الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

ج / 3 ص -58-          رفع الشبه والريب عن حكم الإقرار بأخوة الزوجة المعروفة النسب
تأليف كاتبه فقير عفو ربه وكرمه الملتجئ إلى بيته وحرمه عياذا به من بوائقه وزلله وجرمه أحمد بن حجر الهيتمي سامحه الله بغفرانه وأفرغ عليه سجال قربه ورضوانه إنه الجواد الكريم الرءوف الرحيم لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رافع غياهب الغويصات وغرائب المشكلات بواضح الدلائل ومانع ثواقب الأفهام عن سوابق الأوهام في معضلات المسائل ومانح سواطع البصائر أحكام البواطن والظواهر والظفر منها بكل طائل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أنجو بها من الهوى وأعوذ بها من التوى الموجب لاتباع الحظوظ والرذائل وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأواخر والأوائل صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين متكررين بتكرر البكر والأصائل آمين.
وبعد: فهذا كتاب لقبته رفع الشبه والريب عن حكم الإقرار بأخوة الزوجة المعروفة النسب دعاني إلى تأليفه أنه كان بلغني اختلاف علماء مصر فيها اختلافا كثيرا وتناقضهم في الإفتاء فيها تناقضا عجيبا شهيرا لكن على طريق الإجمال لا التفصيل فإنا لم نسمع ذلك إلا من غير ذوي التحصيل إلى أن قدم بعضهم إلى مكة المشرفة أواخر ذي القعدة الحرام سنة ثمان وخمسين وتسعمائة فأخبر بأن ما أشيع من اختلافهم ليس له أصل أصيل ولا عليه شيء من التعويل وإنما اتفقوا كلهم على جانب واحد هو حرمتها عليه ظاهرا لا باطنا وبذلك أفتى سبعة وعشرون شافعيا وشذ بعضهم فأفتى بالحل ظاهرا وباطنا وبعضهم فأفتى بالحرمة ظاهرا وباطنا فلما سمعت منه ذلك وكان مخالفا لما انقدح عندي في تلك المسائل تعجبت من هذه الإطلاقات وقلت لا بد وأن أنتدب لبيان ما في هذه المسألة من التفصيلات فحينئذ بادرت إلى بيان ما في كل من تلك الاحتمالات، ثم إلى ترجيح أظهرها نقلا وأدقها مدركا وعقلا وما عليه منها التعويل وما هو الأوفق بما حققوه من التفريع والتأصيل بتأليف هذا الكتاب ورفع ذلك الارتياب ورتبته على ثلاث مقدمات وثلاثة أبواب راجيا من الله الكريم الوهاب الإعانة والتوفيق للصواب مع القبول وجزيل الثواب لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه مآب.

 

ج / 3 ص -59-          المقدمة الأولى: في بيان الواقعة بحسب ما بلغنا هي أن رجلا بدمنهور الوحش بلدة كبيرة بإقليم البحيرة من ريف مصر بينه وبين أخته المعروفة من أبيه تخاصم في إرث طال بينهما فيه التنازع وعظم التخاصم والتمانع وأراد أن ينجو منها بحيلة وإن باء بأقبح رذيلة فجاء بزوجته المشهورة النسب إلى قضاة الشرع وشهوده الذين خاصم أخته المعروفة إليهم بين أيديهم مرارا متعددة وأجلسها عندهم وقال لهم هذه أختي فلانة التي من أبي وقد أبرأتني فاشهدوا عليها فاسترعوا عليها فكشفوا وجهها، ثم كتبوا حليتها، ثم شهدوا عليها بالإبراء العام وحكم به فلما علمت الأخت جاءت إليهم منكرة عليهم فكشفوا سجلهم فرأوا حليتها غير ما عندهم فأحضروا أخاها ولم يزالوا به حتى أقر أنه اصطنع ذلك وافتعله ليبرأ عنها فقبض عليه، ثم اعترض عليه في بقاء زوجته بعد ذلك في عصمته فكتب سؤالا لمفتي تلك البلد فأفتى بتحريمها عليه فخالفه بعض فضلائها فأرسلوا يستفتون عن ذلك علماء مصر فقيل إن بعضهم أفتى بحلها له ظاهرا وباطنا وبعضهم بحرمتها كذلك وبعضهم بحلها باطنا لا ظاهرا، ثم رفع الأمر لحاكم الشوكة فنفذوا الإفتاء الأول ومكنوه منها واستمر على ذلك.
المقدمة الثانية: في تحرير السؤال الذي أجابوا عليه ولم يتضح لنا تحريره إلى الآن فوجب أن نحرره ليقع الكلام في صورة خاصة ويتوارد المختلفون على شيء واحد فنقول إن كانت صورة السؤال أنه قال لهم هذه أختي فلانة ذاكرا لاسم زوجته أو هذه أختي التي وقع الخصام بيني وبينها عندكم كما يدل عليه ذكر الواقعة السابق فيتعجب من الخلاف فيها حينئذ؛ لأنه ليس فيها تصريح منه بالإقرار بأختيتها له أصلا وإنما فيه الحكم بأن هذه الصورة الشخصية هي تلك الصورة الذهنية وهذا أمر يكذبه الحس فيه وكل إقرار يكذبه الحس فيه لا يرتبط به حكم أصلا اتفاقا كما يعلم مما يأتي في نحو هذه بنتي أو أختي أو ابنة أختي أو بنتي لمن لا يتصور فيها ذلك وإن كانت صورة السؤال هذه أختي من أبي فهذه هي التي يتجه فيها جريان الخلاف بل هي المنقولة في كلامهم بالشخص لا بالأخذ.
المقدمة الثالثة: في تحرير الجواب على سبيل الاختصار اعلم أن الذي دل عليه كلامهم تصريحا وتلويحا أن من قال لزوجته المعروفة النسب هذه أختي أو أنت أختي سواء أضم إليه من أبي أم سكت عنه لم تحرم عليه بمجرد ذلك سواء أقصد الكذب أم أخوة الإسلام وكذا إن لم يقصد شيئا على خلاف ما يقتضيه كلام الخوارزمي الآتي بما فيه بخلاف ما إذا قصد الاستلحاق أو صرح به وهي ممن يمكن لحوقها بأبيه لو فرض جهل نسبها كما يأتي فإنه إن صدق لكونها ملحقة بفراش بحكم الظاهر وهو يعلم لحوقها بأبيه بحكم الباطن لوطئه أمها بشبهة كانت محرمة عليه باطنا وهذا مما لا ينبغي أن يطرقه خلاف كما هو واضح وكذا ظاهرا على ما يأتي من الخلاف فيه مؤاخذة له بإقراره وهذا حاصل ما يتحصل من كلامهم في هذه المسألة كما ستعلمه مما يتلى عليك وبه يزداد عجبك من

