الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد [كتاب الزكاة]
[الزكاة] لغة: النماء والزيادة، يقال: زكا الزرع: إذا نما وزاد، وتطلق على
المدح والتطهير والصلاح، وسمي المخرج زكاة؛ لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه
الآفاق، وفي الشرع: حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص،
(تجب) الزكاة في سائمة بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض والأثمان وعروض
التجارة، ويأتي تفصيلها (بشروط خمسة) :
أحدها - (حرية) فلا تجب على عبد؛ لأنه لا مال له، ولا على مكاتب لأنه عبد
وملكه غير تام، وتجب على مبعض بقدر حريته.
(و) الثاني: (إسلام) فلا تجب على كافر أصليا ومرتد فلا يقضيها إذا أسلم.
(و) الثالث: - (ملك نصاب) ولو لصغير، أو مجنون لعموم الأخبار، وأقوال
الصحابة فإن نقص عنه زكاة إلا الركاز.
(و) الرابع - (استقراره) أي تمام الملك في الجملة فلا زكاة في دين الكتابة
لعدم استقراره؛ لأنه يملك تعجيز نفسه.
(و) الخامس - (مضي الحول) لقول عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «لا زكاة في مال حتى
(1/195)
يحول عليه الحول» رواه ابن ماجه، ورفقا
بالملك ليتكامل النماء فيواسي منه، ويعفى فيه عن نصف يوم (في غير المعشر)
أي الحبوب والثمار لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، وكذا المعدن والركاز والعسل قياسا عليهما، فإن
استفاد مالا بإرث أو هبة ونحوهما فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (إلا
نتاج السائمة وربح التجارة، ولو لم يبلغ)
النتاج أو الربح (نصابا فإن حولهما حول أصلهما) فيجب ضمها إلى ما عنده (إن
كان نصابا) لقول عمر: " اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم " رواه مالك.
ولقول علي: عد عليهم الصغار والكبار فلو ماتت واحدة من الأمهات فنتجت سخلة
انقطع بخلاف ما لو نتجت ثم ماتت، (وإلا) يكن الأصل نصابا (فـ) حول الجميع
(من كماله) نصابا، فلو ملك خمسا وثلاثين شاة فنتجت شيئا فشيئا فحولها من
حين تبلغ أربعين، وكذا لو ملك ثمانية عشر مثقالا، وربحت شيئا فشيئا فحولها
منذ بلغت عشرين، ولا يبني الوارث على حول الموروث، ويضم المستفاد إلى نصاب
بيده من جنسه، أو في حكمه، ويزكي كل واحد إذا تم حوله.
(1/196)
(ومن كان له دين أو حق) من مغصوب أو مسروق
أو موروث مجهول ونحوه (من صداق أو غيره) كثمن مبيع وقرض (على مليء) باذل
(أو غيره أدى زكاته إذا قبضه لما مضى) روي عن علي لأنه يقدر على قبضه
والانتفاع به، قصد ببقائه عليه الفرار من الزكاة أو لا، ولو قبض دون نصاب
زكاة، وكذا لو كان بيده دون نصاب وباقية دين أو غصب أو ضال والحوالة به أو
الإبراء كالقبض.
(ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب) فالدين وإن لم يكن من جنس المال
مانع من وجوب الزكاة في قدره (ولو كان المال) المزكى (ظاهرا) كالمواشي
والحبوب والثمار (وكفارة كدين) ، وكذا نذر مطلق وزكاة ودين حج وغيره؛ لأنه
يجب قضاؤه أشبه دين الآدمي ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«دين الله أحق بالوفاء» ، ومتى برئ ابتدأ حولا.
(وإن ملك نصابا صغارا انعقد حوله حين ملكه) لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في أربعين شاة: شاة» ؛ لأنها تقع على الكبير
والصغير ولكن لو تغذت باللبن فقط لم تجب لعدم السوم.
(وإن نقص النصاب في بعض الحول) انقطع لعدم الشرط لكن يعفى في الأثمان وقيم
العروض عن نقص يسير كحبة وحبتين لعدم انضباطه (أو باعه) ولو مع خيار بغير
جنسه
انقطع الحول (أو أبدله بغير جنسه لا فرارا من الزكاة انقطع الحول) لما
تقدم، ويستأنف
(1/197)
حولا إلا في ذهب وفضة، وبالعكس لأنهما
كالجنس الواحد ويخرج مما معه عند الوجوب، وإذا اشترى عرضا لتجارة بنقد أو
باعه به بنى على حول الأول؛ لأن الزكاة تجب في قيم العروض وهي من جنس
النقد، وإن قصد بذلك الفرار من الزكاة لم تسقط؛ لأنه قصد به إسقاط حق غيره
فلم يسقط كالمطلق في مرض الموت، فإن ادعى عدم الفرار وثم قرينة عمل بها
وإلا فقوله، (وإن أبدله بـ) نصاب من (جنسه) كأربعين شاة بمثلها أو أكثر
(بنى على حوله) والزائد تبع للأصل في حوله كنتاج، فلو أبدل مائة شاة
بمائتين لزمه شاتان إذا حال حول المائة، وإن أبدله بدون نصاب انقطع.
(وتجب الزكاة في عين المال) الذي لو دفع زكاته منه أجزأت كالذهب والفضة
والبقر والغنم السائمة ونحوها، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «في أربعين شاة: شاة» ، «وفيما سقت السماء العشر» ونحو ذلك، و " في "
للظرفية وتعلقها بالمال كتعلق أرش جناية برقبة الجاني فللمالك إخراجها من
غيره والنماء بعد وجوبها له، وإن أتلفه لزمه ما وجب فيه وله التصرف فيه
ببيع وغيره فلذلك قال: (ولها تعلق بالذمة) أي ذمة المزكي لأنه المطالب بها،
(ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء) كسائر العبادات، فإن الصوم يجب على
المريض والحائض، والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم، فتجب في الدين
والمال الغائب ونحوه كما تقدم، لكن لا يلزمه الإخراج قبل حصوله بيده، (ولا)
يعتبر في وجوبها أيضا (بقاء المال) فلا تسقط بتلفه فرط أو لم يفرط كدين
الآدمي إلا إذا تلف زرع أو ثمر بجائحة قبل حصاد وجذاذ.
