الشرح الكبير على متن المقنع

كتاب الجنائز يستحب ذكر الموت لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره " روى البخاري أوله.
قال ابن عقيل معناه متى ذكر في قليل من الرزق استكثره الانسان لاستقلال ما بقي من عمره، ومتى ذكره في كثير قلله لأن كثير الدنيا اذا علم انقطاعه بالموت قل عنده.
ويستحب الاستعداد للموت قال الله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا) واذا مرض الانسان استحب أن يصبر لما وعد الله الصابرين من الأجر قال الله تعالى (وانما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ويكره الأنين لأنه روي عن طاوس كراهته، ولا يتمنى الموت لضر نزل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ويقول اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " متفق عليه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، ويحسن ظنه بربه تعالى لما روى جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن

(2/302)


بالله عزوجل " رواه مسلم بمعناه وأبو داود.
وقال معتمر عن أبيه أنه قال عند موته: حدثني بالرخص * (مسألة) * (ويستحب عيادة المريض وتذكيره التوبة والوصية)
عيادة المريض مستحبة لما روى البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع.
أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وذكر الحديث رواه البخاري ورواه مسلم بمعناه.
وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم يعود مسلماً إلا ابتعث الله له سبعون ألف ملك يصلون عليه أي ساعة من النهار كانت حتى يمسي، وأي ساعة من الليل كانت حتى يصبح " رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وزاد وكان له خريف في الجنة، وقال حديث حسن غريب.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عاد مريضاً نادى مناد من السماء طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً " رواه الترمذي وابن ماجة وهذا لفظه، وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله عزوجل يقول يوم القيامة يا ابن مرضت فلم تعدني.
قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت ان عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " وذكر الحديث رواه مسلم.
وإذا دخل على المريض سأل عن حاله ودعا له ورقاه.
قال ثابت لأنس يا أبا حمزة اشتكيت.
قال أنس أفلا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال بلى، قال " اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي، شفاء لا يغادر سقماً " وروى أبو سعيد.
قال " أتى جبريل النبي صلى الله عليه

(2/303)


وسلم فقال يا محمد اشتكيت؟ قال نعم.
قال بسم الله أرقيك، من كل شئ يؤذيك، من شر كل نفس وعين حاسدة الله يشفيك " قال أبو زرعة كلا الحديثين صحيح.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل، فإنه لا يرد من قضاء الله شيئاً، وإنه يطيب نفس المريض " رواه ابن ماجه (فصل) ويستحب أن يرغبه في التوبة من المعاصي والخروج من المظالم وفي الوصية، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شئ يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده " متفق عليه * (مسألة) * (وإذا نزل به تعاهد بل حلقه بماء أو شراب ويندي شفتيه بقطنة)
يستحب أن بلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأنقاهم لله تعالى، فاذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه بتقطير ماء أو شراب فيه ويندي شفتيه بقطنة لأنه ربما ينشف حلقه من شدة ما نزل به فيعجز عن الكلام * (مسألة) * (ويستحب أن يلقنه قول لا إله إلا الله مرة) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " رواه مسلم.
وقال الحسن سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال " أن تموت يوم تموت ولسانك رطب من ذكر الله " رواه سعيد بن منصور

(2/304)


* (مسألة) * (ولا يزيد على ثلاث لئلا يضجره إلا أن يتكلم بعده بشئ فيعيد تلقينه بلطف ومداراة ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله نص عليه أحمد وروي عن عبد الله بن المبارك أنه لما حضره الموت جعل رجل يلقنه لا إله إلا الله فأكثر عليه.
فقال له عبد الله إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم: قال الترمذي إنما أراد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " رواه أبو داود.
وروى بإسناده عن معاذ بن جبل أنه لما حضرته الوفاة قال: اجلسوني.
فلما أجلسوه قال: كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أخبؤها ولولا ما حضرني من الموت ما أخبرتكم بها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كان آخر قوله عند الموت أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلا هدمت ما كان قبلها من الخطايا والذنوب فلقنوها موتاكم " فقيل يا رسول الله فكيف هي للاحياء؟ قال " هي أهدم وأهدم " * (مسألة) * (ويقرأ عنده سورة يس) لما روى معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقرأوا (يس) على موتاكم " رواه أبو داود.
وقال أحمد ويقرءون عند الميت اذا حضر ليخفف عنه بالقرآن يقرأ (يس) وأمر بقراءة فاتحة الكتاب.
وروى الإمام أحمد " (يس) قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة
إلا غفر له واقرأوها على مرضاكم " * (مسألة) * (ويوجهه إلى القبلة) التوجيه الى القبلة عند الموت مستحب.
وهو قول عطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة والاوزاعي وأهل الشام والشافعي وإسحق وأنكره سعيد بن المسيب فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة قال: ألم أكن على القبلة الى يومي هذا؟ والأول أولى لأن حذيفة قال وجهوني.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " خير المجالس ما استقبل به القبلة " ولأن فعلهم ذلك بسعيد دليل على أنه كان مشهوراً بينهم يفعله المسلمون بموتاهم.
وصفة توجيهه الى القبلة أن يوضع على جنبه الأيمن كما يوضع

(2/305)


في اللحد إن كان المكان واسعاً وهذا مذهب الشافعي لأن هكذا استقبل المصلى على جنبه، وإن كان المكان ضيقاً جعل على ظهره ويجعل رأسه على موضع مرتفع ليتوجه نحو القبلة، هكذا ذكره القاضي ويحتمل أن يجعل على ظهره، بكل حال ويحتمله كلام الخرقي لقوله وجعل على بطنه مرآة أو غيرها، وإنما يمكن ذلك إذا كان على ظهره.
ويستحب تطهير ثياب الميت قبل موته، لأن أبا سعيد لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " (1) رواه أبو داود * (مسألة) * (فإذا مات أغمض عينيه وشد لحييه ولين مفاصله وخلع ثيابه وسجاه بثوب يستره وجعل على بطنه مرآة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه) يستحب تغميض الميت عقيب الموت، ويستحب لمن حضر الميت أن لا يتكلم إلا بخير، لما روت ام سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: " إن الروح إذا قبض تبعه البصر " فضج ناس من أهله فقال " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " ثم قال " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المقربين واخلفه
__________
(1) الحديث معارض بما ثبت في الصحاح من ان الناس يبعثون حفاة عراة، وتأول بعضهم الثياب بالعمل فيكون بمعنى " يبعث كل عبد على ما مات عليه " كما ثبت في صحيح مسلم

(2/306)


