الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد [كتاب الصلاة]
[الصلاة] في اللغة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:
103] أي ادع لهم، وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة
بالتسليم، سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء مشتقة من الصلوين وهما عرقان من
جانبي الذنب وقيل: عظمان ينحنيان في الركوع والسجود، وفرضت ليلة الإسراء.
(تجب) الخمس في كل يوم وليلة (على كل مسلم مكلف) أي بالغ عاقل ذكر أو أنثى
أو خنثى حر أو عبد أو مبعض (إلا حائضا ونفساء) فلا تجب عليهما. (ويقضي من
زال عقله بنوم أو إغماء أو سكر) طوعا أو كرها (ونحوه) كشرب دواء لحديث «من
نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» رواه مسلم، وغشي على عمار ثلاثا
ثم أفاق وتوضأ وقضى تلك الثلاث، ويقضي من شرب محرما حتى زمن جنون طرأ متصلا
به تغليظا عليه.
(ولا تصح) الصلاة (من مجنون) وغير مميز لأنه لا يعقل النية (ولا) تصح من
(كافر) لعدم صحة النية منه، ولا تجب عليه بمعنى أنه لا يجب عليه القضاء إذا
أسلم، ويعاقب عليها وعلى سائر فروع الإسلام،
(1/60)
(فإن صلى) الكافر على اختلاف أنواعه في دار
الإسلام أو الحرب جماعة أو منفردا بمسجد أو غيره (فمسلم حكما) فلو مات عقب
الصلاة فتركته لأقاربه المسلمين، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابرنا، وإن
أراد البقاء على الكفر وقال: إنما أردت التهزء، لم يقبل، وكذا لو أذن ولو
في غير وقته.
(ويؤمر بها صغير لسبع) أي يلزم وليه أن يأمره بالصلاة لتمام سبع سنين
وتعليمه إياها، والطهارة ليعتادها ذكرا كان أو أنثى، وأن يكفه عن المفاسد
(و) أن (يضرب عليها لعشر) سنين لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه
«مروا أبنائكم بالصلاة وهم
أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أحمد
وغيره. (فإن بلغ في أثنائها) بأن تمت مدة بلوغه وهو في الصلاة (أو بعدها في
وقتها أعاد) أي لزمه إعادتها لأنها نافلة في حقه فلم تجزئه عن الفريضة،
ويعيد التيمم لا الوضوء والإسلام.
(ويحرم) على من وجبت عليه (تأخيرها عن وقتها) المختار أو تأخير بعضها (إلا
لناوي الجمع) لعذر فيباح له التأخير لأن وقت الثانية يصير وقتا لهما (و)
إلا (لمشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا) كانقطاع ثوبه الذي ليس عنده غيره إذا
لم يفرغ من خياطته حتى خرج الوقت، فإن كان بعيدا عرفا صلى ولمن لزمته
التأخير في الوقت مع العزل عليه ما لم يظن مانعا وتسقط بموته ولم يأثم.
(1/61)
(ومن جحد وجوبها كفر) إذا كان ممن لا يجهله
وإن فعلها؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع الأمة، وإن ادعى الجهل كحديث
الإسلام، عرف وجوبها ولم يحكم بكفره؛ لأنه معذور، فإن أصر كفر (وكذا تاركها
تهاونا) أو كسلا لا جحودا (ودعاه إمام أو نائبه) لفعلها (فأصر وضاق وقت
الثانية عنها) أي عن الثانية لحديث «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر
ما تفقدون الصلاة» . قال أحمد: كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء، فإن لم يدع
لفعلها لم يحكم بكفره لاحتمال أنه تركها لعذر يعتقد سقوطها لمثله. (ولا
يقتل حتى يستتاب ثلاثا فيهما) أي فيما إذا جحد وجوبها وفيما إذا تركها
تهاونا فإن تابا وإلا ضربت عنقهما. والجمعة كغيرها، وكذا ترك ركن أو شرط،
وينبغي الإشاعة عن تاركها بتركها حتى يصلي، ولا ينبغي السلام عليه ولا
إجابة دعوته، قاله الشيخ تقي الدين، ويصير مسلما بالصلاة ولا يكفر بترك
غيرها من زكاة وصوم وحج تهاونا وبخلا.
[باب الأذان]
والإقامة هو في اللغة: الإعلام. قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] ، أي إعلام، وفي الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة
أو قربه لفجر بذكر مخصوص.
(والإقامة) في الأصل: مصدر أقام، وفي الشرع: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر
(1/62)
مخصوص، وفي الحديث: «المؤذنون أطول الناس
أعناقا يوم القيامة» رواه مسلم.
(هما فرضا كفاية) لحديث: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم
أكبركم» متفق عليه، (على الرجال) الأحرار (المقيمين) في القرى والأمصار لا
على الرجل الواحد ولا على النساء ولا على العبيد ولا على المسافرين
(للصلوات) الخمس (المكتوبة) دون المنذورة، والمؤداة دون المقضيات، والجمعة
من الخمس، ويسنان لمنفرد وسفر أو لمقضية.
(يقاتل أهل بلد تركوهما) أي: الأذان والإقامة فيقاتلهم الإمام أو نائبه؛
لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالبا
أجزأ عن الكل، وإن كان واحدا وإلا زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة
واحدة بمكان واحد، ويقيم أحدهم، وإن تشاحوا أقرع، وتصح الصلاة بدونهما لكن
يكره. (وتحرم أجرتهما) أي: يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؛ لأنهما
قربة لفاعلهما، و (لا) أخذ (رزق من بيت المال) من مال الفيء (لعدم متطوع)
بالأذان والإقامة فلا
(1/63)
يحرم كأرزاق القضاة والغزاة.
(و) سن أن (يكون المؤذن صيتا) أي رفيع الصوت؛ لأنه أبلغ في الإعلام، زاد في
" المغني " وغيره: وأن يكون حسن الصوت؛ لأنه أرق لسامعه (أمينا) أي عدلا
مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها (عالما بالوقت) ليتحراه فيؤذن في أوله.
(فإن تشاح فيه اثنان) فأكثر (قدم أفضلهما فيه) أي: فيما ذكر من الخصال (ثم)
إن استووا فيها قدم (أفضلهما في دينه وعقله) لحديث: «ليؤذن لكم خياركم»
رواه أبو داود وغيره، (ثم) إن استووا قدم (من يختاره) أكثر (الجيران) لأن
الأذان لإعلامهم، (ثم) إن تساووا في الكل فـ (قرعة) فأيهم خرجت له القرعة
قدم.
(وهو) أي الأذان المختار (خمس عشرة جملة) لأنه أذان بلال - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - من غير ترجيع الشهادتين فإن رجعهما فلا بأس (يرتلها) أي: يستحب أن
يتمهل في ألفاظ الأذان ويقف على كل جملة وأن يكون قائما (على علو) كالمنارة
لأنه أبلغ في الإعلام، وأن يكون (متطهرا) من الحدث الأصغر والأكبر، ويكره
أذان جنب وإقامة محدث، وفي " الرعاية ": يسن أن يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه
وثوبه (مستقبل القبلة) لأنها أشرف الجهات (جاعلا أصبعيه) السبابتين (في
أذنيه) لأنه أرفع للصوت
(1/64)
(غير مستدير) فلا يزيل قدميه في منارة ولا
غيرها (ملتفتا في الحيعلة يمينا وشمالا) أي يسن أن يلتفت يمينا لـ " حي على
الصلاة " وشمالا لـ " حي على الفلاح "، ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله؛
لأنه حقيقة التوحيد (قائلا بعدهما) أي يسن أن يقول بعد الحيعلتين (في أذان
الصبح) ولو أذن قبل الفجر: (الصلاة خير من النوم مرتين) لحديث أبي محذورة
رواه أحمد وغيره؛ ولأنه وقت ينام الناس فيه غالبا، ويكره في غير أذان الفجر
وبين الأذان والإقامة.
(وهي) أي الإقامة (إحدى عشرة) جملة بلا تثنية وتباح تثنيتها (يحدرها) أي:
يسرع فيها ويقف على كل جملة كالأذان.
(ويقيم من أذن) استحبابا، فلو سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم،
فقال أحمد: لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة. فإن أقام من غير إعادة فلا
بأس قاله في " المبدع "، (في مكانه) أي يسن أن يقيم في مكان أذانه (إن سهل)
لأنه أبلغ في الإعلام، فإن شق كأن أذن في منارة أو مكان بعيد عن المسجد
أقام في المسجد لئلا يفوته بعض الصلاة، لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام.
(ولا يصح) الأذان (إلا مرتبا) كأركان الصلاة (متواليا) عرفا لأنه لا يحصل
المقصود منه إلا بذلك، فإن نكسه لم يعتد به، ولا يعتبر الموالاة بين
الإقامة والصلاة إذا أقام عند إرادة الدخول فيها. ويجوز الكلام بين الأذان
وبعد الإقامة قبل الصلاة.
(1/65)
ولا يصح الأذان إلا (من) واحد ذكر (عدل)
ولو ظاهرا، فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر أو أذنت امرأة أو خنثى أو ظاهر
الفسق لم يعتد به، ويصح الأذان (ولو) كان (ملحنا) أي مطربا به (أو) كان
(ملحونا) لحنا لا يحيل المعنى، ويكرهان من ذي لثغة فاحشة، وبطل إن أحيل
المعنى، (ويجزئ) أذان (من مميز) لصحة صلاته كالبالغ.
(ويبطلهما) أي الأذان والإقامة (فصل كثير) بسكوت أو كلام ولو مباحا (و)
كلام (يسير محرم) كقذف وكره اليسير غيره، (ولا يجزئ) الأذان (قبل الوقت)
لأنه شرع للإعلام بدخوله، ويسن في أوله (إلا الفجر) فيصح (بعد نصف الليل)
لحديث «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» متفق
عليه. ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت، وأن يتخذ
ذلك عادة لئلا يغر الناس. ورفع الصوت بالأذان ركن ما لم يؤذن لحاضر فبقدر
ما يسمعه، (ويسن جلوسه) أي المؤذن (بعد أذان المغرب) أو صلاة يسن تعجيلها
قبل الإقامة
(1/66)
(يسيرا) لأن الأذان شرع للإعلام فسن تأخير
الإقامة للإدراك.
(ومن جمع) بين صلاتين لعذر أذن للأولى وأقام لكل منهما، سواء كان جمع تقديم
أو تأخير (أو قضى) فرائض (فوائت أذن للأولى ثم أقام لكل فريضة) من الأولى
وما بعدها وإن كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام، ثم إن خاف من رفع صوته به
تلبيسا أسر وإلا جهر فلو ترك الأذان لها فلا بأس.
(ويسن لسامعه) أي لسامع المؤذن أو المقيم ولو أن السامع امرأة أو سمعه
ثانيا وثالثا حيث سن (متابعته سرا) بمثل ما يقول ولو في طواف أو قراءة
ويقضيها المصلي والمتخلي.
(و) تسن (حوقلته في الحيعلة) أي أن يقول السامع: لا حول ولا قوة إلا بالله،
إذا قال المؤذن أو المقيم: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وإذا قال: الصلاة
خير من النوم - ويسمى التثويب - قال السامع: صدقت وبررت، وإذا قال المقيم:
قد قامت الصلاة، قال السامع: أقامها الله وأدامها، وكذا يستحب للمؤذن
والمقيم إجابة أنفسهما ليجمعا بين ثواب الأذان والإجابة.
(و) يسن (قوله) أي قول المؤذن وسامعه (بعد فراغه: اللهم) أصله: يا الله،
والميم بدل من " يا " قاله الخليل وسيبويه (رب هذه الدعوة) بفتح الدال أي
دعوة الأذان (التامة) أي
الكاملة السالمة من نقص يتطرق إليها (والصلاة القائمة) التي ستقوم وتفعل
بصفاتها (آت محمدا الوسيلة) منزلة في الجنة (والفضيلة وابعثه مقاما محمودا
الذي وعدته) أي الشفاعة العظمى في موقف القيامة؛ لأنه يحمده فيه الأولون
والآخرون ثم يدعو. ويحرم خروج من وجبت عليه الصلاة بعد الأذان في الوقت من
مسجد بلا عذر أو نية رجوع.
[باب شروط الصلاة]
الشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده.
(شروطها) أي ما يجب لها (قبلها) أي تتقدم عليها وتسبقها إلا النية فالأفضل
مقارنتها
(1/67)
للتحريمة. ويجب استمرارها أي الشروط فيها
وبهذا المعنى فارقت الأركان.
(منها) أي من شروط الصلاة: الإسلام والعقل والتمييز، وهذه شروط في كل عبادة
إلا التمييز في الحج ويأتي، ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا.
ومنها (الوقت) قال عمر: الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به، وهو
«حديث جبريل حين أم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في
الصلوات الخمس ثم قال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك» ، فالوقت سبب
وجوب الصلاة؛ لأنها تضاف إليه وتتكرر بتكرره.
(و) منها (الطهارة من الحدث) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه. (و) الطهارة من
(النجس) فلا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي أو ثوبه أو بقعته ويأتي.
والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة، ولا يجب غيرها إلا لعارض كالنذر.
(فوقت الظهر) وهي الأولى (من الزوال) أي ميل الشمس إلى المغرب ويستمر (إلى
مساواة الشيء) الشاخص (فيئه بعد فيء الزوال) أي بعد الظل الذي زالت عليه
الشمس.
اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب، ثم ما دامت
الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء - وهي حالة
الاستواء - انتهى نقصانه، فإذا زاد أدنى زيادة فهو الزوال، ويقصر الظل في
الصيف لارتفاعها إلى الجو ويطول في الشتاء ويختلف بالشهر والبلد (وتعجيلها
أفضل) وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت (إلا في شدة الحر)
(1/68)
فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر لحديث:
«أبردوا بالظهر» ، (ولو صلى وحده) أو في بيته (أو مع غيم لمن يصلي جماعة)
أي ويستحب تأخيرها مع غيم إلى قرب وقت العصر لمن يصلي جماعة؛ لأنه وقت يخاف
فيه المطر والريح فطلب الأسهل بالخروج لهما معا وهذا في غير الجمعة فيسن
تقديمها مطلقا.
(ويليه) أي يلي وقت الظهر (وقت العصر) المختار من غير فصل بينهما ويستمر
(إلى مصير الفيء مثليه بعد فيء الزوال) أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس
(و) وقت (الضرورة إلى غروبها) أي غروب الشمس، فالصلاة فيه أداء لكن يأتم
بالتأخير إليه لغير عذر، (ويسن تعجيلها) مطلقا وهي الصلاة الوسطى.
(ويليه وقت المغرب) وهي وتر النهار ويمتد (إلى مغيب الحمرة) أي الشفق
الأحمر. (ويسن تعجيلها إلا ليلة جمع) أي مزدلفة سميت جمعا لاجتماع الناس
فيها، فيسن (لمن) يباح له الجمع و (قصدها محرما) تأخير المغرب ليجمعها مع
العشاء تأخيرا قبل حط رحله.
(ويليه وقت العشاء إلى) طلوع (الفجر الثاني) وهو الصادق (وهو البياض
المعترض) بالمشرق ولا ظلمة بعده، والأول مستطيل أزرق له شعاع ثم يظلم
(وتأخيرها
(1/69)
إلى) أن يصيلها في آخر الوقت المختار وهو
(ثلث الليل أفضل إن سهل) فإن شق ولو على بعض المأمومين كره، ويكره النوم
قبلها والحديث بعدها إلا يسيرا أو لشغل أو مع أهل ونحوه، ويحرم تأخيرها بعد
الثلث بلا عذر؛ لأنه وقت ضرورة.
(ويليه وقت الفجر) من طلوعه (إلى طلوع الشمس وتعجيلها أفضل) مطلقا، ويجب
التأخير لتعلم فاتحة أو ذكر واجب أمكنه تعلمه في الوقت، وكذا لو أمره والده
به ليصلي به ويسن لحاقن ونحوه مع سعه الوقت.
(وتدرك الصلاة) أداء (بـ) إدراك (تكبيرة الإحرام في وقتها) فإذا كبر
للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء حتى، ولو كان التأخير
لغير عذر لكنه آثم، وكذا وقت
الجمعة يدرك بتكبيرة الإحرام ويأتي. (ولا يصلي) من جهل الوقت ولم تمكنه
مشاهدة الدلائل (قبل غلبة ظنه بدخول وقتها إما باجتهاد) ونظر في الأدلة، أو
له صنعة وجرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة، أو جرت عادته بقراءة شيء
مقدر، ويستحب له التأخير حتى يتيقن (أو بخبر) ثقة (متيقن) كأن يقول رأيت
الفجر طالعا أو الشفق غائبا ونحوه، فإن أخبر عن ظن لم يعمل بخبره.
(1/70)
ويعمل بأذان ثقة عارف، (فإن أحرم باجتهاد)
بأن غلب على ظنه دخول الوقت لدليل مما تقدم (فبان) إحرامه (قبله فـ) صلاته
(نفل) لأنها لم تجب ويعيد فرضه (وإلا) يتبين له الحال، أو ظهر أنه في الوقت
(فـ) صلاته (فرض) ولا إعادة عليه؛ لأن الأصل براءة ذمته، ويعيد الأعمى
العاجز مطلقا إن لم يجد من يقلده.
(وإن أدرك مكلف من وقتها) أي من وقت فريضة (قدر التحريمة) أي تكبيرة
الإحرام (ثم زال تكليفه) بنحو جنون (أو) أدركت طاهرة من الوقت قدر التحريمة
ثم (حاضت) أو نفست (ثم كلف) الذي كان زال تكليفه (وطهرت) الحائض أو النفساء
(قضوها) أي قضوا تلك الفريضة التي أدركوا من وقتها قدر التحريمة قبل؛ لأنها
وجبت بدخول وقتها واستقرت فلا تسقط بوجود المانع، (ومن صار أهلا لوجوبها)
بأن بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو أفاق من مجنون، أو طهرت حائض أو نفساء (قبل
خروج وقتها) أي وقت الصلاة بأن وجد ذلك قبل الغروب مثلا ولو بقدر تكبيرة
(لزمته) أي العصر (وما يجمع إليها قبلها) وهي الظهر، وكذا لو كان
(1/71)
ذلك قبل الفجر لزمته العشاء والمغرب؛ لأن
وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور كأنه أدرك وقتها.
(ويجب فورا) ما لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها أو يحضر لصلاة عيد (قضاء
الفوائت مرتبة) ولو كثرت، ويسن صلاتها جماعة، (ويسقط الترتيب بنسيانه)
للعذر، فإن نسي الترتيب بين الفوائت أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ من
الحاضرة صحت ولا يسقط بالجهل.
(و) يسقط الترتيب أيضا (بخشية خروج وقت اختيار الحاضرة) فإن خشي خروج الوقت
قدم الحاضرة لأنها آكد، ولا يجوز تأخيرها عن وقت الجواز، ويجوز التأخير
لغرض صحيح كانتظار رفقة أو جماعة لها. ومن شك فيما عليه من الصلوات وتيقن
سبق الوجوب أبرأ ذمته يقينا، وإن لم يعلم وقت الوجوب فمما تيقن وجوبه.
(ومنها) أي من شروط الصلاة (ستر العورة) قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد
صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا. والستر - بفتح
السين -: التغطية
وبكسرها: ما يستر به. والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح. ومنه كلمة
عوراء أي قبيحة، وفي الشرع: القبل والدبر، وكل ما يستحيى منه على ما يأتي
تفصيله (فيجب) سترها حتى عن نفسه في خلوة، وفي ظلمة وخارج الصلاة (بما لا
يصف
(1/72)
بشرتها) أي لون بشرة العورة من بياض أو
سواد؛ لأن الستر إنما يحصل بذلك، ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو لأنه لا
يمكن التحرز عنه، ويكفي الستر بغير منسوج كورق وجلد ونبات، ولا يجب ببارية
وحصير وحفيرة وطين وماء كدر لعدم؛ لأنه ليس بسترة، ويباح كشفها لتداو وتخل
ونحوهما، ولزوج وسيد وزوجة وأمة.
(وعورة رجل) ومن بلغ عشرا (وأمة وأم ولد) ومكاتبة ومدبرة (ومعتق بعضها)
وحرة مميزة ومراهقة (من السرة إلى الركبة) . وليسا من العورة وابن سبع إلى
عشرة الفرجان، (وكل الحرة) البالغة (عورة إلا وجهها) فليس عورة في الصلاة.
(وتستحب صلاته في ثوبين) كالقميص والرداء أو الإزار أو السراويل مع القميص،
(ويجزئ ستر عورته) أي عورة الرجل (في النفل و) ستر عورته (مع) جميع (أحد
عاتقيه في الفرض) ولو بما يصف البشرة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» رواه
الشيخان عن أبي هريرة.
(و) يستحب (صلاتها) أي صلاة المرأة (في درع) وهو القميص (وخمار) وهو ما
تضعه على رأسها وتديره تحت حلقها (وملحفة) أي ثوب تلتحف به، وتكره صلاتها
في نقاب وبرقع (ويجزئ) المرأة (ستر عورتها) في فرض ونفل.
(ومن انكشف بعض عورته) في الصلاة رجلا كان أو امرأة (وفحش) عرفا وطال الزمن
أعاد، وإن قصر الزمن أو لم يفحش المكشوف ولو طال الزمن لم يعد
(1/73)
إن لم يتعمده (أو صلى في ثوب محرم عليه)
كمغصوب كله أو بعضه وحرير ومنسوج بذهب أو فضة، إن كان رجلا واحدا غيره وصلى
فيه عالما ذاكرا أعاد، وكذا إذا صلى في مكان غصب (أو) صلى في ثوب (نجس
أعاد) ولو لعدم غيره (لا من حبس في محل) غصب أو (نجس) ويركع ويسجد إن كانت
النجاسة يابسة ويومئ برطبة غاية ما يمكنه، ويجلس على قدميه ويصلي عريانا مع
ثوب مغصوب لم يجد غيره وفي حرير ونحوه لعدم غيره، ولا يصح نفل آبق. (ومن
وجد كفاية عورته سترها) وجوبا وترك غيرها؛ لأن سترها واجب في غير الصلاة
ففيها أولى (وإلا) يجد ما يسترها كلها بل بعضها (فـ) ليستر (الفرجين)
لأنهما أفحش، (فإن لم يكفهما) وكفى أحدهما (فالدبر) أولى لأنه ينفرج في
الركوع والسجود إلا إذا كفت منكبيه وعجزه فقط فيسترهما ويصلي جالسا، ويلزم
العريان تحصيل السترة بثمن أو أجرة مثلها أو زائد يسيرا (وإن أعير سترة
لزمه قبولها) ؛ لأنه قادر على ستر عورته بما لا ضرر فيه بخلاف الهبة للمنة،
ولا يلزمه استعارتها.
(1/74)
(ويصلي العاري) العاجز عن تحصيلها (قاعدا)
ولا يتربع بل ينضام (بالإيماء استحبابا فيهما) أي في العقود والإيماء
بالركوع والسجود، فلو صلى قائما وركع وسجد جاز.