(والزكاة) إذا مات من وجبت عليه (في الدين كالتركة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فدين الله أحق
(1/198)
بالوفاء» فإن وجبت وعليه دين برهن وضاق
المال قدم وإلا تحاصا ويقدم نذر معين وأضحية معينة.
[باب زكاة بهيمة الأنعام]
وهي الإبل والبقر والغنم، وسميت بهيمة لأنها لا تتكلم.
(تجب) الزكاة (في إبل) بخاتي أو عراب (وبقر) أهلية أو وحشية ومنها الجواميس
(وغنم) ضأن أو معز أهلية أو وحشية (إذا كانت) لدر ونسل لا لعمل وكانت
(سائمة) أي راعية للمباح (الحول أو أكثره) لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن
جده قال: سمعت
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «في كل إبل سائمة
في كل أربعين ابنة لبون» رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي حديث الصديق:
«وفي الغنم في سائمتها....» إلى آخره فلا تجب في معلوفة ولا إذا اشترى لها
ما تأكله أو جمع لها من المباح ما تأكله.
(فيجب في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض) إجماعا وهي ما تم لها سنة وسميت
بذلك؛ لأن أمها قد حملت، والماخض الحامل، وليس كون أمها ماخضا شرطا، وإنما
ذكر تعريفا لها بغالب أحوالها، (و) يجب (فيما دونها) أي دون خمس وعشرين (في
كل خمس شاة) بصفة الإبل، إن لم تكن معيبة، [ففيها شاة صحيحة] ، ففي خمس من
الإبل كرام سمان شاة كريمة سمينة، وإن كانت الإبل معيبة، ففيها شاة صحيحة
تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل، ولا يجزئ بعير ولا بقرة ولا نصفا شاتين، وفي
العشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه إجماعا في الكل.
(وفي ست وثلاثين بنت لبون) ما تم لها سنتان؛ لأن أمها قد وضعت غالبا فهي
ذات لبن.
(وفي ست وأربعين حقة) ما تم لها ثلاث سنين؛ لأنها استحقت أن يطرقها الفحل
وأن يحمل عليها وتركب.
(1/199)
(وفي إحدى وستين جذعة) بالذال المعجمة ما
تم لها أربع سنين؛ لأنها تجذع إذا سقط سنها وهذا أعلى سن يجب في الزكاة.
(وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان) إجماعا (فإذا زادت عن
مائة وعشرين واحدة فثلاث بنات لبون) لحديث الصدقات الذي كتبه رسول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان عند آل عمر بن الخطاب، رواه أبو
داود والترمذي وحسنه.
(ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة) ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا
لبون، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفي
مائة
وستين أربع بنات لبون، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون وهكذا، فإذا
بلغت مائتين خير بين أربع حقاق وخمس بنات لبون، ومن وجبت عليه بنت لبون
مثلا وعدمها أو كانت معيبة فله أن يعدل إلى بنت مخاض ويدفع جبرانا أو إلى
حقة ويأخذه وهو شاتان أو عشرون درهما ويجزئ شاة وعشرة دراهم ويتعين على ولي
محجور عليه إخراج أدون مجزئ ولا دخل لجبران في غير إبل.
[فصل في زكاة البقر]
وهي مشتقة من بقرت الشيء: إذا شققته؛ لأنها تبقر الأرض بالحراثة، (ويجب في
ثلاثين من البقر) أهلية كانت أو وحشية (تبيع أو تبيعة) لكل منهما سنة ولا
شيء فيما دون الثلاثين لحديث معاذ حين بعثه النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، [وفي ستين تبيعان
(1/200)
ثم في كل ثلاثين تبيع] ، (و) يجب (في
أربعين مسنة) لها سنتان ولا يجزئ مسن ولا تبيعان، (ثم) يجب في (كل ثلاثين
تبيع وفي كل أربعين مسنة) ، فإذا بلغت ما يتفق فيه الفرضان كمائة وعشرين
خير لحديث معاذ رواه أحمد.
(ويجزئ الذكر هنا) وهو التبيع في الثلاثين من البقر لورود النص فيه، (و)
يجزئ (ابن لبون) وحق وجذع (مكان بنت مخاض) عند عدمها، (و) يجزئ (الذكر إذا
كان النصاب كله ذكورا) سواء كان من إبل أو بقر أو غنم؛ لأن الزكاة مواساة
فلا يكلفها من غير ماله.
[فصل في زكاة الغنم]
(ويجب في أربعين من الغنم) ضأنا كانت أو معزا أهلية كانت أو وحشية (شاة)
جذع ضأن أو ثني معز ولا شيء فيما دون الأربعين، (وفي مائة وإحدى وعشرين
شاتان) إجماعا (وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه ثم) تستقر الفريضة (في كل مائة
شاة) ففي خمسمائة خمس
شياه، وفي ستمائة ست شياه وهكذا. ولا تؤخذ هرمة ولا معيبة لا
(1/201)
يضحى بها إلا إن كان الكل كذلك ولا حامل
ولا الربى التي تربي ولدها، ولا طروقة الفحل ولا كريمة ولا أكولة، إلا أن
يشاء ربها، وتؤخذ مريضة من مراض وصغيرة من صغار غنم لا إبل وبقر، فلا يجزئ
فصلان وعجاجيل، وإن اجتمع صغار وكبار وصحاح ومعيبات وذكور وإناث أخذت أنثى
صحيحة كبيرة على قدر قيمة المالين، وإن كان النصاب نوعين كبخاتي وعراب وبقر
وجواميس وضأن ومعز، أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمه المالين.
(والخلطة) بضم الخاء أي الشركة (تصير المالين) المختلطين (كـ) المال
(الواحد) إن كانا نصابا من ماشية، والخليطان من أهل وجوبها سواء كانت خلطة
أعيان بكونه مشاعا بأن يكون لكل نصف أو نحوه أو خلطة أوصاف بأن تميز ما لكل
واشتركا في مراح - بضم الميم - وهو المبيت والمأوى، ومسرح وهو ما تجتمع فيه
لتذهب للمرعى، ومحلب وهو موضع الحلب، وفحل بأن لا يختص بطرق أحد المالين،
ومرعى وهو موضع الرعي، ووقته لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين،
فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» رواه الترمذي وغيره.