 

ج / 3 ص -60-          الإطلاقات السابقة وإن أمكن أن يحمل كلام القائلين بالحل ظاهرا وباطنا على ما إذا قصد الكذب أو أخوة الإسلام أو لم يقصد شيئا والقائلين بحرمتها كذلك على ما إذا قصد الاستلحاق وصدق فيه والقائلين بحرمتها ظاهرا وحلها باطنا على ما إذا قصد الاستلحاق وكذب فيه وهذا الحمل متعين وإلا لم يكن لتلك الإطلاقات وجه ألبتة كما هو ظاهر بأدنى تأمل وإذ قد تقرر ذلك فلنشرع الآن في ذكر الأبواب الثلاثة المشتملة على تلك الأجوبة الثلاثة ونتكلم على كل منها مما يشفي العليل ويبرد الغليل بتوفيق الله وهدايته ورحمته وإسعافه ومشيئته ووقايته بمنه وكرمه آمين.

الباب الأول: في الكلام على الحل من غير تفصيل
اعلم أن مسألة من قال أنت أو هذه أختي لزوجته المعروفة النسب فيها وجهان في كلام الأصحاب لكن لا مطلقا بل عند استلحاقها بذلك ففي الجواهر وغيرها لو كان المستلحق لا المكذب زوجة المستلحق ففي ارتفاع النكاح وجهان جاريان فيما إذا كانت مشهورة النسب من غيره. ا هـ. ففيه التصريح في الزوجة المجهولة والمعروفة النسب إذا استلحقها زوجها بجريان وجهين أحدهما الحل والثاني الحرمة وسيأتي في كلامهم ما يدل لترجيح الأول وقد يؤخذ ما يدل لترجيح الثاني كما يأتي مع الجواب عنه وبهذا يعلم أن لكل من الإفتاءين الأولين مستندا من كلامهم وسيأتي أن للإفتاء الثالث مستندا أيضا لكنه من بحث الأذرعي بقيده الآتي مع بسط الكلام عليه وفي الجواهر وغيرها أيضا لو مات وخلف ابنين مستغرقين فأقر أحدهما بأخ ثالث وأنكره الآخر لم يثبت النسب أي: إجماعا كما حكاه غير واحد وظاهر المذهب وهو المنصوص أن الميراث لا يثبت وخرج ابن سريج وجها أنه يثبت ويتأكد بمسائل يثبت فيها الفرع دون الأصل منها لو قال أحد الابنين فلانة بنت أبينا ففي حلها للمقر وجهان وقال القاضي: إن كانت مجهولة النسب حرمت عليه وإن كانت معروفة النسب فوجهان ا هـ. وعبارة الروضة لو أقر أحد الابنين المستغرقين بأخ فأنكر الآخر فالصحيح المنصوص أنه لا يرث؛ لأن الإرث فرع النسب ولم يثبت وفي وجه يرث ويشارك المقر فيما في يده كما لو قال أحدهما فلانة بنت أبينا هل يحكم بعتقها وجهان انتهت. قال في التوسط هذا كلام سقط صدره من بعض نسخ الرافعي وصوابه ما في النسخة الصحيحة وهو ما في الكتب غيرها ولو قال أحد الابنين فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر حرم على المقر نكاحها مع أن حرمته فرع النسب الذي لم يثبت ولو قال أحدهما لعبد في التركة أنه ابن أبينا هل يحكم بعتقه فيه وجهان وفي النهاية وغيرها. ولو قال لامرأة أنت أختي من النسب وكذبه أخوه وهي مجهولة النسب حرم

 

