الروض المربع شرح زاد المستقنع ط دار الفكر

كتاب الديات
مدخل
...
22- كتاب الديات
جمع دية وهي المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية يقال: وديت القتيل: إذا أعطيت ديته "كل من أتلف إنسانا بمباشرة أو سبب" بأن ألقى عليه أفعى أو ألقاه عليها أو حفر بئرا محرما حفرها أو وضع حجرا أو قشر بطيخ أو ماء بفنائه أو طريق أو بالت بها دابته ويده عليها ونحو ذلك لزمته ديته سواء كان مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو مهادنا لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} 1 "فإن كانت" الجناية "عمدا محضا فـ" الدية "في مال الجاني" لأن الأصل يقتضي إن بدل المتلف يحب على متلفه وأرش الجناية على الجاني وإنما خولف في العاقلة لكثرة لخطأ والعامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف وتكون "حالة" غير مؤجلة كما هو الأصل في بدل المتلفات "و" دية "شبه العمد والخطأ على عاقلته" أي عاقلة الجاني لحديث أبي هريرة: "اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها" متفق عليه. ومن دعا من يحفر له بئرا بداره فمات بهدم لم يلقه أحد عليه فهدر "وإن غصب حرا صغيرا" أي حبسه عن أهله "فنهشته حية" فمات "أو أصابته صاعقة" وهي نار تنزل من السماء فيها رعد شديد - قاله الجوهري - فمات: وجبت الدية أو مات بمرض وجبت الدية جزم به في الوجيز و منتخب الآدمي وصححه في التصحيح وعنه: لا دية عليه نقلها أبو الصقر وجزم بها في المنور وغيره وقدمها في المحرر وغيره قال في شرح المنتهى: على الأصح وجزم بها في التنقيح وتبعه في المنتهى و الإقناع "أو غل حرا مكلفا وقيده فمات بالصاعقة أو الحية وجبت الدية" لأنه هلك في حال تعديه بحبسه عن الهرب من الصاعقة والبطش بالحية أو دفعها عنه.
ـــــــ
1 سورة النساء من الآية "92".

(1/423)


فصل
"وإذا أدب الرجل ولده" ولم يسرف لم يضمنه وكذا لو أدب زوجته في نشوز "أو" أدب "سلطان رعيته أو" أدب "معلم صبية ولم يسرف لم بضن ما تلف به" أي بتأديبه أنه فعل ما له فعله شرعا ولم يتعد فيه ومن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره ضمن لتعديه "ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب" بالغرة1 لسقوطه بتعديه.
"وإن طلب السلطان امرأة لكشف حق الله" تعالى فأسقطت "أو استعدى عليها رجل" أي طلبها لدعوى عليها "بالشرط في دعوى له فأسقطت" جنينا "ضمنه السلطان" في المسألة الأولى لهلاكه بسببه و ضمن "المستعدي" في المسألة الثانية لهلاكه بسببه " ولو ماتت" الحامل في المسألتين "فزعا" بسبب الوضع أو لا "لم بضمنا" أي لم يضمنها السلطان في الأولى ولا المستعدي في الثانية لأن ذلك ليس بسبب لهلاكها في العادة جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر و الكافي وعنه أنهما ضامنان لها كجنينها لهلاكها بسببهما وهو المذهب كما في الإنصاف وغيره وقطع به في المنتهى وغيره ولو ماتت حامل أو حملها من ريح طعام ونحوه ضمن ربه إن علم ذلك عادة.
"ومن أمر شخصا مكلفا أن ينزل بئرا أو" أمره أن "يصعد شجرة" ففعل "فهلك به" أي بنزوله أو صعوده لم يضمنه الآمر ولو أن الآمر سلطان لعدم إكراهه له وكما لو استأجره سلطان أو غيره لذلك وهلك به لأن لم يجن ولم يتعد عليه وكذا لو سلم بالغ عاقل نفسه أو ولده إلى سابح حاذق ليعلمه السباحة فغرق لم يضمنه السابح2.
ـــــــ
1 الغرة: عبد أو أمة وقيل أو فرس.
2 إذا لم يكن قادرا على إنقاذه ولم يفعل فتلك جريمة بالامتناع وفيها الدية.