(1/202)
فلو كان لإنسان شاة ولآخر تسعة وثلاثون أو
لأربعين رجلا أربعون شاة، لكل واحد شاة، واشتركوا حولا تاما فعليهم شاة على
حسب ملكهم، وإذا كان لثلاثة مائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون، ولم يثبت
لأحدهم حكم الانفراد في شيء من الحول فعلى الجميع شاة أثلاثا، ولا أثر
لخلطة من ليس من أهل الزكاة ولا فيما دون نصاب ولا لخلطة مغصوب، وإذا كانت
سائمة الرجل متفرقة فوق مسافة قصر فلكل محل حكمه، ولا أثر للخلطة ولا
للتفريق في غير ماشية ويحرمان فرارا لما تقدم.
[باب زكاة الحبوب والثمار]
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}
[البقرة: 267] . والزكاة تسمى: نفقة.
(تجب) الزكاة (في الحبوب كلها) كالحنطة والشعير والأرز والدخن والباقلاء
والعدس والحمص وسائر الحبوب (ولو لم تكن قوتا) كحب الرشاد والفجل والقرطم
والأبازير كلها كالكسفرة والكمون وبزر الكتان والقثاء والخيار لعموم قوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فيما سقت السماء والعيون
العشر» رواه البخاري،
(1/203)
(وفي كل ثمر يكال ويدخر) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» فدل على
اعتبار التوسيق وما لا يدخر لا تكمل فيه النعمة لعدم النفع به مآلا.
(كتمر وزبيب) ولوز وفستق وبندق، ولا تجب في سائر الثمار ولا في الخضر
والبقول والزهور ونحوها غير صعتر وأشنان وسماق وورق يقصد كسدر وخطمي وآس،
فتجب فيها؛ لأنها مكيلة مدخرة.
(ويعتبر) لوجوب الزكاة في جميع ذلك (بلوغ نصاب قدره) بعد تصفية حب من قشره
وجفاف غيره خمسة أوسق لحديث أبي سعيد الخدري يرفعه: «ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة» رواه الجماعة. والوسق: ستون صاعا، وتقدم أنه خمسة أرطال وثلث
عراقي، فهي (ألف وستمائة رطل عراقي) وألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلا
وأربعة أسباع رطل مصري، وثلاث مائة واثنان وأربعون رطلا، وستة أسباع رطل
دمشقي، ومائتان وسبعة وخمسون رطلا، وسبع رطل قدسي، والوسق والمد والصاع:
مكاييل نقلت إلى الوزن لتحفظ وتنقل وتعتبر بالبر الرزين، فمن اتخذ مكيلا
يسع صاعا منه عرف به ما بلغ حد الوجوب من غيره، (وتضم) أنواع الجنس من
(ثمرة العام الواحد) وزرعه (بعضها إلى بعض) ولو مما يحمل في السنة حملين
(في تكميل النصاب) لعموم الخبر، وكما لو بدأ صلاح إحداها قبل الأخرى سواء
اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أو اختلف تعدد البلد أو لا (لا جنس إلى آخر) ،
فلا يضم بر لشعير، ولا تمر لزبيب في تكميل نصاب كالمواشي.
(ويعتبر) أيضا لوجوب الزكاة فيما تقدم (أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب
الزكاة) وهو بدو الصلاح، (فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط أو يأخذه بحصاده)
وكذا ما ملكه بعد بدو الصلاح بشراء أو إرث أو غيره (ولا فيما يجتنبه من
المباح كالبطم والزعبل)
(1/204)
بوزن جعفر وهو شعير الجبل (وبزر قطونا) وحب
تمام (ولو نبت في أرضه) لأنه لا يملكه بملك الأرض، فإن نبت بنفسه ما يزرعه
الآدمي كمن سقط له حب حنطة في أرضه أو أرض مباحة ففيه الزكاة؛ لأنه يملكه
وقت الوجوب.
[فصل في العشر فيما سقي بلا مؤنة]
فصل (يجب عشر) وهو واحد من عشرة (فيما سقي بلا مؤنة) كالغيث والسيوح
والبعلي الشارب بعروقه، (و) يجب (نصفه) أي: نصف العشر (معها) أي: مع المؤنة
كالدولاب تديره البقر والنواضح يستقى عليها لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عمر: «وما سقي بالنضح نصف العشر» رواه
البخاري، (و) يجب " ثلاثة أرباعه " أي أرباع العشر (بهما) أي: فيما يشرب
بلا مؤنة وبمؤنه نصفين، قال في " المبدع ": بغير خلاف نعلمه، (فإن تفاوتا)
أي السقي بمؤنة وبغيرها (فـ) الاعتبار (بأكثرهما نفعا) ونموا، لأن اعتبار
عدد السقي وما يسقى به في كل وقت مشقة، فاعتبر الأكثر كالسوم، (ومع الجهل)
بأكثرهما نفعا (العشر) ليخرج من عهدة الواجب بيقين، وإذا كان له حائطان
أحدهما يسقى بمؤنة، والآخر بغيرها ضما في النصاب ولكل منهما حكم نفسه في
سقيه بمؤنة وغيرها، ويصدق مالك فيما سقي به.
(وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة) لأنه يقصد للأكل والاقتيات
كاليابس، فلو باع الحب أو الثمرة أو تلفا بتعديه بعد لم تسقط، وإن قطعهما
أو باعهما قبله فلا زكاة إن لم يقصد الفرار منها، (ولا يستقر الوجوب إلا
بجعلها في البيدر) ونحوه، وهو موضع تشميسها وتيبيسها لأنه قبل ذلك في حكم
ما لم تثبت اليد عليه، (فإن تلفت) الحبوب أو الثمار
(1/205)
(قبله) أي قبل جعلها في البيدر (بغير تعد
منه) ولا تفريط (سقطت) لأنها لم تستقر، فإن تلف البعض، فإن كان قبل الوجوب
زكى الباقي إن بلغ نصابا وإلا فلا، وإن كان بعده زكى الباقي مطلقا حيث بلغ
مع التلف نصابا، ويلزم إخراج حب مصفى وثمر يابسا، ويحرم شراء زكاته أو
صدقته، ولا يصح، ويزكى كل نوع على حدته.
