الروض
المربع شرح زاد المستقنع ط دار الفكر
كتاب الأطعمة
مدخل
...
24- كتاب الأطعمة
جمع طعام وهو ما يؤكل ويشرب "والأصل فيها
الحل" لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 "فيباح
كل" طعام "طاهر" بخلاف متنجس ونجس "لا مضرة
فيه" احترازا عن السم ونحوه حتى المسك ونحوه
"من حب وثمر وغيرهما" من الطاهرات "ولا يحل
نجس كالميتة والدم" لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} 2 الآية
"ولا" يحل " ما فيه مضرة كالسم ونحوه" لقوله
تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ} 3 "وحيوانات البر مباحة إلا
الحمر الأهلية" لحديث جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية
وأذن في لحوم الخيل متفق عليه. "و" إلا "ما له
ناب يفترس به" أي ينهش بنابه لقول أبي ثعلبة
الخشني: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
كل ذي ناب من السباع متفق عليه "غير الضبع"
لحديث جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأكل الضبع احتج به أحمد والذي له ناب
"كالأسد والنمر والذئب والفيل والفهد والكلب
والخنزير وابن آوى وابن عرس والسنور" مطلقا
"والنمس والقرد والدب" والفنك والثعلب
والسنجاب و السمور "و" إلا "ما له مخلب من
الطير يصيد به كالعقاب والبازى والصقر
والشاهين والباشق والحدأة" بكسر الحاء وفتح
الدال والهمزة والبومة لقول ابن عباس: نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من
السباع وعن كل ذي مخلب من الطير رواه أبو داود
"و" إلا " ما يأكل الجيف" من الطير "كالنسر
والرخم واللقلق والعقعق" وهو القاق "والغراب
الأبقع والخطاف وهو" طائر "أسود صغير أغبر
والغراب الأسود الكبير و" إلا "ما يستخبثه"
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "29".
2 سورة المائدة من الآية "3".
3 سورة البقرة من الآية "195".
(1/447)
العرب ذوو
اليسار كالقنفذ والنيص والفأرة والحية
والحشرات كلها والوطواط "و" إلا " ما تولد من
مأكول وغيره كالبغل" من الخيل والحمر الأهلية
"والسمع" وهو ابن الذئب والضبع وما تجهله
العرب ولم يذكر في الشرع يرد إلى أقرب الأشياء
شبها به ولو أشبه مباحا ومحرما غلب التحريم
ودود جبن وخل ونحوهما يؤكل تبعا.
فصل
"وما عدا ذلك" الذي ذكرنا أنه حرام "فحلال"
على الأصل "كالخيل" لما سبق من حديث جابر "
وبهيمة الأنعام" وهي الإبل والبقر والغنم
لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ
الْأَنْعَامِ} 1 "والدجاج والوحشي من الحمر و"
من "البقر" كالأيل والتيتل والوعل والمها و كـ
"والضب الظباء والنعامة والأرنب وسائر الوحش"
كالزرافة والوبر واليربوع وكذا الطاووس
والببغاء والزاغ وغراب الزرع لأن ذلك مستطاب
فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ} 2.
"ويياح حيوان البحر كله" لقوله تعالى:
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} 3 " إلا
الضفدع" 4 لأنها مستخبثة "و" إلا "التمساح"
لأنه ذو ناب يفترس به و إلا الحية لأنها من
المستخبثات وتحرم الجلالة5 التي أكثر علفها
النجاسة ولبنها وبيضها نجس حتى تحبس ثلاثا
وتطعم الطاهر فقط ويكره أكل تراب وفحم وطين
وغدة وأذن وقلب وبصل وثوم ونحوهما ما لم ينضج
بطبخ لا لحم منتن أو نيئ.
"ومن اضطر إلى محرم" بأن خاف التلف إن لم
يأكله "غير السم حل" له إن لم يكن في سفر
محرم6 "منه ما يسد رمقه" 7 أي يمسك قوته
ويحفظها لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "1".
