الشرح الكبير على متن المقنع

(باب الأذان والإقامة) أصل الأذان في اللغة الإعلام.
قال الله تعالى (وأذان من الله ورسوله) أي إعلام وقال الشاعر * آذنتنا ببينها أسماء * أي أعلمتنا والأذان للصلاة إعلام بوقتها والأذان الشرعي هو اللفظ المعلوم المشروع في أوقات الصلاة (فصل) وفيه فضل عظيم لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه " متفق عليه، وعن معاوية ابن أبي سفيان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة " رواه مسلم وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أذن سبع سنين محتسباً كتب

(1/387)


الله له براءة من النار رواه ابن ماجه وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة رجل أم قوماً وهم به راضون، ورجل يؤذن في كل يوم خمس صلوات وعبد أدى
حق الله وحق مواليه " رواه أحمد والترمذي، وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول المقدم والمؤذن يغفر له بمد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه " رواه الإمام أحمد والنسائي (فصل) قال القاضي الآذان أفضل من الامامة وهذاحدى الروايتين عن أحمد وهو اختيار ابن أبي موسى وجماعة من أصحابنا وهذا مذهب الشافعي لما ذكرنا من الأخبار في فضيلته ولما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة وأغفر للمؤذنين " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والأمانة أعلى من الضمان والمغفرة أعلى من الإرشاد (والرواية الثانية) الإمامة أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه وخلفاؤه من بعده ولا يختارون إلا الأفضل ولان الامامة يختار لها من هو أكمل حالاً وأفضل وإعتبار فضلته دليل على فضيلة منزلته ومن نصر الرواية الأولى قال إنما لم يتوله النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه لضيق وقتهم عنه ولهذا قال عمرو: لولا الخليفاء لأذنت والله أعلم (مسألة) (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء) أجمعت الأمة على أن الأذان والإقامة مشروع للصلوات الخمس ولا يشرعان لغير الصلوات الخمس لأن المقصود منه الإعلام بوقت المفروضة على الأعيان وهذا لا يوجد في غيرها، والأصل في الآذان ما روي عن أنس

(1/388)


ابن مالك رضي الله عنه قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا لوقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، متفق عليه وعن عبد الله ابن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه قال ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت ندعوا به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت بلى قال فقال تقول: الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله اكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم أستأخر عني غير بعيد ثم
قال ثم تقول إذا أقمت الصلاة، الله اكبر الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي عى الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال " أنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلله الحمد " أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وهذا لفظه وابن ماجة وأخرج الترمذي بعضه وقال حديث حسن صحيح

(1/389)


(فصل) وليس على النساء اذان ولا إقامة كذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والثوري ومالك وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم.
واختلفوا هل يسن لهن ذلك؟ فروي عن أحمد أن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز.
وقال القاضي هل تستحب لها الإقامة؟ على روايتين، وعن جابر أنها تقيم وبه قال عطاء ومجاهد والاوزاعي، وقال الشافعي إن أذن وأقمن فلا بأس، وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وبه قال إسحاق وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأم ورقة أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساء أهل دارها إلا أن هذا الحديث يرويه الوليد بن جميع وقد قال ابن حبان لا يحتج بحديثه ووثقه يحيى بن معين، وروي عنه لا يشرع لها ذلك لما روى النجاد بإسناده عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس على النساء اذان ولا إقامة " ولأن الأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها ولا تشرع لها الإقامة لأن من لا يشرع له الأذان لا تشرع له الإقامة كغير المصلي وكالمسبوق (مسألة) قال (وهما فرض على الكفاية إن اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإمام) كذلك ذكره أبو بكر بن عبد العزيز وهو قول أكثر الأصحاب وبعض أصحاب مالك وبه قال عطاء ومجاهد، قال إبن المنذر الأذان والإقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به مالك بن الحويرث وصاحبه والأمر يقتضي الوجوب.
وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه

(1/390)


ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فكان فرضاً كالجهاد فعلى هذا إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين كسائر فروض الكفايات وإن اتفقوا على تركه أثموا كلهم، ولأن بلالاً كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيكتفي به، وإن اتفق أهل البلد على تركه قاتلهم الإمام عليه لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فقوتلوا عليه كصلاة العيدين، وظاهر كلام الخرقي أن الأذان سنة غير واجب لأنه قال فإن صلى بلا اذان ولا إقامة كرهنا له ذلك فجعله مكروهاً وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله: الصلاة جامعة، وقال ابن أبي موسى الأذان سنة في إحدى الروايتين إلا أذان الجمعة حين يصعد الإمام فإنه واجب، وعلى كلا القولين إذا صلى بغير اذان ولا إقامة كره له ذلك لما ذكرنا وصحت صلاته لما روي عن علقمة والاسود أنهما قالا دخلنا علي عبد الله فصلى بنا بلا اذان ولا إقامة.
رواه الأثرم قال شيخنا ولا أعلم أحداً خالف في ذلك إلا عطاء قال من نسي الإقامة يعيد ونحوه عن الأوزاعي، والصحيح إن شاء الله قول الجمهور لما ذكرنا ولأن الإقامة أحد الأذانين فلم يفسد تركها كالأخر (فصل) ومن أوجب الأذان من أصحابنا إنما أوجبه على أهل المصر فأما غير أهل المصر من المسافرين فلا يجب عليهم كذلك ذكره القاضي، وقال مالك انما يجب النداء في مساجد الجماعة التي يجتمع فيها للصلاة، وذلك لأن الأذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت ليجتمع الناس إلى الصلاة

(1/391)


