الإقناع
في فقه الإمام أحمد بن حنبل كتاب القضاء
والفتيا
*
مدخل
...
كتاب القضاء
والفتيا
والقضاء - جمعة أقضية وهو: الإلزام وفصل
الخصومات وهو فرض كفاية كالإمامة وإذا أجمع
أهل بلد على تركه أثموا وولايته رتبة دينية
ونصبة شرعية وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام
به وأداء الحق
(4/363)
فيه قال الشيخ:
والواجب اتخاذها دينا وقربة فإنها من أفضل
القربات وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة
والمال بها انتهى وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن
لم يؤد الحق فيه فمن عرف الحق ولم يقض به أو
قضى على جهل ففي النار ومن عرف الحق وقضى به
ففي الجنة ويجب على الإمام أن ينصب في كل
أقليم قاضيا وأن يختار لذلك أفضل من يجد علما
وورعا وإن لم يعرف سأل عمن يصلح فإن ذكره له
من لا يعرفه أحضره وسأله فإن عرف عدالته وإلا
بحث عنها فإذا عرفها ولاه ويأمره بتقوى الله
وإيثار طاعته في سره وعلانيته ويتحرى العدل
والاجتهاد في إقامة الحق ويكتب له بذلك عهدا
وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يقدر عليه وعلى
من يصلح له إذا طلب ولم يوجد غيره من يوثق به
- الدخول فيه: إن لم يشغله عما هو أهم منه ولا
يجب عليه طلبه ومن لا يحسنه ولم تجتمع فيه
شروطه حرم عليه الدخول فيه ومن كان من أهله
ويوجد غيره مثله فله أن يليه ولا يجب عليه
والأولى أن لا يجيب إذا طلب ويكره له طلبه
وكذلك الإمارة وطريقة السلف الامتناع وإن لم
يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره
حرم وتأكد الامتناع ويحرم بذل المال في ذلك
ويحرم أخذه وطلبه وفيه مباشرة أهل له وتصح
تولية مفضول مع وجود أفضل ولا تثبت ولاية
القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه ومن شروط
صحتها معرفة المولى كون المولى على صفة تصلح
للقضاء وتعيين ما يوليه الحكم فيه من الأعمال
والبلدان ومشافهته بالولاية في المجلس
ومكاتبته بها في البعد
(4/364)
وإشهاد عدلين
على توليته فيقرأ أو نائبه عليهما العهد أو
يقرأه غيره بحضرته ليمضيا معه إلى بلد توليته
فيقيما له الشهادة ويقول لهما: أشهدا على أني
قد وليته قضاء البلد الفلاني وتقدمت عليه بما
يشتمل هذا العهد عليه ولا تصح الولاية بمجرد
الكتابة من غير إشهاد وإن كان البلد قريبا من
بلد الإمام يستفيض إليه ما يجري في بلد
الإمام: نحو أن يكون بينهما خمسة أيام فما
دونها - جاز أن يكتفي بالاستفاضة دون الشهادة:
كالكتابة والإشهاد ولا تشترط عدالة المولي
بكسر اللام ولو كان نائب الإمام وألفاظ
التولية الصحيحة سبعة: وليتك الحكم وقلدتك
واستنبتك واستخلفتك ورددت إليك وفوضت إليك
وجعلت إليك الحكم فإذا وجد أحدها وقبل المولى
الحاضر في المجلس أو الغائب بعده أو شرع
الغائب في العمل انعقدت والكناية نحو: اعتمدت
عليك وعولت عليك ووكلت إليك وأسندت الحكم إليك
فلا تنعقد حتى تقترن بها قرينة نحو فاحكم أو
فتول ما عولت عليك وما أشبه.
(4/365)
فصل: - وتفيد ولاية الحكم العامة
ويلزم بها فصل الخصومات واستيفاء الحق ممن هو
عليه ودفعه إلى ربه والنظر في أموال اليتامى
والمجانين والسفهاء والحجر على من يرى الحجر
عليه لسفه أو فلس والنظر في الوقوف في عمله
لتجرى بإجرائها على شرط الواقف وتنفيذ الوصايا
وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن وإقامة
الحدود وإقامة الجمعة بالإذن في إقامتها ونصب
إمامها وكذا العيد ما لم يخصا بإمام، والنظر
(4/365)
في مال الغائب،
وجباية الخراج وأخذ الصدقة إن لم يخصا بعامل
والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طرقات
المسلمين وأفنيتهم وتصفح حال شهوده وأمنائه
ليستبقي ويستبدل من يصلح قال في التبصرة:
ويستفيد الاحتساب على الباعة والمشترين
وإلزامهم بالشرع قال الشيخ: ما يستفيده
بالولاية لا حد له شرعا بل يتلقى من الألفاظ
والأحوال والعرف ولا يحكم ولا يسمع بينة في
غير عمله وهو محل حكمه فإن فعل لغا وتجب إعادة
الشهادة كتعديلها وله طلب الرزق من بيت المال
لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة وعدمها فإن
لم يجعل له شي وليس له ما يكفيه وقال للخصمين:
لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز ولا يجوز
الاستئجار على القضاء وللمفتي أخذ الرزق من
بيت المال ولو تعين عليه أن يفتي لا كفاية -
لم يأخذ ومن أخذ رزقا لم يأخذ وإلا أخذ أجرة
حظه وعلى الإمام أن يفرض من بيت المال لمن نصب
نفسه لتدريس العلم والفتوى في الأحكام ما
يغنيه عن التكسب.
(4/366)
فصل: - ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم
العمل:
بأن يوليه القضاء في كل البلدان وأن يوليه
خاصا في أحدهما أو فيهما فيوليه النظر في بلد
أو محلة خاصة فينفذ قضاؤها في أهله ومن طرأ
إليه: لكن لو أذنت له في تزويجها فلم يزوجها
حتى خرجت من عمله لم يصح تزويجه كما لو أذنت
له في غير عمله ولو دخلت بعد إلى عمله: فإن
قالت: إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك فزوجها في
عمله - صح بناء على جواز تعليق الوكالة
(4/366)
بالشرط، أو
يجعل إليه الحكم في المداينات خاصة أو في قدر
المال لا يتجاوزه أو يفوض إليه عقود الأنكحة
دون غيرها ويجوز أن يولي من غير مذهبه وإن
نهاه عن الحكم في مسئلة فله الحكم بها ويجوز
أن يولي قاضيين فأكثر في بلد واحد: يجعل لكل
واحد منهما عملا: سواء كان المولى الإمام أو
القاضي ولى خلفاءه مثل: أن يجعل إلى أحدهما
الحكم بين الناس وإلى الآخر عقود الأنكحة فإن
جعل إليهما عملا واحدا جاز فيحكم كل واحد
باجتهاده وليس للآخر الاعتراض عليه ولا نقض
حكمه فإن تنازع خصمان في الحكم عند أحدهم قدم
قول الطالب ولو عند نائب فلو تساويا في الدعوى
كالمدعين اختلفا في ثمن مبيع باق - اعتبر أقرب
الحاكمين إليهما فإن استويا أقرع بينهما ولا
يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب
بعينه فإن فعل بطل الشرط وعمل الناس على
خلافه: كما يأتي قريبا قال الشيخ من أوجب
تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن
قال: ينبغي كان جهلا ضالا قال: ومن كان متبعا
للإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو
يكون أحدهما أعلم أو أتقى فقد أحسن ولم يقدح
في عدالته قال: وفي هذه الحال يجوز عند أئمة
الإسلام بل يجب وأن أحمد نص عليه ويجوز أن
يفوض الإمام إلى إنسان تولية القضاء وليس له
أن يولي نفسه ولا والده ولا ولده: كما لو وكله
في الصدقة بمال لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى
هذين فإن مات المولي - بكسر اللام - أو عزل
المولى - بفتحها - مع صلاحيته لم تبطل ولايته:
كما لو عزل الإمام، لأنه
(4/367)
نائب المسلمين
لا نائبه وكذا كل عقد لمصلحة المسلمين: كوال
ومن ينصبه لجباية مال وصرفه وأمير جهاد ووكيل
بيت المال ومحتسب قاله الشيخ وقال: الكل لا
ينعزل بانعزال المستتيب وموته حتى يقوم غيره
مقامه انتهى ولا يبطل ما فرضه فارض في
المستقبل ولا ينعزل حيث صح عزله قبل علمه
بالعزل فليس كوكيل فإن كان المستتيب قاضيا
فعزل نوابه أو زالت ولايته بموت أو عزل أو
غيره: كما لو اختل فيه بعض شروطه - انعزلوا
ومن عزل نفسه انعزل ولو أخبر بموت قاضي بلد
فولى غيره فبان حيا لم ينعزل ويستحب أن يجعل
للقاضي أن يستخلف وإن نهاه عن الاستخلاف لم
يكن له أن يستخلف وإن أطلق فله ذلك ويصح تولية
قضاء وإمارة بشرط فإذا قال المولى من نطر في
الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان خليفتي
أو فقد وليته لم تنعقد لمن ينظر لجهالة المولى
منهما وإن قال: وليت فلانا وفلانا فمن نطر
منهما فهو خليفتي انعقدت لمن سبق منهما النظر.
(4/368)
فصل: - ويشترط في القاضي عشر صفات:
أن يكون بالغا عاقلا ذكرا حرا لكن تصح ولاية
عبد إمارة سرية وقسم صدقه وفئ وإمامة صلاة وأن
يكون مسلما عدلا ولو تائبا من قذف فلا تجوز
تولية فاسق ولا من فيه نقص يمنع الشهادة وأن
يكون سميعا بصيرا ناطقا مجتهدا ولو في مذهب
إمامه لضرورة واختار في الإفصاح و الرعاية أو
مقلدا وعليه عمل الناس من مدة طويلة وإلا
تعطلت أحكام الناس وكذا المفتي فيراعي كل
منهما ألفاظ إمامه ومتأخر يقلد كبار
(4/368)
مذهب في ذلك،
ويحكم به ولو اعتقد خلافه لأنه مقلد قال
الشيخ: منصب الاجتهاد ينقسم حتى لو ولاه في
المواريث لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والقضايا
وما يتعلق بذلك وإن ولاه عقود الأنكحة وفسخها
لم يجب أن يعرف إلا ذلك وعلى هذا فقضاة
الأطراف يجوز أن لا يقضوا في الأمور الكبار:
كالدماء والقضايا المشكلة وعلى هذا لو قال:
اقض فيما نعلم كما يقول له فيما تعلم - جاز
ويبقى ما لا يعلم خارجا عن ولايته انتهى ومثله
لا تقض فيما مضى له عشر سنين ونحوه ويحرم
الحكم والفتيا بالهوى إجماعا وليحذر المفتي أن
يميل في فتياه مع المستفتي أو مع خصمه مثل: أن
يكتب في جوابه ما هو له دون أن يكتب ما هو
عليه ونحو ذلك وليس له أن يبتدئ في مسائل
الدعاوى والبينات بذكر وجوه المخالص منها وإن
سأله بأي شيء تندفع دعوى كذا وكذا وبينة كذا
وكذا لم يجب لئلا يتوصل بذلك إلى إبطال حق وله
أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فإذا شرحه به
عرفه بما فيه من دافع وغير دافع ويحرم الحكم
والفتيا بقول أو وجه من غير نظر في الترجيح
إجماعا ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له
وعليه إجماعا قاله الشيخ: ولا يشترط كون
القاضي كاتبا أو ورعا أو زاهدا أو يقظا أو
مثبتا للقياس أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك
قال الشيخ: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة
فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ
الحكم والأمانة ترجع إلى خشية الله قال: وشروط
القضاء تعتبر حسب الإمكان ويجب تولية الأمثل
فالأمثل قال: وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره
(4/369)
فيولى للعدم
أنفع الفاسقين وأقلهما شرا وأعدل المقلدين
وأعرفهما بالتقليد وهو كما قال: والشاب المتصف
بالصفات المعتبرة كغيره: لكن الأسن أولى مع
التساوي ويرجح أيضا بحسن الخلق ومن كان أكمل
في الصفات ويولي المولى مع أهليته وما يمنع
التولية ابتداء يمنعها دواما إذا طرأ ذلك عليه
لفسق أو زوال عقل: إلا فقد السمع والبصر فيا
ثبت عنده في حال سمعه وبصره فلم يحكم به حتى
عمى أو طرش فإن ولاية حكمه باقية فيه ولو مرض
مرضا يمنع القضاء تعين عزله وقال الموفق و
الشارح: ينعزل بذلك ويتعين على الإمام عزله
انتهى والمجتهد من يعرف من كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة، والمجاز
والأمر والنهي والمجمل والمبين والمحكم
والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد
والناسخ والمنسوخ والمستثنى والمستثنى منه
ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها وتواترها من
آحادها ومرسلها ومتصلها وسندها ومنقطعها مما
له تعلق بالأحكام خاصة ويعرف ما اجتمع عليه
مما اختلف فيه والقياس وحدوده وشروطه وكيفية
استنباطه والعربية المتناولة بالحجاز والشام
والعراق وما يواليها وكل ذلك مذكور في أصول
الفقه وفروعه فمن عرف ذلك أو أكثره ورزق فهما
- صلح للفتيا والقضاء.
(4/370)
فصل: - كان السلف يأبون الفتيا،
ويشددون فيها ويتدافعونها وأنكر أحمد وغيره
على من يهجم على الجواب وقال: لا ينبغي أن
يجيب في كل ما يستفتى فيه وقال: إذا هاب الرجل
شيئا
(4/370)
لا ينبغي أن
يحمل على أن يقول وقال: لا ينبغي للرجل أن
يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال:
أحدها: أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم
يكن عليه نور ولا على كلامه نور الثاني: أن
يكون له حلم ووقار وسكينة الثالثة: أن يكون
قويا على ما هو فيه وعلى معرفته الرابعة:
الكفاية وإلا بغضه الناس فنه ذا لم تكن له
كفاية احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما في
أيديهم الخامسة معرفة الناس أي: ينبغي له أن
يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم ولا ينبغي له
أن يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا لما
يصورونه في سؤالاتهم والمفتي من يبين الحكم من
غير إلزام والحاكم يبينه ويلزم به ويحرم أن
يفتي في حال لا يحكم فيها: كغضب ونحوه فإن
أفتى وأصاب صح وكره وتصح فتوى العبد والمرأة
والأمي والأخرس المفهوم الإشارة أو الكتابة
وتصح مع أخذ النفع ودفع الضرر ومن العدو وأن
يفتي أباه وأمه وشريكه ومن لا تقبل شهادته له
ولا تصح من فاسق لغيره وإن كان مجتهدا لكن
يفتي نفسه ولا يسأله غيره ولا تصح من مستور
الحال والحاكم كغيره في الفتيا ويحرم تساهل
مفت وتقليد معروف به قال الشيخ: لا يجوز
استفتاء إلا من يفتي بعلم أو عدل انتهى وليس
لمن انتسب إلى مذهب إمام في مسئلة ذات قولين
أو وجهين أن يتخير ويعمل بأيهما شاء1 وتقدم في
الباب ويلزم المفتي تكرير النظر عند تكرار
الواقعة وإن حدث ما لا قول فيه - تكلم فيه
حاكم ومجتهد ومفت وينبغي له أن يشاور من عنده
ممن يثق بعلمه إلا أن يكون في ذلك إفشاء
ـــــــ
1 يريد أن ينبه إلى أن الواجب العمل بأوفق
الوجهين للكتاب والسنة: لا أن يختار أوفقهما
لهواه.