2 سورة الأعراف من الآية "157".
3 سورة المائدة من الآية "96".
4 الضفدع من الحيوانات البرمائية وتعيش في
المستنقعات والبرك وعلى ضفاف الأنهار.
5 الجلالة: الحيوانات التي تأكل الجلة أي
الروث وهو نجس.
6 السفر المحرم: السفر الذي في معصية كمن
يسافر في رمضان بقصد رخصة الفطر وقصر الصلاة
أو المسافر بغير سبب إلى أرض العدو وما شابه
من حالات.
7 أي لا يأكل منه شبعا ولا يحمل ولا يتزود إلا
إن خاف.
(1/448)
غَيْرَ بَاغٍ
وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} 1 وله
التزود إن خاف ويجب تقديم السؤال على أكله
ويتحرى في مذكاة اشتبهت بميتة فإن لم يجد إلا
طعام غيره فإن كان ربه2 مضطرا أو خائفا أن
يضطر فهو أحق به وليس له إيثاره وإلا لزمه بذل
ما يسد رمقه فقط بقيمته فإن أبى رب الطعام
أخذه المضطر منه بالأسهل فالأسهل ويعطيه عوضه.
"ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه"
كثياب "لدفع برد أو" حبل ودلو "لاستقاء ماء
ونحوه وجب بذله له" أي لمن اضطر إليه مجانا مع
عدم حاجته إليه لأن الله تعالى ذم على منعه
بقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 3 وإن لم
يجد المضطر إلا آدميا معصوما فليس له أكله ولا
أكل عضو من أعضاء نفسه.
"ومن مر بثمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا
حائط عليه" أي على البستان "ولا ناظر" أي حافظ
له "فله الأكل منه" مجانا من غير حمل ولو بلا
حاجة روي عن عمر وابن عباس وأنس بن مالك
وغيرهم وليس له صعود شجرة ولا رميه بشيء ولا
الأكل من مجني مجموع إلا لضرورة وكذا زرع قائم
وشرب لبن ماشية.
"ويجب" على المسلم " ضيافة المسلم المجتاز به
في القرى" دون الأمصار4 "يوما وليلة" قدر
كفايته مع أدم لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه
جائزته" قالوا: وما جائزته يا رسول الله ؟
قال: "يومه وليلته" متفق عليه ويجب إنزاله
ببيته مع عدم مسجد ونحوه فإن أبى من نزل به
الضيف فللضيف طلبه به عند حاكم فإن أبى فله
الأخذ من ماله بقدره.
ـــــــ
1 سورة البقرة من الآية "173".
2 ربه: أي رب الطعام وهو صاحبه.
3 سورة الماعون من الآية "7".
4 الأمصار ج مصر وهو المدينة الكبيرة.
(1/449)
1-
باب الذكاة
يقال: ذكى الشاة ونحوها تذكية أي ذبحها فهي
ذبح أو نحر الحيوان المأكول البري بقطع حلقومه
ومريئه أو عقر ممتنع.
"ولا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير
ذكاة" لأن غير المذكى ميتة وقال تعالى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 "إلا
الجراد والسمك وكل ما لا
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "3".
(1/449)
يعيش إلا في
الماء فيحل بدون ذكاة لحل ميتته لحديث ابن عمر
يرفعه: "أحل لنا ميتتان و دمان فأما الميتتان:
الحوت والجراد وأما الدمان: فالكبد والطحال"
رواه أحمد وغيره وما يعيش في البر والبحر
كالسلحفاة وكلب الماء لا يحل إلا بالذكاة وحرم
بلع سمك حيا وكره شيه حيا لا جراد لأنه لا دم
له.
