الشرح الكبير على متن المقنع

(باب شروط الصلاة) (مسألة) قال (وهي ما يجب لها قبلها وهي ست أولها دخول الوقت والثاني الطهارة من الحدث) أما الطهارة من الحدث فقد مضى ذكرها وهي شرط لصحة الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق عليه، وعن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول

(1/425)


الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يقبل الله صلاة أحدكم بغير طهور ولا صدقة من غلول " رواه مسلم (مسألة) قال (والصلوات المفروضات خمس) أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس في اليوم والليلة مفروضات لا خلاف بين المسلمين في ذلك وإن غيرها لا يجب إلا لعارض من نذر أو نحوه إلا أنهم اختلفوا في وجوب الوتر وسنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى والأصل في ذلك ما روى عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم

(1/426)


يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وروي أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ماذا فرض علي من الصلاة؟ قال " خمس صلوات " قال فهل علي غيرها؟ قال " لا إلا أن تطوع شيئاً " فقال الرجل والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفلح الرجل إن صدق " متفق عليه، وأجمعوا على ان الصلوات الخمس مؤقتات بمواقيت معلومة محدودة وقد ورد ذلك في أحاديث صحاح يأتي أكثرها إن شاء الله تعالى (مسألة) قال (الظهر وهي ألأولى ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله بعد الذي زالت عليه الشمس) أجمع أهل العلم على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس

(1/427)


حكاه ابن المنذر وابن عبد البر.
وتسمى الهجير والأولى والظهر لأن في حديث أبي برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس.
متفق عليه، وإنما بدأ بذكرها لأن جبرائيل بدأ بها حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وجابر وبدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم حين علم أصحابه مواقيت الصلاة في حديث بريدة وغيره، فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمني جبرائيل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفئ مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله

(1/428)


ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، وأفطر الصائم.
ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم.
وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شئ مثله ثم صلى المغرب لوقته الأول ثم صلى العشاء الاخيرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت جبريل فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروى جابر نحوه ولم يذكر فيه " لوقت العصر بالأمس " قال البخاري: أصح حديث في المواقيت حديث جابر، وروى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة فقال: " صل معنا هذين اليومين " فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية لم يخالطها صفرة، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأنعم أن يبرد بها وصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب حين غاب الشفق وصلى العشاء حين ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال " أين السائل عن وقت الصلاة؟ " فقال الرجل أنا يا رسول الله فقال " وقت صلاتكم بين ما رأيتم " رواه مسلم، ومعنى زوال الشمس ميلها عن وسط السماء وإنما يعرف ذلك بطول الظل بعد تناهي قصره لأن الشمس حين تطلع يكون الظل طويلاً وكلما ارتفعت قصر فإذا مالت عن كبد السماء شرع في الطول فذلك زوال الشمس فمن أراد معرفة ذلك فليقدر ظل شئ ثم يصبر قليلاً ثم يقدره ثانياً فإن نقص لم يتحقق الزوال وإن زاد فقد زالت، وكذلك إن لم ينقص لأن الظل لا يقف فيكون قد نقص ثم زاد، وأما معرفة قدر ما تزول عليه الشمس بالأقدام فيختلف بإختلاف الشهور والبلدان كلما طال النهار قصر الظل وإذا قصر طال

(1/429)


الظل.
وقد ذكر أبو العباس الشيحي رحمه الله ذلك تقريباً قال: إن الشمس تزول في نصف حزيران على قدم وثلث وهو أقل ما تزول عليه الشمس، وفي نصف تموز وأيار على قدم ونصف وثلث، وفي نصف آب
ونيسان على ثلاثة أقدام، وفي نصف آذار وايلول على أربعة أقدام ونصف، وفي نصف شباط وتشرين الأول على ستة أقدام، وفي نصف كانون الثاني وتشرين الثاني على تسعة أقدام، وفي نصف كانون الأول على عشرة أقدام وسدس وهو أكثر ما تزول عليه، وفي إقليم الشام والعراق وما سامتهما فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض وعلم الموضع الذي إنتهى إليه ظلك ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى والصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت مساحته هذا القدر بعد إنتهاء النقض فهو وقت زوال الشمس وتجب به الظهر والله أعلم (فصل) وتجب الصلاة بدخول أول وقتها في حق من هو من أهل الوجوب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة تجب بآخر وقتها إذا بقي منه ما لا يتسع لأكثر منها لأنه في أول الوقت يتخير بين فعلها وتركها فلم تكن واجبة كالنافلة ولنا أنه مأمور بها في أول وقتها بقوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والأمر للوجوب على الفور ولأن دخول الوقت سبب للوجود فترتب عليه حكمه عند وجوده ولأنها تشترط لها نية الفرض ولو كانت نفلاً لأجزأت بنية النفل كالنافلة.
وتفارق النافلة من حيث إن النافلة يجوز تركها لا إلى بدل وهذه إنما يجوز تركها مع العزم على فعلها كما تؤخر صلاة المغرب ليلة المزدلفة عن وقتها وكما تؤخر سائر الصلوات عن وقتها لمن هو مشتغل بشرطها (فصل) وآخر وقتها إذا زاد على القدر الذي زالت عليه الشمس قدر طول الشخص، قال الأثرم قيل لأبي عبد الله وأي شئ آخر وقت الظهر؟ قال: أن يصير الظل مثله.
قيل له فمتى يكون الظل مثله؟ قال إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله ومعرفة ذلك أن يضبط مازالت عليه الشمس ثم

(1/430)


