الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

المجلد السابع
كتاب الوقف
باب الوقف
...
بسم الله الرحمن الرحيم.
كتاب الوقف :
قوله: "وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة".
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم.
قال الزركشي وأراد من حد بهذا الحد مع شروطه المعتبرة وأدخل غيرهم الشروط في الحد انتهى.
وقال في المطلع وحد المصنف لم يجمع شروط الوقف وحده غيره فقال تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقربا إلى الله تعالى انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله وأقرب الحدود في الوقف أنه كل عين تجوز عاريتها.
فأدخل في حده أشياء كثيرة لا يجوز وقفها عند الإمام أحمد رحمه الله والأصحاب يأتي حكمها.
قوله: "وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه".
كما مثل به المصنف وهذا المذهب.
قال المصنف والشارح وصاحب الفائق وغيرهم هذا ظاهر المذهب.
قال الحارثي مذهب أبي عبد الله رحمه الله انعقاد الوقف به وعليه الأصحاب انتهى.
وجزم به في الجامع الصغير ورءوس المسائل للقاضي ورءوس المسائل لأبي الخطاب والكافي والعمدة والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
والرواية الأخرى لا يصح إلا بالقول وحده كما مثل المصنف ذكرها القاضي في المجرد واختاره أبو محمد الجوزي.
ومنع المصنف دلالتها وجعل المذهب رواية واحدة وكذلك الحارثي.

(7/5)


فائدة: قال في المطلع السقاية بكسر السين الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها عن ابن عباد قال والمراد هنا بالسقاية البيت المبني لقضاء حاجة الإنسان سمي بذلك تشبيها بذلك.
قال ولم أره منصوصا عليه في شيء من كتب اللغة والغريب إلا بمعنى موضع الشراب وبمعنى الصواع انتهى.
قال الحارثي أراد بالسقاية موضع التطهر وقضاء الحاجة بقيد وجود الماء قال ولم أجد ذلك في كتب اللغويين وإنما هي عندهم مقولة بالاشتراك على الإناء الذي يسقى به وعلى موضع السقي أي المكان المتخذ به الماء غير أن هذا يقرب ما أراد المصنف بقوله: "وشرعها" أي فتح بابها وقد يريد به معنى الورود انتهى.
قلت لعله أراد أعم مما قالا فيدخل في كلامه لو وقف خابية للماء على الطريق ونحوه وبنى عليها ويكون ذلك تسبيلا له وقد صرح بذلك المصنف في المغنى وغيره.
قال الزركشي لو وقف سقاية ملك الشرب منها لكن يرد على ذلك قوله: "ويشرعها لهم".
تنبيه: قوله: "مثل أن يبني مسجدا".
أي يبنى بنيانا على هيئة المسجد.
"ويأذن للناس في الصلاة فيه".
أي إذنا عاما لأن الإذن الخاص قد يقع على غير الموقوف فلا يفيد دلالة الوقف قاله الحارثي.
قوله: "وصريحه وقفت وحبست وسبلت".
وقفت وحبست صريح في الوقف بلا نزاع وهما مترادفان على معنى الاشتراك في الرقبة عن التصرفات المزيلة للملك.
وأما "سبلت" فصريحة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الحارثي والصحيح أنه ليس صريحا لقوله عليه الصلاة والسلام "حبس الأصل وسبل
الثمرة".
غاير بين معنى "التحبيس" و"التسبيل" فامتنع كون أحدهما صريحا في الآخر.
وقد علم كون الوقف هو الإمساك في الرقبة عن أسباب التملكات والتسبيل إطلاق التمليك فكيف يكون صريحا في الوقف انتهى.
قوله: "وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت".

(7/6)


أما "تصدقت وحرمت" فكناية فيه بلا خلاف أعلمه.
وأما "أبدت" فالصحيح من المذهب أنها من ألفاظ الكناية وعليه جماهير الأصحاب وقطع به الأكثر.
وذكر أبو الفرج أن "أبدت" صريح فيه.
قوله: "فلا يصح الوقف بالكناية إلا أن ينويه" بلا نزاع.
"أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية".
يعني الألفاظ الخمسة من الصريح والكناية.
أو حكم الوقف فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة أو لاتباع ولا توهب ولا تورث.
وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وذكر أبو الفرج أن قوله: "صدقة موقوفة أو مؤبدة أو لا يباع كناية".
وقال الحارثي إضافة التسبيل بمجرده إلى الصدقة لا يفيد زوال الاشتراك فإن التسبيل إنما يفيد ما تفيده الصدقة أو بعضه فلا يفيد معنى زائدا.
وكذا لو اقتصر على إضافة التأبيد إلى التحريم لا يفيد الوقف لأن التأبيد قد يريد به دوام التحريم فلا يخلص اللفظ عن الاشتراك قال وهذا الصحيح انتهى.
وقد قال المصنف والشارح وغيرهما لو جعل علو بيته أو سفله مسجدا صح وكذا لو جعل وسط داره مسجدا ولم يذكر الاستطراق صح كالبيع.
قال في الفروع فيتوجه منه الاكتفاء بلفظ يشعر بالمقصود وهو أظهر على أصلنا فيصح جعلت هذا للمسجد أو في المسجد ونحوه وهو ظاهر نصوصه.
وصحح في رواية يعقوب وقف من قال قريتي التي بالثغر لموالي الذين به ولأولادهم قاله شيخنا.
وقال إذا قال واحد أو جماعة جعلنا هذا المكان مسجدا أو وقفا صار مسجدا ووقفا بذلك وإن لم يكملوا عمارته.
وإذا قال كل منهم جعلت ملكي للمسجد أو في المسجد ونحو ذلك صار بذلك حقا للمسجد انتهى.
فائدتان:
إحداهما: إذا قال تصدقت بأرضي على فلانا وذكر معينا أو معينين والنظر لي أيام حياتي أو لفلان ثم من بعده لفلان كان مفيدا للوقف وكذا لو قال تصدقت به على فلان.

(7/7)


ثم من بعده على ولده أو على فلان أو تصدقت به على قبيلة كذا أو طائفة كذا كان مفيدا للوقف لأن ذلك لا يستعمل فيما عداه فالشركة منتفية.
الثانية: لو قال تصدقت بداري على فلان ثم قال بعد ذلك أردت الوقف ولم يصدقه فلان لم يقبل قول المتصدق في الحكم لأنه مخالف للظاهر.
قلت فيعايي بها.
قوله: "ولا يصح إلا بشروط أربعة أحدها: أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها".
يعني في العرف كالإجارة وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
واعتبر أبو محمد الجوزي بقاء متطاولا أدناه عمر الحيوان.
قوله: "كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح".
أما وقف غير المنقول فيصح بلا نزاع.
وأما وقف المنقول كالحيوان والأثاث والسلاح ونحوها.
فالصحيح من المذهب صحة وقفها وعليه الأصحاب ونص عليه.
وعنه لا يصح وقف غير العقار نص عليه في رواية الأثرم وحنبل.
ومنع الحارثي دلالة هذه الرواية وجعل المذهب رواية واحدة.
ونقل المروذي لا يجوز وقف السلاح ذكره أبو بكر.
وقال في الإرشاد لا يصح وقف الثياب.
قوله: "ويصح وقف المشاع".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة.
وفي طريقة بعض الأصحاب ويتوجه من عدم صحة إجارة المشاع عدم صحة وقفه.
فائدة: قال في الفروع يتوجه أن المشاع لو وقفه مسجدا ثبت فيه حكم المسجد في الحال فيمنع من الجنب ثم القسمة متعينة هنا لتعينها طريقا للانتفاع بالموقوف انتهى.
وكذا ذكره ابن الصلاح.
قوله: "ويصح وقف الحلي للبس والعارية".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف وغيره هذا المذهب.

(7/8)


قال الحارثي هذا الصحيح.
وذكره صاحب التلخيص عن عامة الأصحاب.
واختاره القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والمصنف والشارح في آخرين ونقلها الخرقي وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع في الحلي وغيره.
وعنه لا يصح اختاره ابن أبي موسى ذكره الحارثي وتأولها القاضي وابن عقيل.
قال في التلخيص وهذه الرواية مبنية على ما حكيناه عنه في المنع في وقف المنقول وأطلقهما في الرعاية.
فائدة: لو أطلق وقف الحلي لم يصح قطع به في الفائق.
قلت لو قيل بالصحة ويصرف إلى اللبس والعارية لكان متجها وله نظائر.
قوله: "ولا يصح وقف غير معين كأحد هذين".
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب.
وقال في التلخيص ويحتمل أن يصح كالعتق.
ونقل جماعة عن الإمام أحمد رحمه الله فيمن وقف دارا ولم يحدها قال يصح وإن لم يحدها إذا كانت معروفة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
فعلى الصحة يخرج المبهم بالقرعة قاله الحارثي وصاحب الرعاية وغيرهما.
قوله: "ولا يصح وقف مالا يجوز بيعه كأم الولد والكلب".
أما أم الولد فالصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أنه لا يصح وقفها قطع به في المغنى والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل يصح قاله في الفائق.
وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قلت فلعل مراد القائل بذلك إذا قيل بجواز بيعها أو أنه يصح ما دام سيدها حيا على قول يأتي.
ثم وجدت صاحب الرعاية الكبرى قال وفي أم الولد وجهان.
قلت إن صح بيعها صح وقفها وإلا فلا انتهى.
لكن ينبغي على هذا أن يصح وقفها قولا واحدا.
وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله لا يصح وقف منافع أم الولد في حياته.

(7/9)


فائدتان:
إحداها: قال الحارثي المكاتب إن قيل بمنع بيعه فكأم الولد.
وإن قيل بالجواز كما هو المذهب فمقتضى ذلك صحة وقفه ولكن إذا أدى هل يبطل الوقف يحتاج إلى نظر انتهى.
الثانية: حكم وقف المدبر حكم بيعه على ما يأتي في بابه ذكره في الرعايتين والزركشي وغيرهم.
وأما الكلب فالصحيح من المذهب أنه لا يصح وقفه وعليه الأصحاب لأنه لا يصح بيعه.
وقال الحارثي في شرحه وقد تخرج الصحة من جواز إعارة الكلب المعلم كما خرج جواز الإجارة لحصول نقل المنفعة والمنفعة مستحقة بغير إشكال فجاز أن تنقل.
قال والصحيح اختصاص النهى عن البيع بما عدا كلب الصيد بدليل رواية حماد بن سلمة عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب الصيد والإسناد جيد فيصح وقف المعلم لأن بيعه جائز.
وفي معناه جوارح الطير وسباع البهائم الصيادة يصح وقفها ويجوز بيعها بخلاف غير الصيادة.
ومر في المذهب رواية بامتناع بيعها أعنى الصيادة فيمتنع وقفها والأول أصح انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح وقف الكلب المعلم والجوارح المعلمة وما لا يقدر على تسليمه.
قوله: "ولا مالا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان".
إذا وقف الأثمان فلا يخلو إما أن يقفها للتحلي والوزن أو غير ذلك.
فإن وقفها للتحلي والوزن فالصحيح من المذهب أنه لا يصح ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله وهو ظاهر ما قدمه في المغنى والشرح.
قال الحارثي وعدم الصحة أصح.
وقيل يصح قياسا على الإجارة.
قال في التلخيص إن وقفها للزينة بها فقياس قولنا في الإجارة أنه يصح.
فعلى هذا إن وقفها وأطلق بطل الوقف على الصحيح.
وقيل يصح ويحمل عليهما.
وإن وقفها لغير ذلك لم يصح على الصحيح من المذهب.

(7/10)


وقال في الفائق وعنه يصح وقف الدراهم فينتفع بها في القرض ونحوه اختاره شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في الاختبارات ولو وقف الدراهم على المحتاجين لم يكن جواز هذا بعيدا.
فائدتان:
إحداهما لو وقف قنديل ذهب أو فضة على مسجد لم يصح وهو باق على ملك ربه فيزكيه على الصحيح من المذهب.
وقيل يصح فيكسر ويصرف في مصالحه اختاره المصنف.
قلت وهذا هو الصواب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو وقف قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم صرف لجيرانه صلى الله عليه وسلم قيمته.
وقال في موضع آخر النذر للقبور هو للمصالح ما لم يعلم ربه وفي الكفارة الخلاف وإن من الحسن صرفه في نظيره من المشروع.
ولو وقف فرسا بسرج ولجام مفضض صح نص عليه تبعا.
وعنه تباع الفضة وتصرف في وقف مثله.
وعنه ينفق عليه.
الثانية: قال في الفائق ويجوز وقف الماء نص عليه.
قال في الفروع وفي الجامع يصح وقف الماء قال الفضل سألته عن وقف الماء فقال إن كان شيئا استجازوه بينهم جاز.
وحمله القاضي وغيره على وقف مكانه.
قال الحارثي هذا النص يقتضي تصحيح الوقف لنفس الماء كما يفعله أهل دمشق يقف أحدهم حصة أو بعضها من ماء النهر وهو مشكل من وجهين.
أحدهما: إثبات الوقف فيما لم يملكه بعد فإن الماء يتحدد شيئا فشيئا.
الثاني: ذهاب العين بالانتفاع.
ولكن قد يقال بقاء مادة الحصول من غير تأثر بالانتفاع يتنزل منزلة بقاء أصل العين مع الانتفاع.
ويؤيد هذا صحة وقف البئر فإن الوقف وارد على مجموع الماء والحفيرة فالماء أصل في الوقف وهو المقصود من البئر ثم لا أثر لذهاب الماء بالاستعمال لتجدد بدله فهنا كذلك فيجوز وقف الماء كذلك انتهى.
قوله: "والمطعوم والرياحين".

(7/11)


يعني لا يصح وقفها وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو تصدق بدهن على مسجد ليوقد فيه جاز وهو من باب الوقف وتسميته وقفا بمعنى أنه وقف على تلك الجهة لا ينتفع به في غيرها لا تأباه اللغة وهو جار في الشرع.
وقال أيضا يصح وقف الريحان ليشمه أهل المسجد.
قال وطيب الكعبة حكمه حكم كسوتها فعلم أن التطييب منفعة مقصودة لكن قد تطول مدة التطيب وقد تقصر ولا أثر لذلك.
قال الحارثي وما يبقى أثره من الطيب كالند والصندل وقطع الكافور لشم المريض وغيره فيصح وقفه على ذلك لبقائه مع الانتفاع وقد صحت إجارته لذلك فصح وقفه انتهى.
وهذا ليس داخلا في كلام المصنف.
والظاهر أن هذا من المتفق على صحته لوجود شروط الوقف.
قوله: "الثاني: أن يكون على بر".
وسواء كان الواقف مسلما أو ذميا نص عليه الإمام أحمد رحمه الله كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل يصح الوقف على مباح أيضا.
وقيل يصح على مباح ومكروه.
قال في التلخيص وقيل المشترط أن لا يكون على جهة معصية سواء كان قربة وثوابا أو لم يكن انتهى.
فعلى هذا يصح الوقف على الأغنياء.
فعلى المذهب اشتراط العزوبة باطل لأن الوصف ليس قربة ولتمييز الغنى عليه.
وعلى هذا هل يلغو الوصف ويعم أو يلغو الوقف أو يفرق بين أن يقف ويشترط أو يذكر الوصف ابتداء فيلغى في الاشتراط ويصح الوقف.
يحتمل أوجها قاله في الفائق.
فائدتان:
إحداهما أبطل ابن عقيل وقف الستور لغير الكعبة لأنه بدعة وصححه ابن الزاغوني فيصرف لمصلحة نقله ابن الصيرفي عنهما.

(7/12)


وفي فتاوى ابن الزاغوني المعصية لا تنعقد.
وأفتى أبو الخطاب بصحته وينفق ثمنها على عمارته ولا يستر لأن الكعبة خصت بذلك كالطواف.
الثانية: يصح وقف عبده على حجرة النبي صلى الله عليه وسلم لإخراج ترابها وإشعال قناديلها وإصلاحها لا لإشعالها وحده وتعليق ستورها الحرير والتعليق وكنس الحائط ونحو ذلك ذكره في الرعاية.
قوله: "مسلمين كانوا أو من أهل الذمة".
يعني إذا وقف على أقاربه من أهل الذمة صح وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة.
تنبيهان:
أحدهما: قد يقال مفهوم كلام المصنف أنه لا يصح الوقف على ذمي غير قرابته وهذا أحد الوجهين وهو مفهوم كلام جماعة منهم صاحب الوجيز والتلخيص وقدمه في الرعايتين ومال إليه الزركشي.
وقيل يصح على الذمي وإن كان أجنبيا من الواقف وهو الصحيح من المذهب جزم به في المغنى والكافي والمحرر والشرح والمنتخب وعيون المسائل وغيرهم.
قال في الفائق ويصح على ذمي من أقاربه نص عليه وعلى غيره من معين في أصح الوجهين دون الجهة انتهى.
وهو ظاهر ما قطع به الحارثي.
وأطلق الوجهين في الحاوي الصغير.
وقال الحلواني يصح على الفقراء منهم دون غيرهم.
وصحح في الواضح صحة الوقف من ذمي عليه دون غيره.
الثاني: قال الحارثي قال الأصحاب إن وقف على من ينزل الكنائس والبيع من المارة والمجتازين صح.
قالوا لأن هذا الوقف عليهم لا على البقعة والصدقة عليهم جائزة وصالحة للقربة وجزم به في المغنى والشرح وغيرهما.
قال الحارثي إن خص أهل الذمة فوقف على المارة منهم لم يصح انتهى.

(7/13)


وقال في الفروع وفي المنتخب والرعاية يصح على المارة بها منهم يعنى من أهل الذمة.
وقاله في المغنى في بناء بيت يسكنه المجتاز منهم.
ولم أر ما قال عنه صاحب الرعاية فيهما في مظنته بل قال ويصح منها على ذمي بهما أو ينزلهما أو يجتاز راجلا أو راكبا.
قوله: "ولا يصح على الكنائس وبيوت النار".
وكذا البيع وهذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه في الكنائس والبيع.
وفي الموجز رواية على الكنيسة والبيعة كمار بهما.
فوائد:
الأولى الذمي كالمسلم في عدم الصحة في ذلك على الصحيح من المذهب فلا يصح وقف الذمي على الكنائس والبيع وبيوت المنار ونحوها ولا على مصالح شيء من ذلك كالمسلم نص عليه وقطع به الحارثي وغيره.
قال المصنف لا نعلم فيه خلافا.
وصحح في الواضح وقف الذمي على البيعة والكنيسة.
وتقدم كلامه في وقف الذمي على الذمي.
الثانية: الوصية كالوقف في ذلك كله على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقيل من كافر.
وقال في الانتصار لو نذر الصدقة على ذمية لزمه.
وذكر في المذهب وغيره يصح للكل وذكره جماعة رواية.
وذكر القاضي صحتها بحصير وقناديل.
قال في التبصرة إن وصى لما لا معروف فيه ولا بر ككنيسة أو كتب التوراة لم يصح وعنه يصح.
الثالثة: لو وقف على ذمي وشرط استحقاقه ما دام كذلك فأسلم استحق ما كان يستحقه قبل الإسلام ولغى الشرط على الصحيح من المذهب وقطع به كثير من الأصحاب وصحح ابن عقيل في الفنون هذا الشرط.
وقال لأنه إذا وقفه على الذمي من أهله دون المسلم لا يجوز شرط لهم حال الكفر فأي فرق.

(7/14)


قوله: "ولا على حربي أو مرتد".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وأكثرهم قطع به منهم صاحب المغنى والرعاية والفروع وغيرهم من الأصحاب.
وقال الحارثي هذا أحد الوجهين.
قال في المجرد في كتاب الوصايا إذا أوصى مسلم لأهل قريته أو قرابته لم يتناول كافرهم إلا بتسميته.
قال في المحرر والوقف كالوصية في ذلك كله.
قال الحارثي فصححه على الكافر القريب والمعين قال وهو الصحيح لكن بشرط أن لا يكون مقاتلا ولا مخرجا للمسلمين من ديارهم ولا مظاهرا للأعداء على الإخراج انتهى.
وقواه بأدلة كثيرة.
قوله: "ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين".
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقى.
قال في الفصول هذه الرواية أصح.
قال الشارح هذا أقيس.
قال في الرعايتين ولا يصح على نفسه على الأصح.
قال الحارثي وهذا الأصح عند أبي الخطاب وابن عقيل والمصنف وقطع به ابن أبي موسى في الإرشاد وأبو الفرج الشيرازي في المبهج وصاحب الوجيز وغيرهم.
نقل حنبل وأبو طالب ما سمعت بهذا ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه الله تعالى.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع وشرح ابن رزين والحاوي الصغير.
والرواية الثانية: يصح نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم ويوسف بن أبي موسى والفضل بن زياد.
قال في المذهب ومسبوك الذهب صح في ظاهر المذهب.
قال الحارثي هذا هو الصحيح.

(7/15)


قال أبو المعالي في النهاية والخلاصة يصح على الأصح.
قال الناظم يجوز على المنصور من نص الإمام أحمد رحمه الله.
وصححه في التصحيح وإدراك الغاية.
قال في الفائق وهو المختار.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
ومال إليه صاحب التلخيص وجزم به في المنور ومنتخب الأدمى.
وقدمه في الهداية والمستوعب والهادي والفائق وغيرهم.
وقدمه المجد في مسودته على الهداية وقال نص عليه.
قال المصنف وتبعه الشارح وصاحب الفروع اختاره ابن أبي موسى.
وقال ابن عقيل هي أصح.
قلت الذي رأيته في الإرشاد والفصول ما ذكرته آنفا ولم يذكر المسألة في التذكرة فلعلهما اختاراه في غير ذلك لكن عبارته في الفصول موهمة.
قلت وهذه الرواية عليها العمل في زماننا وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة وهو الصواب وفيه مصلحة عظيمة وترغيب في فعل الخير وهو من محاسن المذهب.
وأطلقهما في المغنى والكافي والمحرر وشرح ابن منجا والبلغة وتجريد العناية.
فعلى المذهب هل يصح على من بعده على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال الحارثي ويحسن بناؤه على الوقف المعلق.
فائدة: إذا حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم.
فقال في الفروع ظاهر كلامهم ينفذ الحكم ظاهرا وفيه في الباطن الخلاف.
وفي فتاوى ابن الصلاح إذا حكم به حنفي وأنفذه شافعي للواقف نقضه إذا لم يكن الصحيح من مذهب أبي حنيفة وإلا جاز نقضه في الباطن فقط بخلاف صلاته في المسجد وحده حياته لعدم القربة والفائدة: فيه ذكرها ابن شهاب وغيره.
قوله: "وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في المغنى والشرح وشرح الحارثي وابن منجا والمحرر والوجيز والقواعد وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية.
وهو من مفردات المذهب وقيل لا يصح.

(7/16)


فائدتان:
إحداهما وكذا الحكم لو استثنى الأكل مدة معينة.
وكذا لو استثنى الأكل والانتفاع لأهله أو يطعم صديقه قاله المصنف والشارح والحارثي وغيرهم.
قال في الفروع ويصح شرط غلته له أو لولده مدة حياته في المنصوص.
قال في المستوعب وكذلك إن شرط لأولاده أو لبعضهم سكنى الوقف مدة حياتهم جاز.
وقيل لا يصح إذا شرط الانتفاع لأهله أو شرط السكنى لأولاده أو لبعضهم ذكره في الفائق وغيره.
فعلى المذهب لو استثنى الانتفاع مدة معينة فمات في أثنائها فقال في المغنى ينبغي أن يكون ذلك لورثته كما لو باع دارا واستثنى لنفسه السكنى مدة فمات في أثنائها.
واقتصر عليه الحارثي.
وعلى المذهب أيضا يجوز إيجارها للموقوف عليه ولغيره.
الثانية: لو وقف على الفقراء ثم افتقر أبيح له التناول منه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في رواية المروذي.
قال في التلخيص هذا ظاهر كلام أصحابنا.
قال الحارثي هذا الصحيح.
قال في الفروع والرعاية شمله في الأصح.
قال في القواعد الأصولية والفقهية يدخل على الأصح في المذهب.
وقيل لا يباح ذلك وهو احتمال في التلخيص.
قال في القواعد الأصولية والظاهر أن محل الخلاف في دخوله إذا افتقر على قولنا فإن الوقف على النفس يصح.
وأما على القول بأنه لا يصح فلا يدخل في العموم إذا افتقر جزما لأنه لا يتناول بالخصوص فلا يتناول بالعموم بطريق الأولى.
وأما إذا وقف داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بئره ليستقى منها المسلمون أو بنى مدرسة لعموم الفقهاء أو لطائفة منهم أو رباطا للصوفية ونحو ذلك مما يعم فله الانتفاع كغيره.
قال الحارثي له ذلك من غير خلاف.
قوله: "الثالث أن يقف على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد" بلا نزاع.
وكذا لا يصح لو كان مبهما كأحد هذين الرجلين على الصحيح من المذهب وعليه

(7/17)


جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل يصح ذكره في الرعاية احتمالا.
وقيل يصح إن قلنا لا يفتقر الوقف إلى قبول مخرج من وقف إحدى الدارين وهو احتمال في التلخيص.
فعلى الصحة يخرج المبهم بالقرعة قاله في الرعاية.
قلت وهو مراد من يقول بذلك.
وتقدم نظيره فيما إذا وقف أحد هذين.
قوله: "ولا على حيوان لا يملك كالعبد".
لا يصح الوقف على العبد على الصحيح من المذهب مطلقا نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في القواعد الفقهية الأكثرون على أنه لا يصح الوقف على العبد على الروايتين لضعف ملكه.
وجزم به في المغنى وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يصح إن قلنا يملك وهو ظاهر كلام المصنف هنا حيث اشترط لعدم الصحة عدم الملك.
قال في الرعاية ويكون لسيده.
وقيل يصح الوقف عليه سواء قلنا يملك أو لا ويكون لسيده واختاره الحارثي.
فائدتان:
إحداهما: لا يصح الوقف على أم الولد على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
واختار الحارثي الصحة.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح الوقف على أم ولده بعد موته.
وإن وقف على غيرها على أن ينفق عليها مدة حياته أو يكون الريع لها مدة حياته صح فإن استثناء المنفعة لأم ولده كاستثنائها لنفسه.
وإن وقف عليها مطلقا فينبغي أن يقال إن صححنا الوقف على النفس صح لأن ملك أم ولده أكثر ما يكون بمنزلة ملكه.
وإن لم نصححه فيتوجه أن يقال هو كالوقف على العبد القن.
ويتوجه الفرق بأن أم الولد لا تملك بحال وفيه نظر.
وقد يخرج على ملك العبد بالتمليك فإن هذا نوع تمليك لأم ولده بخلاف العبد القن.

(7/18)


فإنه قد يخرج عن ملكه فيكون ملكا لعبد الغير.
وإذا مات السيد فقد تخرج هذه المسألة على مسألة تفريق الصفقة لأن الوقف على أم الولد يعم حال رقها وعتقها فإذا لم يصح في إحدى الحالين خرج في الحال الأخرى وجهان.
فإن قلنا إن الوقف المنقطع الابتداء يصح فيجب أن يقال ذلك.
وإن قلنا لا يصح فهذا كذلك انتهى.
الثانية: لا يصح الوقف على المكاتب على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به في المغنى والشرح والتلخيص والبلغة والمستوعب وشرح ابن رزين وغيرهم.
وقيل يصح ويحتمله مفهوم كلام المصنف وقد يشمله قوله: "أن يقف على معين يملك".
واختاره الحارثي وأطلقهما في المحرر والفروع والرعايتين والفائق والحاوي الصغير وغيرهم.
قوله: "والحمل".
يعني لا يصح الوقف على الحمل وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
منهم ابن حمدان وصاحب الفائق والوجيز والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
وصحح ابن عقيل جواز الوقف على الحمل ابتداء واختاره الحارثي.
قال في الفروع ولا يصح على حمل بناء على أنه تمليك إذا وأنه لا يملك وفيهما نزاع.
تنبيه: إيراد المصنف في منع الوقف على الحمل يختص بما إذا كان الحمل أصلا في الوقف.
أما إذا كان تبعا بأن وقف على أولاده أو أولاد فلان وفيهم حمل أو انتقل إلى بطن وفيهم حمل فيصح بلا نزاع لكن لا يشاركهم قبل ولادته على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال في القاعدة الرابعة والثمانين هو قول القاضي والأكثرين وجزم به الحارثي وغيره.
وقال ابن عقيل يثبت له استحقاق الوقف في حال كونه حملا حتى صحح الوقف على الحمل ابتداء كما تقدم.
وأفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله باستحقاق الحمل من الوقف أيضا.
فائدة: لو قال وقفت على من سيولد لي أو من سيولد لفلان لم يصح على الصحيح

(7/19)


من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به القاضي في خلافه وغيره وقدمه في الفروع وغيره وصححه المصنف في المغنى وغيره.
وذكره المصنف في مسألة الوصية لمن تحمل هذه المرأة.
وقال المجد ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله صحته ورده ابن رجب.
قوله: "والبهيمة".
يعني لا يصح الوقف عليها وهو المذهب وعليه الأصحاب.
واختار الحارثي الصحة وقال وهو الأظهر عندي كما في الوقف على القنطرة والسقاية وينفق عليها.
قوله: "الرابع: أن يقف ناجزا فإن علقه على شرط لم يصح".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يصح واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق والحارثي وقال الصحة أظهر ونصره.
وقال ابن حمدان من عنده إن قيل الملك لله تعالى صح التعليق وإلا فلا.
قوله: "إلا أن يقول هو وقف من بعد موتي".
فيصح في قول الخرقي وهو المذهب.
اختاره أبو الخطاب في خلافة الصغير والمصنف والشارح والحارثي والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وغيرهم.
قال المصنف والشارح وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
وجزم به في الكافي والخلاصة والمنور ومنتخب الأزجي وغيرهم.
وقدمه في المحرر والفروع والنظم وغيرهم.
قال في القواعد وهو أصح لأنها وصية والوصايا تقبل التعليق.
وقال أبو الخطاب في الهداية لا تصح.
واختاره ابن البنا والقاضي وحمل كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي فيكون وصية بالوقف وأطلقهما في المذهب.
فعلى المذهب يعتبر من الثلث.

(7/20)


فوائد:
منها قال الحارثي كلام الأصحاب يقتضي أن الوقف المعلق على الموت أو على شرط في الحياة لا يقع لازما قبل وجود المعلق عليه لأن ما هو معلق بالموت وصية والوصية في قولهم لا تلزم قبل الموت والمعلق على شرط في الحياة في معناها فيثبت فيه مثل حكمها في ذلك.
قال والمنصوص عن الإمام احمد رحمه الله في المعلق على الموت هو اللزوم.
قال الميموني في كتابه سألته عن الرجل يوقف على أهل بيته أو على المساكين بعده فاحتاج إليها أيبيع على قصة المدبر فابتدأنى أبو عبد الله بالكراهة لذلك فقال الوقوف إنما كانت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يبيعوا ولا يهبوا.
قلت فمن شبهه وتأول المدبر عليه والمدبر قد يأتي عليه وقت يكون فيه حرا والموقوف إنما هو شيء وقفه بعده وهو ملك الساعة.
قال لي إذا كان يتأول.
قال الميموني وإنما ناظرته بهذا لأنه قال المدبر ليس لأحد فيه شيء وهو ملك الساعة وهذا شيء وقفه على قوم مساكين فكيف يحدث به شيئا.
فقلت هكذا الوقوف ليس لأحد فيها شيء الساعة هو ملك وإنما استحق بعد الوفاة كما أن المدبر الساعة ليس بحر ثم يأتي عليه وقت يكون فيه حرا انتهى.
فنص الإمام أحمد رحمه الله على الفرق بين الوقف بعد الموت وبين المدبر.
قال الحارثي والفرق عسر جدا.
وتابع في التلخيص المنصوص فقال أحكام الوقف خمسة.
منها لزومه في الحال أخرجه مخرج الوصية أم لم يخرجه وعند ذلك ينقطع تصرفه فيه.
وشيخنا رحمه الله في حواشي المحرر لما لم يطلع على نص الإمام أحمد رد كلام صاحب التلخيص وتأوله اعتمادا على أن المسألة ليس فيها منقول مع أنه وافق الحارثي على أن ظاهر كلام الأصحاب لا يقع الوقف والحالة هذه لازما.
قلت كلامه في القواعد يشعر أن فيه خلافا هل هو لازم أم لا.
قاله في القاعدة الثانية والثمانين في تبعية الولد.
ومنها المعلق وقفها بالموت إن قلنا هو لازم وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية الميموني انتهى.
فظاهر قوله: إن قلنا هو لازم يشعر بالخلاف.