ج / 3 ص -61-          نكاحها وإن كانت معروفة النسب ففي التحريم وجهان قال الإمام وذكر الخلاف فيها عظيم، ثم لا خلاف فيه مع تسليم الحرمة في مجهولة النسب. ا هـ. ما في التوسط إذا علمت ذلك علمت أن منقول المذهب في معروفة النسب من غير أبيه عند استلحاقها وجهان وأنه لا فرق بين أن يقول لها ذلك وهي في نكاحه أو قبله وأن منازعة الإمام في حكايتهما فيها قبل النكاح مردودة ومن ثم أعرض عنها القمولي وغيره حيث حكوا الوجهين فيها بل صنيع القمولي السابق صريح في أنهما محكيان حتى في المجهولة النسب وأن التفرقة بينهما إنما هي للقاضي فإنه رجح في المجهولة التحريم دون المعروفة وسيأتي الفرق واضحا بينهما بما يعلم به رد ما قاله الإمام وقد صرح غير القمولي بحكايتهما في المجهولة ولا ينافي ما تقرر من حكاية الوجهين في المعروفة ما مر عن نسخ الرافعي فإنه في المجهولة كما هو معلوم من كلامه وكلام غيره وإذا تقرر أن في المعروفة عند استلحاقها وجهين سواء كانت في نكاحه أم لا تعين المصير إلى الراجح منهما والذي يدل لترجيح الوجه القائل بالحل أمور منها أن كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه في مواضع من الأم والمختصر ظاهر فيه حتى في المجهولة لكنه غير مراد فيها لما يأتي من الفرق الواضح بينهما وعبارة الشافعي رضي الله تعالى عنه لو مات عن ابنين وأقر أحدهما بأخ وشهد على أبيه أنه أقر أنه ابنه لم يثبت نسبه ولم يكن له من الميراث شيء؛ لأن إقراره جمع أمرين أحدهما له والآخر عليه فلما بطل الذي له بطل الذي عليه ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل لي عليك مائة دينار فقال بعتني بها دارك هذه فهي لك فأنكر الرجل البيع أو قال باعنيها أبوك وأنت وارثه فهي لك علي ولي الدار كان إقرارا باطلا؛ لأنه إنما أثبت على نفسه مائة يأخذ لها عوضا فلما بطل عنه العوض بطل عنه الإقرار ا هـ. فقوله فلما بطل الذي له بطل الذي عليه ظاهر في أن مسألتنا إذا بطل الذي له وهو الأخوة الموجبة للإرث ونحوه بطل الذي عليه وهو الأخوة الموجبة للتحريم وانفساخ النكاح لو كان؛ فإن قلت أي فرق بين المجهولة والمعروفة عند القاضي وغيره ممن رجح في المجهولة التحريم ووقف في الترجيح عن المعروفة قلت الفرق بينهما ظاهر جلي وهو أن المجهولة حرمتها عليه شرعا ممكنة بعد تصديق أخيه أو موته والانحصار فيه فإن نسبها حينئذ يثبت وتصير أخته شرعا فتعين ترجيح حرمتها احتياطا، وأما المعروفة فلا يمكن شرعا أن تصير أخت المقر ظاهرا أصلا لا في الحال ولا في المستقبل كما صرحوا به في كل معروف نسب استلحق وما لا يمكن شرعا لا يتصور الاحتياط فيه ولا المؤاخذة بالإقرار به فقد شرط الأئمة لصحة كل إقرار بنسب أو غيره وللمؤاخذة به أن يكون ممكنا شرعا وبهذا الذي ذكرته يجاب عن قول الإمام وذكر الخلاف فيها عظيم الخ. ووجهه أنه بان واتضح أن للاحتياط بالتحريم في المجهولة وجها واضحا ولا كذلك المعروفة فإن قلت هل يمكن فرق بين عدم ثبوت الإرث في المسألة؛ لأنه لم يثبت أصله وهو

 

ج / 3 ص -62-          النسب وبين ثبوت الفرع دون الأصل في المسائل التي استشهد بها كثيرون لتخريج ابن سريج كمسألة ثبوت الشفعة مع عدم ثبوت الملك وثبوت الضمان مع عدم ثبوت المال المضمون وثبوت البينونة مع عدم ثبوت المال المخالع عليه وحرمة تزوج امرأة ادعت نكاح من كذبها وحلف على أحد وجهين مع عدم ثبوت النكاح قلت نعم يمكن ذلك بل هو واضح فإن إقراره في هذه المسائل كلها لم يخالف الشرع بل هو محتمل الصدق ظاهرا شرعا فليس في المؤاخذة به ما يخالف الشرع إذ من اعترف لغيره بمقتضى شفعة أو ضمان أو بينونة أو نحوها لم يقع في إقراره شيء يكذبه الشرع فيه لإمكان ثبوته شرعا بخلافه في مسألة الإرث فإن إقراره مخالف للشرع لبطلان استلحاقه شرعا فلم يمكن ثبوت فرعه وهو الإرث فهو نظير عدم حرمة المعروفة على القول به؛ لأن الشرع كذبه في استلحاقها فلم يمكن القول بالفرع مع عدم ثبوت الأصل، وأما ما مر في المجهولة فهو نظير تلك النظائر وأمكن القول فيها بثبوت الفرع وإن لم يثبت الأصل بجامع أن الشرع لم يكذبه في الفرع وإنما انتفى الأصل لعدم وجود شرطه مع أنه بصدد أن يوجد بتصديق الأخ الآخر، وأما المعروفة فالشرع مكذب له فيما ذكره فيها وشتان بين من كذبه الشرع حالا ومآلا ومن لم يصدقه الشرع الآن ويصدقه بعد إذا وجد الشرط وإذا تأملت ما أجبت به من هذه النظائر علمت أنه أحسن وأوضح من جوابي الإمام عنها وأنه لا يأتي ما تعقبها به وقد بسطهما الأذرعي في المتوسط مع تسليمه له قوله عقبهما وعقب استبعادهما وكل هذا تكلف ومن لم يعترف بأشكال هذه المسألة فليس من التحقيق على نصيب قال الأذرعي والأمر على ما قال الإمام ا هـ. وهذا جرى منهما على انتصارهما للوجه الضعيف الذي خرجه ابن سريج ومن جملة ما انتصر له به الأذرعي أنه مذهب الأئمة الثلاثة كما قاله الرافعي وأن الإمام اختاره وقواه بمقتضى أنه قياس تلك النظائر ا هـ. لكن قد ظهر واتضح الفرق بينهما وبين عدم الإرث وأن نص الأم والمختصر يرد ذلك التخريج فتأمل هذا الموضع فإنه مما ينبغي أن يتأمل ويستفاد لتعين الانتصار للمذهب وأهله على من وجد لذلك سبيلا فإنهم أطبقوا على ضعف التخريج مع تقريرهم في تلك النظائر ما يؤيده حتى قال الإمام ما قال لولا ما ظهر بحمد الله وتوفيقه من الجواب الواضح عنها لمن تدبره وتأمله فإن قلت هل يمكن أن يفرق بين عدم الإرث وثبوت الحرمة في المجهولة بأنه لا يلزم من النسب الإرث إذ قد يمنع منه نحو الرق أو القتل بخلاف النسب وحرمة نحو الأخت فإنه يلزم من ثبوته ثبوتها قلت يمكن ذلك لولا تصريح القاضي حسين والعبادي وحكاه المزني عن الشافعي رضي الله تعالى عنه وتبعهم المتأخرون بأن من تزوج مجهولة النسب فاستلحقها أبوه ولم يصدقه لم يبطل نكاحه مع ثبوت نسبها وكونها أخته فلا تلازم أيضا ومنها قول الجلال البلقيني عقب قول الشيخين قال زيد أخي مثلا ثم فسره بأخوة الرضاع حكى الروياني عن أبيه أن الأشبه بالمذهب أنه لا يقبل؛ لأنه خلاف الظاهر

