الشرح الكبير على متن المقنع

(باب إجتناب النجاسات) (وهو الشرط الرابع) - فمتى لاقى بثوبه أو بدنه نجاسة غير معفو عنها أو حملها لم تصح صلاته) وجملة ذلك أن الطهارة من النجاسة في بدن المصلي وثوبه شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس وسعيد بن المسيب وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عباس أنه قال: ليس على ثوب جنابة ونحوه عن أبي مجلز وسعيد بن جبير والنخعي وقال الحارث العكلي وابن أبي ليلى: ليس في ثوب إعادة.
وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى قال: إقرأ علي الآية التي فيها غسل الثياب ولنا قول الله تعالى (وثيابك فطهر) قال ابن سيرين هو الغسل بالماء.
وعن أسماء بنت أبي بكر
الصديق قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال " أقرصيه وصلي فيه " وفي لفظ قالت سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصنع احدانا

(1/474)


بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه؟ قال " تنظر فيه فإن رأت فيه دما فلتقزحه بشئ من الماء ولتنضح ما لم تر ولتصل فيه " رواه أبو داود وحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين مر بالقبرين فقال " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول " متفق عليه وفي رواية - لا يستنزه من بوله - ولأنها إحدى الطهارتين فكانت شرطاً للصلاة كطهارة الحدث (فصل) ويشترط طهارة موضع الصلاة أيضاً وهو الموضع الذي تقع عليه ثيابه وأعضاؤه التي عليه قياسا على طهارة البدن والثياب، فإن كان على رأسه طرف عمامته وطرفها الآخر وقع على نجاسة لم تصع صلاته كما لو وقع عليها شئ من بدنه، وذكر ابن عقيل إحتمالاً فيما يقع عليه ثيابه خاصة أنه لا تشترط طهارته لأنه يباشرها بما هو منفصل عن ذاته أشبه مالو كان بجانبه إنسان نجس الثوب فالتصق به ثوبه.
والمذهب الأول لأن سترته تابعة له فهي كأعضاء سجوده، فأما إذا كان ثوبه يمس شيئاً نجساً كثوب من يصلي وبجانبه حائط لا يستند إليه قال ابن عقيل لا تفسد صلاته بذلك لأنه ليس بمحل لبدنه ولا سترته.
ويحتمل أن تفسد لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو وقعت عليها، وإن كانت النجاسة محاذية لجسمه في حال سجوده بحيث لا يلتصق بها شئ من بدنه ولا ثيابه لم تبطل الصلاة لأنه لم يباشر النجاسة أشبه مالو خرجت عن محاذاته وذكر ابن عقيل وجهاً إنها تبطل كما لو باشر بها أعضاءه وهو قول الشافعي وأبي ثور (فصل) وإن حمل النجاسة في الصلاة لم تصح صلاته كما لو كانت على بدنه أو ثوبه فإن حمل حيواناً طاهراً أو صبياً لم تبطل صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص متفق عليه ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدنها فهي كالنجاسة في جوف المصلي، ولو حمل قارورة مسدودة فيها نجاسة لم تصح صلاته.
وقال بعض أصحاب الشافعي تصح لأن النجاسة لا تخرج عنها فهي كالحيوان وليس بصحيح لأنه حامل نجاسة غير معفو عنها في غير معدنها أشبه حملها في كمه (مسألة) (وإن طين الأرض النجسة أو بسط عليها شيئاً طاهراً صحت صلاته عليها مع الكراهة)
هذا ظاهر كلام أحمد وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي واسحاق، وذكر أصحابنا رواية أخرى أنه لا يصح لأنه مدفن للنجاسة أشبه المقبرة ولأنه معتمد على النجاسة أشبه ملاقاتها.
والأول أولى لأن الطهارة إنما تشترط في بدن المصلي وثوبه وموضع صلاته وقد وجد ذلك كله والعلة في الأصل غير مسلمة بدليل عدم صحة الصلاة بين القبور وليس مدفناً للنجاسة، وقال ابن أبي موسى إن كانت النجاسة المبسوط عليها رطبة لم تصح الصلاة وإلا صحت