(7/21)


ومنها لو شرط في الوقف أن يبيعه أو يهبه أو يرجع فيه متى شاء بطل الشرط والوقف في أحد الأوجه وهو الصحيح من المذهب نص عليه.
وقدمه في الفروع وشرح الحارثي والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
قال المصنف في المغنى لا نعلم فيه خلافا.
وقيل يبطل الشرط دون الوقف وهو تخريج من البيع وما هو ببعيد.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح في الكل نقله عنه في الفائق.
ومنها لو شرط الخيار في الوقف فسد نص عليه وهو المذهب وحرج فساد الشرط وحده من البيع.
قال الحارثي وهو أشبه.
ومنها لو شرط البيع عند خرابه وصرف الثمن في مثله أو شرطه للمتولى بعده فقال القاضي وابن عقيل وابن البنا وغيرهم يبطل الوقف.
قلت وفيه نظر.
وذكر القاضي وابن عقيل وجها بصحة الوقف وإلغاء الشرط ذكر ذلك الحارثي.
قلت وهو الصواب.
قال في الفروع وشرط بيعه إذا خرب فاسد في المنصوص نقله حرب وعلل بأنه ضرورة ومنفعة لهم.
قال في الفروع ويتوجه على تعليله لو شرط عدمه عند تعطيله.
وقيل الشرط صحيح.
قوله: "ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان".
إذا وقف وقفا فلا يخلو إما أن يكون على آدمي معين أو غيره.
فإن كان على غير معين فقطع المصنف هنا أنه لا يشترط القبول وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وذكر الناظم احتمالا أن نائب الإمام يقبله.
وإن كان الموقوف عليه آدميا معينا زاد في الرعايتين أو جمعا محصورا فهل يشترط قبوله أم لا يشترط.
فيه وجهان أطلقهما المصنف هنا.
أحدهما: لا يشترط وهو المذهب.
قال في الكافى هذا ظاهر المذهب قال الشارح هذا أولى.

(7/22)


قال الحارثي هذا أقوى وقطع به القاضي وابن عقيل.
قال في الفائق لا يشترط في أصح الوجهين وصححه في التصحيح.
وجزم به في الوجيز والمنور.
وقدمه في الكافي والمحرر والفروع.
والوجه الثاني: يشترط.
قال في المذهب والخلاصة يشترط في الأصح.
قال الناظم هذا أقوى.
وقدمه في الهداية والمستوعب والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وأطلقهما في مسبوك الذهب والتلخيص وشرح ابن منجا والرعاية الكبرى والزركشي وتجريد العناية.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وأخذ الريع قبول.
تنبيه: أكثر الأصحاب يحكي الخلاف من غير بناء.
وقال ابن منجا في شرحه بعد تعليل الوجهين والأشبه أن ينبني ذلك على أن الملك هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا.
فإن قيل بالانتقال قيل باشتراط القبول وإلا فلا.
قال الحارثي وبناه بعض أصحابنا المتأخرين على ذلك.
قال في الرعايتين قلت إن قلنا هو لله تعالى لم يعتبر القبول وإن قلنا هو للمعين والجمع المحصور أعتبر فيه القبول.
قال الحارثي وفي ذلك نظر فإن القبول إن أنيط بالتمليك فالوقف لا يخلو من تمليك سواء قيل بالامتناع أو عدمه انتهى.
قال الزركشي والظاهر أن الخلاف على القول بالانتقال إذ لا نزاع بين الأصحاب أن الانتقال إلى الموقوف عليه هو المذهب مع اختلافهم في المختار هنا.
فعلى المذهب لا يبطل برده فرده وقبوله وعدمهما واحد كالعتق.
جزم به في المغنى والشرح.
وقال أبو المعالي في النهاية إنه يرتد برده كالوكيل إذا رد الوكالة وإن لم يشترط لها القبول.
قال الحارثي وهذا أصح.
وعلى القول بالاشتراط قال الحارثي يشترط اتصال القبول بالإيجاب فإن تراخى عنه بطل كما يبطل في البيع والهبة.

(7/23)


وعلله ثم قال وإذا علم هذا فيتفرع عليه عدم اشتراط القبول من المستحق الثاني والثالث ومن بعد تراخى استحقاقهم عن الإيجاب ذكره بعض الأصحاب.
قال وهذا يشكل بقبول الوصية متراخيا عن الإيجاب انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا اشترط القبول على المعين فلا ينبغي أن يشترط المجلس بل يلحق بالوصية والوكالة فيصح معجلا ومؤجلا بالقول والفعل فأخذ ريعه قبول.
وقطع واختار في القاعدة الخامسة والخمسين أن تصرف الموقوف عليه المعين يقوم مقام القبول بالقول.
قوله: "فإن لم يقبله أو رده بطل في حقه دون من بعده".
وهذا مفرع على القول باشتراط القبول.
فجزم المصنف هنا أنه كالمنقطع الابتداء على ما يأتي بعد ذلك فيأتي فيه وجه بالبطلان وهذا أحد الوجهين.
أعني كونه كالمنقطع الابتداء.
وجزم به في المغنى والشرح.
وقيل يصح هذا وإن لم تصحح في الوقف المنقطع وهو الصحيح.
قال في الفروع وهو أصح كتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه.
قال الحارثي هذا الصحيح.
فعلى هذا يصح هنا قولا واحدا.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ليس كالوقف المنقطع الابتداء بل الوقف هنا صحيح قولا واحدا.
قوله: "وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز".
هذا الوقف المنقطع الابتداء وهو صحيح على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي جزم به أكثر الأصحاب.
وبناه في المغنى ومن تابعه على تفريق الصفقة فأجرى وجها بالبطلان.
قال وفيه بعد.
فعلى المذهب يصرف في الحال إلى من بعده كما قال المصنف وهذا الصحيح من المذهب.
قال الحارثي وهو الأقوى.
وقدمه في المحرر والفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.

(7/24)


وفيه وجه آخر أنه إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين صرف إلى مصرف الوقف المنقطع يعني المنقطع الانتهاء على ما يأتي.
صرح به الحارثي إلى أن ينقرض ثم يصرف إلى من بعده.
واختاره ابن عقيل والقاضي وقال هو قياس المذهب.
وقيل يصرف إلى أقارب الواقف قاله في الفائق.
قوله: "وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مالا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين".
وهو المذهب قال في الكافي هذا ظاهر المذهب.
وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير.
فعليها يقسم على قدر إرثهم جزم به في الفروع وغيره.
قال الحارثي قاله الأصحاب.
قال القاضي فللبنت مع الابن الثلث وله الباقي وللأخ من الأم مع الأخ للأب السدس وله ما بقي.
وإن كان جد وأخ قاسمه وإن كان أخ وعم انفرد به الأخ وإن كان عم وابن عم انفرد به العم.
وقال الحارثي وهذا تخصيص بمن يرث من الأقارب في حال دون حال وتفضيل لبعض على بعض.
وهو لو وقف على أقاربه لما قالوا فيه بهذا التخصيص والتفضيل.
وكذا لو وقف على أولاده أو أولاد زيد لا يفضل فيه الذكر على الأنثى وقد قالوا هنا إنما ينتقل إلى الأقارب وقفا انتهى.
فظاهر كلامه أنه مال إلى عدم المفاضلة وما هو ببعيد.
قال في الفائق وعنه في أقاربه ذكرهم وأنثاهم بالسوية ويختص به الوارث انتهى.
والرواية الأخرى يصرف إلى أقرب عصبته.
قال في الفروع وعنه يصرف إلى عصبته ولم يذكر أقرب وأطلقهما ابن منجا في شرحه.
فعليهما يكون وقفا على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقطع به القاضي وأبو الخطاب والمجد وغيرهم.
وقدمه في النظم والفروع والزركشي والفائق وغيرهم.

(7/25)


وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
قال في المغنى نص عليه.
قال الحارثي وإنما حذف ذكر الوقف في الرواية الثانية اختصارا واكتفاء بذكره المتقدم في رواية العود إلى الورثة انتهى.
وقال ابن منجا في شرحه مفهوم قوله: في الورثة يكون وقفا عليهم على أنه إذا انصرف إلى أقرب العصبة لا يكون وقفا.
ورده الحارثي فقال من الناس من حمل رواية العود إلى أقرب العصبة في كلام المصنف على العود ملكا.
قال لأنه قيد رواية العود إلى الورثة بالوقف وأطلق هنا وأثبت بذلك وجها.
قال وليس كذلك فإن العود إلى الأقرب ملكا إنما يكون بسبب الإرث ومعلوم أن الإرث لا يختص بأقرب العصبة.
وأيضا فقد حكى خلافا في اختصاص العود بالفقراء بهم ولو كان إرثا لما اختص بالفقراء مع أن المصنف صرح بالوقف في ذلك في كتابيه وكذلك الذين نقل من كتبهم كالقاضي وأبي الخطاب انتهى.
وعنه يكون ملكا.
قال في الفائق وقيل يكون ملكا اختاره الخرقي.
قال في المغنى ويحتمله كلام الخرقي.
قال في الفائق وقال ابن أبي موسى إن رجع إلى الورثة كان ملكا بخلاف العصبة.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وهذا أصح وأشبه بكلام الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى الروايتين أيضا "هل يختص به فقراؤهم على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والرعاية الكبرى وغيرهم.
أحدهما: عدم الاختصاص وهو المذهب.
قال الحارثي هذا الأصح في المذهب.
قال الناظم هذا الأقوى وجزم به في المحرر وغيره.
قال الزركشي هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله والخرقي.
وقدمه في الخلاصة والفروع والفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
والوجه الثاني: يختص به فقراؤهم اختاره القاضي في كتاب الروايتين.
فائدة: متى قلنا برجوعه إلى أقارب الواقف وكان الواقف حيا ففي رجوعه إليه أو إلى عصبته وذريته روايتان.

(7/26)


حكاهما ابن الزاغونى في الإقناع رواية.
إحداهما يدخل قطع به ابن عقيل في مفرداته قاله في القاعدة السبعين.
وكذا لو وقف على أولاده وأنسالهم على أن من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه فتوفي أحد أولاد الواقف عن غير ولد والأب الواقف حي فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه أم لا تخرج على ما قبلها قاله ابن رجب.
والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه.
تنبيه: لو لم يكن للواقف أقارب رجع على الفقراء والمساكين على الصحيح جزم به ابن عقيل في التذكرة والمصنف والشارح وصاحب التلخيص وغيرهم وقدمه في الفائق.
وقال ابن أبي موسى يباع ويجعل ثمنه في المساكين.
وقيل يصرف إلى بيت المال لمصالح المسلمين نص عليه في رواية ابن إبراهيم وأبي طالب وغيرهما.
وقطع به أبو الخطاب وصاحب المحرر وغيرهما.
وقدمه الزركشي.
وفي أصل المسألة ما قاله القاضي في موضع من كلامه أنه يكون وقفا على المساكين.
والموضع الذي قاله القاضي فيه هو في كتابه الجامع الصغير قاله الحارثي وهو رواية ثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله.
اختارها جماعة من الأصحاب منهم الشريفان أبو جعفر والزيدي والقاضي أبو الحسين قاله الحارثي.
واختاره المصنف أيضا وصححه في التصحيح.
قال الناظم هي أولى الروايات.
قال الحارثي وهذا لا أعلمه نصا عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال المصنف إن كان في أقارب الواقف فقراء فهم أولى به لا على الوجوب وعنه رواية رابعة يصرف في المصالح جزم به في المنور وقدمه في المحرر والفائق وقال نص عليه قال ونصره القاضي وأبو جعفر.
قال الزركشي أنص الروايات أن يكون في بيت المال يصرف في مصالحهم فعلى هاتين الروايتين يكون وقفا أيضا على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وعنه يرجع إلى ملك واقفه الحي.
ونقل حرب أنه قبل ورثته لورثه الموقوف عليه.
ونقل المروذي إن وقف على عبيده لم يستقم قلت فيعتقهم قال جائز.فإن ماتوا

(7/27)


ولهم أولاد فهو لهم وإلا فللعصبة فإن لم يكن عصبة بيع وفرق على الفقراء.
فائدة: للوقف صفات.
إحداهما: متصل الابتداء والوسط والانتهاء.
الثانية: منقطع الابتداء متصل الانتهاء.
الثالثة: متصل الابتداء منقطع الانتهاء عكس الذي قبله.
الرابعة: متصل الابتداء والانتهاء منقطع الوسط.
الخامسة عكس الذي قبله منقطع الطرفين صحيح الوسط.
وأمثلتها واضحة وكلها صحيحة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وخرج وجه بالبطلان في الوقف المنقطع من تفريق الصفقة على ما تقدم ورواية بأنه يصرف في المصالح.
قال في الرعاية في منقطع الآخر صح في الأصح.
السادسة: منقطع الأول والوسط والأخير مثل أن يقف على من لا يصح الوقف عليه ويسكت أو يذكر ما لا يصح الوقف عليه أيضا فهذا باطل بلا نزاع بين الأصحاب.
فالصفة الأولى هي الأصل في كلام المصنف وغيره.
والصفة الثانية: تؤخذ من كلام المصنف حيث قال وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز.
والصفة الثالثة: تؤخذ من كلامه أيضا حيث قال وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مآلا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز.
والرابعة والخامسة: لم يذكرهما المصنف لكن الحكم واحد.
قوله: "أو قال وقفت وسكت".
يعنى أن قوله: "وقفت" ويسكت حكمه حكم الوقف المنقطع الانتهاء فالوقف صحيح عند الأصحاب وقطعوا به.
وقال في الروضة على الصحيح عندنا انتهى.
فظاهره أن في الصحة خلافا.
فعلى المذهب حكمه حكم الوقف المنقطع الانتهاء في مصرفه على الصحيح من المذهب كما قاله المصنف هنا.
وقطع به القاضي في المجرد وابن عقيل واختاره صاحب التلخيص وغيره وجزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وغيرهم.

(7/28)


وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وقال نص عليه.
وقال القاضي وأصحابه يصرف في وجوه البر.
قال الحارثي الوجه الثاني: يصرف في وجوه البر والخير قطع به القاضي في التعليق الكبير والجامع الصغير وأبو علي ابن شهاب وأبو الخطاب في الخلاف الصغير والشريفان أبو جعفر والزيدي وأبو الحسين القاضي والعكبرى في آخرين.
وفي عبارة بعضهم وكان لجماعة المسلمين.
وفي بعضها صرف في مصالح المسلمين والمعنى متحد.
قال في عيون المسائل في هذه المسألة وفي قوله: "تصدقت" تكون لجماعة المسلمين.
قوله: "وإن قال وقفته سنة لم يصح" هذا المذهب.
قال ابن منجا هذا المذهب وصححه في النظم والتلخيص.
وقدمه في الفروع وشرح الحارثي والخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير.
ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها مصرف المنقطع يعنى منقطع الانتهاء وهو وجه ذكره أبو الخطاب وغيره.
وأطلقهما في المحرر والشرح والهداية والمذهب والمستوعب.
وقيل يصح ويلغو توقيته.
فائدة: لو وقفه على ولده سنة ثم على زيد سنة ثم على عمرو سنة ثم على المساكين صح لاتصاله ابتداء وانتهاء.
وكذا لو قال وقفته على ولدى مدة حياتي ثم على زيد ثم على المساكين صح.
قوله: "ولا يشترط إخراج الوقف عن يده في إحدى الروايتين".
وهو المذهب وعليه الجمهور.
قال المصنف وغيره هذا ظاهر المذهب واختاره القاضي وأصحابه.
وجزم به في الخلاصة والوجيز.
وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
قال في التلخيص وهو الأشبه واختيار أكثر الأصحاب والمنصور عندهم في الخلاف.
قال الزركشي هو المشهور والمختار المعمول به من الروايتين.
وعنه يشترط أن يخرجه عن يده قطع به أبو بكر وابن أبي موسى في كتابيهما وقدمه الحارثي في شرحه واختاره.

(7/29)


وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والقواعد الفقهية.
ويأتي التنبيه: على هذا أيضا عند قول المصنف والوقف عقد لازم.
قال في الفرع ورأيت بعضهم قال قال القاضي في خلافه لا يختلف مذهبه أنه إذا لم يكن يصرفه في مصارفه ولم يخرجه عن يده أنه بقع باطلا انتهى.
فعلى القول بالاشتراط فالمعتبر عند الإمام أحمد رحمه الله التسليم إلى ناظر يقوم به قاله الحارثي.
وقال وبالجملة فالمساجد والقناطر والآبار ونحوها يكفي التخلية بين الناس وبينها من غير خلاف.
قال والقياس يقتضي التسليم إلى المعين الموقوف عليه إذا قيل بالانتقال إليه وإلا فإلى الناظر أو الحاكم انتهى.
وعلى القول بالاشتراط أيضا لو شرط نظره لنفسه سلمه لغيره ثم ارتجعه منه قاله في الفروع.
قال الحارثي وأما التسليم إلى من ينصبه هو فالمنصوب إما غير ناظر فوكيل محض يده كيده وإما ناظر فالنظر لا يجب شرطه لأجنبي فالتسليم إلى الغير غير واجب انتهى.
قلت وهذا هو الصواب.
فائدة: إذا قلنا بالاشتراط فهل هو شرط لصحة الوقف أو للزومه.
ظاهر كلام جماعة منهم صاحب الكافي والمحرر والفروع وغيرهم أنه شرط للزوم لا شرط للصحة ويحتمله كلام المصنف.
وصرح به الحارثي فقال وليس شرطا في الصحة بل شرط للزوم.وجزم به في المغنى والشرح.
وصرح به أبو الخطاب في انتصاره وصاحب التلخيص وغيرهم قاله في القاعدة التاسعة والأربعين.
فعلى هذا قال ابن أبي موسى والسامري وصاحب التلخيص والفائق وغيرهم إن مات قبل إخراجه وحيازته بطل وكان ميراثا.
قاله الحارثي وغيره.
قلت وفيه نظر بل الأولى هنا اللزوم بعد الموت.
وظاهر كلام المصنف هنا أن الخلاف في صحة الوقف وصرح به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب وغيرهم فقالوا هل يشترط في صحة الوقف إخراجه عن يد الواقف على روايتين.

(7/30)


قال في الخلاصة لا يشترط في صحة الوقف إخراجه عن يده.
قوله: "ويملك الموقوف عليه الوقف".
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب.
قال المصنف وغيره هذا ظاهر المذهب.
وقطع به القاضي وابنه والشريفان أبو جعفر والزيدي وابن عقيل والشيرازي وابن بكروس وغيرهم وهو من مفردات المذهب.
"وعنه لا يملكه" بل هو ملك لله وهو ظاهر اختيار ابن أبي موسى قياسا على العتق قاله الحارثي.
قال الحارثي وبه أقول.
وعنه ملك للواقف ذكرها أبو الخطاب والمصنف.
قال الحارثي ولم يوافقهما على ذلك أحد من متقدمى أهل المذهب ولا متأخريهم انتهى.
وقد ذكرها من بعدهم من الأصحاب كصاحب الفروع والزركشي وغيرهم.
قال ابن رجب في فوائده: وعلى رواية "أنه لا يملكه" فهل هو ملك للواقف أو لله فيه خلاف.
تنبيه: لهذا الخلاف فوائد: كثيرة.
منها ما ذكره المصنف هنا.
فمنها لو وطىء الجارية الموقوفة فلا حد عليه ولا مهر على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي ويتجه أن ينبني على الملك أن جعلناه له فلا حد وإلا فعليه الحد.
قال وفي المغنى وجه بوجوب الحد في وطء الموضى له بالمنفعة.
قال لأنه لا يملك إلا المنفعة فلزمه كالمستأجر.
قال الحارثي فيطرد الحد هنا على القول بعدم الملك إلا أن يدعي الجهل ومثله يجهله.
ومنها قوله: "وإن أتت بولد فهو حر وعليه قيمته يشتري بها ما يقوم مقامه وتصير أم ولده تعتق بموته".
يعنى تصير أم ولد إن قلنا هي ملك له وإن قلنا لا يملكها لم تصر أم ولد وهي وقف بحالها.

(7/31)


قوله: "وعليه قيمته".
يعنى قيمة الولد وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ويحتمل أن لا يلزمه قيمة الولد إذا أولدها.
وعزاه في المستوعب والتلخيص إلى اختيار أبي الخطاب.
قوله: "وتجب قيمتها في تركته يشتري بها مثلها تكون وقفا".
هذا المذهب قدمه في الفروع والرعاية.
وقيل تصرف قيمتها للبطن الثاني إن تلقى الوقف من واقفه ذكره في الرعاية والفروع وقال فدل على خلاف.
وقال في المجرد والفصول والمغنى والقواعد الفقهية وغيرهم البطن الثاني: يتلقونه من واقفه لا من البطن الأول.
وصححه الطوفي في قواعده.
فلهم اليمين مع شاهدهم لثبوت الوقف مع امتناع بعض البطن الأول منها.قال في الفائق وهل يتلقى البطن الثاني الوقف من البطن الذي قبله أو من الواقف فيه وجهان.
قوله: "وإن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد حر وعليه المهر لأهل الوقف وقيمة الولد وإن تلفت فعليه قيمتها يشتري بهما مثلهما".
يعني يشتري بقيمة الولد وقيمة أمه إذا تلفت.
الصحيح من المذهب أنه يشتري بهما مثلهما إن بلغ أو شقصا إن لم يبلغ وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل والمصنف.
"ويحتمل أن يملك قيمة الولد ها هنا".
يعنى يملك الموقوف عليه قيمة الولد هنا على هذا الاحتمال.
واختاره أبو الخطاب قاله في المستوعب والتلخيص وهو احتمال في الهداية.
فائدة: لو أتلفها إنسان لزمه قيمتها يشتري بها مثلها.
وإن حصل الإتلاف في جزء بها كقطع طرف مثلا فالصحيح أنه يشترى بأرشها شقص يكون وقفا قاله الحارثي وجزم به المصنف والشارح.
وقيل يكون للموقوف عليه وهما احتمالان مطلقان في التلخيص.
وإن جنى عليها من غير إتلاف فالأرش للموقوف عليه قاله في التلخيص وغيره.
فائدة أخرى: لو قتل الموقوف عبد مكافئ.

(7/32)


فقال في المغنى الظاهر أنه لا يجب القصاص لأنه محل لا يختص به الموقوف عليه فلم يجز أن يقتص منه قاتله كالعبد المشترك انتهى.
قال الحارثي وتحرير قوله: في المغنى أن العبد الموقوف مشترك بين الملاك ومن شرط استيفاء القصاص مطالبة كل الشركاء وهو متعذر.
قال وفيه بحث وذكره ومال إلى وجوب القصاص.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف هنا وقفية البدل بنفس الشراء لاستدعاء البدلية ثبوت حكم الأصل لا البدل وهو الصحيح من الوجهين وقطع به في التلخيص والرعاية.
وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه لا بد من إنشاء عقد الوقف.
فإنه قال وإذا خرب الوقف ولم يرد شيئا بيع واشترى بثمنه ما يرد على أهل الوقف وجعل وقفا كالأول.
قال الحارثي وكذا نص أبو عبد الله رحمه الله في رواية بكر ابن محمد قال وبهذا أقول.
ويأتي في آخر بيع الوقف بأتم من هذا وكلام الزركشي وغيره.
ومن فوائد الخلاف: قول المصنف: "وله تزويج الجارية".
يعني إذا قلنا يملك الموقوف عليه الوقف.
وعلى الرواية الثانية: يزوجها الحاكم.
وعلى الثالثة: يزوجها الواقف قاله الزركشي وابن رجب في قواعده والحارثي.
لكن إذا زوج الحاكم اشترط إذن الموقوف عليه قاله في التلخيص وغيره وهو واضح وكذا إذا زوجها الواقف قاله الزركشي من عنده.
قلت هو مراد من لم يذكره قطعا.
وقد طرده الحارثي في الواقف والناظر إذا قيل بولايتهما.
وقيل لا يجوز تزويجها بحال إلا إذا طلبته وهو وجه في المغنى.
قال في الرعاية ويحتمل منع تزويجها إن لم تطلبه.
قوله: "وولدها وقف معها".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
"ويحتمل أن يملكه" الموقوف عليه.
وهو اختيار لأبي الخطاب كما تقدم في نظيره.
قال الحارثي وهذا أشبه بالصواب ونسب الأول إلى الأصحاب.

(7/33)


ويأتي هل يجوز للموقوف عليه أن يتزوج الأمة الموقوفة عليه في الفوائد قريبا.
ومن الفوائد: قول المصنف: "وإن جنى الوقف خطأ فالأرش على الموقوف عليه".
يعنى إذا قلنا إنه يملك الموقوف عليه وهو المذهب.
وعلى الرواية الثانية: تكون جنايته في كسبه على الصحيح قدمه في الفروع والقواعد والمحرر.
وقيل في بيت المال وهو رواية في التبصرة وضعفه المصنف وقدمه في الرعاية وأطلقهما الزركشي.
وقيل لا يلزم الموقوف عليه الأرش على القولين قاله في القواعد.
وأما على الرواية الثالثة: فيحتمل أن يجب على الواقف.
ويحتمل أن يجب في كسبه قاله الزركشي من عنده.
وقال الحارثي بعد أن حكى الوجهين المتقدمين ولهم وجه ثالث وهو الوجوب على الواقف قال وفيه بحث.
تنبيه: هذا كله إذا كان الموقوف عليه معينا.
أما إن كان غير معين كالمساكين ونحوهم فقال في المغنى ينبغي أن يكون الأرش في كسبه لأنه ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه ولا يمكن تعلقها برقبته فتعين في كسبه.
قال ويحتمل أن تجب في بيت المال.
فائدة: حيث أوجبنا الفداء فهو أقل الأمرين من القيمة أو أرش الجناية اعتبارا بأم الولد.
تنبيه: فهذه ثلاث مسائل من فوائد: الخلاف ذكرها المصنف.
ومنها لو كان الموقوف ماشية لم تجب زكاتها على الثانية والثالثة: لضعف الملك وتجب على الموقوف عليه على الأولى على ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله واختيار القاضي في التعليق والمجد وغيرهما وقدمه الزركشي.
قال الناظم:
ولكن ليخرج من سواها ويمدد.
قلت فيعايي بها.
وقيل لا تجب مطلقا لضعف الملك اختاره صاحب التلخيص وغيره وقاله القاضي وابن عقيل.
فأما الشجر الموقوف فتجب الزكاة في ثمره على الموقوف عليه وجها واحدا لأن ثمرته للموقوف عليه قاله في الفوائد.

(7/34)


قال الشيرازي لا زكاة فيه مطلقا ونقله غيره رواية.
وتقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة عند قوله: "ولا زكاة في السائمة الموقوفة" بأتم من هذا فليراجع.
ومنها النظر على الموقوف عليه إن قلنا يملكه ملك النظر عليه على ما يأتي في كلام المصنف فينظر فيه هو مطلقا أو وليه إن لم يكن أهلا.
وقيل يضم إلى الفاسق أمين.
وعلى الرواية الثانية: يكون النظر للحاكم.
وعلى الثالثة: للواقف قاله الزركشي من عنده.
ومنها هل يستحق الشفعة بشركة الوقف فيه طريقان.
أحدهما: البناء فإن قيل يملكه استحق به الشفعة وإلا فلا.
والطريق الثاني: الوجهان بناء على قولنا يملكه قاله المجد.
وهذا كله مفرع على المذهب في جواز قسمة الوقف من الطلق.
أما على الوجه الآخر بمنع القسمة فلا شفعة وكذلك بنى صاحب التلخيص الوجهين هنا على الخلاف في قبول القسمة.
وتقدم ذلك في باب الشفعة عند قول المصنف: "ولا شفعة بشركة الوقف".
ومنها نفقة الحيوان الموقوف فتجب حيث شرطت ومع عدم الشرط تجب في كسبه ومع عدمه تجب على من الملك له قاله في التلخيص.
وقال الزركشي من عنده وعلى الثانية: تجب في بيت المال وهو وجه ذكره في الفروع وغيره.
قال في القواعد وإن لم تكن له غلة فوجهان.
أحدهما: نفقته على الموقوف عليه.
والثاني: في بيت المال.
فقيل هما مبنيان على انتقال الملك وعدمه.
وقد يقال بالوجوب عليه وإن كان الملك لغيره كما نقول بوجوبها على الموصى له بالمنفعة على وجه انتهى.
ومنها لا يجوز للموقوف عليه أن يتزوج الأمة الموقوفة عليه على الأولى ويجوز على الثانية.
قلت وعلى الثالثة.
قال في القواعد هذا البناء ذكره في التلخيص وغيره.

(7/35)


قال وفيه نظر فإنه يملك منفعة البضع على كلا القوالين ولهذا يكون المهر له انتهى.
قال الحارثي فعلى الأولى لو وقفت عليه زوجته انفسخ النكاح لوجود الملك.
ومنها لو سرق الوقف أو نماءه فعلى الأولى يقطع على الصحيح وقيل لا يقطع وإن قلنا لا يملكه لم يقطع على الصحيح وقيل يقطع.
ومحل ذلك كله إذا كان الوقف على معين.
ومنها وجوب إخراج زكاة الفطر على الموقوف عليه على الأولى على الصحيح وقيل لا تجب عليه.
وأما إذا اشترى عبد من غلة الوقف لخدمة الوقف فإن الفطرة تجب قولا واحدا لتمام التصرف فيه قاله أبو المعالي.
ويعايى بمملوك لا مالك له وهو عبد وقف على خدمة الكعبة قاله ابن عقيل في المنثور.
ومنها لو زرع الغاضب الوقف فعلى الأولى للموقوف عليه التملك بالنفقة وإلا فهو كالمستأجر ومالك المنفعة فيه تردد ذكره في الفوائد من القواعد.
قوله: "وإن وقف على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه على الآخرين".
وكذا لو رد وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وذكر الحارثي في شرحه وجهين آخرين.
أحدهما: الصرف مدة بقاء الآخرين مصرف الوقف المنقطع لسكوته عن المصرف في هذه الحالة.
والوجه الثاني: الانتقال إلى المساكين لاقتضاء اللفظ له فإن مقتضاه الصرف إلى المساكين بعد انقراض من عين فصرف نصيب كل منهم عند انقراضه إلى المساكين داخل تحت دلالة اللفظ ورجحه على الذي قبله.
فوائد:
إحداها: لو وقف على ثلاثة ولم يذكر له مآلا فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع كما لو ماتوا جميعا قاله الحارثي.
وقال على ما في الكتاب يصرف إلى من بقى.
وقطع به في القاعدة الخامسة عشر بعد المائة وكذا الحكم لو رد بعضهم قاله فيها أيضا.
الثانية: لو وقف على أولاده ثم على أولادهم ثم على الفقراء فالصحيح من المذهب أن هذا ترتيب جملة على مثلها لا يستحق البطن الثاني شيئا قبل انقراض الأول قدمه في

(7/36)


الفروع والفائق.
وقال في القاعدة الثالثة عشر بعد المائة هذا المعروف عند الأصحاب وهو الذي ذكره القاضي وأصحابه ومن اتبعهم فيكون من باب توزيع الجملة.
وقيل ترتيب أفراد فيستحق الولد نصيب أبيه بعده فهو من ترتيب الأفراد بين كل شخص وأبيه اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق.
قال في الانتصار عند شهادة الواحد بالهلال إذا قوبل جمع بجمع اقتضى مقابله الفرد منه بالفرد لغة.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فعلى هذا الأظهر استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه.
وقال الأظهر أيضا فيمن وقف على ولديه نصفين ثم على أولادهما وأولاد أولادهما وعقبهما بعدهما بطنا بعد بطن أنه ينتقل نصيب كل واحد إلى ولده ثم ولد ولده.
وقال من ظن أن الوقف كالإرث فإن لم يكن أبوه أخذ شيئا لم يأخذ هو فلم يقله أحد من الأئمة ولم يدر ما يقول.
ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيهم إجماعا ولا فرق انتهى.
قال في الفروع وقول الواقف من مات فنصيبه لولده يعم ما استحقه وما يستحقه مع صفة الاستحقاق استحقه أو لا تكثيرا للفائدة ولصدق الإضافة بأدنى ملابسه ولأنه بعد موته لا يستحقه ولأنه المفهوم عند العامة الشارطين ويقصدونه لأنه يتيم لم يرث هو وأبوه من الجد ولأن في صورة الإجماع ينتقل مع وجود المانع إلى ولده لكن هنا هل يعتبر موت الوالد يتوجه الخلاف وإن لم يتناول إلا ما استحقه فمفهوم خرج مخرج الغالب وقد تناوله الوقف على أولاده ثم أولادهم.
قال في الفروع فعلى قول شيخنا أن قال بطنا بعد بطن ونحوه فترتيب جملة مع أنه محتمل.
فإن زاد الواقف على أنه إن توفى أحد من أولاد الموقوف عليه ابتداء في حياة والده وله ولد ثم مات الأب عن أولاد لصلبه وعن ولد ولده الذي مات أبوه قبل استحقاقه فله معهم ما لأبيه لو كان حيا فهو صريح في ترتيب الأفراد.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا فيما إذا قال بطنا بعد بطن ولم يزد شيئا هذه المسألة فيها نزاع والأظهر أن نصيب كل واحد ينتقل إلى ولده ثم إلى ولد ولده ولا مشاركة انتهى.
الثالثة: لو كان له ثلاث بنين فقال وقفت على ولدى فلان وفلان وعلى ولد ولدى كان الوقف على المسمين وأولادهما وأولاد الثالث ولا شيء للثالث.

