الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد [كتاب الحدود]
جمع حد، وهو لغة: المنع، وحدود الله محارمه. واصطلاحا: عقوبة مقدرة شرعا في
معصية لتمنع من الوقوع في مثلها.
(لا يجب الحد إلا على بالغ عاقل) لحديث «رفع القلم عن ثلاثة» ، (ملتزم)
أحكام المسلمين مسلما كان أو ذميا بخلاف الحربي والمستأمن، (عالم بالتحريم)
لقول عمر وعثمان وعلي: لا حد إلا على من علمه، (فيقيمه الإمام أو نائبه
مطلقا) سواء، كان الحد لله كحد الزنا، أو لآدمي كحد القذف، لأنه يفتقر إلى
اجتهاد، ولا يؤمن من استيفائه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في
خلقه، ويقيمه (في غير مسجد) ، وتحرم فيه لحديث حكيم بن حزام «أن رسول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن يقاد في بالمسجد، وأن تنشد
فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود» وتحرم شفاعة وقبولها في حد الله تعالى
بعد أن يبلغ الإمام، ولسيد مكلف عالم به وبشروطه إقامته بجلد وإقامة تعزير
على رقيق كله له.
(1/662)
(ويضرب الرجل في الحد قائما) لأنه وسيلة
إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب، (بسوط) وسط (لا جديد ولا خلق) بفتح اللام
لأن الجديد يجرحه والخلق لا يؤلمه، (ولا يمد ولا يربط ولا يجرد) المحدود من
ثيابه عند جلده، لقول ابن مسعود: ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد، (بل
يكون عليه قميص أو قميصان) ، وإن كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت، (ولا
يبالغ بضربه بحيث يشق الجلد) ، لأن المقصود تأديبه لا إهلاكه، ولا يرفع
ضارب يده بحيث يبدو إبطه. (و) سن أن (يفرق الضرب على بدنه) ليأخذ كل عضو
منه
حظه، ولأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل، ويكثر منه في مواضع
اللحم كالأليتين والفخذين، ويضرب من جالس ظهره وما قاربه. (ويتقي) وجوبا
(الرأس والوجه والفرج والمقاتل) ، كالفؤاد والخصيتين، لأنه ربما أدى ضربه
على شيء من هذه إلى قتله أو ذهاب منفعته، (والمرأة كالرجل فيه) أي فيما
ذكر، (إلا أنها تضرب جالسة) لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: تضرب
المرأة جالسة والرجل قائما، (وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف) ،
لأن المرأة عورة وفعل ذلك بها أستر لها وتعتبر لإقامته نية لا موالاة.
(وأشد الجلد) في الحدود (جلد الزنا، ثم) جلد (القذف، ثم) جلد (الشرب، ثم)
جلد (التعزير) ، لأن الله تعالى خص الزنا بمزيد تأكيد بقوله: {وَلا
تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] وما دونه أخف
منه في العدد، فلا يجوز أن يزيد عليه في الصفة ولا يؤخر حد لمرض ولو رجي
زواله، ولا لحر أو برد ونحوه، فإن خيف من السوط لم يتعين فيقام بطرف ثوب
ونحوه، ويؤخر لسكر حتى يصحو.
(ومن مات في حد فالحق قتله) ولا شيء على من حده لأنه أتى به على الوجه
(1/663)
المشروع بأمر الله تعالى وأمر رسوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن زاد ولو جلدة، أو في السوط أو
بسوط لا يحتمله فتلف المحدود ضمنه بديته، (ولا يحفر للمرجوم في الزنا) رجلا
كان أو امرأة، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحفر
للجهنية ولا لليهوديين لكن تشد على المرأة ثيابها لئلا تنكشف، ويجب في
إقامة حد الزنا حضور إمام أو نائبه وطائفة من المؤمنين ولو واحدا، وسن حضور
من شهد وبداءتهم برجم.
[باب حد الزنا]
. وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر. (إذا زنا) المكلف (المحصن رجم حتى يموت)
لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله. ولا يجلد قبله ولا
ينفى. (والمحصن: من وطئ امرأته المسلمة، أو الذمية) أو المستأمنة (في نكاح
صحيح) في قبلها، (وهما) أي الزوجان (بالغان عاقلان حران فإن اختل شرط
منهما) أي
(1/664)
من هذه الشروط المذكورة (في أحدهما) أي أحد
الزوجين (فلا إحصان لواحد منهما) ويثبت إحصانه بقوله: وطئتها ونحوه لا بولد
منها مع إنكار وطئه.