ويدركوا الجماعة، ويحتمل أن يجب في السفر للجماعة وهو قول ابن المنذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالاً في السفر وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له " إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما " متفق عليه وهذا ظاهر في وجوبه، ويكفي مؤذن في المصر إذا كان يسمعهم ويجتزئ بقيتهم بالإقامة، قال أحمد في الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك والاوزاعي تكفيه الإقامة، وقال الحسن وابن سيرين إن شاء أقام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي علمه الصلاة " إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة وكبر " وفي لفظ رواه النسائي
" فأقم ثم كبر " وقد ذكرنا حديث ابن مسعود (فصل) والأفضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم إلا أنه إن كان يصلي قضاء أو في غير وقت الأذان لم يجهر به، وإن كان في الوقت في بادية أو نحوها إستحب له الجهر بالأذان لقول أبي سعيد: إذا كنت في غنمك أو بادينك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير إذا طلع الفجر.
وكان إذا سمع أذاناً أمسك والا أغار فسمع رجلاً يقول: الله اكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " على الفطرة " فقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد ان لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خرجت من النار " فنظر فإذا صاحب معز: رواه مسلم

(1/392)


(فصل) ويستحب الآذان في السفر وللراعي وأشباهه في قول أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم وكان يقول إنما الأذان على الإمام والأمير الذي يجمع الناس (وعنه) أنه كان لا يقيم الصلاة في أرض تقام فيها الصلاة.
وعن علي رضي الله عنه أن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام وبه قال الثوري، وقال الحسن تجزئه الإقامة وقال إبراهيم في المسافرين وإذا كانوا رفاقاً أذنوا وأقاموا وإن كان وحده أقام الصلاة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الحضر والسفر وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه وما نقل عن السلف في هذا فالظاهر أنهم أرادوا وحده كما قال إبراهيم النخعي في كلامه والأذان مع ذلك أفضل لما ذكرنا من حديث أبي سعيد وحديث أنس وروى عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل إنظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة " رواه النسائي.
والصلاة في الأذان على أربعة أضرب ما يشرع لها الأذان والإقامة وهي الفرض المؤداة من الصلوات الخمس، وصلاة يقيم لها ولا يؤذن وهي الثانية من صلاتي الجمع وما بعد الأولى من الفوائت، وصلاة لا يؤذن لها ولا يقيم لكن ينادي لها: اللاة جامعة: وهي العيدان والكسوف والاستسقاء،
وصلاة لا يؤذن لها أصلاً وهي صلاة الجنازة

(1/393)


(مسألة) (ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين) وهو قول ابن المنذر وكرهه القاسم ابن عبد الرحمن والاوزاعي وأصحاب الرأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص " وإتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولأنه قربة لفاعله لا يصح إلا من مسلم فلم يجز أخذ الأجرة عليه كالإمامة وروى عن أحمد أنه يجوز أخذ الأجرة عليه ورخص فيه مالك وقال لا بأس به لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه أشبه سائر الأعمال (مسألة) (فإن لم يوجد متطوع بهما رزق الامام من بيت المال من يقوم بهما) لا نعلم خلافاً في جواز أخذ الرزق عليه وهو قول الأوزاعي والشافعي لأن بالمسلمين إليه حاجة وقد لا يوجد متطوع به فإذا لم يدفع الرزق فيه تعطل ويرزقه الإمام من الفئ لأنه المعد للمصالح فهو كأرزاق القضاة والغزاة وقال الشافعي لا يرزق المؤذن إلا من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم حكاه ابن المنذر فأما إن وجد متطوع به لم يرزق غيره لعدم الحاجة إليه والله أعلم (مسألة) (وينبغي أن يكون المؤذن صيتاً أميناً عالماً بالأوقات) وجملة ذلك أنه يستحب أن يكون المؤذن صيتاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد " ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك " واختار أبا محظورة للأذان لكونه صيتاً ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان (قال شيخنا) ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه وأن يكون عدلاً أميناً لأنه مؤتمن يرجع إليه

(1/394)


في الصلاة والصيام فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك.
وقد روي عن أبي محذورة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون " رواه البيهقي من رواية يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام ولأنه يؤذن على موضع عال فلا يؤمن منه النظر إلى العورات، وأن يكون عالماً بالأوقات ليتحراها فيؤذن في أولها ولأنه إذا لم يكن عالماً لا يؤمن منه الغلط والخطأ.
ويستحب أن يكون بصيراً لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط.
وكره أذان الأعمى ابن مسعود وابن الزبير وعن ابن عباس أنه كره إقامته وإن أذن صح أذانه لأن ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى قال له أصبحت أصبحت رواه البخاري، ويستحب أن يكون معه بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد بلال، وإن أذن الجاهل أيضا صح لانه ذا صح أذان الأعمى فالجاهل أولى.
(مسألة) (فإن تشاح فيه نفسان قدم أفضلهما في ذلك، ثم أفضلهما في دينه وعقله) متى تشاح نفسان في الأذان قدم أفضلهما في الخصال المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بلالاً علي عبد الله ابن زيد لكونه أندى صوتاً منه وقدم أبا محذورة لصوته، وقسنا عليه سائر الخصال فإن إستويا في هذه الخصال قدم أفضلهما في دينه وعقله لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم " رواه أبو داود وابن ماجة.
فإن استويا قدم من يختاره الجيران

(1/395)


لأن الأذان لاعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعف عن النظر فإن تساويا من جميع الجهات أقرع بينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لأستهموا " ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد (مسألة) (والأذان خمسة عشر كلمة لا ترجيع فيه) هذا اختيار أبي عبد الله رحمه الله كما جاء في حديث عبد الله بن زيد الذي رويناه، وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر وقال مالك والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز: الأذان المسنون أذان أبي محذورة وهو كما وصفنا في حديث عبد الله بن زيد ويزيد فيه الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض بذلك ثم يعيدهما رافعاً بهما صوته إلا أن مالكا قال التكبير في أوله مرتان حسب، فيكون الأذان عنده سبعة عشر كلمة وعند الشافعي تسعة عشر كلمة واحتجوا بما روي أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقنه الأذان وألقاه عليه فقال له " تقول أشهد ان لا إله الله، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد ان لا إله إلا
الله، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله " ثم ذكر سائر الأذان أخرجه مسلم، واحتج مالك قال: كان الأذان الذي يؤذن به أبو محذورة: الله اكبر الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله.
رواه مسلم