 

ج / 3 ص -63-          ولهذا لو فسره بأخوة الإسلام لم يقبل ا هـ. محل هذا ما إذا كان مجهول النسب وكان المقر حائزا لإرث الوالد الذي ألحق هذا به أما معروف النسب فلا يحتمل إلا أخوة الإسلام أو أخوة الرضاع فسواء فسره بذلك أم لا لا يحمل إلا على أخوة الإسلام هل يقبل فيه نظر ا هـ. وبتأمل قوله فلا يحتمل إلا أخوة الإسلام الخ. يعلم أنه مصرح بإلغاء الإقرار في المعروف النسب من أصله وأنه لا يترتب عليه حكم أصلا فحينئذ يكون مصرحا بترجيح ما ذكرناه من الحل، ثم تنظيره في المرأة إنما هو مع جهل نسب المقر به ووجه النظر حينئذ واضح وإن كان المعتمد ما أطلقه الشيخان من عدم القبول ومنها ما جزم به صاحب الأنوار ومن تبعه أنه لو قال لزوجته أنت أختي كان كناية طلاق ويلزم من كونه كناية طلاق أنه غير صريح في حرمتها المؤبدة وإلا كان تنافيا إذ من لازم كونه طلاقا بقاء العصمة حيث لا نية ورجوعها بالمراجعة مع النية ومن لازم كونه اعترافا بحرمتها عليه ومؤاخذاته بذلك بينونتها منه ببينونة فسخ بمجرد قوله لها ذلك النية فتنافى الموضعان وإذا تنافيا لزم من تصريحهم بأنه كناية طلاق ترجيحهم لأحد الوجهين السابقين في معروفة النسب القائل بعدم حرمتها باستلحاقها وهذا ظاهر لا غبار عليه وبه علم أن صاحب الأنوار ومن تبعه مرجحون لأحد الوجهين المطلقين في كلام الرافعي وغيره وكفى بصاحب الأنوار سلفا وسندا في الترجيح فإن قلت كلام كافي الخوارزمي الآتي في الباب الثالث يرد ما ذكر وكذا كلام القفال الآتي، ثم أيضا قلت ممنوع كما سأقرره بعد فتأمله ومنها قول الشيخين وغيرهما لو قال امرأتي هذه بائن مني بينونة لا تحل لي أبدا أو امرأتي هذه لا تحل لي أبدا لم تحرم لاحتماله وقيل يحكم عليه بالبينونة بمقتضى ذلك مؤاخذة له بمقتضى إقراره ولا نظر إلى أنه قد يعتقد التحريم مؤبدا خطأ؛ لأن الإنسان مؤاخذ بموجب إقراره وإن احتمل ما ذكر ا هـ. فتأمل ذلك تجده صريحا ظاهرا في ترجيحهم للوجه السابق القائل بالحل ووجه ظهوره في ذلك أن هذا الذي ذكروه في تعليل الوجه الضعيف هو تعليل الوجه المقابل للأول وهو القائل بحرمتها عليه بقوله لها أنت أختي وإذا أعرضوا عن ذلك التعليل والمعلل وهو الحرمة في هذه المسألة كانوا معرضين عن ذلك الوجه في مسألتنا بالأولى؛ لأنه أصرح من مجرد قوله هذه أختي بدليل ما يأتي عن الخوارزمي أنها تحتمل أخوة الدين وأنه يقبل تفسيره بها ومنها ما أفهمه كلام بعض المتأخرين من ترجيحه لأحد الوجهين القائل بالحل وعبارته لو قالت لرجل أنت أخي من النسب وهو معروف النسب من غير أبيها ففي تحريمها عليه وجهان ولو قال ذلك رجل لزوجته فكذبته وهي مجهولة النسب انفسخ نكاحها على الصحيح فأفهم أن معروفة النسب لا ينفسخ نكاحها بذلك وهو موافق لما مر من أنه فيها كناية وسيأتي قريبا عن قواعد الزركشي ما يؤيد هذا ومنها فرقهم بين قبوله إقرار الرجل دون المرأة بفرقين ثانيهما أنها إذا أقرت بالنسب فإنها تقر بحق عليها وعلى غيرها وقد بطل إقرارها في حق الغير فيبطل

