الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي

أبواب: الشهادات - الدعوى والبينات - العتق - التدبير - الكتابة - أمهات الأولاد

"باب الشهادات"
"مسألة" قال السبكي رحمه الله تعالى في فتاويه ما لفظه نجد كتاب مبايعة أو وقف أو غيرهما بعقار أو دار أو أرض أو قرية أو نحوها مشتمل على حدود يقع اختلاف في تلك الحدود وبطلت منا إثبات تلك الحدود كما تضمنه ذلك الكتاب وما فعلته قط لأن المشهود به في البيع أو الوقف أو نحوهما هو العقد الصادر على المحدود بتلك الحدود وقد لا يكون الشاهد عارفا بتلك الحدود ألبتة وإنما سمع لفظ العاقد فالذي شهد به إقراره بذلك والحدود من كلامه لا من كلام الشاهد وهذا ظاهر في العقود والأقارير وظهوره في الأقارير أكثر لأنهما من كلام المقر لا من كلام الشاهد وفي العقود دونه لأن الشهادة بالعقد من كلام الشاهد وحكايته عن حضوره العقد وسماعه فهو شاهد بالبيع والوقف لا بالإقرار بهما فلا بد

 

ج / 4 ص -354-        من علمه بصدور البيع على المبيع والوقف على الموقوف لكنا نقول إن ذلك لا يستدعي معرفته للمبيع والموقوف لجواز أن يقول بعتك البلد أو الدار التي حدها كذا ولا يكون عند الشاهد على أكثر من ذلك فيجوز له أن يشهد على جريان البيع على المحدود وإن لم يعرفه ولا حدوده يبقى علينا شيء واحد وهو قد يشكل وهو الشهادة بالملك والحيازة فكثيرا ما يقع هذا في كتب المبايعات والأوقاف مستقلا تقوم بينة أن فلانا مالك حائز للمكان الفلاني الذي حدوده كذا ويكون ذلك المكان معروفا مشهورا لا منازعة فيه وتقع المنازعة في حدوده أو في بعضها والشهود قد ماتوا بعد أن قد ثبت المكتوب بشهادتهم ويقصد الذي بيده المكتوب أن يتمسك به في الحدود وينزع من صاحب يد بعض ما في يده بمقتضى ذلك المكتوب ويدعي أن تلك الحدود ثابتة له بمقتضى مكتوبه وقد طلب مني ذلك فلم أفعله لأني أعلم بحسب العادة أن الشاهد قد يعلم ملك زيد للبلد الفلاني مثلا علما يسوغ له الشهادة بملكه ويده وذلك البلد مشتهر وتحقيق حدوده قد لا يحيط علم الشاهد بها فيستسميها ممن هو يعرفها هكذا رأينا العادة كما يشهد على زيد الذي يعرفه ويتحققه ولا يتحقق نسبه فيعتمد عليه أو على واحد فيه فالتمسك في إثبات الحدود كالتمسك في إثبات الشرف ونحوه والذي يظهر لي من ذلك أن من كانت يده على شيء واحتمل أن تكون يده بحق لا تزال إلا ببينة تشهد أن يده عادية ولا يعتمد في رفع يده على كتاب قديم بتلك الشهادة التي لا يدرى مستندها وقال أيضا مسألة تعم بها البلوى كثيرا ولم أر أحدا تكلم فيها وتكررت في المحاكمات كثيرا يأتي كتاب مبايعة أو وقف على عقار مشتمل على حدود وصفات ويجري نزاع في تلك الحدود ويوجد بعض ما يشتمل عليه الحد في يد أجنبي غير المشتري أو الموقوف عليه ويراد انتزاع ذلك القدر ممن هو في يده بمقتضى ما تضمنه الكتاب ويكون الكتاب في يده مدة طويلة أو قصيرة.
وذلك الكتاب ثابت وقد قامت فيه بينة بالملك والحيازة وعندي توقف في الانتزاع بمثل ذلك حتى تثبت بينة صريحة أن هذا العقار المبيع أو الموقوف ملك البائع أو الواقف إلى هذا الحد ويكون الحد مشهودا به والواقع ليس كذلك فإن الواقع كما شهدنا أن الشهود بالبيع أو الوقف إنما يشهدون على الإنشاء فإن شهدوا على الإقرار فقول المقر داري على جاره بأن ملكه ينتهي إلى ذلك الحد والجار لم يصدقه على ذلك وإن كان على الإنشاء فهم إنما سمعوا قول المنشئ والغالب أنهم يعتمدون في كتابة الحدود والصفات عليه أو على غيره كائنا من كان هكذا رأينا الكتاب والوراقين والشهود يفعلون ولا يحيط علمهم بحقيقة الحال والشهود بالملك والحيازة يعرفون من حيث الجملة أن الدار الفلانية والضيعة الفلانية ملك لفلان ولو سئلوا عن تحرير حدودها لم يصرحوا به ولم يحرروه ولا يشهدوه فلا يكتفى بإطلاق شهادتهم بالملك والحيازة في ذلك ولا بذكره على سبيل الصفة والتعريف لأنه حينئذ لا يكون مشهودا به حتى يقولوا إنا نشهد بالحدود وحينئذ يكون انتزاعه ببينة أما بدون ذلك فمتى انتزعناه بدون

 

ج / 4 ص -355-        بينة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "شاهداك أو يمينه" فالذي أراه هنا في حكم الفرع أن اليمين هنا على صاحب اليد ولا ينزع ولا ترفع يده حتى تقوم بينة صريحة بأن الذي في يده ملك لغيره لما قلنا ولأمور أخرى منها أن الشهادة بالملك أمس في قبولها خلاف والكتب القديمة كذلك ومنها أن الأسماء قد تتغير والأحوال قد تتغير فقد يكون الاسم المذكور في كتاب القديم في حد نقل إلى غير ذلك المكان وهذا الاحتمال قد يقوى بعض الأوقات وقد يضعف لكن مقصودنا أنه لا بد في دفعه من شهادة صريحة حتى يكون انتزاعا ببينة ومنها أنه قد يكون طرأ ناقل لبعض ما اشتمل عليه الحد وهذا في الملك محتمل احتمالا قويا وفي الوقف أيضا محتمل مبادلة على مذهب من يراها ومنها أن الاشتمال على ما يدخل في الحدود عموم.
وقد يكون قامت بينة بإخراج بعضه وقدمت لأنها خصوص وتكون اليد مستندة إليها والخصوص مقدم على العموم فلا يكتفى في رفع اليد الخاصة بالبينة العامة حتى يصرح بالخصوص بل أقول إن اليد على البعض خصوص والبينة بالكل من غير تصريح بذلك البعض عموم وهو وإن كان من دلالة الكل على أجزائه وليس بعموم في الاصطلاح لكن لضعفه يصير كدلالته على جزئياته بأداة العموم لا سيما في الحدود فقد كثر فيها ذلك وضعفت وإنما قلنا ذلك دفعا لما يتمسك من البينة التي قد تقوم بالملك والحيازة فإنه قد يقال إنها رافعة لليد اهـ. كلام السبكي في فتاويه فهل ما قاله معمول به مطلقا أو لا وفيه تفصيل "الجواب" ما قاله في ذلك مبني كما أشار إليه أواخر الجواب الأول على مسألة ذكرها قبل الجواب الأول في فتاويه أيضا وقال إن بينهما تشابها وتلك المسألة هي قوله فرع ليس بمنقول وذكر أنه استفتى فيه بالقاهرة من أكثر من أربعين سنة تتبع كثيرا في مكاتيب أقر زيد بن عمرو بن خالد مثلا لفلان بكذا وتذيل بشهادة شهود بذلك وهم ذاكرون للشهادة وأدوها وذلك المكتوب بشهادتهم ويقع الاختلاف في نسب زيد وربما يكون في المكتوب أنه شريف حسني أو حسيني أو غير ذلك مما يقصد إثباته ويقال إن هذا المكتوب ثابت على القاضي الفلاني فهل ذلك مستند صحيح أم لا والجواب أنه ليس مستندا صحيحا في إثبات نسب المذكور فإن المشهود به إنما هو إقرار بكذا للمقر له وهو على حالين تارة لا يعرفه الشهود فيشهدون بحليته والأخلص حينئذ أقر من ذكر أن اسمه كذا وعند الأداء لا يشهدون إلا على شخصه فهذا الإشهاد فيه نسب وتارة لا يكتب الشهود ذلك مع عدم معرفتهم وهو تقصير منهم وقد يقع ذلك كثيرا لأنه قد كثر ذلك وعرف أن الاعتماد على تسمية الشخص نفسه ما لم يقولوا هو معروف وقد تطول معاشرة الإنسان لآخر ولا يعرف نسبه فإذا شهدا عليه اعتمدا على إخباره أو إخبار غيره وإن لم يحصل عنده ظن قوي يسوغ له الشهادة بذلك النسب بل كثير ممن اشتهر بين الناس بالشرف ويطلقونه عليه ليلا ونهارا في مخاطباتهم ولو سئلوا بالشهادة له بالشرف لامتنعوا ومن شهد منهم معتمدا على ذلك لم يخلصه إذ لم ينته إلى تواتر ولا استفاضة ولا ركون بحيث يغلب على الظن بل إلى ظن ضعيف وهو مسوغ

 

ج / 4 ص -356-        للمخاطبة لا للشهادة فإذا رأينا مكتوبا ليس مقصوده إثبات النسب لم نحمله على إثبات النسب ولا يجوز التعلق به في إثباته إذا كان المقصود منه غيره وهنا بحث نذكره والجواب عنه وهو أن الفقهاء احتجوا على صحة نكاح الكفار بقوله تبارك وتعالى: {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ} الآية {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} ففيه دليل على أن وضع هذا الكلام الإخبار بأنها امرأته فليكن قولنا قال زيد بن عمرو كذا إخبارا بأنه ابن عمرو فتحصل الشهادة به فتقتضي ثبوته والجواب أن دلالة الآية على أنها امرأة فرعون دلالة التزام ودلالة الإخبار عنها بالقول دلالة مطابقة والله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء ومن جملته أنها هل هي امرأته أو لا فلما قال ذلك اقتضى أنها امرأة فرعون وأما الشهود فليسوا عالمين بحقائق الأمور فإن قالوا نشهد على زيد بن عمرو الحسيني وصرحوا بالشهادة بنسبه ونسبته رجع إليهم وإلا لم يحمل كلامهم على ذلك لجهلهم بحقائق الأحوال والنسب غالبا وإنهم إنما اعتمدوا على أدنى ظن فضعفت الدلالة الالتزامية في كلامهم بل لو قويت لم تعتمد في الشهادة لأن المشهود به الذي يقصد إثباته لا يكتفى فيه بدلالة الالتزام بل لا بد أن يذكره الشاهد ويدل عليه مطابقة كان أو التزاما فافهم الفرق بين الموضعين اهـ. كلامه ملخصا وهو معزور فيه فإنه صرح بأن هذا الفرع ليس بمنقول وإنه إنما تكلم فيه وفي مسألتي الحدود المتقدمين برأيه وبحسب ما ظهر له وذلك كله عجيب منه مع سعة اطلاعه إذ كيف لم يستحضر مسألة النسب المصرح بها في كلامهم وممن صرح بها ابنه تاج الدين في جمع الجوامع وبها يعلم أن جميع ما قاله في مسألة النسب وما يشابهها كما قال في مسألتي الحدود رأي له مخالف للمنقول ولنبين أولا مسألة النسب المنقولة ثم نبين ما هو مقيس عليها من مسألتي الحدود متعرضين لما في كلامه رحمه الله تعالى من نقد ورد فنقول قال الهروي رحمه الله تبارك وتعالى في الإشراق والماوردي رحمه الله تعالى في الحاوي والروياني رحمه الله تعالى في البحر وغيرهم ما حاصله لو شهدا أن فلان بن فلان وكل فلانا كانت شهادة بالنسب للموكل ضمنا وبالتوكيل أصلا لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم وقيل لا كما يأتي وهذا ينبني على القاعدة الأصولية وهي أن مورد الصدق والكذب في الخبر النسبة الإسنادية كالنسبة التي تضمنها نائم من قولك زيد بن عمرو نائم لا ما يقع في أحد الطرفين من النسب التقييدية كبنوة زيد لعمرو في هذا المثال ويفرع على هذا الأصل وهو أن مورد الخبر ما ذكر قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وبعض أصحابنا في مسألة الوكالة المذكورة إن الشهادة فيها شهادة بالتوكيل دون نسب الموكل ويشهد للراجح عندنا وهو أنها شهادة بهما كما مر استدلال الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره من الأئمة رضي الله تعالى عنهم على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] وما في البخاري مرفوعا أنه يقال للنصارى: "ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد"

 

ج / 4 ص -357-        وإذا تقرر لك ذلك وعلمت أن المسألة منقولة هكذا وإنها مشهورة خلافية بيننا وبين مالك وأن بعض أصحابنا وافق مالكا وأن الراجح مخالفته للأدلة التي ذكرت ظهر لك واتضح أن جميع ما قاله السبكي رحمه الله تعالى في مسألة النسب ومسألتي الحدود إنما هو رأي مخالف للمنقول وأنه إنما قال هذا الرأي ظنا منه أن المسألة ليست منقولة كما صرح به هو بقوله فرع ليس بمنقول وبما ذكره في خلال ذلك وخلال مسألتي الحدود وأنه لو رأى مسألة النسب التي ذكرتها لم يسعه مخالفتها ولما أجاب عن إيراده دليلها عليه وهو {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ} [القصص: 9]، بقوله إن دلالة الآية على أنها امرأة فرعون دلالة التزام إلخ وإذا اتضح لك ذلك وإن المنقول أن الشهادة الضمنية كالمطابقة اتضح لك أن الشاهد متى قال أشهد أن الدار المحدودة بكذا أقر بها فلان أو باعها فلان أو وقفها أو نحو ذلك كان ذلك شهادة بالإقرار أو العقد أصلا وبالحدود ضمنا فنقبل كلا من الشهادتين ويعمل بهما وبتأمل قولهم إن الشهادة بالبنوة ضمنية يندفع قول السبكي في أواخر مسألة النسب لأن المشهود به الذي يقصد إثباته لا يكتفى فيه بدلالة الالتزام بل لا بد أن يذكره الشاهد ويدل عليه مطابقة كان أو التزاما ووجه رده أن ما هنا ليس من الدلالة الالتزامية في شيء وإنما هو من الدلالة التضمنية وشتان ما بين الدلالتين وبهذا يندفع أيضا جوابه عن الاستدلال بآية {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9]، ويظهر صحة استدلالهم للراجح أن الشهادة بالنبوة مقصودة أيضا ووجه دلالتها لذلك أن القصد صدور ذلك القول من المرأة الموصوفة بالزوجية لفرعون فوصفها بذلك من جملة المقصود من الخبر وفرقه بين الله والشهود بما مر صحيح لكنه لا ينتج ما قاله ويرد ما قالوه لأنهم إنما نظروا إلى أن اللفظ له دلالة على ذلك مع قطع النظر عن علم المتكلم وكونه عاما أو خاصا لأن ذاك أمر خارج عن الدلالات اللفظية التي هي وضع هذه المسألة ومما يوضح لك ذلك استدلالهم بما مر عن النصارى وتكذيبهم في أن عيسى ابن الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلولا أن دعواهم بنوته وقعت في كلامهم مقصودة لما كذبوا إذ التكذيب كالتصديق إنما يكون في النسب الخبرية سواء أقصدت مطابقة أم تضمنا فنتج من ذلك أن ما نحن فيه من مسألتي النسب والحدود من النسب الخبرية المقصودة ضمنا فوجب العمل بها إذا وقعت في لفظ الشاهد لما تقرر أنها مقصودة نعم الحق أنه لا بد في الشاهد الذي يقبل منه ذلك أن يكون عنده مزيد تحر وضبط ومعرفة بحيث يغلب على الظن أنه لا يتساهل بإطلاق البنوة والحدود في شهادته من غير مستند له في ذلك يجوز له الاعتماد عليه وأنه لا يعتمد في ذلك على ما لا يجوز له الاعتماد عليه كقول العاقد أو غيره مما لا يفيده ظنا قويا يستند إليه في شهادته وكلامهم وإن كان مطلقا هنا أعني في مسألة البنوة إلا أنه في مواضع أخرى دال على ذلك وبهذا اندفعت تلك الاحتمالات والقرائن التي نظر إليها السبكي وجعلها حجة له في رد الشهادة المتضمنة للبنوة والحدود ووجه اندفاعه أنا إذا اعتبرنا في الشاهد تلك الصفات أخذا من متفرقات كلامهم

 

ج / 4 ص -358-        قوي الظن بقبول قوله المقصود له كما تقرر وإذا قوى الظن به وجب قبوله والحكم به وقوله لا يكون مشهودا به حتى يقولوا إنا نشهد بالحدود ممنوع لما تقرر أنه مشهود به ضمنا وإن لم يقولوا ذلك وأن الضمني في ذلك كالمقصود فتأمل ما قلناه المستند إلى ما قالوه وصرحوا به يظهر لك به رد جميع ما قاله واستند إليه ثم رأيتني استفتيت عن هذه المسألة بما لفظه ما قولكم في مستند لفظه هذا ما اشترى فلان جميع العزلة التي يحدها من المشرق كذا ومن المغرب كذا ومن الشام كذا ومن اليمن الطريق المسلوك اشتراء صحيحا شرعيا ثم قال شاهده لما تكامل ذلك ثبت لدى فلان الحاكم الشرعي بشهادة شاهديه جريان عقد التبايع المشروح أعلاه في جميع المبيع المعين بأعاليه على الوجه المشروح فيه شراء صحيحا شرعيا وحكم بموجب ذلك حكما صحيحا شرعيا فهل ذلك شامل للحكم بأن الحد اليمني طريق مسلوك أو لا فأجبت نعم ذلك شامل للحكم بما ذكر فقد صرح أصحابنا رحمهم الله تعالى بنظيره حيث قالوا لو شهد اثنان أن فلان بن فلان وكل فلان بن فلان هذا في كذا ثبت النسب تبعا للوكالة.
وإن كان غير مقصود بالشهادة كما أن من شهد بثمن في بيع أو مهر في نكاح كان شاهدا بالعقد وإن لم يقصد بشهادته إلا المال اهـ. فكذا في مسألتنا إذا شهدا عند الحاكم بجريان عقد التبايع المشتمل على تحديدهما للمبيع بما ذكر كان ذلك شهادة منهما بأن الحد اليمنى شارع مسلوك فإذا حكم الشافعي بجميع ما شهدا به كان حكما منه بأنه شارع اهـ. فإن قلت يفرق بين مسألة الحدود ومسألة الشهادة بأن التوكيل متضمن لثبوت النسب تضمنا لا انفكاك عنه إذ لا يتصور وجود توكيل فلان إلا إن كان ابن فلان لأن الصورة أنه غائب عن مجلس الحكم بخلاف الحدود فإن القصد انتهاؤها إلى كذا وإن لم يثبت كذا قلت هذا الفرق خيال باطل بل هما على حد سواء إذ الحدود يتوقف عليها صحة البيع أيضا فشهادتهما ببيع المحل المحدود بكذا وكذا شهادة بأن المبيع ينتهي حده إلى ملك فلان فمتى لم يثبت أنه ملك فلان وإلا كان الحد غير معلوم ويلزم من عدم علمه بطلان الشهادة بالبيع لأنه يشترط في صحة الشهادة كالدعوى التحديد من الجهات الأربع ما لم يحصل شهرة بدون ذلك فظهر توقف البيع المشهود به على التحديد كما أن الوكالة المشهود بها متوقفة على البنوة.
فإذا قالوا في الشهادة بالوكالة المذكورة إنها شهادة بالبنوة فكذلك الشهادة بالبيع المذكور شهادة بالحدود بلا فرق والله سبحانه وتعالى أعلم ثم رأيت في فتاوى السيد السمهودي شكر الله تعالى سعيه ما لفظه مسألة ادعى دارا في يد رجل وأقام البينة أنه شراها من آخر وصورة مكتوب الشراء الذي شهدت به البينة اشترى فلان من فلان ما هو بيده وملكه يومئذ وكتب كل من الشهود وشهدت بمضمونه وشهد كذلك عند الحاكم فهل يكتفى بذلك في ثبوت الملك للبائع في ذلك التاريخ حتى يقضى للمدعي بها الجواب هذه المسألة.
نقل الأذرعي فيها عن الزبيلي أن هذه الدار لا تثبت بهذه الشهادة ملكا للبائع حين باعها قال لأن القبالة مكتتبة على إقرار البائع والمشتري فشهدوا بما

 

ج / 4 ص -359-        سمعوه منهما فلا يثبت بقولهم ملك البائع حتى يشهدوا أنه يوم باعها كانت ملكا له وهذا حكم آخر ليس في القبالة وأما إذا شهدوا بنفس الصك لم تسمع من جهة الملك اهـ. قال الأذرعي عقبه وهذا واضح ويغفل عنه أكثر قضاة عصرنا وشهوده بل يشهد الشاهد بما تضمنته القبالة من غير تصريح منه بالشهادة للبائع بالملكية ويرتب الحاكم على ذلك حكمه غفلة عن الحقائق اهـ. قلت وهذا شاهد جيد لما في فتاوى السبكي في ضمن فروع عموم البلوى باشتمال كتب المبايعات ونحوها على حدود قال ثم يقع الاختلاف ويطلب منا إثبات أن الحدود كما تضمنه ذلك الكتاب قال وما فعلته قط لأن المشهود به في البيع مثلا هو العقد الصادر على المحدود بتلك الحدود وقد لا يكون الشاهد عارفا بتلك الحدود ألبتة وإنما يسمع لفظ العاقد والحدود محكية عن العاقد اهـ. وهو جيد فليتنبه لذلك اهـ. ما في فتاوى السمهودي وإطلاقه أن ما قاله السبكي جيد ليس بجيد وكأنه هو أيضا لم يطلع على مسألة النسب السابقة وما ذكره الزبيلي واعتمده الأذرعي لا ينافي ما قدمته في مسألة الحدود لأنه فرض ذلك في الشهادة على إقرار البائع والمشتري بما سمعه الشاهد أن منهما والحكم حينئذ ظاهر بخلاف ما لو صرح الشاهدان بذلك من عند أنفسهما فيثبت الملك ضمنا كما قدمته في مسألة الحدود فهما سواء انتهت.
"وسئل" رحمه الله سبحانه وتعالى عن قول المنهاج ولا يقضي بخلاف علمه بالإجماع وقال ابن الحسين المدني في شرح تكملة شرحه يعني و لا يقضي القاضي بخلاف علمه بلا خلاف بل إذا علم أن المدعي أبرأه عما ادعاه وأقام بينة أو أن المدعي قتله حي أو رأى غير المدعى عليه قتله أو سمع مدعي الرق قد أعتق ومدعي النكاح قد طلق ثلاثا أو تحقق كذب الشهود امتنع من القضاء وكذا إذا علم فسق الشهود إلى آخر كلام ابن الحسين الذي يحيطه علمكم فهل يا شيخ الإسلام بل إمام أئمة الأنام المحكم كالحاكم في جميع ما ذكر أم لا فإن قلتم نعم فإذا علم المحكم أن الشاهد لا يدري عن سبب استحقاق المدعى به فهل يجب عليه أن يسأله عن سببه وعن سبب شهادتهم كما إذا شهدوا على زنا وغصب وإتلاف وولادة فإنها لا تتم شهادتهم إلا بالإبصار فإذا شهدوا فهل يجب على المحكم أن يسألهم هل أبصروا ذلك حيث علم أن الشهود لم يبصروا ذلك وإذا سألهم ولم يبينوا له الإبصار بل اقتصروا على الشهادة فهل يقبلهم أم لا يقبلهم لكونه خلاف علمه وهل إذا قال المدعي استحق عليك كذا وكذا وأقام على ذلك بينة فهل يقبل المحكم البينة ويحكم بالمدعى أو لا يقبلها حتى يسأل الشهود لكونه يعلم أي المحكم أن الشهود لا يعرفون الاستحقاق أم لا يجب عليه ذلك؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه وبركته بأن المحكم ليس كالحاكم في جواز الحكم بعلمه كما بينته لكم في بعض الأجوبة التي هي واصلة إليكم فحينئذ لا يقضي بعلمه ولا بخلاف علمه وقول السائل فإذا علم المحكم إلخ جوابه أن أصحابنا اختلفوا في أن الشاهد هل له أن يشهد باستحقاق زيد على عمرو درهما مثلا إذا عرف سببه كأن أقر

 

ج / 4 ص -360-        له به فشهد أن له عليه درهما وفي ذلك وجهان قال ابن الرفعة عن ابن أبي الدم أشهرهما لا تسمع شهادته وإن وافقه في مذهبه لأن الشاهد قد يظن ما ليس بسبب سببا ولأنه ليس له أن يرتب الأحكام على أسبابها بل وظيفته نقل ما سمعه من إقرار أو عقد أو غيره أو ما شاهده من الأفعال ثم الحاكم ينظر فيه فإن رآه سببا رتب عليه مقتضاه وهذا ظاهر نص الأم والمختصر وقال ابن الصباغ كغيره بعد اطلاعه على النص تسمع شهادته وهو مقتضى كلام الروضة وأصلها ويندب للقاضي أن يسأل الشاهد عن جهة الحق إذا لم يثق بشدة عقله وقوة حفظه والذي يتجه حمل الوجه الأول الموافق للنص على شاهد غير فقيه فلا يكتفي الحاكم منه بإطلاق السبب والثاني على فقيه لا يجهل ترتب المشهود به على سببه فله أن يعتمد شهادته بمطلق الاستحقاق ويستثنى من ذلك مسائل يجب فيها تفصيل الشهادة كأن أقر لغيره بعين ثم ادعاها وأراد أن يقيم بينة بالملك المطلق أو بتلقي الملك من غير المقر له فلا تسمع بل لا بد أن يصرح المدعي والبينة بناقل من جهة المقر له لأنه يؤاخذ بإقراره وكالشهادة بالردة على خلاف فيها أو بالإكراه أو بالسرقة أو بأن نظر الوقف الفلاني لفلان أو بأن هذا وارث فلان أو ببراءة المدين من الدين المدعى به أو باستحقاق الشفعة أو بالرشد أو بأن العاقد كان يوم الجمعة زائل العقل فيبين زواله أو بالجرح أو بانقضاء العدة أو بالرضاع أو بالنكاح أو بالقتل أو بأن فلانا طلق زوجته لأن الحال يختلف بالصريح والكناية والتنجيز والتعليق أو بأنه بلغ بالسن فيبينه للاختلاف فيه بخلاف الشهادة بمطلق البلوغ أو بأن فلانا وقف داره فلا بد من بيان مصرف الوقف بخلافها بأن فلانا أوصى إلى فلان فإنها تسمع وإن لم يذكر المصرف ولا الموصى به وإنما وجب التفصيل في جميع هذه الصور لاختلاف الناس في أسبابها وأحكامها ويلحق بها في ذلك ما يشابهها نعم لو شهدا على امرأة باسمها ونسبها جاز فإن سألهما الحاكم هل يعرفان عينها فلهما أن يسكتا أو يقولا لا يلزمنا الجواب وهذا في الشاهد الضابط العارف وإلا فينبغي أن يسألهما وتلزمهما الإجابة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"سئل" رحمه الله تعالى عن مسألة وقع فيها جوابان مختلفان صورتهما بلاد ليس فيها سلطان ولا قاض وفيها قبائل ليس فيها من العدول إلا القليل فهل يجب على من يريد الحكم بينهم أن يبحث عن حال الشهود من عدالة وفسق أم يكتفي بظاهر الحال ويقبل منها الأمثل فالأمثل.
أجاب الأول فقال يجب البحث عن حال الشهود ولا يقبل إلا عدول لأمور أحدها أن الله عز وجل قال في محكم كتابه العزيز:
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وقال تبارك وتعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 106]، وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وقرئ فتثبتوا دال على أنه لا يحل أن يشهد الفاسق وإن كان حقا كما قاله الإمام ابن الحسين في تكملته. قال بعض المتأخرين: وإذا لم يحل ذلك فلا يحل للحاكم سماع شهادته كما قاله الشيخان

 

ج / 4 ص -361-        وغيرهما قال لأنها إعانة على حرام والإعانة على حرام حرام ولقوله تبارك وتعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، والفاسق غير عدل ولا يرضى لأنه غير مأمون على دينه أي لأنه لا ينظر لدينه فكيف ينظر لغيره فلا يقبل قوله بالاتفاق كما قاله الشيخان أيضا لأن الله سبحانه وتعالى أمر برد شهادة الفساق من المسلمين قال الشافعي رضي الله تعالى عنه بل القاضي بشهادة الفاسق أبين خطأ من القاضي بشهادة العبد وذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وقال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وليس الفاسق واحدا من هذين فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم الله عز وجل وعليه رد قضائه فإن الفاسق مردود الشهادة بالنص والإجماع ولا نعلم خلافا في رد شهادته قال في الأشباه والنظائر ولو حكم الحاكم بشهادة فاسقين اعتقد عدالتهما نقض حكمه على الصحيح كالكافرين اهـ. وعلله الإمام نور الدين الأزرق بأن عدالة الشهود شرط في الحكم الأمر الثاني أن الإمام نجم الدين بن الرفعة وغيره قال ليس للحاكم الحكم بشهادة المجهولين قبل البحث لقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، والمجهول قبل البحث غير مرض ونقل الشيخان عن الإمام الهروي أن البحث عن حال الشهود حق لله تعالى ونقل الإمام جمال الدين الإسنوي والإمام شهاب الدين الأذرعي عن الإمام ابن الرفعة أن رواية مجهول العدالة لا تسمع بل قال الإمام تاج الدين ابن الإمام السبكي في جمع الجوامع أن روايته باطنا وظاهرا مردودة بالإجماع ونقل الإمام البيضاوي في منهاجه عن الإمام الباقلاني أن من لا تعرف عدالته لا تقبل روايته لأن الفسق مانع فلا بد من تحقق عدمه كالصبا والكفر والعدالة تعرف بالتزكية اهـ. قال الشافعي ومالك رضي الله تعالى عنهما ولا يكتفي القاضي بظاهر العدالة حتى يعرف عدالتهم الباطنة سواء كانت شهادتهم في حد أو غيره اهـ. قال الإمام المقدسي في الإشارات لا ينفذ الحكم بالشهادة حتى يتبين له عدالة الشهود في الظاهر والباطن اهـ. الأمر الثالث أن غير القاضي يعسر عليه معرفتها كما قاله في الروضة وغيرها وأما القاضي فقال الإمام ابن الرفعة وغيره لا يشق عليه البحث عنها قال الشيخان وإذا لم يعرف القاضي من الشهود عدالة ولا فسقا فلا يجوز له قبول شهادتهم إلا بعد الاستزكاء والتعديل قال الإمام الأذرعي في شرح المنهاج سواء في ذلك الشهادة بالمال وغيره قال لأن تزكية الشهود إلى الحاكم دون غيره اهـ. قال بعض المتأخرين ولا أدري ما الذي يعتذر به من يجوز شهادة غير المتيقن عدالته الأمر الرابع أن الإمام الأذرعي قال في شرح المنهاج في الكلام على التزكية اعتبار العلم بالعدالة والفسق وأسبابهما كما قال الرافعي وغيره ظاهر في جانب التعديل لأنه إذا لم يعلم العدالة وشروطها وأسبابها وموانعها لا يدري بماذا يشهد قال ومن هذا يؤخذ أن ما يعتمده كثير من حكام العصر أو أكثرهم من قبول التزكية من العوام المقبولين عندهم غير سديد لأنا نقطع بأنهم لا يعرفون ذلك ويبنون الشهادة على ما

