الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط دار الفكر
كتاب الجنايات
مدخل
...
21- كتاب الجنايات
جمع جناية وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو
عرض واصطلاحا: التعدي على البدن بما يوجب
قصاصا أو مالا ومن قتل مسلما عمدا عدوانا فسق
وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
وتوبته مقبولة.
"وهي" أي الجناية ثلاثة أضرب: "عمد يختص
القود1 به" والقود قتل القاتل بمن قتله "بشرط
القصد" أي أن يقصد الجاني الجناية "و" الضرب
الثاني "شبه عمد و" الثالث "خطأ" روي ذلك عن
عمر وعلي رضي الله عنهما "فـ" القتل "العمد:
أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما
يغلب على الظن موته به" فلا قصاص إن لم يقصد
قتله2 ولا إن قصده بما لا يقتل غالبا3.
وللعمد تسع صور :
إحداها - ما ذكره بقوله: "مثل أن يجرحه بما له
مور" أي نفوذ "في البدن" كسكين وشوكة ولو
بغرزه بإبرة ونحوها ولو لم يداو مجروح قادر
جرحه4.
ـــــــ
1 القود: القصاص بالمثل أي العقوبة من نفس
الجريمة النفس بالنفس والعين بالغين والسن
بالسن والجروح لتعذر إيقاع مثيلها تماما دون
زيادة أو نقصان كان فيها القصاص.
2 أما القتل بغير قصد فهو كأن يرمي السهم يريد
به حيوانا فيصدف مرور الآخر في تلك اللحظة وهو
لا يعلم بوجوده في المكان ولا يدري بمروره في
الموضع المرمي إليه فيصاب فيموت.
3 وذلك أن يضربه عمدا بما لا يقتل عادة كالعصا
أو السوط أو اليد أو الحجر الصغير فتصيب
الضربة مقتلا عن غير قصد منه أو لضعف قدرة
الآخر على الاحتمال ولا عداوة أو بدر يمكن أن
يعزى إليه قصد قتله.
ووقوع أحدهما على الأرض أثناء عراك بالأيدي
فيقع رأسه على حجر يسبب شدخا في الرأس يؤدي
إلى الوفاة وما شابه ذلك من حالات.
4 الحالة الأخيرة هي ما يسمى في القوانين
الوضعية الحديثة التي استدركت هذه الحالة
مؤخرا وبعد =
(1/413)
الثانية - أن
يقتله بمثقل كما أشار إليه بقوله: أو يضربه
بحجر كبير ونحوه كلت وسندان ولو في غير مقتل
فإن كان الحجر صغيرا فليس بعمد إلا إن كان في
مقتل أو حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو
حر أو برد ونحوه أو يعيده به أو يلقي عليه
حائطا أو سقفا ونحوهما أو يلقيه من شاهق
فيموت.
الثالثة - أن يلقيه بجحر أسد أو نحوه أو
مكتوفا بحضرته أو في مضيق بحضرة حية أو ينهشه
كلبا أو حية أو يلسعه عقربا من القواتل غالبا.
الرابعة - ما أشار إليها بقوله: أو يلقيه في
نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما
لعجزه أو كثرتهما فإن أمكنه قدر.
الخامسة - ما ذكرها بقوله: أو يخنقه بحبل أو
غيره أو يسد فمه وأنفه أو يعصر خصيتيه زمنا
يموت في مثله.
السادسة - أشار إليها بقوله: أو يحبسه ويمنعه
الطعام أو الشراب فيموت من ذلك في مدة يموت
فيها غالبا بشرط تعذر الطلب عليه وإلا فهدر.
السابعة - ما أشار إليها بقوله: أو يقتله بسحر
يقتل غالبا.
الثامنة - المذكورة في قوله: أو يقتله بـ سم
بأن سقاه سما لا يعلم به أو يخلطه بطعام
ويطعمه له أو بطعام أكله فيأكله جهلا ومتى
ادعى قاتل بسم أو سحر عدم علمه أنه قاتل لم
يقبل.