(1/396)


ولنا ما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد وهو أولى لأن بلالاً كان يؤذن به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حضراً وسفراً وأقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه بعد أذان أبي محذورة، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل إلى أي الأذان تذهب؟ قال إلى أذان بلال، قيل له أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زبد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد؟ ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سراً ليحصل له الإخلاص بهما فإنه في الإسرار أبلغ، وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقراً بهما حينئذ فإن الخبر أنه كان مستهزئاً يحكي أذان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فدعاه فأمره بالأذان قال ولا شئ عندي أبغض من النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به، فقصد النبي صلى الله عليه وسلم نطقه بالشهادتين سراً ليسلم بذلك وهذا لا يوجد في غيره، ودليل هذا الإحتمال كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به بلالاً ولا غيره ممن هو ثابت الإسلام (مسألة) (والإقامة إحدى عشرة كلمة فإن رجع في الاذان أوثنى في الإقامة فلا بأس) وجملة ذلك أن الإقامة المختارة عند إمامنا رحمه الله إقامة بلال التي ذكرنا في حديث عبد الله بن

(1/397)


زيد وهي الله اكبر، الله أكبر، أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله وبهذا قال الأوزاعي وأهل الشام ويحيى بن يحيى وأبو ثور وإسحاق والشافعي وأصحابه وأهل مكة، وقال الثوري وأصحاب الرأي: الإقامة مثل الأذان وتزيد " قد قامت الصلاة مرتين " لما روي عن عبد الله بن زيد قال كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعاً شفعاً في الأذان والإقامة رواه الترمذي، وعن أبي محذورة أن النبي
صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقال مالك الإقامة عشر كلمات يقول قد قامت الصلاة مرة واحدة لقول أنس أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة متفق عليه ولنا ما روى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال انما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة إلا أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وفي حديث عبد الله بن زيد أنه وصف الإقامة كما ذكرنا والحديث الذي احتجوا به من حديث عبد الله بن زيد رواه عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد قال الترمذي عبد الرحمن لم يسمع من عبد الله بن زيد وقال الصحيح ما روينا.
والذي احتج به مالك حجة لنا لأنه ذكره مجملاً وقد فسره عبد الله بن عمر في حديثه وبينه فكان الأخذ به أولى، وخبر أبي محذورة متروك بالإجماع لأن الشافعي لا يعمل به في الإقامة وأبو حنيفة لا يعمل به في الأذان فكان الأخذ بحديث عبد الله بن زيد أولى ولأنا قد بينا ترجيحه في الأذان كذا في الإقامة والإختلاف ههنا

(1/398)


في الأفضلية مع جواز كل واحد من الأمرين نص عليه الإمام أحمد، وبه قال إسحاق لكون كل واحد من الأمرين قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (ويقول في آذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين) وهذا مستحب في صلاة الصبح خاصة بعد قوله حي على الفلاح ويسمى هذا التثويب وبه قال ابن عمر والحسن ومالك والثوري واسحاق والشافعي في الصحيح عنه، وقال أبو حنيفة التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر أن يقول " حي على الصلاة " مرتين " حي على الفلاح " مرتين ولنا ما روى النسائي وأبو داود عن أبي محذورة: فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله.
وما ذكروه قال إسحاق هذا شئ أحدثه الناس.
وقال الترمذي وهو التثويب الذي كرهه أهل العلم، ويكره التثويب في غير الفجر سواء ثوب في الأذان أو بعده لما روي عن بلال قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أثوب في الفجر
ونهاني أن أثوب في العشاء رواه الإمام أحمد وابن ماجة، ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلاً يثوب في أذان الظهر فخرج فقيل له إلى أين؟ فقال أخرجتني البدعة ولان صلاة الفجر وقت ينام فيه عامة الناس فاختص بالتثويب لإختصاصه بالحاجة إليه (فصل) ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، قال الترمذي وعلى هذا العمل

(1/399)


من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، قال أبو الشعثاء كنا قعوداً مع أبي هريرة في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد بمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد.
فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وأبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدركه الأذان في المسجد، ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق.
رواه ابن ماجه.
فأما إن خرج لعذر كفعل ابن عمر حين سمع التثويب فجائز وكذلك من نوى الرجعة لحديث عثمان والله أعلم (مسألة) (ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة) الترسل التمهل والتأني من قولهم جاء فلان على رسله - والحدر ضد ذلك وهو الإسراع وهو من آداب الأذان ومستحباته وهذا مذهب ابن عمر وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأبو حنيفة وصاحباه وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال " إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر " رواه الترمذي وقال في إسناده مجهول، وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر رضي الله عنه انه قال للمؤذن " إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فأحذم وأصل الحذم في المشي الإسراع ولأنه يحصل به الفرق بين الأذان والإقامة فاستحب كالإفراد ولأن الأذان إعلام الغائبين فالتثبت فيه أبلغ في الإعلام والإقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة إليه فيها، وذكر أبو عبد الله بن بطة أنه في الأذان والإقامة لا يصل الكلام بعضه ببعض معزباً بل

(1/400)


حزماً وحكاه ابن الأعرابي عن أهل اللغة، وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال: شيئان مجزومان
كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة وهذا إشارة إلى جميعهم (مسألة) (ويؤذن قائماً متطهراً على موضع عال مستقبل القبلة) قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن المؤذن قائماً.
وروي في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال " قم فأذن " وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنون قياماً، فإن أذن قاعداً لعذر فلا بأس، قال الحسن العبدي رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن قاعداً وكانت رجله أصيبت في سبيل الله.
رواه الأثرم، وإن فعله لغير عذر فقد كرهه أهل العلم ويصح لأنه ليس آكد من الخطبة وتصح من القاعد (فصل) ويجوز الأذان على الراحلة.
قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الأذان على الراحلة فسهل فيه، قال إبن المنذر ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير وينزل فيقيم، ولأنه إذا جاز التنفل على الراحلة فالأذان أولى به.
قاله سالم بن عبد الله وربعي بن خراش ومالك والاوزاعي والثوري وأصحاب الرأي إلا أن مالكاً قال لا يقيم وهو راكب (فصل) ويستحب أن يؤذن متطهراً من الحدثين الأصغر والأكبر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يؤذن إلا متوضئ " رواه الترمذي، وروى موقوفاً على أبي هريرة والوقوف أصح فإن أذن محدثاً جاز لأنه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة لا تشترط لها وهو قول الشافعي والثوري وأبي