في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه " رواه مسلم.
وروى شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حضرتم موتاكم فاغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيراً فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت " رواه الإمام أحمد في المسند.
ويستحب شد ذقنه بعصابة عريضة يربطها من فوق رأسه، لأن الميت إذا كان مفتوح العينين والفم قبح منظره، ولا يؤمن دخول الهوام فيه والماء في وقت غسله.
قال بكر بن عبد الله المزني ويقول الذي يغمضه: بسم الله وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل على بطنه شئ من الحديد كالمرآة ونحوها لئلا ينتفخ بطنه ويلين مفاصله وهو أن يردد ذراعيه الى عضديه وعضديه الى جنبيه ثم يرددهما ويرد ساقيه الى فخذيه وفخذيه الى بطنه ثم يرددهما ليكون ذلك أبقى للينه فيكون أمكن للغاسل في تمكينه وتمديده.
قال أصحابنا ويستحب ذلك عقيب موته قبل قسوتها ببرودته، فإن شق عليه ذلك تركه، ويخلع ثيابه لئلا يحمى فيسرع اليه الفساد والتغير ويسجيه بثوب يستره لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة، متفق عليه، ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به بأرفق ما يقدر عليه.
قال أحمد تغمض المرأة عينيه إذا كانت ذات محرم، قال ويكره للحائض

(2/307)


والجنب تغميضه وأن يقرباه وكره ذلك علقمة، وروي نحوه عن الشافعي، وكره الحسن وابن سيرين وعطاء أن تغسل الحائض والجنب الميت ونحوه قال مالك، وقال ابن المنذر يغسله الجنب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس " ولا نعلم بينهم خلافاً في صحة تغسيلهما وتغميضهما له، ولكن الأولى أن يكون المتولي لذلك طاهراً لأنه أكمل وأحسن، ويوضع على سرير غسله أو لوح لأنه أحفظ له ولا يدعه على الأرض لئلا يسرع اليه التغير بسبب نداوة الأرض، ويكون متوجهاً منحدراً نحو رجليه لينصب عنه ماء الغسل وما يخرج منه ولا يستنقع تحته فيفسده * (مسألة) * (ويسارع في قضاء دينه) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن.
وعن سمرة قال: صلى نبي الله صلى الله عليه
وسلم الصبح فقال " ها هنا أحد من بني فلان؟ " قالوا نعم.
قال " فإن صاحبكم محتبس على باب الجنة في دين عليه " رواه الإمام أحمد، وإن تعذر ايفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه كما فعل أبو قتادة لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ولم يصل عليها، قال أبو قتادة: صل عليها يا رسول الله وعلي دينه رواه البخاري * (مسألة) * (ويسارع في تفريق وصيته ليتعجل له ثوابها يجريانها على الموصى له) * (مسألة) * (ويستحب المسارعة في تجهيزه إذا تيقن موته لأنه أصون له وأحفظ له من التغيير) قال أحمد كرامة الميت تعجيله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " رواه أبو داود.
ولا بأس أن ينتظر بها مقدار ما يجتمع لها جماعة لما يؤمل من الدعاء له اذا صلى عليه ما لم يخف عليه أو يشق على الناس نص عليه أحمد، وإن شك في أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت من انفصال كفيه واسترخاء رجليه وميل أنفه وانخساف صدغيه وامتداد جلدة وجهه، فان مات فجأة كالمصعوق أو خائف

(2/308)


من حرب أو سبع أو تردى من جبل انتظر به هذه العلامات حتى يتيقن موته.
قال الحسن في المصعوق ينتظر به ثلاثا.
قال أحمد وربما تغير في الصيف في اليوم والليلة.
قال فكيف تقول؟ قال يترك بقدر ما يعلم أنه ميت.
قيل له من غدوة الى الليل؟ قال نعم * (فصل في غسل الميت) * * (مسألة) * (غسل الميت ودفنه وتكفينه والصلاة عليه فرض كفاية) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته راحلته " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوب " متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ودفنه فرض كفاية لأن في تركه أذى للناس به وهتك حرمته، وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافاً * (مسألة) * (وأحق الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم ذوا أرحامه إلا الصلاة عليه فان الأمير أحق بها بعد وصيه)
أحق الناس بغسل الميت وصيه في ذلك.
وقال أصحاب الشافعي: أولى الناس بغسل الميت عصباته الأقرب فالأقرب، فإن كان له زوجة فهل تقدم على العصبات؟ فيه وجهان ولنا على تقديم الوصي أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين فقدما بذلك، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابه ولأنه حق للميت فقدم فيه وصيه على غيره كتفريق ثلثه (فصل) فإن لم يكن له وصي فالعصبات أولى الناس به وأولاهم أبوه ثم جده وان علا، ثم ابنه ثم ابن ابنه وأن نزل، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته على ترتيب الميراث لأنهم أحق بالصلاة عليه (فصل) وأحق الناس بالصلاة عليه وصية، وهذا قول سعيد بن زيد وأنس وأبي برزة وزيد ابن أرقم وأم سلمة.
وقال الثوري ومالك والشافعي وأبو حنيفة تقدم العصبات لأنها ولاية تترتب بترتيب العصبات فالولي فيها أولى كولاية النكاح ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر قاله أحمد.
قال وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وأبو بكرة أوصى أن يصلي عليه أبوبرزة، وقال غيره عائشة أوصت أن يصلي عليها أبو هريرة، وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير، وأبو سريحة أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم، فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم فيصلي عليها.
فقال ابنه أيها الأمير ان أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم.
فقدم زيداً.
وهذه قضايا اشتهرت ولم يظهر لها مخالف فكانت إجماعاً.
ولأنه حق للميت فانها شفاعة له فقدم وصيه فيها كتفريق ثلثه، وولاية النكاح يقدم عندنا فيها الوصي أيضاً على الصحيح، وان سلمت

(2/309)