التاسعة - المشار إليها بقوله: أو شهدت عليه
بينة بما يوجب قتله من زنا أو ردة لا تقبل
معها التوبة أو قتل عمد ثم رجعوا أي الشهود
بعد قتله وقالوا: عمدنا قتله فيقاد بهذا كله
ونحو ذلك لأنهم توصلوا إلى قتله بما يقتل
غالبا ويختص بالقصاص مباشر للقتل عالم بأنه
ظلم ثم ولي عالم بذلك فبينة وحاكم علموا ذلك.
وشبه العمد: أن يقصد جناية لا تقتل غالبا ولم
يجرحه بها كمن ضربه في غير مقتل
ـــــــ
= اطلاع رجال القانون في العرب على القوانين
الشرعية الإسلامية في الجنايات بالترك أو
الجريمة السلبية أو الجريمة بالامتناع وذلك أن
يرفض الطبيب علاج مريض مشرف على الموت وهو
قادر على إنقاذه أو أن يرفض مستشفى استقبال
مصاب في حالة الخطر وفي الإسلام فإن للجريمة
بالامتناع بحث كبير واسع مستفيض يشمل نواحي
عديدة من نواحي الحياة فمثلا مر بحيوان مباح
للأكل قد وقع وأصيب في موضع لو تركه فيه لهلك
فلم يذكيه بذبحه يكون مسئولا عن موته قيمته
لصاحبه ومن رأى إنسانا قد ضل الطريق وهو يقدر
على إشارة ولو تركه لسار في طريق مضيعة وهلك
كان مسئولا عن دينه وهكذا وكما ذكرنا فإن هذا
الباب وحده يتطلب بحثا مستفيضا في كتاب مستقل.
(1/414)
بسوط أو عصا
صغيرة" ونحوها " أو لكزه ونحوه" بيده أو ألقاه
في ماء قليل أو صاح بعاقل اغتفله أو بصغير على
سطح فمات "و" قتل "الخطأ أن يفعل ماله فعله
مثل أن يرمي صيدا أو" يرمي "غرضا أو" يرمي
"شخصا" مباح الدم كحربي وزان محصن فيصيب آدميا
معصوما "لم يقصده" بالقتل فيقتله وكذا لو أراد
قطع لحم أو غيره مما له فعله فسقطت منه السكين
على إنسان فقتله و كذا "عمد الصبي والمجنون"
لأنه لا قصد لهما فهما كالمكلف المخطئ
فالكفارة في ذلك في مال القاتل والدية على
عاقلته كما سيأتي إن شاء الله ويصدق إن قال:
كنت يوم قتلت صغيرا أو مجنونا وأمكن ومن قتل
بصف كفار من ظنه حربيا فبان مسلما أو رمى
كفارا تترسوا بمسلم وخيف علينا إن لم نرمهم
ولم يقصده فقتله فعليه الكفارة فقط لقوله
تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ
لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ} 1 ولم يذكر الدية.
فصل
"تقتل الجماعة" أي اثنان فأكثر " ب" الشخص
"الواحد" إن صلح فعل كل واحد لقتله لإجماع
الصحابة روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب
قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وقال: لو
تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا وان لم
يصلح فعل كل واحد للقتل فلا قصاص ما لم
يتواطؤوا عليه. "وإن سقط القود" بالعفو عن
القاتلين "أدوا دية واحدة" لأن القتل واحد فلا
يلزم به أكثر من دية كما لو قتلوه خطأ وإن جرح
واحد جرحا وآخر مائة فهما سواء. وإن قطع واحد
حشوته أو و دجيه ثم ذبحه آخر فالقاتل الأول
ويعزر الثاني.
