الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

 [كتاب الطهارة]
(كتاب) هو من المصادر السيالة أي التي توجد شيئا فشيئا، يقال: كتب كتابا وكتبا وكتابة، وسمي المكتوب به مجازا، ومعناه لغة: الجمع من تكتب بنو فلان: إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل: كتيبة. والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف. والمراد به هنا المكتوب أي هذا مكتوب جامع لمسائل (الطهارة) مما يوجبها ويتطهر به ونحو ذلك.
بدأ بها؛ لأنها مفتاح الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومعناها لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار، مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما، وأما طهر - بفتح الهاء- فمصدره طهر كحكم حكما، وفي الاصطلاح ما ذكره بقوله: (وهي ارتفاع الحدث) أي زوال الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها، (وما في معناه) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت والوضوء والغسل المستحبين وما زاد على المرة الأولى في الوضوء ونحوه، وغسل يدي القائم من نوم الليل ونحو ذلك، أو بالتيمم عن وضوء أو غسل (وزوال الخبث) أي النجاسة أو حكمها بالاستجمار أو بالتيمم في الجملة على ما يأتي في بابه.

(1/7)


فالطهارة ما ينشأ عن التطهير. وربما أطلقت على الفعل كالوضوء والغسل.

[أنواع المياه]
(المياه) باعتبار ما تتنوع إليه في الشرع (ثلاثة) :
أحدها (طهور) أي مطهر. قال ثعلب: طهور - بفتح الطاء - الطاهر في ذاته المطهر لغيره. اهـ قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] (لا يرفع الحدث) غيره. والحدث ليس نجاسة بل معنى يقوم بالبدن يمنع الصلاة ونحوها. والطاهر ضد المحدث والنجس (ولا يزيل النجس الطارئ) على محل طاهر فهو النجاسة الحكمية (غيره) أي غير الماء الطهور. والتيمم مبيح لا رافع وكذا الاستجمار، (وهو) أي الطهور (الباقي على خلقته) أي صفته التي خلق عليها، إما حقيقة بأن يبقى على ما وجد عليه من برودة أو حرارة أو ملوحة ونحوها، أو حكما كالمتغير بمكث أو طحلب ونحوه مما يأتي ذكره.
(فإن تغير بغير ممازج) أي مخالط (كقطع كافور) وعود قماري (أو دهن) طاهر على اختلاف أنواعه قال في الشرح: وفي معناه ما تغير بالقطران والزفت والشمع؛ لأن فيه دهنية يتغير بها الماء (أو بملح مائي) لا معدني فيسلبه الطهورية (أو سخن بنجس كره) مطلقا إن لم يحتج إليه سواء ظن وصوله إليه أو كان

(1/8)


الحائل حصينا أو لا، ولو بعد أن يبرد؛ لأنه لا يسلم غالبا من صعود أجزاء لطيفه إليه، وكذا ما سخن بمغصوب وماء بئر بمقبرة وبقلها وشوكها، واستعمال ماء زمزم في إزالة خبث، لا وضوء وغسل.

(وإن تغير بمكثه) أي بطول إقامته في مقره وهو الآجن لم يكره؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - توضأ بماء آجن، وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ قوله من أهل العلم سوى ابن سيرين. (أو بما) أي بطاهر (يشق صون الماء عنه من نابت فيه وورق شجر) وسمك وما تلقيه الريح أو السيول من تبن ونحوه وطحلب، فإن وضع قصدا وتغير به الماء عن ممازجة سلبه الطهورية (أو) تغير (بمجاورة ميتة) أي بريح ميتة إلى جانبه فلا يكره. قال في " المبدع ": بغير خلاف نعلمه. (أو سخن بالشمس أو بطاهر) مباح ولم يشتد حره (لم يكره) لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه، ذكره في " المبدع ". ومن كره الحمام، فعلة الكراهة خوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم بدخوله لا كون الماء مسخنا، فإن اشتد حره أو برده كره لمنعه كمال الطهارة. (وإن استعمل) قليل (في طهارة مستحبة كتجديد وضوء وغسل جمعة) أو عيد ونحوه (وغسله ثانية وثالثة) في وضوء أو غسل (كره) للخلاف في سلبه الطهورية، فإن لم تكن الطهارة مشروعة كالتبرد لم يكره.

(وإن بلغ) الماء (قلتين) تثنية قلة، وهي اسم لكل ما ارتفع وعلا، والمراد هنا: الجرة الكبيرة من قلال هجر، وهي قرية كانت قرب المدينة. (وهو الكثير) اصطلاحا (وهما) أي القلتان (خمسمائة رطل) بكسر الراء وفتحها

(1/9)


(عراقي تقريبا) فلا يضر نقص يسير كرطل ورطلين، وأربع مائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل مصري، ومائة وسبعة وسبع رطل دمشقي وخمسة وثمانون وسبعا رطل حلبي، وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع رطل قدسي وما وافقه. فالرطل العراقي تسعون مثقالا: سبع القدسي وثمن سبعه وسبع الحلبي
وربع سبعه، وسبع الدمشقي ونصف سبعه، ونصف المصري وربعه وسبعه (فخالطته نجاسة) قليلة أو كثيرة (غير بول آدمي أو عذرته المائعة) أو الجامدة إذا ذابت (فلم تغيره) فطهور لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء. وفي رواية: لم يحمل الخبث» رواه أحمد وغيره، قال الحاكم: على شرط الشيخين، وصححه الطحاوي، وحديث «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» وحديث «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه» يحملان على المقيد السابق، وإنما خصت القلتان بقلال هجر لوروده في بعض ألفاظ الحديث؛ ولأنها كانت مشهورة الصفة معلومة المقدار. قال ابن جريج: رأيت قلال هجر فرأيت القلة تسع قربتين وشيئا. والقربة مائة رطل بالعراقي. والاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فكانت القلتان خمسمائة رطل بالعراقي. (أو خالطة البول أو العذرة) من آدمي.
(ويشق نزحه كمصانع طريق مكة فطهور) ما

(1/10)


لم يتغير. قال في " الشرح " لا نعلم فيه خلافا. ومفهوم كلامه أن ما لا يشق نزحه ينجس ببول الآدمي أو عذرته المائعة أو الجامدة إذا ذابت فيه ولو بلغ قلتين، وهو قول أكثر المتقدمين والمتوسطين. قال في " المبدع ": ينجس على المذهب وإن لم يتغير لحديث أبي هريرة يرفعه «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه» متفق عليه. وروى الخلال بإسناده أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سئل عن صبي بال في بئر فأمرهم بنزحها. وعنه أن البول والعذرة كسائر النجاسات، فلا ينجس بهما ما بلغ قلتين إلا بالتغير، قال في " التنقيح ": اختاره أكثر المتأخرين وهو أظهر. اهـ. لأن نجاسة بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب.

(ولا يرفع حدث رجل) وخنثى (طهور يسير) دون القلتين (خلت به) كخلوة نكاح
(امرأة) مكلفة ولو كافرة (لطهارة كاملة عن حدث) «لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» رواه أبو داود وغيره، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان. قال أحمد في رواية أبي طالب: أكثر أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقولون ذلك، وهو تعبدي. وعلم مما تقدم أنه يزيل النجس مطلقا وأنه يرفع حدث المرأة والصبي وأنه لا أثر لخلوتها بالتراب، ولا بالماء الكثير ولا بالقليل إذا كان عندها من يشاهدها، أو كانت صغيرة أو لم تستعمله في طهارة كاملة ولا لما خلت به لطهارة خبث، فإن لم يجد الرجل غير ما خلت به لطهارة الحدث استعمله ثم يتيمم.

النوع الثاني من المياه - الطاهر غير المطهر، وقد أشار إليه بقوله: (وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه) أو كثير من صفة من تلك الصفات لا يسير منها (بطبخ) طاهر فيه (أو)

(1/11)


بطاهر من غير جنس الماء لا يشق صونه عنه (ساقط فيه) كزعفران لا تراب ولو قصدا ولا ما لا يمازجه مما تقدم فطاهر؛ لأنه ليس بماء مطلق (أو رفع بقليله حدث) مكلف أو صغير فطاهر لحديث أبي هريرة «لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» رواه مسلم. وعلم منه أن المستعمل في الوضوء والغسل المستحبين طهور كما تقدم، وأن المستعمل في رفع الحدث إذا كان كثيرا طهور لكن يكره الغسل في الماء الراكد، ولا يضر اغتراف المتوضئ لمشقة تكرره، بخلاف من عليه حدث أكبر، فإن نوى وانغمس هو أو بعضه في قليل لم يرتفع حدثه وصار الماء مستعملا، ويصير الماء مستعملا في الطهارتين بانفصاله لا قبله ما دام مترددا على الأعضاء (أو غمس فيه) أي في الماء القليل كل (يد) مسلم مكلف (قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) قبل غسلها ثلاثا فطاهر نوى الغسل بذلك الغمس أو لا، وكذا إذا حصل الماء في كلها ولو باتت مكتوفة أو في جراب ونحوه، لحديث: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» رواه مسلم ولا أثر لغمس يد كافر وصغير ومجنون، وقائم من نوم نهار أو ليل إذا كان
نومه يسيرا لا ينقض الوضوء. والمراد باليد هنا إلى الكوع. ويستعمل هذا الماء إن لم يوجد غيره ثم يتيمم وكذا ما غسل به الذكر والأنثيان لخروج مذي دونه؛ لأنه في معناه، وأما ما غسل به المذي فعلى ما يأتي (أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها) وانفصل غير متغير (فطاهر) لأن المنفصل بعض المتصل والمتصل طاهر.

(1/12)


النوع الثالث - النجس، وهو ما المشار إليه بقوله: (والنجس ما تغير بنجاسة) قليلا كان أو كثيرا، وحكى ابن المنذر الإجماع عليه (أو لاقاها) أي لاقى النجاسة (وهو يسير) دون القلتين فينجس بمجرد الملاقاة ولو جاريا لمفهوم حديث «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء» (أو انفصل عن محل نجاسة) متغيرا أو (قبل زوالها) فنجس، فما انفصل قبل السابعة نجس، وكذا ما انفصل قبل زوال عين النجاسة ولو بعدها أو متغيرا، (فإن أضيف إلى الماء النجس) قليلا كان أو كثيرا (طهور كثير) بصب أو إجراء ساقية إليه ونحو ذلك طهر؛ لأن هذا القدر المضاف يدفع النجاسة عن نفسه وعما اتصل به (غير تراب ونحوه) فلا يطهر به نجس (أو زال تغير) الماء (النجس الكثير بنفسه) من غير إضافة ولا نزح (أو نزح منه) أي من النجس الكثير (فبقي بعده) أي بعد المنزوح (كثير غير متغير طهر) لزوال علة تنجسه وهي التغير، والمنزوح الذي زال مع نزحه التغير طهور إن لم تكن عين النجاسة به، وإن كان النجس قليلا أو كثيرا مجتمعا من متنجس يسير فتطهيره بإضافة كثير مع زوال تغيره إن كان. ولا يجب غسل جوانب بئر نزحت للمشقة.
تنبيه محل ما ذكر إن لم تكن النجاسة بول آدمي أو عذرته فتطهير ما تنجس

(1/13)


بهما من الماء إضافة ما يشق نزحه إليه أو نزح يبقى بعده ما يشق نزحه، أو زوال تغير ما يشق نزحه بنفسه على قول أكثر المتقدمين ومن تابعهم على ما تقدم.