فليست حقاً له، إنما هي حق للمولى عليه، ولأن الغرض في الصلاة الدعاء والشفاعة الى الله عزوجل، فالميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحاً وأقرب إجابة بخلاف ولاية النكاح، فإن كان الوصي فاسقاً أو مبتدعاً لم يقبل الوصية كما لو كان الوصي ذمياً، وان كان الأقرب اليه كذلك لم يقدم وصلى غيره كما يمنع من التقديم في الصلوات الخمس
* (مسألة) * (والأمير أحق بالصلاة عليه بعد الوصي) وقال به أكثر أهل العلم.
وقال الشافعي في أحد قوليه يقدم الولي قياساً على تقديمه في النكاح ولنا قوله صلى الله عليه وسلم " لا يومن الرجل في سلطانه " وقال أبو حازم شهدت حسيناً حين مات الحسن يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول تقدم لولا السنة ما قدمتك.
وسعيد أمير المدينة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى أحمد بإسناده عن عماد مولى بني هاشم قال شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي وزيد بن عمرو فصلى عليهما سعيد بن العاص وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم ابن عمر والحسن والحسين.
وقال علي رضي الله عنه: الامام أحق من صلى علي الجنازة، وعن ابن مسعود نحو ذلك، وهذا أشهر ولم ينكر فكان اجماعا ولأنها صلاة شرعت فيها الجماعة فقدم فيها الأمير كسائر الصلوات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يصلون على الجنائز، ولم ينقل الينا أنهم استأذنوا أولياء الميت في التقديم والمراد بالامير ها هنا الإمام، فإن لم يكن فالأمير من جهته، فإن لم يكن فالنائب من قبله في الامامة فإن لم يكن فالحاكم (فصل) وأحق الناس بالصلاة بعد ذلك العصبات وأحقهم الأب ثم الجد أبو الأب وان علا ثم الابن ثم ابنه وان نزل، ثم الأخ العصبة ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب ثم المولى المعتق ثم عصباته، هذا الصحيح من المذهب.
وقال أبو بكر، في تقديم الأخ على الجد قولان، وحكي عن مالك تقديم الابن على الأب لأنه أقوى تعصيبا منه، والاخ على الجد لأنه يدلي بالابن والجد يدلي بالاب ولنا انهما استويا في الادلاء، والاب أرق وأشفق، ودعاؤه لابنه أقرب الى الاجابة، فكان أولى كالقريب مع البعيد، ولأن المقصود بالصلاة الدعاء للميت والشفاعة له بخلاف الميراث (فصل) وإن اجتمع زوج المرأة وعصباتها فأكثر الروايات عن أحمد تقديم العصبات، وهو ظاهر كلام الخرقي وقول سعيد بن المسيب والزهري ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها منه، وروى عن أحمد تقديم العصبات، قال ابن عقيل وهي أصح لأن أبا بكر صلى على زوجته ولم يستأذن أخوتها، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول الشعبي
وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحق

(2/310)


ولنا أنه يروى عن عمر انه قال لأهل امرأته: أنتم أحق بها، ولأن الزوج قد زالت زوجيته بالموت فصار أجنبياً والقرابة لم تزل، فعلى هذه الرواية إن لم يكن لها عصبات فالزوج أولى لأن له سبباً وشفقة فكان أولى من الاجنبي (فصل) فإن اجتمع أخ من أبوين، وأخ من أب، ففي تقديم الأخ من الأبوين أو التسوية وجهان بناء على الروايتين في ولاية النكاح والحكم في الاعمام وأولادهم وأولاد الأخوة كذلك فان انقرض العصبة فالمولى المنعم، ثم عصباته ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأقرب فالأقرب ثم الاجانب، فان استوى وليان في الدرجة فأحقهما أولاهما بالامامة في المكتوبات، وقال القاضي يحتمل تقديم الأسن وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء وأعظم عند الله قدراً، والاول أولى لقوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وفضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات مع أنه يقصد فيها إجابة الدعاء والحظ للمأمومين، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " أئمتكم شفعاؤكم " ولا يسلم أن المسن الجاهل أعظم قدراً عند الله من العالم والأقرب اجابة، فان استووا وتشاحوا أقرع بينهم كما في سائر الصلوات (فصل) ومن قدمه الولي فهو بمنزلته، لأنها ولاية ثبتت له فكانت له الاستنابة فيها كولاية النكاح (فصل) وإن كان القريب عبداً فالحر البعيد أولى منه لأن العبد لا ولاية له في النكاح ولا المال، كذلك هذا.
فان اجتمع صبي ومملوك ونساء، فالمملوك أولى لأنه تصح امامته بهما، فإن لم يكن إلا نساء وصبيان فقياس المذهب أنه لا يصح أن يؤم أحد الجنسين الآخر، ويصلي كل نوع لأنفسهم وامامهم منهم، ويصلي النساء جماعة وامامتهن في وسطهن نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يصلين منفردات لا يسبق بعضهن بعضاً، وان صلين جماعة جاز ولنا أنهن من أهل الجماعة فسن أن يصلين جماعة كالرجال، وما ذكروه من كونهن منفردات لا يسبق بعضهن بعضاً تحكم لا يصار إليه إلا بدليل، وقد صلي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على سعد
ابن أبي وقاص رواه مسلم (فصل) فإن اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم فيمن يتقدم للصلاة عليهم قدم أولاهم بالامامة في الفرائض وقال القاضي يقدم من سبق ميته ولنا أنهم تساووا فأشبهوا الاولياء إذا تساووا في الدرجة مع قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وان أراد ولي كل ميت أفراد ميته بصلاة جاز * (مسألة) * (وأحق الناس بغسل المرأة وصيها ثم الأقرب فالأقرب من نسائها أمها ثم بنتها ثم بناتها ثم أخواتها كما ذكرنا في حق الرجل)

(2/311)


وكل من لها رحم ومحرم بحيث لو كانت رجلاً لم يحل له نكاحها أولى بها ممن لا رحم لها وبعدها التي لها رحم وليست بمحرم، كبنات العم والعمات وبنات الخال والخالة، فهن أولى من الاجانب، وبهذا قال الشافعي إن لم يكن لها زوج، فان كان لها زوج فهل يقدم على النساء؟ فيه وجهان: أحدهما يقدم لأنه ينظر منها الى ما لا ينظر النساء، والثاني يقدم النساء على الزوج لأن الزوجية تزول بالموت والرحم لا يزول كما ذكرنا في حق الرجل * (مسألة) * ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في إحدى الروايتين، كذلك السيد مع سريته) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله تعالى في غسل كل واحد من الزوجين الآخر، فروي عنه الجواز فيهما نقلها عنه حنبل، وروى عنه المنع مطلقاً حكاها ابن المنذر، وروي عنه التفرقة وهو جواز غسل الزوج دون الزوجة، والقول بجواز غسل المرأة زوجها قول أهل العلم حكاه ابن المنذر إجماعاً، قالت عائشة: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه رواه أبو داود، وأوصى ابو بكر رضي الله عنه ان تغسله امرأته أسماء بنت عميس ففعلت، وغسل أبا موسى امرأته أم عبد الله، قال أحمد ليس فيه اختلاف بين الناس، وعنه لا يجوز، حكى عنه صالح ما يدل على ذلك لأنها فرقة بين الزوجين أشبهت الطلاق، ولأنها أحد الزوجين أشبهت الآخر (فصل) والمشهور عن أحمد جواز غسل الرجل زوجته، وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد
وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي سلمة وأبي قتادة وحماد ومالك والاوزاعي والشافعي واسحق، وعن أحمد رواية ثانية، ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعا سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق ولنا ما روى ابن المنذر أن علياً رضي الله عنه غسل فاطمة عليها السلام واشتهر ذلك فلم ينكر فكان أجماعاً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك " رواه ابن ماجه، والأصل في إضافة الفعل الى الشخص أن يكون للمباشرة فان حمله على الأمر يبطل فائدة التخصيص، ولأنه أحد الزوجين فأبيح له غسل صاحبه كالآخر.
والمعنى في ذلك أن كل واحد من الزوجين يسهل عليه إطلاع الآخر على عورته لما كان بينهما في الحياة، ويأتي بالغسل على ما يمكنه لما كان بينهما من المودة والرحمة، وما قاسوا عليه لا يصح لأنه يمنع الزوجة من النظر بخلاف هذا ولأنه لا فرق بين الزوجين إلا بقاء العدة.
ولو وضعت حملها عقيب موته كان لها غسله وقد انقضت عدتها * (فصل) * فإن طلق امرأته طلاقاً بائناً ثم مات أحدهما في العدة لم يجز لواحد منهما غسل الآخر لأن اللمس والنظر محرم حال الحياة فبعد الموت أولى، وإن كان الطلاق رجعيا وقلنا الرجعية محرمة فكذلك، وإن قلنا هي مباحة فحكمها حكم الزوجين لأنها ترثه ويرثها ويباح له وطؤها والخلوة والنظر