(1/424)


1- باب مقادير ديات النفس
المقادير جمع مقدار وهو مبلغ الشيء وقدره "دية الحر المسلم مائة بعير أو ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة أو مائتا بقرة أو ألفا شاة" لحديث أبي داود عن جابر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة

(1/424)


وعلى أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود وعن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم وفي كتاب عمرو بن حزم: وعلى أهل الذهب ألف دينار1. "هذه" الخمس المذكورات "أصول الدية" دون غيرها "فأيها أحضر من تلزمه" الدية "لزم الولي قبوله" سواء كان ولي الجناية من أهل ذلك النوع أو لم يكن لأنه أتى بالأصل في قضاء الواجب عليه ثم تارة تغلظ الدية وتارة لا تخفف "فتغلظ في قتل العمد وشبهه فيؤخذ خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة" ولا تغليظ في غير إبل "و" تكون الدية في "الخطأ" مخففة "تجب أخماسا ثمانون من الأربعة المذكورة" أي عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعه "وعشرون من بني مخاض" هذا قول ابن مسعود وكذا حكم الأطراف وتؤخذ من بقر مسناة2 وأتبعة ومن غنم ثنايا وأجذعة نصفين ولا تعتبر القيمة في ذلك أي أن تبلغ قيمة الإبل والبقر أو الشياه دية نقد لإطلاق الحديث السابق بل تعتبر فيها السلامة من العيوب لأن الإطلاق يقتضي السلامة.
"ودية" الحر الكتابي الذمي أو المعاهد أو المستأمن "نصف دية المسلم" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه أحمد وكذا جراحه "ودية المجوسي" الذمي أو المعاهد أو المستأمن و دية الوثني المعاهد أو المستأمن ثمانمائة درهم كسائر المشركين روي عن عمر وعثمان وابن مسعود وجراحه بالنسبة3.
"ونساؤهم" أي نساء أهل الكتاب والمجوس و عبدة الأوثان وسائر المشركين " على النصف من دية" ذكرانهم "ك" دية نساء " المسلمين" لما في كتاب عمرو بن حزم: دية المرأة على النصف من دية الرجل. ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" أخرجه النسائي.
ودية خنثى مشكل نصف دية كل منهما " ودية قن" ذكرا كان أو أنثى صغيرا أو كبيرا ولو
ـــــــ
1 أهل الذهب: الذين يتداولون العملة الذهبية عادة في بلادهم.
2 الأتبعة: العجول الصغيرة مازالت تتبع أمها.
3 أي بنفس إرش جراح المسلم لديته تكون نسبة إرش جراح الذمي لديته ففي نصف ديته أربعمائة درهم وقس على ذلك.

(1/425)