"ومن أكره مكلفا على قتل" معين "مكافئه فقتله
فالقتل" أي القود إن لم يعف وليه "أو الدية"
إن عفا "عليهما" أي على القاتل ومن أكرهه لأن
القاتل قصد استبقاء نفسه بقتل غيره والمكره
تسبب إلى القتل بما يفضي إليه غالبا
وقول قادر: اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراه "وإن
أمر" مكلف "بالقتل غير المكلف" كصغير أو مجنون
فالقصاص على الآمر لأن المأمور آلة له لا يمكن
إيجاب القصاص عليه فوجب على المتسبب به "أو"
أمر مكلف بالقتل "مكلفا يجهل تحريمه" أي تحريم
القتل كمن نشأ بغير بلاد الإسلام ولو عبدا
للآمر فالقصاص على الآمر لما تقدم أو أمر به
أي بالقتل "السلطان ظلما من لا يعرف ظلمه فيه"
أي في القتل بأن لم يعرف المأمور أن المقتول
لم يستحق القتل "فقتل" المأمور
ـــــــ
1 سورة النساء من الآية "92".
(1/415)
"فالقود" إن لم
يعف مستحقه "أو الدية" إن عفا عنه "على الآمر"
بالقتل دون المباشر لأنه معذور لوجوب طاعة
الإمام في غير المعصية والظاهر أن الإمام لا
يأمر إلا بالحق.
وإن قتل المأمور من السلطان أو غيره "المكلف"
حال كونه "عالما تحريم القتل فالضمان عليه"
بالقود أو الدية لمباشرته القتل مع عدم العذر
لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا طاعة لمخلوق
في معصية الخالق" دون الآمر بالقتل فلا ضمان
عليه لكن يؤدب بما يراه الإمام من ضرب أو حبس
ومن دفع إلى غير مكلف آلة قتل ولم يأمر به
فقتل لم يلزم الدافع شيء "وإن اشترك فيه" أي
في القتل "اثنان لا يجب القود على أحدهما" لو
كان " منفردا لأبوة" للمقتول "أو غيرها" من
إسلام أو حرية كما لو اشترك أب وأجنبي في قتل
ولده أو حر ورقيق في قتل رقيق أو مسلم وكافر
في قتل كافر "فالقود على الشريك" للأب في قتل
ولده وعلى شريك الحر والمسلم لأنه شارك في
القتل العمد العدوان وإنما امتنع القصاص عن
الأب والحر والمسلم لمعنى يختص بهم لا لقصور
في السبب بخلاف ما لو اشترك خاطئ وعامد أو
مكلف وغيره أو ولي قصاص وأجنبي أو مكلف وسبع
أو مقتول في قتل نفسه فلا قصاص "فإن عدل" ولي
القصاص "إلى طلب المال" من شريك الأب ونحوه
"لزمه نصف الدية" كالشريك في إتلاف مال وعلى
شريك قن نصف قيمة المقتول.
(1/416)
1-
باب شروط وجوب
القصاص
"وهي أربعة" :
أحدها - " عصمة المقتول" بأن لا يكون مهدر
الدم " فلو قتل مسلم" حربيا أو نحوه "أو" قتل
" ذمي" أو غيره "حربيا أو مرتدا" أو زانيا
محصنا ولو قبل ثبوته عند حاكم "لم يضمنه بقصاص
ولا دية" ولو أنه مثله.
الشرط "الثاني - التكليف" بأن يكون القاتل
بالغا عاقلا لأن القصاص عقوبة مغلظة "فلا" يجب
" قصاص على صغير ولا مجنون" أو معتوه لأنه ليس
لهم قصد صحيح.
الشرط "الثالث - المكأفاة" بين المقتول وقاتله
حال جنايته "بأن يساويه" القاتل "في الدين
والحرية والرق" يعني بأن لا يفضل القاتل
المقتول بإسلام أو حرية أو ملك "فلا يقتل
مسلم" حر أو عبد "بكافر" كتابي أو مجوسي ذمي
أو معاهد لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل
مسلم بكافر" رواه البخاري وأبو داود "ولا"
يقتل " حر بعبد" لحديث أحمد عن علي: من السنة
أن لا يقتل حر بعبد وروى الدارقطني عن ابن
عباس يرفعه: "لا يقتل حر بعبد" وكذا لا يقتل
(1/416)
حر بمبعض ولا
مكاتب بقنه لأنه مالك لرقبته "وعكسه" بأن قتل
كافر مسلما أوقن أو مبعض حرا "يقتل" القاتل
ويقتل القن بالقن وإن اختلفت قيمتهما كما يؤخذ
الجميل بالدميم والشريف بضده "ويقتل الذكر
بالأنثى والأنثى بالذكر" والمكلف بغير المكلف
لعموم قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ
فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 1.
