الإنصاف
في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل كتاب البيع
مدخل
...
كتاب البيع
قوله : وهو مبادلة المال بالمال لغرض التملك
اعلم أن للبيع معنيان معنى في اللغة ومعنى في
الاصطلاح فمعناه في اللغة دفع عوض وأخذ معوض
عنه
وقال ابن منجا في شرحه أراد المصنف هنا بحده
بيان معنى البيع في اللغة
وقال في المستوعب البيع في اللغة عبارة عن
الإيجاب والقبول إذا تناول عينين أو عينا بثمن
وأما معناه في الاصطلاح فقال القاضي وابن
الزاغوني وغيرهما هو عبارة عن الإيجاب والقبول
إذا تضمن عينين للتمليك
وقال في المستوعب هو عبارة عن الإيجاب والقبول
إذا تضمن مالين للتمليك فأبدل العينين بمالين
ليحترز عما ليس بمال
ولا يطرد الحدان أي كل واحد منهما غير مانع
لدخول الربا ويدخل القرض على الثاني ولا
ينعكسان أي كل واحد منهما غير جامع لخروج
المعاطاة وخروج المنافع وممر الدار ونحو ذلك
قال المصنف ويدخل فيه عقود سوى البيع
وقال في الرعاية الكبرى هو بيع عين ومنفعة وما
يتعلق بذلك
وقال الزركشي حد المصنف هنا حد شرعي لا لغوي
انتهى
قلت: وهو مراده لأنه بصدد ذلك لا بصدد حده في
اللغة
فدخل في حده بيع المعاطاة لكن يرد عليه القرض
والربا فليس بمانع وتابعه على هذا الحد صاحب
الحاوي الكبير والفائق
وقال في النظم هو مبادلة المال بالمال بقصد
التملك بغير ربا
وقال المصنف والشارح هو مبادلة المال بالمال
تمليكا وتملكا
وقال في الوجيز هو عبارة عن تمليك عين مالية
أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي
ويرد عليه أيضا الربا والقرض
(4/187)
وبالجملة قل أن
يسلم حد
قلت: لو قيل هو مبادلة عين أو منفعة مباحة
مطلقا بأحدهما كذلك على التأييد فيهما بغير
ربا ولا قرض لسلم
فائدة : اشتقاقه عند الأكثر من الباع لأن كل
واحد منهما يمد باعه للأخذ منه
قال الزركشي ورد من جهة الصناعة
قال المصنف وغيره ويحتمل أن كل واحد منهما كان
يبايع صاحبه أي يصافحه عند البيع ولذلك يسمى
البيع صفقة
وقال ابن رزين في شرحه البيع مشتق من الباع
وكان أحدهم يمد يده إلى صاحبه ويضرب عليها
ومنه قول عمر البيع صفقة أو خيار انتهى
وقيل هو مشتق من البيعة قال الزركشي وفيه نظر
إذ المصدر لا يشتق من المصدر ثم معنى البيع
غير معنى المبايعة
وقال في الفائق هو مشتق من المبايعة بمعنى
المطاوعة لا من الباع انتهى
قوله : وله صورتان إحداهما: الإيجاب والقبول
فيقول البائع بعتك أو ملكتك ونحوهما
مثل وليتك أو شركتك فيه
ويقول المشتري ابتعت أو قبلت وما في معناهما
مثل تملكت وما يأتي من الألفاظ التي يصح بها
البيع وهذا المذهب وعليه الأصحاب
وعنه لا ينعقد بدون بعت واشتريت لا غيرهما
ذكرها في التلخيص وغيره
فوائد
إحداها : لو قال بعتك بكذا فقال أنا آخذه بذلك
لم يصح وإن قال أخذته منك أو بذلك صح نقله
مهنا
الثانية لا ينعقد البيع بلفظ السلف والسلم
قاله في التلخيص في باب السلم وظاهر كلام
الإمام أحمد في رواية المروذي لا يصح البيع
بلفظ السلم ذكره في القاعدة الثامنة والثلاثين
وقيل يصح بلفظ السلم قاله القاضي
الثالثة قال في التلخيص في باب الصلح في
انعقاد البيع بلفظ الصلح تردد فيحتمل الصحة
وعدمها
وقال في الفروع ويصح بلفظ الصلح على ظاهر
كلامه في المحرر والفصول وقاله في الترغيب
(4/188)
قوله : فإن
تقدم القبول الإيجاب جاز في إحدى الروايتين
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر
وشرح ابن منجا
إحداهما : يجوز أي يصح وهو المذهب سواء تقدم
بلفظ الماضي أو بلفظ الطلب كقوله: بعني ثوبك
أو ملكنيه فيقول بعتك جزم به في الوجيز وغيره
وصححه في التصحيح والنظم وغيرهما واختاره ابن
عبدوس في تذكرته وغيره وقدمه في الفروع
والرعايتين وغيرهما
والرواية الثانية لا يجوز أي لا يصح اختارها
أكثر الأصحاب قاله في الفروع كالنكاح
قال في النكت نصره القاضي وأصحابه
قال القاضي هذه الرواية هي المشهورة واختاره
أبو بكر وغيره
قال ابن هبيرة هذه أشهرهما عن أحمد انتهى
وجزم به المبهج وغيره وصححه في الخلاصة وغيرها
وهو من مفردات المذهب
وعنه إن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي
صح وإن تقدم بلفظ الطلب لم يصح
قال في المغني والحاويين فإن تقدم بلفظ الماضي
صح وإن تقدم بلفظ الطلب فروايتان
وقال في الشرح والفائق إن تقدم بلفظ الماضي صح
في أصح الروايتين وإن تقدم بلفظ الطلب
فروايتان
وقطع في الكافي بالصحة إن تقدم بلفظ الماضي
وعدم الصحة إن تقدم بلفظ الطلب
تنبيه محل الخلاف وهو مراد المصنف إذا كان
بلفظ الماضي المجرد عن الاستفهام أو بلفظ
الطلب لا غير كما تقدم أما لو كان بلفظ
المضارع أو كان بلفظ الماضي المستفهم به مثل
قوله: أبتعني هذا بكذا أو أتبيعني هذا بكذا
فيقول بعتك لم يصح نص عليه حتى يقول بعد ذلك
ابتعت أو قبلت أو اشتريت أو تملكت ونحوها
فوائد
الأولى لو قال البائع للمشتري اشتره بكذا أو
ابتعه بكذا فقال اشتريته أو ابتعته لم يصح حتى
يقول البائع بعده بعتك أو ملكتك قاله في
الرعاية
قال في النكت وفيه نظر ظاهر والأولى أن يكون
كتقدم الطلب من المشتري وأنه دال على الإيجاب
والبذل انتهى
الثانية لو قال بعتك أو قبلت إن شاء الله صح
بلا نزاع أعلمه وجزم به في المغني وغيره في
آخر باب الإقرار
(4/189)
ويأتي نظيره في
النكاح ويأتي ذلك في باب ما يحصل به الإقرار
الثالثة قوله: وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح
ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه
قيد الأصحاب قوله:م ولم يتشاغلا بما يقطعه
بالعرف
قوله : والثاني المعاطاة
الصحيح من المذهب صحة بيع المعاطاة مطلقا
وعليه جماهير الأصحاب وهو المعمول به في
المذهب
وقال القاضي لا يصح إلا في الشيء اليسير
وعنه لا يصح مطلقا وقدمه في الرعاية الكبرى
وأطلقهن في التلخيص والبلغة
تنبيهات
أحدها بيع المعاطاة كما مثل المصنف ومثل ما لو
ساومه سلعة بثمن فيقول خذها أو هي لك أو قد
أعطيتكها أو يقول كيف تبيع الخبز فيقول
كذا بدرهم فيقول خذ درهما أو زن ونحو ذلك مما
يدل على البيع والشراء قاله في الرعاية
وقال أيضا ويصح بشرط خيار مجهول كما في
المقبوض على وجه السوم والخيار مع قطع ثمنه
عرفا وعادة
قال في الفروع مثل المعاطاة وضع ثمنه عادة
وأخذه
الثاني كلام المصنف كالصريح في أن بيع
المعاطاة لا يسمى إيجابا وقبولا وصرح به
القاضي وغيره فقال الإيجاب والقبول للصيغة
المتفق عليها
قال الشيخ تقي الدين عبارة أصحابنا وغيرهم
تقتضي أن المعاطاة ونحوها ليست من الإيجاب
والقبول وهو تخصيص عرفي
قال والصواب أن الإيجاب والقبول اسم لكل تعاقد
فكل ما انعقد به البيع من الطرفين سمى إثباته
إيجابا والتزامه قبولا
الثالث ظاهر كلام المصنف أنه لا يصح البيع
بغير الإيجاب والقبول بالألفاظ المتقدمة
بشرطها والمعاطاة وهو صحيح وهو المذهب وعليه
القاضي والأصحاب
واختار الشيخ تقي الدين صحة البيع بكل ما عده
الناس بيعا من متعاقب ومتراخ من قول أو فعل
(4/190)
فائدتان
إحداهما : الصحيح من المذهب أن الهبة كبيع
المعطاة على ما يأتي في بابه
قال في الفروع ومثله الهبة
وقال في المغني والشرح والنظم والرعاية الكبرى
وغيرهم وكذا الهبة والهدية والصدقة
وذكر ابن عقيل وغيره صحة الهبة سواء صححنا بيع
المعاطاة أو لا انتهى
فمتى قلنا بالصحة يكون تجهيزه لبنته بجهاز إلى
زوجها تمليكا في أصح الوجهين قاله في الفروع
قال الشيخ تقي الدين تجهيز المرأة بجهاز إلى
بيت زوجها تمليك
قال القاضي قياس قولنا في بيع المعاطاة أنها
تملكه بذلك وأفتى به بعض أصحابنا
الثانية لا بأس بذوق المبيع عند الشراء نص
عليه لقول ابن عباس وقال الإمام أحمد مرة لا
أدري إلا أن يستأذن نص عليه
قوله : فإن كان أحدهما مكرها لم يصح
هذا البيع هذا المذهب بشرطه وعليه الأصحاب
وقال في الفائق قلت: ويحتمل الصحة وثبوت
الخيار عند زوال الإكراه
فوائد
إحداها : قوله : التراضي به وهو أن يأتيا به
اختيارا
لو أكره على وزن مال فباع ملكه لذلك كره
الشراء وصح على الصحيح من المذهب والروايتين
وهو بيع المضطر
ونقل حنبل تحريمه وكراهيته
واختار الشيخ تقي الدين الصحة من غير كراهة
ذكره عنه في الفائق
الثانية بيع التلجئة والأمانة وهو إن يظهرا
بيعا لم يريداه باطنا بل خوفا من ظالم دفعا له
باطل ذكره القاضي وأصحابه والمصنف والشارح
وصاحب الفروع والرعاية وغيرهم وهو من مفردات
المذهب
وقال في الرعاية ومن خاف ضيعة ماله أو نهبه أو
سرقته أو غصبه أو أخذه منه ظلما صح بيعه
قال في الفروع عن كلامه وظاهره أنه لو أودع
شهادة فقال اشهدوا على أني أبيعه أو أتبرع له
به خوفا أو تقية أنه يصح ذلك خلافا لمالك في
التبرع
(4/191)
قال الشيخ تقي
الدين من استولى على مال غيره ظلما بغير حق
فطلبه صاحبه فجحده أو منعه إياه حتى يبيعه
فباعه على هذا الوجه فهذا مكره بغير حق
الثالثة لو أسرا الثمن ألفا بلا عقد ثم عقده
بألفين ففي أيهما الثمن فيه وجهان وأطلقهما في
الفروع في باب الصداق والرعاية الكبرى قطع
ناظم المفردات أن الثمن الذي أسراه وهو من
المفردات وحكاه أبو الخطاب وأبو الحسين عن
القاضي
والذي قطع به القاضي في الجامع الصغير أن
الثمن ما أظهراه ولو عقداه سرا بثمن وعلانية
بأكثر فقال الحلواني هو كالنكاح اقتصر عليه في
الفروع ذكره في كتاب الصداق
الرابعة في صحة بيع الهازل وجهان وأطلقهما في
الفروع وصحح في الفائق البطلان واختاره القاضي
وجزم به المصنف والشارح وهو ظاهر ما جزم به في
الرعاية الكبرى
قال في القواعد الأصولية والفقهية والمشهور
البطلان
وقيل لا يبطل اختاره أبو الخطاب قاله في
القواعد الأصولية والفقهية وقال في الانتصار
يقبل منه بقرينة
الخامسة من قال لآخر اشترني من زيد فإني عبده
فاشتراه فبان حرا لم يلزمه العهدة حضر البائع
أو غاب على الصحيح من المذهب نقله الجماعة
كقوله: اشتر منه عبده هذا ويؤدب هو وبائعه لكن
ما أخذه المقر غرمه نص عليهما
وسأله ابن الحكم عن رجل يقر بالعبودية حتى
يباع فقال يؤخذ البائع والمقر بالثمن فإن مات
أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن واختاره الشيخ
تقي الدين
قلت: وهو الصواب
قال في الفروع يتوجه هذا في كل غار وما هو
ببعيد
ولو كان الغار أنثى حدت ولا مهر نص عليه ويلحق
الولد
السادسة لو أقر أنه عبده فرهنه قال في الفروع
فيتوجه كبيع
قلت: وهو الصواب
ولم ينقل عن أحمد فيه إلا رواية ابن الحكم
المتقدمة وقال بها أبو بكر
قوله : الثاني أن يكون العاقد جائز التصرف وهو
المكلف الرشيد
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب اشتراط
التكليف والرشد في صحة البيع من حيث الجملة
وعنه يصح تصرف المميز ويقف على إجازة وليه
وعنه يصح مطلقا ذكرها الفخر إسماعيل البغدادي
وقال في الانتصار وعيون المسائل ذكر أبو بكر
صحة بيعه ونكاحه
(4/192)
قوله : إلا
الصبي المميز والسفيه فإنه يصح تصرفهما بإذن
وليهما في إحدى الروايتين
وهي المذهب وعليه الأصحاب
والرواية الأخرى لا يصح تصرفهما إلا في الشيء
اليسير وأطلقهما في المغني والشرح وأطلق وجهين
في الكافي والتلخيص وأطلقهما في السفيه في باب
الحجر والهداية والمذهب والخلاصة والكافي
تنبيه يستثنى من محل الخلاف عدم وقف تصرف
السفيه
قال في الفروع والسفيه مثل المميز إلا في عدم
وقفه يعني أن لنا رواية في المميز بصحة تصرفه
ووقوفه على إجازة الولي بخلاف السفيه
ويستثنى أيضا من الخلاف في المميز والمراهق
تصرفه للاختبار فإنه يصح قولا واحدا جزم به في
الفروع والرعاية وغيرهما
قلت: ظاهر كلام كثير من الأصحاب إجراء الخلاف
فيه
تنبيه ظاهر كلام المصنف عدم صحة تصرف غير
المميز مطلقا
أما في الكثير فلا يصح قولا واحدا ولو أذن فيه
الولي
وأما في اليسير فالصحيح من المذهب صحة تصرفه
وهو الصواب قطع به في المغني والشرح
وقيل لا يصح وجزم به في الرعاية الكبرى
وأطلقهما في الفروع
فائدة : يصح تصرف العبد والأمة بغير إذن السيد
فيما يصح فيه تصرف الصغير بغير إذن وليه قاله
الأصحاب
تنبيه أفادنا المصنف رحمه الله أن تصرف الصبي
والسفيه لا يصح بغير إذن وليهما إلا في الشيء
اليسير كما قال المصنف وهو الصحيح في الجملة
وهو المذهب وعليه الأكثر
ونقل حنبل إن تزوج الصغير فبلغ أباه فأجازه
جاز
قال جماعة ولو أجازه هو بعد رشده لم يجز
ونقل أبو طالب وأبو الحارث وابن مشيش صحة عتقه
إذا عقله
وكذا قال في عيون المسائل يصح عتقه وأن أحمد
قاله
وقدم في التبصرة صحة عتق المميز
وذكر في المبهج والترغيب في صحة عتق المحجور
عليه وابن عشر وابنة تسع روايتين
(4/193)
وقال في الموجز
في صحة عتق المميز روايتان
وقال في الانتصار والهداية والمذهب والخلاصة
والمصنف في هذا الكتاب في باب الحجر وغيرهم في
صحة عتق السفيه روايتان
ويأتي بعض ذلك في أول كتاب العتق
وقال ابن عقيل الصحيح عن أحمد عدم صحة عقوده
وأن شيخه القاضي قال الصحيح عندي في عقوده
كلها روايتان
وقدم في التبصرة صحة عتق مميز وسفيه ومفلس
ونقل حنبل إذا بلغ عشرا تزوج وزوج وطلق
وفي طريقة بعض أصحابنا في صحة تصرف مميز
ونفوذه بلا إذن ولى وإبرائه وإعتاقه وطلاقه
روايتان انتهى
وشراء السفيه في ذمته واقتراضه لا يصح على
الصحيح من المذهب وقيل يصح ويأتي أحكام السفيه
في باب الحجر
وأما الصبي فله أحكام كثيرة متفرقة في الفقه
ذكر أكثرها في القواعد الأصولية ويأتي بعضها
في كلام المصنف في وصيته وتزويجه وطلاقه
وظهاره وإيلائه وإسلامه وردته وشهادته وإقراره
وغير ذلك
وفي قبول المميز والسفيه وكذا العبد هبة ووصية
بدون إذن ثلاثة أوجه
ثالثها يصح من العبد دون غيره نص عليه قاله في
الفروع
وذكر في المغني أنه يصح قبول المميز وكذا قبضه
واختاره أيضا الشارح والحارثي وفيه احتمال
وأطلقهما في الرعايتين والحاويين في السفيه
والمميز وأطلقهما في الفائق في الصغير
قلت: الصواب الصحة في الجميع ويقبل من مميز
قال أبو الفرج ودونه هدية أرسل بها وإذنه في
دخول الدار ونحوها
وفي جامع القاضي ومن فاسق وكافر وذكره القرطبي
إجماعا
وقال القاضي في موضع يقبل منه إن ظن صدقه
بقرينة وإلا فلا قال في الفروع وهذا متجه
تنبيه قوله : الثالث أن يكون المبيع مالا وهو
ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة
فتقييده بما فيه منفعة احترازا عما لا منفعة
فيه كالحشرات ونحوها
وتقييده المنفعة بالإباحة احترازا عما فيه
منفعة غير مباحة كالخمر والخنزير ونحوهما
(4/194)
وتقييده
بالإباحة لغير ضرورة احترازا عما فيه منفعة
مباحة لضرورة كالكلب ونحوه قاله ابن منجا وقال
فلو قال المصنف لغير حاجة لكان أولى لأن
اقتناء الكلب يحتاج إليه ولا يضطر فمراده
بالضرورة الحاجة
وقال الشارح وقوله : لغير ضرورة احترازا من
الميتة والمحرمات التي تباح في حال المخمصة
والخمر التي تباح لدفع اللقمة بها انتهى
قلت: وهو أقعد من كلام ابن منجا وهو مراد
المصنف
تنبيه دخل في كلام المصنف صحة بيع مجاز في ملك
غيره ومعين من حائط يجعله بابا ومن أرضه يصنعه
بئرا أو بالوعة وعلو بيت معين يبنى عليه بناء
موصوفا ولو لم يكن البيت مبنيا على أصح
الوجهين قاله في الرعاية وجزم به ابن عبدوس في
تذكرته والهداية والخلاصة والحاوي الكبير
وقيل لا يصح إذا لم يكن مبنيا وأطلقهما في
الرعاية الصغرى والحاوي الصغير
ويأتي ذلك في كلام المصنف في باب الصلح
قوله : فيجوز بيع البغل والحمار
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب وحكاه في
التلخيص والبلغة إجماعا
وقال الأزجي في النهاية القياس أنه لا يجوز
بيعهما إن قلنا بنجاستهما وخرجه ابن عقيل قولا
قوله : ودود القز
الصحيح من المذهب جواز بيع دود القز وعليه
جماهير الأصحاب وجزم به كثير من الأصحاب وقال
أبو الخطاب في انتصاره لا يجوز بيعه
قوله : وبزره
يعني إذا لم يدب هذا المذهب وعليه جماهير
الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والخلاصة والوجيز وغيرهم وقدمه في
المستوعب والمغني والشرح والفروع وغيرهم
وفيه وجه لا يجوز بيعه ما لم يدب وجزم به في
عيون المسائل واختاره القاضي وأطلقهما في
المحرر والرعايتين والحاويين والفائق
فائدة : إذا دب بزر القز فهو من دود القز حكمه
حكمه كما تقدم
(4/195)
قوله : والنحل
منفردا وفي كواراته
يجوز بيع النحل منفردا على الصحيح من المذهب
وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية
والمذهب والخلاصة والمغني ومسبوك الذهب
والمغني والتلخيص والبلغة والشرح والمحرر
والحاويين والوجيز والمنور وغيرهم وصححه في
الفروع وقدمه في الرعايتين وقيل لا يصح
قوله : وفي كواراته
الصحيح من المذهب أنه يجوز بيع النحل مع
كواراته جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة
والمحرر والحاوي الصغير والمنور وغيرهم وصححه
في الفروع والرعايتين
وقيل لا يصح قال القاضي لا يصح بيعها في
كواراتها وأطلقهما في المغني والتلخيص والبلغة
والشرح والحاوي الكبير
فعلى المذهب فيها يشترط أن يشاهد النحل داخلا
إليها عند الأكثر قاله في الفروع وقيل لا
يشترط وقدمه في الرعايتين
قال في الكبرى بعد أن قدم هذا في بيعه منفردا
وقيل إذا رأياه فيها وعلما قدره وأمكن أخذه
وقيل إن رأياه يدخلها وإلا فلا
فائدة : قال في التلخيص والبلغة وجماعة لا يصح
بيع الكوارة بما فيها من عسل ونحل واقتصر عليه
في الفائق وقدمه في الرعايتين وجزم به في
الحاوي الصغير
وقال في الفروع وظاهر كلام بعضهم صحة ذلك
انتهى
قلت: اختاره في الرعايتين
وأما إذا كان مستورا بأقراصه فإنه لا يجوز
بيعه جزم به في المغني والشرح والرعاية الكبرى
والحاوي الكبير وغيرهم
فائدتان
إحداهما : ذكر الخرقي أن الترياق لا يؤكل لأن
فيه لحوم الحيات فعلى هذا لا يجوز بيعه لأن
نفعه إنما يحصل بالأكل وهو محرم فخلا من نفع
مباح ولا يجوز التداوي به ولا بسم الأفاعي
فأما السم من الحشائش والنبات فإن كان لا
ينتفع به أو كان يقتل قليله لم يجز بيعه لعدم
نفعه وإن انتفع به وأمكن التداوي بيسيره
كالسقمونيا ونحوها جاز بيعه
(4/196)
الثانية يصح
بيع علق لمص دم وديدان تترك في الشص لصيد
السمك على الصحيح من المذهب صححه في المغني
والشرح والنظم والحاوي الكبير وقدمه في
الرعاية الكبرى
وقيل لا يصح وأطلقهما في الفروع والفائق
قوله : ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم
التي تصلح للصيد وكذا سباع الطير في إحدى
الروايتين
هذا المذهب صححه في التصحيح والكافي والنظم
وغيرهم واختاره المصنف والشارح وابن رزين في
شرحه
قال الحارثي في شرحه الأصح جواز بيع ما يصلح
للصيد وقدمه ابن رزين في شرحه والحاوي الكبير
وجزم به الخرقي وصاحب الوجيز والمنور ومنتخب
الأدمى وغيرهم
والأخرى لا يجوز اختارها أبو بكر وابن أبي
موسى وصاحب الهدى
قال في القواعد الفقهية لا يجوز بيع الهر في
أصح الروايتين واختاره في الفائق في الهر
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والتلخيص والبلغة والمحرر والرعايتين
والحاوي الصغير والفروع وتجريد العناية
والزركشي وكذا الفائق في غير الهر
وقيل يجوز فيما قيل بطهارته منها
وقيل يجوز بيع المعلم منها دون غيره ويحتمله
كلام المصنف هنا
لكن الأولى أنه أراد ما يصلح أن يقبل التعليم
وهو محل الخلاف
فعلى المذهب في جواز بيع فراخه وبيضه وجهان
وأطلقهما في الفروع وأطلقهما في الرعاية في
البيض
أحدهما يجوز فيما إذا كان البيض ينتفع به بأن
يصير فراخا اختاره المصنف والشارح وصححه في
النظم وقدمه في الكافي والحاوي الكبير وابن
رزين
قال الزركشي إن قبل التعليم جاز على الأشهر
كالجحش الصغير
وقيل لا يجوز بيعهما
قال القاضي لا يجوز بيع البيض لنجاسته ورده
المصنف والشارح
تنبيه قوله : التي تصلح للصيد عائد إلى سباع
البهائم فقط وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب
وتعليلهم يدل عليه لا إلى الهر والفيل
وقال في الفروع وفي بيع هر وما يعلم من الصيد
أو يقبل التعليم كفيل وفهد وباز إلى آخره
(4/197)
وقال بعد ذلك
فإن لم يقبل الفيل والفهد التعليم لم يجز بيعه
كأسد وذئب ودب وغراب
فلعله أراد أن تعليم كل شيء بحسبه فتعليم
الفيل للركوب والحمل عليه ونحوهما وتعليم غيره
للصيد لا أنه أراد تعليم الفيل للصيد فإن هذا
لم يعهد ولم يذكره الأصحاب فيما يصاد به على
ما يأتي ولشيخنا عليه كلام في حواشي الفروع
فوائد
الأولى في جواز بيع ما يصاد عليه كالبومة التي
يجعلها شباشا لتجمع الطيور إليها فيصيدها
الصياد وجهان وهما احتمالان مطلقان في المغني
والشرح والرعاية الكبرى وأطلقهما في الفروع
والحاوي الكبير وكذا حكم اللقلق
أحدهما يجوز قدمه ابن رزين في شرحه وكذا قدم
الجواز في اللقلق
والثاني لا يجوز
الثانية بيع القرد إن كان لأجل اللعب به لم
يصح على الصحيح من المذهب جزم به في الرعاية
والمستوعب
وقيل يصح مع الكراهة قدمه في الحاوي الكبير
وقد أطلق الإمام أحمد رحمه الله كراهة بيع
القردة وشراءها
فإن كان لأجل حفظ المتاع ونحوه فقيل يصح
اختاره ابن عقيل وقدمه في الحاوي الكبير وتقدم
نص أحمد
قلت: وهو الصواب وعمومات كلام كثير من الأصحاب
تقتضي ذلك
وقيل لا يصح قال المصنف والشارح هو قياس قول
أبي بكر وابن أبي موسى واختاره ابن عبدوس في
تذكرته وأطلقهما في المستوعب والرعايتين
والفائق
وظاهر المغني والشرح والفروع الإطلاق
وقال في آداب الرعايتين يكره اقتناء قرد لأجل
اللهو واللعب وقيل مطلقا
قلت: الصواب تحريم اللعب
الثالثة يصح بيع طير لأجل صوته كالهزار
والبلبل والببغاء ذكره جماعة منهم صاحب
المستوعب والمصنف والشارح وصاحب الرعايتين
والحاويين والنظم وشرح ابن رزين وقدمه في
الفروع
(4/198)
وقال الشيخ تقي
الدين يجوز بيعه إن جاز حبسه وفي جواز حبسه
احتمالان ذكرهما ابن عقيل
وقال في الموجز لا تصح إجارة ما قصد صوته كديك
وقمري
قال في التبصرة لا تصح إجارة ما لا ينتفع به
كغنم ودجاج وقمري وبلبل
وقال في الفنون يكره
قوله : ويجوز بيع العبد المرتد والمريض
أما المرتد فيجوز بيعه بلا نزاع ونص عليه إلا
أن صاحب الرعاية قال يجوز بيعه مع جواز
استتابته وإلا فلا
فائدة : لو جهل المشتري أنه مرتد فله الأرش
سواء قتل أو لا وفيه احتمال أن له الثمن كله
وأما المريض فالصحيح من المذهب جواز بيعه
مطلقا وعليه الأصحاب
وقيل إن كان مأيوسا منه لم يجز بيعه وإلا جاز
قوله : وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة
ولبن الآدميات وجهان
أما بيع الجاني فأطلق في صحة بيعه وجهين
وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاويين
أحدهما يصح وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر
الأصحاب صححه في التصحيح والشرح والنظم وغيرهم
وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والمحرر والحاوي الكبير
والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الفروع
والرعاية الكبرى والفائق وغيرهم
قال في القاعدة الثالثة والخمسين هو قول أكثر
الأصحاب
وقيل لا يصح بيعه اختاره أبو الخطاب في
الانتصار قاله في أول القاعدة الثالثة
والخمسين
فعلى المذهب سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ
على النفس وما دونها ثم ينظر فإن كان البائع
معسرا بأرش الجناية فسخ البيع وقدم حق المجني
عليه لتعلقه به وإن كان موسرا بالأرش لزمه
وكان المبيع بحاله لأنه بالخيار بين أن يفديه
أو يسلمه فإذا باعه فقد اختار فداءه
وأما المشتري إذا لم يعلم فله الخيار بين أخذ
الأرش أو الرد فإن عفا عن الجناية قبل طلبها
سقط الرد والأرش وإذا قتل ولم يعلم المشتري
بأن دمه مستحق تعين الأرش لا غير وهو من
المفردات
(4/199)
ويأتي هذا
بعينه في كلام المصنف في آخر خيار العيب
فائدة : السرقة جناية
ويأتي هل يجوز بيع المدبر والمكاتب وأم الولد
في أبوابها
وأما بيع القاتل في المحاربة يعني إذا تحتم
قتله فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في
الكافي والمحرر والفروع والرعايتين والحاوي
الصغير والفائق
أحدهما يصح وهو المذهب صححه في المغني والشرح
والنظم والتصحيح وجزم به في الهداية والمذهب
ومسبوك الذهب والخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم
وقدمه في المستوعب والحاوي الكبير
والوجه الثاني لا يصح قال القاضي إذا قدر عليه
قبل التوبة لم يصح بيعه لأنه لا قيمة له انتهى
ومحل الخلاف إذا تحتم قتله فأما إذا تاب قبل
القدرة عليه فحكمه حكم الجاني على ما مر
تنبيه ألحق في الرعاية الكبرى من تحتم قتله في
كفر بمن تحتم قتله في المحاربة
وأما بيع لبن الآدميات فأطلق المصنف فيه وجهين
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والبلغة
والفروع والرعايتين والحاويين وتجريد العناية
أحدهما يصح مطلقا وهو المذهب وهو ظاهر كلام
الخرقي وصححه المصنف والشارح والناظم وصاحب
التصحيح وغيرهم وجزم به في الوجيز ومنتخب
الأدمى واختاره ابن حامد وابن عبدوس في تذكرته
والوجه الثاني لا يصح مطلقا قال المصنف
والشارح ذهب جماعة من أصحابنا إلى تحريم بيعه
وجزم به في المنور وقدمه في المحرر
فعليه لو أتلفه متلف ضمنه على الصحيح من
المذهب ويحتمل أن لا يضمنه كالدمع والعرق قاله
القاضي ونقله في شرح المحرر للشيخ تقي الدين
وقيل يصح من الأمة دون الحرة وأطلقهن في
الفائق وأطلق الإمام أحمد رحمه الله الكراهة
فائدة : لا يجوز بيع لبن الرجل ذكره القاضي
محل وفاق وتابعه الشيخ تقي الدين على ذلك
قلت: وفي تقييد بعض الأصحاب ذلك بالآدميات
إيماء إلى ذلك
(4/200)
فائدة : لا يصح
بيع من نذر عتقه على الصحيح من المذهب قال في
الفروع الأشهر منعه وجزم به في المحرر والفائق
والمنور وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في الرعايتين
والنظم
وقال القاضي وصاحب المنتخب في بيعه نظر
وقال في الرعايتين من عنده بعد أن قدم عليه
الصحة قلت: إن علقه بشرط صح بيعه قبله
زاد في الكبرى ويحتمل وجوب الكفارة وجهين وجزم
بما اختاره في الرعاية صاحب الحاوي الصغير
وقال الناظم وقيل قبيل الشرط بعه
قوله : وفي جواز بيع المصحف روايتان
وأطلقهما في المذهب والتلخيص والبلغة وتجريد
العناية
إحداهما : لا يجوز ولا يصح وهو المذهب على ما
اصطلحناه
قال الإمام أحمد لا أعلم في بيعه رخصة وجزم به
في الوجيز واختاره المصنف والشارح وقدمه في
المغني والشرح والرعاية الكبرى والنظم والكافي
وابن رزين في شرحه ونصره
الرواية الثانية يجوز بيعه ويكره صححه في
التصحيح ومسبوك الذهب والخلاصة وجزم به في
المنور وإدراك الغاية ومنتخب الأدمى
قال في الرعاية الكبرى وهو أظهر وقدمه في
الهداية والمستوعب والهادي والمحرر والرعاية
الصغرى والحاويين والفائق ونظم المفردات وهو
منها واختاره ابن عبدوس في تذكرته
وعنه رواية ثالثة يجوز من غير كراهة ذكرها أبو
الخطاب وأطلقهن في الفروع
فائدة :
حكم إجارته حكم بيعه خلافا ومذهبا وكذا رهنه
قاله ناظم المفردات وغيره ويأتي في آخر كتاب
الوقف جواز بيعه إذا تعطلت منافعه
قوله : وفي كراهة شرائه وإبداله روايتان
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والكافي والهادي والتلخيص والبلغة
والفائق والحاويين
(4/201)
إحداهما : لا
يكره وهو المذهب فقد رخص الإمام أحمد في شرائه
وجزم به في الوجيز والمنور وصححه في التصحيح
قال في الفروع الأصح أنهما لا يحرمان وقدمه في
المحرر والشرح واختار ابن عبدوس كراهة الشراء
وعدم كراهة الإبدال
والرواية الثانية يكره قدمه في الرعايتين
وعنه يحرم ولم يذكرها بعضهم
وذكر أبو بكر في المبادلة هل هي بيع أم لا على
روايتين
وأنكر القاضي ذلك وقال هي بيع بلا خلاف وإنما
اختار الإمام أحمد إبدال المصحف بمثله لأنه لا
يدل على الرغبة عنه ولا على الاستبدال به بعوض
دنيوي بخلاف أخذ ثمنه ذكره في القاعدة الثالثة
والأربعين بعد المائة
وتقدم نظير ذلك في أواخر كتاب الزكاة بعد
قوله: وإن باعه بنصاب من جنسه بنى على حوله
تنبيه محل الخلاف في ذلك إذا كان مسلما فأما
إن كان كافرا فلا يجوز بيعه له قولا واحدا وإن
ملكه بإرث أو غيره ألزم بإزالة ملكه عنه
وتقدم التنبيه على ذلك في أواخر نواقض الوضوء
ويأتي في أثناء الرهن هل تجوز القراءة فيه من
غير إذن ربه وهل يلزمه بذله للقراءة فيه
قوله : ولا يجوز بيع الكلب
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب وقطعوا به
وقال الحارثي في شرحه في كتاب الوقف عند قول
المصنف ولا يصح وقف الكلب والصحيح اختصاص
النهي عن البيع بما عدى كلب الصيد بدليل رواية
حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب
صيد والإسناد جيد قال فيصح وقف المعلم لأن
بيعه جائز انتهى
ويأتي ذلك في كتاب الوقف
قال الزركشي ومال بعض أصحابنا المتأخرين إلى
جواز بيعه
وتأتي أحكام الكلب المباح واقتناؤه في باب
الموصى به
قوله : ولا يجوز بيع السرجين النجس
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير
منهم وخرج قول بصحة بيعه من الدهن النجس
(4/202)
قال مهنا سألت
أبا عبد الله عن السلم في البعر والسرجين فقال
لا بأس
وأطلق ابن رزين في بيع النجاسة وجهين
وأطلق أبو الخطاب جواز بيع جلد الميتة
قال في الفروع فيتوجه منه بيع نجاسة يجوز
الانتفاع بها ولا فرق ولا إجماع كما قيل ذكره
في باب الآنية وتقدم ذلك
وتقدم أيضا على المنع هل يجوز إيقاد النجاسة
في أوائل كتاب الطهارة
وتقدم في باب الآنية هل يجوز بيع جلد الميتة
قبل الدبغ أو بعده
قوله : ولا الأدهان النجسة
هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب
قال في المذهب والكافي وغيرهما هذا ظاهر
المذهب
قال المصنف الشارح والناظم وغيرهم هذا الصحيح
من المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
المستوعب والمحرر والفروع والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم
وعنه يجوز بيعها لكافر يعلم نجاستها ذكرها أبو
الخطاب في باب الأطعمة ومن بعده
وخرج أبو الخطاب والمصنف وصاحب التلخيص وغيرهم
جواز بيعها حتى لمسلم من رواية جواز الاستصباح
بها على ما يأتي من تخريج المصنف في كلامه
وقيل يجوز بيعها إن قلنا تطهر بغسلها وإلا فلا
قاله في الرعاية
قلت: هذا المذهب ولا حاجة إلى حكايته قولا
ولهذا قال في المحرر والحاويين وغيرهم على
القول بأنها تطهر يجوز بيعها ولم يحكوا خلافا
وقيل يجوز بيعها إن جاز الاستصباح بها ولعله
القول المخرج المتقدم لكن حكاهما في الرعاية
تنبيه قال ابن منجا في شرحه مراد المصنف
بقوله: في الرواية الثانية يعلم نجاستها
اعتقاده للطهارة قال لأن نفس العلم بالنجاسة
ليس شرطا في بيع الثوب النجس فكذا هنا
قال في المطلع وقوله: يعلم نجاستها بمعنى أنه
يجوز له في شريعته الانتفاع بها
قلت: ظاهر كلام المصنف وكثير من الأصحاب
اشتراط إعلامه بنجاسته لا غير سواء اعتقد
طهارته أو لا وهو كالصريح في كلام صاحب
التلخيص فيه فإنه قال وعنه يباع لكافر بشرط أن
يعلم بالحال
وقال في الهداية وغيره بشرط أن يعلمه أنها
نجسة
(4/203)
وقد استدل لهذه
الرواية بما يوافق ما نقول فإنهم استدلوا بقول
أبي موسى لتوا به السويق وبيعوه ولا تبيعوه من
مسلم وبينوه
وقال في الكافي ويعلم بحاله لأنه يعتقد حله
قوله : وفي جواز الاستصباح بها روايتان
وأطلقهما في الهداية والإيضاح والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والكافي والمغني والتلخيص
والمحرر وابن تميم والرعاية الصغرى والحاويين
والشرح وشرح ابن منجا والفائق والمذهب الأحمد
والفروع
إحداهما : يجوز وهو المذهب صححه في التصحيح
والخلاصة والرعاية الكبرى وغيرهم
قال الزركشي هذا أشهر الروايتين ونصرها في
المغني واختاره الخرقي والشيخ تقي الدين
وغيرهما وجزم به في الإفادات في باب النجاسة
والرواية الثانية لا يجوز الاستصباح بها جزم
به في الوجيز
فائدتان
إحداهما : حيث جوزنا الاستصباح بها فيكون على
وجه لا تتعدى نجاسته إما بأن يجعل في إبريق
ويصب منه في المصباح ولا يمس وإما بان يدع على
رأس الجرة التي فيها الدهن سراجا مثقوبا
ويطينه على رأس إناء الدهن وكلما نقص دهن
السراج صب فيه ماء بحيث يرفع الدهن فيملأ
السراج وما أشبهه قاله جماعة ونقله طائفة عن
الإمام أحمد
قلت: الذي يظهر أن هذا ليس شرطا في صحة البيع
وظاهر كلام الفروع أنه جعله شرطا عند القائلين
به
الثانية لا يجوز الاستصباح بشحوم الميتة ولا
بشحم الكلب والخنزير ولا الانتفاع بشيء من ذلك
قولا واحدا عند الأصحاب ونص عليه
واختار الشيخ تقي الدين جواز الانتفاع
بالنجاسات وقال سواء في ذلك شحم الميتة وغيره
وهو قول للشافعي وأومأ إليه في رواية ابن
منصور
تنبيه قوله : ويتخرج على ذلك جواز بيعها
أن المصنف وغيره خرجوا جواز البيع من رواية
جواز الاستصباح بها
(4/204)
تنبيه شمل قوله
: الرابع أن يكون مملوكا له
الأسير لو باع ملكه وهو صحيح صرح به في الفروع
وغيره
قوله : فإن باع ملك غيره بغير إذنه أو اشترى
بعين ماله شيئا بغير إذنه لم يصح
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر
والرعايتين والحاويين والنظم وغيرهم
وعنه يصح ويقف على إجازة المالك اختاره في
الفائق وقال لا قبض ولا إقباض قبل الإجازة
قال بعض الأصحاب في طريقته يصح ويقف على إجازة
المالك ولو لم يكن له مجيز في الحال
وعنه صحة تصرف الغاصب
ويأتي حكم تصرفات الغاصب الحكمية في بابه في
أول الفصل الثامن
قوله : وإن اشترى له في ذمته بغير إذنه صح
إذا اشترى له في ذمته فلا يخلو إما أن يسميه
في العقد أو لا فإن لم يسمه
في العقد صح العقد على الصحيح من المذهب جزم
به في المحرر والوجيز والفائق والرعاية الصغرى
والحاويين وغيرهم
قال الزركشي هذا المذهب المعروف المشهور
قال في الفروع صح على الأصح وقدمه في التلخيص
والبلغة والرعاية الكبرى وعنه لا يصح
وإن سماه في العقد فالصحيح من المذهب أنه لا
يصح جزم به في المحرر وغيره وقدمه في الفروع
وغيره واختاره القاضي وغيره
وقيل حكمه حكم ما إذا لم يسمه وهو ظاهر كلام
المصنف فإن قوله: وإن اشترى له في ذمته بغير
إذنه يشمل ذلك وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره
المصنف
قال في الفائدة العشرين: إذا تصرف له في الذمة
دون المال فطريقان
أحدهما فيه الخلاف الذي في تصرف الفضولي قاله
القاضي وابن عقيل في موضع وأبو الخطاب في
الانتصار
والثاني الجزم بالصحة هنا وهو قول الخرقي
والأكثرين وقاله القاضي وابن عقيل في موضع آخر
(4/205)
واختلف الأصحاب
هل يفتقر إلى تسميته في العقد أم لا فمنهم من
قال لا فرق منهم ابن عقيل وصاحب المغني
ومنهم من قال إن سماه في العقد فهو كما لو
اشترى له بعين ماله ذكره القاضي وأبو الخطاب
في انتصاره في غالب ظني وابن المنى وهو مفهوم
كلام صاحب المحرر انتهى
فائدة : لو اشترى بمال نفسه سلعة لغيره ففيه
طريقان عدم الصحة قولا واحدا وهي طريقة القاضي
في المجرد وأجرى الخلاف فيه كتصرف الفضولي وهو
الأصح قاله في الفائدة: العشرين
قوله : فإن أجازه من اشترى له ملكه وإلا لزم
من اشتراه
يعني حيث قلنا بالصحة وهذا المذهب وعليه
الأصحاب وجزم به في المحرر والشرح والبلغة
والوجيز والمنور والحاويين وغيرهم وقدمه في
الفروع والرعايتين وغيرهم
وعنه لا يملكه من اشتري له ولو أجازه ذكرها في
الرعايتين
وقال في الكبرى بعد ذلك إن قال بعتك هذا فقال
اشتريته لزيد فأجازه لزمه ويحتمل أن لا يلزم
المشتري انتهى
وقدم هذا في التلخيص إلغاء للإضافة
تنبيه حيث قلنا يملكه بالإجازة فإنه يدخل في
ملكه من حين العقد على الصحيح من المذهب جزم
به القاضي في الجامع والمصنف في المغني في
مسألة نكاح الفضولي وقدمه في الفروع
وقيل من حين الإجازة جزم به صاحب الهداية
قال في القواعد الفقهية ويشهد لهذا الوجه أن
القاضي صرح بأن حكم الحاكم المختلف فيه إنما
يفيد صحة المحكوم به وانعقاده من حين العقد
وقبل الحكم كان باطلا انتهى
فائدة : لو قال بعته لزيد فقال اشتريته له بطل
على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعاية
الكبرى ويحتمل أن يلزمه إن أجازه
قال في الفروع وإن حكم بصحته بعد إجازته صح من
الحكم ذكره القاضي وهو الذي ذكره في القواعد
قبل ذلك مستشهدا به
قال في الفروع ويتوجه أنه كالإجازة
يعني أن فيه الوجهين المتقدمين هل يدخل من حين
العقد أو الإجازة
وقال في الفصول في الطلاق في نكاح فاسد إنه
يقبل الانبرام والإلزام بالحكم والحكم لا ينشئ
الملك بل يحققه
(4/206)
فائدة : لو باع
ما يظنه لغيره فظهر له كالإرث والوكالة صح
البيع على الصحيح
قال في التلخيص صح على الأظهر وقدمه في المغني
في باب الرهن
وقيل لا يصح وجزم به في المنور وأطلقهما في
المحرر والفروع والرعايتين والحاويين والفائق
والقواعد الفقهية والأصولية والمغني في آخر
الوقف
وقيل الخلاف روايتان ذكرهما أبو المعالي وغيره
قال القاضي أصل الوجهين من باشر امرأة بالطلاق
يعتقدها أجنبية فبانت امرأته أو واجه بالعتق
من يعتقدها حرة فبانت أمته في وقوع الطلاق
والحرية روايتان
ولابن رجب في قواعده قاعدة في ذلك وهي القاعدة
الخامسة والستون فيمن تصرف في شيء يظن أنه لا
يملكه فتبين أنه كان يملكه
قوله : ولا يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع
به كثير منهم
وعنه يصح ذكرها الحلواني واختارها الشيخ تقي
الدين رحمه الله تعالى
وذكره قولا عندنا
قلت: والعمل عليه في زمننا
وقد جوز الإمام أحمد رحمه الله إصداقها وقاله
المجد وتأوله القاضي على نفعها فقط وعنه يصح
الشراء دون البيع
وعنه يصح لحاجته
قوله : كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها
الصحيح من المذهب أن مصر مما فتح عنوة ولم
يقسم جزم به صاحب الفروع وغيره من الأصحاب
وقال في الرعاية وكمصر في الأشهر فيها
فائدة : لو حكم بصحة البيع حاكم أو رأى الإمام
المصلحة فيه فباعه صح لأنه مختلف فيه قاله
المصنف والشارح وإن أقطع الإمام هذه الأرض أو
وقفها فقيل يصح وقال في النوادر لا يصح
قلت: الصواب أن حكم الوقف حكم البيع وأطلقهما
في الفروع
وقال الشيخ تقي الدين لو جعلها الإمام فيئا
صار ذلك حكما باقيا فيها دائما وأنها لا تعود
إلى الغانمين
تنبيه يحتمل قوله: إلا المساكن
أنها سواء كانت محدثة بعد الفتح أو من جملة
الفتح وهو اختيار جماعة من الأصحاب
(4/207)
قاله في الفروع
ويحتمله كلامه في المغني والشرح والمحرر
والرعايتين والحاويين والوجيز وغيرهم
نقل ابن الحكم فيمن أوصى بثلث ملكه وله عقار
في أرض السواد قال لا تباع أرض السواد إلا أن
تباع آلتها
ونقل المروذي المنع قال في الفروع وظاهر كلام
القاضي والمنتخب وغيرهما التسوية وجزم به صاحب
المحرر انتهى
والذي قدمه في الفروع التفرقة فقال وبيع بناء
ليس منها وغرس محدث يجوز
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف هنا وكلام أكثر
الأصحاب لأن الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل
والمصنف لم يذكر إلا ما فتح عنوة فأما المحدث
فما دخل ليستثني
ونقل المروذي ويعقوب المنع لأنه بيع وهو ذريعة
وذكر ابن عقيل الروايتين في البناء وجوزه في
غرس
وما قدمه في الفروع هو ظاهر كلامه في الكافي
فإنه قال فأما المساكن في المدائن فيجوز بيعها
لأن الصحابة رضي الله عنهم اقتطعوا الخطط في
الكوفة والبصرة في زمن عمر رضي الله عنه
وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير فكانت
إجماعا انتهى
واقتصر على هذا الدليل
قلت: وهذا هو الصواب
الثاني قوله : وأرض من العراق فتحت صلحا
يعني أنه يجوز بيع هذه الأرض لكن بشرط أن يكون
لأهلها كما مثله المصنف ولا يصح بيع ما فتح
عنوة ونحوه وكذلك كل أرض أسلم أهلها عليها
كالمدينة وشبهها لأنها ملكهم
وقول المصنف ولا يصح بيع ما فتح عنوة لكون عمر
وقفها وكذا حكم كل مكان وقف كما تقدم وليس كل
ما فتح صلحا يصح بيعه بل لا بد أن تكون موقوفة
قوله : ويجوز إجارتها
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب
وعنه لا يجوز ذكرها القاضي وابن عقيل وصاحب
المنتخب وغيرهم
واختار في الترغيب إجارتها مؤقتة
قوله : ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها
هذا هو المذهب المنصوص وهو مبني على أن مكة
فتحت عنوة على الصحيح من الطريقتين
(4/208)
والصحيح من
المذهب أنها فتحت عنوة وعليه الأصحاب وعنه
فتحت صلحا
وقال ابن عبدوس في تذكرته وأكثر مكة فتح عنوة
فعلى المذهب لا يجوز بيع رباعها وهي المنزل
ودار الإقامة ولا إجارتها وهو الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وقيل يجوز اختاره المصنف والشارح
واختار الشيخ تقي الدين جواز بيعها فقط
واختاره ابن القيم في الهدى
وعنه يجوز الشراء لحاجة
وعلى المذهب أيضا لو سكن بأجرة لم يأثم بدفعها
على الصحيح من الروايتين جزم به المصنف
والشارح
وعنه إنكار عدم الدفع جزم به القاضي لالتزامه
وقال الإمام أحمد رحمه الله لا ينبغي لهم أخذه
قلت: يعايى بهذه المسألة
وأطلقهما في الفروع وقال يتوجه مثله فيمن عامل
بعينه ونحوها في الزيادة عن رأس ماله
وقال الشيخ تقي الدين هي ساقطة يحرم بذلها ومن
عنده فضل نزل فيه لوجوب بذله وإلا حرم نص عليه
نقل حنبل وغيره سواء العاكف فيه والباد وأن
مثله السواد وكل عنوة
وعلى الرواية الثانية في أصل المسألة يجوز
البيع والإجارة بلا نزاع لكن يستثنى من ذلك
بقاع المناسك كالمسعى والمرمى ونحوهما بلا
نزاع
والطريقة الثانية إنما يحرم بيع رباعها
وإجارتها لأن الحرم حريم البيت والمسجد الحرام
وقد جعله الله للناس سواء العاكف فيه والباد
فلا يجوز لأحد التخصص بملكه وتحجيره لكن إن
احتاج إلى ما في يده منه سكنه وإن استغنى عنه
وجب بذل فاضله للمحتاج إليه وهو مسلك ابن عقيل
في نظرياته وسلكه القاضي في خلافه
واختاره الشيخ تقي الدين وتردد كلامه في جواز
البيع فأجازه مرة ومنعه أخرى
فائدة : الحرم كمكة على الصحيح من المذهب جزم
به المصنف والشارح وصاحب الرعاية وغيرهم وقدمه
في الفروع
وعنه له البناء فيه والانفراد به
فائدة أخرى: لا خراج على مزارع مكة لأنه جزية
الأرض
وقال في الانتصار على الأولى بل كسائر أرض
العنوة وهو من المفردات
قال المجد لا أعلم من أجاز ضرب الخراج عليها
سواه
(4/209)
قوله : ولا
يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر
ولا ما في المعادن الجارية كالقار والملح
والنفط ولا ما ينبت في أرضه من الكلاء والشوك
هذا مبني على أصل وهو أن الماء العد والمعادن
الجارية والكلأ النابت في أرضه هل تملك بملك
الأرض قبل حيازتها أم لا يملك فيه روايتان
إحداهما : لا تملك قبل حيازتها بما تراد له
وهو المذهب
قال المصنف والشارح هذا ظاهر المذهب وجزم به
في الوجيز والخلاصة وغيرهما وقدمه في الهداية
والتلخيص والمحرر والفروع والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم
والرواية الثانية تملك ذلك بمجرد ملك الأرض
اختاره أبو بكر
قال في القاعدة الخامسة والثمانين وأكثر
النصوص عن أحمد تدل على الملك وأطلقهما في
المذهب
وتأتي هاتان الروايتان في كلام المصنف في باب
إحياء الموات وكثير من الأصحاب ذكروهما هناك
فعلى المذهب لا يجوز لمالك الأرض بيع ذلك ولا
يملك بعقد البيع لكن يكون مشتريه أحق به من
غيره
وعلى المذهب أيضا من أخذ منه شيئا ملكه على
الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير
الأصحاب لكن لا يجوز له دخول ملك غيره بغير
إذن ربه ولو استأذنه حرم منعه إن لم يحصل ضرر
واختار ابن عقيل أنه لا يملكه بأخذه وخرجه
رواية من أن النهي يمنع التمليك
وعلى الرواية الثانية يجوز لمالك الأرض التصرف
فيه بسائر ما ينقل الملك لأنه متولد من أرضه
وهي مملوكة له
وجوز ذلك الشيخ تقي الدين في مقطع محسوب عليه
يريد تعطيل ما يستحقه من زرع وبيع الماء
قال في الاختيارات ويجوز بيع الكلأ ونحوه
والموجود في أرضه إذا قصد استنباته
وعلى الرواية الثانية أيضا لا يدخل الظاهر منه
في بيع الأرض إلا بشرط سواء قال بحقوقها أو لا
صرح به الأصحاب
وذكر المجد احتمالا يدخل فيه جعلا للقرينة
العرفية كاللقط
وله الدخول لرعي كلأ وأخذه ونحوه إذا لم يحوط
عليه بلا ضرر نقله ابن منصور وقال لأنه ليس
لأحد أن يمنعه
وعنه مطلقا نقله المروذي وغيره [وعنه عكسه
وهو].
(4/210)
قوله : إلا أنه
لا يجوز له الدخول في ملك غيره بغير إذنه
قال في الحاوي في إحياء الموات وكذا قال غيره
من الأصحاب ولا شك في تناولها ما هو محوطا وما
ليس بمحوط ونص على الإطلاق من رواية مهنا
وقيد في المغني في إحياء الموات بالمحوط وهو
المنصوص من رواية ابن منصور وهذا لا يختلف
المذهب فيه قال فيفيد كون التقييد أشبه
بالمذهب
قال والصحيح أن الإذن فيما عدا المحوط لا
يعتبر بحال انتهى
وقال في القاعدة الثالثة والعشرين هل يجوز أخذ
ذلك بغير إذنه على وجهين
ومن الأصحاب من قال الخلاف في غير المحوط فأما
المحوط فلا يجوز بغير خلاف انتهى
وعنه عكسه يعني لا يفعل ذلك مطلقا وكرهه في
التعليق والوسيلة والتبصرة
تنبيهات
أحدها ذكر المصنف هنا والمجد وغيرهما رواية
بجواز بيع ذلك مع عدم الملك في ذلك كله
قال في القاعدة السابعة والثمانين ولعله من
باب المعاوضة عما يستحق تملكه انتهى
قلت: صرح الشارح أن الخلاف الذي ذكره المصنف
هنا مبني على الملك وعدمه
الثاني يأتي في آخر كتاب الصيد لو حصل في أرضه
سمك أو عشش فيه طائر أنه لا يملكه بذلك فلا
يجوز بيعه على الصحيح وقيل يملكه
الثالث محل الخلاف المتقدم إذا لم يحزه فأما
إذا حازه فإنه يملكه بلا نزاع
الرابع ظاهر قوله : لا يجوز بيع ما في المعادن
الجارية أن المعادن الباطنة كمعادن الذهب
والفضة والنحاس والرصاص والكحل والفيروزج
والزبرجد والياقوت وما أشبهها تملك بملك الأرض
التي هي فيها ويجوز بيعها سواء كان موجودا
خفيا أم حدث بعد أن ملكها وهذا المذهب وعليه
الأصحاب
وقال في الرعاية الكبرى سواء كان ذلك فيها
خفيا أو حدث ذلك فيها بعد أن ملكها
تنبيه ظاهر قوله : فلا يجوز بيع الآبق
أنه سواء كان المشتري قادرا عليه أو لا وهو
الصحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام الأكثر
قال في الفروع والأشهر المنع
وقيل يصح بيعه لقادر على تحصيله كالمغصوب
اختاره المصنف والشارح والناظم
(4/211)
وغيرهم وجزموا
به وذكره القاضي في موضع من كلامه وقدمه في
الفروع والرعاية الكبرى
قلت: وهو الصواب
فعلى هذا القول إن عجز عن تحصيله كان له الفسخ
كالمغصوب
وظاهر كلامه أيضا وكلام غيره أنه لو اشتراه
يظن أنه لا يقدر على تحصيله فبان بخلاف ذلك
وحصله أنه لا يصح وهو أحد الوجهين
قلت: وهو الصواب
وقيل يصح وأطلقهما في القواعد الفقهية
والأصولية
وفي المغني احتمال بالفرق بين من يعلم أن
المبيع يفسد بالعجز عن التسليم فيفسد وبين من
لا يعلم ذلك فيصح
قوله : ولا الطير في الهواء
هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقطع
به كثير منهم
وقيل يجوز بيعه والحالة هذه إذا كان يألف
المكان والرجوع إليه واختاره في الفنون وقال
هو قول الجماعة وأنكره من لم يحقق
فائدة : لو كان البرج مغلقا ويمكن أخذ الطير
منه أو كان السمك في مكان له يمكن أخذه فلا
يخلو إما أن تطول المدة في تحصيله بحيث لا
يمكن أخذه إلا بتعب ومشقة أو لا تطول المدة
فإن لم تطل المدة في تحصيله جاز بيعه جزم به
في المغني والشرح والرعايتين والحاويين وغيرهم
وقاله القاضي رحمه الله وغيره
وظاهر كلامه في الفروع أن فيه وجهين
وإن طالت المدة ويمكن تسليمه لكن لا يحصل إلا
بتعب ومشقة فالصحيح من المذهب جواز بيعه وصححه
المصنف والشارح وقدمه في الشرح والفائق
وقال القاضي لا يجوز بيعه والحالة هذه
وأطلقهما في الفروع
وأما إذا طالت المدة ولم يسهل أخذه بحيث يعجز
عن تسليمه لم يصح البيع لعجزه عن تسليمه في
الحال وللجهل بوقت تسليمه وهذا المذهب وهو
ظاهر ما جزم به في الرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع وقال وظاهر
الواضح وغيره يصح وهو ظاهر تعليل أحمد بجهالته
قوله : ولا المغصوب إلا من غاصبه أو من يقدر
على أخذه
بيع المغصوب من غاصبه صحيح بلا نزاع وبيعه ممن
يقدر على أخذه من الغاصب صحيح على الصحيح من
المذهب وجزم به في المغني والشرح والوجيز
وغيرهم
(4/212)
قال في الفروع
وكذا القادر عليه على الأصح وقدمه في الرعاية
الكبرى والحاوي الصغير
وعنه لا يصح قدمه في الفائق والرعاية الصغرى
فعلى المذهب لو عجز عن تحصيله فله الفسخ
قوله : السادس أن يكون معلوما برؤية
يعني من المتعاقدين
يصح البيع بالرؤية وهي تارة تكون مقارنة للبيع
وتارة تكون غير مقارنة فإن كانت مقارنة لجميعه
صح البيع بلا نزاع وإن كانت مقارنة لبعضه فإن
دلت على بقيته صح البيع نص عليه فرؤية أحد
وجهي ثوب تكفي فيه إذا كان غير منقوش وكذا
رؤية وجه الرقيق وظاهر الصبرة المتساوية
الأجزاء من حب وتمر ونحوهما وما في الظروف من
مائع متساوي الأجزاء وما في الأعدال من جنس
واحد ونحو ذلك
ولا يصح بيع الأنموذج بأن يريه صاعا ويبيعه
الصبرة على أنها من جنسه على الصحيح من المذهب
وقدمه في الفروع وغيره
وقيل ضبط الأنموذج كذكر الصفات نقل جعفر فيمن
يفتح جرابا ويقول الباقي بصفته إذا جاء على
صفته ليس له رده
قلت: وهو الصواب
قال في الفروع قال القاضي وغيره وما عرفه
بلمسه أو شمه أو ذوقه فكرؤيته
وعنه يشترط أن يعرف المبيع تقريبا فلا يصح
شراء غير جوهري جوهرة
وقيل ويشترط شمه وذوقه
قوله : فإذا اشترى ما لم يره ولم يوصف له أو
رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته ما لا
يكفي في السلم لم يصح البيع
إذا لم ير المبيع فتارة يوصف له وتارة لا يوصف
فإن لم يوصف له لم يصح البيع على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب
وعنه يصح نقلها حنبل واختاره الشيخ تقي الدين
في موضع من كلامه
واختاره في الفائق وضعفه الشيخ تقي الدين في
موضع آخر
تنبيه محل هذا إذا ذكر جنسه فأما إذا لم يذكر
جنسه فلا يصح رواية واحدة قاله القاضي وغيره
وإن وصف له فتارة يذكر له من صفته ما يكفي في
السلم وتارة يذكر ما لا يكفي في
(4/213)
السلم فإن ذكر
له من صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع
على الصحيح من المذهب كما قدمه المصنف هنا
وعليه الأصحاب
وعنه يصح وهو من مفردات المذهب
فعلى هذه الرواية والرواية التي اختارها الشيخ
تقي الدين في عدم اشتراط الرؤية له خيار
الرؤية على أصح الروايتين وله أيضا فسخ العقد
قبل الرؤية على الصحيح من المذهب
وقال ابن الجوزي لا فسخ له كإمضائه
وليس له الإجازة قبل الرؤية قاله المصنف
والشارح وصاحب الرعايتين والحاويين والفائق
وغيرهم وللبائع أيضا الخيار إذا باع ما لم يره
وقلنا بصحته على تلك الرواية عند الرؤية ذكره
المصنف والشارح وغيرهما
فائدتان
إحداهما : لو قال بعتك هذا البغل بكذا فقال
اشتريته فبان فرسا أو حمارا لم يصح على الصحيح
من المذهب قدمه في الفروع
وقيل يصح وله الخيار قدمه في الرعاية الكبرى
الثانية قال في الرعايتين وعنه يصح البيع بلا
رؤية ولا صفة وللمشتري خيار الرؤية وخياره في
مجلس الرؤية
وقيل بل على الفور وأطلقهما في الفائق
وعنه لا خيار له إلا بعيب قال في الفائق وهو
بعيد
وذكر في الرعايتين فيما إذا رأى عينا وجهلها
أو ذكر له من الصفة ما لا يكفي في السلم رواية
الصحة وقال وله خيار الرؤية على الفور وقيل في
مجلس الرؤية انتهى
وقال في المغني والشرح وابن رزين إذا قلنا
بصحة بيع الغائب يثبت الخيار عند رؤية المبيع
ويكون على الفور
وقيل يتقيد بالمجلس الذي وجدت فيه الرؤية
انتهى
وقال في الفروع وللمشتري الفسخ إذا ظهر بخلاف
رؤية سابقة أو صفة على التراخي إلا بما يدل
على الرضا من سوم ونحوه لا بركوبه الدابة في
طريق الرد
وعنه على الفور
وعليهما متى أبطل حقه من رده فلا أرش في الأصح
انتهى
قوله : وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم
أو رآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه
ظاهرا صح في أصح الروايتين
(4/214)
وهو المذهب
وعليه الأصحاب
والرواية الأخرى لا يصح حتى يراه
تنبيه ظاهر قوله : أو رآه ثم عقدا بعد ذلك
بزمن لا يتغير فيه ظاهرا أنه لو عقد عليه بعد
ذلك بزمن يحتمل التغير فيه وعدمه على السواء
أنه لا يصح العقد وهو صحيح وهو المذهب وهو
ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر ما قدمه
في الفروع وقدمه في الرعاية الكبرى
وقيل يصح جزم به في المغني والشرح
وأما إذا عقده بعد الرؤية بزمن يتغير فيه
ظاهرا لم يصح البيع
فائدة : متى قلنا يصح البيع بالصفة صح بيع
الأعمى وشراؤه نص عليه كتوكيله
وقال في المغني والشرح فإن أمكن معرفة المبيع
بالذوق أو بالشم صح بيع الأعمى وشراؤه وإن لم
يمكن جاز بيعه بالصفة كالبصير وله خيار الخلف
في الصفة انتهيا
وقال في الكافي فإن عدمت الصفة وأمكن معرفة
المبيع بذوق أو شم صح وإلا فلا
قوله : ثم إن وجده لم يتغير فلا خيار له وإن
وجده متغيرا فله الفسخ
يسمى هذا خيار الخلف في الصفة لأنه وجد
الموصوف بخلاف الصفة
واعلم أن للمشتري الفسخ إن وجده متغيرا أو
وجده على خلاف ما وصفه له على الصحيح من
المذهب مطلقا
وقيل له الفسخ مع القبض ويكون على التراخي إلا
أن يوجد منه ما يدل على الرضا من سوم ونحوه لا
بركوبه الدابة في طريق الرد
وعنه على الفور وعليهما متى أبطل حقه من الرد
فلا أرش في أصح الوجهين قاله في الفروع وتقدم
كلامه في الرعاية والشرح
قوله : والقول في ذلك قول المشتري مع يمينه
يعني إذا وجده متغيرا أو على خلاف ما وصفه له
وهذا المذهب جزم به في المغني والشرح والوجيز
وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية وغيرهما قال
في الرعاية وفيه نظر
وقال المجد ذكر القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل
بعموم كلامه إذا اختلفا في صفة المبيع هل
يتحالفان أو القول قول البائع فيه روايتان
وسيأتي
قال في النكت بعد أن قدم أن القول قول المشتري
ويتوجه فيه قولان أحدهما يقدم قول البائع
والثاني يتحالفان
قال وجعل الأصحاب المذهب هنا قول المشتري مع
أن المذهب عندهم فيما إذا قال بعتني هذين
بمائة قال بل أحدهما بخمسين أو بمائة أن القول
قول البائع لأن الأصل عدم بيع
(4/215)
الآخر مع أن
الأصل السابق موجود هنا وهو مشكل انتهى
فائدة : البيع بالصفة نوعان
أحدهما بيع عين معينة مثل أن يقول بعتك عبدي
التركي ويذكر صفاته فهذا ينفسخ العقد عليه
برده على البائع وتلفه قبل قبضه ويجوز التفرق
قبل قبض الثمن وقبض المبيع كبيع الحاضر
الثاني بيع موصوف غير معين مثل أن يقول بعتك
عبدا تركيا ثم يستقصي صفات السلم فيصح على
الصحيح من المذهب قطع به في الجامع الكبير
والمستوعب والمغني والشرح والوجيز وغيرهم
قال في النكت قطع به جماعة
قال في الرعاية صح البيع في الأقيس وذلك لأنه
في معنى السلم
فمتى سلم إليه عبدا على غير ما وصفه له فرده
على ما وصفه له فأبدله لم يفسد العقد لأن
العقد لم يقع على عين هذا
وقيل لا يصح البيع وحكاه الشيخ تقي الدين
رواية وهو ظاهر ما ذكره في التلخيص لأنه اقتصر
عليه
وقيل لا يصح إن كان في ملكه وإلا فلا واختاره
الشيخ تقي الدين
وقد يؤخذ هذا من كلام المصنف في قوله: ولا يصح
بيع ما لا يملكه ليمض ويشتره ويسلمه وأطلقهن
في الفروع
فعلى المذهب لا يجوز التفرق عن مجلس العقد قبل
قبض المبيع أو قبض ثمنه على الصحيح من المذهب
وقدمه في المغني والشرح والرعاية الكبرى وجزم
به في الوجيز
وقال القاضي يجوز وهو ظاهر ما جزم به في
المستوعب في أول باب السلم
قال في الفروع فظاهره لا يعتبر تعيين ثمنه
وظاهر المستوعب وغيره يعتبر
قال في الفروع وهو أولى ليخرج عن بيع دين بدين
وأطلق الوجهين في الفروع
فائدة : ذكر القاضي وأصحابه أنه لا يصح
استصناع سلعة لأنه باع ما ليس عنده على غير
وجه السلم واقتصر عليه في الفروع
وقالوا أيضا لا يصح بيع ثوب نسج بعضه على أن
ينسج بقيته وعللوا تبعا للقاضي بأن بيع
المنسوج بيع عين والباقي موصوف في الذمة ولا
يصح أن يكون الثوب الواحد بعضه بيع عين وبعضه
مسلم فيه لأن الباقي سلم في أعيان وذلك لا
يجوز ولأنه بيع وسلم واستئجار فاللحمة غائبة
فهي مسلم فيه والنسج استئجار واقتصر على ذلك
في المستوعب والحاويين والفروع وغيرهم وقدمه
في الرعاية الكبرى وقال وقيل يصح بيعه إلى
المشتري إن صح جمع بين بيع وإجارة منه بعقد
واحد لأنه بيع وسلم أو شرط فيه نفع البائع
انتهى
(4/216)
فإن أحضر
اللحمة وباعها مع الثوب وشرط على البائع نسجها
فعلى الروايتين في اشتراط منفعة البائع على ما
يأتي ذكره في المستوعب والحاويين وغيرهم
قوله : ولا يجوز بيع الحمل في البطن ولا اللبن
في الضرع
بيع الحمل في البطن نهى الشارع عنه فلا يصح
بيعه إجماعا وهو بيع المجر ونهى الشارع أيضا
عنه قال أبو عبيد هو بسكون الجيم وقال أبو
عبيدة والقتيبي هو بفتحها والمعنى واحد
ونهى الشارع أيضا عن بيع المضامين والملاقيح
قال أبو عبيد الملاقيح الأجنة والمضامين ما في
أصلاب الفحول
وقال ابن الأعرابي المجر ما في بطن الناقة
والمجر الربا والمجر القمار والمجر المحاقلة
والمزابنة انتهى
وقيل المضامين ما في بطونها والملاقيح ما في
ظهورها
وعلى التفسيرين هو غير عسب الفحل عند الأكثرين
لأن عسب الفحل هو أن يؤجر الفحل لينزو على
أنثى غيره وظاهر ما في التلخيص أن الذي في
الظهور هو عسب الفحل
وقال في الفروع بيع الحمل في البطن هو بيع
المضامين وهو المجر انتهى
وعلى كل حال لا يجوز بيع عسب الفحل وهو ضرابه
بلا نزاع ويأتي في الإجارة حكم إجارته
وأما بيع اللبن في الضرع فلا يصح قطع به
الأصحاب إلا أن الشيخ تقي الدين قال إن باعه
لبنا موصوفا في الذمة واشترط كونه من شاة أو
بقرة معينة جاز
وحكى ابن رزين في نهايته في جواز بيعه خلافا
وأطلقه
قوله : ولا المسك في الفأر
يعني لا يصح بيعه وهو المذهب وقطع به الأصحاب
إلا أن صاحب الفروع وجه تخريجا واحتمالا
بالجواز
وقال لأنها وعاء له يصونه ويحفظه فيشبه ما
مأكوله في جوفه وتجار ذلك يعرفونه فيها فلا
غرر اختاره صاحب الهدى
قلت: وهو قوي في النظر
قوله : ولا الصوف على الظهر
يعني لا يصح بيعه وهو المذهب وعليه الأصحاب
وعنه يجوز بشرط جزه في الحال
(4/217)
قلت: وفيه قوة
وأطلقهما في المذهب وقدمه ابن عبدوس في تذكرته
بأن يكون متصلا بحي
قلت: حيث قلنا بطهارته والانتفاع به لا يشترط
ذلك وهو ظاهر كلام الأكثر
فائدة : لو اشتراه بشرط القطع وتركه حتى طال
فحكمه حكم الرطبة إذا طالت على ما يذكره في
باب بيع الأصول والثمار وذكره المصنف والشارح
قوله : ولا يجوز أن يبيع عبدا غير معين
بلا نزاع
قوله : ولا عبدا من عبيد ولا شاة من قطيع
هذا المذهب وعليه الأصحاب وصرحوا به
وظاهر كلام الشريف أبي جعفر وأبي الخطاب أنه
يصح إن تساوت قيمتهم
قلت: هذا كالمتعذر وجوده
وقال في الانتصار في مسألة تعيين النقود إن
ثبت للثياب عرف وصفة صح إطلاق العقد عليها
كالنقود أومأ إليه الإمام أحمد
وفي المفردات يصح بيع عبد من ثلاثة أعبد بشرط
الخيار
فائدة : لا يصح بيع المغروس في الأرض الذي
يظهر ورقه فقط كاللفت والفجل والجزر والقلقاس
والبصل والثوم ونحو ذلك على الصحيح من المذهب
نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في
المغني والشرح وغيرهما ذكراه في باب بيع
الأصول والثمار
وقيل يصح واختاره الشيخ تقي الدين وقال اختاره
بعض أصحابنا واختاره في الفائق
قال في الرعايتين قلت: ويحتمل الصحة وله
الخيار بعد قلعه
قال في الفائق وخرجه ابن عقيل على روايتي
الغائب
قال الطوفي في شرح الخرقي والاستحسان جوازه
لأن الحاجة داعية إليه والغرر يندفع باجتهاد
أهل الخبرة والدراية به وهو مذهب مالك انتهى
قوله : ولا شجرة من بستان ولا هؤلاء العبيد
إلا واحدا غير معين ولا هذا القطيع إلا شاة
بلا نزاع ونص عليه
فائدة : لا يجوز بيع العطاء قبل قبضه لأنه غرر
ومجهول ولا بيع رقعة به وعنه يبيعها
(4/218)
بعوض مقبوض
تنبيه قوله : فإن باعه قفيزا من هذه الصبرة صح
مقيد بأن تكون الصبرة أكثر من قفيز وهو الظاهر
من كلامهم ومقيد أيضا بأن تكون أجزاؤها
متساوية فلو اختلفت أجزاؤها لم يصح البيع على
الصحيح من المذهب كصبرة بقال القرية والمحدر
من قرية إلى قرية يجمع ما يبيع به من البر
مثلا أو الشعير المختلف الأوصاف.
وقيل يصح من ذلك صبرة بقال القرية ويحتمله
كلام المصنف
وقال ابن رزين في شرحه وإن باع نصفها أو ثلثها
أو جزءا منها صح مطلقا لظاهر النصوص
وقيل إن اختلفت أجزاؤها كصبرة بقال القرية لم
يصح انتهى
وهذه المسألة غير مسألة المصنف فيما يظهر
فائدتان
إحداهما : لو تلفت الصبرة كلها إلا قفيزا كان
هو المبيع قاله الأصحاب
الثانية لو فرق قفزان الصبرة المتساوية
الأجزاء أو باع أحدهما مبهما صح قدمه في
الرعاية
قال في القاعدة الخامسة بعد المائة ظاهر كلام
القاضي الصحة لأنه ذكر في الخلاف صحة إجارة
عين من أعيان متقاربة النفع لأن المنافع لا
تتفاوت كالأعيان انتهى
قلت: وهو الصواب ويحتمل أن لا يصح صححه في
التلخيص وهما احتمالان مطلقان في الفروع
والقواعد
قوله : وإن باعه الصبرة إلا قفيزا لم يصح
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب قال في
المغني والشرح والفروع وغيرهم لم يصح في ظاهر
المذهب
وعنه يصح وهو قوي وأطلقهما في المحرر
والرعايتين والحاوي الصغير والفائق
تنبيه محل الخلاف إذا لم يعلما قفزانها فأما
إن علما قفزانها فيصح بلا نزاع قاله في
المستوعب وغيره وهو واضح
فائدة : لا يشترط معرفة باطن الصبرة وكذا لا
يشترط تساوي موضوعها على الصحيح من المذهب
وعليه الجمهور وشرطه أبو بكر في التنبيه إلا
أن يكون يسيرا
فعلى المذهب إن ظهر تحتها ربوة ونحوها خير
المشتري بين الرد والإمساك كما لو وجد باطنها
رديئا نص عليه
(4/219)
ويحتمل أن يرجع
بمثل ما فات قاله ابن عقيل وإن ظهر تحتها حفرة
أو باطنها خير من ظاهرها فلا خيار للمشتري
وللبائع الخيار إن لم يعلم على الصحيح من
المذهب ويحتمل أن لا خيار له قاله المصنف
ويحتمل أن يأخذ منها ما حصل من الانخفاض قاله
ابن عقيل
واختار صاحب التلخيص أن حكم المسألة الأولى
حكم ما لو باعه أرضا على أنها عشرة أذرع فبانت
تسعة وحكم الثانية حكم ما لو باعه على أنها
عشرة فبانت أحد عشر
فائدة : استثناء صاع من ثمرة بستان كاستثناء
قفيز من صبرة قاله الأصحاب
وأطلق الخلاف في هذه المسألة في المستوعب
والمحرر والفائق وغيرهم وجزم أبو محمد الجوزي
بالصحة فيها
ويأتي قريبا إذا استثنى مشاعا من صبرة أو
بستان ونحوه كثلث وربع
قوله : أو ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح
في هذه المسألة طريقان
أحدهما أن حكم استثناء صاع من شجرة كاستثناء
قفيز من صبرة وهي طريقة المصنف والشارح وصاحب
المستوعب والرعايتين وجزم به في الوجيز وأطلق
الروايتين فيها في المستوعب
والطريق الثاني صحة استثناء صاع من شجرة ولو
منعنا من صحته في الصبرة وهي طريقة القاضي في
شرحه وجامعه الصغير وقاسها على سواقط الشاة
وقدمها في الفروع فهذا المذهب على ما اصطلحناه
في الخطبة ورد المصنف والشارح ذلك
قوله : وإن باعه أرضا إلا جريبا أو جريبين من
أرض يعلمان جربانها صح وكان مشاعا فيها وإلا
لم يصح
يعني وإن لم يعلما جربانها لم يصح وكذلك الحكم
لو باعه ذراعا من ثوب
واعلم أنهما إذا علما الجربان والأذرع في
الثوب صح البيع وكان مشاعا وإن لم يعلما ذلك
لم يصح على الصحيح من المذهب
قال في الفروع فيهما لم يصح في الأصح ذكره
صاحب المحرر لأنه لا معينا ولا مشاعا وجزم به
في المغني والشرح والفائق وغيرهم
وقيل يصح وهو من المفردات
ولو قال بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى
هنا صح فإن كان القطع لا ينقصه قطعاه وإن كان
ينقصه وتشاحا صح وكانا شريكين فيه على الصحيح
من المذهب
وقال القاضي لا يصح وعلله بأنه لا يمكن تسليم
المبيع إلا بضرر يدخل عليهما واقتصر
(4/220)
على قول القاضي
في المستوعب والحاوي الكبير
قال في الرعاية الكبرى وهو بعيد
فائدة : لو باعه عشرة أذرع وعين الابتداء دون
الانتهاء لم يصح البيع نص عليه ومثله لو قال
بعتك نصف هذه الدار التي تليني ذكره المجد
وغيره
قوله : وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده
وأطرافه صح
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في المغني والشرح والمحرر والفائق والوجيز
والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه
في الفروع والرعاية الكبرى وهو من مفردات
المذهب وقيل لا يصح
فوائد
الأولى لو أبى المشتري ذبحه لم يجبر عليه على
الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب
ويلزمه قيمة ذلك على التقريب نص عليه
وقيل يجبر وهو احتمال في الرعاية
وقال في الفروع ويتوجه أنه متى لم يذبحه يكون
له الفسخ وإلا فقيمته ولعله مرادهم انتهى
الثانية للمشتري الفسخ بعيب يختص هذا المستثنى
ذكره في الفنون وقدمه في الفروع وقال ويتوجه
لا فسخ له
الثالثة لو باعه الجلد والرأس والأطراف منفردة
لم يصح وإن صح استثناؤه جزم به في المغني
والشرح والفروع وغيرهم لعدم اعتياده عرفا ولأن
الاستثناء استبقاء وهو يخالف العقد المبتدأ
لجواز استبقاء المتاع في الدار المبيعة إلى
رفعه المعتاد وبقاء ملك النكاح على المعتدة من
غيره والمرتدة ولصحة بيع الورثة أمة موصى
بحملها دون حملها
قلت: الذي يظهر أن مرادهم بعدم الصحة إذا لم
تكن الشاة للمشتري فإن كانت للمشتري فيتخرج
على الوجهين فيما إذا باع الثمرة قبل بدو
صلاحها لمن الأصل له إلا أن يعثر على فرق
بينهما
الرابعة لو استثنى جزءا مشاعا معلوما من شاة
صح على الصحيح من المذهب
قال في الفروع صح على الأصح ونصره المصنف
والشارح واختاره ابن عقيل وغيرهم
قال في المستوعب وهو الصحيح عندي
وعنه لا يصح اختاره القاضي وقاسه على استثناء
الشحم
(4/221)
وأطلق وجهين في
التلخيص وغيره ورد قياس القاضي بأن الشحم
مجهول ولا جهالة هنا
وحمل ابن عقيل كلام القاضي على أنه استثنى ربع
لحم الشاة لا ربعها مشاعا ثم اختار الصحة في
ذلك أيضا
الخامسة لو استثنى مشاعا من صبرة أو حائط كثلث
وربع أو جزء كثلاثة أثمانه صح البيع
والاستثناء على الصحيح من المذهب
قال المصنف والشارح ذكره أصحابنا
قال في الفروع صح على الأصح وقال أبو بكر وابن
أبي موسى لا يصح
قوله : وإن استثنى حمله لم يصح
هذا المذهب وعليه الأصحاب
قال في الفروع لم يصح في ظاهر المذهب وعنه يصح
نقلها ابن القاسم وسندي وأطلقهما في المستوعب
والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم قال
ناظم المفردات
حمل المبيع كالإما يستثني ... أطراف شاة هكذا
في المغني
فائدة : لو استثنى الحمل في العتق صح قولا
واحدا على ما يأتي في بابه قاله غير واحد من
الأصحاب قال في الرعاية صح على الأصح
فوائد
إحداها : استثناء رطل لحم أو شحم كاستثناء
الحمل على الصحيح من المذهب جزم به في المحرر
وغيره وقدمه في الفروع وغيره
وقال أبو الوفاء المذهب صحة استثناء رطل من
لحم
الثانية يصح بيع حيوان مذبوح ويصح بيع لحمه
فيه ويصح بيع جلده وحده
هذا المذهب في ذلك كله قدمه في الفروع واختاره
الشيخ تقي الدين وغيره
وقال في التلخيص وغيره لا يصح بيع اللحم في
الجلد ولا بيع الجلد مع اللحم قبل السلخ
اكتفاء برؤية الجلد ويصح بيع الرءوس والأكارع
والسموط
قال الشيخ تقي الدين يجوز بيعه مع جلده جميعا
كما قبل الذبح ومنعه بعض متأخري الفقهاء ظانا
أنه بيع غائب بدون رؤية ولا صفة
(4/222)
قال ولذلك يجوز
بيع اللحم وحده والجلد وحده
الثالثة لو باع جارية حاملا بحر صح البيع على
الصحيح اختاره المصنف والشارح قال في الفائق
صح في أصح الوجهين
وقال القاضي لا يصح وقدمه في الرعاية الكبرى
وقال إن فيه روايتين
وأطلقهما وأطلق وجهين في القاعدة الثالثة
والثلاثين
الرابعة قال المصنف وصاحب التلخيص والشارح
والناظم وابن حمدان وغيرهم لو عد ألف جوزة
ووضعها في كيل ثم فعل مثل ذلك بلا عد لم يصح
ونص عليه
قوله : ويصح بيع الباقلا والجوز واللوز في
قشرته والحب المشتد في سنبله
هذا المذهب وعليه الأصحاب قاطبة وقطعوا به إلا
أنه قال في التلخيص يصح على المشهور عنه وسواء
كان في إبقائه صلاح ظاهر أو لم يكن
قوله : السابع أن يكون الثمن معلوما
يشترط معرفة الثمن حال العقد على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله صحة البيع
وإن لم يسم الثمن وله ثمن المثل كالنكاح
فائدتان
إحداهما : يصح البيع بوزن صنجة لا يعلمان
وزنها وبصبرة ثمنا على الصحيح من المذهب
قال في الفروع ويصح في الأصح وصححه في الترغيب
في الثانية
وقيل لا يصح فيهما ويحتمله كلام المصنف هنا
وأطلقهما في الرعايتين والحاويين في الأولى
ومثل ذلك ما يسع هذا الكيل لكن المنصوص هنا
الصحة
الثانية لو باعه سلعة معلومة بنفقة عبده شهرا
صح ذكره القاضي في خلافه واقتصر عليه في
القاعدة الثانية والسبعين
قوله : فإن باعه السلعة برقمها
لم يصح هذا المذهب وعليه الأصحاب
وعنه يصح واختاره الشيخ تقي الدين
(4/223)
تنبيه مراده
بقوله: برقمها إذا كان مجهولا عندهما أو عند
أحدهما بدليل قوله: أن يكون الثمن معلوما وهو
واضح
أما إذا كان الرقم معلوما فإن البيع صحيح
ويدخل في قوله: معلوما
وقد نص عليه المصنف في الفصل السادس في باب
الخيار في البيع
قوله : أو بألف ذهبا وفضة
لم يصح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع
به كثير منهم وبناه القاضي وغيره على إسلام
ثمن واحد في جنسين
ويأتي الخلاف في ذلك في باب السلم
ووجه في الفروع الصحة ويلزمه النصف ذهبا
والنصف فضة بناء على اختيار ابن عقيل فيما إذا
أقر بمائة ذهبا وفضة فإنه صحح إقراره بذلك
مناصفة
قوله : أو بما ينقطع به السعر
أي لا يصح وهو المذهب وعليه الأصحاب
وعنه يصح واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله
قوله : أو بما باع به فلان
لم يصح وهو المذهب وعليه الأصحاب
وعنه يصح واختاره الشيخ تقي الدين وقال هو أحد
القولين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله
قوله : أو بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح
إذا باعه بدينار مطلق وفي البلد نقود فلا يخلو
إما أن يكون فيها نقد غالب أو لا
فإن كان فيها نقد غالب فظاهر كلام المصنف أن
البيع لا يصح به إذا أطلق وهو أحد الوجهين وهو
ظاهر ما جزم به الشارح وقدمه في الفروع
والوجه الثاني يصح وينصرف إليه وهو المذهب وهو
ظاهر ما جزم به في المحرر والمنور والفائق
والحاويين والوجيز وغيرهم
قال في الفروع وهو الأصح وهو ظاهر كلام ابن
عبدوس في تذكرته
وإن لم يكن في البلد نقد غالب فالصحيح من
المذهب أنه لا يصح كما جزم به المصنف هنا وجزم
به في المغني والشرح والمحرر والمنور والفائق
والوجيز والحاويين والرعاية الصغرى وغيرهم
وقدمه في الفروع وعنه يصح
(4/224)
فعلى هذه
الرواية يكون له الوسط على الصحيح وعنه الأدنى
قال في الرعاية وقيل إذا اختلفت النقود فله
أقلها قيمة
قوله : وإن قال بعتك بعشرة صحاحا أو أحد عشر
مكسرة أو بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة لم يصح
يعني ما لم يتفرقا على أحدهما وهو المذهب نص
عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم
ويحتمل أن يصح وهو لأبي الخطاب واختاره في
الفائق
قال أبو الخطاب قياسا على قوله: في الإجارة إن
خطته اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف
درهم
وفرق بعض الأصحاب بينهما بأن ذلك جعالة وهذا
بيع ويغتفر في الجعالة ما لا يغتفر في البيع
ولأن العمل الذي يستحق به الأجرة لا يملك
وقوعه إلا على أحد الصفتين فتتعين الأجرة
المسماة عوضا فلا يفضي إلى التنازع والبيع
بخلافه قاله المصنف والشارح
قال الزركشي وفي قياس أبي الخطاب والفرق نظر
لأن العلم بالعوض
في الجعالة شرط كما هو في الإجارة والبيع
والقبول في البيع إلا على إحدى الصفتين فيتعين
ما يسمى لها انتهى
ويأتي هل هذا يتعين في بيعه أم لا في أول باب
الشرط في البيع
قوله : وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والقطيع
كل شاة بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم صح البيع
وهذا المذهب وعليه الجمهور
قال في الفروع ويصح في الأصح وجزم به في
المغني والشرح والهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والوجيز والفائق وغيرهم
وقيل لا يصح
وفي الرعاية الصغرى والحاوي الصغير هنا سهو
لكونهما قالا وإن باعه صبرة كل قفيز بدرهم صح
إن جهلا ذلك عند العقد وإن علما فوجهان وإن
جهله المشتري وجهل علم بائعه به صح وخير وقيل
يبطل انتهيا
وهذا الحكم إنما هو في بيع الصبرة جزافا على
ما يأتي فلعل في النسخ غلطا
(4/225)
فوائد
إحداها : يصح بيع الصبرة جزافا إذا جهلها
البائع والمشتري نص عليه ولو علم قدرها البائع
وحده حرم بيعها على الصحيح من المذهب نص عليه
واختاره الخرقي وأبو بكر في التنبيه وابن ابي
موسى وغيرهم
قال الزركشي هذا منصوص أحمد وعليه الأصحاب
وقدمه في المستوعب والمغني والشرح وغيرهم
وعنه مكروه اختاره القاضي في المجرد وصاحب
الفائق فيه وأطلقهما في الفروع
فعلى القول بالكراهة يقع العقد لازما نص عليه
وعلى القول بالتحريم لا يبطل العقد وله الرد
على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع والمغني
والشرح وهو ظاهر كلامه في رواية ابن الحكم
وقال القاضي وأصحابه هذا بمنزلة التدليس والغش
له الرد ما لم يعلم أن البائع يعلم قدره جزم
به في المحرر والنظم والزركشي وابن رزين
وغيرهم
وقال في الرعاية الكبرى إن جهله المشتري وحده
وجهل علم بائعه به صح وخير فيه
وقيل لا يصح وإن علم البائع به صح ولزم انتهى
وقال أبو بكر وابن أبي موسى يبطل البيع وقدمه
في الترغيب والحاوي الكبير وغيرهم
قال الزركشي قطع به طائفة من الأصحاب
الفائدة الثانية علم المشتري وحده مثل علم
البائع وحده وقدمه في الفروع وقال كما لم
يفرقوا في الغبن بين البائع والمشتري وقدمه
الزركشي
وقدم ابن عقيل في مفرداته أن المغلب في العلم
البائع بدليل العيب لو علمه المشتري وحده جاز
ومع علمهما يصح وفي الرعاية وجهين
قال في الفروع وهو ظاهر الترغيب وغيره وذكرهما
جماعة في المكيل
الفائدة الثالثة لو علم قدر الصبرة البائع
والمشتري فقيل حكمهما حكم علم البائع وحده على
ما تقدم وقدمه في الحاوي الكبير
قال الزركشي فعموم كلام الخرقي يقتضي المنع من
ذلك وجزم أبو بكر في التنبيه بالبطلان
وقال القاضي البيع صحيح لازم [وهذا الصحيح من
المذهب قطع به المغني والشرح وشرح ابن رزين
وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره].
وقال في الرعاية الكبرى وإن علماه إذن فوجهان
(4/226)
فائدة : يصح
بيع دهن في ظرف معه موازنة كل رطل بكذا إذا
علما قدر كل واحد منهما وإن جهلا زنة كل واحد
منهما أو أحدهما فوجهان وأطلقهما في الفروع
وصحح المجد الصحة إن علما زنة الظرف فقط وجزم
في الرعاية الكبرى بعدم الصحة فيهما واختاره
القاضي
وصحح المصنف والشارح الصحة مطلقا وهو الصحيح
من المذهب
وإن احتسب بزنة الظرف على المشتري وليس مبيعا
وعلما مبلغ كل منهما صح وإلا فلا لجهالة الثمن
وإن باعه جزافا بظرفه أو دونه صح
وإن باعه إياه في ظرفه كل رطل بكذا على أن
يطرح منه وزن الظرف صح
قال المجد لا نعلم فيه خلافا وذكر قول حرب
لأحمد الرجل يبيع الشيء في ظرفه مثل قطن في
جواليق فيزنه ويلقي للظرف كذا وكذا قال أرجو
أن لا بأس به لا بد للناس من ذلك
ثم قال المجد وحكينا عن القاضي خلاف ذلك
قال في الفروع ولم أجده ذكر الأقوال إلا قول
القاضي الذي ذكره الشيخ إذا باعه معه انتهى
وإذا اشترى سمنا أو زيتا في ظرف فوجد فيه ربا
صح في الباقي بقسطه وله الخيار ولم يلزمه بدل
الرب جزم به المصنف والشارح وصاحب الفروع
وغيرهم
قوله : وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم
وكذا من الثوب كل ذراع بدرهم لم يصح وهو
الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به المستوعب والرعايتين والحاويين والوجيز
وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم
وقيل يصح قال ابن عقيل وهو الأشبه كبيع الصبرة
كل قفيز بدرهم لأن من وإن أعطت البعض فما هو
بعض مجهول بل قد جعل لكل جزء معلوم منها ثمنا
معلوما فهو كما لو قال قفيزا منها انتهى
وهو احتمال في المغني والشرح وقالا بناء على
قوله: في الإجارة إذا أجره كل شهر بدرهم
واختاره في الفائق
وقال في عيون المسائل إذا باعه من الصبرة كل
قفيز بدرهم صح لتساوي أجزائها بخلاف بيعه من
الدار كل ذراع بدرهم لاختلاف أجزائها ثم قال
بعد ذلك إذا باعه من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم
لم يصح لأنه لم يبعه كلها ولا قدرا معلوما
منها بخلاف قوله: أجرتك هذه الدار كل شهر
بدرهم فإنه يصح هنا في الشهر الأول فقط للعلم
به وبقسطه من الأجرة
(4/227)
قوله : وإن
باعه بمائة درهم إلا دينارا لم يصح ذكره
القاضي
وهو المذهب وجزم به في المحرر والوجيز والمنور
وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم
ويجيء على قول الخرقي إنه يصح
يعني إذا أقر واستثنى عينا من ورق أو ورقا من
عين على ما ذكره المصنف عنه في كتاب الإقرار
أنه يصح فيجيء هنا كذلك
قال ابن منجا ولقائل أن يقول الصحة في الإقرار
اختلف الأصحاب في تعليلها فعللها بعضهم باتحاد
النقدين وكونهما قيم الأشياء وأروش الجنايات
وعللها بعضهم بأن قيمة الذهب يعلمها كثير من
الناس فإذا استثنى أحدهما من الآخر لم يؤد إلى
الجهالة غالبا
قال وعلى كلا التعليلين لا يجيء صحة البيع على
قول الخرقي في الإقرار لأن المفسد للبيع الجهل
في حال العقد ألا ترى أنه إذا باعه برقمه لم
يصح للجهل به حال العقد وإن علم بعده
وعلى كلا التعليلين لا يخرج الثمن عن كونه
مجهولا حالة العقد وفارق هذا الإقرار لأن
الإقرار بالمجهول يصح قال وهذا قول متجه لا
دافع له انتهى
قلت: فيما قاله نظر فإن قوله: على كلا
التعليلين لا يخرج الثمن عن كونه مجهولا حالة
العقد غير مسلم فإن كثيرا من الناس بل كلهم
إلا قليلا يعلم قيمة الدينار من الدراهم فلا
تحصل الجهالة حالة العقد لغالب الناس على
التعليل الثاني
قوله : وفي تفريق الصفقة
في تفريق الصفقة وجهين
أحدهما لو باع مجهولا ومعلوما هذا يصح أطلق
كثير من الأصحاب الجهل
قال في الفروع يجهل قيمته مطلقا
قال في التلخيص والبلغة مجهولا لا مطمع في
معرفة قيمته
وقال في الرعايتين وإن جمع بين معلوم ومجهول
وقيل يتعذر علم قيمته انتهى
فأما إن قال لكل واحد كذا ففيه وجهان وأطلقهما
في الفروع والرعايتين والحاويين والفائق
قال في التلخيص أصل الوجهين إن قلنا العلة
اتحاد الصفقة لم يصح البيع وإن قلنا العلة
جهالة الثمن في الحال صح البيع
(4/228)
وعلى التعليل
الأول يدخل الرهن والهبة والنكاح ونظائرها
وذكر التعليلين في الفروع وجزم ابن عبدوس في
تذكرته بالصحة في المعلوم
قلت: هو الصواب
فائدة : لو باعه بمائة ورطل خمر فسد البيع
وخرج في الانتصار صحته على رواية
قوله : الثانية باع مشاعا بينه وبين غيره كعبد
مشترك بينهما أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء
كقفيزين متساويين لهما فيصح في نصيبه بقسطه
على الصحيح من المذهب وللمشتري الخيار إذا لم
يكن عالما
هو المذهب كما قال وعليه جماهير الأصحاب وصححه
في المغني والشرح والنظم وغيرهم وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والرعايتين
والحاويين وغيرهم
قال في الفروع صح في ظاهر المذهب اختاره
الأكثر
وعنه لا يصح وهما وجهان في المغني والشرح
والحاويين والرعاية الصغرى وغيرهم
فعلى المذهب له الأرش إذا لم يكن عالما وأمسك
بالقسط فيما ينقص بالتفريق ذكره في المغني في
الضمان
قوله : الثالثة باع عبده وعبد غيره بغير إذنه
أو عبدا وحرا أو خلا وخمرا ففيه روايتان
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والمغني والبلغة والشرح وشرح ابن
منجا وغيرهم
أولاهما لا يصح اختاره المصنف والشارح وصححه
في التصحيح والخلاصة والنظم وجزم به في الوجيز
وقدمه في الرعايتين والحاويين
والأخرى يصح في عبده وفي الخل بقسطه وهو
المذهب وعليه أكثر الأصحاب وصححه في التلخيص
وغيره وجزم به في المنور وغيره واختاره ابن
عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر والفائق
والفروع وقال هذا ظاهر المذهب واختاره الأكثر
واختار في الترغيب والبلغة وغيرهما أنه إن علم
بالخمر ونحوه لم يصح
قال في التلخيص لم يصح رواية واحدة
وقال الأزجي إن كان ما لا يجوز العقد عليه غير
قابل للمعاوضة بالكلية كالطريق بطل البيع وعلى
قياسه الخمر وإن كان قابلا للصحة ففيه الخلاف
قال في أواخر القواعد ولا يثبت ذلك في المذهب
(4/229)
فعلى المذهب
يأخذ العبد والخل بقسطه على الصحيح
قال في الفروع هذا الأشهر وقيل يأخذه بالثمن
كله
قال القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول في
باب الضمان يصح العقد بكل الثمن أو يرد
قال في أواخر القواعد وهذا في غاية الفساد
اللهم إلا أن يخص هذا بمن كان عالما بالحال
وأن بعض المعقود عليه لا يصح العقد عليه فيكون
قد دخل على بدل الثمن في مقابلة ما يصح العقد
عليه خاصة كما نقول فيمن أوصى لحي وميت يعلم
موته أن الوصية كلها للحي
فعلى الأول يأخذ عبد البائع بقسطه على قدر
قيمة العبدين
وذكر القاضي وابن عقيل وجها في باب الشركة
والكتابة من المجرد والفصول أن الثمن يقسط على
عدد المبيع لا القيم ذكراه فيما إذا باع عبدين
أحدهما له والآخر لغيره كما لو تزوج امرأتين
قال في آخر القواعد وهو بعيد جدا ولا أظنه
يطرد إلا فيما إذا كان جنسا
واحدا ويأخذ الخل بأن يقدر الخمر خلا على قول
كالحر يقدر عبدا جزم به في البلغة وقدمه في
الرعايتين والحاويين والفائق
قلت: وهو الصواب
وقيل بل يعتبر قيمة الخمر عند أهلها
قال ابن حمدان قلت: إن قلنا نضمن لهم انتهى
قلت: وهذا ضعيف وأطلقهما في التلخيص والفروع
فائدتان
إحداهما : متى صح البيع كان للمشتري الخيار
ولا خيار للبائع على الصحيح من المذهب
وقال الشيخ تقي الدين يثبت له الخيار أيضا
ذكره عنه في الفائق
الثانية قال المصنف والشارح وغيرهما والحكم في
الرهن والهبة وسائر العقود إذا جمعت ما يجوز
وما لا يجوز كالحكم في البيع إلا أن الظاهر
فيها الصحة لأنها ليست عقود معاوضة فلا توجد
جهالة العوض فيها وقد تقدم كلامه في التلخيص
قوله : وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن
واحد فهل يصح على وجهين
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح ابن منجا
أحدهما يصح وهو المذهب نص عليه وصححه في
التصحيح والنظم واختاره ابن
(4/230)
عبدوس في
تذكرته وجزم به في المنور وغيره وقدمه في
المحرر والفروع والرعايتين والحاويين والفائق
والثاني لا يصح جزم به في الوجيز وهو عجيب منه
إذ المنصوص الأول قال في الرعاية الكبرى هذا
أقيس
فوائد
منها مثل هذه المسألة خلافا ومذهبا لو باع
عبديه الاثنين بثمن واحد لكل واحد منهما عبد
وكذا لو اشتراهما منهما لكن قدم في الرعاية
الكبرى في المسألة الأخيرة عدم الصحة لتعدد
العقد حكما ثم قال وقيل يصح إن صح تفريق
الصفقة وهو قياس نص أحمد انتهى
فعلى المذهب في المسائل الثلاث يقسط الثمن على
قدر القيمة على الصحيح من المذهب
وذكر في المنتخب وجها في المسألة الأخيرة يقسط
الثمن على قدر القيمة على الصحيح من المذهب
وذكر في المنتخب وجها في المسألة الأخيرة يقسط
الثمن على عددهما
قال في الفروع فيتوجه مثله في غيرها
ومنها لو كان لاثنين عبدان مفردان لكل واحد
منهما عبد فباعهما لرجلين صفقة واحدة لكل واحد
عبدا معينا بثمن واحد ففي صحة البيع وجهان
أحدهما يصح وهو الصحيح من المذهب نص عليه وقيل
لا يصح
فعلى المذهب يقسمان الثمن على قدر قيمتي
العبدين على الصحيح من المذهب
وذكر القاضي وابن عقيل وجها يقتسمانه على عدد
رؤوس المبيع ذكره في القاعدة الخامسة عشر بعد
المائة
ومنها الإجارة مثل ذلك خلافا ومذهبا
ومنها لو اشتبه عبده بعبد غيره أقرع بينهما
ولم يصح بيع أحدهما قبل القرعة قدمه في
الرعاية الكبرى وهو احتمال للقاضي في خلافه
وقيل يصح إن أذن شريكه
وقيل بل يبيعه وكيلهما أو أحدهما بإذن الآخر
أوله ويقسم الثمن بينهما بقيمة العبدين
قال القاضي في خلافه هذا أجود ما يقال فيه كما
قلنا في زيت اختلط بزيت لآخر وأحدهما أجود من
الآخر
(4/231)
قوله : وإن جمع
بين بيع وإجارة أو بيع وصرف
يعني بثمن واحد صح فيهما في أحد الوجهين
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والتلخيص والبلغة
أحدهما يصح وهو المذهب نص عليه قال الناظم هو
الأقوى صححه في التصحيح واختاره ابن عبدوس في
تذكرته وجزم به في الوجيز والمنور
قال الشيخ تقي الدين يجوز الجمع بين البيع
والإجارة في عقد واحد في أظهر قوله:م وقدمه في
المغني والمحرر والشرح والفروع والفائق
والثاني لا يصح وقدمه في الرعايتين والحاويين
قال في الخلاصة لو اشترى ثوبا ودراهم بدينار
أو اشترى دارا وسكنى دار بمائة لم يصح في
الأصح وهما روايتان في الفروع وغيره
فعلى المذهب يقسط العوض عليهما قولا واحدا كما
قال المصنف هنا
فائدتان
إحداهما : لو جمع بين بيع وخلع بعوض واحد
فالحكم كما تقدم في الجمع بين البيع والإجارة
أو البيع والصرف قاله في الفروع وغيره
الثانية لو جمع بين بيع ونكاح بعوض واحد فقال
زوجتك ابنتي وبعتك داري بمائة صح في النكاح
على الصحيح من المذهب جزم به في الكافي
والمغني والشرح والمحرر والنظم والحاويين
والفائق والرعاية الصغرى وفي الكبرى في موضع
قال في الفروع صح في الأصح وقيل لا يصح
وقال في الرعاية الكبرى في موضع وإن جمع بين
بيع ونكاح بطلا وقيل يصحان انتهى
وقال في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص
والبلغة وغيرهم إذا جمع بين مختلفي الحكم
كالإجارة والبيع والنكاح والبيع فالعقد صحيح
على أحد الوجهين
فجعلوا الجمع بين النكاح والبيع كالجمع بين
الإجارة والبيع
فعلى المذهب يصح البيع أيضا على الصحيح
واختاره المصنف وجزم به في الوجيز
وقيل لا يصح اختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه
في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وقدمه في
الرعاية الكبرى في موضع وأطلقهما في المستوعب
والكافي والمغني والشرح والتلخيص والبلغة
والمحرر والنظم والحاوي الكبير والفائق
والرعاية الكبرى في موضع .
