخرج الثلثين، وهو ثلاثة في مخرج الأرباع، وهو أربعة، فيكون اثني عشر، فتضربها في مخرج الأسداس وهو ستة، فالمبلغ اثنان وسبعون، فتضيف إليها الثلاثين المحفوظة، فتكون ثلاثين جزءاً من اثنين وسبعين جزءاً.
وقد يتأتى اختصاره، فيقال: هو خمسة أجزاء من اثني عشر جزءاً من واحد، وهو المطلوب.

(9/273)


وسر الباب أن تبسط غاية البسط، و [لا] (1) تنظر في طلب المخارج إلى الأوفاق، كما سنصف ذلك في بيان المخارج.
6475 - وإذا أردت أن تضرب صحيحاً معه كسر في صحيح، أو في كسر، فاضرب الصحيح الذي مع الكسر في مخرج كسره، ورد عليه كسره، فيؤول الأمر إلى ضرب كسرٍ في صحيح، أو في كسر. وإن أردت أن تضرب صحيحاً معه كسر في صحيح معه كسر، فاضرب كلَّ واحدٍ من الصحيحين في مخرج كسره، ورد عليه كسره، فيؤول الأمر إلى ضرب كسر في كسرٍ.
ونذكر مثالاً جامعاً، فنقول: إذا قيل: كم يكون درهم ونصف، في درهم وثلث، في درهم وربع، في درهم وخمس، في درهم وسدس، في درهم وسبع، في درهم وثمن، في درهم وتسع، في درهم وعشر، في درهم؟ فقل: جملة ذلك خمسة دراهم ونصف، ووجه حسابه أن نبسط الواحد والنصف، فيكون ثلاثة، فاضربها في واحد وثلث، فما اجتمع في واحد وربع، إلى آخر المسألة، فتجعل الدرهم والنصف ثلاثة بأن نجعل الدرهم نصفين ونزيد عليهما النصف ونزيد على الثلاثة ثلثها لذكر الثلث، فتكون أربعة، وتزيد على الأربعة ربعها لذكر الربع. فتكون خمسة، ثم تزيد على الخمسة خمسها. فتكون ستة، ثم تزيد على الستة سدسها، فتكون سبعة، ثم تزيد عليها سبعها، فتكون ثمانية، ثم تزيد ثمنها، فتصير تسعة، فتزيد تسعها فتكون عشرة، فتزيد عليها عشرها فيكون الجميع أحد عشر، فاقسم ذلك على مخرج الأنصاف وهو اثنان، لأن أصل بسطك كان بالأنصاف فيخرج من القسمة خمسة ونصف، وهذا بابه وحسابه.
مثال آخر إذا قيل: درهم وثلثان في درهم وخمسين، في درهم وسبعين،
__________
(1) مزيدة من (ت 3).

(9/274)


في درهم وتسعين، فقل جملته ثلاثة دراهم وثلثا درهم.
ووجه العمل أن تبسط الدرهم والثلثين أثلاثاً فيكون خمسة، فتزيد عليها خمسيها لذكر الخمسين، فتكون سبعة، فتزيد عليها سبعين، فتكون تسعة، فتزيد عليها تسعيها، فتكون أحد عشر، فتقسمها على مخرج الأثلاث فتخرج ثلاثة دراهم وثلثان. وعلى هذا فقس، فهذه جملٌ مرشدةٌ كافية في قاعدة الضرب.
***

(9/275)


[باب القسمة] (1)
6476 - فأما القول في القسمة، فمقصود القسمة ومعناها بيان نصيب الواحد، فإن وقعت القسمة بين عددين، فحاصلها تفريق أحد العددين بقدر آحاد العدد الآخر المقسوم عليه، ثم الكلام يقع في فصلين:
أحدهما - في قسمة العدد على العدد.
والثاني - في قسمة الكسور على الكسور.
[الفصل الأول]
6477 - فأما قسمة العدد على العدد، فهي تنقسم ثلاثة أقسام: أحدهما - قسمة الشيء على مثله في الكمية.
والثاني - قسمة الشيء على ما هو أكثر منه.
والثالث - قسمة الشيء على ما هو أقل منه.
فإن أردت قسمةَ العدد على مثله فيصيب الواحدُ واحداً أبداً.
وإذا أردت أن تقسم العدد على عدد أكثر منه، فانسب القليل إلى الكثير، فما كان، فهو نصيب الواحد.
مثاله إذا أردنا أن نقسم سبعة دراهم على ثلاثين رجلاً، نسبنا السبعة إلى الثلاثين، فكان [السهم] (2) سبعة أجزاء من ثلاثين جزءاً من درهم، فهو نصيب الواحد.
__________
(1) العنوان من عمل المحقق، أخذاً من كلام الإمام قبلاً حيث قال: إنه سيعقد باباً للقسمة.
(2) ساقطة من الأصل. وهي في (ت 2)، (ت 3): سهم.

(9/276)


وإذا أردت أن تقسم على عدد أقل منه، فأسقط من العدد المقسوم ما فيه من أمثال العدد المقسوم عليه، وخذ لكل مرة تسقط واحداً، فما اجتمع، فاحفظه، فإن أفنيت العددَ الكثير بذلك، فالمحفوظ نصيب الواحد.
6478 - وفي ذلك طريقة في النسبة اختصارية، فمهما قسمت عدداً كثيراً على عددٍ قليل، فانسب الواحد إلى العدد القليل المقسوم عليه، وقل: نصيب كل واحد مثل تلك النسبة من العدد المقسوم، وبيانه: أنك إذا أردت قسمة مائة على سبعة، فالواحد سبع السبعة، فلكل واحد من السبعة سُبُع مائةٍ.
وإن كنت تُسقط من الكثير مثلَ العدد القليل المقسوم عليه، ففضل شيء هو أقل من العدد المقسوم، فهو منسوب إلى المقسوم عليه، فذلك الجزء جزء من واحدٍ، فاضممه إلى ما معك، والكل نصيب واحدٍ.
مثاله: إذا أردنا أن نقسم ثمانية وعشرين على سبعة، فأسقطنا من الثمانية والعشرين ما فيه من أمثال السبعة أربع مرات، وأخذنا لكل مرة واحداً فاجتمع معنا من الآحاد أربعة، ولم يبق من الثمانية والعشرين شيء، فعلمنا أن نصيب الواحد أربعة.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثين على سبعة، فعلنا بالثمانية والعشرين ما ذكرناه، فيبقى اثنان ننسبهما إلى السبعة، ونقول: حصّة كل واحد أربعة وسبعان.
6479 - وقد نجد مسلكاً آخر في الاختصار في الضرب والقسمة مأخوذاً من التناسب، يغني عن الضرب والقسمة: فإذا قيل: اضرب خمسين في ستين، واقسم هذا المبلغ على خمسة عشر، لتعلم كم نصيب الواحد، فينبغي أن تعلم أي نسبةٍ بين ما تضرب فيه، وبين ما يقسم عليه، فتجد الخمسة عشر ربع الستين، فتقول: الخمسين ربع العدد المطلوب، وهو مائتان، فنعلم بذلك أن نصيب الواحد مبلغُ رُبعه خمسون، وهو مائتان.
وهذا باب نافع في قسمة التركات والمعاملات.

(9/277)


الفصل الثاني
من القسمة
في قسمة الكسور على الكسور والصحاح ونحوهما
6480 - فإن أردت أن تقسم كسراً على كسرٍ، فاضرب كلّ واحد من الكسرين في مخرج الكسر الآخر، ثم اقسم مبلغ الكسر المقسوم على مبلغ الكسر المقسوم عليه، فما خرج من القسمة فهو نصيب الواحد.
وهذا هو الغرض من هذا الباب أيضاً.
مثاله: أردنا أن نقسم ثلاثة أرباع درهم على ثلثي درهم، فنضرب عدد الأرباع وهو ثلاثة في مخرج الأثلاث، وهو ثلاثة فبلغ تسعة، ثم نضرب عدد الأثلاث وهو اثنان في مخرج الأرباع، وهو أربعة فبلغ ثمانية، ثم نقسم التسعة على الثمانية فيخرج من القسمة واحدٌ وثمن، فذلك نصيب الواحد.
فالغرض أن يعلم أنه إذا أصاب ثلاثة أرباع ثلثين، فنصيب الواحد واحد وثمن.
ولو قيل: أردنا أن نقسم الثلثين على ثلاثة أرباع، لقسمت الثمانية على التسعة على القياس المقدم.
ويخرج من القسمة أن نصيب الواحد ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من درهم، وهو ثمانية أتساع درهم.
6481 - فإذا أردت قسمة عدد صحيح على كسرٍ، فاضرب الصحيح في مخرج الكسر، فما بلغ، فاقسمه على الكسر، فما خرج فهو المراد.
مثاله: قسمة عشرة دراهم على ثلثين. فاضرب العشرة في مخرج الأثلاث،

(9/278)


فيكون ثلاثين، فاقسمها على عدد أجزاء الكسر، وهو اثنان، فيخرج من القسمة خمسةَ عشرَ، فهو نصيب الواحد.
6482 - فإذا أردتَ قسمة الكسور على عدد صحيح، فاضرب الصحيح في مخرج الكسر، فما بلغ، فاقسم عليه أجزاء الكسر.
مثاله: قسمة أربعة أخماس درهم على ثلاثة أنفس، فاضرب الثلاثة الصحيحة في مخرج الأخماس، وهو خمسة فيبلغ خمسة عشر، فاقسم عليها عدد الأخماس، وهو أربعة، فيكون الخارج من القسمة أربعة أجزاء من خمسة عشر جزءاً من درهم، فذلك نصيب الواحد.
6483 - وإذا أردت قسمة عدد صحيح على صحيح مع كسر، فابسط الصحيح الذي معه الكسر من جنس كسره، وذلك بأن تضربه في مخرج كسره، وتزيد على ما بلغ من مثل كسره فيؤول الأمر إلى قسمةٍ صحيحة على كسر. وقد سبق العمل فيه.
وإذا أردت قسمة صحيح مع كسر على صحيح معه كسر، فابسط كل واحد منهما من جنس كسره، وذلك بأن تضربه في مخرج كسره، وتزيد على ما بلغ مثلَ كسره فيؤول الأمر إلى قسمة كسور على كسور.
وقد يقع في بعض هذه الأبواب اختصار من جهة التناسب.
مثال ذلك: أنا إذا أردنا أن نقسم ثلاثة دراهم وثلث على ثلثين، وأردنا أن نعلم نصيب الواحد، فقد علمنا أنا إذا زدنا على ثلثي الواحد مثلَ نصفه، تمَّ واحداً، فكذلك نزيد على الثلاثة والثلث نصفَه، فيصير خمسة دراهم، فهي نصيب الواحد.
وإذا أردنا أن نقسم ثلاثة أرباع درهم على ربع سهم، نسبنا المقسوم، فيزيد على الربع ما يكمله درهماً، وهو يُكمَّل درهماً بثلاثة أمثاله، فنزيد على

(9/279)


المقسوم، وهو ثلاثة أرباع ثلاثة أمثاله، فيصير المجموع ثلاثة دراهم، فهو نصيب الواحد.
ويستعان بما ذكرناه في كثير من المسائل.
فهذا مقدار غرضنا في القسمة.
***

(9/280)


[باب في استخراج الكسور] (1)
6484 - فأما معرفة استخراج الأجزاء المفروضة وبيان مخارج الكسور، فهو قطب حساب الفرائض، وعليه يدور تصحيح الكسور، والضربُ والقسمة وسيلتان إلى هذا. وهو المقصود.
فاعلم أن كل جزءٍ مفرد مخرجه العدد الذي هو مشتق منه. وهذا جارٍ في الكسور التسعة، فمخرج النصف اثنان، ومخرج الثلث ثلاثة، ومخرج الربع أربعة، وهكذا إلى العشرة، ومخرج جزء من أحدَ عشرَ جزءاً، فهو أحدَ عشرَ، وعلى هذا القياس. وإذا أردت إخراج عدد يخرج منه جزءان مفروضان، فخذ مخرج الجزأين، وانظر فإن كانا متساويين، فاضرب أحدهما في الآخر، فما بلغ، فهو العدد الذي يخرج منه الجزءان المطلوبان. وإن كان المخرجان متفقين، فاضرب وَفْقَ أحدهما في جهة الآخر، فما بلغ، فهو مخرج الجزأين.
المثال: أردنا إخراج عدد له سبع وسدس، فنأخذ مخرجيهما، فهما سبعة وستة، فكانا متباينين، فضربنا أحدهما في الآخر، فبلغ اثنين وأربعين، فعلمنا أن أقل عدد له سبع وسدس اثنان وأربعون.
وإن أردنا عدداً يخرج منه ثمن وسدس، [فنأخذ مخرجيهما] (2) فأحدهما ستة والأخرى ثمانية، فنجدهما متوافقين بالنصف، فنضرب نصفَ أحدهما في جميع الثاني، فبلغ أربعة وعشرين، وهو العدد المطلوب.
__________
(1) هذا العنوان وضعه المحقق بناء على تقسيم المؤلف نفسه في أول الكلام على الحساب.
(2) ساقط من الأصل.

(9/281)


وإن أردنا أقل عدد له نصف، وثلث، وربع، وخمس، وسدس، وسبع، وثمن، وتسع، وعشر، أخذنا مخارج هذه الأجزاء، وهي اثنان وثلاثة وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، ثم طرحنا الاثنين لدخولها في الأربعة، وطرحنا الثلاثة لدخولها في الستة، وطرحنا الأربعة لدخولها في الثمانية، وطرحنا الخمسة لدخولها في العشرة، تبقى ستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، وعشرة، ثم نظرنا فوجدنا الستة مباينة للسبعة، وضربنا الستة في السبعة تبلغ اثنين وأربعين، ثم هذه الاثنان والأربعون مشاركة للثمانية بالنصف، فضربنا نصف أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ مائة وثمانية وستين، ثم وجدنا هذا المبلغ مشاركاً للتسعة بالثلث، فضربنا ثلث أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ خمسمائة وأربعة، ثم وجدنا هذا المبلغ مشاركاً للتسعة بالثلث، فضربنا ثلث أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ خمسمائة وأربعة، ثم وجدنا هذا المبلغ مشاركاً للعشرة بالنصف، فضربنا نصفَ أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ ألفين وخمسمائة وعشرين، فهذا المبلغ أقل عدد تخرج منه الكسور المفروضة التي ذكرناها. وعلى هذا يقاس استخراج مخارج جميع الأجزاء.
6485 - وإذا أردت أن تجد عدداً يكون مخرجاً لجزء أو أجزاء معلومة، ويكون جزء منها مخرجاً لأجزاء معلومة، فخذ مخرج الأجزاء الأولى وسمّه الأول، ثم اجمع أجزاءه التي تريد أن تكون مخرجاً لأجزاء سواها، وسمّها الثاني، ثم خذ مخرج أجزاء الأجزاء وسمّه الثالث، ثم انظر، فإن كان الثالث مبايناً للثاني، فاضرب الثالث في الأول، فما بلغ، فهو أقل عددٍ يكون مخرجاً لما أردت. وإن كان الثالث موافقاً للثاني، فاضرب وَفْقه في جملة الأول، فما بلغ، فهو أقل مخرج لما أردت.
مثاله: أردنا أن نجد أقلَّ عددٍ يكون له ثلث وربع، ويكون لثلثه وربعه

(9/282)


نصف وثلث، فأخذنا مخرج الثلث والربع، فكان اثني عشر سميناه الأول، ثم جمعنا ثلثه وربعه، فكان سبعة، فسميناها الثاني، ثم أخذنا مخرج الأجزاء وهو نصف وثلث فكان ستة، فسميناها الثالث، ثم وجدنا الثالث مبايناً للثاني، فضربنا الثالث في الأول، فبلغ اثنين وسبعين، فهذا أقل عدد له ثلث وربع، ولثلثه وربعه نصف وثلث.
مثال آخر: أردنا أن نجد أقل عددٍ له ثلث وخمس، ويكون لثلثه وخمسه سدس وثمن، أخذنا مخرج الثلث والخمس، وهو خمسة عشر، فسميناه الأول، ثم أخذنا ثلثه وخمسه، فكان ثمانية، فسميناه الثاني، ثم أخذنا مخرج السدس والثمن، فكان أربعة وعشرين، فسميناه الثالث، ثم نظرنا، فكان الثالث مشاركاً للثاني بالثمن، فضربنا ثمن الثالث وهو ثلاثة في جميع الأول، وهو خمسة عشر فيصير خمسة وأربعين [فنضربها في أربعة وعشرين، فيردّ ألفا وثمانين] (1)، فهو أقل عدد يكون مخرجاً لما أردناه.
مثال آخر: أردنا أن نجد أقل عدد له ثلث وربع، ويكون لثلثه خمس وربع، ولربعه نصف وخمس، أخذنا مخرج الثلث والربع، وذلك اثنا عشر، ثم أخذنا ثلثه، وهو أربعة وهو الثاني، ثم أخذنا مخرج أجزاء الثاني وهو ربع وخمس، وذلك عشرون فسميناه الثالث، ثم وجدنا الثالث مشاركاً للثاني في الربع، فضربنا ربع الثالث، وهو خمسة في جميع الأول، وهو اثنا عشر، فبلغ ستين، ومن أجل ما بقي من العمل سمينا هذا الستين أولاً، وأخذنا ربعه خمسة عشر، وهو الثاني، ثم أخذنا مخرج أجزائه وهو نصف وخمس، وذلك عشرة، وهي الثالث، ووجدنا الثالث مشاركاً للثاني بالخمس، فضربنا خمس الثالث، وهو اثنان في الأول، وهو ستون فيبلغ مائة وعشرين، وذلك أقلّ عددٍ يكون مخرجاً لما ذكرناه.
__________
(1) زيادة من المحقق، لا يصح المثال بدونها.

(9/283)


وعلى هذا النسق نستخرج نظائر ما ذكرناه.
وقد نجز القول في الأصول الثلاثة التي قدّمناها على تصحيح مسائل الفرائض.
***

(9/284)


باب تصحيح حساب مسائل الفرائض وبيان مبلغ السهام التي عليها تقسم التركة
6486 - وهذا يستدعي تقديمَ أمر قريبٍ في النظر إلى العددين فصاعداً، فكل عددين لا يخلوان إمّا أن يكونا متماثلين، أو يكون أحدهما أقل. فإن كانا متماثلين: وكان آحاد أحدهما كآحاد الثاني، فالاكتفاء يقع بأحدهما إذا تعدد الكسر على هذا النسق.
فإن كان أحدهما أقلَّ من الثاني، لم يخل الأقل بالإضافة إلى الأكثر إمّا أن يفنيه إذا سُلِّط عليه لقطاً أو لا يفنيه ويُبقي منه شيئاً. فإن أفناه سمّي الأقل داخلاً في الأكثر، ويسمّيان متداخلين، ومعنى اللفظ أن أحدهما داخلٌ والثاني مدخول فيه.
وإن كان الأقل لا يُفني الأكثر بل يُبقي منه بعد اللقط أقلَّ من [نفسه] (1)، سلّطنا ما يُفضله العددُ [الأقل] (2) من العدد الكثير على العدد القليل، فإن أفناه، فبين العدد القليل في الأصل، وبين العدد الكثير موافقة بأقلّ أجزاء المُفني.
ويقال عند ذلك: العددان متوافقان. وإن لم يفن ما فضل من العدد الكثير العددَ القليل، وأفضل منه شيئاً، سلطنا ما أفضله على المسلَّط الثاني، فإن أفناه فبين العدد القليل الأول وبين العدد الكثير موافقة بأقل أجزاء المُفني.
__________
(1) في الأصل: تسعة.
(2) في الأصل: الأول.

(9/285)


وإن انتهى المسلك الذي ذكرناه إلى أن يفضل واحد، فلا موافقة بين العددين بجزء وهما متباينان.
6487 - وقد يعبر عمَّا ذكرناه في كتب المهرة من الحسّاب والمهندسين، فيقال: كل عددين أقل وأكثر لا يعدُّهما إلا واحد، فهما متباينان، وكل عددين يعدُّهما سوى الواحد عددان، فبينهما موافقة بجزأين. وكذلك القياس إن زاد.
والعددان المسميان متداخلين راجعان إلى التوافق بأقل الأجزاء، فالثلاثة توافق التسعة بأقلِّ أجزائها، وهو الثلث، فلو ضربنا ثلثَ الثلاثة في التسعة، لم يردّ إلا التسعة. فقيل فيما كان كذلك يُكتفى بالعدد الكثير (1) في العمل.
وكذلك القول في المثلين، فإن كل واحدٍ منهما يوافق الثاني بأقل أجزائه، ولا نستفيد بضرب وَفق (2) أحدهما في الثاني شيئاً، فنوجز ونقول: نكتفي بأحدهما.
6488 - ومما لا بد منه وقد قدمنا ذكره أصول المسائل، وقد ذكرنا أنها سبعة على رأي [العلماء] (3) القدماء، وتسعة على رأي المتأخرين، وهو الصواب، فنبتدىء الآن ونقول: إن كان جميع الورثة عصبة، فالمسألة تقام من عدد رؤوسهم، فإن كانوا ذكوراً راعينا عددهم، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً، تعرّفنا عددَ الإناث، وضعّفنا عدد الذكور، وقلنا: المسألة تصح من المبلغ، وهو عدد الإناث، وضعفُ عدد الذكور.
هذا إذا لم يكن في المسألة صاحب فرض، فإن كان فيها صاحب فرض أو أصحاب فروض، فنستخرج أصل المسألة من الأعداد التسعة، ونعطي من
__________
(1) (ت 3): في العدد القليل.
(2) ساقطة من (ت 2)، (ت 3).
(3) مزيدة من (ت 2)، (ت 3).

