الروض المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد

 [كتاب الأطعمة]
. جمع طعام، وهو ما يؤكل ويشرب، (والأصل فيها الحل) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] ، (فيباح كل) طعام (طاهر) بخلاف متنجس ونجس، (لا مضرة فيه) احترازا عن السم ونحوه حتى المسك ونحوه (من حب وثمر وغيرهما) من الطاهرات. (ولا يحل نجس كالميتة والدم) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] . . . الآية، (ولا) يحل (ما فيه مضرة، كالسم ونحوه) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، (وحيوانات البر مباحة إلا الحمر الأنسية) ؛ لحديث جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل» متفق عليه.
(و) إلا (ما له ناب يفترس به) أي ينهش بنابه، لقول أبي ثعلبة الخشني: «نهي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع» متفق عليه، (غير الضبع) لحديث جابر «أمرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأكل الضبع» احتج به أحمد، والذي له ناب (كالأسد والنمر والذئب والفيل والفهد والكلب والخنزير وابن آوى وابن عرس والسنور) مطلقا،

(1/685)


(والنمس والقرد والدب) والفنك والثعلب والسنجاب والسمور، (و) إلا (ماله مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباشق والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال والهمزة، (والبومة) لقول ابن عباس: «نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي
مخلب من الطيور» رواه أبو داود، (و) إلا (ما يأكل الجيف) من الطير، (كالنسر والرخم واللقلق والعقعق) وهو القاق، (والغراب الأبقع والغداف، وهو) طائر (أسود صغير أغبر، والغراب الأسود الكبير، و) إلا (ما يستخبثه) العرب ذوو اليسار، (كالقنفذ والنيص والفأرة والحية والحشرات كلها والوطواط، و) إلا (ما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع) من الخيل والحمر الأهلية، وما تجهله العرب، ولم يذكر في الشرع، يرد إلى أقرب الأشياء شبها به، ولو أشبه مباحا ومحرما غلب التحريم، ودود جبن وخل ونحوهما يؤكل تبعا.

(1/686)


[فصل ما يحل من الأطعمة الحيوانات وغيرها]
فصل (وما عدا ذلك) الذي ذكرنا أنه حرام، (فحلال) على الأصل (كالخيل) لما سبق من حديث جابر، (وبهيمة الأنعام) وهي الإبل والبقر والغنم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ، (والدجاج والوحشي من الحمر، و) من (البقر كالإبل والتيتل والوعل والمها، (و) كـ (الضباء والنعامة والأرنب وسائر الوحش) كالزرافة والوبر واليربوع، وكذا الطاووس والببغاء والزاغ وغراب الزرع، لأن ذلك مستطاب، فيدخل في عموم قَوْله تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] .

(ويباح حيوان البحر كله) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] ، (إلا الضفدع) لأنها مستخبثة، (و) إلا (التمساح) لأنه ذو ناب يفترس به، (و) إلا (الحية) لأنها من المستخبثات، وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة ولبنها وبيضها [نجس] حتى تحبس ثلاثا وتطعم الطاهر فقط. ويكره أكل تراب وفحم وطين وغدة وأذن وقلب وبصل وثوم ونحوها ما لم ينضج بطبخ، لا لحم منتن أو نيء.

(ومن اضطر إلى محرم) بأن خاف التلف إن لم يأكله (غير السم حل له) إن لم يكن في سفر محرم (منه ما يسد رمقه) أي يمسك قوته ويحفظها؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ، وله التزود إن خاف، ويجب تقديم السؤال على أكله، ويتحرى في مذكاة اشتبهت بميتة، فإن لم يجد إلا طعام غيره، فإن كان ربه مضطرا،

(1/687)


أو خائفا
أن يضطر فهو أحق به، وليس له إيثاره، وإلا لزمه بذل ما يسد رمقه فقط بقيمته، فإن أبى رب الطعام أخذه المضطر منه بالأسهل فالأسهل، ويعطيه عوضه.
(ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه) كثياب (لدفع برد أو) حبل أو دلو (لاستقاء ماء ونحوه وجب بذله له) ، أي لمن اضطر إليه (مجانا) مع عدم حاجته إليه، لأن الله تعالى ذم على منعه بقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] ، وإن لم يجد المضطر إلا آدميا معصوما فليس له أكله، ولا أكل عضو من أعضاء نفسه.
(ومن مر بثمر بستان في شجره، أو متساقط عنه، ولا حائط عليه) أي على البستان، (ولا ناظر) أي حافظ له، (فله الأكل منه مجانا من غير حمل) ولو بلا حاجة، روي عن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم، وليس له صعود شجرة ولا رميه بشيء، ولا الأكل من مجني مجموع إلا لضرورة، وكذا زرع قائم وشرب لبن ماشية.

(ويجب) على المسلم (ضيافة المسلم المجتاز به في القرى) دون الأمصار (يوما وليلة) قدر كفايته مع آدم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته» متفق عليه. ويجب إنزاله ببيته مع عدم مسجد ونحوه، فإن أبى من نزل به الضيف، فللمضيف طلبه به عند حاكم، فإن أبى فله الأخذ من ماله بقدره.

(1/688)


[باب الذكاة]
. يقال: ذكى الشاة ونحوها تذكية، أي ذبحها، فهي ذبح، أو نحر الحيوان المأكول البري بقطع حلقومه ومريئه، أو عقر ممتنع. و (لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة) ، لأن غير المذكى ميتة، وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] (إلا الجراد والسمك وكل ما لا يعيش إلا في الماء) ، فيحل بدون ذكاة لحل ميتته، لحديث ابن عمر يرفعه «أحل
لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان الحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال» رواه أحمد وغيره، وما يعيش في البر والبحر، كالسلحفاة وكلب الماء لا يحل إلا بالذكاة. وحرم بلع سمك حيا، وكره شيه حيا لا جراد لأنه لا دم له.

(ويشترط للذكاة أربعة شروط) : أحدها - (أهلية المذكي بأن يكون عاقلا) ، فلا يباح ما ذكاه مجنون، أو سكران، أو طفل لم يميز؛ لأنه لا يصح منه قصد التذكية، (مسلما) كان (أو كتابيا) أبواه كتابيان؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم، (ولو) كان المذكي مميزا أو (مراهقا، أو امرأة، أو أقلف) لم يختن ولو بلا عذر، (أو أعمى) أو حائضا أو جنبا. (ولا تباح ذكاة سكران ومجنون) لما تقدم، (و) لا ذكاة (وثني ومجوسي

(1/689)


ومرتد) لمفهوم قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .
الشرط (الثاني الآلة، فتباح الذكاة بكل محدد) ينهر الدم بحده، ولو كان (مغصوبا من حديد وحجر وقصب وغيره) ، كخشب له حد وذهب وفضة وعظم، (إلا السن والظفر) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم فكل، ليس السن والظفر» متفق عليه.
الشرط (الثالث - قطع الحلقوم) وهو مجرى النفس، (و) قطع (المريء) بالمد، وهو مجرى الطعام والشراب، ولا يشترط إبانتهما، ولا قطع الودجين، ولا يضر رفع يد الذابح إن أتم الذكاة على الفور، والسنة نحر إبل بطعن بمحدد في لبتها وذبح غيرها، [ (فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح] وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة و) النعم (الواقعة في بئر ونحوها بجرحه في أي موضع كان من بدنه) ، روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، (إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه) مما يقتله لو انفرد، (فلا يباح) أكله لحصول قتله بمبيح وحاظر، فغلب جانب الحظر، وما ذبح من قفاه ولو عمدا إن أتت الآلة على محل ذبحه وفيه حياة مستقرة حل، وإلا فلا. ولو أبان رأسه حل مطلقا، والنطيحة ونحوها إن ذكاها وحياتها تمكن زيادتها على حركة مذبوح حلت، والاحتياط مع تحرك ولو بيد أو رجل، وما قطع حلقومه، أو أبينت حشوته فوجود حياته كعدمها.
والشرط (الرابع - أن يقول) الذابح (عند) حركة يده (بالذبح: بسم الله) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، (ولا يجزيه غيرها) كقوله: باسم

(1/690)


الخالق ونحوه، لأن إطلاق التسمية ينصرف إلى بسم الله. وتجزئ بغير عربية ولو أحسنها، (فإن تركها) أي التسمية (سهوا أبيحت) الذبيحة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذبيحة المسلم حلال، وإن لم يسم إذا لم يتعمد» رواه سعيد، (لا) إن ترك التسمية (عمدا) ولو جهلا، فلا تحل الذبيحة لما تقدم. ومن بدا له ذبح غير ما سمي عليه أعاد التسمية. ويسن مع التسمية التكبير لا الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومن ذكر مع اسم الله اسم غيره حرم ولم يحل المذبوح.

(ويكره أن يذبح بآلة كالة) لحديث «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» رواه الشافعي وغيره. (و) يكره أيضا (أن يحدها) أي الآلة (والحيوان يبصره) لقول ابن عمر: «إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم» رواه أحمد وغيره (و) يكره أيضا (أن يوجهه) أي الحيوان (إلى غير القبلة) ، لأن السنة توجيهه إلى القبلة على شقة الأيسر، والرفق به والحمل على الآلة بقوة. (و) يكره أيضا (أن يكسر عنقه) أي عنق ما ذبح، (أو يسلخه قبل أن يبرد) ، أي قبل زهوق نفسه؛ لحديث أبي هريرة «بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى بكلمات منها: لا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق» رواه الدارقطني. وإن ذبح كتابي ما يحرم عليه حل لنا إن ذكر اسم الله عليه.
وذكاة جنين مباح بذكاة أمه إن خرج ميتا أو متحركا كمذبوح.

(1/691)


[باب الصيد]
. وهو اقتناص حيوان حلال متوحش طبعا غير مقدور عليه، ويطلق على المصيد، (ولا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط) :
(أحدها - أن يكون الصائد من أهل الذكاة) ، فلا يحل صيد مجوسي، أو وثني ونحوه، وكذا ما شارك فيه.
الشرط الثاني (الآلة وهي نوعان) :
أحدهما (محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح و) يشترط فيه أيضا (أن يجرح) الصيد (فإن قتله بثقله لم يبح) لمفهوم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل» (وما ليس بمحدد كالبندق والعصا والشبكة والفخ لا يحل ما قتل به) ، ولو مع قطع حلقوم ومريء لما تقدم، وإن أدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه حل، وإن رمى صيدا بالهواء، أو على شجرة فسقط فمات حل، وإن وقع في ماء ونحوه لم يحل.
(والنوع الثاني الجارحة فيباح ما قتلته) الجارحة (إن كانت معلمة) ، سواء كانت مما يصيد بمخلبه من الطير، أو بنابه من الفهود والكلاب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] ، إلا الكلب الأسود البهيم فيحرم صيده واقتناؤه، ويباح قتله

(1/692)


وتعليم نحو كلب وفهد أن يسترسل إذا أرسل، وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل. وتعليم نحو صقر أن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي لا بترك أكله.
الشرط (الثالث - إرسال الآلة قاصدا) للصيد، (فإذا استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح) ما صاده، (إلا أن يزجره فيزيد في عدوه بطلبه فيحل) الصيد، لأن زجره أثر في عدوه، فصار كما لو أرسله، ومن رمى صيدا فأصاب غيره حل.
الشرط (الرابع - التسمية عند إرسال السهم، أو) إرسال (الجارحة، فإن تركها) أي التسمية (عمدا أو سهوا لم يبح) الصيد لمفهوم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل» متفق عليه. ولا يضر إن تقدمت التسمية بيسير، وكذا إن تأخرت
بكثير في جارح إذا زجره فانزجر، ولو سمى على صيد فأصاب غيره حل، لا على سهم ألقاه ورمى بغيره، بخلاف ما لو سمى على سكين ثم ألقاه وذبح بغيرها. (ويسن أن يقول معها) أي مع بسم الله (الله أكبر، كـ) ما في (الذكاة) لأنه «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا ذبح يقول: باسم الله والله أكبر» ، وكان ابن عمر يقوله، ويكره الصيد لهوا، وهو أفضل مأكول، والزراعة أفضل مكتسب.
* * *

(1/693)