(4/232)
قوله : وإن جمع
بين كتابة وبيع فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة
واحدة بطل البيع
هذا الصحيح من المذهب جزم به في المغني
والمحرر والشرح والنظم والوجيز والفائق
والمنور وغيرهم واختاره القاضي وابن عقيل في
البيوع وابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع
والرعايتين والحاويين
وقيل يصح وقيل الصحة منصوص احمد واختاره
القاضي وابن عقيل في النكاح وأبو الخطاب
والأكثرون اكتفوا باقتران البيع بشرطه وهو كون
المشتري مكاتبا يصح معاملته للسيد قاله في
القاعدة السادسة والخمسين وأطلقهما في
المستوعب
قوله : وفي الكتابة وجهان
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والمحرر والفروع والفائق والنظم والرعاية
الكبرى في موضع
قال الشارح وهل تبطل الكتابة ينبني على
الروايتين في تفريق الصفقة
إحداهما : يصح وهو الصحيح من المذهب صححه في
المغني والحاويين واختاره ابن عبدوس في تذكرته
والوجه الثاني لا يصح صححه في التصحيح وجزم به
في الوجيز وقدمه في الحاويين والرعاية الصغرى
وفي الكبرى في موضع
فائدة : تتعدد الصفقة بتعدد البائع أو المشتري
أو المبيع أو بتفصيل الثمن على الصحيح قدمه في
الرعايتين
قال ابن الزاغوني في المبسوط نص أحمد أن شراء
الاثنين من الواحد عقدان وصفقتان
وقال الحارثي لو باع اثنان نصيبهما من اثنين
صفقة واحدة فقال أصحابنا هي بمثابة أربع عقود
وجزم به في المغني والشرح وقالا هي أربعة عقود
إذ عقد الواحد مع الاثنين عقدان انتهيا
وقيل لا تتعدد بحال وأطلقهما في الحاويين
وقيل تتعدد بتعدد البائع فقط
قال في الرعاية الكبرى وإن اتحد الوكيل دون
الموكل أو بالعكس فاحتمالان والأظهر الاعتبار
بالموكل فإن قال لاثنين بعتكما هذا فقبل
أحدهما وقلنا تتعدد الصفقة بتعدد المشتري ففي
الصحة وجهان يأتي ذلك في باب الشفعة محررا إن
شاء الله
(4/233)
قوله : ولا يصح
البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها
هذا الصحيح من المذهب بشرطه وعليه جماهير
الأصحاب وقطع به كثير منهم
وقيل يصح مع التحريم وهو رواية في الفائق
وأطلقهما والتفريع على الأول
تنبيهات
الأول محل الخلاف إذا لم تكن حاجة فإن كان ثم
حاجة صح البيع جزم به في الفروع وغيره
والحاجة هنا كالمضطر إلى الطعام والشراب إذا
وجده يباع والعريان إذا وجد السترة تباع وكذا
كفن الميت ومؤنة تجهيزه إذا خيف عليه الفساد
بالتأخير وكذا لو وجد أباه يباع وهو مع من لو
تركه معه رحل وفاته الشراء
وكذا على الصحيح لو لم يجد مركوبا وكان عاجزا
أو لم يجد الضرير قائدا ووجد ذلك يباع
وقال ابن عقيل ويحتمل أن لا يصح
وقال في الفائق ولو كان الشراء لآلة الصلاة أو
المشتري أباه جاز في أحد الوجهين
قال ابن تميم لا بأس بشراء ماء للطهارة بعد
أذان الجمعة وكذا قال في الرعاية وزاد وله
شراء السترة كما تقدم
الثاني مراده بقوله : بعد ندائها النداء
الثاني الذي عند أول الخطبة وهذا المذهب وعليه
الأصحاب
وعنه ابتداء المنع من النداء الأول وهو الذي
يقال عند المنارة
وعنه المنع من أول دخول الوقت وقدمه في
المنتخب وهذه الرواية في عيون المسائل
والروايتان للقاضي والتلخيص والبلغة والترغيب
والرعايتين والحاويين وغيرهم بالزوال
وأطلق هذه الرواية والرواية الأولى في التلخيص
والبلغة
الثالث مفهوم قوله : من تلزمه الجمعة أنها إذا
لم تلزمه يصح بيعه وهو صحيح وهو المذهب وعليه
الأصحاب وعنه لا يصح
وعنه لا يصح من مريض ونحوه دون غيره
فعلى المذهب يباح على الصحيح
وقيل يكره وجزم به الزركشي وغيره في الأسواق
الرابع ظاهر كلام المصنف أنه لو كان أحد
المتعاقدين تلزمه الجمعة أن البيع لا يصح
(4/234)
وهو صحيح وهو
المذهب واختاره ابن عقيل وصاحب التلخيص
وغيرهما وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقدمه في
الرعاية الكبرى
وقيل يصح
وقال المصنف والشارح فإن كان أحدهما مخاطبا
بها دون الآخر حرم على المخاطب وكره للآخر
ويحتمل أن يحرم وهذا هو الذي قدمه في الفروع
قال في الفصول يحرم على من تجب عليه ويأثم فقط
كالمحرم يشتري صيدا من محل ثمنه حلال للمحل
والصيد حرام على المحرم قال في الفروع كذا قال
الخامس ظاهر كلام المصنف أيضا أنه لو وجد
الإيجاب قبل النداء والقبول بعده أنه يصح وهو
قول في الرعاية وغيرها
والصحيح من المذهب أن حكمه حكم صدور البيع بعد
النداء جزم به في التلخيص وغيره
قال في الفروع وأحد شقيه كهو وقدمه في الرعاية
واختاره ابن عقيل في الفنون
السادس ظاهر تقييده بالجمعة صحة البيع بعد
نداء غيرها من الصلوات من غير تحريم فشمل
صورتين
إحداهما : إذا لم يتضيق الوقت فالصحيح من
المذهب أن لا يحرم وعليه الأصحاب
وقيل يحرم وهو احتمال لابن عقيل
قلت: ويحتمل أن يحرم إذا فاتته الجماعة بذلك
وتعذر عليه جماعة أخرى حيث قلنا بوجوبها
والثانية إذا تضيق حرم البيع وفي صحته وجهان
وأطلقهما في الفروع والرعايتين والحاويين
إحداهما : لا يصح قال في الرعاية البطلان أقيس
قال في الفائق بعد ذكر حكم الجمعة ولو ضاق وقت
صلاة فكذا حكمه في التحريم والانعقاد وجزم به
الناظم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وهو
الصواب وقواعد المذهب تقتضي ذلك وهي شبيهة
بانعقاد النافلة مع ضيق الوقت عن الفريضة كما
تقدم
والوجه الثاني يصح مع التحريم قال في الرعاية
وهو أشهر
فوائد
إحداها : لو اختار إمضاء عقد بيع الخيار بعد
النداء صح على الصحيح من المذهب قال في الفروع
صح في الأصح وجزم به في التلخيص والرعاية
الكبرى والزركشي
وقيل لا يصح
(4/235)
الثانية تحرم
المناداة والمساومة ونحوهما مما يشغل حيث قلنا
يحرم البيع
الثالثة يستوي في ذلك بيع الكثير والقليل وهو
ظاهر كلام المصنف وغيره وصرح به الوجيز وغيره
وكثير من الأصحاب
قوله : ويصح النكاح وسائر العقود في أصح
الوجهين
وهو المذهب وصححه في الفروع والشرح والرعاية
الصغرى والحاويين والنظم والزركشي وغيرهم وجزم
به في الوجيز وغيره
وقيل لا يصح واختاره ابن عبدوس في تذكرته
وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة
والكافي والتلخيص والبلغة والرعاية الكبرى
والفائق وغيرهم
قوله : ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمرا ولا
بيع السلاح في الفتنة ولأهل الحرب
وهذا المذهب نقله الجماعة وعليه الأصحاب
قال الزركشي هذا المذهب بلا ريب وقدمه في
الفروع وغيره ويحتمل أن يصح مع التحريم
وعدم صحة بيع العصير لمن يتخذه خمرا من
المفردات
تنبيه محل هذا الخلاف إذا علم أنه يفعل به ذلك
على الصحيح
وقيل أو ظنه واختاره الشيخ تقي الدين وهو ظاهر
نقل ابن الحكم
قلت: وهو الصواب
فائدة : مثل ذلك في الحكم بيع المأكول
والمشروب لمن يشرب عليه المسكر وكذا الأقداح
لمن يشرب بها وكذا الجوز والبيض ونحوهما
للقمار وكذا بيع الأمة والغلام لمن عرف بوطء
الدبر أو للغناء أما بيع السلاح لأهل العدل
كقتال البغاة وقطاع الطريق فجائز
قوله : ولا يصح بيع عبد مسلم لكافر
هذا المذهب في الجملة نص عليه وعليه الأصحاب
وذكر بعض الأصحاب في طريقته رواية بصحة بيعه
لكافر كمذهب أبي حنيفة ويؤمر ببيعه أو كتابته
قوله : إلا أن يكون ممن يعتق عليه فيصح في
إحدى الروايتين
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والكافي
والهادي والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين
والفروع والفائق
إحداهما : يصح وهو المذهب
(4/236)
قال في الرعاية
الكبرى في أواخر العتق وإن اشترى الكافر أباه
المسلم صح على الأصح وعتق واختاره ابن عبدوس
في تذكرته وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز
وإليه ميل الشارح
قلت: وهو الصواب
والرواية الثانية لا يصح جزم به في الهداية
والمستوعب والخلاصة والتلخيص وقال نص عليه
وقدمه الناظم وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب
ويأتي في باب الولاء إذا قال الكافر لرجل أعتق
عبدك المسلم عني وعلي ثمنه هل يصح أم لا
ويأتي في كتاب العتق إذا أعتق الكافر نصيبه من
مسلم وهو موسر هل يسري إلى باقيه أم لا
فائدة : لو وكل مسلم كافرا في شراء عبد مسلم
لم يصح على الصحيح من المذهب جزم به في
الرعايتين والحاويين وتذكرة ابن عبدوس والفائق
وقيل يصح مطلقا وأطلقهما الناظم
وقيل يصح إن سمي الموكل في العقد وإلا فلا
وأطلقهن في الفروع
وقال في الواضح إن كفر بالعتق وكل من يشتريه
له ويعتقه
وقال في الانتصار لا يبيع الكافر آبقا ويوكل
فيه لمن هو في يده
وتقدم في أواخر كتاب الجهاد هل يبيع من استرق
من الكفار للكفار في كلام المصنف وتقدم المذهب
في ذلك
قوله : وإن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة
ملكه عنه بلا نزاع وليس له كتابته
هذا أحد الوجهين وجزم به ابن عبدوس في تذكرته
وقدمه في الشرح وقال هو أولى وصححه في النظم
في أواخر باب الكتابة
قال ابن منجا هذا المذهب وقدمه في الفروع في
باب التدبير وقدمه في الهداية والخلاصة في باب
الكتابة
وقال القاضي له ذلك جزم به في الوجيز
وحكى في الفروع عن أبي بكر أنها تكفي
قال في الرعايتين والحاوي الصغير صح في أصح
الوجهين ويكفي في الأصح وأطلقهما في الكافي
والتلخيص والبلغة والمحرر والنظم والحاوي
الكبير والفائق وأطلقهما في المذهب في باب
الكتابة
(4/237)
ويأتي إذا أسلم
عبده أو أم ولده في باب التدبير وفي الاكتفاء
بالكتابة إذا ورثه الوجهان خلافا ومذهبا
فائدة : قيل يدخل العبد المسلم في ملك الكافر
ابتداء في سبع مسائل
إحداها : الإرث
الثانية استرجاعه بإفلاس المشتري يعني لو
اشترى عبدا كافرا من كافر ثم أسلم العبد وأفلس
المشتري وحجر عليه
الثالثة إذا رجع في هبته لولده يعني لو وهب
الكافر عبده الكافر لولده المسلم ثم أسلم
العبد ورجع في هبته
الرابلاعة إذا رد عليه بعيب يعني إذا باعه ثم
أسلم وظهر به عيب فرده وحكى في القواعد فيه
وفيما يشابهه وجهين
الخامسة إذا قال الكافر لمسلم أعتق عبدك
المسلم عني وصححناه على ما يأتي في باب الولاء
السادسة إذا كاتب عبده ثم أسلم ثم عجز عن نفسه
على قول
السابعة إذا اشترى من يعتق عليه على ما تقدم
قلت: وتأتي ثامنة وهي جواز شرائه ويؤمر ببيعه
وكتابته على رواية ذكرها بعض الأصحاب في
طريقته
وتاسعة وهي ما إذا ملكه الحربي وقلنا إنه يملك
مالنا بالاستيلاء على ما تقدم في قسمة الغنيمة
وعاشرة وهي إذا استولد المسلم أمة الكافر قاله
ابن رجب في القاعدة الخمسين وقال يملك الكافر
المصاحف بالإرث ويرده عليه بعيب ونحوه وبالقهر
وحادية عشر وهي إذا باع الكافر عبدا كافرا
بشرط الخيار مدة وأسلم العبد فيها
قلت: وقد قال الشيخ تقي الدين في شرح المحرر
هل يملك الكافر فسخ العقد بإفلاس المشتري أو
عيب الثمن أو بخيار أو إذا وهبه لابنه المسلم
أم لا قياس المذهب يملكه ولا يقر في ملكه لأن
في منعه من ذلك إبطال حق العقد قال وفيه نظر
انتهى
ويؤخذ من كلامه صورة أخرى وهي ما إذا وجد ثمنه
معيبا وقلنا الدراهم والدنانير تتعين بالتعيين
وكانت معينة وردها وكان قد أسلم قبل ذلك
فتكون اثني عشر مسألة
فائدة: قوله: ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه
وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك
مثلها بتسعة ولا شراء الرجل على شراء أخيه وهو
أن
(4/238)
يقول لمن باع
سلعة بتسعة عندي فيها عشرة ليفسخ البيع ويعقد
معه
وهذا بلا نزاع فيهما ويتصور ذلك في مسألتين
الأولى في خيار المجلس والثانية في خيار الشرط
وجزم به في الفروع والرعاية وغيرها
قال ابن رجب في شرح الأربعين النووية في شرح
الحديث الخامس والثلاثين وظاهر كلام أحمد في
رواية ابن مشيش قال ومال إلى القول بأنه عام
في الحالين انتهى يعني في مدة الخيار وبعدها
قال وهو قول طائفة من أصحابنا وهو أظهر انتهى
وعلله تبعا لميل غيرهم
وأما قبل العقد فهو سومه على سوم أخيه على ما
يأتي
قوله : فإن فعل فهل يصح على وجهين
وهما روايتان في الفروع وغيره وأطلقهما في
الهداية والمحرر والرعايتين والحاويين
والمستوعب
أحدهما لا يصح أعني البيع الثاني وهو المذهب
صححه في التصحيح
قال في المذهب ومسبوك الذهب البيع باطل في
ظاهر المذهب
قال في الفروع لم يصح على الأصح
قال في الرعاية الكبرى أشهرهما البطلان
واختاره أبو بكر وغيره وجزم به في الخلاصة
والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في الشرح
والكافي
والوجه الثاني يصح اختاره القاضي وأبو الخطاب
وقال الشيخ تقي الدين يحرم الشراء على شراء
أخيه فإن فعل كان للمشتري الأول مطالبة البائع
بالسلعة وأخذ الزيادة أو عوضها
فائدتان
إحداهما : سومه على سوم أخيه محرم مع الرضى
صريحا على الصحيح من المذهب وقيل يكره ذكره في
الرعاية الكبرى
فعلى المذهب يصح البيع على الصحيح من المذهب
وقيل لا يصح وهو ظاهر ما جزم به ابن عبدوس في
تذكرته
وظاهر الرعاية الصغرى والحاوي الصغير أن في
صحة البيع روايتان وإن حصل الرضى ظاهرا لم
يحرم السوم على الصحيح من المذهب اختاره
القاضي وغيره وجزم به في التلخيص وغيره وقدمه
في الفروع وغيره
وقيل يحرم كرضاه صريحا
(4/239)
قال المصنف لو
قيل بالتحريم هنا لكان وجها حسنا وصححه الناظم
فعليه لو تساوى الأمران لم يحرم على الصحيح
جزم به المصنف والشارح وغيرهما
وقيل يحرم أيضا
وأما إذا ظهر منه ما يدل على عدم الرضى فإنه
لا يحرم قولا واحدا
وقسم في عيون المسائل السوم على سوم اخيه
كالخطبة على خطبة أخيه على ما يأتي إن شاء
الله تعالى
الثانية سوم الإجارة كالبيع ذكره في الانتصار
وذكره عنه في الفروع في آخر التصرف في المبيع
قلت: وكذا استئجاره على إجارة أخيه حيث قلنا
بخيار المجلس فيها
وقال الشيخ تقي الدين في شرح المحرر قلت:
واستئجاره على استئجار أخيه واقتراضه على
اقتراض أخيه ولتهابه على اتهاب أخيه مثل شرائه
على شراء اخيه أو شرائه على لتهابه أو شرائه
على إصداقه ونحو ذلك بحيث تختلف جهة الملك
قوله : وفي بيع الحاضر للبادي روايتان
وأطلقهما في الهداية والمذهب والتلخيص والمحرر
وشرح ابن منجا والفائق والزركشي
إحداهما : يحرم ولا يصح بشروطه وهو المذهب
قال في المغني والشرح والفروع حرم وفسد العقد
رضوا بذلك أم لا في ظاهر المذهب
قال الناظم وهو الأظهر واختاره ابن عبدوس في
تذكرته وجزم به في الوجيز والمنور ونظم
المفردات والخرقي وهو منها وقدمه في الحاويين
والكافي
والرواية الثانية يكره ويصح قدمه في الخلاصة
والرعايتين
وعنه يحرم ويصح ذكرها في الرعاية الكبرى وغيره
قال الزركشي وجعل ابن منجا في شرحه الصحة على
القول بزوال النهي والبطلان على القول ببقائه
قال وليس بشيء وإنما الروايتان على القول
ببقاء النهى انتهى
قلت: ما قاله ابن منجا قاله المصنف في المغني
والشارح
فالرواية الواردة عن أحمد تدل على ذلك وبها
استدلا
قال الشارح بعد أن قدم المذهب والنهي عنه ونقل
ابن شاقلا أن الحسن بن علي المصري سأل أحمد
رحمه الله عن بيع حاضر لباد فقال لا بأس به
فقال له الخبر الذي جاء
(4/240)
بالنهي؟ قال
كان ذلك مرة قال فظاهر هذا أن النهي اختص بأول
الإسلام لما كان عليهم من الضيق في ذلك انتهى
فعلى المذهب يشترط لعدم الصحة خمس شروط كما
ذكره المصنف وهو أن يحضر البادي لبيع سلعته
بسعر يومها جاهلا بسعرها ويقصده الحاضر وتكون
بالمسلمين حاجة إليها فاجتماع هذه الشروط يحرم
البيع ويبطله على المذهب كما تقدم فإن اختل
منها شرط صح البيع على الصحيح من المذهب وعليه
أكثر الأصحاب
ولم يذكر الإمام أحمد رحمه الله في الشروط أن
يكون بالمسلمين حاجة إليها
قوله : ويقصده الحاضر
هذا شرط لكن يشترط فيه أن يكون عارفا بالسعر
على الصحيح من المذهب وعنه لا يعرفه
قوله : جاهلا بسعرها
يعني البادي وهذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه
لا يشترط جهله بالسعر
قوله : أن يحضر البادي لبيع سلعته
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب
وعنه حكم ما إذا وجه بها البادي إلى الحاضر
ليبيعها له حكم حضور البادي ليبيعها نقله ابن
هانئ
ونقل المروذي أخاف أن يكون ممن جزم بهما
الخلال وهو ظاهر كلام الخرقي لعدم ذكره له
قوله : بسعر يومها
زاد بعضهم في هذا الشرط أن يقصد البيع بسعر
يومها حالا لا نسيئة نقله الزركشي ولم يذكر
الخرقي بسعر يومها
قوله : وأما شراؤه له فيصح رواية واحدة
وهو المذهب وعليه الأصحاب ونقل ابن هانئ لا
يشتري له وتقدم أول الباب بيع التلجئة والهازل
ونحوهما فليعاود
فائدة : الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص
عليه أن النهي في هذه المسألة باق
وعنه زواله وقال كان ذلك مرة والتفريع على
الأول
(4/241)
قوله : ومن باع
سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها
نقدا إلا أن تكون قد تغيرت صفتها
هذه مسألة العينة فعلها محرم على الصحيح من
المذهب نص عليه وعليه الأصحاب
وعند أبي الخطاب يحرم استحسانا ويجوز قياسا
وكذا قال في الترغيب لم يجز استحسانا وفي كلام
القاضي وأصحابه القياس صحة البيع
قال في الفروع ومرادهم أن القياس خولف لدليل
راجح فلا خلاف إذا في المسألة وحكى الزركشي
بالصحة قولا
وذكر الشيخ تقي الدين أيضا أنه يصح البيع
الأول إذا كان بيانا بلا مواطأة وإلا بطلا
وأنه قول أحمد
قال في الفروع ويتوجه أن مراد من أطلق هذا إلا
أنه قال في الانتصار إذا قصد بالأول الثاني
يحرم وربما قلنا ببطلانه
وقال أيضا يحتمل إن قصد أن لا يصحا وإن سلم
فالبيع الأول خلا عن ذريعة الربا
تنبيه قوله : لم يجز أن يشتريها بأقل مما
باعها نقدا
قاله أبو الخطاب والمصنف في المغني والشارح
والناظم وصاحب الوجيز والرعاية وغيرهم
والصحيح من المذهب لا يشترط في التحريم أن
يشتريها بنقد بل يحرم شراؤها سواء كان بنقد أو
نسيئة
قال في الفروع إذا لم يقله أحمد والأكثر بل
ولو كان بعد حل أجله نقله ابن القاسم وسندي
فوائد
إحداها : لو اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول
بعرض فاشتراها بنقد جاز
قال المصنف والشارح لا نعلم فيه خلافا
قال في الفروع فإن كان بغير جنسه جاز انتهى
وإن باعها بنقد واشتراها بنقد آخر فقال
الأصحاب يجوز قاله المصنف والشارح وفي
الانتصار وجه لا يجوز إلا إذا كان بعرض فلا
يجوز إذا كان بنقدين مختلفين واختاره المصنف
والشارح
قلت: وهو الصواب
الثانية من مسائل العينة لو باعه شيئا بثمن لم
يقبضه ذكره القاضي وأصحابه وهو
(4/242)
ظاهر كلام
الإمام أحمد ثم اشتراه بأقل مما باعه نقدا أو
غير نقد على الخلاف المتقدم لم يصح
الثالثة عكس العينة مثلها في الحكم وهي أن
يبيع السلعة بثمن حال ثم يشتريها بأكثر نسيئة
على الصحيح من المذهب نص عليه قدمه في المغني
والشرح والفروع والفائق
ونقل أبو داود يجوز بلا حيلة
ونقل المروذي فيمن باع شيئا ثم وجده يباع
أيشتريه بأقل مما باعه قال لا ولكن بأكثر لا
بأس
قال المصنف ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس
الثمن بأكثر منه إذا لم تكن مواطأة ولا حيلة
بل وقع اتفاقا من غير قصد
قوله : فإن اشتراه أبوه أو ابنه جاز
مراده إذا لم يكن حيلة فإن كان حيلة لم يجز
وكذا يجوز له الشراء من غير مشتريه لا من
وكيله
قال في الفائق قلت: بشرط عدم المواطأة انتهى
قلت: وهو مراد الأصحاب
فائدة : لو احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي
مائة بمائة وخمسين فلا بأس نص عليه وهو المذهب
وعليه الأصحاب وهي مسألة التورق
وعنه يكره وعنه يحرم اختاره الشيخ تقي الدين
فإن باعه لمن اشترى منه لم يجز وهي العينة نص
عليه
قوله : وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة ثم
اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه أو ما لا
يجوز بيعه نسيئة لم يجز
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير
منهم
واختار المصنف الصحة مطلقا إذا لم يكن حيلة
وقال قياس مسألة العينة أخذ عين جنسه واختاره
في الفائق
واختار الشيخ تقي الدين الصحة إذا كان ثم حاجة
وإلا فلا
تنبيه شمل كلام المصنف مسألتين
إحداهما : أن يبيعه كيل بر إلى شهر بمائة ثم
يشتري بثمنه بعد استحقاقه
منه برا فلا يجوز قال في التلخيص قاله أصحابنا
ونص عليه
الثانية أن يأخذ بالثمن منه شعيرا أو غيره مما
يجري فيه الربا نسيئة فلا يجوز
(4/243)
فوائد الباب
يحرم التسعير ويكره الشراء به على الصحيح من
المذهب وإن هدد من خالفه حرم وبطل العقد على
الصحيح من المذهب صححه في الفروع والرعاية
الكبرى وقدمه في الرعاية الصغرى وقيل لا يبطل
العقد بأحدهما
هل الوعيد إكراه أم لا
ويحرم قوله: بع كالناس على الصحيح من المذهب
وفيه وجه لا يحرم
وأوجب الشيخ تقي الدين إلزامهم المعاوضة بمثل
الثمن وقال لا نزاع فيه لأنها مصلحة عامة لحق
الله تعالى
وكره الإمام أحمد البيع والشراء من مكان ألزم
الناس بهما فيه لا الشراء ممن اشترى منه
وكره أيضا الشراء بلا حاجة من جالس على الطريق
ومن بائع مضطر ونحوه
وقال في المنتخب لبيعه بدون ثمنه
ويحرم الاحتكار في قوت الآدمي فقط على الصحيح
من المذهب نص عليه وقيل لا يحرم
وعنه يحرم أيضا فيما يأكله الناس وعنه أو
يضرهم ادخاره بشرائه في ضيق
وقال المصنف من بلده لا جالبا والأول قدمه في
الفروع وقاله القاضي وغيره
ويصح شراء محتكر على الصحيح من المذهب
وفي الترغيب احتمال بعدم الصحة
وفي كراهة التجارة في الطعام إذا لم يرد
الحكرة روايتان وأطلقهما في الفروع
قال في الرعاية الكبرى ومن جلب شيئا أو استغله
من ملكه أو مما استأجره أو اشتراه زمن الرخص
ولم يضيق على الناس إذن أو اشتراه من بلد كبير
كبغداد والبصرة ومصر ونحوها فله حبسه حتى يغلو
وليس محتكرا نص عليه وترك ادخاره لذلك أولى
انتهى
وقال القاضي يكره إن تربص به السعر لا جالبا
بسعر يومه
نقل عبد الله وحنبل الجالب أحسن حالا وأرجو أن
لا بأس ما لم يحتكر
وقال لا ينبغي أن يتمنى الغلاء
وقال في الرعاية يكره واختاره الشيخ تقي الدين
ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس فإن
أبى وخيف التلف فرقه الإمام ويردون مثله
قال في الفروع ويتوجه قيمته
قلت: وهو قوي
(4/244)
وكذا سلاح
لحاجة قاله الشيخ تقي الدين
قلت: وأولى
ولا يكره ادخار قوت لأهله ودوابه نص عليه ونقل
جعفر سنة وسنتين ولا ينوي التجارة فأرجو أن لا
يضيق
ومن ضمن مكانا ليبيع فيه ويشتري وحده كره
الشراء منه بلا حاجة ويحرم عليه أخذ زيادة بلا
حق ذكره الشيخ تقي الدين
(4/245)
باب الشروط في البيع
تنبيه قوله : وهي ضربان صحيح وهو ثلاثة أنواع
أحدها شرط مقتضي البيع كالتقابض وحلول الثمن
ونحوه
بلا نزاع ويأتي لو جمع بين شرطين من هذا
قوله : الثاني شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة
في الثمن كتأجيله أو الرهن أو الضمين به أو
صفة في المبيع نحو كون العبد كاتبا أو خصيا أو
صانعا أو مسلما أو الأمة بكرا أو الدابة
هملاجة والفهد صيودا فيصح الشرط بلا نزاع فإن
وفى به هو في جميع ما تقدم وإلا فلصاحبه الفسخ
يعني إذا لم يتعذر الرد فأما إن تعذر الرد
تعين له الأرش وإن لم يتعذر الرد فظاهر كلامه
أنه ليس له إلا الفسخ لا غير وهو أحد الوجهين
وهو ظاهر كلامه في الشرح وشرح ابن منجا
والوجيز
قال الزركشي في الرهن وهو ظاهر كلام الخرقي
والقاضي وأبي الخطاب وصاحب التلخيص والسامري
وأبي محمد
والصحيح من المذهب أن له الفسخ أو أرش فقد
الصفة جزم به في المنور وغيره واختاره ابن
عبدوس وغيره
قال الزركشي ويحكي عن ابن عقيل في العمدة
وقدمه في المحرر والفروع والنظم والرعايتين
والفائق وأطلقهما الزركشي
تنبيه قوله : أو الرهن أو الضمين به
من شرط صحته أن يكونا معينين فإن لم يعينهما
لم يصح وليس له طلبهما بعد العقد لمصلحته
ويلزم بتسليم رهن المعين إن قيل يلزم بالعقد
وفي المنتخب هل يبطل بيع ببطلان رهن فيه
لجهالة الثمن أم لا كمهر في نكاح فيه احتمالان
(4/245)
فائدة : ومن
الشروط الصحيحة أيضا لو شرطها تحيض او اشترط
الدابة لبونا أو الأرض خراجها كذا ذكره القاضي
واقتصر عليه في الفروع فيهما وجزم به في
الكافي والمغني والشرح وقال ابن شهاب إن لم
تحض طبعا ففقده يمنع النسل وإن كان لكبر فعيب
لأنه ينقص الثمن
وجزم في التلخيص أنه لا يصح شرط كونها لبونا
قال في الرعاية وهو أشهر
قوله : وإن شرطها ثيبا كافرة فبانت بكرا مسلمة
فلا فسخ
وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به في
الوجيز والنظم وغيرهم وصححه في الفائق وغيره
وقدمه في الفروع وغيره
ويحتمل أن له الفسخ لأن له فيه قصدا
قلت: وهو قوي
واختاره ابن عبدوس في تذكرته ونصره المصنف في
المغني وقدمه في الحاوي الكبير وأطلقهما في
الكافي فيما إذا شرطها كافرة فبانت مسلمة
تنبيه مما يحتمله كلام المصنف لو شرطها ثيبا
فبانت بكرا أو شرطها كافرة فبانت مسلمة وأكثر
الأصحاب إنما مثلوا بذلك فلذلك حمل ابن منجا
في شرحه كلام المصنف عليه
قلت: يمكن حمله على ظاهره ويكون ذلك من باب
التنبيه على ما مثله الأصحاب ولذلك أجراه
الشارح على ظاهره
فائدة : لو شرطه كافرا فبان مسلما فظاهر ما
قدمه في الفروع أن له الفسخ
قال شيخنا في حواشيه وهو مشكل من جهة المعنى
لأن العلة المذكورة في الكافرة موجودة في
الكافر
وقال أبو بكر حكمه حكم ما إذا شرطها كافرة
فبانت مسلمة
قال في الرعاية هذا أقيس
قال في التلخيص هذا أظهر الوجهين
قلت: وهو الصحيح
وذكر ابن الجوزي فيما إذا شرطه كافرا فبان
مسلما روايتين
قوله : وإن شرط الطائر مصوتا أو أنه يجيء من
مسافة معلومة صح
إن شرط الطائر مصوتا فقدم المصنف الصحة وهو
المذهب على ما اصطلحناه جزم به في العمدة
والوجيز ومنتخب الأزجي واختاره المصنف وابن
عبدوس في تذكرته قال الشارح الأولى جوازه
(4/246)
قال في الفائق
صح في أصح الوجهين وجزم به في العمدة وقدمه في
الكافي
قال القاضي لا يصح قال في الرعاية الكبرى وهو
الأشهر قال الناظم وهو الأقوى وجزم به في
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر والمنور
وإدراك الغاية وقدمه في الحاويين
قلت: وهذا المذهب
وقد وافق على ذلك في الهادي وأطلقهما في
الرعاية الصغرى والفروع وشرح ابن منجا
وإن شرط أن يجيء من مسافة معلومة فقدم المصنف
هنا الصحة وهو المذهب جزم به في الوجيز
والمنور ومنتخب الأزجي
قال الشارح وهو أولى
قال في الفائق صح في أصح الوجهين
واختاره أبو الخطاب في الهداية والمصنف وابن
عبدوس في تذكرته وقدمه في إدراك الغاية
والكافي
وقال القاضي لا يصح وصححه في المذهب ومسبوك
الذهب
قال في الرعاية الكبرى أشهرهما بطلانه
وأطلقهما في المستوعب والخلاصة والمغني
والتلخيص والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين
والفروع وشرح ابن منجا
فتلخص في المسألتين طرق يصح الشرط فيهما لا
يصح فيهما لا يصح في الأولى وفي الثانية
الخلاف لا يصح في الأولى ويصح في الثانية وهو
المذهب الصحيح
فائدتان
إحداهما : لو شرط الطائر يبيض أو يوقظه للصلاة
أو الأمة حاملا فحكمهن كالمسألتين المتقدمتين
عند صاحب الفروع
وأما إذا شرط في الطائر أنه يبيض فقال المصنف
في المغني الأولى الصحة
قلت: وهو الأولى وقيل لا يصح
وإن شرط أنه يوقظه للصلاة فالصحيح من المذهب
أنه لا يصح قال في الفائق بطل في أصح الوجهين
قال في الرعاية الكبرى الأشهر البطلان وقدمه
في الحاويين وجزم به في الهداية والمذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي
والتلخيص والشرح وغيرهم
وقيل يصح ونسبه في الحاويين إلى اختيار المصنف
(4/247)
وقد قدم في
الكافي أنه إذا شرط أنه يصيح في وقت من الليل
أنه يصح وأما إذا شرط أنه يصيح في أوقات
معلومة فإنه يجري مجرى التصويت في القمري
ونحوه قاله المصنف والشارح
وإن شرط الأمة حاملا فالصحيح من المذهب الصحة
وقدمه في المغني والشرح والرعاية الكبرى
قلت: وهو أولى
وقال القاضي قياس المذهب لا يصح وجزم به ابن
عبدوس في تذكرته وصاحب المنور فيه وصححه
الأزجي في نهايته وقدمه في التلخيص وأطلقهما
في المحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير
وأما إذا شرط الدابة حاملا فقال في الرعاية
الكبرى أشهر الوجهين البطلان وقيل يصح الشرط
الثانية لو شرط أنها لا تحمل ففاسدن وإن شرطها
حائلا فبانت حاملا فله الفسخ في الأمة بلا
نزاع ولا فسخ له في غيرها من البهائم على
الصحيح من المذهب
وقيل بلى كالأمة
وقال في الرعاية والحاوي ليس بعيب في البهائم
إن لم يضر اللحم
ويأتي ذلك في العيوب في الباب الذي بعد هذا
قوله : الثالث أن يشترط البائع نفعا معلوما في
البيع كسكنى الدار شهرا أو حملان البعير إلى
موضع معلوم
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وهو
المعمول به في المذهب وهو من المفردات
وعنه لا يصح قال في القواعد وحكى عنه رواية لا
يصح وأطلقهما في الرعاية الصغرى
تنبيه يستثنى من كلام المصنف وغيره ممن أطلق
اشتراط وطء الأمة ودواعيه فإنه لا يصح قولا
واحدا صرح به الأصحاب وهو مراد المصنف وغيره
فائدة : يجوز للبائع إجارة ما استثناه وإعارته
مدة استثنائه كالعين المؤجرة
إذا بيعت وإن تلفت العين فإن كان بفعل المشتري
فعليه أجرة مثله وإن كان بتفريطه فهو كتلفها
بفعله نص عليه وقال يرجع على المبتاع بأجرة
المثل
قال القاضي معناه عندي يضمنه بالقدر الذي نقصه
البائع لأجل الشرط ورده المصنف والشارح
(4/248)
وإن كان التلف
بغير فعله وتفريطه لم يضمن على الصحيح من
المذهب وهو ظاهر ما قدمه في الفروع واختاره
المصنف والشارح وقواه الناظم وهو احتمال في
الرعاية
وقال القاضي يضمن وجزم به في الفائق والحاويين
والرعاية الكبرى وقالوا نص عليه ورده المصنف
والشارح
فعلى قول القاضي يضمنه بما نقص جزم به في
الفروع
وقال في الرعاية الكبرى وإن تلف بلا تفريطه
ولا فعله ضمن نفعه المذكور بأجرة مثله نص عليه
فيقوم المبيع بنفعه وبدونه فما نقص من قيمته
أخذ من ثمنه بنسبته
وقيل بل ما نقصه البائع بالشرط انتهى
فائدة : لو أراد المشتري أن يعطي البائع ما
يقوم مقام المبيع في المنفعة أو يعوضه عنها لم
يلزمه قبوله فإن تراضيا على ذلك جاز
قوله : أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع
كحمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وتفصيله
الواو هنا بمعنى أو تقديره كحمل الحطب أو
تكسيره وخياطة الثوب أو تفصيله بدليل قوله:
وإن جمع بين شرطين لم يصح
فلو جعلنا الواو على بابها كان جمعا بين شرطين
ولا يصح ذلك
واعلم أن الصحيح من المذهب صحة اشتراط المشتري
نفع البائع في المبيع وعليه أكثر الأصحاب ونص
عليه قال أبو بكر وابن حامد المذهب جوازه
وسواء كان حصادا أو جز رطبة أو غيرهما
قال الزركشي هو المختار للأكثرين
قال في الهداية والمستوعب والفائق هذا ظاهر
المذهب نص عليه وكذا قال في القواعد الفقهية
والحاوي الكبير في غير شرط الحصاد
قال القاضي لم أجد بما قال الخرقي رواية في
المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
الشرح وغيره وصححه في الفروع وغيره وهو من
مفردات المذهب
وعنه لا يصح صححه في الرعاية الكبرى وأطلقهما
في التلخيص والرعاية الصغرى والحاوي الصغير
فائدة : حكى كثير من الأصحاب فيما إذا اشترط
المشتري نفع البائع في المبيع الروايتين
وقطعوا بصحة شرط البائع نفعا معلوما في المبيع
وفرقوا بينهما بأن في اشتراط نفع البائع جمعا
بين بيع وإجارة فقد جمع بين بيعتين في بيعة
وهو منهي عنه
(4/249)
وأما اشتراط
منفعة المبيع فهو استثناء بعض أعيان المبيع
وكما لو باع أمة مزوجة او مؤجرة أو شجرة عليها
ثمرة قد بدا صلاحها
تنبيه فعلى الصحة لا بد من معرفة النفع لأنه
بمنزلة الإجارة فلو شرط الحمل إلى منزله وهو
لا يعرفه لم يصح ذكره المصنف وغيره
قوله : وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على
البائع لم يصح
وجعله ابن أبي موسى المذهب وقدمه في في
القواعد الفقهية
قال المصنف فيخرج ها هنا مثله وخرجه قبله أبو
الخطاب وابن الجوزي وجماعة
واعلم أنه اختلف في كلام الخرقي فقيل يقاس
عليه ما أشبهه من اشتراط منفعة البائع وهو
الذي ذكره المصنف وهؤلاء الجماعة وهو الصواب
فإنه نقل عن الإمام أحمد رحمه الله رواية
توافق من خرج ذكرها صاحب التلخيص والمجد وصاحب
الفروع وغيرهم واختارها في الرعاية الكبرى كما
تقدم وإليه ميل الزركشي وغيره
وقيل تختص مسألة الخرقي بما يفضي الشرط فيه
إلى التنازع لا غير
قال المصنف والشارح وهو أولى الوجهين
أحدهما أنه قال في موضع آخر ولا يبطل البيع
بشرط واحد
الثاني أن المذهب صحة اشتراط منفعة البائع في
المبيع
وأطلق هذين القولين عن كلام الخرقي في الكافي
قال في نهاية ابن رزين وقيل لا يصح شرط جز
الرطبة عليه
فخرج هنا مثله وليس بشيء
وتبعه في تجريد العناية وناظم النهاية
قال ابن رزين في شرحه هذا التخريج ضعيف بعيد
يخالف القواعد والأصول
وخرج ابن رجب في قواعده صحة الشرط في النكاح
قال وهو ظاهر كلام أكثر المتأخرين ولذلك
استشكلوا مسألة الخرقي في حصاد الزرع انتهى
فعلى المذهب في أصل المسألة يلزم البائع فعل
ما وقع عليه الشرط وله أن يقيم غيره بعمله فهو
كالأجير فإن مات أو تلف أو استحق فللمشتري عوض
ذلك نص عليه ولو أراد البائع بذل العوض عنه لم
يلزم المشتري قبوله وإن أراد المشتري أخذ
العوض عنه لم يلزم البائع بذله فلو رضيا بعوض
النفع ففي جوازه وجهان وأطلقهما في المغني
والشرح والفروع
أحدهما يجوز جزم به في الرعاية وقدمه ابن رزين
في شرحه.
(4/250)
قلت: وهو
الصواب
والثاني يجوز
قوله : وإن جمع بين شرطين لم يصح
هذا المذهب وعليه الأصحاب
وعنه يصح اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله
قاله في الفائق
تنبيه محل الخلاف إذا لم يكونا من مصلحة العقد
فأما إن كانا من مصلحته فإنه يصح على الصحيح
من المذهب
اختاره القاضي في
شرحه والمصنف وصاحب التلخيص والمجد والشارح
وغيرهم وردوا غيره
وعنه لا يصح اختاره القاضي في المجرد وابن
عقيل في التذكرة
قال في المستوعب والحاويين لا يجوز شرطان في
بيع فإن فعل بطل العقد سواء كانا من الشروط
الفاسدة أو الصحيحة وقدماه
وقال في الرعاية الكبرى لو شرط شرطين فاسدين
أو صحيحين لو انفردا بطل العقد ويحتمل صحته
دون شروطه المذكورة
وقال في الصغرى وإن جمع في عقد شرطين ينافيانه
بطل
فظاهره أنهما إذا كانا من مصلحته لا يبطل
كالأول وأما إذا كان الشرطان فأكثر من مقتضاه
فإنه يصح قولا واحدا
قال المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم يصح
بلا خلاف
فائدتان
إحداهما : روى عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى
أنه فسر الشرطين المنهي عنهما بشرطين فاسدين
وكذا فسره به بعض الأصحاب ورده في التلخيص بأن
الواحد لا يؤثر في العقد فلا حاجة إلى التعدد
ويجاب بأن الواحد في تأثيره خلاف والاثنان لا
خلاف في تأثيرهما قاله الزركشي
وروى عن الإمام أحمد أنه فسرهما بشرطين صحيحين
ليسا من مصلحة العقد ولا مقتضاه وهو المذهب
على ما تقدم
قال القاضي في المجرد هما شرطان مطلقا يعني
سواء كانا صحيحين أو فاسدين أو من غير مصلحة
وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد وكذا قال ابن
عقيل في التذكرة على ما تقدم قريبا
الثانية يصح تعليق الفسخ بشرط على المذهب
اختاره القاضي في التعليق وصاحب
(4/251)
المبهج وقدمه
في الفروع
وقال أبو الخطاب والمصنف لا يصح
وذكر في الرعاية إذا أجر هذه الدار كل شهر
بدرهم فإذا مضى شهر فقد فسختها أنه يصح كتعليق
الخلع وهو فسخ صحيح على الأصح
قال في الفصول والمغني في الإقرار لو قال بعتك
إن شئت فشاء وقبل صح
ويأتي في الخلع تعليقه على شيء
قوله : في الشروط الفاسدة أحدها أن يشترط
أحدهما على صاحبه عقدا آخر كسلف أو قرض أو بيع
أو إجارة أو صرف للثمن أو غيره فهذا يبطل
البيع
وهو الصحيح من المذهب قال المصنف والشارح
والزركشي هذا المشهور في المذهب
قال في الفروع لم يصح على الأصح
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وجزم به في
الوجيز والكافي والمنور وغيرهم وقدمه في
الرعايتين والحاويين
ويحتمل أن يبطل الشرط وحده وهي رواية عن
الإمام أحمد وهو ظاهر كلام ابن عبدوس في
تذكرته وأطلقهما في المذهب والمحرر والفائق
فائدة : هذه المسألة هي مسألة بيعتين في بيعة
المنهي عنها قاله الإمام أحمد وجزم به في
المغني والشرح وقدمه في الفروع
وعنه البيعتان في بيعة إذا باعه بعشرة نقدا
وبعشرين نسيئة جزم به في الإرشاد والهداية
وغيرهم
وعنه بل هذا شرطان في بيع
وقال في العمدة البيعتان في البيعة أن يقول
بعتك هذا بعشرة صحاح أو بعشرين مكسرة أو يقول
بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا
انتهى فجمع فيهما بين الروايتين
ونقل أبو داود إن اشتراه بكذا إلى شهر كل جمعة
درهمان قال هذا بيعان في بيع وربما قال بيعتان
في بيعة
قوله : الثاني شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو
أن يشرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع
وإلا رده أو أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق أو
إن أعتق فالولاء له أو يشرط أن يفعل ذلك فهذا
باطل في نفسه
(4/252)
على الصحيح من
المذهب إلا ما استثنى وعليه الأصحاب وتأتي
الرواية في ذلك والكلام عليها
وهل يبطل البيع على روايتين وأطلقهما في
الهداية والإيضاح
والمذهب والمستوعب والكافي والمغني والبلغة
والمحرر والرعايتين والحاويين والشرح والفائق
وغيرهم
إحداهما : لا يبطل البيع وهو الصحيح من المذهب
نص عليه وجزم به في الوجيز والمنور وغيرهما
وصححه في التصحيح والنظم وغيرهما واختاره
المصنف والشارح وغيرهما
قال القاضي المنصوص عن الإمام أحمد أن البيع
صحيح وهو ظاهر كلام الخرقي وتذكرة ابن عبدوس
وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره
قال في القاعدة الخامسة والثلاثين لو شرط أن
لا يبيع ولا يهب وإن باعها فالمشتري أحق بها
فنص أحمد على الصحة وقال ونصوصه صريحة بصحة
هذا البيع والشرط ومنع الوطء وذكر نصوصا كثيرة
والرواية الثانية يبطل البيع قال في الفروع
اختاره القاضي وأصحابه وصححه في الخلاصة
فعلى المذهب للذي فات غرضه الفسخ أو أرش ما
نقص من الثمن بإلغائه مطلقا على الصحيح جزم به
في المحرر وغيره وقدمه في الفروع وغيره
وقيل يختص ذلك بالجاهل بفساد الشرط دون العالم
جزم به في الفائق
وقيل لا أرش له بل يثبت له الخيار بين الفسخ
والإمضاء لا غير وهو احتمال في المغني والشرح
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله هذا ظاهر
المذهب
قوله : إلا إذا اشترط العتق ففي صحته روايتان
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والمغني والشرح والفروع والحاويين
والزركشي
إحداهما : يصح وهو المذهب صححها في التصحيح
والفائق والقواعد الفقهية قال في النظم وهو
الأقوى
قال الزركشي في الكفارات المذهب من الروايتين
عند الأصحاب جواز ذلك وصحته وجزم به في المنور
وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في المحرر والرعايتين
والرواية الثانية لا يصح قدمه في إدراك الغاية
(4/253)
قال الزركشي في
الكفارات هو ظاهر كلام الوجيز
فعلى هذه الرواية لا يبطل البيع عند المصنف
وغيره ويبطل عند أبي الخطاب في خلافه وغيره
فعلى المذهب يجبر عليه إن أباه كما قال المصنف
لأنه حق لله كالنذر وهو الصحيح
قال الناظم هو الأقوى وقدمه في الفروع
والرعايتين قال الزركشي هذا المشهور
وقيل هو حق للبائع واختاره ابن عبدوس في
تذكرته
وحكى بعضهم الخلاف روايتين
فيثبت له خيار الفسخ وله إسقاطه مجانا وله
الأرش إن مات العبد ولم يعتقه
نقل الأثرم إن أبى عتقه فله أن يسترده وإن
أمضى فلا أرش في الأصح قاله في الفروع
وأطلق الخلاف في المستوعب والكافي والمغني
والشرح والمحرر والحاويين والفائق والقواعد
الفقهية
فعلى المذهب لو امتنع من العتق وأصر فقال في
القواعد الفقهية يتوجه أن يعتقه الحاكم عليه
فلو بادر المشتري وباعه بشرط العتق أيضا لم
يصح قدمه في نهاية أبي المعالي للتسلسل وصححه
الأزجي في نهايته
وقيل يصح وأطلقهما في القاعدة الرابعة
والعشرين وقال عندي أن هذا الخلاف مرتب على أن
الحق هل هو لله ويجبر عليه إن أبى أو للبائع
فعلى الأول هو كالمنذور عتقه وعلى الثاني يسقط
الفسخ لزوال الملك وللبائع الرجوع بالأرش فإن
هذا الشرط ينقص به الثمن عادة
ويحتمل أن يثبت له الفسخ لسبق حقه انتهى
تنبيه قول المصنف: "وعنه فيمن باع جارية وشرط
على المشتري إن باعها فهو أحق بها بالثمن أن
البيع جائز ومعناه والله أعلم أنه جائز مع
فساد الشرط
يعني أن ظاهر هذه الرواية صحة الشرط لسكوته عن
فساده فبين المصنف رحمه الله معناه
روى المروذي عنه أنه قال هو في معنى حديث
النبي صلى الله عليه وسلم " لا شرطان في بيع "
يعني أنه فاسد
وروى عنه إسماعيل أنه قال البيع صحيح واتفق
عمر وابن مسعود رضي الله عنهما على صحته
قال المصنف يحتمل أن يحمل كلام أحمد في رواية
المروذي على فساد الشرط وفي
(4/254)
رواية إسماعيل
على جواز البيع فيكون البيع صحيحا والشرط
فاسدا وهو موافق لأكثر الأصحاب
وقال الشيخ تقي الدين نقل عن ابن سعيد فيمن
باع شيئا وشرط عليه إن باعه فهو أحق به بالثمن
جواز البيع والشرط
وسأله أبو طالب عمن اشترى أمة بشرط أن يتسرى
بها لا للخدمة قال لا بأس به
قال الشيخ تقي الدين روى عنه نحو عشرين نصا
على صحة هذا الشرط
قال وهذا من أحمد يقتضي أنه إذا شرط على
البائع فعلا أو تركا في البيع مما هو مقصود
للبائع أو للمبيع نفسه صح البيع والشرط
كاشتراط العتق
فاختار الشيخ تقي الدين صحة هذا الشرط بل
اختار صحة العقد والشرط
في كل عقد وكل شرط لم يخالف الشرع لأن إطلاق
الاسم يتناول المنجز والمعلق والصريح والكناية
كالنذر وكما يتناوله بالعربية والعجمية انتهى
وأطلق ابن عقيل وغيره في صحة هذا الشرط ولزومه
روايتين
ونقل حرب ما نقله الجماعة لا بأس بشرط واحد
فائدتان
إحداهما : لو شرط على المشتري وقف المبيع
فالصحيح من المذهب أنه يلحق بالشروط المنافية
لمقتضى البيع وقدمه في الفروع وهو ظاهر كلام
المصنف وغيره من الأصحاب
وقيل حكمه حكم العتق إذا شرطه على المشتري كما
تقدم
الثانية محل هذه الشروط أن تقع مقارنة للعقد
قال في الفروع وإن شرط ما ينافي مقتضاه قال
ابن عقيل وغيره في العقد وقال بعد ذلك بأسطر
ويعتبر مقارنة الشرط ذكره في الانتصار ويتوجه
أنه كالنكاح
ويأتي كلام الشيخ تقي الدين وغيره فيما إذا
شرط عند عقد النكاح شرطا في أول باب شروط
النكاح
قوله : وإن شرط رهنا فاسدا ونحوه
مثل أن يشترط خيارا أو أجلا مجهولين أو نفع
بائع ومبيع إن لم يصحا أو تأخير تسليمه بلا
انتفاع وكذا فناء الدار لا بحق طريقها فهل
يبطل البيع على وجهين
بناء على الروايتين في شرط ما ينافي مقتضى
العقد خلافا ومذهبا وقد علمت أن المذهب عدم
البطلان
فائدة : لو علق عتق عبده على بيعه فباعه عتق
وانفسخ البيع نص عليه في رواية الجماعة
(4/255)
قال في القواعد
الفقهية ولم ينقل عنه في ذلك خلاف انتهى
وهذا المذهب وعليه الأصحاب من حيث الجملة
وقال في المذهب وغيره عتق العبد على قول
أصحابنا
وتردد فيه الشيخ تقي الدين في موضع وله فيه
طريقة أخرى تأتي
قال العلامة ابن رجب في قواعده اختلف الأصحاب
في تخريج كلام الإمام أحمد رحمه الله على طرق
أحدها أنه مبني على القول بأن الملك لم ينقل
من البائع في مدة الخيار فأما على القول
بالانتقال وهو الصحيح فلا يعتق وهي طريقة أبي
الخطاب في انتصاره واختاره في الرعاية الكبرى
وهو احتمال في الحاوي وغيره
قال ابن رجب وفي هذه الطريقة ضعف وبينه
الثاني أن عتقه على البائع لثبوت الخيار له
فلم تنقطع علقته عن المبيع بعد وهي طريقة
القاضي وابن عقيل وأبي الخطاب
الثالث أن يعتق على البائع عقب إيجابه وقبل
قبول المشتري وهي طريقة ابن أبي موسى وصاحب
المستوعب والمصنف في المغني والشارح وصاحب
التلخيص وغيرهم لأنه علقه على بيعه وبيعه
الصادر منه هو الإيجاب فقط ولهذا سمي بائعا
قال ابن رجب وفيه نظر وهو كما قال
الرابع أنه يعتق على البائع في حالة انتقال
الملك إلى المشتري حيث يترتب على الإيجاب
والقبول انتقال الملك وثبوت العتق فيتدافعان
وينفذ العتق لقوته وسرايته دون انتقال الملك
وهي طريقة أبي الخطاب في رؤوس المسائل
قال ابن رجب ويشهد له تشبيه أحمد له بالمدبر
والوصية
الخامس أنه يعتق بعد انعقاد البيع وصحته
وانتقال المبيع إلى المشتري ثم ينفسخ البيع
بالعتق على البائع وصرح بذلك القاضي في خلافه
وابن عقيل في عمد الأدلة والمجد وهو ظاهر كلام
الإمام أحمد وتشبيهه بالوصية
وسلك الشيخ تقي الدين طريقا سادسا فقال إن كان
المعلق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه
أجزأه كفارة يمين لأنه إذا باعه خرج عن ملكه
فبقي كنذره إلا أن يعتق عبد غيره فتجزئه
الكفارة وإن قصد به التبرر صار عتقا مستحقا
كالنذر فلا يصح بيعه ويكون العتق معلقا على
صورة البيع كما لو قال لما لا يحل بيعه إذا
بعته فعلى عتق رقبة أو قال لأم ولده إن بعتك
فأنت حرة انتهى كلام ابن رجب
فلقد أجاد وأفاد وله على هذه الطرق اعتراضات
ومؤاخذات لا يليق ذكرها هنا وذلك في القاعدة
السابعة والخمسين
(4/256)
ويأتي في أواخر
باب الإقرار بالحمل لو قال لعبده إن أقررت بك
لزيد فأنت حر أو فأنت حر ساعة إقراري
قوله : الثالث أن يشترط شرطا يعلق البيع
كقوله: بعتك إن جئتني بكذا أو إن رضي فلان
فلا يصح البيع وهو المذهب وعليه الأصحاب
قال في الفائق ففاسد قاله أصحابنا لكونه عقد
معاوضة ثم قال ونقل عن الإمام أحمد تعليقه
فعلا منه قال شيخنا هو صحيح وهو المختار انتهى
قوله : أو يقول للمرتهن إن جئتك بحقك وإلا
فالرهن لك يعني مبيعا بما لك عندي من الحق فلا
يصح البيع ولا الشرط في الرهن
وهذا المذهب جزم به في المغني والشرح وشرح ابن
منجا وغيرهم وجزم به في الرعايتين والحاويين
وغيرهم ونص عليه ببطلان الشرط وهذا معنى قوله:
عليه أفضل الصلاة والسلام: "لا يغلق الرهن".
وقال الشيخ تقي الدين لا يبطل الثاني وإن لم
يأته صار له وفعله الإمام
قاله في الفائق وقال قلت: فعليه غلق الرهن
استحقاق المرتهن له بوضع العقد لا بالشرط كما
لو باعه منه ذكره في باب الرهن
وأما صحة الرهن ففيه روايتان يأتيان مع الشرط
في كلام المصنف في باب الرهن في آخر الفصل
الأول
فائدتان
إحداهما : لو قبل المرتهن ذلك فهو امانة عنده
إلى ذلك الوقت ثم يصير مضمونا لأن قبضه صار
بعقد فاسد ذكره القاضي وابن عقيل
وقال في القواعد الفقهية والمنصوص عن أحمد في
رواية محمد بن الحسن بن هارون أنه لا يضمنه
بحال ذكره القاضي في الخلاف لأن الشرط يفسد
فيصير وجوده كعدمه
الثانية يصح شرط رهن المبيع على ثمنه على
الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب
فيقول بعتك على أن ترهنه بثمنه
وقيل لا يصح واختاره ابن حامد والقاضي
ولو قال إن أو إذا رهنتنيه فقد بعتك فبيع معلق
بشرط
(4/257)
وأجاب أبو
الخطاب وأبو الوفاء إن قال بعتك على أن ترهنني
لم يصح وإن قال إذا رهنتنيه على ثمنه وهو كذا
فقد بعتك فقال اشتريت ورهنتها عندك على الثمن
صح الشراء والرهن
قوله : إلا بيع العربون
الصحيح من المذهب أن بيع العربون صحيح وعليه
أكثر الأصحاب
ونص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
المحرر والتلخيص والشرح والفروع والمستوعب
وغيرهم وهو من مفردات المذهب
وعند أبي الخطاب لا يصح وهو رواية عن أحمد
قال المصنف وهو القياس وأطلقهما في الخلاصة
والرعايتين والحاويين والفائق
لكن قال في الرعاية الكبرى المنصوص الصحة في
العقد والشرط
قوله : وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما
ويقول إن أخذته وإلا فالدرهم لك
الصحيح من المذهب أن هذه صفة بيع العربون ذكره
الأصحاب وسواء وقت أو لم يوقت جزم به في
المغني والشرح والمستوعب وغيرهم وقدمه في
الفروع
وقيل العربون أن يقول إن أخذت المبيع وجئت
بالباقي وقت كذا وإلا فهو لك جزم به في
الرعايتين والحاويين والفائق
فائدة : إجارة العربون كبيع العربون قاله
الأصحاب
تنبيه ظاهر كلام المصنف وغيره أن الدرهم
للبائع أو للمؤجر إن لم يأخذ السلعة أو
يستأجرها وصرح بذلك الناظم وناظم المفردات وهو
ظاهر كلام الشارح وقاله شيخنا في حواشي الفروع
وقال في المطلع يكون للمشتري مردودا إليه إن
لم يتم البيع وللبائع محسوبا من الثمن إن تم
البيع ولم أر من وافقه
قوله : وإن قال بعتك على أن تنقدني الثمن إلى
ثلاث وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه
وهو المذهب وعليه الأصحاب يعني أن البيع
والشرط صحيحان فإن مضي الزمن الذي وقته له ولم
ينقده الثمن انفسخ العقد على الصحيح من المذهب
وجزم به في المغني والشرح والرعاية الكبرى
والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع وقيل يبطل
البيع بفواته.
(4/258)
قوله : وإن
باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ
وكذا لو باعه وشرط البراءة من عيب كذا إن كان
وهذا المذهب في ذلك بلا ريب وعليه جماهير
الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
الفروع وغيره وقال هذا ظاهر المذهب
قال أبو الخطاب وجماعة لأنه خيار يثبت بعد
البيع فلا يسقط كالشفعة واعتمد عليه في عيون
المسائل
وعنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه
واختاره الشيخ تقي الدين
ونقل ابن هانئ إن عينه صح
ومعناه نقل ابن القاسم وغيره لا يبرأ إلا أن
يخبره بالعيوب كلها لأنه مرفق في البيع كالأجل
والخيار
وقال في الانتصار الأشبه بأصولنا نظر الصحة
كالبراءة من المجهول وذكره هو وغيره رواية
وذكره في الرعاية قولا وهو تخريج في الكافي
والمغني والشرح
قال في المستوعب خرج أصحابنا الصحة من البراءة
من المجهول واختاره في الفائق
تنبيهان
أحدهما ظاهر قول المصنف لم يبرأ أن هذا الشرط
لا تأثير له في البيع وأنه صحيح وهو صحيح وهو
المذهب وعليه الأصحاب
قال المصنف والشارح وصاحب الفروع هذا ظاهر
المذهب
وقيل يفسد البيع به وهو تخريج لأبي الخطاب
وصاحب الكافي والمحرر
قال الشارح وغيره وعن الإمام أحمد في الشروط
الفاسدة روايتان إحداهما: يفسد بها العقد
فيدخل فيها هذا البيع انتهى
الثاني ظاهر كلام المصنف وغيره أن العيب
الظاهر والباطن سواء وهو صحيح صرح به في
الرعاية الكبرى
وقال في الفروع وفيه في عيب باطن وخرج لا يعرف
عوره احتمالان
وقال أيضا وإن باعه على أنه به وأنه بريء منه
صح
قوله : وإن باعه دارا على أنها عشرة أذرع
فبانت أحد عشر فالبيع باطل
وهو إحدى الروايتين اختاره ابن عقيل
قال الناظم وهو اولى وقدمه في الشرح والرعاية
الصغرى والحاوي الصغير والفائق وشرح ابن رزين
(4/259)
وعنه أنه صحيح
جزم به في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس والمنور
وقدمه في المحرر وأطلقهما في المذهب والمستوعب
والمغني والتلخيص وشرح ابن منجا والرعاية
الكبرى والفروع
فعلى الرواية الأولى لا تفريع
وعلى الرواية الثانية إلزامه للبائع كما قاله
المصنف
تنبيه ظاهر قوله : ولكل واحد منهما الفسخ
أنه سواء سلمه البائع الزائد مجانا أو لا وهو
أحد الوجهين قدمه في الرعاية الكبرى والفائق
والوجه الثاني أن محل الفسخ إذا لم يعطه
الزائد مجانا وإن أعطاه إياه مجانا فليس له
الفسخ وهو الصحيح من المذهب جزم به في المغني
والشرح وتذكرة ابن عبدوس وشرح ابن رزين وقدمه
في الفروع
قوله : فإن اتفقا على إمضائه جاز
يعني على إمضاء البيع فللمشتري أخذه بثمنه
وقسط الزائد فإن رضي المشتري بالأخذ أخذ
العشرة والبائع شريك له بالذراع وهل للبائع
خيار الفسخ على وجهين وأطلقهما في المغني
والشرح والفروع
أحدهما له الفسخ قال الشارح أولاهما له الفسخ
وقدمه ابن رزين في شرحه
والوجه الثاني لا خيار وإليه ميل المصنف في
المغني فإنه رد تعليل الوجه الأول
قوله : وإن بانت تسعة اذرع فهو باطل
وهو إحدى الروايتين قدمه في الشرح والرعاية
الصغرى والحاوي الصغير والفائق وقواه الناظم
وعنه أنه صحيح وجزم به في الوجيز وتذكرة ابن
عبدوس والمنور وقدمه في المحرر وأطلقهما في
المذهب والمستوعب والتلخيص وشرح ابن منجا
والرعاية الكبرى والفروع
فعلى الرواية الأولى لا تفريع
وعلى الرواية الثانية النقص على البائع
وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ المبيع بقسطه
من الثمن
وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز فإن أخذه
المشتري بقسطه من الثمن فللبائع الخيار بين
الرضى بذلك وبين الفسخ فإن بذل له المشتري
جميع الثمن لم يملك الفسخ
(4/260)
فوائد
إحداها : حكم الثوب إذا باعه على أنه عشرة
فبان أحد عشر أو تسعة حكم الدار والأرض على ما
تقدم خلافا ومذهبا قطع به في المغني والشرح
والفروع وغيرهم
الثانية لو باعه صبرة على أنها عشرة أقفزة
فبانت أحد عشر فالبيع صحيح جزم به في المغني
والشرح والفروع وغيرهم والزائد للبائع مشاعا
ولا خيار للمشتري
وإن بانت تسعة فالبيع صحيح وينقص من الثمن
بقدره ولا خيار له على الصحيح من المذهب قدمه
في الفروع
وقيل له الخيار وأطلقهما في المغني والشرح
والرعاية الكبرى
الثالثة المقبوض بعقد فاسد لا يملك به ولا
ينفذ تصرفه فيه على الصحيح من المذهب جزم به
المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره
وخرج أبو الخطاب نفوذ تصرفه فيه من الطلاق في
نكاح فاسد
فعلى المذهب يضمنه كالغصب ويلزمه رد النماء
المنفصل والمتصل وأجرة مثله مدة بقائه في يده
وإن نقص ضمن نقصه وإن تلف فعليه ضمانه بقيمته
وإن كانت أمه فوطئها فلا حد عليه وعليه مهر
مثلها وأرش بكارتها والولد حر وعليه قيمته يوم
وضعه وإن سقط ميتا لم يضمن وعليه ضمان نقص
الولادة
وإن ملكها الواطئ لم تصر أم ولد على الصحيح من
المذهب وقيل بلى قال ذلك كله المصنف والشارح
وغيرهما
ويأتي هذا بأتم منه في أواخر الخيار في البيع
فيما يحصل به القبض وذكر الخلاف فيه والله
أعلم
(4/261)
باب الخيار في البيع
تنبيهات
الأول يستثنى من عموم قوله : أحدهما خيار
المجلس ويثبت في البيع والكتابة
فإنها بيع ولا يثبت فيها خيار المجلس على
الصحيح من المذهب وقطع به الأكثر وقد ذكره
المصنف وغيره من الأصحاب في باب الكتابة وفيه
خلاف يأتي في ذلك الباب
فالأولى أن يقال عموم كلام المصنف هنا مخصوص
بكلامه في الكتابة
الثاني يستثني أيضا لو تولى طرفي العقد فإنه
لا يثبت فيه خيار المجلس على الصحيح من المذهب
وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في المغني والشرح
والرعاية الكبرى وغيرهم وصححه في الفروع وجزم
به في الرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم
(4/261)
وقيل يثبت وهو
ظاهر كلام المصنف هنا وقدمه ابن رزين في شرحه
قال الأزجي في النهاية وهو الصحيح وأطلقهما
الزركشي
فعلى هذا الوجه يلزم العقد بمفارقة الموضع
الذي وقع العقد فيه على الصحيح جزم به في
المغني والشرح والرعاية وشرح ابن رزين والفائق
وغيرهم
وقيل لا يحصل اللزوم إلا بقوله: اخترت لزوم
العقد ونحوه وأطلقهما الزركشي
الثالث وكذلك حكم الهبة إذا تولى طرفيها واحد
قاله في الفائق وغيره
الرابع ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لو اشترى
من يعتق عليه ثبوت خيار المجلس له وهو أحد
الوجهين
والوجه الثاني لا خيار له
قال الأزجي في نهايته الظاهر من المذهب عدم
ثبوت الخيار في شراء من يعتق عليه وجزم به ابن
عبدوس في تذكرته والزركشي وأطلقهما في التلخيص
والبلغة والرعايتين والحاويين والفروع والفائق
وتجريد العناية
الخامس وكذا الخلاف في حق البائع في هذه
المسألة
وقيل يثبت له الخيار وإن منعناه من المشتري
قاله في الرعاية
وقال الزركشي وفي سقوط حق صاحبه وجهان
قوله : ويثبت في البيع
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وقطع به
أكثرهم
وفي طريقة بعض الأصحاب رواية لا يثبت خيار
المجلس في بيع وعقد معاوضة
تنبيه ظاهر قوله : ويثبت في البيع أنه سواء
كان فيه خيار شرط أو لا وهو أحد الوجهين وهو
ظاهر كلامه في الفروع والوجيز وغيرهما
وقيل لا يثبت فيه خيار المجلس
ويأتي في خيار الشرط إن ابتدأه من حين العقد
على الصحيح من المذهب وأطلقهما في التلخيص
والبلغة والرعايتين والحاويين والفائق
وفائدة : الواجهين هل ابتداء مدة خيار الشرط
من حين العقد أو من حين التفرق
فعلى الأول يكون من حين التفرق
وعلى الثاني من حين العقد قاله في التلخيص
وغيره
قوله : والإجارة
يثبت خيار المجلس في الإجارة مطلقا على الصحيح
من المذهب وعليه أكثر الأصحاب
(4/262)
وهو ظاهر ما
جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والتلخيص والبلغة والشرح والمحرر والوجيز
والفائق وغيرهم وقدمه في الكافي والفروع
والزركشي وغيرهم
وقيل لا يثبت في إجارة تلي العقد وهو وجه في
الكافي وأطلقهما في الحاوي الكبير وأطلق في
الرعاية الكبرى الوجهين في الإجارة في الذمة
وجزم في الحاوي الكبير بثبوت الخيار فيها
قوله : ويثبت في الصرف والسلم
وهو المذهب قال في الفروع يثبت على الأصح قال
الناظم هذا الأولى وصححه المصنف والشارح وجزم
به في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في
الكافي والزركشي وغيرهما
وعنه لا يثبت فيهما وجزم به ناظم نهاية ابن
رزين وأطلقهما في الهداية والفصول والمذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص
والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق
وتجريد العناية وغيرهم
وخص القاضي الخلاف في كتاب الروايتين في الصرف
وتردد في السلم هل يلحق بالصرف أو ببقية
البياعات على احتمالين
فائدة : قال المصنف والشارح وغيرهما ويثبت في
الصرف والسلم وما يشترط فيه القبض في المجلس
كبيع مال الربا بجنسه على الصحيح
وقال في الفروع وعلى الأصح وما يشترط فيه قبض
كصرف وسلم
وقال في الرعاية الكبرى وفي الصرف والسلم
وقيل وبقية الربوي بجنسه روايتان
قوله : ولا يثبت في سائر العقود إلا في
المساقاة
وكذا المزارعة والحوالة والسبق في أحد الوجهين
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والمحرر
والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفائق
وأطلقهما في الحوالة في الحاوي الكبير
أحدهما لا يثبت فيهن وهو المذهب جزم به في
الوجيز وصححه في التصحيح وقدمه في الفروع
والشرح وقدمه الزركشي في غير الحوالة وقدمه في
الحاوي الكبير في المساقاة والمزارعة
(4/263)
والوجه الثاني
يثبت فيهن الخيار
قال الزركشي يثبت في الحوالة إن قيل هي بيع لا
إن قيل هي إسقاط أو عقد مستقل انتهى
وعلى هذا الوجه لا يثبت الخيار إلا للمحيل لا
غير
تنبيهات
الأول الخلاف هنا في المساقاة والمزارعة مبني
على الخلاف في كونهما لازمين أو جائزين على
الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح
وابن حمدان وغيرهم
فإن قلنا هما جائزان وهو المذهب على ما يأتي
فلا خيار فيهما وإن قلنا هما لازمان دخلهما
الخيار
وقيل الخلاف هنا على القول بلزومهما وجزم به
في الحاوي الكبير
وكذا حكم السبق والرمي وجزم به في الحاوي
الكبير
فعلى القول بأنهما جعالة وهو المذهب فلا خيار
فيهما وعلى القول بلزومهما يدخلهما الخيار
وقيل الخلاف على القول بلزومهما وجزم به في
الحاوي الكبير
الثاني شمل قوله : ولا يثبت في سائر العقود
غير ما استثناه مسائل:
منها الهبة وهي تارة تكون بعوض وتارة تكون
بغير عوض فإن كانت بعوض ففي ثبوت الخيار فيهما
روايتان مبنيتان على أنها هل تصير بيعا أو
يغلب فيها حكم الهبة على ما يأتي في أول باب
الهبة قاله المصنف والشارح وغيرهما وجزم في
التلخيص والخلاصة والبلغة بأن الخيار يثبت
فيهما
قال في الهداية والمذهب والمستوعب وغيرهم فإن
شرط فيها عوضا فهي كالبيع
فقد يقال ظاهر كلام المصنف هنا أن الخيار لا
يثبت فيها ويحتمل أن يقال لم تدخل هذه المسألة
في كلام المصنف لأنها نوع من البيع على الصحيح
وهو أولى
وقال القاضي الموهوب له يثبت له الخيار على
التأبيد بخلاف الواهب
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وفيه نظر
وقال ابن عقيل الواهب بالخيار إن شاء أقبض وإن
شاء منع فإذا أقبض فلا خيار له وكذا قال غيره
وإن كانت بغير عوض فهي كالوصية لا يثبت فيها
خيار استغناء بجوازها جزم به المصنف والشارح
وابن حمدان وصاحب الحاوي وغيرهم
ومنها القسمة وظاهر كلامه هنا أنه لا يثبت
فيها وهو أحد الوجهين
(4/264)
قال الأزجي في
نهايته القسمة إفراز حق على الصحيح فلا يدخلها
خيار المجلس وإن كان فيها رد احتمل أن يدخلها
خيار المجلس انتهى
والوجه الثاني يدخلها خيار المجلس وهو الصحيح
من المذهب
قال في الفروع وفي الأصح وفي قسمة
وقطع القاضي في التعليق وابن الزاغوني بثبوت
الخيار فيها مطلقا وقطع به في الرعاية إن قلنا
هي بيع وكذا الزركشي
قال القاضي في المجرد ولا يدخلها خيار حيث
قلنا هي إفراز
قال في الحاوي الكبير إن كان فيها رد فهي
كالبيع يدخلها الخياران معا وإن لم يكن فيها
رد وعدلت السهام ووقعت القرعة نظرت فإن كان
القاسم الحاكم فلا خيار لأنه حكم وإن كان أحد
الشريكين لم يدخلها خيار لأنها إفراز حق وليست
ببيع انتهى وقاله ابن عقيل أيضا
ومنها الإقالة فلا يثبت فيها خيار المجلس على
الصحيح من المذهب لأنها فسخ وإن قلنا هي بيع
ثبت
وقال في التلخيص ويحتمل عندي أن لا يثبت ويأتي
ذلك في الإقالة
ومنها الأخذ بالشفعة فلا خيار فيها على الصحيح
من المذهب كما هو ظاهر كلام المصنف هنا وقدمه
في المغني والشرح والفروع وغيرهم واختاره
المصنف والقاضي وابن عقيل وصاحب التلخيص
وغيرهم ذكره الحارثي في الشفعة
وقيل فيها الخيار وهو احتمال في المغني والشرح
وغيرهما وأطلقهما في الرعايتين والحاويين
والقواعد
ومنها سائر العقود اللازمة غير ما تقدم
كالنكاح والوقف والخلع والإبراء والعتق على
مال والرهن والضمان والإقالة لراهن وضامن
وكفيل قاله في الرعاية فلا يثبت في شيء من ذلك
خيار المجلس
وذكر في الحاوي الكبير فيما إذا قالت طلقني
بألف فقال طلقتك بها طلقة احتمالين احدهما عدم
الخيار مطلقا والثاني يثبت له الخيار في
الامتناع من قبض الألف ليكون الطلاق رجعيا
ومنها جميع العقود الجائزة كالجعالة والشركة
والوكالة والمضاربة والعارية والوديعة والوصية
قبل الموت ونحو ذلك فلا يثبت فيها خيار المجلس
التنبيه الثالث مراده بقوله : مالم يتفرقا
بأبدانهما
التفرق العرفي قاله الأصحاب وقد ضبط ذلك بعرف
كل مكان بحسبه فلو كان في فضاء واسع او مسجد
كبير أو سوق فقيل يحصل التفرق بأن يمشي أحدهما
مستدبرا صاحبه خطوات
(4/265)
جزم به ابن
عقيل وقدمه المصنف والشارح وجزم به في
المستوعب وشرح ابن رزين والحاويين
وقيل بل يبعد عنه بحيث لا يسمع كلامه عادة جزم
به في الكافي والنظم
وإن كانا في سفينة كبيرة صعد أحدهما على
اعلاها ونزل الآخر إلى أسفلها وإن كانت صغيره
خرج أحدهما منها ومشى
وإن كانا في دار كبيرة فتحصل المفارقة بخروجه
من بيت إلى بيت أو إلى مجلس أو صفة ونحو ذلك
بحيث يعد مفارقا وإن كانت صغيرة فإن صعد
أحدهما السطح أو خرج منها فقد فارقه
ولو أقاما في مجلس وبنى بينهما حاجز من حائط
أو غيره لم يعد تفرقا جزم به في المستوعب
والمغني والشرح وصاحب الحاوي وغيرهم
التنبيه الرابع ظاهر كلام المصنف أن الفرقة
تحصل بالإكراه وفيه طريقان
أحدهما طريقة الأكثر منهم المصنف في الكافي
قال الزركشي وهو أجود وهي أن الخلاف جار في
جميع مسائل الإكراه فقيل يحصل بالعرف مطلقا
وهو ظاهر كلام المصنف وجماعة وقدمه الزركشي
وقيل لا يحصل به مطلقا اختاره القاضي وجزم به
في الفصول والمستوعب والحاويين وصححه في
الرعاية الكبرى وقدمه في التلخيص
فعليه يبقى الخيار في مجلس زال عنهما الإكراه
فيه حتى يفارقاه وأطلقهما في الفائق
والوجه الثالث إن أمكنه ولم يتكلم بطل خياره
وإلا فلا وهو احتمال في التلخيص
الطريق الثاني إن حصل الإكراه لهما جميعا
انقطع خيارهما قولا واحدا وإن حصل لأحدهما
فالخلاف فيه وهي طريقة المصنف في المغني
والشارح وابن رزين في شرحه وذكر في الأولى
احتمالا
وقال في الفروع ولكل من البائعين الخيار ما لم
يتفرقا بأبدانهما عرفا ولو كرها وفي بقاء خيار
المكره وجهان انتهى
فائدة : ذكر ابن عقيل من صور الإكراه لو رأيا
سبعا أو ظالما خافاه فهربا منه أو حملهما سيل
أو ريح وفرقت بينهما وقدم في الرعاية الكبرى
أن الخيار لا يبطل في هذه الصور وجزم بما قال
ابن عقيل وابن رزين في شرحه ونص عليه
فوائد
الأولى لو مات احدهما في خيار المجلس انقطع
الخيار نص عليه جزم به في التلخيص والفروع
والنظم والفائق وغيرهم
(4/266)
وقيل لا يبطل
ويحتمله كلام الخرقي وأطلقهما الزركشي
وقال في الرعاية بطل الخيار إن قلنا لا يورث
وإن قلنا يورث لم يبطل انتهى
ويأتي هل يورث خيار المجلس أم لا عند إرث خيار
الشرط
وأما خيار صاحبه ففي بطلانه وجهان وأطلقهما في
الفروع والرعاية الكبرى في موضعين
أحدهما لا يبطل
قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب
قال في الرعاية الكبرى لا يبطل إن قلنا يورث
وإلا بطل
والوجه الثاني يبطل
الثانية لو جن قبل المفارقة والاختيار فهو على
خياره إذا أفاق على الصحيح من المذهب وجزم به
في المستوعب والتلخيص والحاويين وغيرهم وقدمه
في الفروع والرعاية
وقيل وليه أيضا يليه في حال جنونه قاله في
الرعاية
وقال الشارح إن جن أو أغمي عليه قام أبوه أو
وصيه أو الحاكم مقامه
وقيل من أغمي عليه قام الحاكم مقامه
الثالثة لو خرس أحدهما قامت إشارته مقام نطقه
فإن لم تفهم إشارته قام وليه مقامه
الرابعة خيار الشرط كخيار المجلس فيما إذا جن
أو أغمي عليه أو خرس
الخامسة لو ألحق بالعقد خيارا بعد لزومه لم
يلحق على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
وقال في الفائق ويتخرج لحوقه من الزيادة وبعده
وهو المختار انتهى وهو رواية في الرعاية
وغيرها
ويأتي ذلك في كلام المصنف بعد المواضعة ويأتي
نظيرها في الرهن والصداق
السادسة تحرم الفرقة خشية الاستقالة على
الصحيح من المذهب
قال في الفروع وتحرم على الأصح قال في الفائق
لا تحل في أصح الروايتين
قال في الرعاية الكبرى وإن مشى أحدهما أو فر
ليلزم العقد قبل استقالة الآخر وفسخه ورضاه
حرم وبطل خيار الآخر في الأشهر فيهما واختاره
أبو بكر والمصنف وجزم به في مسبوك الذهب
وعنه لا يحرم قدمه في المستوعب والحاويين
وأطلقهما في المذهب والقواعد
تنبيه مفهوم قوله : ولكل واحد من المتبايعين
الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما
(4/267)
أنهما إذا
تفرقا بأبدانهما يلزم البيع ويبطل خيارهما وهو
صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب إلا أن القاضي
قال في موضع ما يفتقر إلى القبض لا يلزم إلا
بقبضه ويأتي ذلك في آخر الباب
قوله : إلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما
أو يسقط الخيار بعده فيسقط في إحدى الروايتين
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والكافي والتلخيص والبلغة والحاويين
إحداهما : يسقط الخيار فيهما وهو المذهب
قال في الرعاية الكبرى يسقط على الأقيس قال في
الفائق يسقط في أصح الروايتين وجزم به في
الوجيز والمنور ونهاية ابن رزين وقدمه في
الهادي والمحرر والفروع وغيرهم واختاره ابن
أبي موسى والقاضي في كتابه الروايتين
والشيرازي والمصنف والشارح وابن رزين وغيرهم
والرواية الثانية لا يسقط فيهما وهو ظاهر كلام
الخرقي ونصره القاضي وأصحابه وقدمه في الخلاصة
وعنه رواية ثالثة لا يسقط في الأولى ويسقط في
الثانية وأطلقهن في تجريد العناية
فعلى القول بالسقوط لو أسقط أحدهما الخيار أو
قال لا خيار بيننا سقط خياره وحده وبقي خيار
صاحبه
وعلى المذهب لا يبطل العقد إذا شرط فيه أن لا
خيار بينهما على الصحيح من المذهب
قال الزركشي وهو الأظهر وهو ظاهر كلام الخرقي
وقيل يبطل العقد
فائدة : لو قال لصاحبه اختر سقط خياره على
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
وعنه لا يسقط وهو احتمال في المغني والشرح
وغيرهما
وأما الساكت فلا يسقط خياره قولا واحدا
فائدة : قوله : في خيار الشرط فيثبت فيها وإن
طالت
هذا بلا نزاع وهو من مفردات المذهب فلو باعه
ما لا يبقى إلى ثلاثة أيام كطعام رطب بشرط
الخيار ثلاثا فقال القاضي يصح الخيار ويباع
ويحفظ ثمنه إلى المدة
قلت: لو قيل بعدم الصحة لكان متجها وهو أولى
ثم رأيت الزركشي نقل عن الشيخ تقي الدين أنه
قال يتوجه عدم الصحة من وجه في الإجارة أي من
وجه عدم صحة اشتراط عدم الخيار في الإجارة تلي
العقد قال ومنه إن تلف المبيع يبطل الخيار
انتهى
(4/268)
قوله : ولا
يجوز مجهولا في ظاهر المذهب
وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه يجوز
وهما على خيارهما إلا أن يقطعاه أو تنتهي مدته
وقدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في الهداية
والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
تنبيه ظاهر كلام المصنف هنا أنه لو شرطه إلى
الحصاد والجذاذ أنه لا يجوز لأنه مجهول وهو
إحدى الروايتين والمذهب منهما وهو ظاهر كلامه
في الوجيز وظاهر ما قدمه في الفروع وصححه في
التصحيح
والرواية الثانية يجوز هنا وإن منعناه في
المجهول لأنه معروف في العادة ولا يتفاوت
كثيرا واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في
الفائق
قلت: وهو الصواب
وأطلقهما المصنف في هذا الكتاب في باب السلم
والمحرر والخلاصة
فائدتان
إحداهما : إذا شرط الخيار مدة على أن يثبت
يوما ولا يثبت يوما فقيل يصح مطلقا وقدمه في
الرعاية الكبرى
وقيل يصح مطلقا وهو احتمال في المغني
وقيل يصح في اليوم الأول اختاره ابن عقيل وجزم
به المذهب وقدمه في الفائق وأطلقهن في الفروع
الثانية لو شرط خيار الشرط حيلة ليربح فيما
أقرضه لم يجز نص عليه وعليه الأصحاب
قلت: وأكثر الناس يستعملونه في هذه الأزمنة
ويتداولونه فيما بينهم فلا حول ولا قوة إلا
بالله
قوله : ولا يثبت إلا في البيع والصلح بمعناه
بلا نزاع
تنبيهات
الأول مفهوم قوله : ويثبت في الإجارة في الذمة
أو على مدة لا تلي العقد
أنها لو وليت العقد لا يثبت فيها خيار وهو
صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب
(4/269)
قال في التلخيص
وهو أقيس وصححه في النظم وغيره وقدمه في
الفروع وغيره
وقيل يثبت قاله القاضي في كتاب الإجارة في
الجامع الصغير
قال في الفائق اختاره شيخنا وهو المختار انتهى
وأطلقهما في المحرر والرعايتين والحاويين
الثاني قوله : ويثبت في الإجارة في الذمة هكذا
قال الأصحاب
وقال في الرعاية الكبرى قلت: إن لم يجب الشروع
فيه عقيب العقد
الثالث ظاهر كلام المصنف أن خيار الشرط لا
يثبت إلا فيما ذكره وهو البيع والصلح بمعناه
والإجارة وجزم به في الوجيز وهو المذهب إلا في
القسمة فإنه يثبت فيها على الصحيح من المذهب
قدمه في الفروع وقطع به القاضي في التعليق
وقدمه المجرد في شرحه
وقال ابن عقيل يثبت إن كان فيها رد عوض وإلا
فلا
وقال القاضي في المجرد ولا يدخل القسمة خيار
إن قلنا هي إفراز كما قال في خيار المجلس
وقدم في الرعاية الكبرى أنه يثبت في الحوالة
انتهى وجزم به في المستوعب
وقيل يثبت في الضمان والكفالة اختاره ابن حامد
وابن الجوزي
وفي طريقة بعض الأصحاب يثبت خيار الشرط فيما
يثبت فيه خيار. المجلس.