(1/475)


(فصل) ويكره تطيين المسجد بطين نجس وبناؤه بلبن نجس أو تطبيقه بطوابيق نجسة فإن فعل وباشر النجاسة لم تصح صلاته، فأما الآجر المعجون بالنجاسة فهو نجس لأن النار لا تطهر لكن إذا غسل طهر ظاهر.
لأن النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة وبقي الأثر فطهر بالغسل كالارض النجسة ويبقى الباطن نجساً لأن الماء لا يصل إليه فإن صلى عليه بعد الغسل فهي كالمسألة قبلها.
وكذلك الحكم في البساط الذي باطنه نجس وظاهره طاهر ومتى إنكسر من الأجر النجس قطعة فظهر بعض باطنه فهو نجس لا تصح الصلاة عليه (فصل) ولا بأس بالصلاة على الحصير والبسط من الصوف والشعر والوبر والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات في قول عوام أهل العلم.
فروي عن ابن عمر أنه صلى على عبقري وابن عباس على طنفسة وزيد بن ثابت على حصير وابن عباس وعلي وابن مسعود وأنس على المسوح، وروي عن جابر أنه كره الصلاة على كل شئ من الحيوان واستحب الصلاة على كل شئ من نبات الأرض ونحوه عن مالك إلا أنه قال في بساط الصوف والشعر إذا كان سجوده على الأرض لم أر بالقيام عليه بأساً - والصحيح قول الجمهور فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حصير في بيت أنس وعتبان بن مالك متفق عليه وروى عنه المغيرة بن شعبة أنه كان يصلي على الحصر والفرو المدبوغة، وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ملتفاً بكساء يضع يديه عليه إذا سجد، ولأن ما لم تكره الصلاة فيه لم تكره الصلاة عليه كالكتان والخوص، وتصح الصلاة على ظهر الحيوان إذا أمكنه أستيفاء الأركان عليه والنافلة في السفر، وإن كان الحيوان نجساً وعليه بساط طاهر كالحمار صحت الصلاة عليه في أصح الروايتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار (والثانية) لا تصح كالأرض النجسة إذا بسط عليها شيئاً طاهراً، وتصح على
العجلة إذا أمكنه ذلك لأنه محل تستقر عليه أعضاؤه فهي كغيرها، وقال ابن عقيل: لا تصح لأن ذلك ليس بمستقر عليه فهي كالصلاة في الأرجوحة (فصل) ولا تصح صلاة المعلق في الهواء إلا أن يكون مضطراً كالمصلوب وكذلك الارجوحة لانه ليس بمستقر القدمين على الأرض فلم تصح صلاته كما لو سجد على بعض أعضاء السجود وترك الباقي معلقاً، ذكره ابن عقبل (مسألة) (وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته إلا أن يكون متعلقاً به بحيث ينجر معه إذا مشى فلا يصح) متى صلى على منديل طرفه نجس أو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلي عليه طاهر فصلاته صحيحة سواء تحرك النجس بحركته أو لم يتحرك

(1/476)


لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها وإنما إتصل مصلاه بها أشبه إذا صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة، وقال بعض أصحابنا إذا كان النجس يتحرك بحركته لم تصح صلاته، قال شيخنا: والصحيح ما ذكرنا فأما إن كان الحبل أو المنديل متعلقاً به ينجر معه إذا مشى لم تصح لأنه مستتبع لها فهو كحاملها ولو كان في يده أو وسطه حبل مشدود في نجاسة أو حيوان نجس أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه مستتبع لها وإن كانت السفينة أو الحيوان كبيراً لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت لأنه ليس بمستتبع لها.
قال القاضي: هذا إذا كان الشد في موضع طاهر فان كان في موضع نجس فسدت صلاته لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة والأول أولى لأنه لا يقدر على استتباع الملاقي للنجاسة أشبه مالو أمسك غصناً من شجرة عليها نجاسة أو سفينة عظيمة فيها نجاسة.
(مسألة) (ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا فصلاته صحيحة لأن لأصل عدمها في الصلاة وإن علم أنها كانت في الصلاة لكنه جهلها أو نسيها فعلى روايتين) متى صلى وعليه نجاسة لا يعلم بها حتى فرغ من صلاته ففيه روايتان (إحداهما) لا تفسد صلاته إختارها شيخنا، وهذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد ابن المسيب ومجاهد وإسحاق وابن المنذر (والثانية) يعيد وهو قول أبي
قلابة والشافعي لأنها طهارة مشترطة للصلاة فلم تسقط بالجهل كطهارة الحدث، وقال ربيعة ومالك: يعيد ما دام في الوقت، ووجه الأولى ما روى أبو سعيد قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال " ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا: انا رأيناك ألقيت نعالك فألقينا نعالنا قال " إن جبريل أتاني فأخبرني إن فيهما قذرا " رواه أبو داود، ولو كانت الطهارة شرطاً مع عدم العلم بها لزمه استئناف الصلاة ويفارق طهارة الحدث لأنها آكد لكونها لا يعفى عن يسيرها.
فأما إن كان قد علم بالنجاسة ثم أنسيها فقال القاضي: حكي أصحابنا في المسئلتين روايتين، وذكر هو في مسألة النسيان أن الصلاة باطلة لأنه منسوب إلى التفريط بخلاف الجاهل، وقال الآمدي يعيد إذا كان قد توانى رواية واحدة، قال شيخنا: والصحيح التسوية بينهما لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه النسيان بل النسيان أولى لورود النص بالعفو عنه (فصل) فإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإن قلنا لا يعذر بالجهل والنسيان فصلاته باطلة، وإن قلنا يعذر فهي صحيحة، ثم إن أمكنه إزالة النجاسة من غير زمن طويل ولا عمل كثير أزالها وبنى

(1/477)


كما خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه، وإن احتاج الى أحد هذين بطلت صلاته لإفضائه إلى أحد أمرين إما استصحاب النجاسة في الصلاة زمناً طويلاً أو أن يعمل فيها عملاً كثيراً فصار كالعريان يجد السترة بعيدة منه.
(فصل) وإذا سقطت عليه نجاسة ثم زالت عنه أو أزالها في الحال لم تبطل صلاته لما ذكرنا من حديث أبي سعيد، ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها ككشف العورة وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (وإذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر) وتصح صلاته لأنه يباح له ترك الطهارة من الحدث بذلك وهي آكد وإن لم يخف لزمه قلعة فإن صلى معه لم تصح صلاته لأنه صلى مع النجاسة وهو قادر على إزالتها من غير ضرر، ويحتمل أن يلزمه قلعه إذا لم يخف التلف لأنه غير خائف للتلف أشبه إذا لم يخف الضرر، والأول أولى وإن سقطت سنة فأعادها بحرارتها فثبتت
فهي طاهرة ولأن حكم أبعاض الآدمي حكم جملته سواء إنفصلت في حياته أو بعد موته لأنها أجزاء من جملة فكان حكمها كسائر الحيوانات الطاهرة والنجسة، وعنه أنها نجسة إختاره القاضي لأنها لا حرمة لها بدليل أنه لا يصلي عليها، فعلى هذا يكون حكمها حكم العظم النجس على ما بنيا (مسألة) (ولا تصح الصلاة في المقبرة والحمام والحش وأعطان الابل وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها والموضع المغصوب، وعنه تصح مع التحريم) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الصلاة في هذه المواضع.
فروي عنه أن الصلاة لا تصح فيها بحال - رويت كراهة الصلاة في المقبرة عن علي وابن عباس وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر، وممن قال لا يصلي في مبارك الإبل ابن عمر وجابر بن سمرة والحسن ومالك واسحاق وأبو ثور.
وعن أحمد أن الصلاة في هذه صحيحة ما لم تكن نجسة وهو مذهب الشافعي وابي حنيفة لقوله صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " وفي لفظ " فحيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد " متفق عليه، ولأنه موضع طاهر فصحت الصلاة فيه كالصحراء، والأولى ظاهر المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة " رواه أبو داود، وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصلي في مرابض الغنم؟ قال " نعم " قال أتصلي في مبارك الإبل؟ قال " لا " رواه مسلم وهذه الأحاديث خاصة مقدمة على عموم أحاديثهم (فصل) فأما الحش فثبت الحكم فيه بالتنبيه لأنه إذا منع من الصلاة في هذه المواضع لكونها