ينظر الزيادة عليه فإن بلغت قدر الشخص فقد إنتهى وقت الظهر وقدر شخص الإنسان ستة أقدام ونصف وسسدس بقدمه تقريباً.
فإذا أردت إعتبار الزيادة بقدمك مسحتها على ما ذكرناه في الزوال ثم أسقطت منه القدر الذي زالت عليه الشمس فإذا بلغ الباقي ستة أقدام وثلثين فهو آخر وقت الظهر وأول وقت العصر.
فيكون ظل الإنسان في نصف حزيران على ما ذكرنا في آخر وقت الظهر، وأول وقت
العصر ثمانية أقدام بقدمه وفي بقية الشهور كما بينا وهذا مذهب مالك والثوري والشافعي والاوزاعي ونحوه قول أبي يوسف ومحمد وغيرهم، وقال عطاء لا تفريط للظهر حتى تدخل الشمس صفرة، وقال طاوس وقت الظهر والعصر إلى الليل، وحكي عن مالك وقت الاختيار إلى أن يضير ظل كل شئ مثليه ووقت الأداء الى أن يبقى من غروب الشمس قدر ما يؤدي فيه العصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في الحضر، وقال أبو حنيفة أخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ما لنا أكثر عملاً وأقل عطاء؟ قال هل نقصتم من حقكم؟ قالوا لا فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء " أخرجه البخاري وهذا يدل على أن ما بين الظهر والعصر أكثر من العصر إلى المغرب ولنا حديث بريدة وابن عباس وفيه قول جبريل فيه " الوقت ما بين هذين، وحديث مالك محمول على العذر بمطر أو مرض وما احتج به أبو حنيفة فليس فيه حجة لأنه قال إلى صلاة العصر وفعلها يكون بعد دخول الوقت وتكامل الشروط، على أن الآخذ بأحاديثنا أولى لأنه قصد بها بيان الوقت وخبرهم قصد به ضرب المثل فكانت أحاديثنا أولى قال ابن عبد البر خالف أبو حنيفة في هذه الآثار والناس وخالفه أصحابه

(1/431)


(مسألة) (وتعجيلها أفضل إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي الجماعة) وجملة ذلك أن تعجيل الظهر في غير الحر والغيم مستحب بغير خلاف علمناه قال الترمذي وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لما روى أبوبرزة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس وقال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما.
وروى الأموي في المغازي بإسناده عن معاذ بن جبل قال لما بعثني
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال " أظهر كبير الإسلام وصغيره وليكن من الكبرها الصلاة فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين فإذا كان الشتاء فصل الفجر في أول الفجر ثم أطل القراءة على قدر ما تطيق ولا تملهم وتكره إليهم أمر الله ثم عجل الصلاة الأولى بعد أن تميل الشمس.
وصل العصر والمغرب في الشتاء والصيف على ميقات واحد، العصر والشمس بيضاء مرتفعة والمغرب حين تغيب الشمس وتوارى بالحجاب وصل العشاء فأعتم بها فإن الليل طويل فإذا كان في الصيف فأسفر بالصبح فإن الليل قصير وإن الناس ينامون فأمهلهم حتى يدركوها وصل الظهر بعد أن ينقص الظل وتحرك الريح فإن الناس يقيلون فأمهلهم حتى يدركوها وصل العتمة فلا تعتم بها ولا تصلها حتى يغيب الشفق " وقالت عائشة ما رأيت أحداً أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر حديث حسن.
فأما في شدة الحر فيستحب تأخيرها مطلقاً في ظاهر كلام أحمد والخرقي حكاه عنه الأثرم، وهو قول إسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا اشتد الحر فابردوا بالظهر فإن شدة؟؟ لحر من فيح جهنم " متفق عليه، وظاهر كلام شيخنا ههنا أنه إنما يستحب تأخيرها لمن يصلي جماعة

(1/432)


قال القاضي في المجرد إنما يستحب الإبراد بها بثلاثة شرائط - شدة الحر، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد الجماعات، فأما من صلاها في بيته أو في مسجد بفناء بيته فالأفضل تعجيلها وهذا مذهب الشافعي لأن التأخير إنما استحب لينكسر الحر ويتسع فئ الحيطان فيكثر السعي إلى الجماعات ومن لا يصلي في جماعة لا حاجة به إلى التأخير.
وقال في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه أو لا لأن أحمد كان يؤخرها بمسجده ولم يكن بهذه الصفة ويؤخرها حتى يتسع فئ الحيطان فإن في حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤذن " أبرد " حتى رأينا فئ التلول.
ولا يؤخرها إلى آخر وقتها بل يصليها في وقت يكون إذا فرغ بينه وبين آخر الوقت فصل.
فأما الجمعة فيسن تعجيلها في كل وقت بعد الزوال لأن سلمة بن الأكوع قال: كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس متفق عليه.
ولم ينقل أنه أخرها بل كان يعجلها حتى قال سهل بن سعد ما كنا نقيل
ولا نتغدى إلى بعد الجمعة أخرجه البخاري ولأن التبكير إليها سنة فيتأذى الناس بتأخيرها، ويستحب تأخيرها في الغيم أيضاً لمن يصلي جماعة ذكره القاضي فقال يستحب تأخير الظهر والمغرب في الغيم وتعجيل العصر والعشاء قال ونص عليه أحمد في رواية المروذي وجماعة.
وعلل القاضي ذلك بأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر والريح والبرد فيشق الخروج لكل صلاة فيؤخر الأولى من صلاتي الجمع ويعجل الثانية ويخرج إليهما خروجاً واحداً فيحصل له الرفق بذلك كما يحصل بالجمع وبه قال أبو حنيفة والاوزاعي وروي عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في الظهر والعصر، وعن ابن مسعود يعجل الظهر والعصر ويؤخر المغرب.
وقال الحسن يؤخر الظهر وظاهر كلام الخرقي أنه يسن تعجيل الظهر في غير الحر اذا غلب على ظنه دخول الوقت وهو مذهب الشافعي لما ذكرناه من الاحاديث وما

(1/433)


روي عن أحمد فيحمل على أنه أراد بالتأخير ليتيقن دخول الوقت ولا يصلي مع الشك فقد نقل أبو طالب عنه ما يدل على هذا أنه قال يوم الغيم يؤخر الظهر حتى لا يشك أنها قد حانت ويعجل العصر، والمغرب يؤخرها حتى يعلم أنه سواد الليل ويعجل العشاء (مسألة) قال (ثم العصر وهي الوسطى ووقتها من خروج وقت الظهر إلى إصفرار الشمس وعنه إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس) الصلاة الوسطى صلاة العصر في قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم منهم علي وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو أيوب وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه وابن المنذر.
وروي عن ابن عمر وزيد وعائشة وعبد الله بن شداد أنها صلاة الظهر لما روي عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) رواه أبو داود، وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) رواه أبو داود والترمذي وقال صحيح، وقال طاوس وعطاء وعكرمة ومجاهد والشافعي هي الصبح وروي أيضاً عن ابن عمر وابن عباس لقوله تعالى (والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) والقنوت طول
القيام وهو مختص بالصبح ولأنها من أثقل الصلاة على المنافقين فلذلك إختصت بالوصية بالمحافظة عليها، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " متفق عليه، وقال قوم هي المغرب لأن الأولى الظهر فتكون المغرب الوسطى لأنها الثالثة من الخمس ولأنها الوسطى في عدد الركعات وخصت من بين الصلوات بأنها وتر والله وتر يحب الوتر ولأنها تصلي في أول وقتها في جميع الامصار والأعصار

