الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط المؤيد [كتاب الأيمان]
. جمع يمين، وهو الحلف والقسم. (واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث)
فيها (هي اليمين) التي يحلف فيها (بـ) اسم (الله) الذي لا يسمى به غيره،
كالله، والقديم الأزلي، والأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده
شيء، وخالق الخلق، ورب العالمين، والرحمن، أو الذي يسمى به غيره، ولم ينو
الغير كالرحيم والخالق والرازق والمولى، (أو) بـ (صفة من صفاته) تعالى،
كوجه الله وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته وعهده وأمانته وإرادته، (أو
بالقرآن، أو بالمصحف) ، أو بسورة، أو آية منه، ولعمر الله يمين، وما لا يعد
من أسمائه تعالى، كالشيء والموجود، وما لا ينصرف إطلاقه إليه، ويحتمله
كالحي والواحد والكريم إن نوى به الله، فهو يمين وإلا فلا.
(والحلف بغير الله) سبحانه وصفاته (محرم) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «فمن كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت» متفق عليه، ويكره
الحلف بالأمانة (ولا تجب به) أي بالحلف بغير الله (كفارة) إذا حنث.
(ويشترط لوجوب الكفارة) إذا حلف بالله تعالى (ثلاثة شروط) : (الأول: أن
تكون اليمين منعقدة، وهي) اليمين (التي قصد عقدها على) أمر (مستقبل ممكن،
فإن حلف على أمر ماض كاذبا عالما فهي) اليمين (الغموس) ؛ لأنها
(1/694)
تغمسه في الإثم، ثم في النار، (ولغو
اليمين) هو (الذي يجري على لسانه بغير قصد، كقوله) في أثناء كلامه: (لا
والله، وبلى والله) ؛ لحديث عائشة مرفوعا «اللغو في اليمين كلام الرجل في
بيته لا والله وبلى والله» رواه أبو داود، وروي موقوفا، (وكذا يمين عقدها
يظن
صدق نفسه فبان بخلافه، فلا كفارة في الجميع) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا
يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وهذا
منه. ولا تنعقد أيضا من نائم وصغير ومجنون ونحوهم
الشرط (الثاني - أن يحلف مختارا، فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه) ؛ لقوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه» .
الشرط (الثالث - الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه) ، كما لو حلف لا
يكلمن زيدا اليوم فلم يكلمه، (مختارا ذاكرا) ليمينه، (فإن حنث مكرها أو
ناسيا فلا كفارة) ، لأنه لا إثم عليه.
(ومن قال في يمين مكفرة) أي تدخلها الكفارة كيمين بالله تعالى ونذر وظهار:
(إن شاء الله، لم يحنث) في يمينه فعل، أو ترك إن قصد المشيئة، واتصلت يمينه
لفظا أو حكما؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من حلف،
فقال: إن شاء الله لم يحنث» رواه أحمد وغيره.
(1/695)
(ويسن الحنث في اليمين إذا كان) الحنث
(خيرا) ، كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، وإن حلف على فعل مندوب، أو
ترك مكروه كره حنثه، أو على فعل واجب، أو أولى، ولا يلزم إبرار قسم كإجابة
سؤال بالله تعالى، بل ويسن. (ومن حرم حلالا سوى زوجته) ؛ لأن تحريمها ظهار
كما تقدم، سواء كان الذي حرمه (من أمة، أو طعام، أو لباس، أو غيره) كقوله
ما أحل الله علي حرام ولا زوجة له، أو قال: طعامي علي كالميتة (لم يحرم)
عليه، لأن الله سماه يمينا بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ
مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ
لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ، واليمين على الشيء لا
تحرمه، (وتلزمه كفارة يمين إن فعله) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ
اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أي التكفير. وسبب
نزولها أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لن أعود إلى شرب
العسل» متفق عليه، ومن قال: هو يهودي، أو كافر، أو يعبد غير
الله، أو بريء من الله تعالى، أو من الإسلام، أو القرآن، أو النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونحو ذلك ليفعلن كذا، أو إن لم يفعله، أو إن
كان فعله فقد فعل محرما وعليه كفارة يمين بحنثه.
[فصل في كفارة اليمين]
فصل
في كفارة اليمين (يخير من لزمته كفارة يمين بين إطعام عشرة مساكين) ، لكل
مسكين مد بر، أو نصف
(1/696)
صاع من غيره، (أو كسوتهم) أي: العشرة
مساكين، للرجل ثوب يجزيه في صلاته وللمرأة درع وخمار كذلك، (أو عتق رقبة،
فمن لم يجد) شيئا مما تقدم ذكره (فصيام ثلاثة أيام) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] ، (متتابعة) وجوبا
لقراءة ابن مسعود " فصيام ثلاثة أيام متتابعة" وتجب كفارة ونذر فورا بحنث،
ويجوز إخراجها قبله. (ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد) ولو على
أفعال كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا أعطيت، والله لا
أخذت، (فعليه كفارة واحدة) ، لأنها كفارات من جنس واحد، فتداخلت كالحدود من
جنس، (وإن اختلف موجبها) ، أي موجب الأيمان وهو الكفارة (كظهار ويمين
بالله) تعالى (لزماه) أي الكفارة (ولم يتداخلا) لعدم اتحاد الجنس، ويكفر قن
بصوم وليس لسيده منعه منه، ويكفر كافر بغير صوم.
باب جامع الأيمان المحلوف بها (يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها
اللفظ؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وإنما لكل امرئ ما
نوى» فمن نوى بالسقف أو البناء السماء، أو بالفراش أو البساط الأرض قدمت
على عموم لفظه. ويجوز التعريض في مخاطبة لغير ظالم، (فإن عدمت النية رجع
إلى سبب اليمين وما هيجها) لدلالة ذلك على النية، فمن حلف ليقضين زيدا حقه
غدا، فقضاه قبله لم يحنث إذا اقتضى السبب أنه لا يتجاوز غدا،
(1/697)
وكذا ليأكلن شيئا أو ليفعلنه غدا، وإن حلف
لا يبيعه إلا بمائة لم يحنث إلا إن باعه بأقل منها، وإن حلف لا يشرب له
الماء من عطش ونيته، أو السبب قطع منته، حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل
ما فيه منة، (فإن عدم ذلك) أي النية وسبب اليمين الذي هيجها (رجع إلى
التعيين) ، لأنه أبلغ من دلالة الاسم على المسمى، لأنه ينفي الإبهام
بالكلية، (فإذا حلف لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو
رداء أو عمامة ولبسه) حنث، (أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا) ، وكلمه حنث،
(أو) حلف لا كلمت (زوجة فلان هذه، أو صديقه فلانا) هذا (أو مملوكه سعيدا)
هذا، (فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) حنث، (أو) حلف (لا أكلت لحم
هذا الحمل فصار كبشا) وأكله حنث، (أو) حلف لا أكلت (هذا الرطب فصار تمرا،
أو دبسا، أو خلا) وأكله حنث، (أو) حلف لا أكلت (هذا اللبن فصار اللبن جبنا،
أو كشكا ونحوه، ثم أكله حنث في الكل) ، لأن عين المحلوف عليه باقية، كحلفه
لا لبست هذا الغزل فصار ثوبا. وكذا حلفه لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد
باعها، أو وهي فضاء، أو مسجد، أو حمام ونحوه، (إلا أن ينوي) الحالف أو يكون
سبب اليمين يقتضي (ما دام) المحلوف عليه (على تلك الصفة) ، فتقدم النية
وسبب اليمين على التعيين كما تقدم.
[فصل الرجوع في اليمين إلى ما يتناوله الاسم
عند عدم النية]
فصل (فإن عدم ذلك) أي النية والسبب والتعين (رجع) في اليمين (إلى ما
يتناوله الاسم، وهو) أي الاسم (ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي) وقد لا يختلف
المسمى
(1/698)
كالأرض والسماء والإنسان والحيوان ونحوها.
(فالشرعي) من الأسماء (ماله موضوع في الشرع وموضوع في اللغة) ، كالصلاة
والصوم والزكاة والحج والبيع والإجارة، فالاسم (المطلق) في اليمين سواء
كانت على فعل أو ترك (ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح) ، لأن ذلك هو
المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق، إلا الحج والعمرة فيتناول الصحيح والفاسد
لوجوب المضي فيه كالصحيح، (فإذا حلف لا يبيع، أو لا ينكح فعقد عقدا فاسدا)
من بيع أو نكاح (لم يحنث) ، لأن البيع أو النكاح لا يتناول الفاسد، (وإن
قيد) الحالف (يمينه بما يمنع الصحة) أي بما لا تمكن الصحة معه، (كأن حلف لا
يبيع الخمر أو الخنزير حنث بصورة العقد) ؛ لتعذر حمل يمينه على عقد صحيح،
وكذا إن قال: إن طلقت فلانة الأجنبية فأنت طالق طلقت بصورة طلاق الأجنبية.
(و) الاسم (الحقيقي هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته) كاللحم، (فإذا حلف
لا يأكل اللحم، فأكل شحما، أو مخا، أو كبدا، أو نحوه) ، ككلية وكرش وطحال
وقلب ولحم رأس ولسان (لم يحنث) ، لأن إطلاق اسم اللحم لا يتناول شيئا من
ذلك إلا بنية اجتناب الدسم (ومن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والتمر
والملح [والخل] والزيتون ونحوه) ،
كالجبن واللبن، (وكل ما يصبغ به) عادة كالزيت والعسل والسمن واللحم، لأن
هذا معنى التأدم. (و) إن حلف (لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا) أو
عمامة أو قلنسوة (أو نعلا حنت) ، لأنه ملبوس حقيقة وعرفا، (وإن حلف لا يكلم
إنسانا حنث بكلام) كل (إنسان) ، لأنه نكرة في سياق النفي فيعم حتى (ولو قال
له: تنح أو اسكت أو لا كلمت زيدا) فكاتبه أو راسله حنث ما لم ينو مشافهته.
(و) إن حلف (لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث) ، لأن الفعل يضاف إلى من فعل
(1/699)
عنه، قال تعالى: {مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] ، وإنما الحالق غيرهم، (إلا أن ينوي مباشرته
بنفسه) فتقدم نيته، لأن لفظه يحتمله.
(و) الاسم (العرفي ما اشتهر مجازه فغلب) على الحقيقة، (كالرواية) في العرف
للمزادة وفي الحقيقة للجمل الذي يستقي عليه، (والغائط) في العرف للخارج
المستقذر، وفي الحقيقة لفناء الدار وما اطمأن من الأرض (ونحوهما) ،
كالظعينة والدابة والعذرة، (فتعلق اليمين بالعرف) دون الحقيقة، لأن الحقيقة
في نحو ما ذكر صارت كالمهجورة ولا يعرفها أكثر الناس. (فإذا حلف على وطء
زوجته، أو) حلف على (وطء دار تعلقت يمينه بجماعها) أي جماع من حلف على
وطئها، لأن هذا هو المعنى الذي ينصرف إليه اللفظ في العرف، (و) تعلقت يمينه
(بدخول الدار) التي حلف لا يطأها لما ذكر. (وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله
مستهلكا في غيره، كمن حلف (لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه
طعمه) لم يحنث، (أو) حلف (لا يأكل بيضا فأكل ناطفا لم يحنث) ، لأن ما أكله
لا يسمى سمنا ولا بيضا، (وإن ظهر طعم شيء من المحلوف عليه) فيما أكله (حنث)
لأكله المحلوف عليه.
[فصل من فعل المحلوف عليه مكرها]
فصل (وإن حلف لا يفعل شيئا، ككلام زيد ودخول دار ونحوه، ففعله مكرها لم
يحنث) ، لأن فعل المكره غير منسوب إليه. (وإن حلف على نفسه أو غيره ممن)
يمتنع بيمينه و (يقصد منعه كالزوجة والولد أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا، أو
جاهلا حنث في الطلاق والعتاق) بفتح العين (فقط) ، أي دون اليمين بالله
تعالى والنذر والظهار، لأن الطلاق والعتاق حق آدمي فلم يعذر فيه بالنسيان
والجهل، كإتلاف المال والجناية، بخلاف اليمين بالله تعالى، ونحوه فإنه حق
الله
(1/700)
تعالى وقد رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان. (و) إن حلف (على من لا يمتنع
بيمينه من سلطان وغيره) كأجنبي لا يفعل شيئا (ففعله حنث) الحالف
(مطلقا) أي سواء فعله المحلوف عليه عامدا أو ناسيا، عالما أو جاهلا، (وإن
فعل هو) أي الحالف لا يفعل شيئا، أو من لا يمتنع بيمينه من سلطان وأجنبي
(أو غيره) ، أي ما ذكر (ممن قصد منعه) كزوجة وولد (بعض ما حلف على كله) ،
كما لو حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه (لم يحنث) ، لعدم وجود المحلوف
عليه، (ما لم تكن له نية) أو قرينة، كما لو حلف لا يشرب ماء هذا النهر وشرب
منه فإنه يحنث. |