(ويكون إمامهم) أي إمام العراة (وسطهم) أي بينهم وجوبا ما لم يكونوا عميا
أو في ظلمة (ويصلي كل نوع) من رجال ونساء (وحده) لأنفسهم إن اتسع محلهم
(فإن شق) ذلك (صلى الرجال واستدبرتهم النساء ثم عكسوا) فصلى النساء
واستدبرهن الرجال، (فإن وجد) المصلي عريانا (ستره قريبة) عرفا (في أثناء
الصلاة ستر) بها عورته (وبنى) على ما مضى من صلاته (وإلا) يجدها قريبة بل
وجدها بعيدة (ابتدأ) الصلاة بعد ستر عورته، وكذا من عتقت فيها واحتاجت
إليها.
(ويكره في الصلاة السدل) وهو طرح ثوب على كتفيه ولا يرد طرفه على الآخر،
(و) يكره فيها (اشتمال الصماء) بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره، والاضطباع أن
يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، فإن كان تحته
ثوب غيره لم يكره، (و) يكره في الصلاة (تغطيه وجهه واللثام على فمه وأنفه)
بلا سبب لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يغطي الرجل فاه،
رواه أبو داود، وفي تغطيه الفم تشبه بفعل المجوس عند عبادتهم النيران،
(1/75)
ويكره فيها (كف كمه) أي أن يكفه عند السجود
معه (ولفه) أي لف كمه بلا سبب لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «ولا أكف شعرا ولا ثوبا» متفق عليه، (و) يكره فيها (شد وسطه كزنار) أي
بما يشبه شد الزنار لما فيه من التشبه بأهل الكتاب، وفي الحديث «من تشبه
بقوم فهو
منهم» رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح، ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة
مطلقا، ولا يكره للرجل بما لا يشبه الزنار.
(وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره) من عمامة وغيرها في الصلاة وخارجها في غير
الحرب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من جر ثوبه خيلاء لم
ينظر الله إليه» متفق عليه، ويجوز الإسبال من غير الخيلاء للحاجة. (و) يحرم
(التصوير) أي على صورة حيوان؛ لحديث الترمذي وصححه «نهى رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصورة في البيت وأن تصنع» " وإن أزيل من
الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره، (و) يحرم (استعماله) أي المصور على
الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر لا افتراشه وجعله مخدة. (ويحرم) على
الذكر (استعمال منسوج) بذهب أو فضة (أو) استعمال (مموه
(1/76)
بذهب) أو فضة غير ما يأتي في الزكاة من
أنواع الحلي (قبل استحالته) ، فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على
النار لم يحرم لعدم السرف والخيلاء. (و) تحرم (ثياب حرير، و) يحرم (ما) أي
ثوب (هو) أي الحرير (أكثره ظهورا) مما نسج معه (على الذكور) والخناثي دون
النساء لبسها بلا حاجة وافتراشا واستنادا وتعليقا وكتابة مهر وستر جدر -
غير الكعبة المشرفة - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا
تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» متفق عليه. وإذا
فرش فوقه حائلا صفيقا جاز الجلوس عليه والصلاة (لا إذا استويا) أي الحرير
وما نسج معه ظهورا ولا الخز وهو ما سدي بالإبريسم وألحم بصوف أو قطن ونحوه،
(أو) لبس الحرير الخالص (لضرورة أو حكة أو مرض أو قمل أو جرب) ولو بلا حاجة
(أو) كان الحرير (حشوا) لجباب أو فرش فلا يحرم لعدم الفخر والخيلاء بخلاف
البطانة، ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل، وتشبه رجل بأنثى في لباس وغيره
وعكسه (أو) كان الحرير (علما) وهو طراز الثوب (أربع أصابع فما دون أو) كان
(رقاعا أو لبنة جيب) وهو الزيق (وسجف فراء) جمع فروة ونحوها مما يسجف فكل
ذلك يباح من الحرير، إذا كان قدر أربع أصابع فأقل. لما روى مسلم عن عمر «أن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن لبس الحرير إلا موضع
أصبعين أو ثلاثة أو أربعة» ، ويباح أيضا كيس المصحف وخياطة وأزرار، (ويكره
المعصفر) في غير إحرام.
(1/77)
(و) يكره (المزعفر للرجال) لأنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نهى الرجال عن التزعفر» ، متفق عليه. ويكره
الأحمر الخالص والمشي بنعل واحدة، وكون ثيابه فوق نصف ساقه وتحت كعبه بلا
حاجة، وللمرأة زيادة إلى ذراع، ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل
والمرأة، وثوب الشهرة وهو ما يشهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع.
(ومنها) أي من شروط الصلاة (اجتناب النجاسة) حيث لم يعف عنها ببدن المصلي
وثوبه وبقعتهما وعدم حملها لحديث: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر
منه» وقَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] (فمن حمل
نجاسة لا يعفى عنها) ولو بقارورة لم تصح صلاته، فإن كانت معفوا عنها كمن
حمل مستجمرا أو حيوانا طاهرا صحت صلاته، (أو لاقاها) أي لاقى نجاسة لا يعفى
عنها (بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته) لعدم اجتنابه النجاسة، وإن مس ثوبه ثوبا
أو حائطا نجسا لم يستند إليه أو قابلها راكعا أو ساجدا ولم يلاقها صحت،
(وإن طين أرضا نجسة أو فرشها طاهرا) صفيقا أو بسطه على حيوان نجس أو صلى
على بساط باطنه فقط نجس (كره) له ذلك لاعتماده على ما لا تصح الصلاة عليه،
(وصح) لأنه ليس حاملا للنجاسة، ولا مباشرا لها، (وإن كانت) النجاسة (بطرف
مصلى متصل به] صحت الصلاة) على الطاهر ولو تحرك النجس بحركته، وكذا لو كان
تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلي عليه منه طاهرا (إن لم) يكن متعلقا
به بيده أو وسطه بحيث (ينجر) معه (بمشيه) فلا تصح؛ لأنه مستتبع لها فهو
كحاملها، وإن كانت سفينة كبيرة أو حيوانا كبيرا لا يقدر على جره إذا استعصى
(1/78)
عليه صحت؛ لأنه ليس بمستتبع لها.
(ومن رأى عليه نجاسة بعد صلاته وجهل كونها) أي النجاسة (فيها) أي في الصلاة
(لم يعدها) لاحتمال حدوثها بعدها فلا تبطل بالشك، (وإن علم أنها) أي
النجاسة (كانت فيها) أي في الصلاة (لكن جهلها أو نسيها أعاد) كما لو صلى
محدثا ناسيا. (ومن جبر عظمه) بعظم (نجس) أو خيط جرحه بخيط نجس وصح (لم يجب
قلعه مع الضرر) بفوات نفس أو عضو أو مرض ولا يتيمم له إن غطاه اللحم وإن لم
يخف ضررا لزمه قلعه. (وما سقط منه) أي من آدمي (من عضو أو سن فـ) هو (طاهر)
أعاده أو لم يعده، لأن ما أبين من حي فهو كميتة وميتة الآدمي طاهرة، وإن
جعل موضع سنه سن شاة مذكاة فصلاته معه صحيحة ثبت أو لم يثبت. ووصل المرأة
شعرها بشعر حرام، ولا بأس بوصله بقرامل وهي الأعقصة وتركها أفضل، ولا تصح
الصلاة إن كان الشعر نجسا.
(ولا تصح الصلاة) بلا عذر فرضا كانت أو نفلا غير صلاة جنازة (في مقبرة) -
بتثليث الباء - ولا يضر قبران ولا ما دفن بداره (و) لا في (حش) - بضم الحاء
وفتحها - وهو المرحاض
(1/79)
(و) لا في (حمام) داخله وخارجه وجميع ما
يتبعه في البيع (وأعطان إبل) واحدها عطن - بفتح الطاء - وهي المعاطن جمع
معطن - بكسر الطاء - هي ما تقيم فيها وتأوي إليها، (و) لا في (مغصوب)
ومجزرة ومزبلة وقارعة طريق (و) لا في (أسطحتها) أي أسطحة تلك المواضع وسطح
نهر، والمنع فيما ذكر تعبدي؛ لما روى ابن ماجه والترمذي عن ابن عمر أن رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نهى أن يصلى في سبع مواطن:
المزبلة والمجزرة والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل،
وفوق ظهر بيت الله» ". (وتصح) الصلاة (إليها) أي إلى تلك الأماكن مع
الكراهة إن لم يكن حائل، وتصح صلاة الجنازة والجمعة والعيد ونحوها بطريق
لضرورة وغصب، وتصح الصلاة على راحلة بطريق وفي سفينة ويأتي.
(ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها) والحجر منها وإن وقف على منتهاها
بحيث لم يبق وراءه شيء منها أو وقف خارجها وسجد فيها صحت؛ لأنه غير مستدبر
لشيء منها، (وتصح النافلة) والمنذورة فيها وعليها (باستقبال شاخص منها) أي
مع استقبال
(1/80)
شاخص من الكعبة فلو صلى إلى جهة الباب أو
على ظهرها ولا شاخص متصل بها لم تصح، ذكره في
" المغني " و " الشرح " عن الأصحاب. لأنه غير مستقبل لشيء منها. وقال في "
التنقيح ": اختاره الأكثر. وقال في " المغني ": الأولى أنه لا يشترط لأن
الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها، ولهذا تصح على جبل أبي قبيس
وهو أعلى منها. وقدمه في " التنقيح " وصححه في " تصحيح الفروع ". قال في "
الإنصاف ": وهو المذهب على ما اصطلحنا، ويستحب نفله في الكعبة بين
الأسطوانتين وجاهة إذا دخل لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(ومنها) أي من شروط الصلاة (استقبال القبلة) أي الكعبة أو جهتها لمن بعد،
سميت قبلة لإقبال الناس عليها قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] (فلا تصح) الصلاة (بدونه) أي بدون
استقبال (إلا لعاجز) كالمربوط لغير القبلة والمصلوب وعند اشتداد الحرب،
وإلا لـ (متنقل راكب سائر) لا نازل (في سفر) مباح طويل أو قصير إذا كان
يقصد جهة معينة فله أن يتطوع على راحلته حيث ما توجهت به، (ويلزمه افتتاح
الصلاة) بالإحرام إن أمكنه (إليها) أي إلى القبلة بالدابة أو بنفسه ويركع
ويسجد إن أمكنه بلا مشقة وإلا فإلى جهة سيره ويومئ بهما، ويجعل سجوده أخفض،
وراكب المحفة الواسعة والسفينة والراحلة الواقفة يلزمه الاستقبال في كل
صلاته (و) إلا لمسافر (ماش) قياسا على الراكب، (ويلزمه) أي الماشي
(الافتتاح) إليها
(1/81)
(والركوع والسجود إليها) أي إلى القبلة
لتيسر ذلك عليه، وإن داس النجاسة عمدا بطلت، وإن داسها مركوبة فلا، وإن لم
يعذر من عدلت به دابته أو عدل إلى غير القبلة عن جهة سيره مع علمه أو عذر
وطال عدوله عرفا بطلت. (وفرض من قرب من القبلة) أي الكعبة وهو من أمكنه
معاينتها أو الخبر عن يقين (إصابة عينها) ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه
عن الكعبة، ولا يضر علو ولا نزول، (و) فرض (من بعد) عن الكعبة استقبال
(جهتها) فلا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران عرفا إلا من كان بمسجده -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن قبلته متيقنة، (فإن أخبره)
بالقبلة مكلف (ثقة) عدل ظاهرا وباطنا (بيقين) عمل به حرا كان أو عبدا رجلا
أو امرأة، (أو وجد محاريب إسلامية عمل بها) لأن اتفاقهم عليها مع تكرار
الأعصار إجماع عليها فلا تجوز مخالفتها حيث علمها للمسلمين ولا ينحرف.
(ويستدل عليها في السفر بالقطب) وهو أثبت أدلتها لأنه لا يزول عن مكانه إلا
قليلا، وهو نجم خفي شمالي وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى في أحد طرفيه
الجدي والآخر الفرقدان يكون وراء ظهر المصلي بالشام وعلى عاتقه الأيسر
بمصر، (و) يستدل عليها
(بالشمس أو القمر ومنازلهما) أي منازل الشمس والقمر تطلع من المشرق وتغرب
بالمغرب، ويستحب تعلم أدلة القبلة والوقت، فإن دخل الوقت وخفيت عليه لزمه،
ويقلد إن ضاق الوقت.
(وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا في جهة لم يتبع أحدهما الآخر) ، وإن كان أعلم
منه، ولا
(1/82)
يقتدي به؛ لأن كلا منهما خطأ الآخر، (ويتبع
المقلد) لجهل أو عمى (أوثقهما) أي أعلمهما وأصدقهما وأشدهما تحريا لدينه
(عنده) لأن الصواب إليه أقرب، فإن تساويا خير، وإذا قلد اثنين لم يرجع
برجوع أحدهما (ومن صلى بغير اجتهاد) إن كان يحسنه (ولا تقليد) إن لم يحسن
الاجتهاد (قضى) ولو أصاب (إن وجد من يقلده) ، فإن لم يجد أعمى أو جاهل من
يقلده فتحريا وصليا فلا إعادة، وإن صلى بصير حضرا فأخطأ، أو صلى أعمى بلا
دليل من لمس محراب أو نحوه أو خبر ثقة أعاد.
(ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة) لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبا
جديدا (ويصلي بـ) الاجتهاد (الثاني) لأنه ترجح في ظنه ولو كان في صلاة
ويبني (ولا يقضي ما صلى بـ) الاجتهاد (الأول) لأن الاجتهاد لا ينقض
الاجتهاد، ومن أخبر فيها بالخطأ يقينا لزم قبوله، وإن لم يظهر لمجتهد جهة
في السفر صلى على حسب حاله.
(ومنها) أي من شروط الصلاة (النية) وبها تمت الشروط.
وهي لغة: القصد، وهو عزم القلب على الشيء.
وشرعا: العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى، ومحلها القلب، والتلفظ
بها ليس بشرط، إذ الغرض جعل العبادة لله تعالى، وإن سبق لسانه إلى غير ما
نواه لم يضر
(1/83)
(فيجب أن ينوي عين صلاة معينة) فرضا كانت
كالظهر والعصر أو نفلا كالوتر والسنة الراتبة لحديث: «إنما الأعمال
بالنيات» (ولا يشترط في الفرض) أن ينويه فرضا فتكفي نية الظهر ونحوه (و) لا
في (الأداء و) لا في (القضاء) نيتهما لأن التعيين يغني عن ذلك، ويصح قضاء
بنية أداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه (و) لا يشترط في (النفل والإعادة) أي
الصلاة المعادة (نيتهن) فلا يعتبر أن ينوي الصبي الظهر نفلا، ولا أن ينوي
الظهر من أعادها معادة كما لا تعتبر نية الفرض وأولى، ولا تعتبر إضافة
الفعل إلى الله تعالى فيها، ولا في باقي العبادات، ولا عدد الركعات، ومن
عليه ظهر إن عين السابقة لأجل الترتيب، ولا يمنع صحتها قصد تعليمها ونحوه.
(وينوي مع التحريمة) لتكون النية مقارنة للعبادة (وله تقديمها) أي النية
(عليها) أي على تكبيرة الإحرام بزمن يسير عرفا إن وجدت النية (في
الوقت) أي وقت المؤداة والراتبة ما لم يفسخها (فإن قطعها في أثناء الصلاة
أو تردد) في فسخها (بطلت) لأن استدامة النية شرط، ومع الفسخ أو التردد لا
يبقى مستديما، وكذا لو علقه على شرط لا إن عزم على فعل محظور قبل فعله
(1/84)
(وإذا شك فيها) أي في النية أو التحريمة
(استأنفها) ، وإن ذكر قبل قطعها، فإن لم يكن أتى بشيء من أعمال الصلاة بنى،
وإن عمل مع الشك عملا استأنف، وبعد الفراغ لا أثر للشك.
(وإن قلب منفرد) أو مأموم (فرضه نفلا في وقته المتسع جاز) لأنه إكمال في
المعنى كنقض المسجد للإصلاح، لكن يكره لغير غرض صحيح، مثل أن يحرم منفردا
فيريد الصلاة في جماعة.
ونص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفردا، ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة يقطع
صلاته ويدخل معهم فيخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة بطريق الأولى (وإن
انتقل بنية) من غير تحريمة (من فرض إلى فرض) آخر (بطلا) لأنه قطع نية الأول
ولم ينو الثاني من أوله، وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح وينقلب
نفلا ما بان عدم كفايته فلم تكن وفرض لم يدخل وقته.
(ويجب) للجماعة (نية) الإمام (الإمامة و) نية المأموم (الائتمام) لأن
الجماعة يتعلق بها أحكام، وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطا، رجلا كان
المأموم أو امرأة، وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه فسدت
صلاتهما. كما لو نوى إمامه من لا يصلح أن يؤمه، أو شك في كونه إماما، أو
مأموما، ولا يشترط تعيين الإمام، ولا المأموم، ولا يضر جهل المأموم ما قرأ
به إمامه، وإن نوى زيد الاقتداء بعمرو ولم ينو عمرو الإمامة صحت صلاة عمرو
وحده، وتصح نية الإمامة ظانا حضور مأموم لا شاكا،
(1/85)
(وإن نوى المنفرد الائتمام) في أثناء
الصلاة (لم تصح) لأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة سواء صلى وحده ركعة
أولا (فرضا) كانت الصلاة، أو نفلا (كـ) ما لا تصح (نية إمامته) في أثناء
الصلاة إن كانت (فرضا) لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة ومقتضاه أنه
يصح في النفل، وقدمه في " المقنع " و" المحرر " وغيرهما «لأنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام يتهجد وحده فجاء ابن عباس فأحرم معه فصلى
به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» متفق عليه. واختار الأكثر
لا يصح في فرض، ولا نفل؛ لأنه لم ينو الإمامة في الابتداء، وقدمه في "
التنقيح "، وقطع به في " المنتهى ".
(وإن انفرد) أي نوى الانفراد (مؤتم بلا عذر) كمرض
وغلبة نعاس وتطويل إمام (بطلت) صلاته لتركه متابعة إمامه ولعذر صحت، فإن
فارقه في ثانية جمعة لعذر أتمها جمعة.
(وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه) لعذر، أو غيره (فلا استخلاف) أي فليس
للإمام أن يستخلف من يتم بهم إن سبقه الحدث، ولا تبطل صلاة إمام ببطلان
صلاة مأموم ويتمها منفردا، (وإن أحرم إمام الحي) أي الراتب (بمن) أي
بمأمومين (أحرم بهم نائبه) لغيبته وبنى على صلاة نائبه (وعاد) الإمام
(النائب مؤتما صح) «لأن أبا بكر صلى فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف وتقدم فصلى بهم» ،
متفق عليه.
وإن سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة فأتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما، أو
ائتم مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر صح.
(1/86)
[باب صفة
الصلاة]
يسن الخروج إليها بسكينه ووقار ويقارب خطاه، وإذا دخل المسجد قدم رجله
اليمنى واليسرى إذا خرج، ويقول ما ورد، ولا يشبك أصابعه، ولا يخوض في حديث
الدنيا، ويجلس مستقبل القبلة.
(يسن) للإمام فالمأموم (القيام عند) قول المقيم: (قد قامت الصلاة) لأن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك، رواه ابن أبي
أوفى، وهذا إن رأى المأموم الإمام وإلا قام عند رؤيته، ولا يحرم الإمام حتى
تفرغ الإقامة.
(و) تسن (تسوية الصف) بالمناكب والأكعب، فليلتفت عن يمينه فيقول: استووا
رحمكم الله، وعن يساره كذلك، ويكمل الأول فالأول، ويتراصون عن يمينه، والصف
الأول للرجال أفضل، وله ثوابه وثواب من وراءه ما اتصلت الصفوف، وكلما قرب
منه فهو أفضل، والصف الأخير للنساء أفضل.
(ويقول) قائما في فرض مع القدرة: (الله أكبر) فلا تنعقد إلا بها نطقا
لحديث: «تحريمها التكبير» رواه أحمد وغيره.
فلا تصح إن نكسه، أو قال: الله الأكبر، أو الجليل ونحوه، أو مد همزة الله
أكبر، أو قال: إكبار، وإن مططه كره مع بقاء المعنى، فإن أتى بالتحريمة، أو
ابتدأها، أو أتمها غير قائم صحت نفلا إن اتسع الوقت، ويكون حال التحريمة.
(رافعا يديه) ندبا، فإن عجز عن رفع إحداهما رفع الأخرى مع ابتداء التكبير،
وينهيه معه (مضمومة الأصابع ممدودة) الأصابع مستقبلا ببطونهما القبلة (حذو)
أي مقابل (منكبيه) لقول ابن عمر: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم يكبر»
متفق عليه.
فإن لم يقدر على الرفع المسنون رفع حسب الإمكان ويسقط بفراغ التكبير كله
(1/87)
وكشف يديه هنا وفي الدعاء أفضل، ورفعهما
إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه (كالسجود) يعني أنه يسن في السجود وضع
يديه بالأرض حذو منكبيه.
(ويسمع الإمام) استحبابا بالتكبير كله (من خلفه) من المأمومين ليتابعوه،
وكذا يجهر بـ " سمع الله لمن حمده " والتسليمة الأولى، فإن لم يمكنه إسماع
جميعهم جهر به بعض المأمومين «لفعل أبي بكر معه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» . متفق عليه. (كقراءته) أي كما يسن للإمام أن يسمع قراءته من
خلفه (في أولتي غير الظهرين) أي الظهر والعصر فيجهر في أولتي المغرب
والعشاء والصبح والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر بقدر
ما يسمع المأمومين (وغيره) أي غير الإمام وهو المأموم، والمنفرد يسر بذلك
كله لكن ينطق به بحيث يسمع (نفسه) وجوبا في كل واجب؛ لأنه لا يكون كلاما
بدون الصوت وهو ما يأتي استماعه حيث لا مانع، فإن [كان مانع بأن كان عياط
وغيره] فبحيث يحصل السماع مع عدمه.
(ثم) إذا فرغ من التكبيرة (يقبض كوع يسراه) بيمينه ويجعلهما (تحت سرته)
استحبابا
لقول علي: «من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة» . رواه أحمد وأبو
داود، (وينظر) المصلي استحبابا (مسجده) أي موضع سجوده؛ لأنه أخشع إلا في
صلاة خوف لحاجة
(ثم) يستفتح ندبا فـ (يقول: سبحانك اللهم) أي أنزهك اللهم عما لا يليق بك
(وبحمدك) سبحتك، (وتبارك اسمك) أي كثرت بركاته (وتعالى جدك) أي ارتفع قدرك
وعظم، (ولا إله غيرك) أي لا إله يستحق أن يعبد غيرك. كان - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يستفتح بذلك، رواه أحمد وغيره. (ثم يستعيذ) ندبا
فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (ثم يبسمل) ندبا فيقول: بِسْمِ
(1/88)
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وهي قرآن
آية منه نزلت فصلا بين السور غير براءة فيكره ابتداؤها بها، ويكون
الاستفتاح والتعوذ والبسملة (سرا) ويخير في غير صلاة في الجهر بالبسملة
(وليست) البسملة (من الفاتحة) وتستحب عند كل فعل مهم.