(وإن شك في نجاسة ماء أو غيره) من الطاهرات (أو) شك في (طهارته) أي طهارة شيء علمت نجاسته قبل الشك (بني على اليقين) الذي علمه قبل الشك، ولو مع سقوط عظم أو روث شك في نجاسته؛ لأن الأصل بقاؤه على ما كان عليه، وإن أخبره عدل بنجاسته وعين السبب لزم قبول خبره (وإن اشتبه طهور بنجس حرم استعمالهما) إن لم يمكن تطهير النجس بالطهور، فإن أمكن بأن كان هذا الطهور قلتين فأكثر وكان عنده إناء يسعهما
وجب خلطهما واستعمالهما. (ولم يتحر) أي لم ينظر أيهما يغلب على ظنه أنه الطهور فيستعمله ولو زاد عدد الطهور، ويعدل إلى التيمم إن لم يجد غيرهما (ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما) لأنه غير قادر على استعمال الطهور أشبه ما لو كان الماء في بئر لا يمكنه الوصول إليه، وكذا لو اشتبه مباح بمحرم فيتيمم إن لم يجد غيرهما. ويلزم من علم النجس إعلام من أراد أن يستعمله.

(وإن اشتبه) طهور (بطاهر) أمكن جعله طهورا به أم لا (توضأ منهما وضوءا واحدا) ولو مع طهور بيقين (من هذا غرفة ومن هذا غرفة) ويعم بكل واحدة من الغرفتين المحل (وصلى صلاة واحدة) قال في (المغني والشرح) : بغير خلاف نعلمه، فإن احتاج أحدهما للشرب تحرى وتوضأ بالطهور وتيمم ليحصل له اليقين (وإن اشتبهت ثياب طاهرة بـ) ثياب (نجسة) يعلم عددها (أو) اشتبهت ثياب مباحة (بـ)

(1/14)


ثياب (محرمة) يعلم عددها (صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس) من الثياب، أو المحرمة منها ينوي بها الفرض احتياطا، كمن نسي صلاة من يوم (وزاد) على العدد (صلاة) ليؤدي فرضه بيقين، فإن لم يعلم عدد النجسة أو المحرمة لزمه أن يصلي في كل ثوب صلاة حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر ولو كثرت، ولا تصح في ثياب مشتبهة مع وجود طاهر يقينا، وكذا حكم أمكنة ضيقة، ويصلي في واسعة حيث شاء بلا تحر.

[باب الآنية]
هي الأوعية جمع إناء. لما ذكر الماء ذكر ظرفه (كل إناء طاهر) كالخشب والجلود والصفر والحديد (ولو) كان (ثمينا) كجوهر وزمرد (يباح اتخاذه واستعماله) بلا كراهة، غير جلد آدمي وعظمه فيحرم، (إلا آنية ذهب وفضة ومضببا بهما) أو بأحدهما غير ما يأتي، وكذا المموه والمطلي والمطعم والمكفت بأحدهما (فإنه يحرم اتخاذها) لما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء (واستعمالها) في أكل وشرب وغيرهما (ولو على أنثى) لعموم الأخبار وعدم المخصص. وإنما أبيح التحلي للنساء لحاجتهن إلى التزين للزوج، وكذا الآلات كلها كالدواة والقلم والمسعط والقنديل والمجمرة والمدخنة حتى الميل ونحوه.

(1/15)


(وتصح الطهارة منها) أي من الآنية المحرمة وكذا الطهارة بها وفيها وإليها، وكذا آنية مغصوبة (إلا ضبة يسيرة) عرفا لا كبيرة (من فضة) لا ذهب (لحاجة) وهي أن يتعلق بها غرض غير الزينة فلا بأس بها، لما روى البخاري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن قدح النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» وعلم منه أن المضبب بذهب حرام مطلقا وكذا المضبب بفضة لغير حاجه أو بضبة كبيرة عرفا ولو لحاجة لحديث ابن عمر «من شرب في إناء ذهب أو فضه أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» رواه الدارقطني. (وتكره مباشرتها) أي الضبة المباحة (لغير حاجة) لأن فيها استعمالا للفضة فإن احتاج إلى مباشرتها كتدفق الماء أو نحو ذلك لم يكره. (وتباح آنية الكفار) إن لم تعلم نجاستها (ولو لم تحل ذبائحهم) كالمجوس لأنه - «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ من مزادة مشركة» ، متفق عليه (و) تباح (ثيابهم) أي ثياب الكفار ولو وليت عوراتهم كالسراويل (إن جهل حالها) ولم تعلم نجاستها؛ لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك، وكذا ما صبغوه أو نسجوه وآنية من لابس النجاسة كثيرا كمدمني الخمر وثيابهم، وبدن الكافر طاهر، وكذا طعامه وماؤه، لكن تكره الصلاة في ثياب المرضع

(1/16)


والحائض والصبي ونحوهم.

(ولا يطهر جلد ميتة بدباغ) ، روي عن عمر وابنه وعائشة وعمران بن حصين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وكذا لا يطهر جلد غير مأكول بذكاة كلحمه. (ويباح استعماله) أي استعمال الجلد (بعد الدبغ) بطاهر منشف للخبث. قال في " الرعاية " ولا بد فيه من زوال الرائحة الخبيثة وجعل المصران والكرش وترا دباغ. ولا يحصل بتشميس ولا تتريب ولا يفتقر إلى فعل آدمي، فلو وقع في مدبغة فاندبغ جاز استعماله (في يابس) لا مائع، ولو وسع قلتين من الماء (إذا كان) الجلد (من حيوان طاهر في الحياة) مأكولا كان كالشاة أو لا كالهر. أما جلود السباع كالذئب ونحوه مما خلقته أكبر من الهر ولا يؤكل فلا يباح دبغه ولا استعماله قبل الدبغ ولا بعده ولا يصح بيعه. ويباح استعمال منخل من شعر نجس في يابس (ولبنها) أي لبن الميتة (وكل أجزائها) كقرنها وظفرها وعصبها وحافرها وإنفحتها وجلدتها (نجسة) فلا
يصح بيعها (غير شعر ونحوه) كصوف ووبر وريش من طاهر في الحياة فلا ينجس بموت فيجوز استعماله. ولا ينجس باطن بيضة مأكول صلب قشرها بموت الطائر (وما أبين من) حيوان (حي فهو كميتته) طهارة ونجاسة فما قطع من السمك

(1/17)


طاهر، وما قطع من بهيمة الأنعام ونحوها مع بقاء حياتها نجس، غير مسك وفأرته والطريدة وتأتي في الصيد.

[باب الاستنجاء]
من نجوت الشجرة أي قطعتها، فكأنه قطع الأذى. والاستنجاء: إزالة خارج من سبيل بماء أو إزالة حكمه بحجر أو نحوه، ويسمى الثاني استجمارا من الجمار وهي الحجارة الصغيرة. (يستحب عند دخول الخلاء) ونحوه، وهو بالمد الموضع المعد لقضاء الحاجة (قول بسم الله) لحديث على: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول: بسم الله» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: ليس إسناده بالقوي، (أعوذ بالله من الخبث) بإسكان الباء، قال القاضي عياض: وهو أكثر روايات الشيوخ وفسره بالشر، (والخبائث) الشياطين فكأنه استعاذ من الشر وأهله، قال الخطابي: وهو بضم الباء وهو جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، فكأنه استعاذ من ذكرانهم وإناثهم، واقتصر المصنف على ذلك تبعا " للمحرر " و " الفروع " وغيرهما لحديث أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا دخل الخلاء قال: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليه. وزاد في " الإقناع " و " المنتهى " تبعا " للمقنع " وغيره " الرجس النجس الشيطان الرجيم " لحديث أبي

(1/18)


أمامة: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم» (و) يستحب أن يقول (عند الخروج منه) أي من الخلاء ونحوه (غفرانك) أي أسألك غفرانك من الغفر وهو الستر لحديث عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» رواه الترمذي وحسنه. وسن له أيضا أن يقول: (الحمد لله الذي
أذهب عني الأذى وعافاني) لما رواه ابن ماجه عن أنس: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» . (و) يستحب له (تقديم رجله اليسرى دخولا) أي عند دخول الخلاء ونحوه من مواضع الأذى (و) يستحب له تقديم (اليمنى) رجليه (خروجا عكس مسجد) ومنزل (و) لبس (نعل) وخف، فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه. وروى الطبراني في " المعجم الصغير " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ باليسرى» وعلى قياسه القميص ونحوه. (و) يستحب له (اعتماده على رجله اليسرى) حال جلوسه لقضاء الحاجة، لما روى

(1/19)


الطبراني في " المعجم " والبيهقي عن سرقة بن مالك: «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نتكئ على اليسرى وأن ننصب اليمنى» . (و) يستحب (بعده) إذا كان (في فضاء) حتى لا يراه أحد لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواه أبو داود من حديث جابر.

(و) يستحب (استتاره) لحديث أبي هريرة قال: «من أتى الغائط فليستتر» رواه أبو داود. (وارتياده لبوله مكانا رخوا) بتثليث الراء لينا هشا لحديث: «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» رواه أحمد وغيره. وفي " التبصرة " ويقصد مكانا علوا، ولعله لينحدر عنه البول فإن لم يجد مكانا رخوا ألصق ذكره ليأمن من رشاش البول. (و) يستحب (مسحه) أي أن يمسح (بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره) أي من حلقة دبره فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإبهام فوقه ويمر بهما (إلى رأسه) أي رأس الذكر (ثلاثا) لئلا يبقى من البول فيه شيء. (و) يستحب (نتره) بالمثناة (ثلاثا) أي نتر ذكره ثلاثا ليستخرج بقية البول منه لحديث «إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا» رواه أحمد وغيره. (و) يستحب
(تحوله من موضعه ليستنجي في غيره إن خاف تلوثا) باستنجائه في مكانه لئلا ينجس، ويبدأ ذكر وبكر بقبل لئلا تتلوث يده إذا بدأ بالدبر، وتخير ثيب.

(1/20)


(ويكره دخوله) أي دخول الخلاء ونحوه (بشيء فيه ذكر الله تعالى) غير مصحف فيحرم (إلا لحاجة) لا دراهم ونحوها، وحرز للمشقة، ويجعل فص خاتم احتاج للدخول به بباطن كف يمنى. (و) يكره استكمال (رفع ثوبه قبل دنوه) أي قربه (من الأرض) بلا حاجة فيرفع شيئا فشيئا. ولعله يجب إن كان ثم من ينظره، قاله في " المبدع ". (و) يكره (كلامه فيه) ولو برد سلام، وإن عطس حمد بقلبه. ويجب عليه تحذير ضرير وغافل عن هلكة. وجزم صاحب " النظم " بتحريم القراءة في الحش وسطحه وهو متوجه على حاجته (و) يكره (بوله في شق) بفتح الشين (ونحوه) كسرب وهو ما يتخذه الوحش والذئب بيتا في الأرض.
ويكره أيضا بوله في إناء بلا حاجة ومستحم غير مقير أو مبلط (ومس فرجه) أو فرج زوجته ونحوها (بيمينه و) يكره (استنجاؤه واستجماره بها) أي بيمينه لحديث أبي قتادة: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه (واستقبال النيرين) أي الشمس والقمر لما فيهما من نور الله تعالى.