(1/434)


ويكره تأخيرها عنه ولذلك صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " وهذا كله يدل على تأكدها وفضيلتها، وقيل هي العشاء لما ذكرنا في الصبح ولما روى ابن عمر قال مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده فقال إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة " متفق عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب " شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر " متفق عليه، وعن ابن مسعود وسمرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الوسطى صلاة العصر " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهذا نص لا يجوز خلافه وما روته عائشة فيجوز أن تكون الواو فيه زائدة كقوله (وليكون من المؤمنين) وقوله (وخاتم النبيين) وقوله (وقوموا لله قانتين) فقد قيل قانتين أي مطيعين وقيل القنوت السكوت، ولذلك قال زيد بن أرقم كنا نتكلم حتى نزل قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (فصل) وأول وقت العصر من خروج وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل شئ مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس فبخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر ليس بينهما فصل وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة أول وقتها إذا زاد على المثلين لما تقدم من الحديث الذي ذكرناه لابي حنيفة في بيان آخر وقت الظهر ولقول الله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) وعلى قولكم تكون وسط النهار، وحكي عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس، وقال إسحاق آخر وقت الظهر أول وقت

(1/435)


العصر يشتركان في قدر الصلاة فلو أن رجلين صليا معاً أحدهما يصلي الظهر والآخر يصلي العصر حين صار ظل كل شئ مثله لكانا مصليين الصلاتين في وقتهما، وحكي عن ابن المبارك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وصلى في المرة الثانية الظهر لوقت العصر بالأمس ولنا ما تقدم من حديث جبريل فأما قوله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) فإن الطرف ما تراخى عن الوسط فلا ينفي ما قلنا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لوقت العصر بالأمس " أراد مقاربه الوقت يعني أن ابتداء صلاة العصر متصل بآخر صلاة الظهر في اليوم الثاني وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر " ووقت الظهر ما لم تحضر العصر " رواه مسلم، وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن للصلاة أولاً وآخراً وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر " رواه الترمذي، وآخر وقتها اخلفت الرواية فيه فروي عن أحمد أن آخر وقت الإختيار إذا صار ظل كل شئ مثليه وهو قول مالك والثوري والشافعي لقوله في حديث ابن عباس " الوقت ما بين هذين " وروي عنه أن آخره ما لم تصفر الشمس وهي أصح حكاها عنه جماعة منهم الأثرم وهذا قول أبي يوسف ومحمد، ونحوه عن الأوزاعي لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وقت العصر ما لم تصفر الشمس " رواه مسلم، وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس " قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها وفي هذا دليل على أن مراعاة المثلين عندهم إستحباب ولعلهما متقاربان بوجد أحدهما قريباً من الآخر (فصل) والأوقات ثلاثة أضرب: وقت فضيلة ووقت إختيار ووقت ضرورة، وقد ذكرنا وقت الفضيلة، ومعنى وقت الإختيار هو الذي يجوز تأخير الصلاة إلى أخره من غير عذر ووقت الضرورة إنما يباح تأخير الصلاة إليه مع العذر، فإن أخرها لغير عذر أثم، ومتى فعلها فيه فهو مدرك لها أداء

(1/436)


في وقتها سواء كان لعذر أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " متفق عليه ولا نعلم فيه خلافا وكذلك حكم سائر الصلوات إذا أدرك من
وقتها ركعة، وإن أدرك أقل من ذلك فسيأتي بيانه إن شاء الله، ومتى أخر العصر عن وقت الإختيار على ما فيه من الخلاف أثم إذا كان لغير عذر لما تقدم من الأخبار ولما روى أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق: يجلس أحدهم حتى إذا أصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " رواه مسلم ولو أبيح تأخيرها لما ذمه عليها وجعله علامة النفاق (مسألة) (وتعجيلها أفضل بكل حال) وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وأنس وابن المبارك وأهل المدينة والاوزاعي والشافعي وإسحاق.
وروي عن أبي هريرة وابن مسعود أنهما كانا يؤخران العصر.
وروي عن أبي قلابة وابن شبرمة إنهما قالا إنما سميت العصر لتعصر.
وقال أصحاب الرأي الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار لما روى رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير العصر.
وعن علي بن شيبان قال قدمنا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر ما دامت بيضاء نقية ولأنها آخر صلاتي جمع فاستحب تأخيرها كالعشاء ولناما روى أبو برزة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية.
متفق عليه.
وقال رافع بن خديج كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ثم ننحر الجزور فيقسم عشرة أجزاء ثم نطبخ فنأكل لحماً نضيجاً قبل غروب الشمس متفق عليه.
وعن أبي أمامة بن سهل قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلنا يا أبا حمزة ما هذه الصلاة التي صليت؟

(1/437)


قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصليها معه.
متفق عليه وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله " وحديث رافع لا يصح قاله الترمذي وقال الدارقطني يرويه عن عبد الواحد بن نافع وليس بالقوي ولا يصح عن رافع ولا عن غيره من الصحابة، والصحيح عنهم تعجيل صلاة العصر والتبكير بها قال إبن المنذر الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن أفضل الأمرين تعجيل العصر في أول وقتها
(مسألة) (ثم المغرب وهي الوتر ووقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر) لا خلاف بين أهل العلم في دخول وقت المغرب بغروب الشمس والأحاديث تدل عليه.
وآخره إذا غاب الشفق وهو قول الثوري وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال مالك والاوزاعي والشافعي في أحد قوليه ليس لها إلا وقت واحد لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين لوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم " وعن طاوس لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر وعن عطاء لا تفوت المغرب والعشاء حتى النهار ولنا حديث بريدة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وروى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواهما مسلم وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يغب الشفق " رواه مسلم وهذه نصوص صحيحة لا يجوز مخالفتها بشئ محتمل ولأن ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لا بتدائها كأول وقتها وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والإختيار وتأكيد فعلها في أول وقتها جمعاً بينها وبين أحاديثنا ولو تعارضت وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة لأنها في أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بعدها بالمدينة فتكون ناسخة لما قبلها مما يخالفها والله أعلم