(ويجب العشر) أو نصفه (على مستأجر الأرض) دون مالكها كالمستعير لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ويجتمع العشر
والخراج في أرض خراجية، ولا زكاة في قدر الخراج إن لم يكن له مال آخر،
(وإذا أخذ من ملكه أو موات) كرؤوس الجبال (من العسل مائة وستين رطلا عراقيا
ففيه عشره) ، قال الإمام: أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر قد أخذ عمر منهم
الزكاة، ولا زكاة فيما ينزل من السماء على الشجر كالمن والزنجبيل، وإن زكى
ما ذكر من المعشرات مرة فلا زكاة فيه بعد؛ لأنه غير مرصد للنماء،
(1/206)
والمعدن إن كان ذهبا أو فضة ففيه ربع عشره
إن بلغ نصابا، وإن كان غيرهما ففيه ربع عشر قيمته إن بلغت نصابا بعد سبك
وتصفية إن كان المخرج له من أهل وجوب الزكاة.
(والركاز ما وجد من دفن الجاهلية) بكسر الدال أي مدفونهم أو من تقدم من
كفار عليه أو على بعضه علامة كفر فقط (ففيه الخمس في قليله وكثيره) ولو
عرضا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وفي الركاز الخمس»
متفق عليه عن أبي هريرة. ويصرف مصرف الفيء المطلق للمصالح كلها، وباقيه
لواجده ولو أجيرا لغير طلبه، وإن كان على شيء منه علامة المسلمين فلقطة،
وكذا إن لم تكن علامة.
[باب زكاة النقدين]
أي الذهب والفضة (يجب في الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا وفي الفضة إذا بلغت
مائتي درهم) إسلامي (ربع العشر منها) لحديث ابن عمر وعائشة مرفوعا «إنه كان
يأخذ من كل عشرين مثقالا نصف مثقال» رواه ابن ماجه. وعن علي نحوه وحديث أنس
مرفوعا «في الرقة ربع العشر» متفق عليه، والاعتبار بالدرهم الإسلامي الذي
وزنه ستة دوانق، والعشرة من الدراهم سبعة مثاقيل. فالدرهم نصف مثقال وخمسه
وهو خمسون حبة وخمسا حبة شعير. والعشرون مثقالا خمسة وعشرون دينارا وسبعا
دينار، وتسعه على التحديد بالذي زنته درهم وثمن درهم، ويزكى مغشوش إذا بلغ
خالصه نصابا وزنا،
(1/207)
(ويضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب)
بالأجزاء فلو ملك عشرة مثاقيل ومائة درهم فكل منهما نصف نصاب ومجموعهما
نصاب، ويجزئ إخراج زكاة أحدهما من الآخر؛ لأن مقاصدهما وزكاتهما متفقة فهما
كنوعي جنس، ولا فرق بين الحاضر والدين، (وتضم قيمة العروض) أي عروض التجارة
(إلى كل منهما) كمن له عشرة مثاقيل ومتاع قيمته عشرة أخرى أو له مائة درهم
ومتاع قيمته مثلها ولو كان ذهب وفضة وعروض ضم الجميع في تكميل النصاب، ويضم
جيد كل جنس ومضروبه إلى رديئه وتبره ويخرج من كل نوع بحصته، والأفضل من
الأعلى، ويجزئ إخراج رديء عن أعلى مع الفضل.
(ويباح للذكر من الفضة الخاتم) لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«اتخذ خاتما من ورق» متفق عليه.
والأفضل جعل فصه مما يلي كفه، وله جعل فصه منه ومن غيره، والأولى جعله في
يساره، ويكره بسبابة ووسطى، ويكره أن يكتب عليه ذكر الله قرآنا أو غيره،
ولو اتخذ لنفسه عدة خواتيم لم تسقط الزكاة فيما خرج عن العادة إلا أن يتخذ
ذلك لولده أو عبده، (و) يباح له (قبيعة السيف) وهي ما يجعل على طرف القبضة.
قال أنس: «كانت
(1/208)
قبيعة سيف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضة» رواه الأثرم.
(و) يباح له (حلية المنطقة) وهي ما يشد به الوسط، وتسميها العامة: الحياصة،
واتخذ الصحابة المناطق محلاة بالفضة (ونحوه) أي نحو ما ذكر كحلية الجوشن
والخوذة والخف والران وحمائل سيف؛ لأن ذلك يساوي المنطقة معنى، فوجب أن
يساويها حكما. قال الشيخ تقي الدين: وتركاش النشاب والكلاليب؛ لأنه يسير
تابع، ولا يباح غير ذلك كتحلية المراكب ولباس الخيل كاللجم وتحلية الدواة
والمقلمة والكمران والمشط والمكحلة والميل والمرآة والقنديل.
(و) يباح للذكر (من الذهب قبيعة السيف) لأن عمر كان له سيف فيه سبائك من
ذهب، وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب، ذكرهما أحمد وقيدهما
باليسير مع أنه ذكر أن قبيعة سيف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كان وزنها ثمانية مثاقيل فيحتمل أنها كانت ذهبا وفضة، وقد رواه
الترمذي كذلك، (وما دعت إليه ضرورة كأنف ونحوه) كرباط أسنان «لأن عرفجة بن
سعد قطع أنفه يوما الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه فأمره النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاتخذ أنفا من ذهب» ، رواه أبو داود
وغيره وصححه الحاكم، وروى الأثرم عن موسى بن طلحة، وأبي جمرة الضبعي، وأبي
رافع ثابت البناني، وإسماعيل بن زيد بن ثابت، والمغيرة بن عبد الله، أنهم
شدوا أسنانهم بالذهب.
(ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه ولو كثر) كالطوق
والخلخال والسوار والقرط وما في المخانق والمقالد والتاج وما أشبه ذلك،
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحل الذهب
والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها»
(1/209)
ويباح لهما تحل بجوهر ونحوه، وكره تختمهما
بحديد وصفر ونحاس ورصاص (ولا زكاة في حليهما) أي حلي الذكر والأنثى المباح
(المعد للاستعمال أو العارية) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «ليس في الحلي زكاة» رواه الطبراني عن جابر وهو قول أنس وجابر، وابن عمر
وعائشة وأسماء أختها، حتى ولو اتخذ الرجل حلي النساء لإعارتهن أو بالعكس إن
لم يكن فرارا، (وإن أعد) الحلي (للكراء أو النفقة أو كان محرما) كسرج ولجام
وآنية (ففيه الزكاة) إن بلغ نصابا وزنا؛ لأنها إنما سقطت مما أعد للاستعمال
بصرفه عن جهة النماء، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل، فإن كان معدا للتجارة
وجبت الزكاة في قيمته كالعروض ومباح الصناعة إن لم يكن للتجارة يعتبر في
النصاب بوزنه، وفي الإخراج بقيمته. ويحرم أن يحلى مسجد أو يموه سقف أو حائط
بنقد، وتجب إزالته وزكاته بشرطه إلا إذا استهلك فلم يجتمع منه شيء.