(1/401)


حنيفة ويكره له ذلك رويت كراهته عن عطاء ومجاهد والاوزاعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر ورخص فيه النخعي والحسن البصري وقتادة وحماد وقال مالك يؤذن على غير وضوء ولا يقيم إلا على وضوء (فصل) فإن أذن جنباً ففيه روايتان (إحداهما) لا يعتد به اختاره الخرقي وهو قول إسحاق لما ذكرنا من الحديث ولأنه ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة والخطبة (والثانية) يعتد به.
قال الآمدي وهو المنصوص عن أحمد وهو قول أكثر أهل العلم لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر ويستحب أن يؤذن على موضع عال لأنه أبلغ في الإعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس
على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن.
رواه أبو داود ويؤذن مستقبل القبلة ولا نعلم خلافاً في إستحبابه.
قال إبن المنذر أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة بالأذان وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة، فإن أخل باستقبال القبلة كره له ذلك وصح.
وإن مشى في أذانه لم يبطل لأن الخطبة لا تبطل به وهي آكد منه ولأنه لا يخل بالإعلام المقصود من الأذان وسئل أحمد عن الرجل يؤذن وهو يمشي قال نعم أمر الأذان عندي سهل وسئل عن المؤذن يمشي وهو يقيم فقال يعجبني أن يفرغ

(1/402)


ثم يمشي، وقال في رواية حرب في المسافر أحب إلي أن يؤذن ووجهه إلى القبلة وأرجو أن يجزئ (مسألة) (فإذا أبلغ الحيعلة ألتفت يميناً وشمالاً ولم يستدر) الحيعلة قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح.
ويستحب للمؤذن أن يلتفت يميناً إذا قال حي الصلاة، ويساراً إذا قال حي على الفلاح، ولا يزيل قدميه.
وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول النخعي والثوري والاوزاعي وأبي حنيفة وصاحبيه والشافعي.
لما روى أبو جحيفة قال رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يميناً وشمالاً يقول حي على الصلاة، حي على الفلاح، متفق عليه.
وفي لفظ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم فخرج بلال فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر، رواه أبو داود.
وذكر أصحابنا عن أحمد فيمن أذن في المنارة روايتين (إحداهما) لا يدور للخبر وكما لو كان على وجه الأرض (والثانية) يدور لأنه لا يحصل بدونه وتحصيل المقصود مع الإخلال بالآداب أولى من العكس وهذا قول إسحاق (فصل) ويستحب رفع الصوت بالأذان لأنه أبلغ في الإعلام وأعظم للأجر لما ذكرنا في خبر أبي سعيد ولا يجهد نفسه زيادة على طاقته كيلا يضر بنفسه وينقطع صوته، قال القاضي ويرفع نظره إلى السماء لأن فيه حقيقة التوحيد، ومتى أذن لعامة الناس جهر بجميع الأذان، ولا يجهر بالبعض ويخافت بالبعض لأنه يخل بمقصود الأذان، وإن أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين فله أن يخافت ويجهر

(1/403)


وأن يجهر بالبعض ويخافت بالبعض إلا أن يكون في غير وقت الأذان فلا يجهر بشئ منه لئلا يغر الناس (مسألة) (ويجعل أصبعيه في أذنيه) وذلك مستحب وهو المشهور عن أحمد وعليه العمل عند أهل العلم كذلك قال الترمذي لما روى أبو جحيفة أن بلالاً وضع أصبعيه في أذنيه رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن سعد القرظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال أنه أرفع لصوتك، رواه ابن ماجه.
وقال الخرقي يجعل أصبعيه مضمومة على أذنيه رواه أبو طالب عن أحمد أنه قال أحب إلي أن يجعل بديه على أذنيه على حديث أبي محذورة واحتج لذلك القاضي بما روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا بعث مؤذناً يقول له: أضمم أصابعك مع كفيك واجعلها مضمومة على أذنيك، وبما روى الإمام أحمد عن أبي محذورة أنه كان يضم أصابعه والأول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل أهل العلم به وأيهما فعل فحسن وإن ترك الكل فلا بأس (مسألة) (ويتولاهما معاً) يستحب أن يتولى الإقامة من يتولى الأذان وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا فرق بينه وبين غيره لما روى أبو داود في حديث عبد الله بن زيد حين رأى الأذان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " القه على بلال فإنه أندى صوتاً منك " فألقاه عله فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال له أقم أنت، ولأنه يحصل المقصود منه أشبه مالو تولاهما معاً ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زياد بن الحرث الصدائي " أن أخا صداء أذن ومن

(1/404)


أذن فهو يقيم " ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة فسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين وما ذكروه يدل على الجواز وهذا على الاستحباب (فصل) فإن سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم.
فقال أحمد لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة فروى عبد العزيز بن رفيع قال رأيت رجلاً أذن قبل أبي محذورة.
قال فجاء أبو محذورة فأذن ثم أقام أخرجه الأثرم.
فإن أقام بغير إعادة فلا بأس وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي
لما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد (مسألة) (ويستحب للمؤذن أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه) يعني يقيم الصلاة في الموضع الذي يؤذن فيه كذلك روي عن أحمد قال أحب إلي أن يقيم في مكانه ولم يبلغني فيه شئ إلا حديث بلال: لا تسبقني بآمين.
يعني لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بالتأمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكبر بعد فراغ بلال من الإقامة.
ولأن الإقامة شرعت للإعلام بدليل قول ابن عمر كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة فينبغي أن تكون في موضع الأذان لكونه أبلغ في الإعلام، فأما إن شق عليه ذلك بحيث يؤذن في المنارة أو في مكان بعيد من المسجد فيقيم في غير موضعه لئلا يفوته بعض الصلاة