(ثم يقرأ الفاتحة) تامة بتشديداتها، وهي ركن في كل ركعة، وهي أفضل سورة
وآية الكرسي أعظم آية، وسميت فاتحة الكتاب؛ لأنه يفتتح بقراءتها الصلاة
وبكتابتها في المصاحف، وفيها إحدى عشرة تشديدة، ويقرأها مرتبة متوالية،
(فإن قطعها بذكر، أو سكوت غير مشروعين وطال) عرفا أعادها، فإن كان مشروعا
كسؤال الرحمة عند تلاوة آية رحمة وكالسكوت لاستماع قراءة إمامه وكسجوده
للتلاوة مع إمامه لم يبطل ما مضى من قراءتها مطلقا، (أو ترك منها تشديدة،
أو حرفا، أو ترتيبا لزم غير مأموم إعادتها) أي إعادة الفاتحة فيستأنفها إن
تعمد، ويستحب أن يقرأها مرتلة معربة يقف عند كل آية كقراءته - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ويكره الإفراط في التشديد والمد، (ويجهر الكل)
أي المنفرد والإمام والمأموم معا (بآمين في) الصلاة (الجهرية) بعد سكتة
لطيفة ليعلم أنها ليست من القرآن، وإنما هي طابع الدعاء ومعناه اللهم
استجب، ويحرم تشديد ميمها، فإن تركه إمام، أو أسره أتى به مأموم جهرا،
ويلزم الجاهل تعلم الفاتحة والذكر الواجب، ومن صلى وتلقف القراءة من غيره
صحت.
(ثم يقرأ بعدها) أي بعد الفاتحة (سورة) ندبا كاملة يفتتحها ببسم الله
الرحمن الرحيم، وتجوز آية إلا أن أحمد استحب كونها طويلة كآية الدين
والكرسي، ونص على جواز تفريق السورة في ركعتين لفعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -، ولا يعتد بالسورة قبل الفاتحة، ويكره الاقتصار على الفاتحة
في الصلاة والقراءة بكل القرآن في فرض لعدم نقله وللإطالة.
و (تكون) السورة (في) صلاة (الصبح من طوال المفصل) بكسر الطاء وأوله (ق)
ولا يكره لعذر كمرض وسفر بقصاره، ولا يكره بطواله (و) تكون (في) صلاة
(المغرب من قصاره) ، ولا يكره بطواله (و) تكون السورة (في الباقي) من
الصلوات كالظهرين والعشاء (من أوساطه) ،
(1/89)
ويحرم تنكيس الكلمات وتبطل به، ويكره تنكيس
السور والآيات، ولا تكره ملازمة سورة مع اعتقاد جواز غيرها.
(ولا تصح) الصلاة (بقراءة خارجة عن مصحف عثمان) بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - كقراءة ابن مسعود: فصيام ثلاثة أيام متتابعات، وتصح بما
وافق مصحف عثمان وصح سنده، وإن لم يكن من العشرة وتتعلق به الأحكام، وإن
كان في القراءة زيادة حرف فهي أولى لأجل العشر حسنات.
(ثم) بعد فراغه من قراءة السورة (يركع مكبرا) لقول أبي هريرة: «كان النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكبر إذا قام إلى الصلاة، ثم يكبر حين
يركع» ، متفق عليه. (رافعا يديه) مع ابتداء الركوع لقول ابن عمر: «رأيت
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استفتح للصلاة رفع يديه
حتى يحاذي منكبيه، وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه» متفق عليه.
(ويضعهما) أي يديه (على ركبتيه مفرجتي الأصابع) استحبابا، ويكره التطبيق
بأن يجعل إحدى كفيه على الأخرى، ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع، وهذا كان
في أول الإسلام، ثم نسخ، ويكون المصلي (مستويا ظهره) ويجعل رأسه حيال ظهره
فلا يرفعه، ولا يخفضه، روى ابن ماجه عن وابصة بن معبد قال: «رأيت النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي، وكان إذا ركع سوى ظهره
(1/90)
حتى لو صب الماء عليه لاستقر» ، ويجافي
مرفقيه عن جنبيه والمجزئ الانحناء بحيث يمكن مس ركبتيه بيديه
إن كان وسطا في الخلقة، أو قدره من غيره، ومن قاعد مقابلة وجهه ما وراء
ركبتيه من الأرض أدنى مقابلة وتتمتها الكمال، (ويقول) راكعا: (سبحان ربي
العظيم) ؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كان يقولها في ركوعه،
رواه مسلم وغيره.
والاقتصار عليها أفضل، والواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه للإمام عشر،
وقال أحمد: جاء عن الحسن التسبيح التام سبع، والوسط خمس، وأدناه ثلاث.
(ثم يرفع رأسه ويديه) لحديث ابن عمر السابق (قائلا إمام ومنفرد سمع الله
لمن حمده) مرتبا وجوبا؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان
يقول ذلك، قاله، في " المبدع " ومعنى سمع: استجاب (و) يقولان (بعد قيامهما)
واعتدالهما: (ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء
بعد) أي: حمدا لو كان أجساما لملأ ذلك، وله قول: اللهم ربنا ولك الحمد -
وبلا واو أفضل - عكس ربنا ولك الحمد (و) يقول (مأموم في رفعه: ربنا ولك
الحمد فقط) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قال الإمام:
سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد» متفق عليه من حديث أبي هريرة،
وإذا رفع المصلي من الركوع، فإن شاء وضع يمينه على شماله، أو أرسلهما.
(ثم) إذا فرغ من ذكر الاعتدال (يخر مكبرا) ، ولا يرفع يديه (ساجدا على سبعة
أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه) لقول ابن عباس: «أمر
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن
(1/91)
يسجد على سبعة أعظم، ولا يكف شعرا، ولا
ثوبا: الجبهة واليدين والركبتين والرجلين» متفق عليه. وللدارقطني عن عكرمة
عن ابن عباس مرفوعا «لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض» ، ولا تجب مباشرة
المصلي بشيء منها، فتصح (ولو) سجد (مع حائل) بين الأعضاء ومصلاه قال
البخاري في " صحيحه ": قال الحسن: كان القوم يسجدون على
العمامة والقلنسوة إذا كان الحائل (ليس من أعضاء سجوده) ، فإن جعل بعض
أعضاء السجود فوق بعض كما لو وضع يديه على فخذيه، أو جبهته على يديه لم
يجزئه، ويكره ترك مباشرتها بلا عذر، ويجزئ بعض كل عضو، وإن جعل ظهور كفيه،
أو قدميه على الأرض، أو سجد على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزيه،
ذكره في " الشرح "، ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها ويومئ ما يمكنه،
(ويجافي) الساجد (عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه) وهما عن ساقيه ما لم يؤذ
جاره، (ويفرق ركبتيه) ورجليه وأصابع رجليه ويوجهها إلى القبلة، وله أن
يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال، (ويقول) في السجود: (سبحان ربي الأعلى)
على ما تقدم في تسبيح الركوع.
(ثم يرفع رأسه) إذا فرغ من السجدة (مكبرا ويجلس مفترشا يسراه) أي يسرى
رجليه (ناصبا يمناه) ويخرجها من تحته ويثني أصابعها نحو القبلة ويبسط يديه
على فخذيه مضمومتي الأصابع، (ويقول) بين السجدتين: (رب اغفر لي) الواجب مرة
والكمال ثلاث (ويسجد) السجدة (الثانية كالأولى) فيما تقدم من التكبير
والتسبيح وغيرهما، (ثم يرفع) من السجود (مكبرا ناهضا على صدور قدميه) ، ولا
يجلس للاستراحة (معتمدا على ركبتيه إن سهل) وإلا اعتمد على الأرض، وفي "
الغنية " يكره أن يقدم إحدى رجليه
(1/92)
(ويصلي) الركعة (الثانية كذلك) أي كالأولى
(ما عدا التحريمة) أي تكبيرة الإحرام (والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية)
فلا تشرع إلا في الأولى لكن إن لم يتعوذ فيها تعوذ في الثانية.
(ثم) بعد فراغه من الركعة الثانية (يجلس مفترشا) كجلوسه بين السجدتين
(ويداه على فخذيه) ، ولا يلقمهما ركبتيه (ويقبض خنصر) يده (اليمنى وبنصرها
ويحلق إبهامها مع الوسطى) بأن يجمع بين رأس الإبهام والوسطى فتشبه الحلقة
من حديد ونحوه، (ويشير بسبابتها) من غير تحريك (في تشهده) ودعائه في الصلاة
وغيرها عند ذكر الله تعالى تنبيها على التوحيد، (ويبسط) أصابع (اليسرى)
مضمومة إلى القبلة، (ويقول) سرا: (التحيات لله) أي الألفاظ التي تدل على
السلام والملك والبقاء والعظمة لله تعالى أي مملوكة له أو مختصة به،
(والصلوات) أي الخمس، أو الرحمة، أو المعبود بها، أو العبادات كلها، أو
الأدعية، (والطيبات) أي الأعمال الصالحة، أو من الكلم (السلام) أي اسم
السلام وهو الله، أو
سلام الله (عليك أيها النبي) بالهمز من النبأ؛ لأنه يخبر عن الله وبلا همز
إما تسهيلا، أو من النبوة، وهي الرفعة وهو من ظهرت المعجزات على يده (ورحمة
الله وبركاته) جمع بركة، وهي النماء والزيادة (السلام علينا) أي على
الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) جمع صالح
وهو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق عباده. وقيل: المكثر من العمل
الصالح، ويدخل فيه النساء، ومن لم يشاركه في الصلاة، (أشهد أن لا إله إلا
الله) أي أخبر بأني قاطع بالوحدانية (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) المرسل
إلى الناس كافة. (هذا التشهد الأول) علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ابن مسعود وهو في " الصحيحين "، (ثم يقول) في التشهد الذي
يعقبه السلام: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم
إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما
(1/93)
باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) لأمره
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك في المتفق عليه من حديث كعب بن
عجرة، ولا يجزئ لو أبدل آل بأهل، ولا تقديم الصلاة على التشهد، (ويستعيذ)
ندبا فيقول: أعوذ بالله (من عذاب جهنم و) من (عذاب القبر و) من (فتنة
المحيا والممات و) من (فتنة المسيح الدجال) ، والمحيا والممات: الحياة
والموت، والمسيح -بالحاء المهملة- على المعروف. (و) يجوز أن (يدعو بما ورد)
أي في الكتاب والسنة، أو عن الصحابة والسلف، أو بأمر الآخرة ولو لم يشبه ما
ورد، وليس له الدعاء بشيء مما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها، كقوله: اللهم
ارزقني جارية حسناء، أو طعاما طيبا وما أشبهه وتبطل به.
(ثم يسلم) وهو جالس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«وتحليلها التسليم» وهو منها فيقول: (عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله،
وعن يساره كذلك) وسن التفاته عن يساره أكثر وأن لا يطول السلام، ولا يمده
في الصلاة، ولا على الناس وأن يقف على آخر كل تسليمة وأن ينوي به الخروج من
الصلاة، ولا يجزئ إن لم يقل: ورحمة الله في غير صلاة جنازة والأولى أن لا
يزيد: وبركاته.
(وإن كان) المصلي (في ثلاثية) كمغرب، (أو رباعية) كظهر (نهض مكبرا بعد
التشهد الأول) ، ولا يرفع يديه (وصلى ما بقي) (كـ) الركعة (الثانية بالحمد)
أي بالفاتحة (فقط) ، ويسر بالقراءة، (ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا) يفرش
رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما عن يمينه، ويجعل أليتيه على الأرض، ثم
يتشهد ويسلم.
(والمرأة مثله) أي، مثل الرجل في جميع ما تقدم حتى رفع اليدين، (لكن تضم
نفسها)
(1/94)
في الركوع والسجود وغيرهما فلا تتجافى
(وتسدل رجليها في جانب يمينها) إذا جلست وهو أفضل، أو متربعة، وتسر القراءة
وجوبا إن سمعها أجنبي وخنثى كأنثى.
ثم يسن أن يستغفر ثلاثا، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت
وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، ويقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر
معا ثلاثا وثلاثين، ويدعو بعد كل مكتوبة مخلصا في دعائه.
[فصل مكروهات الصلاة]
فصل (يكره في الصلاة التفاته) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» رواه البخاري، وإن كان لخوف
ونحوه لم يكره، وإن استدار بجملته، أو استدبر القبلة في غير شدة خوف بطلت
صلاته (و) يكره (رفع بصره إلى السماء) إلا إذا تجشأ فيرفع وجهه لئلا يؤذي
من حوله لحديث أنس: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم،
فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن، أو لتخطفن أبصارهم» ، رواه البخاري.
(و) يكره أيضا (تغميض عينيه) ؛ لأنه فعل اليهود، (و) يكره أيضا (إقعاؤه) في
الجلوس وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، هكذا فسره الإمام وهو قول أهل
الحديث، واقتصر عليه في " المغني " و " المقنع " و " الفروع " وغيرها، وعند
العرب الإقعاء: جلوس الرجل على أليتيه ناصبا قدميه، مثل إقعاء
(1/95)
الكلب، قال في " شرح المنتهى ": وكل من
الجلستين مكروه
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا رفعت رأسك من السجود
فلا تقع كما يقعي الكلب» ، رواه ابن ماجه، ويكره أن يعتمد على يده، أو
غيرها وهو جالس لقول ابن عمر: «نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده» ، رواه أحمد
وغيره، وأن يستند إلى جدار ونحوه؛ لأنه يزيل شقة القيام إلا من حاجة، فإن
كان يسقط لو أزيل لم تصح.
(و) يكره (افتراش ذراعيه ساجدا) بأن يمدهما على الأرض ملصقا لهما بها لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اعتدلوا في السجود، ولا يبسط
أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» متفق عليه من حديث أنس.
(و) يكره (عبثه) ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا
يعبث في صلاته فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (و) يكره (تخصره) أي
وضع يديه على خاصرته «لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي
الرجل مختصرا» ، متفق عليه من حديث أبي هريرة (و) يكره (تروحه) بمروحة
ونحوها؛ لأنه من العبث إلا لحاجة كغم شديد، ومراوحته بين رجليه مستحبة
وتكره كثرته؛ لأنه فعل اليهود
(1/96)
(وفرقعة أصابعه وتشبيكها) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة» ، رواه
ابن ماجه عن علي، وأخرج هو والترمذي عن كعب بن عجرة «أن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أصابعه» ، ويكره التمطي
وفتح فمه ووضعه فيه شيئا لا في يده، وأن يصلي وبين يديه ما يلهيه، أو صورة
منصوبة ولو صغيرة، أو نجاسة، أو باب مفتوح، أو إلى نار من قنديل أو شمعة،
والرمز بالعين والإشارة لغير حاجة وإخراج لسانه، وأن يصطحب ما فيه صورة من
فص أو نحوه، وصلاته إلى متحدث، أو نائم، أو
كافر، أو وجه آدمي، أو إلى امرأة تصلي بين يديه، وإن غلبه تثاؤب كظم ندبا،
فإن لم يقدر وضع يده على فمه.
(و) يكره (أن يكون حاقنا) حال دخوله في الصلاة، والحاقن: هو المحتبس بوله،
وكذا كل ما يمنع كمالها كاحتباس غائط، أو ريح وحر وبرد وجوع وعطش مفرط؛
لأنه يمنع الخشوع وسواء خاف فوت الجماعة أو لا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» ،
رواه مسلم عن عائشة، (أو بحضرة طعام يشتهيه) فتكره صلاته إذا لما تقدم، ولو
خاف فوت الجماعة، وإن ضاق الوقت عن فعل جميعها وجبت في جميع الأحوال وحرم
اشتغاله بغيرها.
ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه؛ لأنه من شعائر الرافضة ومسح أثر سجوده
في الصلاة ومسح لحيته وعقص شعره وكف ثوبه ونحوه ولو فعلهما لعمل قبل صلاته،
ونهى الإمام رجلا كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى، نقل ابن القاسم يكره
أن يشمر
(1/97)
ثيابه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «ترب ترب»
(و) يكره (تكرار الفاتحة) ؛ لأنه لم ينقل و (لا) يكره (جمع سور في) صلاة
(فرض كنفل) لما في الصحيح «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قرأ في ركعة من قيامه بالبقرة وآل عمران والنساء» .
(و) يسن (له) أي للمصلي (رد المار بين يديه) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدا يمر بين يديه،
فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين» ، رواه مسلم عن ابن عمر، وسواء كان المار
آدميا، أو غيره والصلاة فرضا أو نفلا، بين يديه ستره فمر دونها، أو لم تكن
فمر قريبا منه، ومحل ذلك ما لم يغلبه، أو يكن المار محتاجا إلى المرور، أو
بمكة، ويحرم المرور بين المصلي وسترته ولو بعيدة، وإن لم يكن سترة ففي
ثلاثة أذرع فأقل، فإن أبى المار الرجوع دفعه المصلي، فإن أصر فله قتاله ولو
مشى، فإن خاف فسادها لم يكرر دفعه ويضمنه، وللمصلي دفع العدو من سيل وسبع،
أو سقوط جدار ونحوه، وإن كثر لم تبطل في الأشهر قاله في " المبدع " (و) له
(عد الآي) والتسبيح وتكبيرات العيد بأصابعه لما روى محمد بن خلف عن أنس
«رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعقد الآي بأصابعه»
(و) للمأموم (الفتح على
إمامه) إذا ارتج عليه، أو غلط لما روى أبو داود عن ابن عمر: «أن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى صلاة فلبس عليه فلما انصرف قال
لأبي: أصليت معنا؟! قال: نعم قال: فما منعك» قال الخطابي: إسناده جيد، ويجب
في الفاتحة كنسيان سجدة، ولا تبطل به ولو بعد أخذه في قراءة غيرها، ولا
يفتح على غير إمامه؛ لأن ذلك يشغله عن صلاته، فإن فعل لم تبطل قاله في "
الشرح "
(1/98)
(و) له (لبس الثوب و) لف (العمامة) ؛ لأنه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التحف بإزاره وهو في الصلاة وحمل
أمامة وفتح الباب لعائشة، وإن سقط رداؤه فله رفعه (و) له (قتل حية وعقرب
وقمل) وبراغيث ونحوها؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر
بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب» ، رواه أبو داود والترمذي، وصححه،
(فإن أطال) أي أكثر المصلي (الفعل عرفا من غير ضرورة و) كان متواليا (بلا
تفريق بطلت) الصلاة (ولو) كان الفعل (سهوا) إذا كان من غير جنس الصلاة؛
لأنه يقطع الموالاة ويمنع متابعة الأركان، فإن كان لضرورة لم يقطعها
كالخائف، وكذا إن تفرق ولو طال المجموع، واليسير ما يشبه فعله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حمل أمامة وصعوده المنبر ونزوله عنه لما
صلى عليه وفتح الباب لعائشة وتأخره في صلاة الكسوف، ثم عوده ونحو ذلك.
وإشارة الأخرس ولو مفهومة كفعله، ولا تبطل بعمل قلب وإطالة نظر في كتاب
ونحوه.
(وتباح) في الصلاة فرضا كانت، أو نفلا (قراءة أواخر السور وأوساطها) لما
روى أحمد ومسلم عن ابن عباس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- كان يقرأ في الأولى من
ركعتي الفجر قَوْله تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية، وفي الثانية في آل عمران قل: {يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران: 64] الآية» .
(1/99)
(وإذا نابه) أي عرض للمصلي (شيء) أي: أمر
كاستئذان عليه وسهو إمامه (سبح رجل) ، ولا تبطل إن كثر (وصفقت امرأة ببطن
كفها على ظهر الأخرى) وتبطل إن كثر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذا نابكم شيء في صلاتكم فلتسبح الرجال ولتصفق النساء» متفق
عليه من حديث سهل بن سعد، وكره التنبيه بنحنحة وصفير وتصفيقه وتسبيحها لا
بقراءة وتهليل وتكبير ونحوه. (ويبصق) ويقال بالسين والزاي (في الصلاة عن
يساره وفي المسجد في ثوبه) ويحك بعضه ببعض إذهابا لصورته، قال أحمد: البزاق
في المسجد خطيئة وكفارته دفنه للخبر. ويخلق موضعه استحبابا ويلزم حتى غير
الباصق إزالته، وكذا المخاط والنخامة، وإن كان في غير مسجد جاز أن يبصق عن
يساره، أو تحت قدميه لخبر أبي هريرة: «وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه
فيدفنها» ، رواه البخاري وفي ثوبه أولى، ويكره يمنة وأماما، وله رد السلام
إشارة والصلاة والسلام عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند
قراءته ذكره في نفل.
(وتسن صلاته إلى سترة) حضرا كان أو سفرا ولو لم يخش مارا؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها»
، رواه أبو داود وابن ماجه من حديث
(1/100)
أبي سعيد (قائمة كمؤخرة الرحل) ؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة
الرحل فليصل، ولا يبال من يمر وراء ذلك» ، رواه مسلم، فإن كان في مسجد
ونحوه قرب من الجدار وفي فضاء فإلى شيء شاخص من شجر، أو بعير، أو ظهر
إنسان، أو عصى؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى حربة
وإلى بعير» ، رواه البخاري ويكفي وضع العصا بين يديه عرضا،
ويستحب انحرافه عنها قليلا، (فإن لم يجد شاخصا فإلى خط) كالهلال. قال في "
الشرح ": وكيف ما خط أجزأه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا» ، رواه أحمد، وأبو داود، قال البيهقي: لا
بأس به في مثل هذا.
(وتبطل) الصلاة (بمرور كلب أسود بهيم) أي لا لون فيه سوى السواد إذا مر بين
المصلي وسترته، أو بين يديه قريبا في ثلاثة أذرع فأقل من قدميه إن لم تكن
سترة وخص الأسود بذلك؛ لأنه شيطان (فقط) أي لا امرأة وحمار وشيطان وغيرها،
وسترة الإمام سترة المأموم.
(وله) أي للمصلي (التعوذ عند آية وعيد والسؤال) أي سؤال الرحمة (عند آية
رحمة ولو في فرض) لما روى مسلم عن حذيفة، قال: «صليت مع النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند
المائة، ثم مضى - إلى أن قال: إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال
سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ» ، قال أحمد: إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
(1/101)
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:
40] في الصلاة وغيرها، قال: سبحانك فبلى في فرض ونفل.
[فصل أركان الصلاة وواجباتها]
فصل. [أركان الصلاة] (أركانها) : أي أركان الصلاة أربعة عشر، جمع ركن، وهو
جانب الشيء الأقوى، وهو ما كان فيها، ولا يسقط عمدا، ولا سهوا، وسماها
بعضهم فروضا والخلف لفظي (القيام) في فرض لقادر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وحده ما لم يصر راكعا
(والتحريمة) أي تكبيرة الإحرام لحديث: «تحريمها التكبير» (و) قراءة
(الفاتحة) لحديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب» ويتحملها
الإمام عن المأموم (والركوع) إجماعا في كل ركعة (والاعتدال عنه) ؛ لأنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم على فعله وقال: «صلوا كما
رأيتموني
أصلي» ولو طوله لم تبطل كالجلوس بين السجدتين ويدخل في الاعتدال الرفع،
والمراد إلا ما بعد الركوع الأول والاعتدال عنه في صلاة كسوف (والسجود)
إجماعا (على الأعضاء السبعة) لما تقدم (والاعتدال عنه) أي الرفع منه ويغني
عنه قوله (والجلوس بين السجدتين) لقول
(1/102)
عائشة: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا» ،
رواه مسلم (والطمأنينة في) الأفعال (الكل) المذكورة لما سبق، وهي السكون،
وإن قل: (والتشهد الأخير وجلسته) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل: التحيات لله» الخبر متفق
عليه. (والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه) أي
في التشهد الأخير لحديث كعب السابق، (والترتيب) بين الأركان؛ لأنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصليها مرتبة وعلمها المسيء في صلاته
مرتبة بثم، (والتسليم) لحديث: «وختامها التسليم» .