(وإذا زنا) المكلف (الحر غير المحصن جلد مائة جلدة) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ
جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، (وغرب) أيضا مع الجلد (عاما) لما روى الترمذي «عن
ابن عمر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضرب وغرب، وأن أبا
بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب» ، (ولو) كان المجلود (امرأة) فتغرب مع
محرم وعليها أجرته، فإن تعذر المحرم فوحدها إلى مسافة القصر، ويغرب غريب
إلى غير وطنه.
(و) إذا زنى (الرقيق) جلد (خمسين جلدة) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:
25] والعذاب المذكور في القرآن مائة جلدة لا غير، (ولا يغرب) الرقيق لأن
التغريب إضرار بسيده، ويجلد ويغرب مبعض بحسابه.
(1/665)
(وحد لوطي) فاعلا كان أو مفعولا به (كزان)
، فإن كان محصنا فحده الرجم وإلا جلد مائة وغرب عاما، ومملوكه كغيره ودبر
أجنبية كاللواط.
(ولا يجب الحد) للزنا (إلا بثلاثة شروط) :
(أحدها: تغييب حشفته الأصلية كلها) أو قدرها لعدم (في قبل أو دبر أصليين من
آدمي حي) ، فلا يحد من قبل، أو باشر دون الفرج، ولا من غيب بعض الحشفة، ولا
من غيب الحشفة الزائدة، أو غيب الأصلية في زائدة، أو ميت، أو في بهيمة، بل
يعزر وتقتل البهيمة، وإنما يحد الزاني إذا كان الوطء المذكور (حراما محضا)
أي خاليا عن الشبهة، وهو معنى قوله.
الشرط (الثاني: انتفاء الشبهة) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» (فلا يحد بوطء أمة له فيها شرك) ،
أو محرمة برضاع ونحوه، (أو لولده) فيها شرك، (أو وطئ امرأة) في منزله (ظنها
زوجته، أو) ظنها (سريته) فلا حد، (أو) وطئ امرأة (في نكاح باطل اعتقد صحته،
أو) وطئ امرأة في (نكاح) مختلف فيه كمتعة، أو بلا ولي ونحوه، (أو) وطئ أمة
في (ملك مختلف فيه) بعد قبضه كشراء فضولي ولو قبل الإجازة (ونحوه) . أي نحو
ما ذكر كجهل تحريم الزنا من قريب عهد
(1/666)
بإسلام، أو ناشئ ببادية بعيدة، (أو أكرهت
المرأة) المزني بها (على الزنا) فلا حد، وكذا ملوط به أكره بإلجاء، أو
تهديد، أو منع طعام، أو شراب مع إضرار فيهما.
الشرط (الثالث: ثبوت الزنا ولا يثبت) الزنا (إلا بأحد أمرين: أحدهما: أن
يقر به) أي بالزنا مكلف ولو قنا (أربع مرات) لحديث ماعز، وسواء كانت الأربع
(في مجلس، أو مجالس، و) يعتبر أن (يصرح) بذكر (حقيقة الوطء) فلا تكفي
الكناية لأنها تحتمل ما لا يوجب الحد، وذلك شبهة تدرأ الحد، (و) يعتبر أن
(لا ينزع) أي يرجع (عن إقراره حتى يتم عليه الحد) ، فلو رجع عن إقراره، أو
هرب كف عنه، ولو شهد أربعة على إقراره به أربعا فأنكر أو صدقهم دون أربع
فلا حد عليه ولا عليهم.
الأمر (الثاني) مما يثبت به الزنا (أن يشهد عليه في مجلس واحد بزنا واحد
يصفونه) ، فيقولون: رأينا ذكره في فرجها، كالمرود في المكحلة والرشأ في
البئر، لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أقر عنده
ماعز، قال له: «أنكتها لا تكني؟ قال: نعم، قال: كما يغيب المرود في
المكحلة، والرشأ في البئر؟ قال: نعم» ، وإذا اعتبر التصريح في الإقرار،
فالشهادة أولى (أربعة) فاعل يشهد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ
يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] ويعتبر أن يكونوا (ممن تقبل
شهادتهم فيه) أي في الزنا بأن يكونوا رجالا عدولا ليس فيهم من به مانع من
عمى أو زوجية، (سواء أتوا الحاكم جملة، أو متفرقين) ، فإن شهدوا في مجلسين
(1/667)
فأكثر، أو لم يكمل بعضهم الشهادة، أو قام
به مانع حدوا للقذف، كما لو عين اثنان يوما، أو بلدا، أو زاوية من بيت
كبير، وآخران آخر. (وإن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بمجرد ذلك)
الحمل، ولا يجب أن تسأل، لأن في سؤالها عن ذلك إشاعة الفاحشة، وذلك منهي
عنه، وإن سئلت وادعت أنها أكرهت، أو وطئت بشبهة، أو لم تعترف بالزنا أربعا
لم تحد، لأن الحد يدرأ بالشبهة.