(1/405)


(فصل) ولا يقيم إلا بإذن الإمام فإن بلالا كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه قال فجعلت أقول للنبي صلى الله عليه وسلم أقيم أقيم؟ وروي أبو حفص باسناده عن علي قال: المؤذن أملك بالأذان والامام أملك بالإقامة ورواه البيهقي.
قال وقد روي عن أبي هريرة مرفوعاً وليس بمحفوظ (1) (مسألة) (ولا يصح الأذان إلا مرتباً متوالياً فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به) وجملة ذلك أن من شرط صحة الأذان أن يكون مرتباً متوالياً لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما ولأنه شرع في الأصل كذلك وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة مرتباً فإن نكسه لم يصح لما ذكرنا (فصل) ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان وكرهه طائفة من أهل العلم منهم النخعي وابن سيرين.
قال الأوزاعي لم نعلم أحداً يقتدى به فعل ذلك.
ورخص فيه الحسن وعطاء وعروة وسليمان ابن صرد.
فإن لم يطل الكلام جاز وإن طال الكلام بطل الأذان لإخلاله بالموالاة المشترطة فيه، وكذلك لو سكت سكوتاً طويلاً أو نام نوماً طويلاً أو أغمي عليه طويلاً أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه لما ذكرنا وإن كان يسيراً محرماً ففيه وجهان (أحدهما) لا يبطل لأنه لا يخل بالمقصود أشبه
المباح (والثاني) يبطل الأذان لأنه فعل محرماً أشبه الردة.
فان ارتد في أثناء الأذان بطل لقوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك) وان ارتد بعده.
فقال القاضي يبطل قياساً على الطهارة (قال شيخنا)
__________
1) حديث أبي هريرة رواه ابن عدي في ترجمة شريك القاضي وضعفه به ولكن وثقه ابن معين واحمد والصواب ما حققه الحافظ ابن حجر من انه صدوق يخطئ كثيرا وقد تغير حفظه منذ ولي القضاء

(1/406)


والصحيح أنه لا يبطل لأنها وجدت بعد فراغه وانقضاء حكمه فأشبه سائر العبادات.
فاما الطهارة فحكمها باق بدليل أنها تبطل بمبطلاتها فأما الإقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لأنه يستحب حدرها، قال أبو داود قلت لاحمد الرجل يتكلم في أذانه؟ قال نعم فقيل له يتكلم في الإقامة قال لا، وقد روي عن الزهري أنه إذا تكلم في الإقامة أعادها، وأكثر أهل العلم على أنه يجزئه قياساً على الأذان وليس للرجل أن يبني على أذان غيره لأنها عبادة بدنية فلا تصح من شخصين كالصلاة.
فإما الكلام بين الأذان والإقامة فجائز وكذلك بعد الإقامة قبل الدخول في الصلاة لأنه روي عن عمر أنه كان يكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة والله أعلم (مسألة) (ولا يصح إلا بعد دخول الوقت إلا الفجر فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل) أما الأذان لغير الفجر قبل الوقت فلا يجزئ بغير خلاف نعلمه.
قال ابن المندر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يؤذن للصلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر ولأن الأذان شرع للإعلام بالوقت فلا يشرع قبل الوقت لعدم حصول المقصود (فصل) وأما الفجر فيشرع لها الأذان قبل الوقت، وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد لا يجوز لما روى ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم إن يرجع فينادي إلا أن العبد نام فرجع فنادى: إلا أن العبد نام، وعن بلال أن

(1/407)


رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا " ومد يديه عرضاً رواهما أبو داود
وقال طائفة من أهل الحديث إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس وإلا فلا لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت فلم يجز كبقية الصلوات فأما إذا كان له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " متفق عليه وهذا يدل على دوام ذلك منه وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم ينهه فدل على جوازه وروى زياد بن الحارث الصدائي قال.
لما كان أذان الصبح أمرني النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت فجعلت أقول: أقيم أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق فيقول " لا " حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز ثم انصرف إلى وقد تلاحق أصحابه فتوضأ فاراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم " قال فأقمت رواه أبو داود والترمذي (1) وهذا قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم لأذان قبل طلوع الفجر وهو حجة على من قال إنما يجوز ذلك إذا كان معه مؤذنان فإن زياداً أذن وحده في حديث ابن عمر الذي احتجوا به ولم يروه كذلك إلا حماد ابن زيد رواه أحمد بن زيد ولدراوردي فقالا كان مؤذن لعمر يقال له مسعود وقال هذا أصح.
وقال الترمذي في هذا الحديث أنه غير محفوظ وكذلك قال عمر بن المديني والحديث الآخر قال ابن عبد البر لا تقوم بمثله حجة لضعفه وإنقطاعه وإنما اختصت الفجر بذلك دون سائر الصلوات لأنه وقت النوم ليتأهب الناس للخروج إلى الصلاة وينتبهوا ولا يوجد ذلك في غيرها، وقد روي في بعض
__________
1) ضعفه الترمذي بعبد الرحمن بن زياد ابن انعم الافريقي ولكنه قال والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم

(1/408)