(2/312)


اليها أشبه سائر الزوجات (فصل) وحكم أم الولد حكم الزوجة فيما ذكرنا، واختار ابن عقيل أنه لا يجوز لها غسل سيدها لأنها عتقت بموته، ولم يبق علقة من ميراث ولا غيره، وهو قول أبي حنيفة وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي ولنا أنها في معنى الزوجة في اللمس والنظر والاستمتاع فكذلك في الغسل، والميراث ليس من جملة المقتضي بدليل ما لو كان أحد الزوجين رقيقاً والاستبراء ها هنا كالعدة.
فأما غيرها من الاءماء فيجوز لسيدها غسلها في أصح الروايتين.
ذكره أبو الخطاب لأنه يلزمه كفنها ودفنها ومؤنتها فهي أولى من الزوجة، وهل يجوز لها غسل سيدها؟ قال شيخنا: يحتمل أن لا يجوز لأن الملك انتقل فيها إلى غيره، ويحتمل أن يجوز ذلك لسريته لأنها محل استمتاعه ويلزمها الاستبراء بعد موته أشبهت أم الولد،
فإن مات الزوج قبل الدخول بامرأته احتمل أن لا يباح لها غسله لأنه لم يكن بينهم استمتاع حال الحياة (فصل) فإن كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها، لأن الكافر لا يغسل المسلم، لأن النية واجبة في الغسل ولا تصح من الكافر.
وقال الشافعي يكره لها غسله، فان غسلته جاز لأن القصد التنظيف، وليس لزوجه غسلها لأن المسلم لا يغسل الكافر، ولا يتولى دفنه ما يأتي، ولأنه لا ميراث بينهما ولا موالاة، وقد انقطعت الزوجية بالموت، ويتخرج جواز ذلك بناء على غسل المسلم الكافر وهو مذهب الشافعي (فصل) وليس لغير من ذكرنا من الرجال غسل أحد من النساء، ولا لأحد من النساء غسل غير من ذكرنا من الرجال، وإن كن ذات رحم محرم، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقد روي عن أحمد أنه حكي له عن أبي قلابة غسل ابنته فاستعظم ذلك ولم يعجبه، وذلك أنها محرمة حال الحياة فلم يجب غسلها كالأجنبية وأخته من الرضاع، فإن لم يوجد من يغسلها من النساء فقال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يغسل أخته إذا لم يجد نساء؟ قال لا.
قلت فكيف يصنع؟ قال يغسلها وعليها ثيابها يصب الماء صبا.
قلت لأحمد وكذلك كل ذات محرم تغسل وعليها ثيابها؟ قال نعم.
وذلك لأنه لا يحل مسها، والأولى أنها تيمم كالأجنبية.
لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف، ولا إزالة النجاسة.
بل ربما كثرت أشبه ما لو عدم الماء.
وقال الحسن ومحمد ومالك والشافعي لا بأس بغسل ذات محرمة عند الضرورة * (مسألة) * (وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين وفي ابن السبع وجهان) أما غسل النساء للطفل الصغير فهو إجماع حكاه ابن المنذر، واختلف أهل العلم في حده فقال أحمد لهن غسل من له دون سبع سنين.
وقال الحسن إذا كان فطيماً أو فوقه، وقال الأوزاعي ابن أربع أو خمس، وقال أصحاب الرأي الذي لم يتكلم

(2/313)


ولنا أن من له دون سبع سنين لم يؤمر بالصلاة، ولم يخير بين أبويه، ولا عورة له أشبه ما لو سلموه فأما من بلغ السبع ففيه وجهان (أحدهما) يجوز اختاره أبو بكر لأنه غير مكلف أشبه ما قبل السبع،
(والثاني) لا يجوز اختاره ابن حامد وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم، وقيل سئل عن غلام ابن سبع سنين تغسله المرأة؟ فقال هو ابن سبع وهو يؤمر بالصلاة، ولو كان أقل من سبع كان أهون عندي، وحكى أبو الخطاب فيمن بلغ السبع روايتين، والصحيح أن من بلغ عشراً ليس للنساء غسله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وفرقوا بينهم في المضاجع " وأمر بضربهم على الصلاة لعشر، فأما من بلغ السبع والعشر ففيه احتمالان ووجههما ما ذكرنا، وأما الجارية اذا لم تبلغ سبعاً فقال القاضي وابو الخطاب يجوز للرجال غسلها، وقال الخلال: القياس التسوية بينهما لكل واحد منهما على الآخر فعلى قولنا حكمها حكم الغلام، ولا يغسل الرجل من بلغت عشراً لما ذكرنا في الصبي ويحتمل أن يحد ذلك بتسع في حق الجارية لقول عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة وفيما قبل ذلك الوجهان، ونقل عن أحمد رحمه الله كراهة ذلك وقال النساء أعجب الي، وذكر له أن الثوري قال: تغسل المرأة الصبي والرجل الصبية، فقال لا باس أن تغسل المرأة الصبي، وأما الرجل يغسل الصبية فلا أجترئ عليه إلا أن يغسل الرجل ابنته الصغيرة، ويروى عن أبي قلابة أنه غسل ابنة له صغيرة وهو قول الحسن، وكره غسل الرجل الصغيرة سعيد والزهرى، قال شيخنا: وهذا أولى من قول الاصحاب، لأن عورة الجارية أفحش من عورة الغلام، ولأن العادة مباشرة المرأة للغلام الصغير، والنظر الى عورته في حال تربيته ومسها، ولم تجر العادة للرجل بمباشرة عورة الجارية حال الحياة فكذلك حالة الموت، وهذا اختيار شيخنا والله أعلم (فصل) ويصح أن يغسل المحرم الحلال والحلام المحرم لأن كل واحد منهما تصح طهارته وغسله * (مسألة) * (واذا مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين وفي الأخرى يصب عليه الماء من فوق قميص ولا يمس) إذا مات رجل بين نسوة أجانب، أو امرأة بين رجال أجانب، أو مات خنثى مشكل، فانه ييمم في الصحيح من المذهب.
وهذا قول سعيد بن المسيب والنخعي وحماد ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، والوجه الثاني يغسل في قميص ويجعل الغاسل على يده خرقة وفيه رواية أخرى أنه يغسل من فوق القميص يصب عليه الماء صباً ولا يمس، وهو قول الحسن وإسحق
ولنا ما روى واثلة بن الاسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال " ولأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف

(2/314)


ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت، ولا يسلم من النظر، فكان العدول إلى التيمم أولى، كما لو عدم الماء فأما إن ماتت الجارية بين محارمها الرجال فقد ذكرناه * (مسألة) * (ولا يغسل مسلم كافراً ولا يدفنه إلا أن لا يجد من يواريه غيره) اذا مات كافر مع مسلمين لم يغسلوه سواء كان قريباً لهم أو لا، ولا يتولوا دفنه إلا أن لا يجدوا من يواريه وهذا قول مالك، وقال أبو حفص العكبري: يجوز له غسسل قريبه الكافر ودفنه، وحكاه قولا لأحمد وهو مذهب الشافعي لما روي عن علي رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فواره " رواه أبو داود والنسائي ولنا أنه لا يصلى عليه ولا يدعو له فلم يكن له غسله كالأجنبي، والحديث يدل على مواراته وله ذلك اذا خاف من التغير به والضرر ببقائه، قال أحمد في يهودي أو نصراني مات وله ولد مسلم: فليركب دابته ويسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر رضي الله عنه * (مسألة) * (وإذا أخذ قي غسله ستر عورته وجرده، وقال القاضي يغسل في قميص واسع الكمين) يجب ستر عورة الميت بغير خلاف علمناه وهو ما بين سرته الى ركبته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " لا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت " رواه أبو داود، قال ابن عبد البر: وروي " الناظر من الرجال إلى فروج الرجال كالناظر منهم إلى فروج النساء والمتكشف ملعون " قال أبو داود: قلت لأحمد الصبي يستر كما يستر الكبير (أعني) الصبي الميت في الغسل؟ قال: أي شئ يستر منه ليست عورته بعورة ويغسله النساء

(2/315)


(فصل) ويستحب تجريد الميت عند غسله ما سوى عورته رواه الاثم عن أحمد وهذا ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي الخطاب وإليه ذهب ابن سيرين ومالك وأبو حنيفة وروى المروذي عن
أحمد أنه قال: يعجبني أن يغسل الميت وعليه ثوب يدخل يده من تحت الثوب قال: وكان أبو قلابة اذا غسل ميتاً جلله بثوب، وقال القاضي: السنة أن يغسل في قميص رقيق ينزل الماء فيه ولا يمنع أن يصل الى يديه، وويدخل يده في كم القميص فيمرها على بدنه والماء يصب، فان كان القميص ضيقاً فتق رأس الدخاريص وأدخل يده فيه، وهذا مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه، وقال سعد اصنعوا پي كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه وقد أرادوا خلعه فنودوا ألا تخلعوه واستروا نبيكم ولنا أن تجريد الميت أمكن لتغسيله وتطهيره، والحي يتجرد اذا اغتسل فكذلك الميت ولأنه اذا اغتسل في ثوبه ينجس الثوب بما يخرج وقد لا يطهر بصب الماء عليه فينجس الميت به، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فذلك خاص له، ألا ترى أنهم قالوا: نجرده كما نجرد موتانا كذلك روته عائشة، قال ابن عبد البر روي ذلك عنها من وجه صحيح، فالظاهر أن تجريد الميت فيما عدا العورة كان مشهوراً عندهم ولم يكن هذا ليخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم بل الظاهر أنه كان بأمره لأنهم كانوا ينتهون الى رأيه ويصدرون عن أمره في الشرعيات، واتباع أمره وفعله أولى من اتباع غيره، ولأن ما يخشى من تنجيس قميصه بما يخرج منه كان مأموناً في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه طاهر حياً وميتاً بخلاف غيره، وإنما قال سعد: إلحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم

(2/316)


* (مسألة) * (ويستر الميت عن العيون، ولا يحضره إلا من يعين في غسله) يستحب ستر الميت وأن يغسل في بيت إن أمكن لأنه أستر له، فإن لم يكن بيت جعل بينه وبين السماء ستراً، وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الذي يغسل فيه مظلماً ذكره أحمد، وروى أبو داود باسناد له قال: أوصى الضحاك أخاه سالماً قال: اذا غسلتني فاجعل حولي ستراً، واجعل بيني وبين السماء ستراً، وذكر القاضي أن عائشة قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فجعلنا بينها وبين السقف ستراً، وإنما استحب ذلك لئلا يستقبل السماء بعورته، وإنما استحب ستر الميت، وأن لا يحضره إلا من يعين في غسله لأنه يكره النظر إلى الميت إلا لحاجة
لأنه ربما كان بالميت عيب يكتمه ويكره أن يطلع عليه بعد موته وربما حدث منه أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله، وربما ظهر فيه شئ هو في الظاهر منكر فيتحدث به فيكون فضيحة وربما بدت عورته فشاهدها، ويستحب للحاضرين غض أبصارهم عنه إلا لحاجة كذلك، ولهذا أجبنا أن يكون الغاسل ثقة أميناً ليستر ما يطلع عليه.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليغسل موتاكم المأمونون " رواه ابن ماجه، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فإن كان لا يعلم فمن ترون عنده حظاً من ورع " رواه الإمام أحمد.
وقال القاضي: لوليه

(2/317)