[واجبات الصلاة] (وواجباتها) : أي الصلاة ثمانية: (التكبير غير التحريمة)
فهي ركن كما تقدم، وغير تكبيرة المسبوق إذا أدرك إمامه راكعا فسنة ويأتي
(والتسميع) أي قول الإمام والمنفرد في الرفع من الركوع: سمع الله لمن حمده.
(والتحميد) أي قول: ربنا ولك الحمد، لإمام ومأموم ومنفرد، لفعله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ومحل ما
يؤتى به من ذلك للانتقال بين ابتداء وانتهاء، فلو شرع فيه قبل، أو كمله بعد
لم يجزئه (وتسبيحات الركوع والسجود) أي قول: سبحان ربي العظيم في الركوع،
وسبحان ربي الأعلى في السجود
(1/103)
(وسؤال المغفرة) أي قول رب اغفر لي بين
السجدتين (مرة مرة، ويسن) قول ذلك (ثلاثا، و) من الواجبات (التشهد الأول
وجلسته) للأمر به في حديث ابن عباس، ويسقط عمن قام إمامه سهوا لوجوب
متابعته والمجزئ منه: " التحيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
رسول الله "، أو عبده ورسوله، وفي التشهد الأخير ذلك مع اللهم صل على محمد
بعده.
(وما عدا الشرائط والأركان والواجبات المذكورة) مما تقدم في صفة الصلاة
(سنة) .
(فمن ترك شرطا لغير عذر) ولو سهوا بطلت صلاته، وإن كان لعذر كمن عدم الماء
والتراب، أو السترة، أو حبس بنجسة صحت صلاته كما تقدم (غير النية فإنها لا
تسقط بحال) ؛ لأن محلها القلب فلا يعجز عنها، (أو تعمد المصلي ترك ركن، أو
واجب بطلت صلاته) ولو تركه لشك في وجوبه، وإن ترك الركن سهوا فيأتي، وإن
ترك الواجب سهوا، أو جهلا سجد له وجوبا، وإن اعتقد أن الفرض سنة، أو بالعكس
لم يضره، كما لو اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعضها نفل وجهل الفرض من السنة،
أو اعتقد الجميع فرضا والخشوع فيها سنة، ومن علم بطلان صلاته ومضى فيها أدب
(بخلاف الباقي) بعد الشروط والأركان والواجبات فلا تبطل صلاة من ترك سنة
ولو عمدا.
(وما عدا ذلك) أي أركان الصلاة وواجباتها (سنن أقوال) كالاستفتاح والتعوذ
(1/104)
والبسملة وآمين والسورة وملء السماوات إلى
آخره بعد التحميد، وما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود وسؤال
المغفرة والتعوذ في التشهد الأخير وقنوت الوتر (و) سنن (أفعال) كرفع اليدين
في مواضعه ووضع اليمنى على اليسرى تحت سرته والنظر إلى موضع سجوده ووضع
اليدين على الركبتين في الركوع والتجافي فيه وفي السجود، ومد الظهر معتدلا
وغير ذلك مما مر لك مفصلا، ومنه الجهر والإخفات والترتيل والإطالة والتقصير
في مواضعها، (ولا يشرع) أي لا يجب، ولا يسن (السجود لتركه) لعدم إمكان
التحرز من تركه، (وإن سجد) لتركه سهوا (فلا بأس) أي فهو مباح.
[باب سجود السهو]
قال: صاحب " المشارق ": السهو في الصلاة: النسيان فيها، (يشرع) أي يجب تارة
ويسن أخرى على ما يأتي تفصيله (لزيادة) سهوا (ونقص) سهوا، (وشك) في الجملة
(لا في عمد) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا سها
أحدكم فليسجد» فعلق السجود على السهو (في) صلاة (الفرض والنافلة) متعلق بـ
" يشرع " سوى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر وسهو (فمتى زاد فعلا من جنس
الصلاة قياما) في محل قعود، (أو قعودا) في محل قيام ولو قل كجلسة
الاستراحة، (أو ركوعا، أو سجودا عمدا بطلت) صلاته إجماعا، قاله في " الشرح
" (و) إن فعله (سهوا يسجد له) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- في حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته
فليسجد سجدتين» ، رواه مسلم، ولو نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان ويسجد
للسهو استحبابا، وإن قام فيها، أو سجد إكراما لإنسان بطلت،
(1/105)
(وإن زاد ركعة) كخامسة في رباعية، أو رابعة
في مغرب، أو ثالثة في فجر (فلم يعلم حتى فرغ منها سجد) لما روى ابن مسعود:
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى خمسا فلما انفتل،
قالوا إنك صليت خمسا فانفتل، ثم سجد سجدتين، ثم سلم» متفق عليه. (وإن علم)
بالزيادة (فيها) أي في الركعة (جلس في الحال) بغير تكبير؛ لأنه لو لم يجلس
لزاد في الصلاة عمدا وذلك يبطلها (فيتشهد إن لم يكن تشهد) ؛ لأنه ركن لم
يأت به (وسجد) للسهو (وسلم) لتكمل صلاته، وإن كان قد تشهد سجد للسهو وسلم،
وإن كان تشهد ولم يصل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
صلى، ثم سجد للسهو، ثم سلم، وإن قام إلى ثالثة نهارا، وقد نوى ركعتين نفلا
رجع إن شاء وسجد للسهو وله أن يتمها أربعا، ولا يسجد، وهو أفضل، وإن كان
ليلا فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر نص عليه لأنها صلاة شرعت ركعتين أشبهت
الفجر، (وإن سبح به ثقتان) أي نبهاه بتسبيح، أو غيره ويلزمهم تنبيه لزمه
الرجوع إليها سواء سبحا به إلى زيادة، أو نقصان وسواء غلب على ظنه صوابهما،
أو خطؤهما والمرأة كالرجل (فـ) إن (أصر) على عدم الرجوع (ولم يجزم بصواب
نفسه بطلت صلاته) ؛ لأنه ترك الواجب عمدا، وإن جزم بصواب نفسه لم يلزمه
الرجوع إليهما؛ لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين مقدم عليه، وإن اختلف
عليه من ينبهه سقط قولهم ويرجع منفرد إلى ثقتين (و) بطلت (صلاة من اتبعه)
أي تبع إماما أبى أن يرجع حيث يلزمه الرجوع (عالما لا) من تبعه (جاهلا، أو
ناسيا) للعذر، (ولا من فارقه) لجواز المفارقة للعذر ويسلم لنفسه، ولا يعتد
مسبوق بالركعة الزائدة إذا تابعه فيها جاهلا (وعمل) في الصلاة متواليا
(مستكثر عادة من غير جنس الصلاة) كالمشي واللبس ولف العمامة (يبطلها عمده
وسهوه) وجهله إن لم يكن ضرورة وتقدم،
(1/106)
(ولا يشرع ليسيره) أي يسير عمل من غير
جنسها (سجود) ، ولو سهوا، ويكره العمل اليسير من غير جنسها فيها، ولا تبطل
بعمل قلب وإطالة نظر إلى شيء.
(ولا تبطل) الصلاة (بيسير أكل، أو شرب سهوا أو جهلا) لعموم «عفي لأمتي عن
الخطأ والنسيان» وعلم منه أن الصلاة تبطل بالكثير عرفا منهما كغيرهما،
(ولا) يبطل (نفل بيسير شرب عمدا) لما روي أن ابن الزبير شرب في التطوع ولأن
مد النفل وإطالته مستحبة فيحتاج معه إلى جرعة ماء لدفع العطش فسومح فيه
كالجلوس. وظاهره أن يبطل بيسير الأكل عمدا، وأن الفرض يبطل بيسير الأكل
والشرب عمدا وبلع ذوب سكر ونحوه بفم كأكل، ولا تبطل ببلع ما بين أسنانه بلا
مضغ، قال في " الإقناع ": إن جرى به ريق. وفي " التنقيح " و " المنتهى ":،
ولو لم يجر به ريق.
(وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في سجود) وركوع (وقعود وتشهد في
قيام وقراءة سورة في) الركعتين (الأخيرتين) من رباعية، أو في الثالثة من
مغرب (لم تبطل) بتعمده؛ لأنه مشروع في الصلاة في الجملة (ولم يجب له) أي
للسهو (سجود بل يشرع) أي يسن كسائر ما لا يبطل عمده الصلاة، (وإن سلم قبل
إتمامها) أي إتمام صلاته (عمدا بطلت) ؛ لأنه تكلم فيها قبل إتمامها، (وإن
كان) السلام (سهوا، ثم ذكر قريبا أتمها) ، وإن انحرف عن القبلة، أو خرج من
المسجد (وسجد) للسهو لقصة ذي اليدين لكن إن لم يذكر حتى قام فعليه أن يجلس
لينهض إلى الإتيان بما بقي عليه من جلوس؛ لأن هذا القيام واجب للصلاة فلزمه
الإتيان به مع النية، وإن كان أحدث استأنفها، (فإن طال الفصل عرفا) بطلت
لتعذر البناء إذًا (أو تكلم) في هذه الحالة (لغير
(1/107)
مصلحتها) كقوله يا غلام اسقني (بطلت)
صلاته؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن صلاتنا هذه لا
يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» ، رواه مسلم وقال أبو داود: مكان " لا
يصلح" " لا يحل " (ككلامه في صلبها) أي في صلب الصلاة فتبطل به للحديث
المذكور سواء كان إماما، أو غيره سواء كان الكلام عمدا، أو سهوا، أو جهلا
طائعا، أو مكرها، أو وجب لتحذير ضرير ونحوه. وسواء كان لمصلحتها، أو لا
والصلاة فرضا، أو نفلا (و) إن تكلم من سلم ناسيا (لمصلحتها) ، فإن كثر بطلت
و (إن كان يسيرا لم تبطل) ، قال: الموفق هذا أولى، وصححه في " الشرح "؛ لأن
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وذا اليدين
تكلموا وبنوا على صلاتهم، وقدم في " التنقيح " وتبعه
في " المنتهى " تبطل مطلقا، ولا بأس بالسلام على المصلي، ويرده بالإشارة،
فإن رده بالكلام بطلت ويرده بعدها استحبابا، لرده - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ابن مسعود بعد السلام ولو صافح إنسانا يريد
السلام عليه لم تبطل.
(وقهقهة) ، وهي ضحكة معروفة (ككلام) ، فإن، قال: قه قه فالأظهر أنها تبطل
به، وإن لم يبن حرفان ذكره في " المغني "، وقدمه الأكثر، قاله في " المبدع
"، ولا تفسد بالتبسم، (وإن نفخ) فبان حرفان بطلت، (أو انتحب) بأن رفع صوته
بالبكاء (من غير خشية الله تعالى) فبان حرفان بطلت؛ لأنه من جنس كلام
الآدميين لكن إذا غلب صاحبه لم يضره لكونه غير داخل في وسعه، وكذا إن كان
من خشية الله تعالى، (أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت) ، فإن كانت
لحاجه لم تبطل لما روى أحمد وابن ماجه عن علي قال: «كان لي مدخلان من رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالليل والنهار فإذا
(1/108)
دخلت عليه، وهو يصلي تنحنح لي» وللنسائي
معناه، وإن غلبه سعال، أو عطاس، أو تثاؤب ونحوه لم يضره ولو بان حرفان.
[فصل في الكلام على السجود لنقص]
(ومن ترك ركنا) ، فإن كان التحريمة لم تنعقد صلاته، وإن كان غيرها (فذكره
بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت) الركعة (التي ترك منها) وقامت الركعة
التي تليها مقامها ويجزيه الاستفتاح الأول، فإن رجع إلى الأولى عالما عمدا
بطلت صلاته (و) إن ذكر ما تركه (قبله) أي قبل الشروع في قراءة الأخرى (يعود
وجوبا فيأتي به) أي بالمتروك (وبما بعده) ؛ لأن الركن لا يسقط بالسهو وما
بعده قد أتى به في غير محله، فإن لم يعد عمدا بطلت صلاته، وسهوا بطلت
الركعة والتي تليها عوضها، (وإن علم) المتروك (بعد السلام فهو كترك ركعة
كاملة) فيأتي بركعة ويسجد للسهو ما لم يطل الفصل ما لم يكن المتروك تشهدا
أخيرا، أو سلاما فيأتي به ويسجد ويسلم، ومن ذكر ترك ركن وجهله، أو محله عمل
بالأحوط، (وإن نسي التشهد الأول) وحده، أو مع الجلوس له (ونهض) للقيام
(لزمه الرجوع) إليه (ما لم ينتصب قائما، فإن استتم قائما كره رجوعه) ؛
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا قام أحدكم من الركعتين
فلم
يستتم قائما فليجلس، فإن استتم قائما فلا يجلس وليسجد سجدتين» ، رواه أبو
داود وابن ماجه من حديث المغيرة بن شعبة،
(1/109)
(وإن لم ينتصب قائما لزمه الرجوع) مكرر مع
قوله: لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائما، (وإن شرع في القراءة حرم) عليه
(الرجوع) ؛ لأن القراءة ركن مقصود في نفسه بخلاف القيام، فإن رجع عالما
عمدا بطلت صلاته لا ناسيا، أو جاهلا ويلزم المأموم متابعته، وكذا كل واجب
فيرجع إلى تسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال لا بعده (وعليه السجود) أي سجود
السهو (للكل) أي كل ما تقدم.
(ومن شك في عدد الركعات) بأن تردد أصلى اثنتين أم ثلاثا مثلا (أخذ بالأقل)
؛ لأنه المتيقن، ولا فرق بين الإمام والمنفرد، ولا يرجع مأموم واحد إلى فعل
إمامه، فإذا سلم أتى بما شك فيه وسجد وسلم، وإن شك هل دخل معه في الأولى،
أو الثانية جعله في الثانية؛ لأنه المتيقن، وإن شك من أدرك الإمام راكعا
أرفع الإمام رأسه قبل إدراكه راكعا أم لا لم يعتد بتلك الركعة؛ لأنه شاك في
إدراكها ويسجد للسهو.
(وإن شك) المصلي (في ترك ركن فهو كتركه) أي فكما لو تركه يأتي به وبما بعده
إن لم يكن شرع في قراءة التي بعدها، فإن شرع في قراءتها صارت بدلا عنها،
(ولا يسجد) للسهو (لشكه في ترك واجب) كتسبيح ركوع ونحوه (أو) لشكه في
(زيادة) إلا إذا شك في الزيادة وقت فعلها؛ لأنه شك في سبب وجوب السجود
والأصل عدمه، فإن شك في أثناء الركعة الأخيرة أهي رابعة أم خامسة سجد؛ لأنه
أدى جزءا من صلاته مترددا في كونه منها وذلك يضعف النية، ومن شك في عدد
الركعات وبنى على اليقين، ثم زال شكه وعلم أنه مصيب فيما فعله لم يسجد.
(ولا سجود على مأموم) دخل مع الإمام من أول الصلاة (إلا تبعا لإمامه) إن
سها على الإمام فيتابعه، وإن لم يتم ما عليه من تشهد، ثم يتمه، فإن قام بعد
سلام إمامه رجع فسجد معه ما لم يستتم قائما فيكره له الرجوع، أو يشرع في
القراءة فيحرم، ويسجد مسبوق سلم معه سهوا ولسهوه مع إمامه، أو فيما انفرد
به لم يسجد
(1/110)
الإمام للسهو سجد مسبوق إذا فرغ وغيره بعد
إياسه من سجوده (وسجود السهو لما) أي لفعل شيء، أو تركه (يبطل) الصلاة
(عمده) أي تعمده، ومنه اللحن المحيل للمعنى سهوا، أو جهلا (واجب) لفعله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمره به في غير حديث، والأمر للوجوب.
وما لا يبطل عمده كترك السنن وزيادة قول مشروع غير السلام في غير موضعه لا
يجب له السجود بل يسن في الثاني.
(وتبطل) الصلاة (بـ) تعمد (ترك سجود
سهو) واجب (أفضليته قبل السلام فقط) فلا تبطل بتعمد ترك سجود مسنون، ولا
واجب بل أفضليته بعد السلام، وهو إذا سلم قبل إتمامها؛ لأنه خارج عنها فلم
يؤثر في إبطالها وعلم من قوله أفضليته أن كونه قبل السلام، أو بعده ندب
لورود الأحاديث بكل من الأمرين، (وإن نسيه) أي نسي سجود السهو الذي محله
قبل السلام (وسلم) ثم ذكر (سجد) وجوبا (إن قرب زمنه) وإن شرع في صلاة أخرى
فإذا سلم، وإن طال الفصل عرفا، أو أحدث، أو خرج من المسجد لم يسجد وصحت
صلاته.
(ومن سها) في صلاة (مرارا كفاه) لجميع سهوه (سجدتان) ولو اختلف محل السجود
ويغلب ما قبل السلام لسبقه وسجود السهو وما يقال فيه وفي الرفع منه كسجود
صلب الصلاة، فإن سجد قبل السلام أتى به بعد فراغه من التشهد وسلم عقبه، وإن
أتى به بعد السلام جلس بعده مفترشا في ثنائية ومتوركا في غيرها وتشهد وجوبا
التشهد الأخير، ثم سلم؛ لأنه في حكم المستقل في نفسه.
(1/111)
[باب صلاة
التطوع وأوقات النهي]
والتطوع لغة: فعل الطاعة، وشرعا: طاعة غير واجبة. وأفضل ما يتطوع به
الجهاد، ثم النفقة فيه، ثم العلم تعلمه وتعليمه من حديث وفقه وتفسير ثم
الصلاة.
(وآكدها كسوف، ثم استسقاء) ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لم ينقل عنه أنه ترك صلاة الكسوف عند وجود سببها بخلاف الاستسقاء، فإنه كان
يستسقي تارة ويترك أخرى، (ثم تراويح) لأنها تسن لها الجماعة، (ثم وتر) ؛
لأنه تسن له الجماعة بعد التراويح، وهو سنة مؤكدة روي عن الإمام: من ترك
الوتر عمدا فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة، وليس بواجب (يفعل بين)
صلاة (العشاء و) طلوع (الفجر) فوقته من صلاة العشاء ولو مجموعة مع المغرب
تقديما إلى طلوع الفجر وآخر الليل لمن يثق بنفسه أفضل.
(وأقله ركعة) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوتر ركعة
من آخر الليل» ، رواه مسلم، ولا يكره الوتر بها لثبوته عن عشرة من الصحابة
منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
(وأكثره) أي أكثر الوتر (إحدى عشرة) ركعة يصليها (مثنى مثنى) أي يسلم من كل
ثنتين (ويوتر بواحدة) لقول عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة» وفي
لفظ: «يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة» هذا هو الأفضل، وله أن يسرد عشرا،
ثم يجلس فيتشهد، ولا يسلم، ثم يأتي بالركعة الأخيرة ويتشهد ويسلم،
(1/112)
(وإن أوتر بخمس، أو سبع) سردها و (لم يجلس
إلا في آخرها) لقول أم سلمة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام، ولا كلام» ، رواه أحمد
ومسلم (و) إن أوتر (بتسع) يسرد ثمانية، ثم (يجلس عقب) الركعة (الثامنة
ويتشهد) التشهد الأول، (ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم) لقول
عائشة: «ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده
ويدعوه وينهض، ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده
ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعناه» .
(وأدنى الكمال) في الوتر (ثلاث ركعات بسلامين) فيصلي ركعتين ويسلم، ثم
الثالثة ويسلم؛ لأنه أكثر عملا، ويجوز أن يسردها بسلام واحد (يقرأ) من أوتر
بثلاث (في) الركعة (الأولى بـ) سورة (سبح وفي) الركعة (الثانية بـ) سورة
(قل يا أيها الكافرون وفي) الركعة (الثالثة بـ) سورة (الإخلاص) بعد الفاتحة
(ويقنت فيها) أي الثالثة (بعد الركوع) ندبا؛ لأنه صح عنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية أبي هريرة وأنس وابن عباس، وإن قنت قبل
الركوع بعد القراءة جاز لما روى أبو داود عن أبي بن كعب «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقنت في الوتر قبل الركوع فيرفع يديه إلى
صدره ويبسطهما وبطونهما نحو السماء» ولو كان مأموما، (ويقول) جهرا: «اللهم
اهدني فيمن هديت» أصل الهداية: الدلالة، وهي من الله التوفيق والإرشاد
«وعافني فيمن عافيت» أي من الأسقام والبلايا، والمعافاة أن يعافيك الله
(1/113)
من الناس ويعافيهم منك، «وتولني فيمن
توليت» الولي ضد العدو من توليت الشيء: إذا اعتنيت به، أو من وليته: إذا لم
يكن بينك وبينه واسطة «وبارك لنا فيما أعطيت» أي أنعمت «وقني شر ما قضيت
إنك تقضي، ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت
ربنا وتعاليت» ، رواه أحمد والترمذي وحسنه من حديث الحسن بن علي، قال:
«علمني النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلامات أقولهن
في قنوت الوتر» وليس فيه، «ولا يعز من عاديت» ورواه البيهقي وأثبتها فيها
ورواه النسائي مختصرا وفي آخره: «وصلى الله على محمد» «اللهم إني أعوذ
برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك» إظهارا للعجز والانقطاع «لا
نحصي) أي لا نطيق، ولا نبلغ وننهي (ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»
اعترافا بالعجز عن الثناء وردا إلى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلا، روى
الخمسة عن علي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول
ذلك في آخر وتره، ورواته ثقات «اللهم صل على محمد» لحديث الحسن السابق،
ولما روى الترمذي عن عمر " الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء
حتى تصلي على نبيك " وزاد في " التبصرة " (وعلى آل محمد) واقتصر الأكثرون
على الصلاة عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، (ويمسح وجهه
بيديه) إذا فرغ من دعائه هنا وخارج الصلاة لقول عمر: «كان رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى
يمسح بهما وجهه» ، رواه الترمذي، ويقول الإمام: اللهم اهدنا ... إلخ ويؤمن
مأموم إن سمعه.
(ويكره قنوته في غير الوتر) روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي
الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وروى الدارقطني عن سعيد بن جبير،
قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة (إلا أن
ينزل بالمسلمين نازلة) من شدائد الدهر (غير الطاعون فيقنت الإمام) الأعظم
استحبابا (في الفرائض) غير الجمعة، ويجهر به في
(1/114)
الجهرية، ومن ائتم بقانت في فجر تابع
الإمام وأمن، ويقول بعد وتره: سبحان الملك القدوس ثلاثا، ويمد بها صوته في
الثالثة.