 

ج / 4 ص -362-        يظهر من خير يظنونه بالمزكى وأكثر الناس يجهل معرفة العدالة وأسبابها ويجهلون اعتبار المعرفة الباطنة قال فيجب على القاضي البحث والسؤال والاستفسار قال وإذا لم يعرف المعدل أسباب الفسق ظنا بما هو فسق ليس فسقا فيعدل جهلا اهـ. كلام الأذرعي ويؤيده قول الشيخ المقدسي في الإشارات العامي لا يعرف العدل من غيره اهـ. ومعظم شهادات الناس يشوبها جهل وغيره يحوج الحاكم إلى الاستفسار وإن كانوا عدولا كذا قال الشيخان تبعا للإمام وبه قال ابن الرفعة وغيره واختاره الأذرعي في مواضع في شرح المنهاج وقال إنه الحق قال بعضهم ولعمري إن أكثر شهود عصرنا غير مرضيين وإن كان ظاهرهم العدالة فإذا كان هذا في عصره فما ظنك بما بعده الأمر الخامس أن الإمام ابن عجيل اليمني رحمه الله تعالى سئل عن أهل بلاد لا يقسمون للنساء ميراثا ظلما منهم ويقاتل بعضهم بعضا في الباطل وليس في تلك البلاد من العدول إلا ناس قليل فهل تقبل شهادتهم أو لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى فقال لا يقبل قولهم ولا يرجع إليهم في شيء وهم من أفسق الفساق حتى يقسموا للنساء ما جعل الله تعالى لهن ولا يقبل الله تعالى منهم صرفا ولا عدلا حتى يردوا الحقوق إلى أهلها وكذلك الذين يقاتل بعضهم في الباطل حكمهم كذلك لا تقبل شهادتهم وهم فسقة من أعظم الفساق وقتل النفس التي حرم الله تعالى أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى قال صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا عند الله تعالى أهون من قتل رجل مسلم"، اهـ. جوابه قال بعض المتأخرين بعد أن رأى جوابه هذا المذهب المعروف في هذه المسألة عدم قبول الشهادة الأمر السادس أن الإمام شهاب الدين الأذرعي قال في كتاب الشهادات من شرح المنهاج لم أر لأصحابنا كلاما فيما إذا فاتت العدالة في شهود الحاكم وظاهر كلامهم عدم قبول الشهادة كما اختاره الإمام ابن عبد السلام واختاره أيضا الأذرعي في القضاء من الشرح المذكور وقال أن الأحكام لا تتغير بتغير الأزمان ويؤيده ما أفتى به بعض المتأخرين أن فوات العدالة لا يغير ما اعتبره الشارع من العدالة والستر في شاهد عقد النكاح مثلا لأن النكاح يقع غالبا بين أوساط الناس والعوام وفي البوادي والقرى فلو كلفوا معرفة العدالة الباطنة لطال الأمر وشق بخلاف الحكم فإن الحاكم يسهل عليه مراجعة المزكين ومعرفة العدالة الباطنة والله سبحانه تعالى أعلم. اهـ. جواب الأول وأجاب الثاني فقال: لا يجب البحث عن حال الشهود في هذه البلاد المذكورة لأمور أحدها أن بعض الشافعية المتأخرين رأوا اغتفار ما يغلب مخالطة الناس له وإن كان مفسقا إذا عرف صاحبه بالتصون عن الكذب وسبقه إلى ذلك الإمام حجة الإسلام الغزالي فصرح به في بعض كتبه ويدل له تصحيح ولاية القضاء لمن ليس بأهل لفسق وغيره مع الضرورة على ما حرر من الفقه حتى صرح بعضهم أنه إذا لم يوجد غيره صحت قطعا وقال الإمام ابن الرفعة رحمه الله تعالى إنه الحق الأمر الثاني أن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه اعتبر الأغلب فإن كان الغالب الطاعة وندرت المعصية في بعض الأوقات فهو عدل وإن كان

 

ج / 4 ص -363-        الغالب الصغائر فهو فاسق ترد شهادته لقوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأعراف: 8، 9]، فاعتبر الكثرة والغلبة لأن في النفس دواعي الطاعات ودواعي المعاصي فاعتبر الأغلب وهو كما يعتبر في الماء إذا اختلط بمائع وفي الرافعي الإصرار بالمداومة على الفعل لكنه قال هل المداومة على نوع من الصغائر أو الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع أو أنواع فيه وجهان كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه والجمهور يوافق الثاني فعلى هذا لا تضر المداومة على نوع من الصغائر إذا غلبت الطاعات الأمر الثالث أنا لو كلفنا البحث عن حال الشهود في هذه البلاد المذكورة لحصل عليهم الضرر ولاتخذه بعض أهل البلاد ذريعة حتى يتعطل كثير من أموالهم قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال سبحانه وتعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق: 7]، وقال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه الأمر إذا ضاق اتسع سيما أن الشيخ محيي الدين النووي قال في باب نقض الكعبة من شرح مسلم إذا تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم وقال في باب الخديعة من الشرح المذكور واحتمال المفسدة اليسيرة لدفع أعظم منها أو لتحصيل مصلحة أعظم منها إذا لم يمكن ذلك إلا بذلك اهـ. وجواب الثاني فما الراجح؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بأن المعتمد من هذين الجوابين أولهما وهو أنه لا بد من عدالة الشهود عند الحاكم ظاهرا وباطنا سواء أكانت العدول في تلك الناحية قليلين أو كثيرين لما ذكره المجيب الأول وإن كان في بعض كلامه نظر يعرف للمتأمل فمن ذلك قوله لا يحل أن يشهد الفاسق وإن كان محقا إلخ فإن فيه تفصيلا وهو أنه تارة يكون فسقه مجمعا عليه وتارة يكون مختلفا فيه ففي الحالة الأولى يحرم عليه أن يشهد بالحق وإن خفي فسقه كذا قاله الشيخان لكن قال الأذرعي في تحريم الأداء مع الفسق الخفي نظر لأنه شهادة بحق وإعانة عليه في نفس الأمر ولا إثم على القاضي إذا لم يقصر بل يتجه الوجوب عليه إذا كان في الأداء إنقاذ نفس أو عضو أو بضع قال وبه صرح الماوردي وفرق بينه وبين الفسق الظاهر بأن رد الشهادة بالخفي مختلف فيه وبالظاهر متفق عليه وصرح ابن أبي الدم فيهما من كلام الأصحاب بعدم التحريم وقال إنها مستحبة ونقل أعني الأذرعي عن ابن عبد السلام ما يوافقه وهو قوله لو شهد أبو الولد لولده أو العدو على عدوه أو الفاسق بما يعلمونه من الحق والحاكم لا يشعر بمانع الشهادة فالمختار جوازه لأنهم لم يحملوا الحاكم على باطل بل على إيصال حق إلى مستحقه ولا إثم عليه ولا على الخصم ولا على الشاهد والحالة الثانية وهي ما إذا لم يجمع على فسقه كشارب النبيذ يلزمه الأداء سواء أكان القاضي يرى التفسيق ورد الشهادة به أم لا فقد يتغير اجتهاده ويرى قبولها وقضية العلة عدم اللزوم إذا كان القاضي مقلدا لمن يرى التفسيق بذلك كالشافعي رضي الله تعالى عنه في صورة النبيذ وهو ظاهر ولا نظر إلى أنه يجوز أن يقلد غير

 

ج / 4 ص -364-        مقلده لأن اعتبار مثل ذلك بعيد نادر فلا يلتفت إليه وما نقله عن الأشباه والنظائر من نقض الحكم بشهادة الفاسقين صرح به الشيخان كالأصحاب وعللوه بأنه نقض خطأه فكان كما لو حكم باجتهاده ثم بان النص بخلافه وقوله الأمر الثاني لأن الإمام نجم الدين ابن الرفعة إلخ عجيب منه نقل هذا وأمثاله الكثيرة في كلامه عن بعض المتأخرين مع أنه المنقول المعتمد في كتب سائر الأصحاب أو أكثرهم بل وقع له رد رواية المجهول عن الإسنوي والأذرعي عن ابن الرفعة ثم انتقل من ذلك ببل إلى بيان أن ذلك مجمع عليه وفي هذا من التهافت في الوضع ما لا يخفى وأما ما ذكره المجيب الثاني فكلام واه ساقط ضعيف فلا يلتفت إليه وأما ما نقله عن الغزالي وغيره إما باطل أو مؤول واستدلاله عليه بصحة تولية القضاء للفاسق غير صحيح فقد نقل محققو المتأخرين عن ابن عبد السلام رحمه الله تعالى ما يفهم الفرق بين المسألتين واعتمدوه حيث قالوا لو تعذر جميع شروط القضاء فولى الإمام فاسقا أو مقلدا جاز للضرورة وسكتوا عن نظيره في الشهادة وهو ما لو رتب الإمام شهودا فيهم جارح الفسق أو غيره وفي قواعد ابن عبد السلام لو فاتت العدالة في شهود الحاكم فهذا فيه وقفة من جهة أن مصلحة المدعي معارضة لمصلحة المدعى عليه والمختار أنها لا تقبل لأن الأصل عدم الحقوق المتعلقة بالذمم والأبدان والظاهر مما في الأيدي أنه لأربابها ولا يلحق بتنفيذ ولاية فاقد الأهلية لعدم المعارضة المذكورة اهـ. فتأمل ما اختاره ابن عبد السلام وما أفهمه كلامه من الفرق تجده ردا فيما ذكره المجيب الثاني وقوله إن الشافعي رضي الله تعالى عنه اعتبر الأغلب إلخ يدل على تساهله في الاستدلال وعدم إتقانه بما يستدل به وذلك لأنا لا ننظر إلى غلبة الطاعات أو المعاصي أو استوائهما إلا إذا لم توجد كبيرة بأن وجدت صغائر أو صغيرة وداوم عليها فإن غلبت طاعاته أو استوى الأمران فيعدل ولا يؤثر فيه ما ارتكبه من تلك الصغائر وإن لم تغلب
طاعاته فغير عدل لأن غلبة المعاصي حينئذ تنزل منزلة ارتكاب الكبيرة فزالت به العدالة وأما إذا ارتكب كبيرة فإنه يصير فاسقا وإن غلبت طاعاته على معاصيه لأن ارتكاب الكبيرة مزيل للعدالة من غير نظر إلى غلبة طاعاته أو عدمه وأما استدلاله بما ذكره في الأمر الثالث وبكلام شرح مسلم فغير صحيح أيضا لما مر في كلام ابن عبد السلام من أن ما نحن فيه ليس فيه تعارض مصلحة ومفسدة وإنما فيه تعارض مصلحتين - ولا مرجح فلا يعمل بالشهادة وتركنا الأشياء على ما هي عليه من بقاء الحقوق في أيدي أربابها وعملنا بالأصل الثابت في ذلك وبراءة الذمم ونحوها، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما لو أوصى شخص لآخر بشيء فادعى عصبة الموصي الرجوع وأقاموا شاهدا بعد أن أقام الموصى له شاهدين ولم يكن مع العصبة غيره من غير العصبة هل تقبل شهادة بعضهم لبعض والحال أنهم إخوة حتى تكمل الحجة وترجح أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تبارك وتعالى بعلومه بقوله إن عصبة الموصي إن كانوا ورثة لم تقبل شهادة أحد منهم بالرجوع عن الوصية وإن لم يكونوا ورثة قبلت شهادتهم وإذا تعارضت

 

ج / 4 ص -365-        بينتان بالرجوع وعدمه قدمت بينة الرجوع لأنها ناقلة والأخرى مستصحبة أو قالت الأخرى شاهدناه بعد الوصية تكلم أو فعل ما يكون رجوعا تعارضتا وبقيت الوصية بحالها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى في مستودع مأذون له من المودع في دفع الوديعة إلى شخص معين فطلب الشخص الوديعة من المستودع في غيبة المودع وأقام بينة له بالإذن عند حاكم شرعي وهو ولد المستودع وأجنبي وقبلهما الحاكم وحكم بالدفع ثم حضر المودع بعد الدفع وأنكر الإذن في الدفع فأقام المستودع البينة المحكوم بها فهل تقبل ويبرأ المستودع من الوديعة بعد إنكار الإذن من المودع بمقتضى هذه البينة أم لا أم كيف الحال؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بأن الوديع كان هو المقيم للبينة المذكورة لم تقبل لأنها شهادة له بما يدعيه على المودع من أنه أذن له في الدفع وإن كان المقيم لها غير الوديع كأن ادعى المأذون له الإذن وأنكره الوديع فأقام عليه البينة المذكورة قبلت وجاز للحاكم أن يحكم بها ولا نظر حينئذ إلى أن أحدهما ولده لأن الشهادة حينئذ عليه لا له ولا نظر لما يترتب على ذلك من براءة الوديع بهذا الدفع إذا حضر المودع وأنكر الإذن لأن هذا أمر أجنبي عن المدعى به فلا يؤثر في قبول الشهادة ومما يصرح بما ذكرته قول الشيخين رحمهما الله تعالى وغيرهما والعبارة للرافعي رحمه الله تعالى عبد في يد زيد ادعى مدع أنه اشتراه من عمرو بعد ما اشتراه عمرو من زيد صاحبه وقبضه وطالبه بالتسليم وأنكر زيد جميع ذلك فشهد ابناه للمدعي بما يقوله حكى القاضي أبو سعيد رحمه الله تعالى قولين أحدهما رد شهادتهما لتضمنها إثبات الملك لأبيهما وأصحهما القبول لأن المقصود بالشهادة في الحال المدعي وهو أجنبي عنهما اهـ. فتأمل تعليل القبول الذي هو الأصح بما ذكر تجده نصا في مسألتنا وتأمل تعليل القول الضعيف بتضمنها إثبات الملك لأبيهما تعلم أن الصحيح بقبول شهادتهما ولا ينظر لتضمنها ما ذكر لأنه غير مقصود بالشهادة وهذا كما ترى صريح فيما ذكرته من قبول شهادة ابن الوديع وأنه يترتب عليها براءته إذا أنكر المودع الإذن ولا نظر لهذا الترتيب لأنه غير مقصود بالشهادة فإن قلت هل ما ذكره الرافعي رحمه الله تعالى من التصوير قيد لا بد منه في القبول قلت لا كما هو ظاهر ومن ثم قال البلقيني رحمه الله تعالى عقبه لا يحتاج عندي لهذا التصوير بل لو ادعى على زيد أنه باعه فشهد ابناه قبلت شهادتهما اهـ. وهذا مما يزيد مسألتنا إيضاحا كما هو جلي ومما يؤيد ما ذكرته من أنه يترتب على قبول الشهادة براءة الوديع قولهم محل عدم قبول الشهادة للأصل والفرع ما إذا لم يكن ضمنا فإن كان قبلت كما إذا ادعى عليه نسب ولد فأنكر فشهد أجنبي وأبو المدعى عليه على إقراره فتقبل شهادة الأب في الأصح وإن كان في ضمنه الشهادة لحفيده ذكره القاضي حسين رحمه الله تعالى في فتاويه وأقره الأذرعي أيضا والزركشي رحمهما الله تعالى

 

ج / 4 ص -366-        وغيرهما ومن ذلك أيضا قول القاضي شريح رحمه الله تعالى في روضته إذا شهد على مولى أمهما أنها أعتقته على ألف سمعت في العتق وهل تسمع في الألف فيه قولان سواء أقرت أم أنكرت اهـ. قال الأذرعي رحمه الله تعالى وهذا ذكره العبادي رحمه الله تعالى في أدب القضاء هكذا وقال صاحبه أبو سعيد الهروي رحمه الله تعالى في الإشراف وأنا قد بينت أنه يفصل بين ما لو سبق منهما الدعوى أو لم يسبق على ما حكيته عن الإمام القاضي حسين رحمه الله تعالى اهـ. قال وهذا هو القياس وهو كما قال فإنها إذا ادعت تكون الشهادة بالألف شهادة لها بمال قصدا لا ضمنا إذ الأمر الضمني لا يمنع قبول الشهادة به للولد أو للوالد قال الشيخان رحمهما الله تعالى وغيرهما ولو شهد اثنان أن أباهما قذف ضرة أمهما ففي قبول شهادتهما قولان أحدهما المنع لأن القبول يحوجه إلى اللعان وهو من أسباب الفرقة فشهادتهما تجر نفعا إلى أمهما وأظهرهما القبول ولا عبرة بمثل هذا الجر لأنه ضمني لا مقصود ومحل الخلاف إذا كانت أمهما تحته وقد شهد حسبة من غير طلب الضرة وإلا قبلت شهادتهما قطعا لضعف جر النفع إلى الأم في الثانية وعدمه في الأولى ولو ادعى الأب طلاقها في زمن سابق ليسقط بما يدعيه عن نفسه نفقة ماضية ونحوها أو أنه خالعها على مال بذلته فشهدا له ابناه لم يقبلا قطعا بالنسبة للمال وتقع قطعا وأفهم تقييدهم عدم القبول بدعوى الأب أنهما لو شهدا بالطلاق المذكور حسبة قبلت شهادتهما ولزم المال المذكور لأنه ضمني لا مقصود وهو متجه نظير ما مر قال الشيخان رحمهما الله تعالى أيضا ولو ادعت الطلاق فشهد ابناها لم تقبل ولو شهدا حسبة قبلا وكذا في الرضاع اهـ. وقضية كلامهما أنه لا فرق بين أن يشهدا بذلك على أبيهما أو على زوج أجنبي وهو متجه وقول الكرخي رحمه الله تعالى يحتمل أن لا تقبل شهادتهما حسبة لأن ذلك إزالة رق عن الأم وذلك نفع إلا أن يتمشى هذا خاصة إذا كانت الأم منكوحة لغير الأب ضعيف قالا أيضا ولو شهد الأب مع ثلاثة على امرأة ابنه بالزنا فإن سبق من الابن قذف فطولب بالحد فأقام البينة لدفعه لم يقبل وإن لم يقذف أو لم يطالب بالحد وشهد الأب حسبة قبلت شهادته وهذا كله صريح فيما ذكرته في هذه المسألة فلا ينبغي بعد ذلك التوقف فيها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى إذا ادعى ورثة ميت أنه أبان زوجته وأقاموا شاهدا واحدا هل يكفي ذلك مع أيمانهم وتمنع من الميراث قياسا على ما أفتى به الغزالي وقرره الشيخان رحمهما الله تعالى فيما لو ادعت نكاح فلان الميت وطلبت الإرث منه حيث قالوا يثبت برجل وامرأتين أو برجل ويمين وكذا لو ادعى وارثها ذلك بعد موتها هل الحكم كذلك بينوا الراجح عندكم في جميع ذلك وأمعنوا النظر في العلل والمدارك جزاكم الله سبحانه وتعالى عنا وعن الإسلام والمسلمين خيرا وأعظم لكم أجرا وزادكم بالعلم فخرا ولا عسر عليكم أمرا آمين يا رب العالمين؟ "فأجاب" رحمه الله تعالى بأن القياس المذكور فيه غير بعيد

 

ج / 4 ص -367-        فإذا حلفوا مع شاهدهم منعت من الميراث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا شهد اثنان واحد ببيع والآخر بالإقرار به هل تلفق الشهادتان؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله إذا شهد واحد ببيع مثلا والآخر بالإقرار به لم تلفق الشهادتان نعم لو رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبلت شهادته لأنه يجوز أن يحضر الأمرين.
"وسئل" رحمه الله إذا شهد شهود أن مال فلان وقف بالسماع ولم يبينوا المصرف هل تصح تلك الشهادة أم لا حتى يبينوا المصرف وهل تسمع دعوى وقف أبونا هذه الأرض ولم يقولوا علينا مثلا أو حتى يقولوا علينا وقول القائل اشتريت هذه الأرض من فلان ولم يذكر الثمن أم حتى يبين الثمن؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله تقدم بينة الوقف على بينة الملك في الصورة المذكورة وإن حكم حاكم ببينة الملك ولم يحكم حاكم ببينة الوقف لأن حكم الحاكم غير مرجح ولا تسمع الدعوى والبينة بالوقف إلا مع بيان مصرفه بخلاف الشراء لا يشترط بيان قدر ثمنه وتقدم بينة الإثبات في الصورة المذكورة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى فيمن ادعت فساد النكاح لصغرها وادعى الزوج بلوغها بالحيض ما كيفية صورة الشهادة على الحيض وهل له أن يدعي حسبة بشيء ثم يشهد على ذلك الشيء وأيضا شهادة الحسبة هل تشترط بحضرة المدعى عليه أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله تقبل البينة بالحيض وقولهم في موضع يتعذر إقامة البينة عليه مرادهم به التعسر فإن ما يرى قد يكون دم فساد ومع ذلك إذا جزم الشهود بأنه دم حيض بأن احتف بقرائن وأمارات يعرفها أهل الخبرة بحيث يغلب على ظنهم الحكم عليه بأنه حيض قبلت شهادتهم وإن لم يذكروا تلك الأمارات بل لو سئلوا عنها فلهم أن يقولوا لا يلزمنا الجواب كما ذكروه في نظائر ذلك ويجوز للشاهد أن يدعي حسبة ثم يشهد لأن دعوى الحسبة لا يتوقف الأمر عليها فقد اختلفوا في سماعها فالذي رجحه الإسنوي رحمه الله تعالى ونسبه الإمام للعراقيين الاكتفاء بشهادتها بل أمر فيه بالإعراض والدفع ما أمكن والذي صححه البلقيني سماعهما ومحله في غير محض حقوق الله سبحانه وتعالى والحاصل أنه لا يحتاج إليها على كل من القولين وإنما الخلاف في سماعها والمعتمد سماعها إلا في محض حدود الله سبحانه وتعالى ولا بد من حضور المدعى عليه كما يفيده قولهم لا تسمع شهادة الحسبة حتى يقول شهودها ابتداء للقاضي نشهد بكذا على فلان فأحضره لنشهد عليه اهـ. فاستفيد منه أنه لا يعتد بشهادتهم إلا في حضرته كسائر الشهادات بشرطها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" في أمر السلطان للقضاة بأن المشهود عليه لو أتى بجرح الشهود بعد ثلاثة أيام لا تقبلوا ذلك بعد الحكم أم شهود الجرح تقبل لما ذكر ولو بعد الحكم وهل لو احتج من

 

ج / 4 ص -368-        يجوز ذلك بأن تجويز قبول الجرح يؤدي إلى نقض أحكام متقدمة القبول أم لا أفتونا مأجورين؟ "فأجاب" بقوله تقبل بينة الجرح ولو بعد حكم الحاكم وإن طالت المدة ولا نظر إلى أن ذلك يؤدي إلى نقض أحكام متقدمة لأنا لا نقبل بينة الجرح إلا بشروطها المذكورة في محلها فإذا وجدت وجب العمل بها وبان أن تلك الأحكام غير معتد بها ومتى ألزم السلطان القضاة بما ذكر أطاعوه خوفا من شق العصا.
"وسئل" رحمه الله تعالى ما حقيقة النرد؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه وبركته بقوله فص أو فصوص من نحو عظم أو خشب فيها نقط تطرح على لوح فيه بيوت لكل نقطة بيت يعرف بها كيفية اللعب وهذا مع أني لم أره أخذته من قول البيضاوي وضعه سابرزن ثاني ملوك الساسان ولأهله يقال له النردشير وشبه رقعته بالأرض وقسمها أربعة أقسام تشبيها بالفصول الأربعة اهـ. له ومن قول الماوردي رحمه الله تعالى وقيل إنه موضوع على البروج الاثنا عشر والكواكب السبعة لأن بيوته اثنا عشر ونقطه من جانب الفص يتبع كالكواكب السبعة يعدل به إلى تدبير الكواكب السبعة والبروج اهـ. له ومن فرقهم بينه وبين الشطرنج بأن التعويل في النرد على ما يخرجه الكعبان فهو كالأزلام وفي الشطرنج على الفكر والتأمل وأنه ينفع في تدبير الحرب وعبر الزركشي بدل الكعبين بالفصوص، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه نسخ كتابا وأعانه آخرون في نسخه قليلا هل له أن يكتب في آخره كتبه فلان يعني نفسه أو يكون ذلك كذبا لكونه لم يكتبه كله؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه وبركته بقوله له أن يكتب في الكتاب المذكور كتبه فلان مريدا به غالبه ولا يكون ذلك من الكذب فقد قال الغزالي رحمه الله تعالى وليس من الكذب ما جرت به العادة من المبالغة كقولك جئتك مائة مرة لأن المراد تفهيم المبالغة لا المرات بشرط أن يكون جاء أكثر من مرة وإلا لم يجز ذلك للكذب حينئذ وإذا جاز أن يعبر عن ثلاث مرات مثلا بمائة مرة مبالغة فلأن يجوز أن يكتب في كتاب كتب بيده أكثره كتبه فلان بالأولى، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه شاهد يظهر عليه كرامات مع فسقه هل تقبل شهادته أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه وبركته بقوله لا تقبل فقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه لو رأيت صاحب كبيرة يطير في الهواء لم أقبله حتى يتوب من بدعته ذكره أبو نعيم وقد تظهر الكرامة على يد فاسق بل كافر كالسامري فإنه رأى فرس جبريل حتى أخذ من تراب حافرهما وجعله في العجل فخار ونقل ابن العماد رحمه الله تعالى عن الشيخ أبي محمد النيسابوري رحمه الله تعالى أنه قال يجب على الولي إخفاء الكرامة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -369-        "وسئل" رحمه الله تعالى جرحت إحدى البينتين بينة المدعي أو المدعى عليه الأخرى فهل تسمع؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله ما صرح به الروياني رحمه الله تعالى في البحر أنها تسمع وأفتى به جمع يمنيون وقال بعضهم لا تسمع وعلى الأول فإذا بادرت بينة وشهدت بفسق الأخرى قبلت فإن شهدت المشهود بفسقها بفسق الشاهدة لم تقبل لثبوت جرحها فلم تقبل شهادتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى شهد على امرأة ولم يذكر أنه رآها مسفرة فهل يقبل؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله للروياني رحمه الله تعالى فيه احتمالان رجح منهما عدم القبول لأن الغالب ستر وجوههن قال بعضهم وفيه نظر وهو كما قال، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شهادة الشاهدين في الصرف على عمارة دار في ملك أو وقف هل يجب على الشاهدين تفصيل ما صرف في ثمن أحجار وخشب وأجرة وغير ذلك بأن يقولا صرف في أحجار كذا وفي خشب كذا وفي أجرة كذا وكذا إلخ أو يكفي قولهما أنه صرف في عمارة هذه الدار وكذا وكذا مبهما من غير تفصيل؟ "فأجاب" بقوله يكفي في الشاهدين بعمارة أن يقولا صرف في العمارة كذا وإن لم يفصلاه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى ما حكم كتب الوثائق للذميين؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله يجوز كتب الوثائق للذميين لكن لا يعظمون فيها بألقاب ولا بكنى ولا بغيرهما بل يقال اشترى مثلا فلان من فلان الذمي.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص وضع خطه بشهادة في مال لشخص آخر وسمع شخصا يشهد شهودا أو يثبت مالا عند حاكم شرعي وهو حاضر ساكت لا يتكلم ثم تبين أن له فيه ملكا واستحقاقا هل يسقط حقه بذلك سواء علم أو لم يعلم أوضحوا لنا ذلك أثابكم الله سبحانه وتعالى الجنة؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله مجرد الخط والسكوت مع حضور ما ذكر لا يبطل حقه مما تبين له فله الدعوى به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى سؤالا صورته سب المشهود عليه الشهود فهل يعزر؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله نعم يعزر إن سبهم بالكذب ونحوه لائتمان الشارع لهم وعليه حمل قولهم إذا سب الشهود زجره القاضي ثم هدده ثم عزره أما سبهم بذكر مفسق كشرب الخمر أو زنا فلا يعزر عليه وإن لم تقم بينة به لأن البينة قد تغيب أو تنسى مع أن ذلك لا يقصد به السب بل دفع الحجة قيل ويعزر على تفسيقهم بعد الحكم لأنه سب لم يأذن فيه الشارع اهـ. وفي إطلاقه نظر بل حيث أراد إقامة بينة به لم يعزر عليه لقبولها به ولو بعد الحكم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -370-        "وسئل" رحمه الله تعالى عن مسألة اختلف فيها فقهاء زبيد وهي إذا سبق لسان الشاهد بين يدي القاضي إلى خلاف التاريخ بأن أراد أن يقول سنة ثمان وأربعين وسبعمائة فقال سنة ثمان وعشرين ثم رجع عن الغلط إلى الصواب فهل يكون ذلك قادحا في شهادته أو لا بينوا لنا ذلك بيانا شافيا لا عدمكم المسلمون؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله لا يكون ذلك قادحا في شهادته حيث تداركها فورا أو بعد نوع مهلة ولم يحصل للقاضي نوع ريبة في شهادته كما يصرح بذلك كله كلام جماعة من الأصحاب فمن بعدهم منهم القاضي حسين رحمه الله تعالى فإنه قال في فتاويه إذا ادعى عينا وأقام شاهدين شهد أحدهما أنها ملكه ورثها من أبيه وشهد الآخر أنها ملكه ورثها من أمه فالأظهر أنها شهادة مختلفة لا يحكم بها وقيل تقبل ويقضي بها لاتفاقهما على أصل الملك وإنما اختلفا في شيء زائد فلو أنهما اتفقا بعد ذلك على جهة واحدة فشهدا بأنه ورثه من أبيه مثلا أو شهدا بالملك مطلقا قال ينظر إن وقع للقاضي ريبة كما إذا أخذ شيئا من المشهود له وما أشبه ذلك لا يقبل وإن لم يقع قبل وقضي به قال شارح الأنوار وإن قلنا بالأول وهو أنها شهادة مختلفة لا يحكم بها وبذلك يعلم بالأولى قبول الشهادة في مسألتنا في الحالين اللذين ذكرناهما وهما إذا تدارك ذلك فورا لأن تداركه فورا قرينة ظاهرة جدا على سبق لسانه أو بعد مهلة قبل الحكم ولم يقع للقاضي ريبة فيه بخلاف ما إذا وقع له ريبة فيه ومنهم القفال فإنه قال في فتاويه أيضا لو ذكر حدودا فشهدوا له بها ثم جاء المدعى عليه وأقام بينة بأن الدار التي هي في يده ليست بهذه الحدود وسأل الشهود فإن قالوا غلطنا نظر فإن بينوا وجه غلطهم بأنا رأينا تلك الدار التي بجنبه بيد فلان فظننا أنها ملكه فحددنا هذه الدار بتلك وكان مثله مما يجوز أن يقع فإن هذا لا يقدح في شهادتهم وعليهم أن يعيدوا الشهادة مرة أخرى ولا يحكم بما شهدوا به أولا اهـ. فانظر قوله وكان مثله مما يجوز أن يقع فإنه صريح فيما ذكرناه في مسألتنا من التفصيل وإطلاق الرافعي النقل عنهم أنهم إذا أخطئوا في حد بطلت شهادتهم محمول على هذا التفصيل الذي صرح به كما علمت لأن النقل إن كان عن فتاويه فواضح إذ الذي فيها هو هذا التفصيل أو عن غيرها فالغالب تقديم ما في الفتاوى لأن الاعتناء بتحريره أكثر ولأنه إنما يكون بالمذهب بخلاف ما في المصنف فيهما ومنهم صاحب المعتمد فإنه قال إذا غير الشاهد شهادته فزاد فيها أو نقص قبل الحكم فليس للشافعي رضي الله تعالى عنه فيها نص وقياس المذهب أن ذلك يقبل منه لأنه ما لم يحكم الحاكم بشهادته فليس يتعلق بقوله حكم وقد يسهو ثم يذكر بعد ذلك فلا يؤثر ذلك في شهادته اهـ. قال السيد السمهودي رحمه الله تعالى وقبوله إذا نقص أولى إلا أن يظهر للقاضي دلالة ذلك على عدم ضبطه اهـ. وقوله إلا إلخ ليس خاصا بحالة النقص لأنه ليس استثناء من أولى كما هو ظاهر للمتأمل بل من القبول المقدر الدال عليه السياق أي شرط قبوله أن لا يظهر للقاضي ذلك وإلا لم يقبل وبهذا التقدير علم أن ما قاله صاحب المعتمد