(ويحرم استقبال القبلة واستدبارها) حال قضاء الحاجة (في غير بنيان) لخبر أبي أيوب مرفوعا: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا» متفق عليه. ويكفي انحرافه عن جهة القبلة وحائل ولو كمؤخرة رحل ولا يعتبر القرب من الحائل، ويكره استقبالها حال الاستنجاء

(1/21)


(و) يحرم (لبثه فوق حاجته) لما فيه من كشف العورة بلا حاجة وهو مضر عند الأطباء (و) يحرم (بوله) وتغوطه (في طريق) مسلوك (وظل نافع) ومثله مشمس بزمن الشتاء ومتحدث الناس (وتحت شجرة عليها ثمرة) لأنه يقذرها، وكذا في موارد الماء وتغوطه بماء مطلقا.
(ويستجمر بحجر) أو نحوه (ثم يستنجي بالماء) لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رواه أحمد وغيره من حديث عائشة وصححه الترمذي، فإن عكس كره، (ويجزئه الاستجمار) حتى مع وجود الماء لكن الماء أفضل. (إن لم يعد) أي يتجاوز (الخارج موضع العادة) مثل أن ينتشر الخارج على شيء من الصفحة أو يمتد إلى الحشفة امتدادا غير معتاد فلا يجزئ فيه إلا الماء كقبلي الخنثى المشكل ومخرج غير فرج وتنجس مخرج بغير خارج، ولا يجب غسل نجاسة وجنابة بداخل فرج ثيب ولا داخل حشفة أقلف غير مفتوق.

(ويشترط للاستجمار بأحجار ونحوها) كخشب وخرق (أن يكون) ما يستجمر به (طاهرا) مباحا (منقيا غير عظم وروث) ولو طاهرين (وطعام) ولو لبهيمة (ومحترم) ككتب علم (ومتصل بحيوان) كذنب البهيمة وصوفها المتصل بها، ويحرم الاستجمار بهذه الأشياء وبجلد سمك أو حيوان مذكى مطلقا أو حشيش رطب. (ويشترط) للاكتفاء بالاستجمار (ثلاث مسحات منقية فأكثر) إن لم يحصل بثلاث، ولا يجزئ أقل منها ويعتبر أن تعم كل مسحة المحل (ولو) كانت الثلاث (بحجر ذي

(1/22)


شعب) أجزأت إن أنقت، وكيف ما حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأ وهو أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء وبالماء عود خشونة المحل كما كان مع السبع غسلات ويكفي ظن الإنقاء. (ويسن قطعه) أي قطع ما زاد على الثلاث (على وتر) فإن أنقى برابعة زاد خامسة وهكذا. (ويجب الاستنجاء) بماء أو حجر ونحوه (لكل خارج) من سبيل إذا أراد الصلاة ونحوها (إلا الريح) والطاهر وغير الملوث، (ولا يصح قبله) أي قبل الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه (وضوء ولا تيمم) لحديث المقداد المتفق عليه: «يغسل ذكره ثم يتوضأ» . ولو كانت النجاسة على غير السبيلين أو عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها.
* * *
[باب السواك وسنن الوضوء]
وما ألحق بذلك من الادهان والاكتحال
والاختتان والاستحداد ونحوها السواك والمسواك: اسم للعود الذي يستاك به. ويطلق السواك على الفعل أي دلك الفم بالعود لإزالة نحو تغير كالتسوك. (التسوك بعود لين) سواء كان رطبا أو يابسا مندى من أراك أو زيتون أو عرجون أو غيرها (منق) للفم (غير مضر) احترازا عن الرمان والآس وكل ماله رائحة طيبة (لا يتفتت) ولا يجرح، ويكره بعود يجرح أو يضر أو يتفتت. و (لا) يصيب السنة من استاك (بأصبع أو خرقة) ونحوها لأن الشرع لم يرد به، ولا يحصل به الإنقاء كالعود.

(1/23)


(مسنون كل وقت) . خبر قوله: التسوك، أي يسن كل وقت لحديث: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» رواه الشافعي وأحمد وغيرهما (لغير صائم بعد الزوال) فيكره فرضا كان الصوم أو نفلا وقبل الزوال يستحب له بيابس ويباح برطب لحديث: «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي» أخرجه البيهقي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (متأكد) خبر ثان للتسوك (عند صلاة) فرضا كانت أو نفلا (و) عند (انتباه) من نوم ليل أو نهار (و) عند (تغير) رائحة (فم) بمأكول أو غيره وعند وضوء وقراءة. زاد الزركشي والمصنف في " الإقناع ": ودخول منزل ومسجد وإطالة سكوت وخلو المعدة من الطعام واصفرار الأسنان.

(ويستاك عرضا) استحبابا بالنسبة إلى الأسنان بيده اليسرى على أسنانه ولثته ولسانه ويغسل السواك ولا بأس أن يستاك به اثنان فأكثر. قال في " الرعاية ": ويقول إذا استاك: اللهم طهر قلبي ومحص ذنوبي، قال بعض الشافعية: وينوي به الإتيان بالسنة (مبتدئا بجانب فمه الأيمن) فتسن البداءة بالأيمن في سواك وطهور وفي شأنه كله غير ما يستقذر

(1/24)


(ويدهن) استحبابا (غبا) يوما بعد يوم، أي يوما يدهن ويوما لا يدهن لأنه - «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الترجل إلا غبا» ، رواه الترمذي والنسائي وصححه. والترجيل: تسريح الشعر ودهنه (ويكتحل)
في كل عين (وترا) ثلاثا بالإثمد المطيب كل ليلة قبل أن ينام لفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رواه أحمد وغيره عن ابن عباس. ويسن نظر في مرآة وتطيب، ويتفطن إلى نعم الله تعالى ويقول: «اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار» لحديث أبي هريرة.

(ويجب التسمية في الوضوء مع الذكر) أي أن يقول: بسم الله، لا يقوم غيرها مقامها لخبر أبي هريرة مرفوعا: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أحمد وغيره، وتسقط مع السهو وكذا غسل وتيمم. (ويجب الختان) عند البلوغ (ما لم يخف على نفسه) ذكرا كان أو خنثى أو أنثى، فالذكر بأخذ جلدة الحشفة والأنثى بأخذ جلده فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك، ويستحب أن لا تؤخذ كلها والخنثى بأخذهما، وفعله زمن صغر أفضل، وكره في سابع يوم ومن الولادة إليه.

(ويكره القزع) وهو حلق بعض الرأس وترك بعض، وكذا حلق القفا لغير حجامة ونحوها،

(1/25)


ويسن إبقاء شعر الرأس، قال أحمد: هو سنة لو تقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤونة، ويسرحه ويفرقه ويكون إلى أذنيه وينتهي إلى منكبيه كشعره - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ولا بأس بزيادة وجعله ذؤابة، ويعفي لحيته ويحرم حلقها، ذكره الشيخ تقي الدين، ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة منها وما تحت حلقه، ويحف شاربه وهو أولى من قصه، ويقلم أظفاره مخالفا، وينتف إبطه، ويحلق عانته وله إزالتها بما شاء. والتنوير فعله أحمد في العورة وغيرها. ويدفن ما يزيله من شعره وظفره ونحوه ويفعله كل أسبوع يوم الجمعة قبل الزوال ولا يتركه فوق أربعين يوما، وأما الشارب ففي كل جمعة.

(ومن سنن الوضوء) وهي جمع سنة، وهي في اللغة الطريقة، وفي الاصطلاح ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، وتطلق أيضا على أقواله وأفعاله وتقريراته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسمي غسل الأعضاء على الوجه المخصوص وضوءا لتنظيفه المتوضئ وتحسينه. (السواك)
وتقدم أنه يتأكد فيه ومحله عند المضمضة (وغسل الكفين ثلاثا) في أول الوضوء ولو تحقق طهارتهما (ويجب) غسلهما ثلاثا بنية وتسمية (من نوم ليل ناقض لوضوء) لما تقدم في أقسام الماء ويسقط غسلهما والتسمية سهوا وغسلهما لمعنى فيهما، فلو استعمل الماء ولم يدخل

(1/26)


يده في الإناء لم يصح وضوؤه وفسد الماء.

(و) من سنن الوضوء (البداءة) قبل غسل الوجه (بمضمضة ثم استنشاق) ثلاثا ثلاثا بيمينه واستنثاره بيساره (و) من سننه (المبالغة فيهما) أي في المضمضة والاستنشاق (لغير صائم) فتكره والمبالغة في مضمضة إدارة الماء بجميع فمه، وفي الاستنشاق جذبه بنفس إلى أقصى الأنف، وفي بقية الأعضاء ذلك ما ينبو عنه الماء للصائم وغيره، (و) من سننه (تخليل اللحية الكثيفة) بالثاء المثلثة وهي التي تستر البشرة فيأخذ كفا من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة أو من جانبيها ويعركها، وكذا عنفقته وباقي شعور الوجه (و) من سننه تخليل (الأصابع) أي أصابع اليدين والرجلين، قال في الشرح: وهو في الرجلين آكد ويخلل أصابع رجليه بخنصر يده اليسرى من باطن رجله اليمنى من خنصرها إلى إبهامها، وفي اليسرى بالعكس، وأصابع يديه إحداهما بالأخرى، فإن كانت أو بعضها ملتصقة سقط.
(و) من سننه (التيامن) بلا خلاف (وأخذ ماء جديد للأذنين) بعد مسح رأسه ومجاوزة محل فرض. (و) من سننه (الغسلة الثانية والثالثة) وتكره الزيادة عليها. ويعمل في عدد الغسلات بالأقل، ويجوز الاقتصار على الغسلة الواحدة. والثنتان أفضل والثلاثة أفضل منهما. ولو غسل بعض أعضاء الوضوء أكثر من بعض لم يكره. ولا يسن مسح العنق ولا الكلام على الوضوء.