أن يدخل كيف شاء والأولى ما ذكرنا إن شاء الله لأن العلة تقتضي التعميم * (مسألة) * (ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ويعصر بطنه عصراً رفيقاً ويكثر صب الماء حينئذ) يستحب للغاسل أن يبدأ فيحني الميت حنياً رفيقاً لا يبلغ به الجلوس لأن في الجلوس أذية، ثم يمر يده على بطنه يعصره عصراً ليخرج ما معه من نجاسة كيلا يخرج بعد ذلك، ويكثر صب الماء حينئذ ليخفي ما يخرج منه ويذهب به الماء.
ويستحب أن يكون بقربه مجمر فيه بخور حتى لا يظهر منه ريح.
وروى عن أحمد أنه قال لا يعصر بطن الميت في المرة الأولى، ولكن في الثانية، وقال في موضع آخر يعصر بطنه في الثالثة يمسح مسحاً رفيقاً مرة واحدة، وقال أيضاً: عصر بطن الميت في الثانية أمكن، لأن الميت لا يلين حتى يصيبه الماء (فصل) فإن كانت امرأة حاملاً لم يعصر بطنها لئلا يؤذي أم الولد، لما روت ام سليم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها فليبدأن ببطنها فليمسح مسحاً رفيقاً إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا يحركنها " رواه الخلال

(2/318)


* (مسألة) * (ثم يلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل مس عورته، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة)
يستحب للغاسل اذا عصر بطن الميت أن ينجيه فيلف على يده خرقة خشنة بمسحه بها لئلا يمس عورته لأن النظر الى عورة الميت حرام فمسها أولى، ويزيل ما على بدنه من نجاسة لأن الحي يبدأ بذلك في اغتساله من الجنابة، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه الا بخرقة لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص.
قال القاضي: يعد الغاسل خرقتين يغسل باحداهما السبيلين وبالأخرى سائر بدنه * (مسألة) * (ثم ينوي غسلهما ويسمي) النية في غسل الميت واجبة على الغاسل، وفي وجوب التسمية روايتان كغسل الجنابة، وإنما أوجبناها على الغاسل لتعذرها من الميت ولأن الحي هو المخاطب بالغسل.
وقال القاضي وابن عقيل ويحتمل أن لا تعتبر النية لأن القصد التنظيف فأشبه غسل النجاسة، والصحيح الأول لأنه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف ولجاز غسله بماء الورد، وكل ما يحصل به التنظيف وانما هو غسل تعبد فأشبه غسل الجنابة * (مسألة) * قال (ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفها ويوضيه ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه)

(2/319)


وجملة ذلك أنه إذا نجى الميت وأزال النجاسة بدأ بعد ذلك فوضاه وضوء الصلاة فيغسل كفيه ثم يأخذ خرقة خشنة فيبلها ويجعلها على أصبيعيه فيسمح أسنانه وأنفه حتى ينظفهما ويكون ذلك في رفق ثم يغسل وجهه ويتمم وضوءه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته " ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " متفق عليه ولأن الحي يبدأ بالوضوء في غسله ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه في قول أكثر أهل العلم منهم سعيد بن جبير والنخعي والثوري وأبو حنيفة، وقال الشافعي يمضمضه وينشقه كما يفعل الحي ولنا أن ذلك لا يؤمن معه وصوله الى جوفه فيفضي الى المثلة به ولا يؤمن من خروجه في أكفانه فيفسدها

(2/320)


* (مسألة) * (ثم يضرب السدر فيغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر يفعل ذلك ثلاثا) يستحب أن يبدأ الغاسل بعد وضوء الميت بغسل رأس الميت فيغسله برغوة السدر ويغسل بدنه بالتفل يفعل ذلك ثلاثا، والمنصوص عن أحمد رحمه الله أنه يستحب أن يغسل ثلاثا بماء وسدر قال صالح: قال أبي: الميت يغسل بماء وسدر ثلاث غسلات.
قلت فيبقى عليه؟ قال أي شئ يكون هو أنقى له.
وذكر عن عطاء أن ابن جريج قال له أنه يبقى عليه السدر اذا غسل به كل مرة، قال عطاء هو طهور، واحتج أحمد بحديث أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته قال " اغسلنها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً أو أكثر من ذلك أن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافوراً " متفق عليه وذهب كثير من أصحابنا المتأخرين إلى أنه لا يترك في الماء سدر يغيره ثم اختلفوا فقال ابن حامد يطرح في كل المياه شئ يسير من السدر لا يغيره ليجمع بين العمل بالحديث ويكون الماء باقياً على إطلاقه، وقال القاضي وابو الخطاب يغسل أول مرة بالسدر ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح فيكون الجميع غسلة واحدة ويكون الاعتداد بالآخر دون الأول، لأن أحمد رحمه الله شبه غسله بغسل الجنابة، ولان السدر أن غير الماء سلبه الطهورية، وان لم يغيره فلا فائدة في ترك يسير لا يؤثر، والأول ظاهر كلام أحمد ويكون هذا من قوله دالا على أن تغيير الماء بالسدر لا يخرجه عن طهوريته، فان لم يجد السدر غسله بما يقوم مقامه ويقرب منه كالخطمى ونحوه لحصول المقصود به، وان غسله بذلك مع وجود السدر جاز لأن الشرع ورد بهذا لمعنى معقول وهو التنظيف فيتعدى الى كل ما وجد فيه المعنى، قال أبو الخطاب: ويستحب أن يخضب رأس المرأة ولحية الرجل بالحناء ويستحب أن يبدأ بشقه الأيمن فيغسل وجهه ويده اليمنى من المنكب الى الكفين وصفحة عنقه اليمنى وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وهو مستلق ثم يصنع ذلك بالجانب الأيسر ثم يرفعه من جانبه ولا

(2/321)


يكبه لوجهه فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ثم يعود فيحرفه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك، هكذا ذكره ابراهيم النخعي والقاضي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأن
بميامنها " وهو أشبه بغسل الحي (فصل) والواجب غسلة واحدة لأنه غسل واجب من غير نجاسة أصابته فكان مرة واحدة كغسل الجنابة.
قال عطاء: يجزيه غسلة واحدة ان نقوه، وقد روي عن أحمد أنه قال: لا يعجبني أن غسل واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا " وهذا على سبيل الكراهة دون الاجزاء لما ذكرنا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم " اغسلوه بماء وسدر " ولم يذكر عدداً (فصل) والحائض والجنب اذا ماتا كغيرهما في الغسل، قال إبن المنذر هذا قول من نحفظ عنه من علماء الأمصار، وقد قال الحسن وسعيد بن المسيب: ما مات ميت الا جنب، وقيل عن الحسن أنه يغسل الجنب للجنابة والحائض للحيض ثم يغسلان للموت، والأول أولى لأنهما خرجا من أحكام التكليف ولم يبق عليهما عبادة واجبة، وانما الغسل للميت تعبد وليكون في حال خروجه من الدنيا على أكمل حال من النظافة وهذا يحصل بغسلة واحدة ولأن الغسل الواحد يجزي من وجد في حقه شيئان كالحيض والجنابة كذا هذا (فصل) وقال بعض أصحابنا: يتخذ الغاسل ثلاث أواني آنية كبيرة يجمع فيه الماء الذي يغسل به الميت تكون بالبعد منه، واناءين صغيرين يطرح من أحدهما على الميت والثالث يغرف به من الكبير في الصغير الذي يغسل به الميت ليكون الكبير مصوناً، فاذا فسد الماء الذي في الصغير وطار فيه من رشاش الماء كان ما بقي في الكبير كافياً، ويستعمل في كل أموره الرفق به في تقليبه وعرك أعضائه وعصر بطنه وتليبن مفاصله وفي سائر أموره احتراماً له فانه مشبه بالحي في حرمته ولا يأمن أن عنف به أن ينفصل منه عضو فيكون مثلة به وقد قال صلى الله عليه وسلم " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " وقال " إن الله يحب الرفق في الأمر كله "