(1/478)


مظان النجاسة فالحش أولى لكونه معداً للنجاسة ومقصوداً لها ولأنه قد منع من ذكر الله تعالى والكلام فيه فمنع الصلاة فيه أولى.
قال شيخنا ولا أعلم فيه نصاً.
وقال بعض أصحابنا أن كان المصلي عالماً بالنهي لم تصح صلاته فيها لأنه عاص بالصلاة فيها والمعصية لا تكون قربة ولا طاعة وإن كان جاهلاً ففيه روايتان (إحداهما) لا تصح لأنها لا تصح مع العلم فلم تصح مع الجهل كالصلاة في محل نجس (والثانية) تصح لأنه معذور (فصل) ذكر القاضي أن المنع من الصلاة في هذه المواضع تعبد فعلى هذا يتناول النهي كل ما يقع عليه الاسم فلا فرق في المقبرة بين الحديثة والقديمة وما تقلبت أتربتها أو لم تتقلب، فأما إن كان فيها
قبر أو قبران لم يمنع من الصلاة فيها لأنه لا يتناولها الإسم، وإن نقلت القبور منها جازت الصلاة فيها لزوال الإسم ولإن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فيه قبور المشركين فنبشت متفق عليه.
ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل والمسلخ والأتون وكل ما يغلق عليه باب الحمام لتناول الإسم له.
وأعطان الإبل هي التي تقيم فيها وتأوي إليها، وقيل هي المواضع التي تناخ فيها إذا وردت، والأول أجود لأنه جعله في مقابلة مراح الغنم، والحش الذي يتخذ للغائط والبول فيمنع من الصلاة فيما هو داخل بابه، قال شخينا: ويحتمل أن المنع من الصلاة في هذه المواضع معلل بكونها مظان للنجاسات فإن المقبرة تنبش ويظهر التراب الذي فيه دماء الموتى وصديدهم، ومعاطن الإبل يبال فيها فإن البعير البارك كالجدار يستتر به ويبول، كما روي عن ابن عمر ولا يتحقق هذا في غيرها والحمام موضع الأوساخ والبول.
فنهي عن الصلاة فيها لذلك وإن كانت طاهرة لأن المظنة يتعلق الحكم بها وإن خفيت الحكمة ومتى أمكن تعليل الحكم كان أولى من قهر التعبد، ويدل على هذا تعدية الحكم إلى الحش المسكوت عنه بالتنبيه ولابد في التنبيه من وجود معنى المنطوق وإلا لم يكن تنبيهاً، فعلى هذا يمكن قصر الحكم على ما هو مظنة منها فلا يثبت الحكم في موضع المسلخ من الحمام ولا في سطحه لعدم المظنة فيه وكذلك ما أشبهه والله أعلم (فصل) ولا تصح الصلاة في الموضع المغصوب في أظهر الروايتين، وأحد قولي الشافعي.
والرواية الثانية يصح، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعي لأن النهي لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها كما لو صلى وهو يرى غريقا يمكنه إنقاذه فلم ينقذه أو مطل غريمه الذي يمكن إيفاؤه وصلى ووجه الأولى أن الصلاة عبادة أتي بها على الوجه المنهي عنه فلم تصح كصلاة الحائض فإن حركاته من القيام والركوع والسجود أفعال إختيارية هو منهي عنها عاص بها فكيف يكون مطيعاً بما