مدبرا أو مكاتبا "قيمته" عمدا كان القتل أو الخطأ لأنه متقوم فضمن بقيمته بالغة ما بلغت كالفرس "و" في "جراحه" أي جراح القن إن قدر من حر بقسطه من قيمته ففي يده نصف قيمته1 نقص بالجناية أقل من ذلك أو أكثر وفي أنفه قيمته كاملة وإن قطع ذكره ثم خصاه فقيمته لقطع ذكره وقيمته مقطوعة وملك سيده باق عليه وإن لم يقدر من حر ضمن بـ " ما نقصه" بجنايته "بعد البرء" أي التئام جرحه كالجناية على غيره من الحيوانات.
"ويجب في الجنين الحر ذكرا كان أو أنثى" إذا سقط ميتا بجناية على أمه عمدا أو خطأ "عشر دية أمه غرة" أي عبدا أو أمة قيمتها خمس من الإبل إن كان حرا مسلما "و" يجب في الجنين عشر قيمتها أي قيمة أمه إن كان الجنين "مملوكا وتقدر الحرة" الحامل برقيق أمة ويؤخذ عشر قيمتها يوم جنايته عليها نقدا وإن سقط حيا لوقت يعيش لمثله ففيه إذا مات ما فيه مولودا وفى جنين دابة ما نقص أمه "وإن جنى رقيق خطأ أو" جنى "عمدا لا قود فيه" كالجائفة "أو" جنى عمدا "فيه قود واختير فيه المال أو أتلف" رقيق "مالا" وكانت الجناية والإتلاف " بغير إذن سيده تعلق" ما وجب بـ " ذلك برقبته" لأنه موجب جنايته فوجب أن يتعلق برقبته كالقصاص "فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته" إن كان قدر قيمته فأقل وإن كان أكثر منها لم يلزمه سوى قيمته حيث لم يأذنه في الجناية "أو يسلمه" السيد "إلى ولي الجناية يملكه أو يبيعه" السيد "ويدفع ثمنه" لولي الجناية إن استغرقه أرش الجناية وإلا دفع منه بقدره وإن كانت الجناية بإذن السيد أو أمره فداه بأرشها كله وإن جنى عمدا فعفا ولي على رقبته لم يملكه بغير رضى سيده وإن جنى على عدد زاحم كل بحصته وشراء ولي قود له عفو عنه.
ـــــــ
1 أي قيمته رقبته إذا بيع حيا.

(1/426)


باب ديات الأعضاء ومنافعها
مدخل
...
2- باب ديات الأعضاء ومنافعها
أي منافع الأعضاء "من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف ولو من أخشم أو مع عوجه"، " واللسان والذكر" ولو من صغير ففيه دية تلك النفس التي قطع منها على التفصيل السابق لحديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي الذكر دية وفي أنف إذا وعب جدعا الدية وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي واللفظ له، "وما فيه" أي في الإنسان " منه شيئان كالعينين"

(1/426)


ولو مع حول أو عمش "و" كـ " الأذنين" ولو لأصم و كـ " الشفتين و" كـ " اللحيين" وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان "وكثديي المرأة وكناروتي الرجل" بالثاء المثلثة فإن ضممتها همزت وإن فتحتها لم تهمز وهما للرجل بمنزلة الثديين للمرأة " و" كـ " اليدين والرجلين والأليتين والانثيين وإسكتي المرأة" بكسر الهمزة وفتحها وهما شفراها "ففيهما الدية وفي إحداهما نصفها" أي نصف الدية لتلك النفس "وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز بينهما ثلثها" لأن المارن يشمل ثلاثة أشياء: منخزين وحاجزا فوجب توزيع الدية على عددها "وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل جفن ربعها" أي ربع الدية "وفي أصابع اليدين" إذا قطعت "الدية كأصابع الرجلين" ففيها دية إذا قطعت "وفي كل أصبع" من أصابع اليدين أو الرجلين "عشر الدية" لحديث ابن عباس مرفوعا: "دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع" 1 رواه الترمذي وصححه وفي كل أنملة من أصابع اليدين أو الرجلين " ثلث عشر الدية" لأن في كل أصبع ثلاث مفاصل "والإبهام" فيه "مفصلان وفي كل مفصل منهما نصف عشر الدية كدية السن" يعني أن في كل سن أو ناب أو ضرس ولو من صغير ولم يعده خمسا من الإبل لخبر عمرو بن حزم مرفوعا: "في السن خمس من الإبل" رواه النسائي.
ـــــــ
1 إذا أصابع اليدين عشر ففي واحدها عشر الدية وأصابع الرجلين عشرة ففي واحدها عشر الدية ولو قطعت جميع أصابع اليدين لوجبت فيه الدية كاملة فإن قطعت أصابع اليدين والرجلين معا كانت فيهما ديتان.