[باب فروض الوضوء وصفته]
الفرض لغة يقال لمعان أصلها الحز والقطع، وشرعا ما أثيب فاعله وعوقب تاركه. والوضوء استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة،

(1/27)


وكان فرضه مع فرض الصلاة كما رواه ابن ماجه ذكره في " المبدع ".
(فروضه ستة) .
أحدها (غسل الوجه) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] (والفم والأنف منه) أي من الوجه لدخولهما في حده فلا تسقط المضمضة ولا الاستنشاق في وضوء ولا غسل لا عمدا ولا سهوا.
(و) الثاني (غسل اليدين) مع المرافقين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] .
(و) الثالث (مسح الرأس) كله (ومنه الأذنان) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأذنان من الرأس» رواه ابن ماجه.
(و) الرابع (غسل الرجلين) مع الكعبين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] والخامس (الترتيب) على ما ذكر الله تعالى لأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب، والآية سيقت لبيان الواجب والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رتب الوضوء وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به» فلو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له، وإن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوءه إن قرب الزمن، ولو غسلها جميعا دفعة واحدة لم يحسب له غير الوجه، وإن انغمس ناويا في ماء وخرج مرتبا أجزأه وإلا فلا.
(و) السادس (الموالاة) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم

(1/28)


لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء» رواه أحمد وغيره (وهي) أي الموالاة (أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله) بزمن معتدل أو قدره من غيره، ولا يضر إن جف لاشتغاله بسنة كتخليل وإسباغ وإزالة وسوسة أو وسخ، ويضر لاشتغال بتحصيل ماء أو إسراف أو نجاسة أو وسخ لغير طهارة. وسبب وجوب الوضوء الحدث ويحل جميع البدن كجناية.
(والنية) لغة القصد. ومحلها القلب فلا يضر سبق لسانه بغير قصده، ويخلصها لله تعالى (شرط) هو لغة: العلامة واصطلاحا ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده
وجود ولا عدم لذاته (لطهارة الأحداث كلها) لحديث: «إنما الأعمال بالنيات» فلا يصح وضوء وغسل وتيمم ولو مستحبات إلا بها (فينوي رفع الحدث أو) يقصد (الطهارة لما لا يباح إلا بها) أي بالطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف؛ لأن ذلك يستلزم رفع الحدث فإن نوى طهارة أو وضوءا أو أطلق أو غسل أعضاءه ليزيل عنها النجاسة أو ليعلم غيره أو للتبرد لم يجزه. وإن نوى صلاة معينة لا غيرها ارتفع مطلقا، وينوي من حدثه دائم استباحة الصلاة ويرتفع حدثه، ولا يحتاج إلى تعيين النية للفرض فلو نوى رفع الحدث لم يرتفع في الأقيس قاله في " المبدع "، ويستحب نطقه بالنية سرا.

تتمة: يشترط لوضوء وغسل أيضا إسلام وعقل وتميز وطهورية ماء وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله، وانقطاع موجب، ولوضوء فراغ استنجاء أو استجمار،

(1/29)


ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه (فإن نوى ما تسن له الطهارة كقراءة) قرآن وذكر وأذان ونوم وغضب ارتفع حدثه (أو) نوى (تجديدا مسنونا) بأن صلى بالوضوء الذي قبله (ناسيا حدثه ارتفع) حدثه؛ لأنه نوى طهارة شرعية، (وإن نوى) من عليه جنابة (غسلا مسنونا) كغسل الجمعة، قال في " الوجيز ": ناسيا (أجزأ عن واجب) كما مر فيمن نوى التجديد، (وكذا عكسه) أي إن نوى واجبا أجزأ عن المسنون، وإن نواهما حصلا، والأفضل أن يغتسل للواجب ثم للمسنون كاملا، (وإن اجتمعت أحداث) متنوعة ولو متفرقة (توجب وضوءا أو غسلا فنوى بطهارته أحدها) لا على أن لا يرتفع غيره (ارتفع سائرها) أي باقيها؛ لأن الأحداث تتداخل، فإذا ارتفع البعض ارتفع الكل. (ويجب الإتيان بها) أي بالنية (عند أول واجبات الطهارة وهو التسمية) فلو فعل شيئا من الواجبات قبل النية لم يعتد به، ويجوز تقديمها بزمن يسير كالصلاة ولا يبطلها عمل يسير.

(وتسن) النية (عند أول مسنوناتها) أي مسنونات الطهارة كغسل اليدين في أول الوضوء (إن وجد قبل واجب) أي قبل التسمية

(1/30)


(و) يسن (استصحاب ذكرها) أي تذكر النية (في جميعها) أي جميع الطهارة لتكون أفعاله مقرونة بالنية، (ويجب استصحاب حكمها) أي حكم النية بأن لا ينوي قطعها حتى يتم الطهارة، فإن عربت عن خاطره لم يؤثر، وإن شك في النية في أثناء طهارته استأنفها إلا أن يكون وهما كالوسواس فلا يلتف إليه ولا يضر إبطالها بعد فراغه ولا شك بعده.
(وصفة الوضوء) الكامل أي كيفيته (أن ينوي ثم يسمي) وتقدما (ويغسل كفيه ثلاثا) تنظيفا لهما فيكرر غسلهما عند الاستيقاظ من النوم وفي أوله، (ثم يتمضمض ويستنشق) ثلاثا ثلاثا بيمينه ومن غرفة أفضل ويستنثر بيساره (ويغسل وجهه) ثلاثا، وحده (من منابت شعر الرأس) المعتاد غالبا (إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا) مع ما استرسل من اللحية (ومن الأذن إلى الأذن عرضا) لأن ذلك تحصل به المواجهة والأذنان ليسا من الوجه بل البياض الذي بين العذار والأذن منه، (و) يغسل (ما فيه) في الوجه (من شعر خفيف) يصف البشرة كعذار وعارض وأهداب عين وشارب وعنفقة؛ لأنها من الوجه لا صدغ وتحذيف وهو الشعر بعد انتهاء العذار والنزعة ولا النزعتان، وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا من جانبيه فهما من الرأس، ولا يغسل من داخل عينيه ولو من نجاسة ولو أمن الضرر (و) يغسل الشعر (الظاهر) من (الكثيف مع ما استرسل منه) ويخلل باطنه وتقدم، (ثم) يغسل (يديه مع المرفقين) وأظفاره ثلاثا ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه، ويغسل ما نبت بمحل الفرض من أصبع أو يد زائدة، (ثم يمسح كل رأسه) بالماء (مع الأذنين مرة واحدة) فيمر يديه مقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح

(1/31)


بإبهاميه ظاهرهما ويجزئ كيف مسح، (ثم يغسل رجليه) ثلاثا (مع الكعبين) أي العظمين الناتئين في أسفل الساق من جانبي القدم، (ويغسل الأقطع بقية المفروض) لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم» متفق عليه، (فإن قطع من المفصل) أي من مفصل المرفق (غسل رأس العضد منه) وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق، (ثم يرفع نظره إلى السماء) بعد فراغه (ويقول ما ورد) ومنه: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» (وتباح معونته) أي معونة المتوضئ، وسن كونه عن يساره كإناء ضيق الرأس وإلا فعن يمينه، (و) يباح له (تنشيف أعضائه) من ماء الوضوء ومن وضأه غيره ونواه هو صح إن لم يكن الموضئ مكرها بغير حق وكذا الغسل والتيمم.

[باب مسح الخفين]
وغيرهما من الحوائل. وهو رخصة وأفضل من غسل، ويرفع الحدث ولا يسن أن
يلبس ليمسح.

(1/32)


و (يجوز يوما وليلة) لمقيم ومسافر لا يباح له القصر (ولمسافر) سفرا يبيح القصر (ثلاثة) أيام (بلياليها) لحديث علي يرفعه «للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة» رواه مسلم. ويخلع عند انقضاء المدة فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم، فإن مسح وصلى أعاد (و) ابتداء المدة (من حدث بعد لبس على طاهر) العين فلا يمسح على نجس، ولو في ضرورة ويتيمم معها لمستور (مباح) فلا يجوز المسح على مغصوب ولا على حرير لرجل لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة (ساتر للمفروض) ولو بشده أو شرجه كالزربول الذي له ساق وعرى يدخل بعضها في بعض فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض لقصره أو سعته أو صفائه أو خرق فيه، وإن صغر حتى موضع الخرز، فإن انضم ولم يبد منه شيء جاز المسح عليه (يثبت بنفسه) فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه، وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما ما دامت مدته، ولا يجوز المسح على ما يسقط (من خف) بيان لطاهر أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفا. قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وجورب صفيق) وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مسح على الجوربين والنعلين» ، رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي (ونحوهما) أي نحو الخف والجورب كالجرموق ويسمى الموق وهو خف قصير فيصح المسح عليه لفعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رواه أحمد وغيره.

(و) يصح المسح أيضا (على عمامة) مباحة (لرجل) لا لمرأة لأنه - «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مسح على الخفين والعمامة» ، قال الترمذي: حسن صحيح، هذا إذا كانت (محنكة) وهي التي يدار

(1/33)


منها تحت الحنك كور -بفتح الكاف- فأكثر (أو ذات ذؤابة) -بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة- وهي طرف العمامة، المرخي فلا يصح المسح على العمامة الصماء. ويشترط أيضا أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس،
فيعفى عنه لمشقة التحرز منه بخلاف الخف، ويستحب مسحه معها (و) على (خمر نساء مدارة تحت حلوقهن) لمشقة نزعها كالعمامة بخلاف وقاية الرأس. وإنما يمسح جميع ما تقدم (في حدث أصغر) لا في حدث أكبر بل يغسل ما تحتها.

(و) يمسح على (جبيرة) مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما (لم تتجاوز قدر الحاجة) وهو موضع الجرح والكسر وما قرب منه بحيث يحتاج إليه في شدها، فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها، فإن خشي تلفا أو ضررا تيمم لزائد ودواء على البدن تضرر بقلعه كجبيرة في المسح عليه (ولو في) حدث (أكبر) لحديث صاحب الشجة: «إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود. والمسح عليها عزيمة (إلى حلها) أي يمسح على الجبيرة إلى حلها أو برء ما تحتها وليس موقتا كالمسح على الخفين ونحوهما؛ لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدرها (إذا لبس ذلك) أي ما تقدم من الخفين ونحوهما والعمامة والخمار والجبيرة (بعد كمال الطهارة) بالماء ولو مسح فيها على حائل أو تيمم لجرح، فلو غسل رجلا ثم أدخلها الخف خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى، ولو نوى جنب رفع حدثيه وغسل رجليه وأدخلهما الخف ثم تمم طهارته أو مسح رأسه ثم لبس العمامة ثم غسل رجليه، أو تيمم ولبس الخف أو غيره لم يمسح ولو جبيرة، فإن خاف الضرر بنزعها تيمم. ويمسح من به سلس بول أو نحوه إذا لبس بعد الطهارة؛ لأنها كاملة في حقه، فإن زال عذره لزمه الخلع واستئناف الطهارة كالمتيمم يجد الماء.

(ومن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء وإلا خلع (أو عكس) أي مسح مقيما ثم سافر لم يزد على مسح مقيم تغليبا لجانب الحضر، (أو شك في ابتدائه) أي ابتداء المسح هل كان حضرا أو سفرا (فمسح مقيم) أي فيمسح تتمة يوم وليلة فقط؛ لأنه المتيقن،

(1/34)


(وإن أحدث) في الحضر (ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر) لأنه ابتدأ المسح مسافرا.

(ولا يمسح قلانس) جمع قلنسوة، وهي المبطنات كدنيات القضاة والنوميات، قال في " مجمع البحرين " على هيئة ما تتخذه الصوفية الآن، (ولا) يمسح (لفافة) وهي الخرقة
تشد على الرجل تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة لعدم ثبوتها بنفسها، (ولا) يمسح (ما يسقط من القدم أو) خفا (يرى منه بعضه) أي بعض القدم أم شيء من محل الفرض؛ لأن ما ظهر فرضه الغسل ولا يجامع المسح (فإن لبس خفا على خف قبل الحدث) ولو مع خرق أحد الخفين (فالحكم لـ) لخف (الفوقاني) لأنه ساتر فأشبه المنفرد، وكذا لو لبسه على لفافة وإن كانا مخرقين لم يجز المسح ولو سترا، وإن أدخل يده من تحت الفوقاني ومسح الذي تحته جاز، وإن أحدث ثم لبس الفوقاني قبل المسح التحتاني أو بعده لم يمسح الفوقاني بل ما تحته، ولو نزع الفوقاني بعد مسحه لزم نزع ما تحته.