(1/438)


(فصل) والشفق الحمرة هذا قول ابن عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق ويعقوب ومحمد، وعن أنس وأبي هريرة ما يدل على أن الشفق البياض.
وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والاوزاعي وأبي حنيفة وهو اختيار ابن المنذر، وروي عن ابن عباس أيضاً لأن بخروج وقتها يدخل وقت عشاء الآخرة وأول وقت العشاء إذا غاب البياض لأن النعمان بن بشير قال أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة.
رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروي عن أبي مسعود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها حين يسود الأفق
ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق " رواه أبو داود.
وروي ثور الشفق - وفور الشفق فورانه وسطوعه وثوره ثوران حمرته، وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء " رواه الدارقطني، وما رووه ليس فيه بيان أنه أول الوقت فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلاً ولهذا روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لبلال " إجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والمتوضئ من وضوئه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " (مسألة) (وتعجيلها أفضل إلا ليلة جمع لمن قصدها) لا نعلم خلافاً في إستحباب تعجيل المغرب في غير حال العذر إلا ما ذكرنا من إختلافهم في الغيم وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم قاله الترمذي.
وذلك لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا وجبت.
وعن رافع بن خديج قال: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وأنه ليبصر مواقع نبله متفق عليهما، وعن سلمة بن الاكوع قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها رواه أبو داود واللفظ له ورواه الترمذي وقال حسن صحيح، وفعل جبريل عليه السلام لها في اليومين في وقت واحد دليل على تأكد إستحبابها ولأن فيه خروجاً من الخلاف فكان أولى.
فأما ليلة جمع وهي ليلة المزدلفة فيستحب

(1/439)


تأخيرها ليصليها مع العشاء الآخرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك والإجماع منعقد على ذلك والله أعلم.
(مسألة) (ثم العشاء ووقتها مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل الأول وعنه إلى نصفه) لا خلاف بين الناس في دخول وقت العشاء الآخرة بغيبوبة الشفق وإنما اختلفوا في الشفق وقد ذكرناه فمتى غاب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء إن كان في مكان يظهر له الأفق.
وإن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجبال أو نحوها إستظهر حتى يغيب البياض فيستدل به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه (فصل) واختلفت الرواية في آخر وقت الإختيار فروي عنه أنه ثلث الليل نص عليه في رواية
الجماعة اختارها الخرقي وهو قول عمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز والشافعي في أحد قوليه لأن في حديث جبريل إنه صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في المرة الثانية ثلث الليل وقال " الوقت ما بين هذين " وفي حديث بريدة أنه صلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل رواه مسلم، وقال النخعي آخر وقتها إلى ربع الليل، وروي عن ابن عباس أنه قال آخر وقتها إلى طلوع الفجر، وروى عن أحمد أن آخر وقتها إلى نصف الليل وهو قول ابن المبارك وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي لما روى أنس قال أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: " صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما إنتظرتموها " متفق عليه، وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ووقت العشاء إلى نصف الليل " رواه مسلم وأبو داود.
والأولى ان لا تؤخر عن ثلث لليل لأن ثلث الليل يجمع الروايات.
والزيادات تعارضت فيها الأخبار وإن أخرها جاز لما ذكرنا (مسألة) (ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني وهو البياض

(1/440)


المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده وتأخيرها أفضل ما لم يشق.
متى ذهب نصف الليل أو ثلثه على الخلاف فيه خرج وقت الإختيار وما بعده وقت ضرورة إلى طلوع الفجر الثاني والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر على ما بينا، وتأخيرها أفضل إلى آخر وقتها إذا لم يشق وهو إختيار أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين كذلك قال الترمذي، وحكي عن الشافعي أن الأفضل تقديمها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الوقت الأول رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله " رواه الترمذي عن القاسم بن غنام عن أمهاته عن أم فروة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجل عن أفضل الأعمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصلاة لأول وقتها " رواه أبو داود ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤخرها وإنما أخرها ليلة واحدة ولنا قول أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " رواه الترمذي وقال حديث صحيح، وعن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يؤخر عشاء الآخرة رواه مسلم وأحاديثهم ضعيفة، أما خبر " أول الوقت رضوان الله " فيرويه عبيد الله العمري وهو ضعيف وحديث أم فروة رواته مجاهيل، وقال فيه الترمذي أيضاً لا يروى إلا من حديث العمري وليس بالقوي في الحديث.
قال أحمد لا أعرف ثبت في أوقات الصلاة أولها كذا وأوسطها كذا وآخرها كذا ولو ثبت كان الأخذ بأحاديثنا أولى لأنها خاصة وأخبارهم عامة وإنما يستحب تأخيرها للمنفرد ولجماعة راضين بالتأخير.
فأما مع المشقة بالمأمومين أو بعضهم فلا يستحب نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال قلت لأبي عبد الله كم قدر تأخير العشاء؟ قال يؤخرها بعد أن لا يشق على المأمومين وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بتأخيرها كراهية المشقة، وروي عنه " من شق على أمتي شق الله عليه " وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العشاء

(1/441)


أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤا أخر.
وهذا يدل على مراعاة حال المأمومين وقد روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها لسقوط القمر لثالثة.
وعن أبي مسعود قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق فيستحب الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في إحدى هاتين الحالتين ولا يشق على المأمومين فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالتخفيف رفقاً بالمأمومين والله أعلم.
(فصل) ولا يستحب تسمية هذه الصلاة العتمة وكان ابن عمر إذا سمع رجلاً يقول العتمة صاح وغضب وقال إنما هي العشاء، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلبنكم الاعراب على إسم صلاتكم إلا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل " رواه مسلم وإن سماها جاز لقول معاذ لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة رواه أبو داود، وفي المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " (مسألة) (ثم الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس) وجملة ذلك أن وقت الفجر يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً وقد دلت عليه الأخبار التي ذكرناها وهو البياض المعترض في المشرق المستطير في الأفق.
ويسمى الفجر الصادق لأنه صدقك عن الصبح.
والصبح ما جمع بياضاً
وحمرة ولا ظلمة بعده، فأما الفجر الأول فهو البياض المستدق المستطيل صعداً من غير إعتراض فلا يتعلق به حكم، وآخر وقتها طلوع الشمس لما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وقت الفجر ما لم تطلع الشمس " رواه مسلم (مسألة) (وتعجيلها أفضل وعنه أن أسفر المأمومون فالأفضل الأسفار) التغليس بالفجر أفضل يروى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وأبي موسى وأبي الزبير وعمر بن عبد العزيز ما يدل على ذلك

(1/442)


وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، قال ابن عبد البر صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل وهم النهاية في إتيان الفضائل.
وروى عن أحمد ان الاعتبار بحال المأمومين فإن أسفروا فالأفضل الأسفار لأن جابراً روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في العشاء فينبغي أن يكون كذلك في الفجر، وقال الثوري وأصحاب الرأي الأفضل الأسفار لما روى رافع بن خديج قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " رواه الترمذي وقال حسن صحيح ولنا ما روى جابر قال: والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس متفق عليه، وفي حديث أبي برزة وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه.
وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه يصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليهما، وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر مرة ثم لم يعد إلى الأسفار حتى قبضه الله.
رواه أبو داود، فأما الأسفار في حديثهم فالمراد به أن يتبين ضوء الصبح ويكثر من قولهم أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته (فصل) ولا يأثم بتعجيل الصلاة المستحب تأخيرها ولا بتأخير ما يستحب تعجيله إذا أخره عازماً على فعله ما لم يضق الوقت عن فعل جميع العبادة لأن جبرائيل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الوقت وأوله، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك أيضاً وقال " الوقت ما بين هذين " ولأن الوجوب موسع فهو كالتكفير موسع في الاعيان، فان أخرها غير عازم على الفعل أو أخرها بحيث
يضيق الوقت عن فعل جيمعها فيه أثم لأن الركعة الأخيرة من الصلاة فلم يجز تأخيرها عن الوقت

(1/443)


كالأولى ومتى أخر الصلاة عن أول وقتها عازماً على الفعل فمات قبل فعلها لم يمت عاصياً لأنه فعل ما يجوز له وليس الموت من فعله فلم يأثم به والله أعلم (مسألة) (ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها) وجملة ذلك أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها فقد أدرك الصلاة سواء أخرها لعذر كحائض تطهر أو مجنون يفيق أو لغير عذر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " متفق عليه، وفي رواية " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " وجميع الصلوات في ذلك سواء.
وقال أصحاب الرأي فيمن طلعت الشمس وقد صلى ركعة تفسد صلاته لأنه قد صار في وقت نهي عن الصلاة فيه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح " وفي رواية " من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه.
ولأنه أدرك ركعة من الصلاة في وقتها فكان مدركاً لها كبقية الصلوات وإنما نهى عن النافلة، فأما الفرائض فتصلى في كل وقت بدليل ما قبل طلوع الشمس فإنه وقت نهي ولا يمنع من فعل الفرض فيه والله أعلم (فصل) وهل يدرك الصلاة بإدراك ما دون الركعة فيه روايتان (إحداهما) لا يدركها وهو ظاهر كلام الخرقي ومذهب مالك لظاهر الخبر الذي رويناه فإن تخصيصه بركعة يدل على أن الإدراك لا يحصل

(1/444)


بدونها ولانه إدراك للصلاة فلا يحصل بأقل من ركعة كإدراك الجمعة (والثانية) يدركها بادراك جزء منها أي جزء كان قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد واختيار أبي الخطاب فيمن أدرك تكبيرة الإحرام وهذا قول أبي حنيفة، وللشافعي قولان كالمذهبين لأن أبا هريرة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته " متفق عليه " وإذا أدرك سجدة من
صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " متفق عليه وللنسائي " فقد أدركها " ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة إستوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة وإدراك المسافر صلاة المقيم، والقياس يبطل بإدراك الركعة دون تشهدها والله أعلم (مسألة) (ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله) متى شك في دخول وقت الصلاة لم يصل حتى يتيقن دخوله أو يغلب على ظنه ذلك مثل من له صنعة جرت عادته بعمل شئ مقدر إلى وقت الصلاة، أو قارئ جرت عادته بقراءة شئ فقرأه وأشباه هذا فمتى فعل ذلك وغلب على ظنه دخول الوقت أبيح له الصلاة، والأولى تأخيرها قليلا إحتياطاً إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في وقت الغيم فإنها يستحب التبكير بها.
لما روى بريدة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال " بكروا بصلاة العصر في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله " رواه البخاري.
قال شيخنا ومعناه والله أعلم التبكير بها إذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن وذلك لأن فعلها في وقتها المختار في زمن الشتاء ضيق فيخشى خروجه (مسألة) (فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين قبل قوله وإن كان عن ظن لم يقبله) متى أخبره بدخول الوقت ثقة عن علم لزمه قبول خبره لأنه خبر ديني فقبل فيه قول الواحد كالرواية، فأما إن

(1/445)


