الشرح الكبير على متن المقنع

* (باب صلاة الاستسقاء) * * (مسألة) * (وإذا أجدبت الأرض وقحط المطر فزع الناس إلى الصلاة) صلاة الاستسقاء عند الحاجة إليها سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وكذلك خلفاؤه، فروى عبد الله بن زيد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو

(2/283)


وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه.
وهذا قول سعيد بن المسيب وداود ومالك والاوزاعي والشافعي، وقال أبو حنيفة لا تسن صلاة الاستسقاء ولا الخروج اليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى على المنبر يوم الجمعة ولم يخرج ولم يصل لها، وليس هذا بشئ فانه قد ثبت بما رويناه من حديث عبد الله بن زيد، وروى ابو هريرة أنه خرج وصلى وفعله صلى الله عليه وسلم ما ذكروه لا يمنع فعل ما ذكرنا.
قال إبن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة
الاستسقاء وهو قول عوام أهل العلم إلا ابا حنيفة وخالفه صاحباه وأتبعا سائر العلماء، والسنة يستغنى بها عن كل قول، ولا ينبغي أن يعرج على ما خالفها * (مسألة) * (وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد) وجملة ذلك أنه يستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد.
قالت عائشة شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى رواه أبو داود.
ولأن الناس يكثرون فكان المصلى أرفق بهم، وهي ركعتان عند العاملين بها لا نعلم بينهم خلافاً في ذلك.
واختلفت الرواية في صفتها فروي أنه يكبر فيها سبعاً في الاولى وخمسا في الثانية كتكبير العيد وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وداود والشافعي، وحكي عن ابن عباس في حديثه ثم صلى ركعتين كما

(2/284)


يصلي العيد رواه أبو داود.
وروى الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعاً وخمساً رواه الشافعي، والثانية أنه يصلي ركعتين كصلاة التطوع وهو مذهب مالك وأبي ثور والاوزاعي وإسحق لأن عبد الله بن زيد قال صلى ركعتين ولم يذكر أنه كبر سبعاً وخمساً وروى ابو هريرة نحوه، وظاهره أنه لم يكبر وهذا ظاهر كلام الخرقي ويسن أن يجهر فيهما بالقراءة لما ذكرنا من حديث عبد الله بن زيد، وأن يقرأ فيهما بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية لحديثي ابن عباس (فصل) ولا يسن لها اذان ولا إقامة لا نعلم بين أهل العلم خلافاً فيه وقد روى أبو هريرة قال:

(2/285)


خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا اذان ولا إقامة رواه الأثرم ولأنها نافلة فلم يؤذن لها كسائر النوافل.
قال أصحابنا وينادى لها الصلاة جامعة كالعيد وصلاة الكسوف، وليس لها وقت معين إلا أنها لا تفعل في وقت النهي بغير خلاف لأن وقتها متسع فلا يخاف
فوتها والأولى فعلها في وقت صلاة العيد لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدأ حاجب الشمس رواه أبو داود ولأنها تشبهها في الموضع والصفة فكذلك في الوقت، وقال ابن عبد البر الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء إلا أبا بكر بن حزم وهذا على سبيل الاختيار لا أنه يتعين فعلها فيه * (مسألة) * (وإذا أراد الإمام الخروج إليها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظلم والصيام والصدقة وترك التشاحن، لكون المعاصي سبب الجدب، والتقوى سبب البركات) قال الله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا وتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) البهائم تلعن عصاة بني آدم اذا أمسك المطر، وقال هذا من شؤم بني آدم * (مسألة) * (وبعدهم يوماً يخرجون فيه) لما روت عائشة قالت شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه رواه أبو داود * (مسألة) * (ويتنظف لها بالغسل والسواك وازالة الرائحة قياسا على صلاة العيد) ولا يتطيب لأنه يوم استكانة وخشوع * (مسألة) * (ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً) السنة الخروج لصلاة الاستسقاء على الصفة المذكورة من التواضع والخشوع في ثياب بذلته، ولا يلبس ثياب زينة لأنه يوم تواضع، ويكون متخشعاً في مشيه وجلوسه متضرعاً إلى الله تعالى متذللاً راغباً إليه.
قال ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً

(2/286)


حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح * (مسألة) * (ويخرج معه أهل الدين والصلاح والشيوخ لأنه أسرع للإجابة)
ويستحب الخروج لكافة الناس، فأما النساء فلا بأس بخروج العجائز منهن ومن لا هيئة لها.
وقال ابن حامد يستحب، فأما الشواب وذوات الهيئة فلا يستحب لهن لأن الضرر في خروجهن أكثر من النفع، ولا يستحب اخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله وبه قال أصحاب الشافعي لأنه روي أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك.
فقال سليمان ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
وقال ابن عقيل والقاضي لا بأس به لذلك، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أولى * (مسألة) * (ويجوز خروج الصبيان كغيرهم من الناس) وقال ابن حامد يستحب اختاره القاضي فقال خروج الشيوخ والصبيان أشد استحباباً من الشباب لأن الصبيان لا ذنوب عليهم * (مسألة) * (وان خرج معهم أهل الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين) وجملة ذلك أنه لا يستحب اخراج أهل الذمة لأنهم أعداء الله الذين بدلوا نعمة الله كفراً فهم بعيدون من الاجابة، وإن أغيث المسلمون فربما قالوا هذا حصل بدعائنا واجابتنا، وإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون أرزاقهم من ربهم فلا يمنعون من ذلك.
ولا يبعد أن يجيبهم الله تعالى لأنه قد ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين، ويؤمر بالانفراد عن المسلمين لأنه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب فيعم من حضرهم، فان عادا استسقوا فأرسل الله عليهم ريحاً صرصراً فأهلكتهم، فإن قيل فينبغي أن يمنعوا الخروج يوم يخرج المسلمون لئلا يظنوا أن ما حصل من السقيا بدعائهم.
قلنا ولا يؤمن أن يتفق نزول الغيث يوم يخرجون وحدهم فيكون أعظم لفتنتهم وربما فتن بهم غيرهم * (مسألة) * (فيصلي بهم ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد) قد ذكرنا الاختلاف في مشروعية صلاة الاستسقاء وصفتها، واختلفت الرواية في خطبة

(2/287)


الاستسقاء، وفي موضعها فروي أنه لا يخطب وانما يدعو ويتضرع لقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه لكن لم يزل في الدعاء والتضرع.
والمشهور أن فيها خطبة بعد الصلاة، قال أبو بكر اتفقوا عن
أبي عبد الله أن في صلاة الاستسقاء خطبة وصعوداً على المنبر.
والصحيح أنها بعد الصلاة وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن، قال ابن عبد البر وعليه جماعة الفقهاء لقول أبي هريرة صلى ركعتين ثم خطبنا لأنها صلاة ذات تكبير فأشبهت صلاة العيدين، وفيها رواية ثانية أنه يخطب قبل الصلاة.
روى ذلك عن عمر وابن الزبير وأبان بن عثمان وهشام بن اسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم وبه قال الليث بن سعد وابن المنذر لما روى أنس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وصلى.
وعن عبد الله بن زيد قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي فحول ظهره إلى الناس واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه.
وفيها رواية ثالثة أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لورود الأخبار بكلا الأمرين ودلالتها على

(2/288)


كلتا الصنفين، فحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، وأياما فعل ذلك فهو جائز لأن الخطبة غير واجبة على جميع الروايات والأولى أن يخطب بعد الصلاة كالعيد وليكونوا قد فرغوا من الصلاة فان أجيب دعاؤهم وأغيثوا لم يحتاجوا الى الصلاة في المطر، وقول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم نفي لصفة الخطبة لا لأصلها بدليل قوله إنما كان جل خطبته الدعاء والتضرع والتكبير، ويستحب أن يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد (فصل) والمشروع خطبة واحدة وبهذا قال عبد الرحمن بن مهدي، وقال مالك والشافعي يخطب كخطبتي العيدين لقول ابن عباس صنع النبي صلى الله عليه وسلم كما صنع في العيد، ولأنها أشبهتها في صفة الصلاة فكذلك في صفة الخطبة ولنا قول ابن عباس لم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتكبير وهذا يدل على

(2/289)


أنه ما فصل بين ذلك بسكوت ولا جلوس ولأن كل من نقل الخطبة لم ينقل خطبتين.
والصحيح من حديث ابن عباس أنه قال صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد، ولو كان النقل كما ذكروه فهو محمول على الصلاة بدليل أول الحديث، واذا صعد المنبر للخطبة جلس وان شاء لم يجلس لأنه لم
ينقل ولا ها هنا أذان يجلس لفراغه * (مسألة) * (ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به) يستحب أن يكثر في خطبته الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار كقوله تعالى (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يرسل السماء عليكم مدرارا) وكقوله (استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا) ولأن الاستغفار سبب لنزول الغيث بدليل ما ذكرنا، والمعاصي سبب لانقطاع الغيث، والاستغفار والتوبة يمحوان المعاصي.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه خرج يستسقي فلم يزد على الاستغفار وقال لقد استسقيت بمجاديح السماء * (مسألة) * (ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم) يستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء لما روى البخاري عن أنس قال كان النبي صلى الله

(2/290)


عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا الاستسقاء فإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه.
وفي حديث أنس أيضاً فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ورفع الناس أيديهم.
ويستحب أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فروى عبد الله بن عمر أن رسول الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريعاً، غدقا محبللا، طبقاً سحاً دائماً.
اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللآواء والجهد والصنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك.
اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، وارفع عنا من البلاء مالا يكشفه غيرك.
اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفاراً، فارسل السماء علينا مدراراً " وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً مريعا، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل " رواه أبو داود.
قال الخطابي مربعاً يروى على وجهين بالياء والباء، فمن رواه بالياه جعله من المراعة يقال أمرع المكان اذا أخصب ومن رواه بالباء مربعاً كان معناه منبتاً للربيع.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت شكى الناس إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوم يخرجون فيه وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله ثم قال

(2/291)


" إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر إبان زمانه عنكم، فقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم " ثم قال " الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين.
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى يرى بياض إبطيه، ثم حول الى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين " رواه أبو داود.
وروى ابن قتيبة باسناده في غريب الحديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية فاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية.
فلما قضى صلاته استقبل القبلة بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيره قبل أن يستسقي ثم قال " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً ربيعاً، وجداً طبقاً غدقا مغدقاً مونقاً هنياً مرياً مريعاً مربعاً مرتعاً، سابلاً مسبلاً، مجللاً دائماً، دروراً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل.
اللهم تحى به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر منا والباد.
اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل علينا في أرضنا سكنها.
اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً، فأحي به بلدة ميتاً، واسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً " قال ابن قتيبة المغيث المحيي بإذن الله تعالى، والحيا الذي تحيا به الأرض

(2/292)


والمال، والجدا المطر العام ومنه أخذ جدا العطية، والجدا مقصوراً، والطبق الذي يطبق الأرض، والغدق والمغدق الكثير القطر، والمونق المعجب، والمريع ذو المراعة والخصب، والمربع من قولك ربعت بمكان كذا اذا أقمت فيه، واربع على نفسك ارفق، والمرتع من رتعت الإبل اذا رعت، والسابل من السبل وهو المطر يقال سبل السابل كما يقال مطر ماطر، والرائث البطئ، والسكن القوة
لأن الأرض تسكن به * (مسألة) * (ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه ويجعل الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم) وجملة ذلك أنه يستحب للخطيب استقبال القبلة في أثناء الخطبة لما روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو رواه البخاري.
وفي لفظ فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو.
ويستحب أن يحول رداءه حال استقبال القبلة لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فاستقبل القبلة يدعو وحول رداءه متفق عليه، ولمسلم فحول رداءه حين استقبل القبلة.
وقال أبو حنيفة لا يسن لأنه دعاء فلا يستحب تحويل الرداء فيه كسائر الأدعية وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع.
ويستحب التحويل للمأموم في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن سعيد بن المسيب وعروة والثوري ان التحويل مختص بالإمام وهو قول الليث وأبي يوسف ومحمد لأنه إنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أصحابه

(2/293)


ولنا أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم يثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه دليل، كيف وقد عقد المعنى في ذلك وهو التفاؤل بقلب الرداء ليقلب الله ما بهم من الجدب إلى الخطب، وقد جاء ذلك في بعض الحديث.
وروى الإمام أحمد حديث عبد الله بن زيد وفيه أنه عليه الصلاة والسلام تحول الى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه، إذا ثبت ذلك فصفة التقليب أن يجعل ما على اليمين على اليسار وما على اليسار على اليمين، روى ذلك عن أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وهشام بن اسماعيل وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومالك وكان الشافعي يقول به ثم رجع فقال يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها فلما ثقلت جعل العطاف الذي على الأيسر على الأيمن رواه أبو داود ولنا ما روى عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم حول عطافه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن رواه أبو داود.
وفي حديث أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن رواه الإمام أحمد وابن ماجة، والزيادة التي نقلوها إن ثبتت فهي ظن الراوي لا يترك لها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد نقل التحويل جماعة لم ينقل أحد منهم أنه جعل أعلاه أسفله، ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك في جميع الأوقات لثقل الرداء * (مسألة) * (ويدعو سراً حال استقبال القبلة) فيقول اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كم أمرتنا، فاستحب لنا

(2/294)