(1/427)


فصل في دية المنافع
"و" تجب "في كل حاسة دية كاملة وهي" أي الحواس "السمع والبصر والشم والذوق" لحديث: "وفي السمع الدية" ولقضاء عمر رضي الله عنه: في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل حي وكذا تجب الدية كاملة "في الكلام و" في "العقل و" في "منفعة المشي و" في منفعة "الأكل و" في منفعة " النكاح و" في "عدم استمساك البول أو" الغائط لأن كل واحدة من هذه منفعة كبيرة ليس في البدن مثلها كالسمع والبصر وفي ذهاب بعض ذلك إذا علم بقدره ففي بعض الكلام بحسابه ويقسم على ثمانية وعشرين حرفا وان لم يعلم قدر الذاهب فحكومة2.
"و" يجب " في كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي" أي الشعور الأربعة: " شعر
ـــــــ
1 إذا أصابع اليدين عشر ففي واحدها عشر الدية وأصابع الرجلين عشرة ففي واحدها عشر الدية ولو قطعت جميع أصابع اليدين لوجبت فيه الدية كاملة فإن قطعت أصابع اليدين والرجلين معا كانت فيهما ديتان.
2 أي حكم تقديري لنسبة الذاهب والباقي.

(1/427)


الرأس و" شعر "اللحية و" شعر "الحاجبين وأهداب العينين" روي عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: وفي الشعر الدية ولأنه أذهب الجمال على الكمال وفي حاجب نصف الدية وفي هدب1 ربعها وفي شارب حكومة "فإن عاد" الذاهب من تلك الشعور "فنبت سقط موجبه" فإن كان أخذ شيئا رده2 وإن ترك من لحية أو غيرها ما لا جمال فيه فديته كاملة "و" تجب " في عين الأعور الدية كاملة" قضى به عمر وعثمان وعلي وابن عمر ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ولأن قلع عين الأعور يتضمن إذهاب البصر كله لأنه يحصل بعين الأعور ما يحصل بالعينين وإن قلع صحيح عين أعور أقيد بشرطه وعليه معه نصف الدية " وإن قلع الأعور عين الصحيح" العينين " المماثلة لعينه الصحيحة عمدا فعليه دية كاملة" ولا قصاص روي عن عمر وعثمان ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة ولأن القصاص يفضي إلى استيفاء جميع البصر من الأعور وهو إنما أذهب بصر عين واحدة إن كان قلعها خطأ فنصف الدية و يجب "في قطع يد الأقطع" أو رجله ولو عمدا "نصف الدية كغيره" أي كغير الأقطع وكبقية الأعضاء ولو قطع يد صحيح أقيد بشرطه.
ـــــــ
1 لأن الأهداب أربعة.
2 ويكون ما استفاده مما أخذه إرشا للفترة التي قضاها بدونه.

(1/428)


3- باب الشجاج وكسر العظام
الشج: القطع ومنه شججت المفازة أي قطعتها "الشجة: الجرح في الرأس والوجه خاصة" سميت بذلك لأنها تقطع الجلدة فإن كان في غيرهما سمي جرحا لا شجة وهي أي الشجة باعتبار تسميتها المنقولة عن العرب "عشر" مرتبة أولها: "الحارصة بالحاء والصاد المهملتين "التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولا تدميه" أي لا يسيل منه دم والحرص: الشق يقال: حرص القصار الثوب: إذا شقه قليلا وتسمى أيضا القاشرة والقشرة " ثم" يليها "البازلة الدامية الدامعة" بالعين المهملة لقلة سيلان الدم منها تشبيها بخروج الدمع من العين "وهي التي يسيل منها الدم ثم" يليها "الباضعة وهي التي تبضع اللحم" أي تشقه بعد الجلد ومنه سمي البضع "ثم" يليها "المتلاحمة وهي الغائصة في اللحم" ولذلك اشتقت منه " ثم" يليها "السمحاق وهي التي ما بينها وبين العظم قشرة رقيقة" تسمى السمحاق سميت الجراحة الواصلة إليها بها لأن هذه الجراحة تأخذ في اللحم كله حتى تصل إلى هذه القشرة " فهذه

(1/428)