(ويمسح) وجوبا (أكثر العمامة) ويختص ذلك بدوائرها (و) يمسح أكثر (ظاهر قدم الخف) والجرموق والجورب، وسن أن يمسح بأصابع يده (من أصابعه) أي أصابع رجليه (إلى ساقه) يمسح رجله اليمنى بيده اليمنى ورجله اليسرى بيده اليسرى، ويفرج أصابعه إذا مسح، وكيف مسح أجزأ ويكره غسله وتكرار مسحه (دون أسفله) أي أسفل الخف (وعقبه) فلا يسن مسحهما ولا يجزئ لو اقتصر عليه (و) يمسح وجوبا (على جميع الجبيرة) لما تقدم من حديث صاحب الشجة. (ومتى ظهر بعض محل الفرض) ممن مسح (بعض الحدث) بخرق الخف أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف أو ظهر بعض رأس وفحش أو زالت جبيرة استأنف الطهارة، فإن تطهر ولبس الخف ولم يحدث لم تبطل طهارته بخلعه، ولو كان توضأ تجديدا ومسح (أو تمت مدته) أي مدة المسح (استأنف الطهارة) ولو في صلاة لأن المسح أقيم مقام الغسل، فإذا زال أو انقضت مدته بطلت الطهارة في المسموح فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض.

(1/35)


[باب نواقض الوضوء]
أي مفسداته وهي ثمانية:
أحدها: الخارج من سبيل، وأشار إليه بقوله: (ينقض) الوضوء (ما خرج من سبيل) أي مخرج بول أو غائط ولو نادرا أو طاهرا كولد بلا دم أو مقطرا في إحليله أو محتشي وابتلى، لا الدائم كالسلس والاستحاضة فلا ينقض للضرورة.
(و) الثاني (خارج من بقيه البدن) سوى السبيل (إن كان بولا أو غائطا) قليلا كان أو كثيرا (أو) كان أبيض (كثيرا نجسا غيرهما) أي غير البول والغائط كقيء ولو بحاله لما روى
الترمذي: «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاء فتوضأ» ، والكثير ما فحش في نفس كل أحد بحسبه، وإذا استد المخرج وانفتح غيره لم يثبت له أحكام المعتاد.
(و) الثالث (زوال العقل) أي تغطيته، قال أبو الخطاب وغيره: ولو تلجم ولم يخرج منه شيء إلحاقا بالغالب (إلا يسير نوم من قاعد أو قائم) غير محتب أو متكئ أو مستند.
وعلم من كلامه أن الجنون والإغماء والسكر ينقض كثيرها ويسيرها ذكره في " المبدع " إجماعا. وينقض أيضا النوم من مضطجع وراكع وساجد مطلقا كمحتب ومتكئ ومستند، والكثير من قائم وقاعد لحديث: «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» رواه أحمد وغيره. والسه: حلقه الدبر.

(1/36)


(و) الرابع (مس ذكر) آدمي تعمده أو لا (متصل) ولو أشل أو أقلف أو من ميت لا الأنثيين ولا بائن أو محله (أو) مس (قبل) من امرأة وهو فرجها الذي بين اسكتيها، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مس ذكره فليتوضأ» رواه مالك والشافعي وغيرهما وصححه أحمد والترمذي، وفي لفظ «من مس فرجه فليتوضأ» وصححه أحمد. ولا ينقض مس شفريها وهما حافتا فرجها وينقض المس بيد بلا حائل، ولو كانت زائدة سواء كان (بظهر كفه أو بطنه) أو حرفه من رؤوس الأصابع إلى الكوع لعموم حديث «من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء» رواه أحمد، لكن لا ينقض مسه بالظفر (و) ينقض (لمسهما) أي لمس الذكر والقبل معا (من خنثى مشكل) لشهوة أو لا، إذ أحدهما أصلي قطعا (و) ينقض أيضا (لمس ذكر ذكره) أي ذكر الخنثى المشكل لشهوة لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره وإن كان امرأة فقد لمسها لشهوة، فإن لم يمسه لشهوة أو مس قبله لم ينقض (أو أنثى قبله) أي وينقض لمس أنثى قبل الخنثى المشكل (لشهوة فيهما) أي في هذه والتي قبلها؛ لأنه إن كان أنثى فقد
مست فرجها، وإن كان ذكرا فقد لمسته لشهوة فإن كان اللمس لغيرها أو مست ذكره لم ينتقض وضوؤها.
(و) الخامس (مسه) أي الذكر (امرأة بشهوة) لأنها التي تدعو إلى الحدث، والباء للمصاحبة، والمرأة شاملة للأجنبية وذات المحرم والميتة والكبيرة والصغيرة المميزة،

(1/37)


وسواء كان المس باليد أو غيرها ولو بزائد ولو لزائد أو أشل (أو تمسه بها) أي ينقض مسها للرجل بشهوة كعكسة السابق (و) ينقض (مس حلقه دبر) لأنه فرج، سواء كان منه أو من غيره (لا مس شعر وظفر) وسن منه أو منها ولا المس بها (و) لا مس رجل (أمرد) ولو بشهوة (ولا) المس (مع حائل) لأنه لم يمس البشرة. (ولا) ينتقض وضوء (ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة) ذكر كان أو أنثى، وكذا لا ينتقض وضوء ملموس فرجه.
(وينقض غسل ميت) مسلما كان أو كافرا ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا. روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء. والغاسل من يقلبه ويباشره ولو مرة لا من يصب عليه الماء ولا من ييممه وهذا هو السادس.
(و) السابع (أكل اللحم خاصة من الجزور) أي الإبل فلا ينقض بقية أجزائها كالكبد وشرب لبنها ومرق لحمها سواء كان نيئا أو مطبوخا، قال أحمد: فيه حديثان صحيحان حديث البراء وجابر بن سمرة.
(و) الثامن المشار إليه بقوله: (كل ما أوجب غسلا) كإسلام وانتقال مني ونحوهما (أوجب الوضوء إلا الموت) فيوجب الغسل دون الوضوء، ولا نقض بغير ما مر كالقذف والكذب والغيبة ونحوها والقهقهة ولو في الصلاة، وأكل ما مست النار غير لحم الإبل ولا يسن الوضوء منهما.

(ومن تيقن الطهارة وشك) أي تردد (في الحدث أو بالعكس) بأن تيقن الحدث وشك
في الطهارة (بني على اليقين) سواء كان في الصلاة أو خارجها تساوى عنده

(1/38)


الأمران، أو غلب على ظنه أحدهما لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» متفق عليه (فإن تيقنهما) أي تيقن الطهارة والحدث (وجهل السابق) منهما (فهو بضد حاله قبلهما) إن علمهما، فإن كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث، وإن كان محدثا فهو الآن متطهر؛ لأنه قد تيقن زوال تلك الحالة إلى ضدها وشك في بقاء ضدها، وهو الأصل وإن لم يعلم حاله قبلهما تطهر، وإذا سمع اثنان صوتا أو شما ريحا من أحدهما لا بعينه فلا وضوء عليهما ولا يأتم أحدهما بصاحبه ولا يصاففه في الصلاة وحده، وإن كان أحدهما إماما أعادا صلاتهما.

(ويحرم على المحدث مس المصحف) أو بعضه حتى جلده وحواشيه بيد أو غيرها بلا حائل لا حمله بعلاقة أو في كيس أو كم من غير مس، ولا تصفحه بكمه أو عود ولا صغير لوحا فيه قرآن من الخالي من الكتابة، ولا مس تفسير ونحوه، ويحرم أيضا مس المصحف بعضو متنجس وسفر به لدار حرب وتوسده، وتوسد كتب فيها قرآن ما لم يخف سرقة.
ويحرم أيضا كتب القرآن بحيث يهان، وكره مد رجل إليه واستدباره وتخطيه وتحليته بذهب أو فضة، وتحرم تحلية كتب العلم. (و) يحرم على المحدث أيضا (الصلاة) ولو نفلا حتى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر. ولا يكفر من صلى محدثا. (و) يحرم على المحدث أيضا (الطواف) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام» رواه الشافعي في " مسنده ".

(1/39)


[باب الغسل]
بضم الغين: الاغتسال، أي استعمال الماء في جميع بدنه على وجه مخصوص. وبالفتح الماء أو بالفعل وبالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وغيره.
(وموجبه) ستة أشياء أحدها (خروج المني) من مخرجه (دفقا بلذة لا) إن خرج
(بدونها من غير نائم) ونحوه، فلو خرج من يقظان لغير ذلك كبرد ونحوه من غير شهوة لم يجب به غسل لحديث علي يرفعه «إذا فضخت الماء فاغتسل، وإن لم تكن فاضخا فلا تغتسل» رواه أحمد. والفضخ هو خروجه بالغلبة، قاله إبراهيم الحربي، فعلى هذا يكون نجسا وليس بمذي، قاله في " الرعاية ". وإن خرج المني من غير مخرجه كما لو انكسر صلبه فخرج منه لم يجب الغسل وحكمه كالنجاسة المعتادة، وإن أفاق نائم أو نحوه يمكن بلوغه فوجد بللا فإن تحقق أنه مني اغتسل فقط ولو لم يذكر احتلاما، وإن لم يتحققه منيا فإن سبق نومه ملاعبة أو نظرا أو فكر أو نحوه أو كان به أبردة لم يجب الغسل وإلا اغتسل وطهر ما أصابه احتياطا، (وإن انتقل) المني (ولم يخرج اغتسل له) لأن الماء قد باعد محله فصدق عليه اسم الجنب، ويحصل به البلوغ ونحوه مما يترتب على خروجه (فإن خرج) المني (بعده) أي بعد غسله لانتقاله (لم يعده) لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين.
(و) الثاني (تغيب حشفة أصلية) أو قدرها إن فقدت وإن لم ينزل (في فرج أصلي قبلا كان أو دبرا) وإن لم يجد حرارة، فإن أولج الخنثى المشكل حشفته في فرج أصلي ولم ينزل أو أولج غير الخنثى ذكره في قبل الخنثى، فلا غسل على واحد منهما إن لم ينزل، ولا غسل إذا مس الختان الختان من غير إيلاج ولا بإيلاج بعض الحشفة، (ولو)

(1/40)


كان الفرج (من بهيمة أو ميت) أو نائم أو مجنون أو صغير يجامع مثله، وكذا لو استدخلت ذكر نائم أو صغير ونحوه.
(و) الثالث (إسلام كافر) أصليا كان أو مرتدا ولو مميزا أو لم يوجد في كفره ما يوجبه، لأن «قيس بن عاصم أسلم فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغتسل بماء وسدر» ، رواه أحمد والترمذي وحسنه، ويستحب له إلقاء شعره، قال أحمد: ويغسل ثيابه.
(و) الرابع (موت) غير شهيد معركة ومقتول ظلما ويأتي.
(و) الخامس (حيض. و) السادس (نفاس) ولا خلاف في وجوب الغسل بهما قاله في
" المغني "، فيجب بالخروج، والانقطاع شرط (لا ولادة عارية عن دم) فلا غسل بها والولد طاهر.
(ومن لزمه الغسل) لشيء مما تقدم (حرم عليه) الصلاة والطواف ومس المصحف و (قراءة القرآن) أي قراءة آية فصاعدا، وله قول ما وافق قرآنا إن لم يقصده كالبسملة والحمدلة ونحوهما كالذكر، وله تهجيه والتفكر فيه وتحريك شفتيه به ما لم يبين الحروف وقراءة بعض آية ما لم تطل، ولا يمنع من قراءته متنجس الفم، ويمنع الكافر من قراءته ولو رجي إسلامه. (ويعبر المسجد) أي يدخله لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] أي طريق (لحاجة) وغيرها على الصحيح كما مشى عليه في " الإقناع "، وكونه طريقا قصيرا حاجة، وكره أحمد اتخاذه طريقا. ومصلى العيد مسجد لا مصلى الجنائز،

(1/41)


(ولا) يجوز أن (يلبث فيه) أي في المسجد من عليه غسل (بغير وضوء) فإن توضأ جاز له اللبث فيه، ويمنع منه مجنون وسكران ومن عليه نجاسة تتعدى، ويباح به وضوء وغسل إن لم يؤذهما، وإذا كان الماء في المسجد جاز دخوله بلا تيمم، وإن أراد اللبث فيه للاغتسال تيمم، وإن تعذر الماء واحتاج للبث جاز بلا تيمم.