(7/37)


ذكره المصنف مختارا له وقدمه في الفروع والمغنى والشرح ونصراه وهو ظاهر ما قدمه في الفائق وقواه شيخنا في حواشيه وصححه الحارثي.
وقال القاضي وابن عقيل يدخل الابن الثالث.
ونقله حرب وقدمه الحارثي فقال فالمنصوص دخول الجميع.
وقال في القاعدة الثانية والعشرين بعد المائة ويتخرج وجه بالاختصاص بولد من وقف عليهم اعتبارا بآبائهم.
وكذا الحكم والخلاف والمذهب لو قال وقفت على ولدي فلان وفلان ثم على الفقراء هل يشمل ولد ولده أم لا.
وقيل يشمله هنا ذكره المصنف احتمالا من عنده.
الرابعة: لو وقف على فلان فإذا انقرض أولاده فعلى المساكين كان بعد موت فلان لأولاده ثم من بعدهم للمساكين اختاره القاضي وابن عقيل وقدمه في الكافي.
وقيل يصرف بعد موت فلان مصرف المنقطع حتى ينقرض أولاده ثم يصرف على المساكين.
الخامسة: لو وقف على أولاده وأولاد أولاده اشتركوا حالا ولو قال فيه على أن من توفى عن غير ولد فنصيبه لذوي طبقته كان للاشتراك أيضا في أحد الوجهين.
قلت وهو أولى.
قال في القواعد وقد زعم المجد أن كلام القاضي في المجرد يدل على أنه يكون مشتركا بين الأولاد وأولادهم ثم يضاف إلى كل ولد نصيب والده بعد موته.
قال وليس في كلام القاضي ما يدل على ذلك لمن راجعه وتأمله.
والوجه الثاني: يكون للترتيب بين كل ولد وأبيه.
قال في القاعدة الثالثة عشر بعد المائة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله وذكره وأطلقهما في الفائق.
ولو رتب بقوله: الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب أو البطن الأول ثم الثاني فهذا ترتيب جملة على مثلها لا يستحق البطن الثاني شيئا قبل انقراض الأول قاله في المغنى والشرح والحارثي والفائق وغيرهم.
قال في التلخيص وكذا قوله: "قرنا بعد قرن".
ولو قال بعد الترتيب بين أولاده ثم على أنسالهم وأعقابهم فهل يستحقه أهل العقب مرتبا أو مشتركا فيه وجهان وأطلقهما في الفائق.
قلت الصواب الترتيب.

(7/38)


ولو رتب بين أولاده وأولادهم ب ثم ثم قال ومن توفى عن ولد فنصيبه لولده استحق كل ولد بعد أبيه نصيبه.
ولو قال على أولادى ثم على أولاد أولادي على أنه من توفى منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل درجته استحق كل ولد نصيب أبيه بعده كالتي قبلها.
قال في الفائق ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره انتهى.
وهما ينزعان إلى أصل المسألة المتقدمة.
وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين فيها.
قلت هذه المسألة أولى بالصحة.
وقد وافق الشيخ تقي الدين رحمه الله على ذلك كثير من العلماء من أرباب المذهب وجعلوه من تخصيص العموم بالمفهوم وهو أظهر.
وصنف الشيخ تقي الدين في ذلك مصنفا حافلا خمس كراريس.
ولو قال ومن مات عن ولد فنصيبه لولده فالصحيح من المذهب أنه يشمل النصيب الأصلي والعائد مثل أن يكون ثلاث أخوة فيموت أحدهم عن ولد ويموت الثاني عن غير ولد فنصيبه لأخيه الثالث.
فإذا مات الثالث عن ولد استحق جميع ما كان في يد أبيه من الأصلي والعائد إليه من أخيه وقدمه في الفروع.
وقال الشيخ تقى الدين رحمه الله يشمل النصيب الأصلي ويشترك ولد الميت الأول وولد الميت الثالث في النصيب العائد إلى أخيه لأن والديهما لو كانا حيين لاشتركا في العائد فكذا ولدهما.
قلت وهو الصواب.
ولو قال ومن توفى عن غير ولد فنصيبه لأهل درجته وكان الوقف مرتبا بالبطون كان نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه.
ولو كان مشتركا بين أهل البطون عاد إلى جميع أهل الوقف في أحد الوجهين.
قلت وهو الصواب فوجود هذا الشرط كعدمه.
والوجه الثاني: يختص البطن الذي هو منه فيستوي فيه إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه لأنهم في القرب سواء قدمه في النظم.
وأطلقهما في المغنى والشرح والفائق والفروع والحاوي الصغير.
فإن لم يوجد في درجته أحد فالحكم كما لو لم يذكر الشرط قاله في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.

(7/39)


ولو كان الوقف على البطن الأول على أن من مات عن ولد فنصيبه لولده وإن مات عن غير ولد انتقل نصيبه إلى من في درجته فمات أحدهم عن غير ولد فقيل يعود نصيبه إلى أهل الوقف كلهم وإن كانوا بطونا وحكم به التقى سليمان وهو الصواب.
وقيل يختص أهل بطنه سواء كانوا من أهل الوقف حالا أو قوة مثل أن يكون البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين فمات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه وعمه وابنا لعمه الحي فيكون نصيبه بين أخيه وابن عمه الميت وابن عمه الحي ولا يستحق العم شيئا.
وقيل يختص أهل بطنه في أهل الوقف المتناولين له في الحال.
فعلى هذا يكون لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه ولا شيء لعمه الحي ولا لولده.
وأطلقهن في المغنى والشرح والفروع والفائق والحاوي الصغير.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ذوو طبقته إخوته وبنو عمه ونحوهم ومن هو أعلى منه عمومته ونحوهم ومن هو أسفل منه ولده وولد أخوته وطبقتهم.
ولا يستحق من في درجته من غير أهل الوقف بحال كمن له أربع بنين.
وقف على ثلاثة وترك الرابع فمات أحد الثلاثة عن غير ولد لم يكن للرابع فيه شيء لأنه ليس من أهل الاستحقاق قاله الأصحاب.
وإذا شرطه لمن في درجة المتوفى عند عدم ولده استحقه أهل الدرجة حالة وفاته وكذا من سيوجد منهم في أصح الاحتمالين.
قال في الفائق هذا أقوى الاحتمالين.
قال ورأيت المشاركة بخط الشيخ شمس الدين يعنى الشارح والنووي قال ابن رجب في قواعده يخرج فيه وجهان قال والدخول هنا أولى وبه أفتى الشيخ شمس الدين.
قال وعلى هذا لو حدث من هو أعلى من الموجودين وكان في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى فإنه ينتزعه منهم قاله في القاعدة السابعة بعد المائة.
السادسة: لو قال على أولادي ثم أولادهم الذكور والإناث ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط ثم نسلهم وعقبهم ثم الفقراء على أن من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له فمات أحد الطبقة الأولة وترك بنتا فماتت ولها أولاد.
فقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ما استحقته قبل موتها فهو لهم.
قال في الفروع ويتوجه لا انتهى.
ولو قال ومن مات عن غير ولد وإن سفل فنصيبه لأخوته ثم نسلهم وعقبهم عم من لم يعقب ومن أعقب ثم انقطع عقبه لأنه لا يقصد غيره واللفظ يحتمله فوجب الحمل عليه قطعا قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.

(7/40)


قال في الفروع ويتوجه نفوذ حكمه بخلافه.
السابعة: لو اجتمع صفتان أو صفات في شخص واحد فهو كاجتماع شخصين أو أشخاص على المشهور من المذهب فيتعدد الاستحقاق بها كالأعيان قاله في القاعدة التاسعة عشر بعد المائة.
وله نظائر في الوصايا والفرائض والزكاة فكذلك الوقف.
وأفتى به العلامة ابن رجب أيضا ورد قول المخالف في ذلك.
وقيل لا يتعدد الاستحقاق بذلك. ويأتي قريبا من ذلك في الفائدة السادسة من الفوائد الآتية قريبا.
الثامنة: إذا تعقب الشرط جملا عاد إلى الكل على الصحيح من المذهب.
وقد ذكر المصنف في المغنى وجهين في قوله: أنت حرام والله لا أكلمك إن شاء الله تعالى انتهى.
والاستثناء كالشرط على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقيل لا وقيل والجمل من جنس كالشرط.
وكذا مخصص من صفة وعطف بيان وتوكيد وبدل ونحوه والجار والمجرور نحو على أنه أو بشرط أنه ونحو ذلك كالشرط لتعلقه بفعل لا باسم.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وعموم كلامهم لا فرق بين العطف بواو وفاء وثم وذلك لما تقدم ذكر ذلك ابن عقيل وغيره.
التاسعة: لو وجد في كتاب وقف أن رجلا وقف على فلان وعلى بني بنيه واشتبه هل المراد ببني بنيه جمع ابن أو بني بنته واحدة البنات.
فقال ابن عقيل في الفنون يكون بينهما عندنا لتساويهما كما في تعارض البينات.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ليس هذا من تعارض البينتين بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة ولو كان من تعارض البينتين فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة وإلا فالصحيح إما التساقط وإما القرعة فيحتمل أن يقرع هنا ويحتمل أن يرجح بنو البنين لأن العادة أن الإنسان إذا وقف على ولد بنتيه لا يخص منهما الذكور بل يعم أولادهما بخلاف الوقف على ولد الذكور فإنه يخص ذكورهم كثيرا كآبائهم ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها باسمها أو لشرك بين ولدها وولد سائر بناته.
قال وهذا أقرب إلى الصواب.
وأفتى أيضا رحمه الله فيمن وقف على أحد أولاده وله عدة أولاد وجهل اسمه أنه يميز بالقرعة.

(7/41)


قوله: "ويرجع إلى شرط الواقف في قسمه على الموقوف عليه وفي التقديم والتأخير والجمع والترتيب والتسوية والتفضيل وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة وفي الناظر فيه والإنفاق عليه وسائر أحواله".
كذا لو شرط عدم إيجاره أو قدر مدة قاله الأصحاب.
وقال الحارثي وعن بعضهم جواز زيادة مدة الإجارة على ما شرطه الناظر بحسب المصلحة.
قال وهو يحتاج عندي إلى شيء من تفصيل.
فقوله: "يرجع في قسمه" أي في تقدير الاستحقاق.
و"التقديم" البداءة ببعض أهل الوقف دون بعض كوقفت على زيد وعمرو وبكر ويبدأ بالدفع إلى زيد أو وقفت على طائفة كذا ويبدأ بالأصلح أو الأفقه.
و"التأخير" عكس ذلك وإذا أضيف تقدير الاستحقاق كان للمؤخر ما فضل وإن لم يفضل شيء سقط.
و"الجمع" جمع الاستحقاق مشتركا في حالة واحدة.
و"الترتيب" جعل استحقاق بطن مرتبا على آخر كما تقدم.
و"الترتيب" مع التقديم والتأخير متحد معنى لكن المراد في صورة التقديم بقاء أصل الاستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل وإلا سقط وفي صورة الترتيب عدم استحقاق المؤخر مع وجود المقدم.
و"التسوية" جعل الريع بين أهل الوقف متساويا.
و"التفضيل" جعله متفاوتا.
ومعنى "الإخراج بصفة" والإدخال بصفة جعل الاستحقاق والحرمان مرتبا على وصف مشترط.
فترتب الاستحقاق كالوقف على قوم بشرط كونهم فقراء أو صلحاء.
وترتب الحرمان أن يقول ومن فسق منهم أو استغنى فلا شيء له.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره أن الشرط المباح الذي لا يظهر قصد القربة منه يجب اعتباره في كلام الواقف. قال الحارثي وهو ظاهر كلام الأصحاب والمعروف في المذهب الوجوب قال وهو الصحيح.
وقال في الفائق وقال شيخنا يعنى به الشيخ تقي الدين رحمه الله يخرج من شرط كونه

(7/42)


قربة اشتراط القربة في الأصل يلزم الشروط المباحة انتهى.
وقال في الفروع واختار شيخنا يعنى به الشيخ تقي الدين لزوم العمل بشرط مستحب خاصة.
وذكره صاحب المذهب لأنه لا ينفعه ويعذر عليه فبذل المال فيه سفه ولا يجوز انتهى.
قال الحارثي ومن متأخري الأصحاب من قال لا يصح اشتراطه يعنى المباح في ظاهر المذهب وعلله قال وهذا له قوة على القول باعتبار القربة في أصل الجهة كما هو ظاهر المذهب.
وإياه أراد بقوله: "في ظاهر المذهب" فيما أرى.
ويؤيده من نص الإمام أحمد وذكر النص في الوصية انتهى.
والظاهر أنه أراد بقوله: من متأخرى الأصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وكان في زمنه.
وفي كلام صاحب الفروع إيماء إلى ذلك.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا من قدر له الواقف شيئا فله أكثر منه إن استحقه بموجب الشرع.
وقال أيضا الشرط المكروه باطل اتفاقا.
فائدة: لو خصص المدرسة بأهل مذهب أو بلد أو قبيلة تخصصت وكذلك الرباط والخانقاة والمقبرة وهذا المذهب جزم به في التلخيص وغيره وصححه الحارثي وغيره.
قال الحارثي وذكر بعض شيوخنا في كتابه احتمالا بعدم الاختصاص.
وأما المسجد فإن عين لإمامته شخصا تعين وإن خصص الإمامة بمذهب تخصصت به ما لم يكن في شيء من أحكام الصلاة مخالفا لصريح السنة أو ظاهرها سواء كان لعدم الاطلاع أو لتأويل ضعيف.
وإن خصص المصلين فيه بمذهب فقال في التلخيص يختص بهم على الأشبه لاختلاف المذاهب في أحكام الصلاة.
قال الحارثي وقال غير صاحب التلخيص من متأخرى الأصحاب يحتمل وجهين وقوى الحارثي عدم الاختصاص.
قلت وهو الصواب.
قال في الفائق قلت واختار ابن هبيرة عدم الاختصاص في المسجد بمذهب في الإمام.
قال في الفروع وقيل لا تتعين طائفة وقف عليها مسجد أو مقبرة كالصلاة فيه.

(7/43)


وقال أبو الخطاب يحتمل إن عين من يصلي فيه من أهل الحديث أو تدريس العلم اختص وإن سلم فلأنه لا يقع التزاحم بإشاعته ولو وقع فهو أفضل لأن الجماعة تراد له.
وقيل تمنع التسوية بين فقهاء كمسابقة.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله قول الفقهاء نصوص الواقف كنصوص الشارع يعنى في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أو لغة الشارع أم لا.
قال والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تفض إلى الإخلال بالمقصود الشرعي ولا تجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود بها.
قال ومن شرط في القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول فقد شرط خلاف شرط الله كشرطه في الإمامة تقديم غير الأعلم والناظر منفذ لما شرطه الواقف انتهى.
وإن شرط أن لا ينزل فاسق ولا شرير ولا متجوه ونحوه عمل به وإلا توجه أن لا يعتبر في فقهاء ونحوهم.
وفي إمام ومؤذن الخلاف.
قال في الفروع وهو ظاهر كلامهم وكلام شيخنا في موضع.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا لا يجوز أن ينزل فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقا لأنه يجب الإنكار عليه وعقوبته فكيف ينزل.
وقال أيضا إن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز صرفه بلا موجب شرعي انتهى.
فائدة: قال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو حكم حاكم بمحضر كوقف فيه شروط ثم ظهر كتاب الوقف غير ثابت وجب ثبوته والعمل به إن أمكن.
وقال أيضا لو أقر الموقوف عليه أنه لا يستحق في هذا الوقف إلا مقدارا معلوما ثم ظهر شرط الواقف بأنه يستحق أكثر حكم له بمقتضى شرط الواقف ولا يمنع من ذلك الإقرار المتقدم انتهى.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإخراج من شاء بصفة وإدخاله بصفة".
أن الواقف لو شرط للناظر إخراج من شاء بصفة من أهل الوقف وإدخال غيره بصفة منهم جاز لأنه ليس بإخراج للموقوف عليه من الوقف وإنما هو تعليق الاستحقاق بصفة فكأنه جعل له حقا في الوقف إذا اتصف بإرادة الناظر ليعطيه ولم يجعل له حقا إذا انتفت تلك الصفة فيه.
وإن شرط له أن يخرج من شاء من أهل الوقف ويدخل من شاء من غيرهم لم يصح لأنه شرط ينافى مقتضى الوقف فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع به.
قال ذلك المصنف ومن تابعه وقدمه في الفروع.

(7/44)


وقال الحارثي فرق المصنف بين المسألتين قال والفرق لا يتجه.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله كل متصرف بولاية إذا قيل له يفعل ما يشاء فإنما هو لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بفعل ما يهواه وما يراه مطلقا فشرط باطل لمخالفته الشرع وغايته أن يكون شرطا مباحا وهو باطل على الصحيح المشهور حتى لو تساوى فعلان عمل بالقرعة.
وإذا قيل هنا بالتخيير فله وجه.
فوائد:
الأولى: يتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة له على الصحيح من المذهب ونقله الجماعة قدمه في الفروع وغيره وقطع به أكثرهم وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح. منه وإن اختلف ذلك باختلاف الأزمان حتى لو وقف على الفقهاء والصوفية واحتاج الناس إلى الجهاد صرف إلى الجند.
وقيل إن سبل ماء للشرب جاز الوضوء منه.
قال في الفروع فشرب ماء موقوف للوضوء يتوجه عليه وأولى.
وقال الأحرى في الفرس الحبيس لا يعيره ولا يؤجره إلا لنفع الفرس ولا ينبغي أن يركبه في حاجة إلا لتأديبه وجمال المسلمين ورفعة لهم أو غيظ للعدو.
وتقدم وجه بتحريم الوضوء من ماء زمزم.
قال في الفروع فعلى نجاسة المنفصل واضح.
وقيل لمخالفة شرط الواقف أنه لو سبل ماء للشرب في كراهة الوضوء منه وتحريمه وجهان في فتاوى ابن الزاغوني وغيرها.
وعنه يجوز إخراج بسط المسجد وحصره لمن ينتظر الجنازة.
وأما ركوب الدابة لعلفها وسقيها فيجوز نقله الشالنجى وجزم به في الفروع وغيره.
الثانية: إذا شرط الواقف لناظره أجرة فكلفته عليه حتى تبقى أجره مثله على الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه في الفروع.
وقال المصنف ومن تبعه كلفته من غلة الوقف.
قيل للشيخ تقي الدين رحمه الله فله العادة بلا شرط فقال ليس له إلا ما يقابل عمله.
وتقدم في باب الحجر إذا لم يشرط الواقف للناظر أجره هل له الأخذ أم لا.
الثالثة: قال الحارثي إذا أسند النظر إلى اثنين لم يتصرف أحدهما بدون شرط.

(7/45)


وكذا إن جعله الحاكم أو الناظر إليهما.
وأما إذا شرطه لكل واحد من اثنين استقل كل منهما بالتصرف لاستقلال كل منهما بالنظر.
وقال في المغنى إذا كان الموقوف عليه ناظرا إما بالشرط وإما لانتفاء ناظر مشروط وكان واحدا استقل به وإن كانوا جماعة فالنظر للجميع كل إنسان في حصته انتهى.
قال الحارثي والأظهر أن الواحد منهم في حالة الشرط لا يستقل بحصته لأن النظر مسند إلى الجميع فوجب الشركة في مطلق النظر فما من نظر إلا وهو مشترك.
وإن أسنده إلى عدلين من ولده فلم يوجد إلا واحد أو أبى أحدهما أو مات أقام الحاكم مقامه آخر لأن الواقف لم يرض بواحد.
وإن جعل كلا منهما مستقلا لم يحتج إلى إقامة آخر لأن البدل مستغنى عنه واللفظ لا يدل عليه.
وإن أسنده إلى الأفضل فالأفضل من ولده وأبى الأفضل القبول فهل ينتقل إلى الحاكم مدة بقائه أو إلى من يليه فيه الخلاف الذي فيما إذا رد البطن الأول على ما تقدم قاله الحارثي.
قلت وهي قريبة مما إذا عضل الولي الأقرب هل تنتقل الولاية إلى الحاكم أو إلى من يليه من الأولياء على ما يأتي في كلام المصنف في أركان النكاح.
وإن تعين أحدهم لفضله ثم صار فيهم من هو أفضل منه انتقل إليه لوجود الشرط فيه.
الرابعة: لو تنازع ناظران في نصب إمامة نصب أحدهما زيدا والآخر عمرا إن لم يستقلا لم تتعقد الولاية لانتفاء شرطها وإن استقلا وتعاقبا انعقدت للأسبق وإن اتحدا واستوى المنصوبان قدم أحدهما بالقرعة.
الخامسة: يشتمل على أحكام جمة من أحكام الناظر.
إذا عزل الواقف من شرط النظر له لم ينعزل إلا أن يشرط لنفسه ولاية العزل قطع به الحارثي وصاحب الفروع.
ولو مات هذا الناظر في حياة الواقف لم يملك الواقف نصب ناظر بدون شرط وانتقل الأمر إلى الحاكم. وإن مات بعد وفاة الواقف فكذلك بلا نزاع.
وإن شرط الواقف النظر لنفسه ثم جعله لغيره أو فوضه إليه أو أسنده فهل له عزله فيه وجهان وأطلقهما في الفروع.
أحدهما: له عزله قدمه في الرعاية الكبرى فقال وإن قال وقفت كذا بشرط أن ينظر فيه زيد أو على أن ينظر فيه أو قال عقبه جعلته ناظرا فيه أو جعل النظر له صح ولم يملك عزله.
وإن شرطه لنفسه ثم جعله لزيد أو قال جعلت نظري له أو فوضت إليه ما أملكه من

(7/46)


النظر أو أسندته إليه فله عزله ويحتمل عدمه انتهى.
قال الحارثي إذا كان الوقف على جهة لا تنحصر كالفقراء والمساكين أو على مسجد أو مدرسة أو قنطرة أو رباط ونحو ذلك فالنظر للحاكم وجها واحدا.
وللشافعية وجه أنه للواقف.
وبه قال هلال الرأي من الحنفية.
قال الحارثي وهو الأقوى.
فعليه له نصب ناظر من جهته ويكون نائبا عنه يملك عزله متى شاء لأصالة ولايته.
فكان منصو به نائبا عنه كما في الملك المطلق.
وله الوصية بالنظر لأصالة الولاية إذا قيل بنظره له أن ينصب ويعزل أيضا كذلك انتهى.
والوجه الثاني: ليس له عزله وهو الاحتمال الذي في الرعاية.
وللناظر بالأصالة أن يعزل وينصب أيضا بشرطه والمراد بالناظر بالأصالة الموقوف عليه أو الحاكم قاله القاضي محب الدين بن نصر الله.
وأما الناظر المشروط فليس له نصب ناظر لأن نظره مستفاد بالشرط ولم يشرط النصب له.
وإن قيل برواية توكيل الوكيل كان له بالأولى لتأكد ولايته من جهة انتفاء عزله بالعزل.
وليس له الوصية بالنظر أيضا نص عليه في رواية الأثرم لأنه إنما ينظر بالشرط ولم يشرط الإيصاء له خلافا للحنفية.
ومن شرط لغيره النظر إن مات فعزل نفسه أو فسق فهو كموته لأن تخصيصه للغالب ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قال في الفروع ويتوجه لا.
وقال ولو قال النظر بعده له فهل هو كذلك أو المراد بعد نظره يتوجه وجهان انتهى.
وللناظر التقرير في الوظائف.
قال في الفروع قاله الأصحاب في ناظر المسجد.
قال الحارثي المشروط له نظر المسجد له نصب من يقوم بوظائفه من إمام ومؤذن وقيم وغيرهم كما أن لناظر الموقوف عليه نصب من يقوم بمصلحته من جاب ونحوه.
وإن لم يشرط ناظر لم يكن للواقف ولاية النصب نص عليه في رواية وابن بختان.

(7/47)


قال الحارثي ويحتمل خلافة على ما تقدم.
فعلى الأول للإمام ولاية النصب لأنه من المصالح العامة.
وقال في الأحكام السلطانية إن كان المسجد كبيرا كالجوامع وما عظم وكثر أهله فلا يؤم فيها إلا من ندبة السلطان وإن كان من المساجد التي يبنيها أهل الشوارع والقبائل فلا اعتراض عليهم والإمامة فيها لمن اتفقوا عليه وليس لهم بعد الرضى به عزله عن إمامته إلا أن يتغير.
قال الحارثي والأصح أن للإمام النصب أيضا لكن لا ينصب من لا يرضاه الجيران وكلك الناظر الخاص لا ينصب من لا يرضونه.
وقال الحارثي أيضا وهل لأهل المسجد نصب ناظر في مصالحه ووقفه ظاهر المذهب ليس لهم ذلك كما في نصب الإمام والمؤذن.
هذا إذا وجد نائب من جهة الإمام.
فأما إذا لم يوجد كما في القرى الصغار أو الأماكن النائية أو وجد وكان غير مأمون أو يغلب عليه نصب من ليس مأمونا فلا إشكال في أن لهم النصب تحصيلا للغرض ودفعا للمفسدة.
وكذا ما عداه من الأوقاف لأهل ذلك الوقف أو الجهة نصب ناظر فيه كذلك.
وإن تعذر النصب من جهة هؤلاء فلرئيس القرية أو المكان النظر والتصرف لأنه محل حاجة ونص الإمام أحمد رحمه الله على مثله انتهى.
قال في الفروع وذكر في الأحكام السلطانية أن الإمام يقرر في الجوامع الكبار كما تقدم ولا يتوقف الاستحقاق على نصبه إلا بشرط.
ولا نظر لغير الناظر معه.
قال في الفروع أطلقه الأصحاب وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
ويتوجه مع حضوره فيقرر حاكم في وظيفة خلت في وظيفة خلت في غيبته لما فيه من القيام بلفظ الواقف في المباشرة ودوام نفعه فالظاهر أنه يريده.
ولا حجة في تولية الأئمة مع البعد لمنعهم غيرهم التولية.
فنظيره منع الواقف التولية لغيبة الناظر.
ولو سبق تولية ناظر غائب قدمت.
وللحاكم النظر العام فيفترض عليه إن فعل ما لا يسوغ.
وله ضم أمين مع تفريطه أو تهمته يحصل به المقصود قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره.

(7/48)


وقال أيضا ومن ثبت فسقه أو أصر متصرفا بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه قدح فيه.
فإما أن ينعزل أو يعزل أو يضم إليه أمين على الخلاف المشهور.
ثم إن صار هو أو الوصي أهلا عاد كما لو صرح به وكالموصوف.
وقال أيضا متى فرط سقط مما له بقدر ما فوته من الواجب انتهى.
وقال في التلخيص لو عزل عن وظيفته للفسق مثلا ثم تاب وأظهر العدالة يتوجه أن يقال فيها ما قيل في مسألة الشهادة أو أولى لأن تهمة الإنسان في حق نفسه ومصلحته أبلغ منها في حق الغير.
والظاهر أن مراده بالخلاف المشهور ما ذكره الأصحاب في الموصى إليه إذا فسق ينعزل أو يضم أمين على ما يأتي.
ويأتي بيان ذلك أيضا قريبا في الفائدة السابعة.
وقال في الأحكام السلطانية يستحق ماله إن كان معلوما فإن قصر فترك بعض العمل لم يستحق ما قابله وإن كان بجناية منه استحقه ولا يستحق الزيادة.
وإن كان مجهولا فأجره مثله فإن كان مقدرا في الديوان وعمل به جماعة فهو أجر المثل.
وإن لم يسم له شيئا فقال في الفروع قياس المذهب إن كان مشهورا بأخذ الجارى على عمله فله جارى مثله وإلا فلا شيء له.
وله الأجر من وقت نظره فيه قاله الأصحاب والشيخ تقي الدين.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ومن أطلق النظر لحاكم شمل أي حاكم كان سواء كان مذهبه مذهب حاكم البلد زمن الوقف أولا وإلا لم يكن له نظر إذا انفرد وهو باطل اتفاقا.
وقد أفتى الشيخ نصر الله الحنبلي والشيخ برهان الدين ولد صاحب الفروع في وقف شرط واقفه أن النظر فيه لحاكم المسلمين كائنا من كان بأن الحكام إذا تعددوا يكون النظر فيه للسلطان يوليه من شاء من المتأهلين لذلك.
ووافق على ذلك القاضي سراج الدين ابن البلقيني وشهاب الدين الباعوني وابن الهائم والتفهنى الحنفى والبساطي المالكي.

(7/49)


وقال القاضي نجم الدين ابن حجي نقلا وموافقة للمتأخرين إن كان صادرا من الواقف قبل حدوث القضاة الثلاثة فالمراد الشافعي وإلا فهو الشافعي أيضا على الراجح.
ولو فوضه حاكم لم يجز لآخر نقضه.
ولو ولى كل واحد منهما شخصا قدم ولي الأمر أحقهما.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لا يجوز لواقف شرط النظر لذي مذهب معين دائما.
وقال أيضا ومن وقف على مدرس وفقهاء فللناظر ثم الحاكم تقدير أعطيتهم فلو زاد النماء فهو لهم.
والحكم بتقديم مدرس أو غيره باطل لم نعلم أحدا يعتد به قال به ولا بما يشبهه ولو نفذه حكام وبطلانه لمخالفته مقتضى الشرط والعرف أيضا.
وليس تقدير الناظر أمرا حتما كتقدير الحاكم بحيث لا يجوز له ولا لغيره زيادته ونقصه للمصلحة.
وإن قيل إن المدرس لا يزاد ولا ينقص بزيادة النماء ونقصه كان باطلا لأنه لهم.
والقياس أنه يسوى بينهم ولو تفاوتوا في المنفعة كالإمام والجيش في المغنم لكن دل العرف على التفضيل وإنما قدم القيم ونحوه لأن ما يأخذه أجرة ولهذا يحرم أخذه فوق أجرة مثله بلا شرط انتهى كلامه ملخصا.
ويأتي في كلام المصنف إذا وقف على من يمكن حصره.
قال في الفروع وجعل الإمام والمؤذن كالقيم بخلاف المدرس والمعيد والفقهاء فإنهم من جنس واحد.
وذكر بعضهم في مدرس وفقهاء ومتفقهة وإمام وقيم ونحو ذلك يقسم بينهم بالسوية.
قال في الفروع ويتوجه روايتا عامل زكاة الثمن أو الأجرة انتهى.
قال في الفائق ولو شرط على مدرس وفقهاء وإمام فلكل جهة الثلث ذكره ابن الصيرفي في لفظ المنافع.
قال صاحب الفائق قلت يحتمل وجهين أخذا من روايتي مدفوع العامل هل هو الثمن اعتبارا بالقسمة أو أجرة مثله بالنسبة انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ولو عطل مغل وقف مسجد سنة تقسطت الأجرة

(7/50)


المستقبلة عليها وعلى السنة الأخرى لتقوم الوظيفة فيهما لأنه خير من التعطيل ولا ينقص الإمام بسبب تعطل الزرع بعض العام.
قال في الفروع فقد أدخل مغل سنة في سنة.
وقد أفتى غير واحد منا في زمننا فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر أنه يتمم مما بعده وحكم به بعضهم بعد سنين.
وقال ورأيت غير واحد لا يراه انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ومن لم يقم بوظيفته عزله من له الولاية بمن يقوم بها إذا لم يتب الأول ويلتزم بالواجب.
ويجب أن يولي في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعا وأن يعمل بما يقدر عليه من عمل واجب.
وقال في الأحكام السلطانية ولاية الإمامة بالناس طريقها الأولى لا الوجوب بخلاف ولاية القضاء والنقابة لأنه لو تراضى الناس بإمام يصلي لهم صح.
ولا يجوز أن يؤم في المساجد السلطانية وهي الجوامع إلا من ولاه السلطان لئلا يفتات عليه فيما وكل إليه.
وقال في الرعاية إن رضوا بغيره بلا عذر كره وصح في المذهب ذكره في آخر الأذان.
السادسة: لو شرط الواقف ناظرا ومدرسا ومعيدا وإماما فهل يجوز لشخص أن يقوم بالوظائف كلها وتنحصر فيه صرح القاضي في خلافه الكبير بعدم الجواز في الفيء بعد قول الإمام أحمد رحمه الله لا يتمول الرجل من السواد وأطال في ذلك.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله في الفتاوى المصرية وإن أمكن أن يجمع بين الوظائف لواحد فعل انتهى.
وتقدم لابن رجب قريب من ذلك في القاعدة السابعة قريبا.
السابعة: يشترط في الناظر الإسلام والتكليف والكفاية في التصرف والخبرة به والقوة عليه.
ويضم إلى الضعيف قوى أمين.
ثم إن كان النظر لغير الموقوف عليه وكانت توليته من الحاكم أو الناظر فلا بد من شرط العدالة فيه.
قال الحارثي بغير خلاف علمته.
وإن كانت توليته من الواقف وهو فاسق أو كان عدلا ففسق قال المصنف وجماعة يصح ويضم إليه أمين.