 

ج / 4 ص -371-        من القبول حالة الزيادة والنقص مقيد بما قاله السيد من التفصيل وحينئذ فهو موافق لما ذكرته من التفصيل في مسألة السؤال لأنها نظيرة المسألة التي فرض صاحب المعتمد الكلام فيها فإذا قيدت هذه بذلك التفصيل فلتقيد به نظيرتها المسئول عنها ومنهم الأذرعي رحمه الله تعالى فإنه قال في قول الشيخين رحمهما الله تعالى لو قال الشاهدان للقاضي بعد الشهادة توقف في الحكم توقف وجوبا لأنه يوهم ريبة فإن قالا بعد اقض فإنا على شهادتنا قضى بلا إعادة الشهادة اهـ. هذا مشكل ويشبه أن يرجع في ذلك إلى اجتهاد القاضي فإن لم تبق عنده ريبة حكم وإن دامت أو زادت أو دلت قرينة على تساهل فلا ويختلف ذلك باختلاف ضبط الشهود وبروز عدالتهم وعلمهم وغير ذلك وينبغي أن يسألهم القاضي عن سبب التوقف ثم الجزم بعده ليظهر له الحال وهذا متعين في العامي اهـ. وذكر في الخادم نحوه وسبقه إلى نحوه البلقيني وهو بحث متجه ومنه يستفاد صحة التفصيل الذي قدمته في صورة السؤال بجامع أنه صدر من الشاهد في كل من المسألتين ما يوجب الريبة فمتى صحب ذلك قرينة تزيلها لم تؤثر وإلا أثرت وإذا اتضح استواؤهما في ذلك تعين إجراء نظير هذا التفصيل في مسألة السؤال لأن أحد النظيرين يثبت له ما ثبت لنظيره وبهذا الذي قررته من الجامع بين هاتين المسألتين من أنه صدر من الشاهد في كل ما يريب فاحتيج في قبوله إلى مزيل الريبة يتضح الجامع بين صورة السؤال وصورة القاضي وصورة القفال وصورة صاحب المعتمد ويعلم أن هذه الصور الثلاث مع صورة الأذرعي مساوية لصورة السؤال وأنه لا بد في كل من هذه الخمس من إجراء هذا التفصيل المذكور فمتى بقي عنده ريبة أو زادت أو دلت قرينة على تساهل لم يقبل وإن ذلك يختلف باختلاف ضبط الشهود وبروز عدالتهم وعلمهم وغير ذلك فإن قلت ينافي ما قررته في صورة السؤال قولهم لو رجع الشاهد عن شهادته قبل الحكم امتنع قبولها أي وإن أبدى لغلطه وجها محتملا قلت لا ينافيه ولا يلاقيه لأن ما نحن فيه في شخص باق على أصل شهادته والجزم بها وإنما وقع له تغيير في أمر تابع لها فنظرنا في ذلك التغيير الواقع منه هل صحبه ما يزيل ما فيه من الإرابة أو لا فلذلك جرى فيه التفصيل الذي قررته وكذلك بقية نظائره التي ذكرتها وأما الذي في كلامهم فهو أنه رجع عن الشهادة من أصلها ثم أراد أن يؤديها كما شهد بها أولا فلا يقبل وإن ادعى غلطا محتملا لأنا الآن شاكون في حقيقة ما شهد به ومن ثم زيفوا قول من قال بقبوله بأن احتمال كذبه في الرجوع كاحتمال كذبه في الشهادة فلا مرجح ودعوى الغلط هنا لا تصلح مرجحة لأنه لما جزم بالشهادة أولا دل على أنه متحقق ما شهد به فلما رجع عن هذا الجزم دل على أنه لم يتحققه فتوارد منه إثبات التحقق تارة ونفيه أخرى فإذا أراد العود إلى التحقق لم يمكن لأنه صدر منه ما أزال ظن صدقه من هذا التناقض في أصل الشهادة بخلاف ما نحن فيه لما قدمته من أن الجزم به لم يزل وإنما وقع تغيير في وصف تابع له ووقوعه في هذا لا يوجب رد الأصل المجزوم به فكان الأمر فيه أخف فأثرت فيه القرائن

 

ج / 4 ص -372-        وأدير الحكم عليها والحاصل أن التغيير فيما نحن فيه لا ينافي الجزم وفيما في كلامهم ينافيه وإنه فيما نحن فيه في أمر تابع وفيما في كلامهم في المتبوع المقصود بالذات ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن مستند صورته بعد أن ثبت لدى سيدنا فلان بشهادة فلان وفلان أن فلانا وكل ولده في إيقاف الأمكنة الكائنة بالحرمين الشريفين مكة والمدينة الجارية في استحقاق ملكه وتصرفه وحيازته إلى حين صدور هذا الوقف الثبوت الشرعي بالبينة الشرعية المذكورة أعلاه وأشهد عليه الوكيل المذكور أنه وقف عن والده الموكل المذكور كذا وكذا وذكر الأمكنة وحدودها ثم بعد ما ذكر قال وحكم سيدنا بموجب ذلك حكما صحيحا شرعيا مستوفيا شرائطه الشرعية بعد أن أعذر في ذلك إلى من توجه له الإعذار شرعا هل قوله الثبوت الشرعي بالبينة الشرعية قاصر على ثبوت التوكيل أو يشمله ويشمل جريان الأمكنة المذكورة في ملك الواقف المذكور إلى حين صدور الوقف وهل قوله أيضا وحكم سيدنا بموجب ذلك مشار به إلى ثبوت الوكالة وجريان الأمكنة في الملك أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بما صورته قوله يثبت إلخ يتناول جميع ما في حيزه فيكون الثابت التوكيل والجريان المذكور ويدل لذلك قول أئمتنا رضي الله تعالى عنهم لو شهدا بتوكيل فلان بن فلان فلانا كانت تلك الشهادة شهادة بالنسب للموكل ضمنا وبالتوكيل أصلا لتضمن ثبوت التوكيل المقصود لثبوت نسب الموكل لغيبته عن مجلس الحكم وللشافعي رضي الله تعالى عنه قول مرجوح وبه قال مالك رضي الله تعالى عنه أنها شهادة بالتوكيل دون نسب الموكل نظرا إلى أن مورد الصدق والكذب في الخبر كقام زيد بن عمرو النسبة التي تضمنها فقط دون غيرها وهي قيام زيد لا بنوته لعمرو أيضا إذا لم يقصد به الإخبار بها ويجاب بأنا وإن سلمنا أنه لم يقصد الإخبار بالبنوة إلا أن هذا لا يعارض الراجح السابق لأنه لم يقل إنها ثبتت قصدا حتى يرد عليه ذلك وإنما قال إنها ثبتت ضمنا لوجود المسوغ السابق وإذا علم أن الراجح ثبوت البنوة ضمنا في صورة التوكيل التي حكينا فيها الخلاف فكذلك يثبت الملك والحيازة في صورة السؤال على فرض أن شاهدي التوكيل ذكراه إما على فرض أنه ثبت عند الحاكم بغير شاهدي التوكيل فلا إشكال في ثبوت الملك والحيازة حينئذ وعلى كل فهما ثابتان وقوله بموجب ذلك عائد إلى جميع ما سبقه وهما من جملته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل تقبل شهادة المعتزلة إذا تبين منهم سب الصحابة أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله تقبل شهادة المعتزلة والرافضة وغيرهما من سائر المبتدعة ما لم نكفرهم ببدعتهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى ولي ببلدة وفوض إليه أمورها بأن يعزل وينصب

 

ج / 4 ص -373-        ويحكم فحكم بحرية إنسان وقبل الحكم نادى في القرية كل من عنده شهادة برق العبد فليحضر فحضروا وقالوا ليس عندنا شهادة وبعد ذلك شهدوا عند حاكم آخر برقه هل تقبل شهادتهم بعد الإنكار والجحود أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله إن كانوا قالوا ذلك حين قصدوا للشهادة لم تقبل شهادتهم وإن كانوا قالوه قبل ذلك قبلت شهادتهم لأنهم قد يتحملون بعد ولو قال الشاهد لا شهادة لي على فلان ثم شهد وقال كنت نسيت قبلت شهادته إن اشتهرت ديانته وإلا فلا.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن ادعى على آخر مالا لنفسه أو لأيتامه فهل يصير بذلك عدوا له فلا تقبل شهادته عليه أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله لا يصير بمجرد ذلك عدوا له كما أفتى به الأصبحي.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن أنكر الشهادة ثم ادعى النسيان وأراد الأداء هل تسمع؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله أطلق القاضي حسين أنه لا تقبل وخصه الرافعي رحمه الله تعالى بما إذا لم يمكن أن يتحمل تلك الشهادة بعد إنكاره وابن عجيل بما إذا لم يدع النسيان وفارق قول المدعي لا بينة لي حيث تقبل منه بعد ذلك البينة بأن الإنكار هنا صدر من الشاهد فاقتضى طعنا فيه وثم لم يصدر منه بل من خارج عنه فلم يقتض ذلك.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل تعينت عليه شهادة لكنه خاف من التجريح فهل ذلك عذر له؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله أطلق بعضهم أن ذلك غير عذر ولو قيل محله حيث لم يغلب على ظنه وقوع تجريح فيه بباطل لم يبعد.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما صورته ما يتعاطاه جهلة المتصوفة من الطيران والقصب والغناء والصياح والرقص واعتقادهم أن ذلك قربة وتكنيتهم عن الباري عز وجل بهند وليلى فهل يحل لهم ذلك لا سيما في المساجد وهل نقل عن السلف شيء من ذلك وهل ذلك صغيرة أو كبيرة وهل يكفر من اعتقد التقرب به إلى الله سبحانه وتعالى أوضحوا لنا ذلك وبينوه بيانا شافيا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله قد أشبع الأئمة كالعز بن عبد السلام في قواعده الكلام في ذلك ولا بأس بالكلام عليها باختصار فنقول أما الدف فمباح مطلقا حتى للرجال كما اقتضاه إطلاق الجمهور وصرح به السبكي وضعف مخالفة الحليمي فيه وأما اليراع فالمعتمد عند النووي رحمه الله تعالى كالأكثرين حرمته وأما اجتماعهما فحرمه ابن الصلاح وخالفه السبكي وغيره فإن الحرمة لم تتأت من الاجتماع ولم تسر إلى الدف بل من حيث اليراع المسمى بالشبابة وأما الغناء وسماعه بلا آلة فمكروهان وقول الأستاذ أبي منصور المذهب الجواز إذا سمعه من الرجل ولم يكن على قارعة الطريق ولم يقترن به مكروه ضعيف بل المعتمد الكراهة مطلقا وقال الغزالي رحمه الله تعالى إن نوى به الترويح للتقوي على الطاعة فهو مطيع وأما الصياح فقال ابن عبد

 

ج / 4 ص -374-        السلام الصياح والتغاني إن كان عن حال لا يقتضيه أثم من وجهين إبهامه الحال الموجبة لذلك وتصنعه به وإن كان عن حال يقتضيه أثم بريائه لا غير ونتف الشعور وضرب الصدور وتمزيق الثياب محرم لما في ذلك من إضاعة المال وأما الرقص فلا يحرم لفعل الحبشة له في حضرته صلى الله عليه وسلم مع تقريره عليه وقال جماعة يكره لخرم المروءة وفصل الغزالي رحمه الله تعالى بين أرباب الأحوال الذين يقومون بوجد فيجوز لهم ويكره لغيرهم ونقل عن القاضي رحمه الله تعالى رد الشهادة به لغير أرباب الأحوال وهو متجه حيث كان لهم منصب أو فخامة تقتضي أن ذلك خارم لمروءته غير لائق به تعاطيه وإلا فلا وجه لرد الشهادة به لأنه غير خارم للمروءة حينئذ قال البلقيني رحمه الله تعالى ولا حاجة لاستثناء أرباب الأحوال لأنه ليس بالاختيار ومحل ذلك كله لم يكن فيه حرمة كفعل المخنثين وإلا حرم وقال الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى يكره وقال البلقيني رحمه الله تعالى إن كان للتشبه بالمخنث فإنما يحرم على الرجال والصحيح التحريم مطلقا وأما التصفيق باليد للرجال فنقل ابن عبد السلام رحمه الله تعالى عن بعضهم أنه حرام وجزم به المراغي رحمه الله تعالى وفيه نظر ونية التقرب بذلك لا يخفى على أحد أنه حرام ولا يعلم ذلك إلا بصريح لفظ الناوي فلا يجوز أن يظن به ذلك ولو لقرينة لا سيما إن كان ممن اشتهر عنه خير بل ربما يكون ظن ذلك بمثل هذا جالبا للمقت والعياذ بالله وتسمية الباري جل وعلا بالمخلوقين حرام عند كل أحد ولا ينبغي أن يظن ذلك أيضا بمثل من ذكرناه وحاشا من ينسب إلى أدنى درجات المؤمنين أن يشبه القديم بالحادث وأما فعل ذلك في المساجد فلا ينبغي لأنها لم تبن لمثل ذلك ولا يحرم ذلك إلا إن أضر بأرض المسجد أو حصره أو نحوهما أو شوش على نحو مصل أو نائم به وقد رقص الحبشة في المسجد وهو صلى الله عليه وسلم ينظرهم ويقرهم على ذلك وفي الترمذي وسنن ابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعلنوا هذا النكاح وافعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدف" وفيه إيماء إلى جواز ضرب الدف في المساجد لأجل ذلك فعلى تسليمه يقاس به غيره وأما نقل ذلك عن السلف فقد قال الولي أبو زرعة في تحريره صح عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وابن دقيق العيد وهما سيدا المتأخرين علما وورعا ونقله بعضهم عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى وكفاك به ورعا مجتهدا وأما دليل الحل لما ذكر ففي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم سمع بعض جوار يضربن بالدف وهي تقول وفينا نبي يعلم ما في غد فقال صلى الله عليه وسلم: "دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين"، وفي الترمذي وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بعض غزواته أتته جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله تعالى سالما أن أضرب بين يديك بالدف فقال لها: "إن كنت نذرت فأوف بنذرك".
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن حصل في يده مال من حرام ثم جهل مالكه ولم يتوقع معرفته فما حكمه؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله في أصل الروضة عن العبادي

 

ج / 4 ص -375-        والغزالي أنه يدفعه لقاض ترضى سيرته وديانته فإن تعذر تصدق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده وفي أصل الروضة أواخر القضاء على الغائب ما لفظه وأما ما لا يتعين له مالك وحصل اليأس من معرفته فذكر بعضهم أن له أي الحاكم أن يبيعه ويصرف ثمنه إلى المصالح وأن له حفظه قلت هذا المحكي عن بعضهم متعين ولا يعرف خلافه اهـ. ومن ثم قال العز بن عبد السلام في قواعده ما قالوه في المال الضائع من حفظه إلى ظهور مالكه محله إن توقعت معرفته وإلا كان حينئذ مصروفا إلى ما يصرف فيه أموال بيت المال اهـ. وبه جزم ابن سراقة في التلقين وقال في الإحياء كل مال ضائع فقد مالكه يصرفه السلطان إلى المصالح فعلم أن المال الضائع عند اليأس يكون كمال بيت المال وإن أوهم كلام العز بن جماعة تغايرهما وكلامه صريح في أن محل ما مر عن الروضة وغيرها من كونه يدفعه إلى الإمام محله إن كان عادلا أو له نائب كذلك قال وإلا سلمه لرجل عالم معروف موثوق به وأعلمه بالحال ليصرفه في مصارفه وللعالم أن يصرفه إليه إن كان ممن يجوز الصرف إليه وله هو أن يصرفه من نفسه لنفسه إن كان بهذه الصفة وهو عالم بالأحكام الشرعية اهـ. وفي فتاوى البغوي رحمه الله تعالى ما يؤيده فإنه قال المال الضائع يصرف للمصالح فإذا وقع في يد إنسان ولم يظفر بإمام أي عادل لما مر يدفعه إليه يصرفه من هو في يده إلى نوع من المصالح وإن كان أهم منه وفي قواعد الزركشي إذا عم الحرام قطرا بحيث لا يوجد فيه الحلال إلا نادرا جاز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة ولا يتبسط فيه قال ابن عبد السلام رحمه الله تعالى والصورة أن معرفة مستحقه متوقعة وإلا فهو للمصالح لأن من جملة أموال بيت المال ما جهل مالكه اهـ.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل تقبل شهادة الحسبة في الوقف على المساجد والجهات العامة؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله نعم تقبل بلا خلاف بخلافها في الوقف على معين ولو شهدا بأن في ذمته للمسجد شيئا سمعت ويحمل على أنه اشترى من غلته أو وهبه له ونحو ذلك.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل يحل اللعب بالطاب أو لا وهل المنقلة مثله؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته بقوله قال الرافعي ما كان مداره على الحرز والتخمين يحرم وما كان مداره على الحساب لا يحرم وهو ظاهر في حرمة الطاب والمنقلة التابعة له لأن الأمر فيها معلق على ما يخرجه فقط وفي حل المنقلة المستقلة ونحوها ويوجه بأن الأول عبث ربما يترتب عليه ما يترتب على النرد فكان إلحاقه به أولى بخلاف الثاني فإن الأمر فيه دائر على حساب ومزيد فطنة فبتكراره يحصل للنفس ذلك كما في الشطرنج فتعين إلحاقه به.
"وسئل" رحمه الله تعالى بما صورته لعب معتقد حل الشطرنج مع معتقد تحريمه حرام

 

ج / 4 ص -376-        بخلاف تبايع من لا تلزمه الجمعة مع من تلزمه فما الفرق بينهما؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله قد يفرق بأن التبايع القصد منه غالبا طلب الربح وهو غرض صحيح يقصد في العادة لأكثر الناس فلم يمنع من لا تلزمه الجمعة منه ولا نظر لكونه يعين على معصية بخلاف لعب الشطرنج فإنه ليس فيه غرض يغلب في العادة تحصيله فكان دون ذلك الغرض فمنع معتقد حله من إعانة معتقد حرمته على حرام في ظنه وأيضا فالمعصية في البيع ليست من حيث كونه بيعا بل لأمر خارج وهو التفويت ومن لا تلزمه لم يقصده بل قصده لحصول الربح مثلا فلم تتحقق فيه إعانة على معصية بخلاف اللعب فإن المعصية فيه لذات الفعل الصادر منهما إذ لا يمكن وجوده إلا من اثنين فتحققت فيه الإعانة على المعصية ولم يمكن قصد أمر خارج يجوز له الإقدام.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما عليه العمل من جواز الشهادة على المنتقبة اعتمادا على إخبار عدل أو عدلين فهل يشمل عدل الرواية أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله ينبغي أن يكتفي بعدل الرواية لأن هذا من باب الإخبار إذ ليس لنا شهادة يقبل فيها واحد إلا في هلال رمضان ولأن الشهادة تختص بما يقع بعد دعوى صحيحة عند قاض أو محكم وليس هنا شيء من ذلك.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه عن عبد أذنب ثم ندم وعقد توبة نصوحا ثم أذنب ثم ندم وعقد أيضا ثم أذنب وعقد أيضا وهذا حاله وهو في غاية الخشية من الله سبحانه وتعالى مع علمه بأن الذنب مقدر ومحتم عليه وهو مأمور بالتوبة النصوح وقد فعل ما أمر به فكيف خلاصه من ذلك؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله مذهب أهل السنة صحة التوبة بشروطها من الذنب وإن تكرر فعلى العبد عقب فعله أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويجتهد في تحقيق شروطها فإن من آفة التساهل في الشروط ميل النفس إلى العود بل سرعة عودها إلى الذنب لأنها ذاقت حلاوته ولم تسل عليها سيوف المجاهدة والندم الحقيقي ولو حق ندمها لبعد عودها فعلى العبد الاجتهاد في تحقيق ذلك وتقريع نفسه بأن يعرض عليها المراهم الحادة من مظاهر الجلال والانتقام حتى يكسبها ذلك خشية تامة من سطوات الحق وانتقامه ويكون مع ذلك كله متضرعا إلى الله سبحانه وتعالى في قبوله توبته وغفران زلته ورحمة حوبته فإن من أدمن قرع باب الغني الكريم لا بد وأن يفتح له ويتفضل عليه بما لم يكن في حسابه فعليك بصدق الابتهال ودوام الذلة والخشية لتفوز من ربك بأفضل الأعمال إنه الكبير المتعال تاب الله سبحانه وتعالى علينا توبة نصوحا بفضله وأدام علينا هواطل جوده ووابل عفوه آمين.
"وسئل" رحمه الله تعالى بما لفظه رأيت منقولا عن الخلاصة ما لفظه ولا تقبل شهادة معلم الصبيان فإن عقل ثمانين معلما لا يساوي عقل امرأة واحدة في الأيام مع الصبيان وفي الليالي مع النسوان اهـ. فهل هذا النقل صحيح ثابت فيها أو لا وكيف الحكم في هذه

 

ج / 4 ص -377-        المسألة؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله قد فتشت على هذا المذكور عن خلاصة الغزالي فلم أره فيها ولا أظنه في شيء من كتب أصحابنا لأنه إلى السفساف أقرب وكم من معلم صبيان رأيناه يستسقى به الغيث لبلوغه في النزاهة والعفة والعدالة والصلاح الغاية القصوى فإن صحت تلك المقالة بإطلاقها عن عالم تعين تأويلها على معلم ظهرت عليه أمارات الجهل أو الفسق أو الجنون كما هو كثير الآن فيمن يتعاطى هذه الحرفة التي هي أشرف الحرف بنصه صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا ادعت الزوجة النكاح لثبوت المهر هل يثبت برجل وامرأتين أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه وبركته بقوله إذا وقعت الدعوى بالمهر ثبت بما يثبت به المال حتى الشاهد واليمين.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن فقيه كشف رأسه حيث لا يعتاد أو قبل زوجته بحضرة الناس مرة واحدة هل ترد شهادته أو تكون صغيرة؟ "فأجاب" بقوله ترد الشهادة بخارم المروءة وإن لم يتكرر وفارق الصغيرة بأنها لا تدل على عدم المبالاة إلا إذا تكررت وحدها أو مع صغائر أخرى حتى غلبت معاصيه طاعاته وأما خارم المروءة فإنه بالمرة الواحدة يدل على عدم المبالاة بعرضه وخرمه ومن لا يبالي بذلك لا يتوقى الزور ونحوه كالتساهل في الشهادة فردت شهادته بالمرة الواحدة لعدم الثقة حينئذ.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن الحسود إذا صدرت منه صغيرة بجوارحه بسبب الحسد الباطن الذي هو كبيرة وأقر بذلك هل ترد شهادته أم لا وكذلك يسأل في الكبر؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله بأن كلا من الحسد والكبر كبيرة كما بينته في كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر وحينئذ فكل منهما بمجرده يقتضي الفسق ورد الشهادة سواء وجدت معه معصية أخرى أم لم توجد معه معصية أبدا لأن كل ما قيل إنه كبيرة يكون بمفرده مبطلا للعدالة ورادا للشهادة.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن زنى بحليلة أحد فهل يشترط في صحة توبته أن يستحل زوجها ما لم يخش فتنة أو مطلقا أو لا يجب ذلك من أصله؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله ذكرت في كتابي الزواجر عن اقتراف الكبائر ما يعلم منه الجواب عن ذلك وهو قال الزركشي رأيت في منهاج العابدين للغزالي أن الذنوب التي بين العباد إما في المال فيجب رده عند المكنة فإن عجز لفقر استحله فإن عجز عن استحلاله لغيبته أو موته وأمكن التصدق عنه فعله وإلا فليكثر من الحسنات ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويتضرع إليه في أنه يرضيه عنه يوم القيامة وأما في النفس فيمكنه أو وليه من القود فإن عجز رجع إلى الله تعالى في إرضائه عنه يوم القيامة وإما في العرض فإن اغتبته أو شتمته أو بهته فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك معه إن أمكنك بأن لم تخش

 

ج / 4 ص -378-        زيادة غيظ وهيج فتنة في إظهار ذلك فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك وأما في حرمه فإن خنته في أهله أو ولده أو نحوه فلا وجه للاستحلال والإظهار لأنه يولد فتنة وغيظا بل تتضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته فإن أمنت الفتنة والهيج وهو نادر فتستحل منه وأما في الدين بأن كفرته أو بدعته أو ضللته فهو أصعب الأمر فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلت له ذلك وأن تستحل من صاحبك إن أمكنك وإلا فالابتهال إلى الله سبحانه وتعالى والندم على ذلك ليرضيه عنك اهـ. كلام الغزالي قال الأذرعي وهو في غاية الحسن والتحقيق اهـ. وقضية ما ذكره في الحرم الشامل للزوجة والمحارم كما صرحوا به أن الزنا واللواط فيهما حق للآدمي فتتوقف التوبة على استحلال أقارب المزني أو الملوط به وعلى استحلال زوج المزني بها هذا إن لم يخف فتنة وإلا فليتضرع إلى الله سبحانه وتعالى في إرضائهم عنه ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار أي عار بالأقارب وتلطيخ فراش الزوج فوجب استحلالهم حيث لا عذر فإن قلت ينافي ذلك جعل بعضهم من الذنوب التي لا يتعلق بها حق آدمي وطء الأجنبية فيما دون الفرج وتقبيلها من الصغائر والزنا وشرب الخمر من الكبائر وهذا صريح في أن الزنا ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى استحلال قلت هذا لا يقاوم كلام الغزالي لا سيما وقد قال الأذرعي عنه أنه في غاية الحسن والتحقيق فالعبرة بما دل عليه دون غيره على أنه يمكن الجمع بحمل الأول على زنا بمن لا زوج لها ولا قريب فهذه يسقط فيها الاستحلال لتعذره والثاني على من لها ذلك وأمكن الاستحلال بلا فتنة فتجب ولا تصح التوبة بدونه وقد يجمع أيضا بأن الزنا من حيث هو فيه حق لله إذ لا يباح بالإباحة وحق لآدمي فمن نظر إلى حق الله سبحانه وتعالى لم يوجب الاستحلال ولم ينظر إليه وهو مجمل عبارة غير الغزالي ومن نظر إلى حق الآدمي أوجب الاستحلال ويؤيده قول ابن عبد السلام في من أخذ مالا في قطع الطريق هل عليه الإعلام به إن غلبنا عليه حق الله تعالى لم يجب الإعلام به وإن غلبنا في عليه حق الآدمي وجب إعلامه ليستوفيه الإمام به ثم رأيت ابن الرفعة مثل نقلا عن الأصحاب للمعصية التي لا حق فيها للعباد بتقبيل الأجنبية وهو يفهم أن وطأها فيه حق للعباد وحينئذ فيوافق كلام الغزالي انتهت عبارة الزواجر وفيها الجواب الصريح عما في السؤال وزيادة، وبالله تعالى التوفيق.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن أمر الواعظ أو المربي لمن يتوب بقص بعض شعره أو حلق كله هل له مستندا ولا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله حلق الشعر سنة في النسك وأما في غيره فإن شق تعهد الشعر فهو أفضل وإلا فالترك أفضل وعند خشية التأذي ببقائه يكون من التداوي المأمور به وحلق بعض الرأس مكروه قال ابن عبد السلام والغالب من أحوال الصحابة حلق الشعر وإن كان الحلق من شعار الخوارج وأما

 

ج / 4 ص -379-        قص الشعر فهو على وفق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن فعل بالتائب بقصد الائتساء بهم فلا بأس أو بقصد أنه من مطلوبات التوبة فلا ولا يقاس ذلك بحلق الرأس عند الإسلام لأن شعر الكافر أقبح من شعر غيره.
"فائدة" ذكر العارف سيدي يوسف العجمي أن صفة أخذ العهد على التائب أن يذكر له شروط التوبة ثم يضع باطن يده على باطن يد التائب اليمنى ويذكر أن التوبة لهما جميعا لقوله سبحانه وتعالى
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} [النور: 6]، ويسكت الشيخ ويغمض عينيه ويخرج بقلبه من البين ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتوب عليه ويرفع الشيخ صوته قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم أستغفر الله العظيم ثلاث مرات ويقول في الأخيرة وأتوب إليه وأسأله التوبة والتوفيق لما يحب ويرضى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ويسكت التائب ويغمض عينيه ويقول كما يقول الشيخ وحكى هذا رواية من طريق لبس الخرقة من الأخذ على التائب منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم والذي يفعله أهل العصر أنه يذكر له شروط التوبة ويأخذ يده في يده ويعاهده لله سبحانه وتعالى على اتباعه الطاعة واجتناب المعصية ثم يتلو عليه قوله تبارك وتعالى {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10]، إلى آخر الآية وهذا كله مأخوذ من بيعة الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين اهـ. والذي آثرناه عن مشايخنا أهل الطريق أن الشيخ يذكر للمريد شروط التوبة ويحرضه عليها وعلى ملازمة الصلوات والذكر بلا إله إلا الله ليلا بعد صلاة العشاء ساعة طويلة حتى ينام على الذكر ثم قيام الليل وصلاة أكمل الوتر ثم الذكر بعده ساعة كذلك أو إلى الفجر ثم الذكر من بعد صلاة الصبح وأذكار الصلوات إلى طلوع الشمس ثم صلاة الضحى ليمضي في أسبابه وقلبه ممتلئ بالذكر فلا تقدر الأسباب على جذبه بالكلية إليها بل تستمر معه وهو مباشر للأسباب بقية من بركة الذكر وقيام الليل إلى المساء ثم بعد أن يحرضه على جميع ذلك وعلى بر الوالدين وصلة الرحم يذكر الشيخ ثلاثا متوالية والمريد جالس طارق بين يديه ثم يذكر المريد ثلاثا والشيخ طارق ثم يقرأ شيئا من القرآن قد يقع في بعض الأحيان ذكر سلسلة الذكر وهي سلسلة الخرقة السابقة في باب اللباس المنتهية إلى الحسن البصري عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان بعض مشايخنا يشير إلى اعتراض المحدثين على هذه السلسة بنحو ما سبق ثم لا يلتفت إلى ذلك الاعتراض معتمدا على نحو ما مر ثم في رده وكان بعض مشايخنا يقرأ {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10] الآية.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل يحرم وصف الخمر الواقع في أشعار كثيرين أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله صرح النووي رحمه الله تعالى في المجموع بحرمة ذلك لا يقال ينافيه ما وقع في بانت سعاد التي أنشدت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وشعر كثير من الصحابة