(9/286)


الأصل كلَّ صنف حقهم، فإن انقسمت سهام المسألة على أصناف الورثة، فقد صحت المسألة من أصلها، وقد تكون عائلة، وقد لا تكون.
6489 - وإن وقع في قسمة السهام على مستحقيها كسر، وذلك يقع من عدد كل صنفٍ، وإلا فالمسألة صحيحة في نفسها، وافيةٌ بأجزائها، ولكن عددَ الورثة لا ينضبطون، وقد يقع الكسر على صنفٍ واحدٍ، وعلى صنفين [وعلى ثلاثة أصنافٍ] (1)، وعلى أربعة أصناف، ولا مزيد على ذلك؛ فإن الورثة لا يزيدون على خمسة أصناف في مسألة، ولا بد إذا اجتمعوا أن يصح نصيب صنفٍ، فإن وقع الكسر على صنفٍ واحدٍ، وذلك بألا تنقسم سهام ذلك الصنف من أصل المسألة على رؤوسهم، فإن لم يكن بين سهامهم وبين عدد الرؤوس موافقة بجزء، فنضرب عدد الرؤوس في أصل المسألة، أو في أصل المسألة وعولها، إن كانت عائلة، فما بلغ، فمنه تصح المسألة.
وإن كان بين سهامهم وبين عددهم موافقة بجزء، فنضرب وفقَ عدد الرؤوس في أصل المسألة أو في أصلها بعولها إن كانت عائلة.
6490 - وإن وقع الكسر على صنفين أو ثلاثة أصناف، أو أربعة أصناف، لم يخل ذلك من أقسام: إما أن تكون سهام كل صنفٍ موافقةً لعدد رؤوسهم، أو مباينة لها، أو بعضها مباين وبعضها موافق.
فإن كانت موافقة، ردت أعداد رؤوس الأصناف إلى أوفاقها، ثم نرجع إلى ما حصل من أعداد الرؤوس، فإن كانت متماثلة، فاكتف بواحدة منها، فاضربه في أصل المسألة، ومن المبلغ تصح لا محالة.
وإن كان فيها عددان متماثلان، اكتفينا بأحدهما، وإن كان فيها عددان متداخلان، طرحنا الأقل، واكتفينا بالأكثر.
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/287)


وإن لم تكن متماثلة ولا متداخلة، نظرنا: فإن كانت متباينة، ضربنا أحد الكسور في الثاني، ثم ضربنا المبلغ في الثالث، ثم ضربنا المبلغ في الرابع، ثم ضربنا المبلغ في أصل المسألة، أو في أصلها وعولها إن كانت عائلة.
وإذا تباينت الكسور، فمضروب الأول في الثاني يباين الثالث لا محالة، وهذا المبلغ يباين الرابع لا محالة.
وإن وجدنا توافقاً في الأعداد التي [هي] (1) الكسور، أخذنا وَفْق أحد الكسور، وضربناه في الثاني، ثم ننظر هل بين المبلغ وبين الثالث موافقة، فإن لم يكن، ضربنا الكلَّ في الكل، وإن كانت موافقة، ضربنا وَفْقَ أحد المبلغين في جميع الثاني، ثم ناخذ هذا المبلغ، ونعتبره بالكسر الرابع، ونضرب الكلَّ في الكل، أو الوفقين في الكل.
وإن كانت السهام لا توافق أعداد رؤوس الأصناف في الأصل، [بقّينا] (2) تلك الأعداد، ونظرنا في بعضها مع بعض، وعرفنا تباينها وتوافقها، وأجرينا ما قدمناه من طريق الحساب، وإن توافق اثنان، وتباين اثنان، أجرينا في المتوافقين طريق التوافق، وضربنا وفق أحدهما في كل الثاني، ثم نجري في الباقيين طريقَ التباين.
ولا يخفى تصحيحُ المسائل على من أحكم ما قدمناه، ولكنا نضرب في كل باب أمثلةً لإيناس المبتدئين.
6491 - مسائل الكسر على جنسٍ واحدٍ
بنت، وبنتا ابن، وعم
للبنت النصف: ثلاثة، ولولدي الابن سهم لا يصح عليهما، ولا يوافق
__________
(1) في الأصل: بين.
(2) في الأصل: نفينا، (ت 2): أبقينا.

(9/288)


واحد عدداً؛ فنضرب عددهما، وهو اثنان في أصل المسألة؛ فيصير اثني عشر، فمنها تصح المسألة، ثم إذا أردنا القسمة من هذا المبلغ، فكل من كانت له حصة من أصل المسالة قبل البسط والتصحيح، فنضرب حصته في المضروب في المسألة، والمردود حصته من المبلغ المبسوط: كان للبنت ثلاثة، فنضربها في الاثنين، وهو نصيبها. وكان لولدي الابن سهم، فنضربه في المضروب في المسألة، وهو اثنان، فتصح الاثنان عليهما. وإن لم تكن في المسألة عصبة، وقلنا بالرد، وفرعنا على مذهب علي (1)، فالمال بين البنت وبنتي الابن مقسوم على أربعة: الربع واحد، لا ينقسم على اثنين، ولا يوافق؛ فنضرب اثنين في أربعة: للبنت منها ستة، ولبنتي الابن سهمان.
وعلى قول ابن مسعود (2): أصلها من ستة لولدي الابن السدس، والباقي للبنت فرضاً ورداً. ولا يصح سهم على اثنين، فنضرب اثنين في أصل المسألة، فيبلغ اثني عشر: للبنت منها خمسة أسداسها عشرة ولولدي الابن سهمان: لكل واحد منهم سهم.
زوج، وجدتان، وثلاث بنات
أصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر: للزوج الربع ثلاثة، وللجدّتين السدس سهمان، لكل واحدةٍ منهما سهم، وللبنات الثلثان: ثمانية، لا تصح على ثلاثة، ولا توافقها فنضرب ثلاثة في أصل المسألة وعولها، تبلغ تسعة وثلاثين، كان للزوج ثلاثة، فنضربها في ثلاثة، فيكون له تسعة، وكان للجدتين سهمان مضروبان في ثلاثة، فلهما ستة، وكان للبنات ثمانية مضروبة في ثلاثة، فتكون أربعة وعشرين: لكل واحدةٍ ثمانية.
__________
(1) بالرد على بنت الابن في هذه الحالة.
(2) بعدم الرد على بنت الابن في حالة ما إذا كان نصيبها السدس تكملة الثلثين.

(9/289)


وهذه الطريقة التي تبيّن حصصَ الأصناف بعد البسط تسمى طريق العطاء، وهي مسهلة في المسائل التي لا عول فيها، واستعمالها محتومة في مسائل العول؛ فإن أقدار الفرائض عائلة عن مبالغها، فليس ما يسمى نصفاً فيها نصفاً؛ فيتعين اتخاذ طريقة العطاء أصلاً في تبيين الحصص.
أم، وأربعة أعمام
أصلها من ثلاثة: للأم الثلث سهم. والباقي للأعمام، وهو سهمان من ثلاثة، وبين الاثنين والأربعة موافقة بالنصف، فنأخذ النصف من عدد الرؤوس، ونضربه في أصل المسألة فيبلغ ستة، وتصح المسألة منها.
6492 - مسائل الكسر على جنسين من غير موافقةٍ بينهما
أخوان لأم، وثلاثة إخوة لأب
المسألة من ثلاثة، ولا تصح سهام المسألة على الجنسين، ولا موافقة بين الكسرين، فنضرب أحدهما في الآخر، فيصير ستة، ثم نضرب هذا المبلغ في أصل المسألة، وهو ثلاثة فيبلغ ثمانية عشر، ومنه تصح المسألة.
ثلاث زوجات، وثلاث جداتٍ، وأربع بناتٍ، وأخوان لأبٍ
أصلها من أربعة وعشرين: للزوجات ثلاثة، وللجدات أربعة، لا تصح عليهن، وللبنات ستة عشر صحيحة عليهن، والباقي للأخوين، وهو سهم واحد، ينكسر عليهما، فقد وقع الكسر على ثلاثة واثنين، ولا موافقة بينهما، فنضرب أحدهما في الآخر، فيبلغ ستة، فنضربها في أصل المسألة، فيبلغ مائة وأربعة وأربعين، منها تصح المسألة.
كان للزوجات ثلاثة مضروبة في ستة، فتكون ثمانية عشر، لكل واحدة ستة. وكان للجدات أربعة نضربها في ستة، فلهن أربعة وعشرون. وهكذا إلى آخر المسألة.

(9/290)


ثلاثة إخوة لأم، وأخوان، وأختان لأب
المسألة من ثلاثة أسهم: لولد الأم الثلث: سهم على ثلاثة لا تصح ولا توافق.
والباقي وهو سهمان لولد الأب على ستة لا تصح، ولكن توافق بالنصف، فنأخذ نصف عددهم وهو ثلاثة وهي مساوية لعدد أولاد الأم، فاكتفينا بأحدهما، وضربنا في أصل المسألة، فيبلغ تسعة، منها تصح المسألة.
جدة، وأربعة إخوة لأم، وأخوان، وأختان لأب
المسألة من ستة للجدّة سهم، ولولد الأم سهمان لا يصح على أربعة، ويوافقها بالنصف، فنرد عددهم إلى اثنين، والباقي وهو ثلاثة أسهم بين ولد الأب، على ستة لا تصح، ولكن يوافق بالثلث فرجع عددهم إلى اثنين، واستوى وفق الجنسين، فاكتفينا بأحدهما وضربناه في أصل المسألة، فبلغ اثني عشر، ومنه تصح القسمة.
6493 - مسائل الكسر على ثلاثة أجناس وأربعة أجناس، من غير موافقة بين السهام والأجناس.
جدتان، وثلاثة إخوة لأم، وخمسة إخوة لأب
أصلها من ستة، وسهام كل جنس لا تصح على عدد المستحقين، ولا موافقة بين الأجناس، فنضرب اثنين في ثلاثة، تبلغ ستة، فنضربها في خمسة تبلغ ثلاثين، فنضرب ذلك في أصل المسألة، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح المسألة.
أربع زوجات، وثلاث جدات، وخمس أخوات لأم، وسبع أخوات لأب
أصل المسألة من اثني عشر، وتعول إلى سبعةَ عشرَ، وسهام كل جنس غير صحيحة، ولا موافقة لأصحابها، والأجناس متباينة في نفسها، فنضرب أربعة في ثلاثة، ثم ما بلغ في خمسة، ثم ما بلغ في سبعة، فبلغ أربعمائة وعشرين،

(9/291)


فضربناها في أصل المسألة بعولها، فتبلغ سبعة آلاف ومائة وأربعين، منها تصح المسألة.
كان للزوجات من أصل المسألة ثلاثة في أربعمائة وعشرين، فلهن ألف ومائتان وستون: لكل واحدة منهن ثلثمائة وخمسة عشر.
وكان للجدات سهمان مضروبان في أربعمائة وعشرين يكون لهن ثمانمائة وأربعون، لكل واحدة منهن مائتان وثمانون، وكان لولد الأم أربعة مضروبة في أربعمائة وعشرين فلهن، ألف، وستمائة وثمانون: لكل واحدة منهن ثلثمائة وستة وثلاثون، وكان لولد الأب ثمانية، مضروبة في أربعمائة وعشرين، فيخرج الباقي. والقسمة صحيحة.
6494 - مسائل الكسر على ثلاثة أجناس
أو أربعة أجناس على موافقةٍ تقع بينهما
جدتان، وثلاثة إخوة لأم، وخمسة إخوة وخمس أخواتٍ لأبٍ
أصل المسألة من ستة: للجدتين السدس: سهم واحد، وللأولاد الأم الثلث: سهمان ولا يوافق عددَهم. والباقي وهو ثلاثة لأولاد الأب وهم خمسةَ عشرَ بالتقدير، وسهامهم توافقهم بالثلث، فنردهم إلى خمسة، فمعنا اثنان، وثلاثة، وخمسة، فنضرب اثنين في ثلاثة، ثم المبلغ في خمسة، تكون ثلاثين، فنضربها في أصل المسألة تكون مائة وثمانين، منها تصح القسمة.
أربع زوجات، وثمان جدّاتٍ، وستة عشر أخاً لأم، وعشرين أختاً لأب
أصلها من اثني عشر، وتعول إلى سبعةَ عشر: للزوجات الربع: ثلاثة، لا يصح عليهن، ولا يوافق، وللجدات سهمان، يوافقهن بالنصف، فيرجع إلى أربعة، ولولد الأم أربعة يوافق عددهم بالربع، فيرجع عددهم إلى أربعة وللأخوات ثمانية لا تصح عليهن، وتوافق بالربع فرجع إلى خمسة، فمعنا أعداد متماثلة، أربعة أربعة، نكتفي منها بواحد، ولا موافقة بين الأربعة والخمسة،

(9/292)


فنضرب أربعة في خمسة، فتكون عشرين، نضربها في أصل المسألة بعولها، فتبلغ ثلثمائة وأربعين، فمنها تصح المسألة.
ومهما اجتمع في المسألة خمسة أجناس وهي أكثر ما يكون من أصناف الورثة، فلا بد أن تصح سهام صنفٍ والباقون قد تصح سهامهم عليهم، وقد تصح على بعضهم، وقد لا تصح على جميعهم، ومتى لم تصح سهام الأصناف عليهم ولم توافق، ولم يكن بين الأصناف موافقة ولا مماثلة، ولا مداخلة، فالمسألة تعرف بين الفرضيين بالصمّاء.
هذه أصول أبواب التصحيح، فقس عليها موفِّقاً، إن شاء الله.
***

(9/293)


باب استخراج نصيب كل واحد من الورثة على التفصيل
6495 - إذا صححتَ المسألة، وأردت أن تعرف نصيبَ كل واحد من الورثة، فقد ذكر الفرضيون في ذلك طرقاً: أشهرها - أن تنظر إلى كل جنس كان له من أصل الفريضة شيء، فتضرب سهامهم في العدد الذي ضربناه في أصل المسألة، فما بلغ، فهو نصيب ذلك الجنس، فتقسمه على عدد رؤوسهم، على حسب الاستحقاق، فما خرج بالقسمة، فهو نصيب كل واحد منهم.
المثال: أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات (1)
أصلها من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر: للزوجات الربع: ثلاثة لا تصح عليهن، ولا توافقهن، وللجدات السدس: سهمان، لا تصح، ولا توافق، وللأخوات الثلثان: ثمانية، لا تصح، وتوافق بالنصف، فرجع عددهن إلى ثلاثة، وحصل معنا أربعة وثلاثة، وثلاثة، إحدى الثلاثتين تُجزىء عن الأخرى، فيبقى أربعة وثلاثة، فنضرب إحداهما في الأخرى، تكون اثني عشر، فهذا العدد الذي يسميه الفرضيون عددَ المنكسرين، فاضربه في أصل المسألة بعولها، وهي ثلاثة عشر، فتبلغ مائة وستة وخمسين، فمنها تصح المسألة.
__________
(1) كذا في النسخ الثلاث: " ست أخوات " بدون قيد. وهي صحيحة؛ فإن الأخت عند الإطلاق تنصرف إلى الشقيقة. وقد علق أحد العلماء المطالعين لنسخة (ت 2) بأن الأولى التقييد بأنهن (أخوات لأب)، وقطعاً للوهم أن يسبق أنهن أخوات (لأم) فلا تصح المسألة مثالاً.

(9/294)


فإذا أردت إفرادَ نصيب كل جنس من الورثة، فقد كان للزوجات من أصل المسألة ثلاثة مضروبة في المضروب في المسألة، وهو اثنا عشر، فصار ستة وثلاثين، مقسومة بينهن على أربعة: لكل واحدةٍ منهن تسعة، إلى الآخر، فهذه الطريقة تعرفُ بها حصّة الصنف، ثم تعرف حصة كل واحدٍ منهم بالقسمة.
وذكر الفرضيون طرقاً يُعرفُ بها نصيب الواحد من كل صنف.
6496 - طريقة أخرى: نقسم عدد المنكسرين على الصنف الذي نُريد أن نعرف نصيبَ كل واحد منهم، فما خرج نضربه في جملة سهام ذلك الصنف من أصل المسألة، إن كانت سهامهم مباينة لعددهم، وإن كانت موافقة ضربنا في وَفْق سهامهم، فما بلغ فهو نصيب كل واحدٍ من ذلك الصنف.
مثاله في المسألة التي ذكرناها: إنك قد علمت أن عدد المنكسرين اثنا عشر، فإذا أردت معرفة نصيب كل واحد من الزوجات، فاقسم الاثني عشر على عددهن، فيخرج ثلاثة، فاضربها في جملة ما كان لهن من أصل المسألة، وهو ثلاثة فتبلغ تسعة، فهو نصيب كل واحدةٍ.
ثم اقسم الاثني عشر على عدد الجدات، وهن ثلاث، فتخرج أربعة، فاضربها فيما كان لهن من أصل المسألة، وهو سهمان فتبلغ ثمانية، وهو نصيب كلّ واحدة منهن.
ثم انظر إلى الاثني عشر، وإلى الأخوات، وقد رددن إلى ثلاثة؛ لأن سهامهن وافقتهن، فاقسم اثني عشر عليهن، فتخرج أربعة، فاضربها في وَفْق ما كان لهن من أصل المسألة، وذلك أربعة، فتبلغ ستة عشر، فهو نصيب كل واحدة منهن.
6497 - طريقة ثالثة: نقول: إن كان المنكسر على جنسٍ واحدٍ، ولم توافق سهامهم عددهم، فنصيب كل واحد منهم مثل عدد سهام جماعتهم من أصل المسألة.

(9/295)


وإن وافقت سهامُهم عددَهم، فنصيبُ كل واحد منهم مثلُ وَفْق سهام جماعتهم من أصل المسألة. وإن كان الكسر على عددين، ولا موافقة بين السهام والعددين، فإن وافق أحدُ العددين الآخر، فخذ وفقَ أحدهما، واضربه في سهام العدد الآخر من أصل المسألة، فما بلغ، فهو نصيب كل واحد من الذين ضربت سهامهم، ثم خذ [وفق العدد الآخر] (1) واضربه في سهام العدد الأول من أصل المسألة، فما بلغ فهو نصيب كل واحدٍ من المضروب في سهامهم.
وإن كان العددان قد وافقا سهامهما من أصل المسألة فوافِق بين وفق عدد كل واحد، وخذ ذلك الوفق، واضربه في وفق سهام العدد الآخر من أصل المسألة، فما بلغ، فهو نصيب كل واحدٍ من المضروب في وفق سهامهم.
ومثاله في المسألة التي ذكرناها: أنّك إذا أردت معرفة نصيب الواحدة من الزوجات، قلتَ: عددهن أربعة، وقستَ عليها عددَ الجدات، وهن ثلاثة (2)، فهما متباينان، ثم نظرت إلى عدد الجدّات، ووَفْق عدد الأخوات، فكانا متماثلين، فاجتزأت بأحدهما، وضربت ثلاثة في جميع ما كان للزوجات من أصل المسألة، وهو ثلاثة، فصار تسعة، فهو نصيب كل واحدة منهن، فإذا أردت نصيبَ كل جدّة، فتقفهن وتقيس إليهن عددَ الزوجات، فيكون مبايناً لهن، وتقيس إليهن وفقَ عدد الأخوات، فيكون مثلها فاجتزأت بأحدهما، وحصل معك أربعة، فضربتها في جميع ما كان للجدات من أصل المسألة، وهو اثنان، فتكون ثمانية، فهو نصيب كل جدّةٍ.
وإن أردت نصيب كل أختٍ، وقد رددت إلى الوفق، وهو ثلاثة، فقس إليهن الجدات، فالعدد مثل العدد، فأسقطت أحدهما، وقست إليها الأربعة،
__________
(1) في الأصل: عدد الوفق الآخر.
(2) كذا بالتأنيث في النسخ الثلاث. وهي صحيحة لغوياً، فمن المعروف أن المعدود إذا تقدم لا تجب المخالفة، بل يجوز الموافقة في التذكير والتأنيث.