وجزم به في المذهب فقال خيار الشرط يثبت فيما
يثبت فيه خيار المجلس
وقال الشيخ تقي الدين يجوز خيار الشرط في كل
العقود
قوله : وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة
وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه يدخل
قال في مسبوك الذهب وإن قال بعتك ولي الخيار
إلى الغد فله إن يفسخ إلى أن يبقى من الغد
أدنى جزء وأطلقهما في الهداية والمذهب
والمستوعب
قوله : وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وصححه
المصنف والشارح وغيرهما ويحتمل أن يكون من حين
التفرق وهو وجه وجزم به في نهاية ابن رزين
ونظمها وجزم به ابن رزين في شرحه وأطلقهما في
الهداية والمذهب والرعاية الكبرى والحاويين
فلو قلنا من حين العقد فصرحا باشتراطه من حين
التفرق أو بالعكس ففي صحة ذلك
(4/270)
وجهان أظهرهما
بطلانه في القسم الأول وصحته في الثاني قاله
في التلخيص والرعاية وغيرهما
وقال في الرعاية قلت: إن علم وقت التفرق فهو
أول خيار الشرط وإن جهل في العقد ولا يصح شرط
عكسها إلا أن يصح
قوله : وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلا
له فيه وإن شرط الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز
يجوز أن يشترط الخيار لهما ولأحدهما ولغيرهما
لكن إذا شرطه لغيره فتارة يقول له الخيار دوني
وتارة يقول الخيار لي وله وتارة يجعل الخيار
له ويطلق
فإن قال له الخيار دوني فالصحيح من المذهب أنه
لا يصح وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الكافي
والتلخيص والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين
والمنور ومنتخب الأزجي والفائق وتجريد العناية
وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره واختاره القاضي
وغيره وظاهر كلام الإمام أحمد صحته واختاره
المصنف والشارح
فعلى هذا هل يختص الحكم بالوكيل أو يكون له
وللموكل ويلغى قوله: دوني؟ تردد شيخنا في
حواشيه
قال في الفروع قلت: ظاهر كلام المصنف والشارح
أنه يكون للوكيل وللموكل فإنهما قالا بعد ذكر
المسائل كلها فعلى هذا يكون الفسخ لكل واحد من
المشترط ووكيله الذي شرط له الخيار
وإن قال الخيار لي وله صح قولا واحدا
وإن جعل الخيار له وأطلق صح على الصحيح من
المذهب اختاره المصنف والشارح وجزم به في
الحاوي الكبير
قال في الفائق وقال الشيخ وغيره صحيح وهو ظاهر
ما جزم به في المنور وتجريد العناية وقدمه في
الرعايتين والحاوي الصغير وصححه في تصحيح
المحرر
وقيل لا يصح اختاره القاضي في المجرد وجزم به
في الكافي وأطلقهما في المحرر والخلاصة والنظم
والفروع والفائق
قوله : وكان توكيلا له فيه
حيث صححناه يكون خيار الفسخ له ولموكله فلا
ينفرد به الوكيل وقطع به الأكثر
قال في الفروع ويكون توكيلا لأحدهما في الفسخ
وقيل للموكل إن شرطه لنفسه وجعله وكيلا انتهى
(4/271)
وهي عبارة
مشكلة والخلاف هنا لا يأتي فيما يظهر فإنا حيث
جعلناه توكيلا لا بد أن يكون في شيء يسوغ له
فعله وقوله: "ويكون توكيلا لأحدهما في الفسخ"
لعله أرادا كلا منهما يعني في المسألتين
الأخيرتين وهو مشكل أيضا
ولشيخنا على هذا كلام كثير في حواشيه لم يثبت
فيه على شيء
فائدة : أما خيار المجلس فيختص الوكيل لأنه
الحاضر فإن حضر الموكل في المجلس وحجر على
الوكيل في الخيار رجعت حقيقة الخيار إلى
الموكل في أظهر الاحتمالين قاله في التلخيص
وجزم به في الفروع في باب الوكالة
ويأتي هناك شيء يتعلق بهذا
قوله : ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور
صاحبه ولا رضاه
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وأطلقوا
وقال المجد في شرحه هو ظاهر كلام الأصحاب
ونقل أبو طالب له الفسخ برد الثمن وجزم به
الشيخ تقي الدين رحمه الله كالشفيع
قلت: وهذا الصواب الذي لا يعدل عنه خصوصا في
زمننا هذا وقد كثرت الحيل
ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك وخرج أبو
الخطاب ومن تبعه من عزل الوكيل أنه لا يفسخ في
غيبته حتى يبلغه في المدة
قال في القاعدة الثالثة والستين وفيه نظر فإن
من له الخيار يتصرف في الفسخ
قوله : وإن مضت المدة ولم يفسخاه بطل خيارهما
يعني ولزم البيع وهذا المذهب وعليه جماهير
الأصحاب وقطع به كثير منهم
وقيل لا يلزم بمضي المدة اختاره القاضي لأن
مدة الخيار ضربت لحق له لا لحق عليه فلم يلزم
الحكم بمضي المدة كمضي الأجل في حق المولي
فعلى هذا ينبغي أن يقال إذا مضت المدة يؤمر
بالفسخ وإن لم يفعل فسخ عليه الحاكم كما قلنا
في المولي على ما يأتي
قوله : وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد
في أظهر الروايتين
وكذا قال في الهداية والمستوعب والتلخيص
وغيرهم وهذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب
قال في القواعد الفقهية وهي المذهب الذي عليه
الأصحاب
قال المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم هذا
ظاهر المذهب
(4/272)
قال في المحرر
هذا أشهر الروايتين قال في الفائق هذا أصح
الروايتين
قال في الرعاية الكبرى وإذا ثبت الملك في
المبيع للمشتري ثبت في الثمن للبائع انتهى
لا لا ينتقل الملك عن البائع حتى ينقضي الخيار
فعليها يكون الملك للبائع
وقال في القواعد الفقهية ومن الأصحاب من حكى
أن الملك يخرج عن البائع ولا يدخل إلى المشتري
قال وهو ضعيف
فائدة : حكم انتقال الملك في خيار المجلس حكم
انتقاله في خيار الشرط خلافا ومذهبا
تنبيه لهذا الخلاف فوائد كثيرة ذكرها العلامة
ابن رجب رحمه الله في قواعده وغيره
منها لو اشترى من يعتق عليه أو زوجته فعلى
المذهب يعتق وينفسخ نكاحها وعلى الثانية لا
يثبت ذلك
ومنها لو حلف لا يبيع فباع بشرط الخيار خرج
على الخلاف قدمه في القواعد وقال ذكره القاضي
وأنكر المجد ذلك وقال يحنث على الروايتين
قلت: وهو الصواب
وأما الأخذ بالشفعة فلا يثبت في مدة الخيار
على كلا الروايتين عند أكثر الأصحاب ونص عليه
في رواية حنبل
فمنهم من علل بأن الملك لم يستقر بعد ومنهم من
علل بأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من
الخيار فلذلك لم يجز المطالبة به في مدته وهو
تعليل القاضي في خلافه
فعلى هذا لو كان الخيار للمشتري وحده تثبت
الشفعة
وذكر أبو الخطاب احتمالان بثبوت الشفعة مطلقا
إذا قلنا بانتقال الملك إلى المشتري
قال في الفروع تفريعا على المذهب
قال أبو الخطاب وغيره ويأخذ بالشفعة ويأتي ذلك
في آخر الشفعة في أول الفصل الأخير من كلام
المصنف
ومنها لو باع أحد الشريكين شقصا بشرط الخيار
فباع الشفيع حصته في مدة الخيار فعلى المذهب
يستحق المشتري الأول انتزاع شقص الشفيع من يد
مشتريه لأنه شريك الشفيع حالة بيعه
وعلى الثانية يستحقه البائع الأول لأن الملك
باق له
ومنها لو باع عبدا بشرط الخيار وأهل هلال
الفطر وهو في مدة الخيار فعلى المذهب الفطرة
على المشتري وعلى الثانية على البائع
(4/273)
ومنها لو باع
نصابا من الماشية بشرط الخيار حولا فعلى
المذهب زكاته على المشتري وعلى الثانية على
البائع
ومنها الكسب والنماء المنفصل في مدته فعلى
المذهب هو للمشتري على الصحيح من المذهب أمضيا
العقد أو فسخاه
وعنه إن فسخ أحدهما فالنماء المنفصل للبائع
وعنه وكسبه
وعلى الثاني للبائع وقيل هما للمشتري إن ضمنه
وستأتي هذه المسألة في كلام المصنف
ومنها مؤنة المبيع من الحيوان والعبيد فعلى
المذهب على المشتري وعلى الثانية على البائع
ومنها لو تلف المبيع في مدة الخيار فإن كان
بعد القبض أو لم يكن فيها فمن مال المشتري على
المذهب ومن مال البائع على الثانية على ما
يأتي في كلام المصنف
ومنها لو تعيب في مدة الخيار فعلى المذهب لا
يرد بذلك إلا أن يكون غير مضمون على المشتري
لانتفاء القبض وعلى الثانية له الرد بكل حال
ومنها لو باع الملتقط اللقطة بعد الحول بشرط
الخيار ثم جاء ربها في مدة الخيار فإن قلنا لم
ينتقل الملك فالرد واجب وإن قلنا بانتقاله
فوجهان جزم في الكافي بالوجوب
قلت: ويتوجه عدم الوجوب وتكون له القيمة أو
المثل
ومنها لو باع محل صيدا بشرط الخيار ثم أحرم في
مدته فإن قلنا بانتقال الملك عنه فليس له
الفسخ لأنه ابتداء ملك على الصيد وهو ممنوع
منه وإن قلنا لم ينتقل الملك عنه فله ذلك ثم
إن كان في يده المشاهدة أرسله وإلا فلا
ومنها لو باعت الزوجة الصداق قبل الدخول بشرط
الخيار ثم طلقها الزوج فإن قلنا بانتقال الملك
عنها ففي لزوم استردادها وجهان
قلت: الأولى عدم لزوم استردادها وإن قلنا لم
يزل عنها استرده وجها واحدا
ومنها لو باع أمة بشرط الخيار ثم فسخ البيع
وجب على البائع الاستبراء على المذهب وعلى
الثانية لا يلزمه لبقاء الملك
ومنها لو اشترى أمة بشرط الخيار واستبرأها في
مدته فإن قلنا الملك لم ينتقل إليه لم يكفه
ذلك الاستبراء وإن قلنا بانتقاله فقال في
الهداية والمغني وغيرهما يكفي
وذكر في الترغيب والمحرر وجهين لعدم استقرار
الملك
ومنها التصرف في مدة الخيار والوطء ويأتيان في
كلام المصنف قريبا
(4/274)
فائدة : الحمل
وقت العقد مبيع على الصحيح من المذهب جزم به
المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره
قال في القواعد الفقهية قال القاضي وابن عقيل
إن قلنا للحمل حكم فهو داخل في العقد ويأخذ
قسطا من العوض وإن قلنا لا حكم له لم يأخذ
قسطا وكان حكمه حكم النماء المنفصل فلو ردت
العين بعيب فإن قلنا له حكم رد مع الأصل وإلا
كان حكمه حكم النماء
قال وقياس المذهب يقتضي أن حكمه حكم الأجزاء
لا حكم الولد المنفصل فيجب رده مع العين وأن
لا حكم له وهو أصح انتهى
وذكر في أول القاعدة الرابعة والثمانين أن
القاضي وابن عقيل وغيرهما قالوا الصحيح من
المذهب أن له حكما انتهى
وعنه الحمل نماء فترد الأم بعيب بالثمن كله
قطع به في الوسيلة واقتصر عليه في الفروع
فعلى المذهب هل هو كأحد عينين أو بيع للأم لا
حكم له فيه روايتان ذكرهما في المنتخب في
الصداق وقد تقدم كلام ابن رجب
وقال القاضي في المجرد في أثناء التفليس وإن
كانت حين البيع حاملا ثم أفلس المشتري فله
الرجوع فيها وفي ولدها لأنها إذا كانت حاملا
حين البيع فقد باع عينين وقد رجع فيهما
قوله : فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له
أمضيا العقد أو فسخاه
هذا مبني على المذهب وهو أنه ينتقل الملك إلى
المشتري وهذا المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في
القواعد وغيرها وقدمه في الفروع
وعنه إن فسخ أحدهما فالنماء المنفصل للبائع
وعنه والكسب
وعلى الرواية الثانية يكون للبائع
وقيل هما للمشتري إن ضمنه وتقدم ذلك في
الفوائد
وقال في القاعدة الثانية والثمانين لو فسخ
البيع في مدة الخيار وكان له نماء متصل فخرج
في المستوعب والتلخيص وجهين كالفسخ بالعيب
وذكر القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده أن
الفسخ بالخيار فسخ للعقد من أصله لأنه لم يرض
فيه بلزوم البيع بخلاف الفسخ بالعيب ونحوه
فعلى هذا يرجع بالنماء المنفصل في الخيار
بخلاف العيب انتهى
ويأتي في خيار العيب هل الحمل والطلع أو الحب
يصير زرعا زيادة متصلة أو منفصلة
(4/275)
قوله : وليس
لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار
إلا بما يحصل به تجزئة المبيع وإن تصرفا ببيع
أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما
اعلم أن تصرف المشتري والبائع في مدة الخيار
محرم عليهما سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما
أو لغيرهما قاله كثير من الأصحاب وقطع به
جماعة
قال في الفروع وفي طريقة بعض الأصحاب للمشتري
التصرف ويكون رضي منه بلزومه
وقال في القواعد والمنصوص عن الإمام أحمد في
رواية أبي طالب أن للمشتري التصرف فيه
بالاستقلال على القول بأن الملك ينتقل إليه
وهو المذهب
وعلى الرواية الثانية يجوز التصرف للبائع وحده
لأنه مالك ويملك الفسخ انتهى
فعلى الأول إن تصرف المشتري فتارة يكون الخيار
له وحده وتارة يكون غير ذلك فإن كان الخيار له
وحده فالصحيح من المذهب نفوذ تصرفه
قال في الفروع نفذ على الأصح وجزم به في
الكافي والمغني والمحرر والشرح والنظم
والحاويين والفائق والمنور وغيرهم وقدمه في
القواعد الفقهية وقال ذكره أبو بكر والقاضي
وغيرهما
قال الزركشي وقاله أبو الخطاب في الانتصار
وعنه لا ينفذ تصرفه وهو ظاهر كلام ابن أبي
موسى واحتمال في التلخيص
وإن لم يكن الخيار له وحده وتصرف فالصحيح من
المذهب أنه لا ينفذ قدمه في المغني والشرح
وصححاه وقدمه في الفروع والقواعد الفقهية
وعنه ينفذ تصرفه وعنه تصرفه موقوف ذكرها ابن
أبي موسى فمن بعده وجزم به في القاعدة الثالثة
والخمسين فقال تصرف المشتري في مدة الخيار له
وللبائع المنصوص عن أحمد أنه موقوف على إمضاء
البيع وكذلك ذكره أبو بكر في التنبيه وهو ظاهر
كلام القاضي في خلافه انتهى
وقال بعض الأصحاب في طريقته وإذا قلنا بالملك
قلنا بانتقال الثمن إلى البائع قال في الفروع
وقاله غيره
تنبيه محل هذا الخلاف إذا كان تصرفه مع غير
البائع فأما إن تصرف مع البائع فالصحيح أنه
ينفذ جزم به في المحرر والحاويين والفائق
والمنور ومنتخب الأدمى وغيرهم
وعنه لا ينفذ وهو ظاهر كلام المصنف هنا وكثير
من الأصحاب وقدمه في الرعاية
(4/276)
وأطلقهما في
الفروع وقال بناء على دلالة التصرف على الرضى
وللقاضي في المجرد احتمالان
وإن تصرف البائع لم ينفذ تصرفه سواء كان
الخيار له وحده أو لا وهذا الصحيح من المذهب
وجزم به المصنف هنا وصاحب الهداية والمذهب
والخلاصة والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب
والرعايتين والحاويين والفائق والفروع وقال
أطلقه جماعة وهو من المفردات
قال في القاعدة الخامسة والخمسين وأما نفوذ
التصرف فهو ممنوع على الأقوال كلها صرح به
الأكثرون من الأصحاب لأنه لم يتقدمه ملك انتهى
وقيل ينفذ إن قيل الملك له والخيار له قال
الناظم
ومن أفردوه بالخيار يكن له ... التصرف يمضي
منه دون تصدد
وقال المصنف والشارح ينفذ تصرف البائع إن قلنا
إن البيع لا ينقل الملك وكان الخيار لهما أو
للبائع وقطع به في القواعد الفقهية
وذكر الحلواني في التبصرة أن تصرفه ينفذ
تنبيه ومحل الخلاف في تصرفهما إذا لم يحصل
لأحدهما إذن من الآخر أو تصرف المالك منهما
بإذن الآخر أو تصرف وكيلهما صح على الصحيح من
المذهب
قال في الفروع نفذ في الأصح فيهما وجزم به في
الحاويين وقدمه في المغني والشرح
وقيل لا ينفذ وهو احتمال في المغني والشرح
فائدة : لو أذن البائع للمشتري في التصرف
فتصرف بعد الإذن وقبل العلم فهل ينفذ تصرفه
يخرج على الوجوه التي في الوكيل على ما يأتي
وأولى وجزم القاضي في خلافه بعدم النفوذ
تنبيه ظاهر قوله : وليس لواحد منهما التصرف في
المبيع في مدة الخيار
أن للبائع التصرف في الثمن المعين أو غيره إذا
قبضه وهو ظاهر كلامه في المحرر والشرح وشرح
ابن منجا والفروع وغيره لعدم ذكرهم للمسألة
والذي قطع به في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والرعايتين والحاويين والعناية
وإدراك الغاية وتجريد العناية وجمع كثير أنه
يحرم التصرف في الثمن كالمثمن سواء قلنا في
المبيع ما قلنا في الثمن أو لا ولم يحكوا في
ذلك خلافا لكن ذكر في الفروع في باب التصرف في
المبيع بعد أن ذكر ما يمنع التصرف فيه وما لا
يمنع فقال والثمن الذي ليس في الذمة كالمثمن
وإلا فله أخذ بدله لاستقراره انتهى
فقد تؤخذ هذه المسألة من عموم كلامه هناك
(4/277)
ويأتي أيضا
فيما إذا قال لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه في
فائدة: هل له المطالبة بالنقد إذا كان الخيار
لهما أو لأحدهما فهي غير هذه المسألة التي هنا
والله أعلم
قوله : ويكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف
المشتري إسقاطا لخياره في أحد الوجهين
وهما روايتان في المغني والشرح والفروع وغيرهم
ووجهان عند كثير من الأصحاب وقدمه في الرعاية
الكبرى وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب في غير الوطء والمستوعب والخلاصة
والهادي والتلخيص والرعاية الكبرى والحاوي
الكبير وغيرهم
واعلم أنه إذا تصرف البائع فيه لم يكن فسخا
على الصحيح من المذهب ونص عليه
قال في الفروع ليس تصرف البائع فسخا على الأصح
قال في القواعد الفقهية وهي أصح وجزم به أبو
بكر والقاضي في خلافه وصاحب المحرر فيه وصححه
في التصحيح وقدمه في الفائق وهو من مفردات
المذهب
وعنه يكون فسخا جزم به القاضي في المجرد
والحلواني في الكفاية وابن عبدوس في تذكرته
وصاحب الوجيز وغيرهم ورجحه ابن عقيل والمصنف
في المغني وقدمه في الشرح والنظم والرعاية
الصغرى والحاوي الصغير
وقيل تصرفه بالوطء فسخ جزم به في المذهب
ومسبوك الذهب والكافي
قال في القواعد وممن صرح أن الوطء اختيار
القاضي في المجرد وحكاه في الخلاف عن أبي بكر
قال ولم أجده فيه
وأما تصرف المشتري ووطؤه وتقبيله ولمسه بشهوة
وسومه ونحو ذلك
فهو إمضاء وإبطال لخياره على الصحيح من المذهب
صححه المصنف والشارح والناظم وصاحب التصحيح
وغيرهم وجزم به في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس
وقدمه في الفروع والفائق والرعاية الصغرى
والحاوي الصغير
وعنه لا يكون إمضاء ولا يبطل خياره بشيء من
ذلك وهو وجه في الشرح وغيره
قال في التلخيص وعلى كلا الوجهين في تصرف
البائع والمشتري لا يصح تصرفهما لأن في طرفه
الفسخ لا بد من تقدمه على العقد وفي طرف الرضى
يمتنع لتعلق حق الآخر
قوله : وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في
أصح الروايتين
وفي نسخة الوجهين وعليهما شرح ابن منجا وهو
المذهب صححه في النظم وابن منجا في شرحه
وتصحيح المحرر وقدمه في الحاوي الكبير
والرواية الثانية يبطل خياره قال في الخلاصة
والحاوي الصغير يبطل خياره على
(4/278)
الأصح وقدمه في
الهداية والمستوعب والتلخيص والرعاية الصغرى
وجزم به في المنور والمنتخب
قال في الوجيز وإن استخدم المبيع للاستعلام لم
يبطل خياره
فدل كلامه أنه لو استخدمه لغير الاستعلام يبطل
وعبارة جماعة من الأصحاب كذلك وأطلقهما في
المذهب ومسبوك الذهب والمحرر والشرح والرعاية
الكبرى والفروع
وذكر جماعة قولا إن استخدمه للتجربة بطل وإلا
فلا منهم صاحب الرعاية والفروع والفائق وغيرهم
وذكروه قولا ثالثا وهو احتمال في المغني
والشرح
فظاهر كلامهم أن الخلاف يشمل الاستخدام
للتجربة وهو بعيد
قال في الحاويين وما كان على وجه التجربة
للمبيع كركوب الدابة لينظر سيرها أو الطحن
عليها ليعلم قدر طحنها أو استخدام الجارية في
الغسل والطبخ والخبز لا يبطل الخيار رواية
واحدة
وقال في الرعاية وله تجربته واختباره بركوب
وطحن وحلب وغيرها وتقدم كلامه في الوجيز
قال في المنور ومنتخب الأزجي وتصرفه بكل حال
رضى إلا لتجربة
قال الشارح فأما ما يستعلم به المبيع كركوب
الدابة ليختبر فراهتها والطحن على الرحى ليعلم
قدره ونحو ذلك فلا يدل على الرضى ولا يبطل به
الخيار انتهى
قلت: الصواب أن الاستخدام للاختبار يستوي فيه
الآدمي وغيره ولا تشمله الرواية المطلقة وقطع
بما قلنا في الكافي وغيره
ومنشأ هذا القول أن حربا نقل عن أحمد أن
الجارية إذا غسلت رأسه أو غمزت رجله أو طبخت
له أو خبزت يبطل خياره
فقال المصنف والشارح يمكن أن يقال ما قصد به
من استخدام أن تجربة المبيع لا يبطل الخيار
كركوب الدابة ليعلم سيرها وما لا يقصد به ذلك
يبطل الخيار كركوب الدابة لحاجته انتهى
قوله : وكذلك إن قبلته الجارية ولم يمنعها لم
يبطل الخيار
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وسواء كان
بشهوة أو بغيرها
وقال أبو الخطاب ومن تبعه ويحتمل أن يبطل إن
لم يمنعها وقدم هذه الطريقة في الفروع وجزم
بها في المغني والشرح والفائق وغيرهم
وقيل محل الخلاف فيما إذا كان لشهوة أما إذا
كان لغير شهوة لم يبطل قولا واحدا وجزم به في
الحاويين وغيرهما وقال نص عليه.
(4/279)
وحمل ابن منجا
كلام المصنف عليه وقدمه في الرعاية الصغرى
قوله : وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل
خيارهما وكذلك إذا تلف المبيع
إذا أعتق المشتري العبد المبيع نفذ عتقه وهذا
مبني على أن المبيع ينتقل إلى المشتري في مدة
الخيار وهو المذهب كما تقدم فيصح عتقه وهو من
المفردات ويبطل خيارهما على الصحيح من المذهب
اختاره الخرقي وأبو بكر وقدمه في المحرر
والشرح والفروع والفائق والرعاية
وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع
بالقيمة يوم العتق وقدمه في الكافي وأطلقهما
في الهادي والتلخيص والمستوعب والحاوي
فائدة : على القول بأن الملك لا ينتقل عن
البائع لو أعتقه ينفذ عتقه كالمشتري وأما إذا
تلف المبيع في مدة الخيار فلا يخلو إما أن
يكون قبل قبضه أو بعده فإن كان قبل قبضه وكان
مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مزروعا انفسخ
البيع على ما يأتي آخر الباب وكان من ضمان
البائع إلا أن يتلفه المشتري فيكون من ضمانه
ويبطل خياره وفي خيار البائع الروايتان
وإن كان المبيع غير ذلك ولم يمنع البائع
المشتري من قبضه فالصحيح من المذهب أنه من
ضمان المشتري على ما يأتي
وإن كان تلفه بعد قبضه في مدة الخيار فهو من
ضمان المشتري وهي مسألة المصنف ويبطل خياره
على الصحيح من المذهب
قال في الفروع يبطل خيار المشتري في الأشهر
وجزم به المغني والشرح وغيرهما
وقيل لا يبطل خياره وهذه طريقة المصنف والشارح
وصاحب الفروع وغيرهم
وأما خيار البائع فيبطل على الصحيح من المذهب
اختاره الخرقي وأبو بكر وغيرهما وقدمه في
المحرر والفائق والنظم وجزم به في المنور
ومنتخب الأدمى
وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع
بالقيمة أو مثله إن كان مثليا اختارها القاضي
وابن عقيل وحكاه في موضع من الفصول عن
الأصحاب.
وقدمها في الكافي والرعايتين والحاوي الصغير
والخلاصة وهذا المذهب على ما اصطلحناه في
الخطبة وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والمغني والهادي والفروع والحاوي الكبير
والزركشي
تنبيه قوله : والرجوع بالقيمة
تكون القيمة وقت التلف على الصحيح من المذهب
قدمه في الفروع والرعاية وقيل وقت القبض
وأصل الوجهين انتقال الملك قاله في التلخيص
والفروع
(4/280)
فائدة جليلة:
لو انفسخ البيع بعد قبضه بعيب أو خيار أو
انتهت مدة العين المستأجرة أو أقبضها الصداق
وطلقها قبل الدخول ففي ضمانه على من هو في يده
أوجه
أحدها حكم ضمانه بعد زوال العقد حكم ضمان
المالك الأول قبل التسليم إن كان مضمونا عليه
كان مضمونا له وإلا فلا وهي طريقة أبي الخطاب
والمصنف في الكافي في آخرين
فعلى هذا إن كان عوضا في بيع أو نكاح وكان
متميزا لم يضمن على الصحيح وإن كان غير متميز
ضمن وإن كان في إجارة ضمن بكل حال
الثاني إن كان انتهاء العقد بسبب يستقل به من
هو في يده كفسخ المشتري أو شارك فيه الآخر
كالفسخ منهما فهو ضامن له وإن استقل به الآخر
كفسخ البائع وطلاق الزوج فلا ضمان لأنه حصل في
يد هذا بغير سبب ولا عدوان وهذا ظاهر ما ذكره
في المغني في مسألة الصداق وعلى هذا يتوجه
ضمان العين المستأجرة بعد انتهاء المدة
الثالث حكم الضمان بعد الفسخ حكم ما قبله فإن
كان مضمونا فهو
مضمون وإلا فلا فيكون البيع بعد فسخه مضمونا
لأنه كان مضمونا على المشترى بحكم العقد ولا
يزول الضمان بالفسخ صرح بذلك القاضي في خلافه
ومقتضى هذا ضمان الصداق على المرأة وهو ظاهر
كلام المجد وأنه لا ضمان في الإجارة على الراد
وصرح به القاضي وغيره حتى قال القاضي وأبو
الخطاب لو عجل أجرتها ثم انفسخت قبل انتهاء
المدة فله حبسها حتى يستوفي الأجرة ولا يكون
ضامنا
الرابع لا ضمان في الجميع ويكون المبيع بعد
فسخه أمانة محضة صرح به أبو الخطاب في انتصاره
واختاره القاضي في المجرد وابن عقيل في الصداق
بعد الطلاق
الخامس الفرق بين أن ينتهي العقد أو يطلق
الزوج وبين أن ينفسخ العقد ففي الأول يكون
أمانة محضة لأن حكم الملك ارتفع وعاد ملكا
للأول وفي الفسخ يكون مضمونا
وممن صرح بذلك الأزجي في نهايته وصاحب التلخيص
وهو ظاهر كلام ابن عقيل في مسائل الرد بالعيب
وصرح بأنه يضمن نقصه فيما قبل الفسخ وبعده
بالقيمة لارتفاع العقد ذكر ذلك في القاعدة
الثالثة والأربعين
قوله : وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين
وهذا المذهب صححه في التصحيح والكافي والمغني
والشرح والزركشي وغيرهم وجزم به في الوجيز
وغيره وقدمه في الفروع وغيره
وفي الآخر حكم العتق صححه في النظم وقدمه في
الرعايتين وإدراك الغاية وأطلقهما
(4/281)
في المستوعب
والتلخيص والحاويين والفائق
قوله : وإن وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت
أم ولده وولده حر ثابت النسب
هذا مبني على أن الملك ينتقل إليه في مدة
الخيار وهو المذهب
وأما إذا قلنا لا ينتقل إليه ففيه الخلاف
الآتي في البائع قاله في القواعد الفقهية
وقال المصنف والشارح وإن قلنا إن الملك لا
ينتقل إليه لا حد عليه أيضا وعليه المهر وقيمة
الولد وإن علم التحريم وأن ملكه غير ثابت
فولده رقيق
قوله : وإن وطئها البائع فكذلك إن قلنا البيع
ينفسخ بوطئه
وتقدم هل يكون تصرف البائع فسخا للبيع وأن
الصحيح يكون فسخا
وقوله : وإن قلنا لا ينفسخ فعليه المهر وولده
رقيق
قد تقدم أن المذهب لا ينفسخ العقد بتصرفه
وقوله : إلا إذا قلنا الملك له
وتقدم أن المذهب لا يكون الملك له في مدة
الخيار
قوله : ولا حد فيه على كل حال
هذا اختيار المصنف والشارح والمجد في محرره
والناظم وصاحب الحاوي وصححوه في كتاب الحدود
وقدمه في الرعايتين والفروع هناك وإليه ميل
ابن عقيل وحكاه بعض الأصحاب رواية عن الإمام
أحمد
قلت: وهو الصواب
فعلى هذا يكون ولده حرا ثابت النسب ولا يلزمه
قيمة ولا مهر عليه وتصير أم ولد له
وقال أصحابنا عليه الحد إذا علم زوال ملكه وأن
البيع لا ينفسخ بالوطء وهو المنصوص وهو المذهب
وهو من مفرداته ويأتي ذلك في حد الزنا أيضا
قوله : إذا علم أن البيع لا ينفسخ
هكذا قيده بعض الأصحاب وقالوا إن اعتقد أن
البيع ينفسخ بوطئه فلا حد عليه لأن تمام الوطء
قد وقع في ملكه فتمكنت الشبهة
وقال أكثر الأصحاب عليه الحد إذا كان عالما
بالتحريم وهو المنصوص عن أحمد في رواية مهنا
وهو اختيار أبي بكر وابن حامد والأكثرين قاله
في القواعد الفقهية
(4/282)
ومحل وجوب الحد
أيضا عند الأصحاب إذا كان عالما بتحريم الوطء
أما إذا كان جاهلا بتحريمه فلا حد عليه كما
سيأتي في شروط الزنا
فعلى قول الأصحاب إن علم التحريم فولده رقيق
لا يلحقه نسبه وأن لم يعلم لحقه النسب وولده
حر وعليه قيمته يوم ولادته وعليه المهر ولا
تصير أم ولد له
قوله : ومن مات منهما بطل خياره ولم يورث
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به كثير
منهم
ويتخرج أن يورث كالأجل وخيار الرد بالعيب وهو
لأبي الخطاب وذكره في عيون المسائل في مسألة
حل الدين بالموت رواية
تنبيه مراده من قوله : ولم يورث إذا لم يطالب
الميت فأما إن طالب في حياته فإنه يورث نص
عليه وعليه الأصحاب
فائدة : خيار المجلس لا يورث على الصحيح من
المذهب نص عليه
وقيل كالشرط وفي خيار صاحبه وجهان وأطلقهما في
الفروع قال في الرعاية وخيار المجلس يحتمل
وجهين
أحدهما يبطل وهو الصحيح قدمه في المغني وشرح
ابن رزين
والوجه الثاني لا يبطل وهو احتمال في المغني
فائدة : حد القذف لا يورث إلا بمطالبة الميت
في حياته كخيار الشرط على الصحيح من المذهب
ونص عليه وعليه الأصحاب
وفي الانتصار رواية لا يورث حد قذف ولو طلبه
مقذوف كحد زنا
ويأتي كلام المصنف في باب القذف ويأتي هل تورث
المطالبة بالشفعة في كلام المصنف في آخر الفصل
الخامس من باب الشفعة
وتقدم إذا علق عتق عبده على بيعه في الباب
قبله في الشروط الفاسدة
قوله : الثالث خيار الغبن ويثبت في ثلاث صور
أحدها إذا تلقى الركبان فاشترى منهم أو باع
لهم فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم
قد غبنوا
أعلمنا المصنف رحمه الله هنا أنه إذا تلقى
الركبان واشترى منهم وباع لهم أن البيع صحيح
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه
وعنه أنه باطل اختاره أبو بكر
فعلى المذهب يثبت لهم الخيار بشرطه سواء قصد
تلقيهم أو لم يقصده وهو الصحيح من المذهب نص
عليه وعليه أكثر الأصحاب
(4/283)
وقيل لا خيار
لهم إلا إذا قصد تلقيهم وهو احتمال في المغني
والشرح
قوله : وعلموا أنهم قد غبنوا
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه لهم الخيار وإن
لم يغبنوا
قوله : غبنا يخرج عن العادة
يرجع الغبن إلى العرف والعادة على الصحيح من
المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب
وقيل يقدر الغبن بالثلث اختاره أبو بكر وجزم
به في الإرشاد.
قال في المستوعب والمنصوص أن الغبن المثبت
للفسخ ما لا يتغابن الناس بمثله وحده أصحابنا
بقدر ثلث قيمة المبيع انتهى
وقيل يقدر بالسدس
وقيل يقدر بالربع ذكره ابن رزين في نهايته
وظاهر كلام الخرقي أن الخيار يثبت بمجرد الغبن
وإن قل قاله الشارح وغيره وهو ظاهر ما قدمه في
المستوعب
وقد قال أبو يعلى الصغير في موضع من كلامه له
الفسخ بغبن يسير كدرهم في عشرة بالشرط ويأتي
ذلك بعد تعدد العيوب
قوله : الثانية في النجش وهو أن يزيد في
السلعة من لا يريد شراءها ليضر المشتري
أفادنا المصنف رحمه الله أن بيع النجش صحيح
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب
وعنه يبطل اختاره أبو بكر قاله المصنف
وقال في التنبيه لا يجوز النجش
وعنه يقع لازما فلا فسخ من غير رضا ذكره في
الانتصار في البيع الفاسد هل ينقل الملك
فعلى المذهب يثبت للمشتري الخيار بشرطه وسواء
كان ذلك بمواطأة من البائع أو لا وهو المذهب
وعليه جماهير الأصحاب
وقيل لا خيار له إلا إذا كان بمواطأة من
البائع
(4/284)
فائدتان
إحداهما : لو نجش البائع فزاد أو واطأ فهل
يبطل البيع وإن لم يبطله في الأولى فيه وجهان
وأطلقهما في الفروع والفائق
أحدهما لا يبطل البيع وهو الصحيح وهو ظاهر
كلام أكثر الأصحاب وهو كالصريح في كلام المصنف
والشارح وقدمه الزركشي وقال هذا المشهور
والوجه الثاني يبطل البيع قاله في الرعايتين
والحاويين
وعنه لا يصح بيع النجش كما لو زاد فيه البائع
أو واطأ عليه
قال في الرعاية الكبرى أو زاد زيد بإذنه في
أصح الوجهين وقدمه في المحرر وجزم به في
المنور وتذكرة ابن عبدوس
الثانية لو أخبر أنه اشتراها بكذا وكان زائدا
عما اشتراها به لم يبطل البيع وكان له الخيار
على الصحيح من المذهب
وقال في الإيضاح يبطل مع علمه
تنبيه قال في الفروع وقولهم في النجش ليغر
المشترى لم يحتجوا لتوقف الخيار عليه وقال
وفيه نظير
وأطلقوا الخيار فيما إذا أخبر بأكثر من الثمن
لكن قال بعضهم لأنه في معنى النجش فيكون القيد
مرادا وشبه ما إذا خرج ولم يقصد التلقي وسبق
أن المنصوص الخيار انتهى
قلت: قال في الرعاية ويحرم أن يزيد في سلعة من
لا يريد شراءها وقيل بل ليغر مشتريها الغر بها
وقال ابن منجا في شرحه وزاد المصنف أن يكون
الذي زاد معروفا بالحذق ولا بد منه انتهى ولم
نره لغيره
وقال الزركشي وزاد بعض أصحابنا في تفسيره فقال
ليغر المشتري وهو حسن انتهى
فائدة : قال الزركشي وغيره حكم زيادة المالك
في الثمن كأن يقول أعطيته في هذه السلعة كذا
وهو كاذب حكم نجشه انتهى
قوله : الثالثة المسترسل
يثبت للمسترسل الخيار إذا غبن على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب وهو من المفردات وعنه لا
يثبت
(4/285)
فوائد
الأولى المسترسل هو الذي لا يحسن أن يماكس
قاله الإمام أحمد وفي لفظ عنه هو الذي لا
يماكس
قال المصنف والشارح هو الجاهل بقيمة السلعة
ولا يحسن المبايعة
قال في التلخيص والنظم وغيرهما هو الذي لا
يعرف سعر ما باعه أو اشتراه
فصرحا أن المسترسل يتناول البائع والمشتري
وأنه الجاهل بالبيع كما قاله الإمام أحمد
وقال في الرعاية الكبرى هو الجاهل بقيمة
المبيع بائعا كان أو مشتريا وقال في الفروع في
باب خيار التدليس في حكم مسألة كما لم يفرقوا
في الغبن بين البائع والمشتري فتلخص أن
المسترسل هو الجاهل بالقيمة سواء كان بائعا أو
مشتريا
قال في المذهب لو جهل الغبن فيما اشتراه
لعجلته وهو لا يجهل القيمة ثبت له الخيار أيضا
وجزم به في النظم
وقال في الرعاية الكبرى لو عجل في العقد فغبن
فلا خيار له انتهى
وعنه يثبت أيضا لمسترسل إلى البائع لم يماكسه
اختاره الشيخ تقي الدين وذكره في المذهب
وقال في الانتصار له الفسخ ما لم يعلمه أنه
غال وأنه مغبون فيه انتهى
الثانية قال المجد في شرحه يثبت خيار الغبن
إلى المسترسل في الإجارة كما في البيع إلا أنه
إذا فسخ وقد مضى بعض المدة يرجع عليه بأجرة
المثل للمدة لا بقسطه من المسمى لأنه لو رجع
عليه بذلك لم يستدرك ظلامة الغبن فارق ما لو
ظهر على عيب في الإجارة ففسخ فإنه يرجع عليه
بقسطه من المسمى لأنه يستدرك ظلامته بذلك لأنه
يرجع بقسطه منها معيبا فيرتفع عنه الضرر بذلك
قال المجد نقلت:ه من خط القاضي على ظهر الجزء
الثلاثين من تعليقه
الثالثة الغبن محرم نص عليه ذكره أبو يعلى
الصغير وقدمه في الفروع وجزم به في الفنون
وقال إن أحمد قال أكرهه
وقال في الرعاية الكبرى يكره تلقي الركبان
وقيل يحرم وهو أولى انتهى
الرابعة هل غبن أحدهما في مهر مثله كبيع أو لا
فسخ فيه احتمالان في التعليق للقاضي والانتصار
لأبي الخطاب وفي عيون المسائل منع وتسليم
ثم فرق وقال ولهذا لا يرد الصداق عندهم وفي
وجه لنا بعيب يسير ويرد المبيع بذلك
قلت: الصواب أنه لا يفسخ بل يقع العقد لازما
(4/286)
ويأتي قريب من
ذلك في أواخر باب الشروط في النكاح وباب
العيوب في النكاح
الخامسة يحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرا
ليبذل قريبا منه ذكره الشيخ تقي الدين واقتصر
عليه في الفروع وهو الصواب
قال الشيخ تقي الدين وإن دلس مستأجر على مؤجر
وغيره حتى استأجره بدون القيمة فله أجرة المثل
وفي مفردات ابن عقيل في المسألة الأولى كقوله:
وأنه كالغش والتدليس سواء ثم سلم أنه لا يحرم
السادسة لو قال عند البيع لا خلابة فالصحيح من
المذهب أن له الخيار إذا خلبه قدمه في الفروع
وقال المصنف وغيره لا خيار له
قوله : الرابع خيار التدليس بما يزيد به الثمن
كتصرية اللبن في الضرع وتحمير وجه الجارية
وتسويد شعرها وتجعيده وجمع ماء الرحى وإرساله
عند عرضها
قال في الرعاية وكذا تحسين وجه الصبرة ونحوها
وتصنيع النساج وجه الثوب وصقال الإسكاف وجه
المتاع ونحوه فهذا يثبت للمشتري خيار الرد بلا
نزاع وظاهره أنه لو حصل ذلك من غير قصد
التدليس لا خيار له وهو أحد الوجهين وهو
احتمال في المغني والشرح ومالا إليه
الوجه الثاني يثبت بذلك أيضا اختاره القاضي
واقتصر عليه في الفائق وجزم به في الكافي
وقدمه في الرعاية الكبرى وشرح ابن رزين وذكر
من صور المسألة تحمير الوجه من الخجل أو التعب
وأطلقهما في الفروع.
وقيل لا يثبت إلا بحمرة الخجل والتعب ونحوهما
وهو أولى من الأول ومال إليه المصنف والشارح
فائدة : لو سود كف العبد أو ثوبه ليظن أنه
كاتب أو حداد أو علف الشاة أو غيرها ليظن أنها
حامل لم يثبت للمشتري بذلك خيار على الصحيح من
المذهب وقيل يثبت
قوله : ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعا من تمر
يتعين التمر في الرد بشرطه ولو زادت قيمته على
المصراة أو نقصت عن قيمة اللبن على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وقيل يجزئ القمح أيضا اختاره الشيرازي لحديث
رواه البيهقي
وقال الشيخ تقي الدين يعتبر في كل بلد صاع من
غالب قوته
(4/287)
فائدتان
إحداهما : علل أبو بكر وجوب الصاع بأن لبن
التصرية اختلط بلبن حدث في ملك المشتري فلما
لم يتميز قطع عليه أفضل الصلاة والسلام
المشاجرة بينهما بإيجاب صاع
الثانية لو اشترى أكثر من مصراة رد مع كل
واحدة صاعا صرح به في الفائق وغيره
قلت: وهو داخل في عموم كلامهم
تنبيه قوله : فإن لم يجد التمر فقيمته في
موضعه
أي في موضع العقد صرح به الأصحاب ولو زادت على
قيمة المصراة نص عليه أحمد رحمه الله
قوله : فإن كان اللبن بحاله لم يتغير رده
وأجزأه
هذا المذهب جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
الفروع وغيره ونصره الشارح وغيره واختاره
المصنف وغيره
قال القاضي الأشبه أنه يلزم البائع قبوله
قال في الرعاية الكبرى لزم البائع قبوله في
الأقيس واقتصر عليه
ويحتمل أنه لا يجزئه إلا التمر وهو أحد
الوجهين وصححه في الخلاصة والبلغة والنظم
وقدمه في الهداية والمستوعب والتلخيص والمحرر
والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم
ويشمله كلام الخرقي وأطلقهما في المذهب ومسبوك
الذهب والكافي والزركشي وغيرهم
تنبيهان
أحدهما مفهوم قوله : لم يتغير رده أنه إذا
تغير لا يلزم البائع قبوله وهو صحيح وهو
المذهب قدمه في الفروع والرعاية واختاره
القاضي والكافي وغيرهم
وقيل يجزئه رده ويلزم البائع قبوله اختاره
القاضي
الثاني لو علم التصرية قبل الحلب فردها قبل
حلبها لم يلزمه شيء
قوله : ومتى علم التصرية فله الرد
فظاهره أنه سواء كان قبل مضي ثلاثة أيام أو
بعدها ما لم يرض كسائر التدليس وهذا قول أبي
الخطاب
قال المصنف والشارح هذا القياس
قال ابن رزين في شرحه هذا أقيس قال ابن منجا
في شرحه هذا المذهب وقدمه في
(4/288)
الكافي والنظم
وإدراك الغاية
قال الزركشي ويتخرج من قول أبي الخطاب قول آخر
أن الخيار على الفور كالعيوب لأن فيها قولا
كذلك انتهى
وقال القاضي ليس له ردها إلا بعد ثلاث منذ علم
ويكون على الفور بعدها وهذا ظاهر كلام الإمام
أحمد وجزم به في الوجيز وصححه في الخلاصة
وقدمه في المستوعب وشرح ابن رزين والحاوي
الكبير والمذهب ومسبوك الذهب وقال فيهما إذا
لم يتبين التصرية إلا بعد ثلاث فوجهان
أحدهما يثبت الرد عند تبين التصرية والآخر
تكون مدة الخيار ثلاثا انتهى
قلت: الذي يظهر من تعليله بكلام القاضي أنه
إذا لم يعلم إلا بعد ثلاث أن خياره يكون على
الفور
وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه متى علم التصرية
ثبت له الخيار في الأيام الثلاثة إلى تمامها
قاله المصنف في المغني والشارح عنه وقال في
الكافي وقال ابن أبي موسى إذا علم التصرية فله
الخيار إلى تمام ثلاثة أيام من حين البيع
وقدمه في الرعاية الكبرى
لكن قال الزركشي ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي
محمد في الكافي أن ابتداء الثلاثة على قول ابن
أبي موسى من حين البيع وأطلقهن في المغني
والشرح وتجريد العناية
واعلم أن الصحيح من المذهب أنه متى علم
التصرية يخير ثلاثة أيام منذ علم جزم به في
المجرد والمنور وتذكرة ابن عبدوس ومنتخب
الأزجي وقدمه في الفروع والفائق والرعاية
الصغرى والحاوي الصغير
قال المصنف والشارح والعمل بالخبر أولى
قال الزركشي هذا ظاهر الحديث وعليه المعتمد
ويحتمله كلام ابن أبي موسى والفرق بين هذا
وبين قول القاضي أن الخيرة على قول القاضي
تكون بعد الأيام الثلاثة وتكون على هذا على
الفور وعلى المذهب تكون الخيرة في الأيام
الثلاثة
تنبيه ظاهر قوله : فله الرد أنه ليس له سواه
أو الإمساك مجانا وهو الصحيح من المذهب
قال الزركشي هو المشهور عند الأصحاب وجزم به
في المحرر والنظم والوجيز وغيرهم وهو ظاهر
كلامه في المغني والشرح وغيرهما وقدمه في
الفروع والرعاية الكبرى والفائق وغيرهم
وقيل يخير بين الإمساك مع الأرش وبين الرد
وجزم به أبو بكر في التنبيه والمبهج والتلخيص
والترغيب والبلغة والرعاية الصغرى والحاوي
الصغير وتذكرة ابن عبدوس ومال إليه صاحب
الروضة ونقله ابن هانئ وجزم به في المستوعب
والحاوي الكبير في التصرية لأنهما حكياه عن
أبي بكر واقتصرا عليه وقدماه في غير التصرية
لكن قالا ظاهر كلام
(4/289)
غير أبي بكر من
أصحابنا أنه ليس له إلا الرد أو الإمساك لا
غير
قوله : وإن صار لبنها عادة لم يكن له الرد في
قياس قوله: إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج
لم يملك الرد
واعلم أنه إذا صار لبنها عادة لم يكن له الرد
وجزم به كل من ذكرها
وأما إذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج وهو
الأصل المقيس عليه فالصحيح من المذهب أنه لا
خيار للمشتري نص عليه
قال ابن عقيل في الفصول بشرط أن يكون طلاقها
رجعيا
قلت: لعله مراد المصنف والمذهب
وقال ابن عقيل أيضا في طلاق بائن فيه عدة
احتمالان
قلت: الذي يظهر إن كانت العدة بقدر الاستبراء
أنه لا خيار له
وقال في الرعاية من عنده إن اشترى معتدة من
طلاق أو موت جاهلا ذلك فله ردها أو الأرش
تنبيه قوله : فطلقها الزوج هكذا أطلق أكثر
الأصحاب وقال في الرعايتين والفائق فلو طلقت
قبل علمه زال نص عليه فقيد الطلاق بعدم العلم
قال شيخنا والأول أظهر
فائدة :
لو اشتراها ولم يعلم بكونها مزوجة خير بين
الرد أو الإمساك مع الأرش وإن كان عالما فلا
خيار له وليس له منع زوجها من وطئها بحال
قوله : وإن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام
فلا رد له في أحد الوجهين
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والهادي
والتلخيص والشرح والزركشي والحاوي الكبير
أحدهما لا رد له وهو ظاهر الوجيز
قال ابن البنا تبعا لشيخه القاضي هذا قياس
المذهب
قال ابن رزين في شرحه هذا أقيس
والوجه الثاني له الرد وهو الصحيح من المذهب
صححه في التصحيح والبلغة والرعايتين والحاوي
الصغير واختاره ابن عقيل وابن عبدوس في تذكرته
وقدمه في المحرر والفروع وشرح ابن رزين
(4/290)
قوله : ولا
يلزمه بدل اللبن
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم
وقالوا في تعليله لأنه لا يعتاض عنه في العادة
قال في الفروع كذا قالوا وليس بمانع انتهى
وقيل إن جاز بيع لبن الأمة غرمه ذكره في
الرعاية
قلت: ويخرج عليه غيره بل أولى
قوله : ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان
عيبها
أما التدليس فحرام بلا نزاع
وأما كتمان العيب فالصحيح من المذهب أنه حرام
وعليه أكثر الأصحاب وهو الصواب وذكره الترمذي
عن العلماء وذكر أبو الخطاب أنه يكره
قال في التبصرة الكراهة نص عليها أحمد وجزم به
في المذهب وقدمه في الرعايتين والفائق لكن
اختار الأول
قال في التلخيص والمشهور صحة البيع مع الكراهة
انتهى
قلت: الذي يظهر أن مراد الإمام أحمد رحمه الله
بالكراهة التحريم
قوله : فإن فعل فالبيع صحيح
يعني إذا كتم العيب أو دلسه وباعه وهذا المذهب
وعليه جماهير الأصحاب
وعنه لا يصح نقل حنبل بيعه مردود واختاره أبو
بكر
قال في الحاوي الكبير وهو ظاهر منصوص الإمام
أحمد
وفي رواية حنبل إذا دلس البائع العيب وباع
فتلف المبيع في يد المشتري بغير فعله فإنه
يرجع على البائع بجميع الثمن وقوله: وقال أبو
بكر إن دلس العيب فالمبيع باطل قيل له فما
تقول في المصراة فلم يذكر جوابا
قال الشارح وابن منجا في شرحه فدل على رجوعه
قلت: أكثر الأصحاب يحكي أن هذا اختيار أبي بكر
ولم يذكروا أنه رجع
فائدة : قال الشيخ تقي الدين وكذا لو أعلمه
بالعيب ولم يعلما قدره فإنه يجوز عقابه
بإتلافه والتصدق به إذا دلسه وقال أفتى به
طائفة من أصحابنا
قوله : الخامس خيار العيب وهو النقص
العيب هو ما ينقص قيمة المبيع عادة على الصحيح
من المذهب
(4/291)
وقال في
الترغيب وغيره هو ما ينقص قيمة المبيع نقيصة
يقتضي العرف سلامة المبيع عنها غالبا
قوله : وعيوب الرقيق من فعله كالزنى والسرقة
والإباق والبول في الفراش وكذا شربه الخمر
والنبيذ إذا كان مميزا
نص عليه
أناط المصنف رحمه الله الحكم في ذلك بالتمييز
وهو أحد الوجهين وهو ظاهر ما جزم به في
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر
والرعاية الصغرى والحاويين والوجيز والمنور
والفائق وتذكرة ابن عبدوس وتجريد العناية
وإدراك الغاية وغيرهم
وزاد بعضهم فقال إذا تكرر قال في الرعاية
وبوله في فراشه مرارا
والوجه الثاني يشترط أن يكون ذلك من ابن عشر
فصاعدا وهو المذهب نص عليه وحمل ابن منجا كلام
المصنف عليه مع أن كلام من تقدم ذكره لا يأباه
جزم به في المغني والشرح
قال في الكافي فأما العيوب المنسوبة إلى فعله
ككذا وكذا فإن كانت من مميز جاوز العشر فهي
عيب وقدمه في الفروع
وقال في الرعاية الكبرى وزنى ممن له عشر سنين
أو أكثر وقيل إن دام زنى مميز أو سرقته أو
إباقه أو شربه الخمر أو بوله في فراشه انتهى
وقال في الواضح يشترط أن يكون بالغا
وقيل يشترط في البول أن يكون من كبير
وتكرر شرط الناظم أن يكون من كبير ولم يذكر
التكرار
قوله : كالمرض وذهاب جارحة أو سن أو زيادتهما
ونحو ذلك
كالخصي ولو زادت قيمته ولكن يفوته غرض صحيح
مباح والإصبع الزائدة والعمى والعور والحول
والخوص والسبل وهو زيادة في الأجفان والطرش
والخرس والصمم والقرع والصنان والبهاق والبرص
والجذام والفالج والكلف والتحمر والعفل
والقران والفتق والرتق والاستحاضة والجنون
والسعال والبحة وكثرة الكذب والتخنيث وكونه
خنثى والثآليل والبثور وآثار القروح والجروح
والشجاج والجدري والحفر وهو الوسخ يركب أصول
الأسنان والثلوم فيها وذهاب بعض أسنان الكبير
وهو مراد المصنف والوشم وتحريم عام كأمة
مجوسية
(4/292)
قال في الفروع
وظاهر كلامهم بخلاف أخته من الرضاع وحماته
ونحوهما وقرع شديد من كبير وهو متجه انتهى
وكون الثوب غير جديد ما لم يظهر عليه أثر
الاستعمال ذكره في الواضح واقتصر عليه في
الفروع
والزرع والغرس والإجارة
قال في الرعاية وشامات ومحاجم في غير موضعها
وشرط مشين
ومنها إهمال الأدب والوقار في أماكنها نص عليه
ذكره الخلال
قلت: لعل المراد في غير الجلب والصغير
ومنها الاستطالة على الناس ذكره المصنف
والشارح وصاحب عيون المسائل وغيرهم
ومنها الحمق من كبير على الصحيح من المذهب نص
عليه وعليه
الأصحاب وهو ارتكاب الخطأ على بصيرة
وقال المصنف والشارح وحمق شديد واعتبر القاضي
وغيره العادة
ومنها حمل الأمة دون الدابة قال في الرعاية
والحاوي إن لم يضر اللحم
وتقدم في أول باب الشروط في البيع
ومنها عدم ختان عبد كبير مطلقا على الصحيح من
المذهب وجزم به في التلخيص والحاوي وغيرهما
وقدمه في الفروع
وقال المصنف والشارح وصاحب الفائق إن كان
العبد الكبير مجلوبا فليس بعيب وإلا فعيب
ومنها عثرة المركوب وكدمه وقوة رأسه وحرنه
وشموسه وكيه أو بعينه ضفرة أو بأذنه شق قد خيط
أو بحلقه تعاتع أو غدة أو عقدة أو به زور وهو
نتوء الصدر عن البطن أو بيده أو رجله شقاق أو
بقدمه فرع وهو نتوء وسط القدم أو به وخس وهو
ورم حول الحافر أو كوع أو العروق في الرجلين
عن قدميهما أو كوع وهو انقلاب أصابع القدمين
عليهما أو بعقبهما صكك وهو تقاربهما وقيل
اصطكاكهما أو انتفاخهما أو بالفرس خسف وهو كون
إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء
ومنها كونه أعسر على الصحيح من المذهب
قال في الفروع والمراد ولا يعمل باليمنى عملها
المعتاد وإلا فزيادة خير
وقال المصنف في المغني كونه أعسر ليس بعيب
لعمله بإحدى يديه
(4/293)
وقال الشيخ تقي
الدين والجار السوء عيب
قال في الفروع وظاهر كلامهم وبئر ونحوه غير
معتاد بالدار قال وقاله جماعة في زماننا
قال في الرعاية واختلاف الأضلاع والأسنان وطول
إحدى يدي الأنثى وخرم شنوفها
ومنها أكل الطين ذكره جماعة لأنه لا يطلبه إلا
من به مرض نقله عنهم ابن عقيل ذكره في الفروع
في باب الأطعمة
قلت: وهو الصواب وقطع به في الرعاية وغيرها
وقاله في التلخيص والترغيب وغيرهما
وكون الدار ينزلها الجند عيب
وعبارة القاضي وجدها منزولة قد نزلها الجند
قال القاضي وصاحب الترغيب والحاوي ومن تابعهم
لو اشترى قرية فوجد فيها سبعا أو حية عظيمة
فهو عيب ينقص الثمن
وقال ابن الزاغوني ومن تبعه وجدها كان السلطان
ينزلها ليس عيبا ونقص القيمة به عادة إن عين
لذلك الثلث وكان مستسلما فله الفسخ للغبن لا
للعيب
وأجاب أبو الخطاب لا يجوز الفسخ لهذا الأمر
المتردد انتهى
وليس الفسق من جهة الاعتقاد أو الفعل أو
التغفيل بعيب على الصحيح من المذهب وقدمه في
الفروع
وفي قوله : أو التغفيل نظر لأنه قد تقدم أن
شرب الخمر من المميز عيب
وقيل هو عيب في الثلاثة
قال في الفائق ولو ظهر العبد فاسقا مع إسلامه
فله الرد سواء كان فسقه لبدعة أو غيرها ذكره
في الفصول
قال وكذا لو ظهر متوانيا في الصلاة والمختار
ما ذكره ابن عقيل انتهى
والثيوبة ليست بعيب على الصحيح من المذهب
وعليه أكثر الأصحاب
منهم القاضي وغيره وقدمه في المغني والشرح
والحاوي وجزم به في الكافي وغيره
وقال ابن عقيل إن ظهرت ثيبا مع إطلاق العقد
فهو عيب وأطلقهما في الفروع
وليس معرفة الغناء والكفر بعيب على الصحيح من
المذهب جزم به في المغني والكافي والشرح
والرعاية
وقال ابن عقيل الغناء في الأمة عيب وكذا الكفر
وأطلقهما في الفروع
وقال في الفائق وعدم نبات عانة الأمة ليس بعيب
على الصحيح من المذهب نص عليه.
(4/294)
وجزم به في
الكافي والمغني والشرح وقدمه في الفروع
وقيل هو عيب قال ابن عقيل هو عيب لمخالفة
الجبلة فيه
قلت: وهو الصواب
وفي الانتصار ليس عيبا مع بقاء القيمة وليس
عجمة اللسان والفأفاء والتمتام والأرت
والقرابة بعيب وكذلك الألثغ جزم به في الفروع
والرعاية الكبرى في موضع وقال في موضع اللثغ
وغنة الصوت عيب
فائدة : قال في الانتصار ومفردات أبي يعلى
الصغير لا فسخ بعيب يسير كصداع وحمى يسيرة
وسقوط آيات يسيرة في المصحف للعادة كغير يسير
ولو من ولي
قال أبو يعلى ووكيل وقال في ولي ووكيل لو كثر
الغبن بطل
وقال أيضا يوجب الرجوع عليهما
وذكر أيضا الفسخ بعيب يسير وأن المهر مثله في
وجه وأن له الفسخ بغبن يسير كدرهم في عشرة
بالشرط
وتقدم ظاهر كلام الخرقي في الغبن
وفي مفردات أبي الوفاء وغيره أيضا لا فسخ بعيب
أو غبن يسير فإن الكثير يمنع الرشد ويوجب
السفه فالرجوع على ولي ووكيل
قال الإمام أحمد من اشترى مصحفا فوجده ينقص
الآية والآيتين ليس هذا عيبا لا يخلو المصحف
من هذا
وفي جامع القاضي بعد هذا النص قال الآية كغبن
يسير
قال وأجود من هذا أنه لا يسلم عادة من ذلك
كيسير التراب والعقد في البر
قوله : فمن اشترى معيبا لم يعلم عيبه
هكذا عبارة غالب الأصحاب وقال أبو الخطاب في
الانتصار فمن اشترى معيبا لم يعلم عيبه أو كان
عالما به ولم يرض به
قوله : فله الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش
هذا المذهب مطلقا أعني سواء تعذر رده أو لا
وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو
من مفردات المذهب
وعنه ليس له الأرش إلا إذا تعذر رده اختاره
صاحب الفائق والشيخ تقي الدين رحمه الله
قال وكذلك يقال في نظائره كالصفقة إذا تفرقت
قال الزركشي وهو الأصح
(4/295)
واختار شيخنا
في حواشي الفروع أنه إذا دلس العيب خير بين
الرد والإمساك مع الأرش وإن لم يدلس العيب خير
بين الرد والإمساك بلا أرش
وعنه لا رد ولا أرش لمشتر وهبه بائع ثمنا أو
أبرأه منه كمهر في رواية وأطلقهما في القاعدة
السابعة والستين
قال واختار القاضي في خلافه أنه إذا رده لم
يرجع عليه بشيء مما أبرأه منه
ويتخرج التفريق بين الهبة والإبراء فيرجع في
الهبة دون الإبراء لو ظهر هذا المبيع معيبا
بعد أن تعيب عنده فهل له المطالبة بأرش العيب
فيه وجهان
أحدهما تخريجه على الخلاف في رده
والطريق الآخر تمتنع المطالبة وجها واحدا وهو
اختيار ابن عقيل
ويأتي في كتاب الصداق ما يشابه هذا
فائدتان
إحداهما : لو ظهر بالمأجور عيبا فقال المصنف
والمجد والشارح وغيرهم قياس المذهب أن حكمه
حكم المبيع جزم به ناظم المفردات وهو منها
والصحيح من المذهب أنه لا أرش له
ويأتي ذلك في الإجارة عند قوله: وإن وجد العين
معيبة بأتم من هذا
الثانية إذا اختار الإمساك مع الأرش فيحتمل أن
يأخذه من غير الثمن مع بقائه لأنه فسخ أو
إسقاط وقاله القاضي في موضع من خلافه
ويحتمل أن يأخذه من حيث شاء البائع لأنه
معاوضة وقاله القاضي أيضا في موضع من خلافه
قلت: وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب وأطلقهما في
التلخيص والرعاية والفروع والزركشي
قال ابن رجب في القاعدة التاسعة والخمسين
واختلف الأصحاب يعني في أخذ أرش العيب فمنهم
من يقول هو فسخ العقد في مقدار العيب ورجوع
بقسطه من الثمن ومنهم من يقول هو عوض عن الجزء
الفائت ومنهم من قال هو إسقاط لجزء من الثمن
في مقابلة الجزء الفائت الذي تعذر تسليمه
وكل من هذه الأقوال الثلاثة قاله القاضي في
موضع من خلافه
وينبني على الخلاف في أن الأرش فسخ أو إسقاط
الجزء من الثمن أو معاوضة أنه إن كان فسخا أو
إسقاطا لم يرجع إلا بقدره من الثمن ويستحق
جزءا من غير الثمن مع بقائه بخلاف ما إذا قلنا
إنه معاوضة انتهى
(4/296)
وقد صرح المصنف
والشارح وغيرهما أن الأرش عوض عن الجزء الفائت
في المبيع
وقال في القاعدة المذكورة أعلاه إذا قلنا هو
عوض عن الفائت فهل هو عوض عن الجزء نفسه أو عن
قيمته ذهب القاضي في خلافه إلى أنه عوض عن
القيمة وذهب ابن عقيل في فنونه وابن المنى إلى
أنه عوض عن العين الفائتة
وينبني على ذلك جواز المصالحة عنه بأكثر من
قيمته
فإن قلنا المضمون العين فله المصالحة عنها بما
شاء وإن قلنا القيمة لم يجز أن يصالح عنها
بأكثر من جنسها انتهى
فائدة : لو أسقط المشتري خيار الرد بعوض بذله
له البائع وقبله جاز على حسب ما يتفقان عليه
وليس من الأرش في شيء ذكره القاضي وابن عقيل
في الشفعة ونص الإمام أحمد رحمه الله على مثله
في خيار المعتقة تحت عبد قاله في القاعدة
التاسعة والخمسين
قوله : وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من
الثمن
وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به
وقال في الرعاية بعد أن ذكر الأول وقيل قدره
من الثمن كنسبة ما ينقص العيب من القيمة إلى
تمامها لو كان سليما يوم العقد
قوله : وما كسب فهو للمشتري
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم
المصنف في المغني والشرح وقالا لا نعلم فيه
خلافا
وعنه للبائع ونفاها الزركشي
ولا يلتفت إلى ما قال عنه صاحب الكافي في
حكاية الخلاف فيه فقد ذكر الرواية جماعة
قوله : وكذلك نماؤه المنفصل
وهو المذهب وعليه الأصحاب
وعنه لا يرده إلا مع نمائه وإن قلنا لا يرد
كسبه
وقال في القواعد الفقهية ونقل ابن منصور كلاما
يدل على أن اللبن وحده يرد عوضه لحديث المصراة
فائدة : لو حدث حمل بعد الشراء فهل هو نماء
منفصل أو متصل جزم المصنف والشارح هنا أنه
زيادة منفصلة
وقال القاضي وابن عقيل في الصداق هو زيادة
متصلة
(4/297)
ثم اختلفا فقال
القاضي يجبر الزوج على قبولها إذا بذلتها
المرأة وخالفه ابن عقيل في الآدميات
وقال القاضي في التفليس ينبني على أن الحمل هل
له حكم أم لا فإن قلنا له حكم فهو زيادة
منفصلة وإلا فهو زيادة متصلة كالسمن
وقال في التلخيص الأظهر أنه يتبع في الرجوع
كما يتبع في المبيع ذكره في القاعدة الثانية
والثمانين
وأما إذا حملت وولدت بعد الشراء فهو نماء
منفصل بلا نزاع
وظاهر كلام المصنف هنا أنه ترد أمه دونه وهو
رواية عن أحمد اختارها الشريف أبو جعفر وأبو
الخطاب في رؤوس مسائلهما
قال الزركشي قاله القاضي في تعليقه فيها وأظن
وهو قول في الفروع كما لو كان حرا وهو ظاهر
كلامه في الوجيز وغيره
والصحيح من المذهب أنه إذا ردها لا يردها إلا
بولدها فيتعين له الأرش وجزم به في المحرر
والمنور وغيرهما وقدمه في المغني والشرح
والفروع والرعاية والفائق والزركشي وغيرهم
فائدة : للأصحاب في الطلع هل هو نماء منفصل أو
متصل طرق
أحدها هو زيادة متصلة مطلقا جزم به القاضي
وابن عقيل في الصداق وكذا في الكافي وجعل كل
ثمرة على شجرة زيادة متصلة
الثاني زيادة منفصلة مطلقا ذكره القاضي وابن
عقيل في موضع من التفليس والرد بالعيب وذكره
في المغني احتمالا وحكاه في الكافي عن ابن
حامد
الثالث المؤبر زيادة منفصلة وغيره زيادة متصلة
صرح به القاضي وابن عقيل أيضا في التفليس
والرد بالعيب وذكره منصوص أحمد رحمه الله
الرابع غير المؤبر زيادة متصلة بلا خلاف وفي
المؤبر وجهان وهي طريقة الترتيب في الصداق
الخامس المؤبرة زيادة متصلة وجها واحدا وفي
غير المؤبرة وجهان واختار ابن حامد أنها
منفصلة وهي طريقة في الكافي في التفليس
وأما الحب إذا صار زرعا والبيضة إذا صارت فرخا
فأكثر الأصحاب على أنها داخلة في النماء
المنفصل قاله القاضي وابن عقيل
وذكر المصنف وجها وصححه أنه من باب تغير ما
يزيل الاسم لأن الأول استحال وكذا قال ابن
عقيل في موضع آخر
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن النماء المنفصل
للبائع وهو صحيح وهو المذهب وعليه
(4/298)
جماهير الأصحاب
قال الزركشي هذا قول عامة الأصحاب
وقال ابن عقيل النماء المتصل كالمنفصل فيكون
للمشتري قيمتهما
وقال الشيرازي النماء المنفصل للمشتري واختاره
الشيخ تقي الدين
قال في القاعدة الثمانين ونص عليه في رواية
ابن منصور واختاره ابن عقيل أيضا
فعلى هذا يقوم على البائع
وقال في الفروع وفي المغني في النماء المتصل
في مسألة صبغه ونسجه له أرشه إن رده انتهى
والذي في المغني فله أرشه لا غير
قوله : ووطء الثيب لا يمنع الرد فله ردها ولا
يحسب عليه وطؤها
وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ويجوز له
بيعها مرابحة بلا خيار قاله في الانتصار وغيره
وعنه وطؤها يمنع ردها اختاره الشيخ تقي الدين
رحمه الله ذكره عنه في الفائق
قال أبو بكر في التنبيه لا ترد الأمة بعد
وطئها ويأخذ أرش العيب مطلقا
وعنه له ردها بمهر مثلها وأطلقهما في الرعاية
والحاوي
فائدتان
إحداهما : حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض
كالعيب قبل العقد فيما ضمانه على البائع
كالمكيل والموزون والمعدود والمزروع والثمرة
على رؤوس النخل ونحوه على الصحيح من المذهب
قدمه في الفروع وغيره
وقال جماعة لا أرش إلا أن يتلفه آدمي فيأخذه
منه
وحدوث العيب قبل القبض من ضمان المشتري مطلقا
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
وعنه عهدة الحيوان ثلاثة أيام وعنه ستة
وقال في المبهج وبعد الستة
والمذهب لا عهدة قال الإمام أحمد لا يصح فيه
حديث
الثانية لو اشترى متاعا فوجده خيرا مما اشترى
فعليه رده إلى بائعه كما لو وجده أردأ كان له
رده نص عليه قاله في الرعاية والحاوي وغيرهما
قلت: لعل محل ذلك إذا كان البائع جاهلا به
(4/299)
قوله : وإن وطئ
البكر أو تعيبت عنده فله الأرش
يعني يتعين له الأرش وهو إحدى الروايات
قال ابن أبي موسى وهي الصحيحة عن أحمد
وقال ابن منجا في شرحه هذا الصحيح من المذهب
وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي
وقدمه في المحرر والنظم واختاره أبو بكر وابن
أبي موسى وأبو الخطاب في خلافه
وعنه أنه يخير بين الأرش وبين رده وأرش العيب
الحادث عنده ويأخذ الثمن نقلها الجماعة عن
الإمام أحمد
قال في التلخيص والترغيب والبلغة عليها
الأصحاب زاد في التلخيص وهي المشهورة قال
الزركشي هي أشهرهما
واختارها أبو الخطاب في الانتصار والقاضي أبو
الحسين والمصنف وإليها ميل الشارح وصححها
القاضي في الروايتين واختارها الخرقي فيما إذا
لم يدلس العيب وجزم به في الخلاصة وقدمه في
الهداية والمستوعب والرعايتين والحاويين
والفائق وقال هو المذهب وأطلقهما في المذهب
والكافي والشرح والفروع وغيرهم
وعنه يلزمه أيضا مهر البكر
تنبيهان
أحدهما أرش العيب الحادث عنده هو ما نقصه
مطلقا
الثاني على رواية التخيير يلزم المشتري إذا
رده أرش العيب الحادث عنده ولو أمكن زوال
العيب على الصحيح من المذهب
وعنه لا يلزمه أرشه إن أمكن زواله قبل رده وإن
زال بعد الرد ففي رجوع مشتر على بائع بما دفعه
إليه احتمالان وأطلقهما في الفروع
قلت: الذي يظهر عدم الرجوع
قوله : قال الخرقي إلا أن يكون البائع دلس
العيب فيلزمه رد الثمن كاملا
وهو المذهب أعني فيما إذا دلس البائع العيب
قال الزركشي هو المذهب المنصوص المعروف
قال في الفروع ونصه له رده بلا أرش إذا دلس
البائع العيب
قال في القواعد الفقهية هذا المنصوص
قال الشيخ تقي الدين يرجع المشتري بالثمن على
الأصح
(4/300)
قال في الكافي
والمنصوص أنه يرجع بالثمن ولا شيء عليه
قلت: نص عليه في رواية حنبل وابن القاسم وقدمه
في الكافي والمستوعب والشرح وشرح ابن رزين
والحاوي
قال القاضي ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن
البائع دلس العيب رجع بالثمن كله نص عليه في
رواية حنبل
قال الإمام أحمد رحمه الله في رجل اشترى عبدا
فأبق وأقام البينة إن كان إباقه موجودا في يد
البائع يرجع على البائع بجميع الثمن لأنه غرر
بالمشتري ويتبع البائع عبده حيث كان انتهى
قلت: وهذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه
فعلى هذا قال المصنف والشارح وصاحب الفائق
سواء كان التلف من فعل الله أو من فعل المشتري
أو من فعل أجنبي أو من فعل العبد وسواء كان
مذهبا للجملة أو لبعضها
قال في الفائق قلت: لم ينص أحمد على جهات
الإتلاف والمنقول هو في الإباق انتهى
وقال في القواعد وهذا التفصيل بين أن يكون
التلف بانتفاعه أو بفعل الله كما حمل القاضي
عليه رواية ابن منصور أصح وهذا ظاهر كلام أبي
بكر
قال المصنف هنا ويحتمل أن يلزمه عوض العين إذا
تلفت وأرش البكر إذا وطئها لقوله: عليه أفضل
الصلاة والسلام الخراج بالضمان وكما يجب عوض
لبن المصراة
يعني بهذا الاحتمال إذا دلس البائع العيب
واختاره المصنف وأبو الخطاب في الانتصار وإليه
ميل الشارح
قال الزركشي وهذا هو الصواب وقدمه في المحرر
وحكاه رواية وكذلك صاحب التلخيص لكنه إنما
حكاها في التلف في أن المشتري لا يرجع إلا
بالأرش
قال في القاعدة الثانية والثمانين وحكى طائفة
من المتأخرين رواية بذلك
فائدة : لو كان كاتبا أو صائغا فنسي ذلك عند
المشتري فهو عيب حدث اختاره المصنف والشارح
وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير
والفائق
وعنه يرده مجانا ونص عليه في الكتابة وقدمه في
الرعاية الكبرى والحاوي الكبير وجزم به في
المستوعب والتلخيص وقال نص عليه
قوله : وإن أعتق العبد أي غير عالم بعيبه رجع
بأرشه
يعني يتعين له الأرش ويكون ملكا له وهو المذهب
مطلقا وعليه الأصحاب
قال جماعة من الأصحاب منهم صاحب التلخيص
والرعاية وغيرهما وإن أعتقه عن
(4/301)
واجب وعيبه لا
يمنع الإجزاء فله أرشه
وعنه إن أعتقه عن واجب جعل الأرش في الرقاب
وإن كان غير واجب كان له
وحكى جماعة منهم المصنف والشارح وصاحب الفائق
هذه الرواية مطلقا يعني سواء كان العتق عن
واجب أو غيره فإن الأرش يكون في الرقاب ورده
القاضي وغيره
قال في الفروع ويحتمل أن لا أرش
ويتخرج من خيار الشرط أن يفسخ ويغرم القيمة
ذكره كثير من الأصحاب
تنبيه في قوله : وإن أعتق العبد إشارة إلى أنه
لو عتق عليه للقرابة لا أرش له وهو صحيح وجزم
به في الفروع
قلت: لو قيل بوجوب الأرش لكان متجها بل فيه
قوة
قوله : أو تلف المبيع رجع بأرشه
يعني يتعين له الأرش وهذا المذهب وعليه أكثر
الأصحاب ويتخرج أن يفسخ ويغرم القيمة
وخرج القاضي في خلافه أنه يملك الفسخ ويرد
بدلها من رد المشتري أرش العيب الحادث عنده
وذكر أنه قياس المذهب وتابعه عليه أبو الخطاب
في انتصاره وجزم به ابن عقيل في فصوله من غير
خلاف
وقال ابن رجب عن المذهب هو ضعيف ذكره في
القاعدة التاسعة والخمسين
قوله : وكذلك إن باعه غير عالم بعيبه
يعني يتعين له الأرش وهو المذهب نص عليه وعليه
جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه
في المحرر والفروع والشرح والحاوي وغيرهم
واختاره القاضي والمصنف والشارح وغيرهم
ويتخرج من خيار الشرط أن يفسخ ويغرم القيمة
وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له
شيء إلا أن يرد إليه المبيع فيكون له حينئذ
الرد أو الأرش وهو ظاهر كلام الخرقي قاله
المصنف والشارح والزركشي وغيرهم وكذا إن أخذ
المشتري الثاني من المشتري الأول الأرش فله
الأرش من البائع الأول
فائدة : لو باعه المشتري لبائعه كان له رده
على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدته
اختلاف الثمنين وهذا المذهب وفيه احتمال أن لا
رد هنا
قوله : وكذلك إن وهبه
أي غير عالم بالعيب يعني يتعين له الأرش وهو
المذهب جزم به القاضي وغيره.
(4/302)
وقدمه في
المحرر والفروع
وعنه الهبة كالبيع فيها الروايتان وأطلقهما في
الشرح
ويتخرج من خيار الشرط أن يفسخ ويغرم القيمة
فائدة : حيث زال ملكه عنه وأخذ الأرش فإنه
يقبل قوله: في قيمته ذكره في المنتخب واقتصر
عليه في الفروع.
قوله : وإن فعله عالما بعيبه فلا شيء له
وكذا لو تصرف فيه بما يدل على الرضى أو عرضه
للبيع أو استغله وهو المذهب في ذلك كله وعليه
جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وذكره ابن
أبي موسى والقاضي وغيرهما واختلف كلام ابن
عقيل فيه
وعنه له الأرش في ذلك كله
قال في الرعاية الكبرى والفروع وهو أظهر لأنه
وإن دل على الرضى فمع الأرش كإمساكه
قال في القاعدة العاشرة بعد المائة هذا قول
ابن عقيل وقال عن القول الأول فيه بعد
قال المصنف وقياس المذهب أن له الأرش بكل حال
قال في التلخيص وذهب إليه بعض أصحابنا
قلت: وهو الصواب
قال في الشرح والفائق ونص عليه في الهبة
والبيع
قوله : وإن باع بعضه فله أرش الباقي
يعني يتعين له الأرش في الباقي وهو المذهب
وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره
وقدمه في الفروع وغيره وصححه المصنف والشارح
وغيرهما
قال المصنف والشارح وذلك إذا كان المبيع عينا
واحدة أو عينين ينقصهما التفريق ثم قالا وقد
ذكر أصحابنا في غير هذا الموضع فيما إذا كان
المبيع عينين ينقصهما التفريق لا يجوز رد
أحدهما وحده
وإن كان المبيع عينين لا ينقصهما التفريق فهل
له رد العين الباقية في ملكه يتخرج على
الروايتين في تفريق الصفقة
وحملا كلام الخرقي على ما إذا دلس البائع
العيب كما تقدم انتهيا
وعنه له رده بقسطه اختاره الخرقي وهو قول
المصنف
وقال الخرقي له رد ملكه منه بقسطه من الثمن أو
أرش العيب بقدر ملكه منه
(4/303)
قال ابن منجا
في شرحه والمنصوص جواز الرد كما قال الخرقي
وبنى القاضي وابن الزاغوني وغيرهما الروايتين
على تفريق الصفقة
قال القاضي وسواء كان المبيع عينا واحدة أو
عينين
قال المصنف والشارح والتفصيل الذي ذكرنا أولى
ومثل ابن الزاغوني بالعينين
فائدة : قول الخرقي ولو باع المشتري بعضها قال
الزركشي يحتمل أن يعود الضمير إلى بعض السلعة
المبيعة وعلى هذا شرح ابن الزاغوني فإذن يكون
اختيار الخرقي جواز رد الباقي وكذا حكى أبو
محمد عنه
وعلى هذا إن حصل بالتشقيص نقص رد أرشه من
كلامه السابق إلا مع التدليس
ويحتمل أن يرجع إلى بعض السلعة المدلسة وعلى
هذا لا يكون في كلامه تعرض لرد الباقي فيما
إذا كان المبيع غير مدلس انتهى
قوله : وفي أرش المبيع الروايتان
يعني الروايتين المتقدمتين فيما إذا باع
الجميع غير عالم بعيبه
وتقدم أن الصحيح من المذهب يتعين له الأرش
ونص الإمام أحمد هنا لا شيء له مع تدليسه
قوله : وإن صبغه أو نسجه فله الأرش
يعني يتعين له الأرش وهذا المذهب
قال في الكافي هذا المذهب
قال في الفائق يتعين له الأرش في أصح
الروايتين وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب
الأزجي وقدمه في الهداية والخلاصة والمغني
والكافي والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر
والشرح والرعايتين والحاويين والفروع وإدراك
الغاية وغيرهم
وعنه له الرد ويكون شريكا بصبغه ونسجه
وأطلقهما في المذهب
فعلى الرواية الثانية لا يجبر البائع على بذل
عوض الزيادة ولا يجبر المشتري على قبوله لو
بذله البائع على الصحيح فيهما قدمه في المغني
والشرح والفروع وغيرهم في الأولى وجزم به في
المغني والشرح وقدمه في الفروع في الثانية وفي
الأولى رواية يجبر قال الشارح رحمه الله وهو
بعيد وفي الثانية وجه يجبر أيضا
(4/304)
فوائد
إحداها : لو أنعل الدابة وأراد ردها بالعيب
نزع النعل فإن كان النزع يعيبها لم ينزع ولم
يكن له قيمة النعل على البائع على أظهر
الاحتمالين قاله في التلخيص والرعاية الكبرى
وهل يكون إهمالا للنعل أو تمليكا حتى لو سقط
كان للبائع أو للمشتري فيه احتمالان وأطلقهما
في التلخيص والرعاية الكبرى
قلت: الأولى أن يكون تركه إهمالا حتى لو سقط
كان للمشتري
الثانية لو اشترى حلي فضة بوزنه دراهم فوجده
معيبا جاز له رده وليس له أخذ الأرش جزم به في
المغني والشرح والمحرر والرعاية والحاوي
وغيرهم
قال في القاعدة التاسعة والخمسين وهو الصحيح
قلت: فيعايى بها
فإن حدث به عيب عند المشتري فعنه يرده ويرد
أرش العيب الحادث عنده ويأخذ ثمنه وقدمه في
الرعاية الكبرى
وقال القاضي ليس له رده لإفضائه إلى التفاضل
ورده المصنف والشارح
قال في الفائق وقول القاضي ضعيف
والرواية الثانية يفسخ الحاكم البيع ويرد
البائع الثمن ويطالب بقيمة الحلى لأنه لا يمكن
إهمال العيب ولا أخذ الأرش وهذا المذهب قدمه
في الفروع والفائق وأطلقهما في المغني والشرح
واختار المصنف أن الحاكم إذا فسخ وجب رد الحلى
وأرش نقصه واختاره في التلخيص والفائق
الثالثة لو باع قفيزا مما يجري فيه الربا
بمثله فوجد أحدهما بما أخذه عيبا ينقص قيمته
دون كيله لم يملك أخذ أرشه لئلا يفضي إلى
التفاضل
والحكم فيه كما ذكرنا في الحلى بالدراهم
قال في الفروع وله الفسخ في ربوي بجنسه مطلقا
للضرورة
وعنه له الأرش
وقيل من غير جنسه على مد عجوة
وفي المنتخب يفسخ العقد بينهما ويأخذ الجيد
ربه ويدفع الردى ء إليه انتهى
وقال في القواعد لو اشترى ربويا بجنسه فبان
معيبا ثم تلف قبل رده ملك الفسخ ويرد بدله
ويأخذ الثمن انتهى
الرابعة لو باع شيئا بذهب ثم أخذ عنه دراهم ثم
رده المشتري بعيب قديم رجع
(4/305)
المشتري بالذهب
لا بالدراهم نص عليه
ويأتي نظيرها في آخر باب الإجارة
قوله : وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره
فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسورا قيمة كبيض
الدجاج رجع بالثمن كله
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب
قال المصنف والشارح وصاحب الفائق وغيرهم هذا
ظاهر المذهب
قال الزركشي هذا المذهب وجزم به في الوجيز
وغيره وقدمه في الفروع وغيره
وعنه لا شيء للمشتري إلا مع شرط البائع سلامته
وقدمه ابن رزين في شرحه
قوله : وإن كان له مكسورا قيمة كبيض النعام
وجوز الهند وكذا البطيخ الذي فيه نفع ونحوه
فله أرشه
يعني يتعين له الأرش وهو إحدى الروايات وقدمه
في الرعايتين والحاويين
وعنه يخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقص وأخذ
الثمن وهذا المذهب
قال الزركشي هذا أعدل الأقوال واختاره الخرقي
والمصنف وصاحب التلخيص والشارح وجزم به في
الوجيز وقدمه في الهداية والخلاصة والتلخيص
والمحرر والشرح والنظم وشرح ابن رزين وإدراك
الغاية وغيرهم
وقيل يتعين له الأرش إذا زاد في الكسر على قدر
الاستعلام وإن لم يزد خير وهو رواية في الشرح
وعنه ليس له رده ولا أرش في ذلك كله يعني إلا
أن يشترط البائع سلامته وأطلقهن في المذهب
والأولى وجه فيه وتخريج في الهداية
وقال في الفروع في الذي لمكسوره قيمة فعنه له
الأرش وعنه له رده وخيره الخرقي بينهما انتهى
فالرواية الثانية التي ذكرها لم أرها لغيره
تنبيه قوله : فكسره فوجده فاسدا اعلم أنه إذا
كسر الذي لمكسوره قيمة فتارة يكسره كسرا لا
تبقى له معه قيمة وتارة يكسره كسرا لا يمكن
استعلام المبيع بدونه وتارة يكسره كسرا يمكن
استعلامه بدونه
فإن كسره كسرا لا تبقى له معه قيمة فهنا يتعين
له الأرش قولا واحدا
وإن كسره كسرا يمكن استعلامه بدونه فظاهر كلام
المصنف في قوله: ورد ما نقصه أنه يرد أرش
الكسر وهو الصحيح وهو ظاهر ما جزم به الخرقي
وجزم به في الوجيز وغيره
(4/306)
والرعاية
الصغرى والحاويين وغيرهم وقدمه في التلخيص
والبلغة وشرح ابن رزين والرعاية الكبرى
والمغني والشرح ونصراه
وقال القاضي عندي له الرد بلا أرش عليه لكسره
لأنه حصل بطريق استعلام العيب والبائع سلطه
عليه وأطلقهما في الفروع
وقيل يخرج على الروايتين فيما إذا تعيب عند
المشتري على ما تقدم ذكره في التلخيص والبلغة
وإن كسره كسرا يمكن استعلامه بدونه فهو على
الروايتين فيما إذا تعيب عند المشتري على ما
تقدم
قال الزركشي نعم على قول القاضي في الذي قبله
إذا رده هل يلزمه أرش الكسر أم لا يلزمه إلا
الزائد على استعلام المبيع محل تردد انتهى
قال المصنف والشارح وابن رزين حكمه حكم الذي
قبله عند الخرقي والقاضي انتهوا
قلت: يشبه ما قال الزركشي ما قالوا فيما إذا
وكله في بيع شيء فباعه بدون ثمن المثل أو
بأنقص مما قدره وقلنا يصح ويضمن النقص فإن في
قدره وجهان
أحدهما هو ما بين ما باع به وثمن المثل
والثاني هو ما بين ما يتغابن به الناس وما لا
يتغابنون على ما يأتي في الوكالة
قوله : ومن علم العيب ثم أخر الرد لم يبطل
خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من
التصرف ونحوه
اعلم أن خيار العيب على التراخي ما لم يوجد
منه ما يدل على الرضى على الصحيح من المذهب نص
عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجبر المشتري
على رده أو أرشه لتضرر البائع بالتأخير
وعنه أنه على الفور قطع به القاضي في الجامع
الكبير في موضع منه
قال في التلخيص وقيل عنه رواية أنه على الفور
انتهى
وقيل السكوت بعد معرفة العيب رضى
تنبيه قوله : إلا أن يوجد منه ما يدل على
الرضى من التصرف ونحوه مبني على الصحيح من
المذهب وقد تقدم رواية اختارها جماعة أنه لو
تصرف فيه بما يدل على الرضى أن له الأرش عند
قوله: وإن فعله عالما بعيبه فلا شيء له
وقوله : من التصرف ونحوه كاختلاف المبيع ونحو
ذلك لم يمنع الرد لأنه ملكه فله أخذه
(4/307)
قال في عيون
المسائل أو ركبها لسقيها أو علفها
وقال المصنف في المغني والشارح وغيرهما إن
استخدم المبيع لا للاختبار بطل رده بالكثير
وإلا فلا
قال المصنف وقد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله
في بطلان خيار الشرط بالاستخدام روايتان فكذا
يخرج هنا واختاره
وقال هو قياس المذهب وقدمه في المستوعب وذكر
في التنبيه ما يدل عليه فقال والاستخدام
والركوب لا يمنع أرش العيب إذا ظهر قبل ذلك أو
بعده والإمام أحمد رحمه الله في رواية حنبل
إنما نص أنه يمنع الرد فدل أنه لا يمنع الأرش
وقيل ركوب الدابة لردها رضى ذكره في الفائق
وغيره
فائدتان
إحداهما : قال الشيخ تقي الدين رحمه الله في
شرح المحرر لو اشترى رجل سلعة فأصاب بها عيبا
ولم يختر الفسخ ثم قال إنما أبقيتها لأنني لم
أعلم أن لي الخيار لم يقبل منه ذكره القاضي
أصلا في المعتقة تحت عبد إذا قالت لم أعلم أن
لي الخيار
وخالفه ابن عقيل في مسألة المعتقة ووافقه في
مسألة الرد بالعيب انتهى
الثانية خيار الخلف في الصفة على التراخي قاله
في المحرر والرعاية والفروع والفائق وغيرهم
وتقدم ذلك مستوفى عند بيع الموصوف في كتاب
البيع وكذا الخيار لإفلاس المشتري قاله في
المحرر والفائق والرعاية والحاوي وغيرهم
وتقدم أن الشيخ تقي الدين رحمه الله قال يخير
في خيار العيب على الرد أو الأرش إن تضرر
البائع فكذا هنا
قوله : وإن اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو
وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر الفسخ
هذا المذهب فيهما وعليه أكثر الأصحاب وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع
والحاوي وغيرهم ونصره المصنف والشارح وغيرهما
كما لو ورثا خيار عيب
وعنه ليس لهما ذلك فيهما قاله في الرعاية من
عنده في مسألة الشراء إن قلنا هو كعقدين فله
الرد وإلا فلا
وتقدم في أواخر كتاب البيع أنه كعقدين على
الصحيح من المذهب ويأتي في الشفعة
(4/308)
تنبيه قال في
الفروع وقياس الأول للحاضر منهما نقد نصف ثمنه
وقبض نصفه وإن نقده كله قبض نصفه وفي رجوعه
الروايتان ذكره في الوسيلة وغيرها
وعلى الأول لو قال بعتكما فقال أحدهما قبلت
جاز وإن سلمنا فكملاقاة فعله ملك غيره وهنا
لاقى فعله ملك نفسه ذكره بعضهم في طريقته
فائدتان
إحداهما : لو اشترى واحد من اثنين شيئا وظهر
به عيب فله رده عليهما ورد نصيب أحدهما وإمساك
نصيب الآخر لأنه يرد على البائع جميع ما باعه
ولم يحصل برده تشقيص لأنه كان مشقصا قبل البيع
وقال في الرعاية ويحتمل المنع ثم قال من عنده
وإن قلنا هو كعقدين جاز وإلا فلا
الثانية لو ورث اثنان خيار عيب فرضي أحدهما
سقط حق الآخر في الرد
قوله : وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة فليس
له إلا ردهما أو إمساكهما والمطالبة بالأرش
وهو الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز وتذكرة
ابن عبدوس ومنتخب الأزجي واختاره القاضي وقدمه
في الشرح والنظم والرعايتين والحاويين وشرح
ابن منجا
وعنه له رد أحدهما بقسطه من الثمن وأطلقهما في
الفروع
قوله : وإن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه
هذا إحدى الروايتين جزم به في الوجيز ومنتخب
الأزجي وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن
منجا وصححه الناظم
وعنه يتعين له الأرش وأطلقهما في الشرح
قال ابن منجا في شرحه وحكى المصنف في المغني
أن الرد هنا مبني على الروايتين في أحدهما
فعلى هذا إن قلنا ليس له رد أحدهما فليس رد
الباقي إذا تلف أحدهما انتهى
قوله : والقول في قيمة التالف قوله: مع يمينه
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في
الشرح وشرح ابن منجا والوجيز وغيرهم
قال في الفروع قبل قول المشتري في قيمته في
الأصح وصححه في النظم وغيره وقدمه في
الرعايتين والفائق والحاوي وغيرهم
وقيل القول قول البائع في قيمته
(4/309)
فائدة : الصحيح
أن حكم هذه المسألة كالمسألة الآتية بعد ذلك
وعليه الأكثر
وقال القاضي ليس له في هذه المسألة رد أحدهما
وله الرد في المسألة الآتية
قال في الحاوي الكبير وإن بانا معيبين ردهما
أو أمسكهما
وقيل هي كالمسألة الأولى وهي ما إذا كان
أحدهما معيبا الآتية
قوله : وإن كان أحدهما معيبا فله رده بقسطه
يعني إذا أبى أن يأخذ الأرش
وقوله : فله رده يعني لا يملك إلا رده وحده
بدليل الرواية الثانية الآتية وهذا إحدى
الروايتين وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب
الأزجي
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب
وعنه لا يجوز إلا ردهما أو إمساكهما قدمه في
الهداية والخلاصة والهادي والمحرر والرعايتين
والحاويين والفائق والنظم وجزم به في الفروق
الزريرانية وأطلقهما في المذهب والمغني
والكافي والشرح
وعنه له رد المعيب وحده أو ردهما معا قال في
المحرر وهو الصحيح قال في الفائق وهو الأصح
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وأطلقهن في
الفروع
فائدة : مثل ذلك لو اشترى طعاما في وعاءين
ذكره في الترغيب وغيره واقتصر عليه في الفروع
تنبيه محل الخلاف في ذلك إذا كان المبيع مما
لا ينقصه التفريق أو مما لا يحرم فيه التفريق
بينهما كما صرح به المصنف بعد ذلك
قوله : وإن كان المبيع مما ينقصه التفريق
كمصراعي باب وزوجي خف وجارية وولدها فليس له
رد أحدهما
وقال في الرعاية وقيل له رد أحدهما
وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم
سواء كانا معيبين أو أحدهما
وقال في الرعاية وقيل له رد أحدهما مع أرش نقص
القيمة بالتفريق المباح
وقيل إن تلف أحدهما فله رد المعيب الباقي مع
أرش نقص قيمته بالتفريق انتهى
تنبيه قول المصنف وجارية وولدها كذا وجد في
نسخ مقروءة على المصنف وزاد من أذن له في
الإصلاح أو ممن يحرم التفريق بينهما قاله ابن
منجا في شرحه
قلت: وفي تمثيل المصنف كفاية ويقاس عليه ما
ذكره وقد نبه المصنف على ذلك في كتاب الجهاد
(4/310)
قوله : وإن
اختلفا في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند
المشتري ففي أيهما يقبل قوله: روايتان
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والكافي
والمغني والتلخيص والبلغة والشرح وشرح ابن
منجا والرعاية الكبرى والفروع والفائق
والقواعد الفقهية والزركشي
إحداهما : يقبل قول المشتري صححه في التصحيح
والنظم
قال في إدراك الغاية يقبل قول المشتري في
الأظهر وقطع به الخرقي وصاحب الوجيز وناظم
المفردات وهو منها وقدمه في الهداية والمستوعب
والخلاصة وشرح ابن رزين والرعاية الصغرى
والحاويين
والرواية الثانية يقبل قول البائع وهي أنصهما
واختارها القاضي في الروايتين وأبو الخطاب في
الهداية وابن عبدوس في تذكرته وجزم بها في
المنور ومنتخب الأدمى وقدمها في المحرر
وقال في القواعد الفقهية وفرق بعضهم بين أن
يكون المبيع عينا معينة أو في الذمة فإن كان
في الذمة فالقول قول القابض وجها واحدا لأن
الأصل اشتغال ذمة البائع فلم تثبت براءتها
وقال في الإيضاح يتحالفان كالحلف في قدر الثمن
على ما يأتي إن شاء الله تعالى
فائدة : إذا قلنا القول قول المشتري فمع يمينه
ويكون على البت قاله الأصحاب وإن قلنا القول
قول البائع فمع يمينه وهي على حسب جوابه وتكون
على البت على الصحيح من المذهب
وعنه على نفي العلم ذكرها ابن أبي موسى
قوله : إلا أن لا يحتمل إلا قول أحدهما فالقول
قوله: بغير يمين
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وأكثرهم قطع
به
وقيل القول قوله: مع يمينه اختاره أبو الخطاب
قاله في المستوعب وأطلقهما في الرعاية
تنبيه محل الخلاف في أصل المسألة إن لم يخرج
عن يده فإن خرج عن يده إلى يد غيره لم يجز له
رده نقله مهنا واقتصر عليه في الفروع
فوائد
إحداها : لو رد المشتري السلعة بعيب فأنكر
البائع أنها سلعته فالقول قوله: مع يمينه لأنه
منكر كون هذه سلعته ومنكر استحقاق الفسخ
والقول قول المنكر
(4/311)
الثانية لو رد
المشتري السلعة بخيار الشرط فأنكر البائع أنها
سلعته فالقول قول المشتري لأنهما اتفقا على
استحقاق فسخ العقد والرد بالعيب بخلافه
وهذان الفرعان نص عليهما الإمام أحمد رحمه
الله وجزم بهما المصنف والشارح وصاحب المحرر
والفروع وغيرهم
وقال في الرعاية الكبرى قبيل باب السلم وإن
رده بعيب فقال ليس هذا المبيع الذي قبضته مني
صدق إن حلف واختار فيها هذا إن كان عينه في
العقد وإن كان عينه بعده عما وجب في ذمته
بالعقد صدق المشتري إن حلف انتهى
الثالثة لو باع سلعة بنقد أو غيره معين حال
العقد وقبضه البائع ثم أحضره وبه عيب وادعى
أنه الذي دفعه إليه المشتري وأنكر المشتري
كونه الذي اشترى به ولا بينة لواحد منهما
فالقول قول المشتري مع يمينه لأن الأصل براءة
ذمته وعدم وقوع العقد على هذا العيب
ولو كان الثمن في الذمة ثم نقده المشتري أو
قبضه من قرض أو سلم أو غير ذلك مما هو في ذمته
ثم اختلفا كذلك ولا بنية فالقول قول البائع
وهو القابض مع يمينه على الصحيح من المذهب لأن
القول في الدعاوى قول من الظاهر معه والظاهر
مع البائع لأنه يثبت له في ذمة المشتري ما
انعقد عليه العقد غير معيب فلم يغفل
قوله : في براءة ذمته
وجزم به في الفروق الزريرانية وصححه في الحاوي
الكبير في باب القبض في أثناء الفصل الرابع
وصححه في الحاوي الصغير في باب السلم
وقال في الرعاية الكبرى قبل القرض بفصل ولو
قال المسلم هذا الذي أقبضتني وهو معيب فأنكر
أنه هذا قدم قول القابض
وقيل القول قول المشتري وهو المقبوض منه لأنه
قد أقبض في الظاهر ما عليه وأطلقهما في الفروع
والرعاية الكبرى في آخر باب القبض
ومحل الخلاف إذا لم يخرجه عن يده كما تقدم في
التي قبلها
تنبيه هذه طريقة صاحب الفروق والرعاية
والحاويين والفروع وغيرهم في هذه المسألة
وقال في القواعد في الفائدة: السادسة لو باعه
سلعة بنقد معين ثم أتاه به فقال هذا الثمن وقد
خرج معيبا وأنكر المشتري ففيه طريقان
أحدهما إن قلنا النقود تتعين بالتعيين فالقول
قول المشتري لأنه يدعى عليه استحقاق الرد
والأصل عدمه وإن قلنا لا يتعين فوجهان
أحدهما القول قول المشتري أيضا لأنه أقبض في
الظاهر ما عليه
(4/312)
والثاني قول
القابض لأن الثمن في ذمته والأصل اشتغالها به
إلا أن يثبت براءتها منه وهي طريقته في
المستوعب
الطريق الثانية إن قلنا النقود لا تتعين
فالقول قول البائع وجها واحدا لأنه قد ثبت
اشتغال ذمة المشتري بالثمن ولم يثبت براءتها
منه وإن قلنا تتعين فوجهان مخرجان من
الروايتين فيما إذا ادعى كل واحد من
المتبايعين أن العيب حدث عنده في السلعة
أحدهما القول قول البائع لأنه يدعي سلامة
العقد والأصل عدمه ويدعى عليه الفسخ والأصل
عدمه
والثاني قول القابض لأنه منكر التسليم والأصل
عدمه
وجزم صاحب المغني والمحرر بأن القول قول
البائع إذا أنكر أن يكون المردود بالعيب هو
المبيع ولم يحكيا خلافا ولا فصلا بين أن يكون
المبيع في الذمة أو معينا نظرا إلى أنه يدعى
عليه استحقاق الرد والأصل عدمه
وذكر الأصحاب مثل ذلك في مسائل الصرف
وفرق السامري في فروقه بين أن يكون المردود
بعيب وقع عليه معينا فيكون القول قول البائع
وبين أن يكون في الذمة فيكون القول قول
المشتري لما تقدم
وهذا فيما إذا أنكر المدعى عليه العيب أن ماله
كان معيبا
أما إن اعترف بالعيب وقد فسخ صاحبه وانكر أن
يكون هو هذا المعين فالقول قول من هو في يده
صرح به في التفليس في المغني معللا بأنه قبل
استحقاق ما ادعى عليه الآخر والأصل معه ويشهد
له أن المبيع في مدة الخيار إذا رده المشتري
بالخيار فأنكر البائع أن يكون هو المبيع
فالقول قول المشتري حكاه ابن المنذر عن الإمام
أحمد لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بالخيار
وقد ينبني على ذلك أن المبيع بعد الفسخ بعيب
ونحوه هل هو أمانة في يد المشتري أو مضمون
عليه فيه خلاف
وقد يكون ما أخذه أمانة عنده
ومن الأصحاب من علل بأن الأصل براءة ذمة
البائع مما يدعى عليه فهو كما لو أقر بعين ثم
أحضرها فأنكر المقر له أن تكون هي المقر بها
فإن القول قول المقر مع يمينه انتهى كلامه في
القواعد
الرابعة لو باع الوكيل شيئا ثم ظهر المشتري
على عيب فله رده على الموكل فإن كان مما يمكن
حدوثه فأقر الوكيل أنه كان موجودا حالة العقد
وأنكر الموكل فقال أبو الخطاب يقبل إقراره على
موكله بالعيب
قال المصنف والأصح أنه لا يقبل وصححه في
الفائق
(4/313)
وظاهر الشرح
الإطلاق
الخامسة لو اشترى جارية على أنها بكر فقال
المشتري هي ثيب أريت النساء الثقات ويقبل قول
واحدة فإن وطئها المشتري وقال ما وجدتها بكرا
خرج فيها الوجهان بناء على العيب الحادث قاله
المصنف والشارح
السادسة لو باع أمة بعبد ثم ظهر بالعبد عيب
فله الفسخ وأخذ الأمة أو قيمتها لعتق مشتر
وليس لبائع الأمة التصرف فيها قبل الاسترجاع
بالقول لأن ملك المشتري عليها تام مستقر فلو
أقدم البائع وأعتق الأمة أو وطئها لم يكن ذلك
فسخا ولم ينفذ عتقه قاله القاضي
وذكر في المجرد وابن عقيل في الفصول احتمالا
أن وطئه استرجاع ورده في القاعدة الخامسة
والخمسين
قوله : ومن باع عبدا يلزمه عقوبة من قصاص أو
غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له بلا نزاع
وإن علم بعد البيع فله الرد أو الأرش وإن لم
يعلم حتى قتل فله الأرش
يعني يتعين له الأرش وهذا المذهب وعليه
الأصحاب وهو من مفردات المذهب وخرج مالك الفسخ
وغرم قيمته وأخذ ثمنه الذي وزنه ذكره في
الرعاية
فائدة : لو كانت الجناية من العبد موجبة للقطع
فقطعت يده عند المشتري فقد تعيب عنده لأن
استحقاق القطع دون حقيقته قاله المصنف والشارح
وهل يمنع ذلك رده بعيبه على روايتين قاله
المصنف والشارح
قلت: الذي يظهر أن ذلك ليس بحدوث عيب عند
المشتري لأنه مستحق قبل البيع غايته أنه
استوفى ما كان مستحقا فلا يسقط ذلك حق المشتري
من الرد
قوله : والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح
بقوله: أشركتك في نصفه أو بثلثه
بلا نزاع أعلمه لكن لو قال أشركتك وسكت صح على
الصحيح من المذهب وينصرف إلى النصف وقيل لا
يصح
فعلى المذهب إن لقيه آخر فقال أشركني عالما
بشركة الأول فله نصف نصيبه وهو الربع وإن لم
يكن عالما فالصحيح من المذهب صحة البيع وقيل
لا يصح
فعلى المذهب يأخذ نصيبه كله وهو النصف وهو
الصحيح اختاره القاضي وقدمه في الفروع
قال في القاعدة السابعة والخمسين لو باع أحد
الشريكين نصف السلعة المشتركة هل
(4/314)
يتنزل البيع
على نصف مشاع وإنما له نصفه وهو الربع أو على
النصف الذي يخصه بملكه وكذلك في الوصية فيه
وجهان
واختار القاضي أنه يتنزل على النصف الذي يخصه
كله بخلاف ما إذا قال له أشركتك في نصفه وهو
لا يملك سوى النصف فإنه يستحق منه الربع لأن
الشركة تقتضي التساوي في الملكين بخلاف البيع