 

ج / 4 ص -380-        من ذكر الخمر ومدحها لأنا نقول يحتمل أن تلك الأشعار الصادرة منهم كانت قبل تحريمها وبفرض وقوع شيء منها بعد التحريم فهو مذهب صحابي لم ينتشر فإن قلت هذا ممكن في حق الصحابة فما الجواب عما وقع في كلام كثيرين من العلماء حتى الشافعية كما هو مشهور عنهم مذكور في تراجمهم قلت الجمع بين ذلك وما قاله النووي رحمه الله تعالى بأن ما قاله في أوصاف يتبادر منها مدح خمرة الدنيا المحرمة وما وقع لهم في مدح مطلق الخمر الممكن حملها على خمر الجنة أو الخمرة المعنوية التي تطلق مجازا أو استعارة على نحو ريق المحبوب والنشوة الحاصلة من المحبة المحمودة وغير ذلك من تصاريف البلغاء من الأئمة في أشعارهم سيما السادة الصوفية رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
"وسئل" رحمه الله تعالى بما لفظه ذكروا أن القهوة إذا أديرت على هيئة الخمر بعادة الشربة حرمت نبه عليه جماعة من اليمنيين هلا يقال يكره ذلك كما كره بعض الأئمة تسميتها قهوة لأنه من أسماء الخمر وما هيئة إدارة الخمر التي يعتادها الشربة بناء على القول بالحرمة ليجتنب ذلك حرروا لنا كيفية إدارة الخمر؟ "فأجاب" ما ذكروه صحيح صرح به الأصحاب في إدارة السكنجبين وغيره وكيفية تلك الإدارة على ما يتعارفها الناس اليوم لم يتحرر عندنا لأنا سألنا من شربوها وتابوا منها فاختلف وصفهم لتلك الكيفية حتى قال بعضهم إنها تختلف باختلاف الأقاليم وقال بعضهم إنها لا تكون إلا بقدح واحد وقال بعضهم لا تكون غالبا إلا مع نحو رياحين ومأكل مخصوص وغناء مخصوص وآلة مطربة وقال بعضهم لا بد مع ذلك من ساق مخصوص وكيفية لوضع إنائها الذي يفرغ منه في كأسها وقد أشار أصحابنا رحمهم الله تعالى إلى بعض ذلك حيث قالوا إنها تكون بأقداح مع كلمات يتعارفها الشربة بينهم ويؤيد ذلك قوله تعالى:
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23]، قال المفسرون بخلاف خمر الدنيا أي فإنهم يديرون فيها الكأس على غاية من اللغو والإثم بالكلمات القبيحة المتعارفة بينهم فإذا أديرت القهوة الحادثة الآن كهيئة إدارة الخمر حرمت إدارتها وإلا فلا أما شربها فهو جائز بشرطه سواء أديرت أم لا فتلك الكيفية التي للخمر ليست محرمة لأصل الشرب وإنما هي محرمة لتلك الأفعال المحاكية لأفعال شربة الخمر وليس مطلق الإدارة حراما اتفاقا فقد أدير اللبن في حضرته صلى الله عليه وسلم على أصحابه في مسجده الشريف وأما تسميتها قهوة فهو لا يقتضي تحريما مطلقا لأن الأسامي لا تقتضي تشبيها وتلك الإدارة إنما حرمت لاستلزامها التشبيه بالعصاة، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن إخبار الرجل بطلاق فلان أو موته أو توكيله هل يقبل أو لا بد من شاهدين وهل يقبل الكتاب المجرد عن الشهادة إذا عرف أنه خط المرسل أم لا وهل يكتفى في غير القاضي بذلك أو لا؟ "فأجاب" بقوله يجوز لمن أخبره عدل بذلك أن يعمل

 

ج / 4 ص -381-        به بالنسبة لما يتعلق بنفسه فقد قالوا لو أخبر عدل امرأة بموت زوجها أو طلاقه جاز لها أن تتزوج فيما بينها وبين الله سبحانه وتعالى وكذا خطه الموثوق به إذا حفته قرائن بأنه قصد مدلول تلك الكتابة لأن المدار على ما يغلب ظن صدق الإمارة وأما بالنسبة لحق الغير أو لما يتعلق بالحاكم فلا يجوز اعتماد عدل ولا خط ولا غيرهما من كل ما ليس بحجة شرعية.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص عامي شهد على مثله بأن في ذمته لفلان المدعي كذا من الدنانير فأجاب المدعى عليه بأن الشاهد المذكور لا يعرف أركان الصلاة فهل إذا لم يعرفها يكون ذلك قدحا في شهادته أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إن اعتقد أن جميع ما اشتملت عليه الصلاة فرض أو البعض فرض والبعض نفل لكنه لم يعتقد بفرض معين النفلية لم يقدح ذلك في شهادته لأنه يكتفى في صحة صلاة العامي بذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص نقل عن الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تبارك وتعالى أنه أورد حديثا في الجامع الصغير أن لاعب الشطرنج ملعون وأن الناظر إليه كآكل لحم الخنزير فهل الناقل لذلك مصيب أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته بقوله نعم نقل الجلال السيوطي شكر الله تعالى سعيه في جامعه ذلك وهو قوله:
"ملعون من لعب الشطرنج والناظر إليه كآكل لحم الخنزير" وذكرت في كتابي كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع أحاديث أخر في ذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عز وجل في كل يوم وليلة ثلثمائة وستين نظرة إلى خلقه يرحم بها عباده ليس لصاحب الشاه فيها نصيب" وصاحب الشاه هو لاعب الشطرنج ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يلعب بها أي الشطرنج إلا جبار والجبار في النار لا يوقر فيه الكبير ولا يرحم فيه الصغير" وقوله: "من لعب بالشطرنج فقد عصى الله ورسوله"، "من لعب بالشطرنج فقد قارف شركا ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء"، وقوله: "الشطرنج ملعونة ملعون من لعب بها" وقوله: "الناظر إلى من يلعب بالشطرنج كالغامس يده في لحم خنزير"، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: "ما هذه الكوبة ألم أنه عنها لعن الله من يلعب بها"، وفي رواية "لعنة الله على من يلعب بها"، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "نفر من أمتي لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم المانعون الزكاة والنائمون عن العتمات والمتلذذون بالقهوات واللاعبون بالسامات والضاربون بالكوبات" الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم: "يغفر ليلة النصف من شعبان لكل متكبر إلا صاحب الشاه"، يعني الشطرنج والأحاديث والآثار في ذم لاعبها كثيرة بينتها مع سندها وسند تلك الأحاديث وما قاله الناس فيها في كتابي المذكور ثم هذه الأحاديث مؤيدة لقول كثيرين من العلماء بحرمة الشطرنج مطلقا

 

ج / 4 ص -382-        وحملها أئمتنا على ما إذا اقترن بلعبها نحو قمار أو إخراج صلاة عن وقتها أو شتم أو إيذاء وأما إذا خلت عن ذلك كله فهي مكروهة ومع ذلك ينبغي اجتنابها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص عنده شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل واستمرت عنده يزورها الناس في بيته فتوفي وخلف ولدين ذكرين أحدهما يسمى محمدا والثاني يسمى عمر فاستمرت في محلها فإذا جاء من يزورها وكان محمد حاضرا فتح الصندوق عنها وزورهم وإن كان غائبا فتح أخوه عمر وزورهم فتولع محمد بالإقامة في الحجاز ومكث قليلا عند سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وتزوج هناك واستمرت في محلها كل من رام زيارتها فأخوه عمر يزوره وإن تعذر حضوره أو كان الزائر نساء فإحدى بناته تفتح وتزورهم فتوفي محمد وخلف ولدا ذكرا واستمرت تحت يد عمه عمر في محلها وكل من رام زيارتها يزوره وإن تعذر حضوره فإحدى بناته تفتح وتزوره وما يحصل من الفتوح يقسم بين الأخوين في حياة محمد وبعد موته يقسم بين ابنه وأخيه عمر فتوفي عمر أيضا عن بنات فهل يختص بالشعرة وخدمتها ولد محمد أو يكون هو وبنات عمه في الاختصاص والخدمة سواء وهل إذا طلبوا قسمتها لهم ذلك كما فعل ذلك بعض جدودهم وقسموها أم لا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى بعلومه بقوله هذه الشعرة الشريفة لا تورث ولا تملك ولا تقبل قسمة فالمذكورون مستوون في الاختصاص بها والخدمة لها لا تمييز لأحدهم على أحد، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

باب الدعوى والبينات
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل ادعى أني أستحق الشرب من هذه البئر لأرضي وأقام عليه بينة فهل تسمع هذه الدعوى أم لا تسمع حتى يذكر قدر الشرب وإذا ادعى أني أمر في هذا الموضع أو أني سقيت من البئر فهل تسمع هذه الدعوى أو لا بد من ذكر الاستحقاق؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إن الذي يظهر من كلامهم أن دعوى استحقاق الشرب من بئر كذا لا يشترط في صحتها بيان قدر الشرب لأنه متعذر لأن الأرض إذا استحقت شربا من أرض لا تضبط إلا بالكفاية وهي تختلف باختلاف الزمن والمزروع في تلك الأرض وبقلة ماء البئر وكثرتها فاقتضت الضرورة سماع الدعوى بذلك مع عدم بيان قدره قياسا على المسائل التي استثنوها من اشتراط العلم بالدعوى بل مسألتنا أولى من كثير من المسائل كما يعرف بتأملها ويؤيد ذلك قولهم ومما يغتفر فيه الجهل بالدعوى دعوى أن له طريقا أو حق إجراء الماء في ملك فلان وحده ولم ينحصر حقه في جهة منه فإن انحصر وجب بيان حقه وعلى هذا حمل إطلاق الثقفي الوجوب وعلى الأول حمل إطلاق الهروي

 

ج / 4 ص -383-        عدم الوجوب ولا تسمع دعواه أنه يمر في هذه أو يسقي من هذه لأنه قد يكون متعديا بذلك بل لا بد من ذكر الاستحقاق أو نحوه.
"وسئل" رحمه الله تعالى إذا ادعى رجل على آخر أن هذه العين استحقها وقال المدعى عليه ملكي ورثتها من أبي ولم يجد المدعي بينة فهل يكفي قوله بيمينه أنها ملكه أم لا بد من نفي الاستحقاق وإذا ادعى أن مورثك باعني هذا الموضع أو وهبنيه فهل يحلف الوارث على البت أم على النفي حيث كانت الدعوى على الميت أوضحوا لنا الجواب؟ "فأجاب" نفع الله تعالى بعلومه المسلمين بأنه إذا قال أستحق العين إجارة أو نحوه لم يكف في جوابه أنها ملكه لأنه لا ينافي الدعوى وإن قال أستحقها ملكا كفاه في الجواب ذلك وإن أطلق استفصل عن سبب استحقاقه ولم يقنع منه بإطلاق الاستحقاق لأن له حينئذ بيانات يختلف حكمها فوجب تعيين المراد منها والوارث مخير فيما ذكر بين أن يحلف على البت أو على نفي العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" عن رجل ادعى على آخر أنك أقررت أن ليس لي عندك شيء أو أنك صالحتني على كذا أو أنك بعتني ذا بكذا أو أنك أقررت أن لي عندك كذا فقال المدعى عليه بعتك مكرها أو صالحتك مكرها ونحو ذلك مما في السؤال وأقام على الإكراه بينة فهل يجب على الحاكم أو المحكم أن يستفصل الشهود على الإكراه وهل على الشهود أن يبينوا الإكراه أو لا يجب على الشهود ولا على الحاكم أو على المحكم أن يفصل وحيث كان أهل البلد منهم من يعرف حد الإكراه وأكثرهم لا يعرف حد الإكراه فهل تقبل شهادتهم به مجملة؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله لا بد في الشهادة بالإكراه من التفصيل سواء أكان الشاهد من بلد يعرفون حد الإكراه أم لا لاختلاف العلماء قديما وحديثا في ضابطه فوجب بيان الواقع منه للحاكم حتى ينظر فيه هل هو مطابق للإكراه شرعا أم لا بل الذي يتجه أنه لا يكتفى هنا بالإطلاق ولو من الفقيه الموافق لما أشرت إليه من كثرة اختلاف المتقدمين في حده واختلافه باختلاف الأبواب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن صغيرة مات أبوها وعمرها نحو ست سنين فرفع رجل أمرها إلى قاض حنفي فزوجه بها مع كونه غير كفء لها ثم أثبت آخر أن أباها زوجه بها بين يدي قاض حنفي فأبطل العقد الأول ثم ادعى صاحبه أن أباها زوجه بها قبل العقد الثاني فهل تسمع دعواه وبينته أو لا؟ "فأجاب" بقوله الذي نقله الشيخان في الروضة وأصلها عن القفال وأقراه بل صوبه في الروضة أن الزوج لو قال للولي زوجنيها كان إقرارا بالطلاق وصريحا فيه وحينئذ فقول الزوج الأول للقاضي بعد موت أبي الصغيرة زوجها لي يكون إقرارا منه بزوال نكاحه الأول وإن كان كفئا لها ويؤيد ذلك قبوله التزويج الثاني من القاضي ففي الأنوار لو تزوج بمطلقته ثلاثا بعد إمكان التحليل ثم مات وادعى وارثه أنها لم تتحلل

 

ج / 4 ص -384-        فلم يصح نكاحه فلا ترث منه لم تسمع دعواه لأن إقدام مورثه على التزوج إقرار منه بوقوع التحليل اهـ. فكذلك إقدام هذا على النكاح الثاني إقرار منه برفع النكاح الأول إذا تقرر ذلك علم أن المعتد به من العقود الثلاثة هو الثاني وأما الثالث فباطل لسبق الثاني له وأما الأول فبالإقدام على الثالث وسؤال القاضي الذي هو المولى فيه متضمن للإقرار برفعه فوجب العمل بالعقد الثاني وحده.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل ادعى على آخر إني أودعتك عشرة دراهم مثلا فقال المدعى عليه قد تلفت ولم يذكر شيئا فهل يجب على الحاكم أن يسأله عن السبب أم لا يجب بل يقتصر في دعواه على التلف وقد اختلف مفتيان في هذه المسألة فقال أحدهما يكفي إطلاق الدعوى بالتلف كما ذكره النووي رحمه الله تعالى في المنهاج وغير ذلك وقال الثاني لا يكفي الاقتصار في الدعوى على التلف بل لا بد من ذكر سبب التلف حتى ينظر الحاكم في ذلك وهذا إذا كان المودع لا يعرف ما يضمن به من السبب وما لا يضمن فما هو الصواب عندكم من ذلك؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بأن الصواب مع المفتي الأول القائل بأن ذكر سبب التلف لا يجب وما قاله الثاني خطأ مردود عليه بل غير الأمين كالغاصب لو ادعى التلف قبل قوله بيمينه ولا يلزمه بيان سبب التلف فالأمين كذلك من باب أولى ولا نظر إلى ما ذكره الثاني سواء أكان الوديع يعرف السبب الذي يكون التلف به مضمنا أم لا لأن المودع بسبيل من أن يعين السبب الذي يقتضي الضمان ويحلفه عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن عين في يد رجل مدة طويلة يتصرف فيها تصرف الملاك ثم ادعى عليه رجل آخر أنها رهن تحت يده وأنه أقر أنها رهن تحت يده وأن المدعي أحضر المبلغ وادعى رجل آخر أن العين ملكه وأن ذا اليد غصبها وأقر بغصبها وادعى صاحب اليد أنها ملكه مدة مديدة وأقام كل منهما بينة فأيتهما تقدم وحيث أقام الراهن بينة مرهونة عند صاحب اليد وأنه أقر برهنها عنده وأنه عاجز عن الغصب وأن المدعي قادر على الامتناع وإذا أقام مدعي الغصب بينة أنها ملكه وأن ذا اليد غصبها وأنه قوي على الغصب فأي البينتين تقدم؟ "فأجاب" نفع الله سبحانه وتعالى بعلومه المسلمين إذا شهدت بينة بأنها ملك مدعي الغصب وأن ذا اليد غصبها منه أو شهدت واحدة بأنه أقر أنه رهن هذه لفلان وأخرى بأنه أقر أنه نهبها من فلان كانت البينتان متعارضتين فيتساقطان وتبقى العين في يد من هي تحت يده أما إذا شهدت الأولى بمجرد الرهن والثانية بملك مدعي الغصب وأن ذا اليد غصبها منه فتقدم الثانية لأن معها زيادة علم ولا نظر فيما ذكر إلى أن مدعي الغصب قادر على دفع الغاصب أو لا ولو شهدت الأولى بملك مدعي الرهن وبأنه رهنها تحت ذي اليد والثانية بمجرد الغصب قدمت الأولى وحكم بها لأن معها زيادة علم هذا هو الذي يظهر في هذه المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -385-        "وسئل" رحمه الله تعالى عن عين تحت يد رجل يتصرف فيها مدة مديدة ادعى رجل آخر أنها له خلفها له مورثه وادعى صاحب اليد أنها ملكه خلفها أبوه له فأي البينتين تقدم؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بأن بينة اليد الشاهدة بأنها ملكه مقدمة على بينة الخارج مطلقا.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا حضر المدعي والمدعى عليه فادعى الأول دعوى غير صحيحة يعلم منها الفقيه وغيره المراد فهل للقاضي الإقدام على الفصل بهذه وإلزام المدعى عليه بالجواب فإنا لو كلفناهم تحرير الدعوى لأدى إلى حرج؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بأن عدم صحة الدعوى إن كان لاختلال شرط من شروطها لم يجز للقاضي إلزام المدعى عليه بالجواب عنها بل يسكت أو يقول للمدعي صحح دعواك أو وكل من يصححها وإن كان لاختلال شيء آخر ليس من شروطها كلحن يغير المعنى لكن يعلم المراد منه.
فلا عبرة به ويجب عليه إلزام المدعى عليه بالجواب وقد صرح أصحابنا رحمهم الله تعالى بما ذكرته ثانيا فقالوا لا يجوز للحاكم أن يعلم المدعي كيفية الدعوى ولا أن يعلم الشاهد كيفية الشهادة لكن لو تعدى وعلم أحدهما ذلك فادعى المدعي وأدى الشاهد بتعليمه اعتد بذلك على ما بحثه بعض المتأخرين ومما يدل عليه ما ذكرته ثانيا فقالوا لو قال من لا يعرف العربية لزوجته أنت طالق أن دخلت الدار بفتح إلا لم تطلق إلا بالدخول وإن كان وضع لفظه أنها تطلق في الحال لأن العامة لا يفرقون في مثل ذلك بين إن وأن ومن ثم ذكر جمع متأخرون وغيرهم أنه لو قال العامي زوجتك أو أنكحتك أو بعتك بفتح التاء أو ضمها أو أتى بلحن آخر بغير المعنى لا يضر لأنه لا يهتدي لمدلولات الألفاظ فسومح فيها فكذا يقال بنظيره هنا وقول السائل نفع الله تعالى به لو كلفناهم تحرير الدعوى لأدى ذلك إلى حرج يجاب عنه بأنه لا حرج في ذلك لسهولة رجوعه إلى من يعرف ذلك فيعمله أو توكيله من يعرف ذلك ليدعي به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن ولي محاجير ساكن هو وإياهم في محل واحد وفي المحل المذكور صندوق مقفل وفيه أمتعة ومفتاح القفل بيد المحاجير فكسر الولي الصندوق المذكور وأخرج ما فيه من الأمتعة وادعى أنها ملكه فمنعه المحاجير من الاستيلاء عليها وادعوا أيضا أنها ملكهم فهل يثبت الملك لهم دونه أو عكسه أو يقال أنه للولي ولهم لوجوده في ملكه وهل وجود المفتاح في أيديهم دونه قرينة دالة على ملكهم له؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه وبركته بأن ذلك يحتاج لمقدمة وهي أن الشيخين رحمهما الله تعالى قالا ما حاصله لو اختلف الزوجان حال الزوجية أو بعد زوالها أو وارثاهما أو وارث أحدهما والآخر في متاع البيت الصالح لهما أو لأحدهما فإن كان لأحدهما بينة قضي بها وإن لم تكن بينة فما اختص أحدهما باليد عليه حسا أي بطريق المشاهدة والعيان أو حكما

 

ج / 4 ص -386-        بأن كان في ملكه المختص باليد عليه دون صاحبه سواء كان ملكه حقيقة أو لا فالقول قوله بيمينه وما كان في يدهما حسا أو في البيت الذي يسكنانه فلكل واحدا تحليف الآخر فإن حلفا جعل بينهما وإن حلف أحدهما فقط قضى له به اهـ. قال الأذرعي رحمه الله تعالى ولا خلاف في هذا عندنا والمراد بالبيت المنزل والمسكن سواء الدار والبيت المفرد منها إذا لم يكن لهما يد على غيره منها قال جمع متقدمون وتبعهم الأذرعي رحمه الله تعالى والزركشي وسواء في المسكون لهما المملوكة لهما أو لأحدهما والمستعارة والمغصوبة ونحوها قال الأذرعي رحمه الله تعالى والغرض أن تكون يد كل منهما على ما تحويه الدار من المتاع وحكم التنازع فيما يسكنانه حكم المتاع الذي به قال الأذرعي رحمه الله تعالى ثم الظاهر أن ما أطلقوه في المتاع من أثاث وغيره محله إذا استند ليدهما الحكمية على السواء أما لو اختص أحدهما بالدار وكان ببعض بيوتها متاع محرز عن الآخر ومفتاح الحرز وإقفاله بيده دون يد صاحبه فاليد على ما فيه لمالكه ونحوه دون الآخر فتأمله اهـ. وتبعه الزركشي رحمه الله تعالى على هذا البحث فقال ينبغي أن يكون ما هنا فيما إذا كانت يدهما الحكمية عليه سواء أما ما اختص بموضع محرز بقفل مفتاحه بيد مالك البيت دون غيره فاليد على ما فيه لمالكه وقال القاضي لو تنازعا في عمارة دار وتقارا على أن أصل الدار لأحدهما فالقول قول صاحب العرصة لأن العمارة تبع. اهـ. وكلامهما صريح في أن كون المفتاح بيد أحدهما لا يكون قاضيا بأن اليد له إلا إذا كان المحل الذي فيه الأمتعة ملكا لمن مفتاحه بيده فلو سكنا دارا مملوكة لأحدهما وفي مخزن منها أمتعة والمفتاح بيد غير المالك لم تكن اليد عليها لمن المفتاح بيده لأنه عارض ما بيده من المفتاح ما هو أقوى منه وهو كون من ليس بيده مفتاح مالكا لذلك المخزن الذي فيه الأمتعة وعند هذه المعارضة يتجه أن تلك الأمتعة تكون بيدهما لأن تلك المعارضة صيرت لا يد لأحدهما عليه بخصوصها وإذا انتفت خصوصية أحدهما به كان في يدهما بحكم كونهما ساكنين فيها على حد سواء قال الأذرعي رحمه الله تعالى قال الشيخ إبراهيم المروزي رحمه الله تعالى بعد ذكره ما سبق في الزوجين وهكذا أخ وأخت تنازعا في متاع البيت الذي يسكنانه وكذلك الأجنبي والأجنبية أو الطفل والبالغ يسكنان دارا واحدة فما فيها لهما بحكم اليد. اهـ. وهو من كلام شيخه القاضي الحسين رحمه الله تعالى في التعليق قال القاضي رحمه الله تعالى وإذا وقعت المنازعة قام ولي الطفل مقامه في المنازعة ورأيت في روضة الحكام ولا تثبت اليد قبل البلوغ بأن كان يسكن دارا مع أبيه يسكن بسكنه وينتقل بانتقاله فلا يد له وإن لم يكن تابعا بأن كان مع أجنبي فاليد تثبت للصغير أيضا وعن بعضهم أنه إذا كان الصغير مع من ليس بولي فاليد تثبت له أيضا وإن كان وليا عن وصاية أو نصب حاكما ففي ثبوت اليد له وجهان اهـ. وهل الحكم كذلك لو كانا رقيقين لسيدين أو أحدهما رقيقا ويكون للسيدين أو لأحدهما مع الحر الساكن اهـ. كلام الأذرعي رحمه الله تعالى وإذا تأملت إطلاق

 

ج / 4 ص -387-        المروزي رحمه الله تعالى في الطفل والبالغ وإطلاق قول شريح كما يثبت للبالغ وجدته قاضيا بأن للطفل يدا حتى مع وليه مطلقا سواء الأب وغيره وبأن ما حكاه شريح عن بعض الأصحاب من التفصيل مقالة لكنها ظاهرة المعنى فليخص بها ذلك الإطلاق وعليه يدل كلام القاضي رحمه الله تعالى الذي هو أصل كلام المروزي رحمه الله تعالى فإنه لم يفرضه إلا في الطفل مع غير الولي بدليل قوله قام وليه مقامه في المنازعة ثم رأيت ما يأتي عن الأذرعي رحمه الله تعالى عقب كلام ابن عبد السلام رحمه الله تعالى وهو يوافق ما رجحته والذي يتجه من تردد الأذرعي رحمه الله تعالى في الرقيق أنه لا يد له مع الحر لأنه لا يتصور له ملك ونيابة يده عن يد سيده مع أن معها يدا أقوى منها بل لا نسبة بينهما غير مفيدة جدا بخلافه مع مثله فإن الذي يتجه فيه أيضا أن اليد لسيديهما لأنه لما لم تصلح يد واحد منهما اضطررنا إلى تقرير يد السيدين حينئذ قال الأذرعي رحمه الله تعالى أيضا ليس في كلام الرافعي رحمه الله تعالى بيان ما يحلف عليه كل منهما وقال الماوردي رحمه الله تعالى يحلف كل منهما على نصفه لأنه حالف على ما في يده دون ما في يد الآخر ثم قال وهذه المسألة مما تعم به البلوى ولا سيما بين أحد الزوجين وورثة الآخر وفي القلب من بعض صورها حزازات ومذاهب الناس مضطربة ولينظر في قول الأئمة فإن كانت اليد لأحدهما حسا فالقول قوله بيمينه هل المراد كون اليد عليه حالة المنازعة فقط أو أعم من ذلك حتى لو اعترف أحدهما باحتواء يده عليه بمفرده فيما سلف وقامت بينة بذلك أو رأيناه لابسا كذا في زمن سابق على المنازعة هل يقضي بانفراده باليد وكذا ركوب الدواب وغير ذلك الظاهر نعم ولم أر فيه تصريحا أو يفرق بين أن يصرح الخصم أو البينة بطول مدة اليد أو لا حتى تكفي رؤية ذلك مرة واحدة أو يوما مثلا هذا محل نظر وتأمل اهـ. والذي يتجه وعليه يدل كلامهم في صور أن الاعتبار بوضع اليد عليه حالة المنازعة ما لم يثبت ببينة أو بإقرار الخصم أن يد أحدهما كانت منفردة به في زمن قبل ذلك ولو مرة لأن الأصل في اليد أنها تدل على الملك فإذا انفردت في الزمن السابق دلت على رفع يد الآخر بخلاف ما لو جاءا واضعين يدهما عليه ولم يثبت لأحدهما عليه في الزمن السابق يد فإنه لا مرجح لأحدهما على الآخر فاشتركا فيه على السواء وإن كان ما تحت يد أحدهما أكثر ومن ثم قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم لو تداعيا عمامة في يد أحدهما قدر ذراع منها وباقيها في يد الآخر فهي بينهما نصفين لأنها في يدهما كما لو تنازعا دارا أحدهما جالس في صدرها والآخر في صحنها ودهليزها قال الماوردي رحمه الله تعالى وهكذا لو كان أحدهما على سطحها والآخر في سفلها كانا عندنا في اليد سواء سواء أكان السطح محجرا أم لا وقال الماوردي أيضا ولو تنازعا في ظرف ويد أحدهما عليه ويد الآخر على المتاع اختص كل واحد باليد على ما في يده ولا تكون اليد على الظرف يدا على المتاع ولا العكس لانفصال أحدهما عن الآخر ويجوز أن يكون المتاع لواحد والظرف لآخر قال ولو

 