الشرط " الرابع - عدم الولادة" بأن لا يكون
المقتون ولدا للقاتل وإن سفل ولا لبنته وإن
سفلت "فلا يقتل أحد الأبوبن وإن علا بالولد
وإن سفل" لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يقتل
والد بولده" قال ابن عبد البر: هو حديث مشهور
عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم.
ويقتل الولد بكل منهما أي من الأبوين وإن علوا
لعموم قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ} 2 خص منه ما تقدم بالنص ومتى ورث
قاتل أو ولده بعض دمه فلا قود فلو قتل أخا
زوجته فورثته ثم ماتت فورثها القاتل أو ولده
فلا قصاص لأنه لا يتبعض.
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "45ط.
2 سورة البقرة من الآية "178".
(1/417)
2-
باب استيفاء
القصاص
وهو فعل مجني عليه أو فعل وليه بجان مثل فعله
أو شبهه ويشترط له أي لاستيفاء القصاص ثلاثة
شروط :
"أحدها: كون مستحقه مكلفا" أي بالغا عاقلا فإن
كان مستحق القصاص أو بعض مستحقيه " صبيا أو
مجنونا لم يستوفه" لهما أب ولا وصي ولا حاكم
لأن القصاص ثبت لما فيه من التشفي والانتقام
ولا يحصل ذلك لمستحقه باستيفاء غيره "وحبس
الجاني" مع صغر مستحقه "إلى البلوغ و" مع
جنونه إلى "الإفاقة" لأن معاوية حبس هدبة بن
خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل وكان ذلك في
عصر الصحابة ولم ينكر وإن احتاجا لنفقة فلولي
مجنون فقط العفو إلى الدية.
"الشرط الثاني - اتفاق الأولياء المشتركين
فيه" أي في القصاص "على استيفائه وليس لبعضهم
أن ينفرد به" لأنه يكون مستوفيا لحق غيره بغير
إذنه ولا ولاية عليه وإن كان من بقي من
الشركاء فيه غائبا أو صغيرا أو مجنونا انتظر
القدوم للغائب "والبلوغ" للصغير "والعقل"
للمجنون ومن مات قام وارثه مقامه وإن انفرد به
بعضهم عزر فقط
(1/417)
ولشريك في تركة
جان حقه من الدية ويرجع وارث جان على مقتص بما
فوق حقه وإن عفا بعضهم سقط القود.
الشرط "الثالث - أن يؤمن" في "الاستيفاء أن
يتعدى الجاني" إلى غيره لقوله تعالى: {فَلا
يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} 1 "فإذا وجب" القصاص
"على" امرأة حامل أو امرأة "حائل فحملت لم
تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ" 2 لأن قتل
الحامل يتعدى إلى الجنين وقتلها قبل أن تسقيه
اللبأ يضره لأنه في الغالب لا يعيش إلا به
"ثم" بعد سقيه اللبأ "إن وجد من يرضعه" أعطي
الولد لمن يرضعه وقتلت لأن غيرها يقوم مقامها
في إرضاعه وإلا يوجد من يرضعه " تركت حق
تفطمه" لحولين لقوله صلى الله عليه وسلم :
"إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في
بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها وإذا زنت
لم ترجم حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا
وحتى تكفل ولدها" رواه ابن ماجة "ولا يقتص
منها" أي من الحامل "في الطرف" كاليد والرجل
"حتى تضع" وإن لم تسقه اللبأ والحد بالرجم إذا
زنت المحصنة الحامل أو الحائل وحملت "في ذلك
كالقصاص" فلا ترجم حتى تضع وتسقيه اللبأ ويوجد
من يرضعه وإلا فحتى تفطمه وتحد بجلد عند
الوضع.