والمنصوص في رواية ابن منصور أنه لا يصح بيع
النصف حتى يقول نصيبي وإن أطلق تنزل على الربع
انتهى
وقيل يأخذ نصف ما في يده وهو الربع
قلت: وهو الصواب
وقيل له نصف ما في يده ونصف ما في يد شريكه إن
أجاز وأطلقهن في المغني والشرح
وعلى الوجهين الأخيرين لطالب الشركة وهو
الأخير منهما الخيار إلا أن يقول بوقوفه على
الإجازة في الوجه الثاني ويجيزه الآخر
وإن كانت السلعة لاثنين فقال لهما آخر أشركاني
فأشركاه معا فله الثلث على الصحيح صححه المصنف
والشارح وقدمه في الرعايتين والفائق
وقيل له النصف وقدمه ابن رزين في شرحه
وأطلقهما في الفروع
وإن أشركه كل واحد منهما منفردا كان له النصف
ولكل واحد منهما الربع
وإن قال أشركاني فيه فشركه أحدهما فعلى الوجه
الأول وهو الصحيح له السدس وعلى الثاني له
الربع
وإن قال أحدهما أشركناك انبنى على تصرف
الفضولي فإن قلنا به وأجازه فهل يثبت له الملك
في ثلثه أو نصفه على الوجهين
فائدة : لو اشترى قفيزا وقبض نصفه فقال له شخص
بعني نصف هذا القفيز فباعه انصرف إلى نصف
المقبوض
وإن قال أشركني في هذا القفيز بنصف الثمن ففعل
لم تصح الشركة إلا فيما قبض منه فيكون النصف
المقبوض بينهما ذكره القاضي
وقال المصنف والصحيح أن الشركة تنصرف إلى
النصف كله فيكون بائعا لما يصح بيعه وما لا
يصح فيصح في نصف المقبوض في أصح الوجهين ولا
يصح فيما لم يقبض كما قلنا في تفريق الصفقة
قلت: وهو الصواب وظاهر الشرح الإطلاق
(4/315)
قوله :
والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه
مائة بعتكه بها وربح عشرة أو على أن أربح في
كل عشرة درهما
المسألة الأولى وهو قوله: بعتكه بها وربح عشرة
لا يكره قولا واحدا
والمسألة الثانية وهي قوله: على أن أربح في كل
عشرة درهما مكروهة نص عليه في رواية الجماعة
وهو من المفردات
نقل الأثرم أنه كره بيع ده يازده وهو هذا
ونقل أبو الصقر هو الربا واقتصر عليه أبو بكر
في زاد المسافر
ونقل أحمد بن هاشم كأنه دراهم بدراهم لا يصح
وقيل لا يكره وذكره رواية في الحاوي والفائق
وجزم به في الرعاية الصغرى وقدمه في الرعاية
الكبرى والحاوي الصغير
وحيث قلنا إنه ليس بربا فالبيع صحيح بلا نزاع
قوله : والمواضعة أن يقول بعتك بها ووضيعة
درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهما
وهذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع
وغيره
وقيل يلزمه تسعون درهما وعشرة أجزاء من أحد
عشر جزءا من درهم كما لو قال ووضيعة درهم لكل
عشرة أو عن كل عشرة اختاره القاضي ذكره في
التلخيص وصححه في الرعاية الكبرى قال الشارح
وهذا غلط
وقيل يلزمه تسعون درهما وتسعة أعشار درهم
وحكاه الأزجي رواية قال في الرعاية وهو سهو
وهو كما قال
فائدتان
إحداهما : متى بان الثمن أقل حط الزيادة ويحط
في المرابحة قسطها وينقصه في المواضعة ولا
خيار له فيها على الصحيح من المذهب نص عليه
قال في الفروع اختاره الأكثر وعنه بلى
الثانية حكم بيع المواضعة في الكراهة وعدمها
والصحة وعدمها حكم بيع المرابحة على ما تقدم
(4/316)
قوله : ومتى
اشتراه بثمن مؤجل ولم يبين ذلك للمشتري في
تخييره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك
والرد
هذا إحدى الروايات جزم به في الوجيز وشرح ابن
منجا وصححه في الفائق وقدمه في الرعاية
وعنه يأخذه مؤجلا ولا خيار له نص عليه وهذا
المذهب وقدمه في الفروع وقال واختاره الأكثر
وأطلقهما في المحرر
فعلى الأول إذا اختار الإمساك فإنه يأخذه
مؤجلا على الصحيح قدمه في الفروع والرعاية
والمحرر وغيرهم ويحتمله كلام المصنف هنا
وعنه يأخذه حالا أو يفسخ ويحتمله كلام المصنف
أيضا
فوائد
الأولى لو علم تأجيل الثمن بعد تلف المبيع حبس
الثمن بقدر الأجل ويحتمل أن يبطل البيع قاله
في الرعاية
الثانية لو ادعى البائع غلطا وأن الثمن أكثر
مما أخبره به لم يقبل قوله: إلا بينة مطلقا
اختاره المصنف والشارح وحمل المصنف كلام
الخرقي عليه وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه
الله وقدمه ابن رزين في شرحه وهو المذهب على
ما اصطلحناه في الخطبة
وعنه يقبل قوله: مطلقا مع يمينه اختاره القاضي
وأصحابه وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة
والمحرر ونظم المفردات والرعايتين والحاويين
والفائق واختاره ابن عبدوس في تذكرته والمحرر
وجزم به في المنور
وقال ابن رزين في شرحه وهو القياس وللمشتري
الخيار
وعنه يقبل قوله: إن كان معروفا بالصدق وإلا
فلا
وعنه لا يقبل قوله: وإن أقام بينة حتى يصدقه
المشتري وأطلقهن في الفروع والزركشي وأطلق
الأولى والأخيرتين في الكافي
فإن لم يكن للبائع بينة أو كانت له وقلنا لا
يقبل فادعى أن المشتري يعلم أنه غلط وأنكر
المشتري ذلك فالقول قوله بلا يمين على الصحيح
من المذهب اختاره القاضي وقدمه في الفروع
وقال المصنف والشارح الصحيح أن عليه اليمين
لأنه لا يعلم ذلك وجزم به في الكافي
قلت: وهو الصواب وأطلقهما الزركشي
(4/317)
الثالثة لو
باعها بدون ثمنها عالما لزمه على الصحيح من
المذهب وخرجها الأزجي على التي قبلها
قوله : أو بأكثر من ثمنه حيلة
مثل أن يشتري من غلام دكانه لحر أو غيره على
وجه الحيلة لم يجز بيعه مرابحة حتى يتبين
وإن لم يكن حيلة فقال القاضي إذا باع غلام
دكانه سلعة ثم اشترى منه بأكثر من ذلك لم يجز
بيعه مرابحة حتى يتبين أمره لأنه يتهم في حقه
وقال المصنف والشارح والصحيح جواز ذلك وجزم به
في الكافي وظاهر الفائق إطلاق الخلاف
قوله : أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم
يبين ذلك للمشتري في تخييره بالثمن فللمشتري
الخيار
هذا المذهب سواء كانت السلعة كلها له أو البعض
المبيع إذا كان الجميع صفقة واحدة وعليه
الأصحاب جزم به في المحرر والوجيز وغيرهما
وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم
وعنه يجوز بيع نصيبه مرابحة مطلقا من اللذين
اشترياه واقتسماه ذكره ابن أبي موسى وعنه عكسه
تنبيه محل الخلاف إذا كان المبيع من المتقومات
التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالثياب
ونحوها
فأما إن كان من المتماثلات التي ينقسم عليها
الثمن بالأجزاء كالبر والشعير ونحوهما
المتساوي فإنه يجوز بيع بعضه مرابحة بلا نزاع
أعلمه
قال المصنف والشارح لا نعلم فيه خلافا
قوله : وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة
الخيار
يلحق برأس المال ويخبر به وهو المذهب وعليه
الأصحاب
وقيل إن قلنا الملك في زمن الخيار ينتقل إلى
المشتري فلا يلحق برأس المال كما بعد اللزوم
على ما يأتي ذكره في الرعاية ولم يقيده في
الفروع بانتقال ولا بعدمه وكذا الحكم لو زاد
في الثمن في مدة الخيار
(4/318)
فائدتان
إحداهما : قال بعض الأصحاب في طريقته مثل ذلك
لو زاد أجلا أو خيارا في مدة الخيار وقطع به
في المحرر وغيره
الثانية قال في الرعاية الكبرى فلو حط كل
الثمن فهل يبطل البيع أو يصح أو يكون هبة
يحتمل أوجها
قلت: الأولى أن يكون ذلك هبة
قوله : أو يؤخذ أرشا لعيب يلحق برأس المال
أي يحط منه ويخبر بالباقي هذا أحد الوجهين
اختاره أبو الخطاب جزم به في الهداية والمذهب
والمستوعب والخلاصة والتلخيص والوجيز والفائق
والرعايتين والحاويين والهادي والمصنف هنا
وقال القاضي يخبر بذلك على وجهه وقدمه في
الكافي والمغني وقال هو أولى وجزم به في
المحرر والمنور وهذا المذهب على ما اصطلحناه
لاتفاق الشيخين وأطلقهما في الشرح والفروع
قوله : أو يؤخذ أرشا لجناية عليه يلحق برأس
المال
يعني يحط من رأس المال ويخبر بالباقي وهذا أحد
الوجهين
اختاره أبو الخطاب قاله في الشرح وصححه في
المذهب ومسبوك الذهب وجزم به في الوجيز
والهادي وقدمه في الخلاصة
والوجه الثاني يجب عليه أن يخبر به على وجهه
اختاره القاضي قاله الشارح وقدمه في الكافي
وقال هو أولى وقدمه في المغني وانتصر له وجزم
به في المحرر والمنور
قلت: وهذا المذهب
وأطلقهما في الهداية والمستوعب والتلخيص
والرعايتين والحاويين والفائق والفروع والشرح
وقيل لا يحط ها هنا من الثمن قولا واحدا
فوائد
الأولى لو أخذ نماء ما اشتراه أو استخدمه أو
وطئه لم يجب بيانه على الصحيح من المذهب وفيه
رواية كنقصه
الثانية لو رخصت السلعة عن قدر ما اشتراها به
لم يلزمه الإخبار بذلك على الصحيح من
(4/319)
المذهب نص عليه
وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم وهو
ظاهر كلام كثير من الأصحاب
قال في الكافي وعليه الأصحاب
ويحتمل أن يلزمه الإخبار بالحال ذكره المصنف
والشارح وغيرهما
قلت: وهو قوي فإن المشتري لو علم بذلك لم
يرضها بذلك الثمن ففيه نوع تغرير ثم وجدت في
الكافي قال الأولى أن يلزمه
الثالثة لو اشتراها بثمن لرغبة تخصه كحاجته
إلى إرضاع لزمه أن يخبر بالحال ويصير كالشراء
بثمن غال لأجل الموسم الذي كان حال الشراء
ذكره الفنون واقتصر عليه في الفروع
قلت: وهو الصواب فيهما
قوله : أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه
لم يلحق به
وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه يلحق به
واختاره في الفائق
وتقدم التنبيه على ذلك آخر خيار المجلس
فائدة : هبة مشتر لوكيل باعه كزيادة ومثله
عكسه
قوله: وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة أخبر
به على وجهه فإن قال تحصل علي بعشرين فهل يجوز
ذلك على وجهين
وأطلقهما في الحاويين
أحدهما لا يجوز وهو المذهب وهو ظاهر كلام
الإمام أحمد رحمه الله واختاره القاضي ونصره
المصنف والشارح
قال في الرعايتين والفروع لا يجوز في الأصح
وصححه في التصحيح وجزم به في المذهب والخلاصة
والوجيز وغيرهم
والوجه الثاني يجوز وهو احتمال في الهداية
فائدة : مثل ذلك حكما وخلافا ومذهبا أجرة كيله
ووزنه ومتاعه وحمله وخياطته
قال الأزجي وعلف الدابة وذكر المصنف لا
قال أحمد إذا بين فلا بأس
قوله : وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم
اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه فإن قال
اشتريته بعشرة جاز
اختاره المصنف والشارح وقدمه في الفروع
(4/320)
قلت: وهو
الصواب
وقال أصحابنا يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر
أنه اشتراه بخمسة وهو المذهب نص عليه وعليه
الأصحاب كما قال المصنف
قلت: وهو ضعيف
ولعل مراد الإمام أحمد رحمه الله استحباب ذلك
لا أنه على سبيل اللزوم
تنبيه محل الخلاف إذا بقي شيء بعد حط الربح
أما إذا لم يبق شيء فإنه يخبر بالحال قولا
واحدا عندهم
فائدتان
إحداهما : لو اشترى شخص نصف سلعة بعشرة واشترى
آخر نصفها بعشرين ثم باعاها مساومة بثمن واحد
فهو بينهما نصفان وهذا المذهب وقطع به الأكثر
قال المصنف والشارح لا نعلم فيه خلافا
قال في الحاوي رواية واحدة قال ابن رزين
إجماعا
وخرج أبو بكر أن الثمن يكون على قدر رؤوس
أموالهما كشركة الاختلاط
وإن باعاها مرابحة أو مواضعة أو تولية فالحكم
كذلك على الصحيح من المذهب ونص عليه
قال المصنف والشارح هذا المذهب وقدمه في
المغني والشرح والفروع والرعاية الكبرى
وعنه الثمن بينهما على قدر رؤوس أموالهما
نقلها أبو بكر وأنكرها المصنف
لكن قال في الفروع نقل ابن هانئ وحنبل على رأس
مالهما وصححه في الرعاية الكبرى والحاويين
وأطلقهما في الكافي وقال وقيل المذهب رواية
واحدة أنه بينهما نصفان والقول الآخر وجه خرجه
أبو بكر انتهى
وعنه لكل واحد رأس ماله والربح نصفان
الثانية قال الإمام أحمد المساومة عندي أسهل
من بيع المرابحة
قال في الحاوي الكبير وذلك لضيق المرابحة على
البائع لأنه يحتاج أن يعلم المشتري بكل شيء من
النقد والوزن وتأخير الثمن وممن اشتراه ويلزمه
المؤنة والرقم والقصارة والسمسرة والحمل ولا
يغر فيه ولا يحل له أن يزيد على ذلك شيئا إلا
بينه له ليعلم المشتري بكل ما يعلمه البائع
وليس كذلك المساومة انتهى
قلت: اما بيع المرابحة في هذه الأزمان فهو
أولى للمشتري وأسهل
(4/321)
قوله : ومتى
اختلفا في قدر الثمن تحالفا
هذا المذهب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد
وعليه الأصحاب لأن كلا منهما مدع ومنكر صورة
وكذا حكم السماع لبينة كل واحد منهما
قال في عيون المسائل ولا تسمع إلا بينة المدعي
باتفاقنا انتهى
وعنه القول قول البائع مع يمينه ذكرها ابن أبي
موسى وابن المنذر وذكره في الترغيب المنصوص
كاختلافهما بعد قبضه وفسخ العقد في المنصوص
قال الزركشي هذه الرواية وإن كانت خفية مذهبا
فهي ظاهرة دليلا وذكر دليلها ومال إليها وعنه
القول قول المشتري
ونقل أبو داود قول البائع أو يترادان قيل فإن
أقام كل واحد منهما بينة قال كذلك
قال الزركشي وعنه إن كان قبل القبض تحالفا وإن
كان بعده فالقول قول المشتري حكاها أبو الخطاب
في انتصاره
قوله : فيبدأ بيمين البائع فيحلف ما بعته بكذا
وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته
بكذا وإنما اشتريته بكذا
اعلم أن كلا من المتبايعين يذكر في يمينه
أثباتا ونفيا ويبدأ بالنفي على الصحيح من
المذهب كما قال المصنف
وعنه يبدأ بالإثبات وذكرها الزركشي وصاحب
الحاوي وغيرهما وجها وذكرها في الرعاية قولا
فيقول البائع بعته بكذا لا بكذا ويقول المشتري
اشتريته بكذا لا بكذا وأطلقهما في الحاوي
الكبير
قال في الفروع والأشهر يذكر كل واحد منهما
إثباتا ونفيا فظاهره أن خلاف الأشهر الاكتفاء
بأحدهما أعني الإثبات أو النفي
وقد قال في الرعاية الصغرى حلف البائع ما باعه
إلا بكذا ثم المشتري أنه ما اشتراه إلا بكذا
قوله : فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه
وهو المذهب وعليه الأصحاب
قال بعض الأصحاب لو نكل مشتر عن إثبات قضى
عليه
قال في التلخيص فإن نكل المشتري عن الإثبات
قضى عليه بتخيير البائع
(4/322)
قوله : وإن
تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد وإلا
فلكل واحد منهما الفسخ
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
وقيل يقف الفسخ على الحاكم وهو احتمال لأبي
الخطاب وقطع به ابن الزاغوني
تنبيه ظاهر قوله : وإلا فلكل واحد منهما الفسخ
أن البيع لا ينفسخ بنفس التحالف وهو الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب
وقيل ينفسخ قال ابن الزاغوني وهو المنصوص
وكذا لا ينفسخ البيع لو امتنع البائع من
إعطائه بما قاله المشتري وامتنع المشتري من
الأخذ بما قاله البائع على الصحيح من المذهب
قال الزركشي هو المعروف عند الشيخين وغيرهما
وعنه ينفسخ بمجرد إبائهما وهو ظاهر كلام
الخرقي
قوله : وإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة
مثلها
وهو كالصريح أنهما يتحالفان مع تلف السلعة وقد
دخل ذلك في عموم قوله: ومتى اختلفا في قدر
الثمن تحالفا وهذا المذهب
قال في التلخيص أصح الروايتين التحالف
قال الزركشي هذا اختيار الأكثرين
قال ابن منجا في شرحه هذا أولى وجزم به في
الوجيز والخرقي وتذكرة
ابن عبدوس والمنور ونصره في المغني وقدمه في
المحرر والرعايتين والنظم والفائق وإدراك
الغاية والمذهب الأحمد
وعنه لا يتحالفان إن كانت تالفة والقول قول
المشتري مع يمينه اختاره أبو بكر رحمه الله
قال الزركشي هي أنصهما وأطلقهما في الهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني
والشرح والحاوي الكبير والقواعد الفقهية
والفروع
وقال المصنف والشارح وينبغي أن لا يشرع
التحالف ولا الفسخ فيما إذا كانت قيمة السلعة
مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري ويكون القول
قول المشتري مع يمينه لأنه لا فائدة: في ذلك
لأن الحاصل به الرجوع إلى ما ادعاه المشتري
وإن كانت القيمة أقل فلا فائدة: للبائع في
الفسخ فيحتمل أن لا يشرع اليمين ولا الفسخ لأن
ذلك ضرر عليه من غير فائدة: ويحتمل أن يشرع
لتحصيل الفائدة: للمشتري انتهيا
(4/323)
تنبيهان
أحدهما قوله : رجعا إلى قيمة مثلها هكذا قال
الخرقي وشراحه وصاحب الهداية والمذهب
والمستوعب والخلاصة والكافي والمحرر والنظم
والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم
من الأصحاب
وقال في التلخيص ثم يرد عين المبيع عند
التفاسخ إن كانت باقية وإلا فمثلها فإن لم تكن
مثلية وإلا فقيمتها
فاعتبر المثلية فإن لم تكن مثلية فالقيمة
والجماعة أوجبوا القيمة وأطلقوا
الثاني قوله : في الرواية الأولى رجعا إلى
قيمة مثلها ويكون القول قول المشتري في قيمة
التالف نقله محمد بن العباس في قدره وصفته
وعليه الأصحاب كما صرح به المصنف بقوله: فإن
اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري
فظاهر كلامه أنه سواء كان الاختلاف في صفة
العين أو العيب
أما صفة العين فلا خلاف فيها أن القول قول
المشتري وإن كانت الصفة عيبا كالبرص والخرق في
الثوب فالقول قول المشتري أيضا على الصحيح من
المذهب
قال الزركشي هو المشهور
وقيل القول قول البائع في نفي ذلك
فعلى المذهب في أصل المسألة إن رضي المشتري
بما قال البائع وإلا رجع كل منهما إلى ما خرج
منه فيأخذ المشتري الثمن إن كان قد قبض ويأخذ
البائع القيمة فإن تساويا وكانا من جنس تقاصا
وتساقطا على ما يأتي وإلا سقط الأقل ومثله من
الأكثر
قال الزركشي هذا المشهور المعروف
وقال ابن منجا في شرحه ظاهر كلام أبي الخطاب
أن القيمة إذا زادت عن الثمن لا يلزم المشتري
الزيادة لأنه قال المشتري بالخيار بين دفع
الثمن الذي ادعاه البائع وبين دفع القيمة لأن
البائع لا يدعي الزيادة
قال الزركشي وكلام أبي الخطاب ككلام الخرقي
وليس فيه أن ذلك بعد الفسخ بل هذا التخيير
مصرح به بأنه بعد التحالف وليس إذ ذاك فسخ ولا
شك أن المشتري والحالة هذه يخير على المشهور
والذي قاله ابن منجا بحث لصاحب الهداية يعني
جده أبا المعالي صاحب الخلاصة فإنه حكى عنه
بعد ذلك أنه قال وجوب الزيادة أظهر لأن بالفسخ
سقط اعتبار الثمن
وبحث ذلك الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا فقال
يتوجه أن لا تجب قيمته إلا إذا كانت أقل من
الثمن أما إن كانت أكثر فهو قد رضي بالثمن فلا
يعطى زيادة لاتفاقهما على عدم استحقاقها
(4/324)
ومثل هذا في
الصداق ولا فرق إلا أن هنا انفسخ العقد الذي
هو سبب استحقاق المسمى بخلاف الصداق فإن
المقتضى لاستحقاقه قائم انتهى
قوله : ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد
ظاهرا أو باطنا وإن فسخ الظالم لم ينفسخ في
حقه باطنا وعليه إثم الغاصب
قال المصنف في المغني ويقوى عندي أنه إن فسخ
المظلوم منهما انفسخ ظاهرا وباطنا وإن فسخه
الكاذب عالما بكذبه لم ينفسخ بالنسبة إليه
فوافق اختياره في المغني ما جزم به هنا
ووافقه ابن عبدوس في تذكرته فقال وينفسخ ظاهرا
فقط لفسخ أحدهما ظلما ومطلقا لفسخ المظلوم
وقدمه الناظم فقال
وإن فسخ المظلوم يفسخ مطلقا ... وينفذ فسخ
المعتدي ظاهرا قد
ثم ذكر الخلاف
وقال في الوجيز وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهرا
وباطنا مطلقا وينفذ فسخ المعتدي
فأدخل الظالم والمظلوم وقدمه في الفروع
واختاره القاضي
ثم قال في الفروع وقيل مع ظلم البائع وفسخه
ينفسخ ظاهرا
وقيل وباطنا في حق المظلوم
وقال في الرعايتين ومع ظلم البائع وفسخه ينفسخ
ظاهرا وقيل وباطنا ومع ظلم المشتري وفسخه
ينفسخ ظاهرا وباطنا فيباح للبائع جميع
التصرفات في المبيع وقيل لا ينفسخ باطنا
ومع فسخ المظلوم منهما ينفسخ ظاهرا وباطنا
انتهى
وقال في الهداية فإن انفسخ العقد فقال شيخنا
ينفسخ ظاهرا وباطنا فيباح للبائع جميع
التصرفات في المبيع
وعندي إن كان البائع ظالما انفسخ في الظاهر
دون الباطن لأنه كان يمكنه إمضاء العقد
واستيفاء حقه فإذا فسخ فقد تعدى فلا ينفسخ
العقد ولا يباح له التصرف لأنه غاصب
وإن كان المشتري هو الظالم انفسخ العقد ظاهرا
وباطنا لأن البائع لا يمكنه استيفاء حقه
بإمضاء العقد فكان له الفسخ كما لو أفلس
المشتري انتهى
وتابعه في المستوعب والكافي والتلخيص والحاوي
الكبير والشرح
وقال في الخلاصة وينفسخ في الباطن وقيل إن كان
البائع ظالما لم ينفسخ في الباطن
وقال في المذهب والبلغة ومتى وقع الفسخ انفسخ
ظاهرا وباطنا في حقهما في أحد
(4/325)
الوجهين وفي
الآخر إن كان البائع ظالما انفسخ في الظاهر
دون الباطن
وهو كما قال في الخلاصة إلا أنهما أطلقا وقيد
هو
وقال ابن منجا في شرحه عن كلام المصنف وظاهر
كلامه الفرق بين الظالم والمظلوم سواء كان
الظالم البائع أو المشتري
ولم أجد نقلا صريحا يوافق ذلك ولا دليلا
يقتضيه بل المنقول في مثل ذلك وذكر كلام
القاضي وأبي الخطاب انتهى
وهو عجيب منه فإن المسألة ليس فيها منقول صريح
عن الإمام أحمد رحمه الله حتى يخالفه بل
المنقول فيها عن الأصحاب وهو من أعظمهم
وقد اختار ما قطع به هنا في المغني فقال ويقوى
عندي ذلك وجزم به ابن عبدوس في تذكرته وقدمه
في النظم وذكره قولا في الفروع والرعايتين
وقوله: ولا وجدت دليلا يقتضيه غير مسلم فإن
فسخ المظلوم ظاهرا وباطنا ظاهر الدليل وهو
ظاهر كلام الإمام أحمد واختاره القاضي وغيره
واما فسخ الظالم للعقد فإنه لا يصح بالنسبة
إليه لأنه لا يحل له الفسخ فلم يثبت حكمه
بالنسبة إليه
وهذه عادة ابن منجا في شرحه مع المصنف إذا لم
يطلع على منقول بما قاله المصنف اعترض عليه
وهذا ليس بجيد فإن الاعتذار عنه أولى من ذلك
والمصنف إمام جليل له اختيار واطلاع على ما لم
يطلع عليه
إذا علمت ذلك فالصحيح من المذهب في حكم
المسألة أن العقد ينفسخ ظاهرا وباطنا مطلقا
كما جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع
والخلاصة واختاره القاضي وقال هو ظاهر كلام
الإمام أحمد
واختار أبو الخطاب إن كان البائع ظالما انفسخ
في حقه ظاهرا لا باطنا وإن كان المشتري ظالما
انفسخ ظاهرا وباطنا وقدمه في الرعايتين
وأطلقهما في المذهب والبلغة واختيار المصنف
قول ثالث والله أعلم
قوله : وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن
يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه
إذا كان للبلد نقد واحد واختلفا في صفة الثمن
أخذ به نص عليه في رواية الأثرم وإن كان في
البلد نقود فقال في الفروع أخذ بالغالب وعنه
الوسط اختاره أبو الخطاب وعنه الأقل
قال القاضي وغيره ويتحالفان
(4/326)
وقال في المحرر
وإن اختلفا في صفة الثمن فظاهر كلامه أنه يرجع
إلى أغلب نقود البلد فإن تساوت فأوسطها وقال
القاضي يتحالفان
وقال في الرعايتين والحاوي الصغير أخذ نقد
البلد أو غالبه إن تعددت نقوده نص عليه فإن
استوت فالوسط ومن قبل قوله: حلف وقيل يتحالفان
زاد في الكبرى وقيل إن قال بعتك هذا الثوب
بدرهم وأطلق وهناك نقود مختلفة فله أقل ذلك
فظاهره جواز البيع بثمن مطلق وللبلد نقود
مختلفة وله أدناها لأنه اليقين
وقال في الهداية فإن اختلفا في صفة الثمن فإن
كان فيه نقود رجع إلى أوسطها
وقال شيخنا يتحالفان وكذا قال في المذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والنظم
والحاوي الكبير وإدراك الغاية وغيرهم
قال في المغني والشرح إن كان في البلد نقود
رجع إلى أوسطها نص عليه في رواية الجماعة
قالا فيحتمل أنه أراد إذا كان هو الأغلب
والمعاملة به أكثر لأن الظاهر وقوع المعاملة
به أشبه ما إذا كان في البلد نقد واحد
ويحتمل أنه ردهما إليه مع التساوي لأن فيه
تسوية بينهما في الحق وتوسطا بينهما وفي
العدول إلى غيره ميل على أحدهما فكان التوسط
أولى وعلى مدعي ذلك الثمن انتهى
وقال ابن رزين في شرحه وإن كان للبلد نقود رجع
إلى أوسطها تسوية بينهما ويحلف مدعيه فإن كانت
متساوية تحالفا انتهى
وقال في الخلاصة أخذ بنقد البلد وقيل يتحالفان
وقال في التلخيص فإن كان فيه نقود فهل يرجع
إلى الوسط أو يتحالفان على وجهين
وقال في الفائق إذا اختلفا في صفة الثمن رجع
إلى نقد البلد وغالبه نص عليه ولو تساوت نقوده
فهل يرجع إلى الوسط أو يتحالفان على وجهين
وقال ابن عبدوس في تذكرته ويلزم نقد البلد أو
غالبه أو أحد المتساوية أو وسط المتقاربة
بحلفهما في صفة الثمن
إذا علمت ذلك فالمصنف رحمه الله هنا قطع
بالتحالف إذا كان في البلد نقود وهو قول
القاضي وغيره وقدمه ابن منجا في شرحه
والصحيح من المذهب أنهما لا يتحالفان لكن هل
يؤخذ الغالب وهو الصحيح من المذهب جزم به في
البلغة والمنور والفائق وقدمه في المحرر
والفروع والرعايتين والحاوي الصغير
(4/327)
قال في المحرر
وهو ظاهر كلامه وقال في الرعايتين والفائق نص
عليه
أو يؤخذ الوسط اختاره أبو الخطاب وجزم به في
التلخيص وشرح ابن رزين وقدمه في المذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والكافي والهادي والنظم
والحاوي الكبير وإدراك الغاية وغيرهم
أو يؤخذ الأقل فيه ثلاث روايات
والثالثة قول في الرعاية كما تقدم
وتقدم كلام المصنف والشارح في الكلام على
رواية الوسط
ولنا قول رابع بالتحالف وهو قول القاضي وغيره
فعلى المذهب إن تساوت النقود ولم يكن فيها
غالب فقال في المحرر والرعايتين والفائق
والمنور أخذ الوسط لكن قال في التلخيص والفائق
هل يؤخذ الوسط أو يتحالفان على وجهين كما تقدم
وتقدم كلام ابن عبدوس
والوسط الذي في الفروع غير الموسط الذي في
المحرر والرعايتين فليعلم ذلك
قوله : وإن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول
من ينفيه
هذا إحدى الروايتين
قال في تجريد العناية يقدم قول من ينفي أجلا
أو شرطا على الأظهر وجزم به في الوجيز والمذهب
الأحمد ومنتخب الأدمى والمنور
وقال ابن منجا هذا المذهب وقدمه في الهادي
وعنه يتحالفان جزم به في تذكرة ابن عبدوس
وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمغني
والمحرر والرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين
ونهايته ونظمها وإدراك الغاية وهو المذهب على
ما اصطلحناه وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب
والكافي والتلخيص والبلغة والشرح والنظم
والفروع والفائق
تنبيه مثل ذلك خلافا ومذهبا إذا اختلفا في رهن
أو في ضمين أو في قدر الأجل أو الرهن أو
المبيع
قوله : إلا أن يكون شرطا فاسدا فالقول قول من
ينفيه
فظاهره أنه سواء كان الشرط الفاسد يبطل العقد
أو لا
واعلم أنه إذا كان لا يبطل العقد فالقول قول
من ينفيه على الصحيح من المذهب وقدمه المصنف
هنا وجزم به وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب وقدمه
ابن رزين وغيره
(4/328)
وعنه يتحالفان
ويأتي كلام ابن عبدوس وأطلقهما في الفروع
وإن كان يبطل العقد فالقول قول من ينفيه وهذا
المذهب وعليه عامة الأصحاب وقطع به كثير منهم
ونص عليه في دعوى عبد عدم الإذن ودعوى أنه كان
صغيرا حالة العقد
وفيمن يدعي الصغر وجه يقبل قوله: لأنه الأصل
وأطلقهما في الفروع في كتاب الإقرار فيما إذا
أقر وقال لم أكن بالغا
وقطع ابن عبدوس في تذكرته أنه لو ادعى الصغر
أو السفه حالة البيع أنهما يتحالفان
وقال في الانتصار في مد عجوة لو اختلفا في
صحته وفساده قبل قول البائع مدعى فساده
ويأتي نظير ذلك في الضمان وكتاب الإقرار فيما
إذا ضمن أو أقر وادعى أنه كان صغيرا حالة
الضمان والإقرار بأتم من هذا
قوله : وإن قال بعتني هذين فقال بل أحدهما
يعني بثمن واحد فالقول قول البائع
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة
والمغني والهادي والوجيز وإدراك الغاية
والمنور وغيرهم وقدمه في المستوعب والتلخيص
والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق
وقيل يتحالفان اختاره القاضي وذكره ابن عقيل
رواية وصححها وقدمه في التبصرة وغيرها
قال الشارح هذا أقيس وأولى إن شاء الله تعالى
قال في التلخيص هذا أقيس
قال القاضي في المجرد في باب المزارعة وباب
الدعاوى والبينات إذا اختلف المتبايعان في قدر
المبيع تحالفا ذكره عنه في التلخيص
قوله : وإن قال بعتني هذا فقال بل هذا حلف كل
واحد منهما على ما أنكره ولم يثبت بيع واحد
منهما
هذا إحدى الطريقتين وهي طريقة المصنف هنا وفي
الهادي والهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والشرح
وإدراك الغاية والفائق والحاوي الكبير
والطريقة الثانية أن حكم هذه المسألة حكم التي
قبلها وهي المنصوصة عن أحمد وهي طريقة صاحب
المحرر والنظم وتجريد العناية وتذكرة ابن
عبدوس وقدمها في الرعايتين والحاوي الصغير
وأطلق الطريقتين في الفروع
(4/329)
فائدتان
إحداهما : إذا قلنا يتحالفان وتحالفا فإن كان
ما ادعاه البائع معيبا بيد المشتري فعليه رده
إلى البائع وليس للبائع طلبه إذا بذل له ثمنه
لاعترافه ببيعه وإن لم يعطه ثمنه فله فسخ
البيع واسترجاعه قاله المصنف والشارح
وقال في المنتخب لا يرده المشتري إلى البائع
واما إذا كان بيد البائع فإنه يقر في يده ولم
يكن للمشتري طلبه وعلى البائع رد الثمن قولا
واحدا
وإن أنكر المشتري شراء الأمة لم يطأها البائع
لأنه معترف ببيعها نقل جعفر هي ملك لذاك أي
المشتري قال أبو بكر لا يبطل البيع بجحوده
ويأتي في الوكالة خلاف خروجه في النهاية من
الطلاق
الثانية لو ادعى البيع ودفع الثمن فقال بل
زوجتك وقبضت المهر فقد اتفقا على إباحة الفرج
له وتقبل دعوى النكاح بيمينه
وذكر أبو بكر قولا تقبل دعواه البيع بيمينه
ويأتي عكسها في أوائل عشرة النساء
ذكر هذه المسألة المصنف في أواخر باب ما إذا
وصل بإقراره ما يغيره
وتقدم في كتاب البيع في فصل السابع إذا اختلفا
في صفة المبيع
قوله : وإن قال البائع لا أسلم المبيع حتى
أقبض ثمنه وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض
المبيع والثمن عين جعل بينهما عدل يقبض منهما
ويسلم إليهما
وهذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب وجزم به في
المحرر والرعاية الصغرى والحاويين والنظم
والوجيز والفائق والقواعد وغيرهم وقدمه في
المغني والشرح والرعاية الكبرى والفروع وغيرهم
وعنه ما يدل على أن البائع يجبر على تسليم
المبيع على الإطلاق
فعلى المذهب يسلم المبيع أولا ثم الثمن على
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وقيل بل يسلم إليهما معا ونقله ابن منصور عن
الإمام أحمد
وقيل أيهما يلزمه البداءة يحتمل وجهين ذكره في
الرعاية الكبرى
فائدة : من قدر منهما على التسليم وامتنع منه
ضمنه كغاصب
(4/330)
قوله : وإن كان
دينا يعني في الذمة حالا أجبر البائع على
التسليم ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن
كان حاضرا يعني في المجلس
وهذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب
وقيل له حبسه حتى يقبض ثمنه الحال كما لو خاف
فواته واختاره المصنف واختاره في الانتصار
قاله في الفروع والقواعد
فعلى ما اختاره المصنف لو سلمه البائع إلى
المشتري لم يملك بعد ذلك استرجاعه ولا منع
المشتري من التصرف فيه
قال في القواعد وهو خلاف ما قاله القاضي
وأصحابه في مسألة الحجر القريب
فائدة : لو كان الخيار لهما أو لأحدهما لم
يملك البائع المطالبة بالنقد ذكره القاضي في
الإجارات من خلافه وصرح به الأزجي في نهايته
ولا يملك المشتري قبض المبيع في مدة الخيار
بدون إذن صريح من البائع نص على ما قاله في
القاعدة الثامنة والأربعين
قوله : وإن كان غائبا بعيدا أو المشتري معسرا
فللبائع الفسخ
هذا المذهب قطع به الجمهور منهم صاحب الفروع
وقيل له الفسخ مع إعساره فقط أو يصبر مع الحجر
عليه قاله في الرعاية
قال ويحتمل أن يباع المبيع وقيل وغيره من ماله
في وفاء ثمنه إذا تعذر لإعسار أو بعد
تنبيه قد يقال ظاهر قوله : المشتري معسرا أنه
سواء كان معسرا به كله أو ببعضه وهو أحد
الوجهين
قلت: وهو الصواب
وقيل لا بد أن يكون معسرا به كله قدمه في
الرعاية
فائدة : لو أحضر نصف الثمن فهل يأخذ المبيع
كله أو نصفه أو لا يأخذ شيئا حتى يزن الباقي
أو يفسخ البيع ويرد ما أخذه
قال في الرعاية يحتمل وجهين
وقيل نقد بعض الثمن لا يمنع الفسخ انتهى
وقال في الفروع وإن أحضر نصف ثمنه فقيل يأخذ
المبيع وقيل نصفه وقيل لا يستحق مطالبته بثمن
ومثمن مع خيار شرط انتهى
قلت: أما أخذ المبيع كله ففيه ضرر على البائع
وكذا أخذ نصفه للتشقيص فالأظهر أنه
(4/331)
لا يأخذ شيئا
من المبيع حتى يأتي بجميع الثمن
قال في الفروع ومثله المؤجر بالنقد في الحال
تنبيه مفهوم قوله : والمشتري معسرا أنه لو كان
موسرا مماطلا ليس له الفسخ وهو الصحيح في
الحال وهو المذهب وعليه الأصحاب إلا الشيخ تقي
الدين فإنه قال له الفسخ
قلت: وهو الصواب
قوله : وإن كان في البلد حجر على المشتري في
ماله كله حتى يسلمه
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقيل له الفسخ
قوله : وإن كان غائبا عن البلد قريبا احتمل أن
يثبت للبائع الفسخ
وهو أحد الوجهين وقدمه في الرعايتين والحاويين
وجزم به ابن رزين في نهايته وهو ظاهر ما جزم
به في الهادي
واحتمل أن يحجر على المشتري من غير فسخ وهو
الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع وجزم به ابن
عبدوس في تذكرته وأطلقهما في المغني والكافي
والمحرر والشرح والفائق وشرح ابن منجا
والهداية والخلاصة
فائدتان
إحداهما : لو كان الثمن مؤجلا فالصحيح من
المذهب أن المبيع لا يحبس عن المشتري نص عليه
وقدمه في الفروع
وقيل يحبسه إلى أجله جزم به في الرعاية
والوجيز
قال في الفروع اختاره الشيخ يعني به المصنف
الثانية مثل البائع في هذه الأحكام المؤجر
بالنقد في الحال قاله في الوجيز والفروع
وغيرهما
تنبيهات
الأول ظاهر قوله : ومن اشترى مكيلا أو موزونا
أنه سواء كان مطعوما أو غير مطعوم وهو صحيح
وهو المذهب وعليه الأصحاب
وعنه محل ذلك إذا كان مطعوما مكيلا أو موزونا
وعنه محل ذلك في المطعوم سواء كان مكيلا أو
موزونا أو لا
الثاني أناط المصنف رحمه الله الأحكام بما
يكال ويوزن لا بما يباع من كيل أو
(4/332)
وزن فدخل في
قوله: ومن اشترى مكيلا أو موزونا الصبرة وهو
إحدى الروايتين وهي طريقة الخرقي والمصنف
والشارح ونصره القاضي وأصحابه وذكره الشيخ تقي
الدين ظاهر المذهب وصححه في النظم
والصحيح من المذهب أن الحكم منوط بذلك إذا بيع
بالكيل أو الوزن لا بما بيع من ذلك جزافا
كالصبرة المعينة وهي طريقة صاحب المحرر
والرعايتين والنظم والحاوي الصغير والفائق
وغيرهم وصاحب الفروع وقال هذا المذهب
قال في التلخيص هذه الرواية أشهر وهي اختيار
أكثر الأصحاب وهي الرواية التي ذكرها المصنف
بقوله: وعنه في الصبرة المتعينة أنه يجوز
بيعها قبل قبضها وإن تلفت فهي من ضمان المشتري
وأطلقهما في الحاوي الكبير
الثالث في اقتصار المصنف على المكيل والموزون
إشعار بأن غيرهما ليس مثلهما في الحكم ولو كان
معدودا أو مذروعا وقد صرح به في:
قوله : وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف
فيه قبل قبضه
وهو وجه قدمه في الشرح والفائق والرعاية
الكبرى
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وظاهر المذهب
أن المعدود كالمكيل والموزون قاله في الفروع
وقطع به الخرقي وصاحب التلخيص والمحرر والنظم
والحاوي الكبير وقال لا تختلف الرواية فيه
والمشهور في المذهب أن المذروع كالمكيل
والموزون قاله في الفروع وقطع به في التلخيص
والمحرر والبلغة والحاوي الكبير وغيرهم
قوله : لم يجز بيعه حتى يقبضه
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب
وعنه يجوز بيعه لبائعه اختاره الشيخ تقي الدين
رحمه الله وجوز التولية فيه والشركة وخرجه من
بيع دين
والمذهب خلاف ذلك وعليه الأصحاب
تنبيه ظاهر قوله : لم يجز بيعه أنه ملكه
بالعقد ولكن هو ممنوع من بيعه قبل قبضه وهو
صحيح وهو المذهب نقله ابن مشيش وغيره وعليه
الأصحاب وحكاه الشيخ تقي الدين رحمه الله
إجماعا
وذكر في الانتصار رواية أنه لا يملكه بالعقد
ذكرها في مسألة نقل الملك زمن الخيار
ونقل ابن منصور ملك البائع قائم حتى يوفيه
المشتري
(4/333)
فائدتان
إحداهما : يلزم البيع بالعقد مطلقا على الصحيح
من المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وقيل في قفيز من صبرة ورطل من زبرة لا يلزم
إلا بقبضه
وقال القاضي في موضع من كلامه ما يفتقر إلى
القبض لا يلزم إلا بقبضه ذكره الزركشي
وقال في الروضة يلزم البيع بكيله ووزنه ولهذا
نقول لكل واحد منهما الفسخ بغير اختيار الآخر
ما لم يكيلا أو يزنا
قال في الفروع كذا قال قال فيتجه إذن في نقل
الملك روايتا الخيار
وقال في الروضة ولا يحيل به قبله
وقال غير المكيل والموزون كهما في رواية
وتقدم التنبيه على ذلك أول الباب عند قوله:
ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا
بأبدانهما
الثانية المبيع برؤية أو صفة متقدمة من ضمان
البائع حتى يقبضه المشتري ولا يجوز للمشتري
التصرف فيه قبل قبضه مكيلا أو موزونا أو
غيرهما
تنبيه ظاهر قوله : لم يجز بيعه حتى يقبضه جواز
التصرف فيه بغير البيع
وهو اختيار الشيخ تقي الدين وتقدم أنه اختار
جواز بيعه لبائعه وجواز التولية فيه والشركة
وهنا مسائل
منها العتق ويصح رواية واحدة قال الشيخ تقي
الدين إجماعا
ومنها رهنه وهبته بلا عوض بعد قبض ثمنه وفي
جوازهما وجهان وأطلقهما في الفروع وظاهر ما
قطع به المصنف في باب الرهن عدم جواز رهنه حيث
قال ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون قبل
قبضه
قال في التلخيص ذكر القاضي وابن عقيل أنه لا
يصح رهنه
قال في القاعدة الثامنة والخمسين قال القاضي
في المجرد وابن عقيل لا يجوز رهنه ولا هبته
ولا إجارته قبل القبض كالمبيع ثم ذكر في الرهن
وهو ظاهر كلامه في المرتهن عن الأصحاب أنه يصح
رهنه قبل قبضه انتهى
وقطع في الحاوي الكبير أنه لا يصح رهنه ولا
هبته وهو ظاهر كلامه في الرعايتين والحاوي
الصغير في هذا الباب
واختار القاضي الجواز فيهما واختاره الشيخ تقي
الدين رحمه الله
وقال في التلخيص أيضا وذكر القاضي وابن عقيل
في موضع آخر إن كان الثمن قد
(4/334)
قبض صح رهنه
وتقدم كلامهما فيما نقلاه عن الأصحاب
وللأصحاب وجه آخر بجواز رهنه على غير ثمنه
قاله في القواعد وغيره
وقدم في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والنظم
وغيرهم صحة رهنه وصححه في الرعاية الكبرى
والفائق ذكروا ذلك في باب الرهن
ويأتي هناك بأتم من هذا
ومنها الإجارة والصحيح من المذهب أنها لا تصح
مطلقا اختاره القاضي في المجرد وابن عقيل
وقدمه في الفروع
وقيل تصح من بائعه اختاره الشيخ تقي الدين
رحمه الله
ومنها الوصية به والخلع عليه فجوزه أبو يعلى
الصغير واختاره الشيخ تقي الدين
وفي طريقة بعض أصحابنا يصح تزويجه به واختاره
الشيخ تقي الدين
قال في القاعدة الثانية والخمسين ومن الأصحاب
من قطع بجواز جعله مهرا معللا بأن ذلك غرر
يسير فيغتفر في الصداق ومنهم المجد انتهى
وفيه وجه آخر لا يصح جعله مهرا
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا جواز
التصرف فيه بغير بيع
وظاهر كلام الأكثر وصرح به كثير منهم عدم
الجواز
قوله : وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع
اعلم أنه إذا تلف كله وكان بآفة سماوية انفسخ
العقد وكان من ضمان بائعه وكذا إن تلف بعضه
لكن هل يخير المشتري في باقيه أو يفسخ فيه
روايتا تفريق الصفقة وقد تقدم المذهب فيها
قال الزركشي ظاهر كلام أبي محمد أنه يخير بين
قبول المبيع ناقصا ولا شيء له وبين الفسخ
والرجوع بالثمن
وظاهر كلام غيره أن التخيير في الباقي وأن
التالف يسقط ما قابله من الثمن انتهى
وأما في العيب بآفة سماوية فيتعين ما قاله
المصنف في تلف البعض بآفة سماوية
قوله : إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين
فسخ العقد وبين إمضائه ومطالبة متلفه بالقيمة
هذا المذهب مطلقا نص عليه وعليه جماهير
الأصحاب وقطع به كثير منهم
قال المصنف والشارح وغيرهما قاله أصحابنا
(4/335)
وقيل إن أتلفه
بائعه انفسخ العقد وهو احتمال في الكافي
قال الزركشي قد يقال إن إطلاق الخرقي يقتضي
بطلان العقد مطلقا وظاهر ما روى إسماعيل بن
سعيد إذا كان التلف من جهة البائع لا يبطل
العقد ولا يخير المشتري انتهى
تنبيه قوله : ومطالبة متلفه بالقيمة كذا قال
كثير من الأصحاب
قال في الفروع ومرادهم إلا المحرر بقوله:م
بقيمته ببدله وقد نقل الشالنجي يطالب متلفه في
المكيل والموزون بمثله
فوائد
منها لو خلطه بما لا يتميز فهل ينفسخ العقد
فيه وجهان وأطلقهما في المحرر والحاوي الصغير
والفائق والزركشي
أحدهما ينفسخ العقد وقدمه في الرعايتين وصححه
في النظم
والثاني لا ينفسخ وقال في الفائق والمختار
ثبوت الخيرة في فسخه
ولعل الخلاف مبني على أن الخلط هل هو اشتراك
أو إهلاك على ما يأتي في كلام المصنف في الغصب
ومنها لو اشترى شاة بشعير فأكلته قبل القبض
فإن لم تكن بيد أحد انفسخ العقد كالسماوي وإن
كانت بيد المشتري أو البائع أو أجنبي فمن ضمان
من هي بيده
ومنها لو كان المبيع قفيزا من صبرة أو رطلا من
زبرة فتلفت إلا قفيزا أو رطلا فهو المبيع
ومنها لو اشترى عبدا أو شقصا بمكيل أو موزون
أو معدود أو مذروع فقبض العبد وباعه أو أخذ
الشقص بالشفعة ثم تلف الطعام قبل قبضه انفسخ
العقد الأول دون الثاني ولا يبطل الأخذ
بالشفعة ويرجع مشتري الطعام على مشتري العبد
أو الشقص بقيمة ذلك لتعذر رده وعلى الشفيع مثل
الطعام لأنه عوض الشقص
تنبيه يأتي حكم الصرف والسلم قبل قبضهما في
بابيهما ويأتي حكم الثمرة إذا باعها على الشجر
هل يجوز بيعها قبل جذها ونحوه
قوله : وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف
فيه قبل قبضه وإن تلف فهو من ضمان المشتري
وهذا بناء منه على ما ذكره في المكيل والموزون
وقد تقدم أن المعدود والمذروع كهما فما عدا
هذه الأربعة يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن تلف
فهو من ضمان المشتري كما قال المصنف وهذا
المذهب وعليه جماهير الأصحاب
(4/336)
قال في الفروع
هذا المذهب كأخذه بشفعة
قال في التلخيص هذا أشهر الروايات واختيار
أكثر الأصحاب
قال في المحرر هذا المشهور
قال في الشرح هذا الأظهر
قال في الرعاية والفائق هذا الأشهر
قال الزركشي هو الأشهر عن الإمام أحمد
والمختار لجمهور الأصحاب
وصححه ابن عقيل في الفصول وهو من مفردات
المذهب
وعنه يجوز التصرف فيه إن لم يكن مطعوما
وفي طريقة بعض الأصحاب رواية يجوز في العقار
فقط
وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه كالمكيل
والموزون في ذلك فلا يجوز التصرف فيه مطلقا
ولو ضمنه اختاره ابن عقيل في غير الفصول
والشيخ تقي الدين وجعلها طريقة الخرقي وغيره
وقال عليه تدل أصول أحمد كتصرف المشتري في
الثمرة والمستأجر في العين مع أنه لا يضمنها
وعكسه كالصبرة المعينة كما شرط قبضه لصحته
كسلم وصرف
وقال في الانتصار في الصرف إن تميز له الشراء
بعينه ويأمر البائع بقبضه في المجلس وقال في
الترغيب المتعينان في الصرف قبل من صور
المسألة
وقيل لا لقوله: إلا هؤلاء
فوائد
الأولى ضابطه المبيع متميز وغيره فغير المتميز
مبهم تعلق به حق توفية كقفيز من صبرة ونحوه
فيفتقر إلى القبض على الصحيح من المذهب وعليه
الأصحاب وفي كلام المصنف ما يقتضي رواية بعدم
الافتقار
قال الزركشي ولا يتابع عليها
ومبهم لم يتعلق به حتى توفية كنصف عبد ونحوه
ففي البلغة هو كالذي قبله
وفي التلخيص هو من المتميزات فيه الخلاف الآتي
والمتميز قسمان ما يتعلق به حق توفية كبعتك
هذا القطيع كل شاة بدرهم ونحوه فهو كالمبهم
الذي تعلق به حق توفية عند الأصحاب وخرج أنه
كالعبد وهو ظاهر رواية ابن منصور
وما لا يتعلق به حق توفية كالعبد والدار
والصبرة ونحوها من الذميات ففيه الروايات
المذكورة بعد كلام المصنف
(4/337)
الثانية ما جاز
له التصرف فيه فهو من ضمانه إذا لم يمنعه
البائع نص عليه قال في الفروع فظاهره تمكن من
قبضه أو لا وجزم به في المستوعب وغيره
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لا يكون من
ضمانه إلا إذا تمكن من قبضه
وقال ظاهر المذهب أن الفرق بين ما يتمكن من
قبضه وغيره ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره
قال في الفروع كذا قال قال ولم أجد الأصحاب
ذكروه ورد ما قاله الشيخ تقي الدين واستشهد
للرد بكلام بعض الأصحاب
الثالثة الثمن الذي ليس في الذمة حكمه حكم
الثمن فأما إن كان في الذمة فله أخذ بدله
لاستقراره
قال المصنف في فتاويه فيمن اشترى شاة بدينار
فبلعته إن قلنا يتعين الدينار بالتعيين وينفسخ
العقد بتلفه قبل قبضه انفسخ هنا وإن لم نقل
بأحدهما لم ينفسخ
الرابعة حكم كل معين ملك بعقد معاوضة ينفسخ
بهلاكه قبل قبضه كالأجرة المعينة والعوض في
الصلح بمعنى البيع ونحوهما حكم العوض في البيع
في جواز التصرف ومنعه كما سبق قطع به الأصحاب
وجوز الشيخ تقي الدين البيع فيه وغيره لعدم
قصد الربح انتهى
وحكم ما لا ينفسخ العقد بتلفه قبل قبضه كالعوض
في الخلع والعوض في العتق والمصالح به عن دم
العمد قيل حكم البيع كما تقدم في الذي قبله
اختاره القاضي في المجرد لكن يجب بتلفه مثله
أو قيمته جزم به في المحرر والرعاية الصغرى
والحاوي الصغير ولا فسخ على الصحيح
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله لهما فسخ
نكاح لفوت بعض المقصود كعيب مبيع انتهى
وقيل له التصرف قبل قبضه فيما لا ينفسخ فيضمنه
جزم به في المغني والشرح والحاوي الكبير وقدمه
في الرعاية الكبرى والفائق وأطلقهما في الفروع
وفي المستوعب وفي التلخيص بل ضمانه كبيع
وحكم المهر كذلك عند القاضي وهو ظاهر كلام
جماعة وجزم به في الحاوي الكبير والمحرر وقدمه
في الرعاية الكبرى
وقال أبو الخطاب إن لم يكن متعينا ذكره المصنف
وأطلقهما في المغني والشرح والفروع والفائق
الخامسة لو تعين ملكه في موروث أو وصية أو
غنيمة لم يعتبر قبضه في صحة تصرفه
(4/338)
فيه ذكره الشيخ
تقي الدين رحمه الله بلا خلاف وجزم به في
التلخيص والمغني والمحرر والشرح والحاوي
الكبير والفائق وقدمه في الفروع والرعاية
الكبرى وغيرهما لعدم ضمانه بعقد معاوضة كمبيع
مقبوض وكوديعة وكماله في يد وكيله ونحو ذلك
وقيل وصية كبيع وقيل وإرث أيضا كبيع
وفي الإفصاح عن أحمد منع بيع الطعام قبل قبضه
في إرث وغيره
وفي الانتصار منع تصرفه في غنيمة قبل قبضها
إجماعا وعارية كوديعة في جواز التصرف ويضمنها
مستعير
ويأتي حكم القرض في أول بابه
قوله : ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن
بكيله أو وزنه
وكذا المعدود والمذروع بعده وذرعه على ما تقدم
نص عليه وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب لكن
يشترط في ذلك كله حضور المستحق أو نائبه
وعنه إن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز
نصره القاضي وغيره
وقال في المحرر ومن تابعه وإن تقابضاه جزافا
لعلمهما بقدره جاز إلا في المكيل فإنه على
روايتين
ويأتي في أواخر السلم هل يكتفي بعلم كيله أو
وزنه ونحو ذلك عن المكيل والموزون ونحوهما أم
لا
فوائد
إحداها : نص الإمام أحمد رحمه الله على كراهة
زلزلة الكيل
الثانية الصحيح من المذهب صحة استنابة من عليه
الحق للمستحق في القبض
قال في التلخيص صح في أظهر الوجهين وقدمه في
الفروع وقيل لا يصح
الثالثة نص الإمام أحمد رحمه الله وقاله
القاضي وأصحابه طرفه كيده بدليل تنازعهما ما
فيه وقيل لا
الرابعة نص الإمام احمد رحمه الله أيضا على
صحة قبض وكيل من نفسه لنفسه وهو المذهب وعليه
جمهور الأصحاب قاله في الفروع
قال في التلخيص هذا المشهور في المذهب وعليه
جمهور الأصحاب وقاله في الترغيب وغيره وقدمه
في الفروع وغيره وقيل لا يصح
ولو قال له اكتل من هذه الصبرة قدر حقك ففعل
صح وقيل لا ويأتي ذلك في آخر باب السلم
(4/339)
قوله : وفي
الصبرة وما ينقل بالنقل وفيما يتناول بالتناول
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب
وعنه أن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز
ونصره القاضي وغيره كما تقدم
فائدة : قال المصنف في المغني في كتاب الهبة
والقبض في المشاع بتسليم الكل إليه فإن أبى
الشريك أن يسلم نصيبه قيل للمتهب وكل الشريك
في قبضه ونقله فإن أبى نصب الحاكم من يكون في
يده لهما فينقله ليحصل القبض لأنه لا ضرر على
الشريك في ذلك ويتم به عقد شريكه
وقال في الرعاية ومن اتهب مبهما أو مشاعا من
منقول وغيره مما ينقسم أو غيره فأذن له شريكه
في القبض كان سهمه أمانة مع المتهب أو يوكل
المتهب شريكه في قبض سهمه منه ويكون أمانة وإن
تنازعا قبض لهما وكيلهما أو أمين الحاكم انتهى
وقال في الفروع في باب الهبة قال في المجرد
يعتبر لقبض المشاع إذن الشريك فيكون نصفه
مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة وقال في
العيون بل عارية انتهى
وقال في الرعاية أيضا في باب القبض والضمان
ومن باع حقه المشاع من عين وسلم الكل إلى
المشتري بلا إذن شريكه فهو غاصب حق شريكه فإن
علم المشتري عدم إذنه في قبض حقه فتلف ضمن
أيهما شاء والقرار على المشتري وكذا إن جهل
الشركة أو وجوب الإذن ومثله يجهله لكن القرار
على البائع لأنه غره ويحتمل أن يختص بالمشتري
قوله : وفيما عدا ذلك بالتخلية
كالذي لا ينقل ولا يحول وهذا بلا نزاع لكن قال
المصنف والشارح وصاحب الترغيب والرعاية
والحاوي وغيرهم مع عدم المانع
قلت: ولعله مراد من أطلق
فائدتان
إحداهما : أجرة توفية الثمن والمثمن على باذله
منهما قاله الأصحاب
وقال في النهاية أجرة نقله بعد قبض البائع له
عليه انتهى
وأجرة المنقولات على المشتري سواء قلنا كمقبوض
أو لا جزم به في التلخيص وغيره وقدمه في
الفروع والرعاية
وقال المصنف والشارح وغيرهما أجرة المنقولات
على المشتري سواء قلنا كمقبوض أو لا
قال المصنف لأنه لم يتعلق به حق توفية نص عليه
(4/340)
وقال في
الرعاية الكبرى ومؤنة توفية كل واحد من
العوضين من أجرة وزنه وكيله وذرعه وعده وغير
ذلك على باذله ومؤنة قبض ما بيع جزافا وهو
متميز على من صار له إن قلنا هو في حكم
المقبوض وإلا فلا
وما بيع بصفة أو رؤية متقدمة فهو كالمكيل
والموزون ونحوهما في حق التوفية وغيرها
وقيل أجرة الكيال على البائع وكذا أجرة الوزان
والنقل وقيل بل على المشتري
ثم قال من عنده ويحتمل أن عليه أجرة النقاد
وزنة الوزان انتهى
وقال القاضي في التعليق وأجرة النقاد فإن كان
قبل أن يقبض البائع الثمن فهي على المشتري لأن
عليه تسليم الثمن إليه صحيحا وإن كان قد قبض
فهي على البائع لأنه قد قبضه منه وملكه فعليه
أن يبين أن شيئا منه معيبا يجب رده
الثانية يتميز الثمن عن المثمن بدخول باء
البدلية مطلقا على الصحيح من المذهب قدمه في
التلخيص والرعاية وقال وهو أولى
قال الأزجي في نهايته وهو أظهر
وقيل إن اشتملت الصفقة على أحد النقدين فهو
الثمن وإلا فهو ما دخلته باء البدلية نحو لو
قال بعتك هذا بهذا فقال المشتري اشتريت أو قال
اشتريت هذا بهذا فقال البائع بعتك
وذكر الأزجي في نهايته وجها ثالثا وهو أن
الثمن الدراهم والدنانير الموضوعة للثمينة
اصطلاحا فيختص بها فقط
قلت: وهو قريب من الذي قبله
فوائد
منها لا يضمن النقاد ما أخطأوا على الصحيح من
المذهب نص عليه
زاد في الرعاية إذا عرف حذقه وأمانته والظاهر
أنه مراد من أطلق
وقيل يضمنون
ومنها إتلاف المشتري للمبيع قبض مطلقا على
الصحيح من المذهب
وقيل إن كان عمدا فقبض وإلا فلا
وغصبه ليس بقبض
وفي الانتصار خلاف إن قبله هل يصير قابضا أم
يفسخ ويغرم قيمته؟.
وكذا متهب بإذنه هل يصير قابضا فيه وفي غصب
عقار لو استولى عليه وحال بينه وبين بائعه صار
قابضا؟.
(4/341)
ومنها يصح قبضه
من غير رضا البائع على الصحيح من المذهب وقال
في الانتصار يحرم في غير متعين
ومنها لو غصب البائع الثمن أو أخذه بلا إذنه
لم يكن قبضا إلا مع المقاصة
فائدة : يحرم تعاطيهما عقدا فاسدا فلو فعلا لم
يملك به ولا ينفذ تصرفه على الصحيح من المذهب
وخرج أبو الخطاب في انتصاره صحة التصرف فيه من
الطلاق في النكاح الفاسد
واعترضه أحمد الحربي في تعليقه وفرق بينهما
وأبدى ابن عقيل في عمد الأدلة احتمالا بنفوذ
الإقالة في البيع الفاسد كالطلاق في النكاح
الفاسد قال ويفيد ذلك أن حكم الحاكم بعد
الإقالة بصحة العقد لا يؤثر انتهى
قال في الفائق قال شيخنا يعني به الشيخ تقي
الدين رحمه الله يترجح أنه يملكه بعقد فاسد
فعلى المذهب حكمه حكم المغصوب في الضمان على
الصحيح من المذهب جزم به في الرعايتين
والحاويين وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره
قال في القاعدة السادسة والأربعين هذا المعروف
من المذهب
وقال ابن عقيل وغيره حكمه حكم المقبوض على وجه
السوم ومنه خرج ابن الزاغوني لا يضمنه
ويأتي حكم المقبوض على وجه السوم في باب
الضمان وإن كان هذا محله لمعنى ما
وعلى المذهب أيضا يضمنه بقيمته على الصحيح نص
عليه في رواية ابن منصور وأبي طالب
وذكر أبو بكر يضمنه بالمسمى لا القيمة كنكاح
وخلع وحكاه القاضي في الكتابة واختاره الشيخ
تقي الدين
وقال في الفصول يضمنه بالثمن والأصح بقيمته
كمغصوب
وفي الفصول أيضا في أجرة المثل في مضاربة
فاسدة أنه كبيع فاسد إذا لم يستحق فيه المسمى
استحق ثمن المثل وهو القيمة كذا تجب قيمة
المثل لهذه المنفعة انتهى
وقال في المغني في تصرف العبد وصاحب المستوعب
أو يضمن مثله يوم تلفه وخرج القاضي وغيره فيه
وفي عارية كمغصوب وقاله في الوسيلة
وقيل له حبس المقبوض بعقد فاسد على قبض ثمنه
وعلى المذهب يضمن زيادته على الصحيح
(4/342)
قال في الرعاية
الكبرى وله مطلقا نماؤه المتصل والمنفصل
وأجرته مدة قبضه بيد المشتري وأرش نقصه
وقيل هل أجرته وزيادته مضمونة أو أمانة على
وجهين انتهى
وقال في الصغرى ونماؤه وأجرته وأرش نقصه
لمالكه
وقيل عليه أجرة المثل لمنفعة وضمانه إن تلف
بقيمته وزيادته أمانة انتهى
وقدم الضمان أيضا في الزيادة وصححه في تصحيح
المحرر
وقال في الفروع والمحرر والنظم وفي ضمان
زيادته وجهان
وقال في المغني والترغيب والرعايتين والحاويين
وغيرهما إن سقط الجنين ميتا فهدر وقاله القاضي
وعند أبي الوفاء يضمنه انتهى
ويضمنه ضاربه بلا نزاع وحكمه في الوطء حكم
الغاصب إلا أنه لا حد عليه وولده حر
قوله : والإقالة فسخ
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه جماهير
الأصحاب قاله في القواعد الفقهية اختارها
الخرقي والقاضي والأكثرون
قال الزركشي هي اختيار جمهور الأصحاب القاضي
وأكثر أصحابه
قال في المغني والشرح والفائق وغيرهم ويشرع
إقالة النادم وهي فسخ في أصح الروايتين وقدمه
في الفروع والرعايتين والمحرر وغيرهم وحكاه
القاضي والمصنف وغيرهما عن أبي بكر
وعنه إنها بيع اختارها أبو بكر في التنبيه
تنبيه ينبني على هذا الخلاف فوائد كثيرة ذكرها
ابن رجب في فوائده وغيره
منها إذا تقايلا قبل القبض فيما لا يجوز بيعه
قبل قبضه فيصح على المذهب ولا يصح على الثانية
إلا على رواية حكاها القاضي في المجرد في
الإجارات أنه يصح بيعه من بائعه خاصة قبل
القبض وقد تقدمت واختارها الشيخ تقي الدين
وقاله أبو الخطاب في الانتصار
ومنها جوازها في المكيل والموزون بغير كيل
ووزن على المذهب ولا يصح على الثانية وهي
طريقة أبي بكر في التنبيه والقاضي والأكثرين
وجزم بها في الفروع وغيره
وحكي عن أبي بكر أنه لا بد فيها من كيل أو وزن
ثان على الروايتين جميعا وقطع به المصنف
والشارح عن أبي بكر
ومنها إذا تقايلا بزيادة على الثمن أو بنقص
منه أو بغير جنس الثمن لم تصح الإقالة والملك
باق للمشتري على المذهب
(4/343)
وعلى الثانية
فيه وجهان وأطلقهما المصنف هنا وأطلقهما في
الهداية والمذهب والمحرر والرعاية والحاوي
الصغير والزركشي وغيرهم
أحدهما لا يصح إلا بمثل الثمن أيضا صححه
المصنف والشارح وصاحب الحاوي الكبير والمستوعب
والفائق وهو المذهب عند القاضي في خلافه قال
في القواعد وهو ظاهر ما نقله ابن منصور
والوجه الثاني يصح بزيادة على الثمن ونقص
وصححه القاضي في الروايتين وهو ظاهر ما قدمه
في الفروع فإنه قال وعنه بيع فينعكس ذلك إلا
مثل الثمن في وجه ويكون هذا المذهب على ما
اصطلحناه
ومنها تصح الإقالة بلفظ الإقالة والمصالحة على
المذهب ذكره القاضي وابن عقيل
وعلى الثانية لا تنعقد صرح به القاضي في خلافه
وقال ما يصلح للحل لا يصلح للعقد وما يصلح
للعقد لا يصلح للحل فلا تنعقد الإقالة بلفظ
البيع ولا البيع بلفظ الإقالة قاله في القواعد
وظاهر كلام كثير من الأصحاب انعقادها بذلك
وتكون معاطاة قاله في الفوائد
ومنها عدم اشتراط شروط البيع من معرفة المقال
فيه والقدرة على تسليمه وتمييزه عن غيره على
المذهب
وعلى الثانية يشترط معرفة ذلك ذكره في المغني
في التفليس
قال في القواعد وفي كلام القاضي ما يقتضي أن
الإقالة لا تصح مع غيبة الآخر على الروايتين
ولو قال أقلني ثم غاب فأقاله لم يصح قدمه في
الفروع وقدم في الانتصار يصح على الفور
وقال ابن عقيل وغيره الإقالة لما افتقرت إلى
الرضا وقفت على العلم
ومنها لو تلفت السلعة فقيل لا تصح الإقالة على
الروايتين وهي طريقة القاضي في موضع من خلافه
والمصنف في المغني
وقيل إن قيل هي فسخ صحت وإلا لم تصح
قال القاضي في موضع من خلافه هو قياس المذهب
وفي التلخيص وجهان وقال أصلهما الروايتان فيما
إذا تلف المبيع في مدة الخيار وأطلقهما في
الفروع وقالا وفارق الرد بالعيب لأنه يعتمد
مردودا
ومنها صحتها بعد نداء الجمعة على المذهب
وعلى الثانية لا تصح قاله القاضي وابن عقيل
ومن تابعهما
(4/344)
ومنها نماؤه
المنفصل فعلى الثانية لا يتبع وعلى المذهب قال
القاضي هو للمشتري
قال ابن رجب وينبغي تخريجه على الوجهين كالرد
بالعيب والرجوع للمفلس
وخرج القاضي وجها برده مع أصله حكاه المجد عنه
في شرحه
وقال في المستوعب والرعاية النماء للبائع على
المذهب مع ذكرهما أن نماء العيب للمشترى
ومنها لو باعه نخلا حاملا ثم تقايلا وقد أطلع
فعلى المذهب يتبع الأصل سواء كانت مؤبرة أو لا
وعلى الثانية إن كانت مؤبرة فهي للمشتري الأول
وإن لم تكن فهي للبائع الأول
ومنها خيار المجلس لا يثبت فيها على المذهب
وعلى الثانية قال في التلخيص يثبت فيها كسائر
العقود قال ويحتمل عندي لا يثبت
ومنها هل يرد بالعيب فعلى الثانية له الرد
وعلى المذهب يحتمل أن لا يرد به ويحتمل أن يرد
به قاله في القواعد
ومنها الإقالة في المسلم فيه قبل قبضه فقيل
يجوز الإقالة فيه على الروايتين وهي طريقة
الأكثرين ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك
وقيل يجوز على المذهب لا الثانية وهي طريقة
القاضي وابن عقيل في روايتيهما وصاحب الروضة
وابن الزاغوني ويأتي ذلك أيضا في باب السلم
ومنها لو باعه جزءا مشاعا من أرضه فعلى المذهب
لا يستحق المشتري ولا من حدث له شركة في الأرض
قبل المقايلة شيئا من الشقص بالشفعة
وعلى الثانية يثبت لهم
وكذا لو باع أحد الشريكين حصته ثم عفا الآخر
عن شفعته ثم تقايلا وأراد العافي أن يعود إلى
الطلب فليس له ذلك على المذهب
وعلى الثانية له ذلك
ومنها لو اشترى شقصا مشفوعا ثم تقايلاه قبل
الطلب
فعلى الثانية لا يسقط وعلى المذهب لا يسقط
أيضا وهو قول القاضي وأصحابه
وقيل يسقط وهو المنصوص وهو ظاهر كلام أبي حفص
والقاضي في خلافه
ومنها هل يملك المضارب أو الشريك الإقالة فيما
اشترياه فالأكثرون على أنهما يملكانها عليهما
من المصلحة
وقال ابن عقيل في موضع من فصوله على المذهب لا
يملكها وعلى الثانية يملكها
(4/345)
ويأتي ذلك في
كلام المصنف في أول الشركة
ومنها هل يملك المفلس بعد الحجر المقايلة
لظهور المصلحة
فعلى الثانية لا يملك وعلى المذهب الأظهر
يملكها قاله ابن رجب
ومنها لو وهب الوالد لولده شيئا فباعه ثم رجع
إليه بإقالة
فعلى المذهب يمتنع رجوع الأب وعلى الثانية فيه
وجهان أطلقهما في الفوائد
ويأتي هذا هناك
وكذا حكم المفلس إذا باع السلعة ثم عادت إليه
بإقالة ووجدها بائعها عنده ويأتي هذا في باب
الحجر
ومنها لو باع امة ثم أقاله فيها قبل القبض
فقال أبو بكر وابن أبي موسى والشيرازي يجب
استبراؤها على الثانية ولا يجب على المذهب
وقيل فيها روايتان من غير بناء
قال الزركشي والمنصوص في رواية ابن القاسم
وابن بختان وجوب الاستبراء مطلقا ولو قبل
القبض وهو مختار القاضي وجماعة من الأصحاب
إناطة بالملك واحتياطا للأبضاع
ونص في رواية أخرى أن الإقالة إن كانت بعد
القبض والتصرف وجب الاستبراء وإلا لم يجب
وكذلك حكى الرواية القاضي وأبو محمد في الكافي
والمغني
وكأن الإمام أحمد لم ينظر إلى انتقال الملك
إنما نظر للاحتياط
قال والعجب من المجد حيث لم يذكر قيد التفرق
مع وجوده وتصريح الإمام به لكنه قيد المسألة
بقيد لا بأس به وهو بناؤها على القول بانتقال
الملك أما لو كانت الإقالة في بيع خيار وقلنا
لم ينتقل فظاهر كلامه أن الاستبراء لا يجب وإن
وجد القبض
ولم يعتبر المجد أيضا القبض فيما إذا كان
المشتري لها امرأة بل حكى فيه الروايتين وأطلق
وخالف أبا محمد في تصريحه بأن المرأة بعد
التفرق كالرجل
ونص الإمام أحمد رحمه الله الذي فرق فيه بين
التفرق وعدمه وقع في الرجل انتهى كلام الزركشي
وقال في القواعد بعد أن حكى الطريقتين
الأوليين ثم قيل إنه ينبني على انتقال الضمان
عن البائع وعدمه وإليه أشار ابن عقيل
وقيل بل يرجع إلى أن تجدد الملك مع تحقق
البراءة من الحمل هل يوجب الاستبراء أم لا قال
وهذا أظهر انتهى
(4/346)
ومنها لو حلف
لا يبيع أو لأبيعن أو علق في البيع طلاقا أو
عتقا ثم قال فإن قلنا هي بيع ترتب عليه أحكامه
من البر والحنث وإلا فلا
قال ابن رجب وقد يقال الأثمان تنبني على العرف
وليس في العرف أن الإقالة بيع
ومنها لو باع ذمي ذميا خمرا وقبضت دون ثمنها
ثم أسلم البائع وقلنا يجب له الثمن فأقال
المشتري فيها فعلى الثانية لا يصح
وعلى المذهب قيل لا يصح أيضا وقيل يصح
وأطلقهما في الفوائد
ومنها هل تصح الإقالة بعد موت المتعاقدين ذكر
القاضي في موضع من خلافه أن خيار الإقالة يبطل
بالموت ولا يصح بعده
وقال في موضع آخر إن قلنا هي بيع صحت من
الورثة وإن قلنا فسخ فوجهان
وبنى في الفروع صحة الإقالة من الورثة على
الخلاف إن قلنا فسخ لم تصح منهم وإلا صحت
ومنها لو تقايلا في بيع فاسد ثم حكم حاكم بصحة
العقد ونفوذه فهل يؤثر حكمه إن قلنا الإقالة
بيع فحكمه بصحة البيع صحيح
وإن قلنا فسخ لم ينفذ لأن العقد ارتفع
بالإقالة
ويحتمل أن ينفذ وتلغى الإقالة وهو ظاهر ما
ذكره ابن عقيل في عمد الأدلة
ومنها مؤنة الرد فقال في الانتصار لا تلزم
مشتريا وتبقى بيده أمانة كوديعة وفي التعليق
للقاضي يضمنه
قال في الفروع فيتوجه تلزمه المؤنة وقطع به في
الرعاية في معيب وفي ضمانه النقص خلاف في
المغني
قال في الفروع فإن قيل الإقالة بيع توجه على
مشتر
فائدة : إذا وقع الفسخ بإقالة أو خيار شرط أو
عيب أو غير ذلك فهل يرتفع العقد من حينه أو من
أصله
قال القاضي في الإقالة في النماء المنفصل إذا
قيل إنها فسخ يكون للمشتري فيحكم بأنها فسخ من
حينه وهذا المذهب
قال في آخر القاعدة السادسة والثلاثين وخامسها
أن ينفسخ ملك المؤجر ويعود إلى من انتقل الملك
إليه منه فالمعروف في المذهب أن الإجارة لا
تنفسخ بذلك لآن فسخ العقد رفع له من حينه لا
من أصله انتهى
وقال أبو الحسين في تعليقه والفسخ عندنا رفع
للعقد من حينه
وقال أبو حنيفة من أصله انتهى
(4/347)
قال الشيخ تقي
الدين رحمه الله القياس أن الفسخ رفع العقد من
حينه كالرد بالعيب وسائر الفسوخ
وقال في الفروع وفي تعليق القاضي والمغني
وغيرهما الإقالة فسخ للعقد من حينه وهذا أظهر
انتهى
والذي رأينا في المغني الإقالة فسخ للعقد ورفع
له من أصله ذكره في الإقالة في السلم
فلعل صاحب الفروع اطلع على مكان غير هذا أو هو
كما قال شيخنا في حواشيه إن الضمير في قوله:
من حينه يرجع إلى العقد لا إلى الفسخ
قلت: وهو بعيد
وصرح أبو بكر في التنبيه بانفساخ النكاح لو
نكحها المشتري ثم ردها بعيب بناء على أن الفسخ
يرفع العقد من أصله انتهى
وقال القاضي وابن عقيل في خلافيهما الفسخ
بالعيب رفع للعقد من حينه والفسخ بالخيار رفع
للعقد من أصله لأن الخيار يمنع اللزوم بالكلية
ولهذا يمنع من التصرف في المبيع وثمنه بخلاف
المعيب انتهيا
وتلخص لنا في المسألة ثلاثة أوجه
ثالثها فرق بين الفسخ بالخيار وبين الفسخ
بالعيب وأن المذهب أنه فسخ للعقد من حينه
آخر الجزء الرابع من الإنصاف. ويليه بمشيئة
الله ومعونته وحسن توفيقه:
الجزء الخامس وأوله
"باب الربا والصرف"
والله المستعان على الإكمال، ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك
على خير خلقه، وصفوة رسله: محمد إمام
المهتدين، وعلى آله أجمعين.
(4/348)
المجلد الخامس
تابع لكتاب البيوع
باب الربا والصرف
...
بسم الله الرحمن الرحيم
باب الربا والصرف
قوله: "فأما ربا الفضل فيحرم في الجنس الواحد
من كل مكيل أو موزون".
هذا الصحيح من المذهب بلا ريب وعليه جماهير
الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
الفروع وغيره وقال هذا المذهب.
قال الشارح هذا أشهر الروايات وذكره الخرقي
وابن أبي موسى وأكثر الأصحاب.
قال القاضي اختارها الخرقي وشيوخ أصحابنا.
قال الزركشي هي الاشهر عنه ومختار عامة
أصحابه.
قال في الفائق اختاره الأكثرون.
فعليها علة الربا في الذهب والفضة كونهما
موزون جنس وعلة الأربعة الباقية المنصوص عليها
في الحديث كونهن مكيلات جنس على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال بعض الأصحاب
الكيل بمجرده علة والجنس شرط.
وقال أو اتصافه بكونه مكيل جنس هو العلة وفعل
الكيال شرط أو نقول الكيل أمارة فالحكم على
المذهب إيجاب المماثلة مع ان الأصل إباحة بيع
الأموال الربوية بعضها ببعض مطلقا والتحريم
لعارض.
وعلى المذهب يجوز إسلام النقدى في الموزون وبه
بطلت العلة لأن كل شيئين شملهما إحدى علتي ربا
الفضل يحرم النساء فيهما وفي طريقة بعض
الأصحاب يحرم سلمهما فيه ولا يصح وإن صح
فللحاجة.
تنبيه فعلى هذه الرواية يجرى الربا في كل مكيل
أو موزون بجنسه مطعوما كان أو غير مطعوم
كالحبوب والأشنان والنورة والقطن والصوف
والحناء والكتان والحديد والنحاس والرصاص ونحو
ذلك ولا يجرى في مطعوم لا يكال ولا يوزن
كالمعدودات ونحوها.
وعنه لا يحرم إلا في الجنس الواحد من الذهب
والفضة.
(5/13)
وكل مطعوم
مراده مطعوم للآدمي وهو واضح قال أبو بكر روى
ذلك عن أحمد جماعة فتكون العلة في الأثمان
الثمنية وفيما عداها.
كونه مطعوم جنس فتختص بالمطعومات ويخرج ما
عداها وعنه لا يحرم إلا في ذلك إذا كان مكيلا
أو موزونا اختارها المصنف والشيخ تقي الدين
رحمه الله وقواها الشارح وجزم به في العمدة.
فتكون العلة في الأثمان الثمنية وفي الأربعة
الباقية كونهن مطعوم جنس إذا كان مكيلا أو
موزونا فلا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا
يوزن كالتفاح والرمان والبطيخ والجوز والبيض
ونحوه ولا فيما ليس بمطعوم كالزعفران والأشنان
والحديد ونحوه وأطلقهن على المذهب.
فوائد
الأولى: قولنا في الروايتين الأخيرتين العلة
في الأثمان الثمنية هي علة قاصرة قال في
الفروع لا يصح التعليل بها في اختيار الأكثر
ونقضت طردا بالفلوس لأنها أثمان وعكسا بالحلى
وأجيب بعدم النقدية الغالبة.
قال في الانتصار ثم يجب أن يقولوا إذا نفقت
حتى لا يتعامل إلا بها إن فيها الربا لكونها
ثمنا غالبا.
قال في التمهيد من فوائدها ربما حدث جنس آخر
يجعل ثمنا فتكون تلك علة.
الثانية: رجح ابن عقيل أخيرا في عمد الأدلة أن
الأعيان الستة المنصوص عليها لا تعرف علتها
لخفائها فاقتصر عليها ولم يتعداها لتعارض
الأدلة عنده في المغنى وهو مذهب طاوس وقتادة
وداود وجماعة.
الثالثة: القاعدة على غير قول ابن عقيل أن كل
شيء اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس
واحد فيه الربا رواية واحدة كالأرز والدخن
والذرة والقطنيات والدهن واللبن ونحو ذلك وما
عدم فيه الكيل والوزن والطعم أو اختلف جنسه
فلا ربا فيه رواية واحدة كالتين والنوى والقت
والطين إلا الأرمنى فإنه يؤكل دواء فيكون
موزونا مأكولا فهو من القسم الأول وما وجد فيه
الطعم وحده أو الكيل أو الوزن من جنس واحد
ففيه الخلاف.
قال الشارح والأولى إن شاء الله حله.
الرابعة: لا ربا في الماء مطلقا على الصحيح من
المذهب لإباحته أصلا وعدم تموله عادة وعليه
أكثر الأصحاب وقطعوا به منهم القاضي والمصنف
وعدم تموله عادة وعليه أكثر الأصحاب وقطعوا به
منهم القاضي والمصنف وابن الجوزي والسامري
والشارح وصاحب التلخيص والرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم وصححه في الفروع.
فعليها قال المصنف وتبعه الشارح والزركشي لأنه
ليس بمكيل فلا يجرى فيه الربا.
(5/14)
وظاهر كلامه في
الفروع وغيره أنه مكيل فيكون مستثنى من عموم
كلامهم ويعايى بها وقيل يجرى فيه الربا إن قيل
إنه مكيل.
قال الزركشي والأقيس جريان الربا فيه على
رواية أن علة الربا الطعم قال وهو ظاهر ما في
خلاف أبي الخطاب الصغير.
وتعليلهم بأن الأصل الإباحة ينتقض بلحم الطير
وبالطين الأرمنى ونحوهما وبأنه مما لا يتمول
مردود بأن العلة عندنا ليست المالية.
الخامسة: الذهب والفضة داخلان على الروايات
كلها فيحرم التفاضل فيهما مطلقا على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب إلا أن الشيخ تقى الدين
رحمه الله جوز بيع المصوغ المباح بقيمته حالا.
قلت وعمل الناس عليه.
وكذا جوزه نساء ما لم يقصد كونها ثمنا قال
وإنما خرج عن القرب بالصنعة فليس بربوي وإلا
فجنس بنفسه فيباح خبز بهريسة.
وجوز الشيخ تقى الدين رحمه الله أيضا بيع
موزون ربوى بالتحرى للحاجة.
السادسة: فعلى المذهب في أصل المسألة هل يجوز
التفاضل فيما لا يوزن بصناعة أم لا فيه
روايتان وذلك كالمعمول من الذهب والفضة والصفر
والحديد والرصاص ونحوه وكالمعمول من الموزونات
كالخواتم والأسطال والإبر والسكاكين والثياب
والأكيسة ونحو ذلك وأطلقهما في المذهب والفروع
والفائق وأطلقهما في التلخيص فيما لا يقصد
وزنه.
إحداهما: يجوز التفاضل وهو المذهب اختاره
المصنف والشارح والشيخ تقى الدين وهو الصواب
وقدمه ابن رزين في شرحه.
الثانية: لا يجوز اختاره ابن عقيل في الفصول
وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاويين.
قال الزركشي المنع اختيار جماعة منهم ابن عقيل
وغيره.
وعنه يجوز بيع ثوب بثوبين وكساء بكساءين يدا
بيد وأصل ذلك الوزن ولم يراع أصله.
وقال القاضي في الجامع الصغير والتعليق إن قصد
وزنه كالاسطال والإبريسم ونحوهما لم يجز
التفاضل وإن لم يقصد وزنه كالصوف والقطن
ونحوهما جاز التفاضل وجزم به في التلخيص.
قال الزركشي وهو قول جماعة وهو أوجه وقاله في
الكافي في الموزون وقطع في المنسوج من القطن
والكتان أنه لا ربا فيه.
(5/15)
قال في الفروع
وعلى هذه المسألة يخرج بيع فلس بفلسين وفيه
روايتان منصوصتان وأطلقهما في التلخيص
والفروع.
إحداهما: لا يجوز التفاضل نص عليه في رواية
جماعة قدمه في الحاوى الكبير والمستوعب.
والرواية الثانية: يجوز التفاضل.
فعلى هذه الرواية لو كانت نافقة هل يجوز
التفاضل فيها على وجهين وأطلقهما في التلخيص
والفروع.
إحداهما: لا يجوز جزم به أبو الخطاب في خلافه
الصغير وقدمه في الحاوى الكبير والمستوعب.
والوجه الثاني: يجوز قال الزركشي قال القاضي
في الجامع الصغير وابن عقيل والشيرازي وصاحب
المستوعب والتلخيص وغيرهم سواء كانت نافقة أو
كاسدة بيعت بأعيانها أو بغير أعيانها.
وجزم ابو الخطاب في خلافه الصغير بأنها مع
نفاقها لا تباع بمثلها إلا مماثلة معللا بأنها
أثمان ثم حكى الخلاف في معمول الحديد قال
وتلخص من ذلك في الفلوس النافقة هل تجرى مجرى
الأثمان فيجرى الربا فيها إن قلنا العلة في
النقدين الثمنية مطلقا وهو ظاهر ما حكاه أبو
الخطاب في جامعة الصغير أو لا يجرى مجراها
نظرا إلى أن العلة ما هو ثمن غالبا وذلك يختص
الذهب والفضة وهو قول أبى الخطاب في خلافه
الكبير على القولين.
وعلى الثاني لا يجرى الربا فيها إلا إذا
اعتبرنا أصلها وقلنا العلة في النقدين الوزن
كالكاسدة انتهى كلام الزركشي.
قوله: ""ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه
وزنا، ولا ما أصله الوزن" أي بشيء من جنسه
"كيلا".
وهو المذهب وعليه الأصحاب وقال في الفائق وقال
شيخنا يعنى به الشيخ تقى الدين رحمه الله إن
بيع المكيل بجنسه وزنا شاع.
وقال في الفروع ويتوجه من جواز بيع حب بدقيقه
وسويقه جواز بيع مكيل وزنا وموزون كيلا اختاره
شيخنا.
(5/16)
قوله: "فإن
اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا
وجزافا".
شمل مسألتين.
إحداهما: باع مكيلا بموزون أو موزونا بمكيل
فهذا يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا وجزافا
إذا اختلف الجنس قولا واحدا ونص عليه لكن
الإمام أحمد رحمه الله كره المجازفة في رواية
ابن الحكم.
الثانية: باع مكيلا بمكيل أو موزونا بموزون
واختلف الجنس فعموم كلام المصنف هنا أنه يجوز
وهو قول أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقي
والمذهب الأحمد والنظم والوجيز وتجريد العناية
والمنور وإدراك الغاية وغيرهم واختاره ابن
عقيل والمصنف والمجد وصاحب التلخيص وابن منجا
في شرحه وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم.
قال في الفروع وهو أظهر وقدمه في الشرح
والفائق والهداية والمستوعب والخلاصة والرعاية
الكبرى وغيرهم.
وعنه لا يجوز ذلك جزافا اختاره جماعة من
الأصحاب منهم أبو بكر وابن أبى موسى والقاضى
في المجرد والخلاف والشريف أبو جعفر.
قال في الرعاية الكبرى وقيل يحرم وهو أظهر
وأومأ إليه أحمد وجزم به ناظم المفردات وهو
منها.
قال ابن أبى موسى لا خير فيما يكال بما يكال
جزافا ولا فيما يوزن بما يوزن جزافا اتفقت
الأجناس أو اختلفت وقاله القاضي وهو المنصوص
عن الإمام أحمد في رواية الحسن بن ثواب وغيره.
قال في الفروع ونصه لا يجوز.
قلت هذا المذهب لأنه المنصوص عن الإمام أحمد.
والأول اختاره كثير من الأصحاب لكن لم ينقل عن
صاحب المذهب وأطلقهما في المذهب والرعاية
الصغرى والحاويين.
قوله: "والجنس ماله اسم خاص يشمل أنواعا
كالذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح".
نص عليه قال في الطريق الأقرب والأبازير جنس.
تنبيه: صرح المصنف أن البر والشعير جنسان وهو
المذهب وعليه الأصحاب وعنه هما جنس واحد.
(5/17)
قوله: "وفروع
الأجناس أجناس كالأدقة والأخباز والأدهان".
وكذا الخلول وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه أن
خل التمر والعنب جنس واحد ورده المصنف والشارح
وغيرهما.
وقال في التلخيص وفي الخلول وجهان.
قال الزركشي وفي التلخيص الخلول كلها جنس واحد
ولا معول عليه انتهى.
قلت يحتمل أن يكون الوجه الثاني الذي في
التلخيص موافقا للرواية.
وخرج في النهاية من هذه الرواية أن الأدهان
المائعة جنس واحد وأن الفاكهة كتفاح وسفرجل
جنس.
فائدة: لا يصح بيع خل العنب بخل الزبيب مطلقا
نص عليه.
وقال القاضي وغيره لانفراد أحدهما بالماء.
قلت فبعاني بها.
واقتصر عليه الزركشي.
قوله: "واللحم أجناس باختلاف أصوله".
وهو المذهب وعليه الأكثر منهم أبو بكر والقاضي
في تعليقه وأبو الحسين وأبو الخطاب في خلافه
وابن عقيل وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
المحرر والفروع والنظم والفائق وغيرهم واختاره
ابن عبدوس في تذكرته.
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب.
قال في تجريد العناية اللحم أجناس باعتبار
أصوله على الأظهر.
وعنه جنس واحد اختاره الخرقي.
وأنكر القاضي كون هذه الرواية عن الإمام أحمد
رحمه الله وقدمه في الرعايتين والحاويين
وإدراك الغاية ونهاية ابن رزين.
قوله: "وكذلك اللبن".
يعني أن فيه روايتين هل هو أجناس باختلاف
أصوله وهو المذهب كاللحم أو جنس واحد كاللحم
سواء خلافا ومذهبا.
وقال ابن عقيل لبن البقر الأهلية والوحشية جنس
واحد على الروايات كلها لأن اسم البقر يشملها
ورده المصنف والشارح.
وعنه في اللبن أنه أربعة أجناس أيضا كاللحم
ذكرها في المذهب والهادي والتلخيص والرعاية
وغيرهم.
(5/18)
وعنه في اللحم
أنه أربعة أجناس لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم
الطير ولحم دواب الماء اختارها القاضي في
روايتيه وحمل كلام الخرقي عليه وضعف المصنف
اختيار القاضي وأطلقهن في الهداية والمذهب
والمستوعب والكافي والهادي والخلاصة والتلخيص
والبلغة وقال ابن أبي موسى لا خلاف عن الإمام
أحمد أن لحم الطير والسمك جنسان انتهى.
وعنه في اللحم أنه ثلاثة أجناس لحم الأنعام
ولحم الطير ولحم دواب الماء.
قلت وهو ضعيف فإن لحم الوحش على هذه الرواية
لم يذكر له حكم.
فائدتان:
إحداهما: لحم الغنم جنس واحد على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل جنسان ضأن ومعز لتفريقه سبحانه وتعالى
بينهما وهو احتمال ذكره المصنف والشارح.
الثانية: الشحوم والأكبدة والأطحلة والرئات
والجلود والأصواف والعظام والرؤوس والأكارع
ونحو ذلك مما اشتمل عليه اللحم يجرى فيهن من
الخلاف ما يجرى في اللحم هل ذلك جنس أو أجناس
أو أربعة أو ثلاثة قاله الزركشي والسامري
وغيرهما.
قوله: "واللحم والشحم والكبد أجناس".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في
المحرر والوجيز وغيرهما وقدمه في الفروع
والرعاية وغيرهما.
قال المصنف والشارح وغيرهما هذا ظاهر المذهب.
وقال القاضي وصاحب عيون المسائل لا يجوز بيع
اللحم بالشحم.
قال الزركشي ولا أعلم له وجها.
قال في عيون المسائل لأنه لا ينفك عنه ولهذا
لو حلف لا يأكل لحما فأكل شحما حنث قال في
الفروع كذا قال.
قال المصنف والشارح فإن منع القاضي منه لكون
اللحم لا يخلو عن شحم لم يصح لأن الشحم لا
يظهر وإن كان فيه شيء فهو غير مقصود فلا يمنع
البيع ولو منع لذلك لم يجز بيع لحم بلحم
لاشتمال كل واحد منهما على ما ليس من جنسه ثم
لا يصح هذا عند القاضي
لأن السمين الذي يكون مع اللحم عنده لحم فلا
يتصور اشتمال اللحم على الشحم انتهيا.
(5/19)
فوائد:
منها: القلوب والرؤوس والأطحلة والرئات
والجلود والأصواف والعظام والأكارع كاللحم
والشحم والكبد يعني كل واحد من ذلك جنس غير
اللحم وهذا الصحيح من المذهب.
وقيل الرءوس من جنس اللحم وقدمه في الرعاية
الكبرى وقيل لا.
ومنها: الألية والشحم جنسان على الصحيح من
المذهب اختاره القاضي وغيره.
قال الزركشي هو المشهور عند الأصحاب وجزم به
في المحرر والرعاية الصغرى والحاويين وتذكره
ابن عبدوس وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل هما جنس واحد وهو ظاهر ما قدمه في النظم
وقدمه ابن رزين في شرحه واختاره المصنف وقال
ظاهر كلام الخرقي أن كل ما هو أبيض الحيوان
يذوب بالإذابة ويصير دهنا فهو جنس واحد قال
وهو الصحيح وأطلقهما في الفروع.
ومنها: اللحم الأبيض كسمين الظهر والجنبين
ونحوه هو واللحم الأحمر الخالص جنس واحد قاله
القاضي وابن البنا وغيرهما.
قال الزركشي جنس واحد على الأشهر وجزم به في
المستوعب والرعاية الصغرى والحاويين وقدمه في
الرعاية الكبرى.
وقال المصنف ظاهر كلام الخرقي أنهما جنسان.
ومنها: حكى ابن البنا وابن الجوزي في المذهب
ومسبوك الذهب في جواز بيع اللبأ باللبن وجهين.
وخصهما القاضي بما مست النار أحدهما ورده
المصنف والشارح.
وعندهما مع صاحب المستوعب أنهما جنس واحد يجوز
بيع أحدهما بالآخر متماثلا ولا يجوز متفاضلا
ولا يجوز إن مست النار أحدهما وجزم به في
النظم.
وحمل صاحب المستوعب وجه منع ابن البنا على ما
إذا مست النار أحدهما وجزم في الرعاية الكبرى
بعدم الجواز.
ومنها: لا يجوز بيع الزبد بالسمن على الصحيح
من المذهب قدمه في المغني والشرح ونصراه وقدمه
في الرعاية الكبرى وشرح ابن رزين وجزم به في
الكافي.
وقيل يجوز اختاره القاضي ورده المصنف.
قال في المحرر وعندي أنه جائز واقتصر عليه
وصححه في النظم وأطلقهما في الفروع والمستوعب
وقال ذكرهما ابن عقيل وذكرهما ابن عقيل
روايتين قاله في الفروع.
ومنها: يجوز بيع الزبد أو السمن بالمخيض على
الصحيح من المذهب.
قال المصنف والشارح وصاحب الفروع يجوزان به في
ظاهر المذهب متماثلا
(5/20)
ومتفاضلا وجزم
به في الرعاية الكبرى وقال نص عليه في الزبد
وجزم به في النظم في بيع السمن بالمخيض.
وقيل لا يجوز.
ومنها: لا يجوز بيع اللبن بالزبد ولا بالسمن
ولا بشيء منه من فروع اللبن كاللبأ ونحوه
وسواء كان فيه شيء من غيره أولا.
قدمه في المغنى والشرح وقال هذا ظاهر المذهب
وقدمه في الرعاية الكبرى والنظم.
وعنه يجوز بيع اللبن بالزبد إذا كان الزبد
المنفرد أكثر من الزبد الذي في اللبن وهذا
يقتضي جواز بيعه متفاضلا ومنع جوازه متماثلا.
قال القاضي وهذه الرواية لا تخرج على المذهب.
قلت هذه الرواية شبيهة بالرواية الثانية الذى
في مد عجوة على ما يأتى قريبا وقد صرح بذلك في
المذهب.
والحكم في السمن كالحكم في الزبد وقدم في
الرعاية أنه لا يجوز بيعه بسمن وإن جوزناه
بزبد.
ومنها لا يجوز بيع اللبن بالمخيض نص عليه
ويتخرج الجواز من التي قبلها.
قلت صرح في المذهب بها مثلها وحكى الخلاف في
الكل.
ومنها قال في الرعاية الكبرى لا يجوز بيع
اللبن سواء كان رائبا أو حليبا بلبن جامد أو
مصل أو جبن أو أقط وجزم به في المذهب وجزم به
في النظم في غير المصل.
قوله: "ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب قال المصنف والشارح
لا يختلف المذهب في ذلك وقال الشيخ تقي الدين
رحمه الله يحرم إذا كان الحيوان مقصود اللحم
وإلا فلا.
قوله: "وفي بيعه بغير جنسه وجهان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمذهب الأحمد والمستوعب والخلاصة والتلخيص
والبلغة والمغنى والمحرر والشرح والنظم
والفروع والفائق وغيرهم.
(5/21)
أحدهما لا يجوز
قال الزركشي وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وأبي
بكر وابن أبي موسى والقاضي في تعليقه وجامعه
الصغير وأبي الخطاب في خلافة الصغير وغيرهم
انتهى.
وصححه في التصحيح وقدمه في الرعايتين
والحاويين واختاره ابن عبدوس في تذكرته.
والوجة الثاني: يجوز قال المصنف والشارح
اختاره القاضي وجزم به في الوجيز والمنور
ونهاية ابن رزين ومنتخب الآدمي وصححه المجد في
شرحه وشيخنا في تصحيح المحرر وهو المذهب.
وقال الزركشي وبعض الأصحاب المتأخرين ينبنى
القولين على الخلاف في اللحم هل هو جنس أو
أجناس.
وصرح أبو الخطاب أنهما على القول بأنه أجناس
قال الزركشي وهو الصواب انتهى.
قلت قال في الكافي وإن باع اللحم بحيوان مأكول
غير أصله وقلنا هما أصل واحد لم يجز وإلا جاز.
وقال في المغنى احتج من منعه بعموم الأخبار
وبأن اللحم كله جنس واحد.
ومن أجازة قال مال الربا بيع بغير أصله ولا
جنسه فجاز كما لو باعه بالأثمان.
وقال في إدراك الغاية وعنه اللحم أجناس
باختلاف أصوله فلا يصح بيعه بحيوان من جنسه
وفي غيره وجه.
فبنى الخلاف على القول بأن اللحم أجناس.
وقال الشارح والظاهر أن الإختلاف مبنى على
الاختلاف في اللحم فإن قلنا إنه جنس واحد لم
يجز وإن قلنا أجناس جاز بيعه بغير جنسه.
فوائد
الأولى يجوز بيع اللحم بحيوان غير مأكول على
الصحيح من المذهب.
قال في الفائق جاز في أصح الوجهين.
قال المصنف والشارح جاز في ظاهر قول أصحابنا.
وكأنهما لم يطلعا على نقل فيه خاص.
قال أبو الخطاب ولا رواية فيه فيحتمل وجهين.
وصرح بالجواز القاضي في التعليق وأبو الخطاب
في خلافه الصغير وابن الزاغوني.
وصححه ابن عقيل في الفصول وقدمه في الفروع
والرعاية وهو ظاهر كلام الشريف أبي جعفر
والقاضي في الجامع الصغير.
وقيل هو كالمأكول جزم به ابن عقيل في التذكره
وأطلق وجهين في المستوعب.
(5/22)
الثانية يجوز
بيع اللحم بمثله بشرطه على الصحيح من المذهب
نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
قال الزركشي ذهب جمهور الأصحاب إلى الجواز.
واختاره القاضي وأبو الخطاب وغيرهما وقدمه في
المحرر والشرح والفروع والنظم وغيرهم وعنه لا
يجوز إذا كان رطبا اختاره الخرقي وأبو حفص
العكبري وقدمه في الرعايتين والحاويين.
ويأتي قريبا بيع رطبة برطبة وهو شامل لهذه
المسألة.
فعلى المذهب يشترط نزع عظمه على الصحيح من
المذهب.
قال الزركشي اشترط القاضي والأكثرون في بيع
اللحم نزع العظم.
قال في الفروع ويعتبر نزع عظمه في الأصح وقدمه
في الرعاية الكبرى وهو ظاهر ما جزم به في
الرعاية الصغرى والحاوى الصغير والتلخيص
والمحرر وتذكرة ابن عبدوس والإيضاح وقيل لا
يشترط.
قال المصنف والشارح وصاحب الحاوى الكبير
وغيرهم وكلام الإمام أحمد يقتضي الإباحة من
غير نزع عظامه ومالوا إلى ذلك وقدمه في النظم.
الثالثة يشترط لصحة بيع العسل بالعسل تصفيته
من الشمع فإن لم يصف فحكمه حكم مد عجوة على ما
يأتى في كلام المصنف.
قوله: "ولا يجوز بيع حب بدقيق ولا بسويقه في
أصح الروايتين".
وهي المذهب وعليه الأصحاب.
والرواية الثانية: يجوز فيباع وزنا اختارها في
الفائق وعلل الإمام أحمد رحمه الله المنع بأن
الأصل الكيل.
فوائد
إحداها يحرم بيع دقيق بسويقه على الصحيح من
المذهب قدمه في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
قال في الرعايتين يجوز على الأضعف.
وعنه لا يجوز وزنا قال في الحاويين يجوز بيع
دقيق بسويقه في أصح الوجهين.
الثانية لا يجوز بيع خبز بحبه ولا بدقيقة نص
عليه مرارا وجزم به في الرعاية والمذهب
وغيرهما نقل ابن القاسم وغيره المنع لأن فيه
ماء.
(5/23)
وعلله ابن شهاب
بأنهما إذا صارا خبزا كان أكثر من هذا.
وفي الفروع هنا كلام محتمل فلم نذكره.
الثالثة لا يجوز بيع حب جيد بمسوس ذكره ابن
عقيل وغيره واقتصر عليه في الفروع ويصح بيع حب
جيد بحب خفيف.
قال ابن عقيل وبيع عفنه بسليمه يحتمل كذلك.
قوله: "ولا أصله بعصيره".
يعنى لا يجوز كزيتون بزيت ونحوه.
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
ونقل مهنا في الزيتون يكره وهو قول في
الرعاية.
قوله: "ولا خالصة بمشوبة".
وكذا لا يجوز مشوبه بمشوبه وهذا المذهب وعليه
الأصحاب.
ويجوز بيع ذلك والذى قبله على الرواية التي في
"مد عجوة".
وظاهر ما قطع به في الرعاية الصغرى والحاوى
الصغير والخلاصة جواز بيع خالصه بمشوبه وفيه
نظر ظاهر وربما كان سهوا.
قوله: "ويجوز بيع دقيقة بدقيقة إذا استويا في
النعومة".
وهذا المذهب وعليه اكثر الأصحاب وقطع به كثير
منهم وقدم في التبصرة عدم الجواز.
فعلى المذهب يباع بالكيل على الصحيح من المذهب
قدمه في المغنى والشرح والفروع والرعايتين
والحاويين وغيرهم.
وقيل بالوزن اختاره القاضي ورده المصنف
والشارح.
قال في الرعايتين والحاويين وقيل أو وزنا.
قوله: "ومطبوخة بمطبوخة".
يعني يجوز كاللبأ بمثله والأقط بمثله والسمن
بمثله وما أشبهه وهذا المذهب مطلقا وعليه أكثر
الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح وغيرهما
وقدمه في الفروع وغيره.
(5/24)
وقيل لا يصح.
وقيل إن استويا في عمل النار صح وإلا فمد
عجوة.
قوله: "وخبزه بخبزه".
هذا المذهب في الجملة وعليه الأصحاب وأكثرهم
قطع به.
قال وفي المبهج لا يجوز فطير بخمير.
قوله: "إذا استويا في النشاف أو الرطوبة".
وهذا المذهب جزم به في المغنى والشرح والوجيز
وشرح ابن منجا والحاويين والتلخيص وتذكرة ابن
عبدوس.
وقال في الرعايتين وخبزه بخبزه وأطلق وقال
استويا جفافا.
وقال في الفروع وخبزه بخبزه ولم يحك خلافا
وكذا قال في الهداية.
قال في المذهب يجوز بيع الخبز بالخبز وإن
تفاوتا في الرطوبة واليبوسة ولعل هذا المذهب.
قوله: "وعصيره بعصيره".
هذا المذهب وعليه اكثر الأصحاب جزم به في
المغنى والشرح والهداية والخلاصة وصححه في
الفروع وقدمه في الرعاية الكبرى وقال نص عليه
وقيل لا يجوز.
قوله: "ورطبه برطبه".
هذا المذهب جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
المغنى والمحرر والشرح والفروع والرعاية
الكبرى وقال نص عليه وغيرهم.
قال الزركشي هو قول جمهور الأصحاب القاضي وأبى
الخطاب والشيخين وغيرهم.
ومنع منه ابن شهاب وأبو حفص العكبرى وهو رواية
عن الإمام أحمد وقالا يحتمله كلام الخرقي في
اللحم بمثله.
قال في المحرر ولم يجزه الخرقي في اللحم رطبا.
وقال المصنف ومفهوم كلام الخرقي إباحته هنا
لقوله: "ولا يباع شيء من الرطب بيابس من جنسه
فإن مفهومه جواز بيع الرطب بالرطب.
وتقدم بيع اللحم باللحم عند بيع اللحم
بالحيوان.
(5/25)
قوله: "ولا
يجوز بيع المحاقلة وهو بيع الحب في سنبلة
بجنسه".
أطلق المصنف قوله: "الحب في سنبله وأطلق أيضا
جماعة منهم صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والخلاصة والتلخيص والنظم والرعاية الصغرى
والحاويين والشرح وإدراك الغاية وغيرهم.
والصحيح من المذهب أن بيع المحاقلة هو ببيع
الحب المشتد في سنبله فلا بد أن يكون مشتدا
جزم به في المحرر والمنور والرعاية الكبرى
وقدمه في الفروع وقال ولم يقيده جماعة.
قوله: "وفي بيعه بغير جنسه وجهان وأطلقهما في
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة
والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق والشرح
والفروع أحدهما يصح وهو الصحيح صححه في
التصحيح والتلخيص والنظم وهو ظاهر ما صححه في
البلغة وجزم به في المنور وجزم في المغنى في
باب الربا عند مسألة والبر والشعير جنسان.
الوجة الثاني: لا يصح.
تنبيه: قوله: "وفي بيعه بغير جنسه".
قال في الفروع وفي بيعه بمكيل غير جنسه ثم قال
ويصح بغير مكيل فخص الخلاف بالمكيل وهو الصحيح
وجزم به في التلخيص والمحرر والفائق
والرعايتين وقدمه في الفروع.
ومثل في الحاوى الصغير بالشعير ونحوه ومثله في
الهداية والمذهب والخلاصة والحاوي الكبير
وغيرهما بالشعير وخص المصنف والشارح وصاحب
التلخيص وغيرهم الخلاف بالحب وهو ظاهر كلام
المصنف هنا.
فالأول أعم من الثاني لأن كل حب مكيل وليس كل
مكيل بحب وتظهر فائدة الخلاف في الأشنان ونحوه
فإنه داخل في القول الأول لا الثاني لأنه ليس
بحب.
قوله: "ولا بيع المزابنة وهي بيع الرطب في
رؤوس النخل بالتمر إلا في العرايا وهو بيع
الرطب في رؤوس النخل خرصا بمثله من التمر كيلا
فيما دون خمسة أوسق لمن به حاجة إلى أكل الرطب
ولا ثمن معه".
"العرايا" التي يجوز بيعها هي بيع الرطب في
رؤوس النخل سواء كان موهوبا أو غير
(5/26)
موهوب على
الصحيح من المذهب واختاره القاضي وجمهور
الأصحاب وهو ظاهر عموم كلام المصنف والمجد
وصاحب الوجيز وغيرهم.
وقدمه في المغنى والشرح والفروع والرعايتين
والحاويين والفائق.
وظاهر كلام الخرقي وتبعه جماعة من الأصحاب
منهم صاحب التلخيص تخصيص العرايا بالهبة وهو
ظاهر كلام الأمام أحمد رحمه الله.
قال في رواية سندي وابن القاسم العرية أن يهب
الرجل للجار أو ابن العم النخلة والنخلتين ما
لا تجب فيه الزكاة فللموهوب له أن يبيعها
بخرصها تمرا للرفق.
قوله: "فيما دون خمسة أوسق".
يشترط في صحة ذلك أن يكون فيما دون خمسة أوسق
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يجوز في خمسة أوسق.
وذكر ابن الزاغوني في الوجيز أنه لا تشترط
الأوسق أصلا فيما إذا كان المشترى هو الواهب
إذا كان يشق عليه دخول الموهوب له وخروجه في
بستانه أو يكره الموهوب له دخول بستان غيره.
قال الزركشي وأغرب ابن الزاغوني في ذلك ولا
نظير له.
قوله: "لمن به حاجة إلى أكل الرطب".
ولا نزاع في ذلك.
ومفهوم كلام المصنف أن البائع لو احتاج إلى
أكل التمر ولا تمر معه إلا الرطب أنه لا يجوز
له ذلك وهو الصحيح وهو المذهب وعليه أكثر
الأصحاب وهو ظاهر ما جزم به في المغنى والشرح
وغيرهما وقدمه في الفروع.
وقيل يجوز ذلك وعللوه فقالوا جواز ذلك بطريق
التنبيه لأنه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة
التفكه فلحاجة الاقتيات أولى اختاره أبو بكر
في التنبيه وجزم به في المحرر والوجيز
والرعاية الصغرى والحاويين والنظم وتذكره ابن
عبدوس والفائق والمنور ومنتخب الأزجي وقدمه في
الرعاية الكبرى.
وجعل ابن عقيل من صور الحاجة إذا كانت موهوبة
ويشق على الواهب دخول الموهوب له وخروجه أو
يكره الواهب دخول غيره فيجوز البيع إذا.
تنبيه: يكتفى بالحاجة المتقدمة من جهة البائع
أو المشترى على الصحيح من المذهب.
قال الزركشي هذا المشهور المختار لأبي محمد
وغيره وجزم به أبو بكر في التنبيه.
(5/27)
وحكى المصنف
والشارح عن أبى بكر والقاضي اشتراط الحاجة من
جانبي البائع والمشتري وهو المقدم عند ابن
عقيل.
قال الزركشي وظاهر ما في التلخيص أنه يشترط مع
حاجة المشترى المتقدمة أن يشق على الموهوب له
القيام عليها.
فعلى المذهب وهو اشتراط حاجة المشترى وعدم
اشتراط حاجة البائع يجوز للبائع أن يبيع أكثر
من مائة وسق في عقود متعدده بالشروط الآتية.
وعلى القول باشتراط الحاجة من البائع أو
المشترى لا يجوز أن يبيع عريقين من رجلين خمسة
أوسق فأكثر وهو قول أبي بكر والقاضي وابن
عقيل.
قوله: "ويعطيه من التمر مثل ما يؤول إليه ما
في النخل عند الجفاف".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يعطيه مثل رطبه قال الزركشي ولعله ظاهر
الأحاديث.
وقيل إنه المنصوص وأطلقهما في المذهب والخلاصة
والمستوعب والكافي والزركشي.
تنبيه تلخص مما تقدم أنه يشترط لصحة بيع
العرايا شروط بعضها متفق عليه وبعضها مختلف
فيه.
فمنها كونه رطبا على رؤوس النخل فلا يجوز بيع
الرطب الذى على الأرض بتمر.
ومنها كونها دون خمسة أوسق على المذهب.
ومنها كونها خرصا لا جزافا ومنها كون المبيع
بتمر فلا يجوز بيعها بخرصها رطبا.
ومنها كون التمر المشترى به كيلا لا جزافا.
ومنها كون التمر مثل ما حصل به الخرص لا أزيد
ولا أنقص.
ومنها الحلول والقبض من الطرفين في مجلس العقد
نص عليه وقبض كل واحد منهما بحسبه ففي النخلة
بالتخلية وفي التمر بكيله فإن سلم أحدهما ثم
مشى إلى الآخر فسلمه جاز التبايع.
ويأتي إذا ترك الرطب حتى أثمر في الباب الذي
يليه.
ومنها الحاجة إلى أكل الرطب أو التمر على ما
تقدم.
ومنها أن لا يكون مع المشترى نقد يشترى به
فهذه تسعة شروط.
(5/28)
قوله: "ولا
يجوز في سائر الثمار في أحد الوجهين".
وهو المذهب اختاره ابن حامد وابن عقيل والمصنف
والشارح وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في
المحرر وتذكره ابن عبدوس وهو ظاهر كلام الخرقي
والوجيز وقدمه في المغنى والشرح.
والوجة الثاني يجوز قاله القاضي وهو مقتضى
اختيار الشيخ تقي الدين.
قلت وهو الصواب عند من يتعاده وقدمه ابن رزين
في شرحه وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص
والبلغة والرعايتين والحاويين والفروع
والفائق.
وقيل يجوز في العنب وحده وهو احتمال للمصنف
وهو ظاهر ما قطع به الطوفي في مختصره في
الأصول في القياس.
تنبيه: مفهوم كلام المصنف وغيره أنه لا يجوز
في غير التمر قولا واحدا وهو كذلك إلا أن
الشيخ تقي الدين جوز ذلك في الزرع وخرج الشيخ
تقي الدين جواز بيع الخبز الطرى باليابس في
برية الحجاز ونحوها ذكره عنه في الفائق
والزركشي وزاد بيع الفضة الخالصة بالمغشوشة
نظرا للحاجة.
قوله: "ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض
ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما كمد عجوة
ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمد ودرهم".
وهو المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب
وقدموه ونصروه.
ويأتي إذا ظهر أن المدين من شجرة أو زرع واحد
أو الدرهمين من نقد واحد.
وعنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي
معه غيره أو يكون مع كل واحد منهما من غير
جنسه اختاره الشيخ تقي الدين في مواضع من
كلامه.
فعليها يجوز بيع درهمين بمد ودرهمين ومدين
بدرهم ومد ودرهم ومد بدرهم ومد ومدين ودرهم
بمد ودرهم وعكسه ولا يجوز درهم بمد ودرهم ولا
مد بدرهم ومد ونحو ذلك ومن المتأخرين كصاحب
المستوعب من يشترط فيما إذا كان مع كل واحد من
غير جنسه من الجانبين التساوى وجعل كل جنس في
مقابلة جنسه.
وهو أولى من جعل الجنس في مقابلة غيره لا سيما
مع اختلافهما في القيمة.
فعلى هذه الرواية يشترط أن لا يكون حيلة على
الربا.
ونص الإمام أحمد رحمه الله على هذا الشرط في
رواية حرب ولا بد منه.
(5/29)
وعنه رواية
ثالثة يجوز إن لم يكن الذى معه مقصودا كالسيف
المحلى اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله
وذكره ظاهر المذهب ونصره صاحب الفائق في
فوائده.
فأما إن كانت الحيلة من غير جنس الثمن فإنه
يجوز على الصحيح من المذهب وعليه أكثر
الأصحاب.
وعنه لا يجوز قال الإرشاد وهي أظهرهما لأنه لو
استحق وتلف لم يدر بم يرجع؟.
قال ابن رجب في قواعده للأصحاب في المسألة
طريقة ثانية وهي أنه لا يجوز بيع المحلى بجنس
حليته قولا واحدا وفي بيعه بنقد آخر روايتان
ويجوز بيعه بعرض رواية واحدة وهي طريقة أبى
بكر في التنبيه وابن أبى موسى والشيرازي وأبى
محمد التميمي وأبى عبد الله الحسين الهمداني
في كتابه المقتدى.
ومن هؤلاء من جزم بالمنع من بيعه بنقد من جنسه
وغير جنسه كأبى بكر وقال الشيرازي الأظهر
المنع.
ومنهم من جزم بالجواز في بيعه بغير جنسه
كالتميمى.
ومنهم من حكى الخلاف كابن أبي موسى.
ونقل البرزاطى عن الإمام أحمد رحمه الله ما
يشهد لهذه الطريقة في حلى صنع من مائة درهم
فضة ومائة نحاس أنه لا يجوز بيعه كله بالفضة
ولا بالذهب ولا بوزنه من الفضة والنحاس ولا
يجوز بيعه حتى تخلص الفضة من النحاس ويبيع كل
واحد منهما وحده.
تنبيه: فعلى المذهب في أصل المسألة يكون من
باب توزيع الأفراد على الجمل وتوزيع الجمل على
الجمل.
وعلى الرواية الثانية يكون من باب توزيع
الأفراد على الأفراد.
فائدتان
إحداهما للأصحاب في توجيه المذهب مأخذان:.
أحدهما وهو ما أخذ القاضي وأصحابه أن الصفقة
إذا اشتملت على شيئين مختلفى القيمة يقسط
الثمن على قيمتهما وهذا يؤدي هنا إما إلى
تعيين التفاضل وإما إلى الجهل بالتساوى
وكلاهما مبطل للعقد في باب الربا.
والمأخذ الثاني أن ذلك ممنوع سدا لذريعة الربا
فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع
كبيع مائة درهم في كيس بمائتين جعلا للمائة في
مقابلة الكيس وقد لا يساوى درهما فمنع من ذلك
وإن كانا مقصودين حسما لهذه المادة.
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله إيماء إلى هذا
المأخذ.
فلو فرض أن المدين من شجرة واحدة أو من زرع
واحد وأن الدرهمين من نقد واحد.
(5/30)
ففيه وجهان
ذكرهما القاضي في خلافه احتمالين.
أحدهما الجواز لتحقق التساوى.
والثاني المنع لجواز أن يغلب أحدهما قبل العقد
فيقبض قيمته وحده وصححه أبو الخطاب في
انتصاره.
قلت: وهو المذهب وداخل في كلام الأصحاب لكن
القياس الأول وأطلقهما في الفروع وقواعد ابن
رجب.
الثانية لو دفع إليه درهما وقال أعطنى بنصف
هذا الدرهم نصف درهم وبنصفه فلوسا أو حاجة
أخرى جاز كما لو دفع إليه درهمين وقال أعطنى
بهذا الدرهم فلوسا وبالآخر نصفين وكذا لو قال
أعطنى بهذا الدرهم نصفا وفلوسا جاز ذكره
المصنف والشارح وغيرهما.
قوله: "وإن باع نوعي جنس بنوع واحد منه كدينار
قراضة وهو قطع الذهب وصحيح بصحيحين وكذا عكسه
جاز".
وكذا لو باع حنطة حمراء وسمراء ببيضاء أو تمرا
برنيا ومعقليا بابراهيمى ونحوه وهذا المذهب في
ذلك كله أومأ إليه الإمام أحمد واختاره أبو
بكر والمصنف والشارح وصاحب الترغيب.
قال في التلخيص وهو الأقوى عندى وصححه في
النظم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الشرح
والفائق وعند القاضي هي كالتي قبلها.
قال في القواعد وهي طريقة القاضي وأصحابه وجزم
به في الخلاصة والمنور وتذكرة ابن عبدوس وقدمه
في المحرر وأطلقهما في المستوعب والكافي
والرعاية الصغرى والحاويين قال في الرعاية
الكبرى وجهان وقيل روايتان انتهى.
ونقل ابن القاسم إن كان نقدا فكمد عجوة
وأطلقهن في الفروع والقواعد الفقهية.
فائدة هذه المسألة ومسألة مد عجوة وفروعها
الربا فيها مقصود فلذلك وقع الخلاف فيهما أما
إذا كان الربا غير مقصود بالإصالة وإنما هو
تابع لغيره فهو على ثلاثة أنواع.
أحدها ما لا يقصد عادة ولا يباع مفردا كتزويق
الدار ونحوه قال في الرعاية وكذا ثوب طرازه
ذهب فلا يمنع من البيع بجنسه بالاتفاق.
الثاني ما يقصد تبعا لغيره وليس أصلا لمال
الربا كبيع العبد ذي المال بمال من جنسه فهذا
له حكم يأتى في كلام المصنف.
الثالث ما لا يقصد وهو تابع لغيره وهو أصل
لمال الربا إذا بيع بما فيه منه وهو ضربان
أحدهما أن يمكن إفراد التابع بالبيع كبيع نخلة
عليها رطب برطب ففيه طريقان.
أحدهما المنع وهي طريقة القاضي في المجرد.
(5/31)
الثاني الجواز
وهي طريقة أبى بكر والخرقي وابن بطة والقاضي
في الخلاف.
الضرب الثاني أن يكون التابع مما لا يجوز
إفراده بالبيع كبيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف
بصوف وبيع التمر بالنوى وهو قول المصنف في بيع
النوى بتمر فيه نوى واللبن بشاة ذات لبن
والصوف بنعجة عليها صوف روايتان وأطلقهما في
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والكافي والرعايتين والحاويين
والنظم.
إحداهما وهي المذهب يجوز جزم به في الوجيز
وغيره وصححه في التصحيح وغيره واختاره ابن
حامد وابن أبى موسى والقاضي في المجرد والشارح
وغيرهم وقدمه في الهداية وشرح ابن رزين.
والثانية لا يجوز اختارها أبو بكر والقاضي في
خلافة وقدمه في الهادي.
وقال ابن عبدوس في تذكرته يجوز بيع اللبن
والصوف بشاة ذات لبن أو صوف ولا يجوز بيع نوى
بتمر بنواه.
قال الشارح على القول بالجواز يجوز بيعه
متفاضلا ومتساويا على المذهب.
قال في القواعد الفقهية ولعل المنع ينزل على
ما إذا كان الربوي مقصودا فالجواز على عدم
القصد.
وقد صرح باعتبار عدم القصد ابن عقيل وغيره
وشهد له تعليل الأصحاب كلهم الجواز بأنه تابع
غير مقصود.
فائدتان
إحداهما: الصحيح من المذهب تحريم بيع تمر بلا
نوى بتمر فيه النوى وإن أبحناه في عكسها.
وقيل يباح كالعكس.
الثانية قال ابن رجب واعلم أن هذه المسائل
منقطعة عن مد عجوة فإن القول بالجواز فيها لا
يتقيد بزيادة المفرد على ما معه وقد نص الإمام
أحمد رحمه الله في بيع العبد الذى له مال بمال
دون الذي معه.
وقال القاضي في خلافه في مسألة العبد والنوى
بالتمر وكذلك المنع فيها عند الأكثرين ومن
الأصحاب من خرجها أو بعضها على مسائل مد عجوة.
ففرق بين أن يكون المفرد أكثر من الذي معه
غيره أو لا وقد صرح به طائفة من الأصحاب كأبي
الخطاب وابن عقيل في مسألة العبد ذي المال.
وكذلك حكى أبو الفتح الحلواني رواية في بيع
الشاة ذات الصوف واللبن بالصوف واللبن أنه
يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر مما في الشاة
من جنسه.
(5/32)
قال ابن رجب
ولعل هذا مع قصد اللبن والصوف بالأصالة
والجواز مع عدم القصد فيرتفع الخلاف وإن حمل
على إطلاقه فهو منزل على أن التبعية هنا لا
عبرة بها وأن الراوي التابع كغيره فهو مستقل
بنفسه.
قوله: "والمرجع في الكيل والوزن إلى عرف أهل
الحجاز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذا قال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والخلاصة والهادى والتلخيص والبلغة ونهاية ابن
رزين وتذكرة ابن عبدوس وإدراك الغاية وتجريد
العناية وغيرهم.
وقال في المجرد ومرد الكيل عرف المدينة والوزن
عرف مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
وجزم به في الرعاية الصغرى والحاويين والنظم
والمنور ومنتخب الأدمى والفروع والوجيز
والزركشي وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
قلت لو قيل إن عبارات الأولين مطلقة وهذه
مبينة لها وأن المسألة قولا واحدا لكان متجها
ويقوى ذلك أن صاحب الفروع جزم بذلك مع كثرة
اطلاعه.
وقد استدل المصنف والشارح وغيرهما للأول
بقوله: "عليه أفضل الصلاة والسلام: "المكيال
مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة"
فدل أن مرادهم ما قلناه وهو واضح.
لكن قال في الفائق ومرجع الكيل والوزن إلى عرف
أهل الحجاز.
ورد في المحرر الكيل إلى المدينة والوزن إلى
مكة زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحكى في الرعاية الكبرى الخلاف.
فظاهرهما التغاير.
ويمكن الجواب بأنهما حكيا عبارات الأصحاب.
قوله: "وما لا عرف لهم به ففيه وجهان".
أصلهما احتمالان للقاضي في التعليق.
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والهادي والكافي والتلخيص والبلغة والشرح
والفائق.
أحدهما يعتبر عرفه في موضعه وهذا المذهب صححه
في التصحيح وجزم به في الوجيز وتذكره ابن
عبدوس والمنور ومنتخب الأدمى وقدمه في الفروع
والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين.
(5/33)
والوجه الآخر
يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز وقدمه
في الخلاصة وإدراك الغاية وتجريد العناية
ونهاية ابن رزين.
وقيل يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز في
الوزن لا غير.
فعلى المذهب لو اختلف عرف البلاد فالاعتبار
بالغالب فإن لم يكن غالب تعين الوجه الثاني.
وعلى الوجه الثاني إن تعذر رجع إلى عرف بلده
قاله في الحاوى وغيره.
فوائد
إحداها المائع كله مكيل على الصحيح من المذهب.
والأدهان والزيت والشيرج والعسل والدبس والخل
واللبن ونحوه قدمه في الفروع قال المصنف
والشارح الظاهر أنها مكيلة قال القاضي الأدهان
مكيلة وفي اللبن يصح السلم فيه كيلا.
وقدمه في الرعاية الكبرى إلا في اللبن والسمن
فإنه أطلق الخلاف فيهما.
وقدم في موضع أن اللبن مكيل وقال الزبد مكيل.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن السلف في اللبن
فقال نعم كيلا أو وزنا.
وجزم ابن عبدوس في تذكرته أن الدهن واللبن
مكيل.
وقال المصنف والشارح يباع السمن بالوزن ويتخرج
أن يباع بالكيل وجزما بأن الزبد موزون وجعل في
الروضة العسل موزونا.
قال المصنف والشارح والخبز إذا يبس ودق وصار
فتيتا بيع كيلا.
وقال ابن عقيل فيه وجه يباع بالوزن انتهى.
والدقيق مكيل على الصحيح من المذهب.
وقال القاضي يجوز بيع بعضه ببعض وزنا ولا
يمتنع أن يكون موزونا وأصله مكيل كالخبز وتقدم
ذلك عند جواز بيع بعضه ببعض.
الثانية من جملة الموزون الذهب والفضة والنحاس
الأصفر والرصاص والزئبق والكتان والقطن
والحرير والقز والصوف والشعر والوبر والغزل
واللؤلؤ والزجاج واللحم والشحم والشمع
والزعفران والعصفر والورس والخبز والجبن وما
أشبهه.
ومن ذلك البقول والسفرجل والتفاح والكمثرى
والخوخ والإجاص وكل فاكهة رطبة ذكره القاضي.
(5/34)
ومن جملة
المكيل كل حب وبزر وأبازير وجص ونورة وأشنان
وما أشبهه.
وكذلك سائر ثمر النخل من الرطب والبسر وغيرهما
وسائر ما فيه الزكاة من الثمار كالزبيب
والفستق والبندق واللوز والعناب والمشمش
والزيتون والبطم والبلح وما أشبهه.
الثالثة قال في النهاية والترغيب والتلخيص
والرعاية وغيرهم يجوز التعامل بكيل لم يعهد.
قوله: "وأما ربا النسيئة فكل شيئين ليس أحدهما
ثمنا علة ربا الفضل فيهما واحدة كالمكيل
بالمكيل والموزون بالموزون لا يجوز النساء
فيهما وإن تفرقا قبل القبض بطل العقد".
فيشترط الحلول والقبض في المجلس في ذلك نص
عليه فيحرم مدبر بجنسه أو بشعير ونحوهما بلا
خلاف أعلمه.
فائدة لو صرف الفلوس النافقة بذهب أو فضة لم
يجز النساء فيهما على الصحيح من المذهب وعليه
أكثر الأصحاب ونص عليه وقدمه في المحرر
والفروع والرعايتين والحاويين والفائق.
ونقل ابن منصور الجواز ويحتمله كلام المصنف
هنا واختاره ابن عقيل والشيخ تقى الدين وذكره
رواية.
قال في الرعاية قلت إن قلنا هي عروض جاز وإلا
فلا.
قال في المذهب يجوز إسلام الدراهم في الفلوس
إذا لم تكن ثمنا ولا يجوز إذا كانت ثمنا.
قوله: "وإن باع مكيلا بموزون جاز التفرق قبل
القبض".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم
قال أبو الخطاب والمصنف وغيرهما جاز رواية
واحدة.
قال الزركشي هو المعروف عند كثير من
المتأخرين.
قال في الفروع والخلاصة جاز على الأصح.
وعنه لا يجوز ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال
وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه يدا بيد.
قال الزركشي هو ظاهر كلام الخرقي.
(5/35)
قوله: "وفي
النساء روايتان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والكافي والهادي والمغنى والمستوعب والتلخيص
والبلغة والشرح وشرح ابن منجا والرعايتين
والحاويين والزركشي والفروع وشرح ابن رزين.
إحداهما يجوز وهو المذهب صححه في الخلاصة
والنظم وجزم به في المنور وتذكرة ابن عبدوس
وقدمه في المحرر والفائق.
والرواية الثانية لا يجوز قطع به الخرقي وصاحب
الوجيز وصححه في التصحيح.
وذكر جماعة من الأصحاب هاتين الروايتين فيما
إذا اختلفا في العلة أو كان أحدهما غير ربوى.
وأطلق في المغنى والشرح والتلخيص فيما إذا كان
أحد المبيعين غير ربوي كالمكيل أو الموزون
بالمعدود روايتين.
قلت ظاهر كلام أكثر الأصحاب هنا الصحة.
قوله: "وما لا يدخله ربا الفضل كالثياب
والحيوان يجوز النساء فيهما".
وهو الصحيح من المذهب سواء بيع بجنسه أو بغير
جنسه متساويا أو متفاضلا اختاره القاضي وأبو
الخطاب وابن عبدوس المتقدم والمصنف والشارح
وغيرهم وجزم به في الوجيز والمنور وقدمه في
الفروع والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق
ونهاية ابن رزين ونظمها والخلاصة وغيرهم.
وقال القاضي إن كان مطعوما حرم النساء وإن لم
يكن مكيلا ولا موزونا وهو مبنى على أن العلة
الطعم.
وعنه رواية ثانية لا يجوز النساء في كل مال
بيع بآخر سواء كان من جنسه أو لا اختاره أبو
بكر وابن أبى موسى.
قال القاضي وأبو الخطاب وغيرهما واختاره
الخرقي.
فعليها علة النساء المالية وضعف المصنف هذه
الرواية فعلى هذه الرواية لو باع عرضا بعرض
ومع أحدهما دراهم والعروض نقدا والدراهم نسيئة
جاز وإن كان بالعكس لم يجز لأنه يفضى إلى
النسيئة في العروض.
وعنه رواية ثالثة لا يجوز في الجنس الواحد
كالحيوان بالحيوان ويجوز في الجنسين كالثياب
بالحيوان فالجنس أحد صفتى العلة فأثر.
وعنه رواية رابعة يجوز النساء إلا فيما بيع
بجنسه متفاضلا.
(5/36)
اختاره الشيخ
تقى الدين رحمه الله وأطلقهن في التلخيص
والبلغة والمستوعب والزركشي فعلى المذهب قال
بعض الأصحاب الجنس شرط محض فلم يؤثر قياسا على
كل شرط كالإحصان مع الزنى.
فائدتان
إحداهما حيث قلنا يحرم فإن كان مع أحدهما نقد
فإن كان وحده نسيئة جاز وإن كان نقدا والعوضان
أو أحدهما نسيئة لم يجز نص عليه وقاله القاضي
وغيره وجزم به في المستوعب والرعاية واقتصر
عليه في المغنى والشرح وقدمه في الفروع.
وفي الواضح رواية يحرم بأفضل من جنسه لأنه
ذريعة إلى قرض جر نفعا.
الثانية قوله: "ولا يجوز بيع الكالئ بالكالئ
وهو بيع الدين بالدين".
قال في التلخيص له صور.
منها بيع ما في الذمة حالا من عروض أو أثمان
بثمن إلى أجل ممن هو عليه.
ومنها جعل رأس مال السهم دينا.
ومنها لو كان لكل واحد من اثنين دين على صاحبه
من غير جنسه كالذهب والفضة وتصادقا ولم يحضرا
شيئا فإنه لا يجوز سواء كانا حالين أو مؤجلين
نص عليه فيما إذا كانا نقدين.
واختار الشيخ تقى الدين الجواز رحمه الله.
فإن أحضر أحدهما جاز بسعر يومه وكان العين
بالدين وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب
وعنه لا يجوز.
فعلى المذهب لو كان مؤجلا فقد توقف أحمد عن
ذلك وذكر القاضي فيه وجهين.
أحدهما يجوز أيضا اختاره المصنف والشارح.
قال في الرعاية الأظهر لا يشترط حلوله.
والوجة الثاني لا يجوز وجزم به في الوجيز
وأطلقهما في الفروع والفائق وهي من مسائل
المقاصة والمصنف رحمه الله لم يذكرها هنا وقد
ذكر في كتاب الصداق ما يدل عليها في قوله:
"وإن زوج عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في
الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول
إلى ثمنه" فنذكرها في آخر السلم والخلاف فيها
كما ذكرها كثير من الأصحاب هناك.
(5/37)
قوله: "في
الصرف والسلم وإن قبض البعض ثم افترقا بطل في
الجميع في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز في
الصرف وصححه في التصحيح.
وفي الآخر يبطل فيما لم يقبض وهو المذهب
لأنهما مبنيان عند الأصحاب على تفريق الصفقة
وقد علمت فيما مضى المذهب في ذلك.
قوله: "وإن تصارفا ثم افترقا فوجد أحدهما ما
قبضه رديئا فرده بطل العقد في إحدى
الروايتين".
وفي الأخرى إن قبض عوضه في مجلس الرد لم يبطل.
اعلم أنه إذا تصارفا ووجدا أو أحدهما بما قبضه
عيبا أو غصبا فتارة يكون العقد قد وقع على
عينين وتارة يكون في الذمة.
فإن كان قد وقع على عينين فتارة يكون العيب من
جنسه وتارة يكون من غير جنسه.
فإن كان من غير جنسه فتارة يكون قبل التفرق
وتارة يكون بعده.
وإن كان من جنسه فتارة أيضا يكون قبل التفرق
وتارة يكون بعده.
وإن وقع العقد قد وقع في الذمة فتارة يكون
العيب من غير جنسه وتارة يكون من جنسه فإن كان
من غير جنسه فتارة يكون قبل التفرق وتارة يكون
بعده.
وإن كان من جنسه فتارة أيضا يكون قبل التفرق
وتارة يكون بعده كما قلنا فيما إذا وقع العقد
على عينين.
فهذه ثمان مسائل أربعة فيما إذا وقع العقد على
عينين وأربعة فيما إذا كان في الذمة.
وهذه الثمانية تارة تكون المصارفة فيها من جنس
واحد وتارة تكون من جنسين فهذه ستة عشر مسألة.
فإن وقع العقد على عينين من جنسين ولو بوزن
متقدم يعلمانه أو إخبار صاحبه وكان العيب من
غير جنسه فالصحيح من المذهب بطلان العقد سواء
كان قبل التفرق أو بعده وعليه الأصحاب وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال المصنف كقوله: بعتك هذا البغل فإذا هو
حمار.
وعنه يصح ويقع لازما قال في الرعاية وهو بعيد.
قال الزركشي ولا معول عليها.
وعنه له رده وأخذ البدل.
(5/38)
وقال في
القواعد ويحتمل أن يصح بما في الدينار من
الذهب بقسطه من البيع ويبطل في الباقي
وللمشترى الخيار لتبعيض المبيع عليه.
قلت وهو قوى في النظر.
فعلى المذهب ظاهرة سواء كان العيب كثيرا أو
يسيرا وهو كذلك.
وظاهر كلام أبي الحسين التميمي في خصاله إن
كان العيب يسيرا من غير جنسه لا يبطل العقد
وإليه ميل ابن رجب وما هو ببعيد.
وإن وقع على عينين من جنسين والعيب من جنسه
وقلنا النقود تتعين بالتعيين فتارة يكون قبل
التفرق وتارة يكون بعده.
فإن كان قبل التفرق فالصحيح من المذهب صحة
العقد وعليه اكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز
والقواعد وغيرهما قال في الفروع هذا الأشهر.
وقال في الواضح وغيره يبطل وهو ظاهر نقل جعفر
وابن الحكم.
فعلى المذهب له قبوله وأخذ أرش العيب من غير
جنس الثمن وهذا الصحيح وعليه أيضا أكثر
الأصحاب وهو في بعض نسخ الخرقي.
وقال في القواعد والزركشي وظاهر ما أورده أبو
الخطاب في الهداية مذهبا وإحدى نسخ الخرقي لا
يجوز أخذ الأرش مطلقا.
وإن كان بعد التفرق عن مجلس العقد فالصحيح من
المذهب أن حكمه حكم ما لو كان قبل التفرق على
ما تقدم وهو ظاهر ما جزم به في الشرح.
قال في الفروع هذا الأشهر.
قال الزركشي والصواب لا فرق بين المجلس وبعده
وقيده في الوجيز بالمجلس وهو اختيار المصنف.
قال الزركشي وأظنه أنه اختيار الشيخ تقي الدين
رحمه الله.
وفي الواضح وغيره يبطل وهو ظاهر نقل جعفر وابن
الحكم كما تقدم.
فعلى المذهب له قبوله وأخذ أرش العيب ويكون من
غير جنس الثمن لأنه لا يعتبر قبضه كبيع بر
بشعير فيجد أحدهما عيبا فيأخذ أرشه درهما بعد
التفرق ولا يجوز أخذه من جنس الثمن كما تقدم.
والصحيح من المذهب له رده سواء ظهر على العيب
في المجلس أو بعده ولا بدل له لأنه يأخذ ما لم
يشتره إلا على رواية أن النقود لا تتعين
بالتعيين قدمه في الفروع وهو ظاهر ما جزم به
في المحرر.
ونقل الأكثر عن أحمد أن له رده وبدله ولم يفرق
في العيب.
(5/39)
وأما إذا وقع
العقد في الذمة على جنسين وكان العيب من جنسه
فتارة يجده قبل التفرق وتارة بعده.
فإن وجده قبل التفرق فالصرف صحيح وله المطالبة
بالبدل وله الإمساك وأخذ الأرش في الجنسين على
الصحيح من المذهب قاله الزركشي.
وجزم في الوجيز بأن له المطالبة بالبدل وجزم
به في الشرح وغيره.
وإن وجده بعد التفرق فالصرف أيضا صحيح ثم هو
مخير بين الرد.
والإمساك فإن اختار الرد فعنه يبطل العقد
اختاره أبو بكر وعنه لا يبطل وله البدل في
مجلس الرد فإن تفرقا قبله بطل العقد وهو
اختيار الخرقي والخلال والقاضي وأصحابه وغيرهم
وجزم به في الوجيز وهو ظاهر ما جزم به في
المحرر وأطلقهما المصنف هنا والشارح وابن منجا
في شرحه والزركشي وصاحب الفروع.
قال الزركشي وحكى رواية ثالثة أن البيع قد لزم
قال وهي بعيدة.
فعلى الأولى إن وجد البعض رديئا فرده بطل فيه
وفي البقية روايتا تفريق الصفقة والمصنف أطلق
هنا الوجهين.
وعلى الثانية له بدل المردود في مجلس الرد.
وإن اختار الإمساك فله ذلك بلا ريب لكن إن طلب
معه الأرش فله ذلك في الجنسين على الروايتين.
قال الزركشي هذا هو المحقق.
وقال أيضا وقال أبو محمد يعني به المصنف له
الأرش على الرواية الثانية لا الأولى انتهى
وإن كان العيب من غير الجنس فيما إذا كانا
جنسين فإن كان قبل التفرق رده وأخذ بدله
والصرف صحيح على الصحيح من المذهب اختاره ابن
عقيل والشيرازي والمصنف وصاحب التلخيص وغيرهم
وجزم به في الوجيز وهو ظاهر كلام أبى الخطاب.
وقال صاحب المستوعب والشيخ تقى الدين الصرف
فاسد وهو ظاهر كلام الخرقي.
فعلى المذهب لو وجد العيب في البعض فبعد
التفرق يبطل فيه وفي غير المعيب روايتا تفريق
الصفقة وقبل التفرق ببدله وإن وجده بعد التفرق
فسخ العقد على الصحيح من المذهب قال الزركشي
هذا هو المذهب المحقق وعليه يحمل كلام الخرقي
عندي انتهى وجزم به في الفائق والوجيز.
(5/40)
وأجرى المصنف
في الكافي وصاحب التلخيص فيه قال في الفروع
وجماعة الروايتين اللتين فيما إذا كان العيب
من الجنس.
إحداهما بطلان العقد برده.
والثانية لا يبطل وبدله في مجلس الرد يقوم
مقامه.
فمجرد وجود العيب من غير الجنس عندهما بعد
التفرق لا يبطل قولا واحدا عكس المذهب.
قال الزركشي وليس بشيء.
تنبيه: هذه الأحكام التي ذكرت فيما إذا كانت
المصارفة في جنسين وحكم ما إذا كانت من جنس
واحد حكم ما إذا كانت من جنسين إلا في أخذ
الأرش فإنه لا يجوز أخذه من جنسه قولا واحدا
كما تقدم.
وقيل يجوز قال في الفروع وهو سهو.
قال المصنف والشارح ولا وجه له ويأتى ذلك
قريبا.
وأما مسألة السلم التى ذكرها المصنف هنا فيأتى
حكمها في باب السلم في أول الفصل السادس.
فوائد
إحداها يجوز اقتضاء نقد من آخر على الصحيح من
المذهب نص عليه في رواية الأثرم وابن منصور
وحنبل وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم ويؤخذ
ذلك من كلام المصنف في قوله: "في آخر الإجارة
وإذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير.
وعنه لا يصح فعلى المذهب يشترط أن يحضر أحدهما
والآخر في الذمة مستقر يسعر يومه نص عليه
ويكون صرفا بعين وذمة.
وهل يشترط حلوله على وجهين وأطلقهما في الفروع
والفائق وشرح ابن رزين وقال توقف أحمد.
أحدهما لا يشترط وهو الصحيح صححه في المغنى
والشرح والنظم والرعاية الكبرى وغيرهم.
والثاني يشترط قال في الوجيز حالا.
الثانية لو كان له عند رجل ذهب فقبض منه دراهم
مرارا فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من
الدينار صح نص عليه وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا
بعد فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز نص عليه
لأنه بيع دين بدين وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال في الفروع وإن كان في ذمتيهما فاصطرفا
فنصه لا يصح وخالف شيخنا انتهى.
(5/41)
الثالثة متى
صارفه وتقابضا جاز له الشراء منه من جنس ما
أخذ منه بلا مواطأة على الصحيح من المذهب
وقدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين والفروع
وغيرهم.
وعنه يكره في المجلس قدمه في الرعاية الكبرى
ومنعه ابن أبى موسى إلا أن يمضى ليصارف غيره
فلم يستقم.
ونقل الأثرم وغيره ما يعجبني إلا أن يمضى فلم
يجد.
ونقل حرب وغيره من غيره أعجب إلى.
قوله: "والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في
العقد في أظهر الروايتين".
وهو المذهب وعليه الأصحاب حتى أن القاضي في
تعليقه أنكر ثبوت الخلاف في ذلك في المذهب
والأكثرون أثبتوه.
قال الزركشي هذا المنصوص عن احمد في رواية
الجماعة والمعول عليه عند الأصحاب كافة انتهى
وعنه لا تتعين بالتعيين.
تنبيهات
أحدها: قوله: "تتعين بالتعيين في العقد".
يعنى في جميع عقود المعاوضات صرح به صاحب
التلخيص والقواعد والرعايتين وغيرهم وهو واضح.
الثاني لهذا الخلاف فوائد كثيرة ذكر المصنف
هنا بعضها.
منها على المذهب لا يجوز إبدالها وإن خرجت
مغصوبة بطل العقد ويحكم بملكها للمشترى بمجرد
التعيين فيملك التصرف فيها وإن تلفت فمن ضمانه
وإن وجدها معيبة من غير جنسها بطل العقد.
وإن كان العيب من جنسها وهو مراد المصنف هنا
خير بين الفسخ والإمساك بلا أرش على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب.
وإذا وقع العقد على مثلين كالذهب بالذهب
والفضة بالفضة وخرج القاضي وجها بجواز أخذ
الأرش في المجلس.
قال المصنف ولا وجه له.
قال في الفروع وهو سهو وإن كان العقد وقع على
غير مثله كالدراهم والدنانير فله أخذ الأرش في
المجلس وإلا فلا وجزم به في المغنى وغيره.
قال ابن منجا فيجب حمل كلام المصنف هنا على ما
إذا كان العقد مشتملا على الدراهم
(5/42)
والدنانير من
الطرفين انتهى.
قال في المحرر وغيره في هذا التفريع فإن أمسك
فله الأرش إلا في صرفها بجنسها وظاهر كلام
الشارح أنه أجرى كلام المصنف في الصرف وغيره.
وقال المصنف هنا ويتخرج أن يمسك ويطالب بالأرش
وهو لأبى الخطاب.
قال الزركشي أطلق التخريج فدخل في كلامه الجنس
والجنسان وفي المجلس وبعده انتهى وعلى الرواية
الثانية له إبدالها مع عيب وغصب ولا يملكها
المشترى إلا بقبضها وهي قبله ملك البائع وإن
تلفت فمن ضمانه.
ومنها لو باعه سلعة بنقد معين وتشاحا في
التسليم فعلى المذهب يجعل بينهما عدل يقبض
منهما ويسلم إليهما.
وعلى الثانية هو كما لو باعه بنقد في الذمة
يعنى أنه يجبر البائع على التسليم أولا ثم
يجبر المشترى على تسليم الثمن على ما تقدم في
كلام المصنف في الباب قبله في آخر فصل اختلاف
المتبايعين محررا.
ومنها لو باعه سلعة بنقد معين حالة العقد
وقبضه البائع ثم أحضره وبه عيب وادعى أنه الذى
دفعه إليه المشترى وأنكر المشترى ففيه طريقان.
وتقدم ذلك مستوفى في الباب الذي قبله بعد
قوله: "وإن اختلفا في العيب هل كان عند البائع
أو حدث عند المشترى فليعاود.
قوله: "ويحرم الربا بين المسلم والحربي وبين
المسلمين في دار الحرب كما يحرم بين المسلمين
في دار الإسلام".
يحرم الربا بين المسلمين في دار الحرب ودار
الإسلام بلا نزاع والصحيح من المذهب أن الربا
محرم بين الحربي والمسلم مطلقا وعليه أكثر
الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه الإمام
أحمد.
وقال في المستوعب في باب الجهاد والمحرر
والمنور وتجريد العناية وإدراك الغاية يجوز
الربا بين المسلم والحربي الذي لا أمان بينهما
ونقله الميموني وقدمه ابن عبدوس في تذكرته وهو
ظاهر كلام الخرقي في دار الحرب حيث قال ومن
دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم
ولا يعاملهم بالربا.
وأطلقهما الزركشي ولم يقيد هذه الرواية في
التبصرة وغيرها بعدم الأمان.
وفي الموجز رواية لا يحرم الربا في دار الحرب
وأقرها الشيخ تقي الدين رحمه الله على ظاهرها.
(5/43)
قلت يمكن أن
يفرق بين الرواية التي في التبصرة وغيرها وبين
الرواية التي في الموجز وحملها على ظاهرها بأن
الرواية التى في التبصرة وغيرها لم يقيدها
بعدم الأمان فيدخل فيها لو كانوا بدارنا أو
دارهم بأمان أو غيره.
فرواية التبصرة أعم لشمولها دار الحرب ودار
الإسلام بأمان أو غيره ورواية الموجز أخص
لقصورها على دار الحرب وحملها على ظاهرها سواء
كان بينهم أمان أو لا ولا يتوهم متوهم أن
ظاهرها يشمل المسلم فإن هذا بلا نزاع فيه
ومعاذ الله أن يريد ذلك الإمام أحمد رضى الله
عنه.
وقال في الانتصار مال كافر مصالح مباح بطيب
نفسه والحربي مباح أخذه على أى وجه كان.
فائدة: لا ربا بين عبد أو مدبر أو ام ولد
ونحوهم وبين سيدهم هذا المذهب وقطع به الأصحاب
ونص عليه.
والتزم المجد في موضع جريان الربا بينه وبين
سيده إذا قلنا بملكه قاله في القواعد الأصولية
والصحيح من المذهب تحريم الربا بين السيد
ومكاتبه كالاجنبي وعليه أكثر الأصحاب وعنه لا
ربا بينه وبين مكاتبه كعبده اختاره أبو بكر
وابن أبى موسى ويستثنى من ذلك مال الكتابة
فإنه لا يجرى الربا فيه قاله في الوجيز
والرعايتين وغيرهم هناك.
فعلى المذهب لو زاد الأجل والدين جاز في
احتمال.
ويأتى ذلك في أول الكتابة في أول الفصل
الثاني.
(5/44)
باب بيع الأصول والثمار
قوله: "ومن باع دارا تناول البيع أرضها
وبناءها".
بلا نزاع.
وشمل قوله: "أرضها" المعدن الجامد وهو صحيح
ولا يشمل المعادن الجارية على الصحيح من
المذهب.
وعنه يدخل في المبيع فيملكه المشترى.
ويأتى في إحياء الموات إذا ظهر فيما أحياه
معدن جار هل يملكه أو لا؟.
(5/44)
ويدخل أيضا
الشجر والنخل المغروس في الدار قولا واحدا عند
أكثر الأصحاب وقيل فيه احتمالان.
فائدة مرافق الأملاك كالطرق والأفنية ومسيل
المياة ونحوها هل هي مملوكة أو يثبت فيها حق
الاختصاص فيه وجهان.
أحدهما ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك جزم
به القاضي وابن عقيل في إحياء الموات والغصب
ودل عليه نصوص الإمام أحمد وطرد القاضي ذلك
حتى في حريم البئر ورتب عليه أنه لو باعه أرضا
بفنائها لم يصح البيع لأن الفناء لا يختص به
إذ استطراقه عام بخلاف ما لو باعها بطريقها.
وذكر ابن عقيل احتمالا يصح البيع بالفناء لأنه
من الحقوق كمسيل المياه.
والوجة الثاني الملك صرح به الأصحاب في الطرق
وجزم به في الكل صاحب المغنى وأخذه من نص أحمد
والخرقي على ملك حريم البئر ذكر ذلك في
القاعدة الخامسة والثمانين.
قوله: "إلا ما كان من مصالحها كالمفتاح وحجر
الرحا الفوقاني فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والكافي
والمغنى والهادي والتلخيص والبلغة والشرح
والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وشرح ابن
منجا.
أحدهما لا يدخل وهو المذهب قدمه في الفروع.
والوجة الثاني يدخل صححه في التصحيح وجزم به
في الوجيز.
وقيل يدخل في المبيع المفتاح ولا يدخل الحجر
الفوقاني جزم به ابن عبدوس في تذكرته.
فائدتان
إحداهما لو باع الدار وأطلق ولم يقل بحقوقها
فهل يدخل فيه ماء البئر التى في الدار على
وجهين وأطلقهما في التلخيص والفائق وأصلهما هل
يملك الماء أو لا قاله في التلخيص والصحيح من
المذهب أنه لا يدخل قاله المصنف والشارح.
الثانية لو كان في الدار متاع وطالت مدة نقله
وقيده جماعة بفوق ثلاثة أيام منهم صاحب
الرعاية الكبرى فهو عيب.
والصحيح من المذهب يثبت اليد عليها وقيل لا.
وكذا الحكم في أرض بها زرع للبائع فلو تركه له
ولا ضرر فلا خيار له.
وفي الترغيب وغيره لو قال تركته لك ففي كونه
تمليكا وجهان.
(5/45)
ولا أجرة لمدة
نقله على الصحيح من المذهب وقيل مع العلم وقيل
له الأجرة مطلقا وأطلقهن في الرعاية الكبرى.
وينقله بحسب العادة فلا يلزم ليلا ولا جمع
الحمالين.
ويلزمه تسوية الحفر وإن لم ينص مشتر ببقائه
ففي إجباره وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية
الكبرى.
قلت الأولى أن له إجباره.
قوله: "وإن باع ارضا بحقوقها دخل غراسها
وبناؤها في البيع بلا نزاع وإن لم يقل بحقوقها
فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والخلاصة والكافي والمغنى والتلخيص والبلغة
والشرح وشرح ابن منجا والنظم والفائق
والحاويين وإدراك الغاية.
أحدهما يدخل وهو المذهب جزم به في الوجيز
وتذكرة ابن عبدوس والمنور ومنتخب الأزجى وصححه
في التصحيح وقدمه في المحرر والهادى والفروع
والرعايتين.
والوجة الثاني لا يدخل وللبائع تبقيته.
فوائد
الأولى: حكم الأرض إذا رهنها حكمها إذا باعها
خلافا ومذهبا وتفصيلا على ما تقدم وصرح به في
النظم والفروع.
وقال في الترغيب والتلخيص هل يتبعهما في الرهن
كالبيع إذا قلنا يدخل أولا فيه وجهان لضعف
الرهن عن البيع وكذا الوصية.
الثانية لو باعه بستانا بحقوقه دخل البناء
والأرض والشجر والنخل والكرم وعريشه الذى
يحمله وإن لم يقل بحقوقه ففي دخول البناء غير
الحائط الوجهان المتقدمان حكما ومذهبا قاله في
الفروع.
وقال في الرعاية وفيما فيه من بناء غير
الحيطان وجهان وظاهرة أنه سواء قال بحقوقه أو
لا وهي طريقة في المذهب.
الثالثة لو باعه شجرة فله بيعها في أرض البائع
كالثمر على الشجر.
قال أبو الخطاب وغيره ويثبت له حق الاجتياز
وله الدخول لمصالحها.
الرابعة لو باع قرية لم تدخل مزارعها إلا
بذكرها.
وقال المصنف وغيره أو قرينة قاله في الفروع
وهو أولى.
قلت: وهو الصواب.
(5/46)
الخامسة لو كان
في القرية شجر بين بنيانها ولم يقل بحقوقها
ففيه الخلاف المتقدم نقلا ومذهبا وجزم في
الرعاية الصغرى والحاوى الصغير هنا بدخوله.
السادسة لو باع شجرة فهل يدخل منبتها في البيع
على وجهين ذكرهما القاضي.
وحكى عن ابن شاقلا أنه لا يدخل وأن ظاهر كلام
الإمام أحمد الدخول حيث قال فيمن أقر بشجرة
لرجل هي له بأصلها.
وعلى هذا لو انقلعت فله إعادة غيرها مكانها.
ولا يجوز ذلك على قول ابن شاقلا كالزرع إذا
حصد فلا يكون له في الأرض سوى حق الانتفاع
ذكره في القاعدة الخامسة والثمانين.
قوله: "وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى
كالرطبة والبقول".
أو تكون ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول
للمشترى والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة من
القثاء والباذنجان للبائع.
هذا المذهب جزم به في الوجيز والحاويين
والرعاية الصغرى والفائق وقدمه في المغنى
والشرح.
قال في الرعاية الكبرى فأصله للمشترى في
الأصح.
واختار ابن عقيل إن كان البائع قال بعتك هذه
الأرض بحقوقها دخل فيها ذلك وإلا فوجهان وهو
ظاهر كلامه في الفروع.
قال في القاعدة الثمانين هل هذه الأشياء
كالشجر أو كالزرع فيه وجهان إن قلنا كالشجر
انبنى على أن الشجر هل يدخل في بيع الأرض مع
الإطلاق أم لا وفيه وجهان وإن قلنا هي كالزرع
لم يدخل في البيع وجها واحدا.
وقيل حكمها حكم الشجر في تبعية الأرض وهي
طريقة ابن عقيل والمجد.
وقيل يتبع وجها واحدا بخلاف الشجر وهي طريقة
أبى الخطاب وصاحب المغنى.
فائدة وكذا الحكم لو كان مما يؤخذ زهره ويبقى
في الأرض كالبنفسج والنرجس والورد والياسمين
واللينوفر ونحوه فإن تفتح زهرة فهو للبائع وما
لم يتفتح فهو للمشترى على الصحيح ويأتى على
قول ابن عقيل التفصيل .
قوله: "وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة
كالبر والشعير فهو للبائع مبقي إلى الحصاد"
وكذلك القطنيات ونحوها وهذا المذهب وعليه
الأصحاب قال في المغنى لا أعلم فيه خلافا.
(5/47)
وقال في المبهج
إن كان الزرع بدا صلاحه لم يتبع الأرض وإن لم
يبد صلاحه فعلى وجهين فإن قلنا لا يتبع أخذ
البائع بقطعه إلا أن يستأجر الأرض.
قال في القواعد وهو غريب جدا مخالف لما عليه
الأصحاب انتهى.
كذا ما المقصود منه مستتر كالجزر والفجل والقت
والثوم والبصل وأشباه ذلك وكذا القصب الفارسي
إلا أن العروق للمشترى.
فأما قصب السكر فالصحيح من المذهب أنه كالزرع
جزم به في الرعاية الكبرى وقدمه في المغنى
والشرح والفروع.
وقيل هو كالقصب الفارسي وهو احتمال في المغنى
والشرح.
قال في الفروع ويتوجه مثله الجوز.
تنبيه قوله: "مبقى إلى الحصاد" يعنى بلا أجرة
ويأخذه أول وقت أخذه زاد المصنف وتبعه الشارح
ولو كان بقاؤه خيرا له.
وقيل يأخذه في عادة أخذه إن لم يشترطه
المشترى.
فوائد
الأولى لو اشترى أرضا فيها زرع للبائع أو شجرا
فيه ثمر للبائع وظن دخوله في البيع أو ادعى
الجهل به ومثله يجهله فله الفسخ.
الثانية لو كان في الأرض بذر فإن كان أصله
يبقى في الأرض كالنوى وبذر الرطبة ونحوهما
فحكمه حكم الشجر على ما تقدم.
وإن كان لا يبقى أصله كالزرع ونحوه فحكمه حكم
الزرع البادي هذا المذهب اختاره القاضي وجزم
به في المغنى والشرح وشرح ابن رزين وقدمه في
الرعايتين والحاوي الصغير وعند ابن عقيل لا
يدخل فيهما جميعا لأنه عين مودعة في الأرض
فكانت في حكم الحجر والخشب المدفونين وأطلقهما
في التلخيص.
قال في الفروع والفائق والبذر إن بقى أصله
فكشجر وإلا كزرع عند القاضي وعند ابن عقيل لا
يدخل.
وأطلق في عيون المسائل أن البذر لا يدخل لأنه
مودع.
وقال في المبهج في بذر وزرع لم يبد صلاحه قيل
يتبع الأرض وقيل لا ويؤخذ البائع بأخذه إن لم
يستأجر الأرض.
الثالثة لو باع الأرض بما فيها من البذر ففيه
ثلاثة أوجه.
أحدها يصح اختاره القاضي في المجرد.
(5/48)
قلت وهو الصواب
لأنه دخل تبعا.
والثاني لا يصح مطلقا.
والثالث إن ذكر قدره ووصفه صح وإلا فلا وهو
احتمال لابن عقيل وأطلقهن في الفروع.
قوله: "ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما تشقق طلعه".
التأبير هو التلقيح وهو وضع الذكر في الأنثى
والمصنف رحمه الله فسره بالتشقق لأن الحكم
عنده منوط به وإن لم يلقح لصيرورته في حكم عين
أخرى وعلى هذا إنما نيط الحكم بالتأبير في
الحديث لملازمته للتشقق غالبا.
إذا علمت هذا فالذى قاله المصنف هو المذهب
وعليه الأصحاب.
وجزم به الخرقي وصاحب المحرر والوجيز وغيره
وقدمه في الشرح والفروع والفائق والزركشي
وغيرهم.
وبالغ المصنف فقال لا خلاف فيه بين العلماء.
وعنه رواية ثانية الحكم منوط بالتأبير وهو
التلقيح لا بالتشقق ذكرها ابن أبى موسى وغيره
فعليها لو تشقق ولم يؤبر يكون للمشترى ونصر
هذه الرواية الشيخ تقى الدين رحمه الله
واختارها في الفائق وقال قلت وعلى قياسه كل
مفتقر إلى صنع كثير لا يكون ظهوره الفصل بل
إيقاع الفعل فيه وأطلقهما في التلخيص والرعاية
الكبرى.
فتلخص أن ما لم يكن تشقق طلعه فغير مؤبر وما
تشقق ولقح فمؤبر وما تشقق ولم يلقح فمحل
الروايتين.
فائدة طلع الفحال يراد للتلقيح كطلع الإناث
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وذكر ابن
عقيل وأبو الخطاب احتمال أنه للبائع بكل حال.
قوله: "فالتمر للبائع متروكا في رؤوس النخل
إلى الجذاذ".
وهذا إذا لم يشترط عليه قطعه.
فائدة حكم سائر العقود في ذلك كالبيع في أن ما
لم يؤبر يلحق بأصله وما أبر لا يلحق وذلك مثل
الصلح والصداق وعوض الخلع والأجر والهبة
والرهن والشفعة إلا أن في الأخذ بالشفعة وجها
آخر أنه يتبع فيه المؤبر إذا كان في حالة
البيع غير مؤبر وأما الفسوخ ففيها ثلاثة أوجه.
(5/49)
أحدها يتبع
الطلع مطلقا بناء على أنه زيادة متصلة او على
أن الفسخ رفع للعقد من أصله.
والثاني لا يتبع بحال بناء على أنه زيادة
منفصلة وإن لم يؤبر.
والثالث أنه كالعقود المتقدمة.
هذا كله على القول بأن النماء المنفصل لا يتبع
في الفسوخ.
أما على القول بأنه يتبع فيتبع الطلع مطلقا
وأطلقهن في القواعد وصرح في الكافي بالثالث
وصرح في المغني بالثاني وقاله ابن عقيل في
الإفلاس والرجوع في الهبة.
وأما الوصية والوقف فالمنصوص أنه تدخل فيهما
الثمرة الموجودة يوم الوصية إذا بقيت إلى يوم
الموت سواء أبرت أو لم تؤبر.
تنبيه محل قوله: "متروكا في رؤوس النخل إلى
الجذاذ" إذا لم تجر العادة بأخذه بسرا أو يكون
بسره خيرا من رطبه فإن كان كذلك فإنه يجذه حين
استحكام حلاوة بسره قاله الزركشي وغيره.
وظاهر كلام المصنف وغيره أنها تبقى إلى وقت
الجذاذ ولو أصابتها آفة بحيث أنه لا يبقى في
بقائها فائدة ولا زيادة.
وهذا أحد الاحتمالين والآخر يقطع في الحال.
قلت وهو الصواب.
وظاهر كلامه وكلام غيره أنها لا تقطع قبل
الجذاذ ولو تضرر الأصل بذلك ضررا كبيرا وهو
أحد الوجهين.
والوجه الثاني يجبر على قطعها والحالة هذه
وأطلقهما الزركشي.
قوله: "وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد
كالعنب والتين والرمان والجوز".
يعنى يكون للبائع متروكا في شجره إلى استوائه
ما لم يظهر للمشترى.
واعلم أنه إذا كان ما يحمل الشجر يظهر بارزا
لا قشر عليه كالعنب والتين والتوت والجميز
والليمون والأترنج ونحوه أو كان عليه قشر يبقى
فيه إلى أكله كالرمان والموز ونحوهما أوله
قشران كالجوز واللوز ونحوهما فالصحيح من
المذهب في ذلك كله أنه يكون للبائع بمجرد
ظهوره وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير
منهم.
وقال القاضي ماله قشران لا يكون للبائع إلا
بتشقق قشرة الأعلى وصححه في التلخيص وقدمه في
الرعايتين والحاويين وجزم به في عيون المسائل
في الجوز واللوز وقال لا يلزم الموز والرمان
والحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره لا يتبع
الأصل لأنه لا.
(5/50)
غاية لظهوره
ورد ما قاله القاضي ومن تابعه المصنف والشارح
وأطلقهما في الفائق.
وقال في المبهج الاعتبار بانعقاد لبه فإن لم
ينعقد تبع أصله وإلا فلا.
قوله: "وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح
والسفرجل للبائع وما لم يظهر للمشترى" أناط
المصنف رحمه الله الحكم بالظهور من النور
فظاهره سواء تناثر أو لا وهو صحيح وهو المذهب
وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقي
وقدمه في المغنى والشرح واختاره.
قال في القواعد الفقهية وهو أصح.
وقيل إن تناثر نوره فهو للبائع وإلا فلا وجزم
به القاضي في خلافه لأن ظهور ثمره يتوقف على
تناثر نوره وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير
وأطلقهما في الحاوي الكبير والفائق وقيل يكون
للبائع بمجرد ظهور النور ذكره القاضي احتمالا
جعلا للنور كما في الطلع.
فائدة قوله: "وما خرج من أكمامه كالورد والقطن
للبائع".
بلا نزاع جزم به في المغني والشرح والفروع
وغيرهم وكذا الياسمين والبنفسج والنرجس ونحوه.
وقال الأصحاب القطن كالطلع وألحقوا به هذه
الزهور.
قال في القواعد الفقهية وفيه نظر فإن هذا
المنظم هو نفس الثمرة أو قشرها الملازم لها
كقشر الرمان فظهوره ظهور الثمرة بخلاف الطلع
فإنه وعاء للثمرة.
وكلام الخرقي يدل عليه حيث قال وكذلك بيع
الشجر إذا كان فيه ثمر باد وبدو الورد ونحوه
ظهوره من شجره وإنما كان منظما انتهى.
قوله: "والورق للمشتري بكل حال".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب.
ويحتمل في ورق التوت المقصود أخذه إن تفتح فهو
للبائع وإن كان حبا فهو للمشتري وهو وجه
وأطلقهما في التلخيص والحاوي الكبير.
قوله: "وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع وما لم
يظهر فهو للمشتري".
وكذلك ما أبر بعضه هذا المذهب وإن كان نوعا
واحدا نص عليه وعليه اكثر الأصحاب وقدمه في
المغنى والمحرر والشرح والفروع والفائق وابن
منجا وقال هذا المذهب وغيرهم.
(5/51)
قال في الحاوي
الكبير وغيره المنقول عن احمد في النخل أن ما
أبر للبائع وما لم يؤبر للمشترى وكذلك يخرج في
الورد ونحوه وكذا قال في الحاوي الصغير
والرعايتين والوجيز والهادي وغيرهم.
وقال ابن حامد الكل للبائع وهو رواية في
الانتصار واختاره غير ابن حامد كشجرة.
وقال في الواضح فيما لم يبد من شجره للمشترى
وذكره ابو الخطاب ظاهر كلام أبي بكر ولو أبر
بعضه فباع ما لم يؤبر وحده فهو للمشتري وقدمه
في الرعاية الكبرى والمغنى والشرح وشرح ابن
رزين.
وقيل للبائع وأطلقهما في الفروع.
فائدة يقبل قول البائع في بدو الثمرة بلا
نزاع.
وقال في الفروع ويتوجه وجه من واهب ادعى شرط
ثواب.
وأما إن كان جنسا فلم يفرق أبو الخطاب بينه
وبين النوع وهو وجه وقدمه في التبصرة والصحيح
من المذهب الفرق بين الجنس والنوع قدمه في
الفروع.
ورد المصنف والشارح الأول وقالا الأشبه الفرق
بين النوع والنوعين فما أبر من نوع أو ظهر بعض
ثمره لا يتبعه النوع الآخر.
قال الزركشي هذا أشهر القولين.
تنبيه ظاهر كلام المصنف في قوله: "وإن احتاج
الزرع أو الثمرة إلى سقى لم يلزم المشترى ولم
يملك منع البائع منه".
أنه لا يسقيه إلا عند الحاجة وهو أحد الوجهين
وهو ظاهر كلام الشارح والزركشي وغيرهما.
والوجة الثاني له سقيه للمصلحة سواء كان ثم
حاجة أولا ولو تضرر الأصل وهو المذهب قدمه في
الفروع.
وكذا الحكم لو احتاجت الأرض إلى سقى.
فائدة حيث حكمنا أن الثمر للبائع فإنه يأخذه
أول وقت أخذه بحسب العادة على الصحيح من
المذهب زاد المصنف ولو كان بقاؤه خيرا له.
وقيل يؤخره إلى وقت أخذه في العادة إن لم
يشترطه المشترى.
وقيل يلزمه قطع الثمرة لتضرر الأصل زاد المصنف
والشارح تضررا كثيرا وأطلقاهما وتقدم معناه
عند قوله: "يبقى إلى الحصاد".
(5/52)
قوله: "ولا
يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ولا الزرع قبل
اشتداد حبه".
بلا نزاع في الجملة إلا بشرط القطع في الحال
نص عليه لكن يشترط أن يكون منتفعا به في الحال
قاله في الرعاية والشيخ تقى الدين في تعليقه
على المحرر.
قلت وهو مراد غيرهما.
وقد دخل في كلام الأصحاب في شروط البيع حيث
اشترطوا أن يكون فيه منفعة مباحة.
فوائد
الأولى يستثنى من عموم كلام المصنف من عدم
الجواز لو باع الثمرة قبل بدو صلاحها بأصلها
فإنه يصح على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
وحكاه المصنف والشارح والزركشي إجماعا لأنه
دخل تبعا.
وقيل لا يجوز وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة
وأطلقهما في المحرر.
ويستثنى أيضا لو باع الأرض بما فيها من زرع
قبل اشتداد حبه فإنه يصح جزم به في المحرر
والوجيز وتذكرة ابن عبدوس والحاوي الكبير
والمغنى والشرح وصححه في الرعاية الصغرى
والحاوي الصغير وقدمه في الفروع.
وقيل لا يصح وقدمه في الرعاية الكبرى وهو ظاهر
كلام المصنف هنا.
الثانية يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمالك
الشجر جزم به في الرعاية الصغرى واختاره في
الحاوي الكبير وصححه في المستوعب والتلخيص
والحاوي الصغير والرعاية الكبرى وفيه وجه آخر
لا يصح وهو ظاهر كلام المصنف والخرقي وأطلقهما
في المغنى والشرح والمحرر والفروع والفائق
والزركشي.
فعلى الوجه الثاني لو شرط القطع صح قال المصنف
ولا يلزم الوفاء بالشرط لأن الأصل له قال
الزركشي ومقتضى هذا أن اشتراط القطع حق للآدمي
وفيه نظر بل هو حق لله تعالى ويجوز بيع الزرع
قبل اشتداده لمالك الأرض جزم به في تذكره ابن
عبدوس والحاوي الكبير واختاره أبو الخطاب
وصححه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وفيه وجه آخر لا يصح وقدمه في الرعاية الكبرى
وهو ظاهر كلام المصنف وأطلقهما في المغنى
والشرح والمحرر والفروع والفائق والزركشي.
الثالثة لو باع بعض ما لم يبد صلاحه مشاعا لم
يصح ولو شرط القطع قاله الأصحاب قلت: فيعايى
بها.
(5/53)
قوله: "والحصاد
واللقاط على المشترى".
بلا نزاع وكذا الجذاذ لكن لو شرطه على البائع
صح على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر
الأصحاب منهم أبو بكر وابن حامد والقاضي
وأصحابه وغيرهم وجزم به في الشرح وغيره وقدمه
في الفروع وغيره.
وقال الخرقي لا يصح وجزم به في الحاوي الكبير
في هذا الباب وهو الذي أورده ابن أبي موسى
مذهبا وقدمه في القاعدة الثالثة والسبعين.
قال القاضي لم أجد بقول الخرقي رواية.
قال في الروضة ليس له وجه.
قال في القاعدة المتقدمة وقد استشكل مسألة
الخرقي أكثر المتأخرين.
وتقدم ذلك مستوفى في باب الشروط في البيع
فليراجع.
قوله: "فإن باعه مطلقا لم يصح".
يعنى إذا باعه ولم يشترط القطع ولا التبقية
وإنما أطلق لم يصح وهذا المذهب مطلقا وعليه
جماهير الأصحاب جزم به في المغنى والمحرر
والشرح والفائق وأكثر الأصحاب قال الزركشي جزم
به الشيخان والأكثرون.
وعنه يصح إن قصد القطع ويلزم به في الحال نص
عليه في رواية عبد الله.
وقدم في الروضة أن إطلاقه كشرط القطع.
وحكى الشيرازي رواية بالصحة من غير قصد القطع.
وما حكاه في المستوعب والحاوي الكبير عن ابن
عقيل في التذكره أنه ذكره في هذه المسألة أربع
روايات ليس بسديد إنما حكى ذلك على ما اقتضاه
لفظه فيما إذا شرط القطع ثم تركه.
قوله: "ولا يجوز بيع الرطبة والبقول إلا بشرط
جزه".
حكم بيع الرطبة والبقول حكم الثمر والزرع فلا
يباع قبل بدو صلاحه إلا مع أصله أو لربه أو مع
أرضه كما تقدم خلافا ومذهبا ولا يباع مفردا
بعد بدو صلاحه إلا جزة جزة بشرطه. .
قوله: "ولا القثاء ونحوه إلا لقطة لقطة إلا أن
يبيع أصله".
إن باعه بأصله صح على الصحيح من المذهب وعليه
الأصحاب.
وقال في التلخيص ويحتمل عندى عدم جواز بيع
البطيخ ونحوه مع أصله إلا أن يبيعه مع أرضه.
(5/54)
قال في القاعدة
الثمانين ورجح صاحب التلخيص أن المقائى ونحوها
لا يجوز بيعها إلا بشرط القطع وهو مقتضى كلام
الخرقي وابن أبي موسى انتهى.
وإن باعه في غير أصله فإن لم يبد صلاحه لم يصح
إلا بشرط قطعه في الحال إن كان ينتفع به وإن
بدا صلاحه لم يجز بيعه إلا لقطة لقطة.
قال في الفروع ولا يباع قثاء ونحوه إلا لقطة
لقطة نص عليه إلا مع أصله ذكره في كتاب البيع
في الشرط الخامس.
وقال هنا وما له أصل يتكرر حمله كقثاء وكالشجر
وثمره كثمرة فيما تقدم ذكره جماعة لكن لا يأخذ
البائع اللقطة الظاهرة ذكره في الترغيب وغيره
وإن تعيب فالفسخ أو الأرش وقيل لا يباع إلا
لقطة لقطة كثمر لم يبد صلاحه ذكره شيخنا
انتهى.
وقيل لا يباع بطيخ قبل نضجه ولا قثاء وخيار
قبل أوان أخذه عرفا إلا بشرط قطعة في الحال.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز بيع
اللقطة الموجودة والمعدومة إلى أن تيبس
المقتاة وقال أيضا يجوز بيع المقائى دون
أصولها وقال قاله كثير من الأصحاب لقصد الظاهر
غالبا.
فائدة القطن إن كان له أصل يبقى في الأرض
أعواما كقطن الحجاز فحكمه حكم الشجر في جوار
إفراده بالبيع وإذا بيعت الأرض بحقوقها دخل في
البيع وثمره كالطلع إن تفتح فهو للبائع وإلا
فهو للمشترى وإن كان يتكرر زرعه كل عام فحكمه
حكم الزرع.
ومتى كان جوزه ضعيفا رطبا لم يقو ما فيه لم
يصح بيعه إلا بشرط القطع كالزرع الأخضر وإن
قوى حبه واشتد جاز بيعه بشرط التبقية كالزرع
إذا اشتد حبه.
وإذا بيعت الأرض لم يدخل في البيع إلا بشرطه.
والباذنجان الذى تبقى أصوله وتتكرر ثمرته
كالشجر وما يتكرر زرعه كل عام كالزرع.
قوله: "وإن شرط القطع ثم تركه حتى بدا صلاح
الثمرة وطالت الجزة وحدثت ثمرة أخرى فلم تتميز
أو اشترى ثمرته ليأكلها رطبا فأثمرت بطل
البيع".
شمل كلامه قسمين.
أحدهما إذا حدثت ثمرة أخرى قبل القطع ولم
تتميز من المبيع.
الثاني ما عدا ذلك.
(5/55)
فإن كان ما عدا
حدوث ثمرة أخرى فالصحيح من المذهب بطلان البيع
كما قال المصنف وعليه أكثر الاصحاب ونص عليه.
قال في الفروع فسد العقد في ظاهر المذهب.
قال في القواعد الفقهية هذه أشهر الروايات.
قال القاضي هذه أصح.
قال الزركشي هذا المذهب المنصوص والمختار
للأصحاب وصححه في التصحيح والخلاصة وجزم به في
الوجيز وتذكرة ابن عبدوس والمنور ومنتخب
الأزجى وغيرهم واختاره الخرقي وأبو بكر وابن
أبى موسى والقاضى وأصحابه وغيرهم وقدمه في
الكافي والهادي والمحرر والرعايتين والحاويين
والفائق وقال اختاره الشيخ تقى الدين رحمه
الله وهو من مفردات المذهب.
فعليها الأصل والزيادة للبائع قطع به أكثر
الأصحاب واختاره ابن أبى موسى والقاضي وغيرهما
ونقلها أبو طالب وغيره عن الإمام أحمد رحمه
الله وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه الزيادة للبائع والمشترى فتقوم الثمرة
وقت العقد وبعد الزيادة.
وهذه الرواية ذكرها في الكافي والفروع
وغيرهما.
وحكى ابن الزاغوني والمصنف وغيرهما رواية أن
البائع يتصدق بالزيادة على القول بالبطلان.
قال في التلخيص وعنه يبطل البيع ويتصدق
بالزيادة استحبابا لاختلاف الفقهاء انتهى وحكى
القاضي رواية يتصدقان بها.
قال المجد وهو سهو من القاضي وإنما ذلك على
الصحة فأما مع الفساد فلا وجه لهذا القول
انتهى.
وعنه رواية ثانية في أصل المسألة لا يبطل
البيع ويشتركان في الزيادة.
قال في الحاويين وهو الأقوى عندي واختاره أبو
جعفر البرمكي.
وقال القاضي الزيادة للمشترى وجزم به في كتابه
الروايتين.
قال في الحاوي كما لو أخره لمرض.
ورده في القواعد وقال هو مخالف نصوص أحمد ثم
قال لو قال مع ذلك بوجوب الأجرة للبائع إلى
حين القطع لكان أقرب.
قال المجد يحتمل عندي أن يقال إن زيادة الثمرة
في صفتها للمشترى وما طال من الجزة للبائع
انتهى وعنه يتصدقان بها.
(5/56)
قال في الفروع
وعنه يتصدقان بها على الروايتين وجوبا وقيل
ندبا وكذلك قال في الرعاية فاختار القاضي أنه
على سبيل الاستحباب وإليه ميل المصنف والشارح
وتقدم كلامه في التلخيص.
وقال ابن الزاغوني على القول بالصحة لا تدخل
الزيادة في ملك واحد منهما ويتصدق بها
المشترى.
وعنه الزيادة كلها للبائع نقلها القاضي في
خلافه في مسألة زرع الغاصب.
ونص أحمد في رواية ابن منصور فيمن اشترى قصيلا
وتركه حتى سنبل يكون للمشترى منه بقدر ما
اشترى يوم اشترى فإن كان فيه فضل كان للبائع
صاحب الأرض.
وعنه يبطل البيع إن أخره بلا عذر وعنه يبطل
بقصد حيلة ذكرها جماعة منهم ابن عقيل في
التذكرة والفخر في التلخيص.
قال بعض الأصحاب متى تعمد الحيلة فسد البيع من
أصله ولم ينعقد بغير خلاف.
ووجه في الفروع فيما إذا باعه عرية فأثمرت إن
ساوى الثمر المشترى به صح.
وقال في الفائق والمختار ثبوت الخيار للبائع
ليفسخ وعنه إذا ترك الرطبة حتى طالت لم يبطل
المبيع ذكره الزركشي.
تنبيه صرح المصنف ان حكم العرية إذا تركها حتى
أثمرت حكم الثمرة إذا تركها حتى بدا صلاحها
وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم
القاضي.
وقطع بعض الأصحاب بالبطلان في العرايا وحكى
الخلاف في غيرها منهم الحلواني وابنه وفرقوا
بينهما.
فائدتان
الأولى: للقول بالبطلان مأخذان.
أحدهما أن تأخيره محرم لحق الله فالبيع باطل
كتأخير القبض في الربويات ولأنه وسيلة إلى
شراء الثمرة وبيعها قبل بدو صلاحها وهو محرم
ووسائل المحرم ممنوعة.
المأخذ الثاني أن مال المشترى اختلط بمال
البائع قبل التسليم على وجه لا يتميز منه فبطل
به البيع كما لو تلف.
فعلى الأول لا يبطل البيع إلا بالتأخير إلى
بدو الصلاح واشتداد الحب وهو ظاهر كلام الإمام
أحمد والخرقي ويكون تأخيره إلى ما قبل ذلك
جائزا.
ولو كان المشتري رطبة أو ما أشبهها من النعناع
والهندبا أو صوفا على ظهر فتركها حتى طالت لم
ينفسخ البيع لأنه لا نهى في بيع هذه الأشياء
وهذه هي طريقة القاضي في المجرد.
(5/57)
وعلى الثاني
يبطل البيع بمجرد الزيادة واختلاط المالين إلا
أنه يعفى عن الزيادة اليسيرة كاليوم واليومين
ولا فرق بين الثمر والزرع وغيرهما من الرطبة
والبقول والصوف وهي طريقة أبى بكر والقاضي في
خلافه والمصنف وغيرهم ومتى تلف بجائحة بعد
التمكن من قطعه فهو من ضمان المشترى وهو مصرح
به في المجرد ولمغنى وغيرهما.
وتكون الزكاة على البائع على هذا المأخذ بغير
إشكال وأما على الأول فيحتمل أن تكون على
المشترى لأن ملكه إنما ينفسخ بعد بدو الصلاح
ويحتمل أن يكون على البائع ولم يذكر الأصحاب
خلافه لأن الفسخ ببدو الصلاح استند إلى سبب
سابق عليه وهو تأخير القطع قال ذلك في القواعد
وقال وقد يقال ببدو الصلاح يتبين انفساخ العقد
من حين التأخير انتهى.
الثانية تقدم هل تكون الزكاة على البائع أو
على المشترى إذا قلنا بالبطلان وحيث قلنا
بالصحة فإن اتفقا على التبقية جاز وزكاة
المشترى وإن قلنا الزيادة لهما فعليهما الزكاة
إن بلغ نصيب كل واحد منهما نصابا وإلا انبنى
على الخلطة في غير الماشية على ما تقدم.
تنبيه واما إذا حدثت ثمرة ولم تتميز فقطع
المصنف هنا أن حكمها حكم المسائل الأولى وهو
رواية عن أحمد ذكرها أبو الخطاب وجزم به في
الوجيز والرعايتين والحاويين والهداية والمذهب
والخلاصة والهادي وغيرهم وهو احتمال في
الكافي.
والصحيح من المذهب أن حكمه حكم المبيع الذي
اختلط بغيره فهما شريكان فيهما كل واحد بقدر
ثمرته فإن لم يعلما قدرها اصطلحا ولا يبطل
العقد في ظاهر المذهب قاله المصنف في المغني
والشارح وصاحب الفروع والفائق وغيرهم.
قال الزركشي وهو الصواب وقدمه في الكافي وغيره
واختاره ابن عقيل وغيره.
قال القاضي إن كانت الثمرة للبائع فحدثت أخرى
قيل لكل منهما اسمح بنصيبك فإن فعل أجبر الآخر
على القبول وإلا فسخ العقد وإن اشترى ثمرة
فحدثت أخرى وقيل للبائع ذلك لا غير انتهى.
فائدة: لو اشترى خشبا بشرط القطع فأخر قطعه
فزاد فالبيع لازم والزيادة للبائع قدمه في
الفائق فقال لو اشترى خشبا ليقطعه فتركه فنما
وغلظ فالزيادة لصاحب الأرض نص عليه واختاره
البرمكي انتهى.
قال في الفروع ونقل ابن منصور الزيادة لهما
واختاره البرمكي وقاله في القواعد أيضا فاختلف
النقل عن البرمكي في الزيادة.
وقيل البيع لازم والكل للمشترى وعليه الأجرة
اختاره ابن بطة.
وقيل ينفسخ العقد والكل للبائع.
قال الجوزي ينفسخ العقد قال في الفائق بعد قول
الجوزي قلت ويتخرج الإشتراك فوافق المنصوص.
(5/58)
وقال في الفروع
وإن أخر قطع خشب مع شرطه فزاد فقيل الزيادة
للبائع وقيل للكل وقيل للمشترى وعليه الأجرة.
ونقل ابن منصور الزيادة لهما اختاره البرمكي
انتهى.
قوله: "وإذا بدا الصلاح في الثمرة واشتد الحب
جاز بيعه مطلقا ويشترط التبقية".
وكذا قال كثير من الأصحاب.
وقال في المحرر والفروع والفائق وغيرهم وإذا
طاب أكل الثمر وظهر نضجه جاز بيعه.
وفي الترغيب بظهور مبادئ الحلاوة.
فائدة يجوز لمشتريه أن يبيعه قبل جده على
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب لأنه وجد
من القبض ما يمكن فكفى للحاجة المبيحة لبيع
الثمر قبل بدو صلاحه.
وعنه لا يجوز بيعه حتى يجده اختاره أبو بكر
وأطلقهما في المحرر والفائق.
قوله: "وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على
البائع".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وسواء أتلفت
قدر الثلث أو أكثر أو أقل إلا أنه يتسامح في
الشيء اليسير الذي لا ينضبط نص عليه.
قال المصنف والشارح هذا ظاهر المذهب.
قال الزركشي هذا اختيار جمهور الأصحاب وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في الكافي والمحرر
والفروع والرعايتين وغيرهم وهو من مفردات
المذهب.
وعنه إن أتلفت الثلث فصاعدا ضمنه البائع وإلا
فلا اختاره الخلال وجزم به في الروضة وأطلقهما
في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص
والبلغة والحاوي الكبير وغيرهم.
وعنه لا جائحة في غير النخل نص عليه في رواية
حنبل ذكره في الفائق.
واختار الزركشي في شرحه إسقاط الجوائح مجانا
وحمل أحاديثها على أنهم كانوا يبيعونها قبل
بدو صلاحها.
تنبيهات
أحدها قيد ابن عقيل وصاحب التلخيص وجماعة
الروايتين بما بعد التخلية وظاهرة أن قبل
التخلية يكون من ضمان البائع قولا واحدا قاله
الزركشي.
(5/59)
وجزم في الفروع
أن محل الجائحة بعد قبض المشترى وتسليمه وهو
موافق للأول وقطع به في الرعايتين والحاويين
والظاهر أنه مراد من أطلق لأنه قبل التحلية ما
حصل قبض.
الثاني أفادنا المصنف بقوله: "رجع على البائع
صحه البيع وهو المذهب وعليه الأصحاب إلا صاحب
النهاية فإنه أبطل العقد كما لو تلف الكل.
الثالث على الرواية الثانية وهي التي قلنا
فيها لا يضمن إلا إذا أتلفت الثلث فصاعدا قيل
يعتبر ثلث الثمرة وهو الصحيح قدمه في الهداية
والمذهب والمستوعب والمغنى والتلخيص والبلغة
والشرح والرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين.
وقبل يعتبر قدر الثلث بالقيمة وقدمه في المحرر
والنظم وتجريد العناية وأطلقهما الزركشي
والفائق.
وقيل: يعتبر قدر الثلث بالثمن وأطلقهن في
الفروع.
الرابع على المذهب يوضع من الثمرة بقدر التالف
نقله أبو الخطاب وجزم به في الفروع
الخامس لو تعيبت بذلك ولم تتلف خير المشترى
بين الإمضاء والأرش وبين الرد وأخذ الثمن
كاملا قاله الزركشي وغيره.
فائدة تختص الجائحة بالثمن على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب وكذا ماله أصل
يتكرر حمله كقثاء وخيار وباذنجان ونحوها قاله
جماعة وقدمه في الفروع وتقدم لفظه وقال في
القاعدة الثمانين لو اشترى لقطة ظاهرة من هذه
الأصول فتلفت بجائحة قبل القطع فإن قلنا حكمها
حكم ثمن الشجر فمن مال البائع.
وإن قيل هي كالزرع خرجت على الوجهين في جائحة
الزرع.
وقال القاضي من شرط الثمن الذي تثبت فيه
الجائحة أن يكون مما يستبقى بعد بدو صلاحه إلى
وقت كالنخل والكرم وما أشبهها وإن كان مما لا
تستبقى ثمرته بعد بدو صلاحه كالتين والخوخ
ونحوهما فلا جائحة فيه.
قال بعض الأصحاب وهذا أليق بالمذهب.
وعنه لا جائحة في غير النخل نص عليه في رواية
حنبل كما تقدم وتقدم اختيار الزركشي وقال في
الكافي والمحرر وتثبت أيضا في الزرع.
وذكر القاضي فيه احتمالين ذكره الزركشي.
وقال في عيون المسائل إذا تلفت الباقلا أو
الحنطة في سنبلها فلنا وجهان الأقوى.
(5/60)
يرجع بذلك على
البائع.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله ثبوت
الجائحة في زرع مستأجر وحانوت نقص نفعه عن
العادة وحكم به أبو الفضل بن حمزة في حمام.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا قياس نصوصه وأصوله
إذا تعطل نفع الأرض بآفة انفسخت الإجارة فيما
بقي كانهدام الدار وأنه لا جائحة فيما تلف من
زرعه لأن المؤجر لم يبعه إياه ولا ينازع في
هذا من فهمه.
تنبيهان
أحدهما قوله: "بجائحة من السماء" ضابطها أن لا
يكون فيها صنع لآدمي كالريح والمطر والثلج
والبرد والجليد والصاعقة والحر والعطش ونحوها
وكذا الجراد جزم به الأصحاب
الثاني يستثنى من عموم كلام المصنف لو اشترى
الثمرة مع أصلها فإنه لا جائحة فيها إذا تلفت
قاله الأصحاب.
ويستثنى أيضا ما إذا أخر أخذها عن وقته
المعتاد فإنه لا يضمنها البائع والحالة هذه
على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب
وقطع به كثير منهم.
وقال القاضي ظاهر كلام الإمام أحمد وضعها عمن
أخر الأخذ عن وقته واختاره وفيه وجه ثالث يفرق
بين حالة العذر وغيره.
فائدة لو باع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط
القطع ثم تلفت بجائحة فتارة يتمكن من قطعها
قبل تلفها وتارة لا يتمكن فإن تمكن من قطعها
ولم يقطعها حتى تلفت فلا ضمان على البائع قاله
القاضي في المجرد والمجد وهو احتمال في
التعليق وقدمه الزركشي.
قال في القواعد الفقهية وهو مصرح به في
المغنى.
وذكره الشارح عن القاضي واقتصر عليه.
وقال القاضي في التعليق ظاهر كلام الإمام أحمد
رحمه الله أنه من ضمان البائع اعتمادا على
إطلاقه ونظرا إلى أن القبض لم يحصل.
قال في الحاوي يقوى عندي وجوب الضمان على
البائع هنا قولا واحدا لأن ما شرط فيه القطع
فقبضه يكون بالقطع والنقل فإذا تلف قبله يكون
كتلف المبيع قبل القبض انتهى وأما إذا لم
يتمكن من قطعها حتى تلفت فإنها من ضمان البائع
قولا واحدا.
قوله: "وإن أتلفه آدمي خير المشتري بين الفسخ
والإمضاء ومطالبة المتلف".
هذا المذهب مطلقا وعليه اكثر الأصحاب وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في
(5/61)
الفروع وغيره
واختاره القاضي وغيره فهو كإتلاف المبيع
المكيل أو الموزون قبل قبضه على ما تقدم.
لكن جزم في الروضة هنا أنه من مال المشتري
واختاره أبو الخطاب في الانتصار.
قال الزركشي قال ناظم نهاية ابن رزين وهو
القياس.
وقيل إن كان تلفه بعسكر أو لصوص فحكمه حكم
الجائحة وأطلقهما في الهداية والمذهب
والمستوعب والخلاصة والمغنى والتلخيص والشرح
والرعايتين والحاويين والفائق.
قوله: "وصلاح بعض ثمر الشجرة صلاح لجميعها".
بلا نزاع أعلمه وهو أن يبدو الصلاح في بعضه
على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام كثير من
الأصحاب واختاره ابن أبي موسى وأبو الخطاب
وغيرهما وقدمه في الفروع.
ونقل حنبل إذا غلب الصلاح وجزم به في المحرر
في النوع وقاله القاضي وأبو حكيم النهرواني
وغيرهم فيما إذا غلب الصلاح في شجرة.
قال في الرعاية والحاوي إذا بدا الصلاح في بعض
النوع جاز بيع بعض ذلك النوع في إحدى
الروايتين وإن غلب جاز بيع الكل نص عليه.
قوله: "وهل يكون صلاحا لسائر النوع الذي في
البستان على روايتين".
وأطلقهما في التلخيص والهداية والمذهب
والمستوعب والحاوي الكبير والزركشي.
إحداهما يكون صلاحا لسائر النوع الذي في
البستان وهو المذهب نص عليه وعليه اكثر
الأصحاب وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في
الوجيز وغيره.
قال الزركشي هذا اختيار الأكثرين وقدمه في
الكافي والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير
والفائق.
قال المصنف والشارح أظهرهما يكون صلاحا
واختاره ابن حامد وابن أبي موسى والقاضي
وأصحابه وغيرهم.
والرواية الثانية لا يكون صلاحا له فلا يباع
إلا ما بدا صلاحه.
قال الزركشي هي أشهرهما واختاره أبو بكر في
الشافي وابن شاقلا في تعليقه.
تنبيهات
أحدها مفهوم كلام المصنف أنه لا يكون صلاحا
للجنس من ذلك البستان وهو صحيح وهو المذهب
وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل
والمصنف والشارح وغيرهم وجزم به في الوجيز
وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
(5/62)
قال الزركشي
اختاره الأكثرون.
وقال أبو الخطاب يكون صلاحا لما في البستان من
ذلك الجنس فيصح بيعه قاله الزركشي وقال هذا
ظاهر النص وجزم به في المنور واختاره ابن
عبدوس في تذكرته وأطلقهما في الهداية والمذهب.
الثاني مفهوم كلامه أيضا أن صلاح بعض نوع من
بستان لا يكون حاصلا لذلك النوع من بستان آخر
وهو الصحيح وهو المذهب.
قال المصنف والشارح هذا المذهب قال في الفائق
هذا أصح الروايتين وجزم به في الوجيز وغيره.
وعنه أن بدو الصلاح في شجرة من القراح يكون
صلاحا له ولما قاربه وأطلق في الروضة في
البساتين روايتين.
الثالث ليس صلاح بعض الجنس صلاحا لجنس آخر
بطريق أولى على الصحيح من المذهب وعليه
الأصحاب وقطعوا به.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله صلاح جنس في
الحائط صلاح لسائر أجناسه فيتبع الجوز التوت
والعلة عدم اختلاف الأيدي على الثمر قاله في
الفائق.
قال في الفروع واختار شيخنا بقية الاجناس التي
تباع عادة كالنوع.
فائدة لو أفرد ما لم يبد صلاحه مما بدا صلاحه
وباعه لم يصح على الصحيح من المذهب قدمه في
المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل يصح وهو احتمال في المغنى والشرح
وأطلقهما في المحرر والرعايتين والزركشي
والحاويين والفائق وهما وجهان في المجرد.
قوله: "وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو
يصفر وفي العنب أن يتموه".
وكذا قال كثير من الأصحاب.
وقال المصنف في المغنى والشارح وغيرهما حكم ما
يتغير لونه عند صلاحه كالإجاص والعنب الأسود
حكم ثمرة النخل بأن يتغير لونه وفي سائر الثمر
أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله.
وقال صاحب المحرر وتبعه في الفروع وجماعة بدو
صلاح الثمر أن يطيب أكله ويظهر نضجه.
وهذا الضابط أولى والظاهر أنه مراد غيرهم وما
ذكروه علامة على هذا.
هذا حكم ما يظهر من الثمار قولا واحدا وهذا
بلا نزاع.
(5/63)
فأما ما يظهر
فما بعد فم كالقثاء والخيار والبطيخ واليقطين
ونحوها.
فبدو الصلاح فيه أن يؤكل عادة على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب واختاره المصنف
وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال القاضي وابن عقيل صلاحه تناهي عظمه.
وقال في التلخيص صلاحه التقاطه عرفا وإن طاب
أكله قبل ذلك.
فائدة صلاح الحب أن يشتد أو يبيض.
قوله: "ومن باع عبدا له مال فماله للبائع إلا
أن يشترط المبتاع".
بلا نزاع في الجملة.
وقياس قول المصنف في مزارع القرية أو بقرينة
يكون للمبتاع بتلك القرينة.
قلت وهو الصواب واختاره المصنف في شراء الأمة
من الغنيمة يتبعها ما عليها مع علمها به ونقل
الجماعة عن أحمد لا يتبعها وهو المذهب.
قوله: "فإن كان قصده المال اشترط علمه وسائر
شروط البيع وإن لم يكن قصده المال لم يشترط".
فظاهر ذلك أنه سواء قلنا العبد يملك بالتمليك
أولا وهو اختيار المصنف وذكره نص الإمام أحمد
واختيار الخرقي وذكره في المنتخب والتلخيص عن
أصحابنا وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع
والشرح وقدمه في الرعايتين والحاويين.
نقل صالح وأبو الحارث إذا كان إنما قصد العبد
كان المال تبعا له قل أو كثر واقتصر عليه أبو
بكر في زاد المسافر.
وقال القاضي إن قيل العبد يملك بالتمليك لم
تشترط شروط البيع وإلا اعتبرت وقطع به في
المجرد وزاد إلا إذا كان قصده العبد.
قال الزركشي واعلم ان مذهب الخرقي أن العبد لا
يملك فكلامه خرج على ذلك وهو ظاهر كلامه في
التعليق وتبعهما أبو البركات.
أما إذا قلنا يملك فصرح أبو البركات بأنه يصح
شرطه وإن كان مجهولا.
ولم يعتبر أبو محمد الملك بل أناط الحكم
بالقصد وعدمه وزعم أن هذا منصوص الإمام أحمد
والخرقي.
وفي نسبة هذا إليهما نظر لاحتمال بنائهما على
الملك كما تقدم وهو أوفق لكلام الخرقي ولمشهور
كلام الإمام أحمد.
(5/64)
وحكى أبو محمد
عن القاضي أنه رتب الحكم على الملك وعدمه فإن
قلنا يملك لم يشترط وإن قلنا لا يملك اشترط.
وحكى صاحب التلخيص عن الأصحاب أنهم رتبوا
الحكم على القصد وعدمه كما يقوله: "أبو محمد.
ثم قال وهذا على القول بأن العبد يملك أما على
القول بأنه لا يملك فيسقط حكم التبعية ويصير
كمن باع عبدا ومالا وهذا عكس طريقة أبي
البركات.
ثم يلزمه التفريع على الرواية الضعيفة.
ويتلخص في المسألة أربعة طرق انتهى كلام
الزركشي.
وقال ابن رجب في فوائده إذا باع عبدا وله مال
ففيه للأصحاب طرق.
أحدها البناء على الملك وعدمه فإن قلنا يملك
لم يشترط معرفة المال ولا سائر شرائط البيع
لأنه غير داخل في العقد وإنما اشترط على ملك
العبد ليكون عبدا ذا مال وذلك صفة في العبد لا
تفرد بالمعاوضة فهو كبيع المكاتب الذي له مال.
وإن قلنا لا يملك اشترط معرفة المال وإن تبعه
بغير جنس المال أو بجنسه بشرط أن يكون الثمن
أكثر على رواية ويشترط التقابض لأن المال داخل
في عقد البيع وهذه طريقة القاضي في المجرد
وابن عقيل وأبي الخطاب في انتصاره وغيرهم.
والطريقة الثانية اعتبار قصد المال أو عدمه لا
غير فإن كان المال مقصودا للمشتري اشترط علمه
وسائر شروط البيع وإن كان غير مقصود بل قصد
المشتري تركه للعبد لينتفع به وحده لم يشترط
ذلك لأنه تابع غير مقصود وهذه الطريقة هي
المنصوصة عن الإمام أحمد وأكثر أصحابه كالخرقي
وأبي بكر والقاضي في خلافة وكلامه ظاهر في
الصحة وإن قلنا العبد لا يملك.
وترجع المسألة على هذه الطريقة إلى بيع ربوي
بغير جنسه ومعه من جنسه ما هو غير مقصود ورجح
صاحب المغنى هذه الطريقة.
وقال في القواعد وأنكر القاضي في المجرد أن
يكون القصد وعدمه معتبرا في صحة العقد في
الظاهر وهو عدول عن قواعد المذهب وأصوله.
والطريقة الثالثة الجمع بين الطريقتين وهي
طريقة القاضي في الجامع الكبير وصاحب المحرر
ومضمونها أنا إن قلنا العبد يملك لم يشترط
لماله شروط البيع بحال وإن قلنا لا يملك فإن
كان المال مقصودا للمشترى اشترط له شرائط
البيع وإن كان غير مقصود لم يشترط له ذلك
انتهى.
وذكرها أيضا في القواعد وذكر الزركشي أربع
طرق.
(5/65)
قوله: "وإن
كانت عليه ثياب فقال أحمد ما كان للجمال فهو
للبائع وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري".
وهو المذهب وعليه الأصحاب وتقدم اختيار المصنف
فيما إذا اشترى أمة من المغنم وإذا كان هناك
قرينة تدل على أن مراده جميع الثياب.
فائدتان
إحداهما عذار الفرس ومقود الدابة كثياب العبد
ويدخل نعلها في بيعها كلبس العبد قال في
الترغيب وأولى.
الثانية لو باع العبد وله سرية لم يفرق بينهما
كامرأته وهي ملك للسيد نقله حرب ذكره في
الفروع في أحكام العبد والله أعلم.
(5/66)
باب السلم
فائدة قال في المستوعب هو أن يسلم إليه مالا
في عين موصوفة في الذمة.
وقال المصنف في المغنى والكافي والشارح هو أن
يسلم عينا حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى
أجل.
وقال في المطلع هو عقد على موصوف في الذمة
مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد وهو معنى الأول
وهو حسن.
وقال في الوجيز هو بيع معدوم خاص ليس نفعا إلى
أجل بثمن مقبوض في مجلس العقد وقال في الرعاية
الكبرى وغيرها هو بيع عين موصوفة معدومة في
الذمة إلى أجل معلوم مقدور عليه عند الأجل
بثمن مقبوض عند العقد.
وقال في الرعاية الصغرى هو بيع معدوم خاص بثمن
مقبوض بشروط تذكر.
تنبيه قوله: "ولا يصح إلا بشروط سبعة".
وكذا ذكره جماعة وذكر في الفروع وغيره ستة
وذكر في الهداية وغيرها خمسة وذكر في الكافي
والمحرر وغيرهما اربعة مع ذكرهم كلهم جميع
الشروط.
والظاهر أن الذي لم يكمل عدد ذلك جعل الباقي
من تتمة الشروط لا شروطا لنفس السلم.
قوله: "أحدها أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته
كالمكيل والموزون والمذروع".
أما المكيل والموزون فيصح السلم فيهما قولا
واحدا.
(5/66)
وأما المذروع
فالصحيح من المذهب صحة السلم فيه كما قال
المصنف وعليه الأصحاب.
وعنه لا يصح السلم فيه ذكرها إسماعيل في
الطريقة.
قوله: "فأما المعدود المختلف كالحيوان
والفواكه والبقول والرؤوس والجلود ونحوها ففيه
روايتان".
فأما الحيوان فأطلق المصنف فيه الروايتين سواء
كان آدميا أو غيره وأطلقهما في الهداية
والمذهب ومسبوك الذهب والهادي والمحرر وغيرهم.
إحداهما يصح السلم فيه وهو الصحيح من المذهب.
قال المصنف في المغنى هذا ظاهر المذهب.
قال الشارح المشهور صحة السلم في الحيوان نص
عليه في رواية الأثرم.
قال في الكافي هذا الأظهر.
قال في تجريد العناية صح على الأظهر.
قال الناظم هذا أولى.
قال في الفروع يصح على الأصح.
قال في الفائق يصح في أصح الروايتين واختاره
ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الإرشاد
والمستوعب والتلخيص والبلغة والوجيز وصححه في
التصحيح ونظم نهاية ابن رزين.
والرواية الثانية لا يصح فيه وقدمه في الخلاصة
وشرح ابن رزين والرعاية الصغرى والحاوي الصغير
وصححه في الرعاية الكبرى.
فوائد
منها يصح السلم في اللحم النيء بلا نزاع ولا
يعتبر نزع عظمه لأنه كالنوى في التمر لكن
يعتبر قوله: بقر أو غنم ضأن أو معز جذع أو ثنى
ذكر أو أنثى خصى أو غيره رضيع أو فطيم معلوفة
أو راعية من الفخذ أو الجنب نقلها الجماعة
سمين أو هزيل.
ومنها لا يصح السلم في اللحم المطبوخ والمشوي
على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعاية
الكبرى وغيرهما واختاره القاضي وغيره.
وقيل يصح قدمه ابن رزين وهما احتمالان مطلقان
في التلخيص.
وأطلق وجهين في المغنى والشرح والرعاية الصغرى
والحاويين.
ومنها يصح السلم في الشحم جزم به في الفروع.
(5/67)
وقيل للإمام
أحمد رحمه الله إنه يختلف قال كل سلف يختلف.
وأما الفواكه والبقول فأطلق المصنف في جواز
السلم فيها روايتين وأطلقهما في الهداية وعقود
ابن البناء والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والكافي والحاوي والمغني والتلخيص والبلغة
والمحرر والشرح والنظم والفروع والفائق.
إحداهما لا يصح وهو المذهب صححه في التصحيح.
قال في الرعاية الكبرى ولا يصح في معدود مختلف
على الأصح.
قال أبو الخطاب لا أرى السلم في الرمان والبيض
وجزم به في الوجيز وقدمه في الخلاصة وشرح ابن
رزين والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
والرواية الثانية يصح جزم به ابن عبدوس في
تذكرته.
وأما الجلود والرؤوس ونحوها كالأكارع فأطلق
المصنف في جواز السلم فيها روايتين وأطلقهما
في الكافي والمغني والتلخيص والبلغة والمحرر
والشارح والفروع والفائق والزركشي.
إحداهما لا يصح وهو المذهب جزم به في الوجيز
وصححه في التصحيح والرعاية الكبرى وقدمه ابن
رزين في شرحه وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية
الصغرى والحاوي الصغير.
والرواية الثانية يصح السلم واختاره ابن عبدوس
في تذكرته قال الناظم وهو أولى وقدمه في
التلخيص في مكان آخر جزم به القاضي يعقوب في
التبصرة وصححه في تصحيح المحرر قلت: وهو
الصواب فيما قاله المصنف كله حيث امكن ضبطه.