ج / 4 ص -388-        تنازعا عبدا ويد أحدهما على ثوبه ويد الآخر على العبد كانت اليد على العبد يدا على الثوب والعبد اهـ. ولو تنازعا ثوبا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فاليد للابس كما قاله شريح رحمه الله تعالى وكلام الماوردي يقتضي الجزم به ومن ثم جزم به في الأنوار وحكاية وجه فيه ردها الأذرعي رحمه الله تعالى بكمال يده وتصرفه قال وإلا لاتخذ ذلك الفجرة ذريعة في الاشتراك في اليد اهـ. ثم رأيت ما رجحته من تردده السابق منقولا لكن بزيادة قيد لا بد منه وهو قولهم لو ادعى اليد في شيء وشهدت بينة بأنه كان في يده أمس لم تسمع إلا إن تعرضت لزيادة بأن قالت كان في يده فأخذه المدعى عليه منه أو غصبه أو قهره عليه أو بعث العبد في شغل أو أبق منه فاعترضه هذا فأخذه منه فإن البينة تسمع حينئذ اهـ. واعلم أن ابن عبد السلام سئل عمن مات وبمنزلة المملوك أو المستأجر له أمتعة وأموال وجماعة كانوا ساكنين مع الميت منهم زوجته وولده الكبير وغلام أجنبي فادعى كل منهم شيئا ولا بينة هناك وطالب آخرون الوصي على الأطفال بودائع وكل من المذكورين يشهد للآخر فهل يكفي يمين كل على ما يدعيه أو لا بد من بينة وهل يقبل إقرار بعضهم بأن هذه وديعة فلان فأجاب بقوله إذا كانت أيديهم على ذلك فإن أقروا بشيء لبعضهم أو غيرهم قبل إقرارهم فإن اختلفوا حلفوا وجعل بينهم بالسوية ولا يقبل قول الوصي وتقبل شهادته بشرطها ومن شهد من أرباب الأيدي قبل قوله في قدر نصيبه ولا يقبل قوله في نصيب غيره حتى تثبت عدالته. اهـ. قال الأذرعي رحمه الله تعالى وقبول قوله في قدر نصيبه محمول على ما إذا كان ممن يصح إقراره لا السفيه وموضع جعله بينهم بالسوية منزل على ما يدعون اختصاصهم به من ذلك ويدهم ثابتة عليه وهم أهل للتصادق ومعلوم أن إقرار الكامل لا يقبل في حق الناقص منهم وأفاد الشيخ رحمه الله تعالى أن يد الولد الكبير العاقل المساكن لأبويه في المنزل مشاركة لأيديهما على ما فيه والظاهر أن يد الولد الصغير ليست كذلك ويكون تابعا لهما ولا عبرة بيده الحكمية لكن سبق أنه لا فرق بين أن يكون أحد الزوجين كبيرا أو صغيرا وقد يفرق بالتبعية وهل البالغ السفيه مع الأب كالرشيد فيه وقفة وهذا إذا لم يعهد له ولا للصغير مال أو متاع وأما الغلام الأجنبي ففي النفس من إلحاقه بالولد الكامل شيء في غير ما في يديه حسا وإن تقدم ما يقتضي التسوية هنالك اهـ. كلام الأذرعي رحمه الله تعالى وقوله وقبول قوله إلخ صريح في كلام الشيخ رحمه الله تعالى شامل للبالغ السفيه والرشيد وكذلك قوله وأفاد الشيخ رحمه الله تعالى أن يد الولد الكبير العاقل إلخ فاشترط البلوغ والعقل دون الرشد وأما توقفه في ذلك بقوله وهل البالغ السفيه مع الأب كالرشيد إلخ فليس ذلك التوقف على إطلاقه بل محله كما أفاده قوله وهذا إلخ في سفيه لم يعهد له مال ولا أمتعة وهذا التوقف بقيده المذكور وإن كان له وجه لكن ما أفاده كلامه أولا كالشيخ وغيره من أنه لا فرق هو الأوجه وذلك لأن السفيه يستقل عن وليه في تحصيل الأملاك في صور منها نحو الاحتطاب ومنها قبول الهبة والوصية وقد رجح

 

ج / 4 ص -389-        جمع متأخرون كابن الرفعة ومن تبعه صحة قبضه ما وهب له وإن لم يأذن له فيه الولي فحينئذ ساوى السفيه الرشيد في ذلك وكما لم يشترطوا في مشاركة الرشيد لأبيه في اليد أن يعهد له مالا أو متاعا كذلك لا يشترط ذلك في السفيه بل الذي ينبغي أنه لا يشترط ذلك في الصغير أيضا بناء على إطلاقهم السابق أن له يدا حتى مع أبيه لكن سبق أن المعتمد خلافه وفارق السفيه بأن الصبي ليس له استقلال بقول ولا فعل مطلقا بخلاف السفيه فإنه يستقل عن وليه بأقوال وأفعال تنفذ منه بغير إذنه فكانت التبعية في الصبي حقيقة متمحضة كما تقرر وحينئذ لا يلزم من إثبات يد السفيه مع أبيه وغيره إثبات يد الصبي كذلك لما تقرر من الفرق الواضح بينهما وبان بما تقرر الجواب عن توقف الأذرعي فيه واتضح ما أفهمه كلام الشيخ وغيره من أن السفيه مع أبيه كالرشيد سواء أعهد له أمتعة ومال أم لا وأما توقفه فيما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في الغلام الأجنبي فعلم الجواب عنه مما قررته في السفيه بل أولى وقد مر عن المروزي رحمه الله تعالى التصريح فيه بما صرح به الشيخ فهو المنقول المعتمد وقوله لكن سبق أنه لا فرق بين أن يكون أحد الزوجين إلخ ظاهر جلي فعليه لا فرق فيما مر من أن المتاع يكون بينهما بين أن يكونا صغيرين أو كبيرين أو أحدهما صغيرا والآخر كبيرا لأن كلا مستقل عن الآخر ليس تابعا له من حيث اليد والولاية بخلاف الصغير مع وليه إذا تأملت جميع ما قررته في هذه المقدمة المهمة علمت منه جواب السؤال وهو أن أولئك المحاجير الساكنين مع أبيهم في محل الصندوق المذكور إن كانوا صغارا فلا يد لهم معه بل تكون اليد له على الصندوق وما فيه إن وجدت فيه شروط الولاية عليهم وإلا فهو بينه وبينهم لأن الولاية إذا انتفت صار معهم كأجنبي وقد مر لك أن الصغير مع الأجنبي له يد ومشاركة في اليد وإن كانوا سفهاء كانت اليد على الصندوق وما فيه له ولهم لما تقرر من أنه في المحل الساكن هو وإياهم فيه وقد علمت أن ما وجد بمحل ساكن فيه جمع بحق أو باطل كما أشاروا إليه بقولهم السابق أول المقدمة أو غصبا تكون اليد عليه للجميع سواء صلح للكل أم بعضهم وإذا كانت اليد للجميع فإن حلف كل على ما يخصه بالنسبة لتوزيعه على رءوسهم قسم بينهم كذلك وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم قضى به لمن حلف على حسب رءوسهم أيضا وأما وجود المفتاح في أيديهم فلا يقتضي أن اليد لهم دون الولي لما مر من أن شرط ذلك أن يكون الظرف ملكا لمن المفتاح في يده فإن كان الظرف ملكا فاليد في المتاع بينهم كما مر وإن كان الظرف الذي هو الصندوق ملكا لهم ومفتاحه بيدهم فاليد لهم وحدهم ولا شيء للولي فيه هذا كله في اليد الحكمية بأن كان الصندوق بيد الجميع حتى تداعوا فيه أما إذا كان هناك يد حسية بأن جاءوا إلى القاضي وهو في يد أحدهم وادعى أنه له دونهم ولم يثبت بإقراره ولا ببينة أنه كان بيدهم وأن من هو بيده الآن استولى عليه غصبا فاليد فيه لمن هو بيده فليحلف ويستحقه بخلاف ما إذا ثبت ما ذكر فإنه لا عبرة حينئذ بانفراده باليد لترتبها بغير حق، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -390-        "وسئل" رحمه الله تعالى عمن ادعى في تركة ميت بلفظ إني أستحق في تركة مورثك كذا أو بغيره دعوى مجردة ولم يقم بينة وأراد تحليف الوارث هل تكون يمينه في الصورة الأولى على البت وفي غيرها على نفي العلم أم لا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى ببركته وعلومه المسلمين بأن في هذه المسألة تفصيلا وهو أنه تارة يريد تحليفه على عدم حصول التركة في يده فيحلف على البت أو على الموت والدين فيحلف على نفي العلم سواء أكانت دعواه بلفظ أستحق في تركة مورثك كذا أو بغيره فقد قالوا إن الحلف يكون على البت في الإثبات والنفي إلا على نفي فعل الغير كأبرأني مورثك فلا بد أن يذكر الدين وصفته وموت المدين وحصول التركة بيد وارثه وأنه عالم بدينه على مورثه فيحلف في الموت والدين على نفي العلم وفي عدم حصول التركة بيده على البت ولو أنكر كلا من الدين والتركة فللمدعي أن يحلفه مع حلفها على عدم حصولها بيده على نفي العلم بالدين لأن له غرضا في إثبات الدين وإن لم يكن عند الوارث شيء فلعله يظفر بوديعة أو دين للميت فيأخذ منه حقه اهـ. فافهم قولهم فيحلف في الدين على نفي العلم لا فرق بين أن تكون الدعوى به بلفظ أستحق أو بغيره وأي فرق بين أستحق في تركة مورثك كذا أو لي على مورثك أو عنده كذا نعم ذكر الأزرق رحمه الله تعالى في نفائسه أن اليمين قد تكون على البت حيث قال إذا وجبت اليمين على شخص حلف على البت في فعله وكذا غيره إن كان إثباتا وإن كان نفيا فعلى نفي العلم فيقول لا أعلم لك على مورثي دينا فإن أراد حيلة تكون اليمين على الجزم فيقول يلزمك أن تسلم إلي من تركة والدك كذا فيجب أن تكون اليمين على الجزم ذكره في البسيط في نظيرها من الخلع. اهـ. وبه يعلم أنه لو قال أستحق في تركة مورثك كذا فيلزمك تسليمه إلي حلف حينئذ على البت فيقول والله لا يلزمني تسليم ذلك إليك ويوافقه ما في فتاوى الأصبحي من أنه لو ادعى أرضا في يد آخر فقال من هي في يده هي أرضي ورثتها من أبي فيقول المدعي بل ملكي وطلب يمين المدعى عليه على البت وامتنع أن يحلف إلا على نفي العلم فما الحكم الذي صرح به الأئمة رضي الله عنهم فأجاب بما حاصله أن كيفية اليمين هنا على نفي الاستحقاق اتفاقا اهـ. ويوافق ذلك وما في الجواهر وغيرها من أنه لو ادعى على إنسان عينا أو دينا فأنكر وحلف ثم مات المدعى عليه فهل له تحليف وارثه ثانيا وجهان أصحهما نعم وتحليفه على نفي استحقاق تسليم العين ونفي العلم بالدين وكذا له تحليف وارث الوارث اهـ. وبما تقرر يعلم أنه حيث أسند المدعى به إلى الميت كأستحق على مورثك أو في تركته أو عنده كذا حلف الوارث على نفي العلم به وحيث أسنده إلى الوارث كيلزمك تسليم هذا إلى ملكي أو أستحقه حلف على البت فيقول لا يلزمني تسليمه إليك أو لا تملكه أو لا تستحقه ثم رأيت البلقيني رحمه الله تعالى صرح بما يؤيد ذلك فقال في حواشي الروضة والاختصار والمعتبر أن يقال يحلف على البت في كل عين إلا فيما يتعلق بالوارث فيما ينفيه وكذلك العاقلة بناء على أن

 

ج / 4 ص -391-        الوجوب لا في القاتل اهـ. وهذا أحسن من إطلاق الشيخين رحمهما الله تعالى كالبندنيجي وغيره أن الضابط في ذلك أن يقال كل يمين فهي على البت إلا على نفي فعل الغير وفي الروضة آخر الدعاوى أن النفي المحصور كالإثبات في إمكان الإحالة به قال الزركشي رحمه الله تعالى فعلى هذا يحلف في مثله على البت وإن كان نفي فعل الغير كما تجوز الشهادة به وقد يحلف على البت في موجود لا ينسب لفعله ولا لفعل غيره كأن يقول لزوجته إلا كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق فطار ولم يعرف فادعت أنه غراب وأنكر فيحلف على البت على أنه ليس بغراب كما قاله الإمام والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما لو ادعى زيد على عمرو أنه أقر أنه باعه عينا بألف وأشهد على ذلك وأقام عمرو بينة أن زيدا مقر أنه اشترى هذه العين بألفين وشهود عمرو على لفظ الشراء فمن ترجح بينته؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بأن البينتين المذكورتين في السؤال يقبل قولهما وذلك لأنهما إن أطلقتا بأن لم يذكرا تاريخا لوقت الإقرارين أو أطلقت واحدة وأرخت الأخرى لزم زيدا لعمرو الألفان اللذان شهدت بهما بينة عمرو على إقراره ولا تعارض حينئذ بين البينتين لإمكان الجمع بينهما بأن يكون عمرو باعها لزيد بألف وأقر به ثم استردها منه ثم باعها له بألفين ثم أقر زيد بذلك فعملنا بكل من البينتين وألزمنا زيدا الألفين لأن البينة الشاهدة على إقراره معها زيادة علم والبينة الشاهدة على إقرار عمرو بالألف لا تعارض تلك البينة لما تقرر وإن أرختا بتاريخين فإن اختلف التاريخ ومضى زمن يمكن فيه الانتقال لزم زيدا الألفان أيضا وإن اتفق التاريخ أو لم يمض زمن يمكن فيه الانتقال تعارضت البينتان في الألف الزائدة بمعنى أن زيدا يقر بها لعمرو وعمرو ينكر استحقاقها فيلزم زيدا الألف الأولى والألف الأخرى لا يستحقها عمرو إلا بإقرار جديد من زيد فإن أقر له ثانيا بالألف الثانية لزمته أيضا وإلا لم يلزمه إلا الأولى هذا كله إن لم يتفقا على أنه لم يجز إلا عقد واحدأما لو اتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد فحكمه حكم الحالة الأخيرة وهو أن زيدا مقر بالألف الثانية لعمرو وعمرو ينكر استحقاقها فلا يستحقها إلا بإقرار جديد وأما قول السائل وشهود عمرو على لفظ الشراء فهو مناقض لقوله قبله وأقام عمرو بينة أن زيدا مقر أنه اشترى هذه العين بالألفين فإن قلت فما حكم هذه الحالة أعني ما لو شهدت البينة على عمرو أنه أقر بأنه باع بألف وشهدت البينة على زيد أنه اشترى قلت حكمه أنه يأتي فيه ما مر من التفصيل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما لو ادعى على زيد دينا فقال إنما هو على عمرو وأنا شاهد بذلك عليه هل تقبل شهادة عمرو ` على زيد أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بأن قول زيد ما ذكر جواب غير صحيح فلا يقبل منه بل يلزم بالخروج من جواب هذه الدعوى بالوجه الشرعي فلو فرض أنه حلف أنه ليس عليه ثم ادعى به على عمرو وأراد أن يستشهد

 

ج / 4 ص -392-        زيد به لم تقبل شهادته لأنه مقر بفسقه لجحده دينه الذي ادعاه عليه ولأنه متهم في تبرئة نفسه بإلزام غيره مما ادعي عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخصين توارثا من أبيهما ومات أحدهما بعد أزمان فادعى الآخر على ورثة الميت بأنه لم يفرد له حصة من الميراث ولم يبين قدر المال وشهد الشهود بدعواه فأجاب ورثة الميت بأنهم لا يعلمون ذلك ولا يستحق عليهم شيئا فهل تقبل هذه الدعوى من غير تعيين المقدار أم لا فإن قلتم بقبول هذه الدعوى والحالة هذه أو عين المدعي المقدار فهل الواجب أداء القدر الذي عينه المدعي أو القدر الكائن وقت الدعوى "فأجاب" بأنه حيث ادعى ولد الميت أولا على ورثة الميت ثانيا بأن مورثهم استولى على حصته من أبيه وبينها ومات وهي تحت يده أو تصرف فيها في حياته فإن شهد له شاهدان عدلان أهلان للشهادة بما يطابق داعوه المذكورة قبلت شهادتهما وألزم القاضي ورثة الميت ثانيا بدفع تلك الحصة وأما إذا لم يبين تلك الحصة فلا تسمع دعواه فإن بينها لكن لم يشهد له شاهدان كذلك حلف ورثة الميت ثانيا على نفي العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله عما لو ادعى على شخص بجهة عامة بشيء في أرض أو غيرها وكان المدعي متلقي ذلك من آخر ولا حجة له فهل يمين المدعى عليه على البت أو على نفي العلم أو فيه تفصيل كأن كان في أرض أمداد معلومة فباعها الوارث وادعى المشتري وهو المدعى عليه قدرا والذي إلى جهته الصدقة قدرا آخر ولا بينة؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بأن يمين المدعى عليه تكون على البت وإذا تنازع ذو اليد وغيره في قدر المدعى به صدق ذو اليد بيمينه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل ادعى على آخر أن هذه العين تحت يدك رهن فيها مائة أشرافي وأقام على ذلك بينة وأقام المدعى عليه بينة أن العين ملكه اشتراها من الراهن والراهن قد مات والمرتهن أيضا قد مات لكن الدعوى بين وارث الراهن ووارث المرتهن فأقام وارث الراهن بينة أن المرتهن أقر عند الموت أن العين مرهونة فأقام وارث المرتهن بينة أن الراهن أقر بعد موت المرتهن أني بعتها من المرتهن أو من وارثه أعني وارث المرتهن وأقام أيضا وارث الراهن بينة أن المرتهن ووارثه أقر أنها رهن تحت أيديهما لم يجز فيها بيع من أحد فأقام أيضا وارث المرتهن بينة أن وارث الراهن أقر أنه باعها هو أو مورثه وأقام وارث الراهن أيضا بينة أن آخر مجلس أنك أقررت أنها مرهونة لم يجز فيها بيع فأي البينتين تقدم أوضحوا لنا ذلك فإن الحاجة داعية إلى ذلك وقد حصل في هذه الدعوى فتنة عظيمة ثم إنهم قد أقروا لما يجيبهم في الورقة من تقديم البينات فاكتبوا بخطكم الشريف جوابا عن ذلك كله إذا لم يلق في بعض ذلك بينة فما الحكم أفتونا مأجورين.

 

ج / 4 ص -393-        "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله إنه إذا شهدت البينة أن المرتهن أقر عند موته أن العين مرهونة عمل بإقراره ولم يفد إقرار الراهن بعد موت المرتهن أنه باعها له قبل الموت لأن شرط صحة الإقرار أن لا يكذب المقر له المقر وهنا المرتهن لما أقر عند موته أنها مرهونة عنده كان مكذبا للراهن في قوله إنه باعها له فتبقى العين على ملك الرهن لأن من أقر لشخص بشيء فكذبه فيه ترك في يد المقر وجاز له التصرف فيه ظاهرا أما في الباطن فالمدار فيه على حقيقة الحال هذا ما يتعلق بإقرار المرتهن وبإقرار الراهن أنه باعه أما إذا قامت بينة بأن الراهن أقر أنه باع وارث المرتهن أو أن وارث الراهن أقر بذلك وأقام بينة أخرى بأن وارث المرتهن أقر بأنها باقية على رهنيتها لم يجز فيها بيع فإن أرخت الإقرارين وكان إقرار الراهن أو وارثه متقدما كان إقرار وارث المرتهن المذكور مكذبا للراهن أو وارثه فتبقى العين على ملكه وإن كان إقراره متأخرا ولم يكذبه وارث المرتهن المقر له كانت العين ملكه وإن لم يؤرخاه أو أرخت واحدة وأطلقت أخرى فإن كان وارث المرتهن المقر له بالبيع موجودا وكذب الراهن أو وارثه في إقراره بالبيع لم يلتفت للبينة الشاهدة بإقراره بل تبقى العين رهينتها لما مر وإن لم يكذبه تعارضت البينتان فيحلف منكر البيع على نفسه وتبقى العين على رهنيتها أيضا لأن صورة المسألة كما يفهم من السؤال أن الرهينة متفق عليها وإنما النزاع في أنه وقع من الراهن أو وارثه بيع أو لا وكذا الحكم إذا لم يكن بينة من الجانبين هذا ما يتجه في هذه المسألة وإن لم أر فيها نقلا بخصوصها لا ينافيه قول الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم الكبير في الراهن ولو قال رهنتك داري بألف آخذها منك وقال المقر له بالرهن بل اشتريت منك تحالفا ولم تكن الدار هنا وكانت عليه الألف بلا رهن ولا بيع لأن صورة هذا النص غير صورة هذا السؤال ما هو جلي على أنه ضعيف وإن جزم به صاحب المهذب والمحاملي لأن شرط التحالف أن يتفقا على عقد ويختلفا في صفته وهنا لم يتفقا على عقد فالمعتمد ما نقله الرافعي عن البغوي وجزم به في الروضة جرى عليه المتولي وغيره من أن المالك يصدق بيمينه لأن الأصل عدم البيع ويرد الألف ويسترد العين بزوائدها ولا يمين على الآخر قال المتولي رحمه الله تعالى لأن الرهن جائز من جهته فالخيرة له في قبوله وقال العمراني لأن الرهن زال بإنكاره لأنه يبطل بإنكار المرتهن وإنما رد إليه الألف مع أنه ينكر استحقاقها لأنه مدع لاستحقاق العين المقابلة عنده بالألف فلما تعذر إبقاؤها رد عليه مقابلها الذي هو بدله كما هو شأن تراد العوضين عند الفسخ أو نحوه ووقع لبعض الجهلة أنه رأى هذا النص في بعض الكتب فتوهم منه أنه في صورة السؤال فكتب فيها الجواب أن البينتين تتعارض في جميع ذلك فإذا تعارضت بطلت وتحالفا قد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه في الرهن في الأم الكبير ما نصه ولو قال رهنتك داري وساق النص المذكور ولو استحى من الله سبحانه وتعالى لم يكتب ذلك ولم يتسور على هذا المنصب الخطير مع أنه ليس فيه أهلية له بوجه كما تدل على ذلك

 

ج / 4 ص -394-        عبارته المذكورة فإنها تسجل عليه بالجهل وتنادي على فهمه بالعجز فعليه أن ينكف عن ذلك ولا يفتي إلا بما هو معلوم مقطوع به في المذهب كالنية واجبة في الوضوء والوتر مندوب ومتى تعدى ذلك دخل في زمرة من قال الله تبارك وتعالى في حقهم عز من قائل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116]، ندرست أطلال العلم وعفت رسومه تسور سوره الرفيع الكذابون وتشدق في حلقهم المتفيهقون المتشبعون بما لم يعطوه فكانوا كلابس ثوبي زور كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن قول ابن السبكي رحمه الله تعالى في الأشباه والنظائر لو قال هذا العبد لفلان ثم ادعى أنه شراه منه لم يصح للمضادة وعن ابن سريج أنه يسمع ولو قال هذا العبد لفلان وقد اشتريته منه منفصلا كان مسموعا لأن العادة جرت أنه يراد به كان لفلان ذكر ذلك شريح في أدب القضاء اهـ اله في الأشباه والنظائر فما الصحيح عندكم؟ "فأجاب" نفع الله تعالى بعلومه بقوله إن ما نقله ابن السبكي رحمهما الله تعالى متجه فليعتمد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله سبحانه وتعالى عن رجل تحت يده حديقة ورثها من أبيه وهي تحت يده يتصرف فيها تصرف الملاك مدة مديدة فادعى رجل أنها رهن بكذا وأقام بذلك بينة وأقام ذو اليد بينة أنها ملكه مدة مديدة أو أنه اشتراها من صاحبها أو أنه أقر بها أو أنه وهبه إياها بجميع حقوقها وأذن له في قبضها وقبضها فهل بينة الخارج الذي ادعى الرهن تقدم أم بينة الذي ادعى الشراء أو الهبة أو الإقرار وهل يكفي قول الراهن هي رهن بكذا أم لا بد من قوله كما قال الإمام الأذرعي الوجه أن يقول هي ملكي رهنتها منه بكذا وأحضرت المبلغ ويلزمه لتسليم إلي وأخذ الحق مني أوضحوا لنا الجواب وإذا أقام مدعي الرهن بينة على إقرار المرتهن أنها تحت يدي رهينة ولم يمض بعد إقراره زمن يمكن فيه البيع فأي البينتين تقدم؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إذا أقام الخارج بينة بأنه ملكه وأن الداخل غصبه منه أو غصبه منه زيد وباعه للداخل أو أنه اكتراه منه أو أودعه عنده قدمت بينة الخارج وكالإيجار والإيداع الرهن المذكور في السؤال كما لا يخفى أما إذا أقام الخارج بينة بالرهن وأقام الداخل بينة بأنه اشتراه من الراهن أو أن الراهن أقر له به أو وهبه إياه أو أقبضه له أو أذن له في قبضه فتقدم بينة الداخل وما ذكره الأذرعي ذكره غيره وهو ظاهر إذ لا بد في الدعوى أن تكون ملزمة بأن يكون المدعى به لازما فلا تسمع دعوى هبة شيء أو بيعه أو إقرار به حتى يقول المدعي وقبضته بإذن الواهب ويلزم البائع أو المقر تسليمه إلي وإذا ادعى دينا قال وهو ممتنع من أدائه وإذا ادعى دارا مثلا بيد غيره لم يكف أن يقتصر في دعواه على قوله هي ملكي رهنتها منه بكذا لأنه لا يمكنه أن يقول ويلزمه تسليمها إلي وطريقه لتسمع دعواه أن يقول وقد أحضرت المبلغ فيلزمه تسليمها إلي إذا قبضه مني وكذا

 

ج / 4 ص -395-        لو ادعاها وقال هي ملكي أجرتها منه مدة كذا إذ لا يمكنه أن يقول قبل مضي المدة ويلزمه تسليمها في طريقه أن يصير إلى انقضاء المدة ثم يدعي وتقدم بينة مدعي الرهن في الصورة المذكورة آخر السؤال، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل اشترى جارية وامتلكها مدة مديدة فأتت بولد في أثناء المدة فلم ينكر سيدها وشاع بين الناس أن الولد من سيدها ثم إن الجارية أدخلت على سيدتها من قتلها بالليل واعترفت الجارية أنها التي كانت السبب في ذلك ثم إن السيد باع الجارية وأمسك الولد فنكر عليه في ذلك فادعى عدم الوطء وأن الولد ليس منه ثم إن السيد مرض مرض الموت فاستلحق الولد بعد نفيه له ليجوز ميراثه فهل يلحقه الولد بعد ما صدر منه البيع والإقرار بذلك أو لا وما يكون حكم الله تعالى في هذه المسألة؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله نعم يلحقه الولد إن وجدت فيه شروط الاستلحاق من كون المستلحق ذكرا مكلفا مختارا والمستلحق مجهول النسب حرا لا ولاء عليه لأحد وهو في سن يمكن كونه ولد المقر ولا بد أن يصدقه البالغ العاقل الحي ولا يلزم من ثبوت النسب ثبوت الإيلاد للأم بل لا بد في ثبوته ع النسب من أن يقول مع ذلك ولو في المرض علقت به في ملكي أو هو ولدي منها ولها في ملكي عشر سنين مثلا وكان الولد ابن سنة مثلا وبهذا يعلم أنا لا نحكم عليه بالإثم ولا بفساد بيع الأمة إلا أن قال علقت به في ملكي أو فيما بعده مما ذكر وأما مجرد قوله هو ولدي فإنه لا يلزم منه إيلادها إن قال ولدته في ملكي لاحتمال أنه أحبلها بنكاح أو بشبهة ثم ملكها والكلام في غير المزوجة أما هي فيلغى الإقرار ويلحق الولد بالزوج إن أمكن وفي غير المستفرشة له أما المستفرشة له فيلحقه الولد بالاستفراش لا بالإقرار ولو قال هذا ولدي من أمتي لحقه وإن قال بعده من زنا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل مات وعليه دين وخلف تركة من جملتها أمة ادعت أنها حامل من سيدها ولم يعلم من سيدها أنه وطئها ولا سمع منه ذلك فإن صح الحمل فهل يقبل قولها في أن سيدها وطئها وأن الحمل منه أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله لا يقبل قولها في ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجلين ادعيا عينا في يد ثالث وأقام أحدهما بينة أن العين ملكي وأن من في يده العين غصبها مني وأقام الآخر بينة أن الذي العين في يده أقر بها وأنكر المالك الإقرار والغصب فهل بينة مدعي الإقرار تقدم أم بينة مدعي الملك والغصب منه فقد قال في الروضة إنه يثبت الملك والغصب ويلغى إقرار الغاصب لغير المغصوب منه؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله إذا ادعيا عينا بيد ثالث فأنكر فأقام أحدهما بينة أنه غصبها منه وأقام الآخر بينة أنه أقر بأنه غصبها منه قدمت بينة الأول لأن الغصب منه

 

ج / 4 ص -396-        ثبت بطريق المشاهدة ولا يغرم شيئا للمقر له لأن الملك ثبت بالبينة وأصل ذلك قول أصل الروضة دار في يد رجل ادعاها اثنان وأقام أحدهما بينة أنها له غصبها منه المدعى عليه وأقام الآخر بينة أن من هي في يده أقر له بها فلا منافاة بينهما فيثبت الملك والغصب بالبينة الأولى ويلغو إقرار الغاصب لغير المغصوب منه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن امرأة بيدها مستند شرعي مضمونه أن فلانة الفلانية اشترت من أختها فلانة الفلانية بيتا بيعا مطلقا بثمن كذا وكذا قبضت البائعة الثمن باعترافها وحكم حاكم شافعي بالتبايع المذكور مؤرخ التبايع والحكم بعام سنة عشرين وتسعمائة والشاهد لم يكتب في المستند معرفته للبائعة ولا عرفه أحد بها والحالة أن البائعة منكرة للبيع المذكور وأنها لم تقبض الثمن المذكور وأنها لم تكن أختا لها كما كتب الكاتب في المستند ثم إن البائعة جاءت عند حاكم شرعي مخالف للحاكم المثبت وادعت على المشترية المذكورة أنها واضعة يدها على بيتها بمقتضى أنها جعلته تحت يدها في مبلغ اثني عشر أشرافيا هو ومستندات شرعية تشهد لها بذلك فأجابت بأنها صار إليها ذلك بالشراء الشرعي منها كما ذكر أعلاه وأنني تقايلت أنا وإياك أحكام التبايع الصادر منك كما ذكر فهل تسمع دعواها الآن بأنها لم تبع ولم تقبض الثمن وهل حكم الحاكم الشافعي يمنعها من الدعوى بذلك وهل طول المدة مع تصريفها في البيت بالهدم والبناء مسقط للطلب أيضا أم لا وهل للحاكم المدعى لديه إلزام المشترية بحضور البينة ثانيا لتشهد في وجه البائعة بالمعرفة والبيع وبقبض الثمن أم لا؟ "فأجاب" نفع الله تعالى بعلومه بقوله لا تسمع دعواها الآن بأنها لم تبع حيث ثبت عند الحاكم وليس للحاكم المدعى لديه إلزام المشترية بحضور البينة ثانيا لتشهد في وجه البائعة بالمعرفة لأن من
لازم حكم الحاكم بصحة البيع استيفاء مسوغاته الشرعية ومنها أن الشهادة لا تكون إلا على عينها أو باسمها ونسبها ولا نظر لطول المدة المذكورة ولا لقصرها وأما دعواها أنها لم تقبض الثمن فإن كانت الشهادة عليها بطريق المعاينة لم تسمع دعواها وإن كانت بطريق الشهادة على إقرارها سمعت دعواها أنها لم تقر إلا على رسم القبالة فتحلف المشترية أنها أقبضتها الثمن فإن نكلت حلفت البائعة أنها لم تقبض واستحقت الثمن، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" نفعنا الله تعالى به في أرض تكون تحت يد مستأجر أو مشتر مدة سنين كثيرة ثم ادعى المؤجر أو البائع أو أولادهما بعد انقراضهما أن هذه الأرض وقفها أبونا أو جدنا علينا وأقامت بذلك يعني بالوقف بينة بالتسامع ولم يعلم أنه قد ثبت هذا الوقف عند حاكم هل تسمع الدعوى والبينة ويصير ذلك وقفا ويبطل البيع أو الإجارة ويغرم واضع اليد أجرة المثل لتلك المدة وما يفوت من المنافع وما يتلف من الأرض وما يكون الحكم لو تنقلت تحت أياد كثيرة تكون كالمغصوبة أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله تسمع الدعوى بالوقف