الأحاديث " إن بلالا يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم " رواه أبو داود ولا ينبغي أن يتقدم على الوقت كثيراً إذا كان المعنى فيه ما ذكرنا وقد روي أن بلالاً كان بين أذانه وأذان ابن أم مكتوم أن ينزل هذا ويصعد هذا.
وقال بعض أصحابنا ويجوز أن يؤذن لها بعد نصف الليل وهو مذهب الشافعي لأن بذلك يخرج وقت العشاء المختار ويدخل وقت الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة وطواف الزيارة وروى الأثرم قال كان مؤذن دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير
الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول ولا يقول شيئاً (فصل) ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كبلال وابن أم مكتوم ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها ليعرف الناس ذلك من عادته فلا يغتروا بأذانه ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيلتبس على الناس ويغترون به فربما صلى بعض من سمعه الصبح قبل وقتها ويمتنع من سحوره والمتنفل من تنفله إذا لم يعلم حاله ومن علم حاله لا يستفيد بأذانه لتردده بين الاحتمالين (فصل) ونص أحمد على أنه يكره الأذان للفجر في رمضان قبل وقتها لئلا يغتر الناس به فيتركوا سحورهم.
والصحيح أنه لا يكره في حق من عرفت عادته في الأذان بالليل لما ذكرنا من حديث بلال

(1/409)


ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن بليل لينتبه نائمكم ويرجع قائمكم " رواه أبو داود، ويستحب أن يؤذن في أول الوقت ليتأهب الناس للصلاة وقد روى جابر بن سمرة قال: كان بلال لا يخرم الأذان عن الوقت وربما أخر الإقامة شيئاً رواه ابن ماجه وفي رواية كان بلال يؤذن إذا مالت الشمس لا يخرم (مسألة) (ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم) لما روى تمام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة " وحكي عن أبي حنيفة والشافعي أنه لا يسن ولنا ما ذكرنا من الحديث وقد روى عبد الله بن أحمد بإسناده عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بلال إجعل بين أذانك وإقامتك نفساً يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضئ (1) حاجته في مهل " لأن الأذان شرع للإعلام فليسن تأخير الإقامة ليدرك الناس الصلاة في المغرب كسائر الصلوات (فصل) ويستحب أن يفصل بنى الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين لما ذكرنا من الحديث ولما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال " إجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الا كل من أكله، والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته " رواه أبو داود والترمذي (2)
(فصل) قال اسحاق بن منصور رأيت أحمد خرج عند المغرب فحين إنتهى إلى موضع الصف
__________
1) رواه من حديث أبي الجوزاء وهو لم يسمع من ابي ابن كعب 2) في اسناده ضعيفان عبد المنعم بن نعيم ويحيى بن مسلم البكاء وله شاهدا ضعف منه

(1/410)


أخذ المؤذن في الإقامة فجلس قال أحمد يقعد الرجل مقدار الركعتين إذا أذن المغرب.
قيل من أين؟ قال من حديث أنس وغيره كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري وصلوا ركعتين، وروى الخلال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وبلال في الإقامة فقعد (مسألة) (ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها) متى جمع بين صلاتين أذن وأقام للاول ثم أقام للثانية سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه مسلم.
وعن ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء يجمع كل واحدة منهما بإقامة رواه البخاري.
إلا أنه إذا جمع في وقت الأولى كان الأذان لها آكد لأنها مفعولة في وقتها أشبه مالو لم يجمع، وإن كان في وقت الثانية فلم يؤذن أو جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس لما روى ابن عمر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً والعشاء ركعتين بإقامة واحدة، رواه مسلم ولأن الأولى مفعولة في غير وقتها فهي كالفائتة.
والثانية مسبوقة بصلاة فلم يشرع لها الأذان كالثانية من الفوائت، وقال مالك يؤذن للأولى

(1/411)


والثانية ويقيم لأن الثانية منهما صلاة يشرع لها الأذان لو لم تجمع فكذلك إذا جمعت وهو مخالف لما ذكرنا من الأحاديث الصحيحة (فصل) فأما قضاء الفوائت فإن كانت الفائتة واحدة أذن لها وأقام لما روى عمرو بن أمية الضمري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تنحوا عن هذا المكان، قال ثم أمر بلالاً فأذن
ثم توضؤا وصلوا ركعتي الفجر ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح رواه أبو داود، وإن كثرت الفوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها لما روى أبو عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وإن لم يؤذن فلا بأس وهذا في الجماعة، فإن كان وحده كان إستحباب ذلك أدنى في حقه لأن الأذان والإقامة للإعلام ولا حاجة الى الإعلام ههنا.
وقد روي عن أحمد فيمن فاتته صلوات فقضاها فأذن وأقام مرة واحدة فسهل في ذلك ورآه حسناً وروي ذلك عن الشافعي وله قولان آخران (أحدهما) أنه يقيم ولا يؤذن وهو قول مالك لما روى أبو سعيد قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب بهوي من الليل قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأمره فأقام الظهر فصلاها ثم أمره فأقام العصر فصلاها، ولأن الأذان للإعلام بالوقت وقد فات

(1/412)


والقول الثاني للشافعي: إن رجي اجتماع الناس أذن وإلا فلا لأنه لا حاجة إليه، وقال أبو حنيفة يؤذن لكل صلاة ويقيم لأن ما سن للصلاة في أدائها سن في قضائها كسائر المسنونات، والأول أولى لحديث ابن مسعود وهو متضمن للزيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، وما قال أبو حنيفة مخالف لحديث ابن ابن مسعود وأبي سعيد، ولأن الثانية من الفوائت صلاة قد أذن لما قبلها أشبهت الثانية من المجموعتين وقياسهم ينتقض بهذا والله أعلم (فصل) ومن دخل مسجداً قد صلى فيه فإن شاء أذن وأقام نص عليه لأنه روي عن أنس أنه دخل مسجداً قد صلوا فيه فأمر رجلاً فأذن وأقام فصلى بهم في جماعة رواه الأثرم، وإن شاء صلى من غير اذان ولا إقامة قال عروة إذا أنتهيت إلى مسجد وقد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا فإن أذانهم وإقامتهم تجزئ عمن جاء بعدهم.
وهذا قول الحسن والشعبي والنخعي إلا أن الحسن قال: كان أحب إليهم أن يقيم، وإن أذن أخفى ذلك لئلا يغر الناس