قوله: "وفي الأواني المختلفة الرءوس والأوساط
كالقماقم والأسطال الضيقة الرءوس وجهان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والكافي والتلخيص والهادي وشرح ابن
منجا والزركشي والشرح والنظم والحاوي الكبير
والفائق والفروع.
أحدهما لا يصح وهو المذهب جزم به في مسبوك
الذهب والوجيز وإدراك الغاية واختاره ابن
عبدوس في تذكرته وقدمه في المغنى وشرح ابن
رزين.
والوجة الثاني يصح صححه في التصحيح فيضبط
بارتفاع حائطه ودور أسفله أو أعلاه.
قوله: "وفيما يجمع أخلاطا متميزة كالثياب
المنسوجة من نوعين وجهان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والهادي
والمستوعب والتلخيص والمحرر والرعايتين
والحاويين والفروع والفائق والزركشي.
(5/68)
أحدهما يصح وهو
المذهب جزم به في المغنى والوجيز وصححه في
الكافي والشرح والتصحيح وقدمه في النظم وشرح
ابن رزين.
والوجة الثاني لا يصح اختاره القاضي وابن
عبدوس في تذكرته.
فائدة حكم النشاب المريش والنبل المريش
والخفاف والرماح حكم الثياب المنسوجة من نوعين
خلافا ومذهبا قاله في الفروع والمحرر وغيرهما.
وقدم في المغنى والشرح وابن رزين وغيرهم الصحة
هنا أيضا.
وأما القسي فجعلها صاحب الهداية والمستوعب
والخلاصة والمحرر والتلخيص والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم كالثياب المنسوجة من
نوعين والصحيح من المذهب أنها ليست كالثياب
المنسوجة من نوعين ولا يصح السلم فيها لأنها
مشتملة على خشب وقرن وعصب ووتر إذ لا يمكن ضبط
مقادير ذلك وتمييز ما فيها بخلاف الثياب وما
أشبهها قدمه في الكافي والمغني والشرح والفروع
وغيرهم.
قال المصنف والشارح هذا أولى وجزم به في
الهادي.
تنبيه مفهوم كلام المصنف صحة السلم في الثياب
المنسوجة من نوع واحد وهو صحيح وهو المذهب
وعليه أكثر الأصحاب.
وقد دخل في كلام المصنف السابق في قوله:
"والمذروع" وتقدم هناك رواية أنه لا يصح السلم
في المذروع.
قوله: "ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها".
هذا المذهب في الجواهر كلها وعليه الأصحاب
وقطع به كثير منهم.
ونقل أبو داود السلم فيها لا بأس به.
وفي طريقة بعض الأصحاب في اللؤلؤ منع وتسليم.
وأطلق في الفروع في العقيق وجهين وجزم في
المغنى والكافي والشرح وابن رزين وغيرهم بعدم
الصحة فيه.
قوله: "والحوامل من الحيوان".
لا يصح السلم في الحوامل من الحيوان على
الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر
والوجيز والرعاية الكبرى والحاوي الصغير
والفروع والرعاية وغيرهم وقدمه في الشرح.
وفيه وجه آخر يصح وفي طريق بعض الأصحاب في
الخلفات منع وتسليم وأطلقهما في الكافي والنظم
والفائق.
(5/69)
فوائد
إحداها لا يصح السلم في شاة لبون على الصحيح
من المذهب.
وقيل يصح وأطلقهما في النظم.
الثانية لا يصح السلم في أمة وولدها أو وأخيها
أو عمتها أو خالتها لندرة جمعهما الصفة
الثالثة يصح السلم في الشهد على الصحيح من
المذهب جزم به في النظم والرعاية الصغرى
والحاويين وتذكرة ابن عبدوس وصححه في التلخيص.
وقيل لا يصح وأطلقهما في الفروع والرعاية
الكبرى.
تنبيه مفهوم قوله: "ولا يصح فيما لا ينضبط"
ومثل من جملة ذلك المغشوش من الأثمان أن السلم
يصح في الأثمان نفسها إذا كانت غير مغشوشة وهو
صحيح وهو الصحيح من المذهب فيصح أن يسلم عرضا
في ذهب أو فضة.
قال في الفروع ويصح إسلام عرض في عرض أو في
ثمن على الأصح.
قال في الرعاية الصغرى وإن أسلم في نقد أو عرض
عرضا مقبوضا جاز في الأصح وجزم به ابن عبدوس
في تذكرته ونصره في المغنى والشرح.
وعنه لا يصح قدمه في المستوعب والرعاية الكبرى
وأطلقهما في التلخيص والفائق.
فعلى المذهب يشترط كون رأس المال غيرهما فيجعل
عرضا وهذا الصحيح من المذهب وعليه الجمهور
وصححه في الفروع وجزم به في الرعاية.
وقال أبو الخطاب والمنافع أيضا كمسألتنا.
فائدتان
إحداهما يجوز إسلام عرض في عرض على الصحيح من
المذهب وعليه أكثر الأصحاب وصححه في الفروع
وغيره وجزم به في الكافي وابن عبدوس وغيرهما
وقدمه في الرعايتين والحاوين وغيرهم.
وعنه لا يجوز السلم إلا بعين أو ورق خاصة
ذكرها ابن أبي موسى.
قال ابن عقيل لا يجوز جعل رأس المال غير الذهب
والفضة.
فعليها لا يسلم العروض بعضها في بعض وهو ظاهر
كلام الخرقي.
وعلى المذهب يصح.
(5/70)
فعلى المذهب لو
جاءه بعينه عند محله لزمه قبوله صححه في
الفائق وقدمه في شرح ابن رزين والرعايتين.
وقال فإن اتحد صفة فجاءه عند الأجل بما أخذه
منه لزمه أخذه وقيل لا.
وإن أسلم جارية صغيرة في كبيرة فصارت عند
المحمل كما شرط ففي جواز أخذها وجهان وإن كان
حيلة حرم انتهى.
وقيل لا يلزمه أخذ عينه إذا جاءه به عند محله.
ورده ابن رزين وغيره وأطلقهما في الكافي.
الثانية في جواز السلم في الفلوس روايتان
وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفروع.
نقل أبو طالب وابن منصور في مسائله عن الثوري
والإمام احمد وإسحاق الجواز ونقل عن ابن سعيد
المنع ونقل حنبل الكراهة.
ونقل يعقوب وابن أبي حرب الفلوس بالدراهم يدا
بيد ونسيئة وإن أراد فضلا لا يجوز فهذه نصوصه
في ذلك.
قال في الرعاية بعد أن أطلق الروايتين قلت هذا
إن قلنا هي سلعة انتهى.
اختار ابن عقيل في باب الشركة من الفصول أن
الفلوس عروض بكل حال واختاره علي بن ثابت
الطالباني من الأصحاب ذكره عنه ابن رجب في
الطبقات في ترجمته وهي قبل ترجمة المصنف
بيسير.
فعليه يجوز السلم فيها وصرح به ابن الطالباني
واختاره وتأول رواية المنع.
وقال أبو الخطاب في خلافه الصغير وغيره الفلوس
النافقة أثمان وهو قول كثير من الأصحاب قاله
ابن رجب.
واختار الشيرازي في المبهج أنها أثمان بكل
حال.
فعليها حكمها حكم الأثمان في جواز السلم فيها
وعدمه على ما تقدم وتوقف المصنف في جواز السلم
فيها فقال أنا متوقف عن الفتيا في هذه المسألة
ذكره عنه ابن رجب في ترجمة ابن الطالباني
انتهى.
قلت الصحيح السلم فيها لأنها إما عرض أو ثمن
لا يخرج عن ذلك والصحيح من المذهب صحة السلم
في ذلك على ما تقدم.
وأما أنا نقول بصحة السلم في الأثمان والعروض
ولا نصحح السلم فيها فهذا لا يقوله: "احد
فالظاهر أن محل الخلاف المذكور إذا قلنا بعدم
صحة السلم في الأثمان.
(5/71)
قوله: "ولا يصح
فيما يجمع أخلاطا غير متميزة كالغالية والند
والمعاجين ونحوها" بلا نزاع أعلمه "ويصح فيما
يترك فيه شيء غير مقصود لمصلحته كالجبن توضع
فيه الأنفحة والعجين يوضع فيه الملح وكذا
الخبز وخل التمر يوضع فيه الماء والسكنجيين
يوضع فيه الخل ونحوها".
بلا نزاع.
قوله: "الثاني أن يصفه بما يختلف به الثمن
ظاهرا فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته
وقدمه وجودته ورداءته".
قال في التلخيص وأصحابنا يعتبرون ذكر الجودة
والرداءة مع بقية الصفات.
قال وعندي أنه لا حاجة إلى ذلك لأنه إذا أتى
بجميع الصفات التي يزيد الثمن لأجلها فلا يكون
إلا جيدا أو بالعكس انتهى.
ويذكر على الصحيح من المذهب وعليه أكثر
الأصحاب ما يميز مختلف النوع وسن الحيوان
وذكورته وأنوثته وهزاله وراعيا أو معلوفا على
ما تقدم أول الباب ويذكر آلة الصيد أحبولة أو
صيد كلب أو فهد أو صقر.
وعند المصنف والشارح لا يشترط ذلك لأن التفاوت
فيه يسير.
قالا وإذا لم يعتبر في الرقيق ذكر السمن
والهزال ونحوهما مما يتباين به الثمن فهذا
أولى انتهيا ويعتبر ذكر الطول بالشبر في
الرقيق.
قال في المستوعب والتلخيص والترغيب إلا أن
يكون رجلا فلا يحتاج إلى ذكره لكن يذكر طويلا
أو قصيرا أو ربعا.
ويعتبر في الرقيق ذكر الكحل والدعج وتكلثم
الوجة وكون الجارية خميصة ثقيلة الأرداف سمينة
بكرا أو ثيبا ونحو ذلك مما يقصد ولا يطول ولا
ينتهى إلى عزة الوجود عند أكثر الأصحاب.
قال في التلخيص قاله غير القاضي في المستوعب
وهو الصحيح عندي.
وقيل لا يعتبر ذكر ذلك اختاره القاضي في
المجرد والخصال وأطلقهما في البلغة والفروع
قال في الرعاية الكبرى وفي اشتراط ذكر الكحل
والدعج وثقل الأرداف ووضاءه الوجه
(5/72)
وكون الحاجبين
مقرونين والشعر سبطا أو جعدا وأشقر أو أسود
والعين زرقاء والأنف أقنى في صحة السلم وجهان
انتهى.
وقال المصنف والشارح ويذكر الثيوبة والبكارة
ولا يحتاج إلى ذكر الجعودة والسبوطة انتهى.
وإن اسلم في الطير ذكر النوع واللون والكبر
والصغر والجودة والرداءه ولا يعرف سنها أصلا.
وقال في عيون المسائل يعتبر ذكر الوزن في
الطير كالكركي والبط لأن القصد لحمه وينزل
الوصف على أقل درجة.
وقال في التلخيص وعيون المسائل ويذكر في العسل
المكان بلدي أو جبلي ربيعي أو خريفي واللون
ولا حاجة إلى عتيق أو حديث.
وقال في الرعاية الكبرى وقيل في المسلم فيه
خمسة أضرب.
الأول ما يضبط كل واحد منه بثلاثة أوصاف إن
حفظ أوصافه كاللبن وحجارة البناء الثاني ما
يضبط كل واحد منه بأربعة أوصاف وإن اختلفت وهو
أربعة عشر شيئا الرصاص والصفر والنحاس وحجارة
الآنية كالبرام والرجس الطاهر والشوك ولحم
الطير والسمك والإبريسم والآجر والرؤوس والسمن
والجبن والعسل.
الثالث ما يضبط كل واحد منه بخمسة أوصاف وهو
ثلاثة عشر شيئا الجلود وحجارة الأرحاء والصوف
والقطن والغزل وخشب الوقود والبناء والخبز
والزبد واللبأ والرطب والطعام والنعم والخيل.
الرابع ما يضبط كل واحد منه بستة أوصاف وهو
ثلاثة أشياء السمر في العبيد وخشب القسى.
الخامس ما يضبط كل واحد منه بسبعة أوصاف وهو
شيئان الثياب ولحم الصيد وغيره انتهى.
قلت جزم بهذا في المستوعب ومن الأوصاف
المضبوطة بذلك كله.
وقال في الرعاية أيضا وغيره غير ما تقدم ويذكر
أيضا ما يختلف الثمن لأجله غالبا كالعرض
والسمك والتدوير والسن واللون واللين والنعومة
والخشونة والدقة والغلظ والرقة والصفاقة وجلب
يومه وزبد يومه والحلاوة والحموضه والمرعى
والعلف وكون المبيع حديثا أو عتيقا رطبا أو
يابسا ربيعيا أو خريفيا وغير ذلك كل شيء بحسبه
من ذلك وغيره انتهى وتقدم بعض ذلك.
وذكر أوصاف كل واحد مما يجوز السلم فيه يطول
وقد ذكره المصنف والشارح وصاحب التلخيص
والرعاية وغيرهم فليراجعوا.
(5/73)
قوله: "وإن شرط
الأردأ فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والكافي والمغنى والحاوي والشرح
وشرح ابن منجى والمحرر والنظم والرعايتين
والحاويين والفائق والفروع.
أحدهما لا يصح جزم به في الوجيز وتذكرة ابن
عبدوس وصححه في التصحيح وتصحيح المحرر وقدمه
ابن رزين في شرحه وتجريد العناية.
والوجة الثاني يجوز جزم به في المنور ومنتخب
الأزجي وصححه في التلخيص والبلغة والزركشي.
قال في التلخيص لأن طلب الأردأ من الأردأ عناد
فلا يثور فيه نزاع.
فائدة لو شرط جيدا أو رديئا صح بلا نزاع.
قوله: "وإذا جاءه بدون ما وصفه له أو نوع آخر
فله أخذه".
إذا جاءه بدون ما وصف من نوعه فلا خلاف أنه
مخير في أخذه.
وإن جاءه بنوع آخر فالصحيح من المذهب أنه مخير
أيضا في أخذه وعدمه جزم به في الوجيز والنظم
وغيرهما واختاره المصنف وغيره وقدمه في الشرح
والفروع والرعايتين والحاويين والكافي وقال هو
أصح وغيرهم.
وعند القاضي وغيره يلزمه أخذه إذا لم يكن أدنى
من النوع المشترط.
واختاره المجد وهو ظاهر ما جزم به في المحرر.
وعنه يحرم أخذه كأخذ غير جنسه نقله جماعة عن
الإمام أحمد.
وأطلقهن الزركشي وأطلق في التلخيص في الأخذ
وعدمه روايتين.
وقال بناء على كون النوعية تجرى مجرى الصفة أو
الجنس.
قوله: "وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
ونقل جماعة عن أحمد جواز الأخذ للأردأ عن
الأعلى كشعير عن بر بقدر كيله نقله أبو طالب
والمروزي.
وحمله المصنف والشارح على رواية أنهما جنس
واحد.
قال في التلخيص جعل بعض أصحابنا هذا رواية في
جواز الأخذ من غير الجنس بقدره إذا كان دون
المسلم فيه.
قال وليس الأمر عندي كذلك وإنما هذا يختص
الحنطة والشعير مطابقا لنصه في إحدى
(5/74)
الروايتين عنه
أن الضم في الزكاة يختصهما دون القطنيات
وغيرها بناء على كونهما جنسا واحدا في إحدى
الروايتين عنه وإن تنوع نقله حنبل ولا يجوز
التفاضل بينهما ذكره القاضي أبو يعلى وغيره
انتهى.
قوله: "وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه
قبوله".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير
منهم.
وقيل لا يلزمه قبوله وقيل يحرم أخذه.
وحكي رواية نقل صالح وعبد الله لا يأخذ فوق
صفته بل دونها.
فائدة لو وجده معيبا كان له رده أو أرشه.
قوله: "فإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون
كيلا لم يصح".
وهو إحدى الروايتين نص عليه واختاره أكثر
الأصحاب.
قال الزركشي هو المشهور والمختار للعامة.
قلت: منهم القاضي وابن أبي موسى وجزم به ناظم
المفردات وهو منها والخلاصة والهادي والمذهب
الأحمد والبلغة وصححه في المحرر وقدمه في
الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والرعاية
الصغرى والزبدة والحاويين وإدراك الغاية
والفائق وهذا المذهب.
وعنه يصح وهي من زوائد الشارح اختاره المصنف
والشارح وابن عبدوس في تذكرته وجزم به في
الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي ويحتمله كلام
الخرقي وهما روايتان منصوصتان وأطلقهما في
الكافي والمحرر والرعاية الكبرى والفروع.
فائدة لا يصح السلم في المذروع إلا بالذرع على
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وخرج الجواز
وزنا.
قوله: "ولا بد أن يكون المكيال معلوما فإن شرط
مكيلا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم
يصح".
وكذا الميزان والذراع وهذا بلا نزاع فيه لكن
لو عين مكيال رجل واحد أو ميزانه صح ولم يتعين
على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع لم يتعين في الأصح.
قال في الرعاية صح العقد ولم يتعينا في الأصح.
وجزم به في المغنى والتلخيص والشرح وغيرهم.
(5/75)
قال الزركشي
هذا المذهب وقيل يتعين.
فعلى المذهب في فساد العقد وجهان وأطلقهما في
التلخيص والفروع والزركشي.
وأطلق أبو الخطاب روايتين في صحة العقد يتعين
مكيال انتهى.
أحدهما يصح وهو الصحيح جزم به في الرعاية
الكبرى وهو ظاهر كلام المصنف والشارح وغيرهما.
والثاني لا يصح.
قوله: "وفي المعدود المختلف غير الحيوان
روايتان".
يعنى على القول بصحة السلم فيه كما تقدم
وأطلقهما في الهداية والمذهب والتلخيص
والمستوعب والهادي وشرح ابن منجا والفائق
والزركشي.
إحداهما يسلم فيه عددا صححه في التصحيح وهو
مقتضى كلام الخرقي.
والأخرى يسلم فيه وزنا قدمه في الخلاصة
والرعايتين والحاويين.
وقيل يسلم في الجوز والبيض عددا وفي الفواكه
والبقول وزنا.
قال الشارح يسلم في الجوز والبيض عددا في أظهر
الرواية وأطلق في الفواكه وجهين.
وقدم في الفروع صحة السلم في معدود غير حيوان
يتقارب عددا وهذا المذهب.
قال في الكافي فأما المعدود فيقدر بالعدد وقيل
بالوزن والأول أولى فإن كان يتفاوت كثيرا
كالرمان والبطيخ والسفرجل والبقول قدره
بالوزن.
وقال في المغنى يسلم في الجوز والبيض ونحوهما
عددا وفيما يتفاوت كالرمان والسفرجل والقثاء
وجهان.
وتقدم كلام الشارح فالصحيح إذن من المذهب أن
ما يتقارب السلم فيه عددا فيه وما يتفاوت
تفاوتا كثيرا يسلم فيه وزنا.
قوله: "الرابع أن يشترط أجلا معلوما له وقع في
الثمن".
يعنى في العادة كالشهر ونحوه قاله الأصحاب.
قال في الرعاية ويتغير فيه الثمن غالبا بحسب
البلدان والأزمان والسلع.
قال في الكافي كالشهر ونصفه ونحوه.
قال الزركشي وكثير من الأصحاب يمثل بالشهر
والشهرين فمن ثم قال بعضهم أقله شهر انتهى.
قلت: قال في الخلاصة ويفتقر إلى ذكر الأجل
فيكون شهرا فصاعدا قال في الرعاية الكبرى وقيل
أقله شهر.
(5/76)
قال في الفروع
وليس هذا في كلام أحمد وظاهر كلامه اشتراط
الأجل ولو كان أجلا قريبا ومال إليه وقال هو
أظهر.
قوله: "فإن أسلم حالا أو إلى أجل قريب كاليوم
ونحوه لم يصح".
وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وذكر في الانتصار رواية يصح حالا واختاره
الشيخ تقي الدين إن كان في ملكه قال وهو
المراد بقوله: "عليه أفضل الصلاة والسلام
لحكيم بن حزام رضي الله عنه لا تبع ما ليس
عندك أي ما ليس في ملكك فلو لم يجز السلم حالا
لقال لا تبع هذا سواء كان عندك أولا وتكلم على
ما ليس عنده.
ذكره عنه صاحب الفروع في كتاب البيع في الشرط
الخامس واختاره في الفائق.
قال في النظم وما هو ببعيد.
وحمل القاضي وغيره هذه الرواية على المذهب ولم
يرتضه في الفروع واختار الصحة إذا أسلمه إلى
أجل قريب كما تقدم ورد ما احتج به الأصحاب.
قال في القاعدة الثامنة والثلاثين لنا وجه
قاله القاضي في موضع من الخلاف بصحة السلم
حالا ويكون بيعا انتهى.
قوله: "إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم
أجزاء معلومة".
كاللحم والخبز ونحوهما "فيصح".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل إن بين قسط كل أجل وثمنه صح وإلا فلا.
قوله: "وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين
إلى أجل صح" إذا أسلم في جنسين أو جنس واحد
إلى أجلين صح بشرط أن يبين قسط كل أجل وثمنه
وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وإن أسلم في جنسين إلى أجل صح أيضا بشرط أن
يبين ثمن كل جنسين وهو المذهب نص عليه وعليه
الأصحاب.
وعنه يصح وإن لم يبين.
ويأتى هذا قريبا في كلام المصنف في آخر الفصل
السادس حيث قال: "وإن أسلم ثمنا واحدا في
جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس".
وقال في الرعاية بعد ذكر هاتين المسألتين
وغيرهما وعنه يصح في الكل قبل البيان.
(5/77)
فائدة مثل
المسألة الثانية لو أسلم ثمنين في جنس واحد
على الصحيح من المذهب نقله أبو داود واختاره
أبو بكر وابن أبى موسى وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يصح هنا اختاره المصنف والشارح.
قال الزركشي وهو الصواب.
قوله: "ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم
فإن أسلم إلى الحصاد والجداد فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والتلخيص والبلغة
والرعايتين والمحرر.
إحداهما لا يصح وهو المذهب وعليه أكثر
الأصحاب.
قال الزركشي اختاره عامة الأصحاب.
قال في الخلاصة والفروع لم يصح على الأصح.
وصححه في المذهب والنظم والتصحيح وغيرهم وجزم
به في الوجيز وغيره وقدمه في الكافي والمغنى
والشرح ونصراه هما وغيرهما.
والرواية الثانية يصح قدمه في الفائق.
قال الزركشي وقيل محل الخلاف في الحصاد إذا
جعله إلى زمنه أما إلى فعله فلا يصح.
قلت: جزم بهذه الطريقة في الرعاية الكبرى وهو
ظاهر الرعاية الصغرى.
وتقدم نظيرها في مسالة خيار الشرط.
فائدة لو اختلفا في قدر الأجل أو مضيه ولا
بينة فالقول قول المدين مع يمينه في قدر الأجل
على المذهب ونقله حرب وفيه احتمال ذكره في
الرعاية وكذا في مضيه على الصحيح من المذهب
جزم به في المحرر وغيره وصححه في الفروع.
وقيل لا يقبل قوله. ويقبل قول المسلم إليه وهو
المدين في مكان تسليمه نقله حرب وجزم به في
الفروع وغيره.
قوله: "أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين".
قد تقدم ذكر الروايتين في خيار الشرط وذكرنا
الصحيح من المذهب هناك فلا حاجة إلى إعادته.
فوائد
منها لو جعل الأجل مقدرا بأشهر الروم كشباط
ونحوه وعيد لهم لا يختلف كالنيروز
(5/78)
والمهرجان
ونحوهما مما يعرفه المسلمون صح على الصحيح من
المذهب وهو ظاهر كلام المصنف وغيره واختاره
القاضي وغيره وقدمه في الكافي والرعايتين
والحاويين والفروع وغيرهم.
وقيل لا يصح كالشعانين وعيد الفطير ونحوهما
مما يجهله المسلمون غالبا وهو ظاهر كلام
الخرقي وابن أبى موسى وابن عبدوس في تذكرته
حيث قالوا بالأهلة.
ومنها لو قال محله شهر كذا صح وتعلق بأوله على
الصحيح من المذهب.
وصححه في المغنى والشرح وقدمه في الفروع وغيره
وجزم به في الرعاية الكبرى وغيره وقيل: لا
يصح.
ومنها لو قال محله أول شهر كذا أو آخره صح
وتعلق بأول جزء منه أو آخره على الصحيح من
المذهب.
وقيل لا يصح لأن أول الشهر يعبر به عن النصف
الأول وكذا الآخر وهو احتمال في التلخيص.
ومنها لو قال مثلا إلى شهر رمضان حل بأوله هذا
المذهب جزم به الأصحاب.
قال في القواعد الأصولية ويتخرج لنا وجه أنه
لا يحل إلا بانقضائه.
ومنها لو جعل الأجل مثلا إلى جمادي أو ربيع أو
يوم النفر ونحوه مما يشترك فيه شيئان لم يصح
على الصحيح من المذهب قدمه في التلخيص
والفروع.
وقيل يصح ويتعلق بأولهما جزم به في المغنى
والكافي والشرح وغيرهم.
وأما إذا جعله إلى الشهر وكان في أثناء شهر
فيأتي حكمه في أثناء باب الإجارة.
قوله: "وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في
قبضه لزمه قبضه وإلا فلا".
هذا المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد وجزم
به في المحرر والمستوعب والوجيز والمغنى
والشرح والفائق والرعاية والحاوي وغيرهم وقدمه
في الفروع.
وقال في الروضة إن كان مما يتلف أو يتغير
قديمه أو حديثه لزمه قبضه وإلا فلا.
وقطع القاضي وابن عقيل والمصنف والشارح وغيرهم
أنه إن كان مما يتلف أو يتغير قديمه أو حديثه
لا يلزم قبضه للضرر وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
تنبيه عبر المصنف رحمه الله بالسلم عن المسلم
فيه كما يعبر بالسرقة عن المسروق وبالرهن عن
المرهون.
(5/79)
فائدتان
إحداهما حيث قلنا يلزمه قبضه وامتنع منه قيل
له إما أن تقبض حقك أو تبرئ منه فإن أبى رفع
الأمر إلى الحاكم فيقبضه له.
قال في الفروع هذا المشهور وجزم به في الشرح
هنا وكذلك في الكافي.
وقال المصنف والشارح أيضا إن أبى قبضه بريء
ذكراه في المكفول به.
قال في القاعدة الثالثة والعشرين لو أتاه
الغريم بدينه الذي يجب عليه قبضه فأبى أن
يقبضه قال في المغنى يقبضه الحاكم وتبرأ ذمة
الغريم لقيام الحاكم مقام الممتنع بولايته.
الثانية وكذا الحكم في كل دين لم يحل إذا أتى
به قبل محله ذكره في الفروع وغيره.
ويأتى في كلام المصنف في باب الكتابة "إذا
عجلها قبل محلها".
قوله: "الخامس أن يكون المسلم فيه عام الوجود
في محله فإن كان لا يوجد فيه أو لا يوجد فيه
إلا نادرا كالسلم في العنب والرطب إلى غير
وقته لم يصح".
بلا نزاع.
قوله: "فإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية
صغيرة لم يصح".
وكذا لو أسلم في مثل هذا الثوب وهذا المذهب في
ذلك وعليه جماهير الأصحاب وجزم به كثير منهم.
ونقل أبو طالب وحنبل يصح إن بدا صلاحه أو
استحصد وقاله أبو بكر في التنبيه إن أمن عليها
الجائحة.
قال الزركشي قلت وهو قول حسن إن لم يحصل
إجماع.
وقال في الروضة إن كانت الثمرة موجودة فعنه
يصح السلم فيها وعنه لا وعليها يشترط عدمه عند
العقد.
تنبيه مقتضى قول المصنف: "الخامس: أن يكون
المسلم فيه عام الوجود في محله" أنه لا يشترط
وجوده حالة العقد وهو كذلك وكذلك لا يشترط
عدمه على الصحيح من الوجهين قاله ابن عبدوس
المتقدم وغيره.
قوله: "وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع
خير بين الصبر والفسخ والرجوع برأس ماله أو
عوضه إن كان معدوما في أحد الوجهين وفي الآخر
ينفسخ بنفس التعذر".
اعلم أنه إذا تعذر كل المسلم فيه عند محله أو
بعضه إما لغيبة المسلم فيه أو لعجز عن
(5/80)
التسليم أو
لعدم حمل الثمار تلك السنة وما أشبهه فالصحيح
من المذهب أنه مخير بين الصبر والفسخ في الكل
أو البعض جزم به في الوجيز والمنور ومنتخب
الأدمى وغيرهم وصححه في الكافي والمغنى والشرح
وشرح ابن منجا وغيرهم.
وقدمه في الخلاصة والهادي والمحرر والفروع
والرعايتين والحاويين والنظم والفائق وغيرهم
وقيل ينفسخ بنفس التعذر وهو الوجه الثاني
وأطلقهما في الهداية والمذهب.
وقيل ينفسخ في البعض المتعذر وله الخيار في
الباقي قاله في المحرر.
وقال في المغنى والشرح والفروع فيما إذا تعذر
البعض وقيل ليس له الفسخ إلا في الكل أو يصبر.
تنبيه قال في الفروع في نقل المسألة وإن تعذر
أو بعضه وقيل أو انقطع وتحقق بقاؤه.
فذكر أنه إذا انقطع وتحقق بقاؤه يلزم بتحصيله
على المقدم.
وذكر المصنف هنا أنه لا يلزم بتحصيله إذا
انقطع بلا خلاف.
فيحتمل أن يحمل على ظاهره فيكون موافقا للقول
الضعيف.
ويحتمل أن يحمل الانقطاع في كلام المصنف على
التعذر فيكون موافقا للصحيح وهو أولى.
قوله: "السادس أن يقبض رأس مال السلم في مجلس
العقد".
نص عليه وهذا بلا نزاع لكن وقع في كلام القاضي
في الجامع الصغير إن تأخر القبض اليومين أو
الثلاثة لم يصح.
فوائد
الأولى لو قبض البعض ثم افترقا بطل فيما لم
يقبض ولا يبطل فيما قبض على الصحيح من المذهب
بناء على تفريق الصفقة قاله أبو الخطاب
والمصنف في الكافي وغيرهما.
قال الزركشي هذا المشهور
قال الناظم هذا الأقوى وجزم به في الوجيز
وغيره واختاره الشريف أبو جعفر وابن عبدوس في
تذكرته.
وعنه يبطل في الجميع وهو ظاهر كلام الخرقي
وأبى بكر في التنبيه وقدمه في الخلاصة
والرعايتين والحاويين والفائق وصححه في
التصحيح في باب الصرف وأطلق المصنف وجهين في
باب الصرف وكذلك صاحب التلخيص وأطلقهما هنا في
الهداية والمذهب
(5/81)
الثانية لو قبض
رأس مال السلم ثم افترقا فوجده معيبا فتارة
يكون العقد قد وقع على عين وتارة يكون قد وقع
على مال في الذمة ثم قبضه.
فإن كان وقع على عين وقلنا النقود تتعين
بالتعيين وكان العيب من غير جنسه بطل العقد
وإن قلنا لا تتعين فله البدل في مجلس الرد.
وإن كان العيب من جنسه فله إمساكه وأخذ أرش
عيبه أو رده وأخذ بدله في مجلس الرد وإن كان
العقد وقع على مال في الذمة ثم قبضه فتارة
يكون العيب من جنسه وتارة يكون من غير جنسه
فإن كان من جنسه لم يبطل السلم على الصحيح من
المذهب وله البدل في مجلس الرد وإن تفرقا قبله
بطل العقد قدمه في الرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم.
وعنه يبطل إن اختار الرد.
وإن كان العيب من غير جنسه فسد العقد على
الصحيح من المذهب.
وأجرى المصنف وغيره فيه رواية بعدم البطلان
وله البدل في مجلس الرد على ما تقدم في الصرف
فليعاود.
الثالثة لو ظهر رأس مال السلم مستحقا بغصب أو
غيره وهو معين وقلنا تتعين النقود بالتعيين لم
يصح العقد وإن قلنا لا تتعين كان له البدل في
مجلس الرد.
وإن كان العقد وقع في الذمة فله المطالبة
ببدله في المجلس وإن تفرقا بطل العقد إلا على
رواية صحة تصرف الفضولي أو أن النقود لا
تتعين.
وتقدم في الصرف أحكام كهذه الأحكام واستوفينا
الكلام هناك بأتم من هذا فليعاود فإن أكثر
أحكام الموضعين على حد سواء.
قوله: "وهل يشترط كونه معلوم الصفة والقدر
كالمسلم فيه على وجهين".
وأطلقهما في المغنى والشرح والمحرر والفروع
والفائق.
أحدهما يشترط وهو المذهب جزم به في الهداية
والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والوجيز
وغيرهم وصححه في التصحيح والنظم وقدمه في
الكافي والرعايتين والحاويين واختاره القاضي
وغيره.
والوجة الثاني لا يشترط ويكفي مشاهدته وهو
ظاهر كلام الخرقي لأنه لم يذكره في شروط السلم
وإليه ميل المصنف والشارح وجزم به في التلخيص
واختاره ابن عبدوس في تذكرته.
فعلى المذهب لا يجوز أن يجعل رأس مال السلم
فيه مالا يمكن ضبطه بالصفة كالجواهر وسائر ما
لا يجوز السلم فيه فإن فعل بطل العقد.
وتقدم هل يصح السلم في أحد النقدين والعروض
عند ذكر المغشوش من الأثمان.
(5/82)
قوله: "وإن
أسلم ثمنا واحدا في جنسين لم يجز حتى يبين ثمن
كل جنس".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يصح قبل البيان وهي تخريج وجه للمصنف
والشارح من المسألة التي قبلها وقال الجواز
هنا أولى.
قال الزركشي ولهذه المسألة التفات إلى معرفة
رأس مال السلم وصفته ولعل الوجهين ثم من
الروايتين هنا انتهى.
وقد شمل كلام المصنف هذه المسألة حيث قال وإن
أسلم في جنسين إلى أجل وأطلقهما في الفائق.
قوله: "السابع أن يسلم في الذمة فإن أسلم في
عين لم يصح".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به
أكثرهم.
وقال في الواضح إن كانت العين حاضرة صح ويكون
بيعا بلفظ السلم فيقبض ثمنه فيه.
فائدة هذه الشروط السبعة هي المشترطة في صحة
السلم لا غير لكن هذه زائدة على شروط البيع
المتقدمة في كتاب البيع.
وذكر في التبصرة أن الإيجاب والقبول من شروط
السلم أيضا.
قلت هما من أركان السلم كما هما من أركان
البيع وليس هما من شروطه.
قوله: "ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء إلا أن
يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية
فيشترط ذكره".
إذا كان موضع العقد يمكن الوفاء فيه لم يشترط
ذكر مكان الإيفاء ويكون الوفاء في موضع العقد
على ما يأتي وإن كان لا يمكن الوفاء فيه
كالبرية والبحر ودار الحرب فالصحيح من المذهب
أنه يشترط ذكر مكان الوفاء وعليه جماهير
الأصحاب وجزم به في الإرشاد والكافى والمغنى
والشرح والوجيز والبلغة وغيرهم.
وقدمه في المحرر والفروع والفائق والحاويين
والرعاية الصغرى وغيرهم وصححه في النظم وغيره.
وقال القاضي لا يشترط ذكره ويوفى بأقرب
الأماكن إلى مكان العقد.
قال شارح المحرر ولم أجده في كتب القاضي وجزم
به في المنور وقدمه في الرعاية الكبرى وقال
قلت إذا كان مكان العقد لا يصلح للتسليم أو
يصلح لكن لنقله مؤنة وجب ذكر موضع الوفاء وإلا
فلا انتهى.
ولم يذكر المقدم في المذهب.
(5/83)
قوله: "ويكون
الوفاء في مكان العقد".
يعنى إذا عقداه في موضع يمكن الوفاء فيه فإن
شرط الوفاء فيه كان تأكيدا وهذا المذهب وعليه
جماهير الأصحاب.
وعنه لا يصح هذا الشرط ذكرها القاضي وأبو
الخطاب واختاره أبو بكر.
قوله: "وإن شرطه في غيره صح".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير
منهم.
وعنه لا يصح اختاره أبو بكر أيضا في التنبيه.
قال في القاعدة الثالثة والسبعين والمنصوص
فساده في رواية منها وأطلقهما في الكافى
والقواعد.
فائدة يجوز له أخذه في غير موضع العقد في غير
شرط إن رضيا به لا مع أجرة حمله إليه قال
القاضي كأخذ بدل السلم.
قوله: "ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وفي المبهج وغيره رواية بأن بيعه يصح واختاره
الشيخ تقى الدين رحمه الله وقال هو قول ابن
عباس رضي الله عنهما لكن يكون بقدر القيمة فقط
لئلا يربح فيما لم يضمن.
قال وكذا ذكره الإمام أحمد في بدل القرض
وغيره.
فعلى المذهب في جواز بيع دين الكتابة ورأس مال
السلم بعد الفسخ وجهان وأطلقهما فيهما في
المحرر والرعاية الصغرى والنظم وأطلقهما في
دين الكتابة في الفروع.
وأما رأس مال السلم فالصحيح من المذهب أنه لا
يصح بيعه بعد الفسخ نص عليه وعليه أكثر
الأصحاب وقدمه في الفروع وغيره.
واختار القاضي في المجرد وابن عقيل الجواز وهو
ظاهر ما جزم به في المنور.
وأما بيع مال الكتابة فالصحيح من المذهب أنه
لا يصح أيضا صححه في الرعاية الكبرى في باب
القبض والضمان من البيوع وصححه في تصحيح
المحرر.
وقال جزم به في الهداية ووافقه في شرحها عليه
ولم يزد انتهى.
وقيل يصح وهو ظاهر ما جزم به في المنور.
قوله: "ولا هبته".
ظاهره أنه سواء كان لمن هو في ذمته أو لغيره
فإن كانا لغير من هو في ذمته فالصحيح من
المذهب أنه لا يصح وعليه الاصحاب وجزم به كثير
منهم.
(5/84)
وعنه لا يصح
نقلها حرب واختارها في الفائق وهو مقتضى
اختيار الشيخ تقى الدين رحمه الله.
وإن كان لمن هو في ذمته فظاهر كلامه في الوجيز
وغيره أنه لا يصح وجزم به في الرعاية الكبرى
في مكان.
والصحيح من المذهب صحة ذلك وعليه جماهير
الأصحاب وقد نبه عليه المصنف في كلامه في هذا
الكتاب في باب الهبة حيث قال وإن أبرأ الغريم
غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه برئت
ذمته.
فظاهره إدخال دين السلم وغيره وهو كذلك.
قال في الفروع ولا يصح هبة دين لغير غريم
ويأتى الكلام هناك بأتم من هذا وأعم.
قوله: "ولا أخذ غيره مكانه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وعنه يجوز أخذ الشعير عن البر ذكرها ابن ابى
موسى وجماعة وحمل على أنهما جنس واحد.
وتقدم ذلك عند قول المصنف: "وإن جاءه بجنس آخر
لم يجز له أخذه".
قوله: "ولا الحوالة به".
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع
به كثير منهم وقيل يصح.
وفي طريقه بعض الأصحاب تصح الحوالة على دين
السلم وبدين السلم ويأتى ذلك في باب الحوالة
فعلى المذهب في صحة الحوالة على رأس مال السلم
وبه بعد الفسخ وجهان وأطلقهما في المحرر
والنظم والفروع والرعايتين والحاويين والفائق
وشرح المحرر والزركشي.
أحدهما لا يصح قال في الرعاية الكبرى في باب
القبض والضمان في البيع ولا يصح التصرف مع
المديون وغيره بحال في دين غير مستقر قبل قبضه
وكذا راس مال السلم بعد فسخه مع استقراره إذن.
وقيل يصح تصرفه انتهى.
والوجه الثاني يصح قال في تصحيح المحرر وهو
أصح على ما يظهر لى.
ومستند عموم عبارات الأصحاب أو جمهورهم لأن
بعضهم اشترط فى الدين أن يكون مستقرا وبعضهم
يقول يصح فى كل دين عدا كذا ولم يذكر هذا في
المستثنى وهذا دين فصحت الحوالة عليه على
العبارتين انتهى .
(5/85)
قوله: "ويجوز
بيع الدين المستقر".
من عين وقرض ومهر بعد الدخول وأجرة استوفى
نفعها وفرغت مدتها وأرش جناية وقيمة متلف ونحو
ذلك.
"لمن هو في ذمته".
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب اختاره المصنف
والشارح وغيرهما وصححه في النظم والحاوى
الكبير وغيرهما وقدمه في الفروع والمحرر
وغيرهما وقطع به ابن منجا وابن عبدوس في
تذكرته وغيرهما.
وعنه لا يجوز اختاره الخلال وذكرها في عيون
المسائل عن صاحبه أبى بكر كدين السلم وأطلقهما
في التلخيص.
وتقدم الخلاف في جواز بيع دين الكتابة قريبا.
تنبيه يستثنى على المذهب إذا كان عليه دراهم
من ثمن مكيل أو موزون باعه منه بالنسيئة فإنه
لا يجوز أن يستبدل عما في الذمة بما يشاركه
المبيع في علة ربا الفضل نص عليه حسما لمادة
ربا النسيئة كما تقدم ذلك في كلام المصنف في
آخر كتاب البيع.
ويستثنى أيضا ما في الذمة من رأس مال السلم
إذا فسخ العقد فإنه لا يجوز الاعتياض عنه وإن
كان مستقرا على الصحيح كما تقدم قريبا.
وقيل يصح وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
فعلى المذهب في أصل المسألة في جواز رهنه عند
من عليه الحق له روايتان ذكرهما في الانتصار
في المشاع.
قلت: الأولى الجواز وهو ظاهر كلام كثير من
الأصحاب حيث قالوا يجوز رهن ما يصح بيعه.
قوله: "بشرط أن يقبض عوضه في المجلس".
إذا باع دينا في الذمة مستقرا لمن هو في ذمته
وقلنا بصحته فإن كان مما لا يباع به نسيئة أو
بموصوف في الذمة اشترط قبض عوضه في المجلس بلا
نزاع وإن كان بغيرهما مما لا يشترط التقابض
مثل مالو قال بعتك الشعير الذى في ذمتك بمائة
درهم أو بهذا العبد أو الثوب ونحوه فجزم
المصنف باشتراط قبض العوض في المجلس أيضا وهو
أحد الوجهين جزم به ابن منجا في شرحه وقدمه في
الرعاية في باب القبض والضمان.
قال في التلخيص وليس بشيء انتهى.
والصحيح من المذهب أنه لا يشترط للصحة قبض
العوض في المجلس قدمه في المغني والتلخيص
والمحرر والشرح وغيرهم وصححه في النظم.
(5/86)
قوله: "ولا
يجوز لغيره".
يعنى لا يجوز بيع الدين المستقر لغير من هو في
ذمته وهو الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يصح قاله الشيخ تقى الدين رحمه الله.
قال ابن رجب في القاعدة الثانية والخمسين نص
عليه.
وقد شمل كلام المصنف مسألة بيع الصكاك وهى
الديون الثابتة على الناس تكتب في صكاك وهو
الورق ونحوه.
قال في القاعدة المذكورة فإن كان الدين نقدا
أو بيع بنقد لم يجز بلا خلاف لأنه صرف بنسيئة.
وإن بيع بعرض وقبضه في المجلس ففيه روايتان
عدم الجواز قال الإمام أحمد رحمه الله وهو غرر
والجواز نص عليها في رواية حرب وحنبل ومحمد بن
الحكم انتهى.
قوله: "ويجوز الإقالة في السلم".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه لا يجوز ذكرها ابن عقيل وابن الزاغوني
وصاحب الروضة.
تنبيه ظاهر كلام المصنف صحة الإقالة في المسلم
فيه سواء قلنا الإقالة فسخ أو بيع وهو صحيح.
قال في القواعد الفقهية قيل يجوز الإقالة فيه
على الطريقتين وهي طريقة الأكثرين ونقل ابن
المنذر الإجماع على ذلك.
وقيل إن قيل هي فسخ صحت الإقالة فيه وإن قيل
هي بيع لم يصح وهي طريقة القاضي وابن عقيل
وصاحب الروضة وابن الزاغوني انتهى.
قلت جزم بهذه الطريقة في الرعاية الصغرى
والحاويين وقدمها في الرعاية الكبرى وتقدم ذلك
في فوائد الإقالة.
فائدة لو قال في دين السلم صالحني منه على مثل
الثمن فقال القاضي يصح ويكون إقالة.
وقال هو وابن عقيل لا يجوز بيع الدين من
الغريم بمثله لأنه نفس حقه.
قال في القاعدة التاسعة والثلاثين فيخرج في
المسألة وجهان إلتفاتا إلى اللفظ والمعنى.
(5/87)
قوله: "ويجوز
في بعضه في إحدى الروايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والهادي والمغني
والمحرر والشرح والرعاية الصغرى والحاويين
والفروع وشرح ابن منجا.
إحداهما يجوز ويصح وهو المذهب جزم به في
الوجيز والمنور والعمدة وصححه في الكافي
والنظم والتصحيح والفائق واختاره ابن عبدوس في
تذكرته وهو ظاهر ما اختاره أبو بكر وابن أبي
موسى.
والرواية الثانية لا يجوز ولا يصح وصححه في
التلخيص وقدمه في الرعاية الكبرى والخلاصة
والمستوعب.
قوله: "إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه".
يعني إذا تعذر ذلك في مجلس الإقالة يعني يشترط
ذلك في الصحة وهذا اختيار أبي الخطاب وغيره
وجزم به ابن منجا في شرحه.
وقال صرح به أصحابنا وجزم به في الهداية
والمذهب والخلاصة والهادي والمستوعب وصححه في
النظم وقدمه في الرعايتين والحاويين.
والصحيح من المذهب أنه لا يشترط قبض رأس مال
السلم ولا عوضه إن تعذر في مجلس الإقالة جزم
به في الوجيز والمنور وقدمه في المحرر والفروع
والفائق.
قال في الفروع وفي المغني لا يشترط في ثمن
لأنه ليس بعوض ويلزم رد الثمن الموجود فإن أخذ
بدله ثمنا وهو ثمن فصرف وإلا فبيع يجوز التصرف
فيه قبل القبض.
قوله: "وإذا انفسخ العقد بإقالة أو غيرها لم
يجز أن يأخذ عن الثمن عوضا من غير جنسه".
قدمه في الرعاية الصغرى والحاويين وجزم به ابن
منجا في شرحه.
وقيل يجوز من غير جنسه وهو ظاهر ما جزم به في
المستوعب.
وقال في المغني والشرح إذا أقاله رد الثمن إن
كان باقيا أو مثله إن كان مثليا أو قيمته إن
لم يكن مثليا.
فإن أراد أن يعطيه عوضا عنه فقال الشريف أبو
جعفر ليس له صرف ذلك الثمن في عقد آخر حتى
يقبضه.
وقال القاضي أبو يعلى يجوز له أخذ العوض عنه
انتهيا.
وقال في الفائق يرجع برأس المال أو عوضه عند
الفسخ فإن كان من غير جنسه ففي جوازه وجهان.
(5/88)
وقال في موضع
آخر إذا تقايلا السلم لم يجز أن يشتري برأس
المال شيئا قبل قبضه نص عليه ولا جعله في سلم
آخر.
وقال في المجرد يجوز الاعتياض حالا عنه قبل
قبضه انتهى.
وقال في الرعاية الكبرى في الإقالة ويقبض
الثمن أو عوضه من غير جنسه في مجلس الإقالة
وقيل متى شاء.
وقيل متى انفسخ بإقالة أو غيرها أخذ ثمنه
الموجود.
وقيل أو بدله من جنسه وقيل أو غيره قبل التفرق
إن كانا ربويين.
وإن كان الثمن معدوما أخذ قبل التفرق مثل
المثلى وقيل أو بدله كغيره.
وقيل لا يشتري بثمنه غيره قبل قبضه نص عليه.
وقيل يجوز أخذ عوضه ولم يجز قبله سلما في شيء
آخر انتهى.
قوله: "وإن كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه
فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعله لم يصح
قبضه لنفسه".
لأن قبضه لنفسه حوالة به والحوالة بالسلم لا
تجوز.
قوله: "وهل يقع قبضه للآمر على وجهين".
وهما روايتان وأطلقهما في المغني والتلخيص
والشرح وشرح ابن منجى والفائق.
أحدهما لا يقع قبضه للآمر وهو المذهب صححه في
التصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين
والحاوي الصغير.
والوجه الثاني يقع قبضه للآمر وجزم به ابن
عبدوس في تذكرته.
فعلى المذهب يبقى المقبوض على ملك المسلم
إليه.
فائدة لو قال الأول للثاني أحضر اكتيالي منه
لأقبضه لك ففعل لم يصح قبضه للثاني ويكون
قابضا لنفسه على أولى الوجهين قاله المصنف
والشارح وقيل لا يصح قبضه لنفسه أيضا وأطلقهما
في الرعاية الكبرى.
قوله: "وإن قال اقبضه لى ثم اقبضه لنفسك صح".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وجزم به فى الرعاية
الصغرى والحاوى الصغير والوجيز وتذكرة ابن
عبدوس وغيرهم وصححه في الرعاية الكبرى والفروع
وغيرهما.
وعنه لا يصح قال في التلخيص صار للآمر وهل
يصير مقبوضا له من نفسه على وجهين.
(5/89)
قوله: "وإن قال
أنا أقبضه لنفسى وخذه بالكيل الذى تشاهده فهل
يجوز على روايتين".
وأطلقهما في المغنى والشرح وشرح ابن منجا وابن
رزين والرعايتين والحاوى الصغير والزركشى في
الرهن.
إحداهما يجوز ويصح ويكون قبضا لنفسه وهو
المذهب صححه فى التصحيح وجزم به فى الوجيز
وتذكرة ابن عبدوس.
الثانية لا يجوز ولا يصح ولا يكون قبضا لنفسه
صححه في النظم واختاره أبو بكر والقاضى.
قال في الفروع في باب التصرف في المبيع وإن
قبضه جزافا لعلمهما قدره جاز وفي المكيل
روايتان ذكره في المحرر.
وذكر جماعة فيمن شاهد كيله قبل شرائه روايتين
في شرائه بلا كيل ثان.
وخصهما في التلخيص بالمجلس وإلا لم يجز وأن
الموزون مثله.
ونقل حرب وغيره إن لم يحضر هذا المشترى المكيل
فلا إلا بكيل.
وقال في الانتصار ويفرغه في المكيال ثم يكيله
انتهى كلامه في الفروع.
قوله: "وان اكتاله وتركه في المكيال وسلمه إلى
غريمه فقبضه صح القبض لهما".
وهو المذهب جزم به في المغنى والشرح والنظم
والوجيز وتذكرة ابن عبدوس والرعاية والزركشي
وغيرهم.
فوائد
منها لو دفع إليه كيسا وقال له استوف منه قدر
حقك ففعل فهل يصح على وجهين بناء على قبض
الموكل من نفسه لنفسه.
والمنصوص الصحة في رواية الأثرم وهو المذهب
ويكون الباقي في يده وديعة.
وعلى عدم الصحة قدر حقه كالمقبوض على وجه
السوم والباقى أمانة ذكره فى التلخيص.
وتقدم ذلك في احكام القبض في آخر باب الخيار
في البيع.
ومنها لو أذن لغريمه في الصدقة بدينه الذى
عليه عنه أو في صرفه أو المضاربة به لم يصح
ولم يبرأ على الصحيح من المذهب.
وعنه يصح بناه القاضي على شرائه من نفسه.
(5/90)
وبناه في
النهاية على قبضه من نفسه لموكله وفيهما
روايتان تقدمتا في أحكام القبض من نفسه لموكله
وتأتى المضاربة في كلام المصنف في الشركة.
وكذا الحكم لو قال اعزله وضارب به.
ونقل ابن منصور لا يجعله مضاربة إلا ان يقول
ادفعه إلى زيد ثم يدفعه إليك.
ومنها لو قال تصدق عنى بكذا ولم يقل من ديني
صح وكان إقراضا كما لو قال ذلك لغير غريمه
ويسقط من الدين بمقداره للمقاصة قاله في
المحرر والفائق وغيرهما.
ومنها مسألة المقاصة وعادة المصنفين بعضهم
يذكرها هنا وبعضهم يذكرها في أواخر باب
الحوالة.
والمصنف رحمه الله لم يذكرها رأسا ولكن ذكر ما
يدل عليها في كتاب الصداق وهو قوله: "وإذا زوج
عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في الذمة تحول
صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول إلى ثمنه".
فنقول من ثبت له على غريمه مثل ما له عليه
قدرا وصفة وحالا ومؤجلا فالصحيح من المذهب
أنهما يتساقطان أو يسقط من الأكثر قدر الأقل
مطلقا جزم به في المغنى والشرح في هذه المسألة
وجزم به ابن عبدوس في تذكرته وصاحب المنور
وغيرهم وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين
والحاوى الصغير والفروع والفائق وغيرهم بل
عليه الأصحاب.
وعنه لا يتساقطان إلا برضاهما.
قال في الفائق وتتخرج الصحة بتراضيها وهو
المختار.
وعنه يتساقطان برضى أحدهما.
وعنه لا يتساقطان مطلقا.
تنبيه محل الخلاف في غير دين السلم أما إن كان
الدينان أو أحدهما دين سلم امتنعت المقاصة
قولا واحدا قطع به الأصحاب منهم صاحب المحرر
والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق
وغيرهم.
وقال القاضي أبو الحسين في فروعه وكذلك لو كان
الدينان من غير الأثمان.
وقال في المغنى والشرح من عليها دين من جنس
واجب نفقتها لم تحتسب به مع عسرتها لأن قضاء
الدين فيما فضل.
ومنها لو كان أحد الدينين حالا والآخر مؤجلا
لم يتساقط ذكره الشيرازى في المنتخب والمصنف
في المغنى والشارح في وطء المكاتبة وذكره
المصنف أيضا والشارح في مسألة الظفر.
ومنها لو قال لغريمه استلف ألفا في ذمتك في
طعام ففعل ثم أذن له في قضائه بالثمن الذي له
عليه فقد اشترى لغيره بمال ذلك الغير ووكله في
قضاء دينه بما له عليه من الدين.
(5/91)
ومنها لو قال
أعط فلانا كذا صح وكان قرضا.
وذكر في المجموع والوسيلة فيه روايتي قضاء دين
غيره بغير إذنه.
وظاهر التبصرة يلزمه إن قال عنى فقط وإن قاله
لغير غريمه صح إن قال عنى وإلا فلا ونصر
الشريف الصحة وجزم به الحلواني.
ومنها لو دفع لغريمه نقدا ثم قال اشتر به مالك
على ثم اقبضه لك صحا نص عليه.
قال في الرعاية وإن قال اشتره لي ثم اقبضه
لنفسك صح الشراء ثم إن قال اقبضه لنفسك لم يصح
قبضه لنفسه.
وفي صحة قبضه للموكل روايتان وأطلقهما في
الفروع.
قال في الرعاية صح الشراء دون القبض لنفسه.
وإن قال اقبضه لي ثم اقبضه لك صح على الصحيح
من المذهب وعنه لا يصح.
وإن قال اشتر به مثل مالك علي لم يصح جزم به
في المغنى والشرح والرعاية وغيرهم.
قال في الفروع لم يصح لأنه فضولي.
قال ويتوجه في صحته الروايتان في التي قبلها
ومنها لو أراد قضاء دين عن غيره فلم يقبله ربه
أو أعسر بنفقة زوجته فبذلها أجنبي لم يجبرا
وفيه احتمال كتوكيله وكتمليكه للزوج والمديون.
ومتى نوى مديون وفاء دين بريء وإلا فمتبرع وإن
وفاه حاكم قهرا كفت نيته إن قضاه من مديون.
وفي لزوم رب دين نية قبض دينه فيه وجهان
وأطلقهما في الفروع.
قلت الصواب عدم اللزوم.
وإن رد بدل عين فلا بد من النية ذكره في
الفنون واقتصر عليه في الفروع.
تنبيه عادة بعض المصنفين ذكر مسألة قبض أحد
الشريكين من الدين المشترك في التصرف في الدين
منهم صاحب المحرر والفروع وغيرهما.
وذكرها في النظم والرعايتين والحاويين وغيرهم
في أخر باب الحوالة.
وذكرها المصنف والشارح في باب الشركة.
فنذكرها هناك ونذكر ما يتعلق بها من الفروع إن
شاء الله تعالى.
(5/92)
وعادة المصنفين
أيضا ذكر مسألة البراءة من الدين والبراءة من
المجهول هنا ولم يذكرهما المصنف هنا وذكر
البراءة من الدين في باب الهبة فنذكرها هناك
وما يتعلق بها من الفروع إن شاء الله تعالى.
قوله: "وإن قبض المسلم فيه جزافا فالقول قوله
في قدره".
متى قبضه جزافا أو ما هو في حكم المقبوض جزافا
أخذ منه قدر حقه ويرد الباقي إن كان ويطالب
بالبعض إن كان.
وهل له أن يتصرف في قدر حقه بالكيل قبل أن
يعتبره كله فيه وجهان وأطلقهما في المغنى
والكافي والشرح والفروع.
أحدهما يصح التصرف في قدر حقه منه قدمه ابن
رزين في شرحه عند كلام الخرقي في الصبرة.
والوجه الثاني لا يجوز ولا يصح وهو ظاهر ما
جزم به في الرعاية الكبرى والحاوي الكبير وجزم
به القاضي في المجرد.
ولو اختلفا في قدر ما قبضه جزافا فالقول قول
القابض بلا نزاع.
لكن هل يده يد أمانة أو يضمنه لمالكه لأنه
قبضه على أنه عوض عما له فيه قولان وأطلقهما
في الفروع.
قلت الصواب أنه يضمنه.
ثم إنه في الكافي علل القول بجواز التصرف في
قدر حقه بأنه قدر حقه وقد أخذه ودخل في ضمانه.
وقال في التلخيص لو دفع إليه كيسا وقال اتزن
منه قدر حقك لم يكن قابضا قدر حقه قبل الوزن
وبعده فيه الوجهان
وعلى انتفاء الصحة يكون في حكم المقبوض للسوم
والكيس وبقية ما في يده أمانة كالوكيل.
وفي طريقة بعض الأصحاب في ضمان الرهن لو دفع
إليه عينا وقال خذ حقك منها تعلق حقه بها ولا
يضمنها إذا تلفت.
قال ومن قبض دينه ثم بان لا دين له ضمنه.
قال ولو اشترى به عينا ثم بان لا دين له بطل
البيع.
(5/93)
قوله: "وإن
قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله
في أحد الوجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والهادي والمغنى والكافي والمذهب الأحمد
والتلخيص والمحرر والشرح وشرح ابن منجا
والفروع والفائق.
أحدهما لا يقبل صححه في التصحيح.
قال في الخلاصة لم يقبل في الأصح.
قال في تجريد العناية لا يقبل قوله في الأظهر
وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى.
والوجه الثاني يقبل قوله إذا ادعى غلطا ممكنا
عرفا صححه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير
والنظم وتصحيح المحرر وجزم به ابن عبدوس في
تذكرته والمنور ومنتخب الآدمي وقدمه في إدراك
الغاية.
قلت والنفس تميل إلى ذلك مع صدقه وأمانته.
فائدة وكذا حكم ما قبضه من مبيع غيره أو دين
آخر كقرض وثمن مبيع وغيرهما خلافا ومذهبا قاله
في الرعاية وغيرها.
قوله: "وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم فيه
على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والهادي والشرح
وشرح ابن منجا وأطلقهما في المحرر في الرهن
وفي الكفيل في بابه وأطلقهما في المستوعب
والكافي والتلخيص والرعاية الكبرى والحاوي
الكبير في الكفيل في بابه.
إحداهما لا يجوز وهو المذهب جزم به الخرقي
وابن البنا في خصاله وصاحب المبهج والإيضاح
وناظم المفردات.
قال في الخلاصة لا يجوز أخذ الرهن وإلا كفل به
على الأصح.
واختاره أبو بكر في التنبيه وابن عبدوس تلميذ
القاضي وابن عبدوس في تذكرته وإليه ميل الشارح
وقدمه في المستوعب والتلخيص والرعايتين
والحاويين في هذا الباب والفروع وشرح ابن رزين
وإدراك الغاية وغيرهم وهو من مفردات المذهب.
والرواية الثانية يجوز ويصح نقلها حنبل وصححه
في التصحيح والرعاية والنظم وجزم به في الوجيز
واختاره المصنف وحكاه القاضي في روايتيه عن
أبي بكر.
قال الزركشي وهو الصواب قال وفي تعليلهم على
المذهب نظر.
قال الناظم هذا الأولى.
قال الآدمي في منتخبه ويصح الرهن في السلم.
(5/94)
فعلى المذهب لا
يجوز الرهن برأس مال السلم قدمه في المستوعب
والرعايتين والحاويين وعزاه المجد في شرحه إلى
اختيار القاضي في المجرد في أول الرهن نقله في
تصحيح المحرر وعنه يجوز ويصح صححه في الرعاية
الكبرى في أخر باب السلم.
وقال في باب الرهن ويصح الرهن برأس مال السلم
على الأصح.
قال في الوجيز ويجوز شرط الرهن والضمين في
السلم والقرض وأطلقهما في التلخيص والترغيب.
وحكى في الفروع كلام صاحب الترغيب واقتصر
عليه.
(5/95)
باب القرض
فائدتان
إحداها يشترط في صحة القرض معرفة قدره بقدر
معروف ووصفه ويأتي قرض الماء وأن يكون المقرض
ممن يصح تبرعه ويأتي هل للولي أن يقرض من مال
المولى عليه؟.
الثانية القرض عبارة عن دفع مال إلى الغير
لينتفع به ويرد بدله قاله شارح المحرر.
قوله: "ويصح في كل عين يجوز بيعها إلا بني آدم
والجواهر ونحوهما مما لا يصح السلم فيه في أحد
الوجهين فيهما".
أما قرض بني آدم فأطلق المصنف في صحة قرضه
وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب والكافي
والمغنى والهادي والتلخيص والمحرر والشرح وشرح
ابن منجا والفروع.
أحدهما لا يصح وهو المذهب وصححه في التصحيح.
قال في تجريد العناية لا يصح قرض آدمي في
الأظهر واختاره القاضي وغيره وجزم به في
المذهب الأحمد والوجيز ونهاية ابن رزين وتذكرة
ابن عبدوس والمنور ومنتخب الأزجي وقدمه في
المستوعب والخلاصة والنظم والرعايتين
والحاويين وشرح ابن رزين.
والوجه الثاني يصح مطلقا.
وقيل يصح في العبد دون الأمة وهو ضعيف وقدمه
في النظم وأطلقهن في الشرح والفائق وقيل يصح
في الأمة إذا كانت غير مباحة للمقترض.
قال في الرعاية الكبرى وقيل يصح قرض الأمة
لمحرمها وجزم بأنه لا يصح لغير محرمها.
(5/95)
وأما قرض
الجواهر ونحوها مما يصح بيعه ولا يصح السلم
فيه فأطلق المصنف في صحته وجهين وأطلقهما في
المذهب والمستوعب والكافي والمغنى والتلخيص
والمحرر والشرح وشرح ابن منجا والحاويين
والفروع والفائق.
أحدهما يصح وهو الصحيح اختاره القاضي في
المجرد وغيره وجزم به في الوجيز وتجريد
العناية وصححه في التصحيح وتصحيح المحرر.
فعليه يرد المقترض القيمة على ما يأتي.
والوجه الثاني لا يصح جزم به في المنور وتذكرة
ابن عبدوس ومنتخب الآدمي والمذهب الأحمد وصححه
في النظم وقدمه في الخلاصة وشرح ابن رزين
والرعايتين واختاره أبو الخطاب في الهداية.
قال في التلخيص أصل الوجهين في المتقومات
القيمة أو المثل على روايتين يأتيان.
فائدة قال في الفروع ومن شأن القرض أن يصادف
ذمة لا على ما يحدث ذكره في الانتصار.
وفي الموجز يصح قرض حيوان وثوب لبيت المال
لأحد المسلمين.
فعلى الأول لا يصح قرض جهة كالمسجد والقنطرة
ونحوه مما لا ذمة له.
تنبيهان
أحدهما ظاهر قوله: "ويصح في كل عين يجوز
بيعها" أنه يصح قرض المنافع لأنها ليست
بأعيان.
قال في الانتصار لا يجوز قرض المنافع وهو ظاهر
كلام كثير من الأصحاب حيث قالوا ما صح السلم
فيه صح قرضه إلا ما استثنى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز قرض
المنافع مثل أن يحصد معه يوم ويحصد معه الآخر
يوما أو يسكنه الآخر دارا ليسكنه الآخر بدلها.
الثاني ظاهر قوله: "ويثبت الملك فيه بالقبض".
أنه لا يثبت الملك فيه قبل قبضه وهو أحد
الوجهين جزم به المصنف في المغنى والشرح وشرح
ابن المنجا قال في الهداية والمذهب والخلاصة
والتلخيص والمحرر وغيرهم ويملكه المقترض بقبضه
انتهوا.
والصحيح من المذهب أنه يتم بقبوله ويملكه
بقبضه.
قال في الفروع ويتم بقبوله قال جماعة ويملك.
وقيل يثبت ملكه بقبضة كهبة وله الشراء من
مقترضه نقله مهنا انتهى.
(5/96)
قال في
الرعايتين والحاويين والفائق والوجيز وتذكرة
ابن عبدوس وغيرهم ويتم بالقبول ويملكه بقبضه.
وقال في القاعدة التاسعة والأربعين القرض
والصدقة والزكاة وغيرها فيه طريقان.
أحدهما لا يملك إلا بالقبض رواية واحدة وهي
طريقة المجرد والمبهج.
ونص عليه في مواضع.
والثانية لا يملك المبهم بدون القبض ويملك
المعين بالقبض وهي طريقة القاضي في خلافه وابن
عقيل في مفرداته والحلواني وابنه إلا أنهما
حكيا في المعين روايتين انتهى.
وأما اللزوم فإن كان مكيلا أو موزونا فبكيله
أو وزنه وإن كان غير ذلك ففيه روايتان
وأطلقهما في الفروع.
قلت حكم المعدود والمذروع حكم المكيل والموزون
والصحيح أنه لا يلزم إلا بالقبض وجزم في
التلخيص أنه يجوز التصرف فيه إذا كان معينا.
وكذا جزم به في الرعاية الكبرى في باب القبض
والضمان.
قوله: "فلا يملك المقرض استرجاعه وله طلب
بدله".
بلا نزاع.
قوله: "فإن رده المقترض عليه لزمه قبوله".
إن كان مثليا لزمه قبوله بلا نزاع وإن كان غير
مثلى فظاهر كلام المصنف أنه يلزمه قبوله أيضا
وهو أحد الوجهين وهو ظاهر كلامه في الهداية
والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي والتلخيص والبلغة والنظم ومنتخب
الآدمي وغيرهم لإطلاقهم الرد.
قال شارح المحرر وأصحابنا لم يفرقوا بينهما
وقدمه في المغنى والشرح والرعايتين.
وقيل لا يلزمه قبوله لأن القرض فيه يوجب رد
القيمة على أحد الوجهين فإذا رده بعينه لم يرد
الواجب عليه وهو ظاهر كلامه في المحرر وغيره.
قال شارح المحرر ولم أجد ما قال في كتاب آخر
وهو احتمال في المغنى والشرح.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن له رده سواء رخص
السعر أو غلا وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر
الأصحاب.
وقيل يلزمه القيمة إذا رخص السعر.
(5/97)
قوله: "ما لم
يتعيب أو يكن فلوسا أو مكسرة فيحرمها السلطان.
فالصحيح من المذهب أن له القيمة أيضا سواء
اتفق الناس على تركها أو لا وعليه أكثر
الأصحاب وجزم به كثير منهم وقدمه في المغنى
والشرح والفروع والرعايتين والحاويين وقال
القاضي إن اتفق الناس على تركها فله القيمة
وإن تعاملوا بها مع تحريم السلطان لها لزمه
أحدها.
قوله: "فيكون له القيمة وقت القرض".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في الإرشاد والهداية والمذهب والخلاصة
والكافي والمحرر والوجيز وشرح ابن رزين
والمنور وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في
التلخيص والفروع والرعايتين والحاويين والمغنى
والشرح والفائق وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
وقيل له القيمة وقت تحريمها قاله أبو بكر في
التنبيه.
وقال في المستوعب وهو الصحيح عندي.
قال في الفروع وغيره والخلاف فيما إذا كانت
ثمنا.
وقيل له القيمة وقت الخصومة.
فائدتان
إحداهما: قوله: "فيكون له القيمة" اعلم أنه
إذا كان مما يجري فيه ربا الفضل فإنه يعطي مما
لا يجري فيه الربا فلو أقرضه دراهم مكسرة
فحرمها السلطان اعطى قيمتها ذهبا وعكسه بعكسه
صرح به في الإرشاد والمبهج وهو واضح.
قال في الفروع فله القيمة من غير جنسه.
الثانية: ذكر ناظم المفردات هنا مسائل تشبه
مسألة القرض فأحببت أن أذكرها هنا لعظم نفعها
وحاجة الناس إليها فقال:
والنقد في المبيع حيث عينا ... وبعد ذا كساده
تبينا
نحو الفلوس ثم لا يعامل ... بها فمنه عندنا لا
يقبل
بل قيمة الفلوس يوم العقد ... والقرض أيضا
هكذا في الرد
ومثله من رام عود الثمن ... برده المبيع خذ
بالأحسن
قد ذكر الأصحاب ذا في ذي الصور ... والنص في
القرض عيانا قد ظهر
والنص في القيمة في بطلانها ... لا في ازدياد
القدر أو نقصانها
بل إن غلت فالمثل فيها أحرى ... كدانق عشرين
صار عشرا
(5/98)
والشيخ في
زيادة أو نقص ... مثلا كقرض في الغلا والرخص
وشيخ الإسلام فتى تيمية ... قال قياس القرض عن
جلية
الطرد في الديون كالصداق ... وعوض في الخلع
والإعتاق
والغصب والصلح عن القصاص ... ونحو ذا طرا بلا
اختصاص
قال وفيه جاء في الدين نص مطلق ... حرره
الأثرم إذ يحقق
وقولهم إن الكساد نقصا ... فذاك نقص النوع
عابت رخصا
قال ونقص النوع ليس يعقل ... فيما سوى القيمة
ذا لا يجهل
وخرج القيمة في المثلى ... بنقص نوع ليس
بالخفى
واختاره وقال عدل ماضي ... خوف انتظار العسر
بالتقاضي
لحاجة الناس إلى ذي المسألة ... نظمتها مبسوطة
مطولة
قوله: "ويجب رد المثل في المكيل والموزون
والقيمة في الجواهر ونحوها".
يجب رد المثل في المكيل والموزون بلا نزاع لكن
لو أعوز المثل فيهما لزمه قيمته يوم إعوازه
ذكره الأصحاب.
وقال في المستوعب ولو اقترض حنطة فلم تكن عنده
وقت الطلب فرضى بمثل كيلها شعيرا جاز ولا يجوز
أخذ أكثر.
وأما الجواهر ونحوها فيجب رد القيمة على
الصحيح من المذهب كما قال المصنف وعليه جماهير
الأصحاب وقطع به أكثرهم يوم قبضه.
وقيل يجب رد مثله جنسا وصفة وقيمه.
قوله: "وفيما سوى ذلك".
يعني في المذروع والمعدود والحيوان ونحوه
"وجهان" وأطلقهما في الهداية والمذهب
والمستوعب والكافي والمغنى والمحرر والشرح
والنظم والحاويين والفروع والفائق وتجريد
العناية.
أحدهما يرد بالقيمة صححه في التصحيح وجزم به
في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس ونهاية ابن رزين
ومنتخب الآدمي والتسهيل والمذهب الأحمد وقدمه
في الخلاصة والهادي وشرح ابن رزين والرعايتين
والزبدة.
والوجه الثاني يجب رد مثله من جنسه بصفاته
وإليه ميله في الكافي والمغنى والشرح وهو ظاهر
كلامه في العمدة.
(5/99)
فعلى الأول يرد
القيمة يوم القرض جزم به في المغنى والشرح
والكافي والفروع وغيرهم وعلى الثاني يعتبر
مثله في الصفات تقريبا فإن تعذر المثل فعليه
قيمته يوم التعذر.
فائدتان
إحداهما لو اقترض خبزا أو خميرا عددا ورد عددا
بلا قصد زيادة جاز على الصحيح من المذهب وعليه
جماهير الأصحاب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد
رحمه الله تعالى.
وعنه بل مثله وزنا وقدمه ابن رزين في شرحه
وأطلقهما في التلخيص والفائق.
وقال في الرعاية وقيل يرد مثله عددا مع تحري
التساوي والتمائل بلا وزن ولا مواطأة.
الثانية: يصح قرض الماء كيلا ويصح قرضه للسقي
إذا قدر بابنوبة ونحوها قاله في الرعايتين
والحاويين وتذكرة ابن عبدوس.
وسأله أبو الصقر عن عين بين أقوام لهم نوائب
في أيام يقترض الماء من صاحب نوبة الخميس
للسقي به ويرد عليه يوم السبت قال إذا كان
محدودا يعرف كم يخرج منه فلا بأس وإلا أكرهه.
قوله: "ويثبت القرض في الذمة حالا وإن أجله".
هذا المذهب نص عليه في رواية يوسف ابن موسى
وأخيه الحسين وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
واختار الشيخ تقي الدين صحة تأجيله ولزومه إلى
أجله سواء كان قرضا أو غيره وذكره وجها.
قلت وهو الصواب وهو مذهب مالك والليث وذكره
البخاري في صحيحه عن بعض السلف.
وقال في الرعاية وقيل إن كان دينه من قرض أو
غصب جاز تأجيله إن رضى.
وخرج رواية من تأجيل العارية ومن إحدى
الروايتين في صحة إلحاق الأجل والخيار بعد
لزوم العقد.
فائدة وكذا الحكم في كل دين حل أجله لم يصر
مؤجلا بتأجيله.
فعلى المذهب في أصل المسألة يحرم التأجيل على
الصحيح من المذهب قطع به أبو الخطاب وغيره
وصححه في الفروع.
قال الإمام أحمد رحمه الله القرض حال وينبغي
أن يفي بوعده.
وقيل لا يحرم تأجيله وهو الصواب.
(5/100)
ويأتي آخر
الباب وجوب أداء ديون الآدميين على الفور في
الجملة.
قوله: "ولا يجوز شرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه
داره أو يقضيه خيرا منه أو في بلد آخر". أما
شرط ما يجر نفعا أو أن يقضيه خيرا منه فلا
خلاف في أنه لا يجوز.
وأما إذا شرط أن يقضيه ببلد أخر فجزم المصنف
هنا أنه لا يجوز وهو رواية عن الإمام أحمد
رحمه الله وهو الصحيح جزم به في الوجيز وقدمه
في الرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين
والهداية والمستوعب.
قال المصنف هنا: "ويحتمل جواز هذا الشرط" وهو
عائد إلى هذه المسألة فقط وهو رواية عن الإمام
أحمد رحمه الله واختاره المصنف والشيخ تقي
الدين رحمه الله وصححه في النظم والفائق وهو
ظاهر كلام ابن أبي موسى.
وأطلق المصنف الجواز فيما إذا لم يكن لحمله
مؤنة وعدمه فيما لحمله مؤنة وأطلقهما في
المغنى والكافي والشرح وشرح ابن منجا والفروع.
وعنه الكراهة إن كان لبيع.
وعنه لا بأس به على وجه المعروف.
فعلى الأول في فساد العقد روايتان وأطلقهما في
المستوعب والتلخيص والفروع والرعايتين
والحاويين وجزم ابن عبدوس في تذكرته بالفساد
قلت الأولى عدم الفساد.
فائدة لو اراد إرسال نفقة إلى أهله فأقرضها
رجلا ليوفيها لهم جاز.
وقيل لا يجوز ذكره في الرعاية الصغرى وغيره.
قوله: "وإن فعله بغير شرط أو قضى خيرا منه
يعني بغير مواطأة نص عليه أو أهدى له هدية بعد
الوفاء جاز".
وهو الصحيح من المذهب قال في الفروع صح على
الأصح وكذا قال في الخلاصة والنظم وصححه في
الثانية والثالثة في الفائق وجزم به في المحرر
والوجيز والمنور وغيرهم وجزم به في المذهب
والفائق فيما إذا فعله بغير شرط وقدمه في
الجميع في الرعاية الصغرى والحاويين.
وعنه لا يجوز وأطلقهما في التلخيص وأطلقهما في
المذهب والمستوعب فيما إذا أهدى له هدية بعد
الوفاء أو زاده.
وجزم الحلواني أن يأخذ أجود مع العادة.
(5/101)
فائدتان
إحداهما لو علم أن المقترض يزيده شيئا على
قرضه فهو كشرطه اختاره القاضي وجزم به في
الحاوي الصغير وقدمه في الرعايتين.
وقيل يجوز اختاره المصنف والشارح.
وفي الحاوي الكبير وقالوا لأنه عليه افضل
الصلاة والسلام كان معروفا بحسن الوفاء فهل
يسوغ لأحد أن يقول إن إقراضه مكروه وعللوه
بتعليل جيد وقدمه ابن رزين في شرحه قلت وهو
الصواب وصححه في النظم وأطلقهما في الفائق
والفروع وقيل إن زاد مرة في الوفاء فزيادة مرة
ثانية محرمة ذكره في النظم.
الثانية: شرط النقص كشرط الزيادة على الصحيح
من المذهب جزم به في المغنى والشرح والحاويين
وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين.
وقيل يجوز قال في الفروع ويتوجه أنه فيما لا
ربا فيه.
قلت قال المصنف والشارح وإن شرط في القرض أن
يوفيه أنقص وكان مما يجري فيه الربا لم يجز
وإن كان في غيره لم يجز أيضا.
وقال ابن رزين في شرحه وإن شرط أن يوفيه أنقص
وهو مما يجري فيه الربا لم يجز وإلا جاز وقيل
لا يجوز.
فائدة لو أقرض غريمه ليرهنه على ماله عليه
وعلى المقرض ففي صحته روايتان وأطلقهما في
الفروع والرعاية الكبرى والمستوعب.
قال في الحاوي الكبير لو قال صاحب الحق اعطني
رهنا وأعطيك مالا تعمل فيه وتقضيني جاز وكذا
قال أيضا في الرعاية الكبرى وجزم به في موضع.
قوله: "وإن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن
تكون العادة جارية بينهما قبل القرض".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وعنه يجوز.
تنبيه قوله: "لم يجز" يعني لم يجز أخذه مجانا
فأما إذا نوى احتسابه من دينه أو مكافأته جاز
نص عليه وكذلك الغريم فلو استضافه حسب له ما
أكله نص عليه وعليه الأصحاب.
وقال في الفروع ويتوجه لا يحسب له قلت ينبغي
أن ينظر فإن كان له عادة بإطعام من أضافه لم
يحسب له وإلا حسب له.
قال في الفروع وظاهر كلامه أنه في الدعوات
كغيره.
(5/102)
فوائد
منها لو أقرض لمن له عليه دين ليوفيه كل وقت
شيئا جاز نقله مهنا وجزم به المصنف وغيره.
ونقل حنبل يكره واختاره في الترغيب.
ومنها لو أقرض فلاحه في شراء بقرا وبذر بلا
شرط حرم عند الأمام أحمد واختاره ابن أبي موسى
وجوزه المصنف وصححه في النظم والرعاية الصغرى
وقدمه في الفائق والرعاية الكبرى.
وإن أمره ببذره وأنه في ذمته كالمعتاد في فعل
الناس ففاسد له تسمية المثل ولو تلف لم يضمنه
لأنه أمانة ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
ومنها لو أقرض من عليه بر يشتريه به ويوفيه
إياه فقال سفيان مكروه أمر بين.
قال الإمام أحمد رحمه الله جود.
وقال في المستوعب يكره وقال في المغنى والشرح
يجوز.
ومنها لو جعل له جعلا على اقتراضه له لجاهه صح
لأنه في مقابلة ما بذله من جاهه فقط ولو جعل
له جعلا على ضمانه له لم يجز نص عليهما لأنه
ضامن فيكون قرضا جر منفعة ومنع الأزجي في
الأولى أيضا.
قوله: "وإن أقرضه أثمانا وكذا لو غصبه أثمانا
فطالبه بها ببلد آخر لزمته".
مراده إذا لم يكن لحملها على المقترض مؤنة فلو
أقرضه أثمانا كثيرة ولحملها مؤنة على المقترض
وقيمتها في بلد القرض أنقص لم يلزمه بل يلزمه
إذن قيمته فيه فقط.
وقولي ولحملها مؤنة قدمه في الفروع وأطلق أكثر
الأصحاب لزوم الرد في الأثمان كالمصنف هنا.
وصرح في المستوعب أن الأثمان لا مؤنة لحملها.
والظاهر أنهم أرادوا في الغالب والتحقيق ما
قاله في الفروع.
قوله: "وإن أقرضه غيرها لم تلزمه فإن طالبه
بالقيمة لزمه أداؤها".
ظاهره أنه سواء كان لحمله مؤنة أو لا أما إن
كان لحمله مؤنة فلا يلزمه.
وإن كان ليس لحمله مؤنة فظاهر كلامه أنه لا
يلزمه أيضا وقدمه في الرعايتين والحاويين
والصحيح من المذهب أن حكمه حكم الأثمان وجزم
به في المغنى والشرح والوجيز والفروع وغيرهم
وهو مراد المصنف هنا وكلامه جار على الغالب.
(5/103)
تنبيه ذكر
المصنف والشارح وصاحب الخلاصة وجماعة ما لحمله
مؤنة لا يلزم المقترض بذله بل قيمته وما ليس
له مؤنة يلزمه.
وذكر صاحب النظم والرعايتين والوجيز والفائق
وغيرهم وقدمه في الفروع لو طلب المقرض من
المقترض بدله في بلد آخر لزمه إلا إذا كان
لحمله مؤنة إذا كان ببلد المقرض أنقص قيمة فلا
يلزمه سوى قيمته فيه.
قال شارح المحرر إن لم يكن لحمله مؤنة وهو في
بلد القرض بمثل ثمنه أو أعلى منه في ذلك البلد
لزمه رد بدله وإن كان لحمله مؤنة فإن كان في
بلد القرض أقل قيمة لم يجب رد البدل ووجبت
القيمة وإن كان في بلد القرض بمثل قيمته أو
أكثر أمكنه أن يشتري في بلد المطالبة مثلها
ويردها عليه.
فوائد
أحدها أداء ديون الآدميين واجب على الفور عند
المطالبة قطع به الأصحاب وبدون المطالبة لا
يجب على الفور على الصحيح من المذهب.
قال في القواعد الأصولية هذا المذهب وقاله أبو
المعالي والسامري وغيرهما وقدمه في الفروع في
أول الفلس.
قال الشيخ زين الدين ابن رجب محل هذا إذا لم
يكن عين له وقتا للوفاء فأما إن عين له وقتا
للوفاء كيوم كذا فلا ينبغي أن يجوز تأخيره لأن
تعين الوفاء فيه كالمطالبه.
قال في القواعد الأصولية قلت وينبغي أن يكون
محل جواز التأخير إذا كان صاحب المال عالما
بأنه يستحق في ذمته الدين وأما إذا لم يكن
يعلم فيجب إعلامه انتهى.
والوجه الثاني يجب على الفور من غير مطالبة
قاله القاضي في الجامع والمصنف في المغنى في
قسم الزوجات أنه يجب على الفور ذكراه محل
وفاق.
الثانية: لو بذل المقترض للمقرض ما عليه من
الدين في بلد آخر فلا يخلو إما أن يكون لحمله
على المقرض مؤنة أو لا فإن كان لحمله مؤنة لم
يلزم المقرض أخذها وإن لم يكن لحمله مؤنة فلا
يخلو إما أن يكون البلد والطريق آمنان أولا
فإن كانا آمنين لزمه أخذه بلا نزاع.
قلت لو قيل بعدم اللزوم لم يكن بعيدا لأنه قد
يتجدد عدم الأمن وإن كانا غير آمنين لم يلزمه
أخذه.
الثالثة: لو بذل الغاصب بدل المغصوب التالف في
غير بلد المغصوب منه فحكمه حكم بذل المقترض
للمقرض في بلده على ما تقدم وإن كان غير تالف
لم يجبر على قبضه مطلقا.
(5/104)
باب الرهن
فوائد
إحداها الرهن عبارة عن توثقة دين بعين يمكن
أخذه من ثمنها إن تعذر الوفاء من غيره قال
الزركشي توثقة دين بعين أو بدين على قول.
الثانية المرهون عبارة عن كل عين جعلت وثيقة
بحق يمكن استيفاؤه منها.
الثالثة لا يصح الرهن بدون إيجاب وقبول أو ما
يدل عليهما.
قال في الرعاية من عنده وتصح بالمعاطاة.
الرابعة لا بد من معرفة الرهن وقدره وصفته
وجنسه قاله في الرعاية.
الخامسة يصح أخذ الرهن على كل دين واجب في
الجملة وهنا مسائل فيها خلاف.
منها دين السلم وقد تقدم الخلاف فيه والصحيح
من المذهب.
ومنها الأعيان المضمونة كالغصوب والعوارى
والمقبوض على وجه السوم أو في بيع فاسد وفي
صحة أخذ الرهن عليها وجهان وأطلقهما في المغنى
والشرح والفروع والفائق.
أحدهما لا يصح قال في الكافي هذا قياس المذهب
وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال في الفائق قلت وعليه يخرج الرهن على عوارى
الكتب للوقف ونحوها.
والوجه الثاني يصح أخذ الرهن بذلك.
قال القاضي هذا قياس المذهب.
قلت وهو أولى.
وأما رهن هذه الأشياء فيصح بلا نزاع.
ومنها الدية التي على العاقلة قبل الحول ففي
صحة أخذ الرهن عنها وجهان وأطلقهما في الفروع.
أحدهما لا يصح وهو المذهب جزم به في الكافي
والنظم والرعاية الصغرى والحاويين وتذكرة ابن
عبدوس وغيرهم وقدمه في المغنى والشرح والرعاية
الكبرى وشرح ابن رزين والفائق وغيرهم.
والوجه الثاني يصح.
قال في الرعاية وقيل يصح إن صح الرهن بدين قبل
وجوبه انتهى.
وأما بعد الحول فيصح قولا واحدا.
ومنها دين الكتابة وفيه وجهان وفي الموجز
روايتان.
(5/105)
وأطلقهما في
المحرر والنظم والفروع والرعايتين والحاويين
والفائق وشرح المحرر والزبدة.
أحدهما لا يصح أخذ الرهن به وهو المذهب جزم به
في الكافي والمغنى والتلخيص والشرح والمحرر
وشرحه والبلغة وتذكرة ابن عقيل والإيضاح
وتذكرة ابن رزين وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم.
والوجه الثاني يصح.
وقيل إن جاز أن يعجز المكاتب نفسه لم يصح وإلا
صح.
ومنها هل يجوز أخذ الرهن على الجعل في الجعالة
قبل العمل على وجهين وأطلقهما في الرعاية
الكبرى والنظم.
أحدهما لا يصح وهو المذهب جزم به في الرعاية
الصغرى والحاويين وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في
الفروع والفائق والكافي والمغنى والشرح وقالا
هذا أولى.
والوجه الثاني يصح وهو احتمال القاضي.
وأما بعد العمل فيصح أخذ الرهن قولا واحدا.
ومنها هل يصح أخذ الرهن على عوض المسابقة
فالصحيح من المذهب أنه لا يصح.
وقطع به كثير من الأصحاب لأنها جعالة ولم يعلم
إفضاؤها إلى الوجوب.
وقال بعض الأصحاب فيها وجهان هل هي إجارة أو
جعالة.
فإن قلنا هي إجارة صح أخذ الرهن بعوضها.
وقال القاضي إن لم يكن فيها محلل فهي جعالة
وإن كان فيها محلل فعلى وجهين.
قال المصنف والشارح وهذا كله بعيد ذكروه في
آخر السلم.
السادسة لا يصح الرهن بعهدة المبيع ولا بعوض
غير ثابت في الذمة كالثمن المعين والإجارة
المعينة في الإجارة والمعقود عليه في الإجارة
إذا كان منافع معينة مثل إجارة الدار والعبد
المعين والجمل المعين مدة معلومة أو لحمل شيء
معين إلى مكان معلوم.
فأما إن وقعت الإجارة على منفعة في الذمة
كخياطة ثوب وبناء دار ونحو ذلك صح أخذ الرهن
عليه.
السابعة يصح عقد الرهن من كل من يصح بيعه.
قال في الترغيب وغيره وصح تبرعه.
وفي المستوعب وغيره لولي رهنه عند أمين لمصلحة
كحل دين عليه.
قال في الرعاية يصح ممن له بيع ماله والتبرع
به فلا يصح من سفيه ومفلس ومكاتب وعبد ولو كان
مأذونا لهم في تجارة ونحوهم.
(5/106)
قوله: "يجوز
عقده مع الحق وبعده بلا نزاع ولا يجوز قبله".
على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقال أبو الخطاب يجوز قبله وقال ويحتمله كلام
الإمام أحمد رحمه الله وأطلقهما في الحاويين.
فائدة تجوز الزيادة في الرهن ويكون حكمها حكم
الأصل ولا يجوز زيادة دين الرهن لأنه رهن
مرهون.
قال القاضي وغيره كالزيادة في الثمن وهذا
المذهب فيهما وقطع به الأصحاب.
وقال في الروضة لا يجوز تقوية الرهن بشيء أخر
بعد عقد الرهن ولا بأس بالزيادة في الدين على
الرهن الأول.
قال في الفروع كذا قال.
ويأتي آخر الباب أن المرتهن لو فدا الرهن
الجاني وشرط جعله رهنا بالفداء مع الدين الأول
هل يصح أم لا.
فعلى الصحة يكون كالمستثنى من هذه المسألة.
قوله: "ويجوز رهن كل عين يجوز بيعها إلا
المكاتب إذا قلنا استدامة القبض شرط لم يجز
رهنه".
يصح رهن كل عين يجوز بيعها في الجملة وهنا
مسائل فيها خلاف.
منها المكاتب ويصح رهنه إذا قلنا يصح بيعه على
الصحيح من المذهب.
قال القاضي قياس المذهب صحة رهنه.
قال في الرعاية هذا المذهب وجزم به في الفائق
وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في الفروع.
وقيل لا يصح رهنه وإن قلنا بصحة بيعه إذا
اشترطنا استدامة القبض في الرهن وهو الذي جزم
به المصنف هنا وصححه في المغنى وجزم به في
الوجيز والنظم وقدمه في الشرح.
قال في الرعاية الصغرى والحاويين ويصح رهن
المكاتب إن جاز بيعه ولم يلزم بقاء القبض.
فعلى المذهب يمكن من الكسب كما قبل الرهن.
وأما أداؤه فهو رهن معه فان عجز ثبت الرهن فيه
وفي أكسابه وإن عتق كان ما أداه من نجومه بعد
عقد الرهن رهنا.
(5/107)
ومنها العين
المؤجرة ويصح رهنها على الصحيح من المذهب
وعليه أكثر الأصحاب وقيل لا يصح.
ومنها ما قاله المصنف وهو قوله: "ويجوز رهن ما
يسرع إليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه
رهنا.
وهو المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وقطع به
كثير منهم وقدمه في التلخيص والرعاية والفروع
وغيرهم وصححه المصنف والشارح وغيرهما.
وفيه وجه أنه لا يصح ذكره القاضي.
قوله: "ويجوز رهن المشاع".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وخرج
عدم الصحة.
فائدة يجوز رهن حصته من معين مثل أن يكون له
نصف دار فيرهن نصيبه من بيت منها على الصحيح
من المذهب قدمه في المغنى والشرح ونصراه وصححه
في الفائق وقدمه ابن رزين.
وقيل لا يصح رهن حصته من معين من شيء يمكن
قسمته وهو احتمال للقاضي وجزم في التلخيص لغير
الشريك وأطلقهما في الفروع.
قال في الرعاية ولا يصح رهن حقه من بيت معين
من دار مشتركة تنقسم.
وفيه احتمال وإن رهنه عند شريكه فاحتمالان وإن
لم تنقسم صح.
وقيل إن لزم الرهن بالعقد صح وإلا فلا انتهى.
والوجهان الأولان في بيعه أيضا وأطلقهما في
الفروع.
وقال في الانتصار لا يصح بيعه نص عليه.
وقطع في المغنى والشرح بصحة بيعه وهو المذهب.
فعلى المذهب لو اقتسما فوقع المرهون لغير
الراهن فهل يلزم الراهن بدله أو رهنه لشريكه
فيه وجهان وأطلقهما في الفروع.
قلت الصواب إلزامه ببدله أو رهنه لشريكه.
وقطع المصنف والشارح بأن الراهن ممنوع من
القيمة في هذه الصورة قلت فيعايى بها.
فائدة قوله: "فإن اختلفا" أي الشريك والمرتهن
في كونه في يد أحدهما أو غيرهما "جعله الحاكم
في يد أمين أمانة أو بأجرة".
بلا نزاع.
لكن هل للحاكم أن يؤجره فيه وجهان وأطلقهما في
الفروع.
(5/108)
أحدهما له
إجارته جزم به في الرعاية الصغرى والحاويين
والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم.
والثاني لا يجوز له وهو الصواب.
قوله: "ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون
قبل قبضه إلا على ثمنه في أحد الوجهين".
إذا أراد رهن المبيع للغير فلا يخلو إما أن
يكون قبل قبضه أو بعده فإن كان بعد قبضه جاز
بلا نزاع وإن كان قبل قبضه فلا يخلو إما أن
يكون مكيلا أو موزونا وما يلحق بهما من
المعدود والمذروع أو غير ذلك.
فإن كان غير هذه الأربعة فلا يخلو إما أن
يرهنه على ثمنه أو على غير ثمنه فإن رهنه على
غير ثمنه صح جزم به في الشرح والهداية والمذهب
والخلاصة والحاوي الكبير والوجيز وتذكرة ابن
عبدوس والمصنف هنا وغيرهم وقدمه في الرعاية
الصغرى وصححه في الرعاية الكبرى والفائق سواء
قبض ثمنه أو لا.
وقيل لا يصح وأطلقهما في الحاوي الصغير.
وقيل لا يصح قبل نقد ثمنه.
وإن رهنه على ثمنه فأطلق المصنف في صحته وجهين
وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى
والشرح وشرح ابن منجا والرعاية الصغرى
والحاويين.
أحدهما يصح صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز
وتذكرة ابن عبدوس.
والوجه الثاني لا يصح مطلقا صححه في النظم
والرعاية الكبرى.
وأما المكيل والموزون وما يلحق بهما من
المعدود والمذروع قبل قبضه فذكر القاضي جواز
رهنه وحكاه هو وابن عقيل عن الأصحاب.
قاله في القاعدة الثانية والخمسين واختاره
الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قال في الرعاية الكبرى والفائق يصح في أصح
الوجهين وقدمه في النظم والرعاية الصغرى
والحاوي الصغير وجعلها كغير المكيل والموزون
وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب والخلاصة
وغيرهم لأنهم أطلقوا.
وقال في الشرح ويحتمل أن لا يصح رهنه.
قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر
كلام المصنف هنا.
واختاره القاضي في المجرد وابن عقيل وجزم به
في الحاوي الكبير في أحكام القبض.
وقال في التلخيص ذكر القاضي وابن عقيل في موضع
آخر إن كان الثمن قد قبض.
(5/109)
صح رهنه وإلا
فلا وأطلقهما في الفروع في باب التصرف في
المبيع وتقبض لكن محلهما عنده بعد قبض ثمنه.
تنبيه اقتصار المصنف على المكيل والموزون بناء
منه على أن غيرهما ليس مثلهما في الحكم وهو
رواية واختاره بعض الأصحاب والمصنف.
والصحيح من المذهب أن حكم المعدود والمذروع
حكم المكيل والموزون على ما تقدم في آخر
الخيار في البيع.
قال ابن منجا في شرحه وأما كون رهن المكيل
والموزون قبل قبضه لا يجوز فمبني على الرواية
التي اختارها المصنف وهي أن المنع من بيع
المبيع قبل قبضه مختص بالمكيل والموزون وتقدم
في ذلك أربع روايات هذه.
والثانية مختص بالمبيع غير المعين كقفيز من
صبرة فعليها لا يجوز رهن غير المعين قبل قبضه
ويجوز رهن ما عداه على غير ثمنه وفي رهنه على
ثمنه الخلاف.
والثالثة المنع مختص بالمطعوم فعليها لا يجوز
رهنه قبل قبضه ويجوز رهن ما عداه على غير ثمنه
وفي رهنه على ثمنه الخلاف.
والرابعة المنع يعم كل مبيع فعليها لا يجوز
رهن كل مبيع قبل قبضه على غير ثمنه وفي رهنه
على ثمنه الخلاف انتهى.
فعلى الأول يزول الضمان بالرهن على قياس ما
إذا رهن المغصوب عند غاصبه قاله في القاعدة
السابعة والثلاثين.
وقد تقدم ما يحصل به القبض في آخر باب الخيار
في البيع في أول الفصل الأخير.
وتقدم في أواخر شروط البيع "لو باعه بشرط رهنه
على ثمنه".
قوله: "وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إلا
الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع" وكذا
الزرع الأخضر "في أحد الوجهين فيهما".
وأطلقهما في المغنى والشرح والرعاية الصغرى
والحاويين والنظم والفروع والفائق.
أحدهما يجوز يعني يصح وهو المذهب جزم به في
الخلاصة والمحرر والوجيز وتذكرة ابن عبدوس
وناظم المفردات وغيرهم.
واختاره القاضي وغيره وصححه في التصحيح وشرح
ابن منجا وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
والوجه الثاني لا يجوز يعني لا يصح.
قال في الرعاية الكبرى وإن رهنها قبل بدو
صلاحها بدين مؤجل صح في الأصح إن.
(5/110)
شرط القطع لا
الترك وكذا الخلاف إن أطلقا فتباع إذن على
القطع ويكون الثمن رهنا بدين حال بشرط القطع
صح وباع كذلك انتهى.
فائدة لو رهنه الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط
القطع صح على الصحيح من المذهب وعليه أكثر
الأصحاب.
وقيل لا يصح وأطلقهما في الحاوي وتقدم كلامه
في الرعاية.
تنبيه يستثنى من عموم كلام المصنف رهن الأمة
دون ولدها وعكسه فإنه يصح ويباعا حيث حرم
التفريق جزم به الأصحاب.
فائدة متى بيعا كان متعلق المرتهن ما يختص
المرهون منهما من الثمن وفي قدره ثلاثة أوجه
أحدها: أن يقال إذا كانت الأم المرهونة كم
قيمتها مفردة فيقال مائة ومع الولد مائة
وخمسين فله ثلثا الثمن وقدمه في الرعاية
الكبرى.
والوجه الثاني أن يقوم الولد أيضا مفردا فيقال
كم قيمته بدون أمه فيقال عشرون فيكون للمرتهن
خمسة أسداس.
الوجه الثالث أن تقوم الأم ولها ولد ويقوم
الولد وهو مع أمه فإن التفريق ممتنع.
قال في التلخيص وهذا الصحيح عندي إذا كان
المرتهن يعلم أن لها ولدا.
قال في الرعاية الكبرى وهو أولى.
تنبيه ظاهر كلام المصنف جواز رهن المصحف إذا
قلنا يجوز بيعه لمسلم وهو إحدى الروايتين نص
عليه صححه في الرعاية الكبرى.
قال في الفروع ويصح في عين يجوز بيعها.
قال المصنف والشارح والخلاف هنا مبني على جواز
بيعه.
والرواية الثانية لا يصح نقله الجماعة عن
الإمام أحمد رحمه الله وجزم به ابن عبدوس في
تذكرته وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الصغرى
والحاويين فإنهما ذكرا حكم رهن العبد المسلم
لكافر وقدما عدم الصحة وقالا وكذا المصحف إن
جاز بيعه وأطلقهما في الفائق وقال في الرعاية
الكبرى وإن صححنا بيع مصحف من مسلم صح رهنه
منه على الأصح فظاهرهم أن لنا رواية بعدم صحة
رهنه وإن صححنا بيعه.
وأما رهنه على دين كافرا إذا كان بيد مسلم
ففيه وجهان.
أحدهما يصح صححه في الرعاية الكبرى.
قلت وهو الصواب.
والثاني لا يصح وإن صححنا رهنه عند مسلم وجزم
به في الفائق والكافي.
(5/111)
وهو ظاهر ما
قدمه في الرعاية الصغرى والحاويين وهو المذهب
على ما اصطلحناه في الخطبة وأطلقهما في
الفروع.
فوائد
الأولى قال في الرعاية الكبرى وألحقت بالمصحف
كتب الحديث يعني في جواز رهنها بدين كافر.
قال في الكافي وإن رهن المصحف أو كتب الحديث
لكافر لم يصح انتهى.
الثانية في جواز القراءة في المصحف لغير ربه
بلا إذن ولا ضرر وجهان وأطلقهما في الفروع.
أحدهما لا يجوز قدمه في الرعاية الكبرى في هذا
الباب وهو ظاهر ما قطع به في المغنى والشرح
فإنهما قالا وعنه يجوز رهنه.
قال الإمام أحمد رحمه الله إذا رهن مصحفا لا
يقرأ فيه إلا بإذنه انتهى.