(9/296)


فكان مبايناً لهن، فاضرب الأربعة في وفق نصيبهن من أصل المسألة، وهو أربعة، فيكون ستة عشر، فهو نصيب كل واحدة منهن.
6498 - طريقة أخرى: تقسم سهام الصنف الذين تريد معرفةَ نصيب كل واحدٍ منهم، من أصل المسألة على عدد رؤوسهم، فما خرج بالقسمة ضربته في عدد المنكسرين، فما بلغ فهو نصيب كل واحد منهم.
مثاله في المسألة التي ذكرناها: أن نصيب الزوجات من أصل المسألة ثلاثة، فنقسمها عليهن، فتصيب كلُّ واحدة منهن ثلاثة أرباع سهم، فتضربه في اثني عشر، فيرد ثلاثة أرباع اثني عشر، وهو تسعة، فهو نصيب كل واحدة منهن، ثم قسمنا نصيب الجدات، وهو سهمان عليهن وهن ثلاثة، فخرج نصيب كل واحدة ثُلثا واحدٍ، فضربناه في عدد المنكسرين، فبلغ ثمانية، [وهو نصيب الواحدة منهن] (1) وقسمنا نصيب الأخوات من الأصل وهو ثمانية على عددهن، وهو ستّة، فخرج من القسمة نصيب الواحدة واحد وثلث، فضربناه في عدد المنكسرين وهو اثني عشر، فبلغ ستة عشر، فهو نصيب كل أختٍ (2).
...
__________
(1) زيادة من المحقق لإيضاح المسألة.
(2) إلى هنا انتهت نسخة (ت 2)، وجاء في خاتمتها ما نصه:
" تم الجزء الخامس عشر بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه، وصلى الله
على محمد نبيه وعلى آله، وصحبه وسلم، وشرّف وكرّم.
يتلوه في الجزء السادس عشر إن شاء الله
باب في تصحيح حساب مسائل المناسخة ".

(9/297)


باب في تصحيح حساب مسائل المناسخة
6499 - صورة هذا الباب أن يموت إنسان فلا يقسم ميراثه حتى يموت بعضُ ورثته، وربما حتى يموت ثالث ورابع وخامس. ومطلوب الباب تصحيح مسألة الميت الأول من عددٍ ينقسم نصيب كل ميت بعده منه على مسألته. ولو أفرد مفردٌ كلَّ مسألة بحسابها، لم يكن وافياً بمقصود السائل؛ فإن غرضه قسمةُ المسائل على حسابٍ واحد؛ من جهة أن التركة واحدة في غرض السائل.
6500 - والأصل في حساب الباب أن تنظر، فإن كان ورثة الثاني، والثالث، ومن بعدهم هم ورثة الميت الأول، وكان ميراثهم من كل واحدٍ منهم على سبيل ميراثهم من الميت الأول، وذلك بأن يكونوا عصبة لكل واحد منهم، فاقسم مال الميت الأول بين الباقين من ورثة الموتى، كأنه ما خلف غيرَهم، إن كانوا ذكوراً بالسوية، فإن كانوا ذكوراً وإناثاً، فللذكر مثل حظ الأنثيين.
مثاله: رجل مات وخلف:
ثلاثة بنين، وثلاث بنات
فلم يقسم ماله حتى مات ابن، ثم ماتت بنت، ثم مات ابن آخر.
فاقسم مال الميت الأول بين من بقي، وهم:
ابن، وبنتان
للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإن كان في جملة الورثة من يرث سهماً من الميت الأول، ولا يرث من مال

(9/298)


الميت الثاني، والثالث، ومن بعده شيئاً، فأفرده بسهمه، واقسم ما بقي بين الباقين من الورثة، على ما تقدم.
مثاله: امرأة ماتت، ثم خلفت:
زوجاً، وثلاثة بنين، وثلاث بنات من غير هذا الزوج.
فلم تقسم تركتها حتى مات ابنان، وبنتان.
فادفع إلى الزوج ربعَ مالها، واقسم الباقي بين الابن والبنت: للذكر مثل حظ الأنثيين.
والمسألة من أربعة.
6501 - وإن كان ميراثهم من الميت الثاني أو الثالث أو الرابع، ومن بعدهم على خلاف ميراثهم من الميت الأول، لو كان لكل واحد من الموتى وارث غير وارث الميت الذي قبله، واختلفت مقادير مواريثهم، فطريق الحساب في الباب أن تصحح مسألة الميت الأول، واعرف نصيب الميت الثاني منها، ثم صحح مسألة الميت الثاني، ثم اقسم نصيبه من مسألة الميت الأول على مسألته في نفسه، فإن انقسم عليها، فقد صحت المسألتان جميعاً فيما صحت منه المسألة الأولى.
وإن لم ينقسم نصيبه من الأولى على مسألته، فانظر، فإن لم يكن بين نصيبه وبين مسألته موافقة، فاضرب ما صحت منه مسألته فيما صحت منه المسألة الأولى، فمنه تصح المسألتان.
وإن كان بين نصيب الميت الثاني، وبين ما صحت منه مسألته موافقة، فخذ الوفقَ من مسألته لا من نصيبه، واضربه في المسألة الأولى، وتصح القسمة من المبلغ في المسألتين.
وإن كان في المسألة ميت ثالث، فصحح مسألته مفرداً، ثم خذ نصيبه مما صحت منه المسألتان الأوليان، وانظر: فإن انقسم نصيبه على مسألته، فقد

(9/299)


صحت المسائل الثلاث مما صحت منه المسألتان الأوليان، فإن لم ينقسم نصيبه على مسألته، فانظر، فإن لم يكن بينهما موافقة، فاضرب مسألته فيما يصح منه المسألتان الأوليان، وإن كان بينهما موافقة، فاضرب وفق مسألته -لا وفق حصته - فيما صحت المسألتان الأوليان، فما بلغ، فمنه تصح المسائل الثلاثة.
وهذا طريق العمل، لو كان في المسألة ميت رابع وخامس وأكثر، فصحح مسألة كل واحد منهم على الانفراد، وخذ نصيبه من مسائل المتوفيين قبله كما تقدم.
6502 - والمطلوب في هذا الباب إذا طال الحساب أن تعرف حصة كل واحد في البطون المتناسخة، فنقول: كل من ورث من مسألة الميت الأول شيئاً إذا كثر الضرب، أو جرى مرة واحدة، فخذ حصة من تريد في المسألة الأولى، واضربه في المضروب في مسألة الميت الأول إن جرى ضرب واحد، وإن [جرت ضربات] (1)، فيكثر بها العدد المبسوط في كل حصة. فإذا تبينتَ الحصة في الضرب الأول، ثم ضربت ضرباً ثانياً بسبب بطن ثالث، فاضرب حصة الوارث من المسألة الأولى بعد الضرب الأول، واضربها في المضروب الثاني، وهكذا. كلما تناسخت البطون.
وكل من ورث من مسألة الميت الثاني، فاضرب نصيبه في المسألة الثانية فيما مات عنه الميت الثاني من السهام إن لم تكن سهامه منقسمة على مسألته، ولا موافقة لها.
وإن كانت سهامه موافقة لمسألته، فاضرب حصة الوارث الثاني من المسألة الثانية في وفق سهام ذلك الميت.
وإن كانت سهامه قد انقسمت على مسألته من غير كسر، فاضرب فيما يخرج
__________
(1) في الأصل: ضرب ضربان.

(9/300)


من قسمة سهامه على مسألته، ثم اضرب ما اجتمع من ذلك في مسائل المتوفين بعده، مسألة بعد مسألة، كما ذكرنا في المسألة الأولى مع الثانية.
وكذلك تفعل في معرفة نصيب ورثة الميت الثالث والرابع، وما زاد.
ثم انظر، فإن كان بعض الورثة قد ورث من المسألتين، فاعرف نصيبه من كل واحدة بالضرب، ثم اجمع جميع ما ورثه من المسائل، فما كان فهو نصيبه مما تصح منه جميع تلك المسائل.
6503 - فهذا أصل الباب وحسابه ولا بد من ذكر مثال في كل نوع من هذه الأنواع:
زوج، وأختان لأبٍ وأم
ماتت إحدى الأختين قبل قسمة الميراث، وخلفت بنتاً وأختها.
فالمسألة الأولى من سبعة (1) وللأخت الميتة منها سهمان، ومسألتها من اثنين. فالمسألتان تصحان من سبعة: للزوج منها ثلاثة، ولبنت الميت الثانية سهم وللأخت الباقية ثلاثة أسهم: سهمان عن الأول، وسهم عن الثاني.
ابنان، وبنتان.
المسألة من ستة. مات أحد الابنين، وخلف ابناً وبنتاً. المسألة من ثلاثة ونصيبه من الأولى سهمان لا تنقسم على مسألته، ولا توافق، فتضرب مسألته في المسألة الأولى. فتبلغ ثمانية عشر، فمنها تصح المسألتان. فمن كان له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في المضروب في تلك المسألة، وهي ثلاثة. ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً فيما مات عنه الميت الثاني، وهو سهمان.
__________
(1) المراد أنها من سبعة بعد عولها. وإلا فهي من ستة أصلاً، والسبعة ليست من أصول المسائل كما هو معروف.

(9/301)


ابنان، وبنتان
مات أحد الابنين، وخلف امرأة، وبنتاً، وثلاثة بني ابن
المسألة الأولى من ستة، ونصيب الميت الثاني منها سهمان، ومسألته من ثمانية، ولا يصح نصيبه على مسألته، ولكن يوافقها بالنصف، فاضرب نصف مسألته في المسألة الأولى: أربعة في ستة، المردود أربعة وعشرون. منها تصح المسألتان. من له شيء من المسألة الأولى، أخذه مضروباً في نصف المسألة الثانية، وهو المضروب في المسألة الأولى. ومن له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروباً في نصف ما مات عنه، وهو واحد.
امرأة، وأم، وثلاث أخوات مفترقات (1)
المسألة من خمسة عشر، عائلة.
ماتت الأم عن: زوج، وعم، ومن خلفت من ورثة الميت الأول، وهما بنتان فمسألتها من اثني عشر. وقد ماتت عن سهمين توافق مسألتها بالنصف، فاضرب نصف مسألتها. في المسألة الأولى يكون تسعين، ثم ماتت الأخت للأب، وخلفت زوجاً، وأماً، وبنتاً، ومن خلفت في هذه المسألة الأولى، وهي أخت لأب.
ومسألتها من اثني عشر، ولها من المسألة الأولى سهمان مضروبان في وفق الثانية، وهو ستة، يكون اثني عشر، وذلك ينقسم على مسألتها، فصحت المسائل الثلاث من تسعين:
للمرأة من الأولى ثلاثة، مضروبة في ستة يكون ثمانية عشر.
وللأخت لأم من الأولى سهمان في ستة يكون اثني عشر، ولها أيضاً من الثانية أربعة في واحد، فجميع مالها ستة عشر.
__________
(1) ثلاث أخوات مفترقات: أي واحدة لأبٍ وأم، وواحدة لأب، والثالثة لأم.

(9/302)


وللأخت للأب والأم من الأولى ستة مضروبة في ستة، ومن الثانية أربعة في واحد، ومن الثالثة واحد، وهو ما خرج من قسمة سهام الثالثة على مسألتها، فجميع ما لها أحد وأربعون سهماً.
ولزوج الثانية ثلاثة في واحد.
ولعمها سهم في واحد.
ولزوج الثالثة ثلاثة في واحد.
ولبنتها ستة في واحد.
ولأمها سهمان في واحد.
امرأة، وابن، وبنت، وأخ من أب
فمات الابن، وخلف من خلف، وهم: أمه، وأخته، وعمه.
ثم ماتت البنت، وخلفت: زوجاً، وبنتاً، ومن خلفت.
ثم ماتت المرأة، وخلفت زوجاً، وأماً، وست أخوات مفترقات.
فالمسائل الأربع كلها تصح من مائة وأربعة وأربعين. على ما ذكرنا في مراسم الحساب.
وقد نجز مقصود الباب، وتم بنجازه أبواب الحساب في الفرائض. وكنا قد وعدنا أن نذكر بعد نجازها بابين: أحدهما في ميراث الخناثى، والثاني في ميراث الحمل، ونذكر في كل بابٍ ما يتعلق بالفقه والفتوى، وما يتعلق بالحساب.
***

(9/303)


باب الخناثى وكيفية ميراثهم (1)
6504 - اعلم أن الخنثى على ضربين: أحدهما - أن يكون له آلة الرجال وآلة النساء.
والثاني - أن تكون آلته التي منها يبول بخلاف آلات الرجال والنساء، فلا يكون له ذكر كذكر الرجل، ولا يكون له قُبل، كقبل المرأة. فإن كان الخنثى على هذا الوصف، فهو مشكل إلى أن يبلغ، فيختار، ويُعرب عن نفسه.
فإن كان على الوصف الأول، اعتبر أمره أولاً بالبول. فإن بال من الذكر،
فهو رجل، فإن بال من فرج النساء، فهو أنثى، وإن بال بهما، فهو مشكل.
وقيل: أولُ من حكم بهذا الحكم عامرٌ العدواني (2) في الجاهلية. وكان حَكَمَ العرب، فأتَوْه في خنثى وميراثها، فأقاموا عنده أربعين يوماً، وهو يذبح لهم كلَّ يوم، وكانت له أمَةٌ يقال لها: خصيلة، فقالت له: إن مُقام هؤلاء عندك قد أسرع في غنمك، فقال: ويحك، لم يُشكل عليّ حُكومة قط، غيرُ هذه. قالت: " أتبع الحُكمَ المبالَ. فقال: فرَّجتِها يا خصيلة " (3)، فأُرسل ذلك مثلاً، فاستقر الأمرُ عليه في الإسلام.
__________
(1) من هنا اقتصر العمل على نسختين (د 2) أصلاً، و (ت 3) نسخة مساعدة.
(2) عامر بن الظَّرب بن عمرو العدواني، من حكماء العرب في الجاهلية، كان يقال له: ذو الحِلْم، وهو أول من قرعت له العصا. (الأعلام)، ومعنى " قرعت له العصا " أي وُكِّل به من ينبهه بقرع العصا بعدما كبر وصار يخطىء في حكمه. (اللسان).
(3) راجع القصة في مجمع الأمثال للميداني عند (إن العصا قُرعت لذي الحِلْم).

(9/304)


وسئل معاويةُ في خنثى ولد بالشام، له ما للرجال، وله ما للنساء، فكتب معاوية إلى عليٍّ يسأله عن ميراثه، فقال: " يورّث من قِبل مباله ". ثم قال: " الحمد لله الذي جعل عدوَّنا يفزع إلينا في أمر دينه " (1).
وسأذكر ما يتعلّق بعلامات الخناثى في كتاب الجراح. وقد ذكرنا طرفاً صالحاً منه في كتاب الطهارة.
والباب معقود لبيان الحكم مع دوام الإشكال في التوريث منه قبل ظهور أمره؛ إذ ليس في ورثته زوج، ولا زوجة، ولا ولد؛ إذ لو كان له زوج أو زوجة، أو ولد، لكان قد ظهر أمره قبل موته.
6505 - وإن مات له موروث قبل ظهور أمره، فقد لا يختلف الميراث بالذكورة والأنوثة، وذلك بأن يكون الخنثى من أولاد الأم، أو كان ممن يرث بولاية على الميت من جهة العتق.
وإن كان ميراثه يختلف بكونه ذكراً أو أنثى، فقد اختلف العلماء حينئذ في كيفية توريثه على أقوال مختلفة: فقال الشافعي ومتبعوه: ينظر فيه، فإن ورث في حالٍ، ولم يرث في أخرى يوقف نصيبُه، ولم يدفع إليه شيء.
وإن كان يرث في الحالين، إلا أنه كان ميراثه في إحداهما أقلَّ من ميراثه في الأخرى، دُفع إليه أقلُّ النصيبين، وهو المقدار المستيقن. ووُقف الفضل.
هذا حكمه في نفسه.
6506 - فأما حكم غيره من الورثة معه، فإنه ينظر فيه، فكل من لا يتغير ميراثه بكون الخثى ذكراً أو أنثى، دفع إليه ميراثه كَمَلاً.
__________
(1) خبر علي " يورث من قبل مباله " رواه سعيد بن منصور في سننه، باب ما جاء في الخنثى حديث رقم 125، ورواه الدارمي: الفرائض، باب في ميراث الخنثى، ح 2970، والبيهقي: (6/ 261) دون ذكر سؤال معاوية.

(9/305)


ومن كان يتغير ميراثه بذلك، نُظر: فإن كان يرث مع الخنثى في إحدى حاليه، ولا يرث معه في الأخرى، وُقف نصيبه. وإن ورث معه في حاليه جميعاً؛ إلا أنه كان ميراثه في إحدى الحالتين أقلَّ من ميراثه في الأخرى، دُفع إليه أقلُّ النصيبين، ووُقف الفضلُ بينهما إلى أن نتبين أمر الخنثى.
هذا مذهب الشافعي وأصحابه.
6507 - وذكر الأستاذ أبو منصور أن من أصحاب الشافعي من يدفع إلى الخنثى أقلَّ ما يصيبه، ويدفع الباقي إلى شركائه؛ لأنه لا إشكال فيهم، وسببُ استحقاقهم ثابت، وحجبهم مشكل، فلا ندفع أصلَ استحقاقهم بإشكالٍ.
وهذا لم أره لأحد من أئمتنا، وإنما وجدته في كتاب الأستاذ أبي منصور.
وفي كتابه عن أبي ثور عن الشافعي أنه قال: الوقف إلى موت الخنثى؛ فإذا
مات على إشكاله، رُدَّ الموقوف على ورثة الميت الأول، وهذا لم أره أيضاً.
وقال رضي الله عنه بعد ما نقل هذين المذهبين: " لا اعتبار بهذين التخريجين، ومذهب الشافعي، وما عليه أصحابه ما قدمناه ".
6508 - وقال أبو حنيفة (1): يورث الخنثى بأقل حاليه، فإن كان أقلُّ حاليه أن يكون ذكراً، دفع إليه ميراث ذكر، وإن كان أقلُّ حاليه أن يكون أنثى، دفع إليه ميراث أنثى؛ فإن بقي من المال شيء كان للعصبة، إن كان في الورثة عصبة، ولا يوقف شيء.
6509 - وقال إسماعيل بن إسحاق: " لا أحفظ عن مالك في ميراث الخنثى شيئاً ". وحُكي عنه أنه جعله ذكراً، وليس بثابت عنه (2).
__________
(1) ر. مختصر الطحاوي: 154، مختصر اختلاف العلماء: 4/ 456 مسألة: 2141.
(2) ر. شرح الحطاب: 6/ 424، 426.
وإسماعيل بن إسحاق: هو القاضي إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد
الأزدي، البغدادي إمام المالكية في عصره، ولد سنة 199 وتوفي سنة 282. وبفضله =

(9/306)


6510 - وقال قوم من البصريين إذا اجتمع فيه علامات الرجال والنساء، فهذا خلْقٌ، لا ذكر، ولا أنثى، وإنما فرضَ الله تعالى للذكور والإناث، ولم يفرض لهذا الشخص شيئاً، فلا شيء له إلا ألا يخلِّف القريبُ أحداً سواه، فيكون أحقَّ بماله من الأجانب.
6511 - وقال ضرار، وجماعة من البصريين: يقسم المال بين الخنثى وشركائه على أكثر دعاويهم، فيضرب فيه كلُّ واحد منهم بأكثر ما يدّعيه، وقاسوه على عول الفرائض، والتضارب في ثلث المال عند ازدحام الوصايا وزيادتها على الثلث.
6512 - وقال الشعبي: يُدفع إلى الخنثى نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى، وبه قال الأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وشَرِيك، ونعيم (1)، ويحى ابن آدم، والعنبري (2)، وجماعة من الكوفيين. وحُكي مثل هذا عن ابن عباس.
__________
= أصبح لمذهب مالك من الانتشار في بغداد ما لم يكن في وقت من الأوقات. (ر. طبقات الفقهاء للشيرازي: 167، ترتيب المدارك: 2/ 179، تاريخ بغداد: 6/ 284، الديباج: 1/ 282، سير أعلام النبلاء: 13/ 339).
(1) هو نعيم بن حماد بن معاوية، أبو عبد الله الخزاعي المروزي الإمام العلامة الحافظ الفرضي. كان من أعلم الناس بالفرائض، توفي سنة 228 هـ. (ر. تاريخ بغداد: 13/ 306، سير أعلام النبلاء: 10/ 595).
(2) العنبري: هو عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري، قاضي البصرة وخطيبها، ولد سنة 100 وتوفي سنة 168 هـ. من العلماء الذين يعتد بخلافهم، حيث يتكرر ذكره في كتب الخلاف، كالأوسط لابن المنذر، واختلاف الفقهاء للطحاوي ومختصره للجصاص، والحلية للقفال، وكتاب الساجي في الفقه والخلاف -كما ذكر السبكي في طبقاته: 3/ 300 - والانتصار للكلوذاني، والاستيعاب لابن عبد البر، (ر. تاريخ بغداد: 10/ 306، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 311، الوافي: 19/ 368، تهذيب التهذيب: 7/ 7).