أخبره عن ظن لم يقلده واجتهد لنفسه لأنه يقدر على الصلاة بإجتهاد نفسه فلم يجز له تقليد غيره كحالة إشتباه القبلة.
والبصير والأعمى والمطمور القادر على التوصل إلى الاستدلال سواء لإستوائهم في إمكان التقدير بمرور الزمان كما بينا (فصل) وإذا سمع الأذان من ثقة عالم بالوقت فله تقليده لأن الظاهر أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت فجرى مجرى خبره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " المؤذن مؤتمن " ولولا أنه يقلد ويرجع إليه ما كان مؤتمناً وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صلاتهم وصيامهم " رواه ابن ماجه.
ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع الأذان لها ولم يزل الناس يجتمعون للصلاة في مساجدهم فإذا سمعوا الأذان قاموا إلى الصلاة وبنوا على قول
المؤذن من غير مشاهدة للوقت، ولا إجتهاد فيه من غير نكير فكان إجماعاً (فصل) ومن صلى قبل الوقت لم تجزه صلاته في قول أكثر أهل العلم سواء فعل ذلك خطأ أو عمداً كل الصلاة أو بعضها وبه قال الزهري والاوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي.
وروي عن ابن عمر وأبي موسى أنهما أعادا الفجر لأنهما صليا قبل الوقت.
وروي عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه ونحوه قول الحسن والشعبي وعن مالك كقولنا.
وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلاً أو ناسياً يعيد ما كان في الوقت فإذا ذهب الوقت قبل علمه أو ذكره فلا شئ عليه ولنا أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبرئ الذمة منه فيبقى بحاله (مسألة) (ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه) لأنه أدى ما خوطب بأدائه وفرض عليه (وإن وافق قبله لم يجزه) لأن المخاطبة بالصلاة وسبب الوجوب وجدا بعد فعله فلم يسقط حكمه بما وجد قبله (فصل) وإن صلى من غير دليل مع الشك لم تجزه صلاته سواء أصاب أو أخطأ لأنه صلى مع الشك في شرط الصلاة من غير دليل فلا تصح كمن إشتبهت عليه القبلة فصلى من غير إجتهاد

(1/446)


(مسألة) (ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم جن أو حاضت المراة لزمهم القضاء) لأن الصلاة تحب بأول الوقت وقد ذكرناه ويستقر وجوبها بذلك فمتى أدرك جزءاً من أول الوقت ثم جن أو حاضت المراة لزمهم القضاء كما ذكر إذا أمكنهما.
وقال الشافعي وإسحاق لا يستقر إلا بمضي زمن يمكن فعلها فيه فلا يجب القضاء بما دونه، وإختاره أبو عبد الله بن بطة لأنه لم يدرك من الوقت ما يمكنه الصلاة فيه أشبه مالو لم يدرك شيئاً ولنا أنها صلاة وجبت عليه فوجب قضاؤها إذا فاتته كالتي أمكن أداؤها، فأما التي لم يدرك شيئاً من وقتها فإنها لم تجب وقياس الواجب على ما لم يجب لا يصح والله أعلم (مسألة) وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر
تكبيرة لزمهم الصبح، وإن كان قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء) وجملة ذلك أنه متى أدرك أحد هؤلاء جزءاً من آخر وقت الصلاة لزمه قضاؤها لأنها وجبت عليه فلزمه القضاء كما لو أدرك وقتاً يتسع لها، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً.
قال شيخنا: وأقل ذلك تكبيرة الأحرام لأنها أقل ما يتلبس بالصلاة بها وقد أطلق أصحابنا القول فيه وقال القاضي إن أدرك ركعة كان مدركاً لها وإن أدرك أقل من ركعة كان مدركاً لها في ظاهر كلامه فإن أدرك جزءاً من آخر وقت العصر قبل غروب الشمس أو جزءاً من آخر الليل قبل طلوع الفجر لزمته الظهر والعصر في الأولى والمغرب والعشاء في الآخرة.
روي هذا في الحائض عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والزهري ومالك والشافعي وإسحاق، قال الامام أحمد عامة التابعين إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لأن وقت الأولى خرج في حال العذر أشبه مالو لم يدرك شيئاً من وقت الثانية

(1/447)


وحكي عن مالك أنه إن أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية وجبت الأولى لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر فوجبت بإدراكه كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار بخلاف مالو أدرك دون ذلك ولنا ما روى الاثرم وابن المنذر وغيرهما بالإسناد عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً.
ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية والقدر الذي يتعلق به الوجوب قدر تكبيرة الإحرام في ظاهر كلام أحمد، وقال الشافعي قدر ركعة لأنه الذي روي عن عبد الرحمن وابن عباس في الحائض ولأنه إدراك تعلق به إدراك الصلاة فلم يحصل بأقل من ركعة كإدراك الجمعة وقد ذكرنا قول مالك ولنا أن ما دون الركعة تجب به الثانية فوجبت به الأولى كالركعة والخمس عند مالك ولأنه إدراك فاستوى فيه القليل والكثير كإدراك المسافر صلاة المقيم.
فأما الجمعة فإنما اعتبرت الركعة فيها بكمالها
لأن الجماعة شرط لصحتها فاعتبر إدراك ركعة لئلا يفوته الشرط في معظمها بخلاف مسئلتنا (فصل) فإن أدرك من وقت الأولى من صلاتي الجمع قدراً تجب به ثم طرأ عليه العذر ثم زال العذر بعد خروج وقتهما وجبت الأولى، وهل يجب قضاء الثانية على روايتين (إحداهما) يجب ويلزم قضاؤها لأنها إحدى صلاتي الجمع فوجبت بإدراك جزء من وقت الأخرى كالأولى (والثانية) لا يجب اختارها ابن حامد لأنه لم يدرك جزءاً من وقتها ولا من وقت تبعها فلم يجب كما لو لم يدرك من وقت الأولى شيئاً وفارق مدرك وقت الثانية، فإنه أدرك وقت تبع الأولى لأن الأولى تفعل في وقت الثانية

(1/448)