 

ج / 3 ص -64-          في الجميع واعترض هذا بأنه لا يلزم من بطلانه في حق الغير بطلانه في الجميع بل ينبغي أن تؤاخذ به في حق نفسها كما في الإقرار بالمال ا هـ. فالفرق مصرح بإلغاء الإقرار من أصله فيؤيد به الوجه القائل بالحل، وأما اعتراضه المذكور فيرده ما مر عن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه فإنه على طبقه حرفا بحرف فما كان جوابا عن النص فهو الجواب عنه.
تنبيه أول: ما مر من أنه لا فرق في جريان الوجهين في المعروفة النسب بين أن يقول أنت أختي من النسب لمن في نكاحه وغيرها قد ينافيه صنيع الزركشي في قواعده وعبارته لو قال أحد الابنين فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر ففي حلها للمقر وجهان وقال القاضي الحسين إن كانت مجهولة النسب حرمت وإن كانت معروفة النسب فوجهان والذي جزم به في النهاية في اللقيط تحريمها وهو المعمول به فقد ثبت الفرع دون الأصل ولو قال لزوجته أنت أختي من النسب وهي معروفة النسب ففي تحريمها عليه وجهان. ولو كانت مجهولة النسب وكذبته انفسخ نكاحها على الأصح فرجح في الأولى التحريم بقوله وهو المعمول به وسكت عن الترجيح في الثانية المفروضة في الزوجة مع ذكره لها عقب الأولى فدل كلامه على الفرق بين الصورتين وهو ظاهر من حيث الترجيح، وأما حكاية الوجهين فهي في الصورتين كما صرح به هو وغيره كما مر وحينئذ فكلامه موافق لما قدمته من أنه لا فرق لا مخالف له؛ لأن ذاك في جريان الوجهين وهذا في ترجيح أحدهما في غير الزوجة وكان الفرق أنه قبل النكاح لا تهمة في استلحاقه من حيث الزوجية فأثر عند الزركشي كالإمام، وأما مع الزوجية فهو متهم بإبطاله باستلحاقها حقها من النكاح كالمسمى الزائد على مهر المثل فمن ثم توقف الزركشي عن الترجيح في هذا فتأمله.
تنبيه ثان: قولهم وكذبته في مجهولة النسب انفسخ نكاحها على الصحيح ليس قيدا في انفساخ نكاحها وحرمتها عليه بل الظاهر أنه قيد لجريان الخلاف في الانفساخ لما قررته آنفا أنه يريد بذلك إبطال حقها أما إذا صدقته فواضح انفساخ نكاحها وحرمتها عليه قطعا وإذا تقرر ذلك في المجهولة فهل يأتي نظيره في المعروفة على الوجهين السابقين فيهما أو لا إلا وجه الثاني لما مر أن كل إقرار كذبه الشرع لا يدار عليه حكم بوجه؛ ولأن العصمة بيد الزوج فإذا لم يقبل إقراره وحده لا يقبل تصديقها له ولأجل ذلك مر في المجهولة أنه لا فرق بين تصديقها وتكذيبها ومما يؤيد اعتبار قول المرأة في الحرمة لا النسب فرق البغوي بين قولهم قالت أمة لشخص بيني وبينك رضاع محرم إن كان قبل الملك حرمت أو بعد التمكين من الوطء فلا أو قبل التمكين فوجهان وقولهم لو قالت بيني وبينك أخوة نسب لم تقبل في حكم ما بأن النسب أصل مبني عليه أحكام كثيرة كلها أهم وأعظم من أمر التحريم فلا يثبت بقول المملوك ا هـ.

 

ج / 3 ص -65-          تنبيه ثالث: قد علمت مما تقرر أن محل الوجهين السابقين إنما هو فيما إذا قالت أنت أخي من النسب ويلحق بذلك ما إذا قال أنت أختي فقط ولم يقصد ذلك بأن كانت مجهولة النسب جرى على الخلاف فيها فيما يظهر أو معروفته فلا كما مر عن الجلال البلقيني وسيأتي عن الخوارزمي ما يؤيد ذلك.
تنبيه رابع: جميع ما تقرر محله حيث لم يعلم باطنا ما يخالف الظاهر وإلا حرمت عليه باطنا بلا خلاف ولحوقها كأن علم أنها بنت أبيه من وطء شبهة الفراش بما هو في حكم الظاهر فقط كما مر تنبيه خامس محله أيضا حيث أمكن لحوقها بأبيه لو استلحقها بفرض جهل نسبها وإلا كأن كانت أكبر من أبيه أو أصغر منه بسن لا يحتمل كونها بنته أو كانت أمها منه بمسافة يستحيل اجتماعه بها عادة فلا أثر لإقراره اتفاقا كما صرحوا به في استلحاق يكذبه الحس أنه لا أثر لإقراره في تحريم ولا غيره اتفاقا.