(7/51)


ويحتمل أن يصح تولية الفاسق وينعزل إذا فسق.
وقال الحارثي ومن متأخرى الأصحاب من قال بما ذكرنا في الفسق الطارئ دون المقارن للولاية والعكس أنسب فإن في حال المقارنة مسامحة لما يتوقع منه بخلاف حالة الطريان انتهى.
وإن كان النظر للموقوف عليه إما بجعل الواقف النظر له أو لكونه أحق بذلك عند عدم ناظر فهو أحق بذلك رجلا كان أو امرأة عدلا كان أو فاسقا لأنه ينظر لنفسه قدمه في المغنى والشرح.
وقيل يضم إلى الفاسق أمين.
قال الحارثي أما العدالة فلا تشترط ولكن يضم إلى الفاسق عدل ذكره ابن أبي موسى والسامري وغيرهما لما فيه من العمل بالشرط وحفظ الوقف انتهى.
قلت وهو الصواب.
وتقدم إذا كان النظر للموقوف عليه وكان غير أهل لصغر أو سفه أو جنون فإن وليه يقوم مقامه في النظر إن قلنا الوقف يملكه الموقوف عليه وإلا الحاكم.
الثامنة: وظيفة الناظر حفظ الوقف والعمارة والإيجار والزراعة والمخاصمة فيه وتحصيل ريعه من تأجيره أو زرعه أو ثمره والاجتهاد في تنميته وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق ونحو ذلك.
وله وضع يده عليه وعلى الأصل.
ولكن إذا شرط التصرف له واليد لغيره أو عمارته إلى واحد وتحصيل ريعه إلى آخر فعلى ما شرط قاله الحارثي.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ونصب المستوفى الجامع للعمال المتفرقين وهو بحسب الحاجة والمصلحة فإن لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به وجب وقد يستغنى عنه لقلة العمال.
قال ومباشرة الإمام المحاسبة بنفسه كنصب الإمام الحاكم ولهذا كان عليه أفضل الصلاة والسلام يباشر الحكم في المدينة بنفسه ويولى مع البعد انتهى.
التاسعة: قال الأصحاب لا اعتراض لأهل الوقف على من ولاه الواقف إذا كان أمينا ولهم مسألته عما يحتاجون إلى عمله من أمر وقفهم حتى يستوي علمهم وعلمه فيه.
قال في الفروع ونصه إذا كان متهما انتهى.
ولهم مطالبته بانتساخ كتاب الوقف ليكون في أيديهم وثيقة لهم.

(7/52)


قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وتسجيل كتاب الوقف كالعادة.
العاشرة: ما يأخذه الفقهاء من الوقف هل هو كإجارة أو جعالة واستحق ببعض العمل لأنه يوجب العقد عرفا وهو كالرزق من بيت المال.
فيه ثلاثة أقوال ذكرها الشيخ تقي الدين رحمه الله واختار الأخير.
فقال وما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا وأجرة بل رزق للإعانة على الطاعة وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به أو المنذور له ليس كالأجرة والجعل انتهى.
قال القاضي في خلافه ولا يقال إن منه ما يؤخذ أجرة عن عمل كالتدريس ونحوه لأنا نقول أولا لا نسلم أن ذلك أجرة محضة بل هو رزق وإعانة على طلب العلم بهذه الأموال وهذا موافق لما قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا ممن أكل المال بالباطل قوم لهم رواتب أضعاف حاجتهم وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه ويستنيبون بيسير.
وقال أيضا النيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة جائزة ولو عينه الواقف إذا كان النائب مثل مستنيبه وقد يكون في ذلك مفسدة راجحة كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة انتهى.
قوله: "فإن لم يشترط ناظرا فالنظر للموقوف عليه".
هذا المذهب بلا ريب بشرطه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقيل للحاكم قطع به ابن أبي موسى.
واختاره الحارثي وقال فمن الأصحاب من بني هذا الوجه على القول بانفكاك الموقوف عن ملك الآدمى وليس هو عندي كذلك ولا بد إذ يجوز أن يكون لحق من يأتي بعد انتهى.
وأطلقهما في الكافي.
وقال المصنف ومن تبعه ويحتمل أن يكون ذلك مبنيا على أن الملك فيه هل ينتقل إلى الموقوف عليه أو إلى الله.
فإن قلنا هو للموقوف عليه فالنظر فيه له.
وإن قلنا هو لله تعالى فالنظر للحاكم انتهى.
قلت قد تقدم أن الخلاف هنا مبني على الخلاف هناك وعليه الأصحاب.

(7/53)


قال الحارثي هنا إذا قلنا النظر للموقوف عليه فيكون بناء على القول بملكه كما هو المشهور عندهم انتهى.
فلعل المصنف ما اطلع على ذلك فوافق احتماله ما قالوه أو تكون طريقة أخرى في المسلم وهو أقرب.
تنبيه: محل الخلاف إذا كان الموقوف عليه معينا أو جمعا محصورا.
فأما إن كان الموقوف عليهم غير محصورين كالفقراء والمساكين أو على مسجد أو مدرسة أو قنطرة أو رباط ونحو ذلك فالنظر فيه للحاكم قولا واحدا.
وسأله المروذي عن دار موقوفة على المسلمين إن تبرع رجل فقام بأمرها وتصدق بغلتها على الفقراء فقال ما أحسن هذا.
قال الحارثي وفيه وجه للشافعية أن النظر يكون للواقف قال وهو الأقوى.
قال وعلى هذا له نصيب ناظر من جهته ويكون نائبا عنه يملك عزله متى شاء.
وله أيضا الوصية بالنظر لأصالة الولاية.
وتقدم ذلك وغيره بأتم من هذا قريبا.
قوله: "وينفق عليه من غلته".
مراده إذا لم يعين الواقف النفقة من غيره وهو واضح.
فإن لم يعينه من غيره فهو من غلته.
وإن عينه من غيره فهو منه بلا نزاع بين الأصحاب.
وقال الحارثي وخالف المالكية في شيء منه فقالوا لو شرط المرمة على الموقوف لم يجز ووجبت في الغلة.
وعن بعضهم يرد للوقف ما لم يقبض لأن ذلك بمثابة العوض فنافى موضوع الصدقة.
قال الحارثي وهذا أقوى انتهى.
وإذا قلنا هو من غلته فلم تكن له غلة.
فلا يخلو إما أن يكون فيه روح أو لا.
فإن كان فيه روح فلا يخلو إما أن يكون الوقف على معين أو معينين أو غيرهم.
فإن كان على معينين فالصحيح من المذهب وجوب نفقته على الموقوف عليهم وعليه أكثر الأصحاب منهم المصنف والشارح وصاحب التلخيص والحارثي وغيرهم.

(7/54)


قال الحارثي بناء على أنه ملكهم.
وذكر المصنف وجها بوجوبها في بيت المال.
قال الحارثي ويحسن بناؤه على انتفاء ملك الآدمى للموقوف قال وبه أقول.
ثم إن تعذر الإنفاق من بيت المال أو من الموقوف عليه على القول بوجوبها عليه بيع وصرف الثمن في عين أخرى تكون وقفا لمحل الضرورة قاله الحارثي.
قلت فيعايى بها.
وإن كان عدم الغلة لأجل أنه ليس من شأنه أن يستغل كالعبد يخدمه والفرس يغزو عليه أو يركبه أوجر بقدر نفقته قاله الحارثي وغيره.
وهو داخل في عموم كلام المصنف.
وإن كان الوقف الذي له روح على غير معين كالمساكين والغزاة ونحوهم فنفقته في بيت المال ذكره القاضي وابن عقيل وغيرهما قاله الحارثي.
ويتجه إيجاره بقدر النفقة حيث أمكن ما لم يتعطل النفع الموقوف لأجله.
ثم إن تعذر ففي بيت المال وإن تعذر الإنفاق من بيت المال بيع ولا بد قاله الحارثي.
قلت فيعايى بها أيضا.
وإن مات العبد فمؤنه تجهيزه على ما قلنا في نفقته على ما تقدم.
وإن كان الوقف لا روح فيه كالعقار ونحوه لم تجب عمارته على أحد مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به الحارثي وغيره.
قال في الفروع وهو قول غير الشيخ تقي الدين كالطلق.
قال في التلخيص إلا من يريد الانتفاع به فيعمره باختياره.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجب عمارة الوقف بحسب البطون.
فوائد:
الأولى: لو احتاج الخان المسبل أو الدار الموقوفة لسكنى الحاج أو الغزاة إلى مرمة أوجر جزء منه بقدر ذلك.
الثانية: قال في الفروع وتقدم عمارة الوقف على أرباب الوظائف.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله الجمع بينهما حسب الإمكان أولى بل قد يجب انتهى.

(7/55)


وقال الحارثي عمارته لا تخلو من أحوال.
أحدها: أن يشرط البداءة بها كما هو المعتاد فلا إشكال في تقديمها.
الثاني: اشتراط تقديم الجهة عليها فيجب العمل بموجبه ما لم يؤد إلى التعطيل فإن أدى إليه قدمت العمارة فيكون عقد الوقف مخصصا للشرط.
وهذا على القول ببطلان تأقيت الوقف.
أما على صحته فتقدم الجهة كيف كان.
الثالث اشتراط الصرف إلى الجهة في كل شهر كذا فهو في معنى اشتراط تقديمه على العمارة فيترتب ما قلنا في الثاني.
الرابع: إيقاع الوقف على فلان أو جهة كذا وبيض له انتهى.
الثالثة: يجوز للناظر الاستدانة على الوقف بدون إذن الحاكم لمصلحة كشرائه للوقف نسيئه أو بنقد لم يعينه قطع به الحارثي وغيره.
وقدمه في الفروع وقال ويتوجه في قرضه مالا كولى.
الرابعة: لو أجر الموقوف عليه الوقف ثم طلب بزيادة فلا فسخ بلا نزاع.
ولو أجر المتولى ما هو على سبيل الخيرات ثم طلب بزيادة أيضا فلا فسخ أيضا على الصحيح من المذهب.
وقيل يحتمل أن يفسخ ذكره في التلخيص.
الخامسة: إذا أجره بدون أجرة المثل صح وضمن النقص كبيع الوكيل بأنقص من ثمن المثل قاله في القاعدة الخامسة والأربعين.
وقال في الفائق وهل للموقوف عليه إجارة الموقوف بدون أجرة المثل يحتمل وجهين.
السادسة: يجوز صرف الموقوف على عمارة المسجد كبناء منارته وإصلاحها وكذا بناء منبره وأن يشتري منه سلما للسطح وأن يبني منه ظلته.
ولا يجوز في بناء مرحاض ولا في زخرفة المسجد ولا في شراء مكانس ومجارف قاله الحارثي.
وأما إذا وقف على مصالح المسجد أو على المسجد بهذه الصيغة فجائز صرفه في نوع العمارة وفي مكانس ومجارف ومساحى وقناديل وفرش ووقود ورزق إمام ومؤذن وقيم.
وفي نوادر المذهب لابن الصيرفى منع الصرف منه في إمام أو بوارى.
قال لأن ذلك مصلحة للمصلين لا للمسجد ورده الحارثي.
السابعة: قال في نوادر المذهب لو وقف داره على مسجد وعلى إمام يصلي فيه كان

(7/56)


للإمام نصف الريع كما لو وقفها على زيد وعمرو.
قال ولو وقفها على مساجد القرية وعلى إمام يصلي في واحد منها كان الريع بينه وبين كل المساجد نصفين انتهى وتابعه الحارثي.
قلت يحتمل أن يكون له بقدر ما يحصل لمسجد واحد وله نظائر.
قوله: "وإن وقف على أولاده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث بالسوية".
نص عليه ولا أعلم فيه خلافا.
لكن لو حدث للواقف ولد بعد وقفه ففي دخوله روايتان.
وأطلقهما في الفروع والقواعد الفقهية في القاعدة السابعة بعد المائة.
إحداهما: يدخل معهم اختاره ابن أبي موسى وأفتى به ابن الزاغوني وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل.
والرواية الثانية: لا يدخل معهم وهو المذهب قدمه في الفروع والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والنظم وغيرهم.
وجزم به في المنور وغيره والوصية كذلك.
قوله: "ولا يدخل ولد البنات".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقطع به في المحرر والنظم والوجيز وغيرهم.
قال المصنف والشارح لا يدخلون بغير خلاف.
وقدمه في الفروع والفائق وغيرهم.
وصححه في الرعايتين والحاوي الصغير والنظم.
وقيل يدخلون اختاره أبو بكر ابن حامد.
قال الحارثي وإذا قيل بدخول ولد الولد هل يدخل ولد البنات؟
جزم المصنف وغيره هنا بعدم الدخول مع إيرادهم الخلاف فيه فيما إذا قال على أولاد الأولاد كما في الكتاب.
قال والصواب التسوية بين الصورتين فيطرد في هذه ما في الأخرى لتناول الولد والأولاد للبطن الأول فما بعده.
قوله: "وهل يدخل فيه ولد البنين على روايتين".

(7/57)


ظاهر كلامه أنهم سواء كانوا موجودين حالة الوقف أو لا ولا شك أن الخلاف جار فيهم.
إحداهما: يدخلون مطلقا وهو المذهب نص عليه في رواية المروذي ويوسف ابن موسى ومحمد ابن عبد الله المنادي.
وجزم به في الوجيز وغيره.
قال الحارثي المذهب دخولهم.
قال الناظم وهو أولى.
وقدمه في التلخيص والحارثي وصاحب القواعد الفقهية في القاعدة الثالثة والخمسين بعد المائة وشرح ابن رزين.
واختاره الخلال وأبو بكر عبد العزيز وابن أبي موسى وأبو الفرج الشيرازي والقاضي فيما علقه بخطه على ظهر خلافه وغيرهم.
والرواية الثانية: لا يدخلون مطلقا.
قال المصنف في باب الوصايا والقاضي وابن عقيل لا يدخلون بدون قرينة.
قال المصنف والشارح اختاره القاضي وأصحابه.
وعنه يدخلون إن كانوا موجودين حالة الوقف وإلا فلا.
قدمه في الرعايتين والفائق وقال نص عليه والحاوي الصغير.
وذكر القاضي في أحكام القرآن إن كان ثم ولد لم يدخل ولد الولد وإن لم يكن ولد دخل واستشهد بآية المواريث.
وأطلق الخلاف في الفروع في الموجودين حالة الوقف وقدم عدم الدخول في غير الموجودين.
وهذا مستثنى مما اصطلحنا عليه في أول الكتاب.
فعلى القول بعدم الدخول قال القاضي والمصنف والشارح وابن حمدان وغيرهم إن قال على ولدى وولد ولدى ثم على المساكين دخل البطن الأول والثاني ولم يدخل البطن الثالث.
وإن قال على ولدى وولد ولد ولدى دخل ثلاث بطون دون من بعدهم.
قال الحارثي وهو وفق رواية أبي طالب.
تنبيهان:
الأول حيث قلنا بدخولهم فلا يستحقون إلا بعد آبائهم مرتبا على الصحيح من

(7/58)


المذهب لقوله: "بطنا بعد بطن أو الأقرب فالأقرب".
قدمه في الفائق وقال هو ظاهر كلامه.
قال في الفروع والأصح مرتبا.
وصححه في النظم أيضا.
وقيل يستحقون معهم.
وأطلقهما في القواعد.
وقال وفي الترتيب فهل هو ترتيب بطن على بطن فلا يستحق أحد من ولد الولد شيئا مع وجود فرد من الأولاد أو ترتيب فرد على فرد فيستحق كل ولد نصيب والده بعد فقده على وجهين.
والثاني: منصوص الإمام أحمد رحمه الله انتهى.
الثاني: حكم ما إذا أوصى لولده في دخول ولد بنيه حكم الوقف قاله في الفروع وغيره.
وحكاه في القواعد عن الأصحاب.
قال وذكر أبو الخطاب أن الإمام أحمد رحمه الله نص على دخولهم.
والمعروف عن الإمام أحمد إنما هو في الوقف.
وأشار الشيخ تقي الدين رحمه الله إلى دخولهم في الوقف دون الوصية لأن الوقف يتأيد والوصية تمليك للموجودين فيختص بالطبقة العليا الموجودة.
فوائد:
إحداها: لو قال على ولد فلان وهم قبيلة أو قال على أولادى وأولادهم فلا ترتيب.
وسأله ابن هانئ عمن وقف شيئا على فلان مدة حياته ولولده قال هو له حياته فإذا مات فلولده.
وإذا قال على ولدى فإذا انقرضوا فللفقراء شمله على الصحيح وقيل لا يشمله.
الثانية: لو اقترن باللفظ ما يقتضي الدخول دخلوا بلا خلاف كقوله: على أولادى وهم قبيله أو على أولاد أولاد أولادى أبدا ما تعاقبوا وتناسلوا أو على أولادى وليس له إلا أولاد أولاد أو على أولادى الأعلى فالأعلى أو تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى وما أشبه هذا.
وإن اقتضى عدم الدخول لم يدخلوا بلا خلاف ك على ولدى لصلبي أو الذين يلونني ونحو ذلك على ما يأتي في قوله: ولدى لصلبي.

(7/59)


الثالثة: لو قال على أولادي فإذا انقرض أولادي وأولاد أولادي فعلى المساكين.
فقال في المجرد والكافي يدخل أولاد الأولاد لأن اشتراط انقراضهم دليل إرادتهم بالوقف وقدمه في الرعايتين.
وفي الكافي وجه بعدم الدخول لأن اللفظ لا يتناولهم فهو منقطع الوسط.يصرف بعد انقراض أولاده مصرف المنقطع فإذا انقرض أولادهم صرف إلى المساكين.
وأطلقهما في الحاوي الصغير.
الرابعة: قال في التلخيص إذا جهل شرط الواقف وتعذر العثور عليه قسم على أربابه بالسوية.
فإن لم يعرفوا جعل كوقف مطلق لم يذكر مصرفه انتهى.
وقال في الكافي لو اختلف أرباب الوقف فيه رجع إلى الواقف.
فإن لم يكن تساووا فيه لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل فوجبت التسوية كما لو شرك بينهم بلفظه انتهى.
وقال الحارثي إن تعذر الوقوف على شرط الواقف وأمكن التأنس بتصرف من تقدم ممن يوثق به رجع إليه لأنه أرجح مما عداه والظاهر صحة تصرفه ووقوعه على الوفق.
وإن تعذر وكان الوقف على عمارة أو إصلاح صرف بقدر الحاجة.
وإن كان على قوم وثم عرف في مقادير الصرف كفقهاء المدارس رجع إلى العرف لأن الغالب وقوع الشرط على وفقه.
وأيضا فالأصل عدم تقييد الواقف فيكون مطلقا والمطلق منه يثبت له حكم العرف.
وإن لم يكن عرف سوى بينهم لأن التشريك ثابت والتفضيل لم يثبت انتهى.
وقال وذكر المصنف نحوه.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أنه يرجع في ذلك إلى العرف والعادة وهو الصواب.
وقال ابن رزين في شرحه إذا ضاع كتاب الوقف وشرطه واختلفوا في التفضيل وعدمه أحتمل أن يسوى بينهم لأن الأصل عدم التفصيل واحتمل أن يفضل بينهم لأن الظاهر أنه يجعله على حسب إرثهم منه.
وإن كانوا أجانب قدم قول من يدعى التسوية وينكر التفاوت انتهى.
تنبيه: يأتي في باب الهبة في كلام المصنف هل تجوز التسوية بين الأولاد أم لا وهل تستحب التسوية أم المستحب أن تكون على حسب الميراث.
قوله: "وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته دخل فيه ولد البنين بلا نزاع في عقبه أو ذريته".

(7/60)


وأما إذا وقف على ولده وولد ولده فهل يشمل أولاد الولد الثاني والثالث وهلم جرا.
تقدم عن القاضي والمصنف والشارح وغيرهم أنه لا يشمل غير المذكورين.
وقوله: "ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات".
إذا وقف على ولد ولده أو قال على أولاد أولادى وإن سفلوا.
فنص الإمام أحمد رحمه الله في رواية المروذي أن أولاد البنات لا يدخلون وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في الهداية والمستوعب وإن وصى لولد ولده فقال أصحابنا لا يدخل فيه ولد البنات لأنه قال في الوقف على ولد ولده لا يدخل فيه ولد البنات.
قال الزركشي مفهوم كلام الخرقي أنه لا يدخل ولد البنات وهو أشهر الروايات.
واختاره القاضي في التعليق والجامع والشيرازي وأبو الخطاب في خلافه الصغير انتهى.
قال في الفروع لم يشمل ولد بناته إلا بقرينه اختاره الأكثر.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والفروع.
وصححه في تجريد العناية.
قال في الفائق اختاره الخرقي والقاضي وابن عقيل والشيخان يعني بهما المصنف والشيخ تقي الدين وهو ظاهر ما قدمه الحارثي.
ونقل عنه في الوصية يدخلون.
وذهب إليه بعض أصحابنا وهذا مثله.
قلت بل هي هنا رواية منصوصة من رواية حرب.
قال في القواعد ومال إليه صاحب المغنى.
وهي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي.
قال الشارح القول بأنهم يدخلون أصح وأقوى دليلا وصححه الناظم.
واختاره أبو الخطاب في الهداية في الوصية وصاحب الفائق.
وجزم به في منتخب الأدمى.
وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.

(7/61)


واختاره ابن عبدوس في تذكرته وأطلقهما في القواعد الفقهية.
وقال أبو بكر وابن حامد يدخلون في الوقف إلا أن يقول على ولد ولدى لصلبى فلا يدخلون.
وهي رواية ثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال في المذهب فإن قال لصلبي لم يدخلوا وجها واحدا.
قال في المستوعب والتلخيص فإن قيد فقال لصلبي أو قال من ينتسب إلى منهم فلا خلاف في المذهب أنهم لا يدخلون.
وحكى القاضي عن أبي بكر وابن حامد إذا قال ولد ولدي لصلبي أنه يدخل فيه ولد بناته لصلبه لأن بنت صلبه ولده حقيقة بخلاف ولد ولدها.
قال الحارثي وقول الإمام أحمد رحمه الله لصلبه قد يريد به ولد البنين كما هو المراد من إيراد المصنف عن أبي بكر فلا يدخلون جعلا لولد البنين ولد الظهر وولد البنات ولد البطن فلا يكون نصا في المسألة.
وقد يريد به ولد البنت التي تليه فيكون نصا وهو الظاهر انتهى.
وفي المسألة قول رابع بدخول ولد بناته لصلبه دون ولد ولدهن.
تنبيه: ما تقدم من الخلاف إنما هو فيما إذا وقف على ولد ولده أو قال على أولاد أولادى.
وكذا الحكم والخلاف والمذهب إذا وقف على عقبه أو ذريته كما قال المصنف عند جماهير الأصحاب.
وممن قال بعدم الدخول هنا أبو الخطاب والقاضي أبو الحسين وابن بكروس قاله الحارثي.
وقال قال مالك بالدخول في الذرية دون العقب وبه أقول.
وكذلك القاضي في باب الوصايا من المجرد وابن أبي موسى والشريفان أبو جعفر والزيدي وأبو الفرج الشيرازي قالوا بعدم الدخول في العقب انتهى.
قال في الفروع بعد أن ذكر ولد ولده وعقبه وذريته وعنه يشملهم غير ولد ولده.
وقال في التبصرة يشمل الذرية وأن الخلاف في ولد ولده.
تنبيهان:
الأول: حكى المصنف هنا عن أبي بكر وابن حامد أنهما قالا يدخلون في الوقف إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي.
وكذا حكاه عنهما أبو الخطاب في الهداية.

(7/62)


وكذا حكاه القاضي عنهما فيما حكاه صاحب المستوعب والتلخيص.
وحكى المصنف في المغنى والشارح والقاضي في الروايتين أن أبا بكر وابن حامد اختارا دخولهم مطلقا كالرواية الثانية.
وقال ابن البنا في الخصال اختار ابن حامد أنهم يدخلون مطلقا واختار أبو بكر يدخلون إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي.
قال الزركشي وكذا في المغنى القديم فيما أظن.
الثاني: محل الخلاف مع عدم القرينة.
أما إن كان معه ما يقتضي الإخراج فلا دخول بلا خلاف قاله الأصحاب كقوله: على أولادى وأولاد أولادى المنتسبين إلي ونحو ذلك.
وكذا إن كان في اللفظ ما يقتضي الدخول فإنهم يدخلون بلا خلاف قاله الأصحاب كقوله: على اولادى وأولاد أولادى على أن لولد الإناث سهما ولولد الذكور سهمين أو على أولادى فلان وفلان وفلانة وأولادهم وإذا خلت الأرض ممن يرجع نسبه إلي من قبل أب أو أم فللمساكين أو على أن من مات منهم فنصيبه لولده ونحو ذلك.
ولو قال على البطن الأول من أولادي ثم على الثاني والثالث وأولادهم والبطن الأول بنات فكذلك يدخلون بلا خلاف.
فوائد:
الأولى: لفظ النسل كلفظ العقب والذرية في إفادة ولد الولد قريبهم وبعيدهم.
وكذا دخول ولد البنات وعدمه عند أكثر الأصحاب.
قال القاضي في المجرد لا يدخل ولد البنات كما قال في العقب وهو اختيار السامري.
وذكر أبو الخطاب خلافه أورده في الوصايا.
الثانية: لو قال على بني بني أو بني بني فلان فك أولاد أولادى وأولاد أولاد فلان.
وأما ولد البنات فقال الحارثي ظاهر كلام الأصحاب هنا أنهم لا يدخلون مطلقا.
الثالثة: الحفيد يقع على ولد الابن والبنت وكذلك السبط ولد الابن والبنت.
الرابعة: لو قال الهاشمي على أولادى وأولاد أولادى الهاشميين لم يدخل من أولاد بنته من ليس هاشميا والهاشمي منهم في دخوله وجهان ذكرهما المصنف وغيره.
وبناهما القاضي على الخلاف في أصل المسألة.
ثم قال المصنف أولاهما الدخول معللا بوجود الشرطين وصف كونه من أولاد أولاده ووصف كونه هاشميا.

(7/63)


والوجه الثاني: عدم الدخول وأطلقهما الحارثي وصاحب الفائق.
قال الحارثي ولو قال على أولادى وأولاد أولادى المنتسبين إلى قبيلتي فكذلك.
الخامسة تجدد حق الحمل بوضعه من ثمر وزرع كمشتر نقله المروذي.
وجزم به في المغنى والشرح والحارثي.
وقال ذكره الأصحاب في الأولاد وقدمه في الفروع.
ونقل جعفر يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد ومن نخل لم يؤبر.
فإن بلغ الزرع الحصاد أو أبر النخل لم يستحق منه شيء.
وقطع به في المبهج والقواعد.
وقال وكذلك الأصحاب صرحوا بالفرق بين المؤبر وغيره هنا منهم ابن أبي موسى والقاضي وأصحابه معللين بتبعية غير المؤبر في العقد فكذا في الاستحقاق.
وقال في المستوعب يستحق قبل حصاده.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله الثمرة للموجود عند التأبير أو بدو الصلاح.
قال في الفروع ويشبه الحمل إن قدم إلى ثغر موقوف عليه أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه نقله يعقوب.
وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه.
وقال ابن عبد القوي ولقائل أن يقول ليس كذلك لأن واقف المدرسة ونحوها جعل ريع الوقف في السنة كالجعل على اشتغال من هو في المدرسة عاما فينبغي أن يستحق بقدر عمله من السنة من ريع الوقف في السنة لئلا يفضى إلى أن يحضر الإنسان شهرا مثلا فيأخذ مغل جميع الوقف ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور العشرة فلا يستحق شيئا وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يستحق بحصته من مغله.
وقال من جعله كالولد فقد أخطأ.
قوله: "وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم".
إذا لم يكونوا قبيلة وقال ذلك اختص به الذكور بلا نزاع.
وإن كانوا قبيلة فجزم المصنف بعدم دخول أولاد النساء من غيرهم وهو أحد الوجهين.
وجزم به في المغنى والشرح والوجيز.
وقيل بدخولهم قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق.

(7/64)


قوله: "وإن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه".
يعنى بالسوية بين كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم وغنيهم وفقيرهم بشرط أن يكون مسلما وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال الحارثي هذا المذهب عند كثير من الأصحاب الخرقي والقاضي وأبي الخطاب وابن عقيل والشريفين أبي جعفر والزيدي وغيرهم.
قال الزركشي هذا اختيار الخرقي والقاضي وعامة أصحابه.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
وعنه يختص بولده وقرابة أبيه وإن علا مطلقا اختاره الحارثي.
وقدمه في المحرر والنظم.
قال المصنف والشارح فعلى هذه الرواية يعطي من يعرف بقرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى انتهى.
ومثاله لو وقف على أقارب المصنف وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام ابن نصر رحمهم الله فالمستحقون هم المنتسبون إلى قدامة لأنه الأب الذي اشتهر انتساب المصنف إليه.
وقال في الهداية مثل أن يكون من ولد المهدي فيعطي كل من ينتسب إلى المهدي.
ومثل في المذهب بما إذا كان من ولد المتوكل.
ومثل في المستوعب بما إذا كان من ولد العباس.
وعنه يختص بثلاثة آباء فقط.
فعليها لا يعطى الولد شيئا.
قال القاضي أولاد الرجل لا يدخلون في اسم القرابة.
قال المصنف وغيره وليس بشيء.
وعنه يختص منهم من يصله نقله ابن هانئ وغيره وصححه القاضي وجماعة. ونقل صالح إن وصل أغنياءهم أعطوا وإلا فالفقراء أولى.
وأخذ منه الحارثي عدم دخولهم في كل لفظ عام.
واختار أبو محمد الجوزي أن القرابة مختصة بقرابة أبيه إلى أربعة آباء.

(7/65)


قال الزركشي وشذ ابن الزاغوني في وجيزه بأن أعطى أربعة آباء الواقف فأدخل جد الجد.
فعلى هذا لا يدفع إلى الولد.
قال وهو مخالف للأصحاب انتهى.
قلت نقل صالح القرابة يعطي أربعة آباء.
وقد قال في الخلاصة وإن وصى لأقاربه دخل في الوصية الأب والجد وأبو الجد وجد الجد وأولادهم.
قال في الرعاية لو وقف على قرابته شمل أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه وعنه وجد جده.
فكلام الزركشي فيه شيء وهو أنه شذذ من قال ذلك.
وقد نقله صالح عن الإمام أحمد رحمه الله.
وحكم على القول بذلك بأن لا يدفع إلى الولد شيء.
وليس ذلك في كلام ابن الزاغوني بل المصرح به في كلام من قال بقوله خلاف ذلك وهو صاحب الخلاصة وظاهر الرواية التي في الرعاية.
وقيل قرابته كآله على ما يأتي.
وعنه إن كان يصل قرابته من قبل أمه في حياته صرف إليه وإلا فلا قال الحارثي وهذه عنه أشهر.
واختارها القاضي أبو الحسين وغيره وقالا هي أصح.
وقيل تدخل قرابة أمه سواء كان يصلهم أولا.
قال الزركشي وكلام ابن الزاغوني في الوجيز يقتضي أنه رواية.
فعلى هذا والذي قبله يدخل أخوته وأخواته وأولادهم وأخواله وخالاته وأولادهم.
وهل يتقيد بأربعة آباء أيضا فيه روايتان وأطلقهما الحارثي.
وفي الكافي احتمال بدخول كل من عرف بقرابته من جهة أبيه وأمه من غير تقييد بأربعة آباء ونحوه في المغنى والشرح وكذلك القاضي في المجرد.
قال الحارثي وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال ناظم المفردات:
من يوصي للقريب قل لا يدخل. ... منهم سوى من في الحياة يصل.
فإن تكن صلاته منقطعة. ... قرابة الأم إذن ممتنعة.

(7/66)


وعمم الباقي من الأقارب ... من جهة الآبا ولا توارب
وفي القريب كافر لا يدخل ... وعن أهيل قرية ينعزل
تنبيه: الوصية كالوقف في هذه المسائل كما قال المصنف بعد ذلك.
ويأتي في كلام المصنف في باب الموصى له إذا أوصى لأقرب قرابته والوقف كذلك فانقل ما يأتي هناك إلى هنا.
قوله: "وأهل بيته بمنزلة قرابته".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في الخلاصة والوجيز ومنتخب الأزجى وغيرهم.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والمغنى والمحرر والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والزركشي وغيرهم.
وقال الخرقي يعطى من قبل أبيه وأمه.
واختار أبو محمد الجوزي إن أهل بيته كقرابة أبويه.
واختار الشيرازي أنه يعطى من كان يصله في حياته من قبل أبيه وأمه ولو جاوز أربعة آباء ونقله صالح.
وقيل أهل بيته كذوى رحمه على ما يأتي في كلام المصنف قريبا.
وعنه أزواجه من أهل بيته ومن أهله ذكرها الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في دخولهن في آله وأهل بيته روايتان أصحهما دخولهن وإنه قول الشريف أبي جعفر وغيره.
وتقدم ذلك في صفة الصلاة عند قوله: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد".
قال في الفروع وظاهر الوسيلة أن لفظ الأهل كالقرابة وظاهر الواضح أنهم نسباؤه.
وذكر القاضي أن أولاد الرجل لا يدخلون في أهل بيته.
قال المصنف وغيره وليس بشيء.
فائدة: آله كأهل بيته خلافا ومذهبا.
وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره في الآل في صفة الصلاة فليعاود.
وأهله من غير إضافة إلى البيت وكإضافته إليه قاله المجد.
وذكر عن القاضي في دخول الزوجات هنا وجهين.
واختار الحارثي الدخول وهو الصواب والسنة طافحة بذلك.