(9/307)


6513 - ثم اختلف الفرضيون في تأويل قول ابن عباس والشعبى ومن تبعهما: فقال أبو حنيفة: أرادوا بذلك نصفَ الميراثين على طريق الدعوى.
وقال أبو يوسف: أرادوا بذلك نصفَ الميراثين فى حالين فحسب، وبه قال أبو يوسف في آخر عمره، ولم ينزلهم أكثر من حالين.
وقال ابن أبي ليلى في روايةٍ وجماعة من الكوفيين: أرادوا بذلك نصف الميراثين على تنزيل الأحوال كلها.
وقيل: رجع محمد بن الحسن في آخر عمره إلى طريقة أصحاب الأحوال.
ثم اختلف أصحاب الأحوال في كيفية تخريج المسألة على الأحوال على حسب ما نبيّنه في جوابات الأمثلة، إن شاء الله عز وجل.
قال الأستاذ: هذا ما حفظنا من أقاويل العلماء، وأوضحُها وأقربها ما صار إليه الشافعي وأصحابه؛ فإنه مستند إلى اليقين، وما لا يقين فيه، فلا شيء فيه أحسنُ من الوقف.
6514 - مسائل الباب:
رجل مات وخلّف أخاً لأبٍ وأمٍّ، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي للخنثى نصف المال، ويوقف الباقي حتى يتبين أمر الخنثى، وسأذكر في آخر الباب مسلكاً في القدر الموقوف.
وفي قول أبي حنيفة ومحمد: له النصف، والباقي للأخ.
ومن جعله ذكراً، أعطاه المالَ كلَّه.
ومن قال لا ميراث له: دفع المال كلَّه إلى الأخ.
ومن اعتبر قسمة المال بين الورثة على معظم دعاويهم، كما ذهب إليه ضرار، قال: إن الخنثى يدّعي جميعَ المال، والأخ يدعي النصف، فيقسَّم المال بينهما على ثلاثة أسهم: للخنثى سهمان، وللأخ سهم.

(9/308)


ومن أوجب له نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى أعطاه ثلاثة أرباع المال، على جميع الروايات عنه.
أما على رواية أبي حنيفة في اعتبار الدعوى، فإنه يقول: له النصف باليقين، والنصف الباقي يدّعيه هو، ويدعيه الأخ، فيقسم بينهما نصفين، فيخرج منه ثلاثة أرباع.
وأما على اعتبار الأحوال، فلأن الخنثى له حالان: يرث في إحداهما جميع المال، وفي الأخرى نصفَ المال، فنجمع بينهما، يكون مالٌ ونصف، فله نصفهما، وهو ثلاثة أرباع.
والأخ يرث في أحد الحالين نصفَ المال، فله نصف النصف، وهو الربع.
فإن ترك ولدين خنثيين، وعماً لأب وأم
ففي قول الشافعي لهما الثلثان، والباقي موقوف.
وفي قول أبي حنيفة لهما الثلثان والباقي للعم.
ومن جعل الخنثى ذكراً، قسم المال بينهما نصفين.
ومن قال: لا ميراث له جعل المال كلّه للعم.
ومن اعتبر قسمة المال بينهم على معظم دعاويهم، قال: إن كل واحد من الخنثيين يدعي لنفسه ثلثي المال، لأنه يقول: أنا ذكر، وصاحبي أنثى، والعم يدّعي ثلث المال، فنجمع دعاويهم، فيحصل مال وثلثا مال، فنبسطه أثلاثاً، فيكون خمسة، فنقسم المال بينهم على خمسة أسهم: لكل واحد من الخنثيين سهمان من خمسة وللعم سهم.
ومن اعتبر له نصفَ الميراثين، فقد اختلفوا فيما بينهم، فمن اعتبر طريقةَ الدعوى، كما رواه أبو حنيفة عنهم، قال: لهما الثلثان بيقين، والثلث الباقي يدعيانه، ويدعيه العم، فيكون بينهم نصفين: خمسة أسداس المال بينهما

(9/309)


نصفين، وللعم السدس: أصلها من ستة، وتصحّ القسمة من اثني عشر سهماً.
ومن اعتبر تنزيل المسألة على حالين فحسب، كما ذهب إليه أبو يوسف، فقوله في هذه المسألة كقول من اعتبر الدعوى؛ لأنه يقول: لهما حالان: إما أن يكونا ذكرين، فيستحقان جميع المال، وإما أن يكونا أنثيين، فيكون لهما الثلثان، فجملة النصيبين، مال وثلثان، لهما نصف ذلك، وهو خمسة أسداس المال، وللعم السدس.
وأما من اعتبر تنزيل المسألة على جميع الأحوال، فلهم طرق مختلفة ترجع إلى معنىً واحد، فمنهم من يقول: للخنثيين أربعة أحوال: إما أن يكونا ذكرين، وإما أن يكونا أنثيين، وإما أن يكون الأكبر ذكراً والأصغر أنثى، وإما أن يكون الأصغر ذكراً والأكبر أنثى. وهؤلاء يجعلون لثلاث خناثى ثمانية أحوال، ولأربعة ستةَ عشرَ حالاً، وللخمسة اثنين وثلاثين حالاً، وعلى هذا القياس: كلما زاد في عدد الخناثى واحدٌ، تضاعف عدد أحوالهم.
فإذا كان للاثنين أربعة أحوال، ففي ثلاث منها يستحقان جميع المال. وفي حالةٍ واحدة يستحقان ثلثي المال، فجملةُ ذلك ثلاثة أموال وثلثا مالٍ، لهما ربع ذلك؛ لأن لهما حالاً من أربعة أحوال: فيكون لهما ربع المبلغ، وهو خمسة أسداس المال ونصف سدسه، ويكون ما بقي للعم، وهو نصف سدس المال.
ومنهم من يقول: لهما أربعة أحوال: يزاحمهم العم في واحدة منها، وإذا زاحمهم، أخذ ربع الثلث، فله ربع الثلث، وهو نصف سدس المال.
ومنهم من اعتبر طريقةً في الحساب، نذكرها في آخر الباب. وطرق أصحاب الأحوال ترجع إلى معنىً واحد.
ثلاثة أولاد خناثى، وعم لأب.
ففي قول الشافعي: يدفع إليهم ثلاثة أخماس المال: لكل واحد الخمس،

(9/310)


وهو الأقل المستيقن، [لجواز] (1) أن يكون أنثى وصاحباه ذكرين، ونوقف ما بين ثلاثة أخماس [المال] (2) إلى تمام الثلثين بين الخناثى، لا حظَّ للعم فيه؛ فإنه لهم، أو لأحدهم، أو لاثنين منهم، ويوقَف ثلث المال الباقي بين العم والخناثى.
وفي قول أبي حنيفة: لهما الثلثان، والباقي للعم.
ومن جعل الخنثى ذكراً، قسم المال بينهم على ثلاثة أسهم، لكل واحد منهم سهم.
ومن [أسقطهم] (3)، جعل المال كلّه للعم، ومن اعتبر معظمَ [الدعاوى] (4)، قال: كل واحد من الخناثى يدعي نصف المال، لأنه يقول: أنا ذكر، وصاحباي أنثيان. والعم يدعي ثلث المال، وجملة دعاويهم مالٌ وخمسةُ أسداس مال، فنبسطه أسداساً، فيكون أحدَ عشرَ، فنقسم المال بينهم على أحدَ عشرَ سهماً، لكل خنثى ثلاثة أسهم، وللعم سهمان.
وعلى رواية أبي حنيفة على أصل الدعاوى يقال: لهم الثلثان بيقين، والثلث يدّعونه ويدّعيه العم، فهو بينهم نصفين، فيكون لهم خمسة أسداس المال، وللعم السدس، والقسمة من ثمانية عشر.
وإلى هذا يؤدي مذهب أبي يوسف واختياره، حيث يقول: إما أن يكونوا ذكوراً، فلهم المال، وإما أن يكونوا إناثاً، فلهن الثلثان، فقال: مال وثلثان، لهم نصفه، وهو (5) خمسة أسداس المال، وللعم السدس.
__________
(1) ساقطة من الأصل.
(2) زيادة من (ت 3).
(3) في الأصل: أسقطه.
(4) في الأصل: الدعوى.
(5) عبارة الأصل: لهم نصف وخمسة أسداس المال.

(9/311)


ومن اعتبر تنزيل الأحوال، فمنهم من يعبّر، ويقول: لهم ثمانية أحوال في سبعةٍ منها يرثون المالَ كلَّه، وفي واحدٍ يرثون ثلثي المال، فجملة ذلك سبعة أموال وثلثان، لهم ثمن ذلك؛ لأنهم إنما يرثون بحالٍ من ثمانية أحوال، وذلك خمسة أسداس المال وثمنه، وهو ثلاثة وعشرون سهماً من أربعة وعشرين سهماً من المال، والباقي للعم.
ومنهم من يعبّر ويقول: لهم ثمانية أحوال، في واحدٍ منها يزاحمهم العم [في الثلث] (1)؛ فللعم ثمن الثلث (2) وهو جزءٌ من أربعةٍ وعشرين جزءاً من المال.
والباقي للخناثى وسيأتي طريقُ الحساب.
ترك ابناً، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي: للابن النصف، وللخنثى الثلث، والباقي وهو سدس المال موقوف بين الابن والخنثى.
وفي قول أبي حنيفة: يكون المال بينهما على ثلاثة أسهم: للابن سهمان، وللخنثى سهم، وأبو حنيفة في هذه الرواية يجعل للخنثى المستيقن، والباقي للعصبة، فلا تنقص درجة الابن عن عمِّ أو أخ.
ومن اعتبر معظم الدعاوى قال: الابن يدعي ثلثي المال، والخنثى تدعي النصف، وجملة ذلك مال وسدس، فنبسطه أسداساً، فيكون سبعة أسهم، فيقسم المال بينهم على سبعة أسهم: للابن أربعة، وللخنثى ثلاثة.
ومن اعتبر نصف الميراثين، فعلى رواية أصحاب الدعاوى نقول: النصف للابن بيقين، والثلث للخنثى بيقين، وبقي سدس يدعيانه، فهو بينهما نصفين، فيحصل للابن ثلث المال وربعه، وللخنثى ربع المال وسدسه.1
__________
(1) في الأصل: بالثلث.
(2) (ت 3): الثلثين.

(9/312)


وعلى رواية أصحاب الأحوال: يكون للابن في حالٍ النصفُ، وفي حالٍ الثلثان، وجملتهما مالٌ وسدس، فله نصف ذلك، وهو ثلثٌ وربع.
وللخنثى في حالٍ نصفُ المال، وفي حالٍ الثلث، وجملة ذلك خمسة أسداس المال، وله نصف ذلك، وهو ربع وسدس، كما ذكرناه.
بنت، وولد خنثى، وعم لأب
ففي قول الشافعي: للولدين الثلثان بينهما نصفين، ويوقف الباقي بين العم والخنثى؛ لأنه لأحدهما، ولا حق فيه للبنت.
وفي قول أبي حنيفة: لهما الثلثان، والباقي للعم.
ولسنا نعود إلى التفريع على أنه ذكر، أو هو ساقط لا يرث.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، قال: الخنثى يدعي الثلثين، والعم يدعي الثلث، والبنت تدعي الثلث، وجملة ذلك مالٌ وثلث، وهو أربعة أثلاث، فنقسم المالَ بينهم على أربعة: للخنثى سهمان، وللبنت سهم، وللعم سهم.
قال الأستاذ أبو منصور: هكذا يُحكى عنهم، وأنا أظن الحكايةَ غلطاً، والذي يقتضيه قياس قول هذه الطائفة ألا تنقص البنت عن الثلث، بل يُدفع إليها ثلث المال كاملاً، ثم يقال: الخنثى يدّعي جميعَ الباقي، والعم يدعي نصفَ الباقي، فيقسم الباقي بينهما على ثلاثة، فتصح القسمة من تسعة أسهم للبنت ثلاثة، والباقي -وهو ستة- بين الخنثى وبين العم على ثلاثة، فللخنثى أربعة، وللعم سهمان.
ومن قال بنصف الميراثين، فعلى اعتبار الدعوى يقال: للبنت الثلث بيقين، ولا دعوى لها، وللخنثى الثلث بيقين، بقي ثلث المال يدّعيه الخنثى، ويدّعيه العم، فهو بينهما نصفين، فيحصل للخنثى نصف المال، وللبنت الثلث، وللعم السدس.

(9/313)


وعلى طريقة أهل الأحوال: يقال: للخنثى حالان في إحداهما يرث الثلث، وفي الثانية ثلثين، فنجمعهما، فيكون مالاً كاملاً، فله نصفه، وللبنت في كل واحدةٍ من الحالتين ثُلثه، وجملتها الثلثان، فلها نصف ذلك، وهو الثلث.
[فالعم إما أن يكون له الثلث، أو لاشيء له، فله نصف ذلك، وهو السدس] (1).
6515 - واعلم أن ولد الأب والأم، وولد الأب إذا كانوا خناثى، أو كان بعضهم خناثى، فالعمل فيهم كالعمل في أولاد الميت سواء.
فإن ترك ولداً، وولد ابنٍ خنثيين، وعماً لأب
ففي قول الشافعي: يدفع إلى الولد النصف، ويوقف السدس بين الخنثيين، لأنه لأحدهما، ويوقف الثلث بين العم والخنثيين.
وفي قول أبي حنيفة: للولد النصف، ولولد الابن السدس، والباقي للعم.
ومن اعتبر معظم الدعاوى قال: ولد الصلب يدعي المال، وولد الابن يدعي النصف، والعم يدعي الثلث، وجملة ذلك مالٌ وخمسة أسداس، فنبسطه أسداساً، فيكون أحدَ عشرَ، فيقسم المال بينهم على أحدَ عشرَ سهماً: للولد منها ستة أسهم، ولولد الابن ثلاثة أسهم، وللعم سهمان.
ومن جعل له نصفَ الميراثين، فعلى اعتبار الدعاوى يقال: للأعلى منهما النصف، والسدس يدّعيه الأعلى والأسفل، فهو بينهما نصفين، وبقي ثلث المال يدّعيه الخنثيان، ويدعيه العم، فهو بينهما أثلاثاً.
وتصح المسألة من ستة وثلاثين سهماً: للأعلى من الخنثيين خمسة وعشرون، والأسفل سبعة أسهم، وللعم أربعة أسهم.
__________
(1) ما بين المعقفين سقط من الأصل.

(9/314)


فأما على قول أصحاب الأحوال، فمنهم من يقول: لهما أربعة أحوال: إما أن يكونا ذكرين، أو أنثيين، أو يكون الأعلى ذكراً، والأسفل أنثى، أو يكون الأسفل ذكراً، والأعلى أنثى، فنجمع ما يصيب الأعلى في الأحوال، فيكون ثلاثة أموال، وله ربعها، وذلك ثلاثة أرباع المال.
ونجمع ما يصيب الأسفل في هذه الأحوال، [فيكون ثلثي مال، فله ربع ذلك، وهو السدس.
ونصيب العم في بعض هذه الأحوال] (1) الثلث، فله ربع الثلث، وهو نصف السدس.
ومنهم من يعبّر فيقول: لهما أربعة أحوال، والعم يدخل في واحدة منها في الثلث، فله ربع الثلث، وللأعلى ثلاثة أرباع المال، والباقي للأسفل، وهو السدس.
قال الأستاذ (2): حكى أصحاب الرأي عن أصحاب الأحوال في هذه المسألة أقوالاً سوى ما ذكرتها، وهي غير صحيحة على أصل القوم، فحكى بعضُهم عنهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل نصف ما بقي، وهو الثمن، والباقي للعم.
وحكى بعضُهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل ثلاثة أرباع ما بقي، والباقي للعصبة، وحكى بعضهم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، وللأسفل نصف سدس المال والباقي للعم.
وحكى بعضهم عن القوم أنهم قالوا: للأعلى ثلاثة أرباع المال، والباقي موقوف بين هذا الأسفل، وبين العم.
__________
(1) ما بين المعقفين زيادة من (ت 3).
(2) الأستاذ: المراد به أبو منصور البغدادي.

(9/315)


وكل هذه الحكايات قد غلط فيها ناقلوها. والصحيح على قول أهل الأحوال ما حكيناه عنهم أوّلاً.
فإن كان الأعلى ابناً على التحقيق، والأسفل خنثى، فالمال كله للأعلى، ولا إشكال في المسألة.
فإن كان الأعلى بنتاً، والأسفل خنثى
ففي قول الشافعي: للبنت النصف، وللخنثى السدس، والباقي [موقوفٌ بين الخنثى، والعم؛ لأنه لأحدهما.
وفي قول أبي حنيفة: للبنت النصف، وللخنثى السدس والباقي] (1) للعم من غير وقف.
ومن اعتبر معظم الدعاوى، قال: البنت لها النصف بيقين، والخنثى يدّعي النصف، والعم يدعي الثلث، فنقسم الباقي بعد النصف بين الخنثى والعم، على خمسة أسهم. وللعم سهمان.
ومن اعتبر نصف الميراثين. فعلى رواية أهل الدعاوى: للبنت النصف، لا شك فيه، ولولد الابن السدس بلا شك، وبقي الثلث يدعيه ولد الابن، والعم، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال: ولد الابن يستحق في حالٍ النصفَ، وفي حالٍ السدسَ، وجملة ذلك ثلثا المال، فله نصف ذلك، وهو الثلث. والعم يستحق في إحدى الحالين الثلث، فله نصف ذلك وهو السدس. ونصيب البنت معلوم، لا يتغير.
6516 - وولد الأب والأم مع ولد الأب إذا كانوا خناثى، فالعمل فيهم كالعمل في ولد الميت، وولد الابن إذا كانوا خناثى، فإن ترك:
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(9/316)


أُمّاً، وولداً خنثى.
ففي قول الشافعي: للأم السدس، وللولد النصف، والباقي موقوف بينه وبين العصبة.
وفي قول أبي حنيفة: يكون الباقي للعصبة.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى قال: الخنثى يدَّعي خمسةَ أسداس المال، والعصبة تدعي الثلث، فللأم السدس، ويقسم الباقي بين الخنثى والعصبة على سبعة أسهم: للخنثى خمسة أسهم، وللعصبة سهمان.
ومن اعتبر نصف الميراثين، فعلى طريقة أهل الدعوى، يقال: للأم السدس لا شك فيه، وللولد النصف، لا شك فيه. وبقي ثك المال، يدّعيه الخنثى والعم، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال يقال: الخنثى يرث في حالٍ النصفَ، وفي حال خمسةَ أسداس المال، فجملة ذلك مالٌ وثلث، له نصف ذلك، وهو ثلثا المال.
وللعصبة في إحدى الحالين الثلث، فله نصف ذلك، وهو السدس، ونصيب الأم لا يتغير.
فإن ترك
أبوين، وولداً خنثى
ففي قول الشافعي: للأبوين السدسان، وللولد النصف، ويوقف السدس بين الخنثى والأب، لأنه لأحدهما.
وفي قول أبي حنيفة: للأبوين السدسان، وللولد النصف، والباقي للأب.
ومن اعتبر معظمَ الدعاوى، أعطى الأم السدس، وقسم الباقي بين الأب والخنثى على ثلاثة أسهم: للأب سهم، وللخنثى سهمان.