الباب الثاني: في الكلام على حرمتها عليه من غير تفصيل
قد سبق أنه وجه مشهور في المذهب لا مساغ لإنكاره واحتماله ومما يؤيده ترجيحا قول الزركشي في قواعده لو قال أحد الاثنين فلانة بنت أبينا وأنكر الآخر ففي حلها للمقر وجهان وقال القاضي حسين إن كانت مجهولة النسب حرمت وإن كانت معروفته فوجهان والذي جزم به في النهاية في اللقيط تحريمها وهو المعمول به فقد ثبت الفرع دون الأصل ا هـ. وقول الروضة لو قال لعبده أنت ابني ومثله يجوز أن يكون ابنا له ثبت نسبه وعتقه إن كان صغيرا أو بالغا وصدقه وإن كذبه عتق أيضا وإن لم يثبت النسب وإن لم يمكن كونه ابنه بأن كان أصغر منه على حالة لا يتصور كونه ابنه لغا قوله ولم يعتق؛ لأنه ذكر محالا، هذا في مجهول النسب فإن كان معروف النسب من غيره لم يلحقه لكن يعتق على الأصح لتضمنه الإقرار بحريته ولو قال لزوجته أنت بنتي قال الإمام الحكم من حصول الفراق بينهما وثبوت النسب كما في العتق ا هـ. ومما يؤيده أيضا ما يأتي عن القفال والخوارزمي ووجه التأييد في هذه المذكورات لترجيح الوجه القائل بالحرمة غير خفي؛ لأن الزركشي كالإمام مرجحان للتحريم في غير الزوجة ومثلها الزوجة والفرق السباق بينهما إقناعي عند التحقيق؛ ولأن كلام الروضة المذكور صريح في التحريم في الزوجة إذا لا فرق بين أختي وبنتي وهو أعني التحريم في الزوجة وغيرها هو الأحوط مؤاخذة له بإقراره بحرمتها عليه وإن لم يثبت النسب
وللقائلين بترجيح الحل أن يجيبوا عن ذلك بأمور منها أن جزم الإمام بالتحريم مبني على ما مر عنه من استعظامه جريان الخلاف وقد مر رد هذا الاستعظام وما يترتب عليه فراجعه

 

ج / 3 ص -66-          وقول الزركشي وهو المعمول به فيه ما مر عن شيخه الأذرعي من اختياره لمقالة الإمام المبنية على اختياره لتخريج ابن سريج مع اعترافه بخروجها عن المذهب فتأمله على أن قول الزركشي وهو المعمول به ليس صريحا في الترجيح على ما قيل في نظيره فيما وقع في المنهاج ومنها أن قول الإمام بحصول الفرقة يحتمل أن يريد بها فرقة الفسخ أو فرقة الطلاق وهما وجهان كما يفيده قول الجواهر فيمن قال لزوجته يا بنتي بناء على وقوع الفرقة به عند احتمال البنتية ولا نية له هل هي فرقة فسخ أو طلاق وجهان جاريان فيما إذا كانت مشهورة النسب من غيره أو كبيرة وكذبته وإذا ثبت أن كلام الإمام محتمل لفرقة الطلاق انتفى والاحتجاج به على التحريم المؤبد؛ لأنه لا معنى لفرقة الطلاق إلا حلها له بالرجعة فحينئذ لا دلالة في كلام الإمام على الحرمة المؤبدة ظاهرا ولا باطنا على أن قول القمولي جار فيما إذا كانت مشهورة النسب من غيره أو كبيرة وكذبته ظاهرا في جريان الوجهين في نفس أنت بنتي؛ لأن التصديق والتكذيب إنما يتجه في هذا دون النداء لاحتماله للكرامة احتمالا ظاهرا بخلاف أنت بنتي وبذلك يزيد إيضاح ما ذكرته من أنه لا حجة في كلام الإمام هذا على التحريم المؤبد أصلا ومنها احتمال الفرق بين أنت بنتي وأنت أختي وذلك أن حكاية الخلاف في أنت أختي مشهورة في كلام الأصحاب قبل وجود الإمام بزمن طويل فلا يكون ما ذكره الإمام حجة عليهم ومنها أن ما ذكره الإمام قيده الأذرعي بما إذا قصد الاستلحاق فإنه قال عقب كلام الروضة المذكور قلت وكأن صورة المسألة إذا قال ذلك على وجه الاستلحاق أما لو قاله على وجه الملاطفة أو قال قصدت به ذلك أي: الفراق لا حقيقة البنتية فقد سبق بيانه ا هـ. وأشار بقوله قد سبق بيانه إلى ما سأذكره عنه قريبا وذكره في باب الطلاق وبه يعلم أن ما ذكره الإمام هنا لا يستدل به على حرمة ولا فرقة في الوقعة السابقة؛ لأن الزوج لم يقصد فيها استلحاقا قطعا كما يأتي وحينئذ فالاستدلال بكلام الإمام هذا على الحرمة فيها ظاهرا وباطنا أو ظاهرا لا باطنا يرد بما ذكره وسأذكره فليكن ذلك على ذكر منك وقد مر أن محل الوجه القائل بالحرمة إنما هو إذا قصد بأنت أختي الاستلحاق فلو فرضنا أن هذا الوجه وهو المعتمد لم يكن فيه حجة على التحريم في تلك الواقعة أصلا إذ ليس فيها قصد استلحاق قطعا كما تقرر ومنها فرقهم في بعض المسائل بين قبول الإقرار بالبنوة لا بالأخوة بفروق متعددة منها أن الإقرار بالبنوة حق واجب عليه بخلاف الأخوة فاحتيط لذلك ما لا يحتاط لهذا ويفرق أيضا بأن الإنسان يعلم فيما يتعلق بنفسه ما لا يعلمه فيما يتعلق بغيره فجاز أن يؤثر إقراره فيما يتعلق بنفسه كالبنوة ما لا يؤثر إقراره فيما يتعلق بغيره كالأخوة ويؤيده أنهم اشترطوا في الإلحاق بالغير شروطا زائدة فدل على تراخي رتبة الأخوة عنها بالبنوة وحاصل ذلك كله أن ما ذكره الإمام وأقره عليه الشيخان في البنوة لا يرد نقضا لما ذكره الأصحاب في الأخوة لما تقرر موضحا فإن قلت في تقرير الشيخين للإمام على ذلك أوضح حجة على ضعف الوجه القائل بالحال؛ لأنا إن جعلناها فرقة فسخ فواضح

 

ج / 3 ص -67-          أو فرقة طلاق فأين الحل وفيه أيضا رد ما مر من دعوى أن الإقرار الذي كذبه الشرع لا يعمل به أصلا قلت قد مر لك أن أختي يحتمل أخوة الدين وأخوة النسب ومع هذا الاحتمال المنضم إليه تكذيب الشرع له في إقراره بنحو الأخوة يندفع قياس الإقرار بالبنوة عليه؛ لأنه لا احتمال ظاهر فيه كما صرح به جمع في فرقهم بين يا بنتي وأنت بنتي فإن الأول ظاهر في الكرامة بخلاف الثاني فاتضح أن ما هنا لا يدفع شيئا مما ذكر في السؤال فتأمله فإنه دقيق.
تنبيه أول: في ثبوت الحرمة بدون ثبوت النسب هنا تأييدا لما مر من تخريج ابن سريج لكن قد سبق الجواب عنه.
تنبيه ثان: قد علمت من فرضهم الوجهين السابقين عن الجواهر وغيرها. في الباب الأول في صورة الاستلحاق أنه حيث لا استلحاق فلا حرمة حتى على هذا الوجه.
تنبيه ثالث: مر أيضا أن الخلاف إنما هو بالنسبة للظاهر أما بالنسبة للباطن فلا يتجه فيه خلاف بل يجب القطع بأنه إن صدق فيما ذكره حرمت عليه باطنا وإن كذب لم تحرم عليه باطنا وهذا مما لا شبهة فيه وبهذا يعلم أن ما يأتي عن الأذرعي من الحرمة ظاهرا هو هذا الوجه الثاني ومن الحل باطنا إن كذب أي: والحرمة إن صدق هو مما لا خلاف فيه وحينئذ فكلام الأذرعي ليس خارجا عن ذينك الوجهين خلافا لمن فهم أنه احتمال ثالث وجريت عليه إرخاء للعنان مع ذلك الوهم، ثم بينت حقيقة الأمر في ذلك فتدبر ذلك وشد به يديك لتحفظ من الوهم الذي ربما راج عليك.

الباب الثالث: في الكلام على حرمتها ظاهرا وحلها له باطنا إن كذب
اعلم أن الأذرعي أبدى هذا بحثا لكن قيده بقيد ربما يغفل عنه وقد مر آنفا أنه الوجه الثاني من الوجهين السابقين، ثم ذكر الأذرعي من كلام الخوارزمي ما قد يدل لما ذكره وما قد يرده كما ستعرفه وبيان ذلك أن الشيخين نقلا عن القفال أنه لو قال لامرأته التي هي ثابتة النسب يا بنتي وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن كما لو قاله لعبده أو أمته زاد النووي قلت المختار في هذا أنه لا يقع به فرقة إذا لم يكن له نية؛ لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة ا هـ. قال الأذرعي في توسطه عقب ذلك: قلت لفظ العبادي إذا قال لامرأته التي هي ثابتة النسب يا بنتي فإنه تقع الفرقة بينهما إذا احتمل أن يكون مثلها ابنته وكذا لو قال يا أختي أو قال يا أمي أو قال أنت أمي أنت أختي أما إذا قال لعبده يا ابني وإن كان ثابت النسب فإنه يعتق إذا جاز أن يكون ابنا له وكذا لو قال لجاريته يا بنتي فإنها تعتق عليه وإن كانت ثابتة النسب إذا أمكن أن يولد له مثلها واعلم أن قوله قلت: المختار

 