متبوعة مقصودة ولأن من لا يجوز الجمع في وقت الأولى ليس وقت الأولى عنده وقتاً للثانية بحال ومن جوز الجمع في وقت الأولى فإنه يجوز تقديم الثانية رخصة ويحتاج إلى نية التقديم، وترك التفريق بخلاف الأولى إذا أخرها إلى الثانية فلا يصح قياس الثانية على الأولى.
والأصل ان لا تجب صلاة إلا بإدراك وقتها، فإما أن أدرك وقت الفجر لم تجب عليه العشاء ولا تجب العصر بإدراك وقت المغرب لأنه لم يدرك وقتها ولا تجمع معها في حال ولا نعلم في ذلك خلافاً (مسألة) (ومن فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور مرتباً قلت أو كثرت) وجملة ذلك أن من فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " متفق عليه، وإن فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات نص عليه أحمد في مواضع.
وروي عن ابن عمر ما يدل على وجوب الترتيب ونحوه عن الزهري والنخعي ومالك وأبي حنيفة واسحاق، وقال الشافعي لا يجب لأنه قضاء لفريضة فاتته فلا يجب فيه الترتيب كالقيام ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات فقضاهن مرتبات، رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وقال " صلوا كما رأيتموني أصلي " وعن أبي جمعة حبيب بن سباع وله صحبة قال أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال " هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ " قالوا لا يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب، رواه الإمام أحمد، ولأنهما صلاتان مؤقتتان فوجب الترتيب بينهما كالمجموعتين، إذا ثبت هذا فإنه يجب الترتيب فيها وإن
كثرت، وقال مالك وابو حنيفة لا يجب الترتيب في أكثر من صلاة يوم وليلة لأن إعتباره فيما زاد يشق ويفضي إلى الدخول في التكرار فسقط كالترتيب في قضاء رمضان

(1/449)


ولنا أنها صلوات واجبات تفعل في وقت يتسع لها فوجب فيها التريب كالخمس وافضاؤه إلى التكرار لا يمنع وجوبه كترتيب الركوع على السجود (فصل) وهذا الترتيب شرط لصحة الصلاة فلو أخل به لم تصح صلاته لما ذكرنا من الحديثين والمعنى ولأنه ترتيب في الصلاة فكان شرطاً كالركوع والسجود (فصل) فإن ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى والوقت متسع أتمها وقضى الفائتة ثم أعاد الصلاة التي كان فيها إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً وهذا ظاهر كلام الخرقي وأبي بكر، وهو قول ابن عمر ومالك والليث واسحاق في المأموم وهو الذي نقله الجماعة عن أحمد في المأموم.
ونقل عنه في الإمام أنه يقطع الصلاة ونقل عنه في المنفرد روايتان (إحداهما) يقطع الصلاة ويقضي الفائتة وهو قول النخعي والزهري ويحى الأنصاري (والثانية) أنه يتم الصلاة.
وإن كان إماماً فقال القاضي يقطع الصلاة إذا كان الوقت واسعاً ويستأنف المأمومون، نقلها عنه حرب ولم يذكر القاضي غير هذه الرواية فصار في الجميع روايتان (إحداهما) يقطعها ويقضي الفائتة ويعيد التي كان فيها.
والدليل على وجوب الإعادة ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من نسي الصلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام " رواه أبو يعلى الموصلي بإسناد حسن.
ولحديث أبي جمعة الذي ذكرناه.
قال شيخنا والأولى أنه لا يقطع الصلاة لقول الله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) ولحديث ابن عمر قال أبو بكر لا يختلف كلام

(1/450)


أحمد في المأموم أنه يمضي واختلف قوله في المنفرد والذي أقول أنه يمضي (فصل) فإن مضى الإمام في صلاته بعد ذكره فهل تصح صلاة المأمومين؟ ينبني على ائتمام المفترض بالمتنفل، وإن انصرف المنصوص أنهم يستأنفون الصلاة.
قال شيخنا ويتخرج أن يبنوا كما لو سبقه الحدث
وكل موضع قلنا يمضي في صلاته فإنه مستحب غير واجب لأنها صلاة لا يعتد بها فلم يلزمه إمامها كالتطوع.
(مسألة) (فإن خشي فوات الحاضرة أو نسي الترتيب سقط وجوبه) متى خشي فوات الحاضرة سقط وجوب الترتيب مثل أن يشرع في صلاة حاضرة فيذكر فائتة والوقت ضيق أو لم يكن في صلاة لكن لم يبق من وقت الحاضرة ما يتسع لهما جميعاً فإنه يقدم الحاضرة ويسقط الترتيب في الصحيح من المذهب وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والثوري واسحاق وأصحاب الرأي، وعن أحمد أن الترتيب واجب بكل حال، إختارها الخلال، وهي مذهب عطاء والزهري والليث ومالك، ولا فرق بين كون الحاضرة جمعة أو غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " ولأنه ترتيب فلم يسقط بضيق الوقت كترتيب الركوع والسجود ولأنه قد روى " لا صلاة لمن عليه صلاة " والرواية الأولى هي المشهورة.
قال القاضي: عندي أن المسألة رواية واحدة إن الترتيب يسقط.
قال ابو حفص عن الرواية الثانية: هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة فإما أن تكون غلطاً أو قولاً قديماً لأبي عبد الله ووجهها أن الحاضرة صلاة ضاق وقتها عن أكد منها فلم يجز تأخيرها كما لو لم يكن عليه فائتة ولأن الصلاة ركن من أركان الإسلام فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة عند خوف فوتها كالصيام، يحققه أنه لو أخر الحاضر صار فائتاً وربما كثرت الفوائت فيفضي إلى أن

(1/451)


لا يصلى صلاة في وقتها ولا تلزمه عقوبة بتركها ولا يصلي جماعة أصلاً وهذا لا يرد الشرع به.
وتعلقهم بالأمر بالقضاء معارض بالأمر بفعل الحاضرة والحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها ويحرم عليه تأخيرها بخلاف الفائتة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر أخرها شيئاً وأمرهم فاقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي.
والحديث الذي ذكروه قال أحمد: ليس هذا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذه الرواية يبدأ فيقضي الفوائت على الترتيب حتى إذا خاف فوات الحاضرة صلاها ثم عاد إلى الفوائت نص عليه أحمد: فإن حضرت جماعة في صلاة الحاضرة فقال أحمد: في رواية أبي داود فيمن عليه صلاة فائتة فأدركته الظهر ولم يفرغ من الصلاة يصلي مع الإمام الظهر ويحسبهما من الفوائت ويصلي الظهر في آخر الوقت.
وفيه رواية ثالثة إذا كثرت الفوائت بحيث لا
يتسع لها وقت الحاضرة أن يصلي الحاضرة في أول وقتها نقلها عنه ابن منصور وهذا اختيار أبي حفص لأن الوقت لا يتسع لقضاء ما في الذمة وفعل الحاضرة فسقط الترتيب كما لو فاتته صلاة وقد بقي من وقت الأخرى قدر خمس ركعات ولأنه إذا لم يكن بد من الإخلال بالترتيب ففعلها في أول الوقت ليحصل فضيلة الوقت والجماعة أولى ولأن فيه مشقة فإنه يتعذر معرفة آخر الوقت في حق أكثر الناس وذكر ابن عقيل فيمن عليه فائتة وخشي فوات الجماعة روايتين (إحداهما) يسقط الترتيب لأنه إجتمع واجبان لابد من