 

ج / 4 ص -397-        في الصورة المذكورة والبينة الشاهدة به لكن إن جزمت بالشهادة بخلاف ما لو صرحت بأن مستندها التسامع فإنها لا تقبل شهادتها حينئذ إن ذكرت ذلك على جهة الجزم دون التردد على ما قاله جماعة، والله تعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجلين اختصما في أرض وهي تحت أيديهما أو في يد أحدهما وجاء أحدهما بكتاب فيه اشتراء صحيح بحكم حاكم وجاء آخر بكتاب صحيح فيه وقف صحيح بحكم حاكم متقدم على الشراء أو لم يكن فيه حكم حاكم ولكن قامت البينة بالوقف الصحيح التاريخ المتقدم فما المعتمد في ذلك؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله إذا سمعت شهادتها بالوقف بشروطها حكم به للموقوف عليه وانتزع ممن هو في يده وغرم ذو اليد أجرة مثله مدة وضع يده عليه وما فات من منافعه وأجزائه وكذا لو تعاقبت عليه أيد كثيرة كالمغصوب، والله أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى فيما ذكره الأئمة في باب الدعاوى من أنه لا بد لصحة الدعوى مع شروطها أن تكون ملزمة إلا إذا كانت لدفع المنازعة هل ذلك خاص بالدعوى أو يتعدى إلى اليمين والشهادة وهل يفرق في الدعوى بين أن تكون إقرارا فلا يحتاج يمينها وشهادتها إلى ذلك أو لا فيحتاج؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه وبركته بقوله الذي ذكروه أن شرط الدعوى العلم سواء أقصد بها دفع المنازعة أم لا والإلزام فإن ادعى ملكا بنحو بيع أو هبة أو ادعى استحقاق عين لم تسمع دعواه حتى يقول ويلزمه التسليم إلي فإن كان سفيها قال إلى وليي أو أنه يمتنع من الأداء اللازم له لأنه قد يرجع الواهب قبل القبض ويفسخ البائع بسبب ويكون الدين مؤجلا أو على نحو معسر أو العين موجودة مع المدعى عليه ويستثنى من هذا الشرط أعنى اشتراط ما ذكر وهو يلزمه التسليم إلي ما لو قصد بالدعوى نحو المنازعة دون تحصيل الحق فلا يشترط حينئذ ذكر ذلك فإذا قال هذه الدار لي وهو يمنعنيها سمعت دعواه وإن لم يقل هي في يده لأنه يمكن أن ينازعه وإن لم تكن الدار بيده ولأنه لو قال ذلك أو قال يلزمه التسليم إلي سأله القاضي عن سببه من شراء أو رهن أو إجارة مثلا وبهذا الذي تقرر من كلامهم علم أن ذلك لا يمكن إتيان نظيره في اليمين والشهادة لا في الإقرار ولا في غيره وهذا واضح جدا وكان سبب الالتباس فيه ما أوهمه كلام السائل من أنها إذا كانت لدفع المنازعة لا يشترط فيها شيء من شروط الدعوى وليس كذلك وإنما هو مستثنى من اشتراط ذكر ويلزمه التسليم إلي كما تقرر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى في رجل ادعى على آخر أن هذه العين تحت يدك غصب وأقام على ذلك بينة وادعى آخر أنها تحت يدك عارية أو إجارة وأقام بذلك بينة ولم يقر لأحد منهما أو أقر لأحدهما فما يكون الحكم في ذلك؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه

 

ج / 4 ص -398-        بقوله إن البينتين المذكورتين فيها إن شهدت كل منهما بالملك لمن أقامها تعارضتا فيتساقطان ويعمل بإقرار ذي اليد وإن شهدت إحداهما بالملك والأخرى بمجرد الغصب أو الاستعارة أو الاستئجار من الآخر قدمت الشاهدة بالملك.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل يجوز للمفلس الحلف على أنه لا مال له؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله حكى الصيدلاني رحمه الله تعالى فيه وجهين أحدهما له الحلف أنه لا حق عليه ناويا لا حق عليه يلزمه أداؤه الثاني لا يحلف لأن الحاكم العادل لا يحبسه إلا بعد الكشف عن حاله ذكره في البيان وقضيته اتفاق الوجهين على أن له الحلف ناويا ذلك إذا كان الحاكم جائرا وحينئذ فيستفاد منه أن التورية تنفع عند الجائر في نحو ذلك أيضا ويكون ذلك مستثنى من قولهم لا تنفع التورية عند الحاكم.
"وسئل" رضي الله تعالى عنه في شخص أرسل أمانة إلى آخر ليصرفها على زوجته ومستولدته بإخبار الأمين المرسل مع ذلك فأنفقها المرسل إليه كما ذكره المخبر المذكور وأنفق بعد فراغها من مال نفسه بنية الرجوع من غير تعيين لذلك حال الإنفاق والإشهاد به فمات مرسل الأمانة وعليه دين ثبت بعد وفاته وأراد الدائن المطالبة بدينه لمن وضع يده على المال المرسل من مدينه بعد الإنفاق المذكور فهل له ذلك وعلى من يتوجه طلبه على الوارث أو المنفق أو المنفق عليه وإذا توجه طلبه على واحد منهم فما الحكم في الإنفاق والإذن فيه هل يقبل قول المنفق وحده أو قوله مع الزوجة المنفق عليها أو قول جميع الورثة أو يحتاج إلى البينة وإذا عجز المنفق عن البينة على الإذن له فهل له الرجوع على المنفق عليه وهل تعيينه بعد الإنفاق لما أنفقه من مال نفسه المال المرسل مقبول وإذا اختلف المنفق والمنفق عليه في النفقة من مال نفسه فادعى المنفق عليه التبرع وادعى المنفق أن ذلك على نية الرجوع فمن يقبل قوله منهما وهل للمتبرع بالإنفاق الرجوع به أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله صرح السبكي كابن الصلاح رحمهما الله تبارك وتعالى بأن للدائن المطالبة بحقوق الميت أي بأعيان أمواله لا بديونه وحينئذ فللدائن هنا مطالبة المرسل إليه بما وضع يده عليه فإن أثبت إذن الميت له في الإنفاق المذكور برئ وإلا غرم بدل ما أرسل إليه وللدائن مطالبة الوارث أيضا دون المنفق عليه ولا يكتفى في دفع طلب الدائن اتفاق هذين والمرسل إليه على إذن الميت في الإنفاق لا بد من ثبوته كما مر وإذا لم يثبت فإن استمر المنفق على دعوى الإذن له في الإنفاق لم يرجع على المنفق عليه وإن قال إنما أنفقت لظني الإذن وقد بان خلافه رجع هذا بالنسبة للمال المرسل إليه وأما ما أنفقه من مال نفسه فلا رجوع له به على المنفق عليه وإن أنفق بنية الرجوع والله سبحانه وتعالى أعلم.
"فائدة" اعلم أن ما قدمته عن السبكي وابن الصلاح رحمهما الله تبارك وتعالى مشكل

 

ج / 4 ص -399-        فإن كلام الأصحاب دال على خلافه وذلك أنهم قالوا ليس للغريم ابتداء الدعوى إذا تركها الوارث أو المفلس ذكره الشيخان رحمهما الله تعالى في الروضة وأصلها وجرى ابن الصلاح رحمه الله تبارك وتعالى على ما يوافقه فإنه سئل عمن أثبت دينا على امرأة ميتة وادعى على زوجها أن لها عليه مهرا ولم يدع بذلك وارثها فأجاب بقوله لا تسمع دعواه فإنه يدعي حقا لغيره غير منتقل منه إليه وغايته أنه إذا ثبت ثبت له فيه حق تعلق كما لو ادعت الزوجة دينا لزوجها أي فإنها لا تسمع وإن كان لو ثبت لتعلق به حق النفقة وتبعه على ذلك جمع متأخرون بل جزم به الشرف الغزي رحمه الله تعالى وغيره لكنه ناقض نفسه حيث قال لو كان حق على ميت وأقام بينة بذلك وحكم له الحاكم به ثم جاء بمحضر يتضمن ملكا للميت وأراد أن يثبته ليبيعه في دينه ولم يوكله الوارث في إثباته فالأحسن القول بجواز ذلك قال الغزي رحمه الله تعالى وهو واضح وصرح بمثله السبكي رحمه الله تعالى في فتاويه فقال للوارث والموصي والدائن المطالبة بحقوق الميت اهـ. وعند تأمل كلامي ابن الصلاح والسبكي المذكورين يعلم أنهما لم يتواردا على محل واحد فإنه فرض الأول في الدين والثاني في العين فهو قائل بالفرق بينهما وأن الدين لا تسمع فيه الدعوى من الغريم بخلاف العين وكأن هذا هو الحامل لشيخنا شيخ الإسلام زكريا سقى الله عهده حيث قال في مختصر أدب القضاء للشرف الغزي تبعا له وهذا أي ما قاله ابن الصلاح رحمه الله تعالى آخرا لا يخالف قولهم ليس للدائن أن يدعي على من عليه دين لغريمه الغائب أو الميت وإن قلنا غريم الغريم غريم أي بالنسبة لجواز الظفر بماله بشرطه للفرق بين العين والدين اهـ. والفرق الذي أشار إليه بين العين والدين هو أنه بالموت تعلق الحق بأعيان ماله لرهنها به شرعا بخلاف الدين وبخلاف الغريم الحي حاضرا كان أو غائبا لأن مال دائنهما لا يتعلق بمالهما على الغريم أو عنده إلا بعد ثبوته وعلى تسليم أنه يتعلق به قبله نظرا إلى أن العبرة في مثل ذلك بما في نفس الأمر فهو تعلق تقديري وهو أضعف من ذلك التعلق السابق في الميت فإن قلت غاية ذلك التعلق أنه تصير الأعيان مرهونة كما تقرر فيكون الغريم كالمرتهن والمقرر فيه أنه لا يخاصم وإن امتنع الراهن من الخصام إلا لعذر قلت طلب المسارعة إلى براءة ذمة الميت اقتضت أن يوسع في طرقها بتمكين كل من الوارث والوصي والدائن من المطالبة بحقوقه ألا ترى أن وليه إذا تحمل دينه برئ بمجرد ذلك على خلاف القاعدة وسبب خروجه عنها الحاجة إلى تعجيل براءته فكذلك هنا ساغ طلب الدائن على خلاف القاعدة للحاجة إلى تعجيل ذلك بتوسيع طرقه فإن قلت هذه العلة تقتضي أن الدين كالعين في ذلك قلت الدين لما كان أمرا تقديريا ضعف عن أن يلحق بالعين فلم تتحقق الحاجة في الطلب به حتى يسوغ تجويزه على خلاف القاعدة على أن ابن الأستاذ رحمه الله تعالى نظر لذلك فألحقه بالعين فجوز للغريم الطلب أيضا إذا أعرض الوارث أو تكاسل ورد على ابن الصلاح رحمه الله تعالى ما مر عنه أولا في الدين فقال

 

ج / 4 ص -400-        عقبه بل تسمع دعواه إذا أعرض الوارث أو تكاسل ولا يمنع ذلك كونه لا ينتقل إليه بعينه فإن جميع ما يخلفه الميت بهذه المثابة ولا يتعين وفاء دين الميت من عين معينة ولا دين حتى لو كان عنده رهن كان للراهن وورثته صرف دينه من غيره ولا يمنع ذلك المطالبة وقياسه على الزوجة الكلام فيه أيضا كذلك إذا كان لها عليه حق ثابت لو صدق المدعى عليه والحالة هذه وجب الدفع لإيفاء دينه وتمسك أعني ابن الأستاذ رحمه الله تعالى بقول الإمام رحمه الله تعالى إذا أعرض فللمرتهن الخصام عند المحققين قال وفي التهذيب إذا كان له دين في ذمة شخص فلا دعوى له على غريمه فإن مات أو حجر عليه سمعت الدعوى عليه حينئذ قال ونقل الإمام رحمه الله تعالى عن والده أن لغرماء الميت والمفلس الابتداء بالدعوى ونقل الأصحاب رضي الله عنهم المنع محمول على ما إذا لم يقع التكاسل من الوارث والمفلس قال وقد أجاب ابن الصلاح رحمه الله تعالى في موضع آخر بالسماع اهـ. وليس كما قال وإن أقره جمع فإن ما احتج به أولا يرده ما تقرر من الفرق الواضح بين العين والدين ولا تمسك له فيما نقله عن الإمام وأبيه والبغوي رحمهم الله تعالى لأنها مقالات مخالفة لصرائح كلام الشيخين رحمهما الله تعالى وغيرهما أن المرتهن لا يخاصم وإن أعرض الراهن وأن الدائن لا يدعي ولو بعد الموت أو الحجر وإن أعرض الوارث ووقع لأبي زرعة رحمه الله تعالى أنه أفتى بنحو ما مر عن ابن الأستاذ فقال تسمع الدعوى على غريم الغريم ولا يقال قد قالوا بجواز الظفر من مال غريم الغريم ولا تسمع الدعوى عليه لأن ذلك مع حضور الغريم أما إذا غاب وثبت حق صاحب الدين فرفع غريمه ليستوفي منه الدين فلا مانع منه لا سيما إذا تعين ذلك طريقا لوفائه والمدعي لا يأخذه بيده وإنما الحاكم يقبضه بنفسه أو نائبه ثم يقبضه للدائن اهـ. وهذا أيضا فيه نظر وإطلاقهم يرده فالمعتمد ما قدمته من عدم سماع دعوى غريم الحي مطلقا وكذا غريم الميت في الدين ولا ينافي ذلك قول شريح رحمه الله تعالى لو ثبت لزيد دين على عمرو فادعى زيد على خالد أن الثوب الذي بيدك لعمرو فأنكر وادعاه لنفسه لم يحلف إذ لو وجبت يمين فربما نكل فترد اليمين على المدعي فيحلف فيؤدي إلى إثبات ملك الشخص بيمين غيره ولو قصد إقامة بينة عليه لم تسمع اهـ. ووجه عدم منافاة هذا لما مر من سماع الدعوى وطلب التحليف في عين الميت أن هذا مفروض فيما إذا كان عمرو حيا حاضرا كان أو غائبا ليوافق ما مر عن ابن الصلاح والسبكي رحمهما الله تعالى من سماع الدعوى في العين المملوكة للميت وكلام الغزالي وشيخنا رحمهما الله تعالى يشير إلى ذلك فإنهما عقبا كلام شريح رحمه الله تعالى هذا بما مر عن ابن الصلاح والسبكي رحمهما الله تعالى إما بيانا لمراده أو تخصيصا له بغير صورة الميت ويلزم من سماعها تحليف من هي تحت يده فإن قلت ظاهر قول شريح إذ لو وجبت يمين فربما نكل إلخ أن هذا لا يختص بالحي قلت ما علل به ممنوع من أصله لأن ظاهر كلام شريح رحمه الله تعالى سماع الدعوى وإنما الذي ينفيه

 

 

ج / 4 ص -401-        طلب التحليف لما يلزم عليه مما ذكره وليس ما ذكره بلازم بل متى سمعت الدعوى سمع طلبه للتحليف وفاء بالقاعدة ولا ملازمة بين التحليف ورد اليمين ألا ترى أن الولي يدعي ويطلب التحليف ولا ترد عليه اليمين ومن جملة الأيمان التي لا ترد يمين التهمة والقسامة واليمين المتممة مع الشاهد الواحد ويمين الاستظهار واليمين المردودة ويمين القذف التي تجب على القاذف ويمين الشهود وهي يمين التزكية وكان هذا الذي قررته في رد علته وأن قضية كلامه سماع الدعوى هو منشأ قول شيخنا عقبه قلت في عدم سماعها أي البينة نظر اهـ. ويوجه بما تقرر أن قضية نفيه الحلف وسماع البينة سماع الدعوى ويلزم من سماعها سماع البينة حيث لا مناقضة ونحوها مما لم يوجد هنا وكذا يلزم من سماعها طلب التحليف ولكنه وجه عدم طلبه بما قدمه فبقي عدم سماع البينة بلا توجيه فاتضح التنظير فيه فإن قلت ما تقرر عن شيخ الإسلام في أدب القضاء ناقضه في شرح البهجة فقال كما أن ليس له دعوى على من للمفلس عليه دين أو له عنده عين بهما إذا تركهما المفلس أو وارثه قلت لا مناقضة في الحقيقة لأنه إنما جرى في الشرح على مقتضى إطلاق كلام الأصحاب من عدم سماعها من الغريم مطلقا لأنه لم ير كلام ابن الصلاح والسبكي رحمهما الله تعالى في ذلك لكونه إنما ذكر ذلك في باب الفلس وليس هو محلا لذلك وأما عند من رآه وظهر له وجهه فإنه قيد به إطلاق الأصحاب فكان هذا مقدما على ما في الشرح للقاعدة المقررة أن ما ذكر في بابه مقدم على ما ذكر في غيره لأن المذكور في الغير لا يعطي حق النظر والتفتيش لكونه ذكر استطرادا وأما المذكور في بابه فإنه يعطي ذلك فلا يجزم فيه بشيء أو يعتمد إلا بعد مزيد التحري والتدبر فلذلك كان هذا مقدما على ذلك غالبا هذا وقد سبق مني إفتاء متكرر في هذه المسألة مسطر بعبارات مختلفة في الفتاوى وفي بعضها مخالفة لبعض ما قررته هنا الآن فليعتمد هذا دون ما خالفه.
"تتمة" حكى في الجواهر وجهين فيما إذا لم يكن للميت وارث أحدهما أن الغريم يدعي ويحلف والذي يتجه ترجيحه ما مر في هذه الصورة أيضا أعني أنه لا يحلف ولا يدعي في الدين بخلاف العين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن رجل أقامه حاكم شرعي متكلما على صغير قاصر بمقتضى موت أبيه من غير وصية فأراد القيم المذكور أن يبيع عقارا من عقار الصغير المذكور فحضر عند حاكم شرعي وأثبت أن الصغير محتاج إلى مصروف ونفقة ليسوغ له البيع ثم باع العقار وثبت البيع لدى الحاكم المذكور أعلاه وحكم بموجب ذلك ثم بعد مدة بلغ الصغير وادعى على المشتري عدم صحة البيع الصادر من القيم بمقتضى أن غلاله المتحصلة من أمواله تكفيه وتزيد على ذلك منذ مات أبوه وإلى حين دعواه وأقام بينة شرعية عادلة تشهد له بذلك وظاهر الحال يساعده أيضا فهل تسمع البينة الثانية أم لا وإذا قلتم أنها مسموعة فهل ينقض

 

ج / 4 ص -402-        حكم الحاكم بموجب البيع المترتب على البينة الأولى الشاهدة بخلاف ظاهر الحال والحال ما ذكر أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله المنقول كما في مقنع المحاملي وقواعد ابن عبد السلام وشرح الجيلي وأفتى به الإمام ابن عجيل رحمهم الله تعالى تقديم بينة اليسار على بينة الإعسار ووجهه أن بينة اليسار ناقلة عن أصل العدم الموافق لما شهدت به بينة الإعسار وقاعدة أصحابنا أن الناقلة عن الأصل مقدمة على المستصحبة له نعم يشترط في بينة اليسار أن تعين المال الذي هو موسر به كما صرح به في الشامل وفي الأنوار عن القفال ما يوافقه وهو أنهم لو شهدوا على مفلس بالغنى لم تسمع حتى يبينوا من أي وجه استفاد المال ويمكن الأخذ بإطلاق الأولين وحمل هذا على ما إذا عرف له إعسار سابق فلا تقبل بينة اليسار حينئذ إلا إن بينت السبب وهذا هو نظير مسألة القفال رحمه الله تعالى ثم الذي دل عليه كلام الأذرعي رحمه الله تعالى وغيره وصرح به جمع متأخرون أن محل تقديم بينة اليسار إن جهل حاله أما لو علم له مال قبل ذلك فتقدم بينة الإعسار لأنها الناقلة حينئذ إذا تقرر ذلك فالموافق لما قررناه ولكلامهم في محل آخر أن الصغير متى جهل حاله في الاحتياج وعدمه قبيل البيع ثم شهدت بينة عند البيع باحتياجه وأخرى بغناه وبينت ذلك على نظير ما مر قدمت الثانية على الأولى وإن حكم بها إذ الحكم ليس من المرجحات فينقض الحكم حينئذ ومتى علم أنه كان عند البيع غنيا ثم تعارضت البينتان كما ذكر قدمت الشاهدة بالحاجة لأنها الناقلة حينئذ نعم الأعيان التي تتحصل منها الغلال الشاهدة بها بينة الغنى إذا كانت الآن باقية مشاهدة بحيث يعلم منها أنها كانت تكفي الصغير بغلالها علما قطعيا قاضية على شهادة بينة الحاجة بالكذب والبطلان فلا يلتفت إليها وإن حكم شافعي للقطع بما أبطل حكمه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص له أولاد صغار تحت حجره ولهم حصة من دار فأجر والدهم تلك الحصة لهم وأشهد على نفسه بقبض الأجرة لهم والحال أن بعض الأجرة كانت دينا عليه للمستأجر والبعض الآخر قبضه وقضى به ديونا عليه فقامت جدة الأولاد لأمهم وادعت أن هذه الإجارة لا مصلحة للأولاد فيها وعندها بينة تشهد للأولاد بذلك فهل تسمع دعواها وبينتها وتنقض الإجارة أم لا وإذا سمعت ونقضت الإجارة فمن يتولى قبض الحصة المذكورة للأولاد؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله تسمع دعواها وبينتها كما يصرح به كلام القفال رحمه الله تعالى والأذرعي وعبارته نقلا عنه ولا خفاء أنها تسمع دعوى الحسبة على قيم الصبي أنه أتلف مالا للصبي وله أن يحلف القيم إن اتهمه فيه قال الأذرعي: وقد عمت البلوى بهذه المسألة وهو أن يدعي قريب للميت على وصية إتلاف شيء من ماله أو خيانة أو نحوها محتسبا فترد دعواه كما عاينته من كثير من قضاة العصر معتلين بأنه لا حق له ولا ولاية على الطفل ويرون دعواه فضولا والظاهر أنه إذا كان للمحتسب أن يحلف القيم فله أن يقيم بينة على ما ادعاه بل أولى وحسن أن يأذن له

 

ج / 4 ص -403-        الحاكم في الدعوى فيتعين ذلك عند ظهور أمارات خيانته وفساد حاله أو جهالته سيما في هذا الزمان وقد يعود الضمير في قول القفال وله أن يحلف القيم على الحاكم لا على المدعي حسبة اهـ. ورجوعه إلى الحاكم متعين إذا تقرر ذلك وثبت عند القاضي أن الإجارة وقعت على خلاف الحظ حكم ببطلانها ثم إن ثبت عنده فسق الولي أقام على الأولاد غيره وإلا فولايته باقية فإن قلت صحح الشيخان رحمهما الله تعالى أن بينة الحسبة تقبل من غير تقدم دعوى فكيف قال القفال رحمه الله تعالى تسمع دعواه قلت إما أن يكون هذا مستثنى أو ضعيفا في هذا الحكم فقط وضعفه فيه لا يقتضي ضعفه في سماع البينة والعمل بموجبها.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن باع شيئا ثم ادعى أنه لم يكن ملكه هل تسمع دعواه وبينته؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله إن صرح بأنه ملكه حال البيع لم تسمع دعواه ولا بينته مطلقا وكذا إن لم يصرح بذلك ولكن ادعاه لغيره ولم يكن وليا عليه ولا وليا عنه ولم يدع انتقالا منه إليه فإن ادعاه الآن لنفسه وكان قصده بالدعوى للغير أن يتوصل بذلك إلى حقه كما إذا قال بعته وهو ملك فلان ثم ملكته منه بنحو إرث وأقام بينة أنه وقت البيع ملك ذلك الأجنبي وأنه انتقل إليه منه بعد البيع سمعت دعواه وبينته وإنما سمعت دعواه للغير لأنه يدعي ملكا لغيره منتقلا منه إليه كالوارث فيما يدعيه ملكا لمورثه.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن الامتناع من يمين الاستظهار هل هو كالامتناع من غيرها حتى يقضي على الممتنع بالنكول؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله ليس مثله لأنها شرط للحكم لا مثبتة له فإذا لم يحلفها امتنع الحكم له فقط ولا يقضى عليه بشيء.
"وسئل" رحمه الله تعالى بما صورته تداعيا عينا وأقام كل بينة أنه اشتراها من زيد وتعرضت إحداهما لنقد الثمن فهل ترجح به؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله نعم ترجح به كما اقتضاه كلام الغزي رحمه الله تعالى.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل للمدين حيلة في إقامة البينة بإبرائه عن الدين قبل الدعوى به عليه؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله قال القاضي حسين رحمه الله تعالى الحيلة في ذلك أن ينصب القاضي مسخرا يدعي على المدين فيقول لي على فلان كذا وله علي هذا كذا فمره بتسليمه إلي فيقيم المدعى عليه البينة حينئذ بالإبراء اهـ. واستشكله الغزي رحمه الله تعالى بأن غريم الغريم ليس بغريم وأجيب بأن محل كونه أنه غير غريم إذا كان منكر الدين الغريم فحينئذ لا تقام عليه البينة وأما إذا كان مقرا كما في صورتنا فهو غريم يستوفي منه الحاكم ما على الغريم إلا أن يقيم البينة على الإبراء.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن له عين تحت يد آخر فهل له الاستقلال بأخذها مطلقا أو فيه تفصيل؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله إن كانت بيد من ائتمنه كالوديع أو اشتراها منه وبذل له الثمن فليس له ذلك إلا بإذنه لما فيه من الإرعاب وإن كانت تحت يد عادية

 

ج / 4 ص -404-        استقل بأخذها مطلقا إن لم يخف فتنة وإلا رفع الأمر للقاضي وبحث الزركشي كالأذرعي رحمهما الله تعالى أن مستحق المنفعة كالمستأجر والموقوف عليه كالمالك في ذلك أخذا من النص على أن للولي ذلك إن غلب على ظنه السلامة جاز أو الفتنة امتنع وكذا إن استوى الأمران وخالفهما البلقيني رحمه الله تعالى فقال لا يحرم على الإنسان أخذ عينه ممن هي في يده.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن بناء تحت أيدي جماعة ينتفعون به ويدعون استحقاق الانتفاع به فنازعهم شخص بأن هذا البناء أحدثه الحاكم الفلاني ظلما على الشارع وأقام بينة بذلك وأقامت تلك الجماعة الواضعون أيديهم بينة بأن هذا البناء كان موجودا قبل وجود هذا الحاكم المذكور في هذا المكان فهل تقبل بينة واضع اليد ويحكم باستمرار الانتفاع أو تقدم بينة المنازع فيمنع واضع اليد من الانتفاع والتصرف؟ "فأجاب" بقوله الذي دل عليه كلامهم أنه يحكم باستمرار انتفاع واضع اليد وعدم رفع يده لأن هاتين البينتين إما متعارضتان لأن إحداهما تقول إنه أحدث ظلما وقت كذا والأخرى تقول إنه كان موجودا قبل ذلك الوقت فتواردا على النفي والإثبات في عين واحدة وهذا تعارض من وجهين فهو أولى من قولهم لو شهدا بأنه سرق كذا أو غصبه غدوة وشهد آخران بأنه سرقه أو غصبه عشية تعارضتا ومن قول ابن الصلاح رحمه الله تعالى لو شهدت بينة بأنه برئ من مرضه الفلاني ومات من غيره وشهدت بينة أخرى بأنه مات من مرضه الفلاني تعارضتا وإذا ثبت تعارضهما وأنه لا مرجح لإحداهما حكم بتساقطهما لتناقضهما ولأنهما لم يشهدا بشيء فتبقى يد الواضعين على حالها فيتصرفون في ذلك البناء بما أرادوا وإما متعارضتان ولإحداهما مرجح وهو ليس إلا للبينة الثانية في السؤال لأنها اعتضدت بشيئين أحدهما اليد وقد قالوا إذا تعارضتا ولأحد المتداعيين يد قضي له بما ادعاه وإن تأخر تاريخ بينته لترجحها باليد سواء تعرضت لسبب ملك ذي اليد أم لا ثانيهما سبق التاريخ لأن الشاهدة بالأحداث ظلما تشهد به سنة عشر مثلا والأخرى تشهد بالوجود سنة تسع مثلا فالثانية أسبق تاريخا فتقدم كما صرحوا به بقولهم لو أقام أحدهما بينة بملكه من سنة والآخر بينة بملكه من أكثر قدمت بينة الأكثر لأنها تثبت الملك في وقت بلا معارضة وفي وقت بمعارضة فيتساقطان في الثاني ويثبت موجبها في الأول والأصل في الثابت دوامه. فكذا هنا تقدم الثانية لأنها أثبتت وجود ذلك البناء في وقت بلا معارضة وفي وقت بمعارضة فيتساقطان في الثاني ويثبت موجبها في الأول والأصل في الثابت دوامه ويؤيد ذلك إفتاء ابن الصلاح رحمه الله تعالى فيمن مات وخلف ملكا فادعى أجنبي أنه ملك بيت المال وأنه كان بيد الميت غصبا وأقام بينة بذلك وأقام الوارث بينة بأنه ملكه وأن يده ثابتة عليه بحق وأن يد الميت أيضا يد حق إلى أن مات بأنه تقدم بينة الوارث لأن معها زيادة علم وهو حصول الملك ولا يعارض إفتاؤه هذا إفتاءه أيضا بأنه لو قال الخارج غصبتني فقال الداخل هو ملكي وأقاما بينتين قدمت بينة الخارج

 