الخمس لا مقدر فيها بل" فيها "حكومة" لأنه لا توقيف فيها في الشرع فكانت كجراحة بقية البدن "وفي الموضحة وهي ما توضح اللحم" هكذا في خطه والصواب العظم وتبرزه عطف تفسير على توضحه ولو أبرزنه بقدر إبرة لمن ينظره "خمسة أبعرة" لحديث عمرو ابن حزم: "وفي الموضحة خمس من الإبل" فإن عمت رأسا ونزلت إلى وجه فموضحتان "ثم" يليها "الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه" أي تكسره "وفيها عشرة أبعرة" روي عن زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف في عصره من الصحابة "ثم" يليها "المنقلة وهي ما توضح العظم وتهشمه وتنقل عظامها وفيها خمس عشرة من الإبل" لحديث عمرو بن حزم "وفي كل واحدة من المأمومة" وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى الآمة وأم الدماغ "والدامغة" بالغين المعجمة وهي التي تخرق الجلد "ثلث الدي"ة لحديث عمرو بن حزم في المأمومة ثلث الدية والدامغة أبلغ.
وإن هشمه بمثقل ولم يوضحه أو طعنه في خده فوصل إلى فمه فحكومة كما لو أدخل غير زوج أصبعه في فرج بكر "وفي الجائفة ثلث الدية" لما في كتاب عمرو بن حزم: في الجائفة ثلث الدية "وهي" أي الجائفة "التي تصل إلى باطن الجوف" كبطن ولو لم تخرق أمعاء وظهر وصدر ومثانة وبين خصيتين ودبر وان أدخل السهم من جانب فخرج من آخر فجائفتان رواه سعيد بن المسيب عن أبي بكر ومن وطىء زوجة لا يوطأ مثلها فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ما بين السبيلين فعليه الدية إن لم يستمسك بول وإلا فثلثها وإن كانت ممن يوطأ مثلها لمثله فهدر.
"و" يجب "في الضلع" إذا جبر كما كان بعير و يجب في "كل واحدة من الترقوتين بعير" لما روى سعيد عن عمر رضي الله عنه: في الضلع جمل وفي الترقوة جمل والترقوة: العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف ولكل إنسان ترقوتان وإن انجبر الضلع أو الترقوة غير مستقيمين فحكومة و يجب في كسر الذراع : وهو الساعد الجامع لعظمي الزند والعضد "و" في "الفخذ و" في الساق والزند "إذا جبر ذلك مستقيما بعيران" لما روى سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر أن فيه بعيرين وإذا كسر الزندان ففيهما أربعة من الإبل ولم يظهر له مخالف من الصحابة
"وما عدا ذلك" المذكور "من الجراح وكسر العظام" كخرزة صلب وعصعص وعانة "ففيه حكومة والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي" أي الجناية "به قد برئت فما نقص من القيمة فله" أي للمجني عليه مثل نسبته من

(1/429)


الدية كأن" أي لو قدرنا أن " قيمته" أي قيمة المجني عليه لو كان "عبدا سليما" من الجناية " ستون وقيمته بالجناية خمسون ففيه" أي في جرحه "سدس ديته" لنقصه بالجناية سدس قيمته "إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدر" من الشرع "فلا يبلغ بها" أي الحكومة المقدر كشجة دون الموضحة لا تبالغ حكومتها أرش الموضحة وإن لم تنقصه الجناية حال برء قوم حال جريان دم فإن لم تنقصه أيضا أو زادته حسنا فلا شيء فيها.