(1/452)


تفويت أحدهما فكان مخيراً فيهما (والثانية) لا يسقط لما ذكرنا.
قال شيخنا وهذه الرواية أحسن وأصح إن شاء الله تعالى والله أعلم (فصل) إذا ترك ظهراً وعصراً من يومين لا يدري أيتهما الأولى ففيه روايتان (إحداهما) انه يتحرى أيتهما نسي أو لا فيقضيها ثم يقضي الأخرى نقلها عنه الأثرم وهذا قول أبي يوسف ومحمد لأن الترتيب مما تبيح الضرورة تركه فيما إذا ضاق وقت الحاضرة أو نسي الترتيب فيدخله التحري كالقبلة (والثانية) أنه يصلي الظهر ثم العصر من غير تحر نقلها مهنا لأن التحري فيما فيه أمارة وهذا لا أمارة فيه يرجع إليها فرجع إلى ترتيب الشرع.
قال شيخنا والقياس أنه يلزمه ثلاث صلوات - ظهر ثم عصر ثم ظهر أو بالعكس لأنه أمكنه إداء فرضه بيقين أشبه ما إذا نسي صلاة لا يعلم عينها، وقد نقل أبو داود عن أحمد ما يدل على هذا، وهذا مذهب أبي حنيفة (فصل) ولا يعذر في ترك الترتيب بالجهل بوجوبه، وقال زفر يعذر كالناسي.
ولنا أنه ترتيب واجب في الصلاة فلم يسقط بالجهل كالمجموعتين، ولأن الجهل بأحكام الشرع مع التمكن من العلم لا يسقطها كالجهل بتحريم الأكل في الصوم (فصل) ويجب عليه قضاء الفوائت على الفور وإن كثرت ما لم يلحقه مشقة في بدنه بضعف أو خوف مرض أو نصب أو إعياء - أو ماله بفوات شئ منه أو ضرر فيه أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فإن جهل الفوائت فلم يعلم قدرها قضى حتى يتيقن براءة ذمته، ويقتصر على الفرائض ولا يتنفل بينها ولا يصلي سنتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق لم ينقل أنه صلى
بينها سنة.
ولأن الفرض أهم فالاشتغال به أولى، فإن كانت صلاة أو نحوها فلا بأس بقضاء سنتها لأن

(1/453)


النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته الفجر صلى سنتها قبلها وهذا قول الشافعي، وقال مالك يبدأ بالمكتوبة والأول أولى لما ذكرنا من الحديث وهو اختيار ابن المنذر (فصل) ومن فاتته صلاة من يوم لا يعلم عينها أعاد صلاة اليوم جميعه ينوي بكل واحدة أنها الفائتة نص عليه وهو قول أكثر أهل العلم لأن التعيين شرط في صحة الصلاة المكتوبة ولا يتوصل إليه إلا بذلك فلزمه.
وقال الثوري يصلي الفجر ثم المغرب ثم يصلي أربعاً ينوي إن كان الظهر أو العصر أو العشاء، وقال الأوزاعي يصلي أربعاً بإقامة (فصل) إذا نام في منزل في السفر فاستيقظ بعد خروج وقت الصلاة استحب له أن ينتقل عن ذلك المنزل فيصلي في غيره، نص عليه لما روى أبو هريرة قال: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليأخذ كل رجل منكم براس راحلته فإن هذا منزل حضر فيه الشيطان " قال ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة.
متفق عليه، ويستحب أن يصلي الفائتة جماعة إذا أمكن لهذا الخبر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلوات الفائتة يوم الخندق في جماعة ولا يلزم القضاء أكثر من مرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض أكثر من مرة، وقد روى عمران بن حصين حين ناموا عن صلاة الفجر قال فقلنا يا رسول الله ألا نصلي هذه الصلاة لوقتها؟ قال " لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم " رواه الأثرم واحتج به أحمد (فصل) إذا أخر الصلاة لنوم أو غيره حتى خشي خروج الوقت إن تشاغل بالسنة بدأ بالفرض نص عليه لأن الحاضرة إذا قدمت على الفائتة الواجبة مراعاة للوقت فعلى السنة أولى وهكذا

(1/454)


إذا استيقظ وشك في طلوع الشمس بدأ بالفريضة نص عليه لأن الأصل بقاء الوقت (فصل) ومن أسلم في دار الحرب فترك صلوات أو صياماً لا يعلم وجوبه لزمه قضاؤه وبهذا قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه ولنا أنها عبادة تلزمه مع العلم فلزمته مع الجهل كما لو كان في دار الإسلام (مسالة) (وإن نسي الترتيب سقط وجوبه) حتى لو صلى الحاضرة ناسياً للفائتة ولم يذكرها حتى فرغ فليس عليه إعادة نص عليه أحمد في رواية الجماعة، وقال مالك يجب الترتيب مع النسيان كالمجموعتين والركوع والسجود ولحديث أبي جمعة ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان " ولأن المنسية ليس عليها أمارة فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام، فأما حديث أبي جمعة فمن رواية ابن لهيعة وهو ضعيف ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها وهو في الصلاة جمعاً بينه وبين ما ذكرنا من الدليل وإنما لم يعذر في المجموعتين بالنسيان لأنه لا يتحقق إذ لابد فيهما من نية الجمع بينهما ولا يمكن ذلك مع نسيان إحداهما ولأن إجتماع الجماعة يمنع النسيان إذ لا يكادون كلهم ينسون الأولى ولا فرق بين أن يكون سبق منه ذكر الفائتة ثم نسيها أو لم يسبق نص عليه لما ذكرنا والله أعلم.