(1/413)


(فصل) وإن أذن المؤذن وأقام لم يستحب لسائر الناس أن يؤذن كل إنسان في نفسه ويقيم بعد فراغ المؤذن لكن يقول كما يقول المؤذن لأن السنة إنما وردت بهذا (مسألة) (وهل يجزئ أذان المميز للبالغين؟ على روايتين) وجملة ذلك أن الأذان لا يصح إلا من مسلم عاقل ذكر.
فأما الكافر والمجنون والطفل فلا يصح أذانهم لأنهم ليسوا من أهل العبادات، ولا يعتد بأذان المرأة لأنه لا يشرع لها الأذان أشبهت المجنون ولأن رفع صوتها منهي عنه، وإذا كان كذلك خرج عن كونه قربه فلا يصح كالحكاية، ولا أذان الخنثى المشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً، ويصح أذان العبد لأن إمامته تصح فأذانه أولى، وهل يصح أذان الصبي؟ فيه روايتان (أولاهما) صحة أذانه وهذا قول عطاء والشعبي والشافعي وابن المنذر، وذكر القاضي أن المراهق يصح أذانه رواية واحدة، وقد روى ابن المنذر باسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال كان عمومتي يأمرونني أن أؤذن لهم وأنا غلام لم أحتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وهذا

(1/414)


مما يظهر ولا يخفى ولم ينكر فكان اجماعا ولأنه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالبالغ (والثانية) لا يصح لأن الأذان شرع للإعلام ولا يحصل الإعلام بقوله لأنه لا يقبل خبره ولا روايته (مسألة) (وهل يصح أذان الفاسق، والأذان الملحن؟ على وجهين) ذكر أصحابنا في صحة أذان الفاسق وجهين (أحدهما) لا يصح لما ذكرنا في الصبي ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بالأمانة والفاسق غير أمين (والثاني) يصح لأنه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالعدل.
وهذا قول الشافعي وهذا الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق.
فأما مستور الحال فيصح أذانه بغير خلاف علمناه، وفي الأذان الملحن وجهان (أحدهما) لا يصح لما روى ابن عباس قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الأذان سمح سهل فإن كان أذانك سمحاً سهلاً وإلا فلا تؤذن " رواه الدارقطني (والثاني) يصح وهو أصح لأن المقصود يحصل به فهو كغير الملحن والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (فصل) ويكره اللحن في الأذان فإنه ربما غير المعنى فإن من نصب لام رسول أخرجه عن كونه
خبراً، ولا يمد لفظه (أكبر) لأنه يجعل فيها ألفاً فيصير جمع (كبر) وهو الطبل ولا يسقط الهاء من إسم الله وإسم الصلاة، والحاء من الفلاح لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء - قلنا وكيف يقول؟ قال - يقول أشهد أن لا إله إلا اللا أشهد أن محمداً رسول اللا " أخرجه

(1/415)


الدارقطني في الأفراد.
فأما إن كان ألثغ لثغة فاحشة كره أذانه وإن كانت لا تتفاحش فلا بأس فقد روي أن بلالاً كان يجعل الشين سينا.
والفصيح أحسن وأكمل والله أعلم (مسألة) (ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله) وهذا مستحب لا نعلم في استحبابه خلافا لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا قال المؤذن: الله اكبر الله أكبر، فقال أحدكم الله اكبر الله أكبر، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله.
ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله قال أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: الله اكبر الله أكبر.
قال الله اكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله الا الله - من قلبه دخل الجنة " رواه مسلم قال الاثرم هذا من الأحاديث الجياد.
وعن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع النداء قال مثل ما يقول المؤذن فإذا بلغ حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله رواه الأثرم، ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول ويقول عند كلمة الإقامة

(1/416)


أقامها الله وأدامها لما روى أبو داود بإسناده عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " قال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان (فصل) روى سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من قال حين يسمغ النداء وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا (1) وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً - غفر له ذنبه " رواه مسلم، وعن أم سلمة قالت علمني النبي صلى الله عليه وسلم إن أقول
عند أذان المغرب " اللهم إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعائك فاغفر لي " رواه أبو داود (مسألة) (ثم يقول عند فراغه اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته - حلت له شفاعتي " رواه البخاري (فصل) ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لما روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وأرض عنه رضا لاسخط بعده، استجاب الله له دعوته " رواه الإمام أحمد، وروى أنس قال: قال
__________
1) لفظ مسلم بمحمد رسولا وبالاسلام دينا

(1/417)


رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن، وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " رواه مسلم (فصل) فإن سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة ليقول مثله لأنه يفوت والقراءة لا تفوت، فإن سمعه وهو يصلي لم يقل كقوله لئلا يشتغل عن الصلاة بما ليس منها، وإن قالها ما عدا الحيعلة لم تبطل الصلاة لأنه ذكر، وإن قال الدعاء فيها بطلت لأنه خطاب لآدمي (فصل) وروى عن أحمد أنه كان إذا أذن فقال كلمة من الأذان قال مثلها سراً فظاهره أنه رأى ذلك مستحبا ليكون ما يظهره أذاناً وما يسره ذكرا لله تعالى فيكون بمنزلة من سمع الأذان وقد رواه القاضي عن أحمد أنه قال استحب للمؤذن أيضاً أن يقول مثل ما يقول في خفية (فصل) قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يقوم حين يسمع المؤذن مبادراً يركع (1)
فقال يستحب أن يكون ركوعه بعد ما يفرغ المؤذن أو يقرب من الفراغ لأنه يقال أن الشيطان ينفر
__________
1) أي يصلي متنفلا

(1/418)