[باب حد القذف]
. وهو الرمي بزنا أو لواط، (إذا قذف المكلف) المختار ولو أخرس بإشارة
(محصنا) ولو مجبوبا، أو ذات محرم، أو رتقاء (جلد) قاذف (ثمانين جلدة، إن
كان) القاذف (حرا) ؛ لقوله
تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]
(وإن) كان القاذف (عبدا) ، أو أمة ولو عتق عقب قذف جلد (أربعين) جلدة كما
تقدم في الزنا. (و) القاذف (المعتق بعضه) يجلد (بحسابه) ، فمن نصفه حر يجلد
ستين جلدة، (وقذف غير المحصن) ولو قنه (يوجب التعزير) على القاذف ردعا عن
أعراض المعصومين، (وهو) أي حد القذف (حق للمقذوف) فيسقط بعفوه، ولا يقام
إلا بطلبه، كما يأتي، لكن لا يستوفيه بنفسه وتقدم. (والمحصن هنا) أي في باب
القذف هو: (الحر المسلم العاقل العفيف) عن الزنا ظاهرا ولو تائبا منه،
(الملتزم الذي يجامع مثله) وهو ابن عشر وبنت تسع، (ولا يشترط بلوغه) لكن لا
يحد قاذف غير بالغ حتى يبلغ ويطالب، ومن قذف غائبا لم يحد
(1/668)
حتى يحضر ويطالب، أو يثبت طلبه في غيبته،
ومن قال لابن عشرين: زنيت من ثلاثين سنة لم يحد.
(وصريح القذف) قوله: يا زاني يا لوطي، ونحوه) كيا عاهر، أو قد زنيت، أو زنى
فرجك، ويا منيوك، ويا منيوكة إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد، (وكنايته) أي
كناية القذف (يا قحبة) و (يا فاجرة) و (يا خبيثة) و (فضحت زوجك، أو نكست
رأسه، أو جعلت له قرونا، ونحوه) كعلقت عليه أولادا من غيره، أو أفسدت فراشه
ولعربي: يا نبطي ونحوه، وزنت يدك، أو رجلك ونحوه، (إن فسره بغير القذف قبل)
وعزر كقوله: يا كافر يا فاسق يا فاجر يا حمار ونحوه.
(وإن قذف أهل بلد أو) قذف (جماعة لا يتصور منهم الزنا عادة عزر) ، لأنه لا
عار عليهم به للقطع بكذبه، وكذا لو اختلفا [في أمر] فقال أحدهما: الكاذب
ابن الزانية، عزر ولا حد.
(1/669)
(ويسقط حد القذف بالعفو) أي عفو المقذوف عن
القاذف، (ولا يستوفي) حد القذف (بدون الطلب) أي طلب المقذوف لأنه حقه كما
تقدم، ولذلك لو قال المكلف: اقذفني فقذفه، لم يحد وعزر، وإن مات المقذوف
ولم يطالب به سقط، وإلا فلجميع الورثة، ولو عفا بعضهم حد للباقي كاملا، ومن
قذف ميتا حد بطلب وارث محصن، ومن قذف نبيا كفر وقتل ولو تاب، أو كان كافرا
فأسلم.
[باب حد المسكر]
. أي الذي ينشأ عنه السكر، وهو اختلاط العقل، (كل شراب أسكر كثيره فقليله
حرام، وهو خمر من أي شيء كان) ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» رواه أحمد وأبو داود. (ولا يباح شربه) أي
شرب ما يسكر كثيره (للذة ولا بتداو ولا عطش ولا غيره، إلا لدفع لقمة غص بها
ولم يحضره غيره) ، أي غير الخمر، وخاف تلفا لأنه مضطر، ويقدم عليه بول،
وعليهما ماء نجس، (وإذا شربه) أي المسكر (المسلم) ، أو شرب ما خلط به ولم
يستهلك فيه، أو أكل عجينا لت به (مختارا عالما أن كثيره يسكر، فعليه الحد
ثمانون جلدة مع الحرية) ، لأن عمر استشار الناس في حد الخمرة، فقال عبد
الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين، فضرب
(1/670)
عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة
في الشام، رواه الدارقطني وغيره، فإن لم يعلم أن كثيره يسكر فلا حد عليه،
ويصدق في جهل ذلك، (و) عليه (أربعون مع الرق) عبدا كان أو أمة، ويعزر من
وجد منه رائحتها، أو حضر شربها، لا من جهل التحريم، لكن لا يقبل ممن نشأ
بين المسلمين ويثبت بإقرار مرة كقذف، أو بشهادة عدلين. ويحرم عصير غلا وأتى
عليه ثلاثة أيام بلياليها، ويكره الخليطان كنبيذ تمر مع زبيب، لا وضع تمر
أو نحوه وحده في ماء لتحليته ما لم يشتد أو تتم له ثلاثة أيام.