ج / 4 ص -405-        لأن يد الداخل هنا أثبتت هنا أن يده ثابتة بخلافه في مسألة الغصب الثانية ووجه تأييد الأولى لمسألتنا أن دعوى الأجنبي أنه ملك بيت المال كدعوى المنازع في السؤال بأنه شارع بجامع أن الحق للمسلمين في كل منهما فإذا قدمت بينة الوارث لزيادة علمها بتعرضها لحصول الملك فأولى أن تقدم بينة ذي اليد في مسألتنا لتعرضها لوجود البناء قبل وجود ذلك الظالم فهي أولى بأن معها زيادة علم فإن قلت هل يمكن أن يقال بتقديم البينة الأولى في السؤال أخذا من قولهم لو أقام بينة بأن مورثه فلانا مات يوم كذا فورثه وهو ابنه لا وارث له غيره وأقامت امرأة بينة أنه تزوجها يوم كذا ليوم بعد ذلك اليوم ثم مات بعده عمل ببينة المرأة لأن معها زيادة علم فكذا الأولى معها زيادة علم بالأحداث المستند إلى فعل فلان الظالم فالقياس واضح قلت الفرق بين المسألتين أظهر وأوضح لأن السبب زيادة العلم فيما قالوا إن الثانية أثبتت حياته في زمن ثان فهي وإن كانت مستصحبة لأصل الحياة لكن لما ضمت إلى ذلك تصرفه في ذلك الزمن بالنكاح فيه كان معها زيادة علم على الشاهدة بموته قبل ذلك فقدمت تلك على هذه لذلك وأيضا فهذه قالت لا وارث له سواه فهي نافية وتلك قالت إن الزوجة وارثة له فهي مثبتة والمثبتة مقدمة على النافية لأن معها زيادة علم فزيادة العلم هنا في ثلاث أشياء علمه ببقاء حياته بعد زمن الموت الذي بينته الأخرى ومن ثم قالوا لو شهدا بموته وشهد آخران بحياته بعد ذلك فشهادة الحياة أولى وبتعاطيه للنكاح بعد ذلك وبأن معها إثباتا فقدمت لمجموع هذه الأمور وأما في مسألة السؤال فلم يوجد نظير ذلك وإنما غاية ما فيه أن الثانية تشهد بوجوب ذلك البناء في الزمن السابق والأولى تشهد بأنه لم يكن حينئذ وإنما حدث بعد فالثانية هي المثبتة فزيادة العلم ليست إلا معها فكلامهم المذكور دليل لنا لا علينا على أنه يشكل عليه إفتاء ابن الصلاح رحمه الله تعالى بأنه لو شهدت بينة بأنه مات في رمضان سنة كذا فأقام بعض الورثة بينة بأنه أقر له بدار سنة كذا لسنة كذا بعد السنة المذكورة لموته قدمت بينة موته في رمضان ووجه الإشكال أن قياس ما مر تقديم بينة الإقرار لأن معها زيادة علم بحياته بعد رمضان وإقراره وقد يجاب بما قررته في تلك من أن زيادة العلم ثم إنما جاءت من مجموع تلك الأمور الثلاثة وليس هنا إلا بعضها فلا إشكال على أن في تلك ما يتضح به أن بينهما فرقا ظاهرا لا يحتاج معه ذلك الجواب وهو أن الثانية في تلك شهدت بنكاحه بعد الزمن الذي عينته الأولى ثم بموته بعد ذلك فمعها زيادة علم بتأخر حياته وتعاطيه للنكاح ثم بموته بعد ذلك وأما في هذه فلم تتعرض البينة الثانية إلا لمجرد الإقرار المستلزم للحياة فكأنها شهدت بمطلق حياته بعد شهادة الأخرى بموته وشهادة الموت مقدمة لأنها ناقلة عن أصل الحياة بخلاف الشاهدة بها لاستصحابها لذلك الأصل فتأمل ذلك فإنه مهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن دين شرعي ثبت بطريقه الشرعي فأوجب الوارث الشرعي

 

ج / 4 ص -406-        على رب الدين يمين الاستظهار الجامعة لنفي المسقطات فاختار الوارث الشرعي رفع اليمين المذكورة بعد ذلك عن رب الدين فهل تسقط اليمين عن رب الدين ويأخذ ما ثبت له من الدين المذكور أم تجب اليمين المذكورة على رب الدين حتما أم لا وهل يكون الحكم كذلك في جميع الدعاوى سواء أكانت أصلا على المدعي إذا أنكر أو مردودة على المدعي؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله حيث كان للميت وارث خاص لم تجب اليمين إلا بطلبه وكذا سائر الدعاوى لا تجب اليمين فيها إلا بطلب من وجبت له إن تصور منه طلب.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص تملك مالا ونقله عن ملكه إلى شخص آخر بالغ أو صبي بطريق شرعي ببيع أو صيرورة شرعية ثم ادعى شخص على الواضع يده على المال المنقول المذكور بأنه ملكه ورثه من أبيه فأنكر الواضع يده وقال هذا ملكي وأنا حائز له صار لي من فلان بطريق شرعي فقال له المدعي أنت تعلم أنه كان ملك أبي وصار لي بالإرث الشرعي فاحلف لي على ذلك أنك ما تعلم فهل تلزمه اليمين أو تلزم الناقل الذي صار له من قبله إذا كان حيا وإن كان ميتا هل تلزم ورثته أو لا فإذا قلتم بلزومها على الناقل أو المنقول ونكل فهل يحلف المدعي المذكور اليمين الشرعية لاستحقاقه لذلك ويأخذ المال أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله إنما تسمع الدعوى على واضع اليد ثم وهو الذي يجيب بالاعتراف أو الإنكار فيطالب بالبينة وإلا فباليمين بتا وإذا نزعت منه العين بحجة رجع بثمنها إن كان على من تملكها به منه بشرطه.
"وسئل" نفعنا الله تعالى به عما إذا ادعى زيد على عمرو مدعى فأجاب المدعى عليه بدعوى رافعة للمدعى به كقوله أبرأتني من هذا المبلغ أو أديتك إياه أو أقررت بأنه ليس لك علي حق ولم يمض زمان بعد هذا الإقرار يمكن فيه ترتب حق للمقر على المقر له وأراد المدعى عليه الذي صار مدعيا بالدافع تحليف المدعي أولا علي نفي وقوع الدافع وأراد المدعي أولا تحليف المدعى عليه على عدم المدعى به من يقدم منهما في الإجابة وهل يفرق بين اقتران جواب المدعى عليه بالدافع بنفي المدعى به أم لا يفرق وهل قوله أقررت بأنه ليس لك علي حق بشرطه المتقدم واقع أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله ليس هنا يمينان مترتبتان حتى يتوهم التعارض في المقدم منهما وإنما هنا يمين واحدة هي على المدعي أنه ما أبرأ وما أقر وأن المدعى عليه ما أدى إليه فإن حلفها المدعي أخذ الحق من المدعى عليه لأنه اعترف به رافعا له لم يثبت فلزمه أداؤه عملا بأصل الاستصحاب وإن نكل المدعي عنهما حلف المدعى عليه على الإبراء أو الإقرار أو الأداء أو لا شيء عليه فعلم أن اليمين هنا متوجهة أولا على المدعي فإن نكل عنها توجهت على المدعى عليه ومن غير نظر إلى الفرق الذي ذكره السائل وقوله أقررت الخ دافع كما هو جلي وإن فارق ما مر من وجه

 

ج / 4 ص -407-        آخر فقد صرحوا بأنه لو ادعى عليه ألف درهم فقال للحاكم قد أقر أنه أبرأني أو أنه استوفى مني الألف فليس بإقرار بخلاف دعوى الإبراء والاستيفاء فإنه إقرار بالدين المدعى به ثم عقبه بما يسقطه فلم يقبل منه فكانت اليمين في جهة المدعي أولا كما قدمته.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن اليمين التي تطلب من المدعي أو المدعى عليه هل يشترط سماع القاضي إياها أو أن يكون بحيث تسمع أو لا وإذا نكل هل يشترط سماعه نكوله بقوله أنا ناكل أو لو سمعه غيره كفى أو يفرق بين أن يكون بحيث يسمع أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله كلامهم مصرح في مسائل بأنه لا بد من سماع القاضي أو من أنابه في ذلك لليمين والنكول ويوجه بأن تحليفه حكم عليه بحلفه أو بنكول خصمه وإذا كان حكما بذلك فهو كالحكم بشهادة البينة فكما اشترط سماعه لشهادتهما حتى يحكم بها كذلك يشترط سماعه لليمين أو النكول حتى يحكم بأحدهما وهذا ظاهر لا غبار عليه ومما يدل عليه قولهم لو شهدت بينة على قاض أنك حلفت فلانا على كذا ولم يتذكره لم يلتفت لتلك البينة قالوا لأن القاضي لا يمضي حكمه إلا إذا تذكره ولا يعتمد فيه على البينة فإذا لم يقبل البينة على ذلك فأولى أن لا يقبلها إذا شهدت عنده أنه حلف بين يديه ومن غير أن يسمعه إذ لو قلنا إنه لا يشترط سماعه لاكتفى بخلاف من وجه عليه اليمين في حضرته وإن لم يسمعه فلما لم يكتفوا بتلك البينة علمنا أن هذه البينة لا يكتفى بها بالأولى كما تقرر وصرحوا أيضا بأنه لا بد أن تكون اليمين بتحليف القاضي أو نائبه ومع ذلك كيف يتوهم أن القاضي لا يشترط سماعه إذ كيف يدار الأمر على تحليفه ولا يدار على سماعه فإن قلت يمكن أن يراد بتحليفه أمره بالحلف ولا يلزم من أمره به سماعه له بعد انقضاء أمره به لأنه قد يأمر به ثم يشتغل عنه فيحلف في حال اشتغاله ويثبت عنده أنه حلف على ما أمره به فما المانع حينئذ من صحة يمينه قلت المانع منها ما قدمته من أن تحليف الخصم حكم له بموجب يمينه ولا يكون حاكما له بموجبها إلا إذا سمعها على أنه لا يسمى محلفا له بمجرد الأمر وإنما يسمى بذلك إن سمع ما حلف به وعليه وأيضا فالعبرة بنية القاضي واعتقاده حال الحلف ولا يعتبر ذلك إلا إذا سمع يمينه وأما إذا لم يسمعها فكيف يكون على نيته واعتقاده وأيضا فإنه يشترط فيها مطابقتها للدعوى والمطابقة أمر دقيق بدليل اختلاف الأئمة رضي الله تعالى عنهم في مسائل منها هل الجواب عنها بكذا مطابق أو لا فذلك كله صريح في أنه لا بد من سماعه لليمين والنكول حقيقة ولا يكفي قيام البينة عنده بهما.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن ادعي عليه بعين فقال هي لابني الطفل ففي أدب القضاء في موضع لا يحلف وفي موضع لا تنصرف الخصومة عنه فهل بينهما تناف؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله لا تنافي فإن معنى لا يحلف أي بالنسبة للرقبة فلا تسلم للمدعي بحلفه كما يأتي ومعنى لا تنصرف الخصومة عنه أي بالنسبة لإقامة البينة

 

ج / 4 ص -408-        عليه وغرم بدل العين إن نكل وحلف المدعي إذ العين لا تسلم إليه حينئذ بل قيمتها لأنه حال بينه وبينها بإقراره بها لطفله.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا أبرأه عن اليمين أو عن إتمامها فأراد الحالف إتمامها فمن المجاب منهما؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله الإبراء عن اليمين يسقط حقه منها في هذه الدعوى فله أن يجددها ويحلفه ثم ظاهر كلامهم سقوط الحق منها وإن شرع القاضي في التحليف نعم بحث بعضهم أنه لو طلب الخصم إتمامها أجيب قياسا على ما نقله الأذرعي رحمه الله تعالى عن تعليق القاضي رحمه الله تعالى أنه لو شرع المدعي في يمين الرد فقال المدعى عليه لا تحلفه وأنا أغرم له المال فله أن يكمل اليمين حتى يأخذه على وجه الاستحقاق فكذا يقال هنا إذا شرع المدعى عليه في يمين الأصل فقال أبرأته عن اليمين له إتمامها لينقطع الطلب عنه والجامع بينهما حصول الانتفاع وقطع العلق.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل يشترط التفصيل في دعوى المهر أو الإرث كما في دعوى عقد النكاح أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إن وجهت الدعوى إلى عقد النكاح كأن قالت أستحق المهر أو الإرث بسبب عقده علي اشترط فيها ذكر كون العقد بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إن شرط لأنها لما رتبت دعواها نحو المهر على العقد كانت مدعية نفس العقد فاحتاجت لذكر شروطه ولا يقبل منها حينئذ إلا رجلان وعليه حمل قول البلقيني رحمه الله تعالى لا بد من رجلين أو إلى نحو المهر أو الإرث بأن قالت أستحق على المتوفى المهر والإرث لم يحتج لذكر شروط العقد وكفاها رجل وامرأتان وشاهد ويمين لأن مدعاها محض مال وعليه حمل قول الشيخين رحمهما الله تعالى تسمع دعواها ويقبل رجل وامرأتان أو رجل ويمين لأن المدعى مال.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن قيم طفل ادعى على قيم طفل وأقام بينة فهل يجب الانتظار للبلوغ ثم الحلف؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله ظاهر كلام الشيخين رحمهما الله تعالى بل صريحه وجوب ذلك وبه صرح القاضي حسين وخالفهما كثير من المتأخرين كالسبكي تبعا لابن عبد السلام فقالوا يسلم له المال بعد الحكم له به وتبعهم بعض العلماء من القضاة فحكم به مرارا بل قال إنه الذي عليه العمل وأن أهل عصره لم يعترضوه في حكمه به واعتمده أيضا شيخنا سقى الله تعالى عهده في شرح المنهج ووجهه السبكي رحمه الله تعالى بأنه قد يترتب على الانتظار ضياع الحق فإن تركة المدين قد تضيع أو يأكلها ورثته فتعريضها لذلك وتأخير الحكم مع قيام البينة مشكل لا سيما ونحن نعلم أن الصبي المستحق لا علم عنده من ذلك واليمين التي عليه بعد بلوغه إنما هي على عدم العلم بالبراءة وهذا أمر حاصل فكيف يؤخر الحق لمثل ذلك قال والوجه عندي خلاف ما قاله القاضي رحمه الله تعالى ومن تأخير الحكم وأنه لا يحكم الآن بالبينة ويؤخذ له الدين وإن

 

ج / 4 ص -409-        أمكن أخذ كفيل به حتى إذا بلغ يحلف فهو احتياط وإن لم يمكن فلا يكلف وينبغي للقاضي إذا حكم لا يهمل مكتوبا بيد المحكوم عليه أن له تحليف المحكوم له إذا بلغ وقال البلقيني رحمه الله تعالى لا حاجة إلى الحيلولة لما فيها من عدم الفائدة لجواز أن يتلف المأخوذ فإن بقي الدين أضررنا بالمديون وإن لم يبق أضررنا بصاحب الدين فلم يبق إلا إسقاط الاستظهار للاحتياط في أخذ المال فإن يمين الاستظهار إنما شرعت للاحتياط والاحتياط أن يؤخذ لأنه قبل الأخذ بصدد الضياع وبعد الأخذ ثبت الحق والأصل عدم ما يقتضي إسقاطه فالفتوى على عدم الأخذ ويدل له أنه لو ادعى وكيل غائب على ميت أو غائب قضي له ولا يتوقف الأخذ على حضور الموكل وتحليفه ولك أن تقول انتصارا للأول نظركم إلى أن تركة المدين قد تضيع إلى آخر ما مر يعارضه أن تركة الدائن قد تضيع أيضا فإذا بلغ ونكل عن اليمين لا يجد المدين مرجعا فنظركم إلى احتمال الضياع في جانب المدين تحكم بل احتماله موجود فيهما فبطل النظر كذلك كما هو ظاهر وجلي وقول السبكي رحمه الله تعالى ونحن نعلم إلخ يرد بأن علمنا بذلك لا يمنع احتمال نكوله ووجوب رد ما أخذه مع احتمال ضياعه منه أو من وليه ومن غير بدل يخلفه فاندفع قوله أيضا وهذا أمر حاصل وقول البلقيني رحمه الله تعالى فلم يبق إلا إسقاط الاستظهار إلخ يرد بمنع ما ذكره المتفرع عليه قوله فلم يبق إلخ ووجه منعه أن لنا طريقة يحصل بها الجمع بين المصلحتين ومن غير ضرر ويعود على أحد الجانبين بأن يمنع القاضي قيم المدين من التصرف في قدر الدين ويجعله في محل لائق به ويختم عليه بختمه وحينئذ فلا ضرر بتلفه على أحد أما المدين فلأنه لو لم يكن عليه دين وفعل بماله ذلك لا يقال إنه سعى في إتلافه فإنه لو كان في ذلك المحل من غير ختم لأصابه ذلك التلف أيضا وأما الدائن فهو لم يدخل في ملكه حتى يحسب عليه من دينه وقوله الاحتياط أن يؤخذ إلخ ممنوع لأنه احتياط بالنسبة للدائن لا للمدين وهو تحكم لما قررناه أو لا أنه يحتمل تلف تركة الدائن ونكوله عن يمين الاستظهار فيفوت الحق على المدين ولا دليل له في مسألة الوكيل لأن الأصحاب أجابوا عنها بأنا لو أمهلنا الحق لحضور الموكل وحلفه لتعذر الاستيفاء بالوكلاء وهذا أمر عام الضرر فلم يقولوا به لعموم ضرره بخلافه في مسألتنا فإنه لو فرض فيها ضرر هو خاص على أنه متكافئ من الجانبين كما تقرر فعلم أن الأول الذي هو المنقول له وجه واضح جلي فلا مساغ للعدول عنه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن بيده عين اشتراها من ورثة في زمن كذا فادعى خارج أنها ملكه وبيده سرقت منه في زمن كذا فمن تقدم منهما بينته؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله إن ذكرت بينة الخارج أنها ملكه وأن الداخل سرقها أو أنها سرقت من يد من ترتبت يد الداخل عليه قدمت الخارجة كما أفتى به جمع متأخرون كالشرف ابن المقري رحمه الله تعالى وتلامذته عمر الفتى ويوسف المقري رحمهما الله تعالى وغيرهما قالوا ولا فرق بين

 

ج / 4 ص -410-        أن تذكر الداخلة أنه اشتراها من مالك يملك أم لا أي فتقدم الخارجة الذاكرة لما مر أن معها زيادة علم بأن يد الداخل بغير حق قالوا لأن الداخل صار خارجا وعكسه لبيان مستند اليد وخالف في ذلك بعض أهل اليمن فقدموا الداخلة حيث قالت اشتراها من مالك يملك لأنا علمنا أن يد الداخل ليست عادية قال بعض المتأخرين والمعتمد الأول لما تقرر أن الداخل صار خارجا بإثبات الخارج أنه مسروق منه ومن المعلوم أن الخارج لا يقدم على الداخل بإثبات الانتقال من غير المدعى عليه ونحن فرضنا الداخل خارجا فلا تقدم بينته إلا إن أثبتت الشراء من الخارج لأنه صار بإثبات بينة السرقة هو صاحب اليد.
"سئل" رحمه الله تعالى عمن ادعى على آخر أن ما اشتراه يعلم بالاستفاضة أنه وقف مسجد كذا فهل تسمع هذه الدعوى أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله أفتى بعضهم بأنها لا تسمع لأن شرط الدعوى الجزم ولا يلزم من سماعه من جمع يبعد تواطؤهم على الكذب بوجود الوقف أنه لا يكون ملكا اهـ. وليس في محله لأن ما علل به لا يتأتى إلا لو كانت صيغة الدعوى أن ما اشتراه سمع بالاستفاضة أنه وقف مسجد كذا فهذه هي التي لا تسمع إذ لا يلزم من سماعه بذلك علمه به أما إذا كانت صيغة الدعوى ما ذكر في السؤال من أنه يعلم بالاستفاضة إلخ فتسمع الدعوى حينئذ بلا شك ويطالب بالجواب وتكون دعوى حسبة.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن الإكراه على الطلاق أو البيع أو نحوهما هل يشترط في ثبوته رجلان؟ "فأجاب" بقوله الإكراه على البيع أو البراءة أو نحوهما يثبت بشاهد ويمين لأن القصد منه المال فهو نظير ثبوت القتل الذي لا يوجب قودا بذلك نظرا إلى أن القصد المال بخلاف الإكراه على الطلاق لا يثبت إلا برجلين لأن الطلاق المقصود لا يثبت إلا بهما ويشترط في شاهده تفصيله لاختلافه باختلاف الأشخاص والأحوال والمذاهب بل أهل المذهب كثر اختلافهم في حده وما يثبت به.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل جداد النخلة يورث يدا عليها كالهدم والبناء أم لا؟ "فأجاب" بقوله مجرد الجداد وحده لا يورث يدا على النخلة كما هو ظاهر لأنه لا يعد استيلاء عليها كالهدم وحده بخلاف البناء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى هل تثبت الحدود بالاستفاضة؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله الذي نقله البلقيني رحمه الله تعالى في فتاويه في باب الجزية عن ابن عبد السلام رحمه الله تعالى واعتمده أنها لا تثبت بها وعبارته الحدود لا تثبت بمجرد الوجود ألا ترى أن غاصبا لو غصب دارا وجاء مدعيها ليدعي بها وأقام بينة بالدار ولم تتعرض البينة لحدودها لا بالإشارة ولا بالعبارة فإنا لا ننزع الدار من الغاصب بمجرد ما ذكر فإن قيل فقد ذكر العلماء رضي الله تعالى عنهم أن ما اشتهر لا حاجة إلى ذكر حدوده فالجواب أن ذلك

 

ج / 4 ص -411-        في المشهور المقطوع به فأما غير ذلك مما شك في حدوده فلا بد من ذكر حدوده وقال الشيخ الإمام ابن عبد السلام رحمه الله تعالى إن الحدود لا تثبت بالاستفاضة ورأيت ذلك في مكتوب له مسجلا عليه بقضية بركة الحبش وقال في آخره ولم تثبت الحدود إذ الحدود عندنا لا تثبت بالاستفاضة.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن حاكم شرعي صدرت عنده دعوى شرعية بين متداعيين في قضية لا تثبت عنده إلا بشاهدين دون شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين كنحو طلاق ونكاح وقصاص وتنفيذ حكم حاكم آخر فلم يحضر عنده غير شاهد واحد وتعذر الثاني بموت أو غيره فهل يجوز للحاكم أن يقول للشاهد فوضت إليك الحكم في هذه القضية فيحكم فيها الشاهد بعلمه أو لا يجوز له ذلك وإذا قلتم بالجواز وحكم فيها الشاهد بعلمه وأخبر مستنيبه بذلك فهل للمستنيب أن يعتمد عليه وينفذ حكم نائبه في القضية المذكورة بإخباره بذلك أوضحوا لنا ذلك فلقد رأينا من يفعل ذلك من غير تفويض ولا نيابة منه في ذلك بل يكتفي بإخباره من غير زيادة ويحكم فيها أو ينفذها فهذا مما أشكل علينا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إذا كان في الشاهد أهلية القضاء في تلك المسألة المفوضة إليه ولم يكن ثم تهمة ويبين مستنده كما هو الشرط في القضاء بالعلم من غير المجتهد وكان للقاضي الاستنابة جاز له أن يستنيبه فيها ليقضي فيها بعلمه بشروطه التي ذكرناها وغيرها مما هو مقرر في كتب الفقه ومتى اختل شرط من ذلك بطل التفويض والقضاء وكم ارتكب قضاة السوء وشهوده من القبائح ما تصم عنه الآذان فلا يبعد عليهم ما ذكره عنهم السائل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا ثبت حرية الأصل في الأم بيمينها فهل يحكم بحرية ولدها بمجرد يمينها أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى به بقوله يحكم بحرية الولد بما ذكر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عما إذا أذن له يصرف على دابته أو على من تلزمه مؤنته من فرع أو أصل واختلفا بعد ذلك في أصل الإنفاق أو قدره المعتاد فلم يحلف المنفق اليمين المتوجهة عليه في ذلك بل ردها على الآذن فهل له أن يطالبه باليمين المردودة أم لا وهل يكون حلف الآذن فيها على نفي العلم أم لا فإن قلتم نعم ترد عليه اليمين ويجب عليه الحلف فما فائدة طلب هذه اليمين منه سواء وجبت عليه على نفي العلم أو على البت وهو لو نكل عنها لم يحكم عليه أصلا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله المراد طلب حلف المنكر ويكون على البت وفائدة طلب حلفه أنه ربما خاف من اليمين فوافقه على داعوه.
"وسئل" رحمه الله سبحانه وتعالى عما إذا شهد أربع نسوة بأن فلانة ولدت قبل فلانة

 

ج / 4 ص -412-        وشهد الشهود الذكور ببلوغها فهل يجوز تزويج الأخرى بذلك أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إذا ثبتت عند القاضي بطريقه الشرعي أن هذه المرأة بلغت بالسن وثبت عنده أن فلانة ولدت قبل هذه ثبت أنها بلغت بالسن أيضا فيثبت لها أحكام البالغة ويجوز تزويجها بالإذن.
"وسئل" رحمه الله سبحانه تعالى عما إذا شهدت بينة ببلوغ الصبي بالسن وأخرى بأنه لم يبلغ بل عمره ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة هل هي شهادة يكتفى بها أو لا وإذا شهدت بينة أنه ولد يوم ولد فلان أو مات يكفي ذلك أو لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله اختلاف هاتين البينتين فيما ذكر اختلاف في وقت ولادته إذ حاصل شهادة الأولى أنه مضى له من حين ولادته خمس عشرة سنة وشهادة الثانية أنه لم يمض له من وقت ولادته إلا ثلاث أو أربع عشرة سنة فالأولى تثبت وجوده وولادته في زمن معين والثانية تنفي وجوده في ذلك الزمن فهما متعارضتان لكن الثانية مستصحبة لأصل العدم والأولى ناقلة عنه فمعها زيادة علم فيعمل بشهادتها وتلغى شهادة الثانية وإذا أرخت الشاهدة بالولادة بنحو موت فلان وثبت بالحجة الشرعية موته يوم كذا ثبتت ولادة فلان يوم كذا وأدير حكمه عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

باب العتق
"وسئل" رحمه الله تعالى في رجل معه أمة فسافر بها إلى بلاد في اليمن تسمى جازان من أعمال الترك فنزل على البلاد ولد الإمام الزيدي فشردوا الترك وتركوا البلاد فمسكوا التجار والمتسببين جميعهم ومسك الرجل في جملتهم وحبس هو وجاريته مع من حبس فأرادوا أخذ الجارية فذكر لهم أنها حملت منه فلم يصدقوه فذكر لهم أنه أعتقها وتزوج بها خوفا أن تؤخذ منه فقام أكابر البلاد ودخلوا على المتولي وجعلوا مصلحته مائة وثلاثين أشرفيا حتى خلص هو وجاريته فهل يقع عليه عتق في الجارية أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله لا تعتق الجارية المذكورة باطنا أي فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى إن قصد بقوله أعتقتها الإخبار بالعتق كذبا حتى يكون ذلك سببا لخلاصها، وأما في ظاهر الشرع فيؤخذ بإقراره المذكور بمعنى أنه إذا ادعي عليه به وثبت لدى حاكم شرعي حكم عليه بعتقها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن قال متى وجدت عبدي ولم أطوشه فهؤلاء الثلاثة أحرار فوجده وباعه ولم يطوشه فهل يحنث أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله إذا وجده وتمكن من تطويشه فلم يفعل عتق عليه أرقاؤه الثلاثة المذكورون، والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ج / 4 ص -413-        "وسئل" رحمه الله تعالى عمن قال أي عبد من عبيدي ضربك فهو حر فضربه واحد عتق ولو ضربه آخر عتق حتى لو ضربوه كلهم عتقوا ولو قال أي عبد من عبيدي ضربته فهو حر فضرب واحدا عتق فإن ضرب آخر لم يعتق فما الفرق مع أن في كل منهما صيغة أي الدالة على العموم؟ "فأجاب" بقوله الفرق بينهما أن أي وإن كان للعموم إلا أن ضرب في الأول مسند إلى ضميره وقد وقع صفة له فيكون على طبقه في العموم ويصير المعنى حينئذ أي عبد من عبيدي اتصف بضربك فهو حر فكل من اتصف بضربه يكون حرا، وأما ضرب في الثاني فهو لم يسند إلى ضمير أي التي للعموم فلم يمكن وقوعه أعني ضرب صفة لأي وإذا لم يقع صفة لها لم يكتسب عموما بل هو باق على وضعه ومن أن الفعل المثبت لا عموم له وحينئذ فلا يعتق إلا الأول لا يقال النكرة في سياق الشرط للعموم لأنا نقول العموم فيها ضعيف لأن دلالة السياق في غاية الضعف فلا تساوي العموم بالصيغة الموجودة في اللفظ لأنه أقوى على أن الأصل عدم عتق ما زاد على واحد فلا يعتق إلا زيد عليه إلا إن قويت الصيغة الدالة على الشمول له ومن ثم لو قال من ضربك من عبيدي فهو حر عتق كل من ضربه لأن ضرب حينئذ مسند إلى ضمير من العام فيعم كما سبق في الصيغة الأولى بخلاف ما لو قال من ضربت من عبيدي فهو حر فإنه لا يعتق إلا من ضربه أولا أخذا مما مر في الصيغة الثانية، ثم ما ذكر هو ما صرح به القاضي حسين رحمه الله تعالى في الأخيرة وأما المسألة الأولى فهي في كتب الحنفية وحاصل ما في الجامع لو قال أي عبد ضربته فهو حر وضرب الكل فإن كانوا معا عتق واحد وبينه السيد لا الضارب أو مرتبا عتق الأول لعدم المزاحم وقت ضربه أو أي عبيدي ضربك فهو حر فضربوه معا أو مرتبا عتقوا والفرق من وجوه ذكرها منها لو قال أي نسائي شئت طلاقها فهي طالق فشاء طلاق الكل لم تطلق إلا واحدة ويبينها الزوج أو من شاءت طلاقها فهي طالق فشئن طلقن ولو قال لرجل طلق أي نسائي شئت لم يطلق غير واحدة، أو أي نسائي شاءت طلاقها فطلقها فشئن جميعا فطلقهن طلقن، أو من شئت عتقه من عبيدي فاعتقه فأعتقهم جميعا فعلى الخلاف ولو شاء عتقهم ولم يعتقهم، لا يعتقون أو من شاء من عبيدي عتقه فهو حر فشاءوا، أو أعتق من عبيدي من شاء فإذا شاءوا فأعتقهم عتق الكل، أو من سرق من الناس فاقطعه كان له قطع كل سارق، أو اقطع من السراق من شئت لم يفهم منه التعميم فلا يقطع إلا واحد منهم اهـ. وينبغي اختصاص جريان هذه التفاصيل بالنحوي وأن غيره لا يحمل كلامه إلا على واحد في الكل أخذا مما ذكره أئمتنا رضي الله تبارك وتعالى عنهم في أنت طالق إن دخلت الدار بكسر إن وفتحها ونظائره، وإنما اقتصرت على واحد فيهما لأن الأصل عدم العتق فلا يصار إلى أزيد من واحد إلا إن قصد أو وجدت قرينة لفظية قوية ولا يتصور وجود تلك القرينة إلا من النحوي دون غيره لأنه لا يفرق بين الصيغتين فحملناه على المتيقن وألغينا المشكوك فيه.
"وسئل" رحمه الله تعالى عمن أعتق عبده بشرط ملازمته للصلوات فصلى مدة ثم ترك

 