ج / 3 ص -68-          أنه لا يقع به فرقة إذا لم يكن له نية يوهم الموافقة على صورة العتق وليس كذلك بل استعمال الملاطفة للعبد والأمة بهذا اللفظ غالب بخلاف الزوجة فإنه لا يستعمل فيها ذلك وقوله إذا لم يكن له نية إن أراد به نية إيقاع الطلاق ففيه نظر؛ لأن هذا اللفظ لا إشعار له بذلك وإن أراد به قصد الاستلحاق حيث يمكن كونها منه فحينئذ يكون مقرا بعدم الزوجية فإن كان كاذبا فلا فرقة باطنا ويحكم بها ظاهرا، ثم رأيت الخوارزمي قال في كافيه لو قال لامرأته يا بنتي أو يا أمي أو جدتي نظر إن كانت في سن يستحيل أن تكون كذلك فلا يثبت شيء من الحرمة وإن كانت في سن يتصور أن تكون كما يقول تحرم عليه حرمة مؤبدة وإن كانت معروفة النسب فلو قال إنما قلت ذلك لها بطريق الكرامة أو الاستهزاء يقبل قوله وكذلك لو قال يا أختي مثلا ثم قال عنيت من جهة الدين يقبل. ا هـ. كلام التوسط وذكر كلام الخوارزمي أيضا بعد ذلك في الفروع المنثورة آخر الطلاق، وبيان ما اشتمل عليه الذي أشرت إليه فيما مر بأمور: أولها: أن ما ذكره من وقوع الفرقة ظاهرا لا باطنا قيده بما إذا قصد الزوج الاستلحاق كما صرح به قوله وإن أراد بالنية قصد الاستلحاق حيث يمكن كونها منه فحينئذ يكون مقرا بعدم الزوجية فإن كان كاذبا الخ. فرتب ما ذكره من الفرقة على ما فرضه من قصد الاستلحاق بقوله يا بنتي وجعل إقراره بعدم الزوجية متوقفا على ذلك القصد ومعلوم أن معرفة قصد ذلك لا تعلم إلا منه وحينئذ فلا دلالة في كلام الأذرعي على وقوع فرقة في صورة المسألة السابقة في المقدمة؛ لأن الزوج مصرح بأنه لم يقصد استلحاقا وإنما قصد الكذب حتى تتم له الحيلة التي قصدها وقرائن أحواله تفيد القطع بتصديقه في كونه لم يقصد استلحاقا وإذا لم يقصد فلا فرقة وهذا على منوال ما قدمته عنه في أنت بنتي كما مر التنبيه عليه فإن قلت هل يعتمد كلامه هذا قلت قد قدمت لك أنه في الحقيقة هو الوجه الثاني القائل بالحرمة المعقود له الباب الثاني كما مر والقول بحرمتها عليه كذلك مع قصده الاستلحاق وكذبه فيه بعيد جدا فتعين ما أشار إليه من التفصيل الذي قدمته أول الباب الأول فتدبره فإنه مما يلتبس. ثانيها: قوله: وقوله: إذا لم يكن له نية إن أراد به نية إيقاع الطلاق ففيه نظر؛ لأن اللفظ لا إشعار له بذلك ا هـ. يجاب عنه بأنه لا نظر فيه وما علل به ممنوع ومما يرده ما ذكره هو من إفادة الفرقة بقيده الذي ذكره وهو قصد الاستلحاق ومر أن الفرقة فرقة طلاق في وجه وفسخ في وجه وحينئذ فله إشعار به أي إشعار. ثالثها سياقه لكلام الخوارزمي قصد به التأييد لما بحثه هو من تقييده بغير قصد الاستلحاق وهو ظاهر؛ لأن الخوارزمي جعل يا بنتي يا أمي يا جدتي يا أختي إذا أمكن ذلك فيها يوجب التحريم المؤبد وإن عرف نسبها ما لم يقصد الكرامة أو الاستهزاء أو أخوة الدين فإن قلت قد علم مما مر في الباب الثاني أن الأذرعي أحال في باب العتق بيان ما إذا قصد الملاطفة أو الفراق لا حقيقة البنوة على ما قدمه في باب الطلاق ولم يذكر فيه ذلك قلت ممنوع بل ذكر هذين القسمين وفيه قصد الاستلحاق أما هذا فقد سبق ذكره له صريحا، وأما الأول أعني قصد

 

ج / 3 ص -69-          الملاطفة فقد ذكره عن صاحب الكافي وأما قصد الفراق فقد ذكره أعني الأذرعي ونظر فيه ورددت عليه نظره كما سبق فإن قلت عبارة فتاوى القفال الآتي ذكرها صريحة في أن أختي صريح في تأبيد الحرمة وبها يتأيد ما مر في الباب الثاني من الحرمة كما هو أحد الوجهين السابقين قلت هو كذلك إلا أنه لا يتم إلا لو كان رأي القفال معتمدا أما حيث ضعف النووي رأيه كما مر فلا يتم التمسك بكلامه فإن قلت لا يلزم من تضعيف النووي لما ذكره القفال في النداء تضعيفه لما ذكره في أنت أمي أنت أختي لما هو مقرر من الفرق بين النداء وغيره إذ النداء يقع على جهة التلطف ونحوه كثيرا بخلاف أنت بنتي أو أمي ونحوهما وهذا هو السبب في اعتراض النووي لكلام القفال في النداء وتقريره للإمام في أنت بنتي على إفادته الفرقة كما مر قلت قول القفال أنت أمي أنت أختي ظاهر في أنه جمع بين اللفظين من غير زيادة وحينئذ فلا حجة فيه على ما لو قال أنت أختي؛ لأن الاحتمال فيه لأخوة الدين وغيرها أظهر منه فيما لو جمع بينهما على أن القفال يحتمل أن يكون هو صاحب ذلك الوجه الصائر إلى أن أختي يوجب التحريم المؤبد فإن قلت ظاهر كلام الخوارزمي أن بنتي وأمي وجدتي وأختي في النداء ينصرف إلى الحرمة المؤبدة ما لم يرد غيرها قلت نعم ظاهره ذلك فهو موافق للقفال في حالة الإطلاق وللنووي في حالة إرادة غير الفرقة وقد علم ضعف كلام القفال في حالة الإطلاق وكذا كلام الخوارزمي وقد يقال بين الخوارزمي أن مراد القفال بالحرمة المؤبدة ما لم يرد غيرها وحينئذ فقد يؤخذ منه أن الوجه الثاني القائل بالتحريم المؤبد في أنت أختي محله ما لم يقصد به غير ذلك وبه يتأيد ما بحثه الأذرعي في نحو أنت بنتي بأن محله ما لم يقصد الاستلحاق أو الملاطفة أو الاستهزاء، وكذا أخوة الدين في أنت أختي وحينئذ يتجه كما مر أنا ولو قلنا بهذا الوجه الصائر إلى الحرمة المؤبدة لا يرد هذا الوجه على من أفتى في السابقة بالحل ظاهرا وباطنا لما تقرر أن محله ما لم يرد غير ذلك كما علم من كلام الخوارزمي الذي أيد به الأذرعي بحثه السابق فتأمل هذا كالذي قبله فإنه مهم وبه يتضح الحق وفقنا الله لسلوك سبيله وحمانا من الشيطان وتسويله وخلصنا من شوائب البقاء مع الحظوظ والنفوس وأزال عن نفوسنا كل هم وغم وبغض وبؤس إنه الرحيم الرحمن الكريم المنان وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال مؤلفه عفا الله عنه نجز في دون يومين سلخ ذي القعدة الحرام سنة ثمان وخمسين وتسعمائة تقبله الله بمنه وكرمه آمين