[باب التعزير]
(وهو) لغة: المنع، ومنه التعزير بمعنى النصرة، لأنه يمنع المعادي من
الإيذاء واصطلاحا (التأديب) لأنه يمنع مما لا يجوز فعله، (وهو) أي التعزير
(واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة كاستمتاع لا حد فيه) أي كمباشرة
دون فرج. (و) كـ (سرقة لا قطع فيها) لكون المسروق دون نصاب أو
(1/671)
غير محرز، (و) كـ (جناية لا قود فيها) كصفع
ووكز، (و) كـ (إتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنا) إن لم يكن المقذوف
ولدا للقاذف، فإن كان فلا حد ولا تعزير، (ونحوه) أي نحو ما ذكر، كشتمه بغير
الزنا، وقوله: الله أكبر عليك، أو خصمك، ولا يحتاج في إقامة التعزير إلى
مطالبة. (ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات) لحديث أبي بردة مرفوعا «لا
يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله
تعالى» متفق عليه، وللحاكم نقصه عن العشرة حسب ما يراه، لكن من شرب مسكرا
في نهار رمضان حد للشرب، وعزر لفطره بعشرين سوطا، لفعل علي - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ومن وطئ أمة امرأته حد ما لم تكن أحلتها له،
فيجلد مائة إن علم التحريم فيهما، ومن وطء أمة له فيها شرك عزر بمائة إلا
سوطا؛
(1/672)
ويحرم تعزير بحلق لحية وقطع طرف، أو جرح،
أو أخذ مال، أو إتلافه. (ومن استمنى بيده) من رجل أو امرأة (بغير حاجة عزر)
، لأنه معصية، وإن فعله خوفا من الزنا فلا شيء عليه إن لم يقدر على نكاح
ولو لأمة.
[باب القطع في السرقة]
. وهي أخذ مال على وجه الاختفاء من مالكه أو نائبه، (إذا أخذ) المكلف
(الملتزم) مسلما كان أو ذميا بخلاف المستأمن ونحوه، (نصابا من حرز مثله من
مال معصوم) بخلاف حربي، (لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء قطع) لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}
[المائدة: 38] ، ولحديث عائشة «تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا» (فلا قطع
على منتهب) ، وهو الذي يأخذ المال على وجه الغنيمة (ولا مختلس) وهو الذي
يخطف الشيء ويمر به، (ولا غاصب ولا خائن في وديعة أو عارية أو غيرها) ، لأن
ذلك ليس بسرقة، ولكن الأصح أن جاحد العارية يقطع إن بلغت نصابا، لقول ابن
عمر «كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقطع يدها» . رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وقال
أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه، (ويقطع الطرار) وهو (الذي يبط الجيب، أو غيره،
ويأخذ منه) أو بعد سقوطه [إن بلغ] نصابا لأنه سرقه من حرز.
(1/673)
(ويشترط) للقطع في السرقة ستة شروط:
أحدها: (أن يكون المسروق مالا محترما) لأن ما ليس بمال لا حرمة له، ومال
الحربي تجوز سرقته بكل حال (فلا قطع بسرقة آلة لهو) لعدم الاحترام (ولا)
بسرقة (محرم) كالخمر وصليب وآنية فيها خمر، ولا بسرقة ماء، أو إناء فيه
ماء، ولا بسرقة مكاتب وأم ولد ومصحف وحر ولو صغيرا، ولا بما عليهما.