(ومن غسل ميتا) مسلما أو كافرا سن له الغسل لأمر أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بذلك، رواه أحمد وغيره، (أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم) أي إنزال (سن له الغسل) لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسل من الإغماء» متفق عليه، والجنون في معناه بل أولى، وتأتي بقية الأغسال المستحبة في أبواب ما تستحب له ويتيمم للكل ولما يسن له الوضوء لعذر.

(و) صفة (الغسل الكامل) أي المشتمل على الواجبات والسنن (أن ينوي) رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو نحوها، (ثم يسمي) وهي هنا كوضوء تجب مع الذكر وتسقط مع السهو، (ويغسل يديه ثلاثا) كما في الوضوء، وهو هنا آكد لرفع الحدث عنهما بذلك، (و) يغسل (ما لوثه) من أذى (ويتوضأ) كاملا (ويحثي) الماء (على رأسه ثلاثا يرويه) أي يروي في كل مرة أصول شعره فلا يجزئ المسح، (ويعم بدنه غسلا) لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثا وتوضأ وضوءه
للصلاة، ثم يخلل شعره بيديه حتى إذا ظن أنه قد روى بشرته أفاض الماء عليه ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده» متفق عليه. (ويعم بدنه غسلا) فلا يجزئ المسح (ثلاثا) حتى ما يظهر من فرج امرأة عند قعود لحاجة وباطن شعر وتنقضه لحيض،

(1/42)


(ويدلكه) أي يدلك بدنه بيديه ليتيقن وصول الماء إلى مغابنه وجميع بدنه ويتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه وتحت حلقه وإبطيه وعمق سرته، وبين إليتيه وطي ركبتيه. (ويتيامن) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعجبه التيامن في طهوره. (ويغسل قدميه) ثانيا (مكانا آخر) ويكفي الظن في الإسباغ، قال بعضهم: ويحرك خاتمه ليتيقن وصول الماء.

(و) الغسل (المجزئ) أي الكافي (أن ينوي) كما تقدم (ثم يسمي) فيقول: بسم الله، (ويعم بدنه بالغسل مرة) أي يغسل ظاهر جميع بدنه، وما في حكمه من غير ضرر كالفم والأنف والبشرة التي تحت الشعر ولو كثيفة وباطن الشعر وظاهره مع مسترسله وما تحت حشفة أقلف إن أمكن شمرها. ويرتفع حدث قبل زوال حكم خبث. ويستحب سدر في غسل كافر أسلم وحائض، وأخذها مسكا تجعله في قطنة أو نحوها وتجعلها في فرجها، فإن لم تجد فطيبا، فإن لم تجد فطينا، (ويتوضأ بمد) ، استحبابا، والمد رطل وثلث عراقي ورطل وأوقيتان وسبعا أوقية مصري، وثلاث أواق وثلاثة أسباع أوقية دمشقية، وأوقيتان وأربعة أسباع أوقية قدسية، (ويغتسل بصاع) وهو أربعة أمداد، وإن زاد جاز لكن يكره الإسراف ولو على نهر جار. ويحرم أن يغتسل عريانا بين الناس، وكره خاليا في الماء (فإن أسبغ بأقل) مما يذكر في الوضوء أو الغسل أجزأه. والإسباغ تعميم العضو بالماء بحيث يجري عليه ولا يكون مسحا (أو نوى بغسله الحدثين) أو الحدث وأطلق أو الصلاة ونحوها مما يحتاج لوضوء وغسل (أجزأه) عن الحدثين ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة.

(ويسن لجنب) ولو أنثى وحائض ونفساء انقطع دمها (غسل فرجه) لإزالة ما عليه من الأذى، (والوضوء لأكل) وشرب لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «رخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للجنب

(1/43)


إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة» رواه أحمد بإسناد صحيح (ونوم)
لقول عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة» متفق عليه، ويكره تركه لنوم فقط، (و) يسن أيضا غسل فرجه ووضوؤه (لمعاودة وطء) لحديث «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا» رواه مسلم وغيره وزاد الحاكم «فإنه أنشط للعود» والغسل أفضل، وكره الإمام أحمد بناء الحمام وبيعه وإجارته وقال: من بنى حماما للنساء ليس بعدل. وللرجل دخوله بسترة مع أمن الوقوع في محرم، ويحرم على المرأة بلا عذر.

[باب التيمم]
[التيمم] في اللغة: القصد. وشرعا: مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص، وهو من خصائص هذه الأمة لم يجعله الله طهورا لغيرها توسعه عليها وإحسانا إليها فقال تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] الآية.
(وهو) أي التيمم (بدل طهارة الماء) لكل ما يفعل بها عند العجز عنه شرعا كصلاة وطواف ومس مصحف وقراءة قرآن ووطء حائض.

(1/44)


ويشترط له شرطان:
أحدهما: دخول الوقت وقد ذكر بقوله: (إذا دخل وقت فريضة) أو منذورة بوقت معين أو عيد أو وجد كسوف أو اجتمع الناس لاستسقاء أو غسل الميت أو يمم لعذر أو ذكر فائتة وأراد فعلها، (أو أبيحت نافلة) بأن لا يكون وقت نهي عن فعلها.

الشرط الثاني: تعذر الماء وهو ما أشار إليه بقوله: (وعدم الماء) حضرا كان أو سفرا قصيرا كان أو طويلا مباحا كان أو غيره، فمن خرج لحرث أو احتطاب ونحوهما ولا يمكنه حمل الماء معه ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته فله التيمم ولا إعادة عليه، (أو زاد) الماء (على ثمنه) أي ثمن مثله في مكانه بأن لم يبذل إلا بزائد (كثيرا) عادة (أو) بـ (ثمن يعجزه) أو يحتاجه له أو لمن نفقته عليه، (أو خاف باستعماله) أي باستعمال الماء ضررا
(أو) خاف (بطلبه ضرر بدنه أو) ضرر (رفيقه أو) ضرر (حرمته) أي زوجته أو امرأة من أقاربه، (أو) ضرر (ماله بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه) كخوفه باستعماله تأخر البرء أو بقاء أثر شين في جسده (شرع التيمم) أي وجب لما وجب الوضوء أو الغسل له وسن لما يسن له ذلك. وهو جواب إذا من قوله: إذا دخل وقت فريضة، ويلزم شراء ماء وحبل ودلو بثمن مثل أو زائد يسيرا، فاضل عن حاجته ويلزم استعارة الحبل والدلو وقبول الماء قرضا وهبة وقبول ثمنه قرضا، إذا كان له وفاء ويجب بذله لعطشان ولو نجسا.

(ومن وجد ماء يكفي بعض طهره) من حدث أكبر أو أصغر (تيمم بعد استعماله) ولا يتيمم قبله ولو كان على بدنه نجاسة، وهو محدث غسل النجاسة وتيمم للحدث بعد غسلها، وكذلك لو كانت النجاسة في ثوبه، (ومن جرح) وتضرر بغسل الجرح ومسحه بالماء (تيمم له) ولما يتضرر بغسله مما

(1/45)


قرب منه (وغسل الباقي) فإن لم يتضرر بمسحه وجب وأجزأ، وإذا كان جرحه ببعض أعضاء وضوئه لزمه إذا توضأ مراعاة الترتيب فيتيمم له عند غسله لو كان صحيحا ومراعاة الموالاة، فيعيد غسل الصحيح عند كل تيمم بخلاف غسل الجنابة فلا ترتيب فيه ولا موالاة.

(ويجب) على من عدم الماء إذا دخل وقت الصلاة (طلب الماء في رحله) بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه (و) في (قربة) بأن ينظر وراءه وأمامه وعن يمينه وعن شماله، فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه ويطلبه من رفيقه، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح ما لم يتحقق عدمه، (و) يلزمه أيضا طلبه (بدلالة) ثقة إذا كان قريبا عرفا ولم يخف فوت وقت ولو المختار أو رفقة أو على نفسه أو ماله، ولا يتيمم لخوف فوت جنازة ولا وقت فرض إلا إذا وصل مسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده أو علمه قريبا، وخاف فوت الوقت إن قصده، ومن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت ولم يترك ماء يتطهر به حرم ولم يصح العقد، ثم إن تيمم وصلى لم يعد إن عجز عن رده.
(فإن) كان قادرا على الماء لكن (نسي قدرته عليه) أو جهله بموضع يمكنه استعماله (وتيمم) وصلى (أعاد) لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدا، وأما من ضل عن رحله وبه الماء، وقد طلبه أو ضل عن موضع بئر كان يعرفها وتيمم وصلى فلا إعادة عليه؛ لأنه حال تيممه لم يكن واجدا للماء، (وإن نوى بتيممه أحداثا) متنوعة توجب وضوءا أو غسلا أجزأه عن الجميع، وكذا لو نوى أحدها أو نوى بتيممه الحدثين ولا يكفي أحدهما عن الآخر (أو) نوى
بتيممه (نجاسة على بدنه تضره إزالتها أو عدم ما يزيلها) به، (أو خاف بردا) ولو حضرا مع عدم ما يسخن به الماء بعد تخفيفها ما أمكن وجوبا أجزأه التيمم لها لعموم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، (أو حبس في مصر) فلم يصل للماء أو حبس عنه الماء (فتيمم) أجزأه

(1/46)


(أو عدم الماء والتراب) كمن حبس بمحل لا ماء به ولا تراب، وكذا من به قروح لا يستطيع معها لمس البشرة بماء ولا تراب (صلى) الفرض فقط على حسب حاله (ولم يعد) لأنه أتى بما أمر به فخرج من عهدته، ولا يزيد على ما يجزئ في الصلاة فلا يقرأ زائدا على الفاتحة، ولا يسبح غير مرة، ولا يزيد في طمأنينة ركوع أو سجود وجلوس بين السجدتين، ولا على ما يجزئ في التشهدين، وتبطل صلاته بحدث ونحوه فيها، ولا يؤم متطهرا بأحدهما.