(والتراويح) سنة مؤكدة سميت بذلك لأنهم يصلون أربع ركعات ويتروحون ساعة أي:
يستريحون (عشرون ركعة) لما روى أبو بكر عبد العزيز في الشافي عن ابن عباس:
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي في شهر رمضان
عشرين ركعة» (تفعل) ركعتين ركعتين (في جماعة مع الوتر) بالمسجد أول الليل
(بعد العشاء) والأفضل، وسنتها (في
رمضان) لما روي في الصحيحين من حديث عائشة «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر
وقال: إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» وفي البخاري أن عمر جمع الناس
على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح وروى أحمد، وصححه الترمذي «من قام مع
الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» (ويوتر المتهجد) أي الذي له صلاة بعد
أن ينام (بعده) أي بعد تهجده؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا» متفق عليه. (فإن تبع إمامه) فأوتر معه،
أو أوتر منفردا، ثم أراد التهجد لم ينقض وتره وصلى ولم يوتر، وإن (شفعه
بركعة) أي ضم لوتره الذي تبع إمامه فيه ركعة جاز وتحصل له فضيلة متابعة
إمامه وجعل وتره آخر صلاته،
(1/115)
(ويكره التنفل بينها) أي بين التراويح روى
الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح، قال: ما هذه
الصلاة؟ أتصلي وإمامك بين يديك؟ ليس منا من رغب عنا و (لا) يكره (التعقيب)
، وهو الصلاة (بعدها) أي بعد التراويح والوتر (في جماعة) لقول أنس: لا
ترجعون إلا لخير ترجونه، وكذا لا يكره الطواف بين التراويح، ولا يستحب
للإمام الزيادة على ختمة في التراويح إلا أن يؤثروا زيادة على ذلك، ولا
يستحب لهم أن ينقصوا عن ختمة ليحوزوا فضلها.
(ثم) يلي الوتر في الفضيلة (السنن الراتبة) التي تفعل مع الفرائض، وهي عشر
ركعات (ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد
العشاء وركعتان قبل الفجر) لقول ابن عمر: «حفظت عن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها
وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح
كانت ساعة لا يدخل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها
أحد» حدثتني حفصة أنه «كان إذا أذن
المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين» متفق عليه. (وهما) أي ركعتا الفجر (آكدها)
أي أفضل الرواتب لقول عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «لم يكن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه
على ركعتي الفجر» متفق عليه.
(1/116)
فيخير فيما عداهما وعدا الوتر سفرا ويسن
تخفيفهما واضطجاع بعدهما على الأيمن، ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قُلْ
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، أو يقرأ في الأولى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}
[البقرة: 136] الآية وفي الثانية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران: 64] الآية ويلي الفجر ركعتا المغرب ويسن أن
يقرأ فيهما بـ " الكافرون " و " الإخلاص "، (ومن فاته شيء منها) أي من
الرواتب (سن له قضاؤه) كالوتر؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد
العصر وقس الباقي، وقال: «من نام عن الوتر، أو نسيه فليصله إذا أصبح، أو
ذكره» ، رواه الترمذي لكن ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه إلا سنة فجر
ووقت كل سنة قبل الصلاة من دخول وقتها إلى فعلها وكل سنة بعد الصلاة من
فعلها إلى خروج وقتها فسنة فجر وظهر الأولة بعدهما قضاء والسنن غير الرواتب
عشرون أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل العصر وأربع بعد المغرب وأربع
بعد العشاء غير السنن الرواتب، قال جمع: يحافظ عليها وتباح ركعتان بعد أذان
المغرب.
[فصل في صلاة الليل]
فصل (وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل» ، رواه مسلم عن أبي
هريرة فالتطوع المطلق أفضله صلاة الليل؛ لأنه أبلغ في الإسرار وأقرب إلى
الإخلاص (وأفضلها) أي الصلاة (ثلث الليل بعد نصفه) مطلقا لما في الصحيح
مرفوعا «أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه»
(1/117)
ويسن قيام الليل وافتتاحه بركعتين خفيفتين
ووقته من الغروب إلى طلوع
الفجر، ولا يقومه كله إلا ليلة عيد ويتوجه ليلة النصف من شعبان (وصلاة ليل
ونهار مثنى مثنى) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة
الليل مثنى مثنى» ، رواه الخمسة، وصححه البخاري ومثنى معدول عن اثنين اثنين
ومعناه معنى المكرر وتكريره لتوكيد اللفظ لا للمعنى، وكثرة ركوع وسجود أفضل
من طول قيام فيما لم يرد تطويله، (وإن تطوع في النهار بأربع) بتشهدين
(كالظهر فلا بأس) لما روى أبو داود وابن ماجه عن أبي أيوب «أنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي قبل الظهر أربعا لا يفصل بينهن
بتسليم» ، وإن لم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأولى، ويقرأ في كل ركعة مع
الفاتحة بسورة، وإن زاد على اثنتين ليلا، أو أربع نهارا ولو جاوز ثمانيا
نهارا بسلام واحد صح، وكره في غير الوتر ويصح التطوع بركعة ونحوها (وأجر
صلاة قاعد) بلا عذر (على نصف أجر صلاة قائم) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر
القائم» متفق عليه. ويسن تربعه بمحل قيام وثني رجليه بركوع وسجود.
(وتسن صلاة الضحى) لقول أبي هريرة «أوصاني خليلي رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي
الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» ، رواه أحمد ومسلم وتصلى في بعض الأيام دون
بعض؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يلازم عليها
(1/118)
(وأقلها ركعتان) لحديث أبي هريرة (وأكثرها
ثمان) لما روت أم هانئ «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عام الفتح صلى ثماني
ركعات سبحة الضحى» ، رواه الجماعة (ووقتها من خروج وقت النهي) أي من ارتفاع
الشمس قدر رمح (إلى قبيل الزوال) أي إلى دخول وقت النهي بقيام الشمس وأفضله
إذا اشتد الحر.
(وسجود التلاوة) والشكر (صلاة) ؛ لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى
له تحريم وتحليل فكان صلاة كسجود الصلاة فيشترط له ما يشترط لصلاة النافلة
من ستر العورة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك (ويسن) سجود التلاوة
(للقارئ والمستمع) لقول ابن عمر: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد
أحدنا موضعا لجبهته» متفق عليه. وقال عمر: «إن الله لم يفرض علينا السجود
إلا أن نشاء» ، رواه البخاري، ويسجد في طواف مع قصر فصل ويتيمم محدث بشرطه
ويسجد مع قصره، وإذا نسي سجدة لم يعد الآية لأجله ولا يسجد لهذا السهو
ويكرر السجود بتكرار التلاوة كركعتي الطواف، قال في " الفروع ": وكذا يتوجه
في تحية المسجد إن تكرر دخوله اهـ. ومراده غير قيم المسجد (دون السامع)
الذي لم يقصد الاستماع لما روي أن عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مر بقارئ يقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فلم يسجد، وقال: إنما السجدة على من
استمع ولأنه لا يشارك القارئ في الأجر فلم يشاركه في السجود، (وإن لم يسجد
القارئ) ، أو كان لا يصلح إماما للمستمع (لم يسجد) ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة، ثم نظر
إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنك كنت
(1/119)
إمامنا ولو سجدت سجدنا» ، رواه الشافعي في
" مسنده " مرسلا، ولا يسجد المستمع قدام القارئ، ولا عن يساره مع خلو
يمينه، ولا رجل لتلاوة امرأة ويسجد لتلاوة أمي وصبي، (وهو) أي سجود التلاوة
(أربع عشرة سجدة) في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم و (في الحج منها
ثنتان) والفرقان والنمل والم تنزيل وحم السجدة والنجم والانشقاق واقرأ باسم
ربك وسجدة ص سجدة شكر، ولا يجزئ ركوع ولا سجود الصلاة عن سجدة التلاوة.
(و) إذا أراد السجود فإنه (يكبر) تكبرتين تكبيرة (إذا سجد) تكبيرة (إذا
رفع)
سواء كان في الصلاة، أو خارجها (ويجلس) إن لم يكن في الصلاة (ويسلم) وجوبا
وتجزئ واحدة، (ولا يتشهد) كصلاة الجنازة ويرفع يديه إذا سجد ندبا ولو في
صلاة وسجود عن قيام أفضل.
(ويكره للإمام قراءة) آية (سجدة في صلاة سر و) كره (سجوده) أي سجود الإمام
للتلاوة (فيها) أي في صلاة سرية كالظهر؛ لأنه إذا قرأها إما أن يسجد لها،
أو لا، فإن لم يسجد لها كان تاركا للسنة، وإن سجد لها أوجب الإبهام
والتخليط على المأموم. (ويلزم المأموم متابعته في غيرها) أي غير الصلاة
السرية، ولو مع ما يمنع السماع كبعد وطرش ويخير في السرية.
(ويستحب) في غير الصلاة (سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم) مطلقا
لما روى أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجدا» رواه أبو داود
وغيره، وصححه الحاكم
(1/120)
(وتبطل به) أي سجود الشكر (صلاة غير جاهل
وناس) ؛ لأنه لا تعلق له بالصلاة بخلاف سجود التلاوة وصفة سجود الشكر
وأحكامه كسجود التلاوة.
(وأوقات النهي خمسه) : الأول (من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس) ؛
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلى
ركعتي الفجر» احتج به أحمد.
(و) الثاني (من طلوعها حتى ترتفع قيد) بكسر القاف أي قدر (رمح) في رأي
العين.
(و) الثالث (عند قيامها حتى تزول) لقول عقبة بن عامر: «ثلاث ساعات نهانا
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نصلي فيهن، وأن نقبر
فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى
تزول وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» ، رواه مسلم وتضيف بفتح المثناة فوق
أي تميل.
(و) الرابع (من صلاة العصر إلى غروبها) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع
الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه. عن أبي سعيد
والاعتبار بالفراغ منها لا بالشروع فيها ولو فعلت في وقت الظهر جمعا لكن
تفعل سنة الظهر بعدها.
(1/121)
(و) الخامس (إذا شرعت) الشمس (فيه) أي في
الغروب (حتى يتم) لما تقدم.
(ويجوز قضاء الفرائض فيها) أي في أوقات النهي كلها لعموم قوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا
ذكرها» متفق عليه. ويجوز أيضا فعل المنذورة فيها لأنها صلاة واجبة (و) يجوز
حتى (في الأوقات الثلاثة) القصيرة (فعل ركعتي الطواف) ؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى فيه في
أي ساعة شاء من ليل، أو نهار» رواه الترمذي، وصححه، (وتجوز) فيها (إعادة
جماعة) أقيمت، وهو بالمسجد لما روى يزيد بن الأسود، قال: «صليت مع النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الفجر فلما قضى صلاته إذا هو
برجلين لم يصليا معه فقال ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله قد
صلينا في رحالنا، قال: لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد
جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة» رواه الترمذي، وصححه، فإذا وجدهم يصلون
لم يستحب الدخول،
(1/122)
وتجوز الصلاة على الجنازة بعد الفجر والعصر
دون بقية الأوقات ما لم يخف عليها.
(ويحرم تطوع بغيرها) أي غير المتقدمات من نحو إعادة جماعة وركعتي طواف
وركعتي فجر قبلها (في شيء من الأوقات الخمسة حتى ما له سبب) كتحية مسجد
وسنة وضوء وسجدة تلاوة وصلاة على قبر، أو غائب وصلاة كسوف وقضاء راتبة سوى
سنة ظهر بعد العصر المجموعة إليها، ولا ينعقد النفل إن ابتدأه في هذه
الأوقات ولو جاهلا إلا تحية مسجد إذا دخل حال خطبة الجمعة فتجوز مطلقا،
ومكة وغيرها في ذلك سواء.
[باب صلاة الجماعة]
شرعت لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع. (وتلزم الرجال) الأحرار القادرين
ولو سفرا في شدة خوف (للصلوات الخمس) المؤداة وجوب عين؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] الآية فأمر بالجماعة حال الخوف
ففي غيره أولى ولحديث أبي هريرة المتفق عليه: «أثقل صلاة على المنافقين
صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن
آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم
من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (لا شرطا) أي
ليست الجماعة شرطا لصحة الصلاة فتصح صلاة المنفرد بلا عذر
(1/123)
وفي صلاته فضل، وصلاة الجماعة أفضل بسبع
وعشرين درجة لحديث ابن عمر المتفق عليه، وتنعقد باثنين ولو بأنثى وعبد في
غير جمعة وعيد لا بصبي في فرض (وله فعلها) أي الجماعة (في بيته) لعموم حديث
«جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» وفعلها في المسجد هو السنة وتسن لنساء
منفردات عن رجال] ، ويكره لحسناء حضورها مع رجال ويباح لغيرها ومجالس الوعظ
كذلك وأولى (وتستحب صلاة أهل الثغر) أي في موضع المخافة (في مسجد واحد) ؛
لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة (والأفضل لغيرهم) أي غير أهل الثغر الصلاة
في (المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره) ؛ لأنه يحصل بذلك ثواب
عمارة المسجد وتحصيل الجماعة لمن يصلي فيه، (ثم ما كان أكثر جماعة) ذكره في
" الكافي " و " المقنع " وغيرهما وفي " الشرح " أنه الأولى لحديث أبي بن
كعب «وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى» ، رواه أحمد، وأبو داود، وصححه
ابن حبان، (ثم المسجد العتيق) ؛ لأن الطاعة فيه أسبق، قال في " المبدع ":
والمذهب أنه مقدم على الأكثر جماعة وقال في " الإنصاف ": الصحيح من المذهب
أن المسجد العتيق أفضل من الأكثر جماعة وجزم به في الإقناع و " المنتهى "
(وأبعد) المسجدين (أولى من أقربهما) إذا كانا جديدين، أو قديمين اختلفا في
كثرة الجمع، أو قلته، أو استويا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى» ، رواه
الشيخان، وتقدم الجماعة مطلقا على أول الوقت.
(ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه، أو عذره) ؛ لأن الراتب
كصاحب
(1/124)
البيت، وهو أحق بها؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه»
ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه ومع الإذن هو نائب عنه، قال في " التنقيح ":
وظاهر كلامهم لا تصح وجزم به في " المنتهى "، وقدم في " الرعاية " تصح وجزم
به ابن عبد القوي في الجنائز، وأما مع عذره، فإن تأخر وضاق الوقت صلوا،
لفعل الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعبد الرحمن بن عوف حين غاب النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: " أحسنتم " ويراسل إن غاب عن
وقته المعتاد مع قرب محله وعدم مشقة، وإن بعد محله، أو لم يظن حضوره، أو
ظن، ولا يكره ذلك صلوا.
(ومن صلى) ولو في جماعة، (ثم أقيم) أي أقام المؤذن لـ (فرض سن له أن
يعيدها) إذا كان في المسجد، أو جاء غير وقت نهي ولم يقصد الإعادة، ولا فرق
بين إعادتها مع إمام الحي، أو غيره لحديث أبي ذر: «صل الصلاة لوقتها، فإن
أقيمت وأنت في المسجد فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي» ، رواه أحمد ومسلم
(إلا المغرب) فلا تسن إعادتها ولو كان صلاها وحده؛ لأن المعادة تطوع
والتطوع لا يكون بوتر، ولا تكره إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب كغيره،
وكره قصد مسجد للإعادة، (ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة)
، ولا فيهما لعذر وتكره فيهما لغير عذر لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة
مع الإمام الراتب.
«وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة
مرفوعا، وكان عمر يضرب على الصلاة بعد الإقامة فلا تنعقد النافلة بعد إقامة
الفريضة التي يريد أن يفعلها مع ذلك الإمام الذي أقيمت له ويصح قضاء
الفائتة بل تجب مع سعة الوقت، ولا يسقط الترتيب بخشية فوت الجماعة، (فإن)
أقيمت و (كان) يصلي في (نافلة أتمها) خفيفة (إلا أن يخشى فوات الجماعة
(1/125)
فيقطعها) ؛ لأن الفرض أهم.
(ومن كبر) مأموما (قبل سلام إمامه) الأولى (لحق الجماعة) ؛ لأنه أدرك جزءا
من صلاة الإمام فأشبه ما لو أدرك ركعة، (وإن لحقه) المسبوق (راكعا دخل معه
في الركعة) لقولة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك الركوع
فقد أدرك الركعة» رواه أبو داود فيدرك الركعة إذا اجتمع مع الإمام في
الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الأجزاء قبل أن يزول الإمام عنه، ويأتي
بالتكبيرة كلها قائما كما تقدم ولو لم يطمئن، ثم يطمئن ويتابع (وأجزأته
التحريمة) عن تكبيرة الركوع، والأفضل أن يأتي بتكبيرتين، فإن نواهما
بتكبيرة، أو نوى به الركوع لم يجزئه؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن ولم يأت بها،
ويستحب دخوله معه حيث أدركه وينحط معه غير ركوع بلا تكبير ويقوم مسبوق به،
وإن قام قبل سلام إمامه الثانية ولم يرجع انقلبت نفلا (ولا قراءة على
مأموم) أي يتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» ، رواه أحمد.
(ويستحب) للمأموم أن يقرأ (في إسرار إمامه) أي فيما لا يجهر فيه الإمام (و)
في (سكوته) أي سكتات الإمام، وهي قبل الفاتحة وبعدها بقدرها، وبعد فراغ
القراءة، وكذا لو سكت لتنفس (و) فيما (إذا لم يسمعه لبعد) عنه (لا) إذا لم
يسمعه (لطرش) فلا يقرأ إن أشغل غيره عن الاستماع، وإن لم يشغل أحدا قرأ
(ويستفتح) المأموم (ويتعوذ فيما يجهر فيه إمامه) كالسرية، قال في " الشرح "
وغيره: ما لم يسمع قراءة إمامه وما أدرك المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته
وما يقضيه أولها يستفتح لها ويتعوذ، ويقرأ سورة لكن لو أدرك ركعة من
رباعية، أو مغرب يتشهد عقب أخرى ويتورك معه.
(1/126)
(ومن ركع، أو سجد) ، أو رفع منهما (قبل
إمامه فعليه أن يرجع) أي يرجع (ليأتي به) أي بما سبق به الإمام (بعده)
لتحصيل المتابعة الواجبة، ويحرم سبق الإمام عمدا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول
الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار» متفق عليه. والأولى أن يشرع
في أفعال الصلاة بعد الإمام، وإن كبر معه لإحرام لم تنعقد، وإن سلم معه كره
وصح وقبله عمدا بلا عذر بطلت وسهوا يعيده بعده وإلا بطلت، (فإن لم يفعل) أي
لم يعد (عمدا) حتى لحقه الإمام فيه (بطلت) صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمدا،
وإن كان سهوا، أو جهلا فصلاته صحيحة ويعتد به (وإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه
عالما عمدا بطلت) صلاته؛ لأنه سبقه بمعظم الركعة، (وإن كان جاهلا، أو
ناسيا) وجوب المتابعة (بطلت الركعة) التي وقع السبق فيها (فقط) فيعيدها،
وتصح صلاته للعذر، (وإن) سبقه مأموم بركنين بأن (ركع ورفع قبل ركوعه، ثم
سجد قبل رفعه) أي رفع إمامه من الركوع (بطلت) صلاته؛ لأنه لم يقتد بإمامه
في أكثر الركعة، (إلا الجاهل والناسي) فتصح صلاتهما للعذر (ويصلي) الجاهل،
أو الناسي (تلك الركعة قضاء) لبطلانها؛ لأنه لم يقتد بإمامه فيها ومحله إذا
لم يأت بذلك مع إمامه، ولا تبطل بسبق بركن واحد غير ركوع والتخلف عنه كسبقه
على ما تقدم.
(1/127)
(ويسن للإمام التخفيف مع الإتمام) ؛ لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف» ،
قال في " المبدع ": ومعناه أن يقتصر على أدنى الكمال من التسبيح وسائر
أجزاء الصلاة إلا أن يؤثر المأموم التطويل وعددهم ينحصر، وهو عام في
الصلوات مع أنه سبق أنه يستحب أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل وتكره سرعة
تمنع المأموم فعل ما يسن (و) يسن (تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية)
لقول أبي قتادة «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطول في
الركعة الأولى» متفق عليه. إلا في صلاة خوف في الوجه الثاني وبيسير
كسبح والغاشية، (ويستحب) للإمام (انتظار داخل إن لم يشق على مأموم) ؛ لأن
حرمة الذي معه أعظم من حرمة الذي لم يدخل معه.
(وإذا استأذنت المرأة) الحرة، أو الأمة (إلى المسجد كره منعها) ؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله
وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات» ، رواه أحمد، وأبو داود وتخرج غير مطيبة،
ولا لابسة ثياب زينة (وبيتها خير لها) لما تقدم ولأب، ثم أخ ونحوه منع
موليته من الخروج إن خشي فتنة، أو ضررا من الانفراد.
(1/128)
[فصل في أحكام
الإمامة]
(الأولى بالإمامة الأقرأ) جودة (العالم فقه صلاته) ؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في
القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن
كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا» ، رواه مسلم، (ثم) إن استووا في القراءة
(الأفقه) لما تقدم، فإن اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أفقه، أو أقرأ قدم،
فإن كانا قارئين قدم أجودهما قراءة، ثم أكثرهما قرآنا ويقدم قارئ لا يعرف
أحكام صلاته على فقيه أمي، وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة
قدم؛ لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة، (ثم) إن استووا في القراءة والفقه
(الأسن) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليؤمكم أكبركم»
متفق عليه. (ثم) مع الاستواء في السن (الأشرف) ، وهو القرشي وتقدم بنو هاشم
على سائر قريش إلحاقا للإمامة الصغرى بالكبرى ولقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قدموا قريشا، ولا تقدموها» ، (ثم الأقدم هجرة) ، أو
إسلاما، (ثم) مع الاستواء فيما تقدم (الأتقى) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، (ثم) إن
استووا في الكل يقدم (من قرع) إن تشاحوا لأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر
الجمع فأقرع بينهم كسائر الحقوق (وساكن البيت وإمام المسجد أحق) إذا كانا
أهلا للإمامة بمن حضرهم ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ، أو أفقه؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا
(1/129)
في سلطانه» ، رواه أبو داود عن ابن مسعود
(إلا من ذي سلطان) فيقدم عليهما
لعموم ولايته ولما تقدم من الحديث والسيد أولى بالإمامة في بيت عبده؛ لأنه
صاحب البيت (وحر) بالرفع على الابتداء (وحاضر) أي حضري، وهو الناشئ في
المدن والقرى (ومقيم وبصير ومختون) أي مقطوع القلفة، (ومن له ثياب) أي
ثوبان وما يستر به رأسه (أولى من ضدهم) خبر عن حر وما عطف عليه فالحر أولى
من العبد والمبعض والحضري أولى من البدوي الناشئ بالبادية والمقيم أولى من
المسافر؛ لأنه ربما يقصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة في جماعة وبصير أولى
من أعمى ومختون أولى من أقلف، ومن له من الثياب ما ذكر أولى من مستور
العورة مع أحد العاتقين فقط، وكذا المبعض أولى من العبد والمتوضئ أولى من
المتيمم والمستأجر في البيت المؤجر أولى من المؤجر والمعير أولى من
المستعير وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه لحديث: «إذا أم الرجل القوم
وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال» ذكره أحمد في " رسالته " إلا إمام
المسجد وصاحب البيت فتحرم.
(ولا تصح) الصلاة (خلف فاسق مطلقا) سواء كان فسقه من جهة الأفعال، أو
الاعتقاد إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجرا، ولا فاجر
مؤمنا إلا أن يقهره سلطان يخاف سوطه وسيفه» ، رواه ابن ماجه عن جابر
(ككافر) أي كما لا تصح خلف كافر سواء علم بكفره في الصلاة، أو بعد الفراغ
منها، وتصح خلف المخالف في الفروع، وإذا ترك الإمام ما يعتقده واجبا وحده
عمدا
(1/130)
بطلت صلاتهما. وإن كان عند مأموم وحده لم
يعد، ومن ترك ركنا، أو شرطا، أو واجبا مختلفا فيه بلا تأويل، ولا تقليد
أعاد، (ولا) تصح صلاة رجل وخنثى خلف (امرأة) لحديث جابر السابق، (ولا) خلف
(خنثى للرجال) والخناثى لاحتمال أن يكون امرأة، (ولا) إمامة (صبي لبالغ) في
فرض؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تقدموا صبيانكم» ،
قاله في " المبدع "، وتصح في نفل وإمامة صبي بمثله، (ولا)
إمامه (أخرس) ولو بمثله؛ لأنه أخل بفرض الصلاة لغير بدل، (ولا) إمامة (عاجز
عن ركوع، أو سجود، أو قعود) إلا لمثله، (أو قيام) أي لا تصح إمامة العاجز
عن القيام لقادر عليه (إلا إمام الحي) أي الراتب بمسجد (المرجو زوال علته)
لئلا يفضي إلى ترك القيام على الدوام.
(ويصلون وراءه جلوسا ندبا) ولو كانوا قادرين على القيام لقول عائشة: «صلى
النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بيته، وهو شاك فصلى جالسا
وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف، قال: إنما جعل
الإمام ليؤتم به " إلى قوله: " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون» ، قال
ابن عبد البر روي هذا مرفوعا من طرق متواترة، (فإن ابتدأ بهم) الإمام
الصلاة
(1/131)
(قائما ثم اعتل) أي حصلت له علة عجز معها
عن القيام (فجلس أتموا خلفه قياما وجوبا) ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «صلى في مرض موته قاعدا وصلى أبو بكر والناس خلفه قياما» متفق
عليه. عن عائشة، وكان أبو بكر قد ابتدأ بهم قائما كما أجاب به الإمام،
(وتصح خلف من به سلس ب بمثله) كالأمي بمثله.
(ولا تصح خلف محدث) حدثا أصغر، أو أكبر، (ولا) خلف (متنجس) نجاسة غير معفو
عنها إذا كان (يعلم ذلك) ؛ لأنه لا صلاة له في نفسه، (فإن جهل هو) أي
الإمام (و) جهل (المأموم حتى انقضت صحت) الصلاة (لمأموم وحده) ؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته
وتمت للقوم صلاتهم» ، رواه محمد بن الحسين الحراني عن البراء بن عازب، وإن
علم هو، أو المأموم فيها استأنفوا، وإن علم معه واحد أعاد الكل، وإن علم
أنه ترك واجبا عليه فيها سهوا، أو شك في إخلال إمامه بركن، أو شرط صحت
صلاته معه بخلاف ما لو ترك السترة، أو الاستقبال؛ لأنه لا يخفى غالبا، وإن
كان أربعون فقط في جمعة ومنهم واحد محدث، أو نجس أعاد الكل سواء كان إماما،
أو مأموما.
(ولا تصح إمامة الأمي) منسوب إلى الأم كأنه على الحالة التي ولدته عليها،
(وهو) أي الأمي (من لا يحسن) أي (يحفظ الفاتحة أن يدغم فيها ما لا يدغم)
بأن يدغم حرفا فيما لا يماثله، أو يقاربه، وهو الأرت،
(أو يبدل حرفا) بغيره، وهو الألثغ كمن يبدل الراء غينا إلا ضاد المغضوب
والضالين بظاء،
(1/132)
(أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى) ككسر كاف
" إياك " وضم تاء " أنعمت " وفتح همزة " اهدنا "، فإن لم يحل المعنى كفتح
دال " نعبد " ونون " نستعين " لم يكن أميا (إلا بمثله) فتصح لمساواته له،
ولا يصح اقتداء عاجز عن نصف الفاتحة الأول بالعاجز عن نصفها الأخير، ولا
عكسه، ولا اقتداء قادر على الأقوال الواجبة بعاجز عنها، (وإن قدر) الأمي
(على إصلاحه لم تصح صلاته) ، ولا صلاة من ائتم به؛ لأنه ترك ركنا مع القدرة
عليه.
(وتكره إمامة اللحان) أي كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى، فإن أحاله في غير
الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده ذكره في " الشرح " وإن أحاله في
غيرها سهوا، أو جهلا، أو لآفة صحت صلاته (و) تكره إمامة (الفأفاء والتمتام)
ونحوهما والفأفاء: الذي يكرر الفاء، والتمتام: من يكرر التاء (و) تكره
إمامة (من لا يفصح ببعض الحروف) كالقاف والضاد، وتصح إمامته أعجميا كان، أو
عربيا، وكذا أعمى وأصم وأقلف وأقطع يدين، أو رجلين، أو إحداهما إذا قدر على
القيام، ومن يصرع فتصح إمامتهم مع الكراهة لما فيهم من النقص.
(و) يكره (أن يؤم) امرأة (أجنبية فأكثر لا رجل معهن) لنهيه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يخلو الرجل بالأجنبية، فإن أم محارمه، أو
أجنبيات معهن رجل فلا كراهة؛ لأن النساء كن يشهدن مع النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلاة، (أو) أن يؤم (قوما أكثرهم يكرهه بحق)
كخلل في دينه، أو فضله؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها
عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون» ، رواه الترمذي وقال في " المبدع ":
حسن غريب وفيه لين، فإن كان ذا دين وسنة وكرهوه لذلك فلا كراهة في حقه.
(1/133)
(وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم
دينهما) ، وكذا اللقيط والأعرابي حيث صلحوا لها لعموم قوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يؤم القوم أقرؤهم» (و) تصح إمامة (من يؤدي
الصلاة بمن يقضيها وعكسه) من يقضي الصلاة بمن يؤديها؛ لأن الصلاة واحدة،
وإنما اختلف الوقت، وكذا لو قضى ظهر يوم خلف ظهر يوم آخر (لا) ائتمام
(مفترض بمتنقل) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل
الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» ويصح النفل خلف الفرض، ولا عكس.
(ولا) يصح
ائتمام (من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، أو غيرهما) ولو جمعة في غير المسبوق
إذا أدرك دون ركعة، قال في " المبدع ": فإن كانت إحداهما تخالف الأخرى
كصلاة كسوف واستسقاء وجنازة وعيد منع فرضا وقيل ونفلا؛ لأنه يؤدي إلى
المخالفة في الأفعال اهـ. فيؤخذ منه صحة نفل خلف نفل آخر لا يخالفه في
أفعاله كشفع ووتر خلف تراويح حتى على القول الثاني.
[فصل موقف الإمام والمأمومين]
فصل في موقف الإمام والمأمومين السنة أن (يقف المأمومون) رجالا كانوا، أو
نساء إن كانوا اثنين فأكثر (خلف الإمام) لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه ويستثنى منه إمام
العراة يقف
(1/134)
وسطهم وجوبا والمرأة إذا أمت النساء تقف
وسطهن استحبابا ويأتي (ويصح) وقوفهم (معه) أي مع الإمام (عن يمينه، أو عن
جانبيه) ؛ لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود وقال: هكذا رأيت النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل، رواه أحمد وقال ابن عبد البر: لا
يصح رفعه، والصحيح أنه من قول ابن مسعود (لا قدامه) أي لا قدام الإمام فلا
تصح للمأموم ولو بإحرام؛ لأنه ليس موقفا بحال والاعتبار بمؤخر القدم وإلا
لم يضر، وإن صلى قاعدا فالاعتبار بالألية حتى لو مد رجليه، وقدمهما على
الإمام لم يضر، وإن كان مضطجعا فبالجنب، وتصح داخل الكعبة إذا جعل وجهه إلى
وجه إمامه، أو ظهره إلى ظهره لا إن جعل ظهره إلى وجه إمامه؛ لأنه متقدم
عليه، وإن وقفوا حول الكعبة مستديرين صحت، فإن كان المأموم في جهته أقرب من
الإمام في جهته جاز إن لم يكونا في جهة واحدة فتبطل صلاة المأموم ويغتفر
التقدم في شدة خوف إذا أمكن المتابعة.
(ولا) يصح للمأموم إن وقف (عن يساره فقط) أي مع خلو يمينه إذا صلى ركعة
فأكثر؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدار ابن عباس وجابرا
عن يساره إلى يمينه، وإذا كبر عن يساره أداره من ورائه
إلى يمينه، فإن كبر معه آخر وقفا خلفه، فإن كبر الآخر عن يساره أدارهما
بيده وراءه، فإن شق ذلك، أو تعذر تقدم الإمام فصلى بينهما، أو عن يسارهما
ولو تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل ليصليا خلفه جاز ولو أدركهما الداخل
جالسين كبر وجلس عن يمين صاحبه، أو يسار الإمام، ولا تأخر إذا للمشقة
كالزمنى لا يتقدمون، ولا يتأخرون.
(1/135)
(ولا) تصح صلاة (الفذ) أي الفرد (خلفه) أي
خلف الإمام، (أو خلف الصف) إن صلى ركعة فأكثر عامدا أو ناسيا، عالما أو
جاهلا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لفرد خلف
الصف» ، رواه أحمد وابن ماجه «ورأى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
رجلا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة» رواه أحمد، والترمذي وحسنه، وابن
ماجه، وإسناده ثقات (إلا أن يكون) الفذ خلف الإمام، أو الصف (امرأة) خلف
رجل فتصح صلاتها لحديث أنس، وإن وقفت بجانب الإمام فكرجل وبصف رجال لم تبطل
صلاة من يليها، أو خلفها فصف تام من نساء لا يمنع اقتداء من خلفهن من رجال
(وإمامة النساء تقف في صفهن) ندبا روي عن عائشة وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا -، فإن أمت واحدة وقفت عن يمينها، ولا يصح خلفها (ويليه) أي
الإمام من المأمومين (الرجال) الأحرار، ثم العبيد الأفضل فالأفضل؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى» ،
رواه مسلم، (ثم الصبيان) الأحرار، ثم العبيد، (ثم النساء) ؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أخروهن من حيث أخرهن الله» ويقدم منهن
البالغات
(1/136)
الأحرار، ثم الأرقاء، ثم من لم تبلغ من
الأحرار فالأرقاء الفضلى فالفضلى، وإن وقف الخناثى صفا لم تصح صلاتهم
كالترتيب (في جنائزهم) إذا اجتمعت فيقدمون إلى الإمام وإلى القبلة في القبر
على ما تقدم في صفوفهم.
(ومن لم يقف معه) في الصف (إلا كافر أو امرأة) ، أو خنثى، وهو رجل، (أو من
علم حدثه) ، أو نجاسة (أحدهما) أي المصلي، أو المصافف له، (أو) لم يقف معه
إلا (صبي في
فرض ففذ) أي فرد فلا تصح صلاته ركعة فأكثر وعلم منه صحة مصافة الصبي في
النفل، أو من جهل حدثه، أو نجسه حتى فرغ.
(ومن وجد فرجة) بضم الفاء، وهي الخلل في الصف ولو بعيدة (دخلها) ، وكذا إن
وجد الصف غير مرصوص وقف فيه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف» (وإلا) يجد فرجة وقف (عن
يمين الإمام) ؛ لأنه موقف الواحد، (فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه)
بنحنحة، أو كلام، أو إشارة، وكره بجذبه ويتبعه من ينبهه وجوبا.
(فإن صلى ركعة فذا لم تصح) صلاته لما تقدم وكرره لأجل ما أعقبه به، (وإن
ركع فذا) أي فردا لعذر بأن خشي فوات الركعة، (ثم دخل في الصف) قبل سجود
الإمام صحت، (أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت) صلاته؛ لأن أبا بكرة ركع
دون الصف، ثم مشى حتى دخل الصف فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «زادك الله حرصا، ولا تعد» رواه البخاري، وإن فعله ولم يخش
فوات الركعة لم تصح، إن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل الصف، أو
يقف معه آخر.
[فصل في أحكام الاقتداء]
(يصح اقتداء المأموم بالإمام) إذا كانا (في المسجد، وإن لم يره، ولا من
ورائه إذا سمع
(1/137)
التكبير) لأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم
الاقتداء به بسماع التكبير أشبه المشاهدة، (وكذا) يصح الاقتداء إذا كان
أحدهما (خارجه) أي خارج المسجد (إن رأى) المأموم (الإمام أو) بعض
(المأمومين) الذين وراء الإمام ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة، أو من شباك
ونحوه، وإن كان بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه السفن، أو طريق ولم تتصل
فيه الصفوف حيث صحت فيه، أو كان المأموم بسفينة وإمامه في أخرى في غير شدة
خوف لم يصح الاقتداء.
(وتصح) صلاة المأمومين (خلف إمام عال عنهم) لفعل حذيفة وعمار، رواه أبو
داود، (ويكره) علو الإمام عن المأموم (إذا كان العلو ذراعا فأكثر) ؛ لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في
مكان أرفع من مكانهم» ، فإن كان العلو يسيرا دون ذراع لم يكره لصلاته -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر في أول يوم وضع فالظاهر
أنه كان على الدرجة السفلى جمعا بين الأخبار ولا بأس بعلو المأموم (كـ) ما
تكره (إمامته في الطاق) أي طاق القبلة، وهي المحراب روي عن ابن مسعود
وغيره؛ لأنه يستتر عن بعض المأمومين، فإن لم يمنع رؤيته لم يكره (و) يكره
(تطوعه موضع المكتوبة) بعدها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه» ، رواه
أبو داود عن المغيرة بن شعبة (إلا من حاجة) فيهما بأن لا يجد موضعا خاليا
غير ذلك.
(و) يكره للإمام (إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة) لقول عائشة: «كان
النبي -
(1/138)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا
سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا
الجلال والإكرام» ، رواه مسلم فيستحب له أن يقوم، أو ينحرف عن قبلته إلى
مأموم جهة قصده وإلا فعن يمينه (فإذا كان ثم) أي هناك (نساء لبث) في مكانه
(قليلا لينصرفن) ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه
كانوا يفعلون ذلك، ويستحب أن لا ينصرف المأموم قبل إمامه؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسبقوني بالانصراف» ، رواه مسلم، قال في
" المغني " و " الشرح ": إلا أن يخالف الإمام السنة في إطالة الجلوس مستقبل
القبلة، أو لم ينحرف فلا بأس بذلك.
(ويكره وقوفهم) أي المأمومين (بين السواري إذا قطعن) الصفوف عرفا بلا حاجه
لقول أنس: «كنا نتقي هذا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» ، رواه أحمد، وأبو داود وإسناده ثقات، فإن كان الصف صغيرا قدر
ما بين الساريتين فلا بأس.
وحرم بناء مسجد يراد به الضرر لمسجد بقربه فيهدم مسجد الضرار ويباح اتخاذ
المحراب، وكره حضور مسجد وجماعة لمن أكل بصلا ونحوه. حتى يذهب ريحه.
[فصل الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة]
فصل في الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة (ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض) ؛
لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما مرض تخلف عن المسجد وقال:
(1/139)
«مروا أبا بكر فليصل بالناس» متفق عليه.
وكذا خائف حدوث مرض وتلزم الجمعة دون الجماعة من لم يتضرر بإتيانها راكبا،
أو محمولا (و) يعذر بتركهما (مدافع أحد الأخبثين) البول والغائط (ومن بحضرة
الطعام) هو (محتاج إليه) ويأكل حتى يشبع لخبر أنس في " الصحيحين " (و) يعذر
بتركهما (خائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضررا فيه) كمن يخاف على ماله من
لص، أو نحوه، أو له خبز في تنور يخاف عليه فسادا، أو له ضالة، أو آبق يرجو
وجوده إذا، أو يخاف فوته إن تركه ولو مستأجرا لحفظ بستان، أو مال، أو يتضرر
في معيشة يحتاجها، (أو) كان يخاف بحضوره الجمعة، أو الجماعة (موت قريبه) ،
أو رفيقه، أو لم يكن من يمرضهما غيره، أو خاف على أهله، أو ولده، (أو) كان
يخاف (على نفسه من ضرر) كسبع، (أو) من (سلطان) يأخذه، (أو ملازمة غريم، ولا
شيء معه) يدفعه به؛ لأن حبس المعسر ظلم، وكذا إن خاف مطالبة بالمؤجل قبل
أجله، فإن كان حالا، وقدر على وفائه لم يعذر، (أو) كان يخاف بحضورهما أي
الجمعة والجماعة] (من فوات رفقته) بسفر مباح سواء أنشأه، أو استدامه، (أو)
حصل له (غلبة نعاس) يخاف به فوت الصلاة في الوقت، أو مع الإمام، (أو) حصل
له (أذى بمطر ووحل) بفتح الحاء وتسكينها لغة رديئة، وكذا ثلج وجليد وبرد
(وبريح باردة شديدة في ليلة مظلمة) لقول ابن عمر: «كان النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينادي مناديه في الليلة الباردة، أو المطيرة
صلوا في رحالكم» ، رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وكذا تطويل
إمام ومن عليه قود يرجو العفو عنه لا من عليه حد، ولا إن كان في طريقه، أو
المسجد منكر. وينكره بحسبه، وإذا طرأ بعض الأعذار في الصلاة أتمها خفيفة إن
أمكن وإلا خرج منها، قاله في " المبدع "، قال: والمأموم يفارق إمامه، أو
يخرج منها.
(1/140)
[باب صلاة أهل
الأعذار]
وهم المريض والمسافر والخائف ونحوهم (تلزم المريض الصلاة) المكتوبة (قائما)
، ولو كراكع، أو معتمدا، أو مستندا إلى شيء، (فإن لم يستطع) بأن عجز عن
القيام، أو شق عليه لضرر، أو زيادة مرض (فقاعدا) متربعا ندبا، ويثني رجليه
في ركوع وسجود، (فإن عجز) ، أو شق عليه القعود كما تقدم (فعلى جنبه)
والأيمن أفضل، (فإن صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة صح) ، وكره مع القدرة
على جنبه وإلا تعين (ويومئ راكعا وساجدا) ما أمكنه (ويخفضه) أي السجود (عن
الركوع) لحديث علي مرفوعا «يصلي المريض قائما إن استطاع، فإن لم يستطع صلى
قاعدا، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع
أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبلا القبلة، فإن لم يستطع صلى
مستلقيا رجلاه مما يلي القبلة» رواه الدارقطني، (فإن عجز) عن الإيماء (أومأ
بعينه) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن لم يستطع أومأ
بطرفه» رواه زكريا الساجي بسنده عن الحسين بن علي بن أبي طالب، وينوي الفعل
عند إيمائه له، والقول كالفعل يستحضره بقلبه إن عجز عنه بلفظه، وكذا أسير
خائف، ولا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتا، ولا ينقص أجر المريض إذا صلى،
ولو بالإيماء عن أجر الصحيح المصلي قائما، ولا بأس بالسجود على وسادة
ونحوها، وإن رفع له شيء عن الأرض فسجد عليه ما أمكنه صح وكره، (فإن قدر)
المريض في أثناء الصلاة على قيام (أو عجز) عنه (في أثنائها انتقل إلى
(1/141)
الآخر) فينتقل إلى القيام من قدر عليه وإلى
الجلوس من عجز عن القيام، ويركع بلا قراءة من كان قرأ، وإلا قرأ، وتجزئ
الفاتحة من عجز فأتمها في انحطاطه لا من صح فأتمها في ارتفاعه، (وإن قدر
على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائما) ؛ لأن الراكع كالقائم في
نصب رجليه وأومأ (بسجود قاعدا) ؛ لأن الساجد كالجالس في جمع رجليه، ومن قدر
على أن يحني
رقبته دون ظهره حناها، وإذا سجد قرب وجهه من الأرض ما أمكنه، ومن قدر أن
يقوم منفردا ويجلس في جماعة خير.
(ولمريض الصلاة مستلقيا مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب مسلم) ثقة،
وله الفطر بقوله: إن الصوم مما يمكن العلة، [ (ولا تصح صلاته قاعدا في
السفينة، وهو قادر على القيام) ] .
(ويصح الفرض على الراحلة) واقفة، أو سائرة (خشية التأذي بوحل) ، أو مطر
ونحوه؛ لقول يعلى بن أمية: «انتهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة
من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى بهم» يعني إيماء، يجعل السجود
أخفض من الركوع، رواه أحمد والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، وكذا
إن خاف انقطاعا عن رفقته بنزوله، أو على نفسه، أو عجز عن ركوب إن نزل وعليه
الاستقبال وما يقدر عليه، و (لا) تصح الصلاة على الراحلة (للمرض) وحده دون
عذر مما تقدم، ومن بسفينة وعجز عن القيام فيها والخروج منها صلى جالسا
مستقبلا، ويدور إلى القبلة كلما انحرفت السفينة بخلاف النفل.
(1/142)
[فصل في قصر
المسافر الصلاة]
وسنده قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] الآية.
(من سافر) أي نوى (سفرا مباحا) أي غير مكروه، ولا حرام فيدخل فيه الواجب
والمندوب والمباح المطلق، ولو نزهة وفرجة يبلغ (أربعة برد) ، وهي ستة عشر
فرسخا برا، أو بحرا، وهي يومان قاصدان (سن له قصر رباعية ركعتين) ؛ لأنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم عليه بخلاف المغرب والصبح فلا
يقصران إجماعا، قاله ابن المنذر (إذا فارق عامر قريته) سواء كانت البيوت
داخل السور، أو خارجه، (أو) فارق (خيام قومه) ، أو ما نسبت إليه عرفا كسكان
قصور وبساتين ونحوهم؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما كان
يقصر إذا ارتحل، ولا يعيد من قصر بشرطه، ثم رجع قبل استكمال المسافة، ويقصر
من أسلم، أو بلغ، أو طهرت بسفر مبيح، ولو كان الباقي دون المسافة لا من تاب
إذا، ولا يقصر من شك في قصر المسافة، ولا من لم يقصد جهة
معينة كالتائه، ولا من سافر ليترخص، ويقصر المكره كالأسير وامرأة وعبد تبعا
لزوج وسيد.
(وإن أحرم) في الحضر، (ثم سافر أو) أحرم (في سفر ثم أقام) أتم لأنها عبادة
اجتمع لها حكم الحضر والسفر فغلب حكم الحضر، وكذا لو سافر بعد دخول الوقت
(1/143)
أتمها وجوبا لأنها وجبت تامة، (أو ذكر صلاة
حضر في سفر) أتمها؛ لأن القضاء معتبر بالأداء، وهو أربع، (أو عكسها) بأن
ذكر صلاة سفر في حضر أتم؛ لأن القصر من رخص السفر فبطل بزواله، (أو ائتم)
مسافر (بمقيم) أتم، قال ابن عباس: تلك السنة، رواه أحمد ومنه لو ائتم مسافر
بمسافر فاستخلف مقيما لعذر فيلزمه الإتمام، (أو) ائتم مسافر (بمن يشك فيه)
أي في إقامته وسفره لزمه أن يتم، وإن بان أن الإمام مسافر لعدم نيته لكن
إذا علم، أو غلب على ظنه أن الإمام مسافر بإمارة كهيئة لباس، وأن إمامه نوى
القصر فله القصر عملا بالظاهر، وإن قال: إن أتم أتممت، وإن قصر قصرت لم
يضر، (أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها) لكونه اقتدى بمقيم، أو لم ينو قصرها
مثلا (ففسدت) بحدث، أو نحوه (وأعادها) أتمها لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه
بها؛ (أو لم ينو القصر عند إحرامها) لزمه أن يتم؛ لأنه الأصل، وإطلاق النية
ينصرف إليه (أو شك في نيته) أي نية القصر أتم؛ لأن الأصل أنه لم ينوه، (أو
نوى إقامة أكثر من أربعة أيام) أتم، وإن أقام أربعة أيام فقط قصر لما في
المتفق عليه من حديث جابر وابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس
والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن، ثم خرج إلى منى، وكان يقصر
الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها» ، (أو) كان المسافر (ملاحا)
أي صاحب سفينة (معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد لزمه أن يتم) ؛ لأن سفره غير
منقطع مع أنه غير ظاعن عن وطنه وأهله، ومثله مكار وراع ورسول سلطان ونحوهم.
ويتم المسافر إذا مر بوطنه، أو ببلد له بها امرأة، أو كان قد تزوج فيه، أو
نوى الإتمام، ولو في أثنائها بعد نية القصر، (وإن كان له طريقان) بعيد
وقريب (فسلك أبعدهما) قصر؛ لأنه مسافر سفرا بعيدا، (أو ذكر صلاة سفر في)
سفر (آخر قصر) ؛ لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر كما لو
(1/144)
قضاها فيه نفسه، قال ابن تميم وغيره: وقضاء
بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها اقتصر عليه في " المبدع " وفيه شيء.
(وإن حبس) ظلما، أو بمرض، أو مطر ونحوه (ولم ينو إقامة) قصر أبدا؛ لأن ابن
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وقد
حال الثلج بينه وبين الدخول، رواه الأثرم.
والأسير [إذا علم أنه لا ينفك إلا بعد أيام] لا يقصر ما أقام عند العدو،
(أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة) لا يدري متى تنقضي (قصر أبدا) غلب على
ظنه كثرة ذلك، أو قلته؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أقام
بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة» رواه أحمد وغيره وإسناده ثقات، وإن ظن لا
تنقضي إلا فوق أربعة أيام أتم، وإن نوى مسافر القصر حيث لم يبح لم تنعقد
صلاته كما لو نواه مقيم.
[فصل في الجمع]
(ويجوز الجمع بين الظهرين) أي الظهر والعصر في وقت إحداهما (و) يجوز الجمع
(بين العشاءين) أي المغرب والعشاء (في وقت إحداهما في سفر قصر) لما روى
معاذ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في غزوة تبوك
إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعا،
وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار، وكان يفعل مثل
ذلك في المغرب والعشاء» رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب، وعن أنس
بمعناه، متفق عليه.
(و) يباح الجمع بين ما ذكر (لمريض يلحقه بتركه) أي ترك الجمع (مشقة) ؛ «لأن
النبي -
(1/145)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمع
من غير خوف، ولا مطر» وفي رواية «من غير خوف، ولا سفر» رواهما مسلم من حديث
ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض، وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة، وهي
نوع مرض، ويجوز أيضا لمرضع لمشقة كثرة نجاسة ونحو مستحاضة وعاجز عن طهارة،
أو تيمم لكل صلاة، أو عن معرفة وقت كأعمى ونحوه. ولعذر، أو شغل يبيح ترك
جمعة وجماعة.
(و) يباح الجمع (بين العشاءين) خاصة (لمطر يبل الثياب) وتوجد معه مشقة
والثلج والبرد والجليد مثله (ولوحل وريح شديدة باردة) ؛ لأنه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة»
رواه البخاري بإسناده وفعله أبو بكر وعمر وعثمان وله الجمع لذلك (ولو صلى
في بيته، أو في مسجد طريقه تحت ساباط) ونحوه؛ لأن الرخصة العامة يستوي فيها
حال وجود المشقة وعدمها كالسفر (والأفضل) لمن له الجمع (فعل الأرفق به من)
جمع (تأخير) بأن يؤخر الأولى إلى الثانية (و) جمع (تقديم بأن) يقدم الثانية
فيصليها مع الأولى لحديث معاذ السابق، فإذا استويا فالتأخير أفضل والأفضل
بعرفة التقديم وبمزدلفة التأخير مطلقا وترك الجمع في سواهما أفضل ويشترط
للجمع ترتيب مطلقا.
(فإن جمع في وقت الأولى اشترط) له ثلاثة شروط:
(نية الجمع عند إحرامها) أي إحرام الأولى دون الثانية.
(و) الشرط الثاني الموالاة بينهما (لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة) صلاة
(ووضوء
(1/146)
خفيف) ؛ لأن معنى الجمع المتابعة
والمقارنة، ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل بخلاف اليسير فإنه معفو عنه
(ويبطل) الجمع (براتبة) يصليها (بينهما) أي بين المجموعتين؛ لأنه فرق
بينهما بصلاة فتبطل كما لو قضى فائتة، وإن تكلم بكلمة، أو كلمتين جاز.
(و) الثالث (أن يكون العذر) المبيح (موجودا عند افتتاحهما وسلام الأولى) ؛
لأن افتتاح الأولى موضع النية وفراغها وافتتاح الثانية موضع الجمع، ولا
يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع المطر ونحوه، بخلاف غيره، وإن
انقطع السفر في الأولى بطل الجمع والقصر مطلقا فيتمهما، وتصح [فرضا] وفي
الثانية يتمها نفلا، [وتصح الأولى فرضا] .
(وإن جمع في وقت الثانية اشترط) له شرطان:
(نية الجمع في وقت الأولى) ؛ لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا
جمعا، (إن لم يضق) وقتها (عن فعلها) ؛ لأن تأخيرها إلى ما يضيق عن فعلها
حرام، وهو ينافي الرخصة.
(و) الثاني (استمرار العذر) المبيح (إلى دخول وقت الثانية) ، فإن زال العذر
قبله لم يجز الجمع لزوال مقتضيه كالمريض يبرأ والمسافر يقدم والمطر ينقطع،
ولا بأس بالتطوع بينهما ولو صلى الأولى وحده، ثم الثانية إماما، أو مأموما،
أو صلاهما خلف إمامين، أو من لم يجمع صح.
[فصل في صلاة الخوف]
فصل (وصلاة الخوف صحت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بصفات كلها جائزة) ، قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: تقول بالأحاديث كلها،
أو تختار واحدا منها؟ قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن، وأما حديث سهل
فأنا أختاره وشرطها أن يكون العدو مباح القتال سفرا كان، أو حضرا مع خوف
هجومهم على المسلمين
(1/147)
وحديث سهل الذي أشار إليه هو «صلاته -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذات الرقاع طائفة صفت معه وطائفة
وقفت وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم
انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت
من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم» متفق عليه. وإذا اشتد
الخوف صلوا رجالا وركبانا للقبلة وغيرها يؤمنون طاقتهم، وكذا حالة هرب مباح
من عدو، أو سيل، أو نحوه، أو خوف فوت عدو يطلبه، أو وقت وقوف بعرفة.
(ويستحب أن يحمل معه في صلاته من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف
ونحوه) كسكين؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}
[النساء: 102] ، ويجوز حمل سلاح نجس في هذه الحالة للحاجة بلا إعادة.
[باب صلاة الجمعة]
سميت بذلك لجمعها الخلق الكثير ويومها أفضل أيام الأسبوع وصلاة الجمعة
مستقلة، وهي أفضل من الظهر وفرض الوقت، فلو صلى الظهر أهل بلد مع بقية وقت
الجمعة لم تصح وتؤخر فائتة لخوف فوتها والظهر بدل عنها إذا فاتت.
(وتلزم) الجمعة (كل ذكر) ذكره ابن المنذر إجماعا؛ لأن المرأة ليست من أهل
الحضور في مجامع الرجال (حر) ؛ لأن العبد محبوس على سيده (مكلف مسلم) ؛ لأن
الإسلام والعقل شرطان للتكليف وصحة العبادة فلا تجب على مجنون، ولا صبي لما
روى طارق بن شهاب مرفوعا «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة
عبد
(1/148)
مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض» رواه
أبو داود (مستوطن ببناء) معتاد ولو كان فراسخ من حجر، أو قصب ونحوه. لا
يرتحل عنه شتاء، ولا صيفا (اسمه) أي البناء (واحد ولو تفرق) البناء حيث
شمله اسم واحد كما تقدم (ليس بينه وبين المسجد) إذا كان خارجا عن المصر
(أكثر من فرسخ) تقريبا فتلزمه بغيره كمن بخيام ونحوها ولا تنعقد به ولم يجز
أن يؤم فيها، وأما من كان في البلد فيجب عليه السعي إليها قرب أو بعد سمع
النداء أو لم يسمعه؛ لأن البلد كالشيء الواحد.
(ولا تجب) الجمعة (على مسافر سفر قصر) ؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد
منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير وكما لا تلزمه بنفسه لا تلزمه
بغيره، فإن كان عاصيا بسفره، أو كان سفره فوق فرسخ ودون المسافة وأقام ما
يمنع القصر ولم ينو استيطانا لزمته بغيره، (ولا) تجب الجمعة على (عبد)
ومبعض (وامرأة) لما تقدم، ولا خنثى؛ لأنه لا يعلم كونه رجلا، (ومن حضرها
منهم أجزأته) ؛ لأن إسقاطها عنهم تخفيف (ولم تنعقد به) ؛ لأنه ليس من أهل
الوجوب، وإنما صحت منه تبعا و (لم يصح أن يؤم) فيها لئلا يصير التابع
متبوعا، (ومن سقطت عنه لعذر) غير سفر كمرض وخوف إذا حضرها (وجبت عليه
وانعقدت به) وجاز أن يؤم فيها؛ لأن سقوطها لمشقة السعي، وقد زالت.
(ومن صلى الظهر) ، وهو (ممن) يجب (عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام) أي
قبل أن تقام الجمعة، أو مع الشك فيه (لم تصح) ظهره؛ لأنه صلى ما لم يخاطب
به وترك ما خوطب به، وإذا ظن أنه يدرك الجمعة سعى إليها لأنها فرضه وإلا
انتظر حتى يتيقن أنهم صلوا الجمعة فيصلي الظهر، (وتصح) الظهر (ممن لا تجب
عليه) الجمعة لمرض ونحوه. فيصلي الظهر ولو زال عذره قبل تجميع
(1/149)
الإمام إلا الصبي إذا بلغ (والأفضل) تأخير
الظهر (حتى يصلي الإمام) الجمعة وحضورها لمن اختلف في وجوبها عليه كعبد
أفضل، وندب تصدق بدينار، أو نصفه لتاركها بلا عذر.
(ولا يجوز لمن تلزمه) الجمعة (السفر في يومها بعد الزوال) حتى يصلي إن لم
يخف فوت رفقته وقبل الزوال يكره إن لم يأت بها في طريقه.
[فصل في صحة صلاة الجمعة]
فصل (يشترط لصحتها) أي صحة الجمعة أربعة شروط (ليس منها إذن الإمام) ؛ لأن
عليا صلى بالناس وعثمان محصور فلم ينكره أحد وصوبه عثمان، رواه البخاري
بمعناه.
(أحدها) أي أحد الشروط (الوقت) لأنها صلاة مفروضة فاشترط لها الوقت كبقية
الصلوات فلا تصح قبل الوقت، ولا بعده إجماعا، قاله في " المبدع " (وأوله
أول وقت صلاة العيد) لقول عبد الله بن سيدان: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت
خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن
أقول: قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن
أقول: قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك، ولا أنكره، رواه الدارقطني
وأحمد واحتج به، قال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم
صلوا قبل الزوال ولم ينكر
(1/150)
(وآخره آخر وقت صلاة الظهر) بلا خلاف، قاله
في " المبدع " وفعلها بعد الزوال أفضل، (فإن خرج وقتها قبل التحريمة) أي
قبل أن يكبروا للإحرام بالجمعة (صلوا ظهرا) ، قال في " الشرح ": لا نعلم
فيه خلافا (وإلا) بأن أحرموا بها في الوقت (فجمعة) كسائر الصلوات تدرك
بتكبيرة الإحرام في الوقت، ولا تسقط بشك في خروج الوقت، فإن بقي من الوقت
قدر الخطبة والتحريمة لزمهم فعلها وإلا لم تجز.
(الشرط الثاني حضور أربعين من أهل وجوبها) وتقدم بيانهم في الخطبة والصلاة،
قال أحمد: بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مصعب بن عمير
إلى أهل المدينة فلما كان يوم الجمعة جمع بهم، وكانوا أربعين، وكانت أول
جمعة جمعت بالمدينة وقال جابر: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة
وأضحى وفطر» ، رواه الدارقطني وفيه ضعف، قاله في " المبدع ".
(الشرط الثالث) أن يكونوا (بقرية مستوطنين) بها مبنية بما جرت به العادة
فلا تتم من مكانين متقاربين، ولا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر ونحوهم؛
لأن ذلك لم يقصد للاستيطان غالبا، وكانت قبائل العرب حوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يأمرهم بها، وتصح بقرية خراب عزموا على إصلاحها
والإقامة بها، (وتصح) إقامتها (فيما قارب البنيان من الصحراء) ؛ لأن أسعد
بن زرارة أول من جمع في حرة بني بياضة، أخرجه أبو داود والدارقطني، قال
البيهقي: حسن الإسناد صحيح، قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من
المدينة،
(1/151)
وإذا رأى الإمام وحده العدد فنقص لم يجز أن
يؤمهم ولزمه استخلاف أحدهم وبالعكس لا تلزم واحدا منهم، (فإن نقصوا) عن
الأربعين (قبل إتمامها) لم يتموها جمعة لفقد شرطها و (استأنفوا ظهرا) إن لم
تمكن إعادتها جمعة، وإن بقي معه العدد بعد انفضاض بعضهم ولو ممن لم يسمع
الخطبة ولحقوا بهم قبل نقصهم أتموا جمعة، (ومن) أحرم في الوقت و (أدرك مع
الإمام منها) أي من الجمعة (ركعة أتمها جمعة) لحديث أبي هريرة مرفوعا: «من
أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة» رواه الأثرم، (وإن أدرك أقل من ذلك)
بأن رفع الإمام رأسه من الثانية، ثم دخل معه (أتمها ظهرا) لمفهوم ما سبق
(إذا كان نوى الظهر) ودخل وقته لحديث: «وإنما لكل امرئ ما نوى» وإلا أتمها
نفلا، ومن أحرم مع الإمام، ثم زحم عن السجود لزمه السجود على ظهر إنسان، أو
رجله، فإن لم يمكنه فإذا زال الزحام، وإن أحرم، ثم زحم وأخرج عن الصف فصلى
فذا لم تصح صلاته، وإن أخرج في الثانية نوى مفارقته وأتمها جمعة.
(الشرط الرابع) : تقدم خطبتين وأشار إليه بقوله: (ويشترط تقدم خطبتين) ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]
والذكر هو الخطبة ولقول ابن عمر: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يخطب خطبتين، وهو قائم يفصل بينهما بجلوس» متفق عليه. وهما بدل
الركعتين لا من الظهر،
(1/152)
(ومن شرط صحتهما حمد الله) بلفظ: الحمد
لله؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كل كلام لا يبدأ فيه
بالحمد
لله فهو أجذم» رواه أبو داود عن أبي هريرة (والصلاة على رسوله محمد -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله
تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله كالأذان، ويتعين لفظ الصلاة (وقراءة آية) كاملة
لقول جابر بن سمرة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يقرأ آية ويذكر الناس» رواه مسلم، قال أحمد: يقرأ ما يشاء وقال أبو المعالي
لو قرأ آية لا تستقل بمعنى، أو حكم كقوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر:
21] ، أو {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] لم يكف والمذهب لا بد من قراءة
آية ولو جنبا مع تحريمها فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة، ثم صلى على النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجزأه و (الوصية بتقوى الله عز وجل)
؛ لأنه المقصود، قال في " المبدع ": ويبدأ بالحمد لله، ثم بالصلاة، ثم
بالموعظة، ثم القراءة في ظاهر كلام جماعة ولا بد في كل واحدة من الخطبتين
من هذه الأركان (و) يشترط (حضور العدد المشترط) لسماع القدر الواجب؛ لأنه
ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام، فإن نقصوا وعادوا قبل
فوت ركن منها بنوا، وإن كثر التفريق، أو فات منها ركن، أو أحدث فتطهر
استأنف مع سعة الوقت ويشترط لهما أيضا الوقت، وأن يكون الخطيب يصلح إماما
فيها والجهر بهما بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع والنية والاستيطان
للقدر الواجب منهما والموالاة بينهما وبين الصلاة.
(ولا يشترط لهما الطهارة) من الحدثين والنجس ولو خطب بمسجد لأنهما ذكر
(1/153)
تقدم الصلاة أشبه الأذان وتحريم لبث الجنب
بالمسجد لا تعلق له بواجب العبادة وكذلك لا يشترط لهما ستر العورة، (ولا أن
يتولاهما من يتولى الصلاة) بل يستحب ذلك؛ لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة
أشبها الصلاتين، ولا يشترط أيضا حضور متولي الصلاة الخطبة ويبطلها كلام
محرم ولو يسيرا، ولا تجزئ بغير العربية مع القدرة.
(ومن سننهما) أي الخطبتين (أن يخطب على منبر) لفعله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو بكسر الميم من المنبر، وهو الارتفاع واتخاذه سنة
مجمع عليها، قاله في " شرح مسلم " ويصعده على تؤدة إلى الدرجة التي تلي
السطح، (أو) يخطب على (موضع عال) إن عدم المنبر؛ لأنه في معناه عن يمين
مستقبل القبلة بالمحراب، وإن خطب بالأرض فعن يسارهم (و) أن (يسلم على
المأمومين إذا أقبل عليهم) لقول جابر: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صعد المنبر سلم» رواه
ابن ماجه ورواه الأثرم عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن الزبير ورواه
البخاري عن عثمان كسلامه على من عنده في خروجه، (ثم) يسن أن (يجلس إلى فراغ
الأذان) لقول ابن عمر: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب» رواه أبو داود،
(وأن يجلس بين الخطبتين) لحديث ابن عمر السابق،
(1/154)
(وأن يخطب قائما) لما تقدم (ويعتمد على
سيف، أو قوس، أو عصا) لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رواه
أبو داود عن الحكم بن حزن وفيه إشارة إلى أن هذا الدين فتح به، قال في "
الفروع ": ويتوجه باليسرى والأخرى بحرف المنبر، فإن لم يعتمد أمسك يمينه
بشماله، أو أرسلهما (و) أن (يقصد تلقاء وجهه) لفعله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولأن في التفاته إلى أحد جانبيه إعراضا عن الآخر، وإن
استدبرهم كره وينحرفون إليه إذا خطب لفعل الصحابة ذكره في " المبدع " (و)
أن (يقصر الخطبة) لما روى مسلم عن عمار مرفوعا «إن طول صلاة الرجل وقصر
خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة» ، وأن تكون الثانية
أقصر ورفع صوته قدر إمكانه (و) أن (يدعو للمسلمين) ؛ لأنه مسنون في غير
الخطبة ففيها أولى ويباح الدعاء لمعين، وأن يخطب من صحيفة، قال في " المبدع
": وينزل مسرعا، وإذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة جاز اتباعهم
نصا وقال ابن أبي موسى: يصلي معهم الجمعة ويعيدها ظهرا.
(1/155)
[فصل صلاة
الجمعة ركعتان]
فصل (و) صلاة (الجمعة ركعتان) إجماعا حكاه ابن المنذر (يسن أن يقرأ جهرا)
لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (في الركعة الأولى بـ "
الجمعة ") بعد الفاتحة و (في) الركعة (الثانية بـ " المنافقين ") ؛ لأنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ بهما، رواه مسلم عن ابن
عباس، وأن يقرأ في فجرها في الأولى الم السجدة، وفي الثانية "هل أتى ... "؛
لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ بهما، متفق عليه من
حديث أبي هريرة.
(وتحرم إقامتها) أي الجمعة، وكذا العيد (في أكثر من موضع من البلد) ؛ لأنه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وأصحابه لم يقيموها في أكثر من موضع واحد (إلا لحاجة) كسعة البلد وتباعد
أقطاره، أو بعد الجامع، أو ضيقه، أو خوف فتنة فيجوز التعدد بحسبها فقط
لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في مواضع من غير نكير فكان إجماعا ذكره في "
المبدع "، (فإن فعلوا) أي صلوها في موضعين، أو أكثر بلا حاجة (فالصحيحة ما
باشرها الإمام، أو أذن فيها) ولو تأخرت وسواء قلنا إذنه شرط، أو لا إذ في
تصحيح غيرها افتئات عليه وتفويت لجمعته، (فإن استويا في إذن، أو عدمه
فالثانية باطلة) ؛ لأن الاستغناء حصل بالأولى فأنيط الحكم بها ويعتبر السبق
بالإحرام، (وإن وقعتا معا) ، ولا مزية لإحداهما بطلتا؛ لأنه لا يمكن
تصحيحهما، ولا تصحيح إحداهما، فإن أمكن إعادتهما جمعة فعلوا وإلا صلوها
ظهرا، (أو جهلت الأولى) منهما (بطلتا) ويصلون ظهرا لاحتمال سبق إحداهما
فتصح، ولا تعاد، وكذا لو أقيمت في المصر جمعات وجهل كيف وقعت، وإذا وافق
العيد يوم الجمعة سقطت عمن حضره مع الإمام كمريض دون الإمام، فإن
(1/156)
اجتمع معه العدد المعتبر أقامها وإلا صلى
ظهرا، وكذا العيد بها إذا عزموا على فعلها سقط.
(وأقل السنة) الراتبة (بعد الجمعة ركعتان) ؛ «لأنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بعد الجمعة ركعتين» ، متفق عليه من حديث ابن
عمر (وأكثرها ست) ركعات لقول ابن عمر: "كان النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله " رواه أبو داود، ويصليها مكانه بخلاف سائر
السنن فببيته، ويسن فصل بين فرض وسنة بكلام، أو انتقال من موضعه ولا سنة
لها قبلها أي راتبة، قال عبد الله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن
ركعات.
(ويسن أن يغتسل لها في يومها) لخبر عائشة «لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا» ،
وعن جماع وعند مضي أفضل (وتقدم) وفيه نظر
(1/157)
(و) يسن (تنظف وتطيب) لما روى البخاري عن
أبي سعيد مرفوعا «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن
ويمس من طيب امرأته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم
ينصت إذا تكلم أي خطب الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» (و)
أن (يلبس أحسن ثيابه) لوروده في بعض الألفاظ وأفضلها البياض ويعتم ويرتدي
(و) أن (يبكر إليها ماشيا) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«ومشى ولم يركب» ، ويكون بسكينة ووقار بعد طلوع الفجر الثاني (و) أن (يدنو
من الإمام) مستقبل القبلة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«من غسل واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ
كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة عمل صيامها وقيامها» رواه أحمد، وأبو داود
وإسناده ثقات ويشتغل بالصلاة والذكر والقراءة (و) أن (يقرأ سورة الكهف في
يومها) لما روى البيهقي بإسناد حسن عن أبي سعيد مرفوعا «من قرأ سورة الكهف
يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (و) أن (يكثر الدعاء) رجاء
أن يصادف ساعة الإجابة (و) أن (يكثر الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة» رواه أبو داود وغيره، وكذا ليلتها، و
(لا يتخطى رقاب الناس) لما روى أحمد «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وهو على المنبر رأى رجلا
(1/158)
يتخطى رقاب الناس فقال له: اجلس فقد آذيت»
(إلا أن يكون) المتخطي (الإمام) فلا يكره للحاجة وألحق به في " الغنية "
المؤذن، (أو) يكون التخطي (إلى فرجة) لا يصل إليها إلا به فيتخطى لأنهم
أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم.
(وحرم أن يقيم غيره) ولو عبده، أو ولده الكبير (فيجلس مكانه) لحديث ابن عمر
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يقيم الرجل أخاه
من مقعده ويجلس فيه» متفق عليه. ولكن يقول:
افسحوا، قاله في " التلخيص " (إلا) الصغير و (من قدم صاحبا له فجلس في موضع
يحفظه له) ، وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه، قال في " الشرح ": لأن النائب
يقوم باختياره لكن إن جلس مكان الإمام، أو طريق المارة، أو استقبل المصلين
في مكان ضيق أقيم، قاله في المعالي، وكره إيثاره غيره بمكانه الفاضل لا
قبوله وليس لغير المؤثر سبقه (وحرم رفع مصلى مفروش) ؛ لأنه كالنائب عنه (ما
لم تحضر الصلاة) فيرفعه؛ لأنه لا حرمة له بنفسه، ولا يصلي عليه، (ومن قام
من مكانه لعارض لحقه، ثم عاد إليه قريبا فهو أحق به) ؛ لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قام من مجلسه، ثم رجع إليه فهو أحق به»
رواه مسلم، ولم يقيده الأكثر بالعود قريبا.
(ومن دخل) المسجد (والإمام يخطب لم يجلس) ولو كان وقت نهي (حتى يصلي ركعتين
يوجز فيهما) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا جاء
أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام فليصل ركعتين» متفق عليه. زاد مسلم
«وليتجوز فيهما» ، فإن جلس قام فأتى بهما ما لم يطل الفصل، فتسن تحية
المسجد لمن دخله غير وقت نهي، إلا الخطيب وداخله لصلاة عيد، أو بعد شروع في
إقامة وداخل المسجد الحرام؛ لأن تحيته الطواف.
(1/159)
(ولا يجوز الكلام والإمام يخطب) إذا كان
منه بحيث يسمعه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ولقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قال: صه فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له» رواه
أحمد (إلا له) أي للإمام فلا يحرم عليه الكلام، (أو لمن يكلمه) لمصلحة؛
لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلم سائلا وكلمه هو، ويجب
لتحذير ضرير وغافل عن هلكة (يجوز) الكلام (قبل الخطبة وبعدها) ، وإذا سكت
بين الخطبتين، أو شرع في الدعاء، وله الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سمعها من الخطيب، وتسن سرا كدعاء وتأمين عليه
وحمده خفية إذا عطس ورد سلام وتشميت عاطس وإشارة أخرس إذا فهمت ككلام لا
تسكيت متكلم بإشارة، ويكره العبث والشرب حال الخطبة إن سمعها وإلا جاز، نص
عليه.
[باب صلاة العيدين]
سمي به؛ لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، أو تفاؤلا وجمعه أعياد، (وهي) أي صلاة
العيدين (فرض كفاية) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
[الكوثر: 2] ، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء
بعده لم يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس يداومون عليها، (إذا تركها أهل بلد
قاتلهم الإمام) لأنها من أعلام الدين الظاهرة.
(و) أول (وقتها كصلاة الضحى) ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، ومن بعده لم يصلوها إلا بعد ارتفاع الشمس، ذكره في " المبدع " (وآخره)
أي آخر وقتها (الزوال) أي زوال الشمس، (فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده) أي
بعد الزوال (صلوا من الغد) قضاء لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من
الأنصار، قال: «غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب في آخر النهار
فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا غدا
(1/160)
لعيدهم» رواه أحمد، وأبو داود والدارقطني
وحسنه.
(وتسن) صلاة العيد (في صحراء) قريبة عرفا لقول أبي سعيد: «كان النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى»
متفق عليه. وكذلك الخلفاء بعده (و) يسن (تقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر)
فيؤخرها لما روى الشافعي مرسلا «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كتب إلى عمرو بن حزم أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس» (و)
يسن (أكله قبلها) أي قبل الخروج لصلاة الفطر لقول بريرة: «كان النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم
يوم النحر حتى يصلي» رواه أحمد، والأفضل على تمرات وترا، والتوسعة على
الأهل والصدقة (وعكسه) أي يسن الإمساك (في الأضحى إن ضحى) حتى يصلي ليأكل
من أضحيته لما تقدم والأولى من كبدها، (وتكره) صلاة العيد (في الجامع بلا
عذر) إلا بمكة المشرفة لمخالفة فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، ويستحب للإمام أن يستخلف من يصلي بضعفة الناس في
المسجد لفعل علي ويخطب لهم، ولهم فعلها قبل الإمام وبعده وأيهما سبق سقط به
الفرض وجازت التضحية.
(ويسن تبكير مأموم إليها) ليحصل له الدنو من الإمام وانتظار الصلاة فيكثر
ثوابه (ماشيا) لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «من السنة أن يخرج إلى
العيد ماشيا» ، رواه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم (بعد) صلاة
(الصبح و) يسن (تأخر إمام إلى وقت الصلاة) لقول أبي سعيد: «كان النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى
فأول شيء يبدأ به الصلاة» رواه مسلم، ولأن الإمام
(1/161)
ينتظر ولا ينتظر، ويخرج (على أحسن هيئة) أي
لابسا أجمل ثيابه لقول جابر: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة» رواه ابن عبد البر
(إلا المعتكف فـ) يخرج (في ثياب اعتكافه) ؛ لأنه أثر عبادة فاستحب بقاؤه.
(ومن شرطها) أي شرط صحة صلاة العيد (استيطان وعدد الجمعة) فلا تقام إلا حيث
تقام الجمعة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وافق العيد
في يوم حجته ولم يصل، (لا إذن إمام) فلا يشترط كالجمعة. (ويسن) إذا غدا من
طريق (أن يرجع من طريق آخر) لما روى البخاري عن جابر: «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق» ، وكذا
الجمعة، قال في " شرح المنتهى ": ولا يمتنع ذلك أيضا في غير الجمعة، وقال
في " المبدع ": الظاهر أن المخالفة فيه شرعت لمعنى خاص فلا يلتحق به غيره.
(ويصليها ركعتين قبل الخطبة) لقول ابن عمر: «كان رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل
الخطبة» متفق عليه. فلو قدم الخطبة لم يعتد بها (يكبر في الأولى بعد)
تكبيرة الإحرام و (الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستا) زوائد (وفي) الركعة
(الثانية قبل القراءة خمسا) لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
«أن النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة، سبعا
في الأولى وخمسا في الآخرة» إسناده حسن، قال أحمد: اختلف أصحاب النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التكبير وكله جائز (يرفع يديه مع
كل تكبيرة) لقول وائل بن حجر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان يرفع يديه مع التكبير» ، قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا
كله، وعن عمر أنه كان يرفع يديه مع كل
(1/162)
تكبيرة في الجنازة والعيد، وعن زيد كذلك،
رواهما الأثرم، (ويقول) بين كل تكبيرتين: (الله أكبر كبيرا والحمد لله
كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما
كثيرا) لقول عقبة بن عامر: سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد،
قال: " يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - " رواه الأثرم وحرب، واحتج به أحمد، (وإن أحب قال غير ذلك) ؛
لأن الغرض الذكر بعد التكبير، وإذا شك في عدد التكبير بنى على يقين، وإذا
نسي التكبير حتى قرأ سقط؛ لأنه سنة فات محلها، وإن أدرك الإمام راكعا أحرم،
ثم ركع، ولا يشتغل بقضاء التكبير، وإن أدركه قائما بعد فراغه من التكبير لم
يقضه، وكذا إن أدركه في أثنائه سقط ما فات.
(ثم يقرأ جهرا) لقول ابن عمر: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء» رواه الدارقطني (في)
الركعة (الأولى بعد الفاتحة بـ " سبح " وبـ " الغاشية " في الثانية) لقول
سمرة: «إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقرأ في
العيدين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ
حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » رواه أحمد (فإذا سلم) من الصلاة (خطب
خطبتين كخطبة الجمعة) في أحكامها حتى في الكلام إلا في التكبير مع الخاطب
(يستفتح الأولى بتسع تكبيرات) قائما نسقا (والثانية بسبع) تكبيرات كذلك لما
روى سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: يكبر الإمام يوم العيد قبل
أن يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع تكبيرات.
(يحثهم في) خطبة (الفطر على الصدقة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أغنوهم بها عن السؤال في هذا اليوم» (ويبين لهم ما يخرجون)
جنسا، وقدرا والوجوب والوقت، (ويرغبهم في)
خطبة (الأضحى في الأضحية ويبين لهم حكمها) ؛ لأنه ثبت أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر في خطبة الأضحى كثيرا من أحكامها من
رواية أبي سعيد والبراء وجابر وغيرهم.
(1/163)
(والتكبيرات الزوائد) سنة (والذكر بينها)
أي بين التكبيرات سنة، ولا يسن بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين
(والخطبتان سنة) لما روى عطاء عن عبد الله بن السائب قال: «شهدت مع النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العيد فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب
فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب» رواه ابن ماجه
وإسناده ثقات، ولو وجبت لوجب حضورها واستماعها، والسنة لمن حضر العيد من
النساء حضور الخطبة، وأن ينفردن بموعظة إذا لم يسمعن خطبة الرجال، (ويكره
التنفل) وقضاء فائتة (قبل الصلاة) أي صلاة العيد (وبعدها في موضعها) قبل
مفارقته لقول ابن عباس: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما، ولا بعدهما» متفق عليه.
(ويسن لمن فاتته) صلاة العيد، (أو) فاته (بعضها قضاؤها) في يومها قبل
الزوال، أو بعده (على صفتها) لفعل أنس وكسائر الصلوات.
(ويسن التكبير المطلق) أي الذي لم يقيد بأدبار الصلوات وإظهاره وجهر غير
أنثى به (في ليلتي العيدين) في البيوت والأسواق والمساجد وغيرها، ويجهر به
في الخروج إلى المصلى إلى فراغ الإمام من خطبته (و) التكبير (في) عيد (فطر
آكد) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ} [البقرة: 185] (و) يسن التكبير المطلق أيضا (في كل عشر ذي الحجة)
ولو لم ير بهيمة الأنعام (و) يسن التكبير (المقيد عقب كل فريضة في جماعة)
في الأضحى لا في فطر] لأن ابن عمر كان لا يكبر إذا صلى وحده وقال ابن
مسعود: إنما التكبير على من صلى في جماعة " رواه ابن المنذر فيلتفت الإمام
إلى المأمومين، ثم يكبر لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (من
صلاة الفجر يوم عرفة) روي عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ -.
(1/164)
(وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر إلى عصر
آخر أيام التشريق) ؛ لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية والجهر به مسنون إلا
للمرأة وتأتي به كالذكر عقب الصلاة قدمه في " المبدع "، وإذا فاتته صلاة من
عامه فقضاها فيها جماعة كبر لبقاء وقت التكبير، (وإن نسيه) أي التكبير
(قضاه) مكانه، فإن قام أو ذهب عاد فجلس (ما لم يحدث، أو يخرج من المسجد) ،
أو يطل الفصل؛ لأنه سنة فات محلها ويكبر المأموم إذا نسيه الإمام والمسبوق
إذا قضى كالذكر والدعاء، (ولا يسن) التكبير (عقب صلاة عيد) ؛ لأن الأثر
إنما جاء في المكتوبات ولا عقب نافلة ولا فريضة صلاها منفردا لما تقدم
(وصفته) أي التكبير (شفعا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر ولله الحمد) [ويجزئ مرة واحدة، وإن زاد فلا بأس، وإن كرره ثلاثا
فحسن] ؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول كذلك، رواه
الدارقطني، وقاله علي، وحكاه ابن المنذر عن عمر، ولا بأس بقوله لغيره: تقبل
الله منا ومنك كالجواب، ولا بالتعريف عشية عرفة بالأمصار؛ لأنه دعاء وذكر
وأول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث.
[باب صلاة الكسوف]
يقال: كسفت بفتح الكاف وضمها ومثله خسفت، وهو ذهاب ضوء الشمس، أو القمر، أو
بعضه وفعلها ثابت بالسنة المشهورة واستنبطها بعضهم من قَوْله تَعَالَى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا
تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي
خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] .
(تسن) صلاة الكسوف (جماعة) وفي جامع أفضل لقول عائشة: «خرج رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس
وراءه» متفق عليه. (وفرادى) كسائر النوافل
(1/165)
(إذا كسف أحد النيرين) الشمس والقمر ووقتها
من ابتدائه إلى التجلي، ولا تقضى كاستسقاء وتحية مسجد فيصلي (ركعتين) ويسن
الغسل لها.
(ويقرأ في الأولى جهرا) ولو في كسوف الشمس (بعد الفاتحة سورة طويلة) من غير
تعيين، (ثم يركع) ركوعا (طويلا) من غير تقدير، (ثم يرفع) رأسه (ويسمع) أي
يقول: سمع
الله لمن حمده في رفعه، (ويحمد) أي يقول: ربنا ولك الحمد بعد اعتداله
كغيرها، (ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع فيطيل) الركوع،
(وهو دون الأول ثم يرفع) فيسمع ويحمد كما تقدم ولا يطيل، (ثم يسجد سجدتين
طويلتين) ، ولا يطيل الجلوس بين السجدتين، (ثم يصلي) الركعة (الثانية كـ)
الركعة (الأولى لكن دونها في كل ما يفعل) فيها، (ثم يتشهد ويسلم) لفعله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما روي عنه ذلك من طرق بعضها في "
الصحيحين "، ولا يشرع لها خطبة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أمر بها دون الخطبة، ولا تعاد إن فرغت قبل التجلي بل يدعو ويذكر كما لو
كان وقت نهي.
(فإن تجلى الكسوف فيها) أي الصلاة (أتمها خفيفة) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فصلوا وادعوا ربكم حتى ينكشف ما بكم» متفق عليه من
حديث أبي مسعود، (وإن غابت الشمس كاسفة، أو طلعت) الشمس، أو طلع الفجر
(والقمر خاسف) لم يصل؛ لأنه ذهب وقت الانتفاع بهما ويعمل بالأصل في بقائه
وذهابه، (أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل) لعدم نقله عنه، وعن أصحابه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أنه وجد في زمانهم انشقاق القمر
وهبوب الرياح والصواعق، وأما الزلزلة، وهي رجفة الأرض واضطرابها وعدم
سكونها فيصلى لها إن دامت لفعل ابن عباس، رواه سعيد والبيهقي وروى الشافعي
عن علي نحوه، وقال: لو ثبت هذا الحديث لقلنا به
(1/166)
(وإن أتى) مصلي الكسوف (في كل ركعة بثلاث
ركوعات، أو أربع، أو خمس جاز) رواه مسلم من حديث جابر «أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى ست ركعات بأربع سجدات» ، ومن حديث ابن
عباس «صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثماني ركعات في
أربع سجدات» وروى أبو داود عن أبي بن كعب «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - صلى ركعتين في كل ركعة خمس ركعات وسجدتين» واتفقت الروايات على
أن عدد الركوع في الركعتين سواء، قال النووي: وبكل نوع قال بعض الصحابة،
وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة ويصح فعلها كنافلة، وتقدم جنازة على
كسوف وعلى جمعة وعيد أمن فوتهما، وتقدم تراويح على كسوف إن تعذر فعلهما
ويتصور كسوف الشمس والقمر في كل وقت، والله على كل شيء قدير، فإن وقع بعرفة
صلى، ثم دفع.
[باب صلاة الاستسقاء]
وهو الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة أي صلاة لأجل طلب السقيا على الوجه
الآتي: (إذا أجدبت الأرض) أي أمحلت، والجدب نقيض الخصب (وقحط) أي احتبس
(المطر) وضر ذلك، وكذا إذا أضرهم غور ماء عيون، أو أنهار (صلوها جماعة
وفرادى) ، وهي سنة مؤكدة لقول عبد الله بن زيد: «خرج النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم
صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» متفق عليه.
(1/167)
والأفضل جماعة حتى بسفر، ولو كان القحط في
غير أرضهم، ولا استسقاء لانقطاع مطر عن أرض غير مسكونة، ولا مسلوكة لعدم
الضرر (وصفتها في موضعها وأحكامها كـ) صلاة (عيد) ، قال ابن عباس: سنة
الاستسقاء سنة العيدين فتسن في الصحراء ويصلي ركعتين يكبر في الأولى ستا
زوائد وفي الثانية خمسا من غير أذان، ولا إقامة، قال ابن عباس: «صلى النبي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين كما يصلي العيد» وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح، ويقرأ في الأولى بـ " سبح " وفي الثانية بـ "
الغاشية " وتفعل وقت صلاة العيد.
(وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس) أي ذكرهم بما يلين قلوبهم من
الثواب والعقاب (وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم) بردها إلى
مستحقيها؛ لأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات (و) أمرهم بـ (ترك
التشاحن) من الشحناء، وهي العداوة، لأنها تحمل على المعصية والبهت وتمنع
نزول الخير؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خرجت أخبركم
بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت» : (و) أمرهم (بالصيام) ؛ لأنه وسيلة
إلى
نزول الغيث، ولحديث «دعوة الصائم لا ترد» (و) أمرهم (بالصدقة) لأنها متضمنة
للرحمة، (ويعدهم) أي يعين لهم (يوما يخرجون فيه) ليتهيئوا للخروج على الصفة
المسنونة، (ويتنظف) لها بالغسل وإزالة الروائح الكريهة وتقليم الأظفار لئلا
يؤذي (ولا يتطيب) لأنه يوم استكانة وخضوع، (ويخرج) الإمام كغيره (متواضعا
متخشعا) أي خاضعا (متذللا) من الذل وهو الهوان (متضرعا) أي مستكينا لقول
ابن عباس: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للاستسقاء
متذللا
(1/168)
متواضعا متخشعا متضرعا» قال الترمذي: حديث
حسن صحيح، (ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ) لأنه أسرع لإجابتهم (والصبيان
المميزون) لأنهم لا ذنوب لهم، وأبيح خروج طفل وعجوز وبهيمة والتوسل
بالصالحين، (وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين) بمكان لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً} [الأنفال: 25] (لا) إن انفردوا (بيوم) لئلا يتفق نزول غيث يوم
خروجهم وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم وربما افتتن بهم غيرهم، (لم يمنعوا) أي
أهل الذمة لأنه خروج لطلب الرزق (فيصلي بهم) ركعتين كالعيد لما تقدم.
(ثم يخطب) خطبة (واحدة) لأنه لم ينقل إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خطب بأكثر منهما، ويخطب على منبر ويجلس للاستراحة، ذكره الأكثر
كالعيد في الأحكام والناس جلوس، قاله في " المبدع " (يفتتحها بالتكبير
كخطبة العيد) لقول ابن عباس: «صنع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - في الاستسقاء كما صنع في العيد» ، (ويكثر فيها الاستغفار
وقراءة الآيات التي فيها الأمر به) كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] الآيات. قال في " المحرر " و " الفروع
": ويكثر فيها الدعاء والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لأن ذلك معونة على الإجابة، (ويرفع يديه) استحبابا في الدعاء
لقول أنس: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يرفع يديه
في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وكان يرفع حتى يرى بياض إبطيه» متفق
عليه. وظهورهما نحو السماء لحديث رواه مسلم (فيدعو بدعاء النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) تأسيا به (ومنه) ما رواه ابن عمر: (اللهم
اسقنا) بوصل الهمزة وقطعها (غيثا) أي مطرا (مغيثا) أي منقذا من الشدة،
يقال: غاثه وأغاثه (إلى آخره) أي آخر الدعاء، أي: «هنيئا مريئا غدقا» مجللا
عاما طبقا دائما، «اللهم
اسقنا الغيث ولا تجعلنا مع القانطين» ، «اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا
بلاء ولا هدم ولا غرق» ، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد
والضنك ما لا
(1/169)
نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر
لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا
الجوع والجهد والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا
نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا ". ويسن أن يستقبل
القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على
الأيمن ويفعل الناس كذلك، ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم، ويدعو سرا فيقول:
اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا
كما وعدتنا. فإن سقوا وإلا عادوا ثانيا وثالثا.
(وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيد من فضله) ولا يصلون إلا أن
يكونوا تأهبوا للخروج، فيصلونها شكر الله ويسألونه المزيد من فضله، (وينادي
لها: الصلاة جامعة) كالكسوف والعيد بخلاف جنازة وتراويح، والأول منصوب على
الإغراء، والثاني على الحال، وفي " الرعاية ": يرفعهما وينصبهما، (وليس من
شروطها إذن الإمام) كالعيدين وغيرهما.
(ويسن أن يقف في أول المطر وإخراج رحله وثيابه ليصيبها) لقول أنس: «أصابنا
ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطر فحسر ثوبه
حتى أصابه من المطر، فقلنا: لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه» رواه
مسلم، وذكر جماعة: ويتوضأ ويغتسل، لأنه روي أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان يقول: إذا سال الوادي: «اخرجوا بنا إلى الذي جعله الله
طهورا فنتطهر به» .
(1/170)
وفي معناه ابتداء زيادة النيل ونحوه، (وإذا
زادت المياه وخيف منها سن أن يقول: اللهم حوالينا) أي: أنزله حوالي المدينة
في مواضع النبات (ولا علينا) في المدينة ولا في غيرها من المباني، (اللهم
على الظراب) أي الروابي الصغار (والآكام) بفتح الهمزة تليها مدة على وزن
آصال وبكسر الهمزة بغير مد على وزن جبال، قال مالك: هي الجبال الصغار
(وبطون الأدوية) أي الأمكنة المنخفضة (ومنابت الشجر) أي أصولها؛ لأنه أنفع
لها لما في " الصحيح "
أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول ذلك، {رَبَّنَا وَلا
تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] أي: لا تكلفنا من
الأعمال ما لا نطيق ... (الآية) أي: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] ويستحب أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته،
ويحرم بنوء كذا ويباح في نواء كذا، وإضافة المطر إلى النواء دون الله كفر
إجماعا، قاله في " المبدع ".
(1/171)
|