الشرط الثاني: ما أشار إليه بقوله: (ويشترط) أيضا (أن يكون) المسروق
(نصابا،
وهو) أي نصاب السرقة (ثلاثة دراهم) خالصة أو تخلص من مغشوشة (أو ربع دينار)
أي مثقال وإن لم يضرب (أو عرض قيمته كأحدهما) أي ثلاثة دراهم، أو ربع دينار
فلا قطع بسرقة ما دون ذلك لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا» رواه أحمد ومسلم وغيرهما، وكان ربع
الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثني عشر درهما، رواه أحمد، (وإذا
نقصت قيمة المسروق) بعد إخراجه لم يسقط القطع؛ لأن النقصان وجد في العين
بعد سرقتها (أو ملكها) أي العين المسروقة (السارق) ببيع، أو هبة، أو غيرهما
(لم يسقط القطع) بعد الترافع إلى الحاكم، (وتعتبر قيمتها) أي قيمة العين
المسروقة (وقت إخراجها من الحرز) لأنه وقت السرقة التي وجب بها القطع، (فلو
ذبح فيه) أي في الحرز (كبشا) فنقصت قيمته (أو شق فيه ثوبا فنقصت قيمته عن
نصاب السرقة ثم أخرجه) من الحرز فلا قطع لأنه لم يخرج من الحرز نصابا (أو
أتلف فيه) أي في الحرز (المال لم يقطع) لأنه لم يخرج منه شيئا.
(و) الشرط الثالث: أن يخرجه من الحرز، فإن سرقه من غير حرز) كما لو وجد
بابا مفتوحا، أو حرزا مهتوكا (فلا قطع) عليه
(1/674)
(وحرز المال ما العادة حفظه فيه) إذ الحرز
معناه الحفظ، ومنه احترز، أي: تحفظ (ويختلف) الحرز (باختلاف الأموال
والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه) لاختلاف الأحوال باختلاف
المذكورات (فحرز الأموال) أي النقود (والجواهر والقماش في الدور والدكاكين
والعمران) أي الأبنية الحصينة والمحال المسكونة من البلد (وراء الأبواب
والأغلاق الوثيقة) ، والغلق اسم للقفل خشبا كان أو حديدا. وصندوق بسوق وثم
حارس حرز (وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوهما) كقدور طبيخ وخزف (وراء
الشرائج) وهي ما يعمل من قصب، أو نحوه يضم بعضه إلى بعض بحبل أو غيره (إذا
كان في السوق حارس) لجريان العادة بذلك (وحرز الحطب والخشب والحظائر) جمع
حظيرة - بالحاء المهملة والظاء المعجمة - ما يعمل للإبل والغنم من الشجر
تأوي إليه فيعبر بعضه في بعض ويربط، (وحرز المواشي الصير) جمع صيرة وهي
الحظيرة (وحرزها) أي المواشي (في المرعى بالراعي ونظره إليها غالبا) فما
غاب عن مشاهدته غالبا فقد خرج عن الحرز، وحرز سفن في شط بربطها وإبل باركة
معقولة بحافظ حتى نائم، وحمولتها بتقطيرها مع قائد يراها ومع عدم تقطير
بسائق يراها، وحرز ثياب في حمام ونحوه بحافظ، كقعوده على متاع، وإن فرط
حافظ حمام بنوم أو تشاغل ضمن ولا قطع على سارق إذا. وحرز باب ونحوه تركيبه
بموضعه
(و) الشرط الرابع: (أن تنتفي الشبهة) عن السارق؛ لحديث «ادرءوا الحدود
بالشبهات ما استطعتم» (فلا يقطع) سارق (بالسرقة من مال أبيه وإن علا، ولا)
بسرقة (من مال ولده وإن سفل) ؛ لأن نفقة كل منهما تجب من مال الآخر (والأب
والأم في هذا
(1/675)
سواء) لما ذكر. (ويقطع الأخ) بسرقة مال
أخيه (و) يقطع (كل قريب بسرقة مال قريبه) ؛ لأن القرابة هنا لا تمنع قبول
الشهادة من أحدهما للآخر فلم تمنع القطع (ولا يقطع أحد الزوجين بسرقته من
مال الآخر ولو كان محرزا عنه) ، روى ذلك سعيد عن عمر بإسناد جيد. (وإذا سرق
عبد) ولو مكاتبا (من مال سيده، أو سيد من مال مكاتبه) فلا قطع، (أو) سرق قن
أو (حر مسلم) من (بيت المال) فلا قطع، (أو) سرق (من غنيمة لم تخمس) فلا
قطع؛ لأن لبيت المال فيها خمس الخمس، أو سرق (فقير من غلة موقوفة على
الفقراء) فلا قطع لدخوله فيهم (أو) سرق (شخص من مال له فيه شركة له، أو
لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه) كأبيه وابنه وزوجه ومكاتبه (لم يقطع)
للشبهة.