(4/371)
سر السائل أو
تعريضه للأذى أو مفسدة لبعض الحاضرين وحقيق به
أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح "اللهم رب
جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض
عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما
كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلفت فيه من
الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"
ويقول إذا أشكل عليه شيء "يا معلم إبراهيم
علمني" وفي آداب المفتي: "ليس له أن يفتي في
شيء من مسائل الكلام مفصلا بل يمنع السائل
وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا وله تخيير
من استتفتاه بين قوله وقول مخالفه ولا يلزم
جواب ما لم يقع1: لكن يستحب إجابته ولا جواب
ما لا يحتمله السائل ولا ما لا يقع فيه وإن
جعل له أهل بلد رزقا ويتفرغ لهم جاز وله قبول
هدية والمراد لا ليفتيه بما يريده مما لا يفتي
به غيره وإلا حرمت ومن عدم مفتيا في بلده
وغيره فله حكم ما قبل الشرع وقيل متى خلت
البلد من مفت حرمت السكنى فيها وله رد الفتيا
أخاف غائلتها أو كان في البلد من يقوم مقامه
وإلا لم يجز لكن إن كان الذي يقوم مقامه
معروفا عند العامة مفتيا وهو جاهل تعين الجواب
على العالم قال في عيون المسائل: الحكم يتعين
بولايته حتى لا يمكنه رد محتكمين إليه ويمكنه
رد من يستشهره وإن كان محتملا شهادة فنادر أن
لا يكون سواه وأما في الحكم فلا ينوب البعض عن
البعض ولا يقول لمن ارتفع إليه امض إلى غيري
من الحكام - انتهى" ومن قوى عند مذهب غير
إمامه أفتى به وأعلم السائل قال أحمد: "إذا
جاءت
ـــــــ
1 يريد: جواب السائل عن شيء لم يكن وقع.
(4/372)
المسئلة ليس
فيها أثر فأفت فيها بقول الشافعي ذكره النواوي
في تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة الشافعي
ويجوز له العدول عن جواب المسئول عنه إلى ما
هو أنفع للسائل وأن يجيبه بأكثر مما سأله وأن
يدله على عوض ما منعه عنه وأن ينهيه على ما
يجب الاحتراز عنه وإذا كان الحكم مستغربا وطأ
قبله ما هو كالمقدمة له وله الحلف على ثبوت
الحكم أحيانا وله أن يكذلك مع جواب من تقدمه
بالفتيا فيقول: جوابي كذلك والجواب صحيح وبه
أقول إذا علم صواب جوابه وكان أهلا وإلا اشتغل
بالجواب معه في الورقة وإن لم يكن أهلا لم يفت
معه لأنه تقرير لمنكر وإن لم يعرف المفتي اسم
من كتب فله أن يمتنع من الفتيا معه خوفا مما
قلناه والأولى أن يشير على صاحب الرقعة
بإبدالها فإن أبى ذلك أجابه شفاها وإذا كان هو
المبتدئ بالإفتاء في الرقعة كتب في الناحية
اليسرى لأنه أمكن وإن كتب في الأيمن أو الأسفل
جاز ولا يكتب فوق البسملة وعليه أن يختصر
جوابه ولا بأس لو كتب بعد جوابه كما في
الرقعة1: زاد السائل من لفظه كذا وكذا والجواب
عنه كذا وإن انجر جهل لسان السائل أجزأت ترجمة
واحد ثقة وإن رأى لحنا فاحشا في الرقعة أو خطأ
يحيل المعنى أصلحه وينبغي أن يكتب الجواب بخط
واضح وسطا ويقارب سطوره وخطه لئلا يزور أحد
عليه ثم يتأمل الجناب بعد كتابته خوفا من غلط
أو سهو ويستحب أن يكتب في فتواه: الحمد لله
وفي آخرها: والله أعلم ونحوه وكتبه فلان
الحنبلي أو الشافعي ونحوه، وإذا
ـــــــ
1 يريد: أن يكتب المفتي ما يدل على موافقته
على إفتاء من سبقه.
(4/373)
رأى خلال
السطور أو في آخرها بياضا يحتمل أن يلحق به ما
يفسد الجواب فليحترز منه فإما أن يأمره بكتابة
غير الورقة أو يشغله بشيء وينبغي أن يكون
جوابه موصلا بآخر سطر في الورقة ولا يدع
بينهما فرجة خوفا من أن يكتب السائل فيها غرضا
له ضارا وإن كان في موضع الجواب ورقة ملزوقة
كتب على موضع الالتزاق وشغله بشيء وإذا سئل عن
شرط واقف لم يفت بإلزام العمل به حتى يعلم هل
الشرط معمول به في الشرع أو من الشروط التي لا
تحل؟ مثل: أن يشرط أن تصلي الصلوات في التربة
المدفون بها ويدع المسجد أو يشعل بها قنديل أو
سراج أو وقف مدرسة أو رباطا أو زاوية وشرط أن
المقيمين بها من أهل البدع كالشيعة والخوارج
والمعتزلة والجهمية والمبتدعين في أعمالهم:
كأصحاب الإشارات والملاذن وأهيل الحيات وأشباه
الذباب المشتغلين بالأكل والشرب والرقص ولا
يجوز أن يفتي فيما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو
من فهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها
والمتكلمين بها بل يحملها على ما اعتادوه
وعرفوه وإن كان مخالفا لحقائقها الأصلية وإذا
اعتدل عنده قولان من غير ترجيح فقال القاضي:
يفتي بأيهما شاء ومن أراد كتابة على فتيا أو
شهادة لم يجز أن يكبر خطه ولا أن يوسع السطور
بلا إذن ولا حاجة ويكره أن يكون السؤال بخطه:
لا بإملائه وتهذيبه وإذا كان في رقعة
الاستفتاء مسائل فحسن أن يرتب الجواب على
ترتيب الأسئلة وليس له أن يكتب الجواب على ما
يعمله من صورة الواقعة إذا لم يكن في الرقعة
(4/374)
تعرض له بل
يذكر جوابه في الرقعة فإن أراد الجواب على
خلاف ما فيها فليقل: وإن كان الأمر كذا فجوابه
كذا ولا يجوز إطلاقه في الفتيا في اسم مشترك
إجماعا بل عليه التفصيل: فلو سئل: هل له الأكل
في رمضان بعد طلوع الفجر؟ فلا بد أن يقول:
يجوز بعد الفجر الأول لا الثاني وأرسل أبو
حنيفة إلى أبي يوسف يسأله عمن دفع ثوبا إلى
قصار فقصره وجحده هل له أجرة إن عاد وسلمه إلى
ربه - وقال: إن قال: نعم أو لا أخطأ - ففطن
أبو يوسف وقال: إن قصره قبل جحوده فله وبعده
لا لأنه قصره لنفسه وسأل أبو الطيب قوما عن
بيع رطل تمر برطل تمر فقالوا: يجوز فخطأهم
فقالوا: لا فخطأهم فقال: إن تساويا كيلا جاز
ولا يجوز أن يلقي السائل في الحيرة مثل أن
يقول في مسئلة في الفرائض: تقسم على فرائض
الله أو يقول: فيها قولان ونحوه بل يبين له
بيانا مزيلا للإشكال لكن ليس عليه أن يذكر
المانع في الميراث من الكفر وغيره وكذلك في
بقية العقود من الإجارة والنكاح وغير ذلك فلا
يجب أن يذكر الجنون والإكراه ونحو ذلك والعامي
يخير في فتواه فيقول: مذهب فلان كذا ويقلد
العامي من عرفه عالما عدلا أو رآه منتصبا
معظما ولا يقلد من عرفه جاهلا عند العلماء
ويكفيه قوله عدل خبير قال ابن عقيل: يجب سؤال
أهل الفقه والخبر فإن جهل عدالته لم يجز
تقليده ويقلد ميتا وهو كالإجماع في هذه
الأعصار وقبلها ويحفظ المستفتى الأدب مع
المفتي ويجله ولا يومي بيده في وجهه ولا يقول:
ما مذهب إمامك
(4/375)
في كذا؟ وما
تحفظ في كذا؟ أو أفتاني غيرك أو فلان بكذا أو
قلت أنا أو وقع لي أو إن كان جوابك موافقا
فاكتب لكن إن علم غرض السائل في شيء لم يجز أن
يكتب بغيره ويكره أن يسأله في حال ضجر أو هم
أو قيامه أو نحوه ولا يطالبه بالحجة ويجوز
تقليد المفضول من المجتهدين ولزوم التمذهب
بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره - إلا شهر
عدمه ولا يجوز له ولا لغيره تتبع الحيل
المحرمة والمكروهة ولا تتبع الرخص لمن أراد
نفعه فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه وإن حسن
قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة
لتخلص المستفتي بها من حرج جاز: كما أرشد
النبي صلى الله عليه وسلم بلالا رضي الله عنه
إلى بيع التمر بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمر
آخر فيتخلص من الربا وإذا استفتي واحدا أخذ
بقوله ويلزمه بالتزامه ولو سال مفتيين فأكثر
فاختلفا عليه تخير فإن لم يجد إلا مفتيا واحدا
لزمه قبوله وله العمل بخط المفتي وإن لم يسمع
الفتوى من لفظه إذا عرف أنه خطه.
(4/376)
فصل: - وإن تحاكم شخصان إلى رجل يصلح للقضاء
فحكماه بينهما فحكم نفذ حكمه:
في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان
وغيرها حتى مع وجود قاض فهو كحاكم الإمام
ويلزم من كتب إليه بحكمه القبول وتنفيذه:
كحاكم الإمام ولا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض
حكم من له ولاية: ولكل واحد من الخصمين الرجوع
عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم لا بعده وقبل
تمامه وقال الشيخ: وإن حكم
(4/376)
أحدهما خصمه أو
حكما مفتيا في مسئلة اجتهادية جاز وقال: يكفي
وصف القصة وقال: العشر صفات التي ذكرها في
المحرر في القاضي لا تشترط فيمن يحكمه الخصمان
وقال في عمد الأدلة بعد ذكر التحكيم وكذا يجوز
أن يتولى مقدمو الأسواق والمساجد والواسطات
والصلح عند الفورة والمخاصمة وصلاة الجنازة
وتفويض الأموال إلى الأوصياء وتفرقة زكاته
بنفسه وإقامة الحدود على رقيقه وخروج طائفة
إلى الجهاد والقيام بأمر المساجد والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والتعزير لعبيد
وإماء وأشباه ذلك.
(4/377)
باب آداب
القاضي
مدخل
...
باب آداب القاضي
وهو أخلاقه التي ينبغي التخلق بها والخلق:
صورته الباطنة
ينبغي أن يكون قويا من غير عنف لينا من غير
ضعف حليما متأنيا ذا فطنة وتيقظ بصيرا بأحكام
الحكام قبله يخاف الله تعالى ويراقبه لا يؤتى
من غفلة ولا يخدع لغرة صحيح البصر والسمع
عالما بلغات أهل ولايته عفيفا ورعا نزها بعيدا
عن الطمع صدوق اللهجة لا يهزل ولا يمجن ذا رأي
ومشورة لكلامه لين إذا قرب وهيبة إذا أوعد
وفاء إذا وعد ولا يكون جبارا ولا عسوفا وله أن
ينتهر الخصم إذا التوى ويصيح عليه وإن استحق
التعزير عزره بما يرى من أدب أو حبس وإن افتات
عليه بأن يقول: حكمت علي بغير الحق أو ارتشيت
- فله تأديبه وله أن يعفو وإن بدأ المنكر
باليمين قطعها عليه وقال: البينة على خصمك فإن
عاد نهره فإن عاد
(4/377)
عزره إن رأى،
وأمثال ذلك مما فيه إساءة الأدب وإذا ولي في
غير بلده فأراد المسير إليه استحب له أن يبحث
عن قوم من أهل ذلك البلد إن وجد ليسألهم عنه
وعن علمائه وعدوله وفضلائه ويتعرف منهم ما
يحتاج إلى معرفته فإن لم يجد ولا في طريقه سأل
إذا دخل وإذا قرب منه بعث من يعلم بقدومه
ليتلقوه من غير أن يأمرهم بتلقيه ويدخل البلد
يوم الاثنين أو الخميس أو السبت ضحوة لابسا
أجمل ثيابه وفي التبصرة: وكذا أصحابه وإن
جميعها سود وإلا فالعمامة وظاهر كلامهم غير
السواد أولى ولا يتطير بشيء وإن تفاءل فحسن
فيأتي الجامع يصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل
القبلة فإذا اجمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم
وليقل من كلامه إلا لحاجة يأمر من ينادي بيوم
جلوسه للحكم ثم ينصرف إلى منزله الذي أعد له
وأول ما يبدأ به أن يبعث إلى الحاكم المعزول
فيأخذ منه ديوان الحكم ويلزمه تسليمه إليه وهو
ما فيه وثائق الناس من المحاضر - وهي نسخة ما
ثبت عند الحاكم - والسجلات - وهي نسخ ما حكم
به - وليأمر كاتبا ثقة يكتب ما يسجله بمحضره
عدلين ثم يخرج يوم الوعد على أعدل أحواله غير
غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم
بأمر يشغله عن الفهم: كالعطش والفرح الشديدين
والحزن الكثير والهم العظيم والوجع المؤلم
والنعاس الذي يغمر القلب ويسلم عل من يمر عليه
ولو صبيانا ثم عل من في مجلسه ويصلي تحية
المسجد إن كان في مسجد وإلا خير والأفضل
الصلاة ويجلس على بساط أو لبد، أو
(4/378)
غيره يفرش له
في مجلس حكمه بسكينة ووقار ولا يجلس على
التراب ولا على حصر المسجد لأن ذلك يذهب
بهيبته من أعين الخصوم ويستعين بالله ويتوكل
عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه
للصواب ولما يرضيه ويجعل مجلسه في مكان فسيح
كجامع ويصونه عما يكره فيه أو فضاء واسع أو
دار واسعة في وسط البلدان أمكن ولا يكره
القضاء في الجوامع والمساجد ولا يتخذ في مجلس
الحكم حاجبا ولا بوابا ندبا بلا عذر وفي
الأحكام السلطانية: ليس له تأخير الخصومة إذ
تنازعوا إليه - بلا عذر ولا له أن يحتجب إلا
في أوقات الاستراحة ويعرض القصص فيبدأ بالأول
فالأول ويكون له من يرتب الناس إذ كثروا فيكتب
الأول فالأول ويجب تقديم السابق على غيره فإذا
حكم بينه وبين خصمه فقال: لي دعوى أخرى لم
تسمع منه ويقول له: اجلس إذا لم يبق أحد من
الحاضرين نظرت في دعواك الأخرى إن أمكن فإذا
فرغ الكل فقال الأخير بعد فصل حكومته: لي دعوى
أخرى - لم تسمع منه حتى يسمع دعوى الأول
الثانية ثم تسمع دعواه وإن ادعى المدعي عليه
على المدعى عليه حكم بينهما لأننا إنما نعتبر
الأول فالأول في المدعي: لا في المدعى عليه
وإذا تقدم الثاني فادعى على المدعي الأول
والمدعى عليه الأول حكم بينهما وإن حضر اثنان
أو جماعة دفعة واحدة أقرع بينهم فقدم من خرجت
له القرعة وإن كثر عددهم كتب أسماءهم في رقاع
وتركها بين يديه ومد يده فأخذ رقعة واحدة بعد
أخرى ويقدم صاحبها حسبما يتفق
(4/379)
فصل: - ويلزمه
العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسه
والدخول عليه: إلا أن يكون أحدهما كافرا فيقدم
المسلم عليه في الدخول ويرفعه في الجلوس أو
يأذن له أحد الخصمين في رفع الخصم الآخر عليه
في المجلس فيجوز وإذا سلم عليه أحدهما رد عليه
ولا ينتظر سلام الثاني وله القيام السائغ
وتركه لا مسارة أحدهما وتلقينه حجته وتضييفه
إلا أن يضيف خصمه معه وتعليمه كيف يدعي إذا لم
يلزم ذكره فإن لزم كشرط عقد أو سبب ونحوه ولم
يذكره المدعي فله أن يسأل ليتحرى عنه وله أن
يشفع إلى خصمه لينظره أو يضع عنه وله أن يزن
عنه ويكون بعد انقضاء الحكم وينبغي أن يحضر
مجلسه الفقهاء من كل مذهب إن أمكن: يشاورهم