(1/479)


هو عاص به.
فأما من رأى الغريق فليس بمنهي عن الصلاة إنما هو مأمور بالصلاة وإنقاذ الغريق وأحدهما آكد من الآخر، أما في مسئلتنا فإن أفعال الصلاة في نفسها منهي عنها.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين غصبه لرقبة الأرض ودعواه ملكيتها وبين غصبه منافعها بأن يدعي اجارتها ظالماً أو يضع
يده عليها مدة أو يخرج ساباطاً في موضع لا يحل له أو يغصب راحلة ويصلي عليها أو سفينة ويصلي فيها أو لوحاً فيجعله سفينة ويصلي عليه كل ذلك حكمه في الصلاة حكم الدار المغصوبة على ما بيناه (فصل) قال أحمد يصلي الجمعة في موضع الغصب يعني إذا كان الجامع أو بعضه مغصوباً صحت الصلاة فيه لأن الجمعة تختص ببقعة فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة وكذلك من امتنع فاتته ولذلك أبيحت خلف الخوارج والمبتدعة وصحت في الطرق لدعاء الحاجة إليها وكذلك الأعياد والجنازة (فصل) ويكره في موضع الخسف قاله أحمد لأنه موضع مسخوط عليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم مر بالحجر " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم " ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة روى ذلك عن عمر وأبي موسى وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز والشعبي والاوزاعي.
وكره ابن عباس ومالك الكنائس لأجل الصور، وقال ابن عقيل: تكره الصلاة فيها لأنه كالتعظيم والتبجيل لها وقيل لأنه يضر بهم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وفيها صور ثم قد دخلت في عموم قوله صلى الله عليه وسلم " فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد " متفق عليه (مسألة) (وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق واسطحتها كذلك) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة: ظهر بيت الله، والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة الطريق " رواه ابن ماجه، وقال الحكم في هذه المواضع الثلاثة كالحكم في الأربعة ولأن هذه المواضع مظان للنجاسات فعلق الحكم عليها وإن لم توجد الحقيقة كما إنتقضت الطهارة بالنوم ووجب الغسل بالتقاء الختانين.
قال شيخنا والصحيح جواز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم ويحتمله اختيار الخرقي لأنه لم يذكرها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " جعلت لي الأرض مسجداً " متفق عليه.
واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة ففيما عدا ذلك يبقى على العموم، وحديث ابن عمر يرويه العمري وزيد بن جبيرة وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما فلا يترك به الحديث الصحيح.
وأكثر أصحابنا على القول الأول ومعنى

(1/480)


محجة الطريق الجادة المسلوكة في السفر وقارعة الطريق التي تقرعها الأقدام مثل الأسواق والمشارع ولا بأس بالصلاة فيما علا منها يمنة ويسرة وكذلك الصلاة في الطريق التي يقل سالكها كطريق الأبيات اليسيرة فإن بني مسجد في طريق وكان الطريق ضيقاً بحيث يستضر المارة ببنائه لم يجز بناؤه ولا الصلاة فيه، وإن كان واسعاً لا يضر بالمارة جاز وهل يشترط إذن الإمام؟ على روايتين ذكره القاضي.
والمجزرة التي يذبح فيها الناس المعدة لذلك ولا فرق في هذه المواضع بين الطاهر والنجس ولا في المعاطن بين أن يكون فيها إبل في ذاك الوقت أو لا، فأما المواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها أو ورودها فلا تمنع الصلاة فيها.
قال الأثرم سئل أبو عبد الله عن الصلاة في موضع فيه أبعار الابل فرخص فيه ثم قال إذا لم يكن من معاطن الإبل الذي نهى عن الصلاة فيها التي تأوي إليها (فصل) فأما أسطحه هذه المواضع فقال القاضي وابن عقيل حكمها حكم السفل لأن الهواء تابع للقرار ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث والصحيح إن شاء الله قصر النهي على ما تناوله النص وإن الحكم لا يعدى إلى غيره ذكره شيخنا لأن الحكم إن كان تعبداً لم يقس عليه وإن علل فإنما يعلل بمظنة النجاسة ولا يتخيل هذا في أسطحتها، أما إن بنى على طريق ساباطا أو جناحاً وكان ذلك مباحاً له مثل أن يكون في درب غير نافذ باذن أهله أو مستحقا له فلا بأس بالصلاة عليه وإن كان على طريق نافذ فالمصلي فيه كالمصلي في الموضع المغصوب.
وإن كان الساباط على نهر تجري فيه السفن فهو كالساباط على الطريق وهذا فيما إذا كان السطح حادثاً على موضع النهي فإن كان المسجد سابقاً فحدث تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهي أو حدثت المقبرة حوله لم تمنع الصلاة فيه بغير خلاف لأنه يتبع ما حدث بعده.
وذكر القاضي فميا إذا حدث تحت المسجد طريق وجهاً في الصلاة فيه والأول أولى، فأما إن بني مسجد في مقبرة بين القبور فحكمه حكمها لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون في المقبرة، وقد روى قتادة أن أنساً مر على مقبرة وهم يبنون فيها مسجداً فقال كان يكره أن يبني مسجداً في وسط القبور (مسألة) (وتصح الصلاة إليها إلا المقبرة والحش في قول ابن حامد) كره الصلاة إلى هذه المواضع فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، وقال أبو بكر يتوجه في الإعادة قولان (أحدهما)
يعيد لموضع النهي وبه أقول (والثاني) يصح لعدم تناول النهي له، وقال ابن حامد إن صلى إلى المقبرة والحش فهو كالمصلي فيها إذا لم يكن بينه وبينها حائل كما روى أبو مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها " متفق عليه، قال القاضي وفي هذا تنبه على

(1/481)


المواضع التي نهي عن الصلاة فيها وذكر القاضي في المجرد قال: إن صلى إلى العطن فصلاته صحيحة بخلاف ما قلناه في الصلاة إلى المقبرة والحش.
قال شيخنا والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شئ من هذه المواضع إلا المقبرة لورود النهي فيها وذلك لعموم قوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " فإنه يتناول الذي يصلي فيه إلى هذه المواضع وقياس ذلك على المقبرة لا يصح أن كان النهي عن الصلاة إليها تعبداً وكذلك إن كان لمعنى اختص بها وهو إتخاذ القبور مسجداً تشبهاً بمن يعظمها وكذلك قال عليه السلام " لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه والله أعلم (مسألة) ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها، وقال الشافعي وابو حنيفة تصح لأنه مسجد ولأنه محل لصلاة النفل فكان محلاً للفرض كخارجها ولنا قوله تعالى (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والمصلي فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها فأما النافلة فمبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صحتها قاعداً وإلى غير القبلة في السفر على الراحلة (مسألة) (وتصح النافلة إذا كان بين يديه شئ منها) لا نعلم في ذلك خلافاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين إلا أنه إن توجه إلى الباب أو على ظهرها أو كان بين يديه شئ من الكعبة متصل بها صحت صلاته وإن لم يكن بين يديه شئ شاخص منها أو كان بين يديه أجر معبى وغير مبني أو خشب غير مسمر فقال أصحابنا لا تصح صلاته لأنه غير مستقبل لشئ منها.
قال شيخنا والأولى أنه لا يشترط كون شئ منها بين يديه لأن الواجب إستقبال موضعها وهوائها دون حيطانها بدليل مالو إنهدمت، وكذلك لو صلى على جبل عال يخرج عن مسامه البنيان صحت صلاته إلى هوائها كذلك ههنا