الشرط الخامس: ثبوت السرقة، وقد ذكره بقوله: (ولا يقطع إلا بشهادة عدلين)
يصفانها بعد الدعوى من مالك، أو من يقوم مقامه (أو بإقرار) السارق (مرتين)
بالسرقة ويصفها في كل مرة لاحتمال ظنه القطع في حال لا قطع فيها (ولا ينزع)
أي يرجع (عن إقراره حتى يقطع) ولا بأس بتلقينه الإنكار.
(و) الشرط السادس: (أن يطالب المسروق منه) السارق (بماله) ، فلو أقر بسرقة
من مال غائب، أو قامت بها بينة انتظر حضوره ودعواه، فيحبس وتعاد الشهادة.
(وإذا وجب القطع) لاجتماع شروطه (قطعت يده اليمنى) لقراءة ابن مسعود "
(1/676)
فاقطعوا أيمانهما "؛ ولأنه قول أبي بكر
وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة، (من مفصل الكف) لقول أبي بكر وعمر: [تقطع
يمين السارق من الكوع] ، ولا مخالف لهما من الصحابة، (وحسمت) وجوبا بغمسها
في زيت مغلي لتسد أفواه العروق فينقطع الدم، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من
مفصل كعبه بترك عقبه وحسمت فإن عاد حبس حتى يتوب وحرم أن يقطع (ومن سرق
شيئا من غير حرز ثمرا كان أو كثرا) بضم الكاف وفتح المثلثة طلع الفحال (أو
غيرهما) من جمار، أو غيره (أضعفت عليه القيمة) أي ضمنه بعوضه مرتين، قاله
القاضي، واختاره الزركشي، وقدم في " التنقيح " أن التضعيف خاص بالثمر
والطلع والجمار والماشية، وقطع به في " المنتهى " وغيره، لأن التضعيف ورد
في هذه الأشياء على خلاف
القياس، فلا يتجاوز به محل النص، (ولا قطع) لفوات شرطه، وهو الحرز.
[باب حد قطاع الطريق]
. (وهم الذين يتعرضون للناس بالسلاح) ولو عصا أو حجرا (في الصحراء، أو
البنيان) أو البحر، (فيغصبونهم المال) المحترم (مجاهرة لا سرقة) ، ويعتبر
ثبوته ببينة، أو إقرار مرتين والحرز ونصاب السرقة، (فمن) [أيْ] أيُّ مكلف
ملتزم ولو أنثى أو رقيقا (منهم) أي من قطاع الطريق (قتل مكافئا) له (أو
غيره) أي غير مكافئ (كالولد) يقتله أبوه، (و) كـ (العبد) يقتله الحر، (و)
كـ (الذمي) يقتله المسلم، (وأخذ المال) الذي قتله لقصده (قتل) وجوبا لحق
الله تعالى، ثم
(1/677)
غسل وصلي عليه، (ثم صلب) قاتل من يقاد به
في غير المحاربة (حتى يشتهر أمره) ولا يقطع مع ذلك، (وإن قتل) المحارب (ولم
يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب) ، لأنه لم يذكر في خبر ابن عباس الآتي، (وإن
جنوا بما يوجب قودا في الطرف) كقطع يد أو رجل ونحوها (تحتم استيفاؤه)
كالنفس، صححه في " تصحيح المحرر "، وجزم به في " الوجيز " وقدمه في "
الرعايتين " وغيرهما. وعنه: لا يتحتم استيفاؤه. قال في " الإنصاف ": وهو
المذهب، وقطع به في " المنتهى " وغيره.
(وإن أخذ كل واحد) من المحاربين (من المال قدر ما يقطع بأخذه السارق) من
مال لا شبهة له فيه، (ولم يقتلوا قطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى
في مقام واحد) وجوبا، (وحسمتا) بالزيت المغلي (ثم خلي) سبيله، (فإن لم
يصيبوا نفسا ولا مالا يبلغ نصاب السرقة نفوا بأن يشردوا) متفرقين، (فلا
يتركوا يأوون إلى بلد) حتى تظهر توبتهم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا
جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ}
[المائدة: 33] ، قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " إذا قتلوا
وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا،
وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا
السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا
(1/678)
من الأرض " رواه الشافعي. ولو قتل بعضهم
ثبت حكم القتل في حق جميعهم، وإن قتل بعض وأخذ المال بعض، تحتم قتل الجميع
وصلبهم، (ومن تاب منهم) أي المحاربين (قبل أن يقدر عليه سقط عنه ما كان)
واجبا (لله) تعالى (من نفي وقطع) يد ورجل (وصلب، وتحتم قتل) ؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى:
{إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] . (وأخذ بما
للآدميين من نفس وطرف ومال إلا إن يعفى له عنها) من مستحقها. ومن وجب عليه
حد سرقة أو زنا أو شرب فتاب منه قبل ثبوته عند حاكم سقط ولو قبل إصلاح عمل.