فيما أشكل عليه فإن حكم باجتهاده فليس لأحد
منهم الاعتراض عليه وإن خالف اجتهاده إلا أن
يحكم بما يخالف نصا أو إجماعا ويشاور
الموافقين والمخالفين ويسألهم عن حججهم
لاستخراج الأدلة وتعرف الحق بالاجتهاد قال
أحمد رضي الله عنه: ما أحسنه لو فعله الحكام
يشاورون وينظرون فإن اتضح له الحكم وإلا أخره
فلو حكم ولم يجتهد فأصاب الحق لم يصح ويحرم
عليه تقليد غيره وإن كان أعلم منه ويحرم
القضاء وهو غضبان كثيرا أو حاقن أو حاقب أو في
شدة جوع أو عطش أو هم أو غم أو وجع أو نعاس أو
برد مؤلم أو حر مزعج أو توقان جماع أو شدة مرض
أو خوف أو فرح غالب أو ملل أو كسل ونحوه فإن
حالف وحكم فوافق الحق نفذ، ويحرم قبول
(4/380)
رشوة - وهي ما
يعطى بعد طلبه - ويحرم بذلها من الراشي ليحكم
بباطل أو يدفع عنه حقا وإن رشاه ليدفع ظلمه
ويجريه على واجبه فلا باس به في حقه ويحرم
قبوله هدية بخلاف مفت وتقدم في الباب قبله وهي
الدفع إليه ابتداء وظاهره ولو كان في غير عمله
إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته إن لم يكن
له حكومة أو من ذوي رحم محرم منه لأنه لا يصح
أن يحكم له وردها أولى واستعارته من غيره
كالهدية لأن المنافع كالأعيان ومثله لو ختن
ولده ونحوه فأهدى له ولو قلنا أنها للولد لأن
ذلك وسيلة إلى الرشوة فإن تصدق عليه فالأولى
أنه كالهدية وإن قبل حيث حرم القبول وجب ردها
إلى صاحبها: كمقبوض بعقد فاسد وقال الشيخ فيمن
تاب إن علم صاحبه دفعه إليه وإلا دفعه في
مصالح المسلمين انتهى وتقدم لو بقيت في يده
غصوب لا يعرف أربابها فإن أهدى لمن يشفع له
عند السلطان ونحوه لم يجز أخذها ونص أحمد فيمن
عنده وديعة فأداها فأهديت إليه هدية - أنه لا
يقبلها إلا بنية المكافأة وحكم الهدية عند
سائر الأمانات حكم الوديعة ويكره له: لا لمفت
ولو في مجلس فتواه - أن يتولى البيع والشراء
بنفسه ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه
وكيله وله عيادة المرضى وشهادة الجنائز وزيارة
الأهل والصالحين والأخوان وتوديع الغازي
والحاج: ما لم يشغله عن الحكم فإن شغله عنه
فليس له ذلك وله حضور بعض دون بعض وله حضور
الولائم فإن كثرت الولائم تركها واعتذر إليهم
ولا يجيب بعضا دون بعض إلا أن يختص بعضها
(4/381)
بعذر يمنعه
مثل: أن يكون في إحداها منكر أو يشتغل بها
زمنا طويلا والأخرى بخلافها فله الإجابة إليها
لظهور عذره ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه
بالرفق بالخصوم وقلة الطمع ويجتهد أن يكونوا
شيوخا أو كهولا من أهل الدين والفقه والصيانة
ويتخذ حبسا لأنه قد يحتاج إليه لتأديب
واستيفاء حق واحتفاظ بمن عليه قصاص ونحوه
ويتخذ أصحاب مسائل يتعرف بهم أحوال من جهل
عدالته من الشهود ويجب أن يكونوا عدولا برآء
من الشحناء بعداء من العصبية في نسب أو مذهب
ولا يسألوا عدولا ولا صديقا ويأتي بعضه في
الباب بعده ويستحب له اتخاذ كاتب ويجب أن يكون
مسلما مكلفا عدلا ينبغي أن يكون وافر العقل
ورعا نزها متيقظا لينا فقيها حافظا جيد الخط
لا يشتبه فيه سبعة بتسعة ونحو ذلك صحيح الضبط
حرا يجلسه بحيث يشاهد مكتبه ويستحب أن يكون
بين يديه للمشافهة بما يملي عليه وإن أمكن
القاضي تولي الكتابة بنفسه جاز والأولى
الاستنابة ويجعل القمطر مختوما بين يديه لينزل
منه ما يجتمع من المحاضر والسجلات ويستحب أن
لا يحكم إلا بحضرة الشهود بحيث يسمعون
المتحاكمين وليس له أن يرتب شهودا لا يقبل
غيرهم لكن له أن يرتب شهودا ليشهدهم الناس
فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ويستغني الحاكم
عن الكشف عن أحوالهم ولا يجوز له منع الفقهاء
من عقد العقود وكتابة الحجج وما يتعلق بأمور
الشرع مما أباحه الله ورسوله إذا كان الكاتب
فقيها عالما بأمور الشرع وشروطه، مثل
(4/382)
أن يزوج المرأة
وليها بحضور شاهدين ويكتب كاتب عقدها أو يكتب
رجل عقد بيع أو إجارة أو إقرار أو غير ذلك أو
كان الكاتب مرتزقا بذلك وإذا منع القاضي ذلك
ليصير إليه منافع هذه الأمور كان هذا من المكس
نظير من يستأجر حانوتا من القرية على أن لا
يبيع غيره وإن كان منع الجاهلين لئلا يعقد
عقدا فاسدا فالطريق أن يفعل كما فعل الخلفاء
الراشدون بتعزير من يعقد نكاحا فاسدا كما فعل
عثمان رضي الله عنه فيمن تموج بغير ولي وفيمن
تزوج في العدة ولا يجوز ولا يصح أن يحكم لنفسه
ولمن لا تقبل شهادته له له الحكم عليه ويحكم
بينهم بعض خلفائه ويجوز أن يستخلف والده وولده
كحكمه لغيره بشهادتهما ليس له أن يحكم على
عدوه وله أن يفتي عليه.
(4/383)
فصل: - ويستحب أن يبدأ بالمحبوسين
فينفذ ثقة يكتتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم
حبسه في رقعة منفردة ويأمر مناديا ينادي في
البلدان: القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم
كذا فمن له خصم منهم فليحضر فإذا حضروا في ذلك
اليوم تناول منها رقعة وقال من خصم فلان
المحبوسين فإن حضر له خصم بعث ثقة البس فخرج
خصمه وحضر معه مجلس الحكم ويفعل ذلك في قدر ما
يعلم أنه يتسع زمانه للنظر فيه في ذلك المجلس
فلا يخرج غيرهم فإذا حضر المحبوس وخصمه لم
يسأل خصمه: فيم حبسه؟ بل يسأل المحبوس: بم
حبست؟ ثم ينظر بينهما فإن كان حبس لتعديل
البينة - فأعادته مبنية على حبسه على ذلك
ويأتي في الباب بعده ويقبل قول خصمه في أنه
حبسه
(4/383)
بعد تكميل
بينته وتعديلها وإن حبس بقيمة كلب أو خمر ذمي
وصدقه غريمه - خلي وإن أكذبه وقال: بل حبست
بحق واجب غير هذا فقوله لأن الظاهر حبسه بحق
وإن حبس في تهمة أو الفتيات على القاضي قبله و
تعزير خلي سبيله أو أبقاه بقدر ما يرى وإن لم
يحضر له خصم فقال: حبست ظلما ولا حق علي ولا
خصم لي نادى: فإن حضر له خصم وإلا أحلفه وخلي
سبيله ومع غيبة خصمه يبعث إليه ومع جهله أو
تأخره بلا عذر يخلي والأولى بكفيل وينظر في
مال الغائب وإطلاقه المحبوس من الحبس وغيره
وإذنه ولو في قضاء دين ونفقة ووضع ميزا وبناء
وغيره - الضمان وأمره بإراقة نبيذ وقرعته -
حكم برفع الخلاف إن كن وفتياه ليست حكما منه
فلو حكم غيره بغير ما أفتى به لم يكن نقضا
لحكمه ولا هي كالحكم ولهذا يجوز أن يفتي
الحاضر والغائب ومن يجوز حكمه له ومن لا يجوز
وتقدم بعضه في الباب قبله وإقراره على فعل
مختلف فيه ليس حكما به وفعله حكم كتزويج يتيمة
وشراء عين غائبة وعقد نكاح بلا ولي - صح وتقدم
آخر الصداق أن ثبوت سبب المطالبة كتقرير أجرة
مثل ونفقة ونحوه - حكم وتأتي تتمته قريبا قال
الشيخ: القضاء نوعان: إخبار هو إظهار وإبداء
وأمر: وهو إنشاء فالخبر يدخل فيه خبره عن حكمه
وعن آلة ال وشهود وعن الإقرار والشهادة والآخر
هو حقيقة الحكم: أمر ونهي وإباحة ويحصل بقوله:
أعطه ولا تكلمه والزمه وبقوله: حكمت وألزمت
وحكمه بشيء حكم يلازمه،
(4/384)
ذكره الأصحاب
في أحكام المفقود وثبوت شيء عنده ليس حكما به
وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ
وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه حكم وفي كلام
بعضهم أنه عمل بالحكم وأجازه له وإمضاء لتنفيذ
الوصية والحكم بالصحة يستلزم ثبوت الملك
والحيازة قطعا والحكم بالموجب حم بموجب الدعوى
الثانية ببينة أو غيرها: فالدعوى المشتملة على
ما يقتضي صحة العقد المدعى به الحك فيها
بالموجب حكم بالصحة وغير المشتملة على ذلك
الحكم بالموجب ليس حكما بها قاله ابن نصر الله
وقال السبكي وتبعه ابن قندس: الحكم بالموجب
يستدعى صحة الصيغة وأهلية التصرف ويزيد الحكم
بالصحة كون تصرفه في محله وقال السبكي أيضا:
الحكم بالموجب هو الأثر الذي يوجبه اللفظ
وبالصحة كون اللفظ بحيث يترتب عليه الأثر وهما
مختلفان فلا يحكم بالصحة إلا باجتماع الشروط
وقيل لا فرق بينهما في الإقرار ونحوه فالحكم
بموجبه في الأصح والحكم بالموجب لا يشمل
الفساد انتهى والعمل على ذلك وقالوا: الحكم
بالموجب يرفع الخلاف.
(4/385)
فصل: - ثم ينظر وجوبا في أمر يتامى ومجانين
ووقوف ووصايا لمن لا ولي لهم ولا ناظر
ولو نفذ الأول وصية موصى إليه أمضاها الثاني
فدل أن إثبات صفة كعدالة وجرح وأهلية موصى
إليه وغيرها حكم يقبله حاكم آخر: لكن يراعيه
فإن تغير حاله بفسق أو ضعف أضاف إليه أمينا
وإن كان الأول ما نفذ وصيه نظر فيه: فإن كان
قويا أقره، وإن
(4/385)
كان أمينا
ضعيفا ضم إليه من يعينه وإن كان فاسقا عزله
وأقام غيره وينظر ففي أمناء الحاكم - وهم من
رد إليه الحاكم النظر في أمر الأطفال وتفرقه
للوصايا التي لم يعين لها وصي - فإن كانوا
بحالهم أقرهم ومن تغير حاله عزله إن فسق وإن
ضعف ضم إليه أمينا ثم ينظر في أمر الضوال
واللقط التي يتولى الحاكم حفظها فإن كانت مما
يخاف تلفه كالحيوان أو في حفظها مؤنة - باعها
وحفظ ثمنها لأربابها وإن كانت أثمانا حفظها
لأربابها ويكتب عليها لتعرف ثم ينظر ففي حال
القاضي قبله إن شاء ولا يجب: فإن كان مما يصلح
لقضاء لم يجزي أن ينقض من أحكامه إلا ما يخالف
نص كتاب أو سنة متواترة أو آحاد: كقتل مسلم
بكافر ولو ملتزما فيلزم نقضه نصا وجعل من وجد
عين ماله عند من حجر عليه أسوة الغرماء فينقض
نصا ولو زوجت نفسها لم ينقض أو خالف إجماعا
قطعيا لا ظنيا وينقض حكمه بما لم يعتقده وفاقا
للأئمة الأربعة وحكاه القرافي إجماعا ويأثم
ويعصى بذلك ولو حكم بشاهد ويمين لم ينقض وحكاه
القرافي أيضا إجماعا ولا ينقض حكمه بعدم علمه
الخلافة في المسئلة خلافا لمالك ولا لمخالفة
القياس ولو جليا وحيث قلنا ينقض فالناقض له
حاكمه إن كان فيثبت السبب وينقضه ولا يعتبر
لنقضه طلب رب الحق وينقضه إذا بانت البينة
عبيدا أو نحوهم: إن لم ير الحكم بها وفي
المحرر له نقضه قال: وكذا كل مختلف فيه صادف
ما حكم فيه ولم يعلم به قال السامري: لو حكم
بجهل نقض حكمه وإن كان ممن لا يصلح لفسق أو
غيره نقض أحكامه كلها،
(4/386)
واختار الموفق
والشيخ وجمع: لا ينقض الصواب منها وعليه عمل
الناس من مدة.
(4/387)
فصل: - إذا تخاصم اثنان فدعا أحدهما صاحبه إلى
مجلس الحكم لزمته إجابته
فإن استدعى الحاكم أحد على خصمه في البلد بما
تتبعه الهمة لزمه إحضاره ولو لم يحرر الدعوى:
علم أن بينهما معاملة أو لم يعلم وسواء كان
المستعدى ممن يعامل المستعدي عليه أولا يعامله
كالفقير يدعى على ذي ثروة وهيبة فيبعث معه
عونا يحضره وإن شاء بعث معه قطعة من شمع أو
طين مختوما بخاتمه أو في كاغد ونحوه فإذا بلغه
لزمه لحضور وإن شاء وكل فإن امتنع أو كسر
الختم أعلم الوالي به فأحضره فإذا حضر وثبت
امتناعه عزره إن رأى ذلك بحسب ما يراه: من
كلام وكشف رأس وضرب وحبس فإن اختفى بعث الحاكم
من ينادي على بابه ثلاثا بأنه إن لم يحضر سمر
بابه وختم عليه فإن لم يحضر وسأل المدعي أن
يسمر عليه منزله ويختمه أجابه إليه فإن أصر
حكم عليه كغائب ولا يعدي حاكم في مثل ما لا
تتبعه الهمة وفي عيون المسائل لا ينبغي للحاكم
أن يسمع شكية أحد إلا ومعه خصمه وإن استدعاه
على القاضي قبل أو على من ففي معناه: كالخليفة
والعالم الكبير والشيخ المتبوع وكل من خيف
تبذيله ونقص حرمته بإحضاره لم يعده حتى يحرر
دعواه: بأن يعرف ما يدعيه ويسأله عنه صيانة
للقاضي عن الامتهان فإن ذكر أنه يدعى حقا من
دين أو غصب أو رشوة أخذها منه على الحكم -
راسله: فإن اعترف بذلك أمره
(4/387)
بالخروج من
العهدة وإن أنكر أحضره وإن ادعى عليه الجور في
الحكم وكان للمدعي بينة أحضره وحكم بالبينة
وإن لم تكن بينة أو قال حكم على بشهادة فاسقين
فأنكر فقوله بغير يمين وإن قال حاكم معزول عدل
ولا يتهم: كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان
بحق وهو ممن يسوغ الحكم له - قبل قوله وأمضى
ذلك الحق ولو لم يذكر مستنده ولو أن العادة
تسجيل أحكامه وضبطها بشهود ما لم يشتمل على
إبطال حكم حاكم فلو حكم حنفي برجوع واقف على
نفسه فأخبر حنبلي أنه كان حكم قبل حكم الحنفي
بصحة الوقف لم يقبل وإن أخبر حاكم حاكما آخر
بحكم أو ثبوت في عملهما أو في غيره أو في عمل
أحدهما - قبل وعمل به إذا بلغ عمله: لا مع
حضور المحضر وهما بعملهما وكذا إخبار أمير
جهاد وأمين صدقة وناظر وقف وإن قال في ولايته:
كنت حكمت لفلان بكذا - قبل قوله سواء قال:
قضيت عليه بشاهدين عدلين أو قال: سمعت بينته
وعرفت عدالتهم أو قال قضيت عليه بنكوله أو أقر
عندي لفلان بحق فحكمت به وإن ادعى علي امرأة
برزة: وهي التي تتبرز لحوائجها - أحضرها ولا
يعتبر لإحضارها في سفرها هذا محرم: كسفر
الهجرة وإن كانت مخدرة أمرت بالتوكيل: فإن
توجهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه
شاهدان يستحلفها بحضرتهما وإن أقرت شهدا عليها
قال في الترغيب: إن خرجت للعزايا والزيارات
ولم تكثر فهي مخدرة ومريض ونحوه - كمخدرة وإن
استدعى عنده على غائب في غير عمله لم يعد عليه
وإن كان في عمله وكان له في بلده
(4/388)
خليفة: فإن
كانت له بينة حاضرة وثبت الحق عنده كتب به إلى
خليفته ولم يحضره وإن لم يكن له فيه خليفة
وكان فيه من يصلح للقضاء أذن له في الحكم
بينهما وإن لم يكن فيه ممن يصلح كتب إلى ثقات
من أهل ذلك الموضع ليتوسطوا به بينهما فإن لم
يقبلا الوساطة قيل له حرر دعواك فإذا تحررت
أحضر خصمه ولو بعدت المسافة ولو ادعى قبله
شهادة لم تسمع دعواه ولم يعد عليه ولم يحلف.
(4/389)
باب طريق الحكم
وصفته
مدخل
...
باب طريق الحكم
وصفته
طريق كل شيء ما توصل إليه والحكم: الفصل لا
تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف وسيأتي
وتسمع في كل قليل أو كثير وصح على سفيه فما
يؤاخذ به حال سفهه وبعد فك حجره و يحلف إذا
أنكر ولا تصح دعوى ولا تسمع ولا يستحلف في حق
الله تعالى: كعبادة وحد ونذر وكفارة ونحوه فلو
ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو غيره أو صدقة
- فالقول قوله من غير يمين ويأتي في اليمين في
الدعاوى وتسمع بوكالة ووصية من غير حضور خصم
ولا تصح الدعوى المقلوبة وتقبل بينة عتق ولو
أنكره عبد وتصح الشهادة به وبحق الله تعالى
كالعبادات والحدود والصدقة والكفارة غير تقدم
دعوى فشهادة الشهود به دعوى وكذا بحق آدمي غير
معين كوقف على فقراء أو علماء أو مسجد أو وصية
له أو رباط وإن لم يطلبه مستحقه وكذا عقوبة
كذاب مفتر على الناس والمتكلم فيهم قاله الشيخ
وتسمع دعوى حسبة في حق الله تعالى: كحد وعدة
وردة
(4/389)
وعتق واستيلاد
وطلاق وظهار ونحو ذلك قاله في الرعاية وغيرها
وتقبل شهادة المدعي فيه ولا تقبل يمين في حق
آدمي معين إلا بعد الدعوى وشهادة الشاهد إن
كان ولا تسمع معه الشهادة فيه قبل الدعوى
واختار الشيخ سماع الدعوى والشهادة لحفظ وقف
وغيره بالثبات بلا خصم وأجازهما الحنفية وبعض
أصحابنا والشافعية في العقود والأقارير وغيرها
بخصم مسخر وقال الشيخ: وأما على أصلنا وأصل
مالك: فإما أن تمنع الدعوى على غير خصم منازع
فتثبت الحقوق بالشهادة على الشهادة وقاله بعض
أصحابنا وإما أن تسمع الدعوى والبينة ويحكم
بلا خصم وذكره بعض المالكية والشافعية وهو
مقتضى كلام أحمد وأصحابه في مواضع لأنا نسمعها
على غائب وممتنع ونحوه فمع عدم خصم أولى فإن
المشتري مثلا قبض المبيع وسلم الثمن فلا يدعى
ولا يدعي عليه والمقصود سماع القاضي البينة
وحكمه بموجبها من غير وجود مدعى عليه ومن غير
مدع على أحد لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل
وحاجة الناس خصوصا فيما فيه شبهة أو خلاف
لرفعه انتهى وعمل الناس عليه وهو قوي.
(4/390)
فصل: - إذا جاء إلى الحاكم خصمان سن أن
يجلسهما بين يديه
ثم إن شاء قال: من المدعي منكما؟ وإن شاء سكت
حتى يبتدئا ولا يقول هو ولا صاحبه لأحدهما:
تكلم فإن بدأ أحدهما فتكلم فقال خصمه: أنا
المدعي لم يلتفت إليه ويقال له: أجب عن دعواه
ثم ادع بما شئت فإن ادعيا معا قدم أحدهما
بقرعة فإذا انقضت حكومته
(4/390)
سمع دعوى الآخر
فإذا حرر قال للخصم: ما تقول فيما ادعاه فإن
أقر له ولو بقوله نعم - لم يحكم له حتى يطالب
المدعي بالحكم والحكم أن يقول: قد ألزمتك ذلك
أو قضيت عليك له أو يقول: اخرج إليه منه وتقدم
نظيره في الباب قبله وإن أنكر مثل أن يقول
المدعي أقرضته ألفا أو بعته فيقول: ما أقرضني
ولا باعني أو ما يستحق على ما ادعاه ولا شيئا
منه ولا حق على - صح الجواب: ما لم يعترف بسبب
الحق كما إذا ادعت على من يعترف بأنها زوجته
المهر فقال: لا تستحق علي شيئا - لم يصح
الجواب ويلزمه المهر إن لم يقم ببينة بإسقاطه:
كجوابه في دعوى قرض اعترف به لا يستحق علي
شيئا ولهذا لو أقرت في مرض موتها لا مهر لها
عليه لم يقبل إلا ببينة أنها أخذته أو أسقطته
في الصحة ولو قال لمدع دينارا: لا يستحق على
حبة - فليس بجواب - عن ابن عقيل - لأنه لا
يكتفي في دفع الدعوى إلا بنص ولا يكتفي
بالظاهر ولهذا لو حلف والله إني لصادق فيما
ادعيته عليه أو حلف المنكر إنه لكاذب فيما
ادعاه علي - يقبل وعند الشيخ يعم الجهات وما
لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى إلا أن
يقال: يعم حقيقة عرفية والصواب ما قاله الشيخ
ولو قال: لي عليك مائة فقال ليس لك علي مائة
اعتبر قوله ولا شيء منها كاليمين فإن نكل ما
دون المائة حكم عليه بمائة إلا جزاء وللمدعي
أن يقول: لي بينة وللحاكم أن يقول ألك بينة؟
فإن قال: لي بينة - قيل إن شئت فأحضرها فإذا
أحضرها لم يسألها الحاكم عما عندها حتى يسأله
المدعي ذلك فإذا سأله المدعي سؤالها قال: من
كانت عنده شهادة فليذكرها إن شاء أو يقول: بم
(4/391)
تشهدان؟ ولا
يقول لهما: أشهدا وليس له أن يلقنهما:
كتعنيفهما وانتهارهما فإذا شهدت البينة شهادة
صحيحة واتضح الحكم لم يجز له ترديدها ولزمه في
الحال أن يحكم إذا سأله المدعي إن كان الحق
لآدمي معين وتقدم إن كان لغير معين أو لله
تعالى وإذا حكم وقع الحكم لازما لا يجوز
الرجوع فيه ولا نقضه إلا بشرطه المتقدم في باب
آداب القاضي ويأتي بعضه آخر الباب ولا يجوز
ولا يصح بغير ما يعلمه بل يتوقف ولا خلاف أنه
يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه إذا
سمعه معه شاهدان فإن لم يسمعه معه أحد أو سمعه
شاهد واحد فله أيضا والأولى إذا سمعه شاهدان
فأما حكمه بعلمه في غير ذلك مما رآه أو سمعه
قبل الولاية أو بعدها - فلا يجوز إلا في الجرح
والتعديل ويحرم الاعتراض عليه لتركه تسمية
الشهود وقال الشيخ له طلب تسمية البينة ليتمكن
من القدح بالإتقان قال في الفروع: ويتوجه مثله
لو قال: حكمت بكذا ولم يذكر مستنده قال في
الرعاية: لو شهد أحد الشاهدين ببعض الدعوى قال
شهد عندي بما وضع به خطه فيه أو عادة حكام
بلده وإن كان الشاهد عدلا كتب تحت خطه شهد
عندي بذلك وإن قبله كتب: شهد بذلك عندي وإن
قبله غيره أو أخبره بذلك كتب: وهو مقبول فإن
لم يكن الشاهد مقبولا كتب شهد بذلك وقال
للمدعي: زدني شهودا أو زك شاهدك - انتهى وليكن
للقاضي علامة يعرف بها من بين الحكام نحو:
الحمد لله وحده أو غير ذلك تكتب بقلم غليظ ولا
يغيرها: إلا أن يكون نائبا فنيفي أصلا،
(4/392)
أو ينتقل من
بلد إلى آخر - فلا يحصل لبس ويكتبها فوق السطر
الأول تحت البسملة من حذا ء طرفها وتكون بعد
أداء الشهادة وتكمل الحجة المكتتبة ويكتب تحت
العلامة - جرى ذلك أو ثبت ذلك أو ليشهد بثبوته
والحكم بموجبه ونحو ذلك بحسب ما يتقضي المقام
وإن كتب المزكي خطه فالأولى أن يكون تحت خط
الشاهد في المكتوب فيكتب أن فلان بن فلان
الواضع خطه أعلاه عدل فيما يشهد به ويرقم
القاضي في المكتوب عند شهادة الشاهد بالقلم
الغليظ أيضا كما تقدم: إن شاء بخط واحد نحو:
شهدا عندي أو شهد الثلاثة أو الأربعة أو أفرد
كل واحد بخط وإن كان الشاهد جليل القدر
كالأمير ونحوه كتب: أعلمني بذلك بلفظ الشهادة
وإن كان المكتوب فيه أوصالا - شغل كل موضع وصل
بكلمة بقلم العلامة نحو: ثقتي بالله أو حسبي
الله ونحوه كالبياض.
(4/393)
فصل: - وإن قال المدعي: ما لي بينة
فقول المنكر بيمينه إلا النبي صلى الله عليه
وسلم إذا ادعى عليه أو ادعى هو - فقوله بلا
يمين فيعلم المدعي أن له اليمين على خصمه فإن
سأل أحلافه أحلفه وليس له استحلافه قبل سؤال
المدعي فإن أحلفه أو حلف المدعي قبل سؤال
المدعي لم يعتد بيمينه فإن سأله المدعي أعادها
ولا بد في اليمين من سؤال المدعي طوعا وأذن
الحاكم فيها وله مع الكراهة تحليفه مع علمه
بكذبه وقدرته على حقه نصا ويحرم تحليف البريء
دون الظالم ودعواه ثانيا وتحليفه وتكون يمينه
على صفة جوابه لخصمه، ولا
(4/393)
يصلها باستثناء
ولا يما لا يفهم وتحرم التورية والتأويل: إلا
لمظلوم وقال أيضا: لا يعجبني وتوقف فيها فيمن
عامل بحلية: كعينة ولو أمسك عن إحلافه وأراده
بعد ذلك بدعواه المتقدمة فله ذلك ولو أبرأه من
يمينه برئ منها في هذه الدعوى فلو جددها وطلب
اليمين فله ذلك ولا يجوز أن يحلف المعسر لا حق
له على ولو نوى الساعة: خاف أن يحبس أولا ولا
من عليه دين مؤجل إذا أراد غريمه منعه من
السفر وإن لم يحلف - قال له الحاكم: إن حلفت
وإلا قضيت عليك النكول ويستحب أن يقول ثلاثا
وكذا يقول في كل موضع فلت يستحلف المدعى عليه:
فإن لم يحلف قضى عليه إذا سأله المدعي ذلك وهو
كإقامة بينة لا كإقرار ولا كبذل ولا ترد
اليمين على المدعي وإذا قال المدعي: لي بينة
بعد قوله ما لي بينة - لم تسمع وكذا قوله: كذب
شهودي أو كل بينة أقمتها فهي زور وأولى ولا
تبطل دعواه بذلك وإن قال: لا أعلم لي بينة: ثم
قال: لي بنية - سمعت وإن قالت بينة: نحن نشهد
لك فقال: هذه بينتي سمعت لكن لو شهدت له بغيره
فهو مكذب لها وإن ادعى شيئا فأقر له بغيره
لزمه إذا صدقه المقر له والدعوى بحالها ولو
سأله ملازمته حتى يقيمها أجيب في المجلس فإن
لم يحضرها في المجلس صرفه ولا يجوز حبسه ولا
يلزم بإقامة كفيل ولو سأله المدعي ذلك وإن
قال: ما أريد أن تشهدوا لي - لم يكلف إقامة
البينة وإن قال: لي بينة وأريد يمينه: فإن
كانت البينة غائبة عن المجلس قريبة أو بعيدة -
فله إحلافه وإن كانت حاضرة فيه فليس له إلا
أحدهما وإن حلف المنكر ثم أحضر
(4/394)
المدعي ببينته
حكم بها لم تكن اليمين مزيلة للحق ولو سأل
المدعي إحلافه ولا يقيم البينة فحلف كان له
إقامتها وإن كان شاهد واحد في المال أو ما
يقصد منه المال - عرفه الحاكم أن له أن يحلف
مع شاهده ويستحق بلا رضا خصمه فإن قال: لا
أحلف وأرضى يمينه - استحلف له فإذا حلف سقط
عنه الحق فإن عاد المدعي بعدها وقال: أنا أحلف
مع شاهدي لم يستحلف وإن عاد قبل أن يحلف
المدعي عليه فبذل اليمين لم يكن له ذلك في هذا
المجلس وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر
أو قال لا أقر ولا أنكر أو قال: لا أعلم قدر
حقه - قال له القاضي: احلف وإلا جعلتك ناكلا
وقضيت عليك ولو أقام المدعي شاهدا واحدا فلم
يحلف معه وطلب يمين المدعى عليه فأحلف له ثم
أقام شاهدا آخر بعد ذلك كملت بينته وقضى بها
وإن قال المدعى عليه: لي مخرج مما ادعاه لم
يكن مجيبا وإن قال: لي حساب أريد أن أنظر فيه
- لزمه إنظاره ثلاثا وإن قال: إن ادعيت ألفا
برهن كذا لي عندك - أجبت أو إن ادعيت هذا ثمن
كذا بعتنيه ولم تقبضنيه فنعم وإلا فلا حق لك
علي - فجواب صحيح وإن قال بعد ثبوت الدعوى:
قضيته أو ابرأني وله بينة بالقضاء أو الإبراء
وسأل الإنظار - أنظر ثلاثا وللمدعي ملازمته
فإن عجز حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق
فإن نكل قضى عليه بنكوله وصدق هذا كله إن لم
يكن أنكر أو لا سبب الحق: فأما إن أنكره ثم
ثبت فادعى قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم
يسمع وإن أتى ببينة نصا وإن شهدت البينة
للمدعي فقال المدعي عليه: حلفوه أنه يستحق
(4/395)
ما شهدت به
البينة لم يحلف وإن ادعى أنه أقاله بائع فله
تحليفه.
(4/396)
فصل: - وإن ادعى عليه عينا في يده فأقر بها
لحاضر مكلف سئل المقر له عن ذلك:
فإن صدقه صار الخصم فيها وصار صاحب اليد لأن
من هي في يده اعترف أن يده نائبة عن يده فإن
كانت للمدعي بينة حكم له بها وللمقر له قيمتها
على المقر وإلا فقول المدعى عليه: وهو المقر
له بها مع يمينه فإن طلب المدعي إحلاف الذي
كانت العين في يده أنه لا يعلم أنها لي حلف له
فإن نكل لزمه بدلها وإن قال المقر له: ليست لي
وهي للمدعي - حكم له بها وإن قال: ليست لي ولا
أعلم لمن هي أو قاله المقر له: فإن كانت
للمدعي ببينة حكم له بها وإن لم تكن له ببينة
وجهل لمن هي؟ سلمت إليه أيضا بلا يمين فإن
كانا اثنين اقترعا بها وإن قال المقر له: هي
لثالث - انتقلت الخصومة عنه إليه وإن أقر بها
لغائب أو غير مكلف معينين - سقطت الدعوى وصارت
على المقر له ثم إن كان للمدعي بينة سلمت إليه
ولا يحلف وكان الغائب على خصومته وإن كان مع
المقر بينة تشهد بها للغائب ويكلف غيره لتكون
الخصومة معه وله تحليف المدعى عليه أنه لا
يلزمه تسليمها إليه فإن حلف أقرت بيده وإن نكل
غرم بدلها فإن كان المدعي للعين اثنين فبدلان
وإن عاد فأقر بها للمدعي لم تسلم إليه وعليه
له بدلها وإن ادعاها لنفسه لم تسمع دعواه لأنه
أقر بأنه لا يملكها، وإن
(4/396)
ادعى من هي في
يده أنها معه إجارة أو إعارة وأقام بينة
بالملك للغائب لم يقض بها وإن أقر بها لمجهول
قيل له: عرفه وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك وإن
عاد فادعاها لنفسه لم تسمع.
(4/397)
فصل: - ولا تصح الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم
به المدعي وإلا فيما نصححه مجهولا:
كوصية وإقرار وخلع وعبد من عبيده في مهر -
ويعتبر التصريح بالدعوى فلا يكفي قوله: لي عند
فلان كذا حتى يقول: وأنا الآن مطالب به وظاهر
كلام جماعة يكفي الظاهر وأن تكون متعلقة
بالحال: لا بالدين المؤجل إلا في دعوى تدبير -
وأن تنفك عما يكذبها: فلو ادعى أنه قتل أباه
منفردا ثم ادعى على آخر المشاركة فيه - لم
تسمع الثانية ولو أقر الثاني إلا أن يقول:
غلطت أو كذبت في الأولى فتقبل ومن أقر لزيد
بشيء ثم ادعاه وذكر تلقينه منه - سمع وإلا فلا
وإن ادعى أنه له الآن لم تسمع بينة أنه كان له
أمس أو في يده ولو قال: كان بيدك أو لك أمس
وهو ملكي الآن - لزمه بيان سبب زوال يده وإن
ادعى دارا بين حدودها وموضعها: إن لم تكن
مشهورة فيدعي أن هذه الدار بحقوقها وحدودها لي
وأنها في يده ظلما وأنا أطالبه الآن بردها وإن
ادعى أن هذه الدار لي وأنه يمنعني منها صحت
الدعوى وإن لم يقل: إنها في يده وتكفي شهرة
المدعي به عند الخصمين والحاكم عن تحديده ولو
أحضر ورقة فيها دعوى محرر فقال: أدعي بما فيها
مع حضور خصمه لم تسمع قال الشيخ: لا يعتبر في
أداء الشهادة قوله: وإن الدين باق في ذمة
الغريم إلى
(4/397)
الآن، بل يحكم
الحاكم باستصحابه الحال إذا ثبت عنده سبق الحق
إجماعا وتسمع دعوى استيلاد وكتابة وتدبير وإن
كان المدعي عنيا حاضرة في المجلس - عينها
بالإشارة وإن كانت حاضرة: لكن لم تحضر مجلس
الحكم - اعتبر إحضارها لتعين ويجب إحضارها على
المدعى عليه إن أقر أن بيده مثلها ولو ثبت
أنها بيده ببينة أو نكول حبس أبدا حتى يحضرها
أو يدعي تلفها فيصدق للضرورة وتكفي القيمة وإن
ادعى على أبيه دين لم تسمع دعواه حتى يثبت أن
أباه مات وترك في يده مالا فيه وفاء لدينه فإن
قال: ترك ما فيه وفاء لبعض دينه - احتاج إلى
أن يذكر ذلك البعض والقول قول المدعى عليه في
نفي تركة الأب مع يمينه وكذا إن أنكر موت أبيه
ويكفيه أن يحلف على نفي العلم ويكفيه أن يحلف
أنه ما وصل إليه من تكرته شيء ولا يلزمه أن
يحلف أن أباه لم يخلف شيئا لأنه قد يخلف تركة
لا تصل إليه فلا يلزمه الإيفاء منه ولا يلزمه
أكثر مما وصل إليه وإن كان المدعي عينا غائبة
أو تالفة من ذوات الأمثال أو في الذمة - ذكر
من صفتها ما يكفي في المسلم والأولى مع ذلك
ذكر قيمتها وإن لم تنضبط بالصفات: كجوهرة
ونحوها تعين ذكر قيمتها لكن يكفي ذكر قدر نقد
البلد وإن ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة
بعينها إن كانت حاضرة وإلا ذكر اسمها ونسبها
واشترط ذكر شروطه فيقول: تزوجتها بولي مرشد
وشاهدي عدل ورضاها: إن كانت ممن يعتبر رضاها
ولا يحتاج أن يقول: وليست مرتدة ولا معتدة وإن
كانت أمة وهو حر - ذكر عدم الطول وخوف العنت
وإن ادعى
(4/398)
استدامة
الزوجية ولم يدع العقد لم يحتج إلى ذكر شروطه
وإن ادعى زوجية امرأة فأقرت صح إقرارها في
الحضر والسفر والغربة والوطن إن كان المدعي
واحدا وإن كانا اثنين لم يسمع وإن ادعى عقدا
سوى النكاح اعتبر ذكر شروطه أيضا وإن كان
المدعي به عينا أو دينا لم يحتج إلى ذكر السبب
وكذا إن قال: اشتريت هذه الجارية أو بعتها منه
بألف لم يحتج أن يقول: وهي ملكه أو هي ملكي
ونحن جائزا الأمر أو تفرقنا عن تراض وما لزم
ذكره في الدعوى فلم يذكره المدعي - يسأله
الحاكم عنه وإن ادعت امرأة على رجل نكاحا لطلب
نفقة أو مهر أو نحوه سمعت دعواها: فإن أنكر
فقوله بغير يمين وإن أقامت بينة أنها امرأته
ثبت لها ما تضمنه النكاح من حقوقها فإن أعلم
أنه امرأته حلت له ولا يكون جحوده طلاقا ولو
نواه لأن الجحود هنا لعقد النكاح: لا لكونها
امرأته وإن كان يعلم أنها ليست امرأته لعدم
عقد أو لبينونتها منه لم تحل له ولا يمكن منها
ظاهرا ولو حكم به حاكم وحيث ساغ لها دعوى
النكاح فكزوج في ذكر شروطه وإن ادعت النكاح
فقط لم تسمع وإن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل
وأنه انفرد به أو شارك غيره وإن قتله عمدا أو
خطأ أو شبه عمد ويذكر صفة العمد وإن لم يذكر
الحياة وإن ادعى الإرث ذكر سببه وإن ادعى شيئا
محلى بذهب أو فضة - قومه بغير جنس حليته فإن
كان محلى بهما قومه بما شاء منهما للحاجة.
(4/399)
فصل: - يعتبر عدالة البينة ظاهرا أو باطنا ولو
لم يعين فيه خصمه فلابد من العلم بها
...
فصل: - يعتبر عدالة البينة ظاهرا أو باطنا ولو
لم يعين فيه خصمه فلا بد من العلم بها
ولو قيل: أن الأصل في المسلمين العدالة قاله
الزركشي لأن الغالب الخروج عنها وقال الشيخ من
قال: أن الأصل في الإنسان العدالة فقد أخطأ
وإنما الأصل الجهل والظلم لقوله تعالى:
{إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} فالفسق
والعدالة كل منهما يطرأ ولا تشترط باطنا في
عقد نكاح وتقدم وإذا علم الحاكم شهادتهما حكم
بشهادتهما وإن علم فسقهما لم يحكم فله العمل
بعلمه في عدالتهم وجرحهم وليس له أن يرتب
شهودا لا يقبل غيرهم وتقدم في الباب قبله وإذا
عرف عدالة الشهود استحب قوله للمشهود عليه: قد
شهدا عليك فإن كان عندك ما يقدح في شهادتهم
فبينة عندي فإن لم يقدح في شهادتهما حكم عليه
إذا اتضح له الحكم واستنارت الحجة وإن كان
فيها لبس - أمرهما بالصلح فإن أبيا أخرهما إل
البيان فإن عجلها قبل البيان لم يصح حكمه وإذا
حدثت حادثة نظر في كتاب الله فإن وجدها وإلا
في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم
يجد نظر في القياس فألحقها بأشبه الأصول بها
وإن ارتاب في الشهود لزم سؤالهم والبحث عن صفة
تحملهم وغيره فيفرقهم ويسأل كل واحد: كيف
تحملت الشهادة؟ ومتى؟ وفي أي موضع؟ وهل كنت
وحدك أو أنت وغيرك؟ ونحوه فإن اختلفوا لم
يقبلها وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم: فإن ثبتوا
حكم بهم إذا سأله المدعي وإن جرحهما الخصم لم
يقبل منه ويكلف البينة بالجرح فإن سأل الإنظار
أنظر ثلاثا وكذا لو أراد جرحهم وللمدعي
ملازمته: فإن لم يأت ببينة حكم
(4/400)
عليه، ولا يسمع
الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة عن رؤية
فيقول: أشهد أني رأيته يشرب الخمر أو يظلم
الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم أو يعامل بالربا
أو سمعته يقذف أو عن استفاضة فلا يكفي أنه
يشهد أنه فاسق أو ليس بعدل ولا قوله: بلغني
عنه كذا لكن يعرض جارح بزنا: فإن صرح - حد: إن
لم يأت بتمام أربعة شهود ولا يقبل الجرح
والتعديل من النساء وإن عدله اثنان فأكثر
وجرحه واحد قدم التعديل وإن عدله اثنان وجرحه
اثنان قدم الجرح وجوبا وإن قال الذين عدلوا:
ما جرحاه به قد تاب منه - قدم التعديل فإن شهد
عنده فاسق يعرف حاله - قال للمدعي: زدني شهودا
وإن جهل حاله طلب منه المدعي التزكية والتزكية
حق للشرع يطلبها الحاكم وإن سكت عنها الخصم
ويكفي فيها عدلان يشهدان أنه عدل رضا أو عدل
مقبول الشهادة أو عدل فقط ولا يحتاج أن يقول:
علي ولي ويكفي فيها الظن بخلاف الجرح ويجب
فيها المشافهة حيث قلنا: هي شهادة لا إخبار
فلا يكفي فيها رقعة المزكي لأن الخط لا يعتمد
في الشهادة ولا يلزم المزكي الحضور للتزكية
ولا يكفي قولهما: ولا نعمل إلا خيرا ويشترط في
قبول المزكيين معرفة الحاكم خبرتهما الباطنة
بصحبة ومعاملة ونحوه ولا يقبل التزكية إلا ممن
له خبرة باطنة يعرف الجرح والتعديل غير متهم
بعصبية أو غيرها وتعديل الخصم وحده تعديل في
حق الشاهد وكذا تصديقه: لكن لا يثبت تعديله في
حق غير المشهود عليه ولو رضي أن يحكم بشهادة
فاسق لم يجز الحكم بها
(4/401)
ولا تصح
التزكية في واقعة واحدة فقط وإن سأل المدعي
حبس المشهود عليه حتى تزكي شهوده أجابه وحبسه
ثلاثا ومثله لو سأله كفيلا به أو عين مدعاه في
يد عدل قبل التزكية وإن أقام مشاهدا وسأل حبسه
حتى يقيم الآخر لم يجبه إن كان في غير المال
وإلا أجابه فإن ادعى رقيق أن سيده أعتقه وأقام
شاهدين لم يعدلا فسأل الحاكم أن يحول بينه
وبين سيده إلى أن يبحث الحاكم عن عدالة الشهود
- فعل ويؤجره من ثقة ينفق عليه من كسبه فإن
عدل الشاهدان وإلا رده إلى سيده وإن أقام
واحدا وسأله أن يحول بينهما فكذلك وإن أقامت
المرأة شاهدين يشهدان بطلاقها البائن ولم يعرف
عدالة الشهود حيل بينه وبينهما وإن أقام شاهدا
واحدا لم يحل وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه
ترجم إليه من يعرف لسانه ولا يقبل في ترجمة
وجرح وتعديل ورسالة وتعريف عند حاكم - ويأتي
التعريف عند الشاهد في كتاب الشهادات - إلا
قول رجلين عدلين في غير مال وزنا وفي المال
يقبل في الترجمة رجلان أو رجل وامرأتان وفي
الزنا أربعة وذلك شهادة يعتبر فيها لفظ
الشهادة ويعتبر فيها وتجب - المشافهة وتعتبر
شروط الشهادة فيمن رتبه الحاكم يسأله سرا عن
الشهود لتزكية أو جرح ومن سأله الحاكم عن
تزكية من شهد له أخبره بحاله وإلا لم يجب ومن
نصب للحكم بجرح وتعديل وسماع بينة قنع الحاكم
بقوله وحده إذا قامت البينة عنده ومن ثبتت
عدالته مرة وجب تجديد البحث عنها مرة أخرى مع
طول المدة وإلا فلا.
(4/402)
فصل: - وإن ادعى على غائب مسافة قصر
ولو في غير عمله أو ممتنع - أي مستتر: إما في
البلد أو دون مسافة قصر - أو ميت أو صغير أو
مجنون بلا بينة - لم تسمع دعواه ولم يحكم له
وإن كان له بينة سمعها الحاكم وحكم بها في
حقوق الآدميين: لا في حق الله تعالى كالزنا
والسرقة لكن يقضي في السرقة بالمال فقط وليس
تقدم الإنكار في الدعوى على غائب ونحوه شرعا
ولا يلزم المدعي أن يحلف أن حقه باق والاحتياط
تحليفه خصوصا في هذه الأزمنة ولا يلزم القاضي
نصب من ينكر أو يحبس بغيره عن الغائب ثم إذا
قدم الغائب وبلغ الصغير ورشد وأفاق المجنون
وظهر المستتر فهم على حججهم ولو جرح البينة
بعد أداء الشهادة أو مطلقا لم يقبل لجواز كونه
بعد الحكم فلا يقدح فيه وإن جرحها بأمر كان
قبل الشهادة قبل وبطل الحكم ولا يمين مع بينة
كاملة: كقوله - لكن تقدم في باب الحجر إذا
شهدت بينة بنفاذ ماله أنه يحلف معها - قال في
المحرر: وتختص اليمين بالمدعى عليه دون المدعي
إلا في القسامة ودعاوى الأمناء المقبولة وبحيث
يحكم باليمين مع الشاهد وقال حفيده: دعاوى
الأمناء مستثناه فيحلفون وذلك لأنهم أمناء لا
ضمان عليهم: إلا بتفريط أو عدوان فإذا ادعى
عليهم ذلك فأنكروا أنهم مدعى عليهم واليمين
على المدعى عليهم فلا حاجة إلى استثنائهم وإن
كان غائبا عن المجلس أو عن البلد دون مسافة
القصر غير ممتنع لم تسمع الدعوى ولا البينة
حتى يحضر: كحاضر في المجلس فإن أبى الحضور لم
يهجم عليه في بيته وسمعت البينة وحكم بها، ثم
(4/403)
إن وجد له مالا
وفاه منه، وإلا قال للمدعي: إن وجدت له مالا
وثبت عندي وفيتك منه وإن كان المقضي به على
الغائب عينا سلمت إلى المدعي والحكم للغائب
ممتنع ويصح تبعا: كدعواه - أن أباه مات عنه
وعن أخ له غائب أو غير رشيد وله عند فلان عين
أو دين ثبت بإقرار أو بينة فهو للميت ويأخذ
المدعي نصيبه والحاكم نصيب الآخر فيحفظه له
وتعاد البينة في غير الإرث وكحكمه بوقف يدخل
فيه من لم يخلق تبعا لمستحقه الآن وإثبات أحد
الوكيلين بالوكالة في غيبة الآخر فثبتت له
تبعا وسؤال أحد الغرماء الحجر فالقصة الواحدة
المشتملة على عدد أو أعيان كولد الأبوين في
المشركة: الحكم فيها لواحد أو عليه - يعمه
وغيره وحكمه لطبقة حكم للثانية إن كان الشرط
واحدا حتى من أبدى ما يجوز أن يمنع الأول من
الحكم عليه فللثاني الدفع به ومن ادعى أن
الحاكم حكم له بحق فصدقه - قبل قوله الحاكم
وحده إن كان عدلا كقوله ابتداء حكمت بكذا وإذا
ادعى أنه حكم له بحق ولم يذكره الحاكم فشهد
عدلان أنه حكم له به - قبل شهادتهما وأمضى
القضاء: ما لم يتيقن صواب نفسه وكذلك إذا شهدا
أن فلانا شهد لفلان بكذا فإن لم يشهد به أحد:
لكن وجده في قمطره في صحيفته تحت ختمه بخطه
وتيقنه ولم يذكره لم ينفذه: كخط أبيه بحكم أو
شهادة لم يحكم ولم يشهد بها وكذا شاهد رأي خطه
في كتاب بشهادة ولم يذكرها ومن تحقق الحاكم
منه أنه لا يفرق بين أن يذكر الشهادة أو يعتمد
على معرفة الخط يتجوز بذلك - لم يجز قبول
شهادته وإلا حرم أن يسأله عنه ولا يجب أن
يخبره بالصفة ومن نسي شهادته فشهدا بها لم
يشهد بها
(4/404)
فصل: - ومن له على إنسان حق لم يمكن أخذه منه
بحاكم وقدر له على مال
-
لم يجز في الباطن أخذ قدر حقه: إلا إذا تعذر
على ضيف أخذ حقه من الضيافة بحاكم أو منع زوج
ومن في معناه ما وجب عليه من نفقة ونحوها فله
ذلك وتقدم لكن لو غصب ماله جهرا أو كان عنده
عين ماله فله أخذ قدر المغصوب جهرا أو عين
ماله ولو قهرا وعنه يجوز إن لم يكن معسرا به
أو كان مؤجلا فيأخذ قدر حقه من جنسه وألا قومه
وأخذ بقدره في الباطن متحريا للعدل وإن كان
لكل واحد منهما على الآخر دين من غير جنسه
فجحد أحدهما فليس للآخر أن يجحده وحكم الحاكم
لا يزيل الشي عن صفته باطنا ولو في عقد وفسخ
وطلاق فمن حكم له ببينة زور بزوجية امرأة
فإنها لا تحل له ويلزمها في الظاهر وعليها أن
تمتنع منه ما أمكنها فإن أكرهها فالإثم عليه
دونها ثم إن وطئ مع العلم فكزنا فيحد ويصح
نكاحها غيره وقال الموفق: لا يصح لإفضائه إلى
وطئها من اثنين: أحدهما بحكم الظاهر والآخر
بحكم الباطن وإن حكم الحاكم بطلاقها ثلاثا
بشهود زور فهي زوجته باطنا ويكره له اجتماعه
بها ظاهرا خوفا من مكروه يناله ولا يصح نكاحها
غيره ممن يعلم بالحال ومن حكم لمجتهد أو عليه
بما يخالف اجتهاده عمل باطنا بالحكم: لا
باجتهاده إن باع حنبلي متروك التسمية فحكم
بصحته شافعي - نفذ وإن رد حاكم شهادة واحد
بهلال رمضان لم يؤثر: كملك مطلق وأولى لأنه لا
مدخل لحكمه في عبادة ووقت وإنما هو فتوى فلا
يقال حكم بكذبه أو أنه لم يره ولو رفع إليه
(4/405)
حكم في مختلف
فيه لا يلزمه نقضه لينفذه - لزمه تنفيذه وإن
لم يره وكذا لو كان نفس الحكم مختلفا فيه:
كحكمه بعلمه وبنكوله وبشاهد ويمين وتزويجه
بيتيمة ولو رفع خصمان عقدا فاسدا عنده وأقرا
بأن نافذ الحكم حكم بصحته - فله إلزامهما بذلك
وله رده والحكم بمذهبه ومن قلد في صحة نكاح لم
يفارق بتغير اجتهاده كحكم بخلاف مجتهد نكح ثم
رأى بطلانه ولا يلزم إعلام المقلد بتغيره وإن
بان خطؤه في إتلاف لمخالفة دليل قاطع أو خطأ
مفت ليس أهلا - ضمنا ولو بان بعد الحكم كفر
الشهود أو فسقهم لزمه نقضه ويرجع بالمال أو
بدله أو بدل قود مستوفى - على المحكوم له وإن
كان الحكم لله بإتلاف حسي أو بما سرى إليه
ضمنه مزكون وإن بانوا عبيدا أو ولدا للمشهود
له أو للمشهود عليه: فإن كان الحاكم الذي حكم
به يرى الحكم به لم ينقض حكمه وإلا نقضه ولم
ينفذ لأن الحاكم يعتقد بطلانه وإذا حكم بشهادة
شاهد ثم ارتاب في شهادته لم يجز له الرجوع في
حكمه وفي المحرر: من حكم بقود أو حد بينة ثم
بانوا عبيدا فله نقضه إذا كان لا يرى قبولهم
فيه وكذا مختلف فيه صادق ما حكم به وجهله
خلافا لمالك وتقدم بعضه في الباب قبله.
(4/406)
باب كتاب
القاضي إلى القاضي
مدخل
...
باب كتاب القاضي
إلى القاضي
لا يقبل في حد الله تعالى: كزنا ونحوه ويقل في
كل حق آدمي من المال ما يقصد به المال: كالقرض
والغصب والبيع والإجارة والرهن والصلح والوصية
له وإليه وفي الجناية والقصاص،
(4/406)
والنكاح،
والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة
والتوكيل وحد القذف وفي هذه المسئلة ذكر
الأصحاب أن كتاب القاضي حكمه كالشهادة على
الشهادة لأنها شهادة على شهادة وذكروا فيما
إذا تغيرت حال له أنه أصل ومن شهد عليه فرع
فلا يسوغ نقض الحكم بإنكار القاضي الكاتب ولا
يقدح في عدالة البينة بل يمنع إنكاره الحكم
كما يمنع رجوع شهود الأصل الحكم فدل ذلك أنه
فرع لمن شهد عنده وأصل لمن شهد عليه والمحكوم
به إن كان عينا في بلد الحاكم فإن يسلمه إلى
المدعي ولا حاجة إلى كتاب وإن كان دينا أو
عينا في بلدة أخرى فيأمره أو يقف على الكتاب
وهنا ثلاث مسائل متداخلات: مسئلة إحضار الخصم
إذا كان غائبا ومسئلة الحكم على الغائب ومسئلة
كتاب القاضي إلى القاضي وتقدم بعضه في الباب
قبله في الحكم على الغائب ويقف فيما ثبت عنده
ليحكم به: إلا في مسافة قصر فأكثر ولو سمع
البينة ولم يعدلها وجعل تعديلها إلى الآخر جاز
مع بعد المسافة وله أن يكتب إلى قاض معين ونصر
أو قرية وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين
ويشترط لقبوله أن يقرأ على عدلين وهما ناقلاه
ويعتبر ضبطهما لمعناه وما يتعلق به الحكم فقط
ثم يقول: هذا كتابي أو اشهدا على أن هذا كتابي
إلى فلان ابن فلان وإن قال: اشهدا على بما فيه
كان أولى ولا يشترط ويدفعه إليهما والأولى
ختمه احتياطا ويقبضان الكتاب قبل أن يغيبا
لئلا يدفع إليهما غيره فإذا وصلا
(4/407)
إلى المكتوب
إليه دفعا إليه الكتاب فقرأه الحاكم أو غيره
عليهما فإذا سمعاه قالا: نشهد أن هذا كتاب
فلان إليك كتبه بعمله ولا يشترط قولهما: قرئ
علينا أو أشهدنا عليه وإن أشهدهما عليه مدروجا
مختوما من غير أن يقرأ عليهما لم يصح ولا يكفي
معرفة المكتوب إليه خط الكاتب وختمه كما لا
يحكم بخط شاهد ميت وتقدم لو وجدت وصيته بخطه
وتقدم العمل بخط أبيه بوديعة أو دين له أو
عليه وكتابه في غير عمله أو بعد عزله كخبره
كما تقدم في الباب قبله ويشترط أن يصل الكتاب
إلى المكتوب إليه في موضع ولايته فإن وصله في
غيره لم يكن له قبوله حتى يصير إلى موضع
ولايته ولو ترافع إليه خصمان في غير محل
ولايته لم يكن له الحكم بينهما بحكم ولايته
فإن تراضيا به فكما لو حما رجلا يصلح للقضاء
وسواء كان الخصمان من أهل عمله أو لا: إلا أن
يأذن الإمام لقاض أن يحكم بين أهل ولايته حيث
كانوا ويمنعه من الحكم بين غير أهل ولايته
حيثما كان فيكون الأمر على ما أذن فيه أو منع
منه ويقبل كتابه في حيوان وعبد وجارية بالصفة
اكتفاء بها: كمشهور عليه لا له ولا يحكم
باليمين الغائبة بالصفة فإن لم تثبت مشاركته
في صفة - أخذه مدعيه بكفيل مختوما عنقه بخيط
لا يخرج من رأسه وبعثه القاضي المكتوب إليه
إلى القاضي الكاتب لتشهد البينة على عينه:
فإذا شهدا عليه دفع إلى المشهود له به وكتب له
كتابا ليبرأ كفيله وإن كان المدعي جارية سلمت
إلى أمي يوصلها وإن لم يثبت له ما ادعاه لزمه
رده ومؤنته تسلمه فهو فيه كغاصب في
(4/408)
ضمانه، وضمان
نقصه ومنفعته ويلزمه أجرته إن كان له أجرة إلى
أن يصل إلى صاحبه وإذا وصل الكتاب وأحضر الخصم
المذكور فيه باسمه ونسبه وحليته: فإن اعترف
بالحق لزمه أداؤه وإن قال: ما أنا المذكور في
الكتاب - قبل قوله بيمينه: ما لم تقم ببينة
فإن نكل قضى عليه وإن أقر بالاسم والنسب أو
ثبت ببينة فقال: المحكوم عليه غيري لم يقبل
إلا ببينة تشهد أن في البلد آخر كذلك ولو ميتا
يقع به إشكال فإن كان حيا أحضره الحاكم وسأله
عن الحق: فإن اعترف به ألزمه به وتخلص وإن
أنكره وقف الحكم ويكتب إلى الحاكم الكاتب
يعلمه الحال وما وقع من الإشكال حتى يحضر
الشاهدان فيشهدا عنده بما يتميز به المشهود
عليه منهما وإن مات القاضي الكاتب أو عزل لم
يقدح كتابه وإن فسق قبل الحكم بكتابه لم يحكم
به وإن فسق بعده لم يقدح فيه وإن تغيرت حال
المكتوب إليه بموت أو عزل فعلى من وصل إليه
الكتاب ممن قام مقامه العمل به اكتفاء بالبينة
بدليل ما لو ضاع الكتاب أو انمحى وكانا يحفظان
ما فيه: أي ما يتعلق به الحكم فإنه يجوز أن
يشهدا بذلك ولو أدياه بالمعنى وكم لو شهدا بأن
فلانا القاضي حكم بكذا لزمه إنفاذه ومتى قدم
الخصم المثبت عليه بلد الكاتب فله الحكم عليه
بلا إعادة شهادة.
(4/409)
فصل: - وإذا حكم عليه المكتوب إليه فسأله أن
يكتب له إلى الحاكم الكاتب:
أنك قد حكمت علي لا يحكم علي ثانيا - لم يلزمه
ذلك وإن سأله أن يشهد عليه بما جرى لئلا يحكم
عليه الكاتب أو سأله من ثبتت
(4/409)
براءته: مثل إن
أنكر وحلفه أو ثبت حقه عنده أو يشهد له بما
جرى من براءة أو ثبوت مجرد أو متصل بحكم أو
تنفيذ أو الحكم له بما ثبت عنده - لزمه إجابته
وإن سأل مع الإشهاد كتابة وأتاه بكاغد أو كان
في بيت المال كاغد لذلك لزمه: كساع يأخذ زكاة
وما تضمن الحكم ببينة يسمى سجلا وغيره محضرا
والمحضر: شرح ثبوت الحق عنده والأولى جعل
السجل نسختين: نسخة يدفعها إليه والأخرى عنده
والكاغد: من بيت المال فإن لم يكن فمن مال
المكتوب وصفة المحضر بسم الله الرحمن الرحيم
حضر القاضي - فلان ابن فلان قاضي عبد الله
الإمام على كذا في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا
- مدع ذكر أنه فلا ابن فلان وأحضر معه مدعى
عليه ذكر أنه فلان ابن فلان ولا يعتبر ذكر
الجد بلا حاجة والأولى ذكر حليتهما إن جهلهما
فادعى عليه بكذا فأقر له أو فأنكر فقال
للمدعي: لك بينة؟ فقال: نعم فأحضرها وسأله
سماعها ففعل أو فأنكر ولا بينة وسأل تحليفه
فحلفه وإن نكل - ذكره وأنه قضى بنكوله وسأله
كتابة محضر فأحابه في يوم كذا من شهر كذا من
سنة كذا ويعلم: في الإقرار والأحلاف - جرى
الأمر على ذلك وفي البينة - شهدا عندي بذلك
وإن ثبت الحق بإقرار لم يحتج إلى ذكر مجلس
حكمه.
(4/410)
فصل: - وأما السجل فلا نفاذ ما ثبت عنده
والحكم به
وصفته أن يكتب: هذا ما أشهد عليه القاضي فلان
- كما تقدم - من
(4/410)
حضره من الشهود
أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان - وقد
عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما - بمحضر من
خصمين وليذكرهما إن كانا معروفين: وإلا قال:
مدع ومدعى عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من
أحدهما على الآخر - معرفة فلان ابن فلان ويذكر
المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وجواز
أمر بجميع ما سمى به ووصف في كتابه نسخة وينسخ
الكتاب المثبت أو المحضر جميعه حرفا بحرف فإذا
فرغه قال: وإن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو
الواجب في مثله بعد أن يسأله ذلك والأشهاد به
- الخصم المدعي ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر
معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد
القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه - من
حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ
في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل: نسختين
متساويتين نسخة منهما تخلد بديوان الحكم ونسخة
يأخذها من كتبها وكل واحدة حجة بما أنفذه فيها
ولو لم يذكر من خصمين ساغ لجواز القضاء على
الغائب ومهما اجتمع عنده من محاضر وسجلات في
كل أسبوع أو شهر أو سنة على حسبها قلة وكثرة -
ضم بعضها إلى بعض وكتب محاضر وسجلات كذا في
وقت كذا.
(4/411)
باب القسمة
النوع الأول: قسمة
تراض
...
باب القسمة
وهي تمييز بعض الأنصباء عن بعض وإفرازها عنها
وهي نوعان: أحدهما: قسمة تراض لا تجوز إلا
برضا الشركاء كلهم وهي ما فيها
(4/411)
ضرر، أو رد عوض
من أحدهما: الدور الصغار والحمام والطاحون
الصغيرين والعضائد الملاصقة - أي: المتصلة صفا
واحدا وهي: الدكاكين اللطاف الضيقة - فإن طلب
أحدهما قسمة بعضها في بعض لم يجبر الآخر لأن
كل منهما منفرد ويقصد بالسكن ولكل واحد منهما
طريق مفرد وكذا الشجر المفرد والأرض التي
ببعضها بئر أو بناء أو نحوه ولا يمكن قسمته
بالأجزاء والتعديل فإن قسموه أعيانا برضاهم
جاز وحكمها كبيع قال المجد: الذي تحرر عندي
فيما فيه رد أنه بيع فيما يقابل الرد وإفراز
في الباقي - انتهى فلا يجوز فيها ما لا يجوز
في البيع ولا يجبر عليها الممتنع فلو قال
أحدهما: أنا آخذ الأدنى ويبقى لي في الأعلى
تتمة حصتي فلا إجبار ومن دعا شريكه فيها أو في
شركة عبد أو بهيمة أو سيف ونحوه إلى البيع -
أجبر فإن أبى بيع عليهما وقسم الثمن نصا قال
الشيخ: وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و أحمد وكذا
لو طلب الإجارة ولو في وقف والضرر المانع من
قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها بكونهما لا
ينتفعان به مقسوما وتقدم بعض ذلك في الشفعة
فإن تضرر بها أحد الشريكين وحده: كرب الثلث مع
رب الثلثين فطلب أحدهما القسمة لم يجبر
الممتنع وما تلاصق من دور وعضائد ونحوها -
يعتبر الضرر في عين وحدها ومن كان بينهما عين
أو بهائم أو ثياب ونحوها من جنس واحد فطلب
أحدهما قسمها أعيانا بالقيمة - أجبر الممتنع
إن تساوت القيمة وإلا فلا: كاختلاف أجناسها
والآجر واللبن المتساوي
(4/412)
القوالب - من
قسمة الأجزاء والمتفاوت - من قسمة التعديل فإن
كان بينما حائط أو عرصة حائط - وهي موضعه بعد
استهدامه - فطلب أحدهما قسمته ولو طولا في
كمال العرض أو العرصة عرضا ولو وسعت حائطين لم
يجبر ممتنع وإن كان بينهما دار لها علو وسفل
فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل
أو طلب قسمة السفل دون العلو أو عكسه أو قسمة
كل واحد على حدة فلا إجبار ولو طلب أحدهما
قسمتهما معا ولا ضرر - وجب وعدل بالقيمة: لا
ذراع سفل بذراع علو ولا ذراع بذراع وإن تراضيا
على قسم المنافع: كدار منفعتها لهما: مثل دار
وقف عليهما أو مستأجرة أو ملك لهما فاقتسماها
مهايأة بزمان: بأن تجعل الدار في يد أحدهما
شهرا أو عاما ونحوه وفي يد الآخر مثلها: أو
بمكان كسكنى هذا في بيت والآخر في بيت ونحوه -
جاز لأن المنافع كالأعيان فإن اتفقا على
المهايأة وطلب أحدهما تطويل الدور الذي يأخذ
فيه نصيبه وطلب الآخر تقصيره - اختص كل واحد
بنفقته وكسبه في مدته: لكن لا يدخل الكسب
النادر في وجه: كاللقطة والهبة والركاز وإن
تهايآ في الحيوان اللبون ليحلب هذا يوما وهذا
يوما أو في الشجرة المثمرة لتكون الثمرة لهذا
عاما ولهذا عاما - لم يصح لما فيه من التفاوت
الظاهر لكن طريقه أن يبيح كل واحد منهما نصيبه
لصاحبه في المدة ويكون ذلك كله جائزا: لا
لازما فلو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته فله
ذلك وإن رجع بعده غرم ما لم ينفرد به وإن
(4/413)
كان بينهما أرض
فيها زرع لهما فطلب أحدهما قسمها دون الزرع
قسمت كالخالية وإن طلب قسمة الزرع دونها أو
قسمتهما معا فلا إجبار وإن تراضيا عليه والزرع
قصيل أو قطن - جاز وإن كان بذرا أو سنبلا مشند
الحب لم يصح وإن كان بينهما نهر أو قناة أو
عين نبع ماؤها فالنفقة لحاجة بقدر حقهما
والماء بينهما على ما شرطاه عند استخراجه وإن
رضيا بقسمه مهايأة بالزمان أو بميزان: بأن
ينصب حجر مستو أو خشبة مصدم الماء فيه ثقبان
على قدر حقيهما - جاز وإن أراد أحدهما أن يسقي
بنصيبه أرضا لا شرب لها من هذا الماء لم يمنع
وتقدم في باب إحياء الموات.
(4/414)
فصل: - النوع الثاني: قسمة أجبار
وهي ما لا ضرر فيها عليهما ولا على أحدهما ولا
رد عوض: كأرض واسعة وقرية وبستان ودار كبيرة
ودكان واسع ونحوها: سواء كانت متساوية الأجزاء
أولا إذا أمكن قسمتها بتعديل السهام من غير
شيء يجعل معها فإن لم يمكن ذاك إلا بجعل شيء
معها فلا إجبار ولهما قسم أرض بستان دون شجره
وعكسه والجميع فإن قسما الجميع أو الأرض -
فقسمة إجبار ويدخل الشجر تبعا: وإن قسما الشجر
وحده فلا إجبار ومن قسمة الإجبار قسمة مكيل
وموزون من جنس واحد: كدهن ولبن ودبس وخل وتمر
وعنب ونحوها وإذا طلب أحدهما القسمة فيها وأبى
الآخر أجبر ولو كان وليا على صاحب الحصة ويقسم
حاكم مع غيبة ولي وكذا على غائب في قسمة إجبار
فإن كان المشترك مثليا - وهو
(4/414)
المكيل
والموزون - وغاب الشريك أو امتنع - جاز للآخر
أخذ قدر حقه عند أبي الخطاب: لا عند القاضي
وأذن الحاكم يرفع النزاع وقال الشيخ في قرية
مشاعة قسمها فلاحوها: هل يصح؟ فقال: إذا
تهايأوا وزرع كل منهم حصته فالزرع له ولرب
الأرض نصيبه إلا أن من ترك من نصيب مالكه فله
أجرة الفضلة أو مقاسمتها وهي إفراز حق لا بيع
فيصح قسم وقف بلا رد من أحدهما إذا كان على
جهتين فأكثر فأما الوقف على جهة واحدة فلا
تقسم عينه قسمة لازمة اتفاقا لتعلق حق الطبقة
الثانية والثالثة لكن تجوز المهايأة - وهي
قسمة المنافع - ونفقة الحيوان مدة كل واحد
عليه وإن نقص الحادث عن العادة فللآخر الفسخ
وتجوز قسمة ما بعضه وقف وبعضه طلق: بلا رد عوض
من رب الطلق وبرد عوض من مستحق الوقف والدين
في ذمم الغرماء وتقدم في الشركة وتجوز قسمة
الثمار خرصا ولو على شجر قبل بدو صلاحه بشرط
التبقية وقسمة لحم هدي وأضاحي وغيرهما ومرهون
فلو رهن سهمه مشاعا ثم قاسم شريكه صح واختص
قسمه بالرهن وتجوز قسمة ما يكال وزنا وما يوزن
كيلا وتفرقهما قبل القبض فيهما ولا خيرا فيها
ولا شفعة ولا يحنث من حلف لا يبيع إذا قاسم
ولو كان بينهما ماشية مشتركة فاقتسماها في
أثناء الحول واستداما خلطة الأوصاف - لم ينقطع
الحول وإن ظهر في القسمة غبن فاحش لم تصح وإن
كان بينهما أرض يشرب بعضها سيحا وبعضها بعلا
أو في بعضها شجر وفي بعضها نخل فطلب أحدهما
قسمة كل عين على حدة وطلب
(4/415)
الآخر قسمتها
أعيانا بالقيمة قدم من طلب قسمة كل عين على
حدة إن أمكن التسوية في جيده ورديئه وإن لم
يمكن وأمكن التعديل بالقيمة عدلت وأجبر
الممتنع وإلا فلا.
(4/416)
فصل: - ويجوز
للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم
ويقاسم ينصبونه أو يسألوا الحاكم نصبه وأجرته
مباحة فإن استأجره كل واحد منهم بأجر معلوم
ليقسم نصيبه جاز وإن استأجروه جميعا إجارة
واحدة بأجرة واحدة لزم كل واحد من الأجر بقدر
نصيبه من المقسوم: ما لم يكن شرط وسواء طلبوا
القسمة أو أحدهم وأجرة شاهد يخرج لقسم البلاد
ووكيل وأمين للحفظ على مالك وفلاح قال الشيخ
وقال: إذا مانهم الفلاح بقدر ما عليه أو
يستحقه الضيف - حل لهم وقال: إن لم يأخذ
الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف
والزيادة يأخذها المقطع فالمقطع هو الذي ظلم
الفلاحين فإذا أعطى الوكيل المقطع من الضريبة
ما يزيد على أجرة مثله ولم يأخذ لنفسه إلا
أجرة عمله جاز له ذلك ويشترط أن يكون القاسم
مسلما عدلا عارفا بالقسمة قال الموفق وغيره:
وعارفا بالحساب فإن كان كافرا أو فاسقا أو
جاهلا بالقسمة لم تلزمه إلا بتراضيهم بها
ويعدل السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن
اختلفت وبالرد إن اقتضته فإذا تمت وأخرجت
القرعة لزمت القسمة ولو كان فيها ضرر أو رد -
تقاسموا بأنفسهم أو بقاسم لأنها كالحكم من
الحاكم ولا يعتبر رضاهم بعدها وتعديل السهام
لا يخلو من أربعة
(4/416)
أقسام - أحدها:
أن تكون السهام متساوية وقيمة أجزاء المقسوم
متساوية: كأرض بين ستة: لكل منهم سدسها فتعدل
بالمساحة ستة أجزاء متساوية ثم يقرع - الثاني:
أن تكون السهام متفقة والقيمة مختلفة فتعدل
الأرض بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية بالقيمة
- الثالث: أن تكون القيمة متساوية والسهام
مختلفة: كأرض بين ثلاثة لأحدهم النصف وللثاني
الثلث وللثالث السدس وأجزاؤها متساوية القيم
فتجعل ستة أسهم - الرابع: إذا اختلفت السهام
والقيمة فتعدل السهام بالقيمة وتجعل ستة أسهم
متساوية القيمة ثم يقرع وإن خير أحدهما الآخر
من غير قرعة لزمت القسمة برضاهما وتفرقهما فإن
كان فيها تقويم لم يجز أقل من قاسمين لأنها
شهادة بالقرعة وإلا أجزأ واحد وإذا سألوا
الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم - لم
يجب عليه قسمة بل يجوز فإن قسمه ذكر في كتاب
القسمة أنه قسمه بمجرد دعواهم بملكه: لا عن
بينة شهدت لهم بملكهم وحينئذ إن لم يتفقوا على
طلب القسمة لم يقسمه حتى يثبت عنده ملكهم كما
سبق وكيفما أقرعوا جاز والأحوط أن يكتب اسم كل
شريك في رقعة ثم تدرج في بنادق: شمع أو طين
متساويا قدرا ووزنا ثم تطرح في حجر من لم يحضر
ذلك ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم فمن
خرج اسمه كان له ثم بالثاني كذلك والسهم
الباقي للثالث إن كانوا ثلاثة واستوت سهامهم
وإن كتب سهم كل اسم في رقعة ثم أخرج بندقة
لفلان جاز وإن كانت السهام الثلاثة مختلفة:
كنصف، وثلث،
(4/417)
وسدس - جزأ
المقسوم ستة أجزاء وأخرج الأسماء على السهام
لا غير فيكتب لصاحب النصف ثلاثة رقاع ولرب
الثلث رقعتين ولرب السدس رقعة ويخرج رقعة على
أول سهم فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذه مع
الثاني والثالث وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه
والثاني الذي يليه ثم يقرع بين الأخيرين كذلك
والباقي للثالث وإن كان بينهما داران
متجاورتان أو متباعدتان أو خانان أو أكثر فطلب
أحدهما أن يجمع نصيبه في إحدى الدارين الخانين
أو الخانين ويجعل الباقي نصيبا للآخر أو يجعل
كل دار سهما لم يجبر الممتنع تساوت أو اختلفت.
(4/418)
فصل: - ومن ادعى غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم
وأشهدوا على رضاهم به
-
ولم يصدقه المدعى عليه - لم يلتفت إليه ولو
أقام به بينة إلا أن يكون مسترسلا فيغبن بما
لا يسامح به عادة أو كان فيما قسمه قاسم
الحاكم - قبل قول المنكر مع يمينه إلا أن يكون
للمدعي بينة فتنقض القسمة وتعاد وإن كان فيما
قسمه قاسم نصبوه وكان فيما شرطنا فيه الرضا
بعد القرعة - لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم
الحاكم وإذا تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما
شيء معين بطلت وإن كان المستحق من الحصتين على
السواء لم تبطل فيما بقي وإن كان في نصيب
أحدهما أكثر أو ضرره أكثر: كسد طريقه أو مجرى
مائه أو طريقه ونحوه أو كان شائعا فيهما أو في
أحدهما - بطلت وإن ادعى كل واحد منهما أن هذا
من سهمي تحالفا ونقضت وإذا اقتسما دارين
ونحوهما قسمة
(4/418)
تراض فبنى
أحدهما أو غرس في نصيبه ثم خرج مستحقا ونقض
بناؤه وقلع غرسه رجع على شريكه بنصف قيمته ولا
يرجع به في قسمة إجبار وإن خرج في نصيب أحدهما
عيب فله فسخ القسمة إن كان جاهلا به وله
الإمساك مع الأرش ويصح بيع التركة قبل قضاء
الدين إن قضى ويصح العتق واختار ابن عقيل لا
ينفذ إلا مع يسار الورثة ولا يمنع دين الميت
انتقال تركته إلى ورثته بخلاف ما يخرج من
ثلثها من معين موصى به والنماء لهم لا إن تعلق
الدين بها: كتعلق جناية لا رهن وتصح قسمتها
وظهور الدين قبل القسمة لا يبطلها لكن إن
امتنعوا من وفائه بيعت فيه وبطلت القسمة فإن
وفى أحدهما دون الآخر صح في نصيبه وبيع نصيب
الآخر وإن اقتسموا دارا ذات أسطحة يجري عليها
الماء من أحدهما فليس لمن صارت له منع جريان
الماء: إلا أن يكونوا تشارطوا على منعه وإن
اقتسما دارا فحصلت الطريق في حصة أحدهما ولا
منفذ للآخر لم تصح القسمة وإن كان لها ظلة
فوقعت في حصة أحدهما فهي له بمطلق العقد وولي
المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته وكذا في
قسمة التراضي إذا رآها مصلحة.
(4/419)
باب الدعاوى
والبينات
مدخل
...
باب الدعاوى
والبينات
وأحدها دعوى وهي: إضافة الإنسان إلى نفسه
استحقاق شيء في يد غيره أو في ذمته والمدعي من
يطالب غيره بحق يذكر استحقاقه عليه وإذا سكت
ترك والمدعى عليه المطالب وإذا سكت لم يترك،
(4/419)
وواحد البينات
بينة وهي العلامة الواضحة كالشاهد فأكثر ولا
تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف لكن تصح
الدعوى على سفيه بما يؤخذ به حال سفهه وبعد فك
حجره ويحلف إذا أنكر وتقدم،
وإذا تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام -
أحدهما : أن تكون في يد أحدهما فهي له مع
يمينه أنها له ولا حق للمدعي فيها إذا لم تكن
بينة ولا يثبت الملك بها كثبوته بالبينة بل
ترجح به الدعوى فلا شفعة له بمجرد اليد وإن
سأل المدعى عليه الحاكم كتابة محضر بما جرى
أجابه وذكر فيه أنه بقي العين بيده لأنه لم
يثبت ما يرفعها ولو تنازعا دابة أحدهما راكبا
أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها أو سائقها
فهي للأول وإن اختلفا في الحمل فادعاه الراكب
وصاحب الدابة فهو للراكب بخلاف السرج وإن
تنازعا ثياب عبد عليه فلصاحب العبد وإن تنازعا
قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للأول
وإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه مع الآخر أو
تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها في
يد الآخر -: فهما فيها سواء ولو كانت دار فيها
أربعة بيوت في أحدها ساكن وفي الثلاثة ساكن
واختلفا فلكل واحد هو ساكن فيه وإن تنازعا
الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما
نصفين ولو كانت شاة مسلوخة بيد أحدهما جلدها
ورأسها وسواقطها وبيد الآخر بقيتها وادعى كل
واحد منهما كلها وأقاما بينتين بدعواهما فلكل
واحد منهما ما بيد صاحبه وإن تنازع صاحب الدار
(4/420)
وخياط فيها في
إبرة ومقص فهما للخياط وإن تنازع هو والقراب
القربة فهي للقراب وإن تنازعا عرصة فيها بناء
أو شجر لهما فهي لهما أو لأحدهما فهي له وإن
تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده أو له
عليه أزج - وهو ضرب من البناء ويقال له: طاق -
أوله عليه بناء كحائط مبني عليه أو عقد معتمد
عليه أو قبة أو له عليه سترة مبنية ونحو هذا -
فهو له وإن كان معقودا ببنائه عقد يمكن إحداثه
كالبناء باللبن والآجر فإنه يمكن أن ينزع من
الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ويجعل مكانها
لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد بين الحائطين
لم يرجح به وإن كان محلولا من بنائهما - أي
غير متصل ببنائهما - بل بينهما شق مستطيل كما
يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر
- أو شركا بينهما وهو بينهما ويتحالفان: فيحلف
كل واحد للآخر أن نصفه له وإن حلف كل واحد
منهما على جميع الحائط أنه له جاز وإن كان
لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واد
منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما
فإن لم يكن لهما بينة ونكلا عن اليمين كان
الحائط في أيديهما على ما كان وإن حلف أحدهما
ونكل الآخر قضى على الناكل ولا ترجح الدعوى
بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه آجر أو أحجار
مما يلي أحدهما وبالتزويق والتجصيص ولا بسترة
عليه غير مبنية لأنه مما يتسامح به ويمكن
إحداثه ولا بمعاقد القمط في الخص - أي: عقد
الخيوط التي تشد الخص وهو بيت يعمل من خشب
وقصب - وإن تنازع صاحب العلو والسفل سلما
منصوبا، أو
(4/421)
درجة فلصاحب
بالعلو وكذا العرصة التي يحملها الدرجة إلا أن
يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون
الدرجة بينهما وإن كان تحتها طاق صغير لم تبن
الدرجة لأجله وإنما جعل مرفقا يجعل فيه جر
الماء ونحوه فهو لصاحب العلو وإن تنازعا الصحن
والدرجة في الصدر فبينهما وإن كانت في الوسط
فما إليها - بينهما وما وراءه لرب السفل وإن
تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما وإن
تنازعا جدران البيت السفلاني فهو لصاحب السفل
وحوائط العلو لصاحب العلو وإن تنازع المؤجر
والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع مقلوع له شكل
منصوب في الدار فهو لربها وإلا بينهما وكذا ما
لا يدخل في بيت وجرت العادة به وما لم تجربه
عادة فكمكتر وإن تنازعا دارا في أيديهما
فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعلت بينهما
نصفين: فاليمين على مدعي النصف وإن كان لكل
واحد منهما بينة بما يدعيه تعارضتا في النصف
فيكون النصف لمدعي الكل والنصف الآخر له أيضا
لتقديم بينته وإن كانت الدار في يد ثالث لا
يدعيها فالنصف لمدعي الكل لا منازع له فيه
ويقرع بينهما في النصف الآخر: فمن خرجت له
القرعة حلف وكان له وإن كان لكل واحد منهما
بينة فتعارضتا صارا كمن لا بينة لهما وإن
تنازع زوجان أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر
- ولو أن أحدهما مملوك - في قماش البيت ونحوه
أو بعضه: فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف
فللرجل وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن
فللمرأة والمصحف له إذا كان لا تقرأ وما يصلح
لهما: كالفرش والأواني
(4/422)
وسواء كان في
أيديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة
وسواء اختلفا في حال الزوجية أو بعد البينونة
- فبينهما وإن كان المتاع على يدي غيرهما ولم
تكن بينة - أقرع فمن قرع منهما حلف واحدة وكذا
لو اختلف صانعان في آلة دكان لهما حكم بآلة كل
صنعة لصانعها: فآلة العطارين للعطار وآلة
النجارين للنجار فإن لم يكونا في دكان واحد
واختلفا عين لم يرجح أحدهما بصلاحية العين له
وكذا لو تنازع رجل وامرأة في عين غير قماش
بينهما وكل من قلنا له فهو مع يمينه إذا لم
تكن بينة وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها من
غير يمين وإن كانت العين بيد أحدهما وكان لكل
منهما بينة سمعت بينة المدعي - وهو الخارج -
وحكم له بها سواء أقيمت بينة المنكر - وهو
الداخل - بعد رفع يده أولا وسواء شهدت بينته
أنها له نتجت في ملكه أو قطيعة من الأمام أولا
فإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج
وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل قدمت
بينة الداخل ولا تسمع بينة الدخل قبل بينة
الخارج وتعديلها وتسمع بعد التعديل قبل الحكم
وبعده قبل التسليم وإن أقام الخارج بينة أنها
ملكه وأقام الداخل بينة أنه اشتراها منه أو
وقفها عليه أو أعتقه - قدمت الثانية ولم ترفع
بينة الخارج يده كقوله: أبرأني من الدين أما
لو قال: لي بينة غائبة طولب بالتسليم لأن
تأخيره يطول.
(4/423)
فصل: - القسم الثاني: أن تكون العين في
أيديهما أو في غير يد أحد ولا بينة لهما
...
فصل: - القسم الثاني: أن تكون العين في
أيديهما أو في غير يد أحد ولا بين لهما:
فيتحالفان وتقسم العين بينهما وكذا إن نكلا
(4/423)
لأن كل واحد
منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله وإن نكل
أحدهما وحلف الآخر - قضى له بجميعها فإن ادعها
أحدهما نصفها فما دون أو الآخر أكثر من بقيتها
أو كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه وإن
تنازعا مسناة - وهي السد الذي يرد ماء النهر
من جانبه حاجز بين نهر أحدهما وأرض الآخر -
تحالفا وهي بينهما وكذا إن نكلا لأنها حاجز
بين ملكيهما وإن تنازعا صغيرا دون التمييز في
أيديهما فهو بينهما رقيق ويتحالفان ولا تقبل
دعواه الحرية إذا بلغ بلا بينة على الملك: مثل
أن يلتقطه فلا تقبل دعواه لرقه لأن اللقيط
محكوم بحريته وإن كان لكل منهما بينة فهو
بينهما أيضا وإن كان مميزا فقال: إني حر فهو
حر إلا أن تقوم بينة برقة: كالبالغ إلا أن
البالغ إذا أقر بالرق ثبت رقه وإن كان لأحدهما
بينة بالعين حكم له بها وإن كان لكل واحد
منهما بينة لم يقدم أسبقهما تاريخا بل سواء
فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى والعين بيدهما
أو شهدت بينة بالملك وسببه كنتاج أو سبب غيره
وبينة بالملك وحده أو بينة أحدهما بالملك له
منذ سنة وبينة الآخر بالملك منذ شهر ولم تقل:
اشتراه من - فهما سواء ولا تقدم إحداهما بكثرة
العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجال على
الرجل والمرأتين ولا الشاهدان على الشاهد
واليمين وإن تساوتا من كل وجه تعارضتا وتحالفا
فيما بيدهما وقسمت بينهما وأقرع ما لم تكن في
يد أحد أو بيد ثالث ولم ينازع وكانا كمن لا
بين لهما فيسقطان بالتعارض وإن ادعى أحدهما
أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وشهدت البينة
بذلك سمعت وإن لم تقل: وهي ملكه لم تسمع وادعى
الآخر
(4/424)
أنه اشتراها من
عمر وهي ملكه تعارضتا حتى ولو أرخا وإن كانت
في يد أحدهما فهي للخارج ولو أقام رجل بينة أن
هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأة بينة
أن أباه أصدقها إياها فهي للمرأة: داخلة كانت
أو خارجة.
(4/425)
فصل: - القسم الثالث تداعيا عينا في يد غيرهما:
فإن ادعاها لنفسه حلف لكل واحد منهما يمينا
فإن نكل عنهما أخذاها منه أو بدلها واقترعا
عليهما وإن لم يدعها ولم يقربها لغيره ولا
قامت بينة - أقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها
فإن كان المدعي به عبدا مكلفا فأقر لأحدهما
فهو له وإن صدقهم فهو لهما وإن جحدهما قبل
قوله وإن كان غير مكلف لم يرجح بإقراره له وإن
أقربها من هي بيده لأحدهما بعينه حلف وأخذها
ويحلف المقر للآخر فإن نكل أخذ منه بدلها وإن
أخذها المقر له فأقام الآخر بينة أخذها وللمقر
له قيمتها على المقر وإن أقر بها لهما ونكلا
عن التعيين اقتسماها وإن قال: هي لأحدهما
وأجهله: فإن صدقاه لم يحلف وإلا حلف يمينا
واحدة ويقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها ثم إن
بينة قبل ولهما القرعة بعد تحليفه الواجب
وقبله فإن نكل قدمت القرعة ويحلف للمقروع إن
أكذبه فإن نكل أخذ منه بدلها وإن أنكرهما ولم
ينازع أقرع فإن علم أنها للآخر فقد مضى الحكم
وإن لم تكن بيد أحد فهي لأحدهما بقرعة وإن كان
لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد
منهما تعارضتا: سواء كان مقرا لهما أو لأحدهما
لا بعينه أو ليست
(4/425)
بيد أحد، وكذلك
إن أنكرهما ثم إن أقر لأحدهما بعينه بعد
إقامتهما لم يرجح بذلك وحكم التعارض بحاله
وإقراره صحيح وإن كان إقراره له قبل إقامة
البينتين فالمقر له كالداخل والآخر كخارج وإن
ادعاها صاحب اليد لنفسه ولو بعد التعارض - حلف
لكل واحد منهما يمينا وهي له فإن نكل أخذاها
منه وبدلها واقترعا عليهما وإن أقر من بيده
العين بها لغيرهما فتقدم وإن كان في يده عبد
وادعى أنه اشتراه من زيد وادعى العبد أن زيدا
أعتقه أو ادعى شخص أن زيدا باعه العبد أو وهبه
له وادعى الآخر أنه باعه أو وهبه له وأقام كل
واحد منهما بينة صححنا أسبق التصرفين إن علم
التاريخ وإلا تعارضتا وكذا إن كان العبد بيد
نفسه أو بيد أحدهما وإن كان العبد في يد زيد
فالحكم فيه حكم ما إذا ادعيا عينا ففي يد
غيرهما وإن ادعيا زوجية امرأة وأقاما بينتين
وليست بيد أحدهما - سقطتا وإن ادعى على رجل
أنه عبده فقال: بل أنا حر وأقاما بينتين -
تعارضتا وإن كان في يده عبد فادعى اثنان كل
منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما لزمه
ثمنان: فإن أنكر حلف لهما وبرئ وإن صدق أحدهما
وأقام به بينة لزمه الثمن وحلف للآخر وإن أقام
كل واحد بينة مطلقتين أو مختلفتي التاريخ أو
إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة - عمل بهما وإن
اتفقا تاريخهما تعارضتا وإن ادعى كل واحد أنه
باغي إياه بألف وأقام بينة - قدم أسبقهما
تاريخا وإن استويا تعارضتا وإن قال أحدهما:
غصبني وقال الآخر ملكنيه أو أقر لي به وأقاما
بينتين - فهو للمغصوب منه ولا يغرم
(4/426)
للآخر شيئا وإن
ادعى أنه أجره البيت بعشرة فقال المستأجر: بل
كل الدار تعارضتا ولا قسمة هنا وتقدم أول طريق
الحكم وصفته ما يصح سماع البينة فيه قبل
الدعوى وما لا يصح.
(4/427)
باب تعارض
البينتين
مدخل
...
باب تعارض
البينتين
التعارض: التعادل من كل وجه
إذا قال لعبده: متى قتلت فأنت حر فادعى العبد
أنه قتل وأنكر ورثته فالقول قولهم إن لم تكن
له بينة وإن أقام كل واحد منهما بينة بما
ادعاه قدمت بينة العبد وعتق وإن قال: إن مت في
المحرم فسالم حر وفي صفر فغانم حر ولم تقم
لواحد منهما بينة وأنكر الورثة فقولهم وبقيا
على الرق وإن أقروا لأحدهما أو أقام بينة عتق
وإن أقام كل واحد بينة بموجب عتقه تعارضتا
وسقطتا وبقيا على الرق وإن علم موته في أحد
الشهرين - أقرع بينهما وإن قال: إن مت في مرضي
هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر وجهل ثم مات
وللم يكن لهم بينة - عتق أحدهما بقرعة وإن
أقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق وإن أقر
الورثة لأحدهما بما يوجب عتقه عتقا بإقرارهم
وكذا حكم: إن مت من مرضي هذا في التعارض وأما
في الجهل فيعتق سالم لأن الأصل دوام المرض
وعدم البرء وإن أتتلف ثوبا فشهدت بينة أن
قيمته عشرون وبينة أن قيمته ثلاثون لزمه ما
اتفقا عليه وهو عشرون وكذا لو كان بكل قيمة
شاهد وله أن يحلف مع الآخر على العشرة كما
يأتي آخر اللباب بعده لو اختلفت بينتان في
قيمة عين قائمة ليتيم يريد الوصي
(4/427)
بيعها - أخذ
بينة الأكثر فيما يظهر وكذا قال الشيخ: لو
شهدت ببنة أنه أجر حصته موليه بأجرة مثلها
وبينة بنصفها وتقدم إذا ماتت امرأة وابنها
واختلف زوجها وأخوها في أسبقهما في ميراث
الغرقي.
(4/428)
فصل: - إذا
شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم - وهو
ثلث ماله - وبينة أنه أوصى بعتق غانم - وهو
ثلث ماله - ولم تجز الورثة - أقرع فمن قرع
عتق:
سواء اتفق تاريخهما أو اختلف فلو كانت بينة
وارثه فاسقة عتق سالم ويعتق غانم بقرعة وإن
كانت عادلة وكذبت الأجنبية لغا تكذيبها دون
شهادتها وانعكس الحكم: فيعتق غانم ثم وقف عتق
سالم على القرعة وإن كانت فاسقة مكذبة أو
فاسقة وشهدت برجوعه عن عتق سالم عتق العبدان
ولو شهدت وليست فاسقة ولا مكذبة - قبلت
شهادتها وعتق غانم وحده كما لو كانت الشاهدة
برجوعه أجنبية ولو كان في هذه الصورة غانم سدس
المال - عتقا ولم تقبل شهادتها والوارثة
العادلة فيما تقوله خبرا: لا شهادة - كالفاسقة
في جميع ما ذكرنا وإن شهدت بينة أنه أعتق
سالما في مرضه وبينة أنه أوصى بعتق غانم سالما
في مرضه وبينة أنه أعتق غانما في مرضه - عتق
أقدمهما تاريخا: إن كانت البينتان أجنبيتين أو
كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية وإن
سبقت الأجنبية فكذبتها الوارثة أو سبقت
الوارثة وهي فاسقة - عتقا وإن جهل أسبقهما
وكذا لو كانت بينة غانم وارثة وإن قالت البينة
الوارثة: ما أعتق ساما وإنما أعتق غانما - عتق
غانم كله،
(4/428)
وحكم سالم
كحكمه لو لم تطعن الوارثة في بينته: في أنه
يعتق إن تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة
وإلا فلا وإن كانت الوارثة فاسقة ولم تطعن في
بينة سالم كله وينظر في غانم: فإن كان تاريخ
عتقه سابقا أو خرجت القرعة له عتق كله وإن كان
متأخرا أو خرجت القرعة لسالم - لم يعتق منه
شيء وإن كانت كذبت بينة سالم عتق العبدان
وتدبير مع تنجيز - كآخر تنجيزين مع أسبقهما في
كل ما قدمنا.
(4/429)
فصل: - وإن مات عن ابنين: مسلم وكافر فادعى كل
منهما أنه مات على دينه:
فإن عرف أصل دينه فالقول قول من يدعيه وإن لم
يعرف فالميراث للكافر: إن اعترف المسلم أنه
أخوه أو قامت به بينة وإلا فبينهما وإن أقم كل
منهما بينة أنه ما على دينه ولم يعرف أصل دينه
تعارضتا وإن قال شاهدان: نعرفه مسلما وشاهدان
نعرفه كافرا ولم يؤرخا معرفتهم ولا عرف أصل
دينه - فالميراث للمسلم وتقدم الناقلة إذا عرف
أصل دينه فهو كما تقدم ولو شهدت بينة أنه مات
ناطقا بكلمة الإسلام وبينة أخرى أنه مات ناطقا
بكلمة الكفر تعارضتا ولو لم يعرف أصل دينه وإن
خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين واختلفوا في
دينه فكما تقدم في ابنين مسلم وكافر وكذا لو
خلف ابنا كافرا وامرأة وأخا مسلمين ومتى نصفنا
المال فنصفه للأبوين على ثلاثة ونصفه للزوجة
والآخر على أربعة ولو مات مسلم وخلف زوجة
وورثه سواها وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت
وادعت أنها أسلمت قبل موته وأنكر الورثة -
فقولهم وإن ادعى الورثة أنها كانت كافرة ولم
يثبت وأنكرتهم
(4/429)
أو ادعوا أنه
طلقها قبل موته فأنكرتهم فقولها وإن اعترفت
بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها
وأنكروا فقولهم وإن اختلفوا في انقضاء عدتها
فقولها في أنها لم تنقض ولو مات مسلم وخلف
ابنين: مسلم وكافر فأسلم الكافر وقال: أسلمت
قبل موت أبي وقال أخوه: بل بعده فلا ميراث له
فإن قال: أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر
فقال أخوه بل في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه
ولو خلف حر ابنا وابنا كان عبدا فادعى أنه عتق
وأبوه حي ولا بينة - صدق أخوه في عدم ذلك وإن
ثبت عتقه في رمضان فقال الحر: مات أبي في
شعبان وقال العتيق: بل في شوال صدق العتيق
وتقدم بينة الحر مع التعارض ولو شهدا على
اثنين بقتل فشهدا على الشاهدين به وصدق الولي
الكل أو الآخرين أو كذب الكل أو الأولين فقط
فلا قتل ولا دية وإن صدق الأولين فقط - حكم
بشهادتهما وقتل من شهدا عليه.
(4/430)
|