فصل
"ولا" يجوز أن "يستوفي قصاص إلا بحضرة سلطان
أو نائبه" لافتقاره إلى اجتهاده وخوف الحيف و
لا يستوفى إلا "آلة ماضية" وعلى الإمام تفقد
الآلة وليمنع الاستيفاء بآلة كآلة3 لأنه إسراف
في القتل وينظر في الولي فإن كان يقدر على
استيفائه ويحسنه مكنه منه له الا أمره أن يوكل
وإن احتاج لأجرة فمن مال جان "ولا يستوفى"
القصاص " في النفس إلا بضرب العنق بسيف ولو
كان الجاني قتله بغيره" لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا قود إلا بالسيف" رواه ابن ماجة ولا
يستوفى من طرف إلا بسكين ونحوها لئلا يحيف.
ـــــــ
1 سورة الإسراء من الآية "33".
2 هو لبنها الكثيف الذي يظهر بعد الولادة
مباشرة وفي الأيام الأولى بعد الوضع.
3 الآلة الكالة: التي ضعف حدها عن القطع أو
صار خشنا لا يقطع أو لا يقطع بسهولة وفي
استعمال مثل هذا الحد تعذيب للمقتول لأنها لا
تقطع في الضربة الأولى وتحتاج لإمرارها أكثر
من مرة.
(1/418)
باب العفو عن القصاص
أجمع المسلمون على جوازه " يجب بـ" القتل "
العمد القود أو الدية فيخير الولي
(1/418)
بينهما" لحديث
أبي هريرة مرفوعا: "من قتل له قتيل فهو بخير
النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل" رواه
الجماعة إلا الترمذي. "وعفوه" أي عفو ولي
القصاص "مجانا" أي من غير أن يأخذ شيئا "أفضل"
لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى} 1 ولحديث أبي هريرة مرفوعا: "ما
عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا" رواه
أحمد ومسلم والترمذي ثم لا تعزير على جان "فإن
اختار" ولي الجناية "القود أو عفا عن الدية
فقط" أي دون القصاص "فله أخذها" أي أخذ الدية
لأن القصاص أعلى فإذا اختاره لم يمتنع عليه
الانتقال إلى الأدنى "و" له "الصلح على أكثر
منها" أي من الدية وله أن يقتص لأنه لم يعف
مطلقا "وإن اختارها" أي اختار الدية فليس له
غيرها فإن قتله بعد قتل به لأنه أسقط حقه من
القصاص "أو عفا مطلقا" بأن قال: عفوت2 ولم
يقيده بقصاص ولا دية فله الدية لانصراف العفو
إلى القصاص لأنه المطلوب الأعظم" أو هلك
الجاني فليس له" أي لولي الجناية "غيرها" أي
غير الدية من تركة الجاني لتعذر استيفاء القود
كما لو تعذر في طرفه.
"وإذا قطع" الجاني "إصبعا عمدا فعفا" المجروح
عنها " ثم سرت" الجناية " إلى الكف أو النفس
وكان العفو على غير شيء ف" السراية "هدر" لأنه
لم يجب بالجناية شيء فسرايتها أولى "وإن كان
العفو على مال فله" أي للمجروح "تمام الدية"
أي دية ما سرت إليه بأن يسقط من دية ما سرت
إليه الجناية أرش ما عفا عنه وتوجب الباقي.
"وإن وكل" ولي الجناية "من يقتص" له "ثم عفا"
الموكل عن القصاص " فاقتص وكيله ولم يعلم"
بعفوه " فلا شيء عليهما" لا على الموكل لأنه
محسن بالعفو و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ
سَبِيلٍ} 3 ولا على الوكيل لأنه لا تفريط منه
وإن عفا مجروح عن قود نفسه أو ديتها صح كعفو
وارثه "وإن وجب لرقيق قود أو" وجب له "تعزيز
قذف فطلبه" إليه " وإسقاطه إليه" أي إلى
الرقيق دون سيده لأنه مختص به "فإن مات"
الرقيق بعد وجوب ذلك له "فلسيده" طلبه وإسقاطه
لقيامه مقامه لأنه أحق به ممن ليس له فيه ملك.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "237".