(ومن صال على نفسه أو حرمته) كأمه وبنته وأخته وزوجته، (أو مال آدمي أو
بهيمة فله) أي للمصول عليه (الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به) ،
فإذا اندفع بالأسهل حرم الأصعب لعدم الحاجة إليه، (فإن لم يندفع) الصائل
(إلا بالقتل فله) أي للمصول عليه (ذلك) أي قتل الصائل (ولا ضمان عليه) ،
لأنه قتله لدفع شره، (وإن قتل) المصول عليه (فهو شهيد) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد»
رواه الخلال، (ويلزمه الدفع عن نفسه) في غير فتنة لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وكذا
يلزمه الدفع في غير فتنة عن نفس غيره، (و) عن (حرمته) وحرمة غيره
(1/679)
لئلا تذهب الأنفس (دون ماله) ، فلا يلزمه
الدفع عنه ولا حفظه عن الضياع والهلاك، [فإن فعل فلا ضمان عليه] (ومن دخل
منزله رجل متلصصا فحكمه كذلك) أي يدفعه بالأسهل فالأسهل، فإن أمره بالخروج
فخرج لم يضربه وإلا فله ضربه بأسهل ما يندفع به، فإن خرج بالعصا لم يضربه
بالحديد، ومن نظر في بيت غيره من خصاص باب مغلق ونحوه فحذف عينه أو نحوها
فتلفت فهدر، بخلاف مستمع قبل إنذاره.
[باب قتال أهل البغي]
. أي الجور والظلم والعدول عن الحق (إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة) - بفتح
النون - جمع مانع كفسقة وكفرة، وبسكونها بمعنى امتناع يمنعهم - (على الإمام
بتأويل سائغ) ولو لم يكن فيهم مطاع (فهم بغاة) ظلمة، فإن كانوا جمعا يسيرا
لا شوكة لهم، أو لم يخرجوا بتأويل، أو خرجوا بتأويل غير سائغ فقطاع طريق،
ونصب الإمام فرض [كفاية] ، ويجبر من تعين لذلك، وشرطه أن يكون حرا ذكرا
عدلا قرشيا عالما كافيا ابتداء ودواما.
(و) يجب (عليه) أي على الإمام (أن يراسلهم) أي البغاة، (فيسألهم) عن (ما
ينقمون منه، فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها) ؛ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ، والإصلاح إنما يكون
بذلك، فإن كان ما ينقمون منه مما لا يحل أزاله، وإن كان
حلالا لكن التبس عليهم فاعتقدوا أنه مخالف للحق، بين لهم دليله وأظهر لهم
وجهه، (فإن فاءوا) أي رجعوا عن البغي وطلب القتال تركهم، (وإلا) يرجعوا
(قاتلهم) وجوبا، وعلى رعيته معونته، ويحرم قتالهم بما يعم إتلافهم كمنجنيق
ونار إلا لضرورة وقتل ذريتهم
(1/680)
ومدبرهم وجريحهم ومن ترك القتال، ولا قود
بقتلهم بل الدية، ومن أسر منهم حبس حتى لا شوكة ولا حرب، وإذا انقضت فمن
وجد منهم ماله بيد غيره أخذه، وما تلف حال حرب غير مضمون، وإن أظهر قوم رأي
الخوارج ولم يخرجوا عن قبضة الإمام لم يتعرض لهم، وتجري الأحكام عليهم كأهل
العدل. (وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو) طلب (رياسة فهما ظالمتان وتضمن كل
واحدة) من الطائفتين (ما أتلفت على الأخرى) قال الشيخ تقي الدين: فأوجبوا
الضمان على مجموع الطائفتين وإن لم يعلم عين المتلف، ومن دخل بينهما بصلح
فقتل وجهل قاتله وما جهل متلف ضمنتاه على السواء.