حين يسمع الأذان فلا ينبغي أن يبادر للقيام، وإن دخل المسجد فسمع المؤذن إستحب له إنتظاره ليفرغ ويقول مثل ما يقول ليجمع بين الفضيلتين، وإن لم يقل كقوله وإفتتح الصلاة فلا بأس نص عليه أحمد.
(فصل) ولا تستحب الزيادة على مؤذنين كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له بلال وابن أم مكتوم إلا أن تدعو الحاجة فيجوز فإنه قد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه اتخذ أربعة مؤذنين وإذا كانوا أكثر من واحد وكان الواحد يسمع الناس فالمستحب أن يؤذن واحد بعد واحد كما روي عن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان الإعلام لا يحصل بواحد أذنوا على حسب الحاجة إما أن يؤذن كل واحد في ناحية أو دفعة واحدة في موضع واحد (فصل) ولا يؤذن قبل المؤذن الراتب إلا أن يتأخر أو يخاف فوات وقت التأذين فيؤذن غيره كما روي ان زياد بن الحارث أذن للنبي صلى الله عليه وسلم حين غاب بلالا فأما مع حضوره فلا.
فإن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن غيرهم يسبقهم بالأذان (فصل) وإذا أذن في الوقت كره له أن يخرج من المسجد إلا لحاجة ثم يعود لأنه ربما أحتيج إلى الإقامة فلا يوجد وإن أذن قبل الوقت للفجر فلا بأس بذهابه لأنه لا يحتاج إلى حضوره قبل الوقت قال أحمد في الرجل يؤذن في الليل على غير وضوء فيدخل المنزل ويدع المسجد أرجو أن يكون موسعاً عليه ولكن إذا أذن وهو متوضئ في وقت الصلاة فلا أرى له أن يخرج من المسجد حتى يصلي إلا أن يكون لحاجة.

(1/419)


(فصل) إذا أذن في بيته وكان قريباً من المسجد فلا بأس وإن كان بعيداً كره له ذلك لأن القريب من المسجد يسمع أذانه عند المسجد فيأتون إلى المسجد والبعيد قد يسمعه من لا يعرف المسجد فيغتر
به ويقصده فيضيع عن المسجد فإنه قد روي عن أحمد في الذي يؤذن في بيته وبينه وبين المسجد طريق يسمع الناس أرجو أن لا يكون به بأس وقال في رواية إبراهيم الحربي فيمن يؤذن في بيته على سطح معاذ الله ما سمعنا أن أحداً يفعل هذا فحمل الأول على القريب والثاني على البعيد وقد روي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة من الإنصار والله أعلم فصول في المساجد (فصل في فضل المساجد وبنائها وغير ذلك) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من بنى مسجداً - قال بكير حسبت أنه قال - يبتغى به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة " متفق عليه وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة " رواه ابن ماجه وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أحب البلاد إلي الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها " رواه مسلم ويستحب إتخاذ المساجد في الدور وتنظيفها وتطبيبها لما روت عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله

(1/420)


عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب رواه الإمام أحمد.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد " رواه أبو داود، وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة " (فصل) يستحب تخليق المسجد وأن يسرج فيه لما روي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى أحمر وجهه فجاءته امرأة من الإنصار فحكمتها وجعلت مكانها خلوقاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن هذا " رواه النسائي وابن ماجه.
وعن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ فقال " ائتوه فصلوا فيه " وكانت البلاد إذ ذاك حرباً قال " فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة.
وفي رواية الإمام أحمد " ائتوه فصلوا
فيه فإن صلاة فيه كالف صلاة - قالت أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه قال - فليهد إليه زيتاً يسرج فيه فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه "

(1/421)


(فصل فيما يباح في المسجد) يباح النوم فيه لما روي عبد الله بن عمر أنه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، متفق عليه.
وكان أهل الصفة ينامون في المسجد ويباح للمريض أن يكون في المسجد وإن تكون فيه خيمة، قالت عائشة أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب، متفق عليه ويباح دخول البعير المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن متفق عليه.
ولا بأس بالإجتماع في المسجد والأكل فيه والاستلقاء فيه لما روى أبو واقد الليثي قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ اقبل ثلاثة نفر فأقبل إثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فأما أحدهما فرأى فرجة فجلس وأما الآخر فجلس خلفهم فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم عن الثلاثة أما أحدهم فآوى إلى الله فأواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فاعرض الله عنه " متفق عليه.
عن عبد الله بن الحارث قال كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم رواه ابن ماجه وعن عباد بن

(1/422)


تميم عن عمه عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى متفق عليه.
ويجوز السؤال في المسجد لما روى عبد الرحمن بن أبي بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً " وذكر الحديث رواه أبو داود ويجوز إنشاد الشعر واللعان في المسجد لما روي عن ابي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال؟ قد كنت أنشد فيه وفيه خير منك.
ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟ قال نعم متفق عليه، وعن جابر بن سمرة قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم رواه
الإمام أحمد، وفي حديث سهل بن سعد ذكر حديث اللعان قال فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد متفق عليه

(1/423)


فصل فيما يكره في المسجد يكره إنشاد الضالة المسجد لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليه إن المساجد لم تبن لهذا " راوه مسلم.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والإبتياع وعن تناشد الأشعار في المساجد.
رواه الإمام أحمد وابو داود والنسائي والترمذي.
وقال حديث حسن، ويكره تجصيص المساجد وزخرفتها لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم " رواه ابن ماجه، وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أمرت بتشييد المساجد " قال ابن عباس ليزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى رواه أبو داود، وعن واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أجنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشراكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع " رواه ابن ماجه من رواية الحارث بن نبهان

(1/424)


قال فيه يحيى بن معين لا يكتب حديثه ليس بشئ.
ويكره أن يكتب على حيطان المسجد قرآناً أو غيره لأنه يلهي المصلي ويشغله وهو يشبه الزخرفة وقد نهي عنها، والبصاق في المسجد خطيئة ويستحب تخليقها لما ذكرنا من الحديث، وهل يكره الوضوء في المسجد؟ على روايتين ذكرهما ابن عقيل إلا أن ابن عقيل قال إن قلنا بنجاسة الماء المستعمل في رفع الحدث حرم ذلك في المسجد والله أعلم