ج / 4 ص -414-        فهل يصح العتق أو لا فيباع ويشترى بثمنه غيره يلازمها "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله لم أر في هذه المسألة نقلا بعد الفحص وتتبع كلام الأئمة ثم الظاهر أن صورة السؤال أعتقتك بشرط أن تلازم أو إن لازمت على الصلوات ويحتمل أنها إن لازمت على الصلوات فأنت حر أو فقد أعتقتك وبين الصورتين فرق إن قلنا إن الإخلال بهذا الشرط في الأولى يقتضي مالا والظاهر خلافه وذلك الفرق المبني على خلاف ذلك الظاهر هو أنه في الأول يشترط القبول فورا فيعتق عقبه وإلا فلا وأما الثاني فلا يكفي فيه القبول مطلقا بل لا بد من فعل المعلق عليه وإنما قلت إن قلنا إلخ لقولهم يصح العتق بعوض ولو من أجنبي وحكمه فيه كهو فيه في الخلع فحيث رجع ثم لمهر المثل رجع هنا للقيمة وحيث رجع ثم للمسمى فهنا كذلك وحيث قلنا ثم بالفورية قلنا بها هنا وحيث لا فلا فعلم أنه لا بد من قبوله فورا ما لم يأت بنحو متى أو يقل بعد موتي وأنه حيث فسد بنحو جهل أو غيره مما يفسد به عوض الخلع وقع العتق بقيمته يومئذ فمن الفاسد أعتقتك على أن تخدمني أو أن تخدمني أبدا أو إلى مرضي أو نحو ذلك فإن قبله فورا عتق ولزمه قيمته وإلا لم يعتق، أو أن تخدمني شهرا وقبل عتق ولزمته خدمته شهرا، فإن تعذرت الخدمة المدة كلها رجع عليه بقيمته أو بعضها فبقسطه وأنه لو قال لأمته أعتقتك على أن أنكحك ومثله كما بحثه غير واحد على أن تنكحي زيدا، أو لسيد قن أعتقه على أن أنكحك ابنتي احتيج للقبول فورا فيقع العتق بالقيمة لأن العوض لا يصح كونه عوض خلع وأنها لو قالت لقنها أعتقتك على أن تنكحني أو على أن أعطيك ألفا عتق من غير قبول لانتفاء المعارضة وخروج الشرط إلى الوعد الحسن، ومتى مات السيد قبل الفعل المعلق عليه بطل ما لم يقل بعد موتي فيقع به متى وقع بعده ويمتنع على الوارث التصرف فيه ما لم يعرض عليه فعل المعلق به فيمتنع منه، ويأتي في فعله أو فعل من يبالي بتعليقه للمعلق به ناسيا أو جاهلا أو مكرها وفي التعليق بالمحال ما قرروه في الطلاق، نعم لو قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق ولا نية له طلقت امرأته بخلاف ما لو قال لقنه وحر غيره أحدكما حر لا يعتق قنه والفرق أن الحرية لا تحتاج في الأصل لإيقاع فإيقاعها في الغير الحر مطابق للأصل بخلاف الطلاق فإنه يحتاج للإيقاع وإطلاقه على الزوجة هو الأصل المتبادر فانصرف إليها وهذا واضح وإنما الخفي ما لو قال ذلك لقنه وقن غيره فإن المسألتين على حد سواء وقد فرقوا بينهما أيضا ويوجه بأن انصراف الحرية إلى أحدهما لم يقو مرجحها لاستوائهما في استحالة حقيقتها دون مجازها كالنية قبل التلفظ بذلك اللفظ فانصرافها إلى المملوك مع مساواة الآخر له في ذلك فيه شبه تحكم بخلاف الطلاق فإن الزوجة والأجنبية ليستا بمستويتين في حقيقته ولا في مجازه فانصرف إلى من هو حقيقة فيها وحدها أي الزوجة دون الأجنبية لأنه لا يصح استعماله فيها مرادا به معناه الحقيقي أصلا فإن قلت إن أردت ذلك من حيث هو لا يفيد أو بالنسبة للمتكلم فهما فيه سواء ألا ترى أن غير سيد القن لا

 

ج / 4 ص -415-        يصح وصفه له بالحرية إلا مجازا والسيد يصح وصفه له به حقيقة فكذا الزوج لا يصح وصفه بالطلاق حقيقة إلا لزوجته وللأجنبية به إلا مجازا فاستويا قلت ممنوع لأنا عهدنا وقوع الحرية الحقيقية من غير السيد كسراية عتق أحد الشريكين وكعتق الولي عن موليه والوارث عن مورثه ولم يعهد وقوع الطلاق من غير الزوج إلا من الحاكم في مسألة الإيلاء وبهذا يتضح ما فرقت به من استواء القنين في الاتصاف بحقيقة الحرية ومجازها من السيد وغيره ولا يصح استواء الزوجة والأجنبية في الاتصاف بحقيقة الطلاق ومجازه من الزوج وغيره فتأمله ويأتي هنا في إن أديت لي أو أعطيتني أو أقبضتني أو ضمنت لي أو قبضت منك كذا ما قالوه في ذلك في الخلع وفي إن دخلت وكلمت ما قالوه في اعتراض الشرط على الشرط في الطلاق وفي التعليق بالمشيئة ما قالوه ثم أيضا ولو أعتقه بشرط فاسد كأعتقتك على أن لي أو لفلان الخيار أو على أن أبيعك أو أعود فيك إذا شئت فهل يصح العتق ويلغو الشرط كالنكاح في أكثر صوره أو لا يصح من أصله ظاهر كلام الأئمة في أصل الروضة الثاني وعبارته في باب الوقف، فلو وقف بشرط الخيار وقال وقفت بشرط أن أبيعه أو أرجع فيه متى شئت فباطل واحتجوا له بأنه إزالة ملك إلى الله تعالى كالعتق أو إلى الموقوف عليه كالبيع والهبة وعلى التقديرين فهذا الشرط مفسد لكن في فتاوى القفال أن العتق لا يفسد بهذا الشرط وفرق بينهما بأن العتق مبني على الغلبة والسراية اهـ. واعتمد السبكي رحمه الله تعالى كلام القفال وقال إن ما اقتضاه كلام الشيخين رحمهما الله تعالى من بطلان العتق بالشرط الفاسد غير معروف اهـ. وعليه فإن كان ذلك الشرط الفاسد في عتق يحتاج لقبول كوهبتك نفسك أو أعتقتك على كذا اشترط القبول وفسد المسمى ووجبت القيمة كما في الخلع والنكاح المقترنين بشرط فاسد لا يبطلهما، إذا علمت ذلك وتأملته اتضح لك قولي السابق، والظاهر خلافه، وبيانه أن الصورة الثانية أعني إلا لازمت على الصلاة فأنت حر لا معاوضة فيها أصلا بوجه من الوجوه وإنما هي محض تعليق فحيث أتى بالمعلق عليه عتق وإلا فلا، لكن ما حد تلك الملازمة وما ضابطها، والذي يظهر الرجوع في ذلك للعرف فحيث لازمها مدة حتى صار يسمى عند الناس أنه ملازم لها عتق وإلا فلا - فإن قلت هل ينصرف ذلك التعليق إلى الفرائض ورواتبها أو إلى الفرائض فقط قلت الظاهر الثاني لأن الذهن إنما يتبادر إليه لغلبة ترك الأرقاء لصلوات الفرض فالظاهر أن السيد قصد بهذا الإحسان إليه حمله على خلاف ما اعتاده أبناء جنسه وأما حمله على النوافل أيضا فلا قرينة له قوية حتى نأخذ بها ثم رأيت عن القلعي رحمه الله تعالى ما يوافق ما ذكرته وهو قوله لو قال لعبده إلا حافظت على الصلاة فأنت حر يقع لأنه يعتبر لوقوعه أي العتق محافظته عليها مدة استبراء الفاسق إذا تاب وهي سنة اهـ. وكأن هذا ضبط للعرف الذي ذكرته وهو ظاهر ومما يصرح به قولهم في حد العدالة إنها ملكه تحمل على ملازمة التقوى وقد علمت أنهم حدوا تلك الملازمة للتقوى بسنة فجعلوا مضي سنة عليه وهو

 

ج / 4 ص -416-        ملازم للتقوى محصلا لتلك الملكة الحاملة على تلك الملازمة فكان هذا تصريحا منهم بحصول تلك الملازمة بسنة فكذلك القصد بهذا التعليق محافظته على الصيانة والتقوى فإذا مضت عليه سنة وهو ملازم للصلوات المفروضة في أوقاتها فقد حصلت له ملكة الملازمة فوجد مقصود المعلق عليه، فإن قلت قد يتخذ الرقيق ملازمة تلك المدة وسيلة لعتقه فحسب ثم يعرض عنها إذا عتق قلت: لا نظر لذلك ألا ترى أن الشاهد إذا فسق ربما اتخذ تلك الملازمة وسيلة لعود عدالته فقط ولم ينظروا لذلك اكتفاء بالمظنة الغالب حصول المقصود بها لأن الإنسان له طبائع أربعة كل منها يتحرك في الفصل المناسب له إلى الشهوات والبطالات فحيث مضت عليه تلك الفصول ولم يمل طبعه عما هو عليه من التقوى إلى ضدها الحامل عليه الزمن وغوائل المحن علم أن التقوى صارت له كالطبيعة والملكة الراسخة التي لا تزول غالبا فاكتفوا بتلك المظنة الدال عليها قوله تعالى {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، ولم ينظروا إلى العوارض المستقبلة لأنها غيب عنا هذا ما يتعلق بالصورة الثانية وأما الصورة الأولى أعني أعتقتك بشرط أن تلازم على الصلوات فبيان ما قلته فيها من أنه لا مال عليه فيها هو أن العرض المتقوم يجب هو أو بدله بشرط القبول وغير المتقوم يقع العتق فيه بمجرد الإعتاق ولا يحتاج لقبول كما لو خالعها على دم أو نحوه مما لا يقصد بالعوضية كالحشرات فإنه يقع الطلاق رجعيا ولا مال لأن ذلك لما لم يقصد بالعوضية بحال كان المطلق غير طامع في شيء ألبتة بخلاف الميتة فإنها قد تقصد للضرورة وللجوارح ولا شك أن الغرض الذي هو المحافظة على الصلوات غير متقوم لأنه لا يقابل بعوض عرفا ولا شرعا لوجوبه على كل مكلف والواجب العيني المتعلق بالنفس لا يجوز أخذ عوض عليه أصلا وإذا ثبت أنه غير متقوم يأتي فيه ما في الخلع على الدم مما تقرر فإن قلت هل يصح قياس هذه المسألة على ما مر في قولها لقنها أعتقتك على أن تتزوجني قلت الحكم واحد لكن الملحظ في التعليل مختلف لقولهم في هذه إن هذا خرج عن العوضية إلى الوعد الجميل فكأنها أعتقته على أن تعطيه ألفا فيعتق فيهما بلا قبول لعدم العوضية وانقلابها إلى الوعد الجميل لأنها لم تشترط عليه ما فيه مشقة أصلا وأما صورتنا ففيها عوضية بما فيه مشقة أي مشقة على العتيق لكن لما لم تقابل تلك المشقة بمال شرعا ولا عرفا سلخناه عن العوضية المقتضية للتقويم وجعلناه كأنه لم يذكر فاتضح أنه لا جامع بين المسألتين في العلة حتى يصح قياس ما في السؤال على هذه ولولا ما قرروه من أن العتق على شرط كالطلاق عليه في أحكام عوضه وغيرها لما اتضح في صورة العتق على محافظة الصلوات وما تقرر من أنه يعتق بمجرد التلفظ بذلك من غير قبول سواء أحافظ عليها أم لا ولا رجوع لسيده عليه بشيء أصلا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص وضع يده على مال أيتام ثم إنه تصرف في المال ببيع وشراء ثم اشترى جارية وأعتقها ثم إن أهل الدين طالبوه فما وجدوا معه ما يوفي ما لهم

 

ج / 4 ص -417-        فهل للحاكم الشرعي أن يحكم عليه ببيع الجارية ويوفي لهم ما لهم أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى بعلومه بقوله إن كان الشراء بعين مال الأيتام وليس وصيا عليهم أو كان وصيا ولا مصلحة لهم فالشراء باطل والعتق باطل وكذا إن كان مديونا وحجر عليه وأما إذا لم يحجر عليه واشترى في ذمته فالشراء صحيح والعتق صحيح وليس للقاضي أن يحكم عليه ببطلان شراء ولا عتق، والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب التدبير
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص علق عتق عبده على صفة وصورته قال إذا مرضت فعبدي فلان قبل مرض موتي بثلاثة أيام أو شهر مثلا حر لوجه الله سبحانه وتعالى فهل له بيع هذا العبد المعلق عتقه بهذه الصفة كالمدبر أو لا وإذا وجدت الصفة هل يعتق من رأس المال أو من الثلث؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله يباع العبد مطلقا وإذا مات وقد وجدت الصفة عتق من رأس المال.
"وسئل" رحمه الله تعالى عن شخص قال في الصحة أو في مرضه الذي توفي فيه لعبدين له إذا خدمتما ابنتي عائشة وأولاد ابني محمد بعد موتي خمس عشرة سنة أو إلى بلوغ الصغير منهم أنتما أحرار وكان والحال هذا أولاد ابنته المذكورة اثنين وأولاد ابنه كذلك اثنين فهل يصح ذلك التعليق بهذه الصفة ويعتقان أي العبدان هذان ببلوغ تلك الصفة المعلق عليها أم لا فإن قلتم يصح ذلك فلو مات واحد من أولاد ذلك الابن أو البنت قبل موت ذلك المعلق أو بعده وذلك هو الواقع في صورة السؤال هذا فهل يبطل ذلك التعليق ويصير المعلقان تركة أو لا وأيضا فلو مات من ذكرنا وهو ذلك المعلق عن بنته وبنت ابنه وأولاد عمه فهل تتوقف صحة ذلك التعليق على إجازة أولاد عمه وبنته في حصصهم لبنت ابنه لأن ذلك وصية لوارث أم لا يتوقف ذلك على الإجازة فإن قلتم يتوقف ذلك على الإجازة فلو لم يجيزوا أو أجازت البنت ولم يجز أولاد أعمام ذلك الميت فهل يبطل ذلك التعليق أيضا لأن المنفعة شرطها أن تستغرق الكل من أولاد بنته وابنه -، وأولاد ابنه لم يقع لهم الذي أراده لتعذره عليهم شرعا، وأيضا فتزويج العبدين هذين على تقدير صحة ذلك التعليق هل يصح أم لا فإن قلتم يصح والحال ما تقدم فمن ذا يقدم ومن ذا يزوجهما هل هم الورثة بإذن ولي الأولاد أو غير ذلك وأيضا فمؤنتهما من نفقة وكسوة وغير ذلك هل هي على الورثة المذكورين كالعبد الموصى بمنفعته حيث جميع مؤنه ثمة عليهم أم هي على الموصى لهم بالمنفعة وأيضا فما حدث من أولاد من العبدين هذين في المدة المعلق العتق ببلوغها لمن يكونون لأولئك الورثة المذكورين أو لمستحقي تلك المنفعة وأيضا فلو مات أحد العبدين المذكورين فهل يبطل ذلك التعليق أيضا؟ "فأجاب" نفعنا الله تبارك وتعالى

 

ج / 4 ص -418-        بعلومه بقوله يصح ذلك التعليق المذكور ويعتقان بوجود الصفة المعلق عليها إن خرجا من الثلث وإلا فبالقسط من كل منهما فإن مات واحد من أولئك الأولاد قبل موت المعلق أو بعده بطل التعليق وصارا تركة لأن الصفة المعلق عليها، وهي خدمتهما لجميع أولئك الأولاد لم توجد ونظير ذلك ما لو قال لزوجتيه إلا دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان فدخلت إحداهما إحدى الدارين والأخرى الأخرى لم تطلق واحدة منهما حتى تدخل كل واحدة منهما الدارين جميعا على الصحيح وما لو قال لهما إلا حضتما فأنتما طالقان فإنه تعليق لطلاقهما على حيضهما جميعا فإن حاضتا معا طلقتا وإن حاضت إحداهما لم تطلق واحدة، وأصل ذلك القاعدة المشهورة وهي أن مقابلة الجمع بالجمع والمراد بالجمع هنا ما فوق الواحد تارة يقتضي مقابلة الآحاد بالآحاد نحو ركب القوم دوابهم، {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} أكل الزيدان الرغيفين أي كل واحد أكل رغيفا وتارة يقتضي مقابلة الكل لكل فرد نحو قوله عز قائلا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238]، {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 60]، بخلاف {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فإنه من الأول ولهذا ثنى الأول وجمع الثاني لأن لكل رجل كعبين ولكل يد مرفقا فصحت المقابلة الأولى مع جمع المرافق ولا يصح جمع الكعاب لاقتضائها الاكتفاء من كل رجل بكعب فوجبت التثنية ليفهم وجوب الكعبين على كل فرد فردا من المخاطبين وهذه قاعدة مهمة يتفرع عليها كثير من المسائل الخلافية منها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، الآية هل المراد توزيع الصدقات على مجموع الأصناف أو كل فرد من أفراد الصدقات على مجموع الأصناف ونبني على ذلك أنه هل يجب استيعاب الأصناف بكل صدقة كما هو مذهبنا أو يكفي وضعها في صنف كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى ومن الفروع المذهبية ثم إن قامت قرينة على أحدهما صير إليها وإن لم تقم قرينة على أحدهما فهل يحمل عند الإطلاق على الأول أو على الثاني فيه خلاف والراجح غالبا توزيع الآحاد على الآحاد كما في مسألتي الطلاق السابقتين وتتوقف صحة ذلك التعليق على إجازة من ذكر لبنت الابن الذي هو محمد لأن ذلك وصية لوارث كما صرح به قولهم إن الإعارة ولو في مرض الموت والوصية يعتبر فيها أجرة تلك المدة ومن الثلث فإن ردوا كلهم بطل التعليق وكذا لو رد بعضهم لفوات الصفة المعلق عليها وهي خدمة أولاد ابنه محمد المدة المذكورة وإذا صح ذلك التعليق صح تزويجهما كالموصى بمنفعته بل أولى ثم الذي يزوجهما هو الوارث لكن بإذن المستحق لخدمتهما لأنهم يستحقونها والتزوج ينقصها فإن قلت صرح الغزالي رحمه الله تعالى في وسيطه بخلاف ذلك حيث قال أما العبد فيظهر استقلال الموصى له به لأن منع العقد للتضرر وبتعلق الحقوق بالاكتساب وهو المتضرر قلت يتعين حمل كلام الغزالي رحمه الله تعالى هذا على عبد موصى بمنافعه أبدا بدليل تعليله المذكور لأنه لا ينحصر التضرر فيه إلا حينئذ وأما الموصى بمنفعته مدة معينة فلا يزوجه بلا إذن الوارث لأن له حقا في منافعه

 

ج / 4 ص -419-        فيحصل له التضرر أيضا على أن الذي في الروضة وغيرها التصريح بما ذكرته وهو قولهم الموصى له بمنفعة معينة كخدمة عبد لا يستحق غيرها، فيشمل قولهم غيرها التزويج وغيره ومؤنة العبدين المذكورين على الورثة لأن ملكهم باق عليهما ومن ثم لو استفادا مالا من نحو وصية أو لقطة كان لهم وأولادهما تابعون لأمهم رقا وحرية لا لهما ويبطل التعليق بموت أحدهما كما علم مما قررته فيما لو مات أحد الأولاد من مسألتي الطلاق القاعدة السابقة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

باب الكتابة
"وسئل" بما صورته هل يصح الاعتياض عن نجوم الكتابة أم لا؟ "فأجاب" بقوله المعتمد أنه لا يصح الاعتياض عنهما وإن نص في الأم على صحته، والله تعالى أعلم.

"باب أمهات الأولاد"
"وسئل" رضي الله تعالى عنه في المبعض هل يجوز له وطء جاريته إذا أذن فيه مالك بعضه وهل ينفذ استيلاده أم لا فإن قلتم لا فقد رأى المملوك في باب أمهات الأولاد من شرح الروض نفوذ استيلاده نقلا عن البلقيني رحمه الله تبارك وتعالى وأقره مع كلام مشكل في آخره هل ذلك مقرر أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله سبحانه وتعالى به بقوله إن للشافعي رضي الله تبارك تعالى عنه قولين في وطء المبعض أمته التي ملكها ببعضه الحر القديم له ذلك بإذن السيد والجديد المعتمد ليس له ذلك مطلقا لنقصه بما فيه من الرق فلم يبح له الإقدام على ما هو من سمات الكاملين وهو الوطء المتسبت عنه الاستيلاد هذا حكم وطئه وأما نفوذ إيلاده ففيه قولان أيضا أحدهما عدم نفوذه لأنه ممنوع من التسري مطلقا وليس أهلا للعتق ولذا لو أعتق لم ينفذ عتقه ويدل له تقييد الشافعي رضي الله تعالى عنه نفوذ إيلاده بما إذا كان بعد عتقه وقول الشيخين رحمهما الله تبارك وتعالى إذا أولد الأب المبعض أمة فرعه لم يثبت الاستيلاد، والثاني نفوذ إيلاده وجزم به الماوردي رحمه الله تعالى ورجحه السراج البلقيني وولده الجلال وتلميذه البدر الزركشي رحمهم الله تبارك وتعالى قال الجلال رحمه الله وتقييد الشافعي رضي الله تبارك وتعالى عنه ببعد العتق لا دليل فيه لأنه على سبيل المثال وقال السراج رحمه الله تعالى لا دليل في كلام الشيخين رحمهما الله تعالى المذكور لأن الأصل في المبعض أن لا يثبت له شبهة الإنفاق بالنسبة إلى نصفه الرقيق ولا كذلك المبعض في الأمة التي استقل بملكها فإن قلت ينفذ إيلاده مع حرمة تسريه ولو بالإذن قلت لا تلازم بين منع تسريه مطلقا ونفوذ إيلاده لأن

 

ج / 4 ص -420-        الإيلاد قد ينفذ مع تحريم السبب كوطء الموسر الأمة المشتركة وقد علل الماوردي رحمه الله تعالى نفوذ إيلاده بقوله لأنها ملكت بحريته فيجري عليها حكم أمهات الأولاد فإن قلت العلة التي منع التسري لأجلها موجودة إذا قيل بنفوذ إيلاده قلت ممنوع لأن مما منع من التسري لأجله نقصه بما فيه من الرق فلم يبح له الإقدام على ما هو من سمات الكاملين كما مر وأما الحكم بنفوذ إيلاده فهو أمر قهر عليه فلم يلزم عليه مساواته للكاملين فإن قلت فلم نفذ إيلاده ولم ينفذ إعتاقه قلت لانقطاع رقه بالموت قبل عتق مستولده ومع ما فيه من الحرية حال الإحبال فلم يوجد فيه رق حال عتق مستولدته بخلاف إعتاقه فإنه لا يمكن تنفيذه لوجود اتصافه بالنقص وهو ما فيه من الرق عنده ولأنه لو نفذ لزم إثبات الولاء وهو ليس متأهلا لذلك لقيام المانع به وهو الرق الذي فيه، والله سبحانه وتعالى أعلم
"وسئل" رحمه الله تعالى مرة هل ينفذ استيلاد المبعض؟ "فأجاب" نفعنا الله تعالى بعلومه بقوله المعتمد نعم كما في الأم وجرى عليه الماوردي رحمه الله تعالى وصححه البلقيني رحمه الله تعالى وتناقض فيه كلام شيخنا سقى الله عهده في شرح الروض فجزم بالنفوذ في باب أمهات الأولاد وجرى على خلافه في باب نكاح الأب أمة فرعه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
"وسئل" رحمه الله تعالى عنه عن أمة استدخلت ذكر نائم فولدت منه فهل ينزل منزلة وطء الشبهة أم لا؟ "فأجاب" نفعنا الله بعلومه بقوله صرحوا بأن العبرة في لحوق النسب بشبهة الرجل لا بالمرأة وحينئذ فيكون الولد منسوبا للنائم لكن لو كان النائم حرا فهل يكون الولد حرا أو لا والذي يتجه الثاني لأن الأصل في ولد الأمة أنه مملوك لسيدها إلا إذا وجد ظن من الواطئ يقتضي حريته كأن ظنها مملوكته أو زوجته الحرة ولم يوجد من الواطئ هنا ظن ذلك فبقي ولد الأمة على أصله من الرق والكلام في غير سيدها أما لو استدخلت ذكر سيدها وهو نائم فيلحقه الولد وتصير أم ولد مطلقا.
"وسئل" عما إذا استمنى الرجل بيد أمة ولده هل يكون الماء محترما كما لو وطئها فإنه يلحقه الولد أم لا يكون محترما حتى لو استدخلته هي أو غيرها وحبلت لا يلحقه الولد؟ "فأجاب" بقوله الماء النازل بشبهة محترم ومن جملة الشبهة هنا شبهة الأب كما في الجواهر هنا وحينئذ فإن استدخلته امرأة بشبهة أيضا لحق به الولد وإلا فلا لأنه يشترط في اللحوق باستدخال الماء احترامه في حالة الإنزال وحالة والاستدخال ومن احترامه نزوله بشبهة كما صرحوا به ومن الشبهة الأب كما علمته عن الجواهر وكلام الأصحاب يشمله ولا نظر لإثمه بذلك كما لا نظر في وطئه لذلك ومن ثم فسروا عدم الاحترام أن ينزل بزنا.
"وسئل" عما إذا اختلف الأب والولد في إحبال الأمة التي لولده فادعاه الأب وأنكر

 

ج / 4 ص -421-        الولد فهل العبرة بتصديق الولد فقط وإن كذبت الأمة أم لا بد من تصديق الأمة أيضا؟ "فأجاب" إذا اختلفا في أصل الإحبال صدق المالك في نفيه لأن الأصل عدمه أو في كونه من الأب والابن فإن وطئها كل منهما وادعى الولد عرض على القائف أو ادعاه أحدهما فقط فالولد له كما لو كان الإمكان من أحدهما فقط فإنه له فقط ولا عبرة في ذلك بكلام الأمة.
"وسئل" عما إذا اختلف الأب والولد بعد إحبال الأب الأمة في أنها موطوءة للولد حتى تحرم على الأب أو أنها مستولدة للولد حتى لا تصير مستولدة للأب فادعى الولد الوطء أو الاستيلاد وكذبه الوالد فهل القول قول الأب أو الولد؟ "فأجاب" الذي دل عليه كلامهم تصديق الوالد لأن إحباله لها يقتضي ملكه إياها بوطئها قهرا على الولد فإذا أراد الولد رفع ذلك بدعوة وطء أو استيلاد لم يصدق إلا ببينة وقد صرحوا بأن من تزوج مجهولة فأقر والده بأبوته لها لم تحرم على الابن وإن ثبتت أختيته لها إلا إن صدق أباه في الاستلحاق لأنها كانت حلالا له فإذا أراد أبوه أن يقر بما يحرمها عليه لم يؤاخذ بإقرار الأب حتى يصدقه فكذا في مسألتنا كما هو واضح.
"وسئل" عما إذا ادعى الأب الإنزال قبل تمام إيلاج الحشفة حيث أحبلها حتى لا يلزمه إلا القيمة فقط وادعى الابن بعد تمام إيلاج الحشفة حتى يلزم الأب المهر والقيمة ومع اتفاقهما أنها حبلت وولدت من الأب فهل القول للأب بيمينه أم قول الابن؟ "فأجاب" الظاهر من كلامهم تصديق الأب لأن الولد يدعي عليه بمهر والأصل براءة ذمته منه ولأن الإنزال خفي لا يطلع عليه إلا من الأب فقبل قوله فيه وقد صرحوا بأنهما لو اختلفا في قيمتها حال الإنزال صدق الأب لأنه غارم فكذا هنا.
"وسئل" عما إذا ادعت الأمة على ابن سيدها أنها حبلت ووضعت ولدا من وطئه أو استدخال مائه المحترم وصدقها الأب وكذبها الابن فهل تسمع دعواها أم لا؟ "فأجاب" وطء الابن جارية أبيه لا يقتضي مهرا إلا إن كان لشبهة منها ولا ملكا مطلقا ولا لحوق ولد إلا إن كان بشبهة منه وحينئذ فلا فائدة لتصديق الأب ومع تكذيب الابن كما هو واضح ولعل في الكتابة تحريف وأن الصواب ادعت على أبي سيدها وحينئذ فالظاهر أن تصديق الأب لها يوجب ملكه إياها ولزوم القيمة له وكذا المهر بشرطه ولا أثر لتكذيب سيدها لأن من قدر على الإنشاء قدر على الإقرار والأب لو وطئها يقينا كان هذا حكمه فقبل إقراره به وأيضا فلا ضرر على السيد فيه لأنه تجب القيمة أو المهر.
"وسئل" عما إذا زنى بامرأة مكرهة أو لشبهة منها ثم تزوجها أو اشتراها حيث كانت أمة وكان التزوج أو الشراء حال وطئها زنا ثم نزع هل يجب مهر المثل والمسمى حيث تزوجها؟ "فأجاب" إن وقع التزوج أو الاشتراء بعد غيبوبة الحشفة وجب مهر المثل مع

 

ج / 4 ص -422-        المسمى إن صح العقد ومع الثمن في مسألة الشراء وإن قارن أحدهما غيبوبتها لم يجب إلا المسمى أو الثمن لأن الحل المانع قارن الحرمة المقتضية فقدم المانع.
"وسئل" عما إذا وطئها مكرهة أو بشبهة منها ثم بيعت إلى مالك آخر حال الوطء هل يكون المهر للأول أو للمالك الثاني أم لا شيء لأن الوطء لا يتم في ملك الأول ولا في ملك الثاني أم يجب المهر لهما ويقتسماه؟ "فأجاب" المهر للأول لأن الموجب له غيوبة الحشفة وهذا إنما وقع في ملك الأول وأما الذي وقع في ملك الثاني فهو دوام ذلك والدوام تابع غير مفرد بمقابل فلم يجب للثاني شيء لأن ما وقع في ملكه لا مقابل له كما تقرر.
"وسئل" عما لو وطئ أمته ثم أعتقها حال وطئه ثم استدام بعد العتق هل يجب لها المهر أو لا؟ "فأجاب" يجب لها المهر لأن ابتداء الوطء كان حلالا لا مقابل له فإذا طرأ التحريم واستدام الوطء كان بمنزلة ابتدائه كما صرحوا به في نظائر لذلك.
"وسئل" عمن زنى بامرأة طائعة ثم تزوجها حال الوطء واستدام هل تصير محصنة بهذا الوطء وتعتد له حيث طلقها بعد ذلك ويجب لها المهر بكماله أم لا لأن أوله كان حراما وكانت زانية؟ "فأجاب" صرحوا فيمن علق طلاق زوجته بوطئها أنه يقع عليه الطلاق بمغيب الحشفة ويلزمه النزع فورا فإن استدام لم يلزمه مهر وهذا صريح منهم في أن الاستدامة لا حكم لها وحينئذ فلا تصير محصنة بها ولا يجب عليها بها عدة ولا مهر لها في مقابلها.
"وسئل" عما إذا وطئ أمة الغير مكرهة مثلا ثم أعتقها مالكها حال الوطء هل يجب المهر للمالك أو لها؟ "فأجاب" يجب المهر لمالكها ولا شيء لها لما تقرر في التي قبل هذه أنه لا عبرة بالاستدامة والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب والحمد لله أولا وآخرا باطنا وظاهرا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تم.