(7/67)


قوله: "وقومه ونسباؤه كقرابته".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في الخلاصة والوجيز وغيرهما.
وقدمه فيهما في الفروع والرعاية الكبرى والشرح وغيرهم.
وقيل هما كذوي رحمه.
وقيل قومه كقرابته ونسباؤه كذوي رحمه جزم به في منتخب الأزجى.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر والنظم.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير ونسباؤه كأهل بيته وقومه وقدما أن قومه كقرابته.
وقال أبو بكر هما كأهل بيته.
واقتصر عليه في الهداية وقطع به في المذهب.
قال في المستوعب بعد أن ذكر ما حكاه أبو الخطاب عن أبي بكر وذكر أبو بكر في التنبيه: أنه إذا قال لأهل بيتي أو قومي فهو من قبل الأب.
وإن قال أنسبائي فمن قبل الأب والأم انتهى.
ويأتي كلام القاضي في الأنسباء عند الكلام على ذوي الرحم.
واختار أبو محمد الجوزي أن قومه كقرابة أبويه.
وقال ابن الجوزي القوم للرجال دون النساء وفاقا للشافعي رحمه الله لقوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}.
قوله: "والعترة هم العشيرة".
هذا المذهب قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وغيرهم وصححه الناظم وقاله القاضي وغيره.
قال المصنف في الكافي والشارح العترة العشيرة الأدنون في عرف الناس وولده الذكور والإناث وإن سفلوا وصححاه. قال في الوجيز العترة تختص العشيرة والولد.
وقيل العترة الذرية وقدمه في النظم واختاره المجد.
وقيل هي العشيرة الأدنون.
وقيل ولده وقيل ولده وولد ولده.
وقيل ذوو قرابته اختاره ابن أبي موسى.
قال في الهداية إذا أوصى لعترته فقد توقف الإمام أحمد رحمه الله.

(7/68)


فيحتمل أن يدخل في ذلك عشيرته وأولاده.
ويحتمل أن يختص من كان من ولده.
فائدة: العشيرة هي القبيلة قاله الجوهري.
وقال القاضي عياض هي أهله الأدنون وهم بنو أبيه.
قوله: "وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات".
هذا المذهب جزم به في الشرح والوجيز والفائق والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وهم قرابته لأبويه وولده.
وقال في الفروع والرعاية الكبرى هم قرابة أبويه أو ولده بزيادة ألف.
وقال القاضي إذا قال لرحمي أو لأرحامي أو لنسبائي أو لمناسبي صرف إلى قرابته من قبل أبيه وأمه ويتعدى ولد الأب الخامس.
قال المصنف والشارح فعلى هذا يصرف إلى كل من يرث بفرض أو تعصيب أو بالرحم في حال من الأحوال.
ونقل صالح يختص من يصله من أهل أبيه وأمه ولو جاوز أربعة آباء.
قوله: "والأيامى والعزاب من الأزواج له من الرجال والنساء".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الشارح ذكره أصحابنا.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع وغيره.
ويحتمل أن يختص الأيامى بالنساء والعزاب بالرجال.
قال الشارح وهذا أولى واختاره في المغنى.
وقال في التبصرة الأيامى النساء البلغ.
قال القاضي في التعليق الصغير لا يسمى أيما عرفا وإنما ذلك صفة للبالغ.
قوله: "فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن".
هذا المذهب جزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في المحرر والفروع والفائق والنظم وغيرهم.
واختاره القاضي وغيره.

(7/69)


قال الحارثي هذا المذهب.
وقيل هو للرجال والنساء واختاره ابن عقيل.
قال ابن الجوزي في اللغة رجل أرمل وامرأة أرملة.
وقال القاضي في التعليق الصغيرة لا تسمى أرملة عرفا وإنما ذلك للبالغ كما قال في الأيم.
فائدتان:
إحداهما: البكر والثيب والعانس يشمل الذكر والأنثى وكذا أخوته وعمومته يشمل الذكر والأنثى.
وقال في الفروع ويتوجه وجه وتناوله لبعيد كولد ولد.
قال ابن الجوزي يقال في اللغة رجل أيم وامرأة أيم ورجل بكر وامرأة بكر إذا لم يتزوجا ورجل ثيب وامرأة ثيبة إذا كانا قد تزوجا انتهى.
وأما الثيوبة فزوال البكارة قاله المصنف ومن تبعه وأطلق.
وقال ابن عقيل زوال البكارة بزوجية من رجل وامرأة.
الثانية: الرهط ما دون العشرة من الرجال خاصة لغة.
وذكر ابن الجوزي أن الرهط ما بين الثلاثة والعشرة.
وكذا قال في النفر أنه ما بين الثلاثة والعشرة.
وتقدم ذكر النفر في الفوات والإحصار فيما إذا وقف نفر.
قوله: "وإن وقف على أهل قريته أو قرابته". وكذا لو وصى لهم "لم يدخل فيهم من يخالف دينه".
وكذا لو وقف على إخوته ونحوهم لم يدخل فيهم من يخالف دينه وهذا المذهب في ذلك كله جزم به في الوجيز.
وقدمه في الشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير والنظم.
وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل وإن كان الواقف كافرا ولا عكس وأطلقهما في المحرر والفائق.
تنبيهان:
أحدهما: محل الخلاف إذا لم توجد قرينة قولية أو حالية.
فإن وجدت دخلوا مثل أن لا يكون في القرية إلا مسلمون أو لا يكون فيها إلا كافر

(7/70)


واحد وباقي أهلها مسلمون قاله الأصحاب.
قال في الفائق ولو كان أكثر أقاربه كفارا اختص المسلمون في أحد الوجهين.
وقال في القاعدة السادسة والعشرين بعد المائة لو وقف المسلم على قرابته أو أهل قريته أو أوصى لهم وفيهم مسلمون وكفار لم يتناول الكفار حتى يصرح بدخولهم نص عليه في رواية حرب وأبي طالب.
ولو كان فيهم مسلم واحد والباقي كفار ففي الاقتصار عليه وجهان لأن حمل اللفظ العام على واحد بعيد جدا انتهى.
قلت الصواب الدخول في هذه الصورة.
قال الزركشي ومال إليه أبو محمد.
الثاني: شمل قوله: "لم يدخل فيهم من يخالف دينه" لو كان فهم كافر على غير دين الواقف الكافر فلا يدخل ولا يستحق شيئا ولو قلنا بدخول المسلم إذا كان الواقف كافرا وهو كذلك.
قدمه في المغنى والشرح.
ويحتمل أن يدخل بناء على توريث الكفار بعضهم من بعض مع اختلاف دينهم قاله المصنف والشارح.
وجعله في الفروع محل وفاق على القول بأن بعضهم يرث بعضا.
قوله: "وإن وقف على مواليه وله موال من فوق وموال من أسفل تناول جميعهم".
هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب اختاره المصنف وغيره.
وصححه في الفائق وغيره.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع وغيره.
وقال ابن حامد يختص الموالي من فوق وهم معتقوه.
واختار الحارثي أنه للعتيق قال لأن العادة جارية بإحسان المعتقين إلى العتقاء.
فائدتان:
إحداهما: لو عدم الموالي كان لموالي العصبة.
قدمه في الفائق والحاوي الصغير.
وقال الشريف أبو جعفر يكون لموالي أبيه واقتصر عليه الشارح.

(7/71)


وقيل لعصبة مواليه قدمه في الرعايتين.
وقيل لوارثه بولاء.
وقيل كمنقطع الآخر.
قطع به في الرعاية بعد عصبة الموالي.
وأطلق الثلاثة الأخيرة في الفروع.
الثانية: لا شيء لموالي عصبته إلا مع عدم مواليه قاله في الفروع.
قال المصنف والشارح لو كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه لم يكن لموالي الأب شيء.
فوائد:
الأولى العلماء هم حملة الشرع على الصحيح من المذهب.
جزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
وقدمه في الرعاية الكبرى والفروع والحارثي وغيرهم.
وقيل من تفسير وحديث وفقه ولو كانوا أغنياء على القولين.
لكن هل يختص به من كان يصله حكمه حكم قرابته على ما تقدم.
الثانية: أهل الحديث من عرفه.
وذكر ابن رزين أن الفقهاء والمتفقهة كالعلماء ولو حفظ أربعين حديثا لا بمجرد السماع.
فأهل القرآن الآن حفاظه وفي الصدر الأول هم الفقهاء.
الثالثة: الصبي والغلام من لم يبلغ وكذا اليتيم من لم يبلغ وهو بلا أب.
ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه في ظاهر كلام الأصحاب قاله في الفروع.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يعطى من ليس له أب يعرف ببلاد الإسلام قال ولا يعطى كافر.
قال في الفروع فدل أنه لا يعطى من وقف عام.
وهو ظاهر كلامهم في مواضع.
قال ويتوجه وجه وليس ولد الزنى يتيما لأن اليتم انكسار يدخل على القلب بفقد الأب.
قال الإمام أحمد رحمه الله فيمن بلغ خرج عن حد اليتم.
الرابعة: الشاب والفتى هما من البلوغ إلى الثلاثين على الصحيح من المذهب.
وقيل إلى خمس وثلاثين.

(7/72)


والكهل من حد الشاب إلى خمسين.والشيخ منها إلى السبعين على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وجزم به في الرعاية الكبرى.
وقال في الكافي إلى آخر العمر.
وهو ظاهر كلامه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق فإنهم قالوا ثم الشيخ بعد الخمسين.
قال الحارثي لا يزال كهلا حتى يبلغ خمسين سنة ثم هو شيخ حتى يموت واقتصر عليه.
فعلى المذهب يكون الهرم منها إلى الموت.
الخامسة: أبواب البر وهي القرب كلها على الصحيح من المذهب وأفضلها الغزو ويبدأ به نص عليه.
قال في الفروع ويتوجه يبدأ بما تقدم في أفضل الأعمال.
يعنى الذي تقدم في أول صلاة التطوع.
ويأتي في باب الموصى له إذا أوصى في أبواب البر في كلام المصنف والكلام عليه مستوفى.
السادسة: لو وقف على سبيل الخير استحق من أخذ من الزكاة ذكره في المجرد وقدمه في الفروع.
وقال أبو الوفاء يعم فيدخل فيه الغارم للإصلاح.
قال القاضي وابن عقيل ويجوز لغنى قريب.
السابعة: جمع المذكر السالم وضميره يشمل الأنثى على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وغيره وعليه أكثر الأصحاب.
وقد ذكرها أصحابنا في أصول الفقه ونصروا أن النساء يدخلن تبعا.
وقيل لا يشملها كعكسه لا يشمل الذكر.
الثامنة: الأشراف وهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله واقتصر عليه في الفروع.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وأهل العراق كانوا لا يسمون شريفا إلا من كان من بني العباس وكثير من أهل الشام وغيرهم لا يسمونه إلا إذا كان علويا.
قال ولم يعلق عليه الشارع حكما في الكتاب والسنة ليتلقى حده من جهته والشريف

(7/73)


في اللغة خلاف الوضيع والضعيف وهو الرياسة والسلطان ولما كان أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أحق البيوت بالتشريف صار من كان من أهل البيت شريفا.
التاسعة: لو وقف على بني هاشم أو وصى لهم لم تدخل مواليهم نص عليه في رواية ابن منصور وحنبل.
قال القاضي في الخلاف لأن الوصية يعتبر فيها لفظ الموصى ولفظ صاحب الشريعة يعتبر فيه المعنى.
ولهذا لو حلف لا أكلت سكرا لأنه حلو لم يعم غيره من الحلاوات.
وكذا لو قال عبدي حر لأنه أسود لم يعتق غيره من العبيد ولو قال الله حرمت المسكر لأنه حلو عم جميع الحلاوات وكذا إذا قال أعتق عبدك لأنه أسود عم انتهى.
وقد تقدم في آخر إخراج الزكاة أنه لا يجوز أخذها لموالى بني هاشم والظاهر أن العلة ما قاله القاضي هنا.
قوله: "وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
وقال في الفائق ويحتمل جواز المفاضلة فيما يقصد فيه تمييز كالوقف على الفقهاء.
قلت وهذا أقرب إلى الصواب.
وعنه إن وصى في سكته وهم أهل دربه جاز التفضيل لحاجة.
قال الحارثي والأولى جواز التفضيل للحاجة فيما قصد به سد الخلة كالموقوف على فقراء أهله انتهى.
قال ابن عقيل وقياسه الاكتفاء بواحد.
وعنه فيمن أوصى في فقراء مكة ينظر أحوجهم.
وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا وقف على مدارس وفقهاء هل يسوي بينهم أو يتفاضلون في أحكام الناظر.
تنبيه: الذي يظهر أن محل هذا إذا لم يكن قرينه فإن كان قرينه جاز التفاضل بلا نزاع ولها نظائر تقدم حكمها.
فائدة: لو كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه كوقف على رضى الله عنه على ولده ونسله فإنه يجب تعميم من أمكن منهم والتسوية بينهم قاله المصنف والشارح وغيرهما.

(7/74)


قوله: "وإلا جاز تفضيل بعضهم على بعض والاقتصار على واحد منهم".
يعني إذا لم يمكن حصرهم واستيعابهم كما لو وقف على أصناف الزكاة أو على الفقراء والمساكين ونحو ذلك.
فالصحيح من المذهب جواز الاقتصار على واحد كما جزم به المصنف وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وغيره.
"ويحتمل ألا يجزيه أقل من ثلاثة".
وهو وجه في الهداية وغيرها بناء على قولنا في الزكاة وأطلقهما في المحرر وقيل في إجزاء الواحد روايتان.
فائدتان:
إحداهما: لو وقف على أصناف الزكاة أو على الفقراء والمساكين جاز الاقتصار على صنف منهم على الصحيح من المذهب.
وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى ذكره في الوصية والمغنى والشرح في المسألة الثانية.
وقالا في الثانية: لا بد من الصرف إلى الفريقين كليهما.
قال الحارثي قياس المذهب عند القاضي وابن عقيل جواز الاقتصار على أحد الصنفين من الفقراء والمساكين وقطع به في التلخيص.
وعند المصنف يجب الجمع وحكى عن القاضي.
وقيل لا يجزئ الاقتصار على صنف بناء على الزكاة.
قال القاضي في الخلاف هذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل لكل صنف منهم الثمن وأطلقهما في الفائق.
الثانية: لو وقف على الفقراء أو على المساكين فقط جاز إعطاء الصنف الآخر على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وغيره.
وجزم به في الرعايتين والحاوي الصغير.
وفيه وجه أخر لا يجوز ذكره القاضي.
ويأتي ذلك أيضا في باب الموصى له.
ولو افتقر الواقف استحق من الوقف على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع شمله في الأصح.
قال في القواعد نص عليه في رواية المروذي.
وقيل لا يشمله فلا يستحق شيئا منه.

(7/75)


وتقدم ذلك في أول الباب قبيل قوله: الثالث أن يقف على معين يملك.
قوله: "ولا يدفع إلى واحد أكثر من القدر الذي يدفع إليه من الزكاة إذا كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة".
وهو المذهب نص عليه قدمه في المغنى والشرح والفروع.
واختار أبو الخطاب في الهداية وابن عقيل زيادة المسكين والفقير على خمسين درهما وإن منعناه منها في الزكاة.
قوله: "والوصية كالوقف في هذا الفصل".
هذا صحيح لكن الوصية أعم من الوقف على ما يأتي.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله فيما إذا وقف على أقرب قرابته استواء الأخ من الأب والأخ من الأبوين.
ذكره في القاعدة العشرين بعد المائة.
وذكر في القاعدة الثالثة والخمسين بعد المائة أن الشيخ تقي الدين رحمه الله اختار فيما إذا وقف على ولده دخول ولد الولد في الوقف دون الوصية وفرق بينهما.
وتقدم كلام ناظم المفردات إذا أوصى لقرابته.
قوله: "والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا وقف في صحته ثم ظهر عليه دين فهل يباع لوفاء الدين.
فيه خلاف في مذهب الإمام أحمد رحمه الله وغيره ومنعه قوى.
قال جامع اختياراته وظاهر كلام أبى العباس ولو كان الدين حادثا بعد الموت انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وليس هذا بأبلغ من التدبير وقد ثبت أنه عليه أفضل الصلاة والسلام باعه في الدين.
وتقدم إذا وقف بعد موته وصححناه هل يقع لازما فلا يجوز بيعه أو لا يقع لازما ويجوز بيعه فليعاود.
فائدة: ظاهر كلام المصنف أن الوقف يلزم بمجرد القول وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.

(7/76)


وعنه لا يلزم إلا بالقبض وإخراج الوقف عن يده.
واختاره أبو بكر وابن أبى موسى والحارثي.
وتقدم الكلام على ذلك عند قول المصنف ولا يشترط إخراج الوقف عن يده في إحدى الروايتين فليعاود.
قوله: "ولا يجوز بيعه إلا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو بيع واشترى بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في موضعه وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته".
اعلم أن الوقف لا يخلو إما أن تتعطل منافعه أو لا.
فإن لم تتعطل منافعه لم يجز بيعه ولا المناقلة به مطلقا نص عليه في رواية علي بن سعيد قال لا يستبدل به ولا يبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به.
ونقل أبو طالب لا يغير عن حاله ولا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء وعليه الأصحاب.
وجوز الشيخ تقي الدين رحمه الله ذلك لمصلحة وقال هو قياس الهدى وذكره وجها في المناقلة.
وأومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله.
ونقل صالح يجوز نقل المسجد لمصلحة الناس وهو من المفردات.
واختاره صاحب الفائق وحكم به نائبا عن القاضي جمال الدين المسلاتي.
فعارضه القاضي جمال المرداوي صاحب الانتصار وقال حكمه باطل على قواعد المذهب وصنف في ذلك مصنفا رد فيه على الحاكم سماه الواضح الجلى في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلى ووافقه صاحب الفروع على ذلك.
وصنف صاحب الفائق مصنفا في جواز المناقلة للمصلحة سماه المناقلة بالأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف وأجاد فيه.
ووافقه على جوازها الشيخ برهان الدين بن القيم والشيخ عز الدين حمزة بن شيخ السلامية وصنف فيه مصنفا سماه رفع المثاقلة في منع المناقلة.
ووافقه أيضا جماعة في عصره.
وكلهم تبع للشيخ تقي الدين رحمه الله في ذلك.
وأطلق في القاعدة الثالثة والأربعين بعد المائة في جواز إبدال الوقف مع عمارته روايتين.

(7/77)


فائدة: نص الإمام أحمد رحمه الله على جواز تجديد بناء المسجد لمصلحته وعنه يجوز برضى جيرانه.
وعنه يجوز شراء دور مكة لمصلحة عامة.
قال في الفروع فيتوجه هنا مثله.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله جوز جمهور العلماء تغيير صورته لمصلحة كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة فلا فرق بين بناء ببناء وعرصة بعرصة هذا صريح لفظه.
وقال أيضا فيمن وقف كروما على الفقراء يحصل على جيرانها به ضرر يعوض عنه بما لا ضرر فيه على الجيران ويعود الأول ملكا والثاني وقفا انتهى.
ويجوز نقض منارته وجعلها في حائطه نص عليه.
ونقل أبو داود وقد سئل عن مسجد فيه خشبتان لهما ثمن تشعث وخافوا سقوطه أيباعان وينفقان على المسجد ويبدل مكانهما جذعين قال ما أرى به بأسا انتهى.
وأما إذا تعطلت منافعه فالصحيح من المذهب أنه يباع والحالة هذه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وهو من مفردات المذهب.
وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إلى مسجد آخر.
اختاره أبو محمد الجوزي والحارثي وقال هو ظاهر كلام ابن أبي موسى.
وعنه لا تباع المساجد ولا غيرها لكن تنقل آلتها.
نقل جعفر فيمن جعل خانا للسبيل وبنى بجانبه مسجدا فضاق المسجد أيزاد منه في المسجد قال لا.
قيل فإنه إن ترك ليس ينزل فيه أحد قد عطل قال يترك على ما صير له.
واختار هذه الرواية الشريف وأبو الخطاب قال في الفروع.
قال الزركشي وحكى في التلخيص عن أبي الخطاب لا يجوز بيع الوقف مطلقا وهو غريب لا يعرف في كتبه انتهى.
ذكره في التلخيص عنه في كتاب البيع وحكاه عنه قبل صاحب التلخيص تلميذ أبي الخطاب وهو الحلواني في كتابه.
قلت وظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية في كتاب البيع عدم الجواز فإنه قال ولا يجوز بيع الوقف إلا أن أصحابنا قالوا إذا خرب أو كان فرسا فعطب جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله انتهى.
وكلامه في الهداية في كتاب الوقف صريح بالصحة.

(7/78)


واختار أيضا هذه الرواية ابن عقيل وصنف فيها جزءا حكاه عنه ابن رجب في طبقاته.
واختار أيضا هذه الرواية وهي عدم البيع الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وابن عقيل.
تنبيه: فعلى المذهب المراد بتعطل منافعه المنافع المقصودة بخراب أو غيره ولو بضيق المسجد عن أهله نص عليه.
أو بخراب محلته نقله عبد الله وهذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع.
ونقل جماعة لا يباع إلا أن لا ينتفع منه بشيء أصلا بحيث لا يرد شيئا.
قال المصنف في الكافي كل وقف خرب ولم يرد شيئا بيع.
وقال في المغنى ومن تايعه لا يباع إلا أن يقل ريعه فلا يعد نفعا.
وقيل أو يتعطل أكثر نفعه نقله مهنا في فرس كبر وضعف أو ذهبت عينه.
فقلت له دار أو ضيعة ضعف أهلها أن يقوموا عليها قال لا بأس ببيعها إذا كان أنفع لمن ينفق عليه منها.
وقيل أو خيف تعطل نفعه قريبا جزم به في الرعاية.
قلت وهو قوي جدا إذا غلب على ظنه ذلك.
وقيل أو خيف تعطل أكثر نفعه قريبا.
سأله الميموني يباع إذا عطب أو فسد قال إي والله يباع إذا كان يخاف عليه التلف والفساد والنقص باعوه وردوه في مثله.
وسأله الشالنجي إن أخذ من الوقف شيئا فعتق في يده وتغير عن حاله.
قال يحول إلى مثله.
وكذا قال في التلخيص والترغيب والبلغة لو أشرف على كسر أو هدم وعلم أنه إن أخر لم ينتفع به بيع.
قلت وهذا مما لا شك فيه.
قال في الفروع وقولهم: بيع أي يجوز بيعه نقله جماعة وذكره جماعة.
قال في الفروع ويتوجه إنما قالوه الاستثناء مما لا يجوز بيعه وإنما يجب لأن الولي يلزمه فعل المصلحة وهو ظاهر رواية الميموني وغيرها.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يجب بيعه بمثله مع الحاجة وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة ولا يجوز بمثله لفوات التعيين بلا حاجة.
قال في الفائق وبيعه حالة تعطله أمر جائز عند البعض.
وظاهر كلامه في المغنى وجوبه.

(7/79)


وكذلك إطلاق كلام الإمام أحمد رحمه الله.
وذكره في التلخيص رعاية للأصلح انتهى.
فوائد:
الأولى قال المصنف ومن تابعه لو أمكن بيع بعضه ليعمر به بقيته بيع وإلا بيع جميعه.
قال في الفروع ولم أجد ما قاله لأحد قبله.
قال والمراد مع اتحاد الواقف كالجهة ثم إن أراد عينين كدارين فظاهر.
وكذا إن أراد عينا واحدة ولم تنقص القيمة بالتشقيص فإن نقصت توجه البيع في قياس المذهب كبيع وصي لدين أو حاجة صغير بل هذا أسهل لجواز تغيير صفاته لمصلحة وبيعه على قول انتهى.
وقول صاحب الفروع والمراد مع اتحاد الواقف ظاهر في أنه لا يجوز عمارة وقف من ريع وقف آخر ولو اتحدتا الجهة.
وقد أفتى الشيخ عبادة من أئمة أصحابنا بجواز عمارة وقف من وقف آخر على جهته ذكره ابن رجب في طبقاته في ترجمته.
قلت وهو قوى بل عمل الناس عليه.
لكن قال شيخنا في حواشي الفروع إن كلامه في الفروع أظهر.
وقال الحارثي وما عدا المسجد من الأوقاف يباع بعضه لإصلاح ما بقي.
وقال يجوز اختصار الآنية إلى أصغر منها إذا تعطلت وإنفاق الفضل على الإصلاح وإن تعذر الاختصار احتمل جعلها نوعا آخر مما هو أقرب إلى الأول واحتمل أن يباع ويصرف في آنية مثلها وهو الأقرب انتهى.
قلت وهو الصواب.
الثانية: حيث جوزنا بيع الوقف فمن يلي بيعه.
لا يخلو إما أن يكون الوقف على سبل الخيرات كالمساجد والقناطر والمدارس والفقراء والمساكين ونحو ذلك أو غير ذلك.
فإن كان على سبل الخيرات ونحوها فالصحيح من المذهب أن الذي يلي البيع الحاكم وعليه أكثر الأصحاب وقطعوا به.

(7/80)


منهم صاحب الرعاية في كتاب الوقف والحارثي والزركشي في كتاب الجهاد وقال نص عليه.
وقيل يليه الناظر الخاص عليه إن كان جزم به في الرعاية الكبرى في كتاب البيع.
قلت وهو الصواب.
وإن كان على غير ذلك فهل يليه الناظر الخاص أو الموقوف عليه أو الحاكم على ثلاثة أقوال.
أحدها: يليه الناظر الخاص وهو الصحيح.
قال الزركشي إذا تعطل الوقف فإن الناظر فيه يبيعه ويشتري بثمنه ما فيه منفعة ترد على أهل الوقف نص عليه وعليه الأصحاب.
قال في الفائق ويتولى البيع ناظره الخاص حكاه غير واحد.
وجزم به في التلخيص والمحرر فقال يبيعه الناظر فيه.قال في التلخيص ويكون البائع الإمام أو نائبة نص عليه.
وكذلك المشتري بثمنه وهذا إذا لم يكن للوقف ناظر انتهى.
وقدمه في النظم فقال:
وناظره شرعا يلى عقد بيعه ... وقيل إن يعين مالك النفع يعقد
وقدمه في الرعاية الكبرى فقال فلناظره الخاص بيعه ومع عدمه يفعل ذلك الموقوف عليه.
قلت إن قلنا يملكه وإلا فلا.
وقيل بل يفعله مطلقا الإمام أو نائبة كالوقف على سبل الخيرات انتهى.وقدمه الحارثي وقال حكاه غير واحد.
القول الثاني: يليه الموقوف عليه وهو ظاهر ما جزم به في الهداية.
فقال فإن تعطلت منفعته فالموقوف عليه بالخيار بين النفقة عليه وبين بيعه وصرف ثمنه في مثله.
وكذا قال ابن عقيل في الفصول وابن البنا في عقوده وابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب والسامري في المستوعب وأبو المعالي ابن منجا في الخلاصة وابن أبي المجد في مصنفه.
وقدمه في الرعاية الصغرى فقال وما بطل نفعه فلمن وقف عليه بيعه.
قلت إن ملكه.
وقيل بل لناظره بيعه بشرطه انتهى.

(7/81)


وقدمه في الحاوي الصغير.
والقول الثالث: يليه الحاكم.
جزم به الحلواني في التبصرة فقال وإذا خرب الوقف ولم يرد شيئا أو خرب المسجد وما حوله ولم ينتفع به فللإمام بيعه وصرف ثمنه في مثله انتهى.
وقدم هذا في الفروع.
ونصره شيخنا في حواشي الفروع وقواه بأدلة وأقيسه وعمل الناس عليه واختاره الحارثي وهذا مما خالف المصطلح المتقدم.
فعلى الصحيح من المذهب لو عدم الناظر الخاص فقيل يليه الحاكم جزم به في التلخيص والحارثي.
وقدمه في الرعاية الكبرى في كتاب العدد وذكره نص الإمام أحمد رحمه الله وصاحب الفروع وهذا الصحيح من المذهب.
وقيل يليه الموقوف عليه مطلقا.
قدمه في الرعاية الكبرى أيضا في كتاب الوقف وهو ظاهر ما قطع به الزركشي وحكاه عن الأصحاب.
وكذا ما حكيناه عنهم وأطلقهما في الفائق.
وقيل يليه الموقوف عليه إن قلنا يملكه وإلا فلا اختاره في الرعايتين وجزم به في الفائق.
قلت ولعله مراد من أطلق.
تنبيه: تلخص لنا مما تقدم فيمن يلي البيع طرق لأن الوقف لا يخلو إما أن يكون على سبل الخيرات أولا.
فإن كان على سبل الخيرات ونحوه فللأصحاب فيه طريقان.
أحدهما: يليه الحاكم قولا واحدا وهو قول أكثر الأصحاب منهم صاحب الرعاية الكبرى في كتاب الوقف.
والطريق الثاني: يليه الناظر إن كان ثم الحاكم وهي طريقته في الرعاية الكبرى في كتاب البيع وهو الصواب.
وإن لم يكن الوقف على سبل الخيرات ففيه طرق للأصحاب.
أحدها: يليه الناظر قولا واحدا وهي طريقة المجد في محرره والزركشي وعزاه إلى نص الإمام أحمد واختيار الأصحاب.
والطريق الثاني: يليه الموقوف عليه قولا واحدا.

(7/82)


وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والفصول وعقود ابن البنا والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة ومصنف ابن أبي المجد كما تقدم.
الطريق الثالث: يليه الحاكم قولا واحدا وهي طريقة الحلواني في التبصرة.
الطريق الرابع: يليه الناظر الخاص إن كان فإن لم يكن فيليه الحاكم قولا واحدا وهي طريقة صاحب التلخيص.
الطريق الخامس: هل يليه الناظر الخاص وهو المقدم أو الموقوف عليه فيه وجهان وهي طريقة الناظم.
الطريق السادس: طريقة صاحب الرعاية الصغرى وهي هل يليه الموقوف عليه وهو المقدم أو إن قلنا يملكه واختاره أو الناظر على ثلاثة أقوال هي.
الطريق السابع: هل يليه الموقوف عليه وهو المقدم أو الناظر فيه وجهان وهي طريقته في الحاوي الصغير.
الطريق الثامن: طريقته في الرعاية الكبرى وهي هل يليه الناظر الخاص إن كان هو المقدم أو الحاكم حكاه في كتاب الوقف فيه قولان.وإن لم يكن له ناظر خاص فهل يليه الحاكم وهو المقدم في كتاب البيع وذكره نص الإمام أحمد رحمه الله أو الموقوف عليه وهو المقدم في كتاب الوقف وإن قلنا يملكه واختاره على ثلاثة أقوال.
الطريق التاسع: هل يليه الحاكم مطلقا وهو المقدم أو الموقوف عليه على وجهين وهي طريقة صاحب الفروع.
الطريق العاشر: يليه الناظر الخاص إن كان فإن لم يكن فهل يليه الحاكم أو الموقوف عليه إن قلنا يملكه على وجهين مطلقين وهي طريقة صاحب الفائق.
فهذه اثنتا عشر طريقة اثنتان فيما هو على سبل الخيرات ونحوه وعشرة في غيره.
الفائدة الثالثة: إذا بيع الوقف واشترى بدله فهل يصير وقفا بمجرد الشراء أم لا بد من تجديد وقفيه فيه وجهان.
ذكرهما ابن رجب في قواعده عن بعضهم فيما إذا أتلف الوقف متلف وأخذت قيمته فاشترى بها بدله وأطلقهما.
أحدهما: يصير وقفا بمجرد الشراء.
قال الحارثي عند قول المصنف في وطء الأمة الموقوفة إذا أولدها فعليه القيمة يشترى بها مثلها يكون وقفا ظاهره أن البدل يصير وقفا بنفس الشراء انتهى.
قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب هنا لاقتصارهم على بيعه وشراء بدله.
وصرح به في التلخيص فقال في كتاب البيع ويصرف ثمنه في مثله ويصير وقفا كالأول.