[باب زكاة العروض]
[العروض] : جمع عرض - بإسكان الراء - وهو ما أعد لبيع وشراء لأجل ربح، سمي
بذلك لأنه يعرض ليباع ويشترى أو لأنه يعرض ثم يزول.
(1/210)
(إذا ملكها) أي العروض (بفعله) كالبيع
والنكاح والخلع وقبول الهبة والوصية واسترداد المبيع (بنية التجارة) عند
التملك واستصحاب حكمها فيما تعوض عن عرضها (وبلغت قيمتها نصابا) من أحد
النقدين (زكى قيمتها) لأنها محل الوجوب لاعتبار النصاب بها، ولا تجزئ
الزكاة من العروض، (فإن ملكها بـ) غير فعله كـ (إرث أو) ملكها (بفعله بغير
نية التجارة ثم نواها) أي التجارة بها (لم تصر لها) أي تجارة لأنها خلاف
الأصل في العروض فلا تصير لها بمجرد النية إلا حلي لبس إذا نواه لقنية ثم
نواه للتجارة فيزكيه.
(وتقوم) العروض (عند) تمام (الحول بالأحظ للفقراء من عين) أي ذهب (أو ورق)
أي فضة، فإن بلغت قيمتها نصابا بأحد النقدين دون الآخر اعتبر ما تبلغ به
نصابا، (ولا
يعتبر ما اشتريت به) لا قدرا ولا جنسا، روي عن عمر، وكما لو كان عرضا،
وتقوم المغنية ساذجة والخصي بصفته ولا عبرة بقيمة آنية ذهب وفضة.
(وإن اشترى عرضا بنصاب من أثمان أو عروض بني على حوله) لأن وضع التجارة على
التقلب والاستبدال بالعروض والأثمان، فلو انقطع الحول لبطلت زكاة التجارة،
(وإن اشتراه) أو باعه (بـ) نصاب (سائمة لم يبين) على حوله لاختلافهما في
النصاب والواجب، إلا أن يشتري نصاب سائمة للتجارة بمثله للقنية؛ لأن السوم
سبب للزكاة قدم عليه زكاة التجارة لقوتها فبزوال المعارض يثبت حكم السوم
لظهوره.
(1/211)
ومن ملك نصابا من السائمة لتجارة فعليه
زكاة تجارة، وإن لم تبلغ قيمتها نصاب تجارة فعليه زكاة السوم، وإذا اشترى
ما يصبغ به ويبقى أثره كزعفران ونيل ونحوه فهو عرض تجارة يقوم عند حوله،
وكذا ما يشتريه دباغ ليدبغ به كعفص وما يدهن به كسمن وملح، ولا شيء في آلات
الصباغ وأمتعة التجارة وقوارير العطار إلا أن يريد بيعها معها، ولا زكاة في
غير ما تقدم ولا في قيمة ما أعد للكراء من عقار وحيوان، وظاهر كلام الأكثر
ولو أكثر من شراء العقارات فارا.
[باب زكاة الفطر]
هو اسم مصدر من أفطر الصائم إفطارا وهذه يراد بها الصدقة عن البدن وإضافتها
إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه.
(وتجب على كل مسلم) من أهل البوادي وغيرهم، وتجب في مال يتيم لقول ابن عمر:
«فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر صاعا من
بر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من
المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» متفق عليه، ولفظه
للبخاري، (فضل له) أي عنده (يوم العيد وليلته صاع عن قوته وقوت عياله) لأن
ذلك أهم فيجب تقديمه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابدأ
بنفسك ثم بمن تعول» ولا يعتبر لوجوبها ملك نصاب، وإن فضل بعض صاع أخرجه
لحديث: «إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم» (و) يعتبر كون ذلك كله بعد (حوائجه الأصلية) لنفسه
أو لمن تلزمه مؤونته من مسكن وعبد ودابة وثياب بذلة ونحو ذلك
(1/212)
(لا يمنعها الدين) لأنها ليست واجبة في
المال (إلا بطلبه) أي طلب الدين فيقدمه إذا لأن الزكاة واجبة مواساة، وقضاء
الدين أهم.
(فيخرج) زكاة الفطر (عن نفسه) لما تقدم (و) عن (مسلم يمونه) من الزوجات
والأقارب وخادم زوجته إن لزمته مؤونته وزوجة عبده الحرة وقريبه الذي يلزمه
إعفافه لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أدوا الفطر عمن
تمونون» ولا تلزمه فطرة من يمونه من الكفار؛ لأنها طهرة للمخرج عنه والكافر
لا يقبلها؛ لأنه لا يطهره إلا الإسلام ولو عبدا، ولا تلزمه فطرة أجير وظئر
استأجرهما بطعامهما ولا من وجبت نفقته في بيت المال، (ولو) تبرع بمؤونة شخص
جميع (شهر رمضان) أدى فطرته لعموم الحديث السابق بخلاف ما لو تبرع به بعض
الشهر (وإن عجز عن البعض) وقدر على البعض (بدأ بنفسه) لأن نفقة نفسه مقدمة
فكذا فطرتها، (فامرأته) لوجوب نفقتها مطلقا ولآكديتها ولأنها معاوضة،
(فرقيقه) لوجوب نفقته مع الإعسار ولو مرهونا أو مغصوبا أو غائبا أو لتجارة،
(فأمه) لتقديمها في البر، (فأبيه) لحديث " من أبر يا رسول الله ... ؟ "
(فولده) لوجوب نفقته في الجملة (فأقرب في ميراث) لأنه أولى من غيره فإن
استوى اثنان فأكثر، ولم يفضل إلا صاع أقرع، (والعبد بين شركاء عليهم صاع)
بحسب ملكهم فيه كنفقته، وكذا حر وجبت نفقته على اثنين فأكثر يوزع الصاع
بينهم بحسب النفقة؛ لأن الفطرة تابعة للنفقة.
(ويستحب) أن يخرج (عن الجنين) لفعل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولا
تجب عليه؛ لأنها لو تعلقت به قبل ظهوره لتعلقت الزكاة بأجنة السوائم، (ولا
تجب لـ) زوجة (ناشز) لأنه لا تجب عليه نفقتها، وكذا من لم تجب نفقتها لصغر
(1/213)
ونحوه؛ لأنها كالأجنبية ولو حاملا، ولا
لأمة تسلمها ليلا فقط وتجب على سيدها. (ومن لزمت غيره فطرته) كالزوجة
والنسيب المعسر (فأخرج عن نفسه بغير إذنه) أي إذن من تلزمه (أجزأه) لأنه
المخاطب بها ابتداء والغير متحمل، ومن أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ
وإلا فلا.
(وتجب) الفطرة (بغروب الشمس ليلة) عيد (الفطر) لإضافتها إلى الفطر،
والإضافة تقتضي الاختصاص والسببية. وأول زمن يقع فيه الفطر من جميع رمضان
مغيب الشمس من ليلة الفطر (فمن أسلم بعده) أي بعد غروب (أو ملك عبدا) بعد
الغروب (أو تزوج) زوجة ودخل بها بعد الغروب (أو ولد له) بعد الغروب (لم
تلزمه فطرته) في جميع ذلك لعدم وجود سبب الوجوب، (و) إن وجدت هذه الأشياء
(قبله) أي قبل الغروب (تلزم) الفطرة لمن ذكر لوجود السبب.
(ويجوز إخراجها) معجلة (قبل العيد بيومين فقط) لما روى البخاري بإسناده عن
ابن عمر: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر
من رمضان» ، وقال في آخره: «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» "وعلم
من قوله: فقط أنها لا تجزئ قبلهما لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» ومتى قدمها بالزمن الكثير فات
الإغناء المذكور، (و) إخراجها (يوم العيد قبل) مضيه إلى (الصلاة أفضل)
لحديث ابن عمر السابق أول الباب، (وتكره في باقيه) أي باقي يوم العيد بعد
الصلاة (ويقضيها بعد يومه) ، ويكون (آثما) بتأخيرها عنه لمخالفته أمره -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «أغنوهم في هذا اليوم» رواه
الدارقطني من حديث ابن عمر، ولمن وجبت عليه فطرة غيره إخراجها مع فطرته
مكان نفسده.
(1/214)
[فصل في مقدار
زكاة الفطر]
فصل (ويجب) في الفطرة (صاع) أربعة أمداد وتقدم في الغسل (من بر أو شعير أو
دقيقهما أو سويقهما) أي سويق البر أو الشعير وهو ما يحمص ثم يطحن ويكون
الدقيق أو السويق بوزن حبة، (أو) صاع من (تمر أو زبيب أو أقط) يعمل من
اللبن المخيض لقول أبي سعيد الخدري: «كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صاعا من طعام أو صاعا من شعير
أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط» متفق عليه. والأفضل تمر
فزبيب فبر فأنفع فشعير فدقيقهما فسويقهما فأقط، (فإن عدم الخمسة) المذكورة
(أجزأ كل حب) يقتات (وثمر يقتات) كالذرة والدخن والأرز والعدس والتين
اليابس.
(ولا) يجزئ (معيب) كمسوس ومبلول وقديم تغير طعمه وكذا مختلط بكثير مما لا
يجزئ، فإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعا لقلة مشقة تنقيته، وكان ابن
سيرين يجب أن ينقي الطعام، وقال أحمد: وهو أحب إلي، (ولا) يجزئ (خبز)
لخروجه عن الكيل والادخار.
(ويجوز أن يعطي الجماعة) من أهل الزكاة (ما يلزم الواحد وعكسه) بأن يعطى
(1/215)
الواحد ما على جماعة، والأفضل أن لا ينقص
معطى عن مدبر أو نصف صاع من غيره، وإذا دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها
إلى دافعها أو جمعت الصدقة عند الإمام ففرقها على أهل السهام فعادت إلى
إنسان صدقته جاز ما لم يكن حيلة.
[باب إخراج الزكاة]
يجوز لمن وجبت عليه الزكاة الصدقة تطوعا قبل إخراجها.
(ويجب) إخراج (الزكاة على الفور مع إمكانه) كنذر مطلق وكفارة؛ لأن الأمر
المطلق يقتضي الفورية، وكما لو طالب بها الساعي؛ ولأن حاجة الفقير ناجزة
والتأخير مخل بالمقصود وربما أدى إلى الفوات (إلا الضرر) كخوف رجوع ساع على
نفسه أو ماله ونحوه، وله تأخيرها لأشد حاجة وقريب وجار، ولتعذر إخراجها من
المال لغيبة ونحوها، (فإن منعها) أي الزكاة (جحدا لوجوبها كفر عارف بالحكم)
وكذا جاهل عرف فعلم وأصر، وكذا جاحد وجوبها ولو لم يمتنع من أدائها (وأخذت)
الزكاة منه (وقتل) لردته بتكذيبه لله ورسوله بعد أن يستتاب ثلاثا (أو بخلا)
أي ومن منعها بخلا من غير جحد (أخذت منه) فقط قهرا كدين الآدمي ولم يكفر،
(وعزر) إن علم تحريم ذلك، وقوتل إن احتيج إليه ووضعها الإمام مواضعها، ولا
يكفر بقتاله للإمام، ومن ادعى أداءها أو بقاء الحول أو نقص النصاب أو أن ما
بيده لغيره ونحوه صدق بلا يمين.
(وتجب) الزكاة (في مال صبي ومجنون) لما تقدم (فيخرجها وليهما) في مالهما
كصرف نفقة واجبة عليهما؛ لأن ذلك حق تدخله النيابة، ولذلك صح التوكيل فيه.
(ولا يجوز إخراجها) أي الزكاة (إلا بنية) من مكلف لحديث: «إنما الأعمال
بالنيات» ،
(1/216)
والأولى قرن النية بدفع، وله تقديمها بزمن
يسير كصلاة فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة ونحو ذلك، وإذا أخذت منه قهرا
أجزأت ظاهرا، وإن تعذر وصول إلى المالك
لحبس أو نحوه فأخذها الإمام أو نائبه أجزأت ظاهرا وباطنا، (والأفضل أن
يفرقها بنفسه) ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وله دفعها إلى
الساعي، ويسن إظهارها (و) أن (يقول عند دفعها هو) ، أي: مؤديها (وآخذها ما
ورد) فيقول دافعها: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما، ويقول آخذها:
آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورا، وإن وكل مسلما
ثقة جاز، وأجزأت نية موكل مع قرب وإلا نوى موكل عند دفع لوكيل، ووكيل عند
دفع لفقير، ومن علم أهلية آخذ كره إعلامه بها، ومع عدم عادته لا يجزيه
الدفع له إلا إن أعلمه.
(والأفضل إخراج زكاة كل مال في فقراء بلده) ويجوز نقلها إلى دون مسافة قصر
من بلد المال؛ لأنه في حكم بلد واحد، (ولا يجوز نقلها) مطلقا (إلى ما تقصر
فيه الصلاة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ لما بعثه
لليمن: «أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على
فقرائهم» بخلاف نذر وكفارة ووصية مطلقة، (فإن فعل) أي
(1/217)
نقلها إلى مسافة قصر (أجزأت) لأنه دفع الحق
إلى مستحقه فبرئ من عهدته ويأثم، (إلا أن يكون) المال (في بلد) أو مكان (لا
فقراء فيه فيفرقها في أقرب البلاد إليه) لأنهم أولى وعليه مؤونة نقل ودفع
وكيل ووزن، (فإن كان) المالك (في بلد وماله في) بلد (آخر أخرج زكاة المال
في بلده) أي بلد به المال كل الحول أو أكثره دون ما نقص عن ذلك؛ لأن
الأطماع إنما تتعلق به غالبا بمضي زمن الوجوب أو ما قاربه، (و) أخرج (فطرته
في بلد هو فيه) وإن لم يكن له به مال؛ لأن الفطرة إنما تتعلق بالبدن كما
تقدم. ويجب على الإمام بعث السعاة قرب زمن الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر
كالسائمة والزرع والثمار لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعل
الخلفاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بعده.
(ويجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل) لما روى أبو عبيدة في " الأموال "بإسناده
عن علي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعجل من العباس
صدقة سنتين» ، ويعضده رواية مسلم: «فهي علي
ومثلها» وإنما يجوز تعجيلها إذا كمل النصاب لا عما يستفيده، وإذا تم الحول
والنصاب ناقص قدر ما عجله صح وأجزأه؛ لأن المعجل كالموجود في ملكه، فلو عجل
عن مائتي شاة شاتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته ثالثة، وإن مات قابض معجلة
أو استغنى قبل الحول أجزأت لا إن دفعها إلى من يعلم غناه فافتقر اعتبارا
بحال الدفع، (ولا يستحب) تعجيل الزكاة، ولمن أخذ الساعي منه زيادة أن يعتد
بها من قابله، قال الموفق: إن نوى التعجيل.
(1/218)
[باب أهل
الزكاة]
باب ذكر أهل الزكاة وهم (ثمانية) أصناف لا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء
المساجد والقناطر وسد البثوق وتكفين الموتى ووقف الماصحف وغيرها من جهات
الخير لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] ... الآية.
أحدهم (الفقراء وهم) أشد حاجة من المساكين؛ لأن الله بدأ بهم وإنما يبدأ
بالأهم فالأهم فهم (من لا يجدون شيئا) من الكفاية (أو يجدون بعض الكفاية)
أي دون نصفها، وإن تفرغ قادر على التكسب للعلم لا للعبادة وتعذر الجمع
أعطي.
(و) الثاني: (المساكين) الذين (يجدون أكثرها) أي أكثر الكفاية (أو نصفها)
فيعطى الصنفان تمام كفايتهما مع عائلتهما سنة، ومن ملك ولو من أثمان ما لا
يقوم بكفايته فليس بغني.
(و) الثالث: (العاملون عليها وهم) السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزكاة
من أربابها كـ (جباتها وحفاظها) وكتابها وقسامها، وشرط كونه مكلفا مسلما
أمينا كافيا من غير ذوي القربى ويعطى قدر أجرته منها ولو غنيا، ويجوز كون
حاملها وراعيها ممن منع منها.
الصنف (الرابع: المؤلفة قلوبهم) جمع مؤلف، وهو السيد المطاع في عشيرته (ممن
يرجى إسلامه أو كف شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه) أو إسلام نظيره أو
جبايتها ممن لا يعطيها أو دفع عن المسلمين، ويعطى ما يحصل به التأليف عند
الحاجة فقط، فترك عمر
(1/219)
وعثمان وعلي إعطاءهم لعدم الحاجة إليه في
خلافتهم لا لسقوط سهمهم، فإن تعذر الصرف إليهم رد على بقية الأصناف.
(الخامس: الرقاب، وهم المكاتبون) فيعطى المكاتب وفاء دينه لعجزه عن وفاء ما
عليه ولو مع قدرته على التكسب، ولو قبل حلول نجم، ويجوز أن يشتري منها رقبة
لا تعتق
عليه فيعتقها لقول ابن عباس، (و) يجوز أن (يفك منها الأسير المسلم) لأن فيه
فك رقبة من الأسر لا أن يعتق قنه أو مكاتبه عنها.
(السادس: الغارم) وهو نوعان، أحدهما: غارم (لإصلاح ذات البين) أي الوصل بأن
يقع بين جماعة عظيمة كقبيلتين أو أهل قريتين تشاجرا في دماء وأموال ويحدث
بسببها الشحناء والعداوة فيتوسط الرجل بالصلح بينهما، ويلتزم في ذمته مالا
عوضا عما بينهم ليطفئ الثائرة، فهذا قد أتى معروفا عظيما فكان من المعروف
حمله عنه من الصدقة لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين أو يوهن عزائمهم،
فجاء الشرع بإباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيبا من الصدقة، (ولو مع غنى) إن
لم يدفع من ماله.
النوع الثاني: ما أشير إليه بقوله: (أو) تدين (لنفسه) في شراء من كفار أو
مباح أو
(1/220)
محرم وتاب (مع الفقر) ويعطي وفاء دينه ولو
لله، ولا يجوز له صرفه في غيره ولو فقيرا وإن دفع إلى الغارم لفقره جاز أن
يقضي منه دينه.
(السابع: في سبيل الله وهم الغزاة المتطوعة أي) الذين (لا ديوان لهم) أو
لهم دون ما يكفيهم فيعطى ما يكفيه لغزوة ولو غنيا، ويجزئ أن يعطي منها لحج
فرض فقير وعمرته لا أن يشتري منها فرسا يحبسها أو عقارا يقفه على الغزاة،
وإن لم يغز رد ما أخذه. نقل عبد الله إذا خرج في سبيل الله أكل من الصدقة.
(الثامن ابن السبيل) وهو (المسافر المنقطع به) أي بسفره المباح أو المحرم
إذا تاب (دون المنشئ للسفر من بلده) إلى غيرها لأنه ليس في سبيل الله؛ لأن
السبيل هي الطريق فسمي من لزمها ابن السبيل كما يقال: ولد الليل لمن يكثر
خروجه فيه، وابن الماء نظيره لملازمته له، (فيعطى) ابن السبيل (ما يوصله
إلى بلده) ولو وجد مقرضا، وإن قصد بلدا واحتاج قبل وصوله إليها أعطي ما يصل
به إلى البلد الذي قصده، وما يرجع به إلى بلده، وإن فضل مع ابن السبيل أو
غاز أو غارم أو مكاتب شيء رده وغيرهم يتصرف بما شاء لملكه له مستقرا. (ومن
كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم) لأن كل واحد من عائلته مقصود دفع حاجته ويصدق
من ادعى عيالا أو فقرا ولم يعرف بغنى.
(ويجوز صرفها) أي الزكاة (إلى صنف واحد) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ
تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]
ولحديث معاذ حين بعثه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى
اليمن فقال: «أعلمهم أن
(1/221)
الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم
فترد على فقرائهم» متفق عليه، فلم يذكر في
الآية والخبر إلا صنف واحد، ويجزئ الاقتصار على إنسان واحد ولو غريمه أو
مكاتبه إن لم يكن حيلة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر
بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر» . وقال لقبيصة: «أقم يا قبيصة حتى
تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» . (ويسن) دفعها (إلى أقاربه الذين لا تلزمه
مؤونتهم) كخاله وخالته على قدر حاجتهم، الأقرب فالأقرب لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة» .
[فصل لا تدفع الزكاة لهاشمي]
فصل (ولا) يجزئ أن (تدفع إلى هاشمي) أي من ينسب إلى هاشم بأن يكون من
سلالته فدخل فيهم آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد
المطلب وآل أبي لهب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن
الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس» أخرجه مسلم لكن تجزئ إليه
إن كان غازيا أو غارما لإصلاح ذات البين أو مؤلفا،
(1/222)
(و) لا إلى (مطلبي) لمشاركتهم لبني هاشم في
الخمس، اختاره القاضي وأصحابه وصححه ابن المنجا، وجزم به في الوجيز وغيره،
والأصح تجزئ إليهم اختاره الخرقي والشيخان وغيرهم؛ لأن آية الأصناف وغيرها
من العمومات تتناولهم ومشاركتهم لبني هاشم في الخمس ليس لمجرد قرابتهم
بدليل أن بني نوفل وبني عبد شمس مثلهم، ولم يعطوا شيئا من الخمس إنما
شاركوهم بالنصرة مع القرابة، كما أشار إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بقوله: «لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام» والنصرة لا تقتضي
حرمان الزكاة (و) لا إلى (مواليهما) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «وإن مولى القوم منهم» رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه
ولكن على الأصح تجزئ إلى
موالي بني المطلب كإليهم، ولكل أخذ صدقة تطوع ووصية أو نذر لفقر لا كفارة،
(ولا إلى فقيرة تحت غني منفق) ، ولا إلى فقير ينفق عليه من وجبت عليه نفقته
من أقاربه لاستغنائه بذلك، (ولا إلى فرعه) أي ولده وإن سفل من ولد الابن أو
ولد البنت، (و) لا إلى (أصله) كأبيه وأمه وجده وجدته من قبلهما وإن علوا،
إلا أن يكونوا عمالا أو مؤلفين أو غزاة أو غارمين لذات بين، ولا يجزئ أيضا
إلى سائر من تلزمه نفقته ما لم يكن عاملا، أو غازيا، أو مؤلفا، أو مكاتبا،
أو ابن سبيل، أو غارما لإصلاح ذات بين، وتجزئ إلى من تبرع بنفقته بضمه إلى
عياله أو تعذرت نفقته من زوج أو قريب بنحو غيبة أو امتناع، (ولا) تجزئ (إلى
عبد) كامل رق غير عامل أو مكاتب (و) لا إلى (زوج) فلا يجزئها دفع زكاتها
إليه ولا بالعكس، وتجزئ إلى ذوي أرحامه من غير عمودي النسب.
(وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل) لأخذها (فبان أهلا) لم تجزئه لعدم جزمه بنية
الزكاة
(1/223)
حال دفعها لمن ظنه غير أهل لها، (أو
بالعكس) بأن دفعها لغير أهلها ظانا أنه أهلها (لم تجزئه) لأنه لا يخفى حاله
غالبا وكدين الآدمي (إلا) إذا دفعها (لغني ظنه فقيرا) فتجزئه لأن النبي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى الرجلين الجلدين، وقال: «إن
شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» .
(وصدقة التطوع مستحبة) حث الله عليها في كتابه العزيز في آيات كثيرة، وقال
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع
ميتة السوء» رواه الترمذي وحسنه، (و) هي (في رمضان) وكل زمان ومكان فاضل
كالعشر والحرمين أفضل لقول ابن عباس: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه
جبريل» .... " الحديث، متفق عليه، (و) في (أوقات الحاجات أفضل) وكذا على ذي
رحم لا سيما مع عداوة وجار لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}
[البلد: 15] {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] ولقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذي رحم
اثنتان صدقة وصلة» .
(وتسن) الصدقة (بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول،
وخير الصدقة عن ظهر غنى» متفق عليه، (ويأثم) من تصدق (بما ينقصها) أي ينقص
مؤونة تلزمه، وكذا لو أضر بنفسه أو غريمه أو كفيله لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كفي بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» ، ومن أراد
الصدقة بماله كله وله عائلة لهم كفاية أو يكفيهم بمكسبه فله ذلك لقصة
الصديق. وكذا لو كان وحده ويعلم من نفسه حسن التوكل والصبر على المسألة
وإلا حرم.
(1/224)
|