2 إن عفو أولياء الدم عن القاتل العمد وإن
أسقط عقوبة القتل عنه إلا أنه لا يعفيه من
العقوبة الأقل التي يراها الحاكم لازم لتأديبه
إن عرف عنه أذاه للناس وتعديه وظلمه وهذا ما
اصطلح على تسميته بالحق العام و به قالت أيضا
الشافعية أما الحنفية والمالكية فقد أطلقوا حق
الحكم في تأديبه.
3 سورة التوبة من الآية "91".
(1/419)
4-
باب ما يوجب
القصاص فيما دون النفس من الأطراف والجراح
"من أقيد بأحد في النفس" لوجود الشروط السابقة
"أقيد به في الطرف والجراح" لقوله
(1/419)
تعالى:
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ
النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...} 1 الآية "ومن لا"
يقاد بأحد في النفس كالمسلم بالكافر والحر
بالعبد والأب بولده "فلا" يقاد به في طرف ولا
جراح لعدم المكافأة "ولا يجب إلا بما يوجب
القود في النفس وهو" أي القصاص فيما دون النفس
نوعان :
"أحدهما في الطرف فتؤخذ العين" بالعين
"والأنف" بالأنف "والأذن" بالأذن "والسن"
بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة: العليا
بالعليا والسفلى بالسفلى "واليد" باليد:
اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى "والرجل"
بالرجل كذلك "والأصبع" بأصبع تماثلها في
موضعها "والكف" بالكف المماثلة "والمرفق"
بمثله "والذكر والخصية والألية والشفر" بضم
الشين وهو أحد اللحمين المحيطين بالرحم كإحاطة
الشفتين على الفم "كل واحد من ذلك بمثله"
للآية السابقة.
"وللقصاص في الطرف شروط "ثلاثة : " الأول:
الأمن من الحيف" وهو شرط جواز الاستيفاء
ويشترط لوجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف "بأن
يكون القطع من مفصل أو" له حد " ينتهي اليه"
يعني إلى حد "كمارن الأنف وهو ما لان منه" دون
القصبة فلا قصاص في جائفة ولا كسر عظم غير سن
ولا في بعض ساعد ونحوه ويقتص من منكب ما لم
يخف جائفة.
الشرط " الثاني: المماثلة في الاسم والموضع
فلا تؤخذ يمين" من يد ورجل وعين وأذن ونحوها
"بيسار ولا يسار بيمين ولا" يؤخذ " خنصر ببنصر
ولا" عكسه لعدم المساواة في الاسم ولا يؤخذ
"أصلي بزائد وعكسه" فلا يؤخذ زائد بأصلي لعدم
المساواة في المكان و المنفع "ولو تراضيا" على
أخذ أصلي بزائد أو عكسه "لم يجز" أخذه به لعدم
المقاصة ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة.
الشرط "الثالث: استواؤهما" أي استواء الطرفين
المجني عليه والمقتص منه "في الصحة والكمال
فلا تؤخذ" يد أو رجل " صحيحة ب" يد أو رجل
"شلاء ولا" يد أو رجل "كاملة الأصابع" أو
الأظفار "بناقصتهما، ولا" تؤخذ "عن صحيحة ب"
عين "قائمة" وهي التي بياضها وسوادها صافيان
غير أن صاحبها لا يبصر بها قاله الأزهري ولا
لسان ناطق بأخرس ولو تراضيا لنقص ذلك. "ويؤخذ
عكسه" فتؤخذ الشلاء وناقصة الأصابع والعين
القائمة بالصحيحة "ولا أرش" لأن المعيب من ذلك
كالصحيح في الخلقة وإنما نقص في
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "45".