(2/322)


* (مسألة) * (فإن لم ينفق بالثلاث وخرج منه شئ غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع) اذا فرغ الغاسل من الغسلة الثالثة لم يمر يده على بطن الميت لئلا يخرج منه شئ، فان رأى الغاسل أنه لم ينق بالثلاث غسله خمساً أو سبعاً إن رأى ذلك ولا يقطع إلا على وتر.
قال الامام أحمد
ولا يزاد على سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعاً " لم يزد على ذلك وجعل ما أمر به وتراً، وقال أيضاً " اغسلنها وتراً " فإن لم ينق بالسبع فقال شيخنا: الأولى غسله حتى ينقى لقوله صلى الله عليه وسلم " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك " ولأن الزيادة على الثلاث إنما كانت للانقاء أو للحاجة اليها، فكذلك ما بعد السبع، ولا يقطع إلا على وتر لما ذكرنا، ولم يذكر أصحابنا أنه يزيد على سبع (فصل) فإن خرج من الميت نجاسة بعد الثلاث وهو على مغتسله من قبله أو دبره غسله إلى خمس فإن خرج بعد الخمس غسله الى سبع، ويوضيه في الغسلة التي تلي خروج النجاسة.
قال صالح قال أبي يوضأ الميت مرة واحدة إلا أن يخرج منه شئ فيعاد عليه الوضوء وهذا قول ابن سيرين وإسحق، واختار أبو الخطاب أنه يغسل موضع النجاسة ويوضأ ولا يجب اعادة غسله وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة لأن خروج النجاسة من الحي بعد غسله لا يبطله فكذلك الميت، وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أن القصد من غسل الميت أن يكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك بماء وسدر " فان خرجت منه نجاسة من غير السبيلين فقال أحمد في رواية أبي داود: الدم أسهل من الحدث يعني الدم الذي يخرج من أنفه أسهل من الحدث في أنه لا يعاد له الغسل لأن الحدث ينقض الطهارة بالاتفاق ويسوى بين قليله وكثيره، ويحتمل أنه إن أراد الغسل لا يعاد من يسيره كما لا ينقض الوضوء بخلاف الخارج من السبيلين * (مسألة) * (ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً) يستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً لشده ويبرده ويطيبه لقول النبي صلى الله عليه

(2/323)


وسلم للنساء اللاتي غسلن ابنته " اغسلنها بالسدر وتراً ثلاثاً أو خمسا أو أكثر من ذلك واجعلن في الغسة الأخيرة كافوراً " وفي حديث أم سليم " فإذا كان في آخر غسلة من الثالثة أو غيرها فاجعلن ماء فيه شئ من كافور وشئ من سدر ثم اجعلي ذلك في جرة جديدة ثم أفرغيه عليها وابدئي برأسها حتى يبلغ رجليها "
* (مسألة) * (والماء الحار والخلال والاشنان يستعمل إن احتيج إليه) هذه الثلاثة تستعمل عند الحاجة اليها مثل أن يحتاج إلى الماء الحار لشدة البرد، أو الوسخ لا يزول إلا به، وكذلك الاشنان يستعمل إذا كان على الميت وسخ.
قال أحمد إذا طال ضنا المريض غسل بالاشنان يعني أنه يكثر وسخه فيحتاج الى الاشنان ليزيله، والخلال يحتاج إليه لاخراج شئ والأولى أن يكون من شجرة كالصفصاف ونحوه ومما ينقي ولا يجرح، وإن جعل على رأسه قطناً فحسن ويتتبع ما تحت أظفاره فينقيه فان لم يحتج إلى شئ من ذلك لم يستحب استعماله وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة والمسخن أولى لكن حال انه ينقي مالا ينقي البارد ولنا أن البارد يمسكه والمسخن يرخيه ولهذا يطرح الكافور في الماء ليشده ويبرده والانقاء يحصل بالسدر إذا لم يكثر وسخه، فان كثر ولم يزل إلا بالحار صار مستحباً * (مسألة) * (ويقص شاربه ويقلم أظافره ولا يسرح شعره ولا لحيته) متى كان شارب الميت طويلا استحب قصه وهذا قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد بن جبير وإسحق، وقال أبو حنيفة ومالك لا يؤخذ من الميت شئ لانه قطع شئ منه فلم يستحب كالختان، ولأصحاب الشافعي اختلاف كالقولين

(2/324)


ولنا قول أنس: اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم.
والعروس يحسن ويزال عنه ما يستقبح من الشارب وغيره ولأن تركه يقبح منظره فشرع إزالته كفتح عينيه وفمه، ولانه فعل مسنون في الحياة لا مضره فيه فشرع بعد الموت كالاغتسال، وعلى هذا يخرج الختان لما فيه من المضرة، واذا أخذ منه جعل مع الميت في أكفانه، وكذلك كل ما أخذ منه من شعر أو ظفر أو غيرها فانه يغسل ويجعل معه في أكفانه لأنه جزء من الميت فأشبه أعضاءه (فصل) فأما قص الاظفار اذا طالت ففيها روايتان.
إحداهما لا تقلم وينقى وسخها وهو ظاهر كلام الخرقي لأن الظفر لا يظهر كظهور الشارب فلا حاجة الى قصه، والثانية يقص اذا كان فاحشاً نص عليه لأنه من السنة ولا مضرة فيه فيشرع أخذه كالشارب، ويمكن حمل الرواية الأولى على ما
إذا لم يفحش.
ويخرج في نتف الأبط وجهان بناء على الروايتين في قص الاظفار لأنه في معناه (فصل) فأما العانة ففيها وجهان: أحدهما لا تؤخذ وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول ابن سيرين ومالك وأبي حنيفة.
وروى عن أحمد أن أخذها مسنون وهو قول الحسن وبكر بن عبد الله وسعيد ابن جبير وإسحق لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولأنه شعر يسن إزالته في الحياة أشبه قص الشارب، والصحيح الأول لأنه يحتاج في أخذها إلى كشف العورة ولمسها وهتك الميت وذلك محرم لا يفعل لغير واجب، ولأن العانة مستورة يستغنى بسترها عن إزالتها لانها لا تظهر بخلاف الشارب.
فاذا قلنا بأخذها فقال أحمد تؤخذ بالموسى أو بالمقراض.
وقال القاضي تزال بالنورة لأنه أسهل ولا يمسها، ووجه قول أحمد أنه فعل سعد، والنورة لا يؤمن أن تتلف جلد الميت، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين

(2/325)


(فصل) فأما الختان فلا يشرع لأنه إبانة جزء من أعضائه وهذا قول أكثر أهل العلم.
وحكي عن بعض أهل العلم أنه يختن حكاه الإمام أحمد، والأول أولى لما ذكرناه، ولا يحلق رأس الميت وقال بعض أصحاب الشافعي يحلق إذا لم يكن له جمة للتنظيف، والأول أولى لأنه ليس من السنة في الحياة وانما يراد لزينة أو نسك، ولا يطلب شئ من ذلك ها هنا (فصل) وإن جبر عظمه بعظم فجبر ثم مات فإن كان طاهراً لم ينزع وإن كان نجساً وأمكن إزالتة من غير مثلة أزيل لأنه نجاسة مقدور عى إزالتها من غير ضرر، وإن أفضى إلى المثلة لم يقلع وإن كان في حكم الباطن كالحي، وان كان عليه جبيرة يفضي نزعها الى مثلة مسح عليها كحال الحياة وإلا نزعها وغسل ما تحتها.
قال أحمد في الميت تكون أسنانه مربوطة بذهب إن قدر على نزعه من غير أن تسقط بعض أسنانه نزعه، وإن خاف سقوط بعضها تركه (فصل) ومن كان مشنجاً أو به حدب أو نحو ذلك فأمكن تمديده بالتليين والماء الحار فعل ذلك وإن لم يمكن الا بعسف تركه بحاله، فإن كان على صفة لا يمكن تركه على النعش إلا على وجه يشهر بالمثلة ترك في تابوت أو تحت صكبه كما يصنع بالمرأة لأنه أصون له وأستر
ويستحب أن يترك فوق سرير المرأة شئ من الخشب أو الجريد مثل القبلة ويترك فوقه ثوب ليكون أستر لها.
وقد روي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أول من صنع لها ذلك بأمرها.
(فصل) فأما تسريح رأسه ولحيته فكرهه أحمد، وقالت عائشة: علام تنصون ميتكم؟ أي لا تسرحوا رأسه بالمشط ولان ذلك بقطع شعره وينتفه وهذا مذهب أبي حنيفة.
وقد روي عن

(2/326)


أم عطية قالت: مشطناها ثلاثة قرون متفق عليه.
قال أحمد انما ضفرن وأنكر المشط فكأنه تأول قولها مشطناها على أنها أرادت ضفرناها لما ذكرنا والله أعلم * (مسألة) * (ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها) يستحب ضفر شعر المرأة ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها ويلقى من خلفها، وبهذا قال الشافعي وإسحق وبن المنذر.
وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي لا يضفر ولكن يرسل مع خديها من الجانبين ثم يرسل عليه الخمار لأن ضفره يحتاج الى تسريحه فيتقطع وينشف ولنا ما روت أم عطية قالت: ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها تعني بنت النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
ولمسلم فضفرنا شعرها ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها، وفي حديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم واضفرن شعرها ثلاثة قرون قصة وقرنين ولا تشبهنها بالرجال * (مسألة) * (ثم ينشفه بثوب) وذلك مستحب لئلا تبتل أكفانه، وفي حديث ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وسلم قال: فجففوه بثوب ذكره القاضي وهذا مذهب الشافعي * (مسألة) * (فإن خرج منه شئ بعد السبع حشاه بالقطن فان لم يستمسك فبالطين الحر)

(2/327)


متى خرجت من الميت نجاسة بعد السبع لم يعد إلى الغسل نص عليه أحمد لأن اعادة غسله

(2/328)


يفضي الى الحرج، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثلاثا أو خمسا أو سبعا في حديث أم عطية، لكن يحشوه

(2/329)


بالقطن أو يلجم بالقطن كما تفعل المستحاضة ومن به سلس البول، فان لم يمسكه ذلك حشى بالطين الخالص الصلب الذي له قوة يمسك المحل

(2/330)


* (مسألة) * (ثم يغسل المحل ويوضأ) وقد ذكر عن أحمد أنه لا يوضأ وهو قول لأصحاب الشافعي والأولى إن شاء الله أنه يوضأ كالجنب اذا أحدث بعد الغسل لتكون طهارته كاملة * (مسألة) * (فإن خرج منه شئ بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل) قال شيخنا رحمه الله لا نعلم في ذلك خلافا إذا كان الخارج يسيراً لما في إعادة الغسل من المشقة الكثيرة لأنه يحتاج إلى اخراجه واعادة غسله وغسل أكفانه وتجفيفها أو ابدالها ثم لا يؤمن مثل هذا في المرة الثانية والثالثة فسقط ذلك، ولا يحتاج أيضاً الى اعادة وضوئه ولا غسل موضع النجاسة

(2/331)


دفعاً لهذه المشقة ويحمل بحاله، وقد روي عن الشعبي ان ابنة له لما لفت في أكفانها بدا منها شئ.
فقال الشعبي: ارفعوا.
وإن كان كثيراً.
فالظاهر عنه أنه يحمل أيضاً لما ذكرنا، وعنه أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد * (مسألة) * (ويغسل المحرم بماء وسدر ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيباً) إذا مات المحرم لم يبطل حكم احرامه بموته ويجنب ما يجنبه المحرم من الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط وقطع الشعر، روى ذلك عن عثمان وعلي وابن عباس وبه قال عطاء والثوري والشافعي وإسحق، وقال مالك والاوزاعي وأبو حنيفة يبطل احرامه بموته ويصنع به ما يصنع بالحلال.
وروي ذلك عن عائشة وابن عمر وطاوس لأنها عبادة شرعية فبطلت بالموت كالصلاة والصيام ولنا ما روى ابن عباس أن رجلاً وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيباً ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبداً "
وفي رواية " ملبياً " متفق عليه.
فإن قيل هذا خاص له لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً قلنا حكم النبي صلى الله عليه وسلم في واحد حكمه في مثله إلا أن يرد تخصيصه، ولهذا ثبت حكمه في شهداء أحد وفي سائر الشهداء قال أبو داود سمعت أحمد يقول: في هذا الحديث خمس سنن - كفنره في ثوبيه أي يكفن في ثوبين، وأن يكون في الغسلات كلها سدر، ولا تخمروا رأسه، ولا تقربوه طيباً، وكون الكفن من جميع المال.
قال أحمد في موضع يصب عليