الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

كتاب الحجر
الضرب الأول: المحجور عليه لحق الغير
...
كتاب الحجر
فائدتان
إحداهما: "حجر الفلس" عبارة عن منع الحاكم من عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود مدة الحجر من التصرف فيه.
الثانية: قوله: "وهو على ضربين حجر لحق الغير".
وحجر لحظ نفسه.
فالحجر لحق الغير: كالحجر على المفلس والمريض بما زاد على الثلث والعبد والمكاتب والمشتري إذا كان الثمن في البلد على ما تقدم في كلام المصنف في آخر فصل خيار التولية.
والمشترى بعد طلب شفيع والمرتد يحجر عليه لحق المسلمين والراهن والزوجة بما زاد على الثلث في التبرع على ما يأتي في الباب.
والحجر لحظ نفسه: كالحجر على الصغير والمجنون والسفيه.
فهذه عشرة أسباب للحجر.
وقال في الفروع: ولا يحجر حاكم على مقتر على نفسه وعياله.
واختار الأزجي: بلى فيكون هذا سببا أخر على قوله.
تنبيه قوله: "فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل".
بلا نزاع لكن من شرط الكفيل أن يكون مليئا ذكره الأصحاب وهو واضح.
قوله: "وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان".
وأطلقهما في المغنى وخصال ابن البنا والشرح والفائق والحاوي والزركشي وغيرهم.
إحداهما: له منعه وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: فله منعه على الأصح وصححه في التصحيح وجزم به في البلغة والوجيز والمنور واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر.

(5/203)


قال في المذهب: منع في ظاهر المذهب.
والثانية: ليس له منعه وهو ظاهر كلام الخرقي والعمدة واختاره القاضي وقدمه في الخلاصة والهداية والتلخيص والرعايتين والنظم والحاوي الصغير.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الروايتين في السفر سواء كان مخوفا أو غير مخوف وهو ظاهر كلامه في الهداية والكافي والمذهب والخلاصة وغيرهم ولعله الصواب.
ومحلهما -عند صاحب الفروع- إذا كان السفر مخوفا كالجهاد ونحوه.
وحكى في السفر غير المخوف وجهين.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير: فإن أراد سفرا مدة قبل أجل الدين جاز كالجهاد.
وأدخل صاحب الواضح في السفر المخوف: الحج.
ومحلهما عند المصنف في المغنى وابن البنا وصاحب التلخيص والبلغة والمحرر والنظم والشرح والحاوي الكبير والفائق والزركشي في غير الجهاد.
فأما في الجهاد فيمنع حتى يوثقه برهن أو ضمين على رواية واحدة.
وظاهر كلامه في الرعاية الكبرى: أن محل الخلاف في غير الجهاد وأن الجهاد لا يمنع منه قولا واحدا لأنه قال ومن عليه دين مؤجل فله السفر دون أجله.
وعنه لا يسافر غير مجاهد حتى يأتي برهن أو ضمين.
وتقدم كلامه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير فإن ظاهره كذلك.
فلعلهما أرادا إذا تعين عليه وإلا فبعيد.
وقد تقدم في أول كتاب الجهاد: أنه لا يجاهد من عليه دين لا وفاء له إلا بإذن غريمه على الصحيح وذكرنا هناك الخلاف وأن لنا قولا لا يستاذنه في الجهاد إذا كان الدين مؤجلا وقولا إذا كان المديون جنديا موثوقا به لا يستأذنه ويستأذنه غيره.
ومحلهما عند المصنف أيضا والشارح وجماعة إذا كان السفر طويلا لأنهم عللوا رواية عدم المنع فقالوا لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير ولعله أولى.
فهذه ست طرق في محل الخلاف.
فائدتان
إحداهما: اختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أن من أراد سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه أن لغريمه منعه حتى يقيم كفيلا ببدنه.
قال في الفروع: وهو متجه.

(5/204)


قلت: من قواعد المذهب أن العاجز عن وفاء دينه إذا كان له حرفة يلزم بإيجار نفسه لقضاء الدين فلا يبعد أن يمنع ليعمل.
الثانية: لو طلب منه دين حال يقدر على وفائه فسافر قبل وفائه لم يجز له أن يترخص على الصحيح من المذهب.
وقيل: يجوز.
وإن لم يطلب منه الدين الحال أو يحل في سفره فقيل له القصر والترخص لئلا يحبس قبل ظلمه كحبس الحاكم.
وقيل: لا يجوز له ذلك إلا أن يوكل في قضائه لئلا يمنع به واجبا.
ذكر هذين الوجهين ابن عقيل وأطلقهما في القاعدة الثالثة والخمسين وأطلقهما ابن تميم في باب قصر الصلاة وكذا ابن حمدان.
وقيل: إن سافر وكيل في القضاء لم يترخص.
قلت: يحتمل أن يبني الخلاف هنا على الخلاف في وجوب الدفع قبل الطلب وعدمه على ما تقدم في آخر باب القرض.
والمذهب لا يجب قبل الطلب فله القصر وأطلقهن في الفروع.
قوله: "وإن كان حالا وله مال يفي به لم يحجر عليه ويأمره الحاكم بوفائه فإن أبى حبسه".
القول بالحبس: اختاره جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وعليه العمل وهو الصواب ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة غالبا إلا به وبما هو أشد منه.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح: أول من حبس على الدين شريح القاضي ومضت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أنه لا يحبس على الديون لكن يتلازم الخصمان.
وأما الحبس الآن على الدين فلا أعلم أنه يجوز عند أحد من المسلمين.
وتكلم على ذلك وأطال ذكره في الفروع والطبقات.
فائدة: إذا حبس فليس للحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره أو يبرئه غريمه أو يرضى بإخراجه.
فإذا تبين أمره لم يسع الحاكم حبسه ولو لم يرض غريمه لأنه ظلم محض.
قوله: "فإن أصر باع ماله وقضى دينه".
إذا أصر على الحبس فقال المصنف هنا يبيع الحاكم ماله ويقضي دينه من غير ضرب.

(5/205)


قال في الفائق: أبى الضرب الأكثرون.
وقال جماعة من الأصحاب إذا أصر على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم نقله حنبل ذكره عنه في المنتخب وغيره.
قال في الفصول وغيره: يحبسه فإن أبى عزره.
قال: ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: نص عليه الأئمة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله وغيرهم ولا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد في كل يوم على أكثر التعزير إن قيل بتقديره انتهى.
فائدتان
إحداهما: متى باع الحاكم عليه فقال في الفروع ذكر جماعة أنه يحبس فإن لم يقضه باع الحاكم وقضاه.
فظاهره يجب على الحاكم بيعه.
نقل حنبل: إذا تقاعد بحقوق الناس يباع عليه ويقضي.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا يلزمه أن يبيع عليه.
وقال أيضا: من طولب بأداء حق عليه فطلب إمهالا أمهل بقدر ذلك اتفاقا لكن إن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمة أو كفيل أو ترسيم عليه.
الثانية: لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل جزم به في الفروع وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا.
قلت: ونظير ذلك ما ذكره المصنف والأصحاب في باب استيفاء القصاص في أثناء فصل "ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان".
ثم قال: وإلا أمر بالتوكيل وإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني وكذا أجرة القطع في السرقة على السارق.
وقال في الرعاية الكبرى في باب من الدعاوى وإن أحضر المدعى به ولم يثبت للمدعى لزمه مؤنة إحضاره ورده وإلا لزما المنكر.
وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله في الضمان إذا تغيب المضمون عنه حتى غرم الضامن شيئا بسببه أو أنفقه في الحبس أنه يرجع به على المضمون عنه.
وقال ايضا: لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر رجع به على الكاذب ذكره عنه في الفروع في أوائل الفصل الأول من كتاب الغصب.

(5/206)


قوله: "وإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق حبس إلا أن يقيم البينة على نفاد ماله أو إعساره وهل يحلف معها؟ على وجهين".
إذا ادعى الإعسار فلا يخلو إما أن يكون دينه عن عوض أو يعرف له مال سابق أو غير ذلك.
فإن كان دينه عن عوض كالبيع والقرض ونحوهما والغالب بقاؤه أو عن غير مال كالضمان ونحوه وأقر أنه مليء أو عرف له مال سابق لم يقبل قوله إلا ببينة.
ثم إن البينة لا تخلو إما أن تشهد بنفاد ماله أو إعساره فإن شهدت بنفاد ماله أو تلفه حلف معها على الصحيح من المذهب أن لا مال له في الباطن.
قال في الفروع والرعاية الكبرى: ويحلف معها على الأصح.
قال في الفائق: حلف معها في أصح الوجهين وجزم به في الكافي والتلخيص والمحرر والشرح والوجيز والمنور وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين.
والوجه الثاني: لا يحلف مع بينة هنا.
وإن شهدت بإعساره فلا بد أن تكون البينة ممن يخبر باطن حاله لأنها شهادة على نفي قبلت للحاجة ولا يحلف معها على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
قال في الرعاية الكبرى والفروع: ولم يحلف معها على الأصح لئلا يكون مكذبا لبينته وجزم به في الكافي والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وقدمه في التلخيص والشرح.
والوجه الثاني: يحلف معها.
وذكر ابن أبي موسى عن بعض الاصحاب: أنه يحلف مع بينته أنه معسر لأنها تشهد بالظاهر.
فوائد
إحداها: يكتفي في البينة أن تشهد بالتلف أو بالإعسار على الصحيح من المذهب قال الزركشي هذا المحقق وفاقا للمجد وغيره.
قلت وجزم به المصنف وصاحب الفروع.
وجزم في التلخيص: أنه لا يكتفي في الشهادة بالإعسار بل لا بد من الشهادة بالتلف والإعسار معا.

(5/207)


وكذا قال في الرعايتين والحاويين والفائق فإنهم قالوا نشهد بذهابه وإعساره لا أنه لا يملك شيئا.
الثانية: تسمع بينة إعساره ونحوها قبل حبسه وبعده ولو بيوم قاله الأصحاب.
الثالثة: إذا لم يكن لمدعي الإعسار بينة والحالة ما تقدم كان القول قول غريمه مع يمينه أنه لا يعلم عسرته بدينه وكان له حبسه وملازمته قاله في الكافي والتلخيص والزركشي وغيرهم.
وقال في الترغيب: إن حلف أنه قادر حبسه وإلا حلف المنكر عليهما وخلي.
ونقل حنبل: يحبس إن علم له ما يقضي.
وفي المستوعب: إن عرف بمال أو أقر أنه مليء به وحلف غريمه أنه لا يعلم عسرته حبس.
وفي الرعاية: يحلف أنه موسر بدينه ولا يعلم إعساره به.
وفي المغنى والشرح إذا حلف أنه ذو مال حبس.
وقال في الفروع: وظاهر كلام جماعة أنه لا يحلف إلا إن يدعى المديون تلفا أو إعسارا أو يسأل سؤاله فتكون دعوى مستقلة فإن كان له ببقاء ماله أو قدرته بينة فلا كلام وإلا فيمين صاحب الحق بحسب جواب المديون كسائر الدعاوى.
قال في الفروع: وهذا أظهر وهو مرادهم لأنه ادعى الإعسار وانه يعلم ذلك وأنكره انتهى.
وحيث قلنا: يحلف صاحب الحق وأبى حلف الآخر وخلى سبيله.
الرابعة: يكتفي في البينة هنا باثنين على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه لا يكفي أقل من ثلاثة كمن يريد أخذ الزكاة وكان معروفا بالغني وادعى الفقر على ما تقدم في أواخر باب ذكر أهل الزكاة.
قوله: "فإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله".
أي وإن ادعى الإعسار ولم يعرف له مال سابق ودينه عن غير عوض لم يقر بالملاءة به أو عرف له مال سابق والغالب ذهابه وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الزركشي: هذا المعروف في المذهب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والنظم والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقال في الترغيب: يحبس إلى ظهور إعساره.
وقال في البلغة: يحبس إلى ان يثبت إعساره.
وظاهر كلام الخرقي: أن حكمه حكم من عرف بمال أو كان دينه عن عوض كما تقدم.

(5/208)


فائدتان
إحداهما: لو قامت بينة للمفلس بمال معين فأنكر ولم يقر به لأحد أو قال هو لزيد فكذبه زيد قضى دين المفلس منه.
وإن صدقه زيد فهل يقضي دين المفلس منه على وجهين وأطلقهما في الفروع.
أحدهما: لا يقضي منه ويكون لزيد مع يمينه لاحتمال التواطؤ جزم به في المغنى والشرح وابن رزين والنظم.
قال في الرعاية الكبرى: فإن أقر أنه لزيد مضاربة قبل قوله مع يمينه إن صدقه زيد أو كان غائبا.
والثاني: يقضي منه دينه.
وعلى الوجهين لا يثبت الملك للمدين لأنه لا يدعيه.
قال في الفروع: فظاهر هذا أن البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى وإن كان للمقر له للصدق بينة قدمت لإقرار رب اليد.
وفي المنتخب بينة المدعى لأنها خارجة.
الثانية: يحرم على المعسر أن يحلف أنه لا حق عليه ويتأول نص عليه جزم به في الفروع وغيره.
قلت: لو قيل بجوازه إذا تحقق ظلم رب الحق له وحبسه ومنعه من القيام على عياله لكان له وجه.
قوله: "وإن كان له مال لا يفي بدينه وسال غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله: إن ضاق ماله عن ديونه صار محجورا عليه بغير حكم حاكم وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
ويأتي معنى ذلك قريبا.
تنبيهات .
أحدهما: قوله: "وإن كان له مال لا يفي بدينه" هكذا عبارة أكثر الأصحاب.
وقال في الرعاية الكبرى: ومن له دون ما عليه من دين حال أو قدره ولا كسب له ولا ما ينفق منه غيره أو خيف تصرفه فيه.
الثاني: ظاهر قوله: "فسأل غرماؤه الحجر" أنه لو سأله البعض الحجر عليه لم يلزمه.

(5/209)


أجابتهم وهو ظاهر المغنى والمستوعب والشرح والمحرر والنظم والحاوي وجماعة وهو أحد الوجهين وقدمه في الرعايتين والفائق والزركشي.
الوجه الثاني: يلزمه إجابتهم أيضا وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: لزم الحجر عليه بطلب غرمائه والأصح أو بعضهم.
قال في تجريد العناية: هذا الأظهر واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز والتلخيص والبلغة وهو الصواب.
الثالث: ظاهر كلامه أيضا أن المعسر لو طلب الحجر على نفسه من الحاكم لا يلزمه إجابته إلى ذلك وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
وقال في المستوعب: إن زاد دينه على المال وقيل أو طلب المفلس الحجر من الحاكم لزمه.
وقال في الرعاية الكبرى: وإن طلبه المفلس وحده احتمل وجهين.
قال في تجريد العناية وبسؤاله في وجهه.
قوله: "ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها: تعلق حق الغرماء بماله فلا يقبل إقراره عليه ولا يصح تصرفه فيه إلا بالعتق على إحدى الروايتين".
اعلم أنه إذا كان عليه دين اكثر من ماله وتصرف فلا يخلو إما أن يكون تصرفه قبل الحجر عليه أو بعده.
فإن كان قبل الحجر عليه صح تصرفه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ولو استغرق جميع ماله حتى قال في المستوعب وغيره لا يختلف المذهب في ذلك.
وقيل: لا ينفذ تصرفه ذكره الشيخ تقي الدين وحكاه رواية واختاره.
وسأله جعفر: من عليه دين يتصدق بشيء؟ قال: الشيء اليسير وقضاء دينه أوجب عليه.
قلت: وهذا القول هو الصواب خصوصا وقد كثرت حيل الناس وجزم به في القاعدة الثالثة والخمسين.
وقال: المفلس إذا طلب البائع منه سلعته التي يرجع بها قبل الحجر لم ينفذ تصرفه نص عليه.
وذكر في ذلك ثلاث نصوص لكن ذلك مخصوص بمطالبه البائع.
وعنه له منع ابنه من التصرف في ماله بما يضره.
ونقل حنبل فيمن تصدق وأبواه فقيران رد عليهما لا لمن دونهما.

(5/210)


ونص في رواية: على ان من أوصى لأجانب وله أقارب محتاجون أن الوصية ترد عليهم.
قال في القاعدة الحادية عشر: فيخرج من ذلك أن من تبرع وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين وليس له وفاء أنه يرد ولهذا يباع المدبر في الدين خاصة على رواية.
ونقل ابن منصور فيمن تصدق عند موته بماله كله قال هذا مردود ولو كان في حياته لم أجوز إذا كان له ولد.
فعلى المذهب: يحرم عليه التصرف إن أضر بغريمه ذكره الآدمي البغدادي واقتصر عليه في الفروع وهو حسن.
وإن تصرف بعد الحجر عليه فلا يخلو إما أن يتصرف بالعتق أو بغيره.
فإن تصرف بالعتق فأطلق المصنف في صحة عتقه روايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي والتلخيص والبلغة وغيرهم.
إحداهما: لا يصح وهو المذهب.
قال المصنف والشارح والزركشي في كتاب العتق هذا أصح.
واختاره أبو الخطاب في رؤوس المسائل وابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي وغيرهم وصححه في التصحيح وغيره وقدمه في المحرر والفروع والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وإدراك الغاية.
والرواية الثانية: يصح اختاره أبو بكر والقاضي والشريف قاله الزركشي.
قال في الرعاية الكبرى: يصح عتقه على الأقيس.
وإن تصرف بغير العتق فلا يخلو إما أن يكون بتدبير رقيقه أو غيره فإن كان بالتدبير صح بلا نزاع أعلمه.
وإن كان بغيره فلا يخلو إما أن يكون بالشيء اليسير أو غيره.
فإن كان الشيء اليسير لم ينفذ تصرفه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وفي المستوعب والرعاية: يصح تصرفه بالصدقة في الشيء اليسير زاد في الرعاية بشرط أن لا يضر.
قلت: إذا كانت العادة مما جرت به ويتسامح بمثله فيبغي أن يصح تصرفه فيه بلا خلاف وفي الرعاية وغيرها تصح وصيته بشرط أن لا يضر بماله انتهى.
وإن كان تصرفه بغير اليسير لم يصح تصرفه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
ونقل موسى بن سعيد: إن تصرف قبل طلب رب العين لها جاز لا بعد.

(5/211)


فائدتان
إحداهما: لو باع ماله لغريم بكل الدين الذي عليه ففي صحته وجهان وأطلقهما في الفروع.
قال في الرعاية: يحتمل وجهين.
أحدهما: يصح لرضاهما به وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
والوجه الثاني: لا يصح لاحتمال ظهور غريم آخر.
قلت: وهو الصواب.
الثانية: يملك رد معيب اشتراه قبل الحجر ويملك الرد بخيار غير متقيد بالأحظ على الصحيح من المذهب.
قال في التلخيص: ولا يتقيد بالأحظ على الأظهر.
قال في الفائق: هذا اصح الوجهين وهو ظاهر ما جزم به في الحاويين والرعاية الصغرى فإنهما قالا وله رد ما اشتراه قبل الحجر بعيب أو خيار وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
قال الزركشي: وهو المشهور وجزم به في المغنى والشرح في الثانية.
وقيل: إن كان فيه حظ نفذ تصرفه وإلا فلا.
قال في التلخيص: وهو قياس المذهب.
قلت: وهو الصواب.
قوله: "وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب فلا يشاركون من كان دينه قبل الحجر.
وفي المبهج في جاهل به وجهان.
وعنه يصح إقراره إن أضافه إلى ما قبل الحجر أو ادانه عامل قبل قراضه قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في الرعاية: ويحتمل أن يشاركهم من اقر له بدين لزمه قبل الحجر.
وقال أيضا: وإن أقر بمال معين أو عين احتمل وجهين.
وتقدم نقل موسى بن سعيد.
وتقدم في باب الضمان أن صاحب التبصرة حكى رواية بعدم صحة ضمانه.
قال في الفروع: ويتوجه عليها عدم صحة تصرفه في ذمته انتهى.
تنبيه: ظاهر كلامه أن من عامله بعد الحجر لا يرجع بعين ماله وهو أحد الوجهين.

(5/212)


قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: يرجع أيضا وأطلقهما في الفائق.
وقيل: يرجع مع جهله الحجر قاله الزركشي وهو حسن وهذا الأخير المذهب وقدمه في الفروع وغيره.
قوله: "الثاني أن من وجد عنده عينا باعها إياه فهو أحق بها بشرط أن يكون المفلس حيا ولم ينقد من ثمنها شيئا والسلعة بحالها لم يتلف بعضها ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية أو رهن ونحوه ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة".
ذكر المصنف لاختصاص رب العين المباعة الموجودة بعد الحجر في المحجور عليه شروطا.
منها: أن يكون المفلس حيا فلو مات كان صاحبها اسوة الغرماء مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل: ذلك إذا مات قبل الحجر.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن رب العين لو مات كان لورثته أخذ السلعة كما لو كان صاحبها حيا وهو صحيح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وظاهر كلام أكثر الأصحاب منهم صاحب الحاويين.
قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الشيخين المصنف والمجد لعدم إشتراطهم ذلك.
وقال في الترغيب والرعاية الكبرى: فلربه دون ورثته على الأصح أخذه وقدمه في الرعاية الصغرى والفائق والزركشي.
وقال في التلخيص: من الشروط أن يكون البائع حيا إذ لا رجوع للورثة للحديث.
وحكى أبو الحسن الآمدي رواية أخرى أنهم يرجعون انتهى.
ومنها: ان لا يكون نقد من ثمنها شيئا فإن كان نقد منه شيئا كان أسوة الغرماء لا أعلم فيه خلافا.
ومنها: أن تكون السلعة بحالها لم يتلف بعضها وكذا لم يزل ملكه عن بعضها ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك إن كان عينا واحدة.
وإن كان المبيع عينين كعبدين أو ثوبين ونحوهما فتلف أحدهما أو نقص ونحوه رجع في العين الأخرى على الصحيح من المذهب جزم به في المنور ومنتخب الآدمي وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين.

(5/213)


وعنه له أسوة الغرماء وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة وقدمه ابن رزين في شرحه.
وجزم به في الإرشاد وأطلقهما في المغنى والكافي والتلخيص والمستوعب والشرح والفائق والزركشي.
وقال: ولعل مبناهما أن العقد هل يتعدد بتعدد المبيع أم لا وحكم انتقال البعض ببيع ونحوه حكم التلف انتهى.
قلت: تقدم في كتاب البيع بعد قوله: "وإذا جمع بين كتابة وبيع" أن الصفقة تتعدد بتعدد المبيع على الصحيح.
تنبيه: من جملة صور تلف البعض إذا استأجر أرضا للزرع فأفلس بعد مضي مدة لمثلها أجرة تنزيلا للمدة منزلة المبيع ومضى بعضها بمنزلة تلف بعضها وهذا المذهب اختاره المصنف والشارح وابن رزين وغيرهم.
وقال القاضي وصاحب التلخيص له الرجوع وهل يلزمه تبقية زرع المفلس فيه وجهان وأطلقهما الزركشي بأجرة المثل.
ثم هل يضرب بها له مع الغرماء؟ اختاره القاضي أو يقدم بها عليهم؟ قاله في التلخيص.
فوائد
إحداها: لو وطى ء البكر امتنع الرجوع على الصحيح من المذهب اختاره أبو بكر وغيره وجزم به في التلخيص والمستوعب وغيرهما وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين.
وقيل: لا يمتنع اختاره القاضي وأطلقهما في الفائق.
وكذا الحكم إذا جرح العبد.
فعلى المذهب: لا يرجع وعلى قول القاضي: يرجع.
فإن كان مما لا أرش له كالحاصل بفعل الله تعالى أو فعل بهيمة أو جناية المفلس او عبده أو جناية العبد على نفسه فلا أرش له مع الرجوع.
وإن كان الجراح موجبا للأرش كجناية الاجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصه ما نقص من الثمن.
وعلى المذهب أيضا: لو وطى ء الثيب كان له الرجوع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب جزم به في المغنى والشرح والفائق وشرح ابن رزين وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الرعاية الكبرى: فله الرجوع في الأصح إذا لم تحمل

(5/214)


وفيه وجه أخر يمتنع الرجوع ذكره ابن أبي موسى وأطلقهما في التلخيص والمستوعب والرعاية الصغرى والحاويين.
الثانية: لا يمنع الأخذ تزويج الأمة فإذا أخذها البائع بطل النكاح في الأقيس قاله في الرعاية الكبرى.
قلت: الصواب عدم البطلان.
الثالثة: لو خرجت السلعة عن ملكه قبل الحجر ورجعت بعد الحجر فقيل له الرجوع قال الناظم عاد الرجوع على القوي.
قال في التلخيص: هي كعود الموهوب إلى الابن بعد زواله هل للأب الرجوع أم لا؟.
قلت: الصحيح من المذهب أن له الرجوع على ما يأتي وقدمه ابن رزين في شرحه.
وقيل: ليس له الرجوع مطلقا.
وقيل: إن عادت إليه بسبب جديد كبيع وهبة وإرث ووصية لم يرجع وإن عادت إليه بفسخ كالإقالة والرد بالعيب والخيار ونحوه فله الرجوع.
ويأتي في الهبة نظير ذلك في رجوع الأب إذا رجع إلى الإبن بعد وفاته والصحيح من ذلك وأطلقهن في المغنى والشرح والزركشي والقواعد الفقهية.
وأطلق الوجهين الأولين في الكافي والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق.
وحيث قلنا: له الرجوع لو اشتراها ثم باعها ثم اشتراها فقيل يختص بها البائع الأول لسبقه.
وقيل: يقرع بينه وبين البائع الثاني وأطلقهما في الفروع.
ومنها: بقاء صفة السلعة فلو تغيرت بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق وطحن الحنطه وعمل الزيت صابونا او قطع الثوب قميصا أو نجر الخشب أبوابا أو عمل الشريط أبرا أو نحو ذلك امتنع الرجوع على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغنى والكافي والشرح والرعاية الصغرى والحاويين والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقال في الموجز: إن أحدث صنعة كنسج غزل وعمل الدهن صابونا فروايتان.
وقال في التبصرة: لا يأخذه.
وعنه: بلى ويشاركه المفلس في الزيادة.
وقال في الرعاية الكبرى -من عنده-: إن لم تزد قيمة الحب بطحنه والدقيق بخبزه والغزل بنسجه رجع وإلا فلا.

(5/215)


فائدتان
إحداهما: لو كان حبا فصار زرعا أو بالعكس أو نوى فنبت شجرا او بيضا فصار فرخا سقط الرجوع على الصحيح من المذهب.
وقال القاضي: لا يمنع ذلك الرجوع واختاره في التلخيص ورده في المغنى والشرح.
الثانية: لو خلط المبيع أو بعضه بما لا يتميز منه فقال المصنف والشارح وغيرهما سقط حقه من الرجوع لأنه لم يجد عين ماله وهو المذهب قطع به في التبصرة.
وقال الزركشي: وقد يقال: ينبني على الوجهين في أن الخلط هل هو بمنزلة الإتلاف أم لا ولا نسلم أنه لم يجد عين ماله بل وجده حكما انتهى.
قلت: الصحيح من المذهب أن الخلط ليس بإتلاف وإنما هو اشتراك على ما يأتي في كلام المصنف في باب الغصب في قوله: "وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز".
ومنها: أن لا يتعلق بها حق شفعة فإن تعلق بها حق شفعة أمتنع الرجوع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والحاويين والوجيز والرعايتين في موضع وغيرهم وقدمه في الفائق.
قال في الفروع: فله أسوة الغرماء في الأصح.
وقيل: لا يمتنع الرجوع اختاره ابن حامد.
وقال في الكبرى: في موضع أخر وإن اشترى شقصا مشفوعا فلبائعه الرجوع.
وقيل: الشفيع أحق به.
وقيل: إن طالب الشفيع امتنع وإلا فلا وأطلقهن في المغني والشرح والكافي والزركشي.
ومنها: أن لا يتعلق بها حق رهن فإن تعلق بها حق رهن امتنع الرجوع لا أعلم فيه خلافا.
لكن إذا كان الرهن أكثر من الدين فما فضل منه رد على المال وليس لبائعه الرجوع في الفاضل على الصحيح من المذهب.
ويأتي قريبا في كلام المصنف مجزوما به.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغنى والكافي والشرح والفروع وغيرهم وقال القاضي له الرجوع لأنه عين ماله.
قال المصنف والشارح: وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب لان تلف بعض المبيع يمنع الرجوع فكذلك ذهاب بعضه بالبيع انتهى.

(5/216)


فلو كان المبيع عينين فرهن أحدهما فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى؟ على وجهين.
بناء على الروايتين فيما إذا تلف أحد العينين على ما تقدم وقد علمت أن المذهب له الرجوع هناك فكذا هنا.
فائدة: لو مات الراهن وضاقت التركة عن الديون قدم المرتهن برهنه على الصحيح من المذهب ونص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه هو أسوة الغرماء نص عليه أيضا وأطلقهما الزركشي آخر الرهن.
ومنها: ان لا يتعلق بها حق جناية بأن يشتري عبدا ثم يفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبته فيمتنع الرجوع على الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز والفروع والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وقدمه في الفائق والكافي.
وقيل: له الرجوع لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه بخلاف الرهن وأطلقهما في المغنى والشرح والنظم والزركشي.
فعلى المذهب حكمه حكم الرهن.
وعلى الثاني هو مخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء فإن أبرأ الغريم من الجناية فللبائع الرجوع.
قال في القاعدة السادسة عشر: لو تعلق بالعين المبيعة حق شفعة أو جناية أو رهن ثم أفلس ثم أسقط المرتهن أو الشفيع أو المجني عليه حقه فالبائع أحق بها من الغرماء لزوال المزاحمة على ظاهر كلام القاضي وابن عقيل ذكره المجد في شرحه.
ويتخرج فيه وجه آخر أنه أسوة الغرماء انتهى.
ومنها: أن لا تزيد زيادة متصلة فإن زادت زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة كالكتابة والقرآن ونحوهما امتنع الرجوع على الصحيح من المذهب اختاره الخرقي والشيرازي وقدمه في المغنى والهادي والكافي والشرح والفروع ونصره المصنف والشارح وردا غيره.
قال القاضي في كتاب الهبة: من خلافه هو منصوص الإمام أحمد رحمه الله.
وعنه أن الزيادة لا تمنع الرجوع نص عليه في رواية الميموني.
وقاله القاضي وأصحابه وابن أبي موسى وجزم به في الوجيز والمنور وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في النظم والفائق والرعايتين والهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر وإدراك الغاية وشرح ابن رزين وقال وهو القياس.
قال في المذهب ومسبوك الذهب هذا ظاهر المذهب ولعله المذهب لأنه المنصوص وعليه الأكثر.
فعليها يأخذها بزيادتها وأطلقهما ابن البنا في الخصال وصاحب الحاويين.

(5/217)


قوله: "فأما الزيادة المنفصلة فلا تمنع الرجوع".
وهو المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال المصنف والشارح: لا تمنع الرجوع بغير خلاف بين أصحابنا.
وذكر في الإرشاد والتبصرة والموجز في منع المنفصلة من الرجوع روايتين.
وعند أبي موسى يمنع الولد الرجوع في أمه.
فائدة: لو كان حملا عند البيع أو عند الرجوع فوجهان وأطلقهما في الفروع.
قال في التلخيص والرعاية الكبرى: إن كان حملا عند البيع والرجوع لم يمنع الرجوع كالسمن وإن كان حملا عند البيع منفصلا عند الرجوع فوجهان وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
ومع الرجوع لا ارش على الأظهر.
وإن كانت حائلا عند البيع حاملا عند الرجوع فقال في الكبرى فوجهان.
وقال في التلخيص: هو كالسمن والأظهر يتبع في الرجوع كالبيع انتهى.
وقال المصنف: قال القاضي: إن اشتراها حاملا وأفلس بعد وضعها فله الرجوع فيهما مطلقا.
قال المصنف: والصحيح أنا إذا قلنا لا حكم للحمل فهو زيادة منفصلة وإن قلنا له حكم وهو الصحيح فإن كان هو والأم قد زادا بالوضع فزيادة متصلة وإن لم يزيدا جاز الرجوع فيهما.
وإن زاد أحدهما دون الآخر خرج على الروايتين فيما إذا كان المبيع عينين تلف بعض أحدهما على ما تقدم.
وإن كانت عند البيع حائلا وحاملا عند الرجوع وزادت قيمتها فزيادة متصلة وإن أفلس بعد الوضع فزيادة منفصلة.
وقال القاضي: إن وجدها حاملا انبنى على أن الحمل هل له حكم فيكون زيادة منفصلة يتربص به حتى تضع أو لا حكم له كزيادة متصلة انتهى كلام المصنف ملخصا.
قوله: "والزيادة للمفلس".
هذا ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن حامد والقاضي في روايتيه والمجرد والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما وابن عقيل في الفصول والمصنف.
وقال: لا ينبغي أن يكون فيه خلاف.
قال في الكافي: هذا ظاهر المذهب.

(5/218)


قال الشارح: هذا أصح إن شاء الله وجزم به في الوجيز.
وعنه أنها للبائع وهي المذهب اختاره ابو بكر والقاضي في الجامع والخلاف وابن عقيل وجزم به في المنور ومنتخب الآدمي وقدمه في المستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع والفائق.
وهو ظاهر ما قدمه في الهداية والمذهب وأطلقهما الزركشي.
ويأتي نظير ذلك في الهبة واللقطة.
فعلى الأول إذا كانت الزيادة المنفصلة ولدا صغيرا أجبر البائع على بذل قيمته وكذا إن كان كبيرا وقلنا يحرم التفريق فإن أبى بطل الرجوع في أحد الوجهين.
وفي الوجه الأخر يباعان ويصرف إليه ما خص الأم قاله في التلخيص.
وقال في الرعايتين والحاويين والفائق: فلو كانت الزيادة المنفصلة ولد أمة فله أخذه بقيمته أو بيع الأم معه وله قيمتها ذات ولد بغير ولد.
زاد في الفائق: ويحتمل منع الرجوع في الأم.
قال في الرعاية الكبرى: وقيل: إن لم يدفع قيمته فلا رجوع.
قوله: "وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والكافي والوجيز وشرح ابن منجا وغيرهم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
قال صاحب التلخيص وغيره هذا المذهب.
قال المصنف والشارح: إذا صبغ الثوب أولت السويق بزيت فقال أصحابنا: لبائع الثوب والسويق الرجوع في أعيان أموالهما.
قال المصنف ويحتمل أن لا يكون له الرجوع إذا زادت القيمة كسمن العبد.
وقالا: وإن قصر الثوب فإن لم تزد قيمته فللبائع الرجوع فيه وإن زادت فليس له الرجوع في قياس قول الخرقي.
وقال القاضي وأصحابه: له الرجوع انتهيا.
وقال ابن أبي موسى: إذا زادت العين بقصارة أو صناعة ونحوهما أمتنع الرجوع وهو ظاهر كلام الخرقي.
وقال في الفروع: وإن صبغه أو قصره فله أسوة الغرماء في وجه فيهما كنقصه بهما في الأصح.
قال في الفائق: وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع ويشاركه المفلس في الزيادة.
وقيل: لا رجوع إن زادت القيمة.

(5/219)


وقال في المستوعب: وإن كانت ثيابا فصبغها أو قصرها فذكر ابن أبي موسى أنه يكون أسوة الغرماء.
وقال القاضي: لا يمنع الرجوع.
وقال في الرعاية الكبرى: إن قصر الثوب وقلنا يرجع في الأقيس فزادت قيمته رجع فيه ربه في الأصح والزيادة للمفلس في الأقيس فله من الثوب بنسبة ما زاد من قيمته.
وقيل: بل أجرة القصارة إلا أن يتلف بيده فيسقط.
وقيل: القصارة كالسمن وفي أجرتها وجهان.
وإن لم تزد ولم تنقص فله الرجوع أو مشاركة الغرماء.
وقال في صبغ الثوب: وإن صبغه فزادت قيمته بقدر قيمة الصبغ رجع البائع في الأصح وشارك المفلس فيه بقيمة صبغه إلا أن يدفعها البائع فإن أبى دفعها أجبر على بيع حقه.
وإن نقصت عن قيمة الصبغ فالنقص من المفلس وإن زادت قيمتها فالزيادة مع قيمة الصبغ له.
وقيل: يشتركان منه بالنسبة.
وإن لم تزد قيمته فلربه أخذه مجانا أو يكون كالغرماء وإن نقصت قيمته لم يرجع في الأقيس انتهى.
فائدتان
إحداهما: لو كانت السلعة صبغا فصبغ به أو زيتا فلت به فلا رجوع على الصحيح من المذهب.
قال في الفائق: فلا رجوع في أصح الوجهين وقدمه في المغنى والشرح وجزم به في الكافي وغيره.
قال القاضي: له الرجوع.
وجزم في المغنى والكافي والشرح وغيرهم بأنه إذا خلطه بمثله على وجه لا يتميز يمتنع الرجوع كخلط الزيت والقمح ونحوهما بمثله.
الثانية: لو كان الثوب والصبغ من واحد قال المصنف والشارح قال أصحابنا هو كما لو كان الصبغ من غير بائع الثوب.
فعلى قولهم يرجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا بزيادة الصبغ ويضرب مع الغرماء بثمن الصبغ.
قال: ويحتمل أن يرجع فيهما ها هنا كما لو اشترى دفوفا ومسامير من واحد فسمرها به فإنه يرجع فيهما.

(5/220)


قوله: "فإن غرس الأرض أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص".
إذا اتفقا على قلع الغرس والبناء فلهم ذلك فإذا فعلوه فللبائع الرجوع في أرضه فإذا أراد الرجوع قبل القلع فله ذلك على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: والأصح له الرجوع قبل قلع غرس وبناء وقدمه في المغنى والشرح وهو ظاهر ما جزم به كثير من الأصحاب.
ويحتمل أن لا يستحقه إلا بعد القلع.
فعلى المذهب يلزمهم تسوية الأرض وارش نقصها الحاصل به ويضرب بالنقص مع الغرماء.
وعلى الثاني لا يلزمهم ذلك.
فلو امتنع المفلس والغرماء من القلع لم يجبروا عليه.
وإن أبى المفلس القلع فالصحيح من المذهب أن للبائع أخذه وقلعه وضمان نقصه.
وقيل: ليس له ذلك.
وعلى المذهب لو بذل البائع قيمة الغراس والبناء ليملكه أو قال أنا أقلع وأضمن النقص فله ذلك وعلى الثاني ليس له ذلك.
قوله: "فإن أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع".
وهو المذهب اختاره ابن حامد ونصره المصنف والشارح وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والخلاصة وصححه في النظم.
وقال القاضي: له الرجوع في الأرض ويكون ما فيها للمفلس وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص.
فعلى المذهب لا تفريع.
وعلى الثاني إن اتفقا على البيع بيعا لهما وإن أبى أحدهما فقال المصنف والشارح يحتمل أن يجبر فيباع الجميع واحتمل لا فيبيع المفلس غرسه وبناءه مفردا.
قال في الفروع: وهل يباع الغرس مفردا أو الجميع ويقسم الثمن على القيمة؟ فيه وجهان وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والفائق والحاويين وغيرهم.
أحدهما يباع الجميع قدمه في الخلاصة والرعاية الصغرى.
والوجه الثاني يباع الغرس والبناء مفردا قدمه في الرعاية الكبرى.

(5/221)


فوائد
إحداها: قال المصنف والشارح لو كان المبيع شجرا أو نخلا فله أربعة أحوال:.
أحدها: أفلس وهي بحالها فله الرجوع.
الثاني كان فيها وقت البيع ثمر ظاهر أو طلع مؤبر واشترطه المشتري فأكله أو تصرف فيه أو تلف بجائحة ثم أفلس فهذا في حكم ما لو اشترى عينين وتلف أحدهما على ما تقدم.
الثالث أطلع ولم يؤبر أو كان فيه ثمر لم يظهر وقت البيع فيدخل في البيع فلو أفلس بعد تلفه او بعضه او زاد أو بدا صلاحه فحكمه حكم تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة على ما تقدم.
قال في الرعاية الكبرى فهو زيادة متصلة في الأصح.
الرابع باعه نخلا حائلا فأطلعت أو شجرا فأثمرت فهو على أربعة أقسام.
الأول أفلس قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة.
الثاني أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة فلا يمنع الرجوع والطلع للمشتري على الصحيح من المذهب خلافا لأبي بكر.
ولو باعه أرضا فارغة فزرعها المشتري ثم أفلس رجع في الأرض دون الزرع وجها واحدا.
الثالث أفلس والطلع غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر فليس له الرجوع فيه كما لو أفلس بعد التأبير.
فلو ادعى الرجوع قبل التأبير وأنكر المفلس فالقول قوله.
وإن قال البائع بعت بعد التابير وقال المفلس بل قبله فالقول قول البائع.
الرابع أفلس بعد أخذ الثمرة أو ذهابها بجائحة أو غيرها فله الرجوع في الأصل والثمرة للمشترى إلا على قول أبي بكر.
الثانية: كل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجداد.
وكذا إذا رجع في الأرض وفيها زرع للمفلس وليس على صاحب الزرع أجرة.
إذا ثبت هذا فإن اتفق المفلس والغرماء على التبقية أو القطع فلهم ذلك.
وإن اختلفوا وكان مما لا قيمة له أو قيمته يسيرة لم يقطع.
وإن كانت قيمته كثيرة قدم قول من طلب القطع في أحد الوجوه اختاره القاضي وجزم به في الرعاية الكبرى.
والثاني ينظر ما فيه الأحظ فيعمل به.

(5/222)


قلت وهو الصواب.
والثالث إن طلب الغرماء القطع وجب وإن كان المفلس فكان التأخير أحظ له لم يقطع.
الثالثة إذا كملت الشروط فله أخذه من غير حكم حاكم على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب لتعينها كوديعة وسواء زادت قيمتها أو نقصت ولو بذل الغرماء ثمنها كله وهو يساوي المبيع أو دونه أو فوقه.
وقيل لا يأخذها إلا بحكم حاكم بناء على تسويغ الاجتهاد.
الرابعة لو حكم حاكم بكونه أسوة الغرماء نقض حكمه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وفيه احتمال لا ينقض.
الخامسة يكون الاسترجاع في السلعة بالقول فلو أقدم على التصرف فيها ابتداء لم ينعقد ولم يكن استرجاعا وكذا الوطء ذكره القاضي في الخلاف لتمام ملك المفلس.
وفي المجرد والفصول يكون الوطء استرجاعا وأن فيه احتمالا آخر بعدمه قاله في القاعدة الخامسة والخمسين.
السادسة يستثنى من جواز الأخذ بعد كمال الشروط مسألة وهي ما إذا كان المبيع صيدا والبائع محرما فإنه ليس له الرجوع فيه لأنه تملك للصيد لا يجوز قاله المصنف والشارح وصاحب الرعاية وقطعوا به.
قلت فيعايى بها.
ولعلهم أرادوا على القول بأن الفسخ على الفور في تلك الحالة وهو الظاهر وإلا فلا وجه له.
السابعة الصحيح من المذهب أن أخذ السلعة على التراخي كخيار العيب قدمه في الفروع والمحرر وغيرهما وقاله المصنف والشارح وغيرهما.
وقيل على الفور.
قال في الرعاية الكبرى أخذه على الفور في الأقيس وصححه الناظم ونصره القاضي وغيره وأطلقهما في المغني والشرح والفائق.
قال المصنف والشارح الوجهان هنا مبنيان على الروايتين في خيار الرد بالعيب.
الثامنة حيث أخذ البائع سلعته فرجوعه فسخ للعيب فلا يحتاج إلى معرفة المبيع ولا إلى القدرة على تسليمه.
فلو رجع فيمن أبق صح وصار له فإن قدر عليه أخذه وإن تلف فمن ماله وإن تبين أنه كان تالفا حين استرجاعه بطل رجوعه.

(5/223)


وإن رجع في مبيع اشتبه بغيره قدم تعيين المفلس لإنكاره دعوى استحقاق البائع قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
التاسعة متى قلنا له الرجوع فلو كان ثمن المبيع الموجود مؤجلا على المفلس وقلنا لا يحل بالفلس فالصحيح من المذهب أنه يأخذ المبيع عند الأجل نص عليه وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين والفروع والمغني والشرح وقالا هو أولى.
قال الزركشي عليه الجمهور.
وقيل يأخذه في الحال اختاره ابن أبي موسى.
وقيل يباع اختاره أبو بكر في التنبيه وصاحب التلخيص وقدمه الزركشي وهو تخريج في المغني والشرح.
وقيل إن لم تزد قيمته رجع فيه مجانا ذكره في الرعاية الكبرى.
العاشرة ذكر المصنف هنا حكم السلعة المبيعة إذا وجدها وكذا حكم القرض وغيره إذا وجد عينه.
قال في الرعاية لو كان دينه سلما فأدرك الثمن بعينه أخذه.
قال في التلخيص الرجوع ثابت في كل ما هو في معنى البيع من عقود المعاوضات المحضة كالإجارة والسلم والصلح بمعنى البيع وكذلك الصداق كأن يصدق امرأة عينا وتحصل الفرقة من جهتها وقد أفلست.
وكذا لو وجد عينا مؤجرة لم يمض من المدة شيء فلو مضى بعض المدة فله أسوة الغرماء على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع.
وقيل يختص بها.
الحادية عشر لو كان للمفلس عين مؤجرة كان المستأجر أحق بمنافعها مدة الإجارة فإن تعطلت في أثناء المدة ضرب له بما بقي مع الغرماء قاله الأصحاب.
قوله: "الحكم الثالث بيع الحاكم ماله".
يعني إن كان من غير جنس الدين وقسم ثمنه.
يعني يجب ذلك على الحاكم ويكون على الفور.
قوله: "وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء".
يعني يستحب ذكره الأصحاب.
قوله: "ويبيع كل شيء في سوقه".

(5/224)


بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر ذكره الشيخ تقي الدين وغيره واقتصر عليه في الفروع.
قوله: "ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن".
بلا نزاع لكن إن كان واسعا يفضل عن سكنى مثله بيع واشترى له مسكن مثله.
ولابن حمدان احتمال أن من ادان ما اشترى به مسكنا أنه يباع ولا يترك له انتهى.
ولو كان المسكن عين مال بعض الغرماء أخذه بالشروط المتقدمة.
قوله: "وخادم".
بلا نزاع لكن بشرط أن لا يكون نفيسا وكذا المسكن نص عليهما.
فائدة يترك له أيضا آلة حرفة فإن لم يكن صاحب حرفة ترك له ما يتجر به نص عليه وجزم به ناظم المفردات وغيره وهو منها.
وقال في الموجز والتبصرة ويترك له أيضا فرس يحتاج إلى ركوبها.
وقال في الروضة يترك له دابة يحتاجها.
ونقل عبد الله يباع الكل إلا المسكن وما يوازيه من ثياب وخادم يحتاجه.
تنبيه مراد المصنف وغيره بترك المسكن والخادم وغيرهما إذا لم يكن عين مال الغرماء.
وأما إن كان عين مالهم فإنه لا يترك له منه شيء ولو كان محتاجا إليه جزم به في المغني والشرح وغيرهما وهو واضح.
فكلامهم هنا مخصوص بما تقدم.
قوله: "وينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه".
يعني عليه وعلى عياله ومن النفقة كسوته وكسوة عياله وهذا الصحيح من المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال المصنف والشارح محل هذا إذا لم يكن له كسب وأما إن كان يقدر على التكسب لم يترك له شيء من النفقة وقطعا به وهو قوي.
فائدة لو مات جهز من ماله كنفقة قاله في الفائق وغيره.
قوله: "ويعطى المنادي يعني ونحوه أجرته من المال".
والمراد إذا لم يوجد متطوع وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم ابن عقيل وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والرعاية الصغرى والفروع والفائق وغيرهم.

(5/225)


وقيل إنما يعطى من بيت المال إن أمكن لأنه من المصالح جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة وإدراك الغاية وقدمه في التلخيص والرعاية الكبرى.
قال في الحاويين وحق المنادي من الثمن إن فقد من يتطوع بالنداء وتعذر من بيت المال وقدمه في التلخيص والرعاية الكبرى.
قال في الفائق وأجرة المنادي من الثمن إن فقد متطوع وقيل من بيت المال إن تعذر.
وقال ابن عقيل هي من مال المفلس ابتداء انتهى.
وفي القول الثاني نظر ولعل النسخة مغلوطة.
تنبيه مراده بقوله: "ويبدأ بالمجني عليه" إذا كان الجاني عبد المفلس بدليل قوله: "فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني".
سواء كانت الجناية عليه قبل الحجر أو بعده جزم به في الفروع وغيره.
وأما إن كان الجاني هو المفلس فالمجني عليه أسوة الغرماء لأن حقه متعلق بالذمة.
قوله: "ثم بمن له رهن فيختص بثمنه".
ظاهره أنه سواء كان الرهن لازما أو لا وهو ظاهر كلامه في المحرر والمغني والشرح والوجيز وغيرهم.
قال في الفروع: ولم يقيده جماعة باللزوم والصحيح من المذهب أنه لا يختص بثمنه إلا إذا كان لازما قدمه في الفروع.
وعنه إذا مات الراهن أو أفلس فالمرتهن أحق به ولم يعتبر وجود قبضه بعد موته أو قبله.
وقال في الفائق ثم يختص من له رهن بثمنه في أصح الوجهين.
وقال في الرعاية الصغرى: يختص بثمن الرهن على الأصح فحكى الخلاف روايتين.
وذكرهما ابن عقيل وغيره في صورة الموت لعدم رضاه بذمته بخلاف موت بائع وجد متاعه.
وقال في الرعاية الكبرى بعد أن قدم المذهب: وعنه أنه بعد الموت أسوة الغرماء مطلقا.
قوله: "فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء وإن فضل منه فضل رد على المال".
وتقدم أن الفاضل يرد على المال على الصحيح من المذهب كما جزم به هنا وأن القاضي اختار أن بائعه أحق بالفاضل وله الرجوع فيه.

(5/226)


قوله: "ثم بمن له عين مال يأخذها".
يعني بالشروط المتقدمة وكلامه هنا أعم.
فيدخل عين القرض ورأس مال السلم وغيرهما كما تقدم.
وكذا المستأجر من المفلس أحق بالمنافع مدة الإجارة من بقية الغرماء على ما تقدم قريبا.
قوله: "ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل".
هذا إحدى الروايات وهو المذهب.
قال الزركشي هذا المذهب المشهور.
قال ابن منجا: في شرحه هذا المذهب وهو أصح.
قال القاضي: لا يحل الدين بالفلس رواية واحدة.
قال في التلخيص: لا يحل الثمن المؤجل بالفلس على الأصح.
قال في الخلاصة: وإن كان له دين مؤجل لم يشارك على الأصح وقدمه في المستوعب والكافي والمغني والشرح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم وجزم به في العمدة وغيره.
وعنه يحل ذكرها أبو الخطاب.
قال ابن رزين: وليس بشيء وأطلقهما في الهداية والمذهب.
وعنه لا يحل إذا وثق برهن أو كفيل مليء وإلا حل نقلها ابن منصور.
فمتى قلنا يحل فهو كبقية الديون الحالة.
ومتى قلنا لا يحل لم يوقف لربه شيء ولا يرجع على الغرماء به إذا حل.
لكن إن حل قبل القسمة شارك الغرماء وإن حل بعد قسمة البعض شاركهم أيضا وضرب بجميع دينه وباقي الغرماء ببقية ديونهم قاله الزركشي وغيره من الأصحاب.
قوله: "ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة".
يعني بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين هذا المذهب.
قال في القواعد الفقهية: هذا أشهر الروايتين.
قال الزركشي: هذا المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين ونصره المصنف والشارح وقطع به الخرقي وصاحب العمدة والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المستوعب والمحرر والفروع والفائق وغيرهم.

(5/227)


وعنه يحل هنا مطلقا ولو قتله ربه ولو قلنا لا يحل بالفلس اختاره ابن أبي موسى وقدمه ابن رزين في شرحه ومال إليه.
فعلى المذهب إن تعذر التوثق حل على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والمحرر وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه لا يحل اختاره أبو محمد الجوزي وقدمه في الرعايتين والحاويين.
قال ناظم المفردات: ولا يحل على المديون بموته من آجل الديون.
وقال في الانتصار: يتعلق الحق بذمتهم وذكره عن أصحابنا في الحوالة فإن كانت مليئة وإلا وثقوا.
وقال أيضا: الصحيح أن الدين في ذمة الميت والتركة.
فعلى المذهب يختص أرباب الديون الحالة بالمال.
وعلى الثانية يشاركون به.
وقال في الرعاية: ومن مات وعليه دين حال ودين مؤجل وقلنا لا تحل بموته وماله بقدر الحال فهل يترك له بقدر ما يخصه ليأخذه إذا حل دينه أو يوفى الحال ويرجع على ربه صاحب المؤجل إذا حل بحصته أو لا يرجع يحتمل ثلاثة أوجه.
فوائد
الأولى: إذا لم يكن له وارث فقال القاضي في المجرد وابن عقيل والمصنف في المغني يحل الدين لأن الأصل يستحقه الوارث وقد عدم هنا وقدمه في القواعد الفقهية وذكر القاضي في خلافه احتمالين.
قال في الفروع: ولو ورثه بيت المال احتمل انتقاله ويضمن الإمام للغرماء واحتمل حوله وذكرهما في عيون المسائل.
وذكرهما القاضي في التعليق لعدم وارث معين وأطلق في الفائق وجهين فيما إذا لم يكن له وارث.
الثانية: قال في التلخيص حكم من طرأ عليه جنون حكم المفلس والميت في حلول الدين وعدمه.
الثالثة: متى قلنا بحلول الدين المؤجل فإنه يأخذه كله على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الأصحاب وقدمه في الفائق وقال والمختار سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل بقسطه وهو مأخوذ من الوضع والتأجيل انتهى.
قلت: وهو حسن.
الرابعة: هل يمنع الدين انتقال التركة إلى الورثة أم لا يمنع فيه روايتان.

(5/228)


إحداهما: لا يمنع بل تنتقل وهو الصحيح من المذهب اختاره أبو بكر والقاضي وأصحابه.
قال ابن عقيل: هي المذهب.
قال الزركشي: هو المنصوص المشهور المختار للأصحاب.
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله: أن المفلس إذا مات سقط حق البائع من غير ماله لأن المال انتقل إلى الورثة.
قال في القواعد الفقهية: أشهر الروايتين الإنتقال.
والرواية الثانية: لا تنتقل نقلها ابن منصور وصححه الناظم ونصره في الانتصار.
ويأتي ذلك في آخر القسمة بأتم من هذا.
ولهذا الخلاف فوائد يأتي بيانها قريبا.
ولا فرق في ذلك بين ديون الله تعالى وديون الآدميين ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت بسبب يقتضي الضمان كحفر بئر ونحوه صرح به القاضي.
وهل يعتبر كون الدين محيطا بالتركة أم لا؟.
قال في القواعد: صرح به جماعة منهم صاحب الترغيب في التفليس.
وقال في الفوائد: ظاهر كلام طائفة اعتباره حيث فرضوا المسألة في الدين المستغرق.
ومنهم: من صرح بالمنع من الانتقال وإن لم يكن مستغرقا ذكره في مسائل الشفعة.
وعلى القول بالانتقال يتعلق حق الغرماء بهما جميعها وإن لم يستغرقها الدين صرح به في الترغيب.
وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية؟ فيه خلاف.
قال في القواعد: صرح الأكثرون أنه كتعلق الرهن ويفسر بثلاثة أشياء وقال في الفوائد يتحرر الخلاف بتحرير مسائل:.
إحداها: هل يتعلق جميع الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها أم يتقسط؟.
صرح القاضي في خلافه بالأول إن كان الوارث واحدا وإن كان متعددا انقسم على قدر حقوقهم وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين وبكل جزء منها كالعبد المشترك إذا رهنه الشريكان بدين عليهما.
والثانية: هل يمنع هذا التعلق من نفوذ التصرف سيأتي ذلك في فوائد الروايتين.
والثالثة: هل يتعلق الدين بعين التركة مع الذمة فيه ثلاثة أوجه.
وقال في موضع آخر هل الدين باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمم الورثة أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير فيه ثلاثة أوجه.

(5/229)


أحدها: ينتقل إلى ذمم الورثة قاله القاضي في خلافه وأبو الخطاب في انتصاره وابن عقيل وقيده القاضي في المجرد بالمؤجل.
قال في الفروع وفي الانتصار: الصحيح أنه في ذمة الميت في التركة انتهى ومنهم من خصه بالقول بانتقال التركة إليهم.
والوجه الثاني: هو باق في ذمة الميت ذكره القاضي أيضا والآمدي وابن عقيل في فنونه والمصنف في المغني وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت.
والوجه الثالث: يتعلق بأعيان التركة فقط قاله ابن أبي موسى.
ورد بلزوم براءة ذمة الميت فيها بالتلف.
ويأتي هذا أيضا في باب القسمة.
إذا عرف هذا فللخلاف في أصل المسألة وهو كون الدين يمنع الانتقال أم لا فوائد كثيرة ذكرها ابن رجب في الفوائد من قواعده.
منها: نفوذ تصرف الورثة فيها ببيع أو غيره من العقود.
فعلى الثانية: لا إشكال في عدم النفوذ.
وعلى المذهب قيل: لا ينفذ قاله القاضي في المجرد وابن عقيل في باب الشركة من كتابيهما.
وحمل القاضي في المجرد رواية ابن منصور على هذا.
وقيل: ينفذ قاله القاضي وابن عقيل في الرهن والقسمة وجعلاه المذهب.
قال في القاعدة الثالثة والخمسين: أصح الوجهين صحة تصرفهم انتهى.
وإنما يجوز لهم التصرف بشرط الضمان قاله القاضي.
قال: ومتى خلى الورثة بين التركة وبين الغرماء سقطت مطالبتهم بالديون ونصب الحاكم من يوفيهم منها ولم يملكها الغرماء بذلك.
وهذا يدل على أنهم إذا تصرفوا فيها طولبوا بالديون كلها.
وفي الكافي إنما يضمنون الأقل من قيمة التركة أو الدين.
وعلى الأول ينفذ العتق خاصة كعتق الراهن ذكره في الانتصار.
وحكى القاضي في المجرد في باب العتق في نفوذ العتق مع عدم العلم وجهين وأنه لا ينفذ مع العلم.
وجعل المصنف في الكافي مأخذهما أن حقوق الغرماء المتعلقة بالتركة هل يملك الورثة إسقاطها بالتزامهم الأداء من عندهم أم لا؟.

(5/230)


وفي النظريات لابن عقيل عتق الورثة ينفذ مع يسارهم دون إعسارهم اعتبارا بعتق موروثهم في مرضه.
وهل يصح رهن التركة عند الغرماء؟ قال القاضي في المجرد: لا يصح.
ومنها: نماء التركة.
فعلى الثانية: يتعلق حق الغرماء به أيضا.
وعلى المذهب فيه وجهان هل يتعلق حق الغرماء بالنماء أم لا؟.
وأطلقهما في القواعد.
وقال في القاعدة الثانية والثمانين: إن قيل: إن التركة باقية على حكم ملك الميت تعلق حق الغرماء بالنماء كالمرهون ذكره القاضي وابن عقيل.
وينبغي أن يقال إن قلنا تعلق الدين بالتركة تعلق رهن يمنع التصرف فيه فالأمر كذلك وإن قلنا تعلق جناية لا يمنع التصرف فلا يتعلق بالنماء.
وأما إن قلنا: لا تنتقل التركة إلى الورثة بمجرد الموت لم تتعلق حقوق الغرماء بالنماء ذكره القاضي وابن عقيل.
وخرج الآمدي وصاحب المغني تعلق الحق بالنماء مع الانتقال أيضا كتعلق الرهن.
وقد ينبني ذلك من أصل آخر وهو أن الدين هل هو باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمة الورثة أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير وفيه ثلاثة أوجه؟ وقد تقدمت قبل الفوائد.
قال: فعلى القول الثالث يتوجه أن لا تتعلق الحقوق بالنماء إذ هو كتعلق الجناية.
وعلى الأولين يتوجه تعلقها بالنماء كالرهن.
ومنها: لو مات وعليه دين وله مال زكوي فهل تبتدئ الورثة حول الزكاة من حين الموت أم لا؟.
فعلى الثانية لا إشكال في أنه لا تجري في حوله حتى تنتقل إليه.
وعلى المذهب ينبني على أن الدين هل هو مضمون في ذمة الوارث أم هو في ذمة الميت خاصة؟.
فإن قلنا: هو في ذمة الوارث وكان مما يمنع الزكاة انبنى على الدين المانع هل يمنع انعقاد الحول في ابتدائه أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة فيه روايتان ذكرهما المجد في شرحه.
والمذهب أنه يمنع الانعقاد فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الدين من المال.
وإن قلنا: إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول منع الوجوب هنا آخر الحول في قدره أيضا.

(5/231)


وإن قلنا: ليس في ذمة الوارث شيء فظاهر كلام أصحابنا أن تعلق الدين بالمال مانع.
ومنها: لو كان له شجر وعليه دين فمات فهنا صورتان.
إحداهما: أن يموت قبل أن يثمر ثم يثمر قبل الوفاء فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء؟.
فإن قلنا: يتعلق به خرج على الخلاف في منع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة على ما تقدم.
وإن قلنا: لا يتعلق به فالزكاة على الوارث.
وهذا كله بناء على القول بانتقال الملك إليه.
أما إن قلنا: لا ينتقل الملك فلا زكاة عليه إلا أن ينفك التعلق قبل بدو الصلاح.
الصورة الثانية : أن يموت بعد ما أثمرت فيتعلق الدين بالثمرة.
ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب فقد وجبت عليه الزكاة إلا أن نقول إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر.
وإن كان قبل الوجوب فإن قلنا تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين فالحكم كذلك.
وإن قلنا: لا تنتقل فلا زكاة عليهم.
وهذه المسألة تدل على أن النماء المنفصل يتعلق به حق الغرماء بلا خلاف.
وقال في الفروع: وإن مات بعد أن أثمرت تعلق بها الدين ثم إن كان بعد وقت الوجوب ففي الزكاة روايتان وكذا إن كان قبله وقلنا تنتقل التركة مع الدين وإلا فلا زكاة انتهى.
وكذا قال ابن تميم وابن حمدان في باب زكاة الزروع والثمار.
ومنها: لو مات وله عبيد وعليه دين وأهل هلال الفطر.
فعلى المذهب فطرتهم على الورثة.
وعلى الثانية: لا فطرة لهم على أحد.
ومنها: لو كانت التركة حيوانا.
فعلى المذهب النفقة عليهم.
وعلى الثانية: من التركة كمؤنة وكذلك مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه.
ومنها : لو مات المدين وله شقص فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء.
فعلى المذهب لهم الأخذ بالشفعة.
وعلى الثانية: لا.

(5/232)


ولو كان الوارث شريك الموروث وبيع نصيب الموروث في دينه.
فعلى المذهب: لا شفعة للوارث.
وعلى الثانية: له الشفعة.
ومنها: لو وطى ء الوارث الجارية الموروثة والدين يستغرق التركة فأولدها فعلى المذهب لا حد عليه ويلزمه قيمتها.
وعلى الثانية: لا حد أيضا لشبهة الملك وعليه قيمتها ومهرها ذكره في الانتصار ففائدة الخلاف حينئذ في المهر.
ومنها: لو تزوج الابن أمة أبيه ثم قال إن مات أبي فأنت طالق وقال أبوه إن مت فأنت حرة ثم مات وعليه دين يستغرق البركة لم تعتق.
وهل يقع الطلاق؟ قال القاضي في المجرد يقع وقال ابن عقيل لا يقع.
فقول ابن عقيل: مبني على المذهب.
وقول القاضي مبني على الثانية.
وكذلك إذا لم يدبرها الأب سواء.
وقيل: يقع الطلاق على المذهب أيضا.
ومنها: لو أقر لشخص فقال له في ميراثه ألف.
فالمشهور: أنه متناقض في إقراره.
وقال في التلخيص: يحتمل أن يلزمه إذ المشهور عندنا أن الدين لا يمنع الميراث فهو كما لو قال: له في هذه التركة ألف فإنه إقرار صحيح.
وعلى هذا إذا قلنا يمنع الدين الميراث كان مناقضا بغير خلاف.
ومنها: لو مات وترك ابنين وألف درهم وعليه ألف درهم دين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم أبرأ الغريم الورثة.
فذكر القاضي أن ابن الابن يستحق نصف التركة بميراثه عن أبيه.
وذكره في موضع إجماعا وعلله في موضع بأن التركة تنتقل مع الدين فانتقل ميراث الابن إلى ابنه.
ويفهم من هذا أنه على الثانية يختص به ولد الصلب لأنه هو الباقي من الورثة.
ومنها: رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس ويحتمل بناؤه على هذا الخلاف.
فإن قلنا: ينتقل امتنع رجوعه وإن قلنا لا ينتقل رجع ولا سيما والحق هنا متعلق في الحياة تعلقا متأكدا.

(5/233)


ومنها: ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن رجل مات وخلف ألف درهم وعليه ألفا درهم وليس له وارث غير ابنه فقال ابنه لغرمائه اتركوا هذه الألف بيدي وأخروني في حقوقكم ثلاث سنين حتى أوفيكم جميع حقوقكم قال إذا كانوا استحقوا قبض هذه الألف وإنما يؤخرونه ليوفيهم لأجل فتركوها في يديه فهذا لا خير فيه إلا أن يقبضوا الألف منه ويؤخروه في الباقي ما شاؤوا.
قال في القواعد: قال: بعض شيوخنا تخرج هذه الرواية على القول بأن التركة لا تنتقل قال وإن قلنا تنتقل جاز وهو أقيس بالمذهب علله في القواعد.
ومنها: ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت دينا ونحوه.
فنص الامام أحمد رحمه الله في وديعة لا يدفعها إلا إلى الغرماء والورثة جميعا.
وهو يدل على أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودع إذا سلم الوديعة إلى الورثة وحمله القاضي على الاحتياط.
قال في القواعد: وظاهر كلامه إن قلنا التركة ملك لهم فلهم ولاية الطلب والقبض وإن قلنا ليست ملكا لهم فليس لهم الاستقلال بذلك.
وقال المجد: عندي أن النص على ظاهره لأن الورثة والغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة كالرهن والجاني فلا يجوز الدفع إلى بعضهم انتهى الكلام على الفوائد ملخصا.
قوله: "وإن ظهر غريم بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
لكن قال المصنف والشارح: هذه قسمة بان الخطأ فيها فاشبه ما لو قسم أرضا أو ميراثا بين شركاء ثم ظهر شريك آخر أو وارث آخر.
قال الأزجي: فلو كان له ألف اقتسمها غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين أحدهما رجع على كل واحد بثلث ما قبضه من غير زيادة.
وأصل هذا ما لو أقر أحد الوارثين بوارث فإنه يأخذ ما في يده إذا كان بنا وهما ابنان.
قال في الفروع: كذا قال وهو كما قال في الثانية بل هو خطأ فيها.
قال في الفروع: فظاهر كلامهم يرجع على من أتلف ما قبضه بحصته.
ثم قال: ويتوجه كمفقود رجع بعد قسمة وتلف.
وفي فتاوي المصنف: لو وصل مال الغائب فأقام رجل بينة أن له عليه دينا وأقام آخر بينة أن له عليه دينا أيضا فقال إن طالبا جميعا اشتركا وإن طالب أحدهما اختص به لاختصاصه بما يوجب التسليم وعدم تعلق الدين بماله.
قال في الفروع: ومراده ولم يطالب أصلا وإلا شاركه ما لم يقبضه.

(5/234)


قوله: "وإن بقي على المفلس بقية وله صنعه فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح.
إحداهما: يجبر وهو الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز ونظم المفردات والمنور ومنتخب الآدمي وقدمه في المحرر والفروع والحلويين وصححه في التصحيح والرعايتين وشرح ابن منجا والنظم ونصره المصنف والشارح وهو من المفردات.
والرواية الثانية لا يجبر قدمه في إدراك الغاية وشرح ابن رزين كما لا يجبر على قبول الهدية والصدقة والقرض والهبة والوصية والخلع والتزويج حتى أم ولده وأخذ الدية على قود.
وقيل: لا تسقط ديته بعفوه على غير مال أو مطلقا إن قلنا يجب بالعمد أحد شيئين.
وتقدم أنه لا يجبر على رد مبيع إذا كان فيه الأحظ.
قال في التلخيص: هو قياس المذهب.
فعلى المذهب يبقى الحجر عليه ببقاء دينه إلى الوفاء.
فائدة: الصحيح من المذهب أنه يجبر على ايجار موقوف عليه وإيجار أم ولده إذا استغنى عنها.
قال في الفروع: ويجبر على إيجار ذلك في الأصح وجزم به في المغنى والشرح والقواعد في أم الولد.
وقيل: لا يجبر وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
قوله: "ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في الفروع: ويفتقر زواله إلى حكم في الأصح وجزم به في الوجيز وشرح ابن منجا وقدمه في المغنى والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفائق.
وفيه وجه آخر يزول الحجر بقسم ماله.
تنبيه: يؤخذ من قوله: "وإن كان للمفلس حق له به شاهد فأبى أن يحلف معه لم يكن لغرمائه أن يحلفوا.
عدم وجود اليمين عليه وهو كذلك لاحتمال شبهة.

(5/235)


قوله: "الحكم الرابع انقطاع المطالبة عن المفلس فمن أقرضه شيئا أو باعه لم يملك مطالبته حتى يفك الحجر عنه".
هذا المذهب وتقدم كلامه في المبهج في الجاهل.
وتقدم رواية بصحة إقراره إذا أضافه إلى ما قبل الحجر عند قوله: "وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه".

(5/236)


قوله: "الضرب الثاني المحجور عليه لحظه وهو الصبي والمجنون والسفيه فلا يصح تصرفهم قبل الإذن".
وهذا المذهب في الجملة وعليه الأصحاب.
وظاهره أن هبة الصبي لا تصح ولو كان مميزا وهو صحيح وهو المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله متى تصج هبة الغلام قال: ليس فيه اختلاف إذا احتلم أو يصير ابن خمس عشرة سنة.
وذكر بعض الأصحاب رواية في صحة إبرائه فالهبة مثله.
ويأتي هل تصح وصيته وغيرها أم لا.
قوله: "ومن دفع إليهم يعني إلى الصبي والمجنون والسفيه ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا وإن تلف فهو من ضمان مالكه علم بالحجر أو لم يعلم".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز والمغنى والشرح وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يضمن المجنون.
وقيل: يضمن السفيه إذا جهل أنه محجور عليه.
واختار في الرعاية الصغرى الضمان مطلقا واختاره ابن عقيل ذكره الزركشي.
قلت: وهو الصواب كتصرف العبد بغير إذن سيده والفرق على المذهب عسر.
تنبيه: محل هذا إذا كان صاحب المال قد سلطه عليه كالبيع والقرض ونحوهما كما قال المصنف فأما إن حصل في أيديهم باختيار صاحبه من غير تسليط كالوديعة والعارية ونحوهما وكذلك العبد مالا فأتلفوه فقيل لا يضمنون ذلك وقدمه في الرعاية في باب الوديعة وهو احتمال في المغنى والشرح.

(5/236)


وقيل: يضمنون اختاره القاضي.
وقيل: يضمن العبد وحده.
وقد قطع في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع والتلخيص وغيرهم بضمان العبد إذا أتلف الوديعة.
وأطلق في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص الخلاف في ضمان الصبي الوديعة إذا أتلفها وكذلك أطلقه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل: يضمن العبد وحده.
وقيل: يضمن العبد والسفيه.
وأطلقهن في الفروع والفائق.
وأطلقهن المحرر في باب الوديعة.
ويأتي ذلك في كلام المصنف هناك بأتم من هذا محررا.
قوله: "فإن جنوا فعليهم أرش الجناية" بلا نزاع.
ويضمنون أيضا إذا أتلفوا شيئا لم يدفع إليهم.
قوله: "ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما بغير حكم حاكم".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه.
وقيل: لا ينفك إلا بحكم حاكم اختاره القاضي.
وقيل: لا ينفك في الصبي الا بحكم حاكم وينفك في غيره بمجرد رشده.
قوله: "والبلوغ يحصل بالاحتلام" بلا نزاع "أو بلوغ خمس عشرة سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونقله الجماعة عن الامام أحمد رحمه الله.
وحكي عنه رواية: لا يحصل البلوغ بالانبات.
وقال في الفائق: ويحصل البلوغ باكمال خمس عشرة سنة.
وعنه الذكر وحده.
قوله: "وتزيد الجارية بالحيض والحمل" بلا نزاع.
على الصحيح من المذهب.

(5/237)


قال في المحرر والفروع وحملها دليل إنزالها وقدره: أقل مدة الحمل وكذا قال الزركشي وغيرهم.
وعنه لا يحصل بلوغها بغير الحيض نقلها جماعة.
قال أبو بكر: هذا قول أول.
فائدة: لو وجد منى من ذكر خنثى مشكل فهو علم على بلوغه وكونه رجلا وإن خرج من فرجه أو حاض كان علما على بلوغه وكونه امرأة.
هذا الصحيح من المذهب وجزم به في الكافي وقدمه في المغنى والشرح وصححه في التلخيص.
قال في الرعاية: والصحيح أن الانزال علامة البلوغ مطلقا وقدمه ابن رزين في شرحه.
وقال القاضي: ليس واحدا منهما علما على البلوغ.
قال في عيون المسائل: إن حاض من فرج المرأة أو احتلم منه أو أنزل من ذكر الرجل لم يحكم ببلوغه لجواز كونه خلقة زائدة وإن حاض من فرج النساء وأنزل من ذكر الرجل فبالغ بلا إشكال انتهى.
وإن خرج المنى من ذكره والحيض من فرجه فمشكل ويثبت البلوغ بذلك على الصحيح من المذهب.
قال القاضي: يثبت البلوغ به وجزم به في الفصول والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وتذكرة ابن عبدوس والفروع وذكره في باب ميراث الخنثى وقدمه ابن رزين في شرحه وتقدم كلامه في عيون المسائل.
وقيل: لا يثبت بذلك البلوغ وأطلقهما في المغنى والشرح.
وإن خرج المنى والحيض من مخرج واحد فمشكل بلا نزاع.
وهل يثبت البلوغ بذلك؟ فيه وجهان وأطلقهما في الرعاية الصغرى والفروع والفائق.
أحدهما: لا يحصل البلوغ بذلك وقدمه في الرعاية الكبرى.
والثاني: يحصل به.
قلت: وهو أولى لأنه إن كان ذكرا فقد أمنى وإن كان أنثى فقد أمنت وحاضت وكلاهما يحصل به البلوغ.
ثم وجدت صاحب الحاوي الكبير قطع بذلك وعلله بما قلنا.
قوله: "والرشد الصلاح في المال".
يعني لا غير وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.

(5/238)


وقال ابن عقيل: الرشد الصلاح في المال والدين.
قال: وهو الأليق بمذهبنا قال في التلخيص ونص عليه.
فائدة: قوله: "ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر يعني بما يليق به ويؤنس رشده فإن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا يغبن".
يعني لا يغبن في الغالب ولا يفحش قوله وأن يحفظ ما في يديه عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالقمار والغناء وشراء المحرمات ونحوه.
قال ابن عقيل وجماعة: ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام.
قال في النهاية: أو يصرفه في صدقة تضر بعياله أو كان وحده ولم يثق بإيمانه.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إذا أخرج في مباح قدرا زائدا على المصلحة انتهى وهو الصواب.
تنبيه: دخل في كلام المصنف إذا بلغت الجارية ورشدت دفع إليها مالها وهو الصحيح من المذهب كالغلام وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه لا يدفع إلى الجارية مالها ولو بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة اختاره جماعة من الأصحاب منهم أبو بكر والقاضي وابن عقيل في التذكرة والشيرازي في الايضاح.
قال الزركشي: وهو المنصوص وأطلقهما في المذهب.
فعلى هذه الرواية إذا لم تتزوج فقيل يبقى الحجر عليها وهو احتمال للمصنف وغيره.
وقيل: تبقى ما لم تعنس.
قال القاضي: عندي أنها إذا لم تتزوج يدفع إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال وهو الصواب واقتصر عليه في الكافي وأطلقهما في الفروع.
قوله: "ووقت الاختبار قبل البلوغ".
وهذا المذهب بلا ريب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه بعده وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص.
وقيل: بعده للجارية لنقص خبرتها وقبله للغلام.
فائدة: لا يختبر إلا المميز والمراهق الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة والمفسدة وبيع الاختبار وشراؤه صحيح بلا نزاع.

(5/239)


وتقدم في أول كتاب البيع التنبيه على ذلك وحكم تصرفه بإذن وليه.
قوله: "ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب".
يستحق الأب الولاية على الصغير والمجنون بلا نزاع لكن بشرط أن يكون رشيدا ويكفى كونه مستور الحال على الصحيح من المذهب.
قال في المحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وليهما الأب ما لم يعلم فسقه.
قلت: وهو الصواب.
وقيل :يشترط عدالته ظاهرا وباطنا.
قال في المنور: وولي الصبي والمجنون الأب ثم الوصي العدلان وأطلقهما في الفروع.
تنبيه: ظاهر قوله: "ثم لوصية ثم للحاكم".
أن الجد والأم وسائر العصبات ليس لهم ولاية وهو المذهب الذي عليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر ما جزم به في المغنى والتلخيص والشرح والوجيز وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والفائق والمحرر والنظم.
وعنه للجد ولاية فعليها يقدم على الحاكم بلا نزاع ويقدم على الوصي على الصحيح.
قال في الفائق: وهو المختار وقدمه في الرعايتين والحاويين قلت وهو الصواب وجزم به في الزبدة.
وقيل يقدم الوصى عليه وأطلقهما في المحرر والفروع والنظم والفائق.
وذكر القاضي أن للأم ولاية.
وقيل لسائر العصبة ولاية أيضا بشرط العدالة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق ثم قال قلت ويشهد له حجر الابن على أبيه عند خرفه انتهى.
قلت الذي يظهر أنه حيث قلنا للأم والعصبة ولاية أنهم كالجد في التقديم على الحاكم وعلى الوصى على الصحيح.
فائدتان
إحداهما: يشترط في الحاكم ما يشترط في الأب فإن لم يكن كذلك أو لم يوجد حاكم فأمين يقوم به اختاره الشيخ تقي الدين وقال الحاكم العاجز كالعدم.
الثانية: يلي كافر عدل مال ولده الكافر على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا واختاره الأصحاب.
قال في الحاويين والفائق: ويلي الكافر العدل في دينه مال ولده على أصح الوجهين.

(5/240)


وصححه شيخنا في تصحيح المحرر وقدمه في الرعايتين.
وقيل: لا يليه وإنما يليه الحاكم وأطلقهما في المحرر والنظم والفروع.
ويأتي: هل يلي مال الذمية التي يلى نكاحها من مسلم؟ في باب أركان النكاح عند قوله: "ويلي الذمي نكاح موليته" مع ان الحكم هنا يشمله.
قوله: "ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما".
بلا نزاع فإن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة عليهما أو على من يلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به الأكثرون.
وقال في الرعايتين: ضمن في الأصح.
وقيل: لا يضمن.
قلت: وهذا ضعيف جدا.
قوله: "ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه ولا يبيعهما إلا الأب".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يجوز للوصى الشراء من مالهما إن وكل من يبيعه هو ويستقصى في الثمن بالنداء في الأسواق قاله في الرعاية.
قوله: "ولوليهما مكاتبة رقيقهما".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
إلا أنه قال في الترغيب يجوز ذلك لغير الحاكم.
تنبيه: مفهوم قوله: "وعتقه على مال".
أنه لا يجوز عتقه مجانا مطلقا وهو الصحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وعنه يجوز مجانا لمصلحة اختاره أبو بكر بأن تساوى أمة وولدها مائة ويساوي أحدهما مائة.
قلت: ولعل هذا كالمتفق عليه.
فائدة: من شرط صحة مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال أن يكون فيه حظ لهما مثل أن يساوي ألفا فيكاتبه على ألفين أو يعتقه عليهما ونحو ذلك فإن لم يكن فيه حظ لهما لم يصح.
قوله: "وتزويج إمائهما".
هذا الصحيح من المذهب.

(5/241)


قال في المغنى والشرح: وله تزويج إمائهما إذا وجب تزويجهن بأن يطلبن ذلك أو يرى المصلحة فيه وقطعا به.
قال في الفروع والرعاية الكبرى: له ذلك على الأصح وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والرعاية الصغرى والحاويين والوجيز وغيرهم.
وعنه لا يجوز ذلك.
وعنه يجوز لخوف فساده وإلا لم يجز.
فائدة: العبيد في ذلك كالاماء خلافا ومذهبا على الصحيح من المذهب.
وعنه لا يزوج الأمة وإن جاز تزويج العبد لتأكد حاجته إليها.
قلت: يحتمل العكس لرفع مؤنتها وحصول صداقها بخلاف العبد.
قوله: "والسفر بمالهما".
إذا أراد الولي السفر بمالهما فلا يخلو إما أن يسافر به لتجارة أو غيرها.
فإن سافر به لتجارة جاز لا أعلم فيه خلافا وجزم به في المغنى والشرح والكافي وغيرهم لكن لا يتجر إلا في المواضع الآمنة.
وحمل الشارح وابن منجا كلام المصنف عليه.
وإن سافر به لغير التجارة مثل أن يعرض له سفر جاز على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف وصاحب الهداية والمذهب والخلاصة والمستوعب والمحرر والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقال القاضي في المجرد: ولا يسافر به وجزم به في الكافي والمغنى والشرح.
وظاهر كلامه في الفروع: إجراء الخلاف في ذلك فإنه قال وله السفر بماله خلافا للمجرد والمغنى والكافي.
وليس بمراد لأنه قطع في الكافي والمغنى بجواز السفر به للتجارة ومنع من السفر لغيرها.
قوله: "والمضاربه به".
يعنى أن للولي أن يبيع ويشتري في مال المولى عليه بلا نزاع لكن لا يستحق أجرة بل جميع الربح للمولى عليه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: وإن اتجر بنفسه فلا أجره له في الأصح وجزم به في الكافي والرعايتين والحاويين والوجيز وقدمه في المغنى وصححه في الرعايتين والحاويين.
وقيل: يستحق الأجرة وهو تخريج في المغنى وغيره من الأجنبي واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق.

(5/242)


قلت: وهو قوى.
قوله: "وله دفعه مضاربة".
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يجوز.
قوله: "بجزء من الربح".
هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز والكافي والشرح وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: بأجرة مثله وقيل بأقلهما أختاره ابن عقيل.
قوله: "وبيعه نساء".
هذا الصحيح من المذهب بشرط أن يكون فيه مصلحة.
قال في الفروع: وله بيعه نساء على الأصح.
قال في الوجيز: وبيعه نساء مليئا برهن يحفظه وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والحاويين وغيرهم.
وعنه ليس له ذلك.
قوله: "وقرضه".
يجوز قرضه لمصلحة على الصحيح من المذهب نص عليه وهو من المفردات.
قال في الوجيز" ولمصلحة يقرضه.
قال في الفروع: وله قرضه على الأصح لمصلحة.
قال في الرعاية الكبرى: وله قرضه على الأصح مليئا وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمحرر وغيرهم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
قال في المغنى والشرح" يقرضه لحاجة سفر أو خوف عليه أو غيرهما وعنه لا يقرضه مطلقا.
قوله: "برهن".
هذا أحد الوجهين جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي والرعايتين والنظم والحاويين وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته فقال يقرضه برهن.

(5/243)


قال ناظم المفردات: قطع به في المغنى.
قال في الفروع: وسياق كلامهم لحظه.
وقال في المستوعب: وفي قرضه برهن وإشهاد روايتان.
وقال في الترغيب: وفي قرضه برهن روايتان انتهى.
والصحيح من المذهب: جواز قرضه للمصلحة سواء كان برهن أولا وجزم به في الوجيز وقدمه في الشرح والفروع.
قال في المحرر: ويملك قرضه.
قال في الكافي: فإن لم يأخذ رهنا جاز في ظاهر كلامه واقتصر عليه وأطلقهما في الفائق.
فوائد
الأولى: قال في المغنى والشرح فإن أمكن أخذ الرهن فالأولى له أخذه احتياطا فإن تركه احتمل أن يضمن إن ضاع المال لتفريطه واحتمل ان لا يضمن لأن الظاهر سلامته.
وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله لكونه لم يذكر الرهن.
قلت: إن رأى المصلحة وأقرضه ثم تلف لم يضمن وأطلقهما في الفائق.
الثانية: يجوز إيداعه مع إمكان قرضه ذكره في المغنى والشرح.
قال في الفروع: فظاهره متى جاز قرضه جاز إيداعه.
وظاهر كلام الأكثر: يجوز إيداعه لقولهم "يتصرف بالمصلحة" وقد يراه مصلحة ولهذا جاز مع إمكان قرضه إن يملكه الشريك في إحدى الروايتين دون القرض لأنه تبرع والوديعة استنابة في حفظ ولا سيما ان جاز للوكيل التوكيل ولهذا يتوجه في المودع رواية ويتوجه أيضا في قرض الشريك رواية.
قال: وقال: في الكافي لا يودعه إلا لحاجة ويقرضه لحظه بلا رهن وأنه لو سافر أودعه وقرضه أولى انتهى.
الثالثة: حيث قلنا يقرضه فلا يقرضه لمودة ومكافأة نص عليه.
الرابعة: قال في الرعاية الكبرى وغيره ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا ويأتي في باب الشفعة أنه يلزمه أن يأخذ بالشفعة إذا كان ذلك أحظ.
الخامسة: يجوز رهن مالهما للحاجة عند ثقة وللأب أن يرتهن مالهما من نفسه ولا يجوز لغيره على المذهب.
وفي المغنى رواية بالجواز لغيره.
قال الزركشى: وفيها نظر.

(5/244)


قوله: "وشراء العقار لهما وله بناؤه بما جرت عادة أهل بلدة به".
هكذا قال المصنف في المغنى والشرح وصاحب الرعايتين والحاويين والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم.
قال المصنف والشارح وقال أصحابنا يبنيه بالآجر والطين ولا يبنيه باللبن وحملا كلامهم على من عادتهم ذلك وهو أولى.
وأجراه في الفائق على ظاهره وجعل الأول اختيار المصنف.
قوله: "وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه".
وهو المذهب يعنى يستحب له شراؤها.
قال في الفروع: والتضحية له على الأصح وجزم به في الوجيز والمحرر والرعايتين والحاويين هنا وقدمه في المغنى والشرح والنظم.
وعنه لا يجوز له ذلك.
قال المصنف في المغنى: يحتمل أن يحمل كلام الإمام أحمد رحمه الله في الروايتين على حالين.
فالموضع الذي منع منه إذا كان الطفل لا يعقل التضحية ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها.
والموضع الذي أجازها عكس ذلك انتهى.
وذكره في النظم قولا وأطلق الروايتين في المستوعب والرعاية في باب الأضحية.
وذكر في الانتصار عن الامام أحمد رحمه الله: تجب الأضحية عن اليتيم الموسر.
فعلى المذهب يحرم عليه الصدقة منها بشيء قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم فيعايى بها.
قلت: ولو قيل بجواز التصدق منها بما جرت العادة به لكان متجها على ما تقدم التنبيه عليه في بابه.
فائدتان
إحداهما: له تعليمه ما ينفعه ومداواته بأجرة لمصلحة في ذلك وحمله بأجر ليشهد الجماعة قاله في المجرد والفصول واقتصر عليه أيضا في الفروع.
قال في المذهب له أن يأذن له بالصدقة بالشيء اليسير واقتصر عليه أيضا في الفروع.
الثانية: للولي أن يأذن للصغيرة أن تلعب باللعب إذا كانت غير مصورة وشراؤها لها بمالها نص عليهما وهذا المذهب.

(5/245)


وقيل: من ماله وصححه الناظم في آدابه.
وهما احتمالان مطلقان في التلخيص في باب اللباس.
قوله: "ولا يبيع عقارهم إلا لضروره أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعدا".
اشترط المصنف رحمه الله لجواز بيع عقارهم وجود أحد شيئين إما الضرورة وإما الغبطة.
فأما الضرورة فيجوز بيعه لها بلا نزاع ولكن خص القاضي الضرورة باحتياجهم إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دين أو مالا بد منه.
وقال غيره: أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب أو نحوه.
ومفهوم كلام المصنف أنه لا يجوز إذا لم تكن ضرورة وهو أحد الوجهين اختاره القاضي وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والحاويين والرعاية الصغرى وغيرهم وكلامهم ككلام المصنف وقدمه في الرعاية الكبرى.
والصحيح من المذهب جواز بيعه إذا كان فيه مصلحة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
واختاره المصنف في غير هذا الكتاب واختاره الشارح والفائق ومال إليه في الرعاية الكبرى.
قال الناظم: هذا أولى وقدمه في الفروع.
وأما الغبطة فيجوز بيعه لها بلا نزاع لكن اشترط المصنف أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعدا وهو أحد الوجهين وجزم به في الهداية والخلاصة والهادي والحاويين.
وقال القاضي: بزيادة كثيرة ظاهرة على ثمن مثله ولم يقيده بالثلث ولا غيره وقدمه في الرعايتين.
والصحيح من المذهب جواز بيعه إذا كان فيه مصلحة نص عليه كما تقدم سواء حصل زيادة أولا اختاره المصنف والشارح والشيخ تقي الدين والناظم.
قال في الرعاية الكبرى هذا نصه ومال إليه وقدمه في الفروع والفائق.
قوله: "ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد عليه الحجر".
بلا نزاع ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله.

(5/246)


قوله: "ولا ينظر في ماله إلا الحاكم".
هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: ينظر فيه الحاكم أو أبوه.
قال ابن أبي موسى: حجر الأب على ابنه البالغ السفيه واجب على أصوله حاكما كان أو غير حاكم.
وقيل: ينظر فيه وليه الأول كما لو بلغ سفيها.
وقيل: إن زال الحجر بمجرد رشده بلا حكم عاد بالسفه.
فائدة: لو جن بعد رشده فوليه ولي الصغير على الصحيح من المذهب.
وقيل: الحاكم قدمه في الرعاية الكبرى.
وقال في الانتصار: يلي على أبويه المجنونين.
ونقل المروذي: أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف أو كان يضع ماله في الفساد أو شراء المغنيات.
قوله: "ولا ينفك الحجر إلا بحكم".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الفروع: يفتقر إلى حكم في الأصح.
قال الزركشي: هذا الصحيح وجزم به في المنتخب وغيره وقدمه في الشرح وغيره.
وقيل: ينفك عنه الحجر بمجرد رشده اختاره أبو الخطاب.
وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده في غير السفيه فأما في السفيه فلا بد من الحكم بفكه.
تنبيه: مفهوم قوله: "ويصح تزوجه بإذن وليه أنه لا يصح بغير إذنه وله حالتان".
إحداهما: أن يكون محتاجا إلى الزواج فيصح تزوجه بغير إذنه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: يصح في الأصح وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
وقيل: لا يصح وهو ظاهر كلام المصنف هنا وصاحب الهداية والمذهب والخلاصة والكافي وغيرهم لأنهم قالوا يصح بإذنه.

(5/247)


وقال القاضي يصح بغير إذنه وأطلقهما في البلغة.
والحالة الثانية: أن لا يكون محتاجا إليه فلا يصح تزوجه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: لم يصح في الأصح وجزم به في المغنى والشرح في باب أركان النكاح وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي وغيرهم.
وقيل: يصح واختاره القاضي وقدمه ابن رزين في شرحه.
قال في الوجيز: ويصح تزوجه وأطلق وأطلقهما في البلغة.
فوائد
الأولى: للولي تزويج السفيه بغير إذنه إذا كان محتاجا إليه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: وله تزويج سفيه بلا إذنه في الأصح.
قال الشارح في باب أركان النكاح: قال أصحابنا: يصح تزويجه من غير إذنه لأنه عقد معاوضة فملكه أولى كالبيع وكذا قال المصنف في المغنى.
وقيل: ليس له ذلك اختاره المصنف والشارح.
قال في الرعاية الكبرى: والمنع أقيس.
قلت: وهو الصواب وأطلقهما في الرعايتين في باب النكاح.
فعلى المذهب في إجباره وجهان وأطلقهما في الفروع والبلغة والرعايتين والحاوي الصغير في النكاح.
قلت: الأولى الأجبار إذا كان أصلح له.
وقال ابن رزين في شرحه في النكاح: والأظهر أنه لا يجبره لأنه لا مصلحة فيه.
وظاهر نقل المصنف في المغنى والشارح أن الأصحاب قالوا: له اجباره.
الثانية: لو اذن له ففي لزوم تعيين المرأة وجهان وأطلقهما في الفروع.
أحدهما : لا يلزمه بالتعيين بل هو مخير وهو الصحيح.
قال في المغنى والشرح: الولي مخير بين أن يعين له المرأة أو يأذن له مطلقا ونصراه وهو الصواب وجزم به ابن رزين في شرحه.
والوجه الثاني: يلزمه تعيين المرأة له ويتقيد بمهر المثل على الصحيح من المذهب ويحتمل لزومه زيادة اذن فيها كتزويجه بها في أحد الوجهين.
والثاني: تبطل هي للنهي عنها فلا يلزم أحدا.
قلت: ويحتمل أن تلزم الولي.
وإن عضله الولي استقل بالزواج كما تقدم قريبا.

(5/248)


ويأتي بعض ذلك في باب أركان النكاح.
الثالثة: لو علم من السفيه أنه يطلق إذا زوج اشترى له أمة.
الرابعة: يصح خلعه كطلاقه وظهاره ولعانه وإيلائه لكن لا يقبض العوض فإن قبضه لم يصح قبضه على الصحيح من المذهب.
وقال القاضي: يصح.
فعلى المذهب لو أتلفه لم يضمن ولا تبرأ المرأة بدفعها إليه.
الخامسة: لو وجب على السفيه كفارة كفر بالصوم على الصحيح من المذهب كالمفلس.
قلت: فيعايى بها.
وقيل: يكفر به إن لم يصح عتقه على ما يأتي قريبا.
فعلى المذهب لو فك عنه الحجر قبل التكفير وقدر على العتق أعتق.
السادسة: ينفق عليه بالمعروف فإن افسدها دفع إليه يوما بيوم فلو أفسدها أطعمه بحضوره.
وإن أفسد كسوته ستر عورته فقط في البيت إن لم يمكن التحيل ولو بتهديد وإذا رآه الناس ألبسه فإذا عاد نزع عنه.
السابعة: يصح تدبيره ووصيته على الصحيح من المذهب.
وقيل: لا يصح.
ويأتي وصيته في كتاب الوصايا في كلام المصنف.
قوله: "وهل يصح عتقه؟ على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص والحاوي الصغير.
إحداهما: لا يصح وهو المذهب صححه في التصحيح.
قال الزركشي في كتاب العتق هذا أصح الروايتين وجزم به في الوجيز وغيره واختاره المصنف والشارح.
قال في الرعاية الكبرى: يصح عتقه على الأضعف.
قال في الفائق: ولا ينفذ عتقه في أصح الروايتين وصححه في النظم وقدمه في الكافي وغيره.
والرواية الثانية: يصح اختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في التبصرة على ما تقدم في كتاب البيع.

(5/249)


قال في الرعاية الصغرى والحاوي الكبير: ويصح عتقه المنجز في أصح الروايتين.
وتقدم هل يصح بيعه إذا أذن له الولي في كتاب البيع.
قوله: "وإن أقر بحد أو قصاص صح وأخذ به".
إذا أقر بحد استوفى منه بلا نزاع وإن أقر بقصاص فطلب إقامته كان لربه استيفاء ذلك بلا نزاع.
لكن لو عفا على مال احتمل أن يجب واحتمل أن لا يجب لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الاقرار بالمال وقاعدة المذهب سد الذرائع وهو الصواب وأطلقهما في المغنى والشرح والرعاية الكبرى والفروع.
فائدة: لا يفرق السفيه زكاة ماله بنفسه ولا تصح شركته ولا حوالته ولا الحوالة عليه ولا ضمانه ولا كفالته.
ويصح منه نذر كل عبادة بدنية من حج وغيره.
ولا يصح منه نذر عبادة مالية على الصحيح من المذهب.
وقيل: يصح نذرها وتفعل بعد فك حجره.
قال في الكافي: قياس قول اصحابنا يلزمه الوفاء به عند فك حجره كالاقرار.
وتقدم في أوائل كتاب الحج "إذا أحرم السفيه نفلا".
قوله: "وإن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره".
يعني يصح إقراره ولا يلزمه في حال حجره وهذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
قال في الفروع: والأصح صحة إقراره بمال لزمه باختيار أو لا.
قال في الوجيز: وإن أقر بدين أو بما يوجب مالا لزمه بعد حجره إن علم استحقاقه في ذمته حال حجره وقدمه في الشرح وشرح ابن منجا والرعاية وغيرهم.
قوله: "ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا".
وإليه ميل الشارح واختاره المصنف.
فعلى هذا لا يصح إقراره بمال.
وتقدم بعض أحكام السفيه في أوائل كتاب البيع.
تنبيه: ظاهر قوله: "وللولي أن يأكل من مال المولى عليه".
ولو لم يقدره الحاكم وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب بشرطه الآتي.

(5/250)


وقال في الايضاح يأكل إذا قدره الحاكم وإلا فلا.
تنبيه آخر: ظاهر قوله: "ويأكل بقدر عمله".
جواز أكله بقدر عمله ولو كان فوق كفايته وعلى ذلك شرح ابن منجا وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب.
والصحيح من المذهب أنه لا يأكل إلا الأقل من أجره مثله أو قدر كفايته جزم به في الخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم من الأصحاب.
قلت: ويمكن أن يقال هذا الظاهر مردود بقوله: "إذا احتاج إليه لأنه إذا أخذ قدر عمله وكان أكثر من كفايته لم يكن محتاجا إلى الفاضل عن كفايته فلم يجز له أخذه وهو واضح.
أو يقال: هل الاعتبار بحاله الأخذ ويحتمله كلام المصنف أو حيث استغنى امتنع الأخذ؟.
قوله: "إذا احتاج إليه".
الصحيح من المذهب أنه لا يأكل من مال المولى عليه الا مع فقرة وحاجته وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في الوجيز: ويأكل الفقير من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجانا إن شغله عن كسب ما يقوم بكفايته وكذا قال غيره من الأصحاب.
وقال ابن عقيل: يأكل وإن كان غنيا قياسا على العامل في الزكاة وقال: الآية محمولة على الاستحباب وحكاه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقال ابن رزين: يأكل فقير ومن يمنعه من معاشه بالمعروف.
تنبيه: محل ذلك في غير الأب فأما الأب فيجوز له الأكل مع الحاجة وعدمها في الحكم ولا يلزمه عوضه على ما يأتي في باب الهبة.
قال القاضي: ليس له الأكل لأجل عمله لغناه عنه بالنفقه الواجبه في ماله ولكن له الأكل بجهة التملك عندنا.
وضعف ذلك الشيخ تقي الدين رحمه الله.
ومحل الخلاف أيضا إذا لم يفرض له الحاكم فإن فرض له الحاكم شيئا جاز له أخذه مجانا مع غناه بغير خلاف قاله في القاعدة الحادية والسبعين وقال: هذا ظاهر كلام القاضي.
ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية البرزاطي في الأم الحاضنة.
قوله: "وهل يلزمه عوض ذلك إذا أيسر على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب وشرح ابن منجا والمحرر والفائق والقواعد الفقهية.

(5/251)


إحداهما: لا يلزمه عوضه إذا أيسر وهو الصحيح من المذهب.
وقال في الفروع: ولا يلزمه عوضه بيساره على الأصح وصححه المصنف والشارح وصاحب التصحيح واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والحاويين.
والرواية الثانية: يلزمه عوضه إذا أيسر.
قال في الخلاصة: ويلزمه عوضه إذا أيسر على الأصح.
قوله: "وكذلك يخرج في الناظر في الوقف".
خرجه أبو الخطاب وغيره.
والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي الحارث وحرب جواز الأكل منه بالمعروف قاله في الفروع وغيره.
قال في الفائق بعد ذكر التخريج: قلت: وإلحاقه بعامل الزكاة في الأكل مع الغنى أولى كيف وقد نص الإمام أحمد على أكله منه بالمعروف ولم يشترط فقرا؟ ذكره الخلال في الوقف.
قال في رواية أبي الحارث: وإن أكل منه بالمعروف فلا بأس قلت فيقضي دينه قال ما سمعت فيه شيئا انتهى.
وعنه يأكل إذا اشترط.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا يقدم بمعلومة بلا شرط إلا أن يأخذ أجره عمله مع فقره كوصي اليتيم.
وفرق القاضي بين الوصي والوكيل لأنه يمكنه موافقته على الأجرة والوكيل يمكنه.
ونقل حنبل في الولي والوصي يقومان بأمره يأكلان بالمعروف لأنهما كالأجير والوكيل.
وظاهر هذا النفقة للوكيل.
فائدتان
إحداهما: الحاكم أو أمينه إذا نظر في مال اليتيم فقال القاضي مرة لا يأكل وإن أكل الوصي فرق بينه وبين الوصي.
وقال مرة: له الأكل كوصى الأب.
قلت: وهو الصواب وهو داخل في عموم كلام المصنف وغيره.
الثانية: الوكيل في الصدقة لا يأكل منها شيئا لأجل العمل نص عليه.
وقد صرح القاضي في المجرد بأن من أوصى إليه بتفرقة مال على المساكين أو دفع إليه رجل في حياته مالا ليفرقه صدقة لم يجز له أن يأكل منه شيئا بحق قيامه لأنه منفعة وليس بعامل منم مثمر.

(5/252)


قوله: "ومتى زال الحجر فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا فالقول قول الولي" بلا نزاع.
جزم به الأصحاب منهم صاحب الفروع وقال ما لم تخالفه عادة وعرف ويحلف غير الحاكم على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: ويحلف غير الحاكم على الأصح.
قال في الرعاية: وغير الحاكم يحلف على المذهب إن اتهم.
وعنه يقبل قوله من غير يمين.
قوله: "وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده".
وهو المذهب قاله المصنف والشارح وجزم به في الوجيز وشرح ابن منجا والهداية والخلاصة وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
قال في القواعد وغيره: هذا المذهب.
ويحتمل أن لا يقبل قوله إلا ببينه.
قلت: وهو قوى.
قال في القاعدة الرابعة والأربعين: وخرج طائفة من الأصحاب في وصى اليتيم أنه لا يقبل قوله في الرد بدون بينة وعزاه القاضي في خلافه إلى قول الخرقي.
وهو متوجه على هذا المأخذ لأن الإشهاد بالدفع مأمور به بنص القرآن.
وقد صرح أبو الخطاب في انتصاره باشتراط الشهادة عليه كالنكاح انتهى.
تنبيه: محل هذا إن كان متبرعا.
فأما إن كان بجعل فلا يقبل قوله إلا ببينة على الصحيح من المذهب ذكره في المحرر والفروع والفائق وغيرهم في الرهن.
وقيل: يقبل مطلقا وهو ظاهر كلام المصنف وجماعة.
فائدة: يقبل قول الأب والوصي والحاكم وأمينه وحاضن الطفل وقيمه حال الحجر وبعده في النفقة وقدرها وجوازها ووجود الضرورة والغبطة والمصلحة في البيع والتلف.
ويحتمل أن لا يقبل قوله: "إلا في الأحظية في البيع إلا ببينه فلو قال مات أبي من سنة أو قال أنفقت علي من سنة فقال الوصي بل من سنتين قدم قول الصبي.
قوله: "وهل للزوج أن يحجر على أمرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها على روايتين".

(5/253)


وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والرعاية الكبرى.
أحداهما: ليس له منعها من ذلك وهو المذهب اختاره المصنف والشارح وصححه في التصحيح والفائق والنظم وجزم به في الوجيز ونهاية ابن رزين ونظمها وغيرهم وقدمه في الفروع والمحرر ذكره في آخر باب الهبة.
قال في تجريد العناية: وتتصدق من مالها بما شاءت على الأظهر.
والرواية الثانية له منعها من الزيادة على الثلث فلا يجوز لها ذلك إلا بإذنه ونصره القاضي وأصحابه وصححه في الخلاصة وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين.
تنبيهان
أحدهما: محل الخلاف إذا كانت رشيدة فأما غير الرشيدة فهي ممنوعة مطلقا.
الثاني مفهوم قوله: "بما زاد على الثلث" أنه لا يحجر عليها في التبرع بالثلث فأقل وهو صحيح وهو المذهب.
قال في الكافي: وهو قول أصحابنا وصححه في الفائق وغيره وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وهو ظاهر كلام اكثر الأصحاب.
وعنه له ذلك صححها في عيون المسائل فلا ينفذ عتقها وأطلقهما في الكافي.
ويأتي في آخر الباب "إذا تبرعت من مال زوجها".
قوله: "يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين".
وهي المذهب وعليه الأصحاب.
والرواية الثانية: لا يجوز.
قوله: "ويجوز ذلك لسيد العبد بلا نزاع".
قوله: "ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه".
ينفك عنهما الحجر فيما أذن لهما فيه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم ونص عليه.
وفي طريقة بعض الأصحاب لا ينفك الحجر عنهما لأنه لو انفك لما تصور عودة ولما اعتبر علم العبد بإذنه.
قوله: "وفي النوع الذي أمرا به".
يعني ينفك عنهما الحجر في النوع الذي أمرا به فقط وهذا المذهب وعليه الأصحاب.

(5/254)


وذكر في الانتصار رواية أنه إن أذن لعبده في نوع ولم ينهه عن غيره ملكه.
فائدة: قال في الفروع وظاهر كلامهم انه كمضارب في البيع نسيئة وغيره.
قوله: "وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا أن يتوكل لغيره".
بلا نزاع لكن في جواز إجارة عبيده وبهائمه خلاف في الإنتصار.
قوله: "وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له".
بلا نزاع لكن قال الشيخ تقي الدين الذي ينبغي أن يقال فيما إذا رأى عبده يبيع فلم ينهه وفي جميع المواضع أنه لا يكون إذنا ولا يصح التصرف ولكن يكون تغريرا فيكون ضامنا بحيث إنه ليس له أن يطالب المشتري بالضمان فإن ترك الواجب عندنا كفعل المحرم كما نقول فيمن قدر على إنجاء إنسان من هلكة بل الضمان هنا أقوى.
قوله: "وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على وجهين".
وهما مبنيان على الخلاف في جواز توكيل الوكيل على ما يأتي في بابه.
وهذه طريقة الجمهور منهم المصنف والشارح وصاحب الهداية.
والمستوعب والفروع وابن منجا في شرحه وغيرهم وصاحب التلخيص أيضا في هذا الباب.
وقال في التلخيص في باب الوكالة: ليس له أن يوكل بدون إذن أو عرف جعله أصلا في عدم توكيل الوكيل.
فائدة: هل للصبي المأذون له أن يوكل؟ قال في الكافي هو كالوكيل.
قلت: لو قيل بعدم جوازه مطلقا لكان متجها.
قوله: "وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه وعنه يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمه سيدة؟ على روايتين".
ذكر المصنف للعبد إذا استدان حالتين.
إحداهما: أن يكون غير مأذون له فلا يصح تصرفه لكن إن تصرف في عين المال إما لنفسه أو للغير فهو كالغاصب أو كالفضولي على ما هو مقرر في مواضعه.
وإن تصرف في ذمته بشراء أو قرض لم يصح على الصحيح من المذهب.
وعنه يصح ويتبع به بعد عتقه ذكره في الفروع في كتاب البيع.
وذكر المصنف الخلاف وصاحب الشرح وغيرهما احتمالين وصاحب التلخيص وجهين.

(5/255)


فعلى المذهب إن وجد ما أخذه فله أخذه منه ومن السيد إن كان بيده فإن تلف من العبد في يد السيد رجع عليه بذلك وإن شاء كان متعلقا برقبة العبد قاله المصنف وغيره.
وإن أهلكه العبد فقدم المصنف أنه يتعلق برقبته يفديه سيده أو يسلمه وهو المذهب ونقله الجماعه عن الامام أحمد رحمه الله وعليه أكثر الأصحاب منهم الخرقي وأبو بكر وغيرهما وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي: هذا المشهور وهو من المفردات.
والرواية الثانية: يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق وقدمه في الخلاصة وأطلقهما في الهداية والمذهب والمغنى والشرح والتلخيص والزركشي وتقدم رواية حنبل.
وعنه إن فداه فداه بكل الحق بالغا ما بلغ ذكرها في التلخيص وغيره.
وعنه إن علم رب العين أنه عبد فلا شيء له نص عليه في رواية حنبل كما تقدم.
فعلى المذهب: لو أعتقه سيده فعلى السيد الذي عليه نقله أبو طالب واقتصر عليه في الفروع.
وعلى الرواية الثانية في أصل المسألة وهو صحة تصرفه إذا تلف ضمنه بالمسمى.
وعلى المذهب يضمنه بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته.
وعلى الرواية الثالثة أيضا: إن وجده في يد العبد انتزعه صاحبه منه لتحقق إعساره قاله المصنف والشارح وصاحب التلخيص وغيرهم.
وإن كان في يد السيد لم ينتزع منه على الصحيح من المذهب جزم به المصنف والشارح وغيرهما.
قال الزركشي: هذا المشهور.
واختار صاحب التلخيص جواز الانتزاع منه انتهى.
وإن تلف في يد السيد لم يضمنه وهل يتعلق ثمنه برقبة العبد أو بذمته على الخلاف المتقدم وكذا إن تلف في يد العبد المسمى فمقتضى كلام المجد أنه لا يتبرع وإن كان بيد العبد وإن الثمن يتعلق بذمته قاله الزركشي.
قال: ويظهر قول المجد: إن علم البائع أو المقرض بالحال وإن لم يعلم فيتوجه قول الأكثرين.
الحالة الثانية: أن يكون مأذونا له ويستدين فيتعلق بذمة سيده على الصحيح من المذهب لأنه تصرف لغيره ولهذا له الحجر عليه وتصرف في بيع خيار بفسخ أو إمضاء وثبوت الملك وينعزل وكيله بعزل سيده للموكل فلذلك تعلق بذمة سيده وعليه أكثر الأصحاب وجزم به الخرقي وصاحب الوجيز والمنور وناظم المفردات وغيرهم.

(5/256)


قال الزركشي: هذا المشهور من الروايات واختيار القاضي والخرقي وأبي الخطاب وغيرهم وقدمه في الخلاصة والرعايتين والفروع والحاويين وغيرهم وصححه في التصحيح والنظم وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
وعنه يتعلق برقبته وأطلقهما المصنف هنا وصاحب الهداية والمذهب والتلخيص والشرح والزركشي وغيرهم.
قال الزركشي: وبنى الشيخ تقي الدين رحمه الله الروايتين على أن تصرفه مع الإذن هل هو لسيده فيتعلق بذمته كوكيله أو لنفسه فيتعلق برقبته على روايتين انتهى.
وعنه يتعلق بذمة سيده وبرقبته.
وذكر في الوسيلة رواية يتعلق بذمة العبد.
ونقل صالح وعبد الله: يؤخذ السيد بما استدان لما أذن له فيه فقط.
ونقل ابن منصور: إذا أدان فعلى سيده وإن جنى فعلى سيده.
وقال في الروضة: إن أذن مطلقا لزمه كل ما ادان وإن قيده بنوع لم يذكر فيه استدانه فبرقبته كغير المأذون.
تنبيهات
الأول: يكون التعلق بالدين كله على الصحيح من المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله واختاره جماعة من الأصحاب وقدمه في الفروع وهو ظاهر كلام الأصحاب.
وفي الوسيلة يتعلق بقدر قيمته ونقله مهنا.
الثاني: محل الخلاف المتقدم في الحالتين إنما هو في الديون.
أما أروش جنايته وقيم متلفاته فتتعلق برقبته رواية واحدة قاله المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع.
وتقدم قريبا رواية ابن منصور إن جنى فعلى سيده.
الثالث: عموم كلام المصنف وكثير من الأصحاب يقتضى جريان الخلاف وإن كان في يده مال وهو صحيح وقطع به المصنف والشارح وغيرهما.
وجعل ابن حمدان في رعايته محل الخلاف فيما إذا عجز ما في يده عن الدين.
فائدتان
أحداهما: حكم ما استدانه أو اقترضه بإذن السيد حكم ما استدانه للتجارة بإذنه قاله المصنف والشارح والناظم وصاحب الرعاية وغيرهم.

(5/257)


وقطع في التلخيص والبلغة بلزومه للسيد وكذا قال الشيخ تقي الدين وهو ظاهر كلام المجد.
الثانية: لا فرق فيما استدانه بين أن يكون فيما أذن له فيه أو في الذي لم يؤذن له فيه كما لو أذن له في التجارة في البر فيتجر في غيره قاله المصنف والشارح وصاحب الرعاية والفروع وغيرهم ونقله أبو طالب.
قال الزركشي: وفيه نظر وهو كما قال.
قوله: "وإن باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين".
وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وغيره واختاره ابن عبدوس وغيره وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والنظم وغيرهم.
قوله: "ويصح في الآخر إذا كان عليه دين بقدر قيمته".
وهو رواية في الرعاية والحاوي والفائق وغيرهم وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغنى والتلخيص والشرح وشرح ابن منجا وغيرهم.
وقيل: يصح مطلقا ذكره في الفروع.
وأما شراء السيد من عبده فيأتي في كلام المصنف في المضاربة في قوله: "وكذا شراء السيد من عبده.
فائدة: لو ثبت على عبد دين زاد في الرعاية أو أرش جناية ثم ملكه من له الدين أو الأرش سقط عنه ذلك على الصحيح من المذهب قدمه في الرعايتين وغيره.
وقيل: لا يسقط وأطلقهما في المحرر والفروع ذكروه في كتاب الصداق.
قوله: "ويصح اقرار المأذون في قدر ما أذن له فيه".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: إنما يصح إقرار الصبي فيما أذن له فيه من التجارة إن كان يسيرا.
وأطلق في الروضة صحة إقرار المميز.
وذكر الأدمي البغدادي: أن السفيه والمميز إن أقرا بحد أو قود أو نسب أو طلاق لزم وإن أقرا بمال أخذ بعد الحجر.
قال في الفروع كذا قال وإنما ذلك في السفيه وهو كما قال.
ويأتي ذلك في كتاب الاقرار بأتم من هذا.

(5/258)


ويأتي هناك إقرار العبد غير المأذون له في كلام المصنف.
قوله: "وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فاقر به صح".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والتلخيص والشرح والرعايتين والحاويين والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقال: ذكره الأزجي وصاحب الترغيب وغيرهما.
وقيل: إنما ذلك في الصبي في الشيء اليسير.
ومنع في الانتصار عدم الصحة ثم سلم ذلك.
فائدة: لو اشترى من يعتق على سيده بلا إذنه صح.
قال في الرعاية الكبرى: صح في الأصح وجزم به في الهداية ورءوس المسائل له.
وأقره في شرح الهداية وجزم به أيضا في المذهب والمستوعب والخلاصة وقدمه ابن رزين في شرحه في باب المضاربة.
وقيل: لا يصح صححه في النظم وشيخنا في تصحيح المحرر واختاره القاضي قاله المجد في شرحه والمصنف في المغنى وأطلقهما في المغنى والشرح في باب المضاربة والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين والفائق والفروع وزاد لو اشترى من يعتق على امرأته وزوج صاحبة المال.
وقال في الرعاية الكبرى: في باب الكتابة وإن اشترى زوجته انفسخ نكاحها وإن اشترى زوجة سيده احتمل وجهين انتهى.
وكذا الحكم لو اشترى امرأة سيده أو صاحبة المال قاله في المغنى والشرح وشرح ابن منجا وغيرهم في باب المضاربة.
فعلى الأول: لو كان عليه دين فقيل يباع فيه قدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: يعتق وهو احتمال في الرعاية وأطلقهما في الفروع.
ويأتي نظيرها "لو اشترى المضارب من يعتق على رب المال في المضاربة".
وقد تقدم في اول كتاب الزكاة هل يملك العبد بالتمليك أم لا؟ وذكرنا هناك فوائد جمة ذكرها أكثر الأصحاب هنا فلتراجع هناك.
قوله: "ولا يبطل الإذن بالإباق".
هذا الصحيح من المذهب.

(5/259)


قال في الفروع: ولا يبطل اذنه بإباقة في الأصح واختاره القاضي وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق وتذكرة ابن عبدوس.
وقيل: يبطل اختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المستوعب.
قلت: وهو الصواب وأطلقهما في التلخيص.
فائدة: لو دبره أو استولدها لم يبطل إذنه جزم به في الفروع.
وفي بطلان إذنه بكتابة وحرية وأسر خلاف في الانتصار.
وفي الموجز والتبصرة: يزول ملكه بحرية وغيرها كحجر على سيده.
وقال في الرعاية الكبرى والمستوعب: يبطل إذنه بخروجه عن ملكه ببيع او هبة أو صدقة أو سبى وجزما بأنه يبطل إذنه بإيلادها وهو بعيد.
قوله: "ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب" بلا نزاع.
قوله: "ويجوز يعني للعبد هديته للمأكول وإعارة دابته".
وكذا عمل دعوة ونحوه من غير إسراف في الكل وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل: لا يجوز اختاره الأزجي.
قوله: "وهل لغير المأذون له الصدقة من قوته بالرغيف إذا لم يضر به على روايتين".
يعني للعبد وأطلقهما في الهداية والمذهب والمغنى والشرح والتلخيص والفائق.
إحداهما: يجوز له ذلك وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم وغيرهما واختاره ابن عبدوس وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المستوعب والخلاصة والمحرر والفروع والرعايتين والحاويين وغيرهم.
والرواية الثانية: لا يجوز.
فائدة: لا تصح هبة العبد إلا بإذن سيده نص عليه في رواية حنبل.
قال الحارثي: وهذا على كلا الروايتين الملك وعدمه.

(5/260)


قوله: "وهل للمراة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك؟ على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والكافي والتلخيص والفائق.
إحداهما: يجوز وهو المذهب وصححه المصنف والشارح وصاحب التصحيح والنظم وغيرهم.
قال الناظم وغيره: لها ذلك ما لم يمنعها وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره وقدمه في المستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع.
وقال: والمراد إلا أن يضطرب العرف ويشك في رضاه أو يكون بخيلا وتشك في رضاه فلا يصح.
والرواية الثانية: لا يجوز نقلها أبو طالب كصدقة الرجل من طعام المرأة وكمن يطعمها بفرض ولم يعلم رضاه.
قال في الفروع ولم يفرق الإمام أحمد رحمه الله.

(5/261)


باب الوكالة
فائدة: الوكالة عبارة عن إذن في تصرف يملكه الآذن فيما تدخله النيابة قاله في الرعاية الكبرى.
وقال في الوجيز: هي عبارة عن استنابة الجائز التصرف مثله فيما له فعله حال الحياة.
وقال الزركشي: هي في الاصطلاح التفويض في شيء خاص في الحياة وليس بجامع.
وقال في المستوعب هي عبارة عن استنابة الغير فيما تدخله النيابة.
قوله: "تصح الوكالة بكل قول يدل على الأذن".
كقوله: "وكلتك في كذا" أو فوضته إليك أو أذنت لك فيه أو بعه أو أعتقه أو كاتبه ونحو ذلك وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
ونقل جعفر: إذا قال بع هذا ليس بشيء حتى يقول قد وكلتك.
قال في المغنى ومن تبعه قبل قول الخرقي: وإذا وكله في طلاق زوجته بسطرين هذا سهو من الناسخ.
وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظ التوكيل وهو الذي نقله الجماعة انتهى.
وتأوله القاضي على التأكيد لنصه على انعقاد البيع باللفظ والمعاطاة فكذا الوكالة.

(5/261)


قال ابن عقيل: هذا دأب شيخنا أن يحمل كلام الإمام أحمد رحمه الله على أظهره ويصرفه عن ظاهره والواجب أن يقال: كل لفظ رواية ويصحح الصحيح.
قال الأزجي: ينبغي أن يقول في المذهب على هذا حتى لا يصير المذهب رواية واحدة وقال الناظم:
وكل مقال يفهم منه الإذن صححن ... به عقدها من مطلق ومقيد
وعنه سوى فوضت أمر كذا له ... ووكلته فيه ارددنه فنقد
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره عدم صحة الوكالة بالفعل الدال عليها من الموكل وهو صحيح.
وقال في الفروع: دل كلام القاضي المتقدم على انعقاد الوكالة بالفعل من الموكل الدال عليها كالبيع قال وهو ظاهر كلام الشيخ يعني به المصنف فيمن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط وهو أظهر انتهى.
قوله: "وكل قول أو فعل يدل على القبول".
يصح القبول بكل قول من الوكيل يدل عليه بلا نزاع وكذا كل فعل يدل عليه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وصححه وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد" صرح به الأصحاب.
وقيل" لا ينعقد القبول بالفعل.
فوائد
الأولى: مثل ذلك سائر العقود الجائزة كالشركة والمضاربة والمساقاة في أن القبول يصح بالفعل.
قال في القواعد: ظاهر كلام صاحب التلخيص أو صريحة أن هذه العقود مثل الوكالة.
الثانية: يشترط لصحة الوكالة تعيين الوكيل قاله القاضي وأصحابه وغيرهم في مسألة تصدق بالدين الذي عليك.
وقال ابو الخطاب في الانتصار: لو وكل زيدا وهو لا يعرفه أو لم يعرف الوكيل موكله لم تصح.
الثالثة: تصح الوكالة مؤقتة بلا نزاع ومعلقه بشرط على الصحيح من المذهب نص عليه وقطع به أكثرهم كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة وكتعليق تصرف كقوله: "وكلتك الآن ان تبيع بعد شهر" أو "تعتقه إذا جاء المطر" أو "تطلق هذه إذا جاء زيد".

(5/262)


وقال في عيون المسائل في تعليق وقف بشرط لا يصح تعليق توكيل لأنه علقه بصفة وأنه يصح تعليق تصرف.
وقيل: لا يصح تعليق فسخ.
الرابعة: لو أبى أن يقبل الوكالة قولا أو فعلا فهو كعزلة نفسه قاله في الرعاية الكبرى.
قلت: ويحتمل لا.
قوله: "ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه".
هذا المذهب من حيث الجملة.
فعلى هذا: لو وكله في بيع ما سيملكه أو في طلاق من يتزوجها لم يصح إذ البيع والطلاق لم يملكه في الحال ذكره الأزجي وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
وذكر غيره منهم صاحب الرعاية الكبرى لو قال: إن تزوجت هذه فقد وكلتك في طلاقها وإن اشتريت هذا العبد فقد وكلتك في عتقه صح إن قلنا يصح تعليقهما على ملكيهما وإلا فلا.
وقال في التلخيص: قياس المذهب صحة ما إذا قال إذا تزوجت فلانة فقد وكلتك في طلاقها.
قال في القواعد ويتخرج وجه لا يصح.
تنبيه: يستثنى من هذه القاعدة صحة توكيل الحر الواجد الطول في قبول نكاح الأمة لمن تباح له وصحة توكيل الغنى في قبض الزكاة لفقير لأن سلبهما القدرة تنزيها لمعنى يقتضى منع الوكالة قاله الأصحاب.
وليس للمرأة أن تطلق نفسها ويجوز أن تطلق نفسها بالوكالة وامرأة غيرها.
ويجوز للرجل أن يقبل نكاح أخته من أبيه لأجنبي ونحو ذلك قاله في الوجيز وغيره.
فائدة: صحة وكالة المميز في الطلاق وغيره مبنى على صحته منه على الصحيح من المذهب.
وفي الرعاية: فيه لنفسه أو غيره روايتان بلا إذن وفيه في المذهب لنفسه روايتان.
ويأتي في كلام المصنف: لو وكل العبد في شراء نفسه من سيده وأحكاما أخر.
قوله: "ويجوز التوكيل في حق كل آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة".
يشمل كلامه: الحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والاجارة والقرض والصلح والهبة والصدقة والوصية والإبراء

(5/263)


ونحو ذلك لا نعلم فيه خلافا وكذا المكاتبة والتدبير والإنفاق والقسمة والحكومة وكذا الوكالة في الوقف ذكره الزركشي وابن رزين وحكاه في الجميع إجماعا.
تنبيه قوله: "والعتق والطلاق".
يجوز التوكيل في العتق والطلاق بلا نزاع لكن لو وكل عبده أو غريمه أو امرأته في إعتاق عبيده وإبراء غرمائه وطلاق نسائه لم يملك عتق نفسه ولا طلاقها ولا إبراءها على الصحيح من المذهب.
وقيل يملك ذلك وجزم به الأزجى في العتق والإبراء.
فائدتان
إحداهما: لو أذن له أن يتصدق بمال لم يجز له أن ياخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية ابن بختان ويحتمل الجواز مطلقا.
ويحتمل الجواز إن دلت قرينة على إرادة أخذه منه ذكرهما في المغني.
ويأتي في أركان النكاح هل للوكيل في النكاح أن يزوج نفسه أم لا؟.
الثانية: يجوز التوكيل في الإقرار.
والصحيح من المذهب أن الوكالة فيه إقرار جزم به في المحرر والحاويين والفائق والفخر في طريقته.
قال في الرعاية الصغرى: والتوكيل في الإقرار إقرار في الأصح.
وقال في الكبرى: وفي صحة التوكيل في الإقرار والصلح وجهان.
وقيل: التوكيل في الإقرار إقرار.
وقيل: بقول جعلته مقرى انتهى.
وظاهر كلام الأكثرين أنه ليس بإقرار وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وغيره.
وقال الأزجي: لا بد من تعيين ما يقر به وإلا رجع في تفسيره إلى الموكل.
قوله: "وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه".
كإحياء للموات واستقاء الماء يعني أنه يجوز التوكيل في تملك المباحات لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز كالابتياع والاتهاب وهذا الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: وتصح الشركة والوكالة في تملك مباح في الأصح كالاستئجار عليه وجزم به في المغنى والشرح وشرح ابن منجا والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والوجيز وغيرهم.
وقيل لا يصح.

(5/264)


قلت: والنفس تميل إلى ذلك لأن الموكل لا يملكه عند الوكالة هو من المباحات فمن استولى عليه ملكه.
قال في الرعاية الكبرى: وقيل: من وكل في احتشاش واحتطاب فهل يملك الوكيل ما أخذه أو موكله يحتمل وجهين انتهى.
قوله: "إلا الظهار واللعان والأيمان".
وكذا الايلاء والقسامة والشهادة والمعصية.
ويأتي حكم الوكالة في العبادات.
قوله: "ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج موليته".
هذا المذهب بشرطه فيشترط لصحة عقد النكاح تسمية الموكل في صلب العقد ذكره في الانتصار والمغنى والشرح.
وقال في الرعاية الكبرى: وإن قال قبلت هذا النكاح ونوى أنه قبله لموكله ويذكره صح.
قلت: ويحتمل ضده بخلاف البيع انتهى.
قال في الترغيب: لو قال الوكيل قبلت نكاحها ولم يقل لفلان فوجهان وأطلقهما في الفروع.
ويأتي ذلك أيضا في باب أركان النكاح عند قوله "ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا" بأتم من هذا.
قوله: "وإن كان ممن يصح منه ذلك لنفسه وموليته".
فعلى هذا لا يصح توكيل فاسق في إيجاب النكاح إلا على رواية عدم اشتراط عدالة الولي على ما يأتي في باب اركان النكاح إن شاء الله تعالى.
وأما قبول النكاح منه فيصح لنفسه فكذا يصح لغيره وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وفي قوله: "ولا يصح التوكيل ولا التوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه".
واختاره أبو الخطاب وابن عقيل وابن عبدوس في تذكرته.
قال المصنف والشارح: وهو القياس وقدمه في الكافي والمغنى وصححه ابن نصر الله في حواشيه.
وقال القاضي: لا يصح قبوله لغيره.
قال في التلخيص: اختاره اصحابنا الا ابن عقيل وقدمه في الرعاية الكبرى وشرح ابن

(5/265)


رزين وصححه الناظم.
قال في الوجيز: ولا يوكل فاسق في نكاح وأطلقهما في الفروع والرعاية الصغرى والحاويين والفائق
ويأتي ذلك أيضا في أركان النكاح.
وأما السفيه فقيل: يصح أن يكون وكيلا في الايجاب والقبول اختاره ابن عقيل في تذكرته.
وقيل: لا يصح فيهما قدمه في الرعاية الكبرى وصححه الناظم وجزم به صاحب الهداية والمستوعب والمغنى والشرح وابن رزين في شرحه وأطلقهما في الفروع والرعاية الصغرى والحاويين.
وقيل: يصح في قبول النكاح دون إيجابه.
قال في الرعاية الكبرى: قلت: إن قلنا "يتزوج السفيه بغير إذن وليه" فله أن يوكل ويتوكل في إيجابه وقبوله وإلا فلا انتهى.
وهو الصواب وظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقد تقدم في الباب الذي قبله هل للولي أن يزوجه بغير إذنه أم لا وهل يباشر العقد أم لا؟.
ويأتي في أركان النكاح هل للوكيل المطلق في النكاح أن يتزوجها لنفسه أم لا؟.
قوله: "ويصح في كل حق لله تعالى تدخله النيابه من العبادات".
كالصدقات والزكوات والمنذورات والكفارات بلا نزاع أعلمه.
وأما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم والطهارة من الحدث فلا يجوز التوكيل فيها إلا الصوم المنذور يفعل عن الميت على ما تقدم في بابه وليس ذلك بوكالة.
ويصح التوكيل في الحج وركعتي الطواف فيه تدخل تبعا له.
قوله: "والحدود في إثباتها وإستيفائها".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز والنظم واختاره القاضي في المجرد وابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين ونصروه وقدمه ابن منجى في شرحه.
وقال أبو الخطاب لا تصح الوكالة في إثباته وتصح في استيفائه جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة وقدمه في المستوعب.
قال ابن رزين في شرحه وليس بشيء وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والفائق.

(5/266)


قوله: "ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته إلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته".
منهم ابن بطة وابن عبدوس في تذكرته وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ذكرها ابن أبي موسى ومن بعده.
قال ابن رزين عن هذا القول: وليس بشيء والصحيح من المذهب جواز استيفائهما في غيبة الموكل.
قال في المغنى والشرح وابن رزين في شرحه: هذا ظاهر المذهب.
قال ابن منجا في شرحه وصاحب الفائق: هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين وغيرهم.
فعلى المذهب لو استوفى القصاص بعد عزله ولم يعلم ففي ضمان الموكل وجهان.
قال أبو بكر: لا ضمان على الوكيل.
فمن الأصحاب من قال: لعدم تفريطه.
ومنهم من قال: لأن عفو موكله لم يصح حيث حصل على وجه لا يمكن استدراكه فهو كما لو عفا بعد الرمي.
قال أبو بكر: وهل يلزم الموكل؟ على قولين.
وللأصحاب طريقة ثانية وهي البناء على انعزاله قبل العلم.
فإن قلنا لا ينعزل لم يصح العفو وإن قلنا ينعزل صح العفو وضمن الوكيل وهل يرجع على الموكل على وجهين.
أحدهما: يرجع لتغريره والثاني لا.
فعلى هذا: فالدية على عاقلة الوكيل عند أبي الخطاب لأنه خطأ وعند القاضي في ماله وهو بعيد وقد يقال هو شبه عمد قاله المصنف.
وللأصحاب طريقة ثالثة وهي إن قلنا لا ينعزل لم يضمن الوكيل وهل يضمن العامي؟ على وجهين بناء على صحة عفوه وترددا بين تغريره وإحسانه.
وإن قلنا: ينعزل لزمته الدية.

(5/267)


وهل تكون في ماله أو على عاقلته؟ فيه وجهان وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب الترغيب وزاد وإذا قلنا في ماله فهل يرجع بها على الموكل؟ على وجهين.
قوله: "ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يجوز وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغنى والتلخيص والشرح وقواعد ابن رجب وغيرهم.
قوله: "وكذلك الوصي والحاكم".
يعني أنه إذا أوصى إليهم في شيء هل له أن يوكل من يعمله؟ وهل للحاكم أن يستنيب غيره فيما يتولى مثله فقطع المصنف أن الوصي في جواز التوكيل وعدمه كالوكيل خلافا ومذهبا وهو إحدى الطريقتين وهو المذهب وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصاحب الهداية والمستوعب والمصنف والشارح وابن رزين وجزم به في الوجيز وغيره وقدمها في الفروع والرعايتين والحاويين وغيرهم.
والطريقة الثانية: يجوز للوصي التوكيل وإن منعناه في الوكيل ورجحه القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب أيضا وقدمه في المحرر والنظم.
قلت: وهو الصواب لأنه متصرف بالولاية وليس وكيلا محضا فإنه متصرف بعد الموت بخلاف الوكيل ولأنه تعتبر عدالته وأمانته.
وإما إسناد الوصية من الوصي إلى غيره فيأتي في كلام المصنف في باب الموصى إليه.
وأما الحاكم فقطع المصنف أيضا أنه كالوكيل في جواز استنابة غيره وهو المذهب وهو إحدى الطريقتين أيضا وهي طريقة القاضي في المجرد والخلاف وصاحب الهداية والمستوعب والمصنف وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والشرح وغيرهم.
والطريقة الثانية: يجوز له الاستنابة والاستخلاف وإن منعنا الوكيل منها وهي طريقة القاضي في الأحكام السلطانية وابن عقيل واختاره الناظم وقدمه في المحرر ونص عليه في رواية مهنا.
قال ابن رجب في قواعده: بناء على أن القاضي ليس بنائب للامام بل هو ناظر للمسلمين لا عن ولاية ولهذا لا ينعزل بموته ولا بعزله فيكون حكمه في ولايته حكم الامام بخلاف الوكيل ولأن الحاكم يضيق عليه تولى جميع الأحكام بنفسه ويؤدي ذلك إلى تعطيل مصالح الناس العامة فأشبه من وكل فيما لا يمكنه مباشرته عادة لكثرته انتهى.
وألحق بالحاكم أمينه في الرعايتين والحاويين.

(5/268)


فوائد
تشبه ما تقدم.
منها: الشريك والمضارب هل لهما أن يوكلا أم لا ويأتي ذلك في شركة العنان ونتكلم عليها هناك.
ومنها: الولي في النكاح هل يجوز له أن يوكل أو لا؟ فلا يخلو إما أن يكون مجبرا أو لا فإن كان مجبرا فلا إشكال في جواز توكيله لأن ولايته ثابتة شرعا من غير جهة المرأة ولذلك لا يعتبر معه إذنها وقطع بهذا الجمهور.
وقيل: لا يجوز حكاه في الرعاية الكبرى.
وإن كان غير مجبر ففيه طريقان.
أحدهما: يجوز له التوكيل وإن منعنا الوكيل من التوكيل لأن ولايته ثابته بالشرع من غير جهة المرأة فلا تتوقف استنابته على إذنها كالمجبر وإنما افترقا على اعتبار إذنها في صحة النكاح ولا أثر له هنا وهذه طريقة المصنف والشارح وصاحب المحرر والنظم والفائق وشرح ابن رزين وغيرهم.
قلت وهو أقوى دليلا وهو المذهب.
والطريق الثاني: أن حكمه حكم الوكيل خلافا ومذهبا قدمه في الفروع هنا وقدم في باب أركان النكاح الأول فناقض.
قال ابن رزين في شرحه عن هذه الطريقة فيها ضعف.
وأطلق في التلخيص في إذنها وعدمه روايتين.
ويأتي ذلك في أركان النكاح عند قوله: "ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا" بأتم من هذا.
ومنها: العبد والصبي المأذون لهما هل لهما أن يوكلا وتقدم الكلام عليهما في آخر باب الحجر.
قوله: "ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته".
بلا نزاع لكن هل يسوغ له التوكيل في الجميع وهو الصحيح من المذهب قدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين والفروع.
وفي القدر المعجوز عنه خاصة اختاره القاضي وابن عقيل فيه وجهان وأطلقهما في القواعد الفقهيه والزركشي.

(5/269)


فوائد
الأولى: حيث جوزنا له التوكيل فمن شرط الوكيل الثاني أن يكون أمينا إلا أن يعينه الموكل الأول.
الثانية: لو قال الموكل للوكيل وكل عنك صح وكان وكيل وكيله جزم به في المغنى والشرح والفروع والرعاية وشرح ابن رزين وغيرهم.
وإن قال: "وكل عني" صح أيضا وكان وكيل موكله على الصحيح من المذهب قطع به في المغنى والشرح وشرح ابن رزين والرعاية وغيرهم.
وقدمه في الفروع.
وقيل: يكون وكيل وكيله أيضا كالأولى هذا نقله في الفروع.
وقال في التلخيص: فيما إذا قال "وكل عني" أنه وكيل الموكل وقطع به.
وقال فيما إذا قال: "وكل عنك" هل يكون وكيل الموكل أو وكيل الوكيل؟ يحتمل وجهين فتعاكسا في محل الخلاف.
فلعل ما في التلخيص غلط من الناسخ فإن الطريقة الأولى أصوب وأوفق للأصول أو يكون طريقة وهو بعيد.
وإن قال "وكل" ولم يقل "عني" ولا "عنك" فهل يكون وكيل الوكيل كالأولى أو وكيل الموكل كالثانية؟ فيه وجهان وأطلقهما في التلخيص والرعاية والفروع.
أحدهما: يكون وكيلا للموكل وهو الصحيح من المذهب جزم به في المغنى والشرح وشرح ابن رزين وابن رجب في آخر القاعدة الحادية والستين.
والثاني: يكون وكيل الوكيل.
وأما إذا وكل فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته أو قلنا: يجوز له التوكيل من غير إذن ووكل فإن الوكيل الثاني وكيل الوكيل جزم به المصنف والشارح.
الثالثة: حيث حكمنا بأن الوكيل الثاني وكيل للموكل فإنه ينعزل بعزله وبموته ونحوه ويملك الموكل الأول عزله ولا ينعزل بموته.
وحيث قلنا: هو وكيل الوكيل فإنه ينعزل بعزله وبموته وينعزل بعزل الموكل أيضا على الصحيح من المذهب جزم به في التلخيص وغيره.
قال في الفروع: والأصح له عزل وكيل وكيله.
وقال في الرعاية: له عزله في أصح الوجهين وقيل: ليس له عزله.

(5/270)


قوله: "ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه".
بلا نزاع في الجملة.
وفي صحة توكيله في نكاح بلا إذن سيده وجهان وأطلقهما في الفروع وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق في صحة قبوله.
أحدهما: لا يصح التوكيل في الايجاب ولا القبول جزم به في التلخيص.
قال في الشرح: ولا يجوز توكيل العبد بغير إذن سيده وهو ظاهر كلامه في الكافي والوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى والقواعد الأصولية.
والوجه الثاني: يصحان منه اختاره ابن عبدوس في تذكرته.
وقيل: يصح في القبول دون الايجاب وهو ظاهر كلامه في المغنى.
فائدة: لا يشترط إذن سيده فيما يملكه وحده فيجوز توكيله في الطلاق من غير إذن سيده كما يجوز له الطلاق من غير إذنه وكذلك السفيه.
قوله: "وإن وكله بإذنه في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين".
وكذا حكاهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وحكاهما روايتين في المغنى والشرح والفروع والفائق وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والشرح والتلخيص والحاوي الكبير والفروع والفائق.
أحدهما: يصح وهو المذهب وجزم به في الكافي وصححه في التصحيح والنظم واختاره المصنف والشارح وابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز.
قال في الرعاية الكبرى صح في الأصح.
قال في القواعد الأصولية: الصحيح الصحة وقدمه في الصغرى والحاوي الصغير والخلاصة والمغنى وشرح ابن رزين.
والوجه الثاني: لا يصح.
فعلى المذهب: لو قال: "اشتريت نفسي لزيد" وصدقاه صح ولو قال السيد: "ما اشتريت نفسك إلا لنفسك" عتق ولزمه الثمن.
وإن صدقه السيد في الأولى وكذبه زيد: نظرت في تكذيبه فإن كذبه في الوكالة حلف وبرئ وللسيد فسخ البيع.

(5/271)


وإن صدقه في الوكالة وقال: "ما اشتريت نفسك لي" فالقول قول العبد قاله في المغنى والشرح.
قال في الرعاية الكبرى: لو قال: "ما اشتريت نفسك مني إلا لك" فقال: "بل لزيد" فكذبه زيد: عتق ولزمه الثمن وإن صدقه لم يعتق قلت: بلى انتهى.
تنبيه: مفهوم قوله: "وإن وكله بإذنه في شراء نفسه" أنه لا يصح وكيله بغير إذن سيده في شراء نفسه وهو صحيح وهو المذهب وقدمه في الفروع وغيره وجزم به كثير من الأصحاب.
وقيل: يصح وأطلقهما في القواعد الأصولية.
فائدة: لو وكل عبد غيره بإذن سيده في شراء عبد غيره من سيده فهل يصح على روايتين وأطلقهما في الفروع.
إحداهما: يصح وهو المذهب جزم به في الكافي.
قال في الوجيز: ومن كل عبد غيره بإذن سيده صح وقدمه في المغنى.
والرواية الثانية: لا يصح وقدمه ابن رزين في شرحه.
قوله: "الوكالة عقد جائز من الطرفين لكل واحد منهما فسخه" بلا نزاع.
فلو قال: "وكلتك وكلما عزلتك فقد وكلتك" انعزل بقوله: "عزلتك وكلما وكلتك فقد عزلتك".
وتسمى الوكالة الدورية وهو فسخ معلق بشرط قاله في الفروع.
والصحيح من المذهب صحتها وجزم به في الرعايتين والفائق.
قال في التلخيص: قياس المذهب صحة الوكالة الدورية بناء على أن الوكالة قابلة للتعليق عندنا وكذلك فسخها.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا تصح لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة وذلك تغيير لقاعدة الشرع وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه والعقود لا تفسخ قبل انعقادها ذكره ابن رجب في القاعدة الثامنة عشر بعد المائة.
قوله: "وتبطل بالموت والجنون".
تبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل بغير خلاف نعلمه لكن لو وكل ولي اليتيم وناظر الوقف أو عقد عقدا جائزا غيرها كالشركة والمضاربة فإنها لا تنفسخ بموته لأنه متصرف على غيره قطع به في القاعدة الحادية والستين.
وتبطل بالجنون على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.

(5/272)


قال في المغنى والشرح: تبطل بالجنون المطبق بغير خلاف علمناه وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والنظم وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا تبطل به وأطلقهما في التلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق.
وقال في الرعاية الكبرى: وفي جنونه وقيل المطبق وجهان.
قال الناظم:
وفسق مناف للوكالة مبطل ... كذا بجنون مطبق متأطد
وأكثر الأصحاب أطلق الجنون.
قوله: "وكذلك كل عقد جائز يعنى من الطرفين كالشركة والمضاربة".
وكذا الجعالة والسبق والرمي ونحوهما.
قوله: "ولا تبطل بالسكر والاغماء".
أما السكر فحيث قلنا يفسق فإن الوكالة تبطل فيما ينافي الفسق كالايجاب في عقد النكاح ونحوه وإلا فلا.
وأما الاغماء فلا تبطل به قولا واحدا.
قال في الفصول: لا تبطل في قياس المذهب واقتصر عليه.
قوله: "والتعدي".
يعنى لا تبطل الوكالة بالتعدى كلبس الثوب وركوب الدابة ونحوهما.
وهذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغنى والكافي والشرح والتلخيص وشرح ابن رزين والوجيز وغيرهم.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته.
قال في القاعدة الخامسة والأربعين: والمشهور أنها لا تنفسخ.
قال في الرعاية الصغرى: تفسد في الأصح انتهى.
وذلك لأن الوكالة إذن في التصرف مع استئمان فإن زال أحدهما لم يزل الآخر.
وقيل: تبطل الوكالة به حكاه ابن عقيل في نظرياته وغيره وجزم به القاضي في خلافه وأطلقهما في المحرر والرعاية الكبرى والفروع والفائق والحاوي الصغير.
وقال في المستوعب ومن تابعه: أطلق أبو الخطاب القول أنها لا تبطل بتعدي الوكيل فيما وكل فيه.
وهذا فيه تفصيل.

(5/273)


وملخصه أنه إن أتلف بتعديه عين ما وكله فيه بطلت الوكالة وإن كانت عين ما تعدى فيه باقية لم تبطل وهو ظاهر كلامه في المغنى والشرح وغيرهما وهو مراد أبي الخطاب وغيره.
وقال في القاعدة الخامسة والأربعين: وظاهر كلام كثير من الأصحاب أن المخالفة من الوكيل تقتضى فساد الوكالة لا بطلانها فيفسد العقد ويصير متصرفا بمجرد الإذن.
فعلى المذهب لو تعدى زالت الوكالة وصار ضامنا فإذ تصرف كما قال موكله بريء بقبضه العوض فإن رد عليه بعيب عاد الضمان.
قال في القواعد: وعلى المشهور إنما يضمن ما فيه التعدى خاصة حتى لو باعه وقبض ثمنه لم يضمنه لأنه لم يتعد في عينه ذكره في التلخيص والمغنى والشرح.
ولا يزول الضمان عن عين ما وقع فيه التعدى بحال إلا على طريقة ابن الزاغوني في الوديعة.
قوله: "وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين".
أطلق المصنف في بطلان الوكالة بالردة وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والنظم والرعايتين والحاويين والفائق والفروع.
أحدهما: لا تبطل وهو المذهب صححه في المغنى والشرح والتصحيح وجزم به في الكافي والوجيز.
والوجه الثاني: تبطل.
وقيل: تبطل بردة الموكل دون الوكيل.
قال في المستوعب: ولا تبطل بردة الوكيل وإن لحق بدار الحرب وهل تبطل بردة؟ الموكل على وجهين أصلهما هل يزول ملكه ولا ينفذ تصرفه أو يكون موقوفا؟ على ما يأتي في باب الردة.
قال في القاعدة السادسة عشر: إن قلنا يزول ملكه بطلت وكالته.
وأطلق المصنف أيضا في بطلان الوكالة بحرية عبده وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والهادي والنظم والفروع والرعاية الصغرى والحاويين وشرح ابن منجا.
أحدهما: لا تبطل وهو المذهب صححه في المغنى والشرح والتصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفائق وشرح ابن رزين.
وقيل: تبطل قدمه في الرعاية الكبرى.
فائدة: وكذا الحكم لو باع عبده.

(5/274)


قال في الرعاية الكبرى قلت أو وهبة أو كاتبه انتهى.
وكذا لو وكل عبد غيره فباعه الغير.
وأما إذا وكل عبد غيره فأعتقه ذلك الغير لم تبطل الوكالة جزم به في المغنى والشرح وشرح ابن رزين والفروع وغيرهم.
فوائد
منها: لو وكل امراته ثم طلقها لم تبطل الوكالة.
ومنها: لو جحد أحدهما الوكالة فهل تبطل فيه وجهان وأطلقهما في المحرر والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والنظم.
أحدهما: تبطل اختاره ابن عبدوس في تذكرته فيما إذا جحد التوكيل.
والوجه الثاني: لا تبطل جزم به في الوجيز.
وقيل: تبطل إن تعمد وإلا فلا.
ومنها: لا تبطل الوكالة بالاباق على الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز.
وقيل: تبطل وتقدم نظيرها في أحكام العبد في الباب الذي قبله.
ومنها: لو وكله في طلاق زوجته فوطئها بطلت الوكالة على الصحيح من المذهب والروايتين وعنه لا تبطل.
فعلى المذهب في بطلانها بقبله ونحوها خلاف بناء على الخلاف في حصول الرجعة به على ما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
ومنها: لو وكله في عتق عبد فكاتبه أو دبره بطلت الوكالة على الصحيح من المذهب ويحتمل صحة عتقه.
قوله: "وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمستوعب والمغنى والتلخيص والمحرر والشرح والرعاية الكبرى والفروع والفائق وشرح المجد وشرح المحرر.
إحداهما: ينعزل وهو المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي.
قال في المذهب ومسبوك الذهب انعزل في أصح الروايتين وصححه في الخلاصة واختاره أبو الخطاب والشريف وابن عقيل.
قال في الفروع: اختاره الأكثر.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: هذا أشهر.

(5/275)


قال القاضي: هذا أشبه بأصول المذهب وقياس لقولنا إذا كان الخيار لهما كان لأحدهما الفسخ من غير حضور الآخر وجزم به في الوجيز والمنور ونهاية ابن رزين وغيرهم.
والرواية الثانية: لا ينعزل نص عليها في رواية ابن منصور وجعفر بن محمد وأبي الحارث وصححه في النظم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين.
قلت: وهو الصواب.
وقيل: ينعزل بالموت لا بالعزل ذكره الشيخ تقي الدين.
وقال القاضي: محل الروايتين فيما إذا كان الموكل فيه باقيا في ملك الموكل أما إن أخرجه من ملكه بعتق أو بيع انفسخت الوكالة بذلك وجزم به.
وفرق القاضي بين موت الموكل بأن الوكيل لا ينعزل على رواية وبين إخراج الموكل فيه من ملك الموكل بعتق أو بيع بانه ينعزل جزما بأن حكم الملك في العتق والبيع قد زال وفي موت الموكل السلعة باقية على حكم ملكه.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: وفيه نظر فإن الانتقال بالموت أقوى منه بالبيع والعتق فإن هذا يمكن الموكل الاحتراز منه فيكون بمنزلة عزله بالقول وذاك زال بفعل الله تعالى فيه.
فوائد
منها: ينبني على الخلاف وتضمينه وعدمه.
فإن قلنا: ينعزل ضمن وإلا فلا.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا يضمن مطلقا.
قلت: وهو الصواب لأنه لم يفرط.
ومنها: جعل القاضي والمصنف والشارح وجماعة محل الخلاف في نفس انفساخ عقد الوكالة قبل العلم وجعل المجد والناظم وجماعة محل الخلاف في نفوذ التصرف لا في نفس الانفساخ وهو مقتضى كلام الخرقي.
قال الزركشي: وهذا أوفق للنصوص.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: والخلاف لفظي.
ويأتي في آخر باب صريح الطلاق "ونيته إذا ادعى الموكل عزل الوكيل هل يقبل بلا بينه أم لا"؟.
ومنها: لا ينعزل مودع قبل علمه على الصحيح من المذهب خلافا لأبي الخطاب فما بيده أمانة وقال: مثله المضارب.
ومنها: لو قال شخص لآخر اشتر كذا بيننا فقال نعم ثم قال لآخر نعم فقد عزل نفسه من وكالة الأول ويكون ذلك له وللثاني.

(5/276)


ومنها عقود المشاركات كالشركة والمضاربة والصحيح من المذهب أنها تنفسخ قبل العلم كالوكالة.
وقال ابن عقيل: الأليق بمذهبنا في المضاربة والشركة لا تنفسخ بفسخ المضارب حتى يعلم رب المال والشريك لأنه ذريعة إلى عامة الاضرار وهو تعطيل المال عن الفوائد والأرباح.
فائدة: لو عزل الوكيل كان ما في يده أمانة وكذلك عقود الأمانات كلها كالوديعة والشركة والمضاربة والرهن إذا انتهت أو انفسخت والهبة إذا رجع فيها الأب وهو المذهب صرح به القاضي وابن عقيل في الرهن.
وصرح به القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما في بقية العقود وأنها تبقى أمانة.
وقيل: تبقى مضمونة إن لم يبادر بالدفع إلى المالك كمن أطارت الريح إلى داره ثوبا.
وصرح به القاضي في موضع من خلافه في الوديعة والوكالة.
وكلام القاضي وابن عقيل يشعر بالفرق بين الوديعة والرهن فلا يضمن في الرهن ويضمن في الوديعة.
قوله: "وإن وكل اثنين لم يجز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه".
وهو المذهب وجزم به في الوجيز والمغنى والشرح وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل: لا يجوز لاحدهما الانفراد بالتصرف إلا في الخصومة.
قال في الفروع: وقيل: إن وكلهما في خصومة انفرد أحدهما للعرف.
قلت: وهو الصواب.
فائدة: حقوق العقد متعلقة بالموكل وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم لأنه لا يعتق قريب وكيل عليه وينتقل الملك إلى الموكل ويطالب بالثمن ويرد بالعيب ويضمن العهدة وغير ذلك.
قال المصنف: وإن اشترى وكيل في شراء في الذمة فكضامن.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: فيمن وكل في بيع أو استئجار فإن لم يسم موكله في العقد فضامن والا فروايتان.
وقال: ظاهر المذهب يضمنه قال: ومثله الوكيل في الاقتراض.
قوله: "ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه".
هذا المذهب وعليه الجمهور وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في المذهب

(5/277)


وغيره وقدمه في الخلاصة والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم واختاره أبو الخطاب والشريف وابن عقيل والخرقي وغيرهم.
وعنه يجوز كما لو أذن له على الصحيح إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء واختاره ابن عبدوس في تذكرته أو وكل من يبيع حيث جاز التوكيل وكان هو أحد المشتريين.
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين وغيرهم وقدمه في الفائق.
وقال في المحرر: وعنه له البيع من نفسه إذا زاد على ثمنه في النداء.
وقال في الفروع: وعنه يصح أن يبيع من نفسه إذا زاد على ثمنه في النداء.
وقيل: أو وكل بائعا وهو ظاهر ما نقله حنبل.
وقيل: هما انتهى.
وحكى الزركشي: إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء رواية وإذا وكل في البيع وكان هو أحد المشترين رواية أخرى.
وقال في القاعدة السبعين: وأما رواية الجواز فاختلف في حكاية شروطها على طرق.
أحدها: اشتراط الزيادة على الثمن الذي تنتهي إليه الرغبات في النداء وفي اشتراط أن يتولى النداء غيره وجهان وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل.
والثاني: أن المشترط التوكيل المجرد كما هي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي.
والثالث: أن المشترط أحد امرين إما أن يوكل من يبيعه على قولنا يجوز ذلك وإما الزيادة على ثمنه في النداء وهي طريقة القاضي في خلافه وأبي الخطاب.
وأطلق الروايتين في الهداية والمستوعب والشرح.
وذكر الأزجي احتمالا أنهما لا يعتبران لأن دينه وأمانته تحمله على عمل الحق وربما زاد خيرا.
وعنه رواية رابعة: يجوز أن يشاركه فيه لا أن يشتريه كله ذكرها الزركشي وغيره ونقلها أبو الحارث.
تنبيه محل الخلاف: إذا لم يأذن له فإن اذن له في الشراء من نفسه جاز.
ومقتضى تعليل الامام أحمد رحمه الله في الرواية التي تقول بالجواز فيها ويوكل لا يجوز لأنه يأخذ بإحدى يديه من الأخرى.
فائدتان
إحداهما: وكذا الحكم في شراء الوكيل من نفسه للموكل وكذا الحاكم وأمينه والوصي وناظر الوقف والمضارب كالوكيل.

(5/278)


ولم يذكر ابن أبي موسى في الوصى سوى المنع.
وقال في القاعدة السبعين: يتوجه التفريق بين الحاكم وغيره فإن الحاكم ولايته غير مستنده إلى إذن فتكون عامة بخلاف غيره.
الثانية: حيث صححنا ذلك صح أن يتولى طرفي العقد على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والفائق وصححه المصنف والشارح.
قال في الرعاية: صح على الأقيس وقيل لا يصح.
فائدة: وكذا الحكم لو وكل في بيع عبد أو غيره ووكله آخر في شرائه من نفسه في قياس المذهب قاله المصنف والشارح.
وقالا: ومثله لو وكله المتداعيان في الدعوى عنهما لأنه يمكنه الدعوى عن أحدهما والجواب عن الآخر وإقامه حجة لكل واحد منهما وقدمه في الفروع.
وقال الأزجي: لا يصح في الدعوى من واحد للتضاد.
قوله: "وهل يجوز أن يبيعه لولده أو والده أو مكاتبه على وجهين".
وهما احتمالان مطلقان في الهداية وأطلق الوجهين في الفروع والمذهب والمستوعب والتلخيص والرعاية الصغرى والمحرر والحاويين والفائق وشرح ابن منجا.
أحدهما: لا يجوز أي لا يصح كنفسه وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجى وغيرهم.
وقدمه في الخلاصة والكافي والرعاية الكبرى وغيرهم.
قال المجد في شرحه اختاره القاضي وابن عقيل.
قال المصنف في المغنى والكافي والشارح الوجهان هنا مبنيان على الروايتين في أصل المسألة.
قلت: الصواب أن الخلاف هنا مبنى على القول بعدم الصحة هناك وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
والوجه الثاني يجوز أي يصح وإن منعنا الصحة في شراء الوكيل من نفسه لنفسه.
تنبيه: محل الخلاف في هذه المسألة وفي التي قبلها إذا لم يأذن له الموكل في ذلك فأما إن أذن له فإنه يجوز ويصح على الصحيح من المذهب.
وقيل: لا يصح أيضا حكاه المجد.
قلت: وهو بعيد في غير الوكيل.
تنبيه: مفهوم كلامه جواز بيعه لاخوته وسائر أقاربه وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام الأصحاب وصرح به جماعة.

(5/279)


وذكر الأزجي فيهم وجهين.
قلت: حيث حصلت تهمة في ذلك لا يصح.
قوله: "ولا يجوز" أي لا يصح "أن يبيع نساء ولا بغير نقد البلد".
وكذا لا يجوز أن يبيع بغير غالب نقد البلد إن كان فيه نقود.
ومراده إذا أطلق الوكالة وهذا المذهب في ذلك نص عليه وجزم به في التلخيص والمحرر والوجيز وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة وشرح ابن منجا والفائق والشرح وقال وهو أولى.
ويحتمل أن يجوز كالمضارب وهو لأبي الخطاب في الهداية وهو تخريج في الفائق وهو رواية في المحرر وغيره واختاره أبو الخطاب.
وذكر ابن رزين في النهاية أن الوكيل يبيع حالا بنقد بلده وبغيره لانساء.
وذكر في الانتصار أنه يلزمه النقد أو ما نقص.
تنبيه أفادنا المصنف رحمه الله تعالى جواز بيع المضارب نساء لكونه جعله هنا أصلا للجواز وهو صحيح وهو الصحيح من المذهب على ما يأتي إن شاء الله تعالى في باب الشركة.
لكن أطلق هناك الخلاف في شركة العنان والمضاربة مثلها.
فالحاصل أن الصحيح من المذهب في الوكالة عدم الجواز وفي المضاربة الجواز.
وفرق المصنف والشارح بينهما بأن المقصود من المضاربة الربح وهو في النساء أكثر ولا يتعين في الوكالة ذلك بل ربما كان المقصود تحصيل الثمن لدفع حاجته ولأن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر التاخير في التقاضي عليه بخلاف الوكالة فيعود ضرر الطلب على الموكل.
فائدة إذا أطلق الوكالة لم يصح أن يبيع بمنفعة ولا بعرض أيضا على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف.
وفي العرض احتمال بالصحة وهو رواية في الموجز.
ويأتي في كلام المصنف إذا قال للوكيل أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بخمسة وأنكر الموكل.
قوله: "وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره صح وضمن النقص".
وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب واختاره الخرقي والقاضي في الخلاف وغيرهما وجزم به في الوجيز وغيره.

(5/280)


قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وناظم المفردات وقال قاله الأكثر وهو من المفردات.
قوله: "ويحتمل أن لا يصح".
وهو رواية منصوصة عن الامام أحمد رحمه الله واختاره المصنف وصححه القاضي في المجرد وابن عقيل وجزم به في التلخيص قال إنه الذي تقتضيه أصول المذهب وقدمه الشارح والمصنف في المغنى وجزم به وابن رزين في شرحه وأطلقهما في الكافي.
وقال في المحرر والفائق وغيرهما: ويتخرج أنه كتصرف الفضولي.
قال في الفروع: قيل: إنه كفضولي نص عليه فإن تلف وضمن الوكيل رجع على مشتر التلفة عنده.
وقيل: يصح نص عليه انتهى.
ويأتي قريبا في كلام المصنف رحمه الله لو وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل.
تنبيه: جمع المصنف بين ما إذا وكله في البيع وأطلق وبين ما إذا قدره له فجعل الحكم واحدا وهو أصح الطريقتين وصرح به القاضي وغيره ونص عليه في رواية الأثرم وأبي داود وابن منصور.
وقيل: يبطل العقد مع مخالفة التسمية ولا يبطل مع الاطلاق.
وممن قال ذلك القاضي في المجرد وابن عقيل في فصوله قاله في القاعدة العشرين.
تنبيه مراده بقوله: "وإن باع بدون ثمن المثل".
مما يتغابن الناس بمثله عادة فأما ما لا يتغابن الناس بمثله كالدرهم في العشرة فإن ذلك معفو عنه إذا لم يكن الموكل قد قدر الثمن.
وقوله: "وضمن النقص".
في قدره وجهان وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع والفائق والكافي.
أحدهما: هو ما بين ما باع به وثمن المثل.
قال الشارح وهذا أقيس واختاره ابن عقيل وذكره عنه في القواعد الفقهيه وقدمه ابن رزين في شرحه والرعاية الكبرى.
والوجه الثاني: هو ما بين ما يتغابن به الناس وما لا يتغابنون.
فعلى المذهب في أصل المسألة لا يضمن عبد لسيده ولا صبي لنفسه ويصح البيع على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.

(5/281)


وفيه احتمال أنه يبطل قال في الفروع وهو أظهر.
قلت: فعلى الأول يعايى بها في الصبي.
فائدتان
إحداهما: قال في الرعاية الكبرى لو وكله في بيع شيء إلى أجل فزاده أو نقصه ولا حظ فيه لم يصح.
قال في الفروع: وإن أمر بشراء بكذا حالا أو ببيع بكذا نساء فخالف في حلول وتأجيل صح في الأصح.
وقيل: إن لم يتضرر انتهى.
الثانية: لو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل جزم به في المغنى والشرح والرعاية والفائق وغيرهم.
قلت: فيعايى بها.
وهي مخصوصة من مفهوم كلام المصنف وكلام غيره ممن أطلق.
ولو باعه بثمن مثله فزاد عليه آخر في مدة الخيار لم يلزمه الفسخ.
قال في الرعاية: قلت: ويحتمل لزومه إن صح بيعه على بيع أخيه انتهى.
قال في المغنى والشرح ويحتمل ان يلزمه ذلك.
وقال في الفروع: وفيه وجه يلزمه.
قوله: "وإن باع بأكثر منه صح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به أو لم تكن".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في التلخيص: فأظهر الاحتمالين الصحة.
قال القاضي: وهو المذهب.
وقيل: إن كانت الزيادة من جنس الثمن صح وإلا فلا.
قال في التلخيص: قال القاضي: ويحتمل أن يبطل في الزيادة من غير الجنس بحصته من الثمن.
قوله: "وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين".
وهو المذهب صححه في المذهب ومسبوك الذهب والنظم والتصحيح والقواعد الفقهية وجزم به في الوجيز وقدمه في الشرح والفائق.

(5/282)


والوجه الثاني: لا يصح اختاره القاضي وهو ظاهر ما قدمه في المغنى وظاهر ما قطع به ابن عبدوس في تذكرته وأطلقهما في الهداية والمستوعب والتلخيص والفروع والرعايتين والحاويين والكافي.
فائدة: لو قال اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين صح شراؤه بما بينهما وكذا بدون الخمسين على الصحيح قدمه ابن رزين وهو الصواب.
وقيل: لا يصح بدون الخمسين كالخمسين وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
قوله: "وإن قال بعه بألف نساء فباعه بالف حالة صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال وهو أحد الوجهين".
صححه في الشرح والنظم وجزم به في الوجيز.
والوجه الثاني: يصح مطلقا ما لم ينهه وهو المذهب اختاره القاضي.
قال في الفروع والمذهب ومسبوك الذهب: صح في أصح الوجهين.
قال ابن رزين في نهايته: صح في الأظهر وقدمه في الهداية والخلاصة والمستوعب والتلخيص.
وقيل: لا يصح مطلقا وأطلقهن في الرعايتين والحاويين والفائق ويأتي عكس هذه المسألة في كلام المصنف قريبا.
قوله: "وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له لم يصح وهو أحد الوجهين".
اختاره القاضي في الجامع وجزم به في المستوعب والتلخيص وشرح ابن رزين والشارح وقال هو كتصرف الأجنبي واختاره المصنف قاله ناظم المفردات.
والوجه الثاني: يصح وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين وصححه الناظم.
قال ناظم المفردات: هو المنصوص وعليه الأكثر انتهى.
وذلك لأن حكمه حكم ما لو باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له ذكره الأصحاب.
وتقدم هناك أن المذهب صحه البيع فكذا هنا لأن المنصوص في الموضعين الصحة وعليه أكثر الأصحاب.
لكن المصنف قدم هناك الصحة وقدم هنا عدمها فلذلك قال ابن منجا الفرق بين المسألتين على ما ذكره المصنف عسر انتهى.

(5/283)


والذي يظهر أن المصنف هناك إنما قدم تبعا للأصحاب وإن كان اختياره مخالفا له وهذا يقع له كثيرا وقدم هنا نظرا إلى ما اختاره لا إلى الفرق بين المسألتين فإن اختياره في المسألتين واحد والحكم عنده فيهما واحد وأطلق الوجهين في المسألتين في الفروع.
وظهر مما تقدم أن للأصحاب في المسألتين طريقتين التساوي وهو الصحيح والصحة هناك وعدمها هنا وهي طريقته في المستوعب وابن رزين وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وذكر الزركشي فيهما ثلاثة أقوال ثالثها: الفرق وهو ما قاله المصنف في هذا الكتاب.
قوله: "أو وكله في بيع شيء فباع نصفه بدون ثمن الكل لم يصح".
إذا وكله في بيع شيء فباع بعضه فلا يخلو إما أن يبيع البعض بثمن الكل أولا فإن باعه بثمنه كله صح على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا جزم به في المغنى والشرح والحاويين وشرح ابن منجا والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: لا يصح قدمه في الفائق وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمستوعب والخلاصة وغيرهم وظاهر ما قدمه في الرعايتين والنظم وغيرهم.
قلت: وهذا القول ضعيف.
فعلى المذهب يجوز له بيع الباقي على الصحيح من المذهب وقدمه في المغنى والشرح والرعايتين والحاويين وغيرهم وصححه في الفروع والفائق.
ويحتمل أن لا يجوز.
وإن باع البعض بدون ثمن الكل فلا يخلو إما أن يبيع الباقي أو لا فإن باع الباقي صح البيع وإلا لم يصح على الصحيح من المذهب فيهما قدمه في الفروع وجزم به في المستوعب وقال: نص عليه.
قال في التلخيص: والذي نقله الأصحاب في ذلك أنه لا يصح إذا لم يبع الباقي دفعا لضرر المشاركة بما بقي.
وقولهم: "إذا لم يبع الباقي" يدل على أنه إذا باعه ينقلب صحيحا وفيه عندي نظر انتهى.
وقيل لا يصح مطلقا وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
تنبيه: يستثنى من محل الخلاف فيما تقدم ومن عموم كلام المصنف لو وكله في بيع عبيد أو صبرة ونحوهما فإنه يجوز له بيع كل عبد منفردا وبيع الجميع صفقة واحدة وبيع بعض الصبرة منفردة وبيعها كلها جملة واحدة قاله الأصحاب إن لم يأمره ببيعها صفقة واحدة.
تنبيه: قولى عن كلام المصنف بدون ثمن الكل هو في بعض النسخ وعليها شرح الشارح.

(5/284)


وفي بعضها بإسقاطها تبعا لأبي الخطاب وجماعة وعليها شرح ابن منجا لكن قيدها بذلك من كلامه في المغنى.
قوله: "وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا".
صح وهو المذهب مطلقا.
قال في الفروع: صح في الأصح وجزم به في شرح ابن منجا وقدمه في المغنى والشرح وجزم به في الهداية والخلاصة والرعاية الصغرى والحاويين وصححه في النظم.
وقيل: لا يصح إن حصل ضرر وإلا صح وهو احتمال في المغنى والشرح وجزم به في الوجيز.
قلت: وهو الصواب.
والأول ضعيف وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
قوله: "وإن قال اشتر لي شاة بدينار فإشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى شاه تساوي دينارا بأقل منه صح وكان للموكل وإلا لم يصح".
يعني وإن لم تساو إحداهما دينارا لم يصح وهذا المذهب بلا ريب وعليه الاصحاب.
وفي المبهج رواية في المسألة الأولى أنه كفضولي.
وقال في عيون المسائل: إن ساوت كل واحدة منهما نصف دينار صح للموكل لا للوكيل وإن كانت كل واحدة منهما لا تساوي نصف دينار فروايتان.
إحداهما: يقف على إجازة الموكل وقال في الرعايتين والفائق والحاويين وقيل الزائد على الثمن والمثمن المقدرين للوكيل.
فعلى المذهب: لو باع إحدى الشاتين بغير إذن الموكل فقيل يصح إن كانت الباقية تساوي دينارا لحديث عروة البارقي رضي الله عنه.
قال المصنف والشارح: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله لأنه أخذ بحديث عروة وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: لا يصح مطلقا وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع والفائق.
وقيل يصح مطلقا ذكره ابن رزين في شرحه.

(5/285)


وقال في الفائدة العشرين لو باع إحداهما بدون إذنه ففيه طريقان.
أحدهما: يخرج على تصرف الفضولي.
والثاني: أنه صحيح وجها واحدا وهو المنصوص.
قوله: "وليس له شراء معيب".
بلا نزاع فإن فعل فلا يخلو إما أن يكون جاهلا أو عالما فإن كان جاهلا به فيأتي.
وإن كان عالما لزم الوكيل ما لم يرض الموكل وليس له ولا لموكله رده.
وإن اشترى بعين المال: فكشراء فضولي وهذا المذهب في ذلك كله وعليه الأصحاب.
وقال الأزجي: إن اشتراه مع علمه بالعيب فهل يقع عن الموكل لأن العيب إنما يخاف منه نقص المالية فإذا كان مساويا للثمن فالظاهر أنه يرضى به أم لا يقع عن الموكل؟ فيه وجهان.
قوله: "وإن وجد بما اشترى عيبا فله الرد".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولم يضمنه.
وقال الأزجى: إن جهل عيبه وقد اشترى بعين المال فهل يقع عن الموكل فيه خلاف انتهى.
وله رده وأخذ سليم بدله إذا لم يعينه الموكل على ما يأتي قريبا.
فائدتان
إحداهما: لو أسقط الوكيل خياره فحضر موكله فرضى به لزمه وإلا فله رده على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقال في المغنى وله رده على وجه.
الثانية: لو ظهر به عيب وأنكر البائع أن الشراء وقع للموكل لزم الوكيل وليس له رده على الصحيح من المذهب جزم به في المغنى والشرح وقدمه في الفروع.
وقيل: يلزم الموكل وله أرشه فإن تعذر من البائع لزم الوكيل.
قوله: "فإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك".
وهذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يقف الأمر على حلف موكله وللحاكم إلزامه حتى يحضر موكله.

(5/286)


فائدتان
إحداهما: مثل ذلك خلافا ومذهبا قول غريم لوكيل غائب في قبض حقه أبرأني موكلك أو قبضه ويحكم عليه ببينة إن حكم على غائب.
الثانية: لو ادعى الغريم أن الموكل عزل الوكيل في قضاء الدين أو ادعى موت الموكل حلف الوكيل على نفي العلم في أصح الوجهين وقدمه في الرعايتين والحاويين.
وقيل: يقبل قوله من غير يمين.
قوله: "فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والشرح وشرح ابن منجا والفروع والفائق.
أحدهما: لا يصح الرد وهو باق للموكل وهو المذهب صححه في التصحيح وقدمه في الرعايتين والحاويين والمغنى.
والثاني: يصح فيجدد الموكل العقد صححه في النظم وجزم به في الوجيز.
قال المصنف والشارح: يصح الرد بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل علمه.
وقال أبو المعالي في النهاية: يطرد روايتان منصوصتان في استيفاء حد وقود وغيرهما من الحقوق مع غيبة الموكل وحضور وكيله وحكاهما غيره في حد وقود على ما تقدم.
فائدة: رضى الموكل الغائب بالمعيب عزل لوكيله عن رده.
قوله: "وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له الرد قبل إعلام الموكل؟ على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغنى والشرح والفروع والفائق والمحرر والتلخيص والبلغة.
أحدهما: له الرد وهو الصحيح صححه في التصحيح وتصحيح المحرر والنظم وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين.
والوجه الثاني: ليس له الرد.
قال في الرعايتين: هذا اولى.
وقال في تجريد العناية: هذا الأظهر وقدمه في الخلاصة.
قلت: وهو الصواب.
فلو علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه فيه وجهان مبنيان على الوجهين اللذين قبلهما.

(5/287)


قوله: "وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح".
إن لم ينهه عنه ولم يكن له فيه غرض بلا نزاع.
قوله: "وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه".
بلا نزاع.
قوله: "ولم يملك قبض ثمنه إلا بقرينة".
هذا أحد الوجوه جزم به في الوجيز وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق على ما يأتي واختاره المصنف وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا يملك قبض ثمنه مطلقا وهو المذهب كالحاكم وأمينه اختاره القاضي وغيره وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وقدمه في الفروع.
والوجه الثالث: يملكه مطلقا وهو احتمال في المغنى والشرح.
وقال في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق: وفي قبضه ثمنه بلا قرينه وجهان.
وقال ابن عبدوس في تذكرته: له قبض الثمن إن فقدت قرينة المنع.
فعلى المذهب: إن تعذر قبض الثمن من المشترى لم يلزم الوكيل شيء كما لو ظهر المبيع مستحقا أو معيبا.
وعلى الثالث: ليس له تسليم المبيع إلا بقبض الثمن أو حضوره فإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه.
وعلى الأول: إن دلت قرينة على قبضه ولم يقبضه ضمنه وإلا فلا.
فائدتان
إحداهما: وكذا الحكم لو وكل في شراء سلعة هل يقبضها أم لا أم يقبضها إن دلت قرينة عليه.
وإن أخر تسليم ثمنه بلا عذر ضمنه على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقيل: لا يضمن.
الثانية: هل للوكيل في البيع أو الشراء فعل ذلك بشرط الخيار له -وقيل مطلقا- أم لا؟ فيه وجهان وأطلقهما في الفروع.
وقال في الرعاية: وإن وكل في شراء لم يشرط الخيار للبائع وهل له شرطه لنفسه أو لموكله يحتمل وجهين انتهى.

(5/289)


وظاهر كلامه في المجرد والرعاية الكبرى في البيع صحة ذلك ويكون للموكل.
فإذا شرط الخيار فهو لموكله وإن شرطه لنفسه فهو لهما ولا يصح شرطه له وحده.
ويختص الوكيل بخيار المجلس ويختص به الموكل إن حضره وحجر عليه جزم به في الفروع.
وقال في التلخيص: وإن حضر الموكل في المجلس وحجر على الوكيل في الخيار رجعت حقيقة الخيار إلى الموكل في أظهر الاحتمالين.
وتقدم ذلك في خيار الشرط ومسائل أخر عند قوله: "وإن شرط الخيار لغيره جاز".
قوله: "وإن وكله في بيع فاسد أو في كل قليل وكثير لم يصح".
إذا وكله في بيع فاسد فباع بيعا صحيحا لم يصح قطع به الأصحاب.
وإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح على الصحيح من المذهب كما قطع به المصنف هنا وعليه أكثر الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وقال الأزجي في النهاية: لم يصح باتفاق الأصحاب.
وقيل: يصح كما لو وكله في بيع ماله كله أو المطالبة بحقوقه كلها أو الإبراء منها أو بما شاء منها.
قوله: "وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن".
هذا إحدى الروايتين وهو المذهب اختاره القاضي وغيره قاله في التلخيص وجزم به في الوجيز.
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وصححه في النظم وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين والفائق.
وعنه ما يدل على أنه يصح وهو ظاهر ما اختاره في المغنى والشرح.
قال أبو الخطاب: ويحتمل أن يجوز على ما قاله الامام أحمد رحمه الله في رجلين قال كل واحد منهما لصاحبه "ما اشتريت من شيء فهو بيني وبينك" إنه جائز وأعجبه وقال هذا توكيل في كل شيء.
وكذا قال ابن أبي موسى: إذا أطلق وكالته جاز تصرفه في سائر حقوقه وجاز بيعه عليه وابتياعه له وكان خصما فيما يدعيه لموكله ويدعي عليه بعد ثبوت وكالته منه انتهى.
وقيل يكفي: ذكر النوع فقط اختاره القاضي نقله عنه المصنف والشارح وقطع به ابن عقيل في الفصول وأطلقهن في الفروع.

(5/290)


وقال في الرعاية: وقيل: يكفي ذكر النوع أو قدر الثمن.
قوله: "وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض".
ولا الإقرار عليه مطلقا نص عليه وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطعوا به.
وقطع ابن البنا في تعليقه: أنه يكون وكيلا في القبض لأنه مأمور بقطع الخصومة ولا تنقطع إلا به انتهى.
قلت: الذي ينبغي: أن يكون وكيلا في القبض إن دلت عليه قرينة.
كما اختاره المصنف وجماعة فيما إذا وكله في بيع شيء أنه لا يملك قبض ثمنه إلا بقرينة.
قوله: "وإن وكله فى القبض كان وكيلا في الخصومة فى أحد الوجهين".
وهو المذهب صححه فى التصحيح وتصحيح المحرر والرعايتين والحاويين والنظم وغيرهم وجزم به فى الوجيز والهداية وقدمه فى المذهب والمستوعب والخلاصة ومال إليه المصنف والشارح.
والوجه الثانى: لا يكون وكيلا فى الخصومة وأطلقهما فى الكافى والمحرر وشرحه والفروع والفائق.
وقال فى المغنى والشرح: ويحتمل إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا فى تثبيته والخصومة فيه لعلمه بتوقف القبض عليه وإلا فلا.
فائدتان
إحداهما: أفادنا المصنف رحمه الله صحة الوكالة فى الخصومة وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
لكن قال فى الفنون: لا يصح ممن علم ظلم موكله فى الخصومة واقتصر عليه فى الفروع وهذا مما لا شك فيه.
قال فى الفروع: وظاهره يصح إذا لم يعلم ظلمه فلو ظن ظلمه جاز ويتوجه المنع.
قلت: وهو الصواب.
قال: ومع الشك يتوجه احتمالان ولعل الجواز أولى كالظن فى عدم ظلمه فإن الجواز فيه ظاهر وإن لم يجز الحكم مع الريبة فى البينة.
وقال القاضي في قوله تعالى {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء: من الآية105] يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره فى إثبات حق أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره.

(5/291)


وكذا قال المصنف فى المغنى والشارح فى الصلح عن المنكر: يشترط أن يعلم صدق المدعى فلا تحل دعوى ما لم يعلم ثبوته.
الثانية: له إثبات وكالته مع غيبة موكله على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل: ليس له ذلك.
ويأتى فى باب أقسام المشهود به ما تثبت به الوكالة والخلاف فيه.
وإن قال: "أجب عنى خصمى" احتمل أنها كالخصومة واحتمل بطلانها وأطلقهما فى الفروع.
قلت: الصواب الرجوع فى ذلك إلى القرائن فإن لم تدل قرينة فهو إلى الخصومة اقرب.
قوله: "وإن وكله فى الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به فى الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والوجيز وغيرهم.
قال المصنف والشارح: ذكره أصحابنا.
قال فى الفروع: لم يصح فى الأصح.
وقيل: يضمن وذكره القاضي رواية.
قوله: "وإن وكله فى قضاء دين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن".
هذا المذهب بشرطه وعليه أكثر الأصحاب كما لو أمره بالإشهاد فلم يفعل.
قال فى التلخيص: ضمن فى أصح الروايتين وهو ظاهر ما جزم به فى الوجيز والخرقى وجزم به فى العمدة وغيرها وقدمه فى المحرر والرعايتين والحاويين والفروع والمغنى والشرح والزركشى وقال هذا المذهب.
وقال القاضي وغيره من الأصحاب: وسواء صدقه الموكل أو كذبه.
وعنه لا يضمن سواء أمكنه الإشهاد أولا اختاره ابن عقيل.
وقيل: يضمن إن أمكنه الإشهاد ولم يشهد وإلا فلا.
وقال فى الفروع: ويتوجه احتمال يضمنه إن كذبه الموكل وإلا فلا.
قال الزركشى: وهذا مقتضى كلام الخرقى.
قوله: "إلا أن يقضيه بحضرة الموكل".
يعنى أنه إذا قضاه بحضرة الموكل من غير إشهاد لا يضمن وهذا المذهب جزم به فى الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والتلخيص والمحرر والشرح والرعاية الصغرى

(5/292)


والحاويين وغيرهم.
قال فى الرعاية الكبرى والفروع: لم يضمن فى الأصح.
قال الزركشى: هذا الصحيح.
وقيل: يضمن اعتمادا على أن الساكت لا ينسب إليه قول.
وتقدم نظير هذه المسألة فيما إذا قضى الضامن الدين وتقدم هناك إذا أشهد ومات الشهود ونحو ذلك والحكم هنا كذلك.
وتقدم أيضا فى الرهن فيما إذا قضى العدل المرتهن.
وتقدم أيضا فى الرهن من طلب منه الرد وقبل قوله هل له التأخير ليشهد أم لا؟ وما يتعلق بذلك عند قوله: "إذا اختلفا فى رد الرهن" والأصحاب يذكرون المسألة هنا.
قوله: "والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف فى يده بغير تفريط والقول قوله مع يمينه فى الهلاك ونفى التفريط".
هذا المذهب مطلقا وعليه الإصحاب فى الجملة.
قال القاضي: إلا أن يدعى تلفا بأمر ظاهر كالحريق والنهب ونحوهما فعليه إقامة البينة على وجود ذلك فى تلك الناحية ثم يكون القول قوله فى تلفها به وجزم به فى المحرر والوجيز والفائق والزركشى وغيرهم من الأصحاب.
قال فى الفروع: ويقبل قوله فى التلف وكذا إن ادعاه بحادث ظاهر وشهدت بينة بالحادث قبل قوله مع يمينه.
وفي اليمين رواية إذا أثبت الحادث الظاهر ولو باستفاضة أنه لا يحلف.
ويأتى نظير ذلك فى الرد بعيبه.
قوله: "ولو قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله".
هذا المذهب اختاره ابن حامد.
قال فى الفائق قبل قوله فى أصح الوجهين وجزم به فى الهداية والمذهب والخلاصة والمستوعب والوجيز والحاوى الصغير وغيرهم وصححه فى النظم.
قال فى الرعايتين: قبل قول الوكيل فى الأشهر وقدمه فى المغنى والشرح.
وقيل :لا يقبل قوله وهو احتمال فى المغنى والشرح وأطلقهما فى الكافى.
فائدة: لو وكله فى شراء عبد فاشتراه واختلفا فى قدر الثمن فقال اشتريته بألف فقال الموكل بل بخمسمائة فالقول قول الوكيل على الصحيح من المذهب قدمه فى المغنى والشرح والفائق.

(5/293)


قال القاضي: القول قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه الوكيل فيكون القول قوله .
قوله: "فإن اختلفا فى رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا".
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطع به الأكثر.
وقيل لا يقبل قوله إلا ببينة ذكره فى الرعاية.
وإن كان بجعل فعلى وجهين وأطلقهما فى الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغنى والهادى والتلخيص والشرح والنظم والحاويين والقواعد الفقهية والفائق.
أحدهما: يقبل قوله مع يمينه كالوصى نص عليه وهو المذهب وصححه فى التصحيح وجزم به فى العمدة والوجيز وقدمه فى الرعايتين واختاره القاضي فى خلافه وابنه أبو الحسين والشريف أبو جعفر وأبو الخطاب فى خلافة وغيرهم وسواء أختلفا فى رد العين أو رد ثمنها.
والوجه الثاني: لا يقبل قوله إلا ببينة وهو المذهب اختاره ابن حامد وابن أبى موسى والقاضى فى المجرد وابن عقيل وغيرهم وقدمه فى المحرر والفروع وتجريد العناية وغيرهم وصححه فى إدراك الغاية وغيره وقطع به فى المنور وغيره.
قوله: "وكذلك يخرج فى الأجير والمرتهن".
وكذا قال فى الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
قال فى الفائق والوجهان فى الأجير والمرتهن انتهى.
وكذا المستأجر والشريك والمضارب والمودع ونحوهم قاله فى الرعاية وغيرها.
وتقدم فى كلام المصنف أن القول قول الراهن إذا ادعى المرتهن رده وأنه المذهب.
وتقدم فى الباب الذى قبله أن القول قول الولى فى دفع المال إلى المولى عليه على الصحيح.
ويأتى فى كلام المصنف فى المضاربة أن القول قول رب المال فى رد المال إليه ويأتى الخلاف فيه.
ويأتى فى كلام المصنف فى باب الوديعة: أن القول قول المودع فى الرد على الصحيح من المذهب.
فائدة: لو ادعى الرد إلى غير من ائتمنه بإذن الموكل قبل قول الوكيل على الصحيح من المذهب نص عليه.

(5/294)


قال فى الرعايتين والحاوى الصغير: لو قال "دفعتها إلى زيد بأمرك" قبل قوله فيهما نص عليه اختاره أبو الحسين التميمى قاله فى القاعدة الرابعة والأربعين.
وقيل: لا يقبل قوله.
فقيل: لتفريطه بترك الإشهاد على المدفوع إليه فلو صدقه الآمر على الدفع لم يسقط الضمان.
وقيل: بل لأنه ليس امينا للمأمور بالدفع إليه فلا يقبل قوله فى الرد إليه كالأجنبى.
وكل من الأقوال الثلاثة قد نسب إلى الخرقى هذا كلامه فى القواعد.
وقال فى الفروع: فلا يقبل قوله فى دفع المال إلى غير ربه وإطلاقهم ولا في صرفه فى وجوه عينت له من أجرة لزمته وذكره الأدمى البغدادى انتهى.
وجزم فى الرعاية الكبرى فى موضع أنه لا يقبل قول كل من أدعى الرد إلى غير من ائتمنه.
قوله: "وإن قال أذنت لى فى البيع نساء وفى الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين".
وأطلقهما فى المذهب.
أحدهما: القول قول الوكيل وهو المذهب نص عليه فى المضارب.
قال فى الرعاية الكبرى: صدق الوكيل فى الأشهر إن خلف وقدمه فى الهداية والمستوعب والخلاصة والهادى والحاوى الكبير والفروع والفائق.
والوجه الثاني: القول قول المالك اختاره القاضي وصححه المصنف والشارح وصاحب التصحيح وجزم به الوجيز وقدمه فى الكافي وشرح ابن رزين.
فائدة: وكذا الحكم لو قال أذنت لى فى البيع بغير نقد البلد أو اختلفا فى صفة الإذن وكذا حكم المضارب فى ذلك كله نص عليه واختاره المصنف.
فعلى الوجه الثانى: إذا حلف المالك بريء من الشراء.
فلو كان المشترى جارية فلا يخلو إما أن يكون الشراء بعين المال أو فى الذمة.
فإن كان بعين المال فالبيع باطل وترد الجارية على البائع إن اعترف بذلك.
وإن كذبه فى الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه فالقول قول البائع.
فلو ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله فإذا حلف مضى البيع وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع وتبقى الجارية فى يده لا تحل له فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له فى الباطن لتحل له ظاهرا وباطنا.

(5/295)


فلو قال: "بعتكها إن كانت لى" أو "إن كنت إذنت لك فى شرائها بكذا فقد بعتكها" ففى صحته وجهان وأطلقهما فى المغنى والشرح والفروع والقواعد.
أحدهما: لا يصح لأنه بيع معلق على شرط اختاره القاضي وقدمه فى الرعاية الكبرى.
والوجه الثانى: يصح لأن هذا واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا كما لو قال بعتك هذه الأمة إن كانت أمة.
قلت: وهو الصواب وهو احتمال فى الكافى ومال إليه هو وصاحب القواعد.
وكذا كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب وقوف البيع ولا يؤثر فيه شكا أصلا.
وقد ذكر ابن عقيل فى الفصول: أن أصل هذا قولهم فى الصوم إن كان غدا من رمضان فهو فرضى وإلا فنفل.
وذكر فى التبصرة: أن التصرفات كالبيع نساء انتهى.
تنبيه: لو امتنع من بيعها من هي له فى الباطن رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه إياها ليثبت له الملك ظاهرا وباطنا فإن امتنع لم يجبر عليه وله بيعها له ولغيره.
قال فى المجرد والفصول: ولا يستوفيه من تحت يده كسائر الحقوق.
قال الأزجى: وقيل: يبيعه ويأخذ ما غرمه من ثمنه.
وقال فى الترغيب الصحيح: أنه لا يحل وهل تقر بيده أو يأخذها الحاكم كمال ضائع على وجهين انتهى.
وإن اشتراها فى الذمة ثم نقد الثمن فالبيع صحيح ويلزم الوكيل فى الظاهر.
فأما فى الباطن فإن كان كاذبا فى دعواه فالجارية له وإن كان صادقا فالجارية لموكله فإن أراد إحلالها توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا أولا.
وكل موضع كانت للموكل فى الباطن وامتنع من بيعها للوكيل فقد حصلت فى يد الوكيل وهى للموكل وفى ذمته ثمنها للوكيل.
فأقرب الوجوه أن يأذن الحاكم فى بيعها ويوفيه حقه من ثمنها فإن كانت للوكيل فقد بيعت بإذنه وإن كانت للموكل فقد باعها الحاكم فى إيفاء دين امتنع المدين من وفائه.
قال المصنف والشارح: وقد قيل غير ذلك وهذا أقرب إن شاء الله تعالى.
وإن اشتراها الوكيل من الحاكم بما له على الموكل جاز.
وقال الأزجى: إن كان الشراء فى الذمة وادعى أنه يبتاع بمال الوكالة فصدقة البائع أو كذبه فقيل: يبطل كما لو كان الثمن معينا وكقوله: "قبلت النكاح لفلان الغائب" فينكر الوكالة.
وقيل: يصح فإذا حلف الموكل ما أذن له لزم الوكيل.

(5/296)


قوله: "وإن قال وكلتنى أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكره فالقول قول المنكر".
نص عليه بغير يمين قال الإمام أحمد رحمه الله لا يستحلف.
قال القاضي: لأن الوكيل يدعى حقا لغيره فأما إن ادعته المرأة فينبغى أن يستحلف لأنها تدعى الصداق فى ذمته وقاله الأصحاب بعده وهو صحيح.
قوله: "وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على روايتين".
وأطلقهما فى الهداية والفصول والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والهادى وشرح ابن منجا والفائق والمحرر وشرحه.
إحداهما: لا يلزمه وهو المذهب صححه فى التصحيح وتصحيح المحرر والمصنف والشارح وجزم به فى الوجيز وقدمه فى الكافي.
والرواية الثانية: يلزمه وقدمه فى الرعايتين والحاويين وجزم به ابن رزين فى نهايته ونظمها وصححه فى النظم.
فوائد
الأولى: يلزم الموكل تطليقها على الصحيح من المذهب صححه فى النظم وقدمه الرعايتين والحاويين.
وقيل: لا يلزمه وهما احتمالان مطلقان فى المغنى والشرح.
الثانية: لو اتفق على أنه وكله فى النكاح فقال الوكيل: تزوجت لك وأنكره الموكل فالقول قول الوكيل على الصحيح من المذهب قدمه فى المغنى والشرح والفروع والحاوى الكبير والفائق.
وعنه القول قول الموكل لاشتراط البينة اختاره القاضي وغيره وجزم به فى الحاوى الصغير.
قال فى الرعايتين: قبل قول الموكل فى الأقيس.
وذكره فى التلخيص والترغيب عن أصحابنا كأصل الوكالة.
فعلى هذه الرواية: يلزم الموكل طلاقها على الصحيح من المذهب نص عليه كالأولى وقيل: لا يلزمه.
وعلى الرواية الثانية: لا يلزم الوكيل نصف المهر إلا بشرط.
الثالثة: لو قال وكلتنى فى بيع كذا فأنكر الموكل وصدق البائع لزم وكيله فى ظاهر كلام المصنف قاله فى الفروع وقال وظاهر كلام غيره أنه كمهر أو لا يلزمه شيء لعدم تفريطه بترك البينة قال وهو أظهر.

(5/297)


الرابعة قوله: "فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح نص عليه".
قال الإمام أحمد رحمه الله: هل هذا إلا كالمضاربة؟ واحتج له بقول ابن عباس يعنى أنه أجاز ذلك وهو من مفردات المذهب.
لكن لو باعه نسيئة بزيادة فإن قلنا: لا يصح البيع فلا كلام وإن قلنا: يصح استحق الزيادة جزم به فى الفروع وغيره.
الخامسة: يستحق الجعل قبل قبض الثمن ما لم يشترط عليه الموكل جزم به فى المغنى والشرح.
وقال فى الفروع: وهل يستحق الجعل قبل تسليم ثمنه؟ يتوجه فيه خلاف.
السادسة: يجوز توكيله بجعل معلوم أياما معلومة أو يعطيه من الألف شيئا معلوما لا من كل ثوب كذا لم يصفه ولم يقدر ثمنه في ظاهر كلامه واقتصر عليه في الفروع وله أجر مثله.
وإن عين الثياب المعينة في بيع أو شراء من معين ففي الصحة خلاف قاله في الفروع.
قلت: الصواب الصحة.
السابعة: لا يصح التوكيل بجعل مجهول ولكن يصح تصرفه بالإذن ويستحق أجرة المثل.
قوله: "فإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه وإن كذبه لم يستحلف".
بلا نزاع كدعوى وصية.
فإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده.
فإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما ولا يرجع من ضمنه على الآخر.
وقال في الفروع: ومتى أنكر رب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وإن كان دينا وهو على الوكيل مع بقائه أو تعديه وإن لم يتعد فيه مع تلفه لم يرجع على الدافع وإن كان عينا أخذها ولا يرجع من ضمنه على الآخر انتهى.
فائدة: متى لم يصدق الدافع الوكيل رجع عليه ذكره الشيخ تقى الدين رحمه الله وفاقا وقال مجرد التسليم ليس تصديقا.
وقال وإن صدقه ضمن أيضا في أحد القولين في مذهب الإمام أحمد بل نصه لأنه إن لم يتبين صدقه فقد غره.
ولو أخبر بتوكيل فظن صدقه تصرف وضمن في ظاهر قوله قاله في الفروع.
وقال الأزجى: إذا تصرف بناء على هذا الخبر فهل يضمن فيه وجهان ذكرهما القاضي

(5/298)


في الخلاف بناء على صحة الوكالة وعدمها وإسقاط التهمة في شهادته لنفسه.
والأصل في هذا قبول الهدية إذا ظن صدقه وإذن الغلام في دخوله بناء على ظنه.
ولو شهد بالوكالة اثنان ثم قال أحدهما قد عزله لم تثبت الوكالة على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع ويتوجه بلى كقوله بعد حكم الحاكم بصحتها وكقول واحد غيرهما.
ولو أقاما الشهادة حسب بلا ذعوى الوكيل فشهدا عند الحاكم أن فلانا الغائب وكل هذا الرجل في كذا فإن اعترف أو قال: "ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه" ثبتت وكالته وعكسه "ما أعلم صدقهما" فإن أطلق قيل فسره.
قوله: "وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان".
وأطلقهما في الهداية وعقود ابن البنا والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والهادى والتلخيص والبلغة والمحرر والحاويين والفروع والفائق ونهاية ابن رزين ونظمها وإدراك الغاية.
أحدهما: لا يجب الدفع إليه مع التصديق ولا اليمين مع الإنكار كالوكالة.
قال في الفروع: هذا أولى.
قال المصنف والشارح: هذا أشبه وأولى لأن العلة في جواز منع الوكيل كون الدافع لا يبرأ وهي موجودة هنا والعلة في وجود الدفع إلى الوارث كونه مستحقا والدفع إليه يبرئ وهو متخلف هنا فإلحاقه بالوكيل أولى انتهيا.
وجزم به الأدمى في منتخبه وقدمه ابن رزين في شرحه وهذا المذهب على ما أصطلحناه في الخطبة.
قال في تصحيح المحرر: وذكر ابن مصنف المحرر في شرح الهداية لوالده أن عدم لزوم الدفع اختيار القاضي.
والوجه الثاني: يجب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار صححه في التصحيح والنظم.
قال في الرعايتين: لزمه ذلك في الأصح واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به الوجيز وصححه شيخنا في تصحيح المحرر وقدمه في تجريد العناية.
فائدة: تقبل بينه المحال عليه على المحيل فلا يطالبه وتعاد لغائب محتال بعد دعواه فيقضى بها له إذن.

(5/299)


قوله: "فإن ادعي أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار".
وهذا بلا نزاع وسواء كان دينا أو عينا وديعة أو غيرها.
وقد تقدم الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الحوالة والله أعلم.

(5/300)