الثاني يجوز اختاره في الرعاية.
وجوز الإمام أحمد رحمه الله القراءة للمرتهن.
وعنه يكره ونقل عبد الله لا يعجبني بلا إذنه.
الثالثة يلزم ربه بذله لحاجة على الصحيح من
المذهب قدمه في الفروع.
وقيل يلزم مطلقا.
وقيل لا يلزم مطلقا كغيره وقدمه في الرعاية
الكبرى ذكر ذلك في الفروع في أول كتاب البيع.
وتقدم بعض أحكام المصحف هناك وأكثرها في أخر
نواقض الوضوء.
قوله: "ولا يجوز رهن العبد المسلم لكافر".
هذا أحد الوجهين وجزم به في الهادي وقدمه في
الخلاصة والكافي والرعايتين والحاويين والنظم
واختاره القاضي.
والوجه الثاني يصح إذا شرطه في يد عدل مسلم
اختاره أبو الخطاب والمصنف والشارح والشيخ تقي
الدين رحمه الله وقال اختاره طائفة من أصحابنا
وجزم به ابن عبدوس في تذكرته.
قال في المحرر ويصح في كل عين يجوز بيعها وكذا
في التلخيص والوجيز.
قلت وهو الصواب وهو المذهب وإن كان مخالفا لما
أطلقناه وأطلقهما في المذهب والفروع والفائق.
(5/112)
فوائد
إحداها يجوز أن يستأجر شيئا ليرهنه وأن
يستعيره ليرهنه بإذن ربه فيهما سواء بين قدر
الدين لهما أولا قاله القاضي وجزم به في
المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وقدم في الرعاية أنه لا بد أن يعين الدين.
ويجوز لهما الرجوع قبل إقباضه على الصحيح من
المذهب كما قبل العقد وقدمه في الفروع.
وقيل ليس لهما الرجوع قدمه في التلخيص.
قال في القواعد في العارية قال الأصحاب هو
لازم بالنسبة إلى الراهن والمالك.
وأما بعد إقباضه فلا يجوز لهما الرجوع وإن
جوزناه فيما قبله على الصحيح من المذهب وعليه
جماهير الأصحاب وجزم به كثير منهم.
وقال في الانتصار يجوز لهما الرجوع أيضا.
فإن حل الدين وبيع رجع المعير أو المؤجر
بقيمته أو بمثله إن كان مثليا ولا يرجع بما
باعه به سواء زاد على القيمة أو نقص على
الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه في الفروع
والفائق والرعاية الصغرى والحاويين.
وقيل يرجع بأكثرهما اختاره في الترغيب
والتلخيص وجزم به في المحرر والمنور في باب
العارية.
قال في الرعاية الكبرى وإن بيع بأكثر منها رجع
بالزيادة في الأصح وجزم به ابن عبدوس في
تذكرته.
قلت وهو الصواب.
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع وهو الصواب
قطعا انتهى وأطلقهما في المغنى والشرح
الثانية لو تلف المرهون ضمن المستعير فقط على
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال في
الفروع ويتوجه الوجه في مستأجر من مستعير.
الثالثة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز
أن يرهن الإنسان مال نفسه على دين غيره كما
يجوز أن يضمنه وأولى وهو نظير إعارته للرهن
انتهى.
(5/113)
قوله: "ولا
يلزم الرهن إلا بالقبض".
يعني للمرتهن أو لمن اتفقا عليه فلو استناب
المرتهن الراهن في القبض لم يصح قاله في
التلخيص وغيره.
فشمل كلام المصنف مسألتين.
إحداهما أن يكون الرهن موصوفا غير معين فلا
يلزم إلا بالقبض كما يجوز.
وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
فعلى هذا يكون قبل القبض جائزا ويصح على
الصحيح من المذهب.
قال الزركشي فظاهر كلام الخرقي وابن أبي موسى
والقاضي في الجامع الصغير وابن عقيل في
التذكرة وابن عبدوس أن القبض شرط في صحة الرهن
وأنه قبل القبض غير صحيح ويأتي ذلك.
وحمل المصنف وابن الزاغوني والقاضي كلام
الخرقي على الأول.
الثانية أن يكون الرهن معينا كالعبد والدار
ونحوهما فالصحيح من المذهب أنه لا يلزم إلا
بالقبض كغير المتعين.
قال في الكافي وابن منجا وغيرهما هذا المذهب
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغنى
والشرح والمحرر والفروع وغيرهم.
وهو ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر في التنبيه
وابن أبي موسى ونصره أبو الخطاب والشريف أبو
جعفر وغيرهما.
قال في الفروع ذكره الشيخ وغيره المذهب.
وعنه أن القبض ليس بشرط في المتعين فيلزم
بمجرد العقد نص عليه.
قال القاضي في التعليق هذا قول أصحابنا.
قال في التلخيص هذا أشهر الروايتين وهو المذهب
عند ابن عقيل وغيره وقدمه في الرعايتين
والحاويين والفائق.
فعليهما متى امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه
كالبيع وإن رده المرتهن على الراهن بعارية أو
غيرها ثم طلبه أجبر الراهن على رده.
وذكر جماعة من الأصحاب أنه لا يصح الرهن إلا
مقبوضا سواء كان معينا أو لا ذكره في الفروع.
قال في القاعدة التاسعة والأربعين وصرح أبو
بكر بأن القبض شرط لصحة الرهن وأنه يبطل
بزواله وكذلك قال المجد في شرحه والشيرازي
وغيرهما انتهى.
وقد تقدم أنه ظاهر كلام الخرقي وغيره.
(5/114)
فائدة صفة قبض
الرهن كقبض المبيع على ما تقدم.
لكن لو كان في يد المرتهن عارية أو وديعة أو
غصبا أو نحوه صح الرهن.
والمذهب لزوم الرهن بنفس العقد من غير احتياج
إلى أمر زائد واليد ثابتة والقبض حاصل وإنما
يتغير الحكم لا غير وهذا على الأكثر وهو ظاهر
كلام الإمام أحمد رضى الله عنه وقال القاضي
وأصحابه لا يصير رهنا حتى تمضي مدة يتأتى قبضه
فيها فإن كان منقولا فبمضي مدة يمكن نقله فيها
وإن كان مكيلا فبمضي مدة يمكن اكتياله فيها
وإن كان غير منقول فبمضي مدة التخلية.
وإن كان غائبا عن المرتهن لم يصر مقبوضا حتى
يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه
فيها لأن العقد يفتقر إلى القبض والقبض إنما
يحصل بفعله أو بإمكانه ويكفي ذلك ولا يحتاج
إلى وجود حقيقة القبض لأنه مقبوض حقيقة فإن
تلف قبل مضي مدة يتأتى قبضه فيها فهو كتلف
الرهن قبل قبضه وكذا الهبة على الخلاف والمذهب
على ما يأتي.
قوله: "فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن
زال لزومه".
ظاهره سواء أخذه الراهن بإذنه نيابة أو لا وهو
صحيح وهو المذهب وظاهر كلام الأصحاب.
وذكر في الانتصار احتمالا أنه لا يزول لزومه
إذا أخذه الراهن منه بإذنه نيابة.
فائدة لو أجره أو أعاره للمرتهن أو غيره بإذنه
فلزومه باق على الصحيح من المذهب. اختاره
المصنف في المغنى والمجد في المحرر وغيرهما.
قال في الانتصار هو المذهب كالمرتهن وقدمه في
الفروع والمحرر وصححه الناظم وعنه يزول لزومه
نصره القاضي وقطع به جماعة واختاره أبو بكر في
الخلاف وقدمه في الرعايتين والحاويين.
قال المجد في شرحه ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه
الله أنه لا يصير مضمونا بحال انتهى.
فلو استأجره المرتهن عاد اللزوم بمضي المدة
ولو سكنه بأجرته بلا إذن فلا رهن نص عليهما
ونقل ابن منصور إن أكراه بإذن الراهن أو له
فإذا رجع صار رهنا والكراء للراهن.
وقيل إن أعاره للمرتهن لم يزل اللزوم وإلا زال
وهي طريقة المصنف في المغنى.
(5/115)
وقال الزركشي
وفي المذهب قول إن أجر المرتهن بإذن الراهن لم
يزل اللزوم وإن أجر الراهن بإذن المرتهن زال
اللزوم انتهى.
وقال في الرعاية وقيل إن زادت مدة الإجارة على
أجل الدين لم يصح بحال.
فائدة لو رهنه شيئا ثم أذن له في الانتفاع به
فهل يصير عارية حالة الانتفاع به أم لا قال
القاضي في خلافه وابن عقيل في نظرياته والمصنف
في المغنى وصاحب التلخيص وغيرهم يصير مضمونا
بالانتفاع.
وذكر ابن عقيل احتمالا أنه يصير مضمونا بمجرد
القبض إذا قبضه على هذا الشرط.
تنبيه محل الخلاف إذا اتفقا على ذلك فإن
اختلفا تعطل الرهن على المذهب واختار في
الرعاية لا يتعطل ويجبر من أبى منهما الإيجار
انتهى.
قلت الذي يظهر أنه إن امتنع الراهن يتعطل
الإيجار وإن امتنع المرتهن لم يتعطل.
قوله: "واستدامته شرط في اللزوم".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب يعني حيث قلنا
لا يلزم إلا بالقبض.
وعنه أن استدامته في المتعين ليست بشرط
واختاره في الفائق.
فائدة لو رهنه ما هو في يد المرتهن ومضمون
عليه كالغصوب والموارى والمقبوض على وجه السوم
حيث قلنا يضمن والمقبوض بعقد فاسد صح الرهن
وزال الضمان كما لو كان غير مضمون عليه
كالوديعة ونحوها.
وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله لزوم الرهن
بمجرد العقد ولا يحتاج إلى أمر زائد على ذلك
وقدمه في المغنى والشرح.
قلت: وهذا المذهب وهي شبيهة الهبة.
قال في الفروع فإن رهنه ما في يده ولو غصبا
فكهبته إياه.
وقال القاضي وأصحابه لا يصير رهنا حتى تمضي
مدة يتأتى قبضه فيها وأطلقهما في الرعاية فعلى
الثاني إن كان منقولا فبمضي مدة يمكن نقله
فيها وإن كان مكيلا أو موزونا فبمضي مدة يمكن
اكتياله واتزانه فيها وإن كان غير منقول فبمضي
مدة التخلية وإن كان غائبا لم يصر مقبوضا حتى
يوافيه به هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه
فيها فهو كتلف الرهن قبل قبضه.
ثم هل يفتقر إلى إذن الراهن في قبضه فيه وجهان
وأطلقهما في المغنى والشرح والرعاية.
قال في الفروع فإن رهنه ما في يده ولو غصبا
فكهبته إياه ويزول ضمانه.
(5/116)
وظاهره أنه
يلزم بمجرد العقد على المذهب ولا يصح القبض
إلا بإذنه على المذهب كما في الهبة على ما
يأتي في باب الهبة.
قوله: "وتصرف الراهن في الرهن لا يصح إلا
بالعتق فإنه ينفذ وتؤخذ منه قيمته رهنا
مكانه".
إذا تصرف الراهن في الرهن فلا يخلو إما أن
يكون بالعتق أو بغيره فإن كان بالعتق فالصحيح
من المذهب أنه ينفذ وسواء كان موسرا أو معسرا
وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في المعسر.
قال الزركشي وهو المشهور والمختار من الروايات
للأكثرين.
ويحتمل أن لا ينفذ عتق المعسر ذكره في المحرر
تخريجا وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله
وقدمه في بعض نسخ المقنع كذلك اختارها أبو
محمد الجوزي.
قلت وهو قوى في النظر.
وهي طريقة بعض الأصحاب إن كان المعتق معسرا
استسعى العبد بقدر قيمته تجعل رهنا وقيل لا
يصح عتق الموسر أيضا وذكره في المبهج وغيره
رواية واختاره صاحب المبهج.
وقال في الفائق وعنه لا ينفذ عتق الموسر بغيره
واختاره شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين رحمه
الله.
فعلى المذهب في الموسر يؤخذ منه قيمته رهنا
على الصحيح من المذهب.
وخيره أبو بكر في التنبيه بين الرجوع بقيمته
وبين أخذ عبد مثله.
وعلى المذهب في الموسر يؤخذ منه قيمته رهنا
على الصحيح من المذهب ة على المذهب في المعسر
متى أيسر بقيمته قبل حلول الدين أخذت وجعلت
رهنا وأما بعد الحلول فلا فائدة في أخذها رهنا
بل يؤمر بالوفاء.
فائدتان
إحداهما حيث قلنا يأخذ القيمة فإنها تكون وقت
العتق.
وحيث قلنا لا ينفذ عتقه فقال الزركشي ظاهر
كلام الأصحاب أنه لا ينفذ بعد زوال الرهن وفي
الرعاية احتمال بالنفوذ.
الثانية يحرم على الراهن عتقه على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يحرم ويأتي إذا
أقر بعتقه أو بيعه أو غيرهما في كلام المصنف
قريبا.
(5/117)
وإن كان تصرف
الراهن بغير العتق لم يصح تصرفه مطلقا على
الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف هنا وهو أصح وجزم به كثير منهم.
وقيل يصح وقفه.
وقال القاضي وجماعة يصح تزويج الأمة ويمنع
الزوج من وطئها ومهرها رهن معها وقاله أبو بكر
وذكره عن الإمام أحمد واختاره ابن عبدوس في
تذكرته وأطلقهما في التلخيص والحاويين
والفائق.
وفي طريقة بعض الأصحاب يصح بيع الراهن للرهن
ويلزمه ويقف لزومه في حق المرتهن كبيع الخيار.
وتقدم في كتاب الزكاة حكم إخراجها من المرهون.
قوله: "وإن وطى ء الجارية فأولدها خرجت من
الرهن".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال الزركشي وعامة الأصحاب يجزمون بذلك بخلاف
العتق لأن الفعل أولى من القول بدليل نفوذ
إيلاد المجنون دون عتقه.
وظاهر كلامه في التلخيص إجراء الخلاف فيه فإنه
قال والاستيلاد مرتب على العتق وأولى بالنفوذ
لأنه فعل انتهى.
فائدة للراهن الوطء بشرط ذكره في عيون المسائل
والمنتخب نقله في الفروع في الكتابة
قوله: "وأخذت منه قيمتها فجعلت رهنا".
وهذا بلا نزاع وأكثر الأصحاب قالوا كما قال
المصنف.
وقال بعضهم يتأخر الضمان حتى تضع فتلزمه
قيمتها يوم أحبلها قاله في القاعدة الرابعة
والثمانين.
فائدة له غرس الأرض إذا كان الدين مؤجلا في
أصح الاحتمالين وأطلقهما في الفروع.
ولا يمنع من سقى شجر وتلقيح وإنزاء فحل على
إناث مرهونة على الصحيح من المذهب قطع به في
المذهب وقدمه في التبصرة والفروع.
وقيل يمنع.
ولا يمنع من مداواة وفصد ونحوه بل من قطع سلعة
فيها خطر.
ويمنع من ختانة إلا مع دين مؤجل يبرأ قبل حله.
(5/118)
وللمرتهن
مداواة ما فيه للمصلحة قاله المصنف وغيره.
قوله: "وإن أذن المرتهن له في بيع الرهن أو
هبته ونحو ذلك ففعل صح وبطل الرهن".
بلا نزاع في الجملة إلا أن يأذن له في بيعه
بشرط أن يجعل ثمنه رهنا فهذا الشرط صحيح ويصير
رهنا على الصحيح من المذهب جزم به في المغنى
والشرح والمحرر والرعايتين والحاويين والوجيز
وغيرهم.
قال في الفروع صح وصار ثمنه رهنا في الأصح
وذكر الشيخ صحة الشرط وذكره في الترغيب وأن
الثواب في الهبة كذلك انتهى.
وقيل يبطل الرهن.
فوائد
الأولى يجوز للمرتهن الرجوع في كل تصرف أذن
فيه بلا نزاع فلو ادعى أنه رجع قبل البيع فهل
يقبل قوله: "على وجهين وأطلقهما في الفروع
والرعاية الكبرى.
أحدهما يقبل قوله واختاره القاضي واقتصر عليه
في المغنى.
والثاني لا يقبل قوله.
قلت وهو الصواب.
الثانية لو ثبت رجوعه وتصرف الراهن جاهلا
رجوعه فهل يصح تصرفه على وجهين وأطلقهما في
المحرر والنظم والفروع والرعايتين والحاويين
والفائق والمغنى والشرح والكافي وقالا بناء
على تصرف الوكيل بعد عزله قبل علمه.
والصحيح من المذهب هناك أنه ينعزل كما يأتي
فكذا هنا.
ولا يصح تصرفه هنا على الصحيح من المذهب أيضا.
الثالثة لو باعه الراهن بإذن المرتهن بعد أن
حل الدين صح البيع وصار ثمنه رهنا بمعنى أنه
يأخذ الدين منه وهذا المذهب وجزم به في المغنى
والشرح والمحرر والرعايتين والحاويين والوجيز
وغيرهم.
قال في الفروع صح وصار رهنا في الأصح.
وقيل لا يبقى ثمنه رهنا لو كان الدين غير حال
ولم يشترط جعل ثمنه رهنا مكانه بل فيه الأمران
فهل يبقى ثمنه رهنا أو يبطل الرهن فيه وجهان
أطلقهما في المحرر والرعاية الكبرى والحاويين
والفائق والمذهب والبلغة.
أحدهما يبقى ثمنه رهنا اختاره القاضي وقدمه في
الرعاية الصغرى.
(5/119)
والثاني يبطل
الرهن اختاره أبو الخطاب وقدمه في الخلاصة
وصححه في تصحيح المحرر وهو ظاهر ما جزم به
المصنف هنا وجزم به الشارح.
قلت وهو المذهب.
قوله: "أو بشرط أن يجعل دينه من ثمنه".
إذا باعه بإذنه بشرط أن يعجل له دينه المؤجل
من ثمنه صح البيع على الصحيح من المذهب وعليه
أكثر الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل وجزم به
في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي والتلخيص والبلغة والمغنى والشرح وشرح
ابن منجا.
وقيل لا يصح البيع والرهن بحاله قدمه في
المحرر والرعايتين والحاويين والفائق واختاره
ابن عبدوس في تذكرته وعزاه المجد في شرحه إلى
القاضي في رؤوس المسائل قال ونصره قال وهو أصح
عندي.
قال شارح المحرر ولم أجد أحدا من الأصحاب وافق
المصنف على ما حكاه هنا.
قال في الفروع وكل شرط لم يقتضه العقد فهو
فاسد وفي العقد روايتا البيع انتهى.
وأما شرط التعجيل فيلغو قولا واحدا قاله في
المحرر وغيره.
وقال في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم يصح
الشرط وجزم به الشارح.
فعلى المذهب هل يكون الثمن رهنا فيه وجهان
واطلقهما في التلخيص والمحرر والرعايتين
والحاويين والفائق والنظم.
أحدهما يكون رهنا.
قلت وهو أولى ثم وجدته صححه في تصحيح المحرر
وقال قال المصنف في شرحه يعنى به المجد يصح
البيع ويلغو شرط التعجيل لكنه يفيد بقاء كونه
رهنا وعلى هذا يحمل كلام أبي الخطاب انتهى.
والثاني لا يكون رهنا.
قال شارح المحرر الوجهان هنا كالوجهين في
المسألة السابقة انتهى.
فيكون الصحيح لا يكون رهنا.
قوله: "ونماء الرهن وكسبه من الرهن".
وهذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وحزم به
كثير منهم.
وفي الصوف واللبن وورق الشجر المقصود وجه في
المحرر والفصول أنه ليس من الرهن.
قال في القواعد وهو جيد.
(5/120)
وقال في الفائق
والمختار عدم تبعية كسب الرهن ونمائه وأرش
الجناية عليه انتهى.
وكون الكسب من الرهن من مفردات المذهب.
قوله: "وأرش الجناية عليه من الرهن".
سواء كانت الجناية عليه عمدا أو خطأ لكن إن
كانت عمدا فهل لسيده القصاص أم لا؟ وإذا قبض
فهل عليه القيمة أم لا يلزمه شيء يأتي ذلك كله
في كلام المصنف في آخر الباب.
فوائد
أحدها قوله: "ومؤنته على الراهن وكفنه إن مات
وأجرة مخزنه إن كان مخزونا".
بلا نزاع لكن إن تعذر الأخذ من الراهن بيع
بقدر الحاجة فإن خيف استغراقه بيع كله
الثانية قوله: "وهو أمانة في يد المرتهن".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولو قيل العقد نقله
ابن منصور كبعد الوفاء.
ونقل أبو طالب إذا ضاع الرهن عند المرتهن
لزمه.
وظاهره لزوم الضمان مطلقا.
وتأوله القاضي على التعدي وهو الصواب.
وأبى ذلك ابن عقيل جريا على الظاهر قاله
الزركشي وغيره.
وإن تعدى فيه فحكمه حكم الوديعة على ما يأتي
لكن في بقاء الرهنية وجهان لأنها لا تجمع
أمانة واستيثاقا وأطلقهما في الفروع.
قلت ظاهر كلام المصنف والشارح وكثير من
الأصحاب بقاء الرهنية وهو الصواب ثم وجدته قال
في القواعد لو تعدى المرتهن فيه زال ائتمانه
وبقي مضمونا عليه ولم تبطل توثقته.
وحكى ابن عقيل في نظرياته احتمالا يبطلان
الرهن وفيه بعد لأنه عقد لازم وحق المرتهن على
الراهن انتهى.
الثالثة قوله: "وإن تلف بغير تعدي منه فلا شيء
عليه".
بلا نزاع وكذا لو تلف عند العدل ويقبل قوله.
وإن ادعى تلفه بحادث ظاهر وشهدت بينة بالحادث
قبل قوله فيه أيضا.
(5/121)
الرابعة قوله:
"ولا يسقط بهلاكه شيء من الدين".
بلا نزاع نص عليه كدفع عبد يبيعه ويأخذ حقه من
ثمنه فيتلف وكحبس عين موجودة بعد الفسخ على
الأجرة فتتلف فلا يسقط ما عليه بسبب ذلك بخلاف
حبس البائع المبيع المتميز على ثمنه فإنه يسقط
بتلفه على إحدى الروايتين لأنه عوض والرهن ليس
بعوض الدين.
قوله: "وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين".
بلا نزاع في الجملة.
لكن لو رهن شيئين بحق فتلف أحدهما فالأخر رهن
بجميع الحق على الصحيح من المذهب وقدمه في
الرعايتين والحاويين وغيرهم.
وقيل بل يقسطه.
قال في الرعاية الكبرى سواء اتحد الراهن
والمرتهن أو تعدد أحدهما.
قوله: "ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع
الدين".
بلا نزاع حتى لو قضى أحد الوارثين ما يخصه من
دين برهن.
قوله: "وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك
في نصيبه".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمغنى والشرح
وغيرهم.
وقيل لا ينفك.
قال أبو الخطاب فيمن رهن عبده عند رجلين فوفى
أحدهما يبقى جميعه رهنا عند الأخر قال المصنف
والشارح وكلامه محمول على أنه ليس للراهن
مقاسمة المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى أن
العين كلها تكون رهنا إذ لا يجوز أن يقال إنه
رهن نصف العبد عند رجل فصار جميعه رهنا انتهى.
والمسألة التي ذكرها وهي ما إذا رهن جزءا
مشاعا وكان في المقاسمة ضرر على المرتهن بمعنى
أنه ينقص قيمة الثاني فإنه يمنع الراهن من
قسمته ويقر جميعه بيد المرتهن البعض رهن
والبعض أمانة.
قوله: "وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما انفك
في نصيبه".
هذا المذهب أيضا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
(5/122)
وقيل لا ينفك
ونقله مهنا.
قال في القاعدة الثالثة عشر بعد المائة إذا
رهن اثنان عينين أو عينا لهما صفقة واحدة على
دين له عليهما مثل أن يرهناه دارا لهما على
ألف درهم له عليهما نص الإمام أحمد رحمه الله
في رواية مهنا على أن أحدهما إذا قضى ما عليه
ولم يقض الآخر أن الدار رهن على ما بقي.
وظاهر هذا أنه جعل نصيب كل واحد رهنا بجميع
الحق توزيعا للمفرد على الجملة لا على المفرد.
وبذلك جزم أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى
وأبو الخطاب وهو المذهب عند صاحب التلخيص.
قال القاضي هذا بناء على الرواية التي تقول إن
عقد الاثنين مع الواحد في حكم الصفقة الواحدة.
أما إذا قلنا بالمذهب الصحيح إنها في حكم
عقدين كان نصيب كل واحد مرهونا بنصف الدين
انتهى.
فائدة لو قضى بعض دينه أو أبرئ منه وببعضه رهن
أو كفيل كان عما نواه الدافع أو المشتري من
القسمين والقول قوله في النية بلا نزاع.
فإن أطلق ولم ينو شيئا صرفه إلى أيهما شاء على
الصحيح من المذهب.
قدمه في الفروع والمحرر والرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم.
وقطع به في المغنى والشرح.
وقيل يوزع بينهما بالحصص وهو احتمال في
المحرر.
قوله: "وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان
الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه
ووفى الدين".
بلا نزاع لكن لو باعه العدل اشترط إذن المرتهن
ولا يحتاج إلى تجديد إذن الراهن على الصحيح من
المذهب وقيل بلى.
فائدة يجوز إذن العدل أو المرتهن ببيع قيمة
الرهن كأصله بالإذن الأول على الصحيح من
المذهب اختاره القاضي واقتصر عليه في المغنى
والشرح وجزم به ابن رزين في شرحه وغيرهم.
وقيل لا يصح إلا بأذن متجدد وأطلقهما في
الفروع.
قوله: "وإلا رفع الأمر إلى الحاكم".
يعني إذا امتنع الراهن من وفاء الدين ولم يكن
أذن في بيعه أو كان أذن فيه ثم عزله.
(5/123)
وقلنا يصح عزله
وهو الصحيح على ما يأتي قريبا في كلام المصنف
فإن الأمر يرفع إلى الحاكم فيجبره على وفاء
دينه أو بيع الرهن وهو الصحيح من المذهب وعليه
أكثر الأصحاب.
ومن الأصحاب من قال الحاكم مخير إن شاء أجبره
على البيع وإن شاء باعه عليه وجزم به في
المغنى والشرح.
قوله: "فإن لم يفعل باعه الحاكم عليه وقضى
دينه".
قال الأصحاب فإن امتنع من الوفاء أو من الإذن
في البيع حبسه الحاكم أو عزره فإن أصر باعه
ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
قوله: "وإن شرط في الرهن جعله على يد عدل صح
وقام قبضه مقام قبض المرتهن".
بلا نزاع.
ظاهر كلامه أنه لا تصح استنابة المرتهن للراهن
في القبض وهو كذلك صرح به في التلخيص.
وعبده وأم ولده كهو لكن يصح استنابة مكاتبه
وعبده المأذون له في أصح الوجهين.
وفي الآخر لا يصح إلا أن يكون عليه دين وفي
الآخر لا يصح إلا أن يكون عليه دين.
قوله: "وإن أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد
البلد فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين فإن لم
يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح".
إذا أذنا للعدل أو أذن الراهن للمرتهن في
البيع فلا يخلو إما أن يعين نقدا أو يطلق فإن
عين نقدا لم يجز بيعه بما يخالفه.
وإن أطلق فلا يخلو إما أن يكون في البلد نقد
واحد أو أكثر فإن كان في البلد نقد واحد باع
به وإن كان فيه أكثر فلا يخلو إما أن تتساوى
أولا فإن لم تتساو باع بأغلب نقود البلد بلا
نزاع.
وظاهر كلام المصنف ها هنا أنه يبيع بجنس الدين
مع عدم التساوي.
قال ابن منجا في شرحه فيجب حمل كلامه على ما
إذا كانت النقود متساوية انتهى.
وإن تساوت النقود باع بجنس الدين على الصحيح
من المذهب وهو الذي قطع به المصنف هنا وجزم به
في المحرر والوجيز والفائق والهداية والمذهب
والخلاصة وتذكرة ابن عبدس والرعاية الصغرى
والحاوي وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل يبيع بما يرى أنه أحظ اختاره القاضي
واقتصر عليه في المغنى.
(5/124)
قلت وهو
الصواب.
وأطلقهما في الشرح والفروع.
فعلى المذهب إن لم يكن فيها جنس الدين باع بما
يرى أنه أصلح بلا نزاع.
فإن تساوت عنده في ذلك عين الحاكم له ما يبيعه
به.
فوائد
إحداها لو اختلف الراهن والمرتهن على العدل في
تعيين النقد لم يسمع قول واحد منهما ويرفع
الأمر إلى الحاكم فيأمره ببيعه بنقد البلد
سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول
أحدهما أولا.
قال المصنف والأولى أنه يبيعه بما يرى الحظ
فيه.
قلت وهو الصواب.
الثانية لا يبيع الوكيل هنا نساء قولا واحدا
عند الجمهور وذكر القاضي رواية يجوز بناء على
الموكل ورد.
الثالثة إذا باع العدل بدون المثل عالما بذلك
فقال المصنف في المغنى لا يصح بيعه لكنه علله
بمخالفته وهو منتقض بالوكيل ولهذا ألحقه
القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ببيع
الوكيل فصححاه وضمناه النقص ذكره في القاعدة
الخامسة والأربعين.
قال الشارح قال شيخنا لم يصح وقال أصحابنا يصح
ويضمن للنقص كله وهو المذهب على ما يأتي في
الوكالة.
قوله: "وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر
ولم يكن قضاه ببينة ضمن".
إذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن وأنكر
فلا يخلو إما أن يدفعه ببينة أو بحضرة الراهن
أولا فإن دفعه ببينة وسواء كانت حاضرة أو
غائبة حية أو ميتة قبل قوله عليهما.
وكذا لو كان بحضرة الراهن يقبل قوله على
الصحيح من المذهب.
وقيل لا ينبغي الضمان إذا دفعه إليه بحضرة
الراهن اعتمادا على أن الساكت لا ينسب إليه
قول عليهما في تسليمه وقدمه في الرعايتين
والفروع والفائق والخلاصة.
وقيل يصدق العدل مع يمينه على راهنه ولا يصدق
على المرتهن اختاره القاضي قاله في المغنى
والشرح واختاره أبو الخطاب في الهداية وقيل
يصدق عليهما في حق نفسه اختاره القاضي قاله في
الهداية وغيره واختاره الشريف أبو جعفر وأبو
الخطاب في رؤوس مسائلها قاله في المغنى.
قال في الشرح ذكره الشريف أبو جعفر وأطلقهما
في الهداية والمذهب والمستوعب.
(5/125)
والتلخيص
والحاويين وغيرهم.
وأطلق الأخر في المغنى والكافي والشرح.
فعلى المذهب يحلف المرتهن ويرجع على أيهما
شاء.
فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن
وإن رجع على الراهن رجع على العدل قاله في
الرعاية الكبرى.
قال في الفروع فيرجع على راهنه وعلى العدل.
وقال في الهداية والمستوعب والتلخيص وغيرهم
يرجع على الراهن والراهن يرجع على العدل
انتهوا.
وعلى الوجه الثاني إذا حلف المرتهن رجع على من
شاء منهما فإن رجع على العدل لم يرجع على
الراهن لأنه يقول ظلمني وأخذ مني بغير حق قاله
المصنف في المغني والشارح وإن رجع على الراهن
فعنه يرجع على العدل أيضا لأنه مفرط على
الصحيح قدمه في الكافي.
وعنه لا يرجع عليه لأنه امين في حقه سواء صدقه
أو كذبه إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يشهد
وأطلقهما في المغني والشرح.
وعلى الثالث يقبل قوله مع يمينه على المرتهن
في إسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في نفي
الضمان عن غيره فيرجع على الراهن وحده.
تنبيه قوله: "وكذلك الوكيل".
يأتي حكم الوكيل في كلام المصنف في باب
الوكالة فيما إذا وكله في قضاء دين فقضاه ولم
يشهد.
قوله: "فإن عزلهما صح عزله".
هذا المذهب نص عليه وعليه جمهور الأصحاب وقطع
به كثير منهم.
وقيل لا يصح وهو توجيه لصاحب الإرشاد سدا
لذريعة الحيلة لأن فيه تغريرا بالمرتهن فيعايي
بها على هذا القول.
قال في القاعدة الستين ويتخرج وجه ثالث بالفرق
بين أن يوجد حاكم يأمر بالبيع اولا من مسألة
الوصية انتهى.
قوله: "وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن
جاءه بحقه في محله وإلا فالرهن له لم يصح
الشرط بلا نزاع وفي صحة الرهن روايتان.
واعلم أن كل شرط وافق مقتضى العقد إذا وجد لم
يؤثر في العقد وإن لم يقتضه العقد.
(5/126)
كالمحرم
والمجهول والمعدوم وما لا يقدر على تسليمه
ونحوه أو نافي العقد كعدم بيعه عند الحلول أو
إن جاء بحقه في محله وإلا فالرهن له فالشرط
فاسد.
وفي صحة الرهن روايتان كالبيع إذا اقترن بشرط
فاسد وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة
والهادي والتلخيص والحاويين والفائق.
إحداهما لا يصح صححه في التصحيح وجزم به في
الوجيز وقدمه في المغنى والشرح فيما إذا شرط
ما ينافيه ونصراه.
والثانية يصح وهو المذهب نصره أبو الخطاب في
رؤوس المسائل فيما إذا شرط ما ينافيه وجزم به
ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الرعايتين.
قال في الفروع وكل شرط وافق مقتضاه لم يؤثر
وإن لم يقتضه أو نافاه نحو كون منافعه له وإن
جاءه بحقه في محله وإلا فهو له أو لا يقتضيه
فهو فاسد وفي العقد رواية البيع.
وقد تقدم في شروط البيع أنه لو شرط ما ينافي
مقتضاه أنه يصح على الصحيح من المذهب وقدمه في
الفروع.
فيكون هذا كله كذلك.
وقيل ما ينقص بفساده حق المرتهن يبطله وجها
واحدا وما لا ينقص به فيه الروايتان.
وقيل إن سقط دين الرهن فسد وإلا فالروايتان
إلا جعل الأمة في يد أجنبي عزب لأنه لا ضرر.
وفي الفصول احتمال يبطل فيه أيضا بخلاف البيع
لأنه القياس.
وقال في الفائق وقال شيخنا لا يفسد الثاني وإن
لم يأته صار له وفعله الإمام.
قلت فعليه غلق الرهن استحقاق المرتهن له بوضع
العقد لا بالشرط كما لو باعه منه انتهى قال في
الفروع بعد أن نقل كلامه في الفصول ثم إذا بطل
وكان في بيع ففي بطلانه لأخذه حظا من الثمن أم
لا لانفراده عنه كمهر في نكاح احتمالان انتهى.
قوله: "وإذا اختلفا في قدر الدين أو الرهن أو
رده أو قال أقبضتك عصيرا قال بل خمرا فالقول
قول الراهن".
أما إذا اختلفا في قدر الدين الذي وقع الرهن
به نحو أن يقول رهنتك عبدي بألف فيقول المرتهن
بل بألفين فالقول قول الراهن على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله القول قول
المرتهن ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن
(5/127)
وهو قول مالك
والحسن وقتادة.
فعلى المذهب يقبل قول الراهن في قدر ما رهنه
سواء اتفقا على أنه رهن بجميع الدين أو
اختلفا.
فلو اتفقا على قدر الدين فقال الراهن رهنتك
ببعضه فقال المرتهن بل بكله فالقول قول
الراهن.
ولو اتفقا على أنه رهن بأحد الألفين فقال
الراهن بل بالمؤجل منهما وقال المرتهن بل
بالحال فالقول قول الراهن أيضا.
وأما إذا اختلفا في قدر الرهن نحو قوله:
"رهنتك هذا فقال المرتهن وهذا أيضا فالقول قول
الراهن على الصحيح من المذهب وعليه جماهير
الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
الفروع وغيره.
وعنه يتحالفان في المشروط.
وذكر أبو محمد الجوزي يقبل قول المدعي منهما.
فائدة لو قال رهنتك على هذا قال بل هذا قبل
قول الراهن.
وأما إذا اختلفا في رد الرهن فالقول قول
الراهن على الصحيح من المذهب وعليه جماهير
الأصحاب.
قال في القواعد هذا المشهور وجزم به في الوجيز
وغيره وقدمه في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
وقال أبو الخطاب وأبو الحسين يخرج فيه وجه آخر
بقبول قول المرتهن بناء على المضارب والوكيل
بجعل فإن فيهما وجهين.
وخرج هذا الوجه المصنف أيضا في هذا الكتاب في
باب الوكالة بعد قوله: "وإن اختلفا في رده إلى
الموكل" حيث قال: "وكذلك يخرج في الأجير
والمرتهن" وأطلقهما في أصل المسألة في
الرعايتين والحاويين والفائق.
فوائد
الأولى لو ادعى المرتهن أنه قبضه منه قبل قوله
إن كان بيده فلو قال رهنته فقال الراهن بل
غصبته أو هو وديعة عندك أو عارية فهل القول
قول المرتهن أو الراهن فيه وجهان وأطلقهما في
الفروع والرعاية الكبرى وأطلقهما في الفائق في
الغصب.
أحدهما القول قول الراهن جزم به في الحاويين
وجزم به في الرعاية الصغرى في الوديعة
والعارية وقدمه في الغصب وقدمه في الفائق في
الوديعة والعارية وجزم به في المغنى والشرح في
العارية والغصب.
(5/128)
وقيل القول قول
المرتهن.
قال في التلخيص الأقوى قول المرتهن في أنه رهن
وليس بغصب.
الثانية لو قال أرسلت وكيلك فرهن عندي هذا على
ألفين قبضتهما مني فقال ما أذنت له إلا في
رهنه بألف فإن صدق الرسول الراهن حلف ما رهنه
إلا بألف ولا قبض غيره ولا يمين على الراهن
وإن صدق المرتهن حلف الراهن وعلى الرسول ألف
ويبقى الرهن بألف
الثالثة لو قال رهنتك عبدي الذي بيدي بألف
فقال بل بعتني هو بها أو قال بعتك هو بها فقال
بل رهنني هو بها حلف كل منهما على نفي ما ادعى
عليه ويسقط ويأخذ الراهن رهنه وتبقى الألف بلا
رهن.
الرابعة لو قال رهنته عندك بألف قبضتها منك
وقال من هو بيده بل بعتني هو بها صدق ربه مع
عدم بينة يقول خصمه فلا رهن وتبقى الألف بلا
رهن.
الخامسة من طلب منه الرد وقبل قوله فهل له
تأخيره ليشهد فيه وجهان إن حلف وإلا فلا وفي
الحلف احتمال وأطلقهما في الفروع.
قال في الرعاية الكبرى في الوكالة وكل أمين
يقبل قوله في الرد وطلب منه فهل له تأخيره حتى
يشهد عليه فيه وجهان إن قلنا يحلف وإلا لم
يؤخره لذلك وفيه احتمال انتهى.
وأطلق الوجهين في الرعاية الصغرى والحاويين.
وقطع المصنف والشارح ليس له التأخير ذكراه في
آخر الوكالة.
وكذا مستعير ونحوه لا حجة عليه وقدم في
الرعاية الكبرى أنه لا يؤخره.
ثم قال قلت بلى.
وقطع بالأول في الرعاية الصغرى والحاويين
والمصنف والشارح.
وإن كان عليه حجة أخرى كدين بحجة ذكره الأصحاب
ولا يلزم دفع الوثيقة بل الإشهاد بأخذه.
قال في الترغيب ولا يجوز للحاكم إلزامه لأنه
ربما خرج ما قبضه مستحقا فيحتاج إلى حجة بحقه.
وكذا الحكم في تسليم بائع كتاب ابتياعه إلى
مشتر.
وذكر الأزجي لا يلزمه دفعه حتى يزيل الوثيقة
ولا يلزم رب الحق الاحتياط بالاشهاد.
وعنه في الوديعة يدفعها ببينة إذا قبضها
ببينه.
قال القاضي ليس هذا للوجوب كالرهن والضمين
والإشهاد في البيع.
قال ابن عقيل حمله على ظاهره للوجوب أشبه.
وأكثر الأصحاب ذكروا هذه المسألة في أواخر
الوكالة.
(5/129)
وأما إذا قال
الراهن أقبضتك عصيرا قال المرتهن بل خمرا
ومراده إذا شرط الرهن في البيع صرح به الأصحاب
منهم المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
فالصحيح من المذهب أن القول قول الراهن وعليه
جماهير الأصحاب ونص عليه.
وعنه القول قول المرتهن وجعلها القاضي كالحلف
في حدوث العيب.
قوله: "وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل
رهنه عتق وأخذت منه قيمته رهنا".
اعلم أن حكم إقرار الراهن بعتق العبد المرهون
إذا كذبه المرتهن حكم مباشرته لعتقه حالة
الرهن خلافا ومذهبا كما تقدم فليراجع هذا
الصحيح من المذهب.
وقيل إن أقر بالعتق بطل الرهن مجانا ويحلف على
البت.
وقال ابن رزين في نهايته وتبعه ناظمها وإن أقر
الراهن بعتقه قبل رهنه قبل على نفسه لا
المرتهن.
وقيل يقبل من الموسر عليه.
قوله: "وإن أقر أنه كان جنى".
قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن إلا أن
يصدقه.
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل يقبل إقرار الراهن على المرتهن أيضا لأنه
غير متهم ويحلف له.
فعلى المذهب يلزم المرتهن اليمين أنه ما يعلم
ذلك فإن نكل قضى عليه.
قوله: "أو أقر أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه
ولم يقبل على المرتهن إلا أن يصدقه".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير
منهم.
وقيل حكمه حكم الإقرار بالعتق على ما تقدم.
فيأتي هنا وجه أن الرهن يبطل مجانا.
وقال ابن رزين في نهايته وناظمها هنا كما قال
في الإقرار بالعتق وجعلا الحكم واحدا.
فائدة لو أقر الراهن بالوطء بعد لزوم الرهن
قبل في حقه ولم يقبل في حق المرتهن.
على الصحيح من المذهب ويحتمل أن يقبل في حق
المرتهن أيضا.
قوله: "وإذا كان الرهن مركوبا أو محلوبا
فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحريا
للعدل في ذلك".
(5/130)
وهذا المذهب
بلا ريب وعليه الأصحاب ونص عليه في رواية محمد
بن الحكم وأحمد بن القاسم وجزم به في الوجيز
والمحرر والخرقي والعمدة والمنور وغيرهم وقدمه
في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
قال الناظم وهو أولى.
قال الزركشي هذه المشهورة والمعمول بها في
المذهب وهو من مفردات المذهب وعنه لا يجوز.
نقل ابن منصور فيمن ارتهن دابة فعلفها بغير
إذن صاحبها فالعلف على المرتهن من أمره أن
يعلف.
وهذه الرواية ظاهر ما أورده ابن أبي موسى.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين حضور
الراهن وغيبته وامتناعه وعدمه وهو صحيح وهو
المذهب وجزم به في المغنى والشرح وشرح ابن
رزين وغيرهم وهو ظاهر كلام الخرقي وابي الخطاب
والمجد وغيرهم.
وذكر جماعة يجوز ذلك مع غيبة الراهن فقط منهم
القاضي في الجامع الصغير وأبو الخطاب في خلافه
وصاحب التلخيص والحاويين.
زاد في الرعايتين أو منعها.
وشرط أبو بكر في التنبيه امتناع الراهن من
النفقة.
وحمل ابن هبيرة في الإفصاح كلام الخرقي على
ذلك.
وقال ابن عقيل في التذكرة إذا لم يترك راهنه
نفقته فعل ذلك.
تنبيهان
أحدهما قد يقال دخل في قوله: "أو محلوبا الأمة
المرضعة وهو أحد الوجهين جزم به الزركشي وصححه
في الرعاية الكبرى وأشار إليه أبو بكر في
التنبيه.
وقيل لا تدخل وهما روايتان مطلقتان في الرعاية
الصغرى.
الثاني ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا يجوز
للمرتهن أن يتصرف في غير المركوب والمحلوب وهو
صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو من
المفردات.
قال المصنف والشارح ليس للمرتهن أن ينفق على
العبد والأمة ويستخدمهما بقدر النفقة على ظاهر
المذهب ذكره الخرقي ونص عليه في رواية الأثرم.
قال الزركشي هذا أشهر الروايتين.
ونقل حنبل له أن يستخدم العبد وجزم به ابن
عبدوس في تذكرته وقدمه في الفائق وصححه في
الرعاية الكبرى.
(5/131)
لكن قال أبو
بكر خالف حنبل الجماعة وأطلقهما في المحرر
وشرحه والرعاية الصغرى والحاويين.
فائدتان
إحداهما إن فضل من اللبن فضلة باعة إن كان
مأذونا له فيه وإلا باعه الحاكم وإن فضل من
النفقة شيء رجع به على الراهن قاله ابو بكر
وابن أبي موسى وغيرهما.
وظاهر كلامهم الرجوع هنا وإنما لم يرجع إذا
أنفق على الرهن في غير هذه الصورة قاله
الزركشي.
وقال لكن ينبغي أنه إذا أنفق متطوعا لا يرجع
بلا ريب وهو كما قال.
الثانية يجوز له فعل ذلك كله بإذن المالك إن
كان عنده بغير رهن نص عليهما.
وقال في المنتخب أو جهلت المنفعة.
وكره الإمام أحمد رحمه الله أكل الثمرة بإذنه
ونقل حنبل لا يسكنه إلا بإذنه وله أجرة مثله
قوله: "وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع
إمكانه فهو متبرع".
إذا أنفق المرتهن على الرهن بغير إذن الراهن
مع إمكانه فلا يخلو إما أن ينوي الرجوع أو لا
فإن لم ينو الرجوع فهو متبرع بلا نزاع أعلمه.
وإن نوى الرجوع فهو متبرع على الصحيح من
المذهب.
وهو ظاهر ما جزم به المصنف هنا وهو ظاهر ما
جزم في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص
والمحرر والرعايتين والفائق والوجيز وغيرهم
وقدمه في الفروع.
وحكى جماعة رواية أنه كإذنه أو إذن حاكم.
قال المصنف يخرج على روايتين بناء على ما إذا
قضى دينه بغير إذنه.
قال الشارح وهذا أقيس إذ لا يعتبر في قضاء
الدين العجز عن استئذان الغريم ويأتي كلامه في
القواعد بعد هذا.
قوله: "وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم
فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى
والتلخيص والشرح وشرح ابن منجا والنظم
والفروع.
إحداهما يشترط إذنه فإن لم يستأذنه فهو متبرع
قال شارح المحرر إذن الحاكم كإذن الراهن عند
تعذره وصححه في التصحيح وجزم به
(5/132)
ابن عبدوس في
تذكرته وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق.
وظاهر ما جزم به في الفروع أنه يشترط إذن
الحاكم مع القدرة عليه.
والرواية الثانية لا يشترط إذنه ويرجع على
الراهن بما أنفق وهو ظاهر ما جزم به في المحرر
وجزم به الوجيز.
قال في القواعد إذا أنفق على عبد أو حيوان
مرهون ففيه طريقتان.
أشهرهما أن فيه الروايتين اللتين فيمن أدى حقا
واجبا عن غيره.
كذلك قال القاضي في المجرد والروايتين وأبو
الخطاب وابن عقيل والأكثرون والمذهب عند
الأصحاب الرجوع ونص عليه في رواية أبي الحارث.
والطريق الثاني أنه يرجع رواية واحدة انتهى
فكلامه عام.
فائدة لو تعذر استئذان الحاكم رجع بالأقل مما
أنفق أو بنفقة مثله إن أشهد وإن لم يشهد فهل
له الرجوع إذا نواه على روايتين وأطلقهما في
الفروع.
قلت المذهب أنه متى نوى الرجوع مع التعذر فله
ذلك وعليه أكثر الأصحاب ورجحه المصنف في
المغنى وغيره وفي القواعد هنا كلام حسن.
قوله: "وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة
الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكترى".
قال في الوجيز والفروع وغيرهما وكذا حكم كل
حيوان مؤجر ومودع وكذا قال في المحرر والفائق
وزاد وإذا أنفق على الآبق حالة رده.
ويأتي ذلك في الجعالة.
وقال في الهداية وغيرها وكذلك الحكم إذا مات
العبد المرهون فكفنه.
أما إذا أنفق على الحيوان المودع فقال في
القاعدة الخامسة والسبعين إذا أنفق عليه ناويا
للرجوع فإن تعذر استئذان مالكه رجع وإن لم
يتعذر فطريقان.
أحدهما أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى
والمذهب في قضاء الدين الرجوع كما يأتي في باب
الضمان قال وهذه طريقة المصنف في المغنى.
والطريق الثاني لا يرجع قولا واحدا وهذه طريقة
صاحب المحرر متابعا لأبي الخطاب انتهى.
قلت وهذه الطريقة هي المذهب وهي طريقة صاحب
التلخيص والفروع والوجيز والفائق وغيرهم وهو
ظاهر كلام المصنف هنا.
ويأتي الكلام في هذا في الوديعة بأتم من هذا
(5/133)
وأما إذا أنفق
على الجمال إذا هرب الجمال فقال في القاعدة
المتقدمة إذا أنفق على الجمال بغير إذن الحاكم
ففي الرجوع روايتان.
قال ومقتضى طريقة القاضي أنه يرجع رواية واحدة
ثم إن الأكثرين اعتبروا هنا استئذان الحاكم
بخلاف ما ذكروه في الرهن واعتبروه في المودع
واللقطة.
وفي المغنى إشارة إلى التسوية بين الكل في عدم
الاعتبار وأن الإنفاق بدون إذنه يخرج على
الخلاف في قضاء الدين.
وكذلك اعتبروا الاشهاد على نية الرجوع.
وفي المغنى وغيره وجه آخر أنه لا يعتبر وهو
الصحيح انتهى.
قوله: "وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير
إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة".
وكذلك قال القاضي في المجرد وصاحب المحرر
وغيرهم وهذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب
وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم
وقدمه في الفروع والقواعد الفقهية فعلى هذا لا
يرجع إلا بأعيان آلته.
وجزم القاضي في الخلاف الكبير أنه يرجع بجميع
ما عمر في الدار لأنه من مصلحة الرهن وجزم به
في النوادر وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله
فيمن عمر وقفا بالمعروف ليأخذ عرضه فيأخذه من
مغله.
وقال ابن عقيل ويحتمل عندي انه يرجع بما يحفظ
أصل مالية الدار لحفظ وثيقته.
وقال ابن رجب في القاعدة المذكورة أعلاه ولو
قيل إن كانت الدار بعد ما خرب منها تحرز قيمة
الدين المرهون به لم يرجع وإن كان دون حقه أو
فوق حقه ويخشى من تداعيها للخراب شيئا فشيئا
حتى تنقص عن مقدار الحق فله أن يعمر ويرجع
لكان متجها انتهى قلت وهو قوي.
قوله: "وإذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق
أرشه برقبته ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو
أرش جنايته أو بيعه في الجناية أو تسليمه إلى
ولي الجناية فيملكه".
يعني إذا كانت الجناية تستغرقه إذا اختار
السيد فداءه فله أن يفديه بأقل الأمرين من
قيمته أو أرش جنايته على الصحيح من المذهب.
قال الزركشي هذا المشهور من الروايتين.
(5/134)
قال الشارح هذا
أصح الروايتين وصححه في النظم وغيره وجزم به
في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب
والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم.
قال ابن منجا وغيره هذا المذهب.
وعنه إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش وهما
وجهان مطلقان في الكافي.
تنبيه خير المصنف السيد بين الفداء والبيع
والتسليم وهو المذهب هنا وجزم به في الهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة
والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع والوجيز
وتذكرة ابن عبدوس والمنور والمغنى وتجريد
العناية وإدراك الغاية وغيرهم.
وقال في المغنى والشرح يخير السيد بين فدائه
وبين تسليمه للبيع فاقتصر عليهما.
وأما الزركشي فقال الخيرة بين الثلاثة إحدى
الروايات والرواية الثانية يخير بين فدائه
وبيعه والرواية الثالثة يخير بين فدائه أو
دفعه بالجناية.
وهذه الروايات ذكرهن في المحرر والفروع
وغيرهما في مقادير الديات.
ويأتي ذلك في باب مقادير ديات النفس في كلام
المصنف.
ويأتي هناك إذا جنى العبد عمدا وأحكامه.
ولم نر من ذكرهن هنا إلا الزركشي وهو قياس ما
في مقادير الديات بل هذه المسألة هنا فرد من
أفراده هناك لكن اقتصارهم هنا على الخيرة بين
الثلاثة وهنا بين شيئين على الصحيح على ما
يأتي يدل على الفرق ولا نعلمه.
لكن ذكر في الرعاية الصغرى والحاويين وتذكرة
ابن عبدوس بعد أن قطعوا بما تقدم أن غير
المرهون كالمرهون وهو أظهر إذ لا فرق بينهما
والله أعلم.
قال الزركشي هذا إحدى الروايات في الرعايتين
والحاويين وجزم به ابن منجا في شرحه وهو ظاهر
ما جزم به الشارح.
والثانية يخير بين البيع والفداء وقدمه في
الرعايتين والحاويين.
والثالثة يخير بين التسليم والفداء وأطلقهن
الزركشي.
ويأتي ذلك في باب مقادير ديات النفس في كلام
المصنف ويأتي هناك إذا جنى العبد عمدا
وأحكامه.
(5/135)
قوله: "فإن لم
يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه
رهن".
هذا المذهب قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب
وجزم به في الوجيز والكافي وقدمه في المغنى
والشرح والرعايتين والحاويين والخلاصة.
وقيل يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهنا وهو
احتمال في الحاويين وجزم به في المنوز وقدمه
في المحرر وأطلقهما في الهداية والمذهب
والتلخيص والفروع والفائق والزركشي وقال ابن
عبدوس في تذكرته ويباع بقدر الجناية.
فإن نقصت قيمته بالتشقيص بيع كله.
قلت وهو الصواب.
تنبيه محل الخلاف عند المصنف والمجد والشارح
وغيرهم إذا لم يتعذر بيع بعضه أما إن تعذر بيع
بعضه فإنه يباع جميعه قولا واحدا.
فائدة قوله: "وإن اختار المرتهن فداءه ففداه
بإذن الراهن رجع به".
بلا نزاع ويأتي قريبا لو شرط المرتهن جعله
رهنا بالفداء مع الدين الأول هل يصح أم لا؟
قوله: "وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به على
روايتين".
وتحرير ذلك أن المرتهن إذا اختار فداءه ففداه
فلا يخلو إما أن يكون بإذن الراهن أولا فإن
فداه بإذن الراهن رجع بلا نزاع.
لكن هل يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته
أو يفديه بجميع الأرش فيه الروايتان
المتقدمتان.
وإن فداه بغير إذنه فلا يخلو إما أن ينوي
الرجوع أولا فإن لم ينو الرجوع لم يرجع وإن
نوى الرجوع فهل يرجع به على روايتين ويحمل
كلام المصنف على ذلك وأطلقهما في الهداية
والمذهب والخلاصة والمغنى والشرح والفائق
والرعايتين والحاويين والفروع والزركشي.
قال أبو الخطاب والمصنف والشارح وصاحب التلخيص
والحاويين والزركشي وغيرهم بناء على من قضى
دين غيره بغير إذنه.
ويأتي في باب الضمان أنه يرجع على الصحيح من
المذهب فكذا هنا عند هؤلاء.
إحداهما لا يرجع جزم به في المحرر وتذكرة ابن
عبدوس والوجيز وصححه في التصحيح والنظم.
قلت وهو أصح لأن الفداء ليس بواجب على الراهن.
(5/136)
قال في القواعد
قال أكثر الأصحاب القاضي وابن عقيل وأبي
الخطاب إن لم يتعذر استئذانه فلا رجوع.
وقال الزركشي وقيل لا يرجع هنا وإن رجع من أدى
حقا واجبا عن غيره اختاره أبو البركات.
والرواية الثانية يرجع قال الزركشي وبه قطع
القاضي والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما وهذا
المذهب عند من بناه على قضاء دين غيره بغير
إذنه.
فوائد
إحداها لو تعذر استئذانه فقال ابن رجب خرج على
الخلاف في نفقة الحيوان المرهون على ما تقدم.
وقال صاحب المحرر لا يرجع بشيء وأطلق لأن
المالك لم يجب عليه الافتداء هنا وكذلك لو
سلمه لم يلزمه قيمته ليكون رهنا.
وقد وافق الأصحاب على ذلك وإنما خالف فيه ابن
أبي موسى انتهى.
الثانية لو شرط المرتهن كونه رهنا بفدائه مع
دينه الأول لم يصح وقدمه في الكافي والرعاية
الكبرى.
وفيه وجه آخر يصح اختاره القاضي وقدمه
الزركشي.
قال في الفائق جاز في أصح الوجهين.
قلت فيعايى بها.
وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع والمصنف في
هذا الكتاب في مقادير الديات.
الثالثة لو سلمه لولي الجناية فرده وقال بعه
وأحضر الثمن لزم السيد ذلك على إحدى الروايات
قدمه في الرعايتين والحاويين والفائق.
وعنه لا يلزمه وقيل يبيعه الحاكم.
قلت وهو الصواب صححه في الخلاصة والتصحيح.
قال في الرعاية من عنده هذا إذا لم يفده
المرتهن.
وتأتي هذه المسألة في كلام المصنف في آخر باب
مقادير ديات النفس محررة مستوفاة.
قوله: "وإن جني عليه جناية موجبة للقصاص
فلسيده القصاص".
هذا المذهب مطلقا جزم به في الشرح والوجيز وهو
ظاهر ما جزم به في المحرر والكافي والفروع
وقدمه ابن منجا في شرحه ونهاية ابن رزين
ونظمهما.
(5/137)
قال في القاعدة
الرابعة والخمسين ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه
الله جواز القصاص.
وقيل ليس له القصاص بغير رضى المرتهن وحكاه
ابن رزين رواية وجزم به في الهداية والمذهب
والخلاصة واختاره القاضي وابن عقيل قاله في
القواعد وقدمه في الفائق والرعايتين.
وقال في الحاويين ولسيده القود في العمد برضى
المرتهن وإلا جعل قيمة أقلهما قيمة رهنا نص
عليه.
قال في التلخيص ولا يقتص إلا بإذن المرتهن أو
إعطائه قيمته رهنا مكانه.
قوله: "فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل
مكانه".
يعني يلزم الضمان وهذا المذهب نص عليه في
رواية ابن منصور وقدمه في المغني والشرح
والفائق والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز
وشرح ابن زين وغيرهم.
وقال الزركشي هذا المشهور عند الأصحاب
والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال في القواعد الفقهية اختاره القاضي
والأكثرون.
وقيل لا يلزمه شيء وهو تخريج في المغني
والشرح.
قال في المحرر وهو أصح عندي وقطع به ابن
الزاغوني في الوجيز وحكى عن القاضي قاله
الزركشي.
وحكاهما في الكافي وجهين وأطلقهما.
تنبيه قوله: "فعليه قيمة أقلهما قيمة".
هكذا قال المصنف هنا والشارح وصاحب الحاويين
والفائق وقدمه في الرعاية الصغرى.
قال في القواعد قاله القاضي والأكثرون.
وقيل يلزمه أرش الجناية وجزم به في المحرر
وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال في القواعد وهو المنصوص.
قال ابن منجا قال في المغني إن اقتص أخذت منه
قيمته فجعلت مكانه رهنا.
قال فظاهره أنه يجب على الراهن جميع قيمة
الجاني قال وهو متجه انتهى.
قلت الذي وجدناه في المغنى في الرهن عند قول
الخرقي وإذا جرح العبد المرهون أو قتل فالخصم
في ذلك السيد أنه قال فإذا اقتص أخذت منه قيمة
أقلهما قيمة فجعلت مكانه رهنا نص عليه هذا
لفظه.
فلعل ابن منجا رأى ما قال في غير هذا المكان.
(5/138)
تنبيهات
الأول معنى قوله: "فعليه قيمة أقلهما قيمة لو
كان العبد المرهون يساوي عشرة وقاتله يساوي
خمسة أو عكسه لم يلزم الراهن إلا خمسة لأنه في
الأولى لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر وفي
الثانية لم يكن حق المرتهن متعلقا إلا بذلك
القدر.
الثاني محل الوجوب إذا قلنا الواجب في القصاص
أحد شيئين فإذا عينه بالقصاص فقد فوت المال
الواجب على المرتهن.
وظاهر كلامه في الكافي أن الخلاف على قولنا
موجب العمد القود عينا فأما إن قلنا موجبه أحد
شيئين وجب الضمان.
قال في القواعد وهو بعيد.
وأما إذا قلنا الواجب القصاص عينا فإنه لا
يضمن قطعا.
وأطلق القاضي وابن عقيل والمصنف هنا الخلاف من
غير بناء.
قال في القواعد ويتعين بناؤه على القول بأن
الواجب أحد شيئين.
قال في التلخيص وإن عفا وقلنا الواجب أحد
أمرين أخذت منه القيمة وإن قلنا الواجب القصاص
فلا قيمة على أصح الوجهين.
قوله: "وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو
ورثته".
وكذا قال الأصحاب يعني حكمه حكم ما إذا كانت
الجناية على العبد المرهون من أجنبي واقتص
السيد من الخلاف والتفصيل على ما مر.
قال المصنف وابن رزين والشارح فإن كانت
الجناية على سيد العبد فلا يخلو إما أن تكون
موجبة للقود أو غير موجبة له كجناية الخطأ أو
إتلاف المال.
فإن كانت خطأ أو موجبة للمال فهدر.
وإن كانت موجبة للقود فلا يخلو إما أن يكون
على النفس أو على ما دونها فإن كانت على ما
دونها بأن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب
المال وكذلك إن عفا على غير مال وإن أراد أن
يقتص فله ذلك فإن اقتص فعليه قيمته تكون رهنا
مكانه أو قضاء عن الدين.
قال الشارح ويحتمل أن لا يجب عليه شيء.
وكذلك إن كانت الجناية على النفس فاقتص الورثة
فهل تجب عليهم القيمة يخرج على ما ذكرنا وليس
للورثة العفو على مال.
وذكر القاضي وجها لهم ذلك وأطلقهما في الفروع.
فإن عفا بعض الورثة سقط القصاص وهل يثبت لغير
العافي نصيبه من الدية على الوجهين انتهى
كلامهما.
(5/139)
قوله: "فإن عفا
السيد على مال أو كانت موجبة للمال فما قبض
منه جعل مكانه".
لا أعلم فيه خلافا.
فائدة لو عفا السيد على غير مال أو مطلقا
وقلنا الواجب القصاص عينا كان كما لو اقتص فيه
القولان السابقان قاله المصنف والشارح.
وصحح صاحب التلخيص أنه لا شيء على السيد هنا
مع أنه قطع هناك بالوجوب كما هو المنصوص.
قوله: "فإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم
يصح في حق المرتهن فإذا انفك الرهن رد إلى
الجاني".
يعني إذا عفا السيد عن المال الذي وجب على
الجاني بسبب الجناية صح في حق الراهن ولم يصح
في حق المرتهن بمعنى أنه يؤخذ من الجاني الأرش
فيدفع إلى المرتهن فإذا انفك الرهن رد ما أخذ
من الجاني إليه وهذا المذهب.
قال في الفروع هذا الأشهر واختاره القاضي وجزم
به في الوجيز والنظم وقدمه في الشرح وشرح ابن
منجا وابن رزين والرعاية الصغرى والفائق
والحاويين.
وقال أبو الخطاب يصح وعليه قيمته يعني على
الراهن قيمته تجعل رهنا مكانه جزم به في
الهداية والمذهب.
قال الزركشي وهو قول صاحب التلخيص انتهى.
وقال بعض الأصحاب لا يصح مطلقا واختاره المصنف
في المغني وقال هو أصح في النظر وقدمه في
الرعاية الكبرى واختاره في الفائق وأطلقهن
الزركشي.
تنبيه محل الخلاف إذا قلنا الواجب أحد شيئين.
فأما إن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء على
المرتهن كما تقدم.
فعلى المذهب إن استوفى المرتهن حقه من الراهن
رد ما أخذ من الجاني كما قال المصنف وإن
استوفاه من الأرش فقيل يرجع الجاني على العافي
وهو الراهن لأن ماله ذهب في قضاء دين العافي.
قلت وهو الصواب ثم رأيت ابن رزين قدمه في
شرحه.
وقيل لا يرجع عليه لأنه لم يوجد منه في حق
الجاني ما يقتضي وجوب الضمان وإنما استوفى
بسبب كان منه حال ملكه له فأشبه ما لو جنى
إنسان على عبده ثم رهنه لغيره فتلف
(5/140)
بالجناية
السابقة وهما احتمالان مطلقان في المغنى
والشرح والفائق والفروع والزركشي.
فائدة لو أتلف الرهن متلف وأخذت قيمته.
قال في القاعدة الحادية والأربعين ظاهر كلامهم
أنها تكون رهنا بمجرد الأخذ.
وفرع القاضي على ذلك أن الوكيل في بيع المتلف
يملك بيع البدل المأخوذ بغير إذن جديد وخالفه
صاحب الكافي والتلخيص.
وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار في مسألة
إبدال الأضحية أنه لا يصير رهنا إلا بجعل
الراهن.
قوله: "وإن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة
فعليه الحد".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا حد.
قوله: "وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة
وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه" بلا نزاع
"ولا مهر عليه".
على الصحيح من المذهب مطلقا وعليه الأكثر.
وقيل يجب المهر للمكرهة.
قوله: "وولده حر لا يلزمه قيمته".
يعني إذا وطئها بإذن الراهن وهو يجهل وهذا
الصحيح من المذهب.
قال أبو المعالي في النهاية هذا الصحيح
واختاره القاضي في الخلاف وهو ظاهر كلامه في
الكافي وجزم به في الهداية والفصول والمذهب
والمستوعب والخلاصة والتلخيص والوجيز وغيرهم
وقدمه في الشرح وشرح ابن منجا.
وقال ابن عقيل لا تسقط قيمة الولد لأنه حال
بين الولد ومالكه باعتقاده فلزمته قيمته
كالمغرور وقدمه في المغنى وصححه في الرعاية
وأطلقهما في المحرر والفروع والرعاية الصغرى
والحاويين والفائق.
فائدتان
إحداهما لو وطئها من غير إذن الراهن وهو يجهل
التحريم فلا حد وولده حر وعليه الفداء والمهر.
الثانية لو كان عنده رهون لا يعلم أربابها جاز
له بيعها إن أيس من معرفتهم ويجوز له الصدقة
بها بشرط ضمانها نص عليه.
(5/141)
وفي إذن الحاكم
في بيعه مع القدرة عليه وأخذ حقه من ثمنه مع
عدمه روايتان كشراء وكيل وأطلقهما في الفروع
وهو ظاهر الشرح والمغنى.
قال في القاعدة السابعة والتسعين نص الإمام
أحمد رحمه الله على جواز الصدقة بها في رواية
أبي طالب وأبى الحارث.
وتأوله القاضي في المجرد وابن عقيل على أنه
تعذر إذن الحاكم وأنكر ذلك المجد وغيره وأقروا
النصوص على ظاهرها.
وقال في الفائق ولا يستوفي حقه من الثمن نص
عليه.
وعنه بلى ولو باعها الحاكم ووفاه جاز انتهى.
وقدم في الرعاية الكبرى ليس له بيعه بغير إذن
الحاكم.
ويأتي في آخر الغصب إذا بقيت في يده غصوب لا
يعرف أربابها في كلام المصنف.
ويأتي في باب الحجر أن المرتهن أحق بثمن الرهن
في حياة الراهن وموته مع الإفلاس على الصحيح
من المذهب.
(5/142)
باب الضمان
فائدة اختلفوا في اشتقاقه.
فقيل هو مشتق من الانضمام لأن ذمة الضامن تنضم
إلى ذمة المضمون عنه قدمه في المغنى والشرح
والفائق وشرح ابن منجا وجزم به في الهداية
والمذهب والمذهب الأحمد والمصنف هنا
والرعايتين.
قال في المستوعب قاله بعض أصحابنا.
قال ابن عقيل وليس هذا بالجيد.
قال الزركشي ورد بأن لام الكلمة في الضم ميم
وفي الضمان نون وشرط صحة الاشتقاق وجود حروف
الأصل في الفرع.
ويجاب بأنه من الاشتقاق الأكبر وهو المشاركة
في اكثر الأصول مع ملاحظة المعنى انتهى وقيل
مشتق من التضمن قاله القاضي وصوبه في المطلع
لأن ذمة الضامن تتضمن الحق.
قال في التلخيص ومعناه تضمين الدين في ذمة
الضامن.
وقيل هو مشتق من الضمن قال في الفائق وهو
أرجح.
قال ابن عقيل والذي يتلوح لي أنه مأخوذ من
الضمن فتصير ذمة الضامن في ضمن ذمة
(5/142)
المضمون عنه
فهو زيادة وثيقة انتهى.
هذا الخلاف في الاشتقاق وأما المعنى فواحد.
قوله: "وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه
في التزام الحق".
وكذا قال في الهداية والمذهب الأحمد والكافي
والهادي وقدمه في الرعايتين والحاويين.
وقال في الوجيز هو التزام الرشيد مضمونا في يد
غيره أو ذمته حالا أو مآلا.
وقال في الفروع هو التزام من يصح تبرعه أو
مفلس ما وجب على غيره مع بقائه وقد لا يبقى.
وقال في المحرر هو التزام الإنسان في ذمته دين
المديون مع بقائه عليه.
وليس بمانع لدخول من لا يصح تبرعه ولا جامع
لخروج ما قد يجب والأعيان المضمونة ودين الميت
إن بريء بمجرد الضمان على رواية تأتي.
قال في الفائق وليس شاملا ما قد يجب.
وقال في التلخيص معناه تضمين للدين في ذمة
الضامن حتى يصير مطالبا به مع بقائه في ذمة
الأصيل.
فائدة يصح الضمان بلفظ ضمين وكفيل وقبيل وحميل
وصبير وزعيم أو يقول ضمنت دينك أو تحملته ونحو
ذلك.
فإن قال أنا أؤدي أو أحضر لم يكن من ألفاظ
الضمان ولم يصر ضامنا به.
ووجه في الفروع الصحة بالتزامه قال هو وظاهر
كلام جماعة في مسائل.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله قياس المذهب
يصح بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا مثل.
قوله: "زوجه وأنا أؤدي الصداق أو بعه وأنا
أعطيك الثمن أو اتركه ولا تطالبه وأنا أعطيك"
ونحو ذلك.
قوله: "ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما".
بلا نزاع وله مطالبتهما معا أيضا ذكره الشيخ
تقي الدين رحمه الله وغيره.
قوله: "في الحياة والموت".
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب فلو مات
أحدهما فمن التركة.
قال في الفروع والمذهب حياة وموتا.
وعنه يبرأ المديون بمجرد الضمان إن كان ميتا
مفلسا نص عليه على ما يأتي.
(5/143)
قوله: "ولا يصح
إلا من جائز التصرف".
يستثنى من ذلك المفلس المحجور عليه فإنه يصح
ضمانه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والمغنى والشرح والمحرر والرعايتين
والحاويين وشرح ابن رزين وغيرهم.
وقد صرح به المصنف في هذا الكتاب في باب الحجر
حيث قال وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو
إقرار صح وقدمه في الفروع.
وفي التبصرة رواية لا يصح ضمان المفلس المحجور
عليه وهو ظاهر كلام المصنف هنا أو يكون مفهوم
كلامه هنا مخصوصا بما صرح به هناك وهو أولى.
قال في الفروع فيتوجه على هذه الرواية عدم صحة
تصرفه في ذمته.
تنبيهان
أحدهما قال في الرعايتين والحاويين ومن صح
تصرفه بنفسه صح ضمانه ومن لا فلا.
وقيل يصح ضمان من حجر عليه لسفه ويتبع به بعد
فك الحجر كالمفلس وصرحوا بصحة ضمان المفلس
ويتبع به بعد فك الحجر فيكون عموم كلامهم أولا
مخصوص بغير المحجور عليه للمفلس.
الثاني دخل في عموم كلام المصنف صحة ضمان
المريض وهو صحيح فيصح ضمانه بلا نزاع.
لكن إن مات في مرضه حسب ما ضمنه من ثلثه.
فائدة في صحة ضمان المكاتب لغيره وجهان
وأطلقهما في التلخيص والرعاية الصغرى والنظم
والفروع والفائق.
أحدهما لا يصح قال في المحرر وغيره ولا يصح
إلا من جائز تبرعه سوى المفلس المحجور عليه.
قال في الرعاية الكبرى والحاويين وغيرهم ومن
صح تصرفه بنفسه زاد في الرعاية وتبرعه بماله
صح ضمانه.
والوجه الثاني يصح قال ابن رزين ويتبع به بعد
العتق كالقن.
وقيل يصح بإذن سيده ولا يصح بغير إذنه ولعله
المذهب وجزم به في الكافي.
وقدم في المغنى والشرح وشرح ابن رزين عدم
الصحة إذا كان بغير إذن سيده وأطلقوا الوجهين
إذا كان بإذنه.
(5/144)
قوله: "فإن
برئت ذمة المضمون عنه بريء الضامن وإن بريء
الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه".
بلا نزاع.
ويأتي بعد قوله: "وإن اعترف المضمون له
بالقضاء لو قال برئت إلى أو أبرأتك".
قوله: "ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا فأسلم
المضمون له أو المضمون عنه بريء هو والضامن
معا".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب نص عليه.
وعنه إن لم يسلم المضمون له فله قيمتها.
وقيل أو يوكلا ذميا يشتريها.
ولو اسلم ضامنها بريء وحده.
قوله: "ولا يصح إلا من جائز التصرف ولا يصح من
مجنون ولا صبي ولا سفيه".
أما المجنون فلا يصح ضمانه قولا واحدا.
وكذا الصبي غير المميز وكذا المميز على الصحيح
من المذهب وعليه الأصحاب وقدمه في الكافي
والفروع وغيرهما وصححه في الفائق وغيره وجزم
به في الوجيز وغيره وعنه يصح ضمانه.
قال المصنف والشارح خرج أصحابنا صحة ضمانه على
الروايتين في صحة إقراره ويأتي حكم إقراره في
بابه.
وقال ابن رزين وقيل يصح بناء على تصرفاته
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والهادي والتلخيص والرعايتين
والحاويين وغيرهم.
وقال في الكافي وخرج بعض أصحابنا صحة ضمان
الصبي بإذن وليه على الروايتين في صحة بيعه.
وقال في الرعاية الكبرى وقيل يصح بإذن وليه.
فعلى المذهب لو ضمن وقال كان قبل بلوغي وقال
خصمه بل بعده فقال القاضي قياس قول الإمام
أحمد رضي الله عنه أن القول قول المضمون له
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقيل القول قول
الضامن.
قلت وهي شبيهة بما إذا باع ثم ادعى الصغر بعد
بلوغه على ما تقدم في الخيار عند قوله: "وإن
اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه".
(5/145)
والمذهب هناك
لا يقبل قوله: "فكذا هنا وأطلقهما في
الرعايتين والفائق والحاويين.
وأما السفيه المحجور عليه فالصحيح من المذهب
أنه لا يصح ضمانه وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في الوجيز والمحرر وغيرهما وقدمه في
الهداية والمستوعب والخلاصة والكافي والشرح
وشرح ابن رزين والرعايتين والحاويين والفروع
والفائق وغيرهم.
قال الشارح هذا أولى.
وقيل يصح وهو احتمال للقاضي وأبي الخطاب قاله
في المستوعب وهو وجه في المذهب قال في الكافي
وقال القاضي يصح ضمان السفيه ويتبع به بعد فك
الحجر عنه.
قال وهو بعيد وأطلقهما في المذهب.
قوله: "ولا من عبد بغير إذن سيده".
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه الأصحاب
ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وهو لأبي
الخطاب وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله
فيطالبه به بعد عتقه.
قال في التلخيص والمنصوص يصح بعد أن أطلق
وجهين.
قال في القواعد الأصولية الصحة أظهر.
قوله: "وإن ضمن بإذن سيده صح".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وحكى ابن رزين في نهايته وجها بعدم الصحة.
قوله: "وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على
روايتين".
وقيل وجهان وأطلقهما في الكافي والهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والمذهب الأحمد.
إحداهما يتعلق بذمة سيده وهو المذهب جزم به في
الوجيز وصححه في التصحيح وقدمه في الفروع ذكره
في أخر الحجر.
قال ابن عقيل ظاهر المذهب وقياسه أن يتعلق
بذمة سيده.
والرواية الثانية يتعلق برقبته.
قال القاضي قياس المذهب أن المال يتعلق برقبته
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في
الرعايتين والحاويين والفائق وشرح ابن رزين.
(5/146)
قال ابن منجا
في شرحه منشؤهما أن ديون المأذون له في
التجارة هل تتعلق برقبته أو بذمة سيده؟.
وقال المصنف والشارح وغيرهما الصحيح هناك
التعلق بذمة سيده.
وقال ابن رزين في شرحه ويتعلق برقبته وقيل
بذمة سيده.
وقيل فيه روايتان كاستدانته ويأتي ذلك في أخر
الحجر.
واختار في الرعاية أن يكون في كسبه فإن عدم
ففي رقبته.
فائدة يصح ضمان الأخرس إذا فهمت إشارته وإلا
فلا.
قوله: "ولا يعتبر معرفة الضامن لهما".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب
والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح والمحرر
وشرح ابن منجا والفروع والرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم وصححه الناظم وغيره.
وقال القاضي يعتبر معرفتهما واختاره ابن
البنا.
وذكر القاضي وجها أخر يعتبر معرفة المضمون له
دون معرفة المضمون عنه.
قوله: "ولا كون الحق معلوما".
يعني إذا كان مآله إلى العلم ولا واجبا إذا
كان مآله إلى الوجوب.
"فلو قال ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به
صح".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وفي المغنى احتمال أنه لا يصح ضمان ما سيجب.
فعلى المذهب يجوز له إبطال الضمان قبل وجوبه
على الصحيح من المذهب.
قال في المحرر والرعايتين والنظم والحاويين
والفروع له إبطاله قبل وجوبه في الأصح وجزم به
في المنور وغيره.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره.
وقيل ليس له إبطاله.
فائدتان
إحداهما لا يصح ضمان بعض الدين مبهما على
الصحيح من المذهب جزم به في المحرر وتذكرة ابن
عبدوس وغيرهما وقدمه في الفروع والرعايتين
والحاويين والفائق.
وقال أبو الخطاب يصح ويفسره.
(5/147)
وقال في عيون
المسائل لا تعرف الرواية عن إمامنا فيمنع وقد
سلمه بعض الأصحاب لجهالته حالا ومآلا.
ولو ضمن أحد هذين الدينين لم يصح قولا واحدا.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله صحة ضمان
الحارس ونحوه وتجار الحرب ما يذهب من البلد أو
البحر وأن غايته ضمان ما لم يجب وضمان المجهول
كضمان السوق وهو أن يضمن ما يجب على التجار
للناس من الديون وهو جائز عند أكثر العلماء
كمالك وأبي حنيفة والإمام أحمد رحمهم الله.
الثانية لو قال ما أعطيت فلانا فهو علي فهل
يكون ضامنا لما يعطيه في المستقبل أو لما
أعطاه في الماضي ما لم تصرفه قرينة عن أحدهما
فيه وجهان ذكرها في الإرشاد وأطلقهما في
المستوعب والتلخيص والمحرر والحاوي الكبير
والفروع والفائق والزركشي.
أحدهما يكون للماضي.
قال الزركشي يحتمل أن يكون ذلك مراد الخرقي
ويرجحه إعمال الحقيقة وجزم به في المنور وقدمه
في الرعايتين والحاوي الصغير وصححه في النظم.
والوجه الثاني يكون للمستقبل وصححه شارح
المحرر وحمل المصنف كلام الخرقي عليه فيكون
اختيار الخرقي.
قال في الفروع وما أعطيت فلانا علي ونحوه ولا
قرينة قبل منه وقيل للواجب انتهى.
وقد ذكر النحاة الوجهين وقد ورد للماضي في
قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ} [آل عمران: من الآية173] وورد
للمستقبل في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا} [البقرة: من الآية160] قاله الزركشي.
قلت قد يتوجه أنه للماضي والمستقبل فيقبل
تفسيره بأحدهما وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
تنبيه مراده بقوله: "ويصح ضمان دين الضامن" أي
الدين الذي ضمنه الضامن فيثبت الحق في ذمم
الثلاثة.
وكذا يصح ضمان الدين الذي كفله الكفيل فيبرأ
الثاني بإبراء الأول ولا عكس.
وإن قضى الدين الضامن الأول رجع على المضمون
عنه.
وإن قضاه الثاني رجع على الضامن الأول ثم يرجع
الأول على المضمون عنه إذا كان كل واحد منهما
قد أذن لصاحبه وإن لم يكن إذن ففي الرجوع
روايتان وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
قلت المذهب الرجوع على ما يأتي فيما إذا قضى
الضامن الدين.
وقال في الرعاية في هذه المسألة ولم يرجع
الأول على أحد على الأظهر.
(5/148)
ويأتي بعض
مسائل تتعلق بالضامن إذا تعدد وغيره في
الكفالة فليعلم.
قوله: "ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره".
أي غير المفلس.
يصح ضمان دين الميت المفلس بلا نزاع.
ويصح ضمان دين الميت غير المفلس على الصحيح من
المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يصح.
قوله: "ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح
الروايتين".
وكذا قال في الهداية والمستوعب والخلاصة
وغيرهم وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر
وغيره.
والرواية الثانية يبرأ بمجرد الضمان نص عليها
وتقدمت.
قوله: "ويصح ضمان عهده المبيع عن البائع
للمشترى وعن المشترى للبائع".
بلا نزاع في الجملة.
وحكى الناظم وغيره فيه خلافا.
فضمانه عن المشترى للبائع أن يضمن الثمن
الواجب قبل تسليمه أو إن ظهر به عيب أو استحق.
وضمانه عن البائع للمشترى أن يضمن عن البائع
الثمن متى خرج المبيع مستحقا أو رد بعيب أو
أرش العيب.
فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثمن أو
بعضه عن أحدهما للآخر.
وأصل العهدة هو الكتاب الذي تكتب فيه الوثيقة
للبيع ويذكر فيه الثمن ثم عبر به عن الثمن
الذي يضمنه.
وألفاظ ضمان العهدة "ضمنت عهدته أو ثمنه أو
دركه" أو يقول للمشتري "ضمنت خلاصك منه أو متى
خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن" وهذا
المذهب في ذلك كله.
وقال أبو بكر في التنبيه والشافي لا يصح ضمان
الدرك.
قال بعض الأصحاب أراد أبو بكر ضمان العهدة
ورد.
فقال القاضي لا يختلف المذهب أن ضمان الدرك
لثمن المبيع يصح وإنما الذي لا يصح ضمان الدرك
لعين المبيع وقد بينه أبو بكر فقال إنما ضمنه
يريد الثمن لا الخلاص لأنه إذا باع مالا يملك
فهو باطل أومأ إلى هذا الإمام أحمد رحمه الله.
(5/149)
فوائد
الأولى لو بنى المشتري ونقضه المستحق فالأنقاض
للمشتري ويرجع بقيمة التالف على البائع وهل
يدخل في ضمان العهدة في حق ضامنها على وجهين
وأطلقهما في التلخيص والفروع والفائق.
أحدهما يدخل في ضمان العهدة قدمه في الرعايتين
والحاويين.
والثاني لا يدخل وهو ظاهر كلامه في المغنى
والشرح فإنهما ما ضمناه إلا إذا ضمن ما يحدث
في المبيع من بناء أو غراس.
الثانية لو خاف المشتري فساد البيع بغير
استحقاق المبيع أو كون العوض معيبا أو شك في
كمال الصنجة وجودة جنس الثمن فضمن ذلك صريحا
صح كضمان العهدة وإن لم يصرح فهل يدخل في مطلق
ضمان العهدة على وجهين وأطلقهما في التلخيص
والرعاية
الثالثة يصح ضمان نقص الصنجة ونحوها ويرجع
بقوله مع يمينه على الصحيح من المذهب وقيل لا
يرجع إلا ببينة في حق الضامن.
قوله: "ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح
الروايتين".
وهو المذهب مطلقا جزم به في الوجيز والنظم
وغيرهما وقدمه في الفروع والكافي وقال هذا
المذهب.
قال المصنف في المغنى والشارح هذا أصح وصححه
ابن منجا في شرحه.
والرواية الثانية يصح ضمانه سواء كان الضامن
حرا أو غيره وحكاها في الخلاصة وجها وأطلقهما
في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والهادي والتلخيص والمحرر والرعايتين
والحاويين والفائق.
وقال القاضي يصح ضمانه إذا كان حرا لسعة تصرفه
قدمه ابن رزين في شرحه واختاره ابن عبدوس في
تذكرته.
وتقدم هل يصح أن يكون المكاتب ضامنا أولا.
ويأتي في باب الكتابة إذا ضمن أحد المكاتبين
الآخر هل يصح أم لا؟.
قوله: "ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة
ونحوها".
وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يصح وحمل على التعدي كتصريحه به فإنه يصح
بلا نزاع.
وقد صرح به المصنف هنا وغيره من الأصحاب.
(5/150)
قوله: "فأما
الأعيان المضمونة كالعوارى والغصوب والمقبوض
على وجه السوم فيصح ضمانها".
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا
يصح ضمانها.
تنبيه أفادنا المصنف رحمه الله أن المقبوض على
وجه السوم من ضمان القابض وأن ضمانه يصح.
والأصحاب رحمهم الله ينكرون مسألة ضمان
المقبوض على وجه السوم في فصل "من باع مكيلا
أو موزونا" ويذكرونها أيضا في أحكام القبض
ويذكرون مسألة الضامن هنا ومسألة صحة ضمان
الضامن للمقبوض على وجه السوم مترتبة على
ضمانه بقبضه".
واعلم أنه قد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله في
ضمان المقبوض على وجه السوم نصوص فنقل حرب
وأبو طالب وغيرهما ضمان المقبوض على وجه
السوم.
ونقل ابن منصور وغيره أنه من ضمان المالك
كالرهن وما يقبضه الأجير.
ونقل حنبل إذا ضاع من المشتري ولم يقطع ثمنه
أو قطع ثمنه لزمه.
ونقل حرب وغيره فيمن قال بعني هذا فقال خذه
بما شئت فأخذه فمات بيده 0 قال هو من مال
بائعه لأنه ملكه حتى يقطع ثمنه.
ونقل ابن مشيش فيمن قال بعنيه فقال خذه بما
شئت فأخذه فمات بيده يضمنه ربه هذا بعد لم
يملكه.
قال المجد هذا يدل على أنه أمانة وانه يخرج
مثله في بيع خيار على قولنا: "لا يملكه".
وقال تضمينه منافعه كزيادة وأولى انتهى.
فهذه نصوصه في هذه المسألة.
قال في الفروع ذكر الأصحاب في ضمانه روايتين.
قال ابن رجب في قواعده فمن الأصحاب من حكى في
ضمانه روايتين سواء أخذ بتقدير الثمن أو بدونه
وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصحح الضمان لأنه
مقبوض على وجه البدل والعوض فهو كمقبوض بعقد
فاسد انتهى.
قلت ذكر الأصحاب في المقبوض على وجه السوم
ثلاث صور.
الأولى أن يساوم إنسانا في ثوب أو نحوه ويقطع
ثمنه ثم يقبضه ليريه أهله فإن رضوه وإلا رده
فيتلف.
ففي هذه الصورة يضمن إن صح بيع المعاطاة
والمذهب صحة بيع المعاطاة وجزم بذلك في
المستوعب والرعايتين والحاويين والفروع
والفائق وغيرهم.
(5/151)
قال ابن أبي
موسى يضمنه بغير خلاف.
قال ابن رجب في قواعده وهذا يدل على أنه يجري
فيه الخلاف إذا قلنا إنه لم ينعقد البيع بذلك
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله إيمام إلى ذلك
انتهى.
الثانية لو ساومه وأخذه ليريه أهله إن رضوه
وإلا رده من غير قطع ثمنه فيتلف ففي ضمانه
روايتان وأطلقهما في الرعايتين والحاويين
والفائق والمستوعب.
إحداهما يضمنه القابض وهو المذهب وهو ظاهر
كلام المصنف هنا وجزم به في الوجيز في هذا
الباب.
قال ابن أبي موسى فهو مضمون بغير خلاف نقل عن
الإمام أحمد هو من ضمان قابضه كالعارية.
والرواية الثانية لا يضمنه قال في الحاويين
نقل ابن منصور وغيره هو من ضمان المالك كالرهن
وما يقبضه الأجير.
الثالثة لو أخذه بإذن ربه ليريه أهله إن رضوه
اشتراه وإلا رده فتلف بلا تفريط لم يضمن قال
ابن أبي موسى هذا أظهر عنه وقدمه في الرعايتين
والمستوعب والحاويين.
قال في الفائق فلا ضمان في أظهر الروايتين
وعنه يضمنه بقيمته.
فائدة المقبوض في الإجارة على وجه السوم حكمه
حكم المقبوض على وجه السوم في البيع ذكره في
الانتصار واقتصر عليه في الفروع وقال وولد
المقبوض على وجه السوم كهو لا ولد جانية
وضامنة وشاهدة وموصى بها وحق جايز وضمانه.
وفيه في الانتصار إن أذن لأمته فيه سرى.
وفي طريقة بعض الأصحاب ولد موصى بعتقها لعدم
تعلق الحكم بها وإنما المخاطب الموصي إليه
انتهى.
وفي ذلك بعض مسائل ما أعلم صورتها.
منها قوله: "وحق جائز".
قال في القاعدة الثانية والثمانين منها
الشاهدة والضامنة والكفيلة لا يتعلق بأولادهن
شيء ذكره القاضي في المجرد وابن عقيل واختار
القاضي في خلافه أن ولد الضامنة يتبعها ويباع
معها كولد المرهونة وضعفه ابن عقيل في
نظرياته.
وقال في القاعدة المذكورة الأمة الجانية لا
يتعلق بأولادها وأكسابها شيء.
(5/152)
وقال في
القاعدة المذكورة إذا ولدت المقبوضة على وجه
السوم في يد القابض فقال القاضي وابن عقيل
حكمه حكم أصله.
قال ابن رجب ويمكن أن يخرج فيه وجه أخر أنه
ليس بمضمون كولد العارية.
ويأتي في أخر باب العارية حكم ولد المعارة
والمؤجرة وولد الوديعة.
ويأتي حكم ولد المدبرة والمكاتبة في بابيهما.
فائدتان
إحداهما إذا طولب الضامن بالدين فلا يخلو إما
أن يكون ضمن بإذن المضمون عنه أو لا فإن كان
ضمنه بإذنه فله مطالبته بتخليصه على الصحيح من
المذهب.
قال في الفروع له ذلك في الأصح وجزم به في
المحرر والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق
وقدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين.
وقيل ليس للضامن مطالبته بتخليصه حتى يؤدي.
وإن لم يطالب الضامن لم يكن له مطالبته
بتخليصه من المضمون له على الصحيح من المذهب
قدمه في الفروع وهو ظاهر ما جزم به في المحرر.
وقيل له ذلك وأطلقهما في الرعايتين والحاويين
والفائق والتلخيص.
وإن كان ضمنه بغير إذنه لم يكن له مطالبته
بتخليصه قبل الأداء على الصحيح من المذهب جزم
به في المحرر والرعايتين والحاويين والفائق
وقدمه في الفروع والمغنى والشرح وشرح ابن رزين
وغيرهم.
وقيل له ذلك إذا طالبه.
الثانية قال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو
تغيب مضمون عنه أطلقه في موضع وقيده في آخر
بقادر على الوفاء فأمسك الضامن وغرم شيئا بسبب
ذلك وأنفقه في حبس رجع به على المضمون عنه
واقتصر عليه في الفروع.
قلت وهو الصواب الذي لا يعدل عنه.
ويأتي التنبيه على ذلك في أوائل باب الحجر
أيضا.
قوله: "وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع
بشيء وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير
إذن المضمون عنه فهل يرجع به على روايتين وإن
أذن في أحدهما فله الرجوع بأقل الأمرين مما
قضى أو قدر الدين".
إن قضى الضامن الدين فلا يخلو إما أن يقضيه
متبرعا أو لا فإن قضاه متبرعا لم يرجع بلا
نزاع.
(5/153)
قال في الرعاية
هذه هبة تحتاج قبولا وقبضا ورضى والحوالة بما
وجب قضاء.
وإن قضاه غير متبرع فلا يخلو إما أن ينوي
الرجوع أو يذهل عن ذلك فإن نوى الرجوع ففيه
أربع مسائل شملها كلام المصنف.
إحداها أن يضمن بإذنه ويقضي بإذنه فيرجع بلا
نزاع.
الثانية أن يضمن بإذنه ويقضي بغير إذنه فيرجع
أيضا بلا نزاع.
الثالثة أن يضمن بغير إذنه ويقضي بإذنه فيرجع
على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب واختار في
الرعاية الكبرى أنه لا يرجع.
الرابعة أن يضمن بغير إذنه ويقضي بغير إذنه
فهذه فيها الروايتان وأطلقهما في الهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص
والشرح وشرح ابن منجا والرعايتين والحاويين.
إحداهما يرجع وهو المذهب بلا ريب ونص عليه.
قال ابن رجب في القاعدة الخامسة والتسعين يرجع
على أصح الروايتين وهي المذهب عند الخرقي وأبي
بكر والقاضي والأكثرين انتهى.
قال الزركشي وهي اختيار الخرقي والقاضي وأبي
الخطاب والشريف وابن عقيل والشيرازي وابن
البنا وغيرهم.
قال في الفائق اختاره الشيخ تقي الدين رحمه
الله وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في
التصحيح وقدمه في المحرر والنظم والفروع وقال
نص عليه واختاره الأصحاب انتهى.
قال في القواعد واشترط القاضي أن ينوي الرجوع
ويشهد على نيته عند الأداء فلو نوى التبرع أو
أطلق النية فلا رجوع له.
واشترط أيضا أن يكون المديون ممتنعا من
الأداء.
وهو يرجع إلى أن لا رجوع إلا عند تعذر إذنه.
وخالف في ذلك صاحب المغنى والمحرر وهو ظاهر
إطلاق القاضي في المجرد والأكثرين انتهى.
والرواية الثانية لا يرجع اختاره أبو محمد
الجوزي وقدمه في الفائق.
وقال ابن عقيل يظهر فيها كذبح أضحية غيره بلا
إذنه في منع الضمان والرجوع لأن القضاء هنا
إبراء كتحصيل الأجر بالذبح انتهى.
وإن قضاه ولم ينو الرجوع ولا التبرع بل ذهل عن
قصد الرجوع وعدمه فالمذهب أنه
(5/154)
لا يرجع اختاره
القاضي كما تقدم وقدمه في الفروع وهو ظاهر ما
جزم به في القواعد فإنه جعل النية في قضاء
الدين أصلا لأحد الوجهين فيما إذا اشترى أسيرا
حرا مسلما.
وقيل يرجع وهو ظاهر نقل ابن منصور وهو ظاهر
الخرقي وجزم به في الوجيز.
فائدة وكذا الحكم في كل من أدى عن غيره دينا
واجبا بإذنه وبغير إذنه على ما تقدم من
التفصيل في ذلك والخلاف.
قوله: "وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم
يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقة أو
كذبه".
إذا ادعى الضامن القضاء وأنكر المضمون له فلا
يخلو إما أن يصدقه المضمون عنه أو يكذبه فإن
كذبه لم يرجع عليه إلا ببينه تشهد له بالقضاء
فإن لم يكن له بينة فللمضمون الرجوع على
الأصيل والضامن.
فإن أخذ منه الضامن ثانيا فهل يرجع الضامن
بالأول للبراءة به باطنا أو بالثاني فيه
احتمالان مطلقان في الفروع.
أحدهما يرجع بما قضاه ثانيا قدمه في المغنى
والشرح وقالا هو أرجح وقدمه ابن رزين في شرحه.
والثاني يرجع بما قضاه أولا وهما طريقة موجزة
في الرعاية والثاني قدمه فيها أنه يرجع عليه
مرة واحدة بقدر الدين ولا منافاة بين
الطريقتين.
وإن صدقه فلا يخلو إما أن يكون قضاه بإشهاد أو
غيره فإن قضاه بإشهاد صحيح رجع عليه ولو كانت
البينة غائبة أو ميتة.
وتقدم نظيره في الرهن ويأتي في الوكالة.
لكن لو ردت الشهادة بأمر خفي كالفسق باطنا أو
كانت الشهادة مختلفا فيها كشهادة العبيد أو
شاهد واحد أو كان ميتا أو غائبا فهل يرجع فيه
احتمالان مطلقان في المغنى والشرح والفروع.
قطع في الرعايتين والحاويين أنه لا يكفي شاهد
واحد.
وقال في الكبرى قلت بلى ويحلف معه.
فلو ادعى الإشهاد وأنكره المضمون عنه فهل يقبل
قوله: "فيه وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية
الكبرى.
وإن قضاه بغير إشهاد فلا يخلو إما أن يكون
القضاء بحضرة المضمون عنه او في غيبته فإن كان
بحضرته رجع على الصحيح من المذهب صححه في
الفروع والفائق والرعايتين وجزم به في التلخيص
وغيره وقدمه في المحرر وشرح ابن رزين وغيرهما.
(5/155)
وقيل ليس له
الرجوع وأطلقهما في المغنى والشرح والحاويين.
وإن كان القضاء في غيبة المضمون عنه لم يرجع
عليه قولا واحدا.
قوله: "وإن اعترف بالقضاء أي المضمون له فأنكر
المضمون عنه لم يسمع إنكاره ويرجع عليه".
هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح
والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
قال في التلخيص رجع على الصحيح من المذهب.
قال الشارح هذا الأصح.
قال في الفروع رجع في الأصح.
وفيه وجه أخر لا يرجع وهو احتمال أبي الخطاب
في الهداية وأطلقهما في المحرر.
فائدتان
الأولى لو قال المضمون له برئت إلي من الدين
فهو مقر بقبضه ولو قال برئت ولم يقل إلى لم
يكن مقرى بالقبض على الصحيح من المذهب قدمه في
الفروع والمستوعب والمغنى والشرح وصححه.
وقيل يكون مقرى به واختاره القاضي قاله في
المستوعب.
قال في المنور وإن قال رب الحق للضامن برئت
إلى من الدين فهو مقر بقبضه وأطلقهما في
التلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين
والفائق.
ولو قال أبرأتك لم يكن مقرى بالقبض قولا
واحدا.
الثانية لو قال وهبتك الحق فهو تمليك فيرجع
على المضمون عنه على الصحيح من المذهب وقيل بل
هو إبراء فلا رجوع.
قوله: "وإن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل
الدين على روايتين".
وأطلقهما في الشرح وشرح ابن منجا.
إحداهما لا يحل وهو المذهب جزم به في الهداية
والمذهب والخلاصة والوجيز والحاويين وقدمه في
المستوعب والرعايتين.
(5/156)
والثانية يحل
وقال ابن أبي موسى إذا مات المضمون عنه قبل
محل الدين مفلسا به لم يكن للمضمون له مطالبة
الضامن قبل محله.
وإن خلف وفاء بالحق فهل يحل على روايتين.
إحداهما يحل والأخرى لا يحل إذا وثق الورثة.
تنبيه ذكر المصنف هنا الروايتين فيما إذا مات
أحدهما وهي طريقة المصنف والشارح وابن منجا.
وقيل محل الروايتين فيما إذا ماتا معا وهي
طريقة صاحب الهداية والمذهب والخلاصة والرعاية
الصغرى وقدمه في المستوعب.
فجزموا بعدم الحلول إذا مات أحدهما وأطلقوا
الروايتين فيما إذا ماتا معا.
وقال في الرعاية الكبرى وإن ماتا معا وقيل أو
المديون وحده حل فجزم بالحلول إذا ماتا معا.
قوله: "ويصح ضمان الحال مؤجلا".
بلا نزاع نص عليه فلصاحب الحق مطالبة المضمون
عنه في الحال دون الضامن.
قوله: "وإن ضمن المؤجل حالا لم يلزمه قبل أجله
في أصح الوجهين".
وهو المذهب جزم به في الوجيز وقدمه في المغنى
والمحرر والشرح والفروع والرعايتين والحاويين
والفائق وغيرهم.
والوجه الأخر يلزمه قبل أجله.
تنبيه أفادنا المصنف رحمه الله صحة ضمان
المؤجل حالا وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر
الأصحاب.
وقيل لا يصح وأطلقهما في التلخيص.
تنبيهات
أحدها ظاهر قوله: "في الكفالة وهي التزام
إحضار المكفول به".
أنه سواء كان المكفول به حاضرا أو غائبا بإذنه
بلا نزاع وبغير إذنه على خلاف يأتي في كلام
المصنف قريبا.
وقيل لا تصح كفالة المديون إلا بإذنه.
الثاني قوله: "وتصح ببدن من عليه دين".
يعني ببدن كل من يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم
بدين لازم مطلقا يصح ضمانه.
(5/157)
الثالث قوله:
"وبالأعيان المضمونة يعني يصح أن يكفلها بحيث
إنه إذا تعذر إحضارها يضمنها إلا أن تتلف بفعل
الله تعالى على ما يأتي وقال الزركشي في صحة
كفالة العين المضمونة وجهان ولم أر الخلاف
لغيره.