(7/83)


وصرح به أيضا في الرعاية في موضعين فقال فلناظره الخاص بيعه وصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله ويكون ما اشتراه وقفا كالأول.
وقال في أثناء الوقف فإن وطىء فلا حد ولا مهر.
ثم قال وفي أم ولده تعتق بموته وتؤخذ قيمتها من تركته يصرف في مثله يكون بالشراء وقفا مكانها وهذا صريح بلا شك.
وقال الحلواني في كفاية المبتدئ وإذا تخرب الوقف وانعدمت منفعته بيع واشترى بثمنه ما يرد على أهل الوقف وكان وقفا كالأول.
وقال في المبهج ويشتري بثمنه ما يكون وقفا.
قال شيخنا الشيخ تقي الدين ابن قندس البعلى في حواشيه على المحرر الذي يظهر أنه متى وقع الشراء لجهة الوقف على الوجه الشرعي ولزم العقد أنه يصير وقفا لأنه كالوكيل في الشراء والوكيل يقع شراؤه للموكل فكذا هذا يقع شراؤه للجهة المشتري لها ولا يكون ذلك إلا وقفا انتهى وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا بد من تجديد الوقفية وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه قال وإذا خرب الوقف ولم يرد شيئا بيع واشترى بثمنه ما يرد على أهل الوقف وجعل وقفا كالأول.
وهو ظاهر كلامه في المجرد أيضا فإنه قال بيعت وصرف ثمنها إلى شراء دار وتجعل وقفا مكانها.
قال الحارثي وبه أقول لأن الشراء لا يصلح سببا لإفادة الوقف فلا بد للوقف من سبب يفيده انتهى.
وأما الزركشي فإنه قال ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يصير وقفا بمجرد الشراء بل لا بد من إيقاف الناظر له ولم أر المسألة مصرحا بها.
وقيل أن فيها وجهين انتهى.
الفائدة الرابعة: اقتصر المصنف والشارح والزركشي وجماعة على ظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط أن يشترى من جنس الوقف الذي بيع بل أي شيء اشترى بثمنه مما يرد على أهل الوقف جاز.
والذي قدمه في الفروع أنه يصرفه في مثله أو بعض مثله فقال ويصرفه في مثله أو بعض مثله قاله الإمام أحمد رحمه الله.
وقاله في التلخيص وغيره كجهته.
وقدمه الحارثي وقال هو المذهب كما قال في الكتاب ومن غداه من الأصحاب.
ونقل أبو داود في الحبيس يشترى مثله أو ينفق ثمنه على الدواب الحبيس.

(7/84)


الخامسة: إذا بيع المسجد واشترى به مكانا يجعل مسجدا فالحكم للمسجد الثاني ويبطل حكم الأول.
السادسة: لا يجوز نقل المسجد مع إمكان عمارته دون العمارة الأولى قاله في الفنون وقال أفتى جماعة بخلافه وغلطهم.
السابعة: يجوز رفع المسجد إذا أراد أكثر أهله ذلك وجعل تحت أسفله سقاية وحوانيت في ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله وأخذ به القاضي.
قال الزركشي في كتاب الجهاد وقيل لا يجوز.
وأطلق وجهين في الفروع.
وقال في الرعاية الكبرى فإن أراد أهل مسجد رفعه عن الأرض وجعل سفله سقاية وحوانيت روعى أكثرهم نص عليه.
وقيل هذا في مسجد أراد أهله إنشاءه كذلك وهو أولى انتهى.
واختار هذا ابن حامد وأول كلام الإمام أحمد رحمه الله عليه.
وصححه المصنف والشارح.
ورد هذا التأويل بعض محققي الأصحاب من وجوه كثيرة وهو كما قال.
قوله: "وما فضل من حصره وزيته عن حاجته جاز صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين".
هذا المذهب نص عليه.
وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز وغيرهم.
وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال أيضا يجوز صرفه في سائر المصالح وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته.
قال وإن علم أن ريعه يفضل عنه دائما وجب صرفه ولا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل انتهى.
وقال في الفائق وما فضل من حصر المسجد أو زيته ساغ صرفه إلى مسجد آخر والصدقة به على جيرانه نص عليه.
وعنه على الفقراء وحكى القاضي في صرفه ومنعه روايتين.

(7/85)


وكذا الفاضل من جميع ريعه ويصرف في مسجد آخر.
ذكره القاضي في المجرد قال القاضي أبو الحسين وهو أصح.
فائدة: قال الحارثي فضله غلة الموقوف على معين يتعين إرصادها ذكره القاضي أبو الحسين.
قال الحارثي وإنما يتأتى فيما إذا كان الصرف مقدرا وهو واضح.
قوله: "ولا يجوز غرس شجرة في المسجد".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
منهم صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغنى والشرح والفائق وغيرهم.
وقدمه في المستوعب والفروع والرعاية الكبرى وغيرهم.
وذكر في الإرشاد والمبهج أنه يكره.
قال في الرعاية الصغرى إن غرست بعد وقفه قلعت إن ضيقت موضع الصلاة.
قال في الرعاية الكبرى ويحرم غرسها مطلقا.
وقيل إن ضيقت حرم وإلا كره.
فعلى المذهب تقلع نص عليه وجزم به في الفروع وغيره.
وقال في الرعاية الكبرى والحاوي الصغير وإن غرست بعد وقفه قلعت.
وقيل إن ضيقت موضع الصلاة وإلا فلا.
وتقدم كلامه في الرعاية الصغرى.
وعلى المذهب أيضا يكون ثمرها لمساكين أهل المسجد.
قال في الإرشاد قال الحارثي وهو المذهب.
قال والأقرب حله لغيرهم من المساكين أيضا.
وقال كثير من الأصحاب هي لمالك الأرض المغروس بها غصبا انتهى.
قوله: "فإن كانت مغروسة فيه جاز الأكل منها".
يعنى إذا كانت مغروسة قبل بنائه أو وقفها معه.
فإذا وقفها معه وعين مصرفها عمل به وإن لم يعين مصرفها كان حكمها حكم الوقف المنقطع قدمه في الفروع.

(7/86)


وقال المصنف هنا جاز الأكل منها وهذا منصوص الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب.
وقدمه في المستوعب والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وقال في الهداية يعد أن قدم المنصوص وعندي أن هذه الرواية محمولة على ما إذا لم يكن بالمسجد حاجة إلى ثمن ذلك لأن الجيران يعمرونه ويكسونه.
وقطع بما حمله عليه أبو الخطاب في المذهب والخلاصة والفائق.
وأعلم أن جماعة من الأصحاب قالوا يصرف في مصالحه وإن استغنى عنها فلجاره أكل ثمره نص عليه وجزم به في الفائق وغيره.
وقال جماعة إذا استغنى عنها المسجد فلجاره ولغيره الأكل منها.
وقيل يجوز الأكل للجار الفقير.
وقيل يجوز للفقير مطلقا قدمه في الرعاية الكبرى فقال وثمرها لفقراء الدرب.
وتقدم في آخر الاعتكاف هل يجوز البيع والشراء في المسجد أم يحرم وهل يصح أو لا.
فائدة: يحرم حفر بئر في المسجد فإن فعل طم نص عليه في رواية المروذي وقدمه في الفروع.
وقال في الرعاية الكبرى في إحياء الموات لم يكره الإمام أحمد رحمه الله حفرها فيه.
ثم قال قلت بلى إن كره الوضوء فيه انتهى.
وقال الحارثي في الغصب وإن حفر بئرا في المسجد للمصلحة العامة فعليه ضمان ما تلف بها لأنه ممنوع منه إذ المنفعة مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان.
ونص على المنع من رواية المروذي.
ويحتمل أنه كالحفر في السابلة لاشتراك المسلمين في كل منهما فالحفر في إحداهما: كالحفر في الأخرى فتجري فيه رواية ابن ثواب بعدم الضمان انتهى.
فائدة: قال في الفروع وإن بنى أو غرس ناظر في وقف توجه أنه له إن أشهد وإلا للوقف ويتوجه في أجنبي بنى أو غرس أنه للوقف بنيته.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يد الواقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة تدفع موجبها كمعرفة كون الغارس غرسه بماله بحكم إجارة أو إعارة أو غصب.
ويد المستأجر على المنفعة فليس له دعوى البناء بلا حجة.
ويد أهل العرصة المشتركة ثابتة على ما فيها بحكم الاشتراك إلا مع بينه باختصاصه ببناء ونحوه.

(7/87)


باب الهبة والعطية :
قوله: "وهي تمليك في حياته بغير عوض".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب.
وقيل الهبة تقتضي عوضا.
وقيل مع عرف.
فلو أعطاه ليعاوضه أو ليقضي له به حاجة فلم يف فكالشرط.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قوله: "فإن شرط فيها عوضا معلوما صارت بيعا".
حكمها حكم البيع في ثبوت الخيار والشفعة وغيرهما هذا المذهب.
قال الحارثي قاله القاضي وأصحابه.
وليس منصوصا عنه ولا عن متقدمي أصحابه.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وصححه في الخلاصة وتجريد العناية وقدمه في الشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير والنظم والمذهب والهداية.
وقيل هي بيع مع التقابض.
"وعنه يغلب فيها حكم الهبة" ذكرها أبو الخطاب.
قال الحارثي هذا المذهب وهو الصحيح وهو متين جدا.
وقال عن الأول هو ضعيف جدا انتهى.
قال القاضي ليست بيعا وإنما الهبة تارة تكون تبرعا وتارة تكون بعوض وكذلك العتق ولا يخرجان عن موضوعهما.
قال في الفروع وإن شرطه وكان معلوما صحت كالعارية.
وقيل بقيمتها بيعا وعنه هبة انتهى.
تنبيه: أفادنا المصنف رحمه الله صحة شرط العوض فيها وهو صحيح وهو المذهب.
وقيل لا تصح مطلقا.
قوله: "وإن شرط ثوابا مجهولا لم تصح".
يعني الهبة وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.

(7/88)


منهم القاضي وابن البنا وابن عقيل والمصنف.
قال في الخلاصة لم يصح في الأصح.
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع والشرح والنظم وغيرهم.
وعنه أنه قال يرضيه بشيء فيصح وذكرها الشيخ تقي الدين رحمه الله ظاهر المذهب.
قال الحارثي هذا المذهب نص عليه من رواية ابن الحكم وإسماعيل ابن سعيد وإليه ميل أبي الخطاب.
وصحح هذه الرواية في الرعاية الصغرى فقال فإن شرطه مجهولا صحت في الأصح.
قال في الرعاية الكبرى وهو أولى.
فعلى هذه الرواية يرضيه فإن لم يرض فله الرجوع فيها فيردها بزيادة ونقص نص عليه.
"فإن تلفت" فقيمتها يوم التلف.
وهذا البناء على هذه الرواية هو الصحيح صححه المصنف وغيره.
وقيل يرضيه بقيمة ما وهبه وأطلقهما في المذهب.
قال الحارثي ويحتمل وجها بالبناء وهو ما يعد ثوابا لمثله عادة.
فائدة: لو ادعى شرط العوض فأنكر المتهب أو قال وهبتني هذا قال بل بعتكه ففي أيهما يقبل قوله؟وجهان.
وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى.
أحدهما: يقبل قول المتهب وجزم به في الكافي في المسألة الأولى.
وقدمه الحارثي وصححه وقال حكاه في الكافي وغير واحد.
الوجه الثاني: القول قول الواهب وأطلقهما في التلخيص في المسألة الأولى.
قوله: "وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها".
هذا المذهب اختاره ابن عقيل والمجد في شرح الهداية وغيرهما.وحتى إن ابن عقيل وغيره صححوا الهبة بالمعاطاة ولم يذكروا فيها الخلاف الذي في بيع المعاطاة.
وجزم به في المحرر والوجيز والحاوي الصغير والمنور وغيرهم.
وقدمه في الشرح والحارثي والفروع والفائق والنظم وغيرهم.

(7/89)


قال في التلخيص وهل يقوم الفعل مقام اللفظ يخرج على الرواية في البيع بالمعاطاة وأولى بالصحة.
قال في الحاوي الصغير وتنعقد بالمعاطاة.
وفي المستوعب والمغنى في الصداق لا تصح إلا بلفظ الهبة والعفو والتمليك.
وقال في الرعاية الكبرى وفي العفو وجهان.
وقال في المذهب ومسبوك الذهب وألفاظها وهبت وأعطيت وملكت.
والقبول قبلت أو تملكت أو اتهبت.
فإن لم يكن إيجاب ولا قبول بل إعطاء وأخذ كانت هدية أو صدقة تطوع على مقدار العرف انتهى.
وقال في الانتصار في غذاء المساكين في الظهار أطعمتكه كوهبتكه.
وذكر القاضي في المجرد وأبو الخطاب وأبو الفرج الشيرازي أن الهبة والعطية لا بد فيهما من الإيجاب والقبول ولا تصح بدونه سواء وجد القبض أو لم يوجد قاله المصنف وغيره.
قال في الفائق وهو ضعيف.
وقدم في الرعايتين أنه لا يصح بالمعاطاة.
وتقدم التنبيه على هذه المسألة في كتاب البيع.
فائدتان:
إحداهما: لو تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه قاله في الرعاية الكبرى والفائق.
وقال في الصغرى والحاوي الصغير وتنعقد بالإيجاب والقبول عرفا.
وقال الزركشي لو تقدم القبول على الإيجاب ففي صحة الهبة روايتان انتهى.
قلت هي مشابهة للبيع فيأتي هنا ما في البيع على ما تقدم.
ثم وجدت الحارثي صرح بذلك ولم يحك فيه خلافا وكذلك صاحب التلخيص.
الثانية: يصح أن يهبه شيئا ويستثنى نفعه مدة معلومة وبذلك أجاب المصنف واقتصر عليه في القاعدة الثانية والثلاثين.
قوله: "وتلزم بالقبض".
يعني ولا تلزم قبله وهذا إحدى الروايتين وهو المذهب مطلقا جزم به في الوجيز وغيره.

(7/90)


واختاره ابن عبدوس في تذكرته والقاضي.
قال ابن منجا في شرحه هذا أصح وقدمه في المحرر والخلاصة والنظم والحارثي والفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
قال في الكبرى تلزم الهبة وتملك بالقبض إن اعتبر وهو المذهب عند ابن أبي موسى وغيره.
وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة.
قال الشارح وعلى قياسه المعدود والمذروع.
قال في الفروع وعنه تلزم في متميز بالعقد اختاره الأكثر.
قال في الفائق والحارثي اختاره القاضي وأصحابه.
قال ابن عقيل هذا المذهب.
قال الزركشي لا يفتقر المعين إلى القبض عند القاضي وعامة أصحابه وقدمه في المغنى وابن رزين في شرحه.
وأطلقهما في الكافي والشرح والتلخيص والهداية والمستوعب.
وعنه لا تلزم إلا بإذن الواهب في القبض.
تنبيهان:
أحدهما: ظاهر كلام المصنف صحة الهبة بمجرد العقد وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وظاهر كلام الخرقي وطائفة أن ما يكال ويوزن لا يصح إلا مقبوضا.
قال الخرقي ولا تصح الهبة والصدقة فيما يكال ويوزن إلا بقبضه.
قال في الانتصار في البيع بالصفة القبض ركن في غير المتعين لا يلزم العقد بدونه نقله الزركشي وصححه الحارثي.
ويأتي كلام ابن عقيل قريبا.
الثانية: قوله: "في المكيل والموزون لا تلزم فيه إلا بالقبض" محمول على عمومه في كل ما يكال ويوزن.
قال الشارح والمصنف وخصه أصحابنا المتأخرون بما ليس بمتعين فيه كقفيز من صبرة ورطل من زبرة.
قال وقد ذكرنا ذلك في البيع ورجحنا العموم.
قال في الفروع كما تقدم.

(7/91)


وعنه: تلزم في متميز بالعقد.
قال الزركشي هبة غير المتعين كقفيز من صبرة ورطل من زبرة تفتقر إلى القبض بلا نزاع.
فائدة: تملك الهبة بالعقد أيضا قاله المصنف ومن تابعه.
ونقله في التلخيص وقدمه في الفائق.
وقاله أبو الخطاب في انتصاره في موضع.
قال في القاعدة التاسعة والأربعين قاله كثير من الأصحاب ومنهم أبو الخطاب في انتصاره وصاحب المغنى والتلخيص وغيرهم.
وقيل يتوقف الملك على القبض وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والنظم وجزم به في المحرر.
قال في الكافي لا يثبت الملك للموهوب له في المكيل والموزون إلا بقبضه وفيما عداهما روايتان.
وقال في شرح الهداية مذهبنا أن الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض.
وفرع عليه إذا دخل وقت الغروب من ليلة الفطر والعبد موهوب لم يقبض ثم قبض وقلنا يعتبر في هبته القبض ففطرته على الواهب.
وكذا صرح ابن عقيل أن القبض ركن من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها وكلام الخرقي يدل عليه أيضا.
قال ذلك في القاعدة التاسعة والأربعين.
وقيل يفع الملك مراعي فإن وجد القبض تبينا أنه كان للموهوب بقبوله وإلا فهو للواهب.
وحكى عن ابن حامد وفرع عليه حكم الفطرة.
وأطلقهما في الفروع وهما روايتان في الانتصار في نقل الملك بعقد فاسد.
قال في الفروع وعليهما يخرج النماء.
وذكر جماعة إن اتصل القبض.
قوله: "ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب".
يعني إذا قلنا إن الهبة لا تلزم إلا بالقبض وهذا المذهب بشرطه الآتي وعليه الأصحاب وقطعوا به.
وقال في الترغيب والبلغة والتلخيص وفي صحة قبضه بدون إذنه روايتان والإذن لا

(7/92)


يتوقف على اللفظ بل المناولة والتخلية إذن.
وظاهر كلام القاضي اعتبار اللفظ فيه.
قال الحارثي وعنه يصح القبض بغير إذنه.
قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
قوله: "إلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه".
هذا إحدى الروايات اختاره القاضي وأبو الخطاب والسامري.
وجزم به في البلغة والتلخيص وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب.
وعنه ما كان في يد المتهب يلزم بالعقد وهو المذهب.
قال الشارح هذا الصحيح إن شاء الله تعالى.
وقدمه في المحرر والفروع والفائق والنظم وابن رزين في شرحه.
قال في الرعايتين وهو أولى وكذا قال الحارثي.
وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز.
وعنه لا يصح القبض حتى يأذن فيه أيضا ويمضي زمن يتأتى قبضه فيه.
جزم به في الخلاصة واختاره القاضي أيضا.
وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قال في الرعاية الكبرى ومن اتهب شيئا في يده يعتبر قبضه فقبله اعتبر إذن الواهب فيه على الأشهر ثم مضي زمن يمكن قبضه فيه ليملكه.
وقيل يعتبر مضى الزمن دون إذنه.
وأطلق الاولى والثالثة: في الهداية والمذهب والمستوعب.
وأطلق الثانية والثالثة في الكافي.
تنبيه: الاستثناء الثاني في كلام المصنف من قوله: وتلزم بالقبض لا من قوله: ولا يصح القبض إلا بإذن الواهب.
فائدتان:
إحداهما: صفة القبض هنا كقبض المبيع.
وعلى القول بأنه لا بد من مضي مدة يتأتى قبضه فيها فإن كان منقولا فبمضي مدة نقله فيها.

(7/93)


وإن كان مكيلا أو موزونا فبمضي مدة يمكن اكتياله واتزانه فيها.
وإن كان غير منقول فبمضى مدة التخلية.
وإن كان غائبا لم يصر مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها.
ذكر معنى ذلك في الشرح وغيره في باب الرهن وكذا حكم قبض الرهن.
الثانية: له أن يرجع في الإذن قبل القبض وله أن يرجع في نفس الهبة قبل القبض على الصحيح من المذهب فيهما.
وقيل لا يصح الرجوع فيهما.
قوله: "وإن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإذن والرجوع".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز وغيرهم.
واختاره صاحب التلخيص وغيره.
وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم.
وقال القاضي في المجرد يبطل عقد الهبة.
جزم به في الفصول وقدمه في المغنى والشرح والنظم والفائق.
قال في القاعدة الرابعة والأربعين بعد المائة وهو المنصوص في رواية ابن منصور واختيار ابن أبي موسى.
وقاله القاضي وابن عقيل في الهبة في الصحة.
وأما في المرض إذا مات قبل إقباضها فجعلا الورثة بالخيار لشبهها بالوصية انتهى.
فائدة: لو وهب الغائب هبة وأنفذها مع رسول الموهوب له أو وكيله ثم مات الواهب أو الموهوب له قبل وصولها لزم حكمها وكانت للموهوب له لأن قبض الرسول والوكيل كقبضه.
وإن أنفذها الواهب مع رسول نفسه ثم مات قبل وصولها إلى الموهوب له أو مات الموهوب له بطلت وكانت للواهب ولورثته لعدم القبض.
وكذلك الحكم في الهدية نص على ذلك.
تنبيه: أفادنا المصنف رحمه الله تعالى بقوله: قام وارثه مقامه أن إذن الواهب يبطل بموته وهو صحيح وكذلك يبطل إذنه بموت المتهب.

(7/94)


فوائد:
الأولى: لو مات المتهب قبل قبوله بطل العقد على الصحيح من المذهب وقيل لا يبطل.
الثانية: يقبض الأب للطفل من نفسه بلا نزاع ولا يحتاج إلى قبول من نفسه على الصحيح من المذهب ويكتفي بقوله: وهبته وقبضته له.
وقال القاضي لا بد في هبة الولد أن يقول قبلته.
وهو مبنى على اشتراط القبول على ما تقدم قريبا والمذهب خلافه.
وقال بعض الأصحاب يكتفى بأحد لفظين أما أن يقول قد قبلته أو قبضته.
وإن وهب ولى غير الأب فقال أكثر الأصحاب لابد أن يوكل الواهب من يقبل للصبي ويقبض له ليكون الإيجاب من الولي والقبول والقبض من غيره كما في البيع بخلاف الأب فإنه يجوز أن يوجب ويقبل ويقبض.
قال المصنف والصحيح عندى أن الأب وغيره في هذا سواء.
قال في الفروع وفى قبض ولى غير الأب من نفسه راويتا شرائه وبيعه له من نفسه.
الثالثة: لا يصح قبض الطفل والمجنون لنفسه ولا قبوله ووليه يقوم مقامه فيهما.
فإن لم يكن له أب فوصيه فإن لم يكن فالحاكم الأمين أو من يقيموه مقامهم ولا يقوم غير هؤلاء الثلاثة مقامهم.
وقال المصنف في المغنى ويحتمل أن يصح القبول والقبض من غيرهم عند عدمهم.
الرابعة: لا يصح من المميز قبض الهبة ولا قبولها على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية ابن منصور.
وقال في القواعد الأصولية تبعا للحارثي هذا أشهر الروايتين وعليه معظم الأصحاب.
وعنه يصح قبضه وقبوله اختاره المصنف في المغنى والحارثي.
وقال في المغنى ويحتمل أن تقف صحة قبضه على إذن وليه دون القبول وفرق بينهما.
وتقدم في الحجر هل تصح هبته.
والسفيه كالمميز في ذلك وأولى بالصحة.
والوصية كالهبة في ذلك.
الخامسة: قال القاضي في المجرد يعتبر لقبض المشاع إذن الشريك فيه فيكون نصفه مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة بيده انتهى.
وجزم به في الحاوي الصغير والرعايتين.

(7/95)


قال في القاعدة الثالثة والأربعين في المجرد والفصول يكون نصف الشريك وديعة عنده.
وقال ابن عقيل في الفنون يكون قبض نصف الشريك عارية مضمونة انتهى.
قلت لو قيل إن جاز له أن يتصرف وتصرف كان عارية وإن لم يتصرف فوديعة لكان متجها.
ثم وجدته في القاعدة الثالثة والأربعين حكى كلامه في الفنون فقال قال ابن عقيل في فنونه هو عارية حيث قبضه لينتفع به بلا عوض.
قال صاحب القواعد وهو صحيح إن كان أذن له في الانتفاع مجانا أما إن طلب منه أجرة فهي إجازة.
وإن لم يأذن في الانتفاع بل في الحفظ فوديعة انتهى وفيه نظر.
السادسة: لو قال أحد الشريكين للعبد المشترك أنت حبيس على آخرنا موتا لم يعتق بموت الأول منهما ويكون في يد الثاني عارية فإذا مات عتق ذكره القاضي في المجرد.
وذكره في القاعدة الثالثة والأربعين.
قوله: "وإن أبرأ الغريم غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه برئت ذمته.
وكذا إن أسقطه عنه أو تركه له أو ملكه له أو تصدق به عليه أو عفا عنه برئت ذمته وإن رد ذلك ولم يقبله".
أعلم أنه إذا أبرأه من دينه أو وهبه له أو أحله منه أو نحو ذلك وكان المبرئ والمبرأ يعلمان الدين صح ذلك وبريء وإن رده ولم يقبله على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل يشترط القبول.
قال في الفروع وفي المغنى في إبرائها له من المهر هل هو إسقاط أو تمليك.
فيتوجه منه احتمال لا يصح به وإن صح اعتبر قبوله.
وفي الموجز والإيضاح لا تصح هبة في عين.
وقال في المغنى إن حلف لا يهبه فأبرأه لم يحنث لأن الهبة تمليك عين.
قال الحارثي تصح بلفظ الهبة والعطية مع اقتضائهما وجود معين وهو منتف لإفادتهما لمعنى الإسقاط هنا.
قال ولهذا لو وهبه دينه هبة حقيقة لم يصح لانتفاء معنى الإسقاط وانتفاء شرط الهبة.
ومن هنا امتنع هبته لغير من هو عليه وامتنع إجزاؤه عن الزكاة لانتفاء حقيقة الملك انتهى.

(7/96)


وقال في الانتصار إن أبرأ مريض من دينه وهو كل ماله ففي براءته من ثلثه قبل دفع ثلثيه منع وتسليم انتهى.وأما إن علمه المبرأ بفتح الراء أو جهله وكان المبرئ بكسرها يجهله صح سواء جهل قدره أو وصفه أو هما على الصحيح من المذهب.
جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر والفروع والفائق وغيرهم وصححه الناظم.
قال في القواعد هذا أشهر الروايات.
وعنه يصح مع جهل المبرأ بفتح الراء دون علمه.
وأطلق فيما إذا عرفه المديون فيه الروايتين في الرعايتين والحاوي الصغير.
وعنه لا يصح ولو جهلاه إلا إذا تعذر علمه.
وقال في المحرر ويتخرج أن يصح بكل حال إلا إذا عرفه المبرأ وظن المبرئ جهله به فلا يصح انتهى.
وعنه لا تصح البراءة من المجهول كالبراءة من العيب.
ذكرها أبو الخطاب وأبو الوفاء كما لو كتمه المبرأ خوفا من أنه لو علمه المبرئ لم يبرئه قاله في الفروع.
وقال المصنف والشارح فأما إن كان من عليه الحق يعلمه ويكتمه المستحق خوفا من أنه إذا علمه لم يسمح بإبرائه منه فينبغي أن لا تصح البراءة فيه لأن فيه تغريرا بالمبرئ وقد أمكن التحرز منه انتهيا.
وتابعهما الحارثي وقال ظاهر كلام أبي الخطاب الصحة مطلقا.
قال وهذا أقرب.
فوائد:
الأولى: من صور البراءة من المجهول لو أبرأه من أحدهما: أو أبرأه أحدهما.
قاله الحلواني والحارثي.
وقالا يصح ويؤخذ بالبيان كطلاقه إحداهما وعتقه أحدهما.
قال في الفروع يعني ثم يقرع على المذهب.
الثانية: قال المصنف وغيره قال أصحابنا لو أبرأه من مائة وهو يعتقد أن لا شيء عليه فكان له عليه مائة ففي صحة الإبراء وجهان.
صحح الناظم أن البراءة لا تصح.
قال الحارثي وهذا أظهر وأطلقهما في الفروع.

(7/97)


أصلهما لو باع مالا لموروثه يعتقد أنه حي وكان قد مات وانتقل ملكه إليه فهل يصح البيع فيه وجهان.
وتقدم الصحيح منهما في كتاب البيع بعد تصرف الفضولي فكذا هنا.
وقال القاضي أصل الوجهين من واجه امرأة بالطلاق يظنها أجنبية فبانت امرأته أو واجه بالعتق من يعتقدها حرة فبانت أمته.
ويأتي ذلك في آخر باب الشك في الطلاق.
الثالثة: لا تصح هبة الدين لغير من هو في ذمته على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
ويحتمل الصحة كالاعيان ذكره المصنف ومن بعده.
قال في الفائق والمختار الصحة.
قال الحارثي وهو أصح وهو المنصوص في رواية حرب فذكره إن اتصل القبض به.
وتقدم حكم هبة دين السلم في بابه محررا فليعاود.
الرابعة: لا تصح البراءة بشرط نص عليه فيمن قال إن مت فأنت في حل فإن ضم التاء فقال إن مت فأنت في حل فهو وصية.
وجعل الإمام أحمد رحمه الله تعالى رجلا في حل من غيبته بشرط أن لا يعود وقال ما أحسن الشرط.
فقال في الفروع فيتوجه فيهما روايتان.
وأخذ صاحب النوادر من شرطه أن لا يعود رواية في صحة الإبراء بشرط وذكر الحلواني صحة الإبراء بشرط واحتج بنصه المذكور هنا أنه وصية.وأن ابن شهاب والقاضي قالا لا يصح على غير موت المبرئ وأن الأول أصح لأنه إسقاط.
وقدم الحارثي ما قاله الحلواني وقال إنه أصح.
الخامسة: لا يصح الإبراء من الدين قبل وجوبه ذكره الأصحاب نقله الحلواني عنه.
وجزم جماعة بأنه تمليك.
ومنع بعضهم أنه إسقاط وأنه لا يصح بلفظ الإسقاط وإن سلمناه فكأنه ملكه إياه ثم سقط.
ومنع أيضا أنه لا يعتبر قبوله وإن سلمناه فلأنه ليس مالا بالنسبة إلى من هو عليه.
وقال العفو عن دم العمد تمليك أيضا.
وفي صحيح مسلم أن أبا اليسر الصحابي رضي الله عنه قال لغريمه إذا وجدت قضاء فاقض وإلا فأنت في حل.

(7/98)


واعلم به الوليد ابن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه وابنه وهما تابعيان فلم ينكراه.
قال في الفروع وهذا متجه واختاره شيخنا.
السادسة: لو تبارآ وكان لأحدهما: على الآخر دين مكتوب فادعى استثناءه بقلبه ولم يبرئه منه قبل قوله ولخصمه تحليفه.
ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قال في الفروع وتتوجه الروايتان في مخالفة النية للعام بأيهما يعمل.
السابعة: قال القاضي محب الدين ابن نصر الله في حواشي الفروع الإبراء من المجهول عندنا صحيح لكن هل هو عام في جميع الحقوق أو خاص بالأموال ظاهر كلامهم أنه عام.
قلت صرح به في الفروع في آخر القذف وقدمه.
وقال الشيخ عبد القادر في الغنية لا يكفي الاستحلال المبهم.
ويأتي ذلك محررا هناك.
قوله: "وتصح هبة المشاع" هذا المذهب المقطوع به عند الأصحاب قاطبة وفي طريقة بعض الأصحاب ويتخرج لنا من عدم إجارة المشاع أنه لا يصح رهنه ولا هبته.
قوله: "وكل ما يجوز بيعه".
يعني تصح هبته وهذا صحيح ونص عليه.
ومفهومه أن مالا يجوز بيعه لا تجوز هبته وهو المذهب.
وقدمه في الفروع واختاره القاضي.
وقيل تصح هبة ما يباح الإنتفاع به من النجاسات جزم به الحارثي.
وتصح هبة الكلب جزم به في المغنى والكافي والشرح واختاره الحارثي.
قال في القاعدة السابعة والثمانين وليس بين القاضي وصاحب المغنى خلاف في الحقيقة لأن نقل اليد في هذه الأعيان جائز كالوصية وقد صرح به القاضي في خلافه انتهى.
نقل حنبل فيمن أهدى إلى رجل كلب صيد ترى ان يثيب عليه قال هذا خلاف الثمن هذا عوض من شيء فأما الثمن فلا.
وأطلق في الكلب المعلم وجهين في الرعايتين والقواعد الفقهية.
وقيل وتصح أيضا هبة جلد الميتة.

(7/99)


وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ويظهر لي صحة هبة الصوف على الظهر قولا واحدا.
تنبيه: مفهوم كلام المصنف أيضا أنه لا تصح هبة أم الولد إن قلنا لا يجوز بيعها وهو صحيح وهو المذهب.
وقيل يصح هنا مع القول بعدم صحة بيعها.
وأطلقهما في الرعايتين والفائق.
قلت ينبغي أن يقيد القول بالصحة بأن يكون حكمها حكم الإماء في الخدمة ونحوها إلى أن يموت الواهب فتعتق وتخرج من الهبة.
قوله: "ولا تصح هبة المجهول".
أعلم أن الموهوب المجهول تارة يتعذر علمه وتارة لا يتعذر علمه.
فإن تعذر علمه فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم الصلح على المجهول المتعذر علمه كما تقدم وهو الصحة.
قطع به في المحرر والنظم والفروع والمنور وغيرهم.
وهو ظاهر ما جزم به في الرعايتين والحاوي الصغير.
وظاهر كلام المصنف وأكثر الأصحاب أنه لا يصح لإطلاقهم عدم الصحة في هبة المجهول من غير تفصيل.
وهو ظاهر رواية أبي داود وحرب الآتيتين.
وإن لم يتعذر علمه فالصحيح من المذهب أنها لا تصح وعليه جماهير الأصحاب وأكثرهم قطع به.
نقل حرب لا تصح هبة المجهول.
وقال في رواية حرب أيضا إذا قال شاة من غنمي يعني وهبتها له لم يجز.
وقال المصنف ويحتمل أن الجهل إذا كان من الواهب منع الصحة وإن كان من الموهوب له لم يمنعها.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله وتصح هبة المجهول كقوله: ما أخذت من مالي فهو لك أو من وجد شيئا من مالي فهو له.
واختار الحارثي صحة هبة المجهول.
فائدة: لو قال خذ من هذا الكيس ما شئت كان له أخذ ما فيه جميعا.
ولو قال خذ من هذه الدراهم ما شئت لم يملك أخذها كلها إذ الكيس ظرفا فإذا أخذ المظروف حسن أن يقول أخذت من الكيس ما فيه ولا يحسن أن يقول أخذت من الدراهم كلها نقله الحارثي عن نوادر ابن الصيرفي.