(1/430)


باب العاقلة وما تحمله
باب العاقلة وما تحمله
...
4- باب العاقلة وما تحمله
العاقلة "عاقلة الإنسان" ذكور "عصابته1 كلهم من النسب والولاء قريبتهم" كالإخوة "وبعيدهم" كابن ابن ابن عم جد الجاني "حاضرهم وغائبهم حتى عمودي نسبه" وهم آباء الجاني وإن علوا وأبناؤه وإن نزلوا سواء كان الجاني رجلا أو امرأة لحديث أبي هريرة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها متفق عليه يقال: عقلت عن فلان: إذا غرمت عنه دية جنايته ولو عرف نسبه من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ويعقل هرم وزمن وأعمى أغنياء. "ولا عقل على رقيق" لأنه لا يملك ولو ملك فملكه ضعيف "و" لا على "غير مكلف" كصغير ومجنون لأنهما ليسا من أهل النصرة "و" لا على "فقير" لا يملك نصاب زكاة عند حلول الحول فاضلا عنه كحج وكفارة ظهار ولو معتملا لأنه ليس من أهل المواساة "ولا أنثى ولا مخالف لدين الجاني" لفوات المعاضدة والمناصرة و يتعاقل أهل ذمة اتحدت مللهم وخطأ إمام وحاكم في حكمهما في بيت المال ومن لا عاقلة له أو له وعجزت فإن كان كافرا فالواجب عليه وإن كان مسلما فمن بيت المال حالا إن أمكن وإلا سقط "ولا تحمل العاقلة عمدا محضا" ولو لم يجب به قصاص كجائفة ومأمومة لأن العامد غير معذور فلا يستحق المواساة وخرج بالمحض شبه العمد فتحمله "ولا" تحمل العاقلة أيضا "عبدا" أي قيمة عبد قتله الجاني أو قطع طرفه ولا تحمل أيضا جنايته "ولا" تحمل أيضا "صلحا" عن إنكار "ولا اعترافا لم تصدقه به" بأن يقر على نفسه بجناية وتنكر العاقلة روى ابن عباس مرفوعا: "لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا" وروي عنه موقوفا "ولا" تحمل العاقلة أيضا "ما دون ثلث الدية
ـــــــ
1 عصابته: عصبته.

(1/430)


التامة" أي دية ذكر حر مسلم لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة إلا غرة جنين مات بعد أمه أو معها بجناية واحدة لا قبلها ويؤجل ما وجب بشبه العمد والخطأ على ثلاث سنين ويجتهد الحاكم في تحميل كل منهم ما يسهل عليه ويبدأ بالأقرب فالأقرب لكن تؤخذ من بعيد لغيبة قريب.

(1/431)


فصل في كفارة القتل
"من قتل نفسا محرمة" ولو نفسه أو قنة أو مستأمنا أو جنينا أو شارك في قتلها "خطأ" أو شبه عمد "مباشرة أو تسببا" كحفره بئرا "فعليه" أي على القاتل ولو كافرا أو قنا أو صغيرا أو مجنونا "الكفارة" عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولا إطعام فيها وان كانت النفس مباحة كباغ والقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن نفسه فلا كفارة ويكفر قن بصوم ومن مال غير مكلف وليه وتتعدد بتعدد قتل.

(1/431)


5- باب القسامة
"وهي" لغة: اسم القسم أقيم مقام المصدر من قولهم: أقسم إقساما وقسامة وشرعا: "أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم" روى أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية ولا تكون في دعوى قطع طرف ولا جرح.
و "من شروطها" أي القسامة "اللوث وهو العداوة الظاهرة كالقبائل التي يطلب بعضها بعضا بالثأر" وكما بين البغاة وأهل العدل وسواء وجد مع اللوث أثر قتل أو لا "فمن ادعي عليه القتل من غير لوث حلف يمينا واحدة وبرئ" حيث لا بينة للمدعي كسائر الدعاوى فإن نكل قضي عليه بالنكول إن لم تكن الدعوى بقتل عمد فإن كانت به لم يحلف وخلي سبيله ومن شرط القسامة أيضا تكليف مدعى عليه القتل وإمكان القتل منه ووصف القتل في الدعوى وطلب جميع الورثة واتفاقهم على الدعوى وعلى عين القاتل وكون فيهم ذكور مكلفون وكون الدعوى على واحد معين ويقاد فيها إذا تمت الشروط.
"و يبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم فيحلفون خمسين يمينا" وتوزع بينهم بقدر إرثهم

(1/431)