كما وعدتنا، اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا واجابثنا في سقيانا وسعة أرزاقنا.
ثم يدعو بما شاء من أمر دين أو دنيا، وانما استحب الاسرار ليكون أقرب الى الاخلاص وأبلغ في الخشوع والخضوع والتضرع وأسرع في الإجابة قال الله تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) واستحب الجهر ببعضه ليسمع الناس فيؤمنون على دعائه (فصل) ويستحب أن يستسقي بمن ظهر صلاحه لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، وقد استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى ابن عمر قال استسقى عمر عام الرمادة بالعباس فقال اللهم إن هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم نتوجه اليك به فأسقنا، فما برحوا حتى سقاهم الله عزوجل، وروي أن معاوية خرج يستسقي فلما جلس على المنبر قال أين يزيد بن الأسود؟ فقام يزيد فدعاه معاوية فأجلسه عند رجليه ثم قال: اللهم إنا نتشفع اليك بخيرنا وأفضلنا يزيد بن الأسود.
ارفع يديك.
فرفع يديه ودعا الله، فثارت في الغرب سحابة مثل الترس، وهبت لها ريح فسقوا حتى كادوا لا يبلغون منازلهم.
واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى * (مسألة) * (فإن سقوا وإلا عادوا ثانياً وثالثاً، وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله) وبهذا قال مالك والشافعي.
وقال إسحق لا يخرجون إلا مرة واحدة لأنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج مرة واحدة، ولكن يجتمعون في مساجدهم فاذا فرغوا من الصلاة ذكروا الله تعالى ودعوا
ويدعو الامام يوم الجمعة على المنبر ويؤمن الناس

(2/295)


ولنا أن هذا أبلغ في الدعاء والتضرع.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله يحب الملحين في الدعاء " وأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنما لم يخرج ثانياً لاستغنائه باجابته أول مرة، والخروج في المرة الأولى آكد مما بعدها لورود السنة بها (فصل) فإن تأهبوا فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا وشكروا الله وحمدوه على نعمته، وسألوه المزيد من فضله.
وقال القاضي وابن عقيل يخرجون ويصلون شكراً لله تعالى، وإن كانوا قد خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا شكروا الله تعالى وحمدوه قال الله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) ويستحب الدعاء عند نزول الغيث لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث " وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال " صيباً نافعاً " رواه البخاري * (مسألة) * (وينادى لها الصلاة جامعة) كذلك ذكره أصحابنا قياساً على صلاة الكسوف * (مسألة) * (وهل من شرطها إذن الإمام على روايتين) إحداهما لا يستحب إلا إذا خرج الإمام أو رجل من قبله، فان خرجوا بغير إذن الإمام فقال أبو بكر يدعون وينصرفون بلا صلاة ولا خطبة نص عليه أحمد والثانية لا يشترط ويصلون لأنفسهم ويخطب بهم أحدهم.
فعلى هذه الرواية يشرع الاستسقاء في حق كل أحد مقيم ومسافر وأهل القرى والاعراب قياساً على صلاة الكسوف.
ووجه الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها وإنما فعلها على صفة وهو أنه صلاها بأصحابه فلم يتعدى تلك الصفة وكذلك فعل خلفاؤه ومن بعدهم بخلاف صلاة الكسوف فانه أمر بها

(2/296)


* (مسألة) * (ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها لما روى أنس ابن
مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل على منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته رواه البخاري وعن ابن عباس أنه كان إذا أمطرت السماء قال لغلامه " أخرج رحلي وفراشي يصيبه المطر " ويستحب أن يتوضأ من ماء المطر اذا سال السيل، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سال السيل قال " أخرجوا بنا إلى هذا الذي جلعه الله طهوراً فنتطهر " (فصل) قال القاضي وابن عقيل اذا نقصت مياه العيون في البلد الذي يشرب منها أو غارت وتضرر الناس بذلك استحب الاستسقاء كما يستحب لانقطاع المطر، وقال أصحابنا لا يستحب لأنه لم ينقل والله أعلم (فصل) والاستسقاء ثلاثة أضرب ذكرها القاضي: أحدها الخروج والصلاة كما وصفنا وهو أكملها، والثاني استسقاء الامام يوم الجمعة على المنبر لما روى أنس أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فأدع الله يغثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال " اللهم أغثنا، اللهم أغثنا " قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، ولا قزعة، ولا شئ بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت.
فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل من ذلك الباب رجل في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبله قائماً وقال يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فأدع الله

(2/297)


أن يمسكها.
قال فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر " قال فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس متفق عليه.
والثالث أن يدعوا الله تعالى عقيب صلواتهم في خلواتهم * (مسألة) * وإذا زادت المياه فخيف منها استحب له أن يقول اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على

(2/298)


الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به الآية لما ذكرنا

(2/299)


من الحديث.
وكذلك ان زادت مياه العيون بحيث يضر استحب لهم أن يدعوا الله ليخففه عنهم

(2/300)


ويصرفه الى أماكن ينفع ولا يضرر لأن الضرر بزيادة المطر أحد الضررين فاستحب الدعاء لازالته وانقطاعه كالآخر.
(فصل) واذا جاء المطر استحب أن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته ولا يقول مطرنا بنوء كذا لأنه كما جاء في الحديث

(2/301)