[باب حكم المرتد]
. (وهو) لغة: الراجع، قال تعالى: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ}
[المائدة: 21] واصطلاحا: (الذي يكفر بعد إسلامه) طوعا ولو مميزا، أو هازلا
بنطق، أو اعتقاد، أو شك، أو فعل (فمن أشرك بالله) تعالى كفر لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] ،
(أو جحد ربوبيته) سبحانه، (أو) جحد (وحدانيته، أو) جحد (صفة من صفاته)
كالحياة والعلم كفر، (أو اتخذ لله) تعالى (صاحبة أو ولدا، أو جحد بعض كتبه،
أو) جحد بعض
(1/681)
(رسله، أو سب الله) سبحانه، (أو) سب
(رسوله) أي رسولا من رسله، أو ادعى النبوة، (فقد كفر) ، لأن جحد شيء من ذلك
كجحده كله، وسب أحد منهم لا يكون إلا من جاحده. (ومن جحد تحريم الزنا أو)
جحد (شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع عليها) أي على تحريمها، أو جحد حل
خبز ونحوه مما لا خلاف فيه، أو جحد وجوب عبادة من الخمس، أو حكما ظاهرا
مجمعا عليه إجماعا قطعيا (بجهل) أي بسبب جهله وكان ممن يجهل مثله ذلك،
(عرف) حكم (ذلك) ليرجع عنه، وإن أصر و (كان مثله لا يجهله كفر) لمعاندته
للإسلام وامتناعه من التزام أحكامه، وعدم قبوله لكتاب الله وسنة رسوله
وإجماع الأمة، وكذا لو سجد لكوكب ونحوه، أو أتى بقول، أو فعل صريح في
الاستهزاء بالدين أو امتهن القرآن، أو أسقط حرمته لا من حكى كفرا سمعه وهو
لا يعتقده
[فصل فيمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار]
فصل (فمن ارتد عن الإسلام وهو مكلف مختار رجل، أو امرأة دعي إليه) أي إلى
الإسلام (ثلاثة أيام) وجوبا، (وضيق عليه) ، وحبس لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ -: " فهلا حبستموه ثلاثا، فأطعمتموه كل يوم رغيفا وأسقيتموه لعله
يتوب أو يراجع أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني " رواه مالك
في " الموطأ " ولو لم تجب الاستتابة لما برئ من فعلهم، (فإن) أسلم لم يعزر،
وإن (لم يسلم قتل بالسيف) ، ولا يحرق بالنار لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من بدل دينه فاقتلوه، ولا تعذبوه بعذاب الله - يعني
النار» أخرجه البخاري وأبو داود، إلا رسول كفار، فلا يقتل
(1/682)
ولا يقتله إلا إمام أو نائبه ما لم يلحق
بدار حرب فلكل أحد قتله وأخذ ما معه.
(ولا تقبل) في الدنيا (توبة من سب الله) تعالى، (أو) سب (رسوله) سبا صريحا،
أو تنقصه، (ولا) توبة (من تكررت ردته) ، ولا توبة زنديق وهو المنافق الذي
يظهر الإسلام ويخفي الكفر، (بل يقتل بكل حال) ، لأن هذه الأشياء تدل على
فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام، ويصح إسلام مميز يعقله وردته، لكن لا
يقتل حتى يستتاب بعد البلوغ ثلاثه أيام.
(وتوبة المرتد) إسلامه (و) توبة (كل كافر إسلامه بأن يشهد) المرتد أو
الكافر الأصلي (أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) لحديث ابن مسعود
«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل الكنيسة، فإذا هو
بيهودي يقرأ عليهم التوراة، فقرأ حتى أتى عل صفة النبي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا
الله وأنك رسول الله، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
آووا أخاكم» رواه أحمد. (ومن كان كفره بجحد فرض ونحوه) كتحليل حرام، أو
تحريم حلال، أو جحد نبي، أو كتاب، أو رسالة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلى غير العرب، (فتوبته مع) إتيانه بـ (الشهادتين إقراره
بالمجحود به) من ذلك، لأنه كذب الله سبحانه بما اعتقده من الجحد، فلا بد في
إسلامه من
(1/683)
الإقرار بما جحده. (أو قوله: أنا) مسلم أو
(بريء من كل دين يخالف دين الإسلام) ، ولو قال كافر: أسلمت، أو أنا مسلم،
أو أنا مؤمن، صار مسلما وإن لم يلفظ
بالشهادتين، ولا يغني قوله: محمد رسول الله عن كلمة التوحيد، وإن قال: أنا
مسلم ولا أنطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه حتى يأتي بالشهادتين، ويمنع
المرتد من التصرف في ماله، وتقضى منه ديونه وينفق منه عليه وعلى عياله، فإن
أسلم، وإلا صار فيئا من موته مرتدا. ويكفر ساحر يركب المكنسة فتسير به في
الهواء ونحوه، لا كاهن ومنجم وعراف وضارب بحصى ونحوه إن لم يعتقد إباحته،
وأنه يعلم به الأمور المغيبة ويعزر، ويكف عنه، ويحرم طلسم ورقية بغير
العربي، ويجوز الحل بسحر ضرورة.
* * * *
(1/684)
|