ويشترط للذكاة أربعة شروط :
أحدها - " أهلية المذكي بأن يكون عاقلا" فلا
يباح ما ذكاه مجنون أو سكران أو طفل لم يميز
لأنه لا يصح منه قصد التذكية مسلما كان أو
كتابيا أبواه كتابيان لقوله تعالى: {وَطَعَامُ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 1
قال البخاري: قال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم
"ولو" كان المذكي مميزا أو " مراهقا أو امرأة
أو أقلف" لم يختتن ولو بلا عذر "أو أعمى" أو
حائضا أو جنبا "ولا تباح ذكاة سكران ومجنون"
لما تقدم و لا ذكاة " وثني ومجوسي ومرتد"
لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} .
الشرط "الثاني - الآلة فتباح الذكاة بكل محدد"
ينهر2 الدم بحده "ولو" كان "مغصوبا من حديد
وحجر وقصب وغيره" كخشب له حد وذهب وفضة وعظم
"إلا السن والظفر" لقوله صلى الله عليه وسلم :
"ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر" متفق
عليه.
الشرط "الثالث - قطع الحلقوم" وهو مجرى النفس
"و" قطع "المرئ" بالمد وهو مجرى الطعام
والشراب ولا يشترط إبانتهما3 ولا قطع الودجين
ولا يضر رفع يد الذابح إن أتم الذكاة على
الفور والسنة نحر إبل بطعن بمحدد في لبتها
وذبح غيرها "فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم
المذبوح و ذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم
المتوحشة و" النعم "الواقعة في بئر ونحوها
بجرحه في أي موضع كان من بدنه" روي عن علي
وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي
الله عنهم "إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه"
مما يقتله لو انفرد "فلا يباح" أكله لحصول
قتله بمبيح وحاظر فغلب جانب الحظر وما ذبح من
قفاه ولو عمدا إن أتت الآلة على محل ذبحه وفيه
حياة مستقرة حل وإلا فلا ولو أبان رأسه حل
مطلقا والنطيحة ونحوها إن ذكاها وحياتها تمكن
زيادتها على حركة مذبوح حلت والاحتياط مع تحرك
ولو بيد أو رجل وما قطع حلقومه أو أبينت حشوته
فوجود حياته كعدمها.
ـــــــ
1 سورة المائدة من الآية "5".
2 ينهر الدم: يسيله غزيرا.
3 أي يفصلهما عن جسم الذبيحة فصلا كاملا.
(1/450)
والشرط "الرابع
- أن يقول" الذابح "عند" حركة يده "بالذبح:
بسم الله" لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا
مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} 1 "لا يجزئه غيرها"
كقوله: باسم الخالق ونحوه لأن إطلاق التسمية
ينصرف إلى بسم الله وتجزئ بغير عربية ولو
أحسنها " فإن تركها" أي التسمية "سهوا أبيحت"
الذبيحة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ذبيحة
المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد" رواه
سعيد لا إن ترك التسمية "عمدا" ولو جهلا فلا
تحل الذبيحة لما تقدم ومن بدا له ذبح غير ما
سمى عليه أعاد التسمية ويسن مع التسمية
التكبير لا الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم ومن ذكر مع اسم الله اسم غيره حرم ولم
يحل المذبوح.
"ويكره أن يذبح بآلة كالة" لحديث: "إن الله
كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا
القتلة وإذا ذبحتم فأحسوا الذبحة وليحد أحدكم
شفرته وليرح ذبيحته" رواه الشافعي وغيره "و"
يكره أيضا "أن يحدها والحيوان يبصره" لقول ابن
عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن
تحد الشفار وأن توارى عن البهائم رواه أحمد
وغيره. و يكره أيضا "أن يوجهه" أي الحيوان
"إلى غير القبلة" لأن السنة توجيهه إلى القبلة
على شقه الأيسر والرفق به والحمل على الآلة
بقوة و يكره أيضا "أن يكسر عنقه" أي عنق ما
ذبح "أو يسلخه قبل أن يبرد" أي قبل زهوق نفسه
لحديث أبي هريرة بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح
في فجاج منى بكلمات منها: "لا تعجلوا الأنفس
قبل أن تزهق"2 رواه الدارقطني وإن ذبح كتابي
ما يحرم عليه حل لنا إن ذكر اسم الله عليه.
وذكاة جنين مباح بذكاة أمه إن خرج ميتا أو
متحركا كمذبوح
ـــــــ
1 سورة الأنعام الآية "121".
2 أي لا يصح البدْ بسلخ الحيوان مادام فيه رمق
وكذ لا يصح البدء بنتف الطير ما دام فيه بقية
من حياة ولا يصح البدء بتنظيف السمك وحيوان
البحر ما دام ينتفض ومعرفة ذهاب الروح من
الحيوان الذبيح هو خمود حركته خمودا كاملا فلا
ينتفض منه عضو.
(1/451)
2-
باب الصيد
وهو اقتناص حيوان حلال متوحش طبعا غير مقدور
عليه ويطلق على المصيد "ولا يحل الصيد المقتول
في الاصطياد إلا بأربعة شروط" :
(1/451)
"أحدها - أن
يكون الصائد من أهل الذكاة" فلا يحل صيد مجوسي
أو وثني ونحوه وكذا ما شارك فيه.
الشرط الثاني "الآلة وهي نوعان" :
أحدهما "محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح
و" يشترط فيه أيضا " أن يجرح" الصيد " فإن
قتله بثقله لم يبح" لمفهوم قوله صلى الله عليه
وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل"
"وما ليس بمحدد كالبندق والعصى والشبكة والفخ
لا يحل ما قتل به" ولو مع قطع حلقوم ومرئ لما
تقدم وإن أدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه حل وإن
رمى صيدا بالهواء أو على شجرة فسقط فمات حل
وإن وقع في ماء ونحوه لم يحل1.
"والنوع الثاني: الجارحة فيباح ما قتلته"
الجارحة "إن كانت معلمة" سواء كانت مما يصيد
بمخلبه من الطير أو بنابه من الفهود والكلاب
لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ
الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ
مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} 2 إلا الكلب
الأسود البهيم فيحرم صيده واقتناؤه ويباح قتله
وتعليم نحو كلب وفهد أن يسترسل3 إذا أرسل
وينزجر إذا زجر وإذا أمسك لم يأكل وتعليم نحو
صقر أن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي لا
بتركه أكله.
الشرط " الثالث - إرسال الآلة قاصدا" للصيد
"فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح" ما
صاده "إلا أن يزجره فيزيد في عدوه في طلبه
فيحل" الصيد لأن زجره أثر في عدوه فصار كما لو
أرسله ومن رمى صيدا فأصاب غيره حل.
الشرط "الرابع - التسمية عند إرسال السهم أو"
إرسال "الجارحة فإن تركها" أي التسمية " عمدا
أو سهوا لم يبح" الصيد لمفهوم قوله صلى الله
عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم
الله عليه فكل" متفق عليه.
ولا يضر إن تقدمت التسمية بيسير وكذا إن تأخرت
بكثير في جارح إذا زجره فانزجر ولو سمى على
صيد فأصاب غيره حل لا على سهم ألقاه ورمى
بغيره بخلاف ما لو سمى على سكين ثم ألقاه وذبح
بغيرها "ويسن أن يقول معها" أي مع بسم الله
"الله أكبر كما في الذكاة" لأنه صلى الله عليه
وسلم كان إذا ذبح يقول: "بسم الله والله أكبر"
وكان ابن عمر يقوله ويكره الصيد لهوا: وهو
أفضل مأكول والزراعة أفضل مكتسب.
ـــــــ
1 لأنه يختنق في الماء فيكون حاله حال
المنخنقة ولا يحل أكله.
2 سورة المائدة من الآية "4".
3 يسترسل أي إذا أرسل خلف طير أو حيوان ذهب
والتقطه ثم عاد به.
(1/452)
|