فائدة تنعقد الكفالة بألفاظ الضمان المتقدمة
كلها على الصحيح من المذهب.
وقيل لا تنعقد بلفظ حميل وقبيل اختاره ابن
عقيل.
قوله: "ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله تصح واختاره
في الفائق.
تنبيه قوله: "ولا تصح ببدن من عليه حد أو
قصاص". شمل سواء كان حقا لله كحد الزنى
والسرقة ونحوهما أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وكون من عليه حد أو قصاص لا تصح كفالته من
مفردات المذهب.
فائدتان
إحداهما تصح الكفالة لأخذ مال كالدية وغرم
السرقة.
الثانية لا تصح الكفالة بزوج وشاهد.
قوله: "ولا بغير معين كأحد هذين".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به
أكثرهم.
وقيل تصبح لأنه تبرع فهو كالإعارة والإباحة
ذكره في القاعدة الخامسة بعد المائة.
قوله: "وإن كفل بجزء شائع من إنسان كثلثه أو
ربعه صح في أحد الوجهين".
وأطلقهما في المحرر والفروع والفائق.
أحدهما يصح وهو المذهب جزم به في الوجيز
وتذكرة ابن عبدوس والمنور وإدراك الغاية وقدمه
في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي والتلخيص والشرح والرعايتين والحاويين
وغيرهم.
قال في تجريد العناية هذا الأظهر وصححه في
التصحيح.
والوجه الثاني لا تصح قال القاضي في المجرد لا
تصح الكفالة ببعض البدن.
(5/158)
قوله: "أو
عضو". صح في أحد الوجهين.
إذا تكفل بعضو من إنسان فلا يخلو إما أن يكون
بوجهه أو بغيره فإن كان بوجهه صح على الصحيح
من المذهب وجزم به في المغنى والشرح والكافي
والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق وإدراك
الغاية والمنور وغيرهم.
قال ابن منجا في شرحه وهو الظاهر وينبغي حمل
كلام المصنف عليه.
وقيل لا يصح قال القاضي لا يصح ببعض البدن وهو
ظاهر ما قدمه في الفروع.
قلت لم أر من صرح بهذا القول وظاهر كلام
المصنف استحبوا الخلاف فيه.
وإن كانت الكفالة بعضو غير وجهه فأطلق المصنف
فيه وجهين وأطلقهما في المحرر والفائق
والفروع.
أحدهما تصح وهو المذهب وجزم به ابن عبدوس في
تذكرته واختاره أبو الخطاب.
قال في تجريد العناية هذا الأظهر وقدمه في
الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص
والرعايتين والحاويين وغيرهم وصححه في
التصحيح.
والوجه الثاني لا تصح اختاره القاضي كما تقدم
عنه.
وقيل إن كانت الحياة تبقى معه كاليد والرجل
ونحوهما لم تصح وإن.
كانت لا تبقي معه كرأسه وكبده ونحوهما صح جزم
به في الوجيز وقدمه في المغنى والشرح وهو
الصواب.
قال في الكافي قال غير القاضي إن كفل بعضو لا
تبقى الحياة بدونه كالرأس والقلب والظهر صح
وإن كان بغيرها كاليد والرجل فوجهان.
قوله: "وإن كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا
فهو كفيل بأخر أو ضامن ما عليه صح في أحد
الوجهين".
وأطلقهما في المذهب والفروع والفائق.
وظاهر المغنى والشرح الإطلاق.
أحدهما يصح وهو المذهب اختاره أبو الخطاب
والشريف أبو جعفر وصححه في التصحيح وجزم به في
الوجيز والمنور وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في
الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر
والرعايتين والحاويين ونقل مهنا الصحة في كفيل
به.
والوجه الثاني لا تصح اختاره القاضي في
الجامع.
(5/159)
فوائد
منها لو قال كفلت ببدن فلان على أن تبرئ فلانا
الكفيل فسد الشرط على الصحيح من المذهب وقيل
لا يفسد.
فعلى المذهب يفسد العقد أيضا على الصحيح من
المذهب.
قال في الفروع ويتوجه وجه لا يفسد.
وكذا الحكم لو قال ضمنت لك هذا الدين على أن
تبرئني من الدين الآخر قاله في المغنى والشرح
والفائق وغيرهم.
ومنها لو قال إن جئت به في وقت كذا وإلا فأنا
كفيل ببدن فلان أو وإلا فأنا ضامن مالك على
فلان أو قال إن جاء زيد فأنا ضامن لك ما عليه
أو إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان شهرا فقال
القاضي لا تصح الكفالة.
قاله المصنف والشارح وهو أقيس.
وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في الانتصار
تصح.
واعلم أن أكثر هذه المسائل وما ذكره المصنف
ينزع إلى تعليق الضمان والكفالة بشرط وتوقيتها
بل هي من جملتها.
قال في الفروع وفي صحة تعليق ضمان وكفالة بغير
سبب الحق وتوقيتها وجهان فلو تكفل به على أنه
إن لم يأت به فهو ضامن لغيره أو كفيل به أو
كفله شهرا فوجهان انتهى.
وقدم في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير صحة
تعليق الضمان والكفالة بالشرط المستقبل وجزم
به في الوجيز والمنور وغيرهما واختاره ابن
عبدوس في تذكرته وصاحب الفائق وأبو الخطاب
والشريف أبو جعفر وغيرهم.
وتقدم ذلك في مسألة المصنف.
قال في الرعاية الكبرى وإن علق الضمان على شرط
مستقبل صح.
وقيل لا يصح إلا بسبب الحق كالعهدة والدرك وما
لم يجب ولم يوجد بسببه ويصح توقيته بمدة
معلومة.
قال ويحتمل عدمه وهو أقيس لأنه وعد انتهى.
فائدة قال المصنف والشارح إن كفل إلى أجل
مجهول لم تصح الكفالة لأنه ليس له وقت يستحق
مطالبته فيه وهكذا الضمان وإن جعله إلى الحصاد
والجداد والعطاء.
وخرج على الوجهين في الأجل في البيع والأولى
صحته هنا انتهيا.
(5/160)
قوله: "ولا تصح
إلا برضى الكفيل".
بلا نزاع وفي رضي المكفول به وهو المكفول عنه
وجهان وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب
والهادي والتلخيص والمغنى والشرح والفائق
والزركشي.
أحدهما يعتبر رضاه جزم به في الوجيز.
قال في الخلاصة والرعايتين والحاويين يعتبر
رضاه في أصح الوجهين وصححه في التصحيح قال ابن
منجا هذا أولى.
والوجه الثاني لا يعتبر رضاه قدمه في الفروع
وهو المذهب على ما اصطلحناه.
قوله: "ومتى أحضر المكفول به وسلمه بريء إلا
أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر".
إذا أحضر المكفول به وسلمه بعد حلول الأجل
بريء على الصحيح من المذهب مطلقا نص عليه
وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في المستوعب وجزم به في المغنى والشرح
بشرط أن يكون هناك يد حائلة ظالمة قلت الظاهر
أنه مراد غيرهم وعنه لا يبرأ منه.
قال ابن أبي موسى لا يبرأ حتى يقول قد برئت
إليك منه أو قد سلمته إليك أو قد أخرجت نفسي
من كفالته انتهى.
وقال بعض الأصحاب منهم المصنف والشارح إذا
امتنع من تسلمه أشهد على امتناعه رجلين وبرئ.
وقال القاضي يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه فإن
لم يجد حاكما أشهد شاهدين على إحضاره وامتناع
المكفول له من قبوله.
تنبيه حكم ما إذا أحضره قبل حلول الأجل ولا
ضرر في قبضه حكم ما إذا أحضره بعد حلول الأجل
خلافا ومذهبا على ما تقدم.
فائدة يتعين إحضاره في مكان العقد على الصحيح
من المذهب قدمه في الفروع.
وقيل يتعين فيه إن حصل ضرر في غيره وإلا فلا.
وقيل يبرأ ببقية البلد اختاره القاضي قاله في
المغنى والشرح.
وعند غيره إذا كان فيه سلطان اختاره القاضي
وأصحابه وقدمه في التلخيص.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله إن كان المكفول
في حبس الشرع فسلمه إليه فيه برئ ولا يلزمه
إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة ويمكنه
الحاكم من الإخراج ليحاكم غريمه ثم يرده هذا
مذهب الأئمة كمالك وأحمد وغيرهما رحمهم الله
تعالى.
(5/161)
وفي طريقة بعض
الأصحاب وإن قيل دلالته عليه وإعلامه بمكانه
لا يعد تسليما.
قلنا بل يعد ولهذا إذا دل على الصيد محرما
كفر.
قوله: "وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل
الله تعالى أو سلم نفسه برئ الكفيل".
إذا مات المكفول به برئ الكفيل على الصحيح من
المذهب سواء توانى الكفيل في تسليمه حتى مات
أولا نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر ما
جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع
وغيره.
وقيل لا يبرأ مطلقا فيلزمه الدين وهو احتمال
في الهداية والمغنى والشرح واختاره الشيخ تقي
الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق.
وقيل إن توانى في تسليمه حتى مات لم يبرأ وإلا
برئ.
تنبيه محل الخلاف إذا لم يشترط فإن اشترط
الكفيل أنه لا شيء عليه إن مات برئ بموته قولا
واحدا قاله في التلخيص والمحرر وغيرهما.
وأما إذا تلفت العين بفعل الله تعالى فالصحيح
من المذهب أن الكفيل يبرأ جزم به في الهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعاية
الصغرى والحاويين وغيرهم وقدمه في المغنى
والشرح.
وقيل لا يبرأ وأطلقهما في الفروع.
تنبيهان
أحدهما محل الخلاف إذا لم يشترط أن لا مال
عليه بتلف العين المكفول بها فإن اشترط برئ
قولا واحدا كما تقدم في الموت.
الثاني مراده بقوله أو تلفت العين بفعل الله
تعالي قبل المطالبة صرح به في المحرر والفروع
وغيرهما.
وأما اذا سلم المكفول به نفسه فى محله فإن
الكفيل يبرأ قولا واحدا.
قوله: "وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل
الدين أو عوض العين".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير
منهم.
وفي المبهج وجه أنه يشترط البراءة منه.
وقال ابن عقيل قياس المذهب لا يلزمه إن امتنع
بسلطان وألحق به معسرا أو محبوسا ونحوهما
لاستواء المعنى.
(5/162)
وكون الكفيل
يضمن ما على المكفول به إذا لم يسلمه من
المفردات.
فائدة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله السجان
كالكفيل واقتصر عليه في الفروع.
قوله: "وإن غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي
فيحضره وإن تعذر إحضاره ضمن".
إذا مضى الكفيل ليحضر المكفول به وتعذر إحضاره
فحكمه حكم ما إذا تعذر إحضاره مع بقائه على ما
تقدم خلافا ومذهبا.
قوله: "وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور
مدة لزمة ذلك إذا كانت الكفالة بإذنه أو طالبه
صاحب الحق بإحضاره وإلا فلا".
وهذا المذهب فيهما وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في الوجيز والمغنى والشرح وغيرهم وقدمه في
الفروع وغيره.
وقيل لا يلزمه الحضور إلا إذا كانت الكفالة
بإذنه وطالبه المكفول له بحضوره.
فائدة حيث أدى الكفيل ما لزمه ثم قدر على
المكفول به فقال في الفروع ظاهر كلامهم أنه في
رجوعه عليه كالضامن وأنه لا يسلمه إلى المكفول
له ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره
مع بقائه لامتناع بيعه.
قوله: "وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم
يبرأ الآخر".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي
وأصحابه ونص عليه وجزم به في المغنى والشرح
والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد اشهر الوجهين لا يبرأ.
وقيل يبرأ الآخر وهو احتمال في الكافي ونصره
الأزجي في نهايته وهو ظاهر كلام السامري في
فروقه قال ابن رجب في قواعده وقال والأظهر
أنهما إن كفلا كفالة اشتراك مثل أن يقولا
كفلنا لك زيدا نسلمه إليك فإذا سلمه أحدهما
بريء الآخر لأن التسليم الملتزم واحد فهو
كأداء أحد الضامنين للمال.
وإن كفلا كفالة انفراد واشتراك بأن قالا كل
واحد منا كفيل لك بزيد فكل واحد منهما ملتزم
له إحضاره فلا يبرأ بدونه ما دام الحق باقيا
على المكفول به فهو كما لو كفلا في عقدين
متفرقين وهذا قياس قول القاضي في ضمان الرجلين
الدين انتهى.
فائدة لو سلم المكفول به نفسه بريء الاثنان
وفرق بينه وبين ما إذا سلمه أحدهما.
(5/163)
قوله: "وإن كفل
واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ الأخر".
بلا نزاع.
فوائد
إحداها يصح أن يكفل الكفيل كفيلا آخر فإن بريء
الأول بريء الثاني ولا عكس وإن كفل الثاني
ثالث برئ ببراءة الثاني والأول ولا عكس فلو
كفل اثنان واحدا وكفل كل واحد منهما كفيل آخر
فأحضره أحدهما برئ هو ومن تكفل به وبقي الأخر
ومن كفل به
الثانية لو ضمن اثنان دين رجل لغريمه فلا يخلو
إما أن يقول كل واحد منهما أنا ضامن لك الألف
أو يطلق فإن قالا كل واحد منا ضامن لك الألف
فهو ضمان اشتراك في انفراد فله مطالبة كل واحد
منهما بالألف إن شاء وله مطالبتهما وإن قضاه
أحدهما لم يرجع إلا على المضمون عنه.
وإن أطلقا الضمان بأن قالا ضمنا لك الألف فهو
بينهما بالحصص فكل واحد منهما ضامن لحصته وهذا
الصحيح من المذهب وهو قول القاضي في المجرد
والخلاف والمصنف وقطع به الشارح.
وقيل كل واحد ضامن للجميع كالأول نص عليه
الإمام أحمد رحمه الله في رواية مهنا وكذا قال
أبو بكر في التنبيه.
وذكر ابن عقيل فيها احتمالين وأطلق الوجهين في
القواعد.
وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد
الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما.
وعلى هذا لو كان المضمون دينا متساويا على
رجلين فهل يقال كل واحد منهما ضامن لنصف
الدينين أو كل واحد منهما ضامن لأحدهما
بانفراده إذا قلنا يصح ضمان المبهم يحتمل
وجهين قاله ابن رجب في قواعده.
الثالثة لو كان على اثنين مائة لأخر فضمن كل
واحد منهما الآخر فقضاه أحدهما نصف المائة أو
أبرأه منه ولا نية فقيل إن شاء صرفه إلى الذي
عليه بالأصالة وإن شاء صرفه إلى الذي عليه
بطريق الضمان.
قلت وهو أولى.
وقد تقدم ما يشبه ذلك في الرهن بعد قوله: "وإن
رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما".
وقيل يكون بينهما نصفان وأطلقهما في الفروع.
الرابعة لو أحال عليهما ليقبض من أيهما شاء صح
على الصحيح من المذهب.
وذكر ابن الجوزي وجها لا يصح كحوالته على
اثنين له على كل واحد منهما مائة.
الخامسة لو أبرأ أحدهما من المائة بقي على
الآخر خمسون أصالة.
(5/164)
السادسة لو ضمن
ثالث عن أحدهما المائة بأمره وقضاها رجع على
المضمون عنه بها وهل له أن يرجع بها على الأخر
فيه روايتان وأطلقهما في الفروع.
قلت الذي يظهر أن له الرجوع عليه لأنه كضامن
الضامن.
السابعة لو ضمن معرفته أخذ به نقله أبو طالب.
الثامنة لو أحال رب الحق أو أحيل أو زال العقد
بريء الكفيل وبطل الرهن ويثبت لوارثه ذكره في
الانتصار.
وذكر في الرعاية الكبرى في الصورة الأولى
احتمال وجهين في بقاء الضمان.
ونقل مهنا فيها يبرأ وأنه إن عجز مكاتب رق
وسقط الضمان.
وذكر القاضي أنه لو أقاله في سلم به رهن حبسه
برأس ماله جعله أصلا كحبس رهن بمهر المثل
بالمتعة.
التاسعة لو خيف من غرق السفينة فألقى بعض من
فيها متاعه في البحر لتخف لم يرجع به على أحد
سواء نوى الرجوع أو لا وهذا المذهب وعليه
الأصحاب.
وقال في الرعاية الكبرى من عنده ويحتمل أن
يرجع إذا نوى الرجوع وما هو ببعيد انتهى ويجب
الإلقاء إن خيف تلف الركاب بالغرق.
ولو قال بعض أهل السفينة الق متاعك فألقاه فلا
ضمان على الآمر.
وإن قال ألقه وأنا ضامنه ضمن الجميع قاله أبو
بكر والقاضي ومن بعدهما.
وإن قال وأنا وركبان السفينة ضامنون وأطلق ضمن
وحده بالحصة على الصحيح من المذهب قدمه في
الفروع ولم يذكره المصنف ولا الشارح ولا
الحارثي.
وقال أبو بكر يضمنه القائل وحده إلا أن يتطوع
بقيتهم واختاره ابن عقيل وقدمه في الرعاية.
وقال القاضي إن كان ضمان اشتراك فليس عليه إلا
ضمان حصته وإن كان ضمان اشتراك وانفراد بأن
يقول: "كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته"
ضمن القائل ضمان الجميع سواء كانوا يسمعون
قوله فسكتوا أو لم يسمعوا انتهى.
قال الحارثي في أخر الغصب وهو الحق وإن رضوا
بما قال لزمهم.
قال في الفروع ويتوجه الوجهان.
وإن قالوا ضمناه لك ضمنوا بالحصة
(5/165)
وإن قالوا كل
واحد منا ضامنه ضمن الجميع ذكره أبو بكر
والقاضي ومن بعدهما وكذا الحكم في ضمانهم ما
عليه من الدين.
ويأتي في أخر الغصب بعض هذا ومسائل تتعلق بهذا
فليراجع.
العاشرة لو قال لزيد طلق زوجتك وعلي ألف أو
مهرها لزمه ذلك بالطلاق قاله في الرعاية وقال
أيضا لو قال بع عبدك من زيد بمائة وعلي مائة
أخرى لم يلزمه شيء وفيه احتمال والله أعلم.
(5/166)
باب الحوالة
فوائد
إحداها قال المصنف والشارح وغيرهما هي مشتقة
من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة وقال في
المستوعب هي مشتقة من التحول لأنها تحول الحق
وتنقله من ذمة إلى ذمة.
والظاهر أن المعنى واحد فإن التحول مطاوع
للتحويل يقال حولته فتحول.
الثانية الحوالة عقد إرفاق تنقل الحق من ذمة
المحيل إلى ذمة المحال عليه وليست بيعا على
الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب
لجوازها بين الدينين المتساويين جنسا وصفة
والتفرق قبل القبض واختصاصها بجنس واحد واسم
خاص ولزومها.
ولا هي في معنى المبيع لعدم العين فيها وهذا
الصواب.
قال المصنف وهو أشبه بكلام الإمام أحمد رحمه
الله.
قال في القاعدة الثالثة والعشرين: "الحوالة"
هل هي نقل للحق أو تقبيض فيه خلاف.
وقد قيل إنها بيع فإن المحيل يشتري ما في ذمته
بما في ذمة المحال عليه وجاز تأخير القبض رخصة
لأنه موضوع على الرفق فيدخلها خيار المجلس.
واعلم أن الحوالة تشبه المعاوضة من حيث إنها
دين بدين وتشبه الاستيفاء من حيث إنه يبرئ
المحيل ويستحق تسليم المبيع إذا أحال بالثمن.
ولترددها بين ذلك ألحقها بعض الأصحاب
بالمعاوضة كما تقدم وألحقها بعضهم بالاستيفاء.
الثالثة نقل مهنا فيمن بعث رجلا إلى رجل له
عنده مال فقال له خذ منه دينارا فأخذ منه أكثر
قال الضمان على المرسل لتغريره ويرجع هو على
الرسول ذكره ابن رجب في قواعده.
(5/166)
قوله: "ولا تصح
إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر
فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق
قبل الدخول".
وكذا لو أحال على الأجرة عند العقد لم تصح وإن
أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح وكذا لو
أحال بالأجرة.
اعلم أن الحوالة تارة تكون على مال وتارة تكون
بمال.
فإن كانت الحوالة على مال فيشترط أن يكون
المال المحال عليه مستقرا على الصحيح من
المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به
كثير منهم.
وقيل تصح الحوالة على مال الكتابة بعد حلوله.
وفي طريقة بعض الأصحاب أن المسلم فيه منزل
منزلة الموجود لصحة الإبراء منه والحوالة عليه
وبه.
وقال الزركشي لا يظهر لي منع الحوالة بالمسلم
فيه.
وظاهر ما قدمه في المحرر صحة الحوالة على
المهر قبل الدخول وعلى الأجرة بالعقد.
وإن كانت الحوالة بمال لم يشترط استقراره وتصح
الحوالة به على الصحيح من المذهب وعليه جماعة
من الأصحاب وجزم به في الوجيز والكافي وتجريد
العناية وغيرهم وقدمه في الزركشي وجزم به في
المحرر في مال الكتابة وقدمه في غيره واختاره
القاضي وابن عقيل في مال الكتابة ذكره في
التلخيص على ما يأتي.
وقيل يشترط كون المحال به مستقرا كالمحال عليه
اختاره القاضي في المجرد وجزم به الحلواني قال
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة يشترط لصحتها أن تكون بدين مستقر
وعلى دين مستقر.
قال في الحاويين ولا تصح إلا بدين معلوم يصح
السلم فيه مستقرا على مستقر.
قال في الرعايتين إنما تصح بدين معلوم يصح
السلم فيه مستقرا في الأشهر على دين مستقر قال
في الفائق وتختص صحتها بدين يصح فيه السلم
ويشترط استقراره في أصح الوجهين على مستقر.
قال في التلخيص فلا تصح الحوالة بغير مستقر
ولا على غير مستقر فلا تصح في مدة الخيار ولا
في الأجرة قبل استيفاء المنفعة ولا في الصداق
قبل الدخول وكذلك دين الكتابة على ظاهر كلام
أبي الخطاب
(5/167)
وقال القاضي
وابن عقيل تصح حوالة المكاتب لسيده بدين
الكتابة على من له عليه دين ويبرأ العبد ويعتق
ويبقى الدين في ذمة المحال عليه للسيد انتهى.
وأطلق في الرعايتين والفروع الوجهين في
الحوالة بمال الكتابة والمهر والأجرة وأطلقهما
في الحاويين والفائق في الحوالة بدين الكتابة
والمهر.
وقال الزركشي تبعا لصاحب المحرر الديون أربعة
أقسام دين سلم ودين كتابة وما عداهما وهو
قسمان مستقر وغير مستقر كثمن المبيع في مدة
الخيار ونحوه.
فلا تصح الحوالة بدين السلم ولا عليه وتصح
بدين الكتابة على الصحيح دون الحوالة عليه
ويصحان في سائر الديون مستقرها وغير مستقرها.
وقيل لا تصح على غير مستقر بحال وإليه ذهب أبو
محمد وجماعة من الأصحاب.
وقيل ولا بما ليس بمستقر وهذا اختيار القاضي
في المجرد وتبعه أبو الخطاب والسامري انتهى.
تنبيه يستثنى من محل الخلاف من المال المحال
عليه والمحال به دين السلم فإنه لا تصح
الحوالة عليه ولا به عند الإمام أحمد وأصحابه
إلا ما تقدم عن بعض الأصحاب في طريقته وكلام
الزركشي.
فائدة في صحة الحوالة برأس مال السلم وعليه
وجهان وأطلقهما في المحرر وشرحه والنظم
والرعايتين والحاويين والفروع والفائق
والزركشي.
أحدهما لا تصح قدمه في الرعاية الكبرى في باب
القبض والضمان من البيوع فقال لا يصح التصرف
في رأس مال السلم بعد فسخه واستقراره بحوالة
ولا بغيرها وقيل يصح انتهى.
وتقدم ذلك في باب السلم في كلام المصنف.
تنبيه خرج من كلام المصنف لو أحال من لا دين
عليه على من عليه دين فإنه لا يسمى حوالة بل
هو وكالة في القبض ولو أحال من لا دين عليه
على من لا دين عليه فهو وكالة في اقتراض لا
حوالة.
ولو أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو
وكالة في اقتراض أيضا فلا يصارفه نص عليه.
قال في الموجز والتبصرة إن رضي المحال عليه
بالحوالة صار ضامنا يلزمه الأداء.
فائدة قوله: "الثاني اتفاق الدينين في الجنس
والصفة والحلول والتأجيل".
بلا نزاع في الجملة.
ويشترط أيضا علم المال وأن يكون فيما يصح فيه
السلم من المثليات وفي غير المثلى كمعدود
ومذروع وجهان وأطلقهما في المغنى والشرح
والفروع والفائق والزركشي.
(5/168)
وقال في
الرعايتين والحاويين وإنما تصح بدين معلوم يصح
السلم فيه وأطلقا في إبل الدية الوجهين.
أحدهما تصح في المعدود والمذروع.
قال القاضي في المجرد تجوز الحوالة بكل ما صح
السلم فيه وهو ما يضبط بالصفات سواء كان له
مثل كالأدهان والحبوب والثمار أولا مثل له
كالحيوان والثياب.
وقد أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية
الأثرم وقدمه ابن رزين في شرحه.
قال الناظم تصح فيما يصح السلم فيه.
والوجه الثاني لا تصح قال الشارح ويحتمل أن
يخرج هذان الوجهان على الخلاف فيما يقضي به
قرض هذه الأموال انتهى.
وأما الأبل فقال الشارح لو كان عليه إبل من
الدية وله على آخر مثلها في السن فقال القاضي
تصح لأنها تختص بأقل ما يقع عليه الاسم في
السن والقيمة وسائر الصفات.
وقال أبو الخطاب لا تصح في أحد الوجهين لأنها
مجهولة.
وإن كان عليه إبل من دية وله على آخر مثلها
قرضا فأحاله فإن قلنا يرد في القرض قيمتها لم
تصح الحوالة لاختلاف الجنس وإن قلنا يرد مثلها
اقتضى قول القاضي صحة الحوالة.
وإن كانت بالعكس فأحال المقرض بإبل لم يصح
انتهى.
تنبيه قوله: "اتفاق الدينين في الجنس" كالذهب
بالذهب والفضة بالفضة ونحوهما والصفة كالصحاح
بالصحاح وعكسه.
فلو أحال من عليه دراهم دمشقية بدراهم عثمانية
لم تصح قطع به المصنف والشارح وابن رزين
وغيرهم.
قال الزركشي وكذلك لا تصح عند من ألحقها
بالمعاوضة إذ اشتراط التفاوت فيهما ممتنع
كالقرض.
وأما من ألحقها بالاستيفاء فقال إن كان تلفوتا
يجبر على أخذه عند بذله كالجيد عن الردئ صحت
وإلا فلا انتهى.
قوله: "والثالث أن يحيل برضاه ولا يعتبر رضى
المحال عليه ولا رضى المحتال إذا كان المحال
عليه مليئا".
لا يعتبر رضى المحتال إذا كان المحال عليه
مليئا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب
فيجبر على قبولها وهو من مفردات المذهب.
وعنه يعتبر رضاه ذكرها ابن هبيرة ومن بعده.
(5/169)
فائدتان
إحداهما فسر الإمام أحمد رضي الله عنه المليء
فقال هو أن يكون مليئا بماله وقوله وبدنه وجزم
به في المحرر والنظم والفروع والفائق وغيرهم.
زاد في الرعاية الصغرى والحاويين أو فعله.
وزاد في الكبرى عليهما وتمكنه من الأداء.
وقيل هو المليء بالقول والأمانة وإمكان
الأداء.
قال الزركشي عن تفسير الإمام أحمد الذي يظهر
أن المليء بالمال أن يقدر على الوفاء والقول
أن لا يكون مماطلا والبدن أن يمكن حضوره إلى
مجلس الحكم.
الثانية يبرأ المحيل بمجرد الحوالة ولو أفلس
المحال عليه أو جحد أو مات على الصحيح من
المذهب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه
الله وصححه القاضي يعقوب.
قال الناظم وصاحب الفائق هذا المشهور عن
الإمام أحمد وقدمه في الرعايتين والنظم
والحاويين والفروع وغيرهم.
وعنه لا يبرأ إلا برضى المحتال فإن أبى أجبره
الحاكم لكن تنقطع المطالبة بمجرد الحوالة.
وقال في الفائق وعنه لا يبرأ مطلقا وهو ظاهر
كلام الخرقي وتفيد الإلزام فقط ذكرها في النكت
وهو المختار انتهى.
فهذه رواية ثالثة قل من ذكرها.
وأطلق الروايتين الأولتين في المحرر والزركشي.
قال في القاعدة الثالثة والعشرين ومبنى
الروايتين أن الحوالة هل هي نقل للحق أو تقبيض
فإن قلنا هي نقل للحق لم يعتبر لها قبول وإن
قلنا هي تقبيض فلا بد من القبض بالقول وهو
قبولها فيجبر المحتال عليه انتهى.
فعلى الرواية الثانية قال في الفروع ويتوجه أن
للمحتال مطالبة المحيل قبل إجبار الحاكم وذكر
أبو حازم وابنه أبو يعلى ليس له المطالبة
كتعيينه كيسا فيريد غيره.
قوله: "وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضى
بالحوالة رجع عليه وإلا فلا".
هنا مسائل.
الأولى لو رضى المحتال بالحوالة مطلقا برئ
المحيل.
الثانية لو ظهر أنه مفلس من غير شرط ولا رضى
من المحتال وهي إحدى مسألتي المصنف رجع بلا
نزاع.
(5/170)
الثالثة لو رضى
بالحوالة ولم يشترط اليسار وجهله أو ظنه مليئا
فبان مفلسا وهي مسألة المصنف الثانية بريء
المحيل على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه
الأصحاب.
ويحتمل أن يرجع وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه
الله ذكرها المصنف في المغنى وقال وبه قال بعض
أصحابنا وذكره بعضهم وجها وهو ظاهر ما جزم به
ابن رزين في نهايته ونظمها وأطلقهما في النظم
والرعايتين والحاويين.
وقيل الخلاف وجهان وقدمه في الرعاية الكبرى
وهي طريقة ابن البنا.
الرابعة لو شرط المحيل أن المحال عليه مليء ثم
تبين عسرته رجع المحتال على المحيل بلا نزاع
وتقدم إذا أحاله على مليء.
قوله: "وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو
أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا
فالحوالة باطلة" بلا نزاع.
قوله: "وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة لم تبطل
الحوالة".
إذا فسخ البيع بعيب أو إقالة أو خيار أو انفسخ
النكاح بعد الحوالة بين الزوجين ونحوها فلا
يخلو إما أن يكون بعد قبض المحتال مال الحوالة
أو قبله فإن كان بعد القبض لم تبطل الحوالة
قولا واحدا قاله ابن منجا في شرحه وجزم به في
المغنى والشرح والمصنف هنا وغيرهم.
فعلى هذا للمشتري الرجوع على البائع في مسألتي
حوالته والحوالة عليه لا على من كان عليه
الدين في المسألة الأولى ولا على من أحيل عليه
في الثانية.
وإن كان قبل القبض لم تبطل الحوالة أيضا على
الصحيح من المذهب سواء أحيل على المشتري بثمن
المبيع أو أحال به كما لو أعطى البائع بالثمن
عرضا جزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأمي
وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه المصنف وصاحب
المحرر والفروع وغيرهم.
والحكم على هذا كالحكم فيما إذا كان بعد القبض
على ما تقدم.
وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشترى
عليه في الصورة الأولى.
وللمشترى أن يحيل المحتال عليه على البائع في
الصورة الثانية.
ويحتمل أن يبطل وهو وجه كما لو بان البيع
باطلا ببينة أو اتفاقهما ولا تفريع عليه وجزم
به ابن رزين في نهايته ونظمها وأطلقهما في
المغنى والشرح وشرح ابن منجا والنظم وقال
القاضي تبطل الحوالة به لا عليه لتعلق الحق
بثالث.
وجزم في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي والتلخيص والبلغة.
(5/171)
وغيرهم بصحة
الحوالة على المشتري وهي الصورة الثانية في
كلام المصنف.
وأطلقوا الوجهين في بطلان الحوالة به وهي
الصورة الأولى في كلام المصنف إلا في الكافي
فإنه قدم بطلان الحوالة وأطلقهن في الرعايتين
والحاويين والفائق.
فعلى الوجه الثاني هل يبطل إذن المشتري للبائع
أم لا فيه وجهان واطلقهما في الفروع
أحدهما يبطل قدمه في الرعاية الكبرى.
والثاني لا يبطل قال في التلخيص فعلى وجه
بطلان الحوالة لا يجوز له القبض فإن فعل احتمل
أن لا يقع عن المشتري لأن الحوالة انفسخت فبطل
الإذن الذي كان ضمنها واحتمل أن يقع عنه لأن
الفسخ ورد على خصوص جهة الحوالة دون ما تضمنه
الإذن فيضاهي تردد الفقهاء في الأمر إذا نسخ
الوجوب هل يبقى الجواز والأصح عند أصحابنا
بقاؤه وإذا صلى الفرض قبل وقته انعقد نفلا
انتهى.
قال شيخنا في حواشي الفروع وهذا يرجع إلى
قاعدة وهي ما إذا بطل الوصف هل يبطل الأصل أو
يبطل الوصف فقط؟.
ويرجع إلى قاعدة وهي إذا بطل الخصوص هل يبطل
العموم وهي مسألة خلاف بين العلماء ذكرها في
القواعد الأصولية.
قوله: "وإن قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال
وكلتك قال بل أحلتني فالقول قول مدعي
الوكالة".
هذا المذهب فيهما وعليه أكثر الأصحاب وجزم به
في المغنى والكافي والمحرر والشرح والنظم وشرح
ابن منجا والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في
الهداية والمذهب والمستوعب والرعايتين
والحاويين.
وقيل القول قول مدعي الحوالة اختاره القاضي
وقدمه في الخلاصة وأطلقهما في التلخيص
والفروع.
قوله: "وإن اتفقا على أنه قال أحلتك وادعى
أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الأخر ففي
أيهما يقبل قوله؟ وجهان".
وأطلقهما في الكافي والمغنى وشرح ابن منجا
والنظم والحاويين والفروع.
أحدهما القول قول مدعي الوكالة وهو المذهب جزم
به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم
وقدمه في المحرر والرعايتين وصححه في التصحيح
والوجيز.
والوجه الثاني القول قول مدعي الحوالة وصححه
في التلخيص والفائق وتجريد العناية قلت وهو
الصواب.
(5/172)
فائدتان
إحداهما مثل ذلك في الحكم لو قال أحلتك بديني
وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة قاله في
الفروع.
وقدم في الرعاية الكبرى في هذه أن القول قول
مدعي الحوالة.
الثانية لو اتفقا على أنه قال أحلتك بالمال
الذي قبل فلان ثم اختلفا فقال المحيل إنما
وكلتك في القبض لي وقال الأخر بل أحلتني بديني
فقيل القول قول المحيل قدمه في الرعايتين
والحاويين والفائق.
قال في الفروع جزم به جماعة.
وقيل القول قول مدعي الحوالة لأن الظاهر معه
وقدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في المغنى
والشرح والفروع ويأتي عكسها.
فعلى الأول يحلف المحيل ويبقى حقه في ذمة
المحال عليه قاله المصنف والشارح.
قال في الرعاية الكبرى والفروع لا يقبض
المحتال من المحال عليه لعزله بالإنكار وفي
طلب دينه من المحيل وجهان وأطلقهما في الرعاية
والحاويين والفائق والفروع.
وقال لأن دعواه الحوالة براءة.
أحدهما له طلبه وهو الصحيح من المذهب صححه
المصنف والشارح.
وعلى الثاني يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة
المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل.
قال المصنف والشارح وعلى كلا الوجهين إن كان
المحتال قد قبض الحق من المحال عليه وتلف في
يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان
عليه سواء تلف بتفريط أو غيره.
وإن لم يتلف احتمل أن لا يملك المحيل طلبه
ويحتمل أن يملك أخذه منه ويملك مطالبته بدينه
وهو الصحيح.
قال في الفروع تفريعا على القول الأول وما
قبضه المحتال ولم يتلف فللمحيل أخذه في الأصح
وجزم به في الرعاية الكبرى وأطلقهما في المغنى
والشرح.
وقيل يملك المحيل أخذه منه ولا يملك المحتال
المطالبة بدينه لاعترافه ببراءة المحيل منه
بالحوالة وقد تقدم.
قال المصنف والشارح وليس بصحيح انتهيا.
وإن كانت المسألة بالعكس بأن قال المحيل أحلتك
بدينك فقال بل وكلتني ففيها الوجهان وأطلقهما
في المغنى والشرح والفروع.
(5/173)
أحدهما يقبل
قول مدعي الوكالة وهو الصحيح جزم به في
الرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
والوجه الثاني القول قول مدعي الحوالة.
فإن قلنا القول قول المحيل فحلف برئ من حق
المحتال وللمحتال قبض المال من المحال عليه
لنفسه.
وإن قلنا القول قول المحتال فحلف كان له
مطالبة المحيل بحقه ومطالبة المحال عليه فإن
قبض منه قبل أخذه من المحيل فله اخذ ما قبض
لنفسه وإن استوفى من المحيل دون المحال عليه
رجع المحيل على المحال عليه في أحد الوجهين.
قال القاضي وهذا أصح.
والوجه الثاني لا يرجع عليه وأطلقهما في
المغنى والشرح والرعايتين والحاويين والفائق.
وإن كان قبض الحوالة فتلفت في يده بتفريط أو
أتلفها سقط حقه على كلا الوجهين.
وإن تلفت بغير تفريط فعلى الوجه الأول يسقط
حقه أيضا وعلى الوجه الثاني له أن يرجع على
المحيل بحقه وليس للمحيل الرجوع على المحال
عليه قاله المصنف والشارح.
قوله: "وإن قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي
الحوالة وجها واحدا".
يعني إذا اتفقا على ذلك وادعى أحدهما أنه أريد
به الوكالة وأنكر الآخر فالقول قول مدعي
الحوالة لا أعلم فيه خلافا وقطع به الأصحاب.
فائدة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله الحوالة
على ماله في الديوان إذن في الاستيفاء فقط
وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله.
تنبيه ذكر بعض المصنفين مسألة المقاصة هنا
وذكرها بعضهم في آخر السلم ولم يذكرها المصنف
وذكر ما يدل عليها في كتاب الصداق.
وقد ذكرناها في أخر باب السلم فليعاود.
(5/174)
باب الصلح
فائدة الصلح عبارة عن معاقدة يتوصل بها إلى
إصلاح بين مختلفين.
قاله المصنف وغيره.
قال ابن رزين في شرحه هو الموافقة بعد
المنازعة انتهى.
(5/174)
والصلح أنواع
صلح بين المسلمين وأهل الحرب وتقدم في الجهاد
وصلح بين أهل البغي والعدل ويأتي وبين الزوجين
إذا خيف الشقاق بينهما أو خافت الزوجة إعراض
زوجها عنها ويأتي أيضا وبين المتخاصمين في غير
المال أو في المال وهو المراد هنا.
وهو قسمان صلح على الإقرار وصلح على الإنكار.
وقسم بالمال وهو الصلح مع السكوت عنه.
قوله: "في صلح الإقرار أحدهما الصلح على جنس
الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو
بعين فيهب له بعضها.
ويأخذ الباقي فيصح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول
على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه".
إذا أقر له بدين او بعين فوضع عنه بعضه أو وهب
له بعضها من غير شرط فهو صحيح لأن الأول إبراء
والثاني هبة بلا نزاع لكن لا يصح بلفظ الصلح
على الصحيح من المذهب لأنه هضم للحق.
قال في الفرع لا بلفظ الصلح على الأصح.
قال الزركشي هذا المشهور وهو مختار القاضي
وابن عقيل وغيرهما.
قال القاضي وهو مقتضى قول الإمام أحمد رحمه
الله ومن اعترف بحق فصالح على بعضه لم يكن
صلحا لأنه هضم للحق.
وقدمه في التلخيص وغيره وهو مقتضى كلام الخرقي
وابن أبي موسى انتهى وهو من المفردات.
وعنه يصح بلفظ الصلح وهو ظاهر ما في الموجز
والتبصرة واختاره ابن البنا في خصاله.
فائدة ظاهر كلام الخرقي أن الصلح على الإقرار
لا يسمى صلحا وقاله ابن أبي موسى وسماه القاضي
وأصحابه صلحا ق.
ال المصنف والشارح وغيرهما والخلاف في التسمية
وأما المعنى فمتفق عليه.
قال الزركشي وصورته الصحيحة عندهم أن يعترف له
بعين فيعاوضه عنها أو يهبه بعضها أو بدين
فيبرئه من بعضه ونحو ذلك فيصح إن لم يكن بشرط
ولا امتناع من أداء الحق بدونه انتهى.
وقول المصنف إن لم يكن بشرط له صورتان.
إحداهما أن يمنعه حقه بدونه فالصلح في هذه
الصورة باطل قولا واحدا.
والثانية أن يقول على أن تعطيني الباقي أو كذا
وما أشبهه فالصلح أيضا في هذه الصورة باطل على
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به
الأكثر.
(5/175)
وقيل يصح الصلح
والحالة هذه.
قوله: "ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع
كالمكاتب والمأذون له ونحوهما إلا في حال
الإنكار وعدم البينة". بلا نزاع فيهما.
وقوله: "وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم
البينة".
هو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم
به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يصح الصلح أيضا قطع به في الترغيب.
فائدة يصح الصلح عما ادعى على موليه وبه بينة
على الصحيح من المذهب وقيل لا يصح
قوله: "ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم
يصح".
هذا المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه
جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه
في الفروع وغيره.
وفي الإرشاد والمبهج رواية يصح.
واختاره الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا
وكدين الكتابة جزم به الأصحاب في دين الكتابة
ونقله ابن منصور.
وهي مستثناة من عموم كلام المصنف.
قوله: "وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه صح
الإسقاط دون التأجيل".
أما الإسقاط فيصح على الصحيح من المذهب
واختاره المصنف والشارح وغيرهما وجزم به في
الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه لا يصح الإسقاط.
وأما التأجيل فلا يصح على الصحيح من المذهب
وعليه الأصحاب لأنه وعد وعنه يصح وذكر الشيخ
تقي الدين رحمه الله رواية بتأجيل الحال في
المعاوضة لا التبرع.
قال في الفروع والظاهر أنها هذه الرواية.
وأطلق في التلخيص الروايتين في صحة الصلح.
ثم قال والذي أراه أن الروايتين في البراءة
وهو الإسقاط فأما الأجل في الباقي فلا يصح
بحال لأنه وعد انتهى.
(5/176)
واعلم أن أكثر
الأصحاب قالوا: لا يصح الصلح في هذه المسألة
وصححه في الهداية، والمذهب، والمستوعب،
والخلاصة، وغيرهم وجزم به في الكافي وغيره
وقدمه ناظم المفردات فقال:
والدين إن يوصف بالحلول ... فالصلح لا يصح في
المنقول
عليه بالبعض مع التاجيل ... رجحه الجمهور
بالدليل
وقال بالجزم به في الكافي ... وفصل المقنع
للخلاف
فصحح الإسقاط دون الآجل ... وذاك نص الشافعي
ينجلي
انتهى.
فائدة: مثل ذلك - خلافا ومذهبا -: لو صالحه عن
مائة صحاح بخمسين مكسرة، هل هو: إبراء من
الخمسين أو وعد في الأخرى؟.
قوله: "وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه
مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف
بأكثر منها من جنسها لم يصح".
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير
منهم.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله: الصحة في
ذلك وأنه قياس قول الإمام أحمد رحمه الله كعوض
وكالمثلى.
قال في الفروع: ويخرج على ذلك تأجيل القيمة
قاله القاضي وغيره.
وذكر المصنف والشارح ومن تبعهما رواية بالصحة
فيما إذا صالح عن المائة الثابتة بالإتلاف
بمائة مؤجلة.
قوله: "وإن صالحه بعرض قيمته أكثر منها صح
فيهما".
بلا نزاع.
فائدة لو كان في ذمته مثليا من قرض أو غيره لم
يجز أن يصالح عنه بأكثر منه من جنسه وإن صالح
عن قيمة ذلك بأكثر منها: جاز قطع به في الفروع
والرعاية وهو ظاهر ما جزم به في المحرر وغيره
ككلام المصنف.
قوله: "وإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية أو
امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح".
بلا نزاع أعلمه".
ومفهوم قوله: "وإن دفع المدعي عليه العبودية
إلى المدعى مالا صلحا عن دعواه صح".
(5/177)
أن المرأة لو
دفعت مالا صلحا عن دعواه عليها الزوجية: لم
يصح وهو أحد الوجهين وقدمه ابن رزين في شرحه
وهو ظاهر كلامه في المذهب والهداية والمستوعب
والخلاصة والتلخيص وغيرهم وكلامهم ككلام
المصنف.
والوجه الثاني: يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل
"وهو الصحيح" جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في
الكافي وغيره وصححه في النظم وغيره وأطلقهما
في المغنى والشرح والفروع والرعايتين
والحاويين والفائق.
قال المصنف والشارح: "ومتى صالحته على ذلك ثم
ثبتت الزوجية بإقرارها أو ببينة فإن قلنا
الصلح باطل فالنكاح باق بحاله وإن قلنا هو
صحيح احتمل ذلك أيضا.
قلت: وهو الصواب.
واحتمل أن تبين منه بأخذ العوض عما يستحقه من
نكاحها فكان خلعا وأطلقهما في الفروع والفائق
وشرح ابن رزين.
فائدة: لو طلقها ثلاثا أو أقل فصالحها على مال
لتترك دعواها: لم يجز وإن دفعت إليه مالا ليقر
بطلاقها لم يجز في أحد الوجهين.
قلت: هذا الصحيح من المذهب.
وفي الآخر: يجوز كما لو بذلته ليطلقها ثلاثا.
قلت: يجوز لها أن تدفع إليه ويحرم عليه أن
يأخذ وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
تنبيه قوله: "النوع الثاني أن يصالحه عن الحق
بغير جنسه فهو معاوضه فإن كان بأثمان عن أثمان
فهو صرف".
يشترط فيه ما يشترط في الصرف.
ومفهوم قوله: "وإن كان بغير الأثمان فهو بيع".
أن البيع يصح بلفظ الصلح وهو ظاهر كلام القاضي
في المجرد وابن عقيل في الفصول وقاله في
الترغيب.
وقال في التلخيص وفي انعقاد البيع بلفظ الصلح
تردد يحتمل أن يصح ويحتمل أن لا يصح وعللهما.
وتقدم ذلك في كتاب البيع.
فائدتان
إحداهما يجوز الصلح عن دين بغير جنسه مطلقا
ويحرم بجنسه بأكثر أو أقل على سبيل المعاوضة
وتقدم قريب من ذلك.
(5/178)
الثانية: لو
صالح بشيء في الذمة حرم التفرق قبل القبض.
قوله: "وإن صالحه بمنفعة كسكنى دار فهو إجارة
تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات".
قاله الأصحاب وذكر صاحب التعليق والمحرر لو
صالح الورثة من وصي له بخدمة أو سكنى أو حمل
أمة بدراهم مسماة جاز لا بيعا.
قوله: "وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فإن
كان الصلح عن عيب في مبيعها فبان أنه ليس بعيب
رجعت بأرشه لا بمهرها".
وهكذا رأيت في نسخة قرئت على المصنف والمصنف
ممسك للأصل وعليها خطه وكذا قال في الخلاصة
والمحرر وإدراك الغاية وغيرهم.
قال في تذكرة ابن عبدوس: "فبان صحيحا".
وفي منور الآدمي ومنتخبه: "فبان أن لا عيب".
وفي تجريد العناية: فبان بخلافه وعليها شرح
الشارح.
فمفهوم كلام هؤلاء أنه لو كان به عيب حقيقة ثم
زال عند المشترى: أنه لا يرجع بالأرش.
قال ابن نصر الله فى حواشى الوجيز: بلا خلاف.
ووجد فى نسخ فزال أى العيب وكذا فى الكافى
والوجيز والفروع وغيرهم.
فظاهر كلام هؤلاء أنه إن كان به عيب حقيقة ثم
زال كالحمى مثلا والمرض ونحوهما.
لكن أوله ابن منجا في شرحه وقال معنى "زال"
تبين وذكر أنه لمصلحة من أذن له في إصلاحه
كالنسخة الأولى ومثله بما إذا كان المبيع أمة
ظنها حاملا لانتفاخ بطنها ثم زال.
وقال: صرح به أبو الخطاب في الهداية.
ثم قال: فعلى هذا: إن كان موجودا –أي: العيب-
عند العقد ثم زال كمبيع طير مريضا فتعافى لا
شيء لها وزوال العيب بعد ثبوته حال العقد لا
يوجب بطلان الأرش.
لكن تأويله مخالف لظاهر اللفظ وهو مخالف لما
صرح به في الرعايتين والحاويين والمذهب والنظم
فإنهم ذكروا الصورتين وجعلوا حكمهما واحدا.
إذا تحقق ذلك فهنا صورتان:.
إحداهما: إذا تبين أنه ليس بعيب فهذه لا نزاع
فيها في رد الأرش.
(5/179)
الثانية: إذا
كان العيب موجودا ثم زال فهذه محل الكلام
والخلاف.
فحكى في الرعايتين فيها وجهين وزاد في الكبرى
قولا ثالثا.
أحدها: أنه حيث زال يرد الأرش وهو الذي قطع به
في المذهب والحاويين وقدمه في الرعايتين وهو
ظاهر قوله في الوجيز والكافي والفروع
لاقتصارهم على قولهم "فزال".
والقول الثاني: أن الأرش قد استقر لمن أخذه
ولو زال العيب ولا يلزمه رده وهذا ظاهر ما في
الخلاصة والمقنع في نسخة والمحرر والشرح
وإدراك الغاية وتذكرة ابن عبدوس والمنور
والمنتخب وتجريد العناية لاقتصارهم على قولهم
"فتبين أنه ليس بعيب" اختاره ابن منجا.
وقال ابن نصر الله: لا خلاف فيه.
وكأنه ما اطلع على كلامه في المذهب والرعايتين
والحاويين.
ولنا قول ثالث في المسألة اختاره ابن حمدان في
الكبرى.
فقال: قلت: إن زال العيب والعقد جائز أخذه
وإلا فلا انتهى.
قلت: وهو أقرب من القولين ويزاد: "إذا زال
سريعا عرفا والله أعلم.
وبعده القول بعدم الرد.
والقول بالرد مطلقا إذا زال العيب بعيد إذ لا
بد من حد يرد فيه.
ثم وجدته في النظم قال إذا زال سريعا فحمدت
الله على موافقة ذلك.
قوله: "ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان
مما لا يمكن معرفته للحاجة".
سواء كان عينا أو دينا أو كان الجهل من
الجانبين أو ممن عليه وهذا المذهب مطلقا.
وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل
وقطع به كثير منهم.
وخرج القاضي في التعليق وأبو الخطاب في
الانتصار وغيرهما: عدم الصحة في صلح المجهول
والإنكار من البراءة من المجهول.
وخرجه في التبصرة من الإبراء من عيب لم
يعلماه.
وقيل: لا يصح عن أعيان مجهولة لكونه إبراء وهي
لا تقبله.
وقال في الترغيب: وهو ظاهر كلامه واختاره في
التلخيص وقال: قاله القاضي في التعليق الكبير.
تنبيه: مفهوم كلامه: أنه إذا أمكن معرفة
المجهول لا يصح الصلح عنه وهو صحيح جزم به في
المغنى والكافي والشرح والمحرر والفائق وغيرهم
لعدم الحاجة كالبيع.
(5/180)
قال في الفروع:
وهو ظاهر نصوصه وهو ظاهر ما جزم به في الإرشاد
وغيره.
والذي قدمه في الفروع أنه كبراءة من مجهول.
قال في التلخيص: وقد نزل أصحابنا الصلح عن
المجهول المقر به بمعلوم منزلة الإبراء من
المجهول فيصح على المشهور لقطع النزاع.
وإن قلنا لا يصح الإبراء من المجهول فلا يصح
الصلح عنه.
فائدة: حيث قلنا: يصح الصلح عن المجهول فإنه
يصح بنقد ونسيئة جزم به في الفروع وغيره من
الأصحاب.
قوله: "القسم الثاني أن يدعي عليه عينا أو
دينا فينكره أو يسكت ثم يصالحه على مال فيصح
ويكون بيعا في حق المدعي حتى إن وجد بما أخذه
عيبا فله رده وفسخ الصلح وإن كان شقصا مشفوعا
ثبتت فيه الشفعة".
وإن صالح ببعض العين المدعى بها فهو فيه
كالمنكر قاله الأصحاب.
قال في الفروع: وفيه خلاف.
قال في الرعاية الكبرى: فهو كالمنكر وفي صحته
احتمالان.
"ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صالح عنه
بعيب ولا يؤخذ بشفعة".
اعلم أن الصحيح من المذهب: صحة الصلح على
الإنكار وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه لا يصح الصلح عن الإنكار.
فعلى المذهب: يثبت فيه ما قال المصنف وعليه
الأصحاب.
لكن قال في الإرشاد: يصح هذا الصلح بنقد
ونسيئة لأن المدعى ملجا إلى التأخير بتأخير
خصمه.
قال في التلخيص والترغيب: وظاهر ما ذكره ابن
أبي موسى: أن أحكام البيع والصرف لا تثبت في
هذا الصلح إلا فيما يختص بالبيع من شفعة عليه
وأخذ زيادة مع اتحاد جنس المصالح عنه والمصالح
به لأنه قد أمكنه أخذ حقه بدونها وإن تأخر.
واقتصر صاحب المحرر على قول الإمام أحمد رحمه
الله إذا صالحه على بعض حقه بتأخير: جاز.
وعلى قول ابن أبي موسى: الصلح جائز بالنقد
والنسيئة ومعناه ذكره أبو بكر فإنه قال: الصلح
بالنسيئة.
ثم ذكر رواية مهنا: يستقيم أن يكون صلحا
بتأخير فإذا أخذه منه لم يطالبه بالبقية
انتهى.
(5/181)
قلت ممن قطع
بصحة صلح الإنكار بنقد وسيئة ابن حمدان في
الرعاية وذكره في المستوعب والتلخيص والحاويين
وغيرهم عن ابن أبي موسى واقتصروا عليه.
قوله: "وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه
صح".
إذا صالح عن المنكر أجنبي فتارة يكون المدعى
به دينا وتارة يكون عينا.
فإن كان المدعى به دينا صح الصلح عند الأصحاب
وجزم به الأكثر منهم صاحب الفروع.
وقيل: لا يصح لأنه بيع دين لغير المديون ذكره
في الرعاية الكبرى.
وإن كان عينا ولم يذكر أن المنكر وكله فظاهر
كلام المصنف هنا صحة الصلح وهو المذهب وهو
ظاهر كلامه في الوجيز وغيره وجزم به في المغنى
والكافي والشرح وشرح ابن منجا وقدمه في
الرعايتين والفائق.
وقيل: لا يصح إن لم يدع أنه وكله جزم به في
المحرر والحاويين وهو ظاهر ما جزم به ابن رزين
في نهايته وقدمه في النظم وأطلقهما في الفروع.
قوله: "ولم يرجع عليه في أصح الوجهين".
قال في الخلاصة: لا يصح في الأصح وصححه ابن
منجا في شرحه.
قال في الرعاية الكبرى: أظهرهما لا يرجع
واختاره في الحاوي الكبير.
وهو ظاهر ما جزم به في الحاوي الصغير فإنه
قال: ورجع إن كان أذن.
وجزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفائق
والشرح والنظم.
والوجه الثاني: يرجع إن نوى الرجوع وإلا فلا.
قال المصنف: ومن تبعه وخرجه القاضي وأبو
الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه
الثابت بغير إذنه.
قال المصنف: وهذا التخريج لا يصح وفرق بينهما
قال في الفائق: والتخريج باطل وأطلقهما في
الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والرعاية
الصغرى والحاوي الكبير والفروع.
قوله: "وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة
له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها عالما
بعجزه عن استنقاذها لم يصح".
إذا لم يعترف الأجنبي للمدعي بصحة دعواه
فالصلح باطل بلا نزاع أعلمه.
(5/182)
وإن اعترف له
بصحة الدعوى وكان المدعى به دينا: لم يصح أيضا
على الصحيح من المذهب ومن الأصحاب من قال:
يصح.
قال في المغنى والشرح.
وليس بجيد قال ابن منجا في شرحه: وليس بشيء.
وإن كان المدعى به عينا فقال الأجنبي للمدعى
أنا أعلم أنك صادق فصالحني عنها فإني قادر على
استنقاذها من المنكر صح الصلح قاله الأصحاب.
فإن عجز عن انتزاعه: فله الفسخ كما قال المصنف
هنا.
قال في المغنى: ويحكى أنه إن تبين أنه لا يقدر
على تسليمه تبين أن الصلح كان فاسدا.
وهذه طريقة المصنف والشارح وغيرهما في هذه
المسألة.
وقال في الفروع: ولو صالح الأجنبي ليكون الحق
له مع تصديقه المدعى فهو شراء دين أو مغصوب
تقدم بيانه.
وكذا قال في الرعاية والحاوي والفائق وغيرهم
وهو الصواب.
والذي تقدم هو في آخر باب السلم عند قوله:
"ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته".
قوله: "ويصح الصلح عن القصاص بديات وبكل ما
يثبت مهرا".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في
المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع
وغيره.
وقيل: لا يصح بمبهم من أعيان مختلفة.
وقال في الرعاية الكبرى: ويحتمل منع صحة الصلح
بأكثر منها.
قال أبو الخطاب في الانتصار: لا يصح الصلح لأن
الدية تجب بالعفو والمصالحة فلا يجوز أخذ أكثر
من الواجب من الجنس.
وقال في الترغيب والتلخيص: يصح بما يزيد على
قدر الدية إذا قلنا يجب القود عينا.
أو اختاره الولي على القول بوجوب أحد شيئين.
وقيل: الاختيار يصح على غير جنس الدية ولا يصح
على جنسها إلا بعد تعيين الجنس -من إبل أو
غنم- حذرا من ربا النسيئة وربا الفضل انتهى.
وتابعه في الرعاية الكبرى والفائق وجماعة.
ويأتي التنبيه على ذلك في أوائل باب العفو عن
القصاص.
وتقدم الصلح عن دية الخطأ أنه لا يصح بأكثر
منها من جنسها.
(5/183)
فوائد
الأولى: قال في الفروع: وظاهر كلامهم: يصح
حالا ومؤجلا وذكره صاحب المحرر.
قلت: قال في الرعاية الكبرى ويصح الصلح عن
القود بما يثبت مهرا ويكون حالا في مال
القاتل.
الثانية: لو صالح عن القصاص بعبد أو غيره فخرج
مستحقا أو حرا: رجع بقيمته ولو علما كونه
مستحقا أو حرا أو كان مجهولا كدار وشجرة بطلت
التسمية ووجبت الدية أو أرش الجرح.
وإن صالح على حيوان مطلق من آدمي أو غيره صح
ووجب الوسط على الصحيح من المذهب وخرج بطلانه.
الثالثة: لو صالح عن دار ونحوها بعوض فبان
العوض مستحقا: رجع بالدار ونحوها أو بقيمته إن
كان تالفا لأن الصلح هنا بيع حقيقة إذا كان
الصلح عن إقرار وإن كان عن إنكار: رجع
بالدعوى.
قال في الرعاية: قلت: أو قيمته مع الإنكار.
وحكاه في الفروع قولا لأنه فيه بيع.
قوله: "وإن صالح سارقا".
وكذا شاربا ليطلقه أو شاهدا ليكتم شهادته أو
لئلا يشهد عليه أو ليشهد بالزور أو شفيعا عن
شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح بلا نزاع
وكذا لو صالحه بعوض عن خيار.
قوله: "وتسقط الشفعة".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الرعايتين: وتسقط الشفعة في الأصح.
قال في الحاويين: وتسقط في أصح الوجهين وجزم
به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والمغنى والشرح والتلخيص والوجيز والمنور
وغيرهم.
وقيل: لا تسقط اختاره القاضي وابن عقيل.
قال في تجريد العناية: وتسقط في وجه وأطلقهما
في المحرر والفروع والفائق.
ويأتي ذلك أيضا في كلام المصنف في باب الشفعة
في الشرط الثالث.
وأما سقوط حد القذف: فأطلق المصنف فيه وجهين
وأطلقهما في الخلاصة والمحرر والفائق وغيرهم.
(5/184)
وهما مبنيان
عند أكثر الأصحاب على أن حد القذف هل هو حق
لله أو للآدمي؟ فيه روايتان يأتيان إن شاء
الله تعالى في كلام المصنف في أوائل باب
القذف.
فإن قلنا: هو حق لله لم يسقط وإلا سقط والصحيح
من المذهب أنه حق للآدمي فيسقط الحد هنا على
الصحيح.
وقال في الرعاية الكبرى: وتسقط الشفعة في
الأصح وكذا الخلاف في سقوط حد القذف وقيل إن
جعل حق آدمي سقط وإلا وجب.
قوله: "وإن صالحه على أن يجري على أرضه أو
سطحه ماء معلوما صح".
بلا نزاع أعلمه.
لكن إن صالحه بعوض فإن كان مع بقاء ملكه: فهي
إجارة وإلا بيع.
وإن صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها
ماء وببناء موضعها وعرضها وطولها: جاز ولا
حاجة إلى بيان عمقه ويعلم قدر الماء بتقدير
الساقية وماء مطر: برؤية ما يزول عنه الماء
ومساحته ويعتبر فيه تقدير ما يجري فيه الماء
لا قدر المدة للحاجة كالنكاح.
فوائد
الأولى: إذا أراد أن يجري ماء في أرض غيره من
غير ضرر عليه ولا على أرضه لم يجز له ذلك إلا
بإذن ربها إن لم تكن حاجة ولا ضرورة بلا نزاع
وإن كان مضرورا إلى ذلك: لم يجز أيضا إلا
بإذنه على الصحيح من المذهب.
قال المصنف وصاحب الحاوي الكبير والشارح: هذا
أقيس وأولى وقدمه في الفروع.
وعنه يجوز ولو مع حفر اختاره الشيخ تقي الدين
رحمه الله وصاحب الفائق وقدمه في الرعاية
الكبرى وجزم به في الوجيز وأطلقهما في المغنى
والشرح والرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
فعلى الرواية الثانية: لا يجوز فعل ذلك إلا
للضرورة وهو ظاهر ما قطع به في المغني والشرح
والحاوي الكبير وجزم به في الفائق والوجيز.
وقيل: يجوز للحاجة.
وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير: إنما حكوا
الروايتين في الحاجة.
وأطلق القولين في الفروع وأطلقهما ابن عقيل في
حفر بئر أو إجراء نهر أو قناة.
نقل أبو الصقر: إذا أساح عينا تحت أرض فانتهى
حفره إلى أرض لرجل أو دار: فليس له منعه من
ظهر الأرض ولا بطنها إذا لم يكن عليه مضرة.
الثانية: لو كانت الأرض في يده بإجارة جاز
للمستأجر أن يصالح على إجراء الماء فيها في
ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الإجارة وإن لم
تكن الساقية محفورة: لم تجز المصالحة على
(5/185)
ذلك وكذا حكم
المستعير.
ولا يصح منهما الصلح على إجراء ماء المطر على
سطح.
وفيه على أرض بلا ضرر احتمالان وأطلقهما في
الفروع والمغنى والشرح والحاوي الكبير.
قلت الصواب عدم الجواز ثم رأيت ابن رزين في
شرحه قدمه.
وإن كانت الأرض التي في يده وقفا فقال القاضي
وابن عقيل هو كالمستأجر وجزم به في الرعاية
الكبرى وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقدمه ابن
رزين في شرحه.
وقال المصنف: يجوز له حفر الساقية لأن الأرض
له وله التصرف فيها كيف شاء ما لم ينقل الملك
فيها إلى غيره بخلاف المستأجر.
قال في الفروع: فدل أن الباب والخوخة والكوة
ونحو ذلك: لا يجوز فعله في دار مؤجرة وفي
موقوفة: الخلاف أو يجوز قولا واحدا وهو أولى
لأن تعليل الشيخ -يعني به المصنف- لو لم يكن
مسلما لم يفد وظاهره: لا تعتبر المصلحة وإذن
الحاكم بل عدم الضرر وأن إذنه يعتبر لرفع
الخلاف.
ويأتي كلام ابن عقيل في الوقف.
وفيه إذنه فيه لمصلحة المأذون الممتاز بأمر
شرعي فلمصلحة الموقوف أو الموقوف عليه أولى
وهو معنى نصه في تجديده لمصلحة.
وذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله عن أكثر
الفقهاء في تغيير صفات الوقف لمصلحة كالحكورة
وعمله حكام الشام حتى صاحب الشرح في الجامع
المظفري وقد زاد عمر وعثمان رضي الله عنهما في
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيرا بناءه ثم
عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وزاد فيه
أبوابا ثم المهدي ثم المأمون.
الثالثة: لو صالح رجلا على أن يسقي أرضه من
نهر لرجل يوما أو يومين أو من عينه وقدره بشيء
يعلم به لم يجز على الصحيح من المذهب لأن
الماء ليس بمملوك ولا يجوز بيعه فلا يجوز
الصلح عليه أختاره القاضي وقدمه في الفروع.
وقيل: يجوز وهو احتمال في المغنى والشرح ومالا
إليه.
قلت وهو الصواب وعمل الناس عليه قديما وحديثا.
الرابعة: إذا صالحه على سهم من العين أو النهر
-كالثلث والربع ونحوهما- جاز وكان بيعا للقرار
والماء تابع له وجزم به في المغنى والشرح
والفروع وغيرهم.
(5/186)
قوله: "ويجوز
أن يشتري ممرا في دار وموضعا في حائطه يفتحه
بابا وبقعة يحفرها بئرا وعلو بيت يبني عليه
بنيانا موصوفا".
بلا نزاع وقال المصنف ومن تبعه في وضع خشب أو
بناء يجوز إجارة مدة معلومة ويجوز صلحا أبدا.
قوله: "فإن كان البيت غير مبني لم يجز في أحد
الوجهين".
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح ابن منجا.
أحدهما: يجوز -أي يصح- إذا وصف العلو والسفل
وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: والأصح يصح إذا كان معلوما
وجزم به في الهداية والخلاصة والمحرر والوجيز
والحاوي الكبير وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم
وصححه في التصحيح والرعاية وغيرهما.
والوجه الثاني: لا يجوز أي لا يصح قاله
القاضي.
وتقدم التنبيه على ذلك كله في كتاب البيع في
الشرط الثالث فإنه داخل في كلامه هناك على وجه
العموم وهنا مصرح به.
وبعض الأصحاب ذكر المسألة هناك وبعضهم ذكرها
هنا وبعضهم عبر بالصلح عن ذلك وهو كالبيع هنا
فالنقل فيها من المكانين.
تنبيه: حيث صححنا ذلك فمتى زال فله إعادته
مطلقا ويرجع بأجرة مدة زواله عنه وفي الصلح
على زواله وعدم عوده.
فائدة: حكم المصالحة في ذلك كله حكم البيع.
لكن قال في الفنون فإذا فرغت المدة يحتمل أنه
ليس لرب الجدار مطالبته بقلع خشبه.
قال: وهو الأشبه كإعارته لذلك لما فيه من
الخروج عن حكم العرف لأن العرف وضعها للأبد
فهو كإعارة الأرض للدفن.
ثم إما أن يتركه بعد المدة بحكم العرف بأجرة
مثله إلى حين نفاد الخشب لأنه العرف فيه
كالزرع إلى حصاده للعرف فيه أو يجدد أجرة
بأجرة المثل وهي المستحقة بالدوام بلا عقد.
قوله: "وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره
فطالبه بإزالتها لزمه فإن أبى فله قطعها".
قال الأصحاب: له إزالتها بلا حكم حاكم.
قال في الوجيز: فإن أبى لواه إن أمكن وإلا فله
قطعه وكذا قال غيره.
(5/187)
وقيل للإمام
أحمد رحمه الله: يقطعه هو؟ قال لا يقول لصاحبه
حتى يقطعه.
فائدة: إذا حصل في ملكه أو هوائه أغصان شجرة
لزم المالك إزالته إذا طالبه بذلك بلا نزاع
لكن لو امتنع من إزالته فهل يجبر عليه ويضمن
ما تلف به فيه وجهان وأطلقهما في الفروع
والفائق والنظم.
أحدهما: لا يجبر ولا يضمن ما تلف به وهو
الصحيح قدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين
في عدم الإجبار.
والثاني: يجبر على إزالته ويضمن ما تلف به وهو
احتمال في المغنى والشرح.
وقال ابن رزين: ويضمن ما تلف به إن أمر
بإزالته ولم يفعل.
وكذا قال في المغنى والشرح.
قوله: "وإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز".
وهو أحد الوجوه جزم به في الهداية والمذهب
ومسبوك الذهب والخلاصة ونهاية ابن رزين وقدمه
في الرعاية الكبرى وقيل: يجوز.
قال المصنف في المغنى: اللائق بمذهبنا صحته
واختاره ابن حامد وابن عقيل وجزم به في المنور
وقدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في المغنى
والمحرر والشرح والفروع.
وقيل: إن صالحه عن رطبه لم يجز وإن كان يابسا
جاز اختاره القاضي وجزم به في الوجيز
والمستوعب.
وقدم في التلخيص عدم الجواز في الرطبة لأنها
تتغير وأطلق الوجهين في اليابسة.
وقال في الرعاية الصغرى والحاويين: وإن صالحه
عن رطبة لم يجز.
وقيل في الصلح عن غصن الشجرة: وجهان انتهيا.
وأطلق الأوجه الثلاثة في النظم والفائق.
واشترط القاضي للصحة: أن يكون الغصن معتمدا
على نفس الحائط ومنع إذا كان في نفس الهواء
لأنه تابع للهواء المجرد.
وقال في التبصرة: يجوز مع معرفة قدر الزيادة
بالأذرع.
قوله: "وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما
جاز ولم يلزم".
وهو المذهب جزم به في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس
والرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم وقدمه في
الفائق.
قال في الرعاية الكبرى: جاز في الأصح.
وقيل: لا يجوز.
(5/188)
وقال الإمام
أحمد رحمه الله -في جعل الثمرة بينهما-: لا
أدري وهما احتمالان مطلقان في المغنى والشرح
وأطلقهما في الفروع.
وقال المصنف: والذي يقوي عندي أن ذلك إباحة لا
صلح.
فائدتان
إحداهما: حكم عروق الشجرة في غير أرض مالكها
حكم الأغصان على الصحيح من المذهب جزم به في
المغنى والشرح والنظم والفائق وغيرهم وقدمه في
الفروع.
وقيل عنه: حكمها حكم الأغصان إذا حصل ضرر وإلا
فلا.
الثانية: صلح من مال حائطه أو زلق من خشبه إلى
ملك غيره: كالأغصان قاله في الفروع.
وقال: وهو ظاهر رواية يعقوب.
وفي المبهج -في باب الأطعمة- ثمرة غصن في هواء
طريق عام للمسلمين.
قوله: "ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا
ولا ساباطا".
وكذا لا يجوز أن يخرج دكة وهذا المذهب مطلقا
نص عليه في رواية أبي طالب وابن منصور ومهنا
وغيرهم انتهى.
وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو
من مفردات المذهب.
وحكي عن الإمام أحمد رحمه الله جوازه بلا ضرر
ذكره الشيخ تقي الدين الله في شرح العمدة
واختاره هو وصاحب الفائق.
فعلى المذهب فيهما وفي الميزاب -الآتي حكمه-
يضمن ما تلف بهم.
ويأتي ذلك في كلام المصنف في أخر باب الغصب.
وفي سقوط نصف الضمان بناء على أصله وجهان
وأطلقهما في الفروع لرعاية في باب الغصب.
قلت: الصواب ضمان الجميع.
ثم وجدت المصنف والشارح في -كتاب الغصب- قالا
لمن قال من أصحاب الشافعي: إنه يضمن بالنصف
لأنه إخراج يضمن به البعض فضمن به الكل لأنه
المعهود في الضمان.
وقال الحارثي: وقال الأصحاب: وبأن النصف عدوان
فأوجب كل الضمان. فظاهر ما قالوا: أنه يضمن
الجميع.
(5/189)
فائدتان
إحداهما: لا يجوز إخراج الميزاب إلى الطريق
النافذ ولا إلى درب غير نافذ إلا بإذن أهله
على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في القواعد الفقهية: هو كإشراع الأجنحة
عند الأصحاب وهو كما قال وهو من المفردات.
وفي المغنى والشرح احتمال بالجواز مع انتفاء
الضرر.
وحكي رواية عن الإمام أحمد ذكره الشيخ تقي
الدين رحمه الله في شرح العمدة كما تقدم.
قلت: وعليه العمل في كل عصر ومصر.
قال في القواعد الفقهية: اختاره طائفة من
المتأخرين.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إخراج
الميازيب إلى الدرب هو السنة واختاره وقدمه في
النظم فعلى هذا لا ضمان.
تنبيه: محل عدم الجواز والضمان في الجناح
والساباط والميازيب إذا لم يأذن فيه الإمام أو
نائبه.
فأما إن أذن أحدهما فيه: جاز ذلك إن لم يكن
فيه ضرر عند جماهير الأصحاب.
قال في الفروع: وجوز ذلك الأكثر بإذن الإمام
وقاله في القواعد عن القاضي والأكثر.
وجزم به في التلخيص والمحرر والنظم وغيرهم.
قال الحارثي: وجزم به القاضي في المجرد
والتعليق الكبير وابن عقيل في الفصول.
وقيل لا يجوز ولو أذن فيه قدمه في المغنى
والشرح والرعايتين والفائق والحاويين.
وقال الحارثي في باب الغصب: والمذهب المنصوص
عدم الإباحة مطلقا كما تقدم في باب الصلح
انتهى.
وقدمه في القاعدة الثامنة والثمانين وقال نص
عليه في رواية أبي طالب وابن منصور ومهنا
وغيرهم قاله القاضي في المجرد.
قلت: بل هو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقال المجد في شرحه في كتاب الصلاة: إن كان لا
يضر بالمارة جاز وهل يفتقر إلى إذن الإمام؟
على روايتين.
الثانية: لم يذكر الأصحاب مقدار طول الجدار
الذي يشرع عليه الجناح والميزاب.
(5/190)
والساباط إذا
قلنا بالجواز لكن حيث انتفى الضرر جاز.
وقال في التلخيص والترغيب: يكون بحيث يمكن
عبور محمل وقدمه في الرعاية الكبرى واختاره
الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال بعض الأصحاب: يكون بحيث يمكن مرور رمح
قائما بيد فارس.
قوله: "ولا دكانا".
لا يجوز أن يشرع دكانا في طريق نافذ سواء أذن
فيه الإمام أو لا على الصحيح من المذهب وعليه
جماهير الأصحاب.
قال في المغنى والشرح والحاوي الكبير: لا نعلم
فيه خلافا وقدمه في الفروع.
وقيل: حكمه حكم الجناح ونحوه.
قال في الفروع: مع أن الأصحاب لم يجوزوا حفر
البئر والبناء في ذلك لنفسه وكأنه لما فيه من
الدوام قال: ويتوجه من هذا الوجه تخريج يعني
في جواز حفر البئر والبناء.
وظاهر كلامه في الرعاية الكبرى: جواز إخراج
الدكان وإن منعنا من غيره على المقدم.
فإنه قال: وليس لأحد أن يخرج إلى درب نافذ من
ملكه روشنا ولا كذا ولا كذا وقيل: ولا دكانا.
ولعله سهو إن لم يكن في النسخة غلط.
تنبيه: ممن ذكر "الدكان" كالمصنف واقتصر عليه
أبو الخطاب في الهداية والمستوعب وجمع كثير.
وممن ذكر "الدكة" واقتصر عليها ولم يذكر
الدكان جماعة منهم ابن حمدان في الرعاية
الصغرى وصاحب الحاوي الصغير.
وقد فسر ابن منجا "الدكان" في كلام المصنف
بالدكة.
قال في المطلع: قال أبو السعادات: الدكان
الدكة المبنية للجلوس عليها.
وقال في البدر المنير: الدكة المكان المرتفع
يجلس عليه وهو المصطبة.
وجمع ابن حمدان في الرعاية الكبرى بينهما
فقال: وليس لأحد أن يخرج إلى طريق نافذ دكة
وقيل: ولا دكانا انتهى فغاير بينهما.
وقد قال الجوهري "الدكان" الحانوت انتهى.
فهو غير الدكة عنده.
وقال في البدر المنير: و"الدكان" يطلق على
الحانوت وعلى "الدكة" التي يقعد عليها انتهى.
(5/191)
وقال في
القاموس: الدكة بالفتح والدكان بالضم بناء
يسطح أعلاه للمقعد انتهى.
قوله: "ولا أن يفعل ذلك في درب غير نافذ إلا
بإذن أهله".
بلا نزاع وكذا لا يجوز له أن يفعل ذلك في هواء
جاره إلا بإذنه.
قوله: "فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد
الوجهين".
وهو المذهب قال في الفروع ويصح صلحه عن معلومه
بعوض في الأصح وصححه في التصحيح والفائق
والرعايتين والحاويين واختاره أبو الخطاب
وغيره وجزم به في المحرر والوجيز والمنور
وغيرهم وقدمه في المغنى والشرح وغيرهما.
الوجه الثاني: لا يجوز اختاره القاضي وجزم به
في نهاية ابن رزين ورده المصنف والشارح
وأطلقهما في المذهب والخلاصة.
قوله: "وإن كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح
فيه بابا لغير الاستطراق جاز".
وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنهم وهو لابن عقيل
واختاره بعض الأصحاب.
قوله: "وإن فتحه للاستطراق لم يجز إلا بإذنهم
في أحد الوجهين".
وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وصححه
في التصحيح وغيره وجزم به في الوجيز وغيره
وقدمه في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
قال في الفائق: لم يجز في أصح الوجهين.
والوجه الثاني: يجوز بغير إذنهم.
قوله: "ولو أن بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى
أوله".
يعني إذا لم يحصل ضرر من فتحه محاذيا لباب
غيره ونحوه وهذا المذهب مطلقا وعليه جماهير
الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والمحرر
والوجيز والفائق وغيرهم.
وقال في الترغيب: وقيل: لا يجوز محاذيا لباب
غيره.
فظاهره: أنه قدم الجواز مطلقا وهو ضعيف.
(5/192)
قوله: "ولم
يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين".
وهو المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم
به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة
والمحرر والوجيز وغيرهم وقدمه في المغنى
والشرح والفروع وشرح ابن رزين والفائق وغيرهم.
والوجه الثاني: يجوز قال في الحاوي الكبير
اختاره صاحب المغنى لكن لا يفتحه قبالة باب
غيره نص عليه.
وقال ابن أبي موسى: يجوز إن سد الباب الأول
وهو ظاهر نقل يعقوب.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يأذن له من فوقه.
فأما إن أذنوا ارتفع الخلاف على الصحيح.
وقيل: لا بد أيضا من إذن من هو أسفل منه وهو
بعيد.
وحيث قلنا: بالإذن وأذنوا فيكون إعارة.
قال في الفروع: ويكون إعارة في الأشبه وكذا
قال قبله في الرعاية الكبرى.
فوائد
إحداهما: لو كان لرجل داران ظهر كل واحدة
منهما إلى ظهر الأخرى وباب كل واحدة منهما إلى
درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا
واحدة جاز فإن فتح من كل واحدة منهما بابا إلى
الأخرى ليتمكن من التطرق من كل واحدة منهما
إلى كلا الدارين فقال القاضي: لا يجوز وجزم به
في المذهب وقدمه ابن رزين في شرحه.
قال في الرعاية الكبرى: لم يجز في الأصح.
قال في الصغرى: جاز في وجه وقيل: لا يجوز.
قال المصنف: الأشبه الجواز قلت وهو الصواب.
قال في النظم: وهو الأقوى وجزم به في المنور
وأطلقهما في التلخيص والمحرر والحاويين.
الثانية: الصحيح من المذهب أن الجار يمنع من
التصرف في ملكه بما يضر بجاره كحفر كنيف إلى
جنب حائط جاره وبناء حمام إلى جنب داره يتأذى
بذلك ونصب تنور يتأذى باستدامة دخانه وعمل
دكان قصارة أو حدادة يتأذى بكثرة دقة أو رحى
أو حفر بئر ينقطع به ماء بئرا جاره ونحو ذلك
وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المحرر وغيره
وقدمه في المغنى والشرح والرعايتين والحاويين
والفروع وغيرهم.
(5/193)
فإن حفر بئرا
في ملكه فانقطع ماء بئر جاره أمر بسدها ليعود
ماء البئر الأولة على الصحيح.
فإن لم يعد كلف صاحب البئر الأولة حفر البئر
التي سدت لأجله من ماله.
وعنه لا يكلف سد بئره ولو انقطع ماء بئر جاره.
قال القاضي: فيخرج في المسائل التي قبلها من
الحمام والتنور ودكان القصارة والحدادة ونحوها
روايتين.
قال ابن رزين: رواية عدم المنع في الجميع
أقيس.
وقال في التلخيص: في باب أحياء الموات يمنع من
ذلك.
ثم قال: وفيه رواية أخرى لا يمنع من ذلك.
اختاره أبو بكر ذكره أبو إسحاق في تعاليقه
عنه.
وأطلق الروايتين في الجميع في الفائق.
الثالثة: لو ادعى أن بئره فسدت من خلاء جاره
أو بالوعته طرح في الخلاء أو البالوعة نفط فإن
لم يظهر طعم النفط ولا رائحته في البئر علم أن
فسادها بغير ذلك وإن ظهر طعمه أو رائحته فيها
كلف صاحب الخلاء والبالوعة نقل ذلك إن لم يمكن
إصلاحها.
هذا إذا كانت البئر أقدم منهما.
وعلى الرواية الأخرى: لا يلزم مالك الخلاء
والبالوعة تغيير ما عمله في ملكه بحال قاله في
الحاويين وغيره.
الرابعة: ليس له منعه من تعلية داره في ظاهر
ما ذكره المصنف في المغنى ولو أفضى إلى سد
الفضاء عن جاره قاله الشيخ تقي الدين رحمه
الله.
وقال في الفروع: ويتوجه من قول الإمام أحمد
رحمه الله "لا ضرر ولا ضرار" منعه.
قلت: وهو الصواب.
وقال الشيخ تقي الدين: ليس له منعه خوفا من
نقص أجرة ملكه بلا نزاع.
وقد قال في الفنون: من أحدث في داره دباغ
الجلود أو عمل الصحناء يحتمل المنع.
وقال ابن عقيل أيضا: لا يجوز أن يحدث في ملكه
قناة تنز إلى حيطان الناس انتهى.
قوله: "وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا
الحائط المشترك روزنة ولا طاقا إلا بإذن
صاحبه".
يحرم عليه التصرف في ذلك حتى بضرب وتد ولا
يحدث سترة.
قال في الفروع: ذكره جماعة.
(5/194)
وحمل القاضي
قول الإمام أحمد رحمه الله: "يلزم الشريك
النفقة مع شريكه على السترة" على سترة قديمه
انهدمت.
واختار في المستوعب وجوبها مطلقا على نصه
فقال: وعندي أن السترة واجبة على كل حال على
ما نص عليه من وجوبها.
فائدة: يلزم للأعلى بناء سترة تمنع مشارفة
الأسفل على الصحيح من المذهب وعليه جماهير
الأصحاب ونقله ابن منصور وجزم به في المغنى
والشرح والمحرر والحاويين والرعاية الصغرى
وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الفروع
والرعاية الكبرى وهو من مفردات المذهب.
وقيل: يشاركه الأسفل.
وأما إذا تساويا فإن الممتنع يلزم بالمشاركة.
قوله: "وليس له وضع خشبه عليه يعني على حائط
جاره أو الحائط المشترك إلا عند الضرورة بأن
لا يمكنه التسقيف إلا به".
إذا أراد أن يضع خشبة على جدار جاره أو الجدار
المشترك فلا يخلو إما أن يتضرر الحائط بذلك
أولا فإن تضرر بذلك منع بلا نزاع.
وإن لم يتضرر فلا يخلو إما أن يكون صاحب الخشب
مستغنيا عن ذلك لإمكانه وضعه على غيره أولا
فإن كان مستغنيا عن وضعه وأراد وضعه عليه منع
منه على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال المصنف والشارح: عليه أكثر الأصحاب وقدمه
في الفروع وصححه في الرعاية وغيرها وجزم به في
الهداية والمذهب والخلاصة والمستوعب والوجيز
وغيرهم.
وقال ابن عقيل: يجوز.
واطلق الإمام أحمد رحمه الله الجواز وكذا صاحب
المحرر وغيره.
وإن لم يكن مستغنيا ودعت الضرورة إلى ذلك عند
الأكثر وفي المغنى والشرح ودعت الحاجة إلى ذلك
فالصحيح من المذهب له وضعه عليه نص عليه وعليه
جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من
المفردات.
فعلى هذا: لا يجوز لرب الجدار منعه وإن منعه
أجبره الحاكم.
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على عدم اعتبار
إذنه في الوضع ولو صالحه عنه بشيء جاز.
قال في الرعاية: جاز في الأصح انتهى.
وقيل: لا يجوز له وضعه بغير إذنه.
(5/195)
وخرجه أبو
الخطاب من رواية المنع من وضعه على جدار
المسجد وهو قول المصنف.
وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره لأن
له في المسجد حقا.
وحق الله مبني على المساهلة وكذا قال في
الهداية والمستوعب والحاويين.
فائدة: ذكر أكثر الأصحاب الضرورة مثل أن يكون
للجار ثلاثة جدر وله جدار واحد منهم القاضي
وابن عقيل وجزم به في المستوعب والرعاية وقال
المصنف والشارح: وليس هذا في كلام الإمام أحمد
رحمه الله إنما قال في رواية أبي داود: "لا
يمنعه إذا لم يكن ضرر وكان الحائط يبقى" ولأنه
قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا غير
متقابلين أو كان البيت واسعا يحتاج أن يجعل
فيه جسرا ثم يضع الخشب على ذلك الجسر.
قال المصنف: والأولى اعتباره بما ذكرنا من
امتناع التسقيف بدونه ولا فرق فيما ذكرنا بين
البالغ واليتيم والعاقل والمجنون.
تنبيه: ظاهر قوله: "وعنه ليس له وضع خشبه على
جدار المسجد".
أن المقدم جواز وضعه عليه وهو ظاهر ما قدمه في
الحاويين وهو إحدى الروايتين أو الوجهين وهو
المذهب عند ابن منجا في شرحه وجزم به في
المنور وهو احتمال في المذهب.
والرواية الأخرى: ليس له وضعه على جدار المسجد
وإن جاز وضعه على جدار غيره وهي التي ذكرها
المصنف هنا واختارها أبو بكر وأبو محمد
الجوزي.
وصححه في الرعايتين وجزم به في الخلاصة وقدمه
في المذهب وأطلقهما في التلخيص والشرح والمحرر
والفروع والفائق والكافي.
فوائد
إحداها: لو كان له حق ماء يجري على سطح جاره
لم يجز له تعلية سطحه ليمنع الماء ذكره ابن
عقيل وغيره وليس له تعليته لكثرة ضرره.
الثانية: يجوز له الاستناد إلى حائط جاره
وإسناد قماشه إليه.
وذكر في النهاية في منعه احتمالين.
وله الجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه.
ونقل المروذي: يستأذنه أعجب إلى فإن منعه
حاكمه.
ونقل جعفر: قيل له: أيضعه ولا يستأذنه؟ قال
نعم إيش يستأذنه؟!.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: العين
والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد
عليها عقد بيع وإجارة اتفاقا، كمسألتنا.
(5/196)
الثالثة: لو
ملك وضع خشبه على حائط فزال لسقوطه أو قلعه أو
سقوط الحائط ثم أعيد فله إعادة خشبة إن حصل له
ضرر بتركه ولم يخش على الحائط من وضعه عليه
وإن خيف سقوط الحائط بعد وضعه عليه لزمه
إزالته.
الرابعة: لو كان له وضع خشبه على جدار غيره لم
يملك إجارته ولا إعارته ولا يملك أيضا بيعه
ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره.
ولو أراد صاحب الحائط إعارته أو إجارته على
وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه لم يملك ذلك
فيعايي بها.
ولو أراد هدم الحائط من غير حاجة لم يملك ذلك.
الخامسة: لو أذن صاحب الحائط لجاره في البناء
على حائطه أو وضع سترة عليه أو وضع خشبه عليه
في الموضع الذي يستحق وضعه جاز وصارت عارية
لازمة يأتي حكمها في باب العارية
وإن أذن في ذلك بأجرة جاز سواء كانت إجارة أو
صلحا على وضعه على التأبيد ومتى زال فله
إعادته.
ويشترط معرفة البناء والعرض والطول والسمك
والآلات.
السادسة: لو وجد بناءه أو خشبه على حائط مشترك
أو حائط جاره ولم يعلم سببه فمتى زال فله
أعادته.
وكذا لو وجد مسيل ماء يجري في أرض غيره أو
مجرى ماء سطحه على سطح غيره وما أشبهه فإن
اختلفا فالقول قول صاحب الخشب ونحوه.
قوله: "وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب
أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر عليه".
هذا المذهب بلا ريب ونص عليه في رواية ابن
القاسم وحرب وسندي وعليه جماهير الأصحاب.
قال في الفروع: اختاره أصحابنا.
قال ابن عقيل: عليه أصحابنا.
قال القاضي: هذا أصح.
قال في الرعاية الكبرى: لزم الأخر على الأصح.
قال في الحاويين والفائق وغيرهم: أجبر في أصح
الروايتين.
قال ابن رزين: اختاره أكثر الأشياخ.
(5/197)
قال في القواعد
الفقهية: هذا المذهب نص عليه في رواية جماعة
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في المحرر والفروع والرعاية الصغرى
وغيرهم.
وهو من المفردات وعنه لا يجبر اختاره المصنف
والشارح وقالا هو أقوى في النظر.
واختاره أبو محمد الجوزي أيضا.
قال ابن رزين في شرحه: وهو اظهر كبناء حائط
بين ملكيهما.
فعلى الرواية الثانية: قال المصنف والشارح
وغيرهما: لو بناه ثم اراد نقضه فإن كان بناه
بآلته لم يكن له ذلك وإن كان بناه من عنده فله
نقضه.
فإن قال الشريك: أنا أدفع إليك نصف قيمة
البناء ولا تنقضه لم يجبر على ذلك.
وإن أراد غير الباني نقضه أو إجبار بانيه على
نقضه لم يكن له ذلك على كلا روايتين انتهيا.
ويأتي الحكم إذا قلنا يجبر في أخر المسألة.
وعلى الرواية الثانية أيضا ليس له منعه من
بنائه.
لكن إن بناه بآلته فهو بينهما وليس له منعه من
الانتفاع به قبل أن يعطيه نصف قيمة عمله على
الصحيح وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الفروع: ليس له منعه من الانتفاع في
الأشهر كما ليس له نقضه.
قال في الكافي: عاد بينهما كما كان برسومه
وحقوقه لأنه عاد بعينه وهو ظاهر ما جزم به في
الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والشرح.
قال في القاعدة السادسة والسبعين: هو قول
القاضي في المجرد وابن عقيل والأكثرين وقدمه
في النهاية والتلخيص والرعايتين.
وقيل: له منعه من الانتفاع حتى يعطيه نصف قيمة
العمل جزم به في المستوعب والمحرر والحاويين
وهو ظاهر ما قدمه في الفائق وهو ظاهر كلام ابن
أبي موسى والقاضي في خلافه.
وحكاه في التلخيص عن بعض متأخري الأصحاب.
قال ابن منجا في شرحه: وفيما ذكره الأصحاب من
عدم منعه من الانتفاع به قبل أن يعطيه نصف
قيمة عمله نظر بل ينبغي أن الثاني يملك منع
شريكه من التصرف فيه حتى يؤدي ما يخصه من
الغرامة الواقعة بأجرة المثل لأنه لو لم يكن
كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك انتهى.
(5/198)
قلت: وهو
الصواب.
قال في الوجيز.
وإذا بنى أحدهما الحائط بأنقاضه فهو بينهما إن
أدى الآخر نصف قيمة التالف.
قوله: "على الرواية الثانية وإن بناه بآلة من
عنده فهو له".
ولا يحتاج إلى إذن حاكم في بنائه صرح به
القاضي في خلافه وقدمه في القواعد.
واعتبر في المجرد إذن الحاكم ونص الإمام أحمد
رحمه الله على أنه يشهد على ذلك "وليس للآخر
الانتفاع به" فله منع شريكه من الانتفاع به
ومن وضع خشبه ورسومه حتى يدفع ما يجب عليه.
صرح بذلك في المغنى والشرح والقواعد.
قال في الفائق: اختص به وبنفعه دون أرضه.
قال في الحاويين: ملكه الباني خاصة وليس
لشريكه الانتفاع به.
فإن كان لغير الباني عليه رسم طرح أخشاب
فالباني مخير بين أن يمكنه من وضع أخشابه
ويأخذ منه نصف قيمة الحائط وبين أن يأخذ بناءه
ليعيد البناء بينهما أو يشتركان في الطرح.
وقال في الفروع: وإن بناه بغيرها فله منعه من
غير رسم طرح خشب.
فظاهر كلامه: عدم المنع من الرسوم.
وقد صرح المصنف وغيره بالمنع.
والظاهر: أن مراد صاحب الفروع بالجواز إذا كان
له حق في ذلك وأراد الانتفاع بعد بنائه.
وقد صرح المصنف والشارح -بعد كلامهما الأول-
بقريب من ذلك فقالا: فإن كان على الحائط رسم
انتفاع أو وضع خشب قال له إما أن تأخذ مني نصف
قيمته أو تمكنني من انتفاعي وإما أن تقلع
حائطك لنعيد البناء بيننا فيلزم الآخر إجابته
لأنه لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه ببنائه
انتهيا وكذا قال غيرهما.
فائدة: قال في القاعدة السادسة والسبعين فإن
قيل فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من
الانتفاع بوضع خشبه على جداره فكيف منعتم
هنا؟.
قلنا: إنما منعنا هنا من عود الحق القديم
المتضمن ملك الانتفاع قهرا سواء كان محتاجا
إليه أو لم يكن وأما التمكين من الوضع
للإرتفاق فذلك مسألة أخرى وأكثر الأصحاب
يشترطون فيها الحاجة أو الضرورة على ما تقدم.
(5/199)
قوله: "فإن طلب
ذلك" يعني: الشريك الذي لم يبن الانتفاع "خير
الباني بين أخذ نصف قيمته منه وبين أخذ آلته".
وهذا بلا نزاع لكن لو اختار الأخذ فالصحيح من
المذهب أنه يأخذ نصف قيمة بنائه جزم به في
الوجيز والحاويين والمغنى والشرح وقدمه في
الفروع.
وعنه يدفع ما يخصه كغرامة لأنه نائبه معنى
وقدمه في الرعاية الكبرى.
فوائد
إحداها: إذا قلنا يجبر على بنائه معه وهو
المذهب وامتنع أجبره الحاكم على ذلك فإن لم
يفعل أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه فإن لم
يكن له عين مال باع من عروضه فإن تعذر اقترض
عليه.
وإن عمره شريكه بإذنه أو إذن حاكم رجع عليه
وإن أراد بناءه لم يملك الشريك منعه وما أنفق
إن تبرع به لم يكن له الرجوع.
وإن نوى الرجوع به فهل له الرجوع؟.
قال في الشرح: يحتمل وجهين بناء على ما إذا
قضى دينه بغير إذنه انتهى.
قال في الفروع: وفيه بنية رجوعه على الأول
الخلاف.
وإن بناه لنفسه بآلته فهو بينهما وإن بناه
بآلة من عنده فهو له خاصة.
فإن أراد نقضه فله ذلك إلا أن يدفع إليه شريكه
نصف قيمته فلا يكون له نقضه.
الثانية: يجبر الشريك على العمارة مع شريكه في
الأملاك المشتركة على الصحيح من المذهب
والروايتين قاله في الرعاية وغيرها وعنه لا
يجبر.
الثالثة: لو استهدم جدارهما أو خيف ضرره نقضاه
فإن أبى أحدهما أجبره الحاكم فإن تعذر ضمن ما
تلف به إذا أشهد على شريكه وإلا فلا.
وقيل بلى إن تقدم إليه بنقضه وأيهما هدمه إذن
بغير إذن صاحبه فهدر.
وقيل يلزمه إعادته على صفته كما لو هدمه من
غير حاجة إلى هدمه واختاره ابن البنا ويأتي
ذلك في أواخر الغصب في كلام المصنف ونبين
الراجح في المذهب هناك.
الرابعة: لو أراد بناء حائط بين ملكيهما لم
يجبر الممتنع منهما ويبني الطالب في ملكه إن
شاء رواية واحدة قاله المصنف ومن تابعه.
وقال في الفائق: ولم يفرق بعض الأصحاب اختاره
شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين رحمه الله.
(5/200)
الخامسة: لو
اتفقا على بناء حائط مشترك بينهما نصفين على
أن ثلثه لواحد وثلثيه لآخر لم يصح.
وإن اتفقا على أن يحمله كل واحد منهما ما شاء
لم يصح لجهالته وإن وصفا الحمل ففي الصحة
وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى.
قال في المغنى والشرح: وإن اتفقا على أن يكون
بينهما نصفين صح.
قوله: "وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو
ناعورة أو قناة واحتاج إلى عمارة ففي إجبار
الممتنع روايتان".
إحداهما: يجبر وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب
نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في
التصحيح وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
الثانية: لا يجبر.
واعلم أن الحكم هنا والخلاف كالخلاف في الحائط
المشترك إذا انهدم على ما تقدم نقلا ومذهبا
وتفصيلا قاله أكثر الأصحاب منهم القاضي
والمصنف وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب
والخلاصة والتلخيص والمحرر والشرح والفروع
وغيرهم.
وقال ابن أبي موسى: يجبر هنا قولا واحدا وحكى
الروايتين في الحائط.
قال في القواعد: والفرق أن الحائط يمكن قسمته
بخلاف القناة والبئر.
قوله: "وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته".
بلا نزاع.
قوله: "فإذا عمره فالماء بينهما على الشركة".
هذا المذهب لأن الماء باق على ما كان عليه من
الملك والإباحة وعليه جماهير الأصحاب منهم
القاضي في المجرد وابن عقيل والمصنف في المغنى
والشرح وصاحب التلخيص والفروع وغيرهم وفي
الخلاف الكبير للقاضي والتمام لأبي الحسين له
المنع من الانتفاع بالقناة.
قال في القواعد: ويشهد له نص الإمام أحمد رحمه
الله بالمنع من سكنى السفل إذا بناه صاحب
العلو ومنع الشريك من الانتفاع بالحائط إذا
أعيد بآلته العتيقة.
قلت: وهو الصواب.
فوائد
الأولى: لو اتفقا على بناء حائط بستان فبنى
أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال.
(5/201)
الآخر يضمنه
الذي أهمل قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
الثانية: لو كان السفل لواحد والعلو لآخر
فالسقف بينهما لا لصاحب العلو على الصحيح من
المذهب.
والإجبار -إذا انهدم السقف- كما تقدم في
الحائط الذي بينهما إذا انهدم.
ولو انهدم الجميع فلرب العلو إجبار صاحب السفل
على بنائه على الصحيح من المذهب.
قال في البلغة والتلخيص والرعايتين والفائق:
أجبر في أصح الروايتين واختاره ابن عبدوس في
تذكرته وجزم به في الحاويين وقدمه ابن رزين
والقواعد.
وعنه لا يجبر وأطلقهما في المغنى والمحرر
والشرح والفروع.
فعلى المذهب هل ينفرد صاحب السفل ببناء السفل
أو يشركه فيه صاحب العلو ويجبر عليه إذا طلبه
صاحب السفل فيه روايتان وأطلقهما في المستوعب
والتلخيص والفائق والقواعد.
إحداهما: ينفرد صاحب السفل بالبناء إلى حده
وينفرد صاحب العلو ببنائه وهو المذهب قدمه في
المحرر والفروع والرعايتين والحاويين وجزم به
في المغنى والشرح.
والثانية: يشركه صاحب العلو فيما يحمله منه
ويجبر عليه إذا امتنع.
وعلى الثانية: في أصل المسألة وهو أنه لا يجبر
لصاحب العلو بناء السفل وفي منعه السكنى ما
سلف من الخلاف فيما إذا كان بينهما حائط.
الثالثة: لو كان بينهما طبقة ثالثة فهل يشترك
الثلاثة في بناء السفل والاثنان في بناء الوسط
فيه الروايتان المتقدمتان حكما ومذهبا.
وكذا الطبقة الرابعة فأكثر وصاحب الوسط مع من
فوقه كمن تحته معه.
قال في الفروع: إذا كانوا ثلاث طباق فإن بنى
رب العلو ففي منع رب السفل الانتفاع بالعرصة
قبل أخذ القيمة احتمالان.
قلت: الأولى المنع والله أعلم.
وهو ظاهر ما قطع به في الرعاية الكبرى.
(5/202)
|