(9/317)


ومن جعل له نصف الميراثين، فعلى طريقة الدعوى، يقال: للأبوين السدسان، وللخنثى النصف، وسدس المال يدعيه الأب والخنثى، فهو بينهما نصفين.
وعلى طريقة أهل الأحوال، يقال: للخنثى في حالٍ النصفُ، وفي حالٍ ثلثا
المال، وجملة ذلك مالٌ وسدسٌ، فله نصف ذلك، وهو ثلثٌ وربع.
وللأب في حالٍ الثلث، وفي حالٍ السدس، وجملة ذلك نصف المال، فله نصف النصف وهو الربع.
ونصيب الأم لا يتغير.
فإن تركت
زوجاً، وأماً، وولد أبٍ خنثى.
ففي قول الشافعي: للزوج النصف عائلاً، وذلك ثلاثة أسهم من ثمانية أسهم، وللأم الثلث عائلاً، وهو في التحقيق الربعُ سهمان [من ثمانية] (1) ويدفع إلى الخنثى مثل السدس؛ لأنه يقين.
وتصح القسمةُ من أربعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللخنثى أربعة أسهم. ويوقف خمسة أسهم.
وفي قول أبي حنيفةَ للزوج النصفُ الكامل، وللأم الثلث الكامل، والباقي للخنثى، وهو السدس.
ومن اعتبر معظم الدعاوى، قسم المال بينهم على ثمانية أسهم.
ومن اعتبر نصف الميراثين، قال: للزوج في حالٍ النصف، وفي حالٍ ثلاثة أثمان المال، وجملة ذلك سبعة أثمان المال، فله نصف ذلك.
__________
(1) ساقط من الأصل.

(9/318)


وللأم في حالٍ الثلث، وفي حالٍ الربع، وجملة ذلك ثلثٌ وربعٌ، فلها نصف ذلك، وهو سدس وثمن.
وللخنثى في حالٍ النصف عائلاً، وهو ثلاثة أثمان المال وفي حالٍ السدس، فله نصف كل واحد منهما.
وتصح القسمةُ من ثمانية وأربعين سهماً.
فهذا بيان أصول العلماء في الخناثى.
6517 - وقد تمس الحاجة إلى ذكر طرفٍ من الحساب في الباب يسهل به درك المقصود، فنضرب مثالاً واحداً، ونذكر فيه [مسلك] (1) الحُسّاب، فنقول:
خلّف الميت
ثلاثة أولاد خناثى، وعصبة
فلهم ثمانية أحوال، فإن كانوا ذكوراً، فالمسألة تصح من ثلاثة.
وإن كانوا إناثاً، فالمسألة تصح من تسعة.
وإن كانوا ذكرين وأنثى، فالمسألة تصح من خمسة، وهذا التقدير يجري في ثلاثة أحوال على البدل.
وإن كانوا ذكراً وأنثيين، فالمسألة تصح من أربعة. ولهذا التقدير أيضاً ثلاثة أحوال على البدل.
فقد حصل معنا ثلاثة، وتسعة، وخمسة ثلاث مرات، وأربعة ثلاث مرات. فنجتزىء بواحدةٍ من الخمسات، وبأربعة، ثم الثلاثة داخلة في التسعة، فتطرح؛ فيبقى معنا أربعة، وخمسة، وتسعة، وهي متباينة، فنضرب بعضها في بعض، فتبلغ مائة وثمانين، فمنها تصح القسمة على جميع أحوال المسألة.
__________
(1) في الأصل: مسألة.

(9/319)


وقد علمنا أن أهل الوقف يقسمونها على اعتبار أضرّ الأحوال بكل واحدٍ منهم، وأضرُّها بكل واحد أن يكون هو أنثى، وصاحباه ذكرين، فيكون نصيب الخنثى خمسَ (1) المال، فندفع إلى كل واحدٍ منهم الخمس، وذلك ستة وثلاثين سهماً، ويكون الباقي موقوفاً، وذلك اثنان وسبعون سهماً.
ثم ننظر بعد ذلك: فإن ظهر [أمر] (2) الأكبر، وبان أنه ذكر، أعطي أقلَّ أحواله، وهو أن يكون صاحباه -أيضاً- ذكرين، فندفع إليه إلى تمام الثلث، وهو أربعة وعشرون سهماً.
وإن ظهر الأوسط ذكراً، فالأمر كذلك.
وإن ظهر أمرُ الثالث، دفع إليه مثلُ ذلك.
وإن بان أن الثالث أنثى، فقد استوفى حقه، ورُد الموقوف على الأكبر والأوسط نصفين، وإن ظهر أن الأوسط أنثى، وقد ظهر الأكبر ذكراً، أعطي الأوسط أقلَّ حاليه، وهو أن يكون الثالث ذكراً. فيستحق الأوسط خمس المال، وفي يده الخمس، فلا يدفع إليه مزيد.
وإن بان الثالث ذكراً، دفع إلى كل واحدٍ من الذكرين تمامُ خمسي المال، وهو ستة وثلاثون، ليكمل لكل واحد اثنان وسبعون.
وإن ظهر الأول ذكراً، والأوسط والأصغر أنثيين، دفع إلى كل أنثى تمام الربع، ضمّاً إلى الخمس، وهو تسعة، والباقي للذكر، وهو تمام النصف.
فإن ظهر الأكبر أنثى أوّلاً، لم يدفع إليها أكثر مما في يدها؛ لأنه يجوز أن يكون صاحباه ذكرين.
وإن ظهر بعد ذلك أن الأوسط أنثى أيضاً، دفع إليها أربعة، وإلى الأنثى الأولى أربعة؛ لاحتمال أن يكون الثالث أيضاً أنثى.
__________
(1) (ت 3): ثلث.
(2) ساقطة من الأصل.

(9/320)


فإن ظهر بعد ذلك أن الثالث ذكرٌ، دفع إليه تمام التسعين، ودفع إلى كل واحدة من الأنثيين خمسة خمسة، ليتم لكل واحدةٍ خمسة وأربعون.
وعلى هذا فقس.
6518 - وأما على قول أصحاب الأحوال، فإنك تُجري الحساب على النسق الذي تقدم، حتى ينتهي إلى المائة والثمانين، فإذا انتهيت إليها، فاضربها في عدد أحوال المسألة، وهي ثمانية، فيبلغ ألفاً وأربعمائة وأربعين، فمنها تصح القسمة.
ثم نرجع، فنقول: كان لهم أربعة ثلاث مرات، فنضربها في خمسة، ثم في تسعة ثلاث مرات، فتبلغ خمسمائة وأربعين، فمنها تصح القسمة.
وكان لهم خمسة ثلاث مرات فنضربها في أربعة، ثم في تسعة ثلاث مرات، فتكون أيضاً خمسمائة وأربعين، وكان لهم من التسعة ستة مضروبة في خمسة، ثم في أربعة مرة واحدة، فتبلغ مائة وعشرين، وكان لهم ثلاثة مرة واحدة، وهي داخلة في التسعة مداخلة الأثلاث، ومباينة الأربعة والخمسة، فنضرب الثلاثة في ثلاثة، ثم في أربعة، ثم في خمسة، فتبلغ مائة وثمانين. ثم نجمع ما حصل لهم في هذه الأحوال كلِّها، فتبلغ ألفاً وثلثمائة وثمانين، فهو ما يصيبهم من أجزاء المال.
وكان للعصبة من التسعة وحدها ثلاثة، فنضربها في أربعة، ثم في خمسة، فيكون له ستون سهماً، ثم إذا قسمت ما أصاب الخناثى، وهو ألف وثلثمائة وثمانون سهماً، أصاب كلَّ واحد منهم أربعمائة وستون.
وهذه الأنصباء كلها متفقة بنصف العشر، فيرد كلُّ واحدٍ منهم إلى نصف عشره، ونقطع الفريضة من نصف عشرها، فترجع الفريضة إلى اثنين وسبعين، فيرجع نصيب كل خنثى إلى ثلاثة وعشرين ويرجع نصيب العصبة إلى ثلاثة.
وعلى هذا فقس مسائل الخنثى، على هذين المذهبين.

(9/321)


6519 - وكنا وعدنا ذكرَ شيء على مذهب الشافعي يتعلق بفقه مذهبه؛ وذلك أنا إذا صرفنا المستيقنَ إلى كل واحدٍ، ووقفنا مقداراً، ففي هذا الموقوف نوعان من الكلام:
أحدهما - أن نفرض المسألة فيه إذا اعترف الورثة بالإشكال، وفي ذلك إجراء مسائل الباب.
وما أطلقناه من لفظ التداعي على مذهب القائلين به تقديراً، وليس المعنيُّ به أن يدّعي الخنثى كونَه ذكراً؛ فإنه لو ادّعى ذلك، فسنذكر حكمه. وهو الفصل الثاني. وإنما تيك ألفاظٌ تقديرية على فرض أحوال.
6520 - فإذا بان ذلك، فالمال الموقوف كيف السبيل فيه؟ وإلى متى الوقف؟ وفيه قطعُ الموقوف عمّن ينتفع به، وقطع المنتفع به عنه. ويجتمع فيه تعطيل المال وهلاكُه.
وهذا الآن يستدعي ذكرَ مسألة من النكاح ستأتي مشروحة، إن شاء الله عز وجل، وهي أن الكافر إذا أسلم على ثمان نسوة وأسلمن معه، ومات المسلم على مكانته، ولم يختر، فتعلق طرف من أحكام هذه المسألة بالميراث.
وقد قال الشافعي: يوقف بينهن ميراث زوجة، وهو الربع، أو الثمن، على ما تقتضيه الفريضة، فهذا مصيرٌ منه إلى الوقف، حيث لا يتوقع فيه بيان؛ فإن الفرض وقع فيه إذا أسلموا، ومات الزوج على فوره، وتحققنا [انتفاء] (1) الاختيار منه.
وهذا يتطرق إليه نوعٌ من الاحتمال بسبب اطراد الإشكال ووقوع المسألة على صورة لا يتأتى أن يقال فيها: الوارثات أربعٌ منهن ملتبسات بأربع؛ فإن هذا إنما
__________
(1) في الأصل: وتحققنا عدم ابتداء الاختيار.

(9/322)


يجري عند تعين [أربع] (1) في علم الله تعالى، مع التباسهن علينا، وليس الأمر كذلك.
وكان يليق بالقياس أن يقال: الربع والثمن الموقوف بينهن لا يعدوهن، وهن مستويات في علم الله تعالى، فليستوين في الحكم، وليقتسمن الموقوف بينهن على السوية [فليكن] (2) ذلك حكماً مبتوتاً. وهذا يناقض الوقف.
وقد صار إلى هذا الذي ذكرناه صاحبُ التقريب، في جوابٍ له، وهو محتمل واقعٌ، والنص على مخالفته.
فإذا تبين هذا، عدنا إلى القول في الخنثى.
6521 - إن مات الخنثى، وانقطع توقع البيان، فيجوز أن يلتحق ذلك بما ضربناه مثلاً في نكاح المشركات، وهذا بعينه هو الذي حكى الأستاذ أبو منصور فيه قولاً [غريباً] (3) عن الشافعي في صدر باب الخناثى، ونسبه إلى نقل أبي ثور (4).
وإن كان الخنثى بعدُ حيّاً، فلا يأس [من البيان] (5)، فإنّ العلامات وإن تعارضت، فقد ذكرنا أنا نرجع إلى الخنثى، وإلى إعرابه عن نفسه، فإذا كان البيان ممكناً، فلا يتجه إلا التوقف.
ثم إن الشافعي وأصحابَه قالوا في مواضع التوقف: لو اصطلح الذين وُقف المال بينهم، جاز ذلك؛ فإن الحق لا يعدوهم، وهذا لم يختلف فيه الأصحاب.
__________
(1) في الأصل: وقع.
(2) في الأصل: ولكن كان.
(3) زيادة من (ت 3).
(4) القول الغريب المشار إليه هو: الوقف إلى موت الخنثى، ثم يرد الموقوف على ورثة الميت الأول.
(5) ساقط من الأصل.

(9/323)


وينشأ منه إشكال؛ من جهة أن المصطلحين لا يتواهبون، ولا يتهادَوْن، ولو فرض منهم تواهب، لكان مبناه على جهالة من الملك، وكل ذلك مشكل.
6522 - والذي يقتضيه الفقه عندي أنهم إذا اصطلحوا، فلا بد وأن يتهادَوْا ويتواهبوا؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك، بقي ما في يد كل واحد على حكم الوقف وصورتِه.
فإن قيل: إذا تواهبوا، فصَدَرُ (1) ذلك عن جهالة؟ قلنا: نعم. الأمر كذلك، ولكن الجهالة محتملة عند الضرورة، وإفضاءِ الأمر إلى التعطيل.
وعلى هذا بنى الشرعُ عدمَ اشتراط الاطّلاع على ما يعسر الاطلاع عليه في المبيع، مع أنا نشترط أكمل الإعلام فيه، وكلياتُ الشريعة دالّةٌ على أن الأحكام لا تبقى مشكلة (2)، لا فيصل (3) فيها، فكان الصلح فَصْلاً للإشكال الواقع.
وإذا لم يكن صلحٌ، فالوقف إلى انتظار البيان غيرُ بعيد، وإن لم يكن انتظار بيان، فهذا الذي أشرت إليه في نكاح المشركات، وفيما يناظره في هذا الباب.
6523 - ثم يخرج من مجموع ما ذكرناه: أنهم إذا اصطلحوا على استواءٍ وتفاوتٍ، فلا حجر؛ فالمال مالهم، والحق حقهم، وقد ذكرتُ أنه لا بد من التواهب، ويخرج منه أن واحداً منهم لو أخرج نفسه من البَيْن، وسمح بحقه على أصحابه، فلا بأس بذلك؛ بناء على ما تمهد، ولا بد للمخرج نفسَه من الهبة، كما قدمناه. وليس كالواحد من الغانمين يُعرض عن حقه من المغنم؛ فإن تعلّقه ينقطع بذلك؛ من جهة أنه لا يثبت للغانم ملكٌ محقق؛ فيسقط حقه بالإعراض،
__________
(2) (ت 3): يصدر. وهو تحريف من الناسخ، فإن المعهود في استعمال إمام الحرمين لهذا المصدر أن يأتي به على صيغة (فعل) بفتحتين، فهو في موضع صدور.
(2) (ت 3): لا تبقى ناسية مشكلة.
(3) (ت 3): تفصيل .. تفصيلاً.

(9/324)


والملك ثابت في الموقوف تحقيقاً، والمالك مشكلٌ.
فهذا بقية هذا الفصل.
6524 - فأما
الفصل الثاني (1)
فمقصوده أن الخنثى في أثناء الأمر لو قال: تبيّن لي أنني رجل، فقد أوضحنا أن الرجوعَ إلى قوله، عند تعارض العلامات، فيجب القضاء بموجب قوله في المواريث، حتى نقضي له بميراث ذكر، وإن كان يؤدي هذا إلى حرمان العصبات.
فإن قيل: " إنه متهم فيما يذكره "، فلا معول على التهمة إذا كان يخبر عن نفسه، فيما لا يُطّلع عليه إلا من جهته. وإذا كنا نقبل قولَه مع تعارض العلامات، ولا يقدح تعارضها في قبول قوله، فلا نجعل للتهمة موضعاً.
وكيف يبعد هذا، وقد قال الشافعي: إذا استلحق الإنسان نسب منبوذٍ بعد موته وتخليفه المالَ الجمَّ، قُبل استلحاقُه ويورَّث منه.
وقال في الزوج: إذا لاعن، ونفى نسب مولودٍ، وهو إذ ذاك فقير، ثم تجمعت له أموالٌ، ومات: فإذا أكذبَ الزوجُ نفسه، واستلحقه، لحقه، وهو يرثه.
وخالف مالك (2) في هذا، لمكان ظهور التهمة.
وابن العَشر إذا زعم أنه بلغ بالحُلُم، صُدّق، وانقطعت عنه سَلْطنةُ الولي.
والسبب في ذلك كلِّه أنه لا مُطَّلع على هذه الصفات إلا من جهة المعربين عن أنفسهم فيها؛ فيتعين تصديقُهم.
__________
(2) (ت 3): النوع الثاني.
(2) ر. عيون المجالس للقاضي عبد الوهاب:3/ 1323 مسألة 926، الكافي لابن عبد البر: ص 290.

(9/325)


ثم قال الأئمة: إذا ادّعى ابنُ العشر البلوغ، لم يُحَلّف؛ إذ في تحليفه ما يؤدي إلى الدَّوْر الحكمي؛ إذ الغرض من التحليف جلب غلبة الظن في صدق المحلَّف وإحلاله محلَّ التهمة، فيما هو مختلفٌ فيه. فإن كان المحلَّف على البلوغ طفلاً، فلا معنى لتحليفه، وإن كان بالغاً، فلا حاجة إلى تحليفه.
وقد قدمنا ذكرَ هذا في كتاب الحجر عند ذكرنا أسباب البلوغ.
فاذا أعرب الخنثى عن نفسه، وزعم أنه ذكر، فقد ذكرنا أن القول قولُه، ولكنه يحلَّف؛ إذ لا يمنع من تحليفه مانع، ويتعلق بتصديقه قطعُ استحقاقٍ، وإثبات استحقاق، يتعلق بحقوق الآدميين.
فهذا تمام البيان. ومضمون الباب.
***

(9/326)


باب ميراث الحمل
6525 - إذا مات الإنسان، وكان في بطن الأم جنينٌ، لو كان منفصلاً حالة موته، لورث، فإذا كان حَمْلاً يوم الموت، فتوريثه ثابت، وليس بين العلماء في هذا الأصل خلاف.
وإنما التردد في التفصيل.
6526 - وإنما يثبت الميراث بشرطين: أحدهما - أن يكون موجوداً حالة موت المورث.
والثاني - أن ينفصل حياً.
وبيان الشرطين: أما الوجود، فإذا انفصل الحمل حياً لدون ستة أشهر، فقد تيقَّنا أنه كان موجوداً حالةَ موت الموروث.
ولو أتت به المرأة لأكثر من أربع سنين من وقت الموت، حكمنا بانتفاء وجوده حالة الموت، فلا ميراث له.
وأكثر مدة الحمل على رأي الشافعي أربع سنين. وهذا يذكر في اللعان، إن شاء الله عزوجل.
ولو أتت المرأة بالحمل لأكثرَ من ستة أشهر، ولأقلَّ من أربع سنين، فلسنا نقطع بوجوده حالة الموت، ولكنا نحكم بوجوده؛ فإن الشرع يُلحق النسبَ، وتثبت القرابة مع الاحتمال الذي أشرنا إليه، والإرث تبع القرابة، فإذا اقتضى وضعُ الشرع إثباتَ القرابة أتبعنا ثبوتَها حكمَ الإرث، وليس يناقض هذا

(9/327)


ما [قدمنا]، (1) من طلب اليقين في المواريث، فإن ذاك حيث لا نجد مستنداً شرعياً، كما ذكرناه في ميراث الخناثى، حيث لم تُعيَّن ذكورة ولا أنوثة. وكيف ننكر البناء على الشرع مع ظهور الظن، والأصلُ في الأنساب الإمكانُ والاحتمال، فخرج مما ذكرناه أنا وإن أطلقنا اشتراط وجود الحمل، فمعناه ما وصفناه.
6527 - فأما اشتراط الحياة حالة الانفصال، فمتفق عليه، فلو انفصل الحمل الذي كنا نتوقعه ميتاً، لم نورِّثه، وفاقاً. وإذا انفصل حياً، تبيَّنا أنه ورث، ولم نذهب إلى مسالك الظنون في تقدير انسلاك (2) الروح بعد الموت (3). ولكل حكمٍ في الشرع موقفٌ ومنتهى، لا سبيل إلى مجاوزته.
ثم إن صرخ الجنين واستهل، فهو حي، وكذلك إن طرف، وفتح عينه وتثاوب (4)، أو امتص الثديَ، فكل ذلك علامات الحياة.
وفي العلماء من يأبى الحكمَ بالحياة إن لم يصرخ الصبيُّ، حتى لو انفصل، وطرف، ومات، لم نورثه، ويُعزى هذا إلى ابن عباس وطائفةٍ من الصحابة، رضي الله عنهم. ولم يُصحح الأئمةُ النقلَ في ذلك.
وليس ما ذكرناه من العلامات الظنيّة؛ فإنا على اضطرارٍ نعلم أن الصبي إذا صدر منه ما ذكرناه، فهو حيٌّ، وليس هذا مما ينساغُ الخلاف فيه، ولا يجري مجرى علامات الذكورة والأنوثة في الخناثى. نعم، اختلف قول الشافعي فيه إذا انفصل واختلج، فهل يكون مجرد الحركة والاختلاج دالاًّ على الحياة، حتى نحكم بها، ونقضي بثبوت الإرث، وغيرِه من الأحكام المشروطة بالحياة، فقال
__________
(1) في الأصل: مهدناه.
(2) في (ت 3): انسلال.
(3) " بعد الموت ": المراد موت المورّث.
(4) تثاوب: تثاءب. قال في المصباح: " تثاوب عامّي ".