(7/100)


قوله: "ولا ما لا يقدر على تسليمه".
يعني لا تصح هبته وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل تصح هبته.
قال في الفروع ويتوجه من هذا القول جواز هبة المعدوم وغيره.
قلت اختار الشيخ تقي الدين رحمه الله صحة هبة المعدوم كالثمر واللبن بالسنة.
قال واشتراط القدرة على التسليم هنا فيه نظر بخلاف البيع.
قوله: "ولا يجوز تعليقها على شرط".
هذا المذهب وعليه الأصحاب إلا ما استثناه وقطع به أكثرهم.
وذكر الحارثي جواز تعليقها على شرط.
قلت واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق.
تنبيه: قوله: "ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها".
هذا الشرط باطل بلا نزاع.
لكن هل تصح الهبة أم لا فيه وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع على ما تقدم.
والصحيح من المذهب الصحة.
قوله: "ولا توقيتها كقوله: وهبتك هذا سنة".
هذا المذهب وعليه الأصحاب إلا ما استثناه المصنف.
وذكر الحارثي الجواز.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قوله: "إلا في العمرى وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك".
وكذا قوله: "أعطيتكها أو جعلتها لك عمرى أو رقبى أو ما بقيت فإنه يصح وتكون للمعمر بفتح الميم ولورثته من بعده".
هذه العمرى والرقبى وهي صحيحة بهذه الألفاظ وتكون للمعمر ولورثته من بعده وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الحارثى العمرى المشروعة أن يقول هي لك ولعقبك من بعدك لا غير.
ونقل يعقوب وابن هانئ من يعمر الجارية هل يطؤها قال لا أراه.

(7/101)


وحمله القاضي على الورع لأن بعضهم جعلها تمليك المنافع.
قال في القاعدة الخامسة والثلاثين بعد المائة وهو بعيد والصواب تحريمه وحمله على أن الملك بالعمرى قاصر.
فائدة: لو لم يكن له ورثة كان لبيت المال.
قوله: "وإن شرط رجوعها إلى المعمر بكسر الميم عند موته أو قال هي لآخرنا موتا صح الشرط".
هذا إحدى الروايتين اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وعنه لا يصح الشرط وتكون للمعمر بفتح الميم ولورثته من بعده وهو المذهب.
قال المصنف هذا ظاهر المذهب نص عليه في رواية أبي طالب.
قال في الفائق هذا المذهب.
وجزم به في الوجيز والمنور.
وقدمه في المحرر والفروع والرعاية الكبرى.
وأطلقهما في التلخيص والشرح.
قال الحارثي عن الرواية الأولى هو المذهب.
وقال عن الثانية: لا تصح الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله بصحة الشرط.
تنبيه: من لازم صحة الشرط صحة العقد ولا عكس.
والصحيح من المذهب أن العقد في هذه المسألة صحيح.
جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز وغيرهم.
وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
قال في الفائق وغيره هذا المذهب.
وعنه لا يصح العقد أيضا.
قال الحارثي وذكر ابن عقيل وغيره وجها ببطلان العقد لبطلان الشرط كالبيع ولا يصح انتهى.
فائدة: لا يصح إعماره المنفعة ولا إرقابها.
فلو قال سكنى هذه الدار لك عمرك أو غلة هذا البستان أو خدمة هذا العبد لك عمرك

(7/102)


أو منحتكه عمرك أو هو لك عمرك فذلك عارية له الرجوع فيها متى شاء في حياته أو بعد موته.
نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله.
ونقل أبو طالب إذا قال هو وقف على فلان فإذا مات فلولدي أو لفلان فكما لو قال إذا مات فهو لولده أو لمن أوصى له الواقف ليس يملك منه شيئا إنما هو لمن وقفه يضعه حيث شاء مثل السكنى والسكنى متى شاء رجع فيه.
ونقل حنبل في الرقبى والوقف إذا مات فهو لورثته بخلاف السكنى.
ونقل حنبل أيضا العمري والرقبي والوقف معنى واحد إذا لم يكن فيه شرط لم يرجع إلى ورثة المعمر وإن شرط في وقفه أنه له حياته رجع وإن جعله له حياته وبعد موته فهو لورثة الذي أعمره وإلا رجع إلى ورثة الأول.
وتقدم حكم الوقف المؤقت.
قوله: والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم.
هذا المذهب نص عليه في رواية أبي داود وحرب ومحمد ابن الحكم والمروذي والكوسج وإسحاق ابن إبراهيم وأبي طالب وابن القاسم وسندي وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والوجيز والتلخيص والزركشي.
وقدمه في المغنى والشرح والفروع والفائق والرعاية والحارثي وغيرهم.
وعنه المشروع أن يكون الذكر كالأنثى كما في النفقة.
اختاره ابن عقيل في الفنون والحارثي.
وفي الواضح وجه تستحب التسوية بين أب وأم وأخ وأخت.
قال في رواية أبي طالب لا ينبغي أن يفضل أحدا من ولده في طعام ولا غيره كان يقال يعدل بينهم في القبل.
قال في الفروع فدخل فيه نظر وقف.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ولا يجب على المسلم التسوية بين اولاده الذمة.
تنبيهات:
الأول يحتمل قوله: في عطية الأولاد دخول أولاد الأولاد.
يقويه قوله: القسمة بينهم على قدر إرثهم فقد يكون في ولد الولد من يرث.
وهذا المذهب وهو ظاهر كلام الأصحاب وقدمه في الفروع.

(7/103)


ويحتمل أن هذا الحكم مخصوص بأولاده لصلبه وهو وجه.
وذكر الحارثي لا ولد بنيه وبناته.
الثاني: قوة كلام المصنف تعطى أن فعل ذلك على سبيل الاستحباب وهو قول القاضي في شرحه.
وتقدم كلامه في الواضح.
والصحيح من المذهب أنه إذا فعل ذلك يجب عليه ولا يأباه كلام المصنف هنا.
وجزم به في المحرر والتلخيص والنظم والوجيز والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
وقدمه في الفروع والحارثي.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وقال هو المذهب.
الثالث: مفهوم قوله: والمشروع في عطية الأولاد أن الأقارب الوارثين غير الأولاد ليس عليه التسوية بينهم وهو اختيار المصنف والشارح.
قال في الحاوي الصغير وهو أصح.
وهو ظاهر كلامه في الوجيز فإنه قال يجب التعديل في عطية أولاده بقدر إرثهم منه.
قال الحارثي هو المذهب وعليه المتقدمون كالخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى.
قال في الفروع وهو سهو انتهى.
والصحيح أن حكم الأقارب الوراث في العطية كالأولاد نص عليه.
وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر وغيرهم.
وقدمه في الرعايتين والنظم والفائق والفروع وقال اختاره الأكثر.
وأما الزوج والزوجة فلا يدخلان في لفظ الأولاد والأقارب بلا نزاع بين الأصحاب فهم خارجون من هذه الأحكام.
صرح به في الرعاية وغيرها وهو ظاهر كلام الباقين.
الرابع: ظاهر كلام المصنف مشروعية التسوية في الإعطاء سواء كان قليلا أو كثيرا وسواء كانوا كلهم فقراء أو بعضهم.
وأعلم أن الإمام أحمد رحمه الله نص على أنه يعفى عن الشيء التافه.
وقال القاضي أبو يعلى الصغير يعفى عن الشيء اليسير.
وعنه يجب التسوية أيضا فيه إذا تساووا في الفقر أو الغنى.

(7/104)


قوله: فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا.
هذا المذهب مطلقا وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع والرعايتين وغيرهم.
قال الزركشي نص عليه في رواية يوسف ابن موسى وهو ظاهر كلام الأكثرين انتهى.
قال الحارثي وهو ظاهر إيراد الكتاب ونصره.
وتحريم فعل ذلك في الأولاد وغيرهم من الأقارب من المفردات.
وقيل إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة أو زمانه أو عمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم ونحوه أو منع بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص.
واختاره المصنف واقتصر عليه ابن رزين في شرحه إلا أن تكون النسخة مغلوطة.
وقطع به الناظم وقدمه في الفائق وقال هو ظاهر كلامه.
قلت قد روي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على ذلك.
فإنه قال في تخصيص بعضهم بالوقف لا باس إذا كان لحاجة وأكرهه إذا كان على سبيل الإثرة والعطية في معنى الوقف.
قلت وهذا قوي جدا.
قوله: فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر.
هذا المذهب أعني أن التسوية إما بالرجوع وإما بالإعطاء.
قال في الفروع هذا الأشهر نص عليه.
وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم.
ولم يذكر الإمام أحمد رحمه الله في رواية إلا الرجوع فقط وقاله الخرقي وأبو بكر.
قال الحارثي والأظهر أن المنقول عن الإمام أحمد رحمه الله ليس قولين مختلفين إنما هو اختلاف حالين.
تنبيه: ظاهر قوله: أو إعطاء الآخر ولو كان إعطاؤه في مرض الموت وهو صحيح وهو المذهب.
قال الشارح وهو الصحيح وصححه في الفائق.

(7/105)


قال الزركشي أولى القولين الجواز واختاره المصنف وغيره وقدمه في الفروع.
وعنه لا يعطى في مرضه وهو قول قدمه في الرعايتين.
قال الحارثي أشهر الروايتين لا يصح.
نص عليه في رواية المروذي ويوسف ابن موسى والفضل ابن زياد وعبد الكريم ابن الهيثم وإسحاق ابن إبراهيم.
ونقل الميموني وغيره لا ينفذ.
وقال أبو الفرج وغيره يؤمر برده.
فائدتان:
إحداهما: يجوز التخصيص بإذن الباقي ذكره الحارثي واقتصر عليه في الفروع.
الثانية: يجوز للأب تملكه بلا حيلة قدمه الحارثي وتابعه في الفروع ونقل ابن هانئ لا يعجبني أن يأكل منه شيئا.
قوله: فإن مات قبل ذلك ثبت للمعطى.
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم الخلال وصاحبه أبو بكر والخرقي وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه ومن بعدهم قاله الحارثي.
قال ابن منجا هذا المذهب.
قال في الرعايتين لم يرجع الباقون على الأصح.
وجزم به في الوجيز والمنور.
وقدمه في الفروع وشرح ابن رزين والحاوي الصغير والحارثي وغيرهم وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع.
اختاره أبو عبد الله ابن بطة وصاحبه أبو جعفر العكبريان وابن عقيل والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق.
وأطلقهما في المذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والنظم والفائق وغيرهم.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وأما الولد المفضل فينبغي له الرد بعد الموت قولا واحدا.
قال في المغنى والشرح يستحب للمعطى أن يساوي أخاه في عطيته.
وحكى عن الإمام أحمد رحمه الله بطلان العطية.
واختاره الحارثي وذكر أن بعضهم نقله عن الإمام أحمد رحمه الله.
وذكر ابن عقيل في الصحة روايتين.

(7/106)


فوائد:
إحداها: قال في الرعايتين والحاوي الصغير حكم ما إذا ولد له ولد بعد موته حكم موته قبل التعديل المذكور بالإعطاء أو الرجوع.
واختار الحارثي هنا عدم الوجوب.
وقال إن حدث بعد الموت فلا رجوع للحادث على إخوته وقاله الأصحاب أيضا.
وفي المغنى تستحب التسوية بينهم وبينه.
الثانية: محل ما تقدم إذا فعله في غير مرض الموت.
فأما إن فعله في مرض الموت فإنهم يرجعون.
قال في الرعاية فإن فعل ذلك في مرض موته فلهم الرجوع فيه.
الثالثة: لا تجوز الشهادة على التخصيص لا تحملا ولا آداء قاله في الفائق وغيره.
قال الحارثي قاله الأصحاب ونص عليه.
قال في الرعاية إن علم الشهود جوره وكذبه لم يتحملوا الشهادة وإن تحملوها ثم علموا لم يؤدوها في حياته ولا بعد موته ولا إثم عليهم بعدم الأداء وكذا إن جهلوا أن له ولدا آخر ثم علموه قلت بلى إن قلنا قد ثبت الموهوب لمن وهب له وإلا فلا انتهى.
قال الحارثي والعلم بالتفضيل أو التخصيص يمنع تحمل الشهادة وأداءها مطلقا حكاه الأصحاب ونص عليه.
الرابعة: لا يكره للحي قسم ماله بين اولاده على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال نقله الأكثر.
وعنه يكره.
قال في الرعاية الكبرى يكره أن يقسم أحد ماله في حياته بين ورثته إذا أمكن أن يولد له وقطع به وأطلقهما الحارثي.
ونقلى ابن الحكم لا يعجبني.
فلو حدث له ولد سوى بينهم ندبا.
قال في الفروع وقدمه بعضهم.
وقيل وجوبا.
قال الإمام أحمد رحمه الله أعجب إلي أن يسوى بينهم.
واقتصر على كلام الإمام أحمد رحمه الله في المغنى والشرح.

(7/107)


قلت يتعين عليه أن يسوى بينهم.
قوله: وإن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز نص عليه.
ذكر المصنف رحمه الله هنا مسألتين.
إحداهما: إذا سوى بينهم في الوقف جاز على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
جزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والمحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وغيرهم.
وصححه في الخلاصة وغيره.
قال الحارثي المذهب الجواز.
قال القاضي لا بأس به.
ونقل ابن الحكم لا بأس قيل فإن فضل قال لا يعجبني على وجه الأثرة إلا لعيال بقدرهم.
وقياس المذهب لا يجوز.
وهو احتمال في المحرر وغيره.
واختاره أبو الخطاب في الانتصار والمصنف والحارثي.
وقيل إن قلنا أنه ملك من وقف عليه بطل وإلا صح.
فعلى المذهب يستحب التسوية أيضا على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وغيره.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع والتلخيص وقال هذا المذهب.
وقيل المستحب القسمة على حسب الميراث كالعطية.
اختاره المصنف والشارح وقالا ما قاله القاضي لا أصل له وهو ملغى بالميراث والعطية.
المسألة الثانية: إذا وقف ثلثه في مرضه على بعضهم وكذا لو أوصى بوقف ثلثه على بعضهم جاز على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال في الفروع هذه الرواية أشهر.
قال ابن منجا والحارثي في شرحهما هذا المذهب.

(7/108)


قال الزركشي هو أشهر الروايتين وأنصهما.
واختيار القاضي في التعليق وغيره وأكثر الأصحاب انتهى.
وجزم به في المنور وناظم المفردات وهو منها.
وقدمه في الفائق وغيره والرعايتين والحاوي الصغير والمحرر.
قال المصنف هنا وقياس المذهب أنه لا يجوز.
فاختار عدم الجواز.
واختاره أبو حفص العكبري.
قال القاضي فيما وجدته معلقا عنه بقلم الزركشي واختاره ابن عقيل أيضا.
قال في الفروع فعنه كهبة فيصح بالإجازة.
وعنه لا يصح بالإجازة إن قلنا إن الإجازة ابتداء هبة انتهى.
وقال في الرعاية الكبرى إن وقف الثلث في مرضه على وارث أو أوصى أن يوقف عليه صح ولزم نص عليه.
وعنه لا يصح.
وعنه إن أجيز صح وإلا بطل كالزائد على الثلث.
ثم قال قلت إن قلنا هو لله صح وإلا فلا.
وقيل يجوز لدين أو علم أو حاجة انتهى.
فعلى المذهب لو سوى بين ابنه وابنته في دار لا يملك غيرها فردا فثلثها بينهما وقف بالسوية وثلثاها ميراث.
وإن رد ابنه وحده فله ثلثا الثلثين إرثا ولبنته ثلثهما وقفا.
وإن ردت ابنته وحدها فلها ثلث الثلثين إرثا ولابنه نصفهما وقفا وسدسهما إرثا لرد الموقوف عليه ذكره في الرعاية والمحرر والفروع قال في الرعاية وكذا له إن رد هو الوقف إلى قدر الثلث وللبنت ثلثهما وقفا.
وقيل لها ربعهما وقفا ونصف سدسهما إرثا وهو لأبي الخطاب.
قال في المحرر وهو سهو ورده شارحه وهو كما قال.
وقيل نصف الدار وقف عليه وربعها وقف عليها والباقي إرث لهما أثلاثا انتهى.
وعلى الثانية: عملك في الدار كثلثيها على الثالثة:.
فائدة: لو وقف على أجنبي زائدا على الثلث لم يصح وقف الزائد على الصحيح من المذهب.

(7/109)


جزم به المصنف وغيره.
وقدمه في الفروع وقال وأطلق بعضهم وجهين.
قلت قال في الرعايتين والحاوي الصغير وإن وقف ثلثه على أجنبي صح وفيما زاد وجهان.
قوله: ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته إلا الأب.
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وصححه في الرعاية الكبرى.
قال الزركشي هذا المشهور.
وعنه ليس له الرجوع قدمه في الرعايتين.
وعنه له الرجوع إلا ان يتعلق به حق أو رغبة نحو أن يتزوج الولد أو يفلس.
وكذا لو فعل الولد ما يمنع التصرف مؤبدا أو مؤقتا.
وجزم بهذه الرواية في الوجيز.
واختاره الشارح وابن عبدوس في تذكرته وابن عقيل وابن البنا والمصنف.
ذكره الحارثي والشيخ تقي الدين وقال يرجع فيما زاد على قدر الدين أو الرغبة.
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب.
وأطلق الأولى والثالثة: في المغنى والمحرر والشرح والنظم.
وقيل إن وهب ولديه شيئا فاشترى أحدهما: من الآخر نصيبه ففي رجوعه في الكل وجهان.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ليس للأب الكافر أن يرجع في عطيته إذا كان وهبه في حال الكفر وأسلم الولد.
فأما إذا وهبه حال إسلام الولد فقياس المذهب الجواز ولا يقر في يده وفيه نظر انتهى.
وقال أبو حفص العكبري تحصيل المذهب أنه يرجع فيما وهب لابنه ولا يرجع فيما كان على وجه الصدقة واختاره ابن أبي موسى.
وقد صرح القاضي والمصنف وغيرهما بأنه لا فرق بين الصدقة وغيرها وهو ظاهر كلام جماعة انتهى.
تنبيه: قوله: أو يفلس.
وكذا قال أبو الخطاب وغيره.
قال الحارثي والصواب أنه مانع من غير خلاف كما في الرهن ونحوه.

(7/110)


وبه صرح في المغنى وصاحب المحرر وغيرهما انتهى.
وعن الإمام أحمد رحمه الله في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك رده إليها رضيت أو كرهت لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه أو إضراره بها بأن يتزوج عليها.
نص عليه في رواية عبد الله.
وجزم به في المنور ومنتخب الادمى.
قال في الرعاية الصغرى وترجع المرأة فيما وهبت لزوجها بمسألته على الأصح واختاره ابن عبدوس في تذكرته.
وجزم به في القواعد الفقهية في القاعدة الخمسين بعد المائة.
فالمصنف قدم هنا عدم رجوعها إذا سألها وهو ظاهر كلام الخرقي وكثير من الأصحاب.
جزم به في الكافي والجامع الصغير وابن أبي موسى وأبو الخطاب.
واختاره الحارثي وهو اختيار أبي بكر وغيره.
وقدمه في الحاوي الصغير والنظم وفصول ابن عقيل.
قلت الصواب عدم الرجوع إن لم يحصل فيه ضرر من طلاق وغيره وإلا فلها الرجوع.
وأطلقهما في المغنى والمحرر والرعاية الكبرى والفروع.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنها لا ترجع إذا وهبته من غير سؤال منه وهو صحيح.
وهو المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره.
واختاره أبو بكر وغيره.
وقدمه في الفروع وغيره.
وقاله القاضي في كتاب الوجهين وصاحب التلخيص وغيرهما.
وقيل لها الرجوع وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وأطلقهما في المغنى والشرح والرعاية الكبرى.
وقيل إن وهبته لدفع ضرر فلم يندفع أو عوض أو شرط فلم يحصل رجعت وإلا فلا.
فوائد:
إحداها: ذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره أنه لو قال لها أنت طالق إن لم تبرئيني فأبرأته صح.
وهل ترجع فيه ثلاث روايات.
ثالثها: ترجع إن طلقها وإلا فلا انتهى.

(7/111)


قلت هذه المسألة داخلة في الأحكام المتقدمه ولكن هنا آكد في الرجوع.
الثانية: يحصل رجوع الأب بقوله: علم الولد أو لم يعلم على الصحيح من المذهب.
ونقل أبو طالب رحمه الله لا يجوز عتقها حتى يرجع فيها أو يردها إليه فإذا قبضها أعتقها حينئذ.
قال في الفروع فظاهره اعتبار قبضه وأنه يكفي.
وقال جماعة من الأصحاب في قبضه مع قرينه وجهان.
الثالثة: لو أسقط الأب حقه من الرجوع ففي سقوطه احتمالان في الانتصار قاله في الفروع.
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع أظهرهما لا يسقط لثبوته له بالشرع كإسقاط الولي حقه من ولاية النكاح.
وقد يترجح سقوطه لأن الحق فيه مجرد حقه بخلاف ولاية النكاح فإنه حق عليه لله تعالى وللمرأة فلهذا يأثم بعضله وهذا أوجه انتهى.
ويأتي نظير ذلك في الحضانة.
الرابعة: تصرف الأب ليس برجوع على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه اكثر الأصحاب.
وخرج أبو حفص البرمكي في كتاب حكم الوالدين في مال ولدهما رواية أخرى أن العتق من الاب صحيح ويكون رجوعا.
قال في التلخيص والفروع وغيرهما لا يكون وطؤه رجوعا.
وهل يكون بيعه وعتقه ونحوها رجوعا على وجهين.
وعليهما لا ينفذ لأنه لم يلاق الملك.
ويتخرج وجه بنفوذه لاقتران الملك قاله في القاعدة الخامسة والخمسين.
قال في المغنى الأخذ المجرد إن قصد به رجوعا فرجوع وإلا فلا مع عدم القرينة ويدين في قصده وإن اقترن به ما يدل على الرجوع فوجهان أظهرهما أنه رجوع اختاره ابن عقيل وغيره قاله الحارثي.
الخامسة: حكم الصدقة حكم الهبة فيما تقدم على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وغيره.
وقدمه في المغنى والشرح ونصراه.
قال في الفروع هذا أصح الوجهين.

(7/112)


وقال في الإرشاد لا يجوز الرجوع في الصدقة بحال.
وقدمه الحارثي وقال هذا المذهب ونص عليه في رواية حنبل.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف بل هو كالصريح أن الأم ليس لها الرجوع إذا وهبت ولدها وهو الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل هي كالأب في ذلك.
وجزم به في المبهج والإيضاح.
واختاره المصنف والشارح والقاضي يعقوب والحارثي وصاحب الفائق وقاله في الإفصاح والواضح وغيرهما.
وهو ظاهر كلام الخرقي.
وأطلقهما في الرعايتين والحاوي الصغير.
السادسة: لو ادعى اثنان مولودا فوهباه أو أحدهما: فلا رجوع لانتفاء ثبوت الدعوى وإن ثبت اللحاق بأحدهما: ثبت الرجوع.
وظاهر كلام المصنف أيضا أن الجد ليس له الرجوع فيما وهبه لولد ولده وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل هو كالأب وأطلقهما في الفائق.
قوله: وإن نقصت العين أو زادت زيادة منفصلة لم يمنع الرجوع.
إذا نقصت العين لم يمنع من الرجوع بلا نزاع.
وكذا إذا زادت زيادة منفصلة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب قال المصنف والشارح لا نعلم فيه خلافا.
وفي الموجز رواية أنها تمنع.
تنبيه: يستثنى من كلام المصنف لو كانت الزيادة المنفصلة ولد أمة لا يجوز التفريق بينه وبين أمه منع الرجوع إلا أن نقول الزيادة المنفصلة للأب قاله المصنف والشارح والناظم وغيرهم.

(7/113)


قلت فيعايي بها.
وتقدم في آخر الجهاد شيء من ذلك.
قوله: والزيادة للابن.
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
ويحتمل أنها للأب وهو رواية في الفائق وغيره.
وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
واستثنوا ولد الأمة فإنها للولد عندهم بلا نزاع.
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم وتقدم نظيرها في الحجر واللقطة.
قوله: وهل تمنع الزيادة المتصلة الرجوع على روايتين.
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والكافي والمحرر والشرح والفروع وتجريد العناية والحاوي الصغير والنظم والقواعد.
قال في الرعايتين والفائق وفي منع المتصلة صورة ومعنى روايتان.
زاد في الكبرى كسمن وكبر وحبل وتعلم صنعة.
إحداهما: تمنع صححه في التصحيح ونصره المصنف والشارح.
قال في القاعدة الحادية والثمانين بعد إطلاق الروايتين والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابن منصور امتناع الرجوع.
وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة.
والرواية الثانية: لا تمنع نص عليه في رواية حنبل.
وهو اختيار القاضي وأصحابه.
قاله الحارثي واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقال ويشارك بالمتصلة.
قال في القواعد وعلى القول بجواز الرجوع لا شيء على الأب للزيادة.
فائدة: لو اختلف الأب وولده في حدوث زيادة في الموهوب فالقول قول الأب على الصحيح من المذهب.
وقيل قول الولد وأطلقهما في الفروع.

(7/114)


قوله: وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع على وجهين.
وكذا لو رجع إليه بفلس المشتري.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والنظم والمصنف والفروع والفائق والقواعد الفقهية والحارثي وتجريد العناية والرعايتين والحاوي الصغير.
أحدهما: يرجع وهو المذهب.
جزم به في الكافي والوجيز والمنور.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته.
والوجه الثاني: يرجع صححه في التصحيح.
وقطع به القاضي وابن عقيل قاله الحارثي.
وهذا في الإقالة إذا قلنا هي فسخ.
أما إذا قلنا هي بيع فقال في فوائد: القواعد يمتنع رجوع الأب.
وتقدم ذلك في فوائد: الإقالة وهل هي فسخ أو بيع.
وقيل إن رجع بخيار رجع وإلا فلا وأطلقهن الزركشي.
قوله: وإن رجع إليه ببيع أو هبة لم يملك الرجوع بلا نزاع.
وكذا لو رجع إليه بإرث أو وصية.
قوله: وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن يرجع هو.
إذا وهبه المتهب لابنه ولم يرجع هو لم يملك الجد الرجوع على الصحيح من المذهب جزم به ابن منجا في شرحه والشارح والمحرر والوجيز وغيرهم.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
وفيه احتمال له الرجوع ذكره أبو الخطاب.
قال في التلخيص وهو بعيد.
قال الحارثي وهو كما قال وأبو الخطاب وهم انتهى.
وأطلقهما في الفروع.

(7/115)


وإن رجع ملك الواهب الأول الرجوع على الصحيح من المذهب وجزم به المصنف هنا.
وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والحارثي والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
ويحتمل أن لا يملك الرجوع.
وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
قوله: وإن كاتبه لم يملك الرجوع إلا أن يفسخ الكتابة.
هذا مبني على القول بعدم جواز بيع المكاتب.
أما على القول بجواز بيعه وهو المذهب فحكمه حكم العين المستأجرة قاله الشارح.
وقد صرح قبل ذلك بجواز الرجوع في العين المستأجرة فكذا هنا لكن المستأجر مستحق للمنافع مدة الإجارة والكتابة باقية على حكمها إذا رجع أيضا.
وقال في الرعايتين والحاوي الصغير وإن كاتبه ومنع بيع المكاتب وزالت بفسخ أو عجز رجع وإلا فلا كما لو باعه.
وما أخذه الابن من دين الكتابة لم يأخذه منه أبوه بل يأخذ ما يؤديه وقت رجوعه وبعده فإن عجز عاد إليه.
قال الزركشي وشرط الرجوع أن لا يتعلق بالعين حق يمنع تصرف الابن كالرهن وحجر الفلس والكتابة وإن لم يجز بيع المكاتب.
فائدة: لا يمنع التدبير الرجوع على الصحيح من المذهب.
وقيل يمنع.
وهذا الحكم مفرع على القول بجواز بيعه.
فأما على القول بمنع البيع فإن الرجوع يمتنع كالاستيلاء قاله الشارح وغيره.
فائدة: إجارة الولد له وتزويجه والوصية به والهبة قبل القبض والمزارعة والمضاربة والشركة وتعليق عتقه بصفة لا يمنع الرجوع.
وكذا وطء الولد لا يمنع الرجوع.
وكذا إباق العبد ورده الولد لا يمنع إن قيل ببقاء الملك.
وإن قيل مراعى فكذلك الرجوع.
وإن قيل بجوازه منعت.

(7/116)


قوله: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء.
هذا المذهب بشرطه وعليه جماهير الأصحاب.
وقطع به كثير منهم.
ومنع من ذلك ابن عقيل ذكره في مسألة الإعفاف.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله ليس للأب الكافر أن يتملك من مال ولده المسلم لا سيما إذا كان الولد كافرا ثم أسلم.
قلت وهذا عين الصواب.
وقال أيضا والاشبه ان الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا.
فعلى المذهب قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يستثنى مما للأب أن يأخذه من مال ولده سرية للابن وإن لم تكن أم ولد فإنها ملحقة بالزوجة ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله في أكثر الروايات.
ويأتي كلامه أيضا قريبا إذا تملك في مرض موته أو مرض موت الابن
قوله: مع الحاجة وعدمها.
يعني مع حاجة الأب وعدمها وهذا المذهب.
جزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الفروع وغيره.
وهو من مفردات المذهب.
وقيل لا يتملك من مال ولده إلا ما احتاج إليه.
وسأله ابن منصور وغيره عن الأب يأكل من مال ابنه قال نعم إلا أن يفسده فله القوت فقط.
تنبيه: مفهوم كلام المصنف أن الأم ليس لها أن تأخذ من مال ولدها كالأب وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل لها ذلك كالأب.
قوله: إذا لم تتعلق حاجة الابن به.
يشترط في جواز أخذ الأب من مال ولده أن لا يضر الأخذ به كما إذا تعلقت حاجتة به نص عليه.
وقدمه في الرعاية والفروع.
وعنه له الأخذ ما لم يجحف به.

(7/117)


وجزم به الكافي والمغنى والشرح وتذكرة ابن عبدوس وناظم المفردات قال في المغنى والشرح وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء مع غناه وحاجته بشرطين.
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يأخذ ما تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من أحد ولديه ويعطيه الآخر نص عليه في رواية إسماعيل ابن سعيد انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله قياس المذهب أنه ليس للأب أن يتملك من مال ابنه في مرض موت الأب ما يخلف تركة لأنه بمرضه قد انعقد السبب القاطع لتملكه فهو كما لو تملك في مرض موت الابن انتهى.
وقال أيضا لو أخذ من مال ولده شيئا ثم انفسخ سبب استحقاقه بحيث وجب رده إلى الذي كان مالكه مثل أن يأخذ الأب صداق ابنته ثم يطلق الزوج أو يأخذ الزوج ثمن السلعة التي باعها الولد ثم يرد السلعة بعيب أو يأخذ المبيع الذي اشتراه الولد ثم يفلس بالثمن ونحو ذلك فالأقوى في جميع الصور أن للمالك الأول الرجوع على الأب انتهى.
وعنه للأب تملكه كله بظاهر قوله: عليه أفضل الصلاة والسلام أنت ومالك لأبيك.
قوله: وإن تصرف قبل تملكه ببيع أو عتق أو إبراء من دين لم يصح تصرفه.
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره.
قال في الفروع ولا يصح تصرفه فيه قبل تملكه على الأصح.
قال في القواعد الفقهية هذا المعروف من المذهب.
وعنه يصح وخرج أبو حفص البرمكي رواية بصحة تصرفه بالعتق قبل القبض.
وقال أبو بكر في التنبيه: بيع الأب على ابنه وعتقه وصدقته ووطء إمائه ما لم يكن الابن قد وطئ جائز ويجوز له بيع عبيده وإمائه وعتقهم.
فعلى المذهب قال الشيخ تقي الدين يقدح في أهليته لأجل الأذى لا سيما بالحبس انتهى.
وقال في الموجز لا يملك إحضاره في مجلس الحكم فإن أحضره فادعى فأقر أو قامت بينه لم يحبس.

(7/118)


فائدة: يحصل تملكه بالقبض نص عليه مع القول أو النية.
قال في الفروع ويتوجه أو قرينه.
وقال في المبهج في تصرفه في غير مكيل أو موزون روايتان بناء على حصول ملكه قبل قبضه.
قوله: وإن وطىء جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له.
إن كان الابن لم يكن وطئها صارت أم ولد لأبيه إذا أحبلها بلا نزاع وإن كان الابن يطؤها فظاهر كلام المصنف هنا أنها تصير أم ولد له أيضا إذا أحبلها وهو أحد الوجهين.
ورجحه المصنف في المغنى.
وهو كالصريح فيما قطع به صاحب المحرر والشارح وابن منجا في شرحه وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم.
وقطع به في الرعاية الكبرى.
والصحيح من المذهب أنها لا تصير أم ولد للأب إذا كان الابن يطؤها نص عليه.
قال في الفروع وإن كان ابنه يطؤها لم تصر أم ولد في المنصوص.
تنبيه: هذا إذا لم يكن الابن قد استولدها.
فإن كان الابن قد استولدها لم ينتقل الملك فيها باستيلاده كما لا ينتقل بالعقود.
وذكر ابن عقيل في فنونه أنها تصير مستولدة لهما جميعا كما لو وطىء الشريكان أمتهما في طهر واحد وأتت بولد وألحقته القافة بهما قاله في القاعدة الخامسة والخمسين.
قوله: وولده حر لا تلزمه قيمته.
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه تلزمه قيمته.
قوله: ولا مهر.
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يلزمه المهر.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الأب لا يلزمه قيمة جارية ابنه إذا أحبلها.
قال في الفروع وقد ذكر جماعة هنا لا يثبت للولد في ذمة أبيه شيء.
قال في المحرر وغيره وهو ظاهر كلامه وهذا منه.
والصحيح من المذهب أنه تلزمه قيمتها قدمه في المحرر والفروع.

(7/119)


قوله: ولا حد.
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه يحد.
قال جماعة ما لم ينو تملكها منهم ابن حمدان في باب حد الزنى.
تنبيه: محل هذا إذا كان الابن لم يطأها.
فأما إن كان الابن يطؤها ففي وجوب الحد عليه روايتان منصوصتان وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفروع.
قلت ظاهر ما قطع به المصنف هنا وفي باب حد الزنى وفي الكافي والمغنى وغيره أنه لا حد عليه سواء كان الولد يطؤها أو لا.
وقطع بالإطلاق هناك الجمهور.
قال الحارثي هنا ولا فرق في انتفاء الحد بين كون الابن وطئها أو لا ذكره أبو بكر والسامري وصاحب التلخيص انتهى.
قلت الأولى وجوب الحد.
قوله: وفي التعزير وجهان.
وأطلقهما في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة.
أحدهما: يعزر وهو الصحيح من المذهب.
قال الشارح هذا أولى.
قال في الفروع ويعزر في الأصح.
وصححه في التصحيح وشرح الحارثي والنظم.
وقدمه في الرعاية في باب حد الزنى.
والوجه الثاني: لا يعزر.
وقيل يعزر وإن لم تحبل.
قوله: وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا غير ذلك.
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وهو من مفردات المذهب.

(7/120)


وقال في الرعاية قلت ويحتمل أن يطالبه بما له في ذمته مع حاجته إليه وغنى والده عنه.
قال في الرعاية الصغرى ولا يطالب أباه بما ثبت له في ذمته في الأصح بقرض وإرث وبيع وجناية وإتلاف.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن ذلك يثبت في ذمته ولكن يمنع من المطالبة به وهو أحد الوجهين والمذهب منهما قدمه في المغني وهو ظاهر كلامه في المحرر والرعاية والحاوي.
قال الحارثي وهو الأصح.
وبه جزم أبو بكر وابن البنا وهو من المفردات.
قال الحارثي ومن الأصحاب من يقول بثبوت الدين وانتفاء المطالبة منهم القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والمصنف انتهى.
واختاره المجد في شرحه.
وقدم في الفروع إذا أولد أمة ابنه أنه تثبت قيمتها في ذمته ذكره في باب أمهات الأولاد.
والوجه الثاني: لا يثبت في ذمة الأب شيء لولده.
وهو المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله.
وتأول بعض الأصحاب النص.
قال المصنف ويحتمل أن يحمل المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله وهو قوله: إذا مات الأب بطل دين الابن وقوله: فيمن أخذ من مهر ابنته شيئا فأنفقه ليس عليه شيء ولا يؤخذ من بعده على أن أخذه له وإنفاقه إياه دليل على قصد التملك.
قال الحارثي محل هذا في غير المتلف.
أما المتلف فإنه لا يثبت في ذمته وهو المذهب بلا إشكال.
ولم يحك القاضي في رؤوس مسائله فيه خلافا انتهى.
وأطلقهما في الشرح والرعاية الكبرى والفائق والفروع.
فعلى الوجه الأول هل يملك الأب إبراء نفسه من الدين.
قال القاضي فيه نظر.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يملك الأب إسقاط دين الابن عن نفسه.
قال في الفروع وذكر غير القاضي أنه لا يملكه كإبرائه غريم الابن وقبضه منه انتهى.
ويأتي قريبا في القاعدة الثالثة: هل يسقط الدين بموت الأب.

(7/121)


وظاهر كلام المصنف أيضا أنه لو وجد عين ماله الذي باعه أو أقرضه بعد موت أبيه أن له أخذه إن لم يكن انتقد ثمنه وهو إحدى الروايتين.
وقدم في المغنى كما تقدم أن الأب إذا مات يرجع الابن في تركته بدينه لأنه لم يسقط عن الأب وإنما تأخرت المطالبة به انتهى.
قلت هذا في الدين ففي العين بطريق أولى.
والرواية الثانية: ليس له أخذه.
وأطلقهما في المبهج والرعاية الكبرى والفروع والفائق وشرح الحارثي.
قال في المبهج والحارثي وكذا لو وجد بعضه.
فوائد:
الأولى ليس لورثة الابن مطالبة أبيه بما للابن عليه من الدين وغيره كالابن نفسه على الصحيح من المذهب.
جزم به في المغنى والشرح والحارثي.
وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لهم المطالبة وإن منعنا الابن منها وأطلقهما في الفائق.
وقال في الانتصار فيمن قتل ابنه إن قلنا الدية للوارث طالبه وإلا فلا.
الثانية: لو أقر الأب بقبض دين ابنه فأنكر الابن رجع على الغريم ويرجع الغريم على الأب نقله مهنا.
قال في الفروع وظاهره لا يرجع مع إقراره.
الثالثة: لو قضى الأب الدين الذي عليه لابنه في مرضه أو أوصى له بقضائه كان من رأس المال قاله الأصحاب.
وإن لم يقضه ولم يوص به لم يسقط بموته على أحد الوجهين اختاره بعضهم.
وقدمه في الفروع والمغنى.
والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يسقط كحبسه به في الأجرة فلا يثبت كجناية.
قدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
وجزم به ابن عبدوس في تذكرته وأطلقهما في الشرح.
وقيل ما أخذه ليملكه يسقط بموته ومالا فلا.
وتقدم إذا وجد عين ماله الذي باعه بعد موت الأب.

(7/122)


وتقدم هل يثبت له في ذمة أبيه دين أم لا.
الرابعة: للابن مطالبة أبيه بنفقته الواجبة عليه قاله الأصحاب.
قال في الوجيز له مطالبة بها وحبسه عليها.
وهو مستثنى من عموم كلام من أطلق ويعايي بها.
قال في الرعايتين والحاوي الصغير وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم للابن مطالبة أبيه بعين له في يده.
قلت وهو ظاهر كلام المصنف.
الخامسة: هل لولد ولده مطالبته بماله في ذمته.
قال في الرعاية قلت يحتمل وجهين.
وإن قلنا لا يثبت في ذمته شيء فهدر انتهى.
قلت ظاهر كلام أكثر الأصحاب أن له مطالبته.
قوله: والهدية والصدقة نوعان من الهبة.
يعنى في الأحكام وهذا المذهب.
جزم به في المغنى والشرح وشرح ابن منجا والهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الفروع.
قال في الفائق والهدية والصدقة نوعان من الهبة يكفي الفعل فيهما إيجابا وقبولا على أصح الوجهين.
وقال في الرعاية الصغرى هما نوعا هبة.
وقيل يكفي الفعل قبولا.
وقيل وإيجابا.
وقال في الكبرى ويكفي الفعل فيهما قبولا في الأصح كالقبض وقيل وإيجابا كالدفع.
وقالا ويصح قبضهما بلا إذن ولا مضى مدة إمكانه ولا يرجع فيهما أحد.
وقيل إلا الأب.
وقيل بل يرجع في الصدقة فقط على ولده الرشيد إن كان قبضها وعلى الصغير فيما له بيده منها انتهى.
ونقل حنبل والمروذي لا رجوع في الصدقة.

(7/123)


وقال في المستوعب وعيون المسائل وغيرهما لا يعتبر في الهدية قبول للعرف بخلاف الهبة.
وقال ابن عبدوس في تذكرته ولا رجوع فيهما لأحد سوى أب.
فوائد:
إحداها: وعاء الهدية كالهدية مع العرف.
فإن لم يكن عرف رده قاله في الفروع.
قال الحارثي لا يدخل الوعاء إلا ما جرت العادة به كقوصرة التمر ونحوها.
الثانية: قال في الرعاية الكبرى إن قصد بفعله ثواب الآخرة فقط فهو صدقة.
وقيل مع حاجة المتهب.
وإن قصد بفعله إكراما وتوددا وتحببا ومكافأة فهو هدية.
قال الحارثي ومن هنا اختصت بالمنقولات لأنها تحمل إليه فلا يقال أهدى أرضا ولا دارا انتهى وغيرهما هبة وعطية ونحلة.
وقيل الكل عطية والكل مندوب انتهى.
وقال في الحاوي الصغير الهبة والصدقة والنحلة والهدية والعطية معانيها متقاربة واسم العطية شامل لجميعها وكذلك الهبة.
والصدقة والهدية متغايران فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من الهدية دون الصدقة.
فالظاهر أن من أعطى شيئا يتقرب به إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة ومن دفع إلى إنسان شيئا للتقرب إليه والمحبة له فهو هدية.
وجميع ذلك مندوب إليه محثوث عليه انتهى.
الثالثة: لو أعطى شيئا من غير سؤال ولا استشراف وكان ممن يجوز له أخذه وجب عليه الأخذ في إحدى الروايتين.
اختاره أبو بكر في التنبيه: والمستوعب للحديث في ذلك.
والرواية الثانية: لا يجب.
قال الحارثي وهو مقتضى كلام المصنف وغيره من الأصحاب.

(7/124)


قالوا في الحج لا يكون مستطيعا ببذل غيره له وفي الصلاة لا يلزمه قبول السترة.
قلت وهو الصواب.
وذكر الروايتين الخلال في جامعه والمجد في شرحه وأطلقهما الحارثي.
قوله: أما المريض غير مرض الموت أو مرضا غير مخوف فعطاياه كعطايا الصحيح سواء تصح في جميع ماله.
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولو مات به.
وقال أبو الخطاب في الانتصار في التيمم حكمه حكم مرض الموت المخوف.
فائدة: لو لم يكن مرضه مخوفا حال التبرع ثم صار مخوفا فمن رأس المال حكاه السامري واقتصر عليه الحارثي اعتبارا بحال العطية.
تنبيه: مفهوم قوله: وما قال عدلان من اهل الطب إنه مخوف فعطاياه كالوصية.
أنه لا يقبل في ذلك عدل واحد مطلقا وهو صحيح وهو المذهب.
وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز والفائق والرعاية والحاوي الصغير وغيرهم.
وقدمه في الشرح والفروع.
وقيل يقبل واحد عند العدم وهو قياس قول الخرقي.
وذكر ابن رزين المخوف عرفا أو بقول عدلين.
قوله: فعطاياه كالوصية في أنها لا تجوز لوارث ولا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة مثل الهبة والعتق والكتابة والمحاباة.
يعنى إذا مات من ذلك.
أما إذا عوفى فهذه العطايا كعطايا الصحيح.
تنبيه: تمثيله بالعتق مع غيره يدل على أنه كغيره في أنه يعتبر من الثلث وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وخرج ابن عقيل والحلواني من مفلس رواية هنا بنفاذ عتقه من كل المال.
فائدتان:
إحداهما: لو علق صحيح عتق عبده على شرط فوجد الشرط في مرضه فالصحيح من المذهب أن يكون من الثلث.

(7/125)


قدمه في الفروع وغيره.
واختاره أبو بكر وابن أبي موسى وغيرهما.
وقيل يكون من كل المال.
وحكاهما القاضي في خلافه روايتين.
ذكره في القاعدة السابعة عشر بعد المائة.
ومحل الخلاف إذا لم تكن الصفة واقعة باختيار المعلق فإن كانت من فعله فهو من الثلث بغير خلاف.
الثانية: المحاباة لغير وارث من الثلث كما قال المصنف.
لكن لو حاباه في الكتابة جاز وكان من رأس المال على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وذكره القاضي في موضع من كلامه وأبو الخطاب في رؤوس المسائل قال الحارثي هذا المذهب عند جماعة منهم القاضي أبو الحسين وأبو يعلى الصغير والمجد وهو اصح انتهى.
وقيل من الثلث.
اختاره المصنف هنا والقاضي في المجرد وأبو الخطاب في الهداية والسامري في المستوعب.
قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
واختلف فيها كلام أبي الخطاب.
وكذا حكم وصيته بكتابته وإطلاقها يقتضي أن تكون بقيمته.
قوله: فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه فإن صار صاحبه صاحب فراش فهي مخوفة بلا نزاع.
وإلا فلا.
يعنى وإن لم يصر صاحبها صاحب فراش فعطاياه كعطايا الصحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في المغنى والشرح والفروع والفائق وغيرهم.
وصححه الزركشي وغيره.
وقال أبو بكر في الشافي فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

(7/126)


قوله: ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب وفي لجة البحر عند هيجانه أو وقع الطاعون في بلده أو قدم ليقتص منه والحامل عند المخاض فهو كالمريض.
يعنى المريض المرض المخوف وهذا المذهب وعليه الأصحاب في الجملة.
وجزم به في الوجيز وغيره من الأصحاب.
وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله وذكر كثير من الأصحاب هذه الرواية من غير صيغة تمريض.
وقال الشارح وغيره ويحتمل أن الطاعون إذا وقع ببلده أنه ليس بمخوف فإنه ليس بمريض وإنما يخاف المرض وما هو ببعيد.
وقال القاضي في المجرد إن كان الغالب من الولي الاقتصاص فمخوف وإن كان الغالب منه العفو فغير مخوف.
تنبيه: قوله: ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب.
قال المصنف والشارح وصاحب الفائق وغيرهم إذا التحم الحرب واختلطت الطائفتان للقتال وكانت كل واحدة منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة فأما القاهرة منهما بعد ظهورها فليست خائفة.
قوله: قال الخرقي وكذلك الحامل إذا صار لها ستة أشهر.
وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقدمه الحارثي وقال هذا المذهب انتهى.
والمذهب الأول عند الأصحاب ونص عليه.
ولو قال المصنف وقال الخرقى بالواو لكان أولى.
وعنه إذا أثقلت الحامل كان مخوفا وإلا فلا.
قال في الرعاية وعند ثقل الحمل وعند الطلق.
قوله: والحامل عند المخاض.
يعنى حتى تنجو من نفاسها بلا نزاع.
قيل سواء كان بها ألم في هذه المدة أو لا.
قدمه في الفروع والفائق والرعاية الكبرى.

(7/127)


وهو ظاهر كلامه في الصغرى والحاوي الصغير.
قال الحارثي وهو المنصوص.
وقيل إنما يكون مخوفا في هذه المدة إذا كان بها ألم.
قال في الفروع هذا أشهر.
قال في الكافي ولو وضعت وبقيت معها المشيمة أو حصل مرض أو ضربان فمخوف وإلا فلا.
قال الحارثي الأقوى أنه إن لم يكن وجع فغير مخوف واختاره المصنف.
فوائد:
منها حكم السقط حكم الولد التام قاله المصنف في المغنى وغيره.
قال في الرعاية الكبرى وإن ولدت صغيرا أو بقى مرض أو وجع وضربان شديد أو رأت دما كثيرا أو مات الولد معها أو قتل وقيل أو أسقطت ولدا تاما فهو مخوف انتهى.
وأن وضعت مضغة فعطاياها كعطايا الصحيح على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
قال في المغنى والشرح فعطاياها كعطايا الصحيح إلا مع ألم.
قال في الرعاية الكبرى بعد أن قدم عطاياها كعطايا الصحيح وقيل أو وضعت مضغة أو علقة مع ألم أو مرض.
وقيل لا حكم لهما بلا ألم ولا مرض.
ومنها حكم من حبس للقتل حكم من قدم ليقتص منه.
ومنها الأسير فإن كان عادتهم القتل فحكمه حكم من قدم ليقتص منه على الصحيح من المذهب.
وعنه عطاياه من كل المال.
وإن لم تكن عادتهم القتل فعطاياه من كل المال على الصحيح من المذهب.
وعنه من الثلث نص عليه.
واختاره أبو بكر وتأولها القاضي على من عادتهم القتل.
ومنها لو جرح جرحا موحيا فهو كالمريض مع ثبات عقله وفهمه على الصحيح من المذهب.
جزم به في الفائق وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال في الرعاية إن فسد عقله وقيل أو لا لم تصح وصيته.

(7/128)


ومنها حكم من ذبح أو أبينت حشوته وهي أمعاؤه لا خرقها وقطعها فقط ذكره المصنف وغيره حكم الميت.
ذكره المصنف وغيره في الحركة في الطفل وفي الجناية.
قال الحارثي ذكره الأصحاب.
وقال المصنف هنا لا حكم لعطيته ولا لكلامه.
قال في الفروع ومراده أنه كميت.
وذكر المصنف أيضا في فتاويه إن خرجت حشوته ولم تبن ثم مات ولده ورثه.
وإن أبينت فالظاهر أنه يرثه لأن الموت زهوق النفس وخروج الروح ولم يوجد ولأن الطفل يرث ويورث بمجرد استهلاله وإن كان لا يدل على حياة أثبت من حياة هذا انتهى.
قال في الفروع وظاهر هذا من الشيخ أن من ذبح ليس كميت مع بقاء روحه انتهى.
قال في الرعاية ومن ذبح أو أبينت حشوته فقوله: لغو.
وإن خرجت حشوته أو اشتد مرضه وعقله ثابت كعمر وعلي رضي الله عنهما صح تصرفه وتبرعه ووصيته.
قوله: وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول.
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يقدم العتق.
وعنه يقسم بين الكل بالحصص كالوصايا وهو وجه في المحرر.
قال الحارثي وليس بشيء.
قوله: فإن تساوت قسم بين الجميع بالحصص.
إن لم يكن فيها عتق ووقعت دفعة واحدة قسم الثلث بينهم بالحصص بلا نزاع.
وإن كان فيها عتق فكذلك على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقال الحارثي في العتق يقرع بينهم فيكمل العتق في بعضهم كما في حال الوصية.
وعنه يقدم العتق قدمه في الهداية والمستوعب وأطلقهما في المذهب والشرح.
قوله: وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وإن كانت مع وارث.
إن كانت المعاوضة في المرض مع غير الوارث بثمن المثل صحت من رأس المال بلا نزاع.

(7/129)


وإن كانت مع وارث والحالة هذه فكذلك على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير والحارثي وغيرهم.
ويحتمل أن لا يصح لوارث لأنه خصه بعين المال وهو لأبي الخطاب في الهداية في الوصية.
قال في الفروع وعنه تصح مع وارث بإجازة.
واختاره في الانتصار في مسألة إقرار المريض لوارث بمال.
فائدة: لو قضى بعض الغرماء دينه وتركته تفي ببقية دينه صح على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاوي الصغير والهداية والمذهب والخلاصة.
قال في الفروع ونصه يصح مطلقا وصححه في النظم.
وقال أبو الخطاب وابن البنا لا يصح إلا قضاؤهم بالسوية إذا ضاق ماله ذكره في المستوعب.
قوله: وإن حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه ويصح فيما عداه.
وهو الصحيح من المذهب.
جزم به في المغنى والشرح وشرح ابن منجا والوجيز وغيرهم.
وقدمه في المحرر والفروع والحارثي وقال وهذا المذهب.
وصححه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وعنه لا يصح البيع مطلقا اختاره في المحرر.
وعنه يدفع قيمة باقية أو يفسخ البيع.
قال الحارثي ويأتي في باب الوصايا أن الأشهر للأصحاب انتفاء النفوذ عند عدم الإجازة فيفيد ما قال هنا من البطلان بعدم الإجازة انتهى.
ويأتي في أواخر فصل وتفارق العطية الوصية حكم ما إذا حابى أجنبيا.

(7/130)


قوله: وإن باع المريض أجنبيا وحاباه وكان شفيعه وارثا فله الأخذ بالشفعة لأن المحاباة لغيره.
وهذا المذهب جزم به في المحرر والوجيز وشرح ابن منجا.
قال في الفروع أخذ شفيعه الوارث بالشفعة في الأصح وقدمه في الشرح والمغني والحارثي وقال هذا الأشهر.
وقيل لا يملك الوارث الشفعة هنا.
وهو احتمال في المغنى والشرح.
قال الحارثي والمغنى في الشفعة وجه لا شفعة له.
قوله: ويعتبر الثلث عند الموت فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا يخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله وإن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء.
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال الحارثي في اعتبار الثلث في الوصية بحال الوصية خلاف فيجري مثله في العطية على القول به وأولى.
قال وهذا الوجه أظهر.
قال ومن الأصحاب من أورد رواية أو وجها يعتق ثلث العبد فيما إذا كان عليه دين يستغرق العبد.
فائدة:
قوله: وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء أحدها: أنه يبدأ بالأول فالأول منها والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها.
هذا صحيح لكن لو اجتمعت العطية والوصية وضاق الثلث عنهما فالصحيح من المذهب أن العطية تقدم وعليه الأصحاب.
وجزم به في المغنى والشرح والنظم وغيرهم.
وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم.
وصححه في المحرر وغيره.
وعنه التساوي قدمه في المحرر لكن صحح الأول كما تقدم.

(7/131)


وعنه يقدم العتق.
قال في الرعاية الكبرى قلت إن كانت الوصية فقط مما يخرج من أصل المال قدمت وأخرجت العطية من ثلث الباقي.
فإن أعتق عبده ولم يخرج من الثلث فقال الورثة أعتقه في مرضه وقال العبد بل في صحته صدق الورثة انتهى.
فائدة: قوله: وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوى عشرة فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم أنسب الثلث إلى الباقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء ويبطل فيما بقى وهذا بلا نزاع.
وإن شئت في عملها أيضا فأنسب ثلث الأكثر من المحاباة فيصح البيع فيهما بالنسبة وهو هنا نصف الجيد بنصف الرديء.
وإن شئت فاضرب ما حاباه في ثلاثة يبلغ ستين ثم أنسب قيمة الجيد إليه فهو نصفها فيصح بيع نصف الجيد بنصف الرديء.
وإن شئت فقل قدر المحاباة الثلثان ومخرجهما ثلاثة فخذ للمشتري سهمين منه وللورثة أربعة ثم أنسب المخرج إلى الكل بالنصف فيصح بيع أحدهما: بنصف الآخر.
وبالجبر يصح بيع شيء من الأعلى بشيء من الأدنى قيمته ثلث شيء من الأعلى فتكون المحاباة بثلثي شيء منه فألقها منه فيبقى قفيز إلا ثلثي شيء يعدل مثلي المحاباة منه وهو شيء وثلث شيء فإذا جبرت وقابلت عدل شيئين فالشيء نصف قفيز.
وإنما فعل هذا لئلا يفضى إلى ربا الفضل.
فلو كان لا يحصل في ذلك ربا مثل ما لو باعه عبدا يساوي ثلاثين لا يملك غيره بعشرة ولم تجز الورثة فالصحيح من المذهب صحة بيع ثلثه بالعشرة والثلثان كالهبة فيرد الأجنبي نصفهما وهو عشرة ويأخذ عشرة بالمحاباة لنسبتها من قيمته.
قدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع.
قال الحارثي اختاره القاضي ومن وافقه.
وعنه يصح في نصفه بنصف ثمنه كالأولى لنسبة الثلث من المحاباة فصح بقدر النسبة ولا شيء للمشتري سوى الخيار.
اختاره في المغنى والمحرر.
ولك عملها بالجبر فتقول يصح البيع في شيء بثلث شيء فيبقى العبد إلا ثلثي شيء

(7/132)


يعدله شيئا وثلثا فأجبر وقابل يبقى عبد يعدل شيئين فالشيء نصفه فيصح بيع نصف العبد بنصف الثمن.
لأن المسألة تدور بأن ما نفذ البيع فيه خارج من التركة وما قابله من الثمن داخل فيها.
ومعلوم أن ما ينفذ فيه البيع يزيد بقدر زيادة التركة وينقص بقدر نقصانها وتزيد التركة بقدر زيادة المقابل الداخل ويزيد المقابل بقدر زيادة المبيع وذلك دور.
وعنه يصح البيع ويدفع بقية قيمته عشرة أو يفسخ.
قال الحارثي وهو ضعيف وأطلقهن.
فعلى المذهب لو كانت المحاباة مع وارث صح البيع على الأصح في ثلثه ولا محاباة.
وعلى الرواية الثالثة: يدفع بقية قيمته عشرين أو يفسخ.
وإذا أفضى إلى إقالة بزيادة أو ربا فضل تعينت الرواية الوسطى كالمسألة التي ذكرت أولا أو نحوها.
قوله: وإن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات فلها بالصداق خمسة وشيء بالمحاباة رجع إليه نصف ذلك بموتها صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين أجبرها بنصف شيء وقابل يخرج الشيء ثلاثة فلورثته ستة ولورثتها أربعة.
وهذا بلا نزاع.
وقوله: وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة نص عليه.
وهذا الصحيح من المذهب نص عليه.
وقدمه في المغنى والشرح والفائق وشرح ابن منجا والرعايتين والحاوي الصغير وصححه الناظم.
وعنه تعتبر المحاباة من الثلث قال أبو بكر هذا قول قديم رجع عنه.
قال الحارثي قول أبي بكر إنه مرجوع عنه لا دليل عليه من تاريخ ولا غيره.
وفيه وجه إن ورثته فوصية لوارث.
قال في الفروع وزيادة مريض على مهر المثل من ثلثه نص عليه.
وعنه لا يستحقها صححها ابن عقيل وغيره.
قال الإمام أحمد رحمه الله هي كوصية لوارث.

(7/133)


فائدتان:
إحداهما: لو وهبها كل ماله فماتت قبله فلورثته أربعة أخماسه ولورثتها خمسة.
ويأتي في باب الخلع إذا خالعها أو حاباها أو خالعته في مرض موتها.
الثانية: قال في الانتصار له لبس الناعم وأكل الطيب لحاجته وإن فعله لتفويت الورثة منع من ذلك وقاله المصنف وتبعه الحارثي.
وفي الانتصار أيضا يمنع إلا بقدر حاجته وعادته وسلمه أيضا لأنه لا يستدرك كإتلافه.
وجزم به الحلواني في الحجر.
وجزم به غير الحلواني أيضا وابن شهاب.
وقال لأن حق الورثة لم يتعلق بعين ماله.
قوله: ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق ولم يرثه ذكره أبو الخطاب والسامري وغيرهما لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث.
قال في الرعاية الكبرى هذا أقيس وقدمه في الشرح.
والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يعتق ويرث وهو المذهب قدمه في المحرر والرعايتين والنظم والحاوي الصغير والفروع وغيرهم.
وهو احتمال في الشرح.
قال الحارثي هذا المذهب.
فعلى المذهب يعتق من رأس ماله على الصحيح نص عليه.
وقيل من الثلث.
فعلى الصحيح المنصوص لو اشترى ابنه بخمسمائة وهو يساوي ألفا فقدر المحاباة من رأس ماله.
فوائد:
الأولى لو اشترى من يعتق على وارثه صح وعتق على وارثه.
وإن دبر ابن عمه عتق والمنصوص لا يرث.
وقيل يرث.
الثانية: لو قال أنت حر في آخر حياتي عتق.
قال في الفروع والأشهر أنه يرث وليس عتقه وصية له فهو وصية لوارث.
الثالثة: لو علق عتق عبده بموت قريبه لم يرثه ذكره جماعة وقدمه في الفروع.

(7/134)


قال القاضي لأنه لا حق له فيه.
قال في الفروع ويتوجه الخلاف.
الرابعة: لو علق عتق عبده على شيء فوجد وهو مريض عتق من ثلث ماله على الصحيح من المذهب.
وقيل من كله.
ويأتي في آخر كتاب العتق لو أعتق بعض عبد أو دبره في مرض موته وأحكام أخر.
قوله: وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم في مرضه وهو وارثه أو وصى له به أو وهب له فقبله في مرضه.
يعني أنه يعتق ولا يرث على قول أبي الخطاب ومن تبعه.
قال في الرعاية فيما إذا قبل الهبة أو الوصية هذا أقيس.
وقال القاضي يرثه.
وهو المذهب نص عليه وصححه الشارح.
وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم وعنه لا يصح الشراء إذا كان عليه دين.
وقيل يصح الشراء ويباع ذكره في الرعاية.
فعلى المذهب إذا ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية فإنهم يعتقون من رأس المال على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال في الفروع فمن رأس ماله في المنصوص.
وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وجزم به في المحرر وغيره واختاره المصنف وغيره.
وقيل من الثلث ذكره في الفروع والرعاية وغيرهما.
قلت اختاره القاضي وابن عقيل قاله الحارثي.
وعلى المذهب أيضا لو اشترى من يعتق عليه بالرحم فإنه يعتق من الثلث على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والنظم.
واختاره القاضي وابن عقيل.
وعنه يعتق من رأس ماله اختاره المصنف والحارثي وغيرهما.

(7/135)


ويرث أيضا اختاره جماعة منهم القاضي وابنه وأبو الحسين وابن بكروس والمجد والحارثي وغيرهم.
قال في المحرر وغيره فإذا أعتقناه من الثلث وورثناه فاشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وترك ابنا عتق ثلث الأب على الميت وله ولاؤه وورث بثلثه الحر من نفسه ثلث سدس باقيها الموقوف ولم يكن لأحد ولاء على هذا الجزء وبقية الثلثين إرث للابن يعتق عليه وله ولاؤه.
وإذا لم تورثه فولاؤه بين ابنه وابن ابنه أثلاثا.
قال في القاعدة السابعة والخمسين لو اشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وهو تسعة دنانير وقيمة الأب ستة فقد حصل منه عطيتان من عطايا المريض محاباة البائع بثلث المال وعتق الأب إذا قلنا إن عتقه من الثلث وفيه وجهان.
أحدهما: وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول يتحاصان.
والثاني: تنفذ المحاباة ولا يعتق الأب وهو اختيار صاحب المحرر.
قوله: ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول.
وهو أحد الوجهين.
واختاره ابن شاقلا في تعاليقه وصاحب التلخيص.
قلت فيعايي بها وبأشباهها مما تقدم لكونهم ليس فيهم من موانع الإرث شيء ولا يرثون.
وقال القاضي ترثه وهو المذهب نص عليه.
وجزم به في الشرح وغيره.
وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوى الصغير والفروع والنظم وغيرهم.
قال الحارثي هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل والشريف أبو جعفر.
فائدة: عتقها يكون من الثلث إن خرجت من الثلث عتقت وصح النكاح وإن لم تخرج عتق قدرة وبطل النكاح لانتفاء شرطه.
قوله: ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم تستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها.
قال المصنف هذا أولى.

(7/136)


وقال القاضي يستحق المائتين ويعتق.
فائدتان:
إحداهما: لو تزوج في مرض الموت بمهر يزيد على مهر المثل ففي المحاباة روايتان.
إحداهما: هي موقوفة على إجازة الورثة لأنها عطية لوارث.
والثانية: تنفذ من الثلث نقلها المروذي والاثرم وصالح وابن منصور والفضل ابن زياد.
قاله في القاعدة السابعة والخمسين.
الثانية: لو أصدق المائتين أجنبية والحالة ما ذكر صح وبطل العتق في ثلثي الأمة لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت.
وهكذا لو تلفت المائتان قبل موته.
قوله: وإن تبرع بثلث ماله ثم اشترى أباه من الثلثين فقال القاضي يصح الشراء.
ولا يعتق لأنه جعل الشراء وصية لأن تبرع المريض إنما ينفذ في الثلث ويقدم الأول فالأول.
وجزم بهذا ابن منجا في شرحه وهو المذهب.
قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وعلى قول من قال ليس الشراء بوصية يعتق الأب وينفذ من التبرع قدر ثلث المال حال الموت وما بقي فللأب سدسه وباقيه للابن وأطلقهما في الشرح.
قال الحارثي في هذه المسألة قال الأصحاب يصح الشراء وهل يعتق ويرث.
إن قيل بعتق ذي الرحم المحرم من الثلث فلا عتق ولا إرث.
وإن قيل بعتقه من رأس المال عتق ونفذ التبرع من ثلث المال وكذا فيما زاد.

(7/137)