(ويجب التيمم بتراب) فلا يجوز التيمم برمل وجص ونحيت الحجارة ونحوها (طهور) فلا يجوز بتراب تيمم به لزوال طهوريته باستعماله، وإن تيمم جماعة من موضع واحد جاز كما لو توضئوا من حوض واحد يغترفون منه، ويعتبر أيضا أن يكون مباحا فلا يصح بتراب مغصوب، وأن يكون (غير محترق) فلا يصح بما دق من خزف ونحوه، وأن يكون (له غبار) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] فلو تيمم على لبد أو ثوب أو بساط أو حصير أو حائط أو صخرة أو حيوان أو برذعة أو شجر أو خشب أو عدل أو شعير ونحوه مما عليه غبار صح، وإن اختلط التراب بذي غبار غيره كالنورة فكماء خالطه طاهر.

(وفروضه) أي فروض التيمم (مسح وجهه) سوى ما تحت شعره ولو خفيفا وداخل فم وأنف ويكره (و) مسح (يديه إلى كوعيه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمار: «إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا " ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه» . متفق عليه

(1/47)


(و) كذا (الترتيب) بين مسح الوجه واليدين، (والموالاة بينهما) بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه لو كان مغسولا فهما فرضان (في) التيمم عن (حدث أصغر) لا عن حدث أكبر أو نجاسة ببدن؛ لأن التيمم مبني على طهارة الماء.
(وتشترط النية لما يتيمم له) كصلاة أو طواف أو غيرهما (من حدث أو غيره) كنجاسة على بدنه، فينوي استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما أو عن غسل بعض بدنه الجريح أو نحوه؛ لأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث فلا بد من التعيين تقوية لضعفه، فلو نوى رفع الحدث لم يصح (فإن نوى أحدهما) أي الحدث الأصغر أو الأكبر أو النجاسة بالبدن (لم يجزئه عن الآخر) لأنها أسباب مختلفة، والحديث «وإنما لكل امرئ ما نوى» وإن نوى جميعها جاز للخبر، وكل واحد يدخل في العموم فيكون منويا، (وإن نوى) بتيممه (نفلا) لم يصل به فرضا؛ لأنه ليس بمنوي وخالف طهارة الماء؛ لأنها ترفع الحدث، (أو) نوى استباحة الصلاة و (أطلق) فلم يعين فرضا ولا نفلا (لم يصل به فرضا) ولو على الكفاية ولا نذرا؛ لأنه لم ينوه وكذا الطواف، (وإن نواه) أي نوى استباحة فرض (صلى كل وقته فروضا ونوافل) فمن نوى شيئا استباحه ومثله ودونه، فأعلاه فرض عين، فنذر، ففرض كفاية، فصلاة نافلة، فطواف نفل، فمس مصحف، فقراءة قرآن، فلبث بمسجد.

(ويبطل التيمم) مطلقا (بخروج الوقت) أو دخوله ولو كان التيمم لغير صلاة ما لم يكن في صلاة الجمعة أو نوى الجمع في وقت ثانية من يباح له فلا يبطل تيممه بخروج وقت الأولى؛ لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد في حقه. (و) يبطل التيمم عن حدث أصغر (بمبطلات الوضوء) وعن حدث أكبر بموجباته؛ لأن البدل له حكم المبدل، وإن كان لحيض أو نفاس لم يبطل بحدث غيرهما، (و) يبطل التيمم أيضا (بوجود الماء) المقدور على استعماله بلا ضرر إن كان تيمم

(1/48)


لعدمه وإلا فبزوال مبيح من مرض ونحوه (ولو في الصلاة) فيتطهر ويستأنفها (لا) إن وجد ذلك (بعدها) فلا تجب إعادتها وكذا الطواف، ويغسل ميت ولو صلى عليه وتعاد.

(والتيمم آخر الوقت) المختار (لراجي الماء) أو العالم وجوده ولمن استوى عنده الأمران (أولى) لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الجنب: يتلوم - أي يتأنى - ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم.

(وصفته) أي كيفيه التيمم (أن ينوي) كما تقدم (ثم يسمي) فيقول: بسم الله، وهي هنا كوضوء (ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينهما بعد نزع نحو خاتم ضربه واحدة، ولو كان التراب ناعما فوضع يديه عليه وعلق بهما أجزأه (ويمسح وجهه
بباطنهما) أي بباطن أصابعه، (و) يمسح (كفيه براحتيه) استحبابا فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره أو عكس صح. واستيعاب الوجه والكفين واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه، (ويخلل أصابعه) ليصل التراب إلى ما بينهما ولو تيمم بخرقه أو غيرها جاز، ولو نوى وصمد للريح حتى عمت محل الفرض بالتراب أو أمره عليه ومسحه به صح لا إن سفته الريح بلا تصميد فمسحه به.

[باب إزالة النجاسة الحكمية]
أي تطهير مواردها (يجزئ في غسل النجاسات كلها) ، ولو من كلب أو من خنزير (إذا كانت على الأرض) وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور (غسلة واحدة تذهب بعين

(1/49)


النجاسة) ويذهب لونها وريحها، فإن لم يذهبا لم تطهر ما لم يعجز، وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول لعدم اعتبار النية لإزالتها، وإنما اكتفى بالمرة دفعا للحرج والمشقة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء» متفق عليه، فإن كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرمم والدم الجاف والروث، واختلطت بأجزاء الأرض لم تطهر بالغسل، بل بإزالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة.

(و) يجزئ في نجاسة (على غيرها) أي غير أرض (سبع) غسلات (إحداها) أي إحدى الغسلات والأولى أولى (بتراب) طهور (في نجاسة كلب وخنزير) وما تولد منهما أو من أحدهما لحديث «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب» رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا. ويعتبر ما يوصل التراب إلى المحل ويستوعبه به إلا فيما يضر فيكفي مسماه. (ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه) ، كالصابون والنخالة، ويحرم استعمال مطعوم في إزالتها، (و) يجزئ (في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير أو ما تولد
منهما أو من أحدهما (سبع) غسلات بماء طهور ولو غير مباح إن أنقت، وإلا فحتى تنقي مع حت وقرص لحاجة وعصر مع إمكان كل مرة خارج الماء، فإن لم يمكن عصره فبدقه وتقليبه أو تثقيله كل غسلة حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء، ولا يضر بقاء لون أو ريح عجزا (بلا تراب) لقول ابن عمر: «أمرنا بغسل الأنجاس سبعا» فينصرف إلى أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قاله في " المبدع " وغيره، وما تنجس بغسله يغسل عدد ما بقي بعدها مع تراب في نحو نجاسة كلب إن لم يكن استعمل.

(1/50)


(ولا يطهر متنجس) ولو أرضا (بشمس ولا ريح ولا دلك) ولو أسفل خف أو حذاء أو ذيل امرأة ولا صقيل بمسح، (ولا) يطهر متنجس بـ (استحالة) فرماد النجاسة وغبارها وبخارها ودود جرح وصراصر كنف وكلب وقع في ملاحة صار ملحا، ونحو ذلك نجس (غير الخمرة) إذا انقلبت بنفسها خلا أو بنقل لا لقصد تخليل ودنها مثلها؛ لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت كالماء الكثير إذا زال تغيره بنفسه، والعلقة إذا صارت حيوانا طاهرا (فإن خللت) أو نقلت لقصد التخليل لم تطهر.
والخل المباح أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي ويمنع غير خلال من إمساك الخمرة ليتخلل (أو تنجس دهن مائع) أو عجين أو باطن حب أو إناء تشرب النجاسة أو سكين سقيتها (لم يطهر) لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه، وإن كان الدهن جامدا ووقعت فيه نجاسة ألقيت وما حولها والباقي طاهر، فإن اختلط ولم ينضبط حرم، (وإن خفي موضع نجاسة) في بدن أو ثوب أو بقعة ضيقة وأراد الصلاة (غسل) وجوبا (حتى يجزم بزواله) أي زوال النجس؛ لأنه متيقن فلا يزول إلا بيقين الطهارة، فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله، وإن علمها في أحد كميه ولا يعرفه غسلهما ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر.

(ويطهر بول) وقيء (غلام لم يأكل الطعام) لشهوة (بنضحه) أي غمره بالماء ولا يحتاج

(1/51)


لمرس وعصر، فإن أكل الطعام غسل كغائطه وكبول الأنثى والخنثى فيغسل كسائر النجاسات، قال الشافعي: لم يتبين لي فرق من السنة بينهما. وذكر بعضهم أن الغلام أصله
من الماء والتراب والجارية أصلها من اللحم والدم. وقد أفاده ابن ماجه في " سننه " وهو غريب قاله في " المبدع ". ولعابهما طاهر.

(ويعفى في غير مائع و) في (غير مطعوم عن يسير دم نجس) ولو حيضا أو نفاسا أو استحاضة وعن يسير قيح وصديد (من حيوان طاهر) لا نجس ولا إن كان من سبيل قبل أو دبر، واليسير ما لا يفحش في نفس كل أحد بحسبه، ويضم متفرق بثوب لا أكثر، ودم السمك وما لا نفس له سائلة كالبق والقمل، ودم الشهيد عليه وما يبقى في اللحم وعروقه، ولو ظهرت حمرته طاهر، (و) يعفى (عن أثر استجمار) بمحله بعد الإنقاء واستيفاء العدد. (ولا ينجس الآدمي بالموت) لحديث «المؤمن لا ينجس» متفق عليه.

(وما لا نفس) أي دم (له سائلة) كالبق والعقرب وهو (متولد من طاهر) لا ينجس بالموت بريا كان أو بحريا فلا ينجس الماء اليسير بموتهما فيه، (وبول ما يؤكل لحمه ومنيه وروثه طاهر) «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها» ، والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة، (ومني الآدمي طاهر) لقول عائشة: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يذهب فيصلي به» متفق عليه، فعلى هذا يستحب فرك يابسه وغسل رطبه، (ورطوبة فرج المرأة) وهو مسلك الذكر طاهرة كالعرق والريق والمخاط والبلغم ولو أزرق، وما سال من الفم وقت النوم، (وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر) غير مكروه غير دجاجة مخلاة.

(1/52)


والسؤر - بضم السين مهموز - بقية طعام الحيوان وشرابه، والهر: القط، وإن أكل هو أو طفل ونحوهما نجاسة ثم شرب، ولو قبل أن يغيب من مائع لم يؤثر لعموم البلوى لا عن نجاسة بيدها أو
رجلها، ولو وقع ما ينضح دبره في مائع ثم خرج حيا لم يؤثر، (وسباع البهائم و) سباع (الطير) التي هي أكبر من الهر خلقة (والحمار الأهلي والبغل منه) أي من الحمار الأهلي لا الوحشي (نجسة) ، وكذا جميع أجزائها وفضلاتها؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء» ، فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما، «وقال في الحمر يوم خيبر: " إنها رجس» متفق عليه، والرجس: النجس.

[باب الحيض]
أصله لغة السيلان من قولهم: حاض الوادي إذا سال، وهو شرعا دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته.
(لا حيض قبل تسع سنين) فإن رأت دما لدون ذلك فليس بحيض؛ لأنه لم يثبت في الوجود وبعدها إن صلح فحيض، قال الشافعي: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة. (ولا) حيض (بعد خمسين سنة) لقول عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض، ذكره أحمد. ولا فرق بين نساء العرب وغيرهن، (ولا) حيض (مع حمل) ، قال أحمد: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم، فإن

(1/53)


رأت دما فهو دم فساد لا تترك له العبادة، ولا يمنع زوجها من وطئها، ويستحب أن تغتسل عند انقطاعه إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة مع أمارة فنفاس ولا تنقص به مدته.