(9/328)


في قول: الحركة بمثابة الاستهلال، وتقليبِ الطرفِ وغيره.
وقال في قولٍ: لا تثبت الحياة بالحركة المجردة.
وفي هذا مزيدُ نظرٍ وتأمل، فلو انفصل واختلجت عضلةٌ من عضلاته، بحيث يفرض مثله من تقلص عصبٍ، فليس هذا فيما أظن محلَّ القولين. ولو قبض بدّاً (1)، أو ضمه إلى نفسه وبسطه، فهذا مما يجب القطع بكونه دلالة [على] (2) الحياة؛ فإن القبض والبسط في الأعصاب لا يقعان على هذا الحد، فمحل القولين بين الحركتين اللتين وصفناهما. فكأن حاصل القول في هذا يرجع إلى أن الحياة هل تثبت بغلبات الظنون، أم لا بد في ثبوتها من قاطعٍ؟ فيه القولان والاختلافُ.
6528 - ولو انفصل بعضٌ من الجنين، ثم خمد، وانفصل الباقي منه، فالذي إليه صَغْوُ الأصحاب أثه لا يثبت له حكم الحياة، وسبيله كسبيل جنين ينفصل ميتاً.
وذهب طوائف من المحققين منهم القفال إلى أنا نحكم بالحياة، ويثبت الإرثُ؛ لأنا استيقنَّا الحياة، ولا نظر إلى وقوع ذلك قبل تمام الانفصال.
6529 - ومما يليق بما انتهينا إليه أن جانياً لو جنى على الحامل، فأَجْهَضَت، والتزم الجاني الغرّةَ، فهي موروثة، وهذا يُشعر بتقدير الحياة في الجنين، [وطريان] (3) الموت بعدها. فلو قال قائل: هل تورثون الجنين المنفصل
__________
(1) بدّاً، مثلثة الباء: النصيب من كل شيء. وهو هنا بمعنى الجزء والعضو. (القاموس، والمعجم، والأساس).
وكان من الممكن أن تقرأ (يداً) بالياء، لكن منع من ذلك وضوح صورة الباء ونقطها بالواحدة في النسختين، والأهم من ذلك عود الضمير عليه مذكراً.
(2) ساقطة من الأصل.
(3) في الأصل: فطريان.

(9/329)


بالجناية؟ قلنا: لا نورثه؛ فإنا لم نتحقق حياتَه، وتوريثُه موقوف على تحقق حياته عند الانفصال، فأما إيجاب الغرّة على الجاني، فليس يتعين له تقدير حياة الجنين؛ فإنا لو قدرناها، لأوجبنا الدية الكاملة، وقد أطلق الفقهاء أقوالهم بأن الغرة تجب بسبب منع ثبوت الحياة، مع تهيؤ الجنين لها، في كلامٍ، لسنا نخوض فيه الآن. ومبنى الباب الذي افتتحناه على تحقق الحياة عند الانفصال، وهذا غير ثابت في الجنين المنفصل بسبب الجناية.
فإن قيل: ألستم قدرتموه موروثاً، فقدِّروه وارثاً؟ قلنا: هذا تلبيسٌ، وسبب صرف الغرة إلى جهة الإرث أنا لم نجد مصرفاً أوْلى من الإرث، وقاعدة الإرث مبنية على هذا؛ فإن الشخص إذا انقطع ملكه، ولا سبيل إلى تضييع ما خلّفه، صرف الشرعُ تركتَه إلى جهة [يراها] (1). وإذا ثبت أصل الباب في توريث الحمل، فلا يكاد يخفى الحكم إذا انفصل.
ولكن قال العلماء: نتوقف ولا نبُتّ (2) الرأي قبل انفصال [الحمل] (3)، ونبني الأمرَ في توريث الورثة القائمين قبل انفصال الحمل على المأخذ الذي بنينا عليه قاعدةَ باب الخناثى، وهو طلب اليقين، على ما سنفصل ذلك، إن شاء الله عز وجل.
6530 - ومما يتعيّن الابتداء به أن الرحم يشتمل على ولدٍ واحد، وأولاد، وقد يختلف التوريث باختلاف العدد، فكيف السبيل؟ وما وجه الضبط؟
هذا يستدعي بيانَ أمرين: أحدهما - في عدد الأجنة، والثاني - في صفتهم.
فأما القول في العدد، فقد ذهب الليث بن سعد إلى أنه لا يوقف إلا ميراثٌ
واحد يقدّر ذكراً أو أنثى، ونقسم الباقي بين الورثة.
__________
(1) في الأصل: رآها.
(2) (ت 3): ينبت.
(3) في الأصل: الأمر.

(9/330)


وقال أبو يوسف: يوقف للحمل نصيب ذكرين، ويقسم الباقي بين الورثة.
وقال بعض أهل الرأي: قياس قول محمد يقتضي أن يوقف له نصيب ثلاثة من الذكور، ويقسم الباقي بين الورثة.
وحكى عبد الله بنُ المبارك عن أبي حنيفة أنه قال: يوقف لأجل الحمل نصيب أربعة أولاد. وبه قال شريك، وعبدُ الله بنُ المبارك، وكان شيخي يقول: هذا مذهب الشافعي.
وذكر الأستاذ أبو منصور أن الفرضيين قالوا: هذا قياس قول الشافعي، وإنما قالوا ذلك؛ من جهة أن الشافعي تتبع في هذه الأشياء الوجودَ، وعليه بنى أبوابَ الأدوار في الحيض، كما قدمناه. وقد ثبت النقل في اشتمال الرحم على أربعة، ولم يثبت عن الأثبات مزيدٌ على هذا العدد.
قال يحيى بنُ آدم: سألت شريكاً عن ذلك، فقال: رأيت أربعةً وُلدوا في بطن واحد، محمد، وعلي، وعمر، وإسماعيل.
وذكر القفال، والناقلون عنه سوى شيخنا أن مذهب الشافعي أن لا ضبط لعدد الحمل يوقف عنده، وننتهي إليه.
وعلى هذا الوجه نقله الصيدلاني، والقاضي.
فهذا قولنا في العدد على الجملة.
6531 - وأما الصفة، فقد عنينا بها الذكورة والأنوثة، ولا ضبط فيها، ولا اطلاع عليها، وكل ما يختلف بالذكورة والأنوثة، فلا بد من الوقف فيه، كما نفصله.
وأما ما يتعلق بالعدد، فإن كانت الحامل مشتملة على أولاد الميت، وكان للميت ولد وارث (1)، فلا بد من التوقف في جميع الميراث إن لم نجعل للولد
__________
(1) (ت 3): واحد.

(9/331)


ضبطاً؛ فإنا لا ندري أن ما يخص هذا الولد كم؟ فلا بد من التوقف إلى الانفصال.
وإن فرعنا على أن أكثر الأولاد في الرحم الواحد أربعة، فنأخذ بهذا العدد، ثم نقدرهم ذكوراً، ونصرف حصّةَ الولد الثابت إليه؛ بناءً على المستيقن، فيخصه خمس المال، ونقف الباقي.
ونحن الآن في عقد الحمل والتفصيل بين أيدينا (1).
ثم من رأى مذهب الشافعي محمولاً على أن أكثر العدد في الأجنة أربعة، فإذا صرف إلى الولد الثابت ما ذكرناه، فهل نأخذ منه ضميناً؟ تردد الأئمة فيه، وظاهر ما ذهب إليه هؤلاء أنه لا يطالب بضمين؛ فإن ما بني على الوجود يُحكم فيه بحسبه فنلحق الحكمَ فيه بالقضاء الثابت في الشريعة. وإن تطرق إليها إمكانٌ من طريق الخلقة، ولهذا ورّثنا الولد الذي تأتي المرأة به لأكثر من ستة أشهر بعد موت الموروث؛ فإن الشرع حاكم (2) بإثبات القرابة من الميت، وهذا يتضمن القضاء بإثبات وجوده عند الموت، فاتبعنا هذا الحكم؛ ولم نلتفت على خلافه، وإن كان ممكناً من طريق الخلقة، إذ لا بُعد في حصول العلوق بعد موت الميت من أجنبي، ولكن لا معوّل على هذا التقدير.
6532 - ومما نذكره في قاعدة الباب أن الحامل إذا كانت حاملاً بجنين، أو بأجنة، لو انفصلوا أحياءً، لكانوا أصحاب فرض، ولا يختلف فرضهم بمزيد العدد، مثل أن يكونوا أولاد أم الميت، وكانت الأم هي الحامل، فللابنَيْن الثلث، ثم لا مزيد في الفرض، وإن زادوا، فإذا كان الأمر كذلك، فالذي ذهب إليه الأصحاب أجمعون أنا نقف للحمل ثلثَ المال إن لم يكن عوْلٌ،
__________
(1) بين أيدينا: أي سيأتي.
(1) (ت 3): يحكم.

(9/332)


ونصرف الباقي إلى الورثة؛ فإنا نستيقن استحقاقهم الثلثين. وإنما تردُّدنا في الثلث، وقد وقفنا محل التردد.
6533 - وحكى الصيدلاني عن القفال أنه كان يقف جميع التركة إلى انفصال الجنين، ويذهب في ذلك مذهباً بِدعاً، ويقول: إذا سلطنا الورثةَ على أعيانٍ من التركة، ووقفنا للحمل ما وقفناه، فقد تعرض آفة في هذا الموقوف، ولو وقعت، لكان حق الحمل ثابتاً في المصروف إلى الورثة، فلا وجه لتسليطهم على شيءٍ من التركة، ونحن نجوّز من طريق الإمكان استرداده منهم، والوالي وإن كان يلي الطفل، فإنه لا يلي الحمل، حتى يحمل ما ذكرناه من إقرار مقدار الوقف على القسمة، بدليل أن الوالي لا يتصرف في الموقوف للحمل، فلا معنى لتسليطهم على التصرف من غير انفصال الجنين، هذا وللحمل أمد معلوم لا يفرض تعديه ومجاوزته.
وهذا الذي ذكره القفال مأخوذ عليه؛ فإن الوالي إن التُمِس منه تسليط الوارثين على القدر المستيقن، فلا وجه للتوقف في ذلك، مع استيقان الاستحقاق. وللإمام أن يقسم مالاً مشتركاً بين حُضَّر وغُيَّبٍ. وإن كان لا يلي أموال الغُيّب ولايته أموال الأطفال الذين لا أبا لهم، ولا أجداد. نحم، ما ذكره من التوقف يليق بالحمل، على أن عدد الأجنة لا ضبط فيه.
فإذا كان الأولاد لو انفصلوا عصباتٍ لو كانوا ذكوراً، أو بعضهم، فالوجه ألا يصرف إلى من يشاركهم شيئاً إذا كان عصبة مثلهم، وكان في درجتهم، وأما بناء الوقف على ما حكاه الصيدلاني عن القفال، فضعيفٌ لا أصل له، ولست أعده من المذهب.
6534 - فإذا تمهدت الأصول، فالذي أراه ملتحقاً بها؛ وهو دائر في الخَلَد أن التوقف لأجل الحمل على الحد الذي ارتضيناه مذهباً، يثبت إذا بدت مخايل الحمل.

(9/333)


وإن لم تبد مخايله، ولم تدّعه المرأة، وكان من الممكن أن يظهر حمل لأجل قرب عهدها بالوطء الذي يتوقع منه العلوق، فهذا فيه تردد عندي.
وكذلك إذا ادعت المرأة العلوق، ولا علامة، وقد يظهر التعويل على قولها: إنها قد تجد من نفسها علامات تختص هي بدركها، وقد يجوز أن يقال: لا تعويل على تلك العلامات، فإنها فيما يقال: غثيانٌ، وسدد، وخُبْث نفس، ولا تعويل على مثل هذا، وليس معنا في ذلك نقل نعزيه (1) إلى المذهب.
6535 - فإذا ثبتت هذه المقدمات، خضنا بعدها في تفصيل طلب اليقين، وطريقُه ضرب (2) 1لأمثلة، وتخريج الأجو بة منها، فنقول.
إذا أردنا أن نعزل للحمل شيئاً، نظرنا، فإن كان نصيب الذكور أكثر من نصيب الإناث، وقفنا نصيبَ الذكور. وإن كان نصيب الإناث أكثرَ من نصيب الذكور، وقفنا نصيبَ الإناث. فأما الموجودون الذين نقدرهم ورثة، فإن كان فيهم من لا يرث لو انفصل الجنين حياً، أو لا يرث إن كان الحمل ذكراً، فلا نصرف إليه شيئاً، ونوقف نصيبه إلى أن يتبين أمر الحمل، وإن كان فيهم من يرث كيف فرض الحمل، ولا يختلف مقدار ميراثه باختلاف صفات الحمل، فندفع إليه تمامَ نصيبه، وإن كان فيهم من يرث على جميع الأحوال، لكن يقل نصيبه على تقدير، ويكثر على تقدير، فنصرف إليه الأقل المستيقن، ونوقف الباقي.
6536 - مثاله: ميت خلف: ابناً وامرأةً حاملاً
والتفريع على حمل أكثر العدد على أربعة، فللمرأة الثمن، وللابن خمس الباقي، على القياس الذي ذكرناه للشافعي، وهو مذهب أبي حنيفة، فنقدر كأن الأجنة أربعةُ ذكور.
__________
(1) نعزيه، بالياء، وفعلها (عزى) بالياء، وبالواو أيضاً.
(2) في النسختين: " وضرب " وحذف الواو تصرف من المحقق.

(9/334)


وعلى قول الليث: ندفع إلى المرأة الثمن، وللابن نصف الباقي، ويؤخذ منه ضمين.
وفي قول أبي يوسف: للمرأة الثمن، وللابن ثلث ما بقي، ويؤخذ منه ضمين، وفي قياس قول محمد: للمرأة الثمن، وللابن ربع ما بقي، والباقي موقوف.
امرأة ماتت، وتركت زوجاً، وعماً، وأماً حاملاً من أبيها.
فندفع إلى الزوج ثلاثة أثمان المال، وهو النصف عائلاً، وإلى الأم الثمن، وهو السدس العائل، ونوقف الباقي، لجواز أن تلد بنتين، هما أختا المتوفاة من [الأب والأم] (1)، فتعول المسألة.
وإن كانت الأم حاملاً من غير الأب، فللزوج النصف، وللأم السدس، ونوقف ثلث المال لانتظار أولاد الأم؛ فإن ولدت ولدين أو أكثر، فلهم الموقوف، وإن ولدت واحداً، فله السدس، ونرد السدس على الأم، ليكمل لها ثلث المال. وإن أسقطته ميِّتاً، رُدَّ السدس على الأم، وكمُل ثلثُها، ودفع السدس الآخر إلى العم.
وعلى قول من لا يقدر إلا ولداً واحداً يدفع إلى الأم الثلث كاملاً، ويؤخذ منها ضمين بالسدس، ونوقف سدس المال إلى أن نتبين أمرَ الحمل.
ومن وقف للحمل نصيب ولدين أو ثلاثة، فمذهبه مثل المذهب الذي نسبناه إلى الشافعي.
خلّف الميت بنتاً، وبنت ابن، وأخاً، وأمةً حاملاً منه، وكانت امرأة لابن الميت حاملاً من الابن
فالبنت تعطى تسع المال، ويوقف الباقي لجواز أن تأتي الأمة الحامل بأربعة
__________
(1) في الأصل: من الأب، (ت 3): من الأم. والصواب ما أثبتناه.

(9/335)


بنين، وهذا تفريعٌ، على أنا لا نقدّر أكثر من أربعة.
فإن ولدت إحدى الحاملين ابناً والأخرى بنتاً في ليلةٍ، فأشكل، ولم يعلم أيهما ولدت الابن، كمّلنا للبنت ثلث المال، ودفعنا إلى الابن تسعي المال (1)، وكان الباقي موقوفاً حتى يصطلح عليه المولود وبنت الابن، ولا حاجة إلى تخريج وجه الاحتمال.
وقد انتهينا إلى هذا الموضع.
فإن مات الذكر، ثم ماتت الأنثى قبل أن يصطلحوا، أعطينا البنت تمام سبعة وعشرين سهماً من أربعة وخمسين، وذلك نصف المال، وأعطينا الأخ خمسة أسهم، وأعطينا أم الولد ستة أسهم، وكان الباقي موقوفاً، وهو ستة عشر سهما، حتى يصطلحوا عليه، فالبنت تدّعي منه تسعة أسهم: تمامَ الثلثين (2)، وأمُّ الولد تدعي منها ستة أسهم، والأخ يدعي سهماً واحداً، وبنت الابن تدعي اثني عشر سهماً، وامرأة الابن تدعي أربعة أسهم.
وإن كانت الأنثى هي التي ماتت أولاً، ثم مات الذكر بعدها، قبل أن
__________
(1) المراد طبعاً الابن المولود، الذي لم يُدْر أيتهما ولدته، ووجه إكمال الثلث للبنت الصلبية لأنه لا يتغير الحكم بكون الابن من الجارية أو من زوجة الابن، فإذا كان من الجارية، فهو ابن صُلبي للميت، فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فحظها الثلث، وإن كان الابن المولود من زوجة الابن، فتكون البنت من الجارية، أي بنت صلبية، فلها معها الثلث أيضاً.
أما وجه تُسْعَي المال للابن، فهو على تقدير أنه من زوجة الابن -فهذا هو الأقل المستيقن بالنسبة له- فيرث الثلث الباقي بعد الصلبيتين تعصيباً مع بنت البنت، فيحصل له ثلثا الثلث، وهو تُسْعا المال.
(2) الأسهم التسعة التي تدَّعيها البنت هي نصف ميراثها بصفتها أختاً للابن الذي مات، واتفق أنها مع نصيبها الـ 27 سهماً تكمل الثلثين، فلا يسبق الوهم إلى أنها تطلب تكملة نصيبها إلى الثلثين، كما توهم العبارة ذلك؛ فإن البنت لا ترث الثلثين بحال من الأحوال.

(9/336)


يصطلحوا دفعنا إلى البنت أربعة وخمسين سهماً من مائة وثمانية أسهم، وهو النصف؛ وأعطينا أم الولد اثني عشر سهماً، وهو [التسع] (1)، وأعطينا الأخ خمسة أسهم، وكان الباقي موقوفاً، وهو سبعة وثلاثون سهماً، البنت تدعي منها ثمانية عشر سهماً، تمام الثلاثين، وأم الولد تدعي اثني عشر سهماً، وبنت الابن تدعي سبعة وعشرين سهماً، وامرأة الابن تدعي عشرة أسهم، والأخ يدّعي سبعة أسهم، والمبلغ موقوف حتى يصطلحوا.
وسنذكر وجه الحساب في آخر الباب.
عبد له ابن حر، وتحته امرأة حرة، فمات ابن العبد
فإن أتت زوجة العبد بولد لأقلَّ من ستة أشهر من وقت موت ابن العبد ورث أخاه؛ إذ الأب رقيق لا يرث ولا يحجب.
وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت موته، لم يرثه؛ لاحتمال أن تكون علقت من زوجها العبد بعد موت ابن العبد. فإن تصادق الورثة على أنها كانت حاملاً به يوم مات أخوه، أثبتنا الميراث بسبب التصادق. (2 وإذا كان الأمر كذلك، فالوجه أن يمسك العبد عن وطئها حتى يتأدى فرض التصادق 2)؛ فإنه إذا كان يطؤها فيظهر حمل الولد على علوق جديد، ويعسر التصادق.
فإن قيل: أتوجبون الإمساك، وتحرّمون الوطءَ حتى لا يؤدي إلى اللبس، وإسقاطِ حقٍّ ثابت؟ قلنا: لسنا [نوجب] (3) هذا، ولا نحرم الوطء لأمرٍ موهومٍ؛ فإنها لو أتت بالولد لسبعة أشهر فصاعداً من غير وطء جديد، فالولد ينسب إلى الزوج، وليس يتضمن انفصالُ الولد بعد هذه المدة قطعاً بأن الولد
__________
(1) في الأصل: السبع. وهو خطأ واضح.
(2) ما بين القوسين ساقط من (ت 3).
(3) في الأصل: نوجبها.