(1/420)
الصفة وتؤخذ
أذن سميع بأذن أصم شلاء ومارن الأشم الصحيح
بمارن الأخشم الذي لا يجد رائحة شيء لأن ذلك
لعلة في الدماغ.
فصل
"النوع الثاني" من نوعي القصاص فيما دون النفس
"الجراح فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم"
لإمكان استيفاء القصاص من غير حيف ولا زيادة
وذلك كالموضحة 1 في الرأس والوجه "وجرح العضد
و" جرح "الساق و" جرح "الفخذ و" جرح "القدم"
لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} 2 "ولا
يقتص في غير ذلك من الشجاج" كالهاشمة3
والمنقلة4 والمأمومة5 و لا في غير ذلك من
"الجروح" كالجائفة6 لعدم أمن الحيف والزيادة
ولا يقتص في كسر عظم غير كسر سن لإمكان
الاستيفاء منه بغير حيف كبرد ونحوه "إلا أن
يكون" الجرح "أعظم من الموضحة كالهاشمة
والمنقلة والمأمومة فله" أي للمجني عليه "أن
يقتص موضحة" لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من
محل جنايته وله أرش الزائد على الموضحة فيأخذ
بعد اقتصاصه من موضحة في هاشمة خمسا من الإبل
وفي منقلة عشرا وفي مأمومة ثمانية وعشرين
وثلثا ويعتبر قدر جرح بمساحة دون كثافة اللحم
"وإذا قطع جماعة طرفا" يوجب قودا كيد "أو
جرحوا جرحا يوجب القود" كموضحة ولم تتميز
أفعالهم كأن وضعوا حديدة على يد وتحاملوا
عليها حتى بانت "فعليهم" أي على الجماعة
القاطعين أو الجارحين "القود" لما روي عن علي
أنه شهد عنده شاهدان على رجل بسرقة فقطع يده
ثم جاء آخر فقالا: هذا هو السارق وأخطأنا في
الأول فرد شهادتهما على الثاني وغرمهما دية يد
الأول وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما
وإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل واحد من جانب فلا
قود عليهم.
"وسراية الجناية7 مضمونة في النفس فما دونها"
فلو قطع أصبعا فتآكلت أخرى أو
ـــــــ
1 الضربة تمزق اللحم من الآية وتظهر العظام
ولا تكسرها.
2 سورة المائدة من الآية "45".
3 الهاشمية: الضربة تهشم اللحم والعظم أي
تكسره وتفتته.
4 المنقلة: الضربة تكسر العظم وتبعده عن موضعه
أو تبعد جزئي العظم المكسور عن بعضهما.
5 المأمومة: الضربة على أم الرأس.
6 الحائفة: الطعنة التي تبلغ الجوف.
7 سراية الجناية: امتداد تأثيرها وخطرها من
العضو المصاب.
(1/421)
اليد وسقطت من
مفصل فالقود فيما يشل الأرش بقود أو دية
"وسراية القود مهدورة" فلو قطع طرفا قودا فسرى
إلى النفس فلا شيء على قاطع لعدم تعديه لكن إن
قطع قهرا مع حر أو برد أو بآلة كالئة1 أو
مسمومة2 ونحوها لزمه بقية الدية.
"ولا" يجوز أن "يقتص عن عضو وجرح قبل برئه"
لحديث جابر أن رجلا جرح رجلا فأراد أن يستقيد
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستفاد من
الجارح حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني "وكما
لا تطلب له" أي للعضو أو الجرح "دية" قبل برئه
لاحتمال السراية فإن اقتص قبل فسرايتها بعد
هدر ولا قود ولا دية لما رجي عوده من نحو سن
ومنفعة في مدة تقولها أهل الخبرة فلو مات
تعينت دية الذاهب.
ـــــــ
1 كالئة: كالة: قد ذهب حد شفرتها القاطع.
2 والصدئة في حكم المسمومة لأنها تؤدي إلى
الغرغرينا ولعلها في حكم الكالة وكلا الحالين
واحد في النتيجة والعقوبة.
(1/422)
|