(وأقله) أي أقل الحيض (يوم وليلة) لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، (وأكثره) أي أكثر الحيض (خمسة عشر يوما) بلياليها لقول عطاء: رأيت من تحيض خمسة عشر يوما، (وغالبه) أي غالب الحيض (ست) ليال بأيامها (أو سبع) ليال بأيامها.
(وأقل الطهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوما) احتج به أحمد بما روي عن علي أن امرأة جاءته، وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض، فقال علي لشريح: قل فيها. فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرجى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة، فقال علي: قالون، أي جيد بالرومية. (ولا حد لأكثره) أي أكثر الطهر بين الحيضتين
لأنه قد وجد من لا تحيض أصلا، لكن غالبه بقية الشهر، والطهر زمن حيض خلوص النقاء بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها، ولا يكره وطؤها زمنه إن اغتسلت. (وتقضي الحائض) والنفساء] (الصوم لا الصلاة) إجماعا، (ولا يصحان) أي الصوم والصلاة (منها) أي من الحائض (بل يحرمان) عليها كالطواف وقراءة القرآن واللبث في المسجد لا المرور به إن أمنت تلويثه (ويحرم وطؤها في الفرج) إلا لمن به شبق بشرطه، قال الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه من يجامع مثله حشفته ولو بحائل أو مكرها أو ناسيا أو جاهلا (فعليه دينار أو نصفه) على التخيير (كفارة) لحديث ابن عباس «يتصدق بدينار أو نصفه» رواه أحمد والترمذي وأبو داود، وقال: هكذا الرواية الصحيحة، والمراد

(1/54)


بالدينار مثقال من الذهب - مضروبا كان أو غيره - أو قيمته من الفضة فقط، ويجزئ الواحد وتسقط بعجزه وامرأة مطاوعة كرجل. (و) يجوز أن (يستمتع منها) أي من الحائض (بما دونه) أي دون الفرج من القبلة واللمس والوطء دون الفرج؛ لأن المحيض اسم لمكان الحيض، قال ابن عباس: فاعتزلوا نكاح فروجهن، ويسن ستر فرجها عند مباشر غيره، وإذا أراد وطئها فادعت حيضا ممكنا قبل.

(وإذا انقطع الدم) أي دم الحيض أو النفاس (ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق) فإن عدمت الماء تيممت وحل وطؤها، وتغسل المسلمة الممتنعة قهرا ولا نية هنا كالكافرة للعذر، ولا تصلي به، وينوي عن مجنونة غسلت كميت.

(والمبتدأة) أي في زمن يمكن أن يكون حيضا وهي التي رأت الدم ولم تكن حاضت (تجلس) أي تدع الصلاة والصيام ونحوهما بمجرد رؤيته ولو أحمر أو صفرة أو كدرة. (أقله) أي أقل الحيض يوم وليلة (ثم تغتسل) لأنه آخر حيضها حكما (وتصلي) وتصوم ولا توطأ، (فإن انقطع) دمها (لأكثره) أي أكثر الحيض خمسة عشر يوما (فما دونه) بضم النون لقطعه عن الإضافة (اغتسلت عند انقطاعه) أيضا وجوبا لصلاحيته أن يكون حيضا، وتفعل كذلك في الشهر الثاني والثالث، (فإن تكرر) الدم (ثلاثا) أي في ثلاثة أشهر ولم يختلف (فـ) هو كله (حيض) وتثبت عادتها فتجلسه في الشهر الرابع، ولا تثبت بدون ثلاث، (وتقضي ما
وجب فيه) أي ما صامت فيه من واجب وكذا ما طافته أو اعتكفته فيه، وإن ارتفع حيضها ولم يعد أو أيست قبل التكرار لم تقض، (وإن عبر) أي جاوز الدم (أكثره) أي أكثر الحيض (فـ) هي (مستحاضة) والاستحاضة: سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل من أدنى الرحم دون قعره، (فإن كان) لها تمييز بأن كان (بعض دمها أحمر وبعضه أسود ولم يعبر) أي يجاوز الأسود (أكثره) أي أكثر الحيض (ولم ينقص عن أقله فهو) أي الأسود (حيضها) ، وكذا إذا كان بعضه

(1/55)


ثخينا أو منتنا وصلح حيضا (تجلسه في الشهر الثاني) ولو لم يتكرر أو يتوال، (والأحمر) والرقيق وغير المنتن (استحاضة) تصوم فيه وتصلي، (وإن لم يكن دمها متميزا قعدت) عن الصلاة ونحوها أقل الحيض من كل شهر حتى يتكرر ثلاثا فتجلس (غالب الحيض) ستا أو سبعا بتحر (من كل شهر) من أول وقت ابتدئها إن علمته وإلا فمن أول كل هلال.

(والمستحاضة المعتادة) التي تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها منه (ولو) كانت (مميزة تجلس عادتها) ثم تغتسل بعدها وتصلي، (وإن نسيتها) أي نسيت عادتها (عملت بالتمييز الصالح) بأن لا ينقص الدم الأسود ونحوه عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر ولو تنقل أو لم يتكرر، (فإن لم يكن لها تمييز) صالح ونسيت عدده ووقته (فغالب الحيض) تجلسه من أول كل مدة علم الحيض فيها وضاع موضعه، وإلا فمن أول كل هلالي (كالعالمة بموضعه) أي موضع الحيض (الناسية لعدده) فتجلس غالب الحيض في موضعه، (وإن علمت) المستحاضة (عدده) أي عدد أيام حيضها (ونسيت موضعه من الشهر ولو) كان موضعه من الشهر (في نصفه جلستها) أي جلست أيام عادتها (من أوله) أي أول الوقت الذي كان الحيض يأتيها فيه (كمن) أي كمبتدأة (لا عادة لها ولا تمييز) فتجلس من أول وقت ابتدئها على ما تقدم.

(ومن زادت عادتها) مثل أن يكون حيضها خمسة من كل شهر فيصير ستة (أو تقدمت) مثل أن تكون عادتها من أول الشهر فتراه في آخره (أو تأخرت) عكس التي قبلها (فما تكرر) من ذلك (ثلاثا فـ) هو (حيض) ، ولا تلتفت إلى ما خرج عن العادة قبل تكرره كدم المبتدأة الزائد على أقل الحيض فتصوم فيه وتصلي قبل التكرار، وتغتسل عند انقطاعه ثانيا، فإذا تكرر ثلاثا صار عادة فتعيد ما صامته ونحوه من فرض

(1/56)


(وما نقص عن العادة طهر) ، فإن كانت عادتها ستا فانقطع لخمس اغتسلت عند انقطاعه وصلت؛ لأنها طاهرة، (وما عاد فيها) أي في
أيام عادتها كما لو كانت عشرا فرأت الدم ستا ثم انقطع يومين ثم عاد في التاسع والعاشر (جلسته) فيهما لأنه صادف زمن العادة كما لو لم ينقطع.

(والصفرة والكدرة في زمن العادة حيض) فتجلسهما لا بعد العادة ولو تكررتا لقول أم عطية: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا» رواة أبو داود. (ومن رأت يوما) أو أقل أو أكثر (دما ويوما) أو أقل أو أكثر (نقاء فالدم حيض) حيث بلغ مجموعه أقل الحيض، (والنقاء طهر) تغتسل فيه وتصوم وتصلي، ويكره وطؤها فيه (ما لم يعبر) أي يجاوز مجموعهما (أكثره) أي أكثر الحيض فيكون استحاضة.

(والمستحاضة ونحوها) ممن به سلس بول أو مذي أو ريح أو جرح لا يرقأ دمه أو رعاف دائم (تغسل فرجها) لإزالة ما عليه من الحدث (وتعصبه) عصبا يمنع الخارج حسب الإمكان، فإن لم يمكن عصبه كالباسور صلى حسب حاله ولا يلزم إعادتهما لكل صلاة إن لم يفرط، (وتتوضأ لـ) دخول (وقت كل صلاة) إن خرج شيء (وتصلي) ما دام الوقت (فروضا ونوافل) ، فإن لم يخرج شيء لم يجب الوضوء وإن اعتيد انقطاعه زمنا يتسع للوضوء والصلاة تعين؛ لأنه أمكن الإتيان بها كاملة، ومن يلحقه السلس قائما صلى قاعدا أو راكعا أو ساجدا يركع ويسجد. (ولا توطأ) المستحاضة (إلا مع خوف العنت) منه أو منها ولا كفارة فيه، (ويستحب غسلها) أي غسل المستحاضة (لكل صلاة) لأن «أم حبيبة استحيضت

(1/57)


فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة» . متفق عليه.

(وأكثر مدة النفاس) وهو دم ترخيه الرحم للولادة وبعدها وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله، وأصله لغة: من النفس وهو الخروج من الجوف أو من: نفس الله كربته، أي فرجها (أربعون يوما) ، وأول مدته من الوضع وما رأته قبل الولادة بيومين أو ثلاثة بإمارة فنفاس [ولا تنقص به] وتقدم، ويثبت حكمه بشيء فيه خلق الإنسان ولا حد لأقله؛ لأنه لم يرد تحديده، وإن جاوز الدم الأربعين وصادف عادة حيضها ولم يزد أو زاد وتكرر فحيض إن لم يجاوز أكثره، ولا يدخل حيض واستحاضة في مدة نفاس، (ومتى طهرت قبله) أي قبل
انقضاء أكثره (تطهرت) أي اغتسلت (وصلت) وصامت كسائر الطهارات كالحائض إذا انقطع دمها في عادتها.

(ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد) انقطاع الدم و (التطهير) أي الاغتسال، قال أحمد: ما يعجيني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص [أنها أتته قبل الأربعين، فقال: لا تقربيني، ولأنه لا تأمن عود الدم في زمن الوطء] ، (فإن عاودها الدم) في الأربعين (فمشكوك فيه) كما لو لم تره ثم رأته فيها (تصوم وتصلي) أي تتعبد لأنها واجبة في ذمتها بيقين وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه، (وتقضي الواجب) من صوم ونحوه احتياطا ولوجوبه يقينا، ولا تقضي الصلاة كما تقدم، (وهو) أي النفاس (كالحيض فيما يحل) كالاستمتاع بها دون الفرج (و) فيما (يحرم) به كالوطء في الفرج والصوم والصلاة والطلاق بغير سؤالها على عوض (و) فيما (يجب) به كالغسل والكفارة بالوطء فيه (و) فيما (يسقط) به كوجوب الصلاة فلا تقضيها

(1/58)


(غير العدة) فإن المفارقة في الحياة تعتد بالحيض دون النفاس، (و) غير (البلوغ) فيثبت بالحيض دون النفاس لحصول البلوغ بالإنزال السابق للحمل، ولا يحتسب بمدة النفاس على المولى بخلاف مدة الحيض، (وإن ولدت) امرأة (توأمين) أي ولدين في بطن واحد (فأول النفاس وآخره من أولهما) كالحمل الواحد، فلو كان بينهما أربعون يوما فأكثر فلا نفاس للثاني. ومن صارت نفساء بتعديها بضرب بطنها أو بشرب دواء لم تقض.

(1/59)