(9/337)


حصل العلوقُ به من بعدُ، فلا سبيل إلى تحريم الوطء على العبد، بسبب تعذر تصادقٍ من غيره.
6537 - ونحن نذكر الآن طريقَ الحساب في مسائل الحمل وبها يتبيّن مسلكُ الفتاوى.
ومسائل الباب في قياس الشافعي على أن أكثر عدد الأجنة أربعة، وللحساب مقدمة لا بد من معرفتها، وهي أن الحمل إن كان واحداً، فله حالان: إما أن يكون ذكراً أو أنثى، وإن كان الحمل ابنين، فله أربعة أحوال إما أن يكونا ذكرين، أو أنثيين، أو الذي يخرج أولاً ذكراً، والثاني أنثى، أو على العكس من ذلك.
وإن كان الحمل ثلاثة، فلهم ثمانية أحوال، وإن كانوا أربعة فلهم ستة عشر حالاً، على ما قدمناه في الخناثى.
6538 - فإذا طلب الورثةُ المعلومون ميراثهم، وكانوا بحيث يرثون مع الحمل لا محالة، وأردت أن تدفع إليهم نصيبهم المستيقن، فأخرج فريضة كلِّ حالٍ من أحوال الحمل، ثم انظر في تلك الفرائض، فما يتماثل منها، فاكتف بواحدةٍ، وما دخل منها في غيرها فاطرحها، وما وافق غيرَها، فخذ وَفْقَها، واترك العددين المتباينين على حالهما، ثم اضرب الحاصل من الأعداد بعضَها في بعض، فما بلغ فمنها تصح القسمة، ثم ادفع إلى الوارث المعلوم ما يصيبه في أضرّ الأحوال به، مضروباً في جميع ما يقابلها من مسائل الأحوال الأخرى وفي وفقها، ويكون الباقي موقوفاً إلى أن يظهر أمر الحمل؛ فإذا ظهر على بعض الأحوال، فارجع إلى مسألة تلك الحالة، فكُلّ من كان له في تلك الحالة شيء أخذه، مضروباً فيما يقابلها من مسائل الأحوال الأخرى وفي وَفْقِها. فإن كان قد استوفى نصيبه، فهو المراد، وإلا فأعطه ما بقي له إلى تمام نصيبه من الموقوف.

(9/338)


مثاله: رجل مات عن
أخ، وأمةٍ حامل
فلا ندفع إلى الأخ شيئاً، بل نقف المال لجواز أن يكون الحمل ذكراً، يحجب الأخ.
فإن ترك ابناً، وأمة حاملاً منه
قلنا: إن كان الحمل واحداً، فله حالان: تكون المسألة في إحداهما من اثنين، وفي الأخرى من ثلاثة.
وإن كان اثنين فأربعة أحوال، تكون المسألة في حالين من خمسة، وفي حال من أربعة، وفي حالٍ من ثلاثة.
وإن كان الحمل ثلاثة، فلهم ثمانية أحوال، ففي حال تكون المسألة من أربعة، وفي حالٍ من خمسة، وفي ثلاثة أحوالٍ من سبعة، وفي ثلاثة أحوال من ستة.
وإن كان الحمل أربعة، فلهم ستةَ عشرَ حالاً: في واحدة منها تكون المسألة من خمسة، وفي واحدةٍ من ستة، وفي أربعة أحوال من تسعة، وفي أربعةٍ من سبعة، وفي ستة أحوال من ثمانية.
فنطرح المتماثلات إلا واحدةً منها، فيحصل معنا، اثنان، وثلاثة، وأربعة، وخمسة، وستة، وسبعة، وثمانية، وتسعة، [فنطرح الاثنين والثلاثة والأربعة، لأنها داخلة في غيرها] (1)، وما بقي ضربنا (2) بعضها في بعض بعد أخذ الموافقة، على قياس أجزاء المخارج، فيبلغ ألفين وخمسمائة وعشرين، فمنها تصح القسمة على جميع أحوال المسألة.
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(2) عبارة الأصل: ... وثمانية وتسعة، وهي متباينة، فضربنا بعضها في بعض.

(9/339)


فإذا أردت القسمة على قول من وقف للحمل نصيبَ أربعة أولاد، فقد علمنا أن أقل أحوال الابن الظاهر المعلوم أن يكون الحمل أربعة أولاد ذكور، فيكون له الخمس، فادفع إليه خمسَ مبلغ السهام، وهو خمسمائة وأربعة أسهم.
ثم انظر بعد ذلك، فإن أسقطت الأمةُ سقطاً ميتاً، وخَلَت عن الحمل، أخذ الابن ما بقي، وإن وضعته على بعض تلك الأحوال، فارجع إلى تلك الفريضة، وانظر كم نصيب الابن الظاهر منها، فإن كان قد بقي له شيء إلى تمام حقه، فادفعه إليه.
وعلى قول من يقف للحمل نصيبَ ثلاثة يُدفع إلى هذا الابن الظاهر ربعُ المال، ثم ننظر.
وعلى قول من يقف نصيب ولدين ندفع إليه ثلث المال.
وعلى قول من يقف نصيب ولد يدفع إليه نصف المال.
وكيف ظهر الأمر، فالمسألة تصح من المبلغ الذي ذكرناه في جميع الأحوال.
فإن خلف الرجل ابناً، وامرأة حرة هي حامل منه
فإن كان الحمل واحداً، فله حالان: في إحداهما تصح المسألة من ستة عشر، وفي الأخرى من أربعة وعشرين.
وإن كان الحمل ولدين فأربعة أحوال: في إحداها تصح المسألة من أربعة وعشرين، وفي حالة من اثنين وثلاثين، وفي حالين من أربعين.
وإن كان الحمل ثلاثة أولاد، فثمانية أحوال: في واحدة تصح المسألة من اثنين وثلاثين، وفي واحدةٍ من أربعين، وفي ثلاثة أحوال من ثمانية، وفي ثلاثة من ثمانية وأربعين.
[وإن كان الحمل أربعة، فلهم ستة عشر حالاً في واحدة منها تصح المسألة من

(9/340)


أربعين، وفي حالة من ثمانية وأربعين] (1) وفي أربعة أحوال من اثثين وسبعين وفي بعض أحوالها من أربعة وستين.
فيكتفى من المتماثلات بواحدة، ونطرح ما دخل في غيرها، فيحصل معنا بعد ذلك، وبعد أخذ الموافقة فيما بقي خمسة، وثمانية، واثنان وسبعون، فنضرب فيبلغ ألفين وثمانمائة وثمانين، فمنها تصح المسألة على جميع أحوالها، ونعلم أن نصيب الزوجة لا يتغير، فلها ثمن المبلغ، وهو ثلثمائة وستون سهماً، وعلمنا أيضاً أن أقل أحوال الابن المعروف أن يكون الحمل أربعة أولاد ذكور، فله خمس ما بقي بعد الثمن، فندفع إليه خمس سبعة أثمان المبلغ، وهي خمسمائة وأربعون، ويكون الباقي موقوفاً إلى أن يبين أمرُ الحمل.
وعلى هذا فقس مسائل الحمل.
مسائل تعرف بمسائل الاستهلال:
6539 - ويقع فيها الإشكال من وجوهٍ نذكرها على الجملة، ونذكر عقدَ الباب، ثم نضرب المثال.
فإذا ترك الميت حوامل يرثه حملُهن، فولدن في حال واحدة، واستهل بعضُهم، وأشكل عينه، ثم وُجِدوا بعد ذلك موتى، وقد يتكرر الاستهلال، فلا يُدرَى أكان من واحدٍ، أو من اثنين، وقد تلد بعضهن قبل بعض، ويسمع الاستهلال، فلا يُدرى مَن الأول، ومن المستهل، وقد تلد امرأةٌ ولدين، يستهلّ أحدهما، ونجدهما ميتين.
والأصل في حساب مسائل الباب أن نصحح الفريضةَ على جميع وجوهها، ثم نجعل تلك المسائل عدداً واحداً، على الرسم الذي ذكرناه في حساب مسائل
__________
(1) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.

(9/341)


الحمل الآن، ثم نجعل لكل واحد من الورثة المعلومين الأقلَّ المستيقن له، ونقف الباقي.
هذا قول أكثر الفرضيين، والوقفُ إلى أن يصطلحوا أو تقوم بينةٌ إن أمكن.
6540 - وقال قوم يعرفون بأصحاب الدعاوى: يدفع إلى كل واحد منهم ما ينفرد بدعواه، وما اشتركوا في دعواه قُسّم بينهم على قدر دعاويهم.
ْ6541 - وقال آخرون، يعرفون بأصحاب الأحوال: يدفع إلى كل واحد منهم من جميع ما يصيبه في جميع الأحوال بقدر حالٍ من تلك الأحوال. وسنوضح ذلك بالأمثلة.
رجل مات عن
ابنٍ، وامرأةٍ حامل، فولدت ابناً وبنتاً، واستهل أحدهما، ولم ندر من المستهل، وصادفناهما ميتين.
ففريضة الابن لو كان هو المستهل تصح من ستة عشر: للمرأة سهمان، ولكل ابن سبعة.
ثم مات الابن المستهل عن
أم، وأخ
فللأم الثلث، والباقي للأخ، وفي يده سبعة، وهي لا تصح على ثلاثة،
ولا توافق، فنضرب ثلاثة في أصل الفريضة الأولى، فتبلغ ثمانية وأربعين للمرأة الثمن ستة، ولكل ابن أحدٌ وعشرون.
مات أحدهما عن
أم، وأخ
فلأمه ثلث ما في يده، وهو سبعة، والباقي لأخيه، وهو أربعة عشر، فاجتمع للأم ثلاثة عشر، وللأخ خمسة وثلاثون، فنحفظ ذلك.

(9/342)


ثم نقول: إن كانت البنت هي التي استهلت، ففريضة الميت الأول -وهو الأب- تصح من أربعةٍ وعشرين: للمرأة الثمن: ثلاثة، وللابن أربعة عشر، وللبنت سبعة. وقد ماتت عن أم وأخ ومسألتها من ثلاثة، وفي يدها سبعة، وهي لا تصح على ثلاثة، ولا توافق، فنضرب مسألتها وهي ثلاثة في المسألة الأولى، وهي أربعة وعشرون، فتبلغ اثنين وسبعين، فمنها تصح المسألة الأولى والثانية للمرأة الثمن: تسعة، وللابن اثنان وأربعون، وللبنت أحد وعشرون.
وقد ماتت عن
أم، وأخ
فللأم ثلث ما في يدها وهو سبعة، ولأخيها أربعة عشر فيجتمع للأم ستة عشر، وللأخ ستة وخمسون، والنصيبان يتفقان بالثمن، فيرد كلُّ واحدٍ منهما إلى ثمانية، ونقطع الفريضة في ثمنها، وهو تسعة: للأم منها سهمان وللأخ سبعة أسهم.
فمسألة استهلال الابن تصح من ثمانية وأربعين. ومسألة استهلال البنت تصح من تسعة، وهما متفقان بالثلث، فنضرب ثلث أحدهما في جميع الآخر، فتبلغ مائة وأربعة وأربعين، فمنها تصح المسألة في جميع أحوالها على جميع المذاهب.
6542 - فأما على قول أهل الوقف، فإنا نقول: للأم في حال استهلال البنت اثنان وثلاثون سهماً من مائة وأربعة وأربعين، ولها في حال استهلال الابن تسعة وثلاثون سهماً، فندفع إليها اثنين وثلاثين سهماً؛ لأنه يقين، ونقف سبعة أسهم.
فأما الابن، فله في حال استهلال الابن مائة وخمسة، وفي حال استهلال البنت مائة واثنا عشر، فندفع الأقلَّ إليه، ويكون الباقي موقوفاً، وهو سبعة بينه

(9/343)


وبين الأم حتى يصطلحا، أو تقوم البيّنة على المستهِلّ.
6543 - وأما على طريقة أصحاب الدعوى، فالأم لها اثنان وثلاثون سهماً بيقين، وللابن مائة وخمسة أسهم بيقين، والسبعة الباقية يدعيان فيه، فتقسم بينهما نصفين، لكل واحد منهما ثلاثة ونصف. فإن أردت أن يزول الكسر، فاضرب اثنين في أصل المسألة، واستأنف القسمة.
6544 - فأما على قول أصحاب الأحوال، فإنا نقول: كان للأم من مسألةٍ اثنان وثلاثون، ومن مسألة تسعة وثلاثون، فنجمع النصيبين، فيكون أحداً وسبعين، فلها نصف ذلك، وهو خمسة وثلاثون ونصف، وللابن من مسألةٍ مائةٌ واثنا عشر، ومن مسألة مائة وخمسة، فنجمع بينهما، فيكون مائتين وسبعة عشر، فله نصفها، وهو مائة وثمانية ونصف، أخذاً بإحدى الحالين. فإن أردت أن يزول الكسر، فاضرب ما صحت منه القسمة في اثنين، واستأنف القسمة.
6545 - فإن كانت هذه المرأة قد ولدت ولدين: ابناً، وبنتاً، واستهلاّ جميعاً، ثم ماتا، وشككنا في تعيين من مات أولاً منها.
فمسألة الأب وهي الأولى تصح من أربعين للمرأة الثمن، خمسة، والباقي بين الابنين والبنت: لكل ابن أربعة عشر، وللبنت سبعة.
فإن كان الابن هو الذي مات أولاً، فقد مات عن
أمٍّ، وأخٍ، وأخت
وتصح فريضته من ثمانية عشر: لأمه منها ثلاثة، ولأخيه عشرة ولأخته خمسة، وفي يده أربعةَ عشرَ، وهي لا تصح على ثمانيةَ عشرَ، ولكن توافقها بالنصف، فنضرب نصف فريضته، وهي تسعة في فريضة الأب وهي أربعون، فتبلغ ثلثمائة وستين: للمرأة منها الثمن خمسة وأربعون، ولكل ابن مائة وستة وعشرون، وللبنت ثلاثة وستون.

(9/344)


فمات أحد الابنين عن
أم، وأخ، وأخت
فلأمه سدس ما في يده، وهو أحدٌ وعشرون، ولأخيه سبعون، ولأخته خمسة وثلاثون، فيحصل في يد البنت من فريضتي أخيها وأبيها ثمانية [وتسعون] (1). فماتت عن
أم، وأخ
فيكون ما في يدها بينهما على ثلاثة، وليس لثمانية وتسعين ثلث، فنضرب ثلاثة في أصل فريضة الأب وهو ثلثمائة وستون، فيبلغ ألفاً وثمانين، فكل من كان في يده شيء من المسألة الأولى أخذه مضروباً في ثلاثة، وقد كان في يد الأم ستة وستون مضروبة في ثلاثة، فيكون لها مائة وثمانية وتسعون. وكان في يد الابن من جميع التركتين مائة وستة وتسعون. مضروبة في ثلاثة، فيصير معه خمسمائة وثمانية وثمانون، وكان في يد البنت ثمانية وتسعون، نضربها في ثلاثة، فيكون معها مائتان وأربعة وتسعون، فنقسم ذلك بين أمها وأخيها: لأمها من ذلك ثمانية وتسعون، ولأخيها مائة وستة وتسعون، فحصل في يد الأم من الفرائض الثلاث مائتان وستة وتسعون، وحصل للابن من الجميع سبعمائة وأربعة وثمانون، والنصيبان يتفقان بالثمن، فنردهما إلى ثمنهما، ونختصر الفريضة، ونقطعها من ثمنها، فنرجع بالفريضة إلى مائة وخمسة وثلاثين: للأم منها سبعة وثلاثون، وللابن ثمانية وتسعون فنحفظ ذلك، ثم نقول: إن كانت البنت هي التي ماتت بعد الأب، ثم مات بعدها الابن، فالفريضة أولاً تصح من أربعين: للمرأة خمسة، ولكل ابنٍ أربعةَ عشرَ، وللبنت سبعة. وقد ماتت عن:
__________
(1) في النسختين: " وسبعون " وهو تصحيف واضح؛ إذ هو حاصل جمع ثلاثة وستين، وخمسة وثلاثين.

(9/345)


أم وأخوين
وفريضتها تصح من اثني عشر سهماً، والسبعة التي في يدها لا تصح على اثني عشر، ولا توافقه، فنضرب اثني عشر في أربعين، فتبلغ أربعمائة وثمانين، فنقسم منها فريضة الأب، للمرأة الثمن: ستون سهماً، ولكل ابنٍ مائة وثمانية وستون سهماً، وللبنت أربعة وثمانون. وقد ماتت عن:
أم وأخوين
فلأمها سدس ما في يدها أربعة عشر. ولكل أخ خمسة وثلاثون، فحصل مع الأم من المسألتين أربعة وسبعون، وفي يد كل ابن مائتان وثلاثة، ثم مات أحدهما عن أم وأخ، وما في يده لا ينقسم على مسألته؛ فإنه لا ثلث لما في يده، فنضرب ثلاثة في فريضة الأب، وهي أربعمائة وثمانون، فتبلغ ألفاً وأربعمائة وأربعين، فنقسم منها مال الأب، فكل مَنْ كان في يده من المسألة الأولى شيء، أخذه مضروباً في ثلاثة، فيحصل في يد الأم من الفرائض الثلاث أربعمائة [وخمسة وعشرون] (1) والباقي في يد الابن وهو ألف وخمسةَ عشرَ، والنصيبان يتفقان بالأخماس، فيرجع نصيب الأم إلى خمسة وثمانين، ونصيب الابن إلى مائتين وثلاثة، وتصح فريضة الأب على هذه الحالة من مائتين وثمانية وثمانين.
وقد كانت فريضته في الحالة الأولى تصح من مائة وخمسة وثلاثين، والفريضتان متفقتان بالأتساع، فنضرب تُسع أحدهما في جميع الآخر، فيبلغ أربعة آلاف وثلثمائة وعشرين، فمنها تصح المسألة على جميع أحوالها.
فنقول على قول أهل الوقف: كان [للأم] (2) من المائة والخمسة والثلاثين سبعة وثلاثون سهماً مضروبة في تُسع الفريضة الأخرى، وهو اثنان وثلاثون،
__________
(1) في الأصل: " وخمسة عشر ". وهو خطأ ظاهر.
(2) في الأصل: الأب.

(9/346)


فلها ألف ومائة وأربعة وثمانون، فكان لها من مائتين وثمانية وثمانين خمسة [وثمانون] (1) سهماً مضروبة في تسع الفريضة الأولى، وذلك خمسة عشر، فتكون ألفاً ومائتين وخمسة وسبعين. فيدفع إليها أقل النصيبين، ويكون الفضل الذي بينهما موقوفاً، وهو أحدٌ وتسعون.
ويعتبر أقل نصيبي الابن على هذا النسق، ونقف ما بينهما، وتخرّج المسألة على قول أهل الدعوى وأصحاب الأحوال على الترتيب المقدّم.
6546 - والغرض تمهيد الأصول وتبيين الطرق، والاعتمادُ بعدها على [الدُّرْبة] (2)، واعتياد العمل.
وهذه المسألة وضعها الأستاذ أبو منصور، وسبب وضعه لها ما فيها من تكرار قطع المسألة وردّها إلى أجزاء التوافق بين الفرضين.
وفي المسألة إشكال؛ فإن الولدين عمي موتُهما، فلم ندر من المتقدم.
وأصلنا ألا نورث ميتاً من ميت، وقد قدَّر في ترتيب الأخوات (3) موتَ الابن، وورّثَ البنت منه، ثم قدَّر موتَ البنت، وورّث الابنَ منها، وهذا غير مستقيم، فلعله فرض تعيُّنَ موت أحدهما، ثم فرض الالتباس بعده، وفرّع على أن الأمر إذا كان كذلك، لم يكن هذا من ميراث الغرقى، ومن عمي موتُه.
فهذا مما يجب التنبّه له، حتى إذا لم نر توريث أحدهما من الثاني، نقدر موت كل واحد منهما، ونورّث الأحياء منه. فأما أن نورث أحدهما من الثاني حيث التبس تاريخ الموت، فلا.
6547 - ثم ذكر الأصحاب في آخر باب الحمل صوراً من المعاياة ليست عرية
__________
(1) في الأصل: " وسبعون " وهو خطأ واضح.
(2) في الأصل: الورثة.
(3) (ت 3): الأحوال.

(9/347)


عن فوائد وفيها تدرب (1) في استخراج المعضلات، ونحن نأتي منها بما نراه مفيداً.
فلو قالت امرأة لورثةٍ: لا تعجلوا بالقسمة، فإني حامل؛ فإن ولدتُ ذكراً ورث، أو ذكراً وأنثى، ورثا. وإن ولدت أنثى لم ترث.
فهذا رجل خلف
بنتين، وامرأة ابنٍ حامل
فللبنتين الثلثان. فإن كان الحمل أنثى، لم ترث، وإن كان الحمل ذكراً، فله الباقي، وإن كان ذكراً وأنثى، فالباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
6548 - وكذا لو خلّف الميت
أختين لأب وأمٍّ، وامرأةَ أبٍ حاملاً
فالحمل هكذا.
6549 - فإن قالت: إن ولدت أنثى، ورثت، وإن ولدت ذكراً، أو ذكراً وأنثى، لم يرثا.
فهذه امرأة خلَّفت
زوجاً، وأبوين، وبنتاً
فللزوج الربع ثلاثة من اثني عشر، وللبنت النصف ستة، وللأبوين السدسان أربعة والمسألة عائلة من اثني عشر إلى ثلاثة عشر. وهذه الحامل امرأة ابنها، فإن جاءت بأنثى، فرض لها السدس تكملة الثلثين، وتعول إلى خمسة عشر.
وإن جاءت بذكر، أو ذكرٍ وأنثى فلا شيء لهما.
__________
(1) (ت 3): ترتيب.

(9/348)


6550 - وقد تفرض هذه المسألة في امرأة خلّفت
زوجاً، وأختاً لأبٍ وأمٍّ
فالمال نصفان بينهما. ولا نظير لهذه المسألة، فتأتي امرأة الأب فتقول ما ذكرناه، والجواب كما مضى.
6551 - فإن قالت: لا تعجلوا؛ فإني حامل إن ولدت ذكراً، ورث، وإن ولدت أنثى لم ترث، وإن ولدت ذكراً وأنثى، ورث الذكر دون الأنثى.
فهذا رجل خلف
عماً أو ابن عم
والقائلة امرأة أخ الميت، فابن الأخ يرث، ولا شيء لبنت الأخ بحال.
وقد تقول في هذه المسألة: إن ولدت ذكراً ورث، ولم ترث يا عمُّ (1).
وهو كذلك.
6552 - فإن قالت: إن ولدت ذكراً، لم يرث، وإن ولدت أنثى، لم ترث، وإن ولدت ذكراً وأنثى، ورثا.
فهذا رجل خلف
جداً، وجدة، وأختاً لأب وأم، والحامل امرأة الأب
فإن جاءت بابنٍ، فللجدة السدس، والباقي وهو خمسة بين الجد والأخ والأخت، وهي من مسائل المعادّة. ولا يخفى تخريجها على من أحكم ما قدمناه.
6553 - فإن قالت: إن ولدت أنثى، لم ترث، ولا أنا.
وإن ولدت ذكراً. ورث، وورثتُ.
__________
(1) هكذا تخاطب امرأةُ الأخ العمَّ.

(9/349)


وإن ولدت ذكراً وأنثى ورث وورثتُ.
فهذا رجل خلف
ابنتين، وبنت ابن ابن ابن حاملاً من ابن ابن ابن آخر
فيكون ولدها في درجتها، أو من ابن ابن ابن ابن آخر ليكون ولدها أسفلَ منها.
فإن كان ولدها ذكراً، أو ذكراً وأنثى عصبها الذكر، وكان باقي المال بينهما.
والتنبيه كافٍ في هذه الأجناس.
6554 - وإن قالت: إن ولدت ذكراً، لم يرث ولم أرث، وكذا إن ولدت ذكراً وأنثى، وإن ولدت أنثى ورثتْ وورثتُ.
فهذه امرأة خلفت
زوجاً، وبنتاً، وأبوين، كما ذكرنا، والحامل بنت ابن ابن ابن كانت حاملاً من ابن ابن ابن آخر.
فإن ولدت ذكراً فهو عصبة ولا شيء له، ولا لمن في درجته.
وإن ولدت ذكراً وأنثى فكذلك.
وإن ولدت أنثى، فهما ابنتان (1) يفرض لهما السدس. وتعول الفريضة إلى خمسةَ عشرَ.
6555 - وإن قالت: إن ولدت ذكراً، ورث دوني، وإن ولدت أنثى ورثتُ دونها، فصورتها أن تُعتق امرأةٌ عبداً، ثم تزوج بها أخُ المعتَق أو عمه، وتحمل
__________
(1) واضحٌ أنهما ابنتان مجازاً، فهما في الواقع ابنتا ابن ابن ابن في درجة واحدة.

(9/350)


منه، ثم يموت المعتَق بعد ما مات زوج المعتِقة، فإن جاءت بذكر، فالمال له، لأنه ابن أخ المعتَق أو ابن عمه.
فإن جاءت بأنثى، فلاشيء لها (1).
...
__________
(1) أي لا شيء للحمل إذا كان أنثى، فهو بنت أخ، أو بنت عم، وحينئذٍ ترث الحامل المعتقة بالولاء.

(9/351)


باب في قسمة التركات
6556 - هذا الباب خاتمة الحساب، بل نجاز الكتاب، ولا يقع بعده إلا فنونٌ لا يضرُّ تركها، ونحن نأتي بعيونها، إن شاء الله تعالى.
ومضمون هذا الباب قسمة التركة إذا كانت التركة مقدرةً بكيلٍ أو وزنٍ.
وإن لم تكن التركة كذلك، فما نحاوله في الباب يجري في تقدير قسمة (1) التركة.
وهذا الباب كثير الفائدة، ولو قلنا: هو ثمرة الحساب في الفرائض ونتيجتُها، لم يكن ذلك بعيداً؛ فإن المفتي يُبلى بصور الوقائع. فإذا أخذ يصحح الفرائض من آلافٍ، والتركةُ مقدارٌ نَزرٌ، لم يكن كلامه مفيداً.
ونحن نذكر صورتين في قَسْم التركات: إحداهما فيه إذا لم يكن في التركة وهي من المقدَّرات كسرٌ.
والأخرى - أن يكون في المقدَّر المخلَّف كسرٌ.
6557 - فإن لم يكن فيه كسر، فالوجه أن نقسمَ سهام الفريضة أولاً، ونعرف العددَ الذي تصح منه المسألة، كما تمهد ذلك فيما سبق.
ثم ننظر إلى التركة، ونأخذ سهام كل واحد من الورثة من جملة العدد الذي تصح منه المسألة، ونضربها في التركة، فما بلغ قسمناه على العدد الذي تصح
__________
(1) (ت 3): قيمة.

(9/352)


منه المسألة، فما خرج، فهو نصيب ذلك الوارث.
ولا فرق بين أن يكون في المسألة عولٌ، وبين ألا يكون فيها عول.
مثال ذلك:
أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات لأبٍ
والتركة خمسة وستون ديناراً.
وأصل المسألة من اثني عشر وتعول إلى ثلاثة عشرَ، وتصح من مائة وستة وخمسين.
فنقول: حصة كل زوجة من العدد الذي صحت المسألة منه تسعة، فاضرب تسعة في التركة، وهي خمسة وستون، فبلغ خمسمائة وخمسة وثمانين، فنقسمها على الأصل الذي تصح المسألة منه وهو مائة وستة وخمسون، فنخرج ثلاثة دنانير وثلاثة أرباع دينار، [فهو نصيب كل واحدة من الزوجات من جملة هذه التركة] (1).
وكان نصيب كل جدة من الأصل ثمانية، فاضربها في التركة، فما بلغ فاقسمه على الأصل، فيخرج لكل واحدة منهن ثلاثة دنانير وثلث، فهو نصيب كل جدة.
وكان لكل أخت من الأصل ستة عشر، فاضربها في التركة، واقسم ما بلغ على الأصل، فيخرج لكل واحدة منهن ستة دنانير، وثلثان.
وهذه الطريقة كافية في الباب.
6558 - هذا إذا لم يكن في التركة كسر، فإن كان فيها كسر، فنبسطها حتى تصير من جنس كسرها، وذلك بأن تضرب الصحيح في مخرج كسره، وتزيد عليه مثل كسره، فما بلغ فكأنه هو التركة صحاحاً، فنقسمه كما بيناه فيما تقدم،
__________
(1) عبارة الأصل: وهو الخارج بالضرب من جملة هذه التركة.

(9/353)


فما خرج لكل واحد منهم من القسمة والضرب نقسمه على مخرج ذلك الكسر الذي جعلنا التركة (1) من جنسه، فما خرج فهو نصيبه.
مثاله: في الصورة التي ذكرناها كان التركة خمسة وستين ديناراً وثلث، فابسطها أثلاثاً تكون مائة وستة وتسعين، فكأن التركة مائة وستة وتسعون ديناراً، فاقسمها بين أربع زوجات، وثلاث جدات، وست أخوات. فأخرج لكل واحدة من الورثة من العدد المبسوط، فاقسمه على ثلاثة، فما خرج [نصيباً للواحد، فهو] (2) نصيب الواحد من الجنس الذي تريده.
وهذا تمام الفرض.
6559 - ولم يبق علينا بعد ذلك إلا ثلاثة أبواب: باب نجمع فيه المذاهب الغريبة في الفرائض عن الأئمة، وباب نذكر فيه المسائل الملقبات، وباب نذكر فيه وجوهاً من المعاياة وينتجز الكتاب بنجاز هذه الأبواب.
...
__________
(1) (ت 3): الصحيح.
(2) ساقط من الأصل.

(9/354)


باب في الأقاويل الشاذة
6560 - قال العلماء: كل قول شاذ عن إمام، ففي نقله خلل، ونحن نذكر جملاً من الأقاويل الشاذة، وننبه على الخلل في النقل، ونحن نذكر إماماً إماماً من الصحابة رضي الله عنهم، وما يعزى إليه من المذاهب الغريبة.
6561 - أما عليُّ بنُ أبي طالب فمما نقل عنه أنه كان لا يحجب بني الإخوة بالجد وينزلهم منزلة الإخوة. وهذا رواه إسماعيلُ بن أبي خالد عن الشعبي، عن علي. وفي إسماعيل كلام.
والرواية المشهورة عن علي وابن مسعود أنهما كانا لا يورثان بني الإخوة مع الجد، وهذا هو الذي رواه أبو بكر بنُ عياش عن المغيرة، والأعمش عن إبراهيم.
ومن الغرائب ما روي أنه قاسم الجد بالإخوة إلى سبعة وإلى ثمانية فصاعداً، والصحيح أنه يقاسمه إياهم إلى خمسة، فإن زادوا، ردّه إلى السدس.
ومنها ما روي أنه جعل الفاضل عن فرض البنت بين الجد والأخت نصفين، كقول ابن مسعود.
والمشهور عنه أن للبنت النصف وللجد السدس، والباقي للأخت.
ومنها أنه كان يورث الزوجَ جميعَ المال: فرضاً ورداً، وهذا غريب جداً، وهو فيما يقال عن عثمان رضي الله عنه، وقيل: إنما فعله عثمان في زوج كان ابن عم.

(9/355)


ومنها ما روي أنه لم يجعل الديةَ من التركة التي يشترك فيها ورثة القتيل، وإنما جعلها لعصبة الميت فقط، قيل: رواه الحسن (1) عنه، وهو اختيار [الحسن] (2).
والصحيح عن علي ما رواه عمرو بنُ دينار عن محمد بن علي أن عليّاً قال: " لقد ظلم من لم يورِّث الإخوة من الأم من الدية ".
ومنها ما روي أنه ورث المجوسي بنكاح ذوي الأرحام (3)، وهذا حمله العلماء على إعراضه عنه.
ومنها ما روي عنه أن المسلم يرث معتقه الكافر، وهذا غريب، لا أصل له.
ومنها ما روي أنه قال: إذا كان في التركة عبدٌ هو قريب للمتوفى، وكان يرثه لو كان حرّاً، قال: يشترى من التركة، فيعتَق، وتحسب قيمته من نصيبه، ثم يرث باقي النصيب.
6562 - وأما ابن عباس، فقد رويت عنه روايات شاذة، منها: أنه جعل للبنتين النصف.
ومنها: أنه قسم الثلث بين ولد الأم للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأنه جعل للإخوة من الأبوين السدس الذي حجبوا الأم عنه.
ولعله خصصهم به ثم يورثهم على قياس التوريث في الباقي.
ومنها: أنه قال: في أبوين وأخوين من أم: هي من تسعة: للأم ثلاثة، وللأب أربعة، ولكل أخ سهم.
__________
(1) الحسن: المراد به الحسن البصري.
(2) في الأصل: الحسين.
(3) (ت 3): القرابات.

(9/356)


ومنها: أنه قال في زوج، وأبوين، وبنت، وبنت ابن:
للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي بين البنت وبنت الابن على أربعة أسهم.
والصحيح عنه أنه قال: إن الباقي للبنت خاصة.
وروي عنه أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد.
وروي عنه أنه قال في الجدة من قبل الأم: إنها ترث كما ترث الأم.
6563 - وأما ابن مسعود فمما روي عنه شاذاً أنه ورّث [أم الأب] (1) مع وجود الأب.
وروي أنه قسم الفاضل من البنت بين الأخت والجد نصفين. وهذا ليس على حد الشذوذ.
والغريب عنه أنه جعل الفاضل عن الجد بين البنت والأخت نصفين.
6564 - وأما عمر، فقد روي عنه أنه ورث المولى من أسفل.
وروي عنه في توريث من أسلم على يد إنسان.
6565 - وعن زيد بن ثابت أن العبد إذا أعتق، لم يجرّ ولاء أولاده (2) ومن بعدهم. (3 ومدار الرواية على جابر الجعفي.
هذا ذكر جُملٍ من غرائب مذاهب الصحابة رضي الله عنهم.
وأما مذاهب التابعين ومن بعدهم، فلسنا لها 3).
...
__________
(1) في الأصل: أم أب الأم.
(2) (ت 3): الأولاد.
(3) ما بين القوسين ساقط من (ت 3).

(9/357)


باب المسائل الملقبة
6566 - وهي منقسمة، فمنها ما اختص بلقب واحد، ومنها ما اجتمع له ألقاب.
6567 - فمنها المنبرية، وصورتها:
زوجة، وأبوان، وبنتان
سئل عنها علي وهو على المنبر، فقال على الفور: صار ثمنها تسعاً.
6568 - ومنها الملقبة بالغراء، وبالمروانية، وصورتها:
زوج، وست أخوات مفترقات
وقعت في زمن مروان وسميت غراء، لاشتهارها.
6569 - ومنها أم الفروخ، وهي
زوج، وأم، وأختان لأم، وأختان لأبٍ وأمٍ
وسميت أم الفروخ. لكثرة عولها؛ فإنها عائلة بثلثيها من ستة إلى عشرة.
6570 - ومنها: أم الأرامل، وهي
ثلاث زوجات، وجدتان، وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لأب سميت بذلك لأن جميع الورثة إناث لا ذكر فيهن.
6571 - ومنها الدينارية، وصورتها أن يقال: رجل مات وخلف ورثة ذكوراً

(9/358)


وإناثاً، وترك ستمائة دينار، فأصاب أحد ورثته ديناراً واحداً. وذلك مثل أن يخلّف.
زوجة وجدة، وبنتين، واثنا عشر أخاً، وأختاً واحدة
أصلها من أربعة وعشرين، وينتهي التصحيح إلى ستمائة، للأخت منها سهم واحد.
6572 - ومنها مسألة الامتحان، وهي أن يقال: رجل مات، وخلف ورثة عدد كل جنس منهم دون العشرة، لم تصح المسألة إلا من ثلاثين ألفاً فصاعداً.
ولا يكون ذلك إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون قد خلف
أربع زوجات، وخمس جدات، وسبع بنات، وتسعة إخوة لأب
أصلها من أربعة وعشرين. سهام كل صنف لا تصح ولا توافق، فنضرب بعضَ الكسور في البعض، ثم نضرب المبلغ في أصل المسألة، فيكون ثلاثين ألفاً ومائتين وأربعين.
6573 - ومنها الأكدرية وهي
زوج، وأم، وأخت، وجد
والمذاهب فيها مشهورة.
6574 - ومنها المعادّة وصورتها بينة.
6575 - ومنها مختصرة زيد:
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأمٍ، وأخ، وأخت لأبٍ والأقوال فيها معروفة. وسميت مختصرة زيد، لأنها تعمل على البسط والاختصار، فأما البسط، فوجهه أن نقول: أصلها من ستة: للأم السدس سهم، والباقي وهو خمسة بين الأخ والأختين والجد على ستة.

(9/359)


وتصح من ستة وثلاثين، ويردّ فيها الأخ والأخت من الأب على الأخت من الأب والأم تمامَ النصف، يبقى معها سهمان بينهما على ثلاثة فنضرب ثلاثة في ستة وثلاثين فتبلغ مائة وثمانية.
وأما بالاختصار فنقول: للأم السدس، وللجد ثلث ما بقي، وللأخت تمام النصف، والمسألة من ثمانية عشر، فيبقى سهم بين الأخ والأخت من الأب على ثلاثة فنضرب ثلاثة في ثمانية عشر فتبلغ أربعة وخمسين.
6576 - ومنها تسعينية زيد، وهي
أم، وجد، وأخت لأبٍ وأم، وأخوان وأخت لأبٍ
سميت تسعينية، لأنها تصح من تسعين.
6577 - ومنها الصماء وهي كل مسألة وقع الكسر فيها على جميع أصناف الورثة من غير موافقة.
6578 - ومنها المشتركة وهي معروفة.
6579 - ومربعات ابن مسعود معروفة.
6580 - ومسائل العول تسمى مسائل المباهلة.
وقد أكثر الفرضيون في التلقيبات، ولا نهايةَ لها، ولا حسم لأبوابها (1).
__________
(1) في نهاية نسخة الأصل بعد هذا ما صورته:
" باب "
" في المعاياة، ومسائل الامتحان، والأغلوطات. وصلى الله على
محمد وآله أجمعين "
" لم يكن في النسخة مكتوباً، فترك البياض "
" يتلوه كتاب الوصايا " =

(9/360)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وفي خاتمة نسخة (ت 3) ما صورته:
" باب في المعاياة ومسائل الامتحان، والأغلوطات "
" هذا الباب بيض الناسخون موضعه، ولعل المصنف أخر جمعه، ثم لم يتيسر إتمامه، والله أعلم ". ا. هـ بنصه.
وبعد هذا ترك باقي الصفحة بياضاً، ثم كتب في ذيلها:
"آخر الجزء السابع من نهاية المطلب في دراية المذهب. يتلوه في الذييليه إن شاء الله كتاب الوصايا.
والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد نبينا وآله وصحبه وسلم تسليماً.
...
قلت: والمرجح أن الإمام رضي الله عنه لم (يجمع) هذا الباب الذي بيض له
الناسخون، ولم يكتبوه. يشهد لذلك أمران:
ا- أنه قال في أول باب قسمة التركات الذي مضى قريباً: " ولا يقع بعد هذا الباب إلا فنون، لا يضر تركها، ونحن نأتي بعيونها ".
2 - أنه ذكر مسائل من المعاياة في آخر باب الحمل، فلعله اكتفى بهذا.
والذي نجزم به صواباً- إن شاء الله- أنه ليس في هذا الموضع خرمٌ ولا سقط. والله
أعلم.

(9/361)


شكل رقم (1)
- شكل يبين ذوي الأرحام كما ذكرهم الإمام.
- القريب داخل المستطيل يعتبر ميتاً، وبدون مستطيل هم ذوو الأرحام.
- الرقم داخل الدائرة يبين الترتيب الذي ذكره الإمام لهم.
- يسهل عليك إذا تأملت الرسم كيف تمد الخطوط لترى أولاد الأخوال والخالات وأعمام أب الميت وعماته، وأخواله وخالاته، وكذا أعمام الأم وعماتها، وأخوالها وخالاتها.
(قابل ص 20، ص 198، ص 211)

(9/363)


شكل رقم (2) وقابل (ص 74)
شكل يبين تعدد الأجداد والجدات وتحاذيهن ومن يرث ومن لا يرث
يلاحظ أن الطبقة الأولى يرث فيها جدتان صحيحتان: واحدة من جهة الأب والأخرى من جهة الأم. وفي الطبقة الثانية يرث ثلاث جدات. وفي الطبقة الثالثة يرث أربع جدات. وفي الطبقة الرابعة يرث خمس جدات.
وهذا كلما علون درجة زدن واحدة. ودائمًا الزيادة من جهة الأب.
أما الأجداد فالوارث واحد دائمًا.

(9/364)


شكل (3)
بالنظر إلى الرسم يظهر كيف تتعدد الجدات وتتحاذى.
(قابل ص 77)

(9/365)


شكل (4)
يبين تعدد القرابة للجدة الواحدة. وفيه نرى:
- (سعاد) جدة ذات قرابتين؛ فهي أم أم الأم، وفي نفس الوقت أم أب الأب.
- (سعيدة) جدة ذات قرابة واحدة؛ فهي أم أم الأب.
- (آمنة) جدة ذات قرابة من ثلاث جهات؛ فهي أم أم أم الأم، وفي نفس الوقت أم
أم أب الأب، وفي نفس الوقت أم أم أم الأب.
(قابل ص 79)

(9/366)


شكل رقم (5)
يبين الصحيح والفاسد من الأجداد والجدات، وكيف تتعدد القرابات
- تميز الدائرة الصحيح من الأجداد والجدات.
- في الطبقة الثالثة يوسف جد ذو قرابتين يرث بإحداهما.
وحسن وسليمان كل منهما ذو قرابتين لا يرث بواحدة منهما.
- في الطبقة الرابعة عبد الله جد ذو قرابات ثلاث لا يرث بواحدة منهما.
ومريم جدة ذات قرابات ثلاث ترث بواحدة منها فقط.
(قابل ص 94)

(9/367)


ومعظم العمايات في مسائل الفقه من ترك الأولين تفصيل أمور كانت بينة عندهم.
ونحن نحرص جهدنا في التفصيل، ولا نبالي بتبرم الناظر.
الإمام
في نهاية المطلب

(10/4)