الشرح الكبير على متن المقنع

 (باب نواقض الوضوء) (وهي ثمانية الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيرا نادرا أو معتادا) وجملة ذلك أن الخارج من السبيلين على ضربين معتاد كالبول والغائظ والمذي والودي والريح فهذا ينقض الوضوء إجماعا حكاه ابن المنذر، ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة
(الضرب الثاني) نادر كالدم والدود والحصى والشعر فينقض الوضوء أيضاً، وهو قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال قتادة ومالك ليس في الدود يخرج من الدبر الوضوء، وروي عن مالك أنه لم يوجب الوضوء من هذا الضرب لأنه نادر أشبه الخارج من غير السبيل

(1/173)


ولنا أنه خارج من السبيل أشبه المذي ولأنه لا يخلو من بلة تتعلق به وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها غير معتاد (فصل) فإن خرجت الريح من قبل المرأة وذكر الرجل فقال القاضي ينقض الوضوء ونقل صالح عن أبيه في المرأة يخرج من فرجها الريح: ما خرج من السبيلين ففيه الوضوء.
وقال ابن عقيل يحتمل أن يكون الأشبه بمذهبنا في الريح الخارج من الذكر أن لا ينقض لأن المثانة ليس لها منفذ إلى الجوف ولا جعلها أصحابنا جوفا ولم يبطلوا الصوم بالحقنة فيه، قال شيخنا ولا نعلم لها وجودا في حق أحد.
وقد قيل إنه يعلم بأن يحس الإنسان في ذكره دبيبا وهذا لا يصح لكونه لا يحصل به اليقين والطهارة لا تبطل بالشك.
فان وجد ذلك يقينا نقض الطهارة قياساً على سائر الخارج من السبيلين (فصل) فإن قطر في إحليله دهناً ثم عاد فخرج نقض الوضوء لأنه خارج من السبيلين لا يخلو من بلة نجسة تصحبه فينتقض بها الوضوء كما لو خرجت منفردة.
وقال القاضي لا ينقض لأنه ليس بين الإحليل والمثانة منفذ وإنما يخرج البول رشحا فإذا كان كذلك لم يصل الدهن إلى موضع نجس فإذا خرج فهو طاهر فلم ينقض كسائر الطاهرات إذا خرجت من البدن والأول أولى.
وقوله لا يصل الدهن إلى موضع نجس ممنوع فإن باطن الذكر نجس من آثار البول والماء لا يصل إليه فيطهره فيتنجس به الدهن، ولو احتشى قطنا في ذكره ثم أخرجه وعليه بلل نقض الوضوء أيضا كما لو خرج البلل منفردا

(1/174)


وإن خرج ناشفا ففيه وجهان (أحدهما) ينقض لأنه خارج من السبيل أشبه سائر الخارج (والثاني) لا ينقض لأنه ليس بين المثانة والجوف منفذ ولم تصحبه نجاسة فلم ينقض كسائر الطاهرات، ونقل القاضي في المجرد عن أحمد في رواية عبد الله إذا احتشى القطن في ذكره وصلى ثم أخرجه ووجد بللا فلا بأس ما لم يظهر
يعني جاريا وهذا يدل على أن نفس البلل لا ينقض، ولو احتقن في دبره فرجعت أجزاء خرجت من الفرج نقضت الوضوء، وهكذا لو وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه فدخل الفرج ثم خرج نقض الوضوء وعليهما الاستنجاء لأنه خارج من السبيل لا يخلو من بلة تصحبه من الفرج، فإن لم يعلم خروج شئ منه احتمل وجهين (أحدهما) النقض فيهما لأن الغالب أنه لا ينفك عن الخروج فنقض كالنوم (والثاني) لا ينقض عملا بالأصل.
لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض الوضوء وكذلك إن أدخل فيه ميلا أو غيره ثم خرج لأنه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج (فصل) قال أبو الحرث سألت أحمد عن رجل به علة ربما ظهرت مقعدته قال إن علم أنه يظهر معها ندى توضأ وإن لم يعلم فلا شئ عليه.
قال شيخنا رحمه الله يحتمل أنه إنما أراد ندي ينفصل عنها فأما الرطوبة اللازمة لها فلا تنقض لأنها لا تنفك عن رطوبة فلو نقضت لنقض خروجها على كل حال وذلك لانه شئ لم ينفصل عنها فلم ينقض كسائر أجزائها وقد قالوا فيمن أخرج لسانه وهو صائم وعليه بلل ثم أدخله وابتلع ذلك البلل لم يفطر لأنه لم يثبت له حكم الانفصال والله أعلم

(1/175)


(فصل) والمذي ما يخرج عقيب الشهوة زلجا متسبسبا فيكون على رأس الذكر ينقض الوضوء إجماعا وهل يجب غسل الذكر والأنثيين منه؟ فيه روايتان (إحداهما) يوجب ذلك لما روى أن علياً رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال " يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ " رواه أبو داود.
وفي لفظ " توضأ وانضح فرجك " رواه مسلم.
والأمر للوجوب ولأنه خارج بسبب الشهوة فأوجب غسلا زائدا على موجب البول كالمني فعلى هذا يجزئه غسلة واحدة لأن المأمور به غسل مطلق فيكفي ما يقع عليه الاسم وقد بينه قوله في اللفظ الآخر " وانضح فرجك " وسواء غسله قبل الوضوء أو بعده لأنه غسل غير مرتبط بالوضوء أشبه غسل النجاسة (والثانية) لا يوجب الا الاستنجاء والوضوء روى ذلك عن ابن عباس وهو قول أكثر أهل العلم لما روى سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنما يجزيك من ذلك الوضوء " رواه الترمذي وقال حسن صحيح
ولأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه الودي والأمر بالنضح والغسل في حديث علي محمول على الاستحباب وقوله " إنما يجزيك من ذلك الوضوء " صريح في حصول الإجزاء به، والودي ماء أبيض يخرج عقيب البول ليس فيه وفي بقية الخارج إلا الوضوء سوى المني يروي ذلك عن ابن عباس والله أعلم

(1/176)


(مسألة) (الثاني خروج النجاسات من سائر البدن فإن كانت غائطا أو بولا نقض قليلها) لا يختلف المذهب في نقض الوضوء بخروج الغائط والبول سواء كان من مخرجهما أو من غيره ويستوي قليلهما وكثيرهما في ذلك سواء كان السبيلان منسدين أو مفتوحين من فوق المعدة أو من تحتها، وقال أصحاب الشافعي إن انسد المخرج وانفتح آخر دون المعدة لزم الوضوء بالخارج منه قولاً واحداً.
وإن انفتح فوق المعدة ففيه قولان.
وإن كان المخرج مفتوحا فالمشهور أنه لا ينقض الوضوء بالخارج من غيره وبناه على أصله في أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض ولنا عموم قوله تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) وقول صفوان بن عسال أمرننا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين - أو سفرا - أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم.
هذا حديث صحيح قاله الترمذي ولأنه غائط وبول خارج من البدن فنقض كالخارج من السبيلين (مسألة) قال (وإن كان غيرهما لم ينقض إلا كثيرها وهو ما فحش في النفس وحكي عنه ان قليلها ينقض) وجملة ذلك أن الخارج النجس من غير السبيلين غير البول والغائط ينقض كثيره بغير خلاف في المذهب روى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وقتادة والثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك والشافعي ويحيى الانصاري وأبو ثور وابن المنذر لا وضوء فيه لأنه خارج من غير المخرج مع بقاء المخرج فلم ينقض كالبصاق ولانه لانص فيه ولا يصح قياسه على الخارج من السبيل لكون الحكم فيه غير معلل ولأن الخارج من السبيل لا فرق بين قليله وكثيره.
وطاهره ونجسه.
وههنا بخلافه فامتنع القياس

(1/177)


ولنا ماروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ قال ثوبان صدق أنا سكبت له وضوءه رواه الترمذي وقال هذا أصح شئ في الباب، قيل لاحمد حديث ثوبان ثبت عندك؟ قال نعم، ولأن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة " إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة " رواه الترمذي علل بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم، ولأنه خارج نجس فنقض كالخارج من السبيلين.
وقياسهم منقوض بما إذا انفتح مخرج دون المعدة.
والبصاق طاهر بخلاف هذا (فصل) فأما القليل فظاهر المذهب أنه لا ينقض الوضوء حكاه القاضي رواية واحدة، وقال بعض أصحابنا فيه رواية أخرى أن القليل ينقض قياسا على الخارج المعتاد.
روى ذلك عن مجاهد وهذا قول أبي حنيفة وسعيد بن جبير فيما إذا سال الدم، قال إن وقف على رأس الجرح لم يجب لقوله صلى الله عليه وسلم " من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ " ووجه الرواية الأولى أنه قد روي ذلك عن جماعة من الصحابة قال أبو عبد الله: عدة من الصحابة تكلموا فيه: أبو هريرة كان يدخل أصابعه في أنفه وابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملا، وابن عباس قال إذا كان فاحشا فعليه الإعادة، وجابر أدخل أصابعه في أنفه ولم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم فكان إجماعا وحديثهم لا نعرف صحته ولم يذكره أصحاب السنن وقد تركوا العمل به فقالوا: إذا كان دون ملء الفم لم يجب منه الوضوء (فصل) وظاهر المذهب أن الكثير الذي.
ينقض الوضوء لاحد له إلا أن يكون فاحشا قيل يا أبا عبد الله ما قدر الفاحش؟ قال ما فحش في قلبك، وروي نحو ذلك عن ابن عباس، قال الخلال الذي استقرت الرواية عن أبي عبد الله أن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " وقال ابن عقيل إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس لا المتبذلين ولا الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة إلى مالا تبيعه نفوس أوساط الناس، وقد روي عن أحمد أنه

(1/178)


سئل عن الكثير فقال شبر في شبر، وفي موضع قال قدر الكف فاحش، وقال في موضع إذا كان مقدار ما يرفعه الإنسان بأصابعه الخمس من القيح والصديد والقئ فلا بأس به، قيل له فعشر أصابع فرآه كثيرا وقال قتادة في موضع: الدرهم فاحش وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم " والصحيح ان ذلك إنما يرجع فيه
إلى العرف فانه لاحد له في الشرع وما رووه فلا يصح قال الحافظ المقدسي هو موضوع، وقال القاضي إذا كان الدم قطرة أو قطرتين لم ينقض، وإن كان قدره إذا انفرش شبراً في شبر نقض وما كان بينهما ففيه روايتان، وقال في القئ إن كان ملء الفم نقض، وإن كان مثل الحمصة والنواة لم ينقض رواية واحدة فيهما وما بينهما على روايتين وما نقله الخلال عنه أولى لما ذكرنا، ولأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره حرج فيكون منفيا (فصل) والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا قال أحمد هما أخف حكماً من الدم لوقوع الخلاف فيهما فإنه روى عن ابن عمر والحسن أنهما لم يريا القيح والصديد كالدم، وقال إسحاق كل ما سوى الدم لا يوجب وضوءا.
وقال مجاهد وعطاء وعروة والشعبي وقتادة والحكم هو بمنزلة الدم، واختيار أبي عبد الله مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل حكمه فيه قياسا عليه لأنه خارج نجس أشبه الدم لكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم، والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش قال الخلال الذي أجمع عليه أصحاب أبي عبد الله أنه إذا كان فاحشا أعاد الوضوء، وقد حكي عنه إذا كان ملء الفم

(1/179)


نقض، وإن كان أقل من نصف الفم لا يتوضأ، وممن كان يأمر بالوضوء من القئ علي وابن عمر وأبو هريرة والاوزاعي وأصحاب الرأي والمذهب إلحاقه بالدم لأنه في معناه.
وهذا قول حماد بن أبي سليمان وكذلك الحكم في الدود الخارج من الجروح لأنه خارج نجس أشبه الدم، فأما الجشاء والبصاق فلا وضوء فيه لا نعلم فيه خلافاً، وكذلك النخامة سواء خرجت من الرأس أو من الصدر لأنه لا نص فيها ولا هي في معنى المنصوص ولأنها طاهرة أشبهت البصاق والله أعلم (مسألة) قال (الثالث زوال العقل إلا النوم اليسير جالسا أو قائما وعنه أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره) زوال العقل على ضربين: نوم وغيره، فأما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسكر ونحوه مما يزيل العقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا، ولأن في إيجاب الوضوء على النائم تنبيها على وجوبه بما هو آكد منه (الضرب الثاني) النوم وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامة أهل العلم إلا ما حكي عن أبي
موسى الأشعري وأبي مجاز أنه لا ينقض وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء ولعلهم ذهبوا إلى أن النوم ليس بحدث في نفسه والحدث مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " العين؟؟ فمن نام فليتوضأ " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن

(1/180)


ماجه وقول صفوان بن عسال لكن من غائط وبول ونوم حديث صحيح ولأن النوم مظنة الحدث فأقيم مقامه كالتقاء الختانين في وجوب الغسل أقيم مقام الإنزال إذا ثبت هذا فالنوم ينقسم ثلاثة أقسام (أحدها) نوم المضطجع فينقض يسيره وكثيره عند جميع القائلين بنقض الوضوء بالنوم (الثاني) نوم القاعد فإن كان كثيرا نقض رواية واحدة وان كان يسيراً لم ينقض وهذا قول مالك والثوري وأصحاب الرأي، وقال قوم متى خالط النوم القلب نقض بكل حال، وهذا قول الحسن واسحاق وابي عبيد، وروي معنى ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وأنس وابن المنذر لعموم الأحاديث الدالة على أن النوم ينقض ولنا ما روى مسلم عن أنس قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن وعنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤن رواه أبو داود ولأن النوم يكثر من منتظري الصلاة فعفي عنه لمشقة التحرز عنه، وقال الشافعي، لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متمكنا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض لحديثي أنس وبهما يتخصص عموم الحديثين الأولين ولأنه متحفظ عن خروج الحدث فلم ينقض كاليسير ولنا عموم الحديثين الأولين خصصناهما بحديث أنس وليس فيه بيان كثرة ولا قلة فحملناه على القليل لأنه اليقين وما زاد عليه محتمل لا يترك له العموم المتيقن ولأن نقض الوضوء بالنوم معلل بإفضائه إلى الحدث ومع الكثرة والغلبة لا يحس بما يخرج منه بخلاف اليسير، وبهذا فارق اليسير الكثير فلا يصح قياسا عليه.
(الثالث) ما عدا ذلك وهو نوم القائم والراكع والسجاد ففيه روايتان (إحداهما ينقض وهو قول
الشافعي لأنه لم يرد فيه نص ولا هو في معنى المنصوص لكون القاعد متحفظا متعمدا بمحل الحدث على الارض فهو أبعد من خروج الخارج بخلاف غيره (والثانية) حكمه حكم الجالس قياساً عليه ولأنه على

(1/181)


حالة من أحوال الصلاة أشبه الجالس، والظاهر عن أحمد رحمه الله التسوية بين نوم القائم والجالس وهذا قول الحكم وسفيان وأصحاب الرأي، لما روى ابن عباس قال بت ليلة عند خالتي ميمونة فقلت لها إذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني فقام صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني في شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني.
رواه مسلم ولأنهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج وربما كان القائم أبعد من الحدث لكونه لو استثقل في النوم سقط فأما الراكع والساجد فالظاهر إلحاقهما بالمضطجع لأنه ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ فهو كالمضطجع، ويحتمل التفرقة بين الراكع والساجد فيلحق الراكع بالقائم لكونه لا يستثقل في النوم إذ لو استثقل سقط، فالظاهر أنه يحس بما يخرج منه بخلاف الساجد فإنه يعتمد بأعضائه على الأرض ويستثقل في النوم فيشبه المضطجع فلا يحس بما يخرج وذكر ابن عقيل رواية عن أحمد أنه لا ينقض إلا نوم الساجد وحده (فصل) واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي فعنه لا ينقض يسيره كالقاعد الذي ليس بمستند، وعنه ينقض بكل حال وهو ظاهر المذهب قال القاضي متى نام مضطجعا أو متسندا أو متكئا إلى شئ متى أزيل عنه سقط نقض الوضوء قليله وكثيره لأنه معتمد على شئ فهو كالمضطجع، وعنه ما يدل على التفرقة بين المحتبي والمستند فإنه قال في رواية أبي داود المتساند كأنه أشد - يعني من المحتبي (قال شيخنا) والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير لأن دليل انتفاء النقض في القاعد لا تفريق فيه فيسوى بين أحواله (فصل) واختلف أصحابنا في حد اليسير من النوم الذي لا ينقض فقال القاضي ليس للقليل حد يرجع إليه فعلى هذا يرجع إلى العرف وقيل حد الكثير ما يتغير به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض أو يرى حلما، قال شيخنا والصحيح انه لاحد له لأن التحديد إنما يعلم بالتوقيف ولا توقيف فمتى

(1/182)


وجد ما يدل على الكثرة مثل سقوط المتمكن انتقض وضوؤه وإلا فلا، وإن شك في كثرته لم ينتقض لأن الأصل الطهارة فلا تزول عن اليقين بالشك (فصل) والنوم الغلبة على العقل فمن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه، وقال بعض أهل اللغة في قوله تعالى (لا تأخذه سنة ولا نوم) السنة ابتداء النعاس في الرأس فإذا وصل الى القلب صار نوما قال الشاعر: وسنان أقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم ولأن الناقض زوال العقل فمتى كان العقل ثابتا وحسه غير زائل مثل من يسمع ما يقال عنده ويفهمه لم يوجد سبب النقض وإن شك في النوم أو خطر بباله شئ لا يدري أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه (مسألة) (الرابع مس الذكر بيده ببطن كفه أو بظهره) اختلفت الرواية عن أحمد في مس الذكر على ثلاث روايات (إحداها) لا ينقض بحال روى ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء وهو قول ربيعة والثوري وابن المنذر وأصحاب الرأي لما روى قيس بن طلق عن أبيه قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال مسست ذكري - أو - الرجل يمس ذكره في الصلاة عليه وضوء؟ قال " لا إنما هو بضعة منك " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ولأنه عضو فلم ينقض كسائر الأعضاء والرواية الثانية ينقض الوضوء بكل حال وهي ظاهر المذهب وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وعروة وسليمان بن يسار والزهري والاوزاعي والشافعي وهو المشهور عن مالك لما روت بسرة بنت صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من مس ذكره فليتوضأ " وعن جابر مثل ذلك رواهما ابن ماجة قال الترمذي حديث بسرة حسن صحيح وقال البخاري أصح شئ في هذا الباب حديث بسرة وصححه الإمام أحمد، فأما حديث قيس فقال أبو زرعة وأبو حاتم قيس ممن لا تقوم بروايته حجة ووهناه ولم يثبتاه ثم إن حديثنا متأخر لأن أبا هريرة قد رواه وهو متأخر الإسلام إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين وكان قدوم طلق علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يؤسسون المسجد فيكون حديثنا ناسخا له وقياس الذكر

(1/183)


على سائر البدن لا يصح لأنه يتعلق به أحكام ينفرد بها من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر وغير ذلك والرواية الثالثة لا ينقض إلا أن يقصد مسه قال أحمد بن الحسين: قيل لأحمد الوضوء من مس
الذكر؟ فقال هكذا - وقبض على يده - يعني إذا قبض عليه وهو قول مكحول وقال طاوس وسعيد بن جبير وحميد الطويل: إن مسه يريد وضوءا وإلا فلا شئ عليه لأنه لمس فلا ينقض الوضوء لغير قصد كلمس النسا وسواء مسه ببطن كفه أو بظهره وهذا قول عطاء والاوزاعي، وقال مالك والشافعي واسحاق لا ينقض مسه بظاهر الكف وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد لأنه ليس بآلة للمس فأشبه مالو مسحه بفخذه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء " رواه الإمام أحمد والدارقطني وظاهر كفه من يده والإفضاء اللمس من غير حائل ولأنه جزء من يده أشبه باطن الكف.
وإنما ينتقض وضوؤه إذا لمسه من غير حائل لما ذكرنا، وذكر القاضي عن أحمد رواية أنه لا ينقض إلا مس الثقب الذي في رأس الذكر ولا ينقض لمس غيره.
قال والأول أصح لعموم الأحاديث الدالة على النقض، وذكر أبو الخطاب رواية أنه لا ينقض إلا لمس الحشفة خاصة والأول أصح لعموم النص (مسألة) قال (ولا ينقض مسه بذراعه) وعنه ينقض لأنه من يده وهو قول الأوزاعي والأول ظاهر المذهب لأن الحكم المعلق على مطلق اليد في الشرع إنما ينصرف إلى الكوع بدليل قطع السارق وغسل اليد من نوم الليل ولأنه ليس بآلة للمس أشبه العضد وقياسهم يبطل بالعضد فإنه لا خلاف بين العلماء فيه (فصل) ولا فرق بين ذكره وذكر غيره خلافا لداود قال لأن النص إنما ورد في ذكره ولنا أنه إذا نقض الوضوء مس ذكره مع كون الحاجة تدعو إلى مسه وهو جائز فلأن ينقض بمس ذكر غيره مع كونه معصية أولى، ولأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكره مع أنه لم يهتك حرمة تنبيه على نقضه بمس ذكر غيره، ولأن في بعض ألفاظ خبر بسرة " من مس الذكر فليتوضأ " وحكم ذكر الكبير والصغير واحد وهو قول الشافعي، وقال الزهري والاوزاعي لا ينقض مس ذكر الصغير لأنه يجوز مسه والنظر إليه بخلاف الكبير ولما روي أنه صلى الله عليه وسلم مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ وذكره الآمدي رواية عن أحمد

(1/184)


ولنا عموم الأحاديث وخبرهم ليس بثابت ثم ليس فيه أنه صلى ولم يتوضأ فيحتمل أنه لم يتوضأ في مجلسه ذلك وجواز مسه والنظر إليه يبطل بذكر نفسه وذكر الميت كذكر الحي لبقاء الاسم والحرمة وهو قول الشافعي وقال إسحاق لا وضوء عليه وهو قول بعض أصحابنا كالمرأة الميتة
(مسألة) (وفي مس الذكر المقطوع وجهان) (أحدهما) ينقض لبقاء اسم الذكر (والثاني) لا ينقض لذهاب الحرمة فهو كيد المرأة المقطوعة، ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها انتقض وضوؤه لأنها من جملة الذكر وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه لزوال الاسم والحرمة، وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه لأنه ليس بفرج (مسألة) (وإذا لمس قبل الخنثى المشكل وذكره انتقض وضوءه وإن مس أحدهما لم ينقض إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة) لمس الخنثى المشكل ينقسم أربعة اقسام (أحدها) أن يمس فرج نفسه فمتى لمس أحد فرجيه لم ينتقض وضوؤه لجواز أن يكون خلقة زائدة وإن لمسهما جميعا انتقض وضوءه إن قلنا إن مس المرأة فرجها ينقض الوضوء لأن أحدهما فرج بيقين وإلا فلا (الثاني) أن يكون اللامس رجلا فإن مسهما جميعا لغير شهوة فهي كالتي قبلها، وإن مسهما لشهوة انتقض وضوؤه في ظاهر المذهب لأنه إن كان رجلا فقد مس ذكره، وإن كان أنثى فقد مسها لشهوة، وكذلك الحكم اذا لمس ذكره لشهوة لما ذكرنا.
فأما إن مس القبل وحده أو مس الذكر لغير شهوة لم ينتقض لجواز أن يكون خلقة زائدة إلا إذا قلنا أن الملامسة تنقض الوضوء بكل حال فإنه ينتقض بلمس الذكر وحده لأنه إن كان رجلا فقد مس ذكره وإن كانت أنثى فقد مسها (الثالث) أن يكون امرأة فإن مستهما جميعا انتقض وضوؤها إن قلنا إن مس فرج المرأة ينقض الوضوء وإلا فلا وإن مست أحدهما لغير شهوة لم ينتقض وضوؤها وكذلك إن مست الذكر لشهوة لجواز أن يكون خلقة زائدة من امرأة.
وإن مست الفرج لشهوة انتقض وضوؤها في ظاهر المذهب لأنه إن كان رجلا فقد مسته لشهوة وإن كانت أنثى فقد مست فرجها (الرابع) أن يكون اللامس خنثى مشكلا فإن مس أحدهما لم ينتقض سواء كان لشهوة أو لا.
وإن مسهما جميعا انتقض وضوؤه إذا قلنا إن مس الفرج ينقض الوضوء.
وإن مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ومس الآخر فرجه وكان اللمس لشهوة انتقض وضوء أحدهما قطعا لأنهما إن كانا ذكرين فقد وجد بينهما

(1/185)


لمس ذكر، وإن كانا أنثيين فقد وجد بينهما مس فرج امرأة وإن كانا ذكرا وأنثى فقد وجدت بينهما ملامسة لشهوة ولا يحكم بنقض وضوء واحد منهما لأنه متيقن الطهارة شاك في الحدث.
وإن كان لغير
شهوة لم ينقض لجواز أن يكون الممسوس ذكره امرأة والممسوس فرجه رجلا، وإن مس كل واحد منهما ذكر الآخر أو قبله لم ينتقض لاحتمال أن يكونا امرأتين في الأولى ورجلين في الثانية والله أعلم (مسألة) (وفي مس الدبر ومس المرأة فرجها روايتان) إحداهما ينقض الوضوء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه عن أم حبيبة.
قال أحمد وأبو زرعة حديث أم حبيبة صحيح وبه قال الشافعي في مس الدبر ولأنه أحد الفرجين أشبه الذكر (والثانية) لا ينقض قال الخلال العمل والأشيع في قوله أنه لا يتوضأ من مس الدبر وكذلك روى المروذي أنه قيل لاحمد في الجارية إذا مست فرجها عليها وضوء؟ قال لم أسمع في هذا بشئ لأن الحديث المشهور إنما هو في مس الذكر وهذا ليس في معناه لأنه لا يقصد مسه ولا يفضي إلى خروج خارج فلم ينقض كلمس الانثيين (مسألة) قال (وعنه لا ينقض مس الفرج بحال) لحديث قيس بن طلق وقياسا على سائر الأعضاء (فصل) ولا ينقض الوضوء بمس غير الفرجين من البدن في قول الأكثرين إلا أنه روي عن عروة الوضوء من مس الأنثيين وقال عكرمة من مس ما بين الفرجين فليتوضأ، وقول الجمهور أولى لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص ولا ينتقض وضوء الملموس فرجه أيضا لأن السنة إنما وردت في اللامس، ولا ينتقض بمس فرج البهيمة.
وقال الليث بن سعد عليه الوضوء، وما عليه الجمهور أولى لأنه ليس بمنصوص ولا هو في معناه (مسألة) (الخامس أن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة، وعنه لا ينقض، وعنه ينقض لمسها بكل حال) اختلفت الرواية عن أحمد رضي الله عنه في الملامسة فروي عنه أنها تنقض الوضوء بكل حال وهو مذهب الشافعي.
ويروى إيجاب الوضوء من القبلة مطلقا عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر والزهري وعطاء والشعبي والنخعي وسعيد بن عبد العزيز رواه الأثرم، وروى عن أحمد رواية ثانية أنه لا ينقض بحال يروي ذلك عن ابن عباس وهو قول طاوس والحسن ومسروق، وبه قال أبو حنيفة

(1/186)


وصاحباه.
وقال قوم من قبل حلالا فلا وضوء عليه ومن قبل حراما فعليه الوضوء وهو قول عطاء.
فإن باشر لشهوة وليس بنيهما ثوب وانتشر فعليه الوضوء في قول أبي حنيفة ويعقوب، وقال محمد لا وضوء
عليه إلا أن يخرج منه شئ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة وصلى ولم يتوضأ رواه أبو داود والنسائي من رواية التميمي وقالا لم يسمع من عائشة.
وقال النسائي ليس في هذا الباب شئ أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان.
رواه مسلم وعنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي متفق عليه.
وللنسائي مسني برجله.
والآية أريد بها الجماع قاله ابن عباس ولأن المراد بالمس الجماع فكذلك اللمس ولأنه ذكره بلفظ المفاعلة والمفاعلة لا تكون من أقل من اثنين، والرواية الثالثة وهي طاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
متفق عليه والظاهر أنه لا يسلم من مسها.
ولأن اللمس ليس بحدث في نفسه وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التي يدعو فيها إلى الحدث وهي حالة الشهوة ولأنه لمس لغير شهوة فلم ينقض كلمس ذوات المحارم وهذا مذهب الشعبي والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري واسحاق.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين الكبيرة والصغيرة وذوات المحارم وغيرهن، وقال الشافعي في أحد قوليه لا ينقض لمس ذات المحرم ولا الصغيرة لأن لمسهما لا يفضي إلى خروج خارج أشبه لمس الرجل ولنا عموم النص واللمس الناقض معتبر بالشهوة فمتى وجدت فلا فرق بين الجميع، فأما لمس المرأة الميتة ففيه وجهان (أحدهما) ينقض اختاره القاضي لعموم الآية وكما يجب الغسل بوطئها (والثاني) لا ينقض اختاره الشريف أبو جعفر وابن عقيل لأنها ليست محلاً للشهوة فهي كالرجل (فصل) ولا يختص اللمس الناقض باليد بل أي شيء منه لاقى شيئا من بشرتها مع الشهوة انتقض الوضوء به سواء كان عضوا أصليا أو زائدا.
وحكي عن الأوزاعي لا ينقض اللمس إلا بأحد أعضاء الوضوء.
والأول أولى لعموم النصوص والتخصيص بغير دليل تحكم فلا يصار إليه (فصل) فإن لمسها من وراء حائل لم ينتقض وضوؤه هذا قول أكثر أهل العلم وقال مالك والليث ينقض

(1/187)


إذا كان ثوباً رقيقا وكذلك قال ربيعة إذا غمزها من وراء ثوب رقيق لشهوة وذلك لأن الشهوة موجودة
ولنا أنه لمس فلم ينقض من وراة حائل كلمس الذكر ولأنه لم يلمس جسم المرأة أشبه مالو لمس ثيابها لشهوة والشهوة لا توجب الوضوء بمجردها كما لو وجدت الشهوة بغير لمس (فصل) فإن لمست المرأة رجلا لشهوة انتقض وضوؤها في إحدى الروايتين وهو ظاهر قول الخرقي.
وقد سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها قال ما سمعت فيه شيئا ولكن هي شقيقة الرجل يعجبني أن تتوضأ لأنها ملامسة تنقض الوضوء فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع.
والرواية الثانية لا ينتقض وضوؤها.
وللشافعي قولان كالروايتين لأن النص إنما ورد في الرجال ولا يصح قياسها عليه لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض فأقيم مقامه ولا يوجد ذلك في حق المرأة وإذا لم يكن نص ولا قياس فلا يثبت الحكم (مسألة) (ولا ينقض لمس الشعر والسن والظفر) وهذا ظاهر مذهب الشافعي وكذلك لمسها بشعره وسنه وظفره لأن ذلك مما لا يقع عليه الطلاق بإيقاعه عليه ولا الظهار فأشبه الثوب، ويتخرج أن ينقض لمس السن والشعر والظفر والأمرد إذا كان لشهوة ذكره أبو الخطاب لأن لمس المرأة إنما نقض لوجود الشهوة الداعية إلى خروج المذي، ولا ينقض لمس الأمرد ولا لمس الرجل ولا لمس المرأة المرأة لأنه ليس بداخل في الآية ولا في معناه لكونه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا.
وقال القاضي في المجرد إذا لمس الرجل الرجل أو المرأة المرأة بشهوة انتقض وضوؤه في قياس المذهب.
والأول أولى لما ذكرنا ولا ينتقض الوضوء بلمس البهيمة لما ذكرنا.
ولا بمس خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا ولا امرأة ولا ينتقض وضوء الخنثى بمس امرأة ولا رجل لأنه متيقن بالطهارة شاك في الحدث، قال شيخنا ولا أعلم في هذا كله خلافا.
وإن مس عضو امرأة مقطوع لم ينتقض وضوؤه لأنه لا يقع عليه اسم المرأة ولا هو محل للشهوة (مسألة) وفي نقض وضوء الملموس روايتان (إحداهما) ينتقض لأن ما ينتقض بالتقاء البشرتين يستوي فيه اللامس والملموس كالجماع (والثانية) لا ينتقض لأن النص إنما ورد بالنقض في اللامس فاختص

(1/188)


به كلمس الذكر ولأن الشهوة من اللامس أشد منها في الملموس فامتنع القياس وللشافعي قولان كهذين (مسألة) (السادس غسل الميت) وهو ناقض للوضوء في قول أكثر الأصحاب سواء كان
المغسول صغيراً أو كبيراً ذكرا أو انثى مسلماً أو كافراً وهو قول النخعي واسحاق لان ابن عمرو ابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وعن أبي هريرة قال أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفاً في الصحابة فكان أجماعاً ولأن الغاسل لا يسلم من مس عورة الميت غالبا فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث وقال أبو الحسن التميمي لا ينقض وهو قول أكثر العلماء قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله لأنه لم يرد فيه نص صحيح ولا هو في معنى المنصوص عليه ولأنه غسل آدمي أشبه غسل الحي.
وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب فانه قال: أحب إلي أن يتوضأ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الخبر الوارد فيه موقوفا على أبي هريرة فإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون مرفوعا فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم هذا الاحتمال أولى ولأن الأصل عدم وجوبه فيبقى على الأصل (مسألة) (السابع أكل لحم الجزور) وجملة ذلك أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء سواء أكله عالما أو جاهلا نيئا أو مطبوخا في ظاهر المذهب، وهو قول جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وأبي خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وأحد قولي الشافعي، قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث.
وروي عن أبي عبد الله أنه قال إن كان لا يعلم فليس عليه وضوء وإن كان قد علم وسمع فعليه الوضوء واجب ليس هو كمن لا يعلم.
قال الخلال وعلى هذا استقر قول أبي عبد الله.
وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا وضوء عليه بحال وحكاه ابن عقيل رواية عن أحمد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء مما يخرج لا مما يدخل " وقال جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، رواه أبوداد ولأنه مأكول فلم ينقض كسائر المأكولات

(1/189)


ولنا ما روى البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل انتوضأ من لحوم الابل؟ قال " نعم " قال أفنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال " لا " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي.
وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخرجه مسلم.
قال أحمد فيه حديثان صحيحان حديث البراء وجابر بن سمرة.
فأما حديث ابن عباس فإنما هو من قوله موقوف عليه ولو صح لوجب تقديم
حديثنا عليه لكونه أصح وأخص والخاص يقدم على العام، وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح أن يكون ناسخا لوجوه أربعة (أحدها) أن الأمر بالوضوء من لحوم الابل متأخر عن نسخ الوضوء مما ممست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الابل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار فأما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي أو بشئ قبله فإن كان حصل به كان الأمر بالوضوء من لحوم الابل مقارنا لنسخ الوضوء مما مست النار فلا يكون ناسخا إذ من شروط النسخ تأخر الناسخ وكذلك إن كان بما قبله لان الشئ لا ينسخ بما قبله (الثاني) أن النقض بلحوم الإبل يتناول ما مست النار وغيره ونسخ إحدى الجهات لا يثبت به نسخ الأخرى كما لو حرمت المرأة بالرضاع وبكونها ربيبة فنسح تحريم الرضاع لم يكن نسخا لتحريم الربيبة (الثالث) أن خبرهم عام وخبرنا خاص فالجمع بينهما ممكن يحمل خبرهم على ما سوى صورة التخصيص ومن شروط النسخ تعذر الجمع بين النصين (الرابع) إن خبرنا أصح من خبرهم وأخص والناسخ لابد وأن يكون مساويا للمنسوخ أو راجحا عليه، فإن قيل الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب ويحتمل أنه أراد بالوضوء غسل اليد لأن إضافته إلى الطعام قرينة

(1/190)


تدل على ذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره، قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من وجوه (أحدها) إن مقتضى الأمر الوجوب (الثاني) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلو حمل على غير الوجوب كان تلبيسا لا جوبا (الثالث) أنه صلى الله عليه وسلم قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ههنا نفي الإيجاب لا التحريم فتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة (أحدها) أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب لكون غسل اليد بمفردها غير واجب وقد بينا فساده (الثاني) أن الوضوء في لسان الشارع إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي إذ الظاهر منه التكلم بموضوعاته (الثالث) أنه خرج جوابا للسؤال عن حكم الوضوء من لحومها، والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة ظاهرا (الرابع) أنه لو أراد
غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منهما مستحب وما ذكروه من زيادة الزهومة ممنوع وإن ثبت فهو أمر يسير لا يقتضي التفريق وصرف اللفظ عن ظاهره إنما يكون بدليل قوي بقدر قوة الظواهر المتروكة وأقوى منها.
فأما قياسهم فهو طردي لا معنى فيه وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانثفاء المقتضى لا لكونه مأكولا ومن العجب أن مخالفينا في هذه المسألة أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة تخالف الاصول، فأبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها بحديث مرسل من مراسيل أبي العالية، ومالك والشافعي أوجباه بمس الذكر بحديث مختلف فيه معارض بمثله دون مس سائر الأعضاء وتركوا هذا الحديث الصحيح الذي لا معارض له مع بعده عن التأويل وقوة دلالته لقياس طردي لا معنى فيه (مسألة) (فإن شرب من لبنها فعلى روايتين) (إحداهما) ينقض الوضوء لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ألبان الابل فقل " توضؤا من ألبانها " وسئل عن ألبان الغنم فقال " لا تتوضؤا من ألبانها " رواه الإمام أحمد وابن ماجة، وروي عن عبد الله بن عمر نحوه (والثانية) لا وضوء فيه لأن الحديث الصحيح إنما ورد في

(1/191)


اللحم، وحديث أسيد بن حضير في طريقه الحجاج بن أرطاة قال الامام أحمد والدارقطني لا يحتج به وحديث عبد الله بن عمر رواه ابن ماجه من رواية عطاء بن السائب وقد قيل عطاء اختلط في آخر عمره، قال أحمد: من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ، والحكم في اللحم غير معقول فيجب الاقتصار عليه (مسألة) (وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين) (أحدهما) لا ينقض لأن النص لم يتناوله (والثاني) ينقض لأنه من جملة الجزور، واللحم يعبر به عن جملة الحيوان فإن تحريم لحم الخنزير يتناول جملته كذلك ههنا، وحكم سائر أجزائه غير اللحم كالسنام والكرش والدهن والمرق والمصران والجلد حكم الكبد والطحال لما ذكرنا (فصل) ولا ينتقض الوضوء بما سوى لحم الجزور من الأطعمة وهذا قول الخلفاء الراشدين رضي
الله عنهم ولا نعلم اليوم فيه خلافا.
وحكى ابن عقيل عن أحمد رواية في نقض الوضوء بأكل لحم الخنزير والصحيح عنه الأول، لأن الوجوب من الشرع ولم يرد وقد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى إيجاب الوضوء مما غيرت النار، منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري وغيرهم لما روى أبو هريرة وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " توضؤا مما مست النار " رواهما مسلم، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تتوضأ من لحوم الغنم " وحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، رواه أبو داود والنسائي وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من كتف شاة وصلى ولم يتوضأ متفق عليه (مسألة) (الثامن الردة عن الإسلام) الردة عن الإسلام يبطل بها الوضوء والتيمم وهي الإتيان بما يخرج به عن الإسلام نطقا أو اعتقادا أو شكا فمتى عاود الإسلام لم يصل حتى يتوضأ وهذا قول الأوزاعي وأبي ثور، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا يبطل الوضوء بذلك وللشافعي في بطلان التيمم به قولان لقول الله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) ولأنها طهارة فلم تبطل بالردة كالطهارة الكبرى

(1/192)


ولنا قول الله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) والطهارة عمل وحكمها باق فيجب أن يحبط بالآية، ولأنها عبادة يفسدها الحدث فبطلت بالشرك كالصلاة، ولأن الردة حدث لما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحدث حدثان حدث الفرج، وحدث اللسان أشد من حدث الفرج وفيهما الوضوء " رواه الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتاب التحقيق وتكلم فيه وقال بقية يدلس، وما ذكروه تمسك بالمفهوم والمنطوق راجح عليه، وأما غسل الجنابة فقد زال حكمه وعندنا يجب الغسل على من أسلم أيضا.
(فصل) ولا ينقض الوضوء ما عدا الردة من الكذب والغيبة والرفث والقذف ونحوها نص عليه أحمد، قال إبن المنذر أجمع من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف وقول الزور والكذب والغيبة لا يوجب طهارة ولا ينقض وضوءا وقد روينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمروا بالوضوء
من الكلام الخبيث وذلك استحباب عندنا ممن أمر به، ولا نعلم حجة توجب وضوءا في شئ من الكلام وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من حلف باللات فليقل لا إله إلا الله " ولم يأمر في ذلك بوضوء رواه البخاري (فصل) والقهقهة لا تنقض الوضوء بحال روى ذلك عن عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وذهب الثوري والنخعي والحسن وأصحاب الرأي إلى أنها تبطل الوضوء داخل الصلاة دون خارجها لما روى أسامة عن أبيه قال: بينا نحن نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل

(1/193)


رجل ضرير البصر فتردى في حفرة فضحكنا منه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الوضوء كاملا وإعادة الصلاة من أولها.
رواه الدارقطني من طرق كثيرة وضعفها وقال إنما روى هذا الحديث عن أبي العالية مرسلا، وقال نحو ذلك الإمام أحمد وعبد الرحمن بن مهدي ولنا أنه معنى لا يبطل الوضوء خارج الصلاة فلم يبطله داخلها كالكلام، ولأنه لا نص فيه ولا في شئ يقاس عليه وحديثهم قد ذكرنا الكلام عليه، قال ابن سيرين لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية فإنهما لا يباليان عمن أخذا، والقهقهة أن يضحك حتى يتحصل من ضحكه حرفان ذكره ابن عقيل (مسألة) ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بني على اليقين أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث يلغي الشك ويبني على اليقين لا نعلم في ذلك خلافا فإن تيقن أنه توضأ وشك هل أحدث أو لا بنى على أنه متطهر، وبهذا قال عامة أهل العلم، وقال الحسن إن شك وهو في الصلاة مضى فيها وإن كان قبل الدخول فيها توضأ.
وقال مالك إذا شك في الحدث إن كان يلحقه كثيرا فهو على وضوء وإن كان لا يلحقه كثيرا توضأ لا يدخل في الصلاة مع الشك ولنا ما روى عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشي فقال " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا " متفق عليه، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أوجر أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لم يخرج فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " رواه مسلم ولأنه إذا شك تعارض
عنده الأمران فيجب سقوطهما كالبينتين إذا تعارضتا ويرجع إلى اليقين.
ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران لأن غلبة الظن إذا لم تكن مضبوطة بضابط شرعي لم يلتفت إليها كما لا يلتفت الحاكم إلى قول أحد المتداعيين اذا غلب على ظنه صدقه بغير دليل (مسألة) (فإن تيقنهما وشك في السابق منهما نظر في حالة قبلهما فإن كان متطهرا فهو محدث وإن كان محدثا فهو متطهر) مثاله أن يتيقن أنه كان في وقت الظهر متطهرا مرة ومحدثا أخرى ولا يعلم أيهما كان قبل الآخر فإنه ينظر في حاله قبل الزوال، فإن كان متطهرا فهو الآن محدث لأنه تيقن زوال تلك الطهارة بحدث ولم يتيقن زوال ذلك الحدث بطهارة أخرى لاحتمال أن تكون الطهارة التي

(1/194)


يتيقنها بعد الزوال هي التي كانت قبله فلم يزل يقين الحدث بالشك.
وإن كان محدثا قبل الزوال فهو الآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها (فصل) فإن تيقن أنه نقض طهارته وتوضأ عن حدث في وقت واحد وشك في السابق منهما نظر في حالة قبلهما فإن كان متطهرا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة.
ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك، وإن كان محدثا فهو الآن محدث لأنه تيقن أنه انتقل عنه إلى طهارة ثم أحدث منها ولم يتيقن بعد الحدث الثاني طهارة والله أعلم فهذه جميع نواقض الطهارة ولا ينتقض بغيرها في قول أكثر العلماء الا أنه قد حكي عن مجاهد والحكم وحماد في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الأبط الوضوء وقول جمهور العلماء بخلافهم وهو أولى ولا نعلم لهم فيما يقولون حجة والله أعلم (مسألة) قال (ومن أحدث حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف) أما الصلاة فلقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ " متفق عليه والطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الطواف بالبيت صلاة ألا أن الله أباح فيه الكلام " رواه الشافعي في مسنده، ومس المصحف روي هذا عن ابن عمر والحسن وعطاء وطاوس وهو قول مالك وأصحاب الرأي، وقال داود يباح
مسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى قيصر آية من القرآن.
وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف لأن آلة اللمس باطن اليد فينصرف إليه النهي دون غيره ولنا قوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزام " أن لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " رواه الأثرم، فأما الآية التي كتاب بها النبي صلى الله عليه وسلم فإنما قصد بها المراسلة والآية في الرسالة أو في كتاب فقه أو نحوه لا تمنع مسه ولا يصير بها الكتاب مصحفا.
إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز مسه بشئ من جسده قياسا على اليد، قولهم إن المس يخص باطن اليد ممنوع بل كل شئ لاقى شيئا فقد مسه (فصل) ويجوز حمله بعلاقته وهو قول أبي حنيفة وروي ذلك عن الحسن وعطاء والشعبي وحماد ومنع منه الأوزاعي ومالك والشافعي تعظيما للقرآن ولأنه مكلف محدث قاصد لحمل المصحف فهو كما لو حمله مع مسه

(1/195)


ولنا أنه غير ماس فلم يمنع كما لو حمله في رحله ولأن النهي إنما تناول المس والحمل ليس بمس وقياسهم لا يصح لأن العلة في الأصل مسه وهو غير موجود في الفرع والحمل لا أثر له فلا يصح التعليل به وعلى هذا لو حمله بحائل بينه وبينه مما لا يتبع في البيع جاز وعندهم لا يجوز.
ويجوز تقليبه بعود ومسه به وكتب المصحف بيده من غير أن يمسه، وذكر ابن عقيل في ذلك كله وفي حمله بعلاقته روايتين وفي مسه بكمه روايتان ووجههما ما تقدم والصحيح في ذلك كله الجواز قاله شيخنا لأن النهي إنما تناول مسه وهذا ليس بمس (فصل) ويجوز مس كتب الفقه والتفسير والرسائل وإن كان فيها آيات من القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتابا فيه آية، ولأنها لا يقع عليها اسم المصحف ولا يثبت لها حرمته، وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن، وفي مس الصبيان ألواحهم التي فيها القرآن وجهان (أحدهما) الجواز لأنه موضع حاجة فلو اشترطنا الطهارة أدى الى تنفيرهم عن حفظه (والثاني) المنع لعموم النص، وفي الدراهم المكتوب عليها القرآن وجهان (أحدهما) المنع وهو مذهب أبي حنيفة لأن القرآن مكتوب عليها أشبهت الورق (والثاني) الجواز لأنه لا يقع عليها اسم المصحف أشبهت كتب الفقه
ولأن في الاحتراز منها مشقة أشبهت ألواح الصبيان، ومن كان متطهرا وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضو الطاهر جاز لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها بخلاف الحدث، وإن احتاج المحدث إلى مس المصحف عند عدم الماء تيمم ومسه لأنه يقوم مقام الماء، ولو غسل المحدث بعض أعضاء الوضوء لم يجز له مسه به قبل إتمام وضوئه لأنه لا يكون متطهرا إلا بغسل الجميع (فصل) ولا يجوز المسافرة بالمصحف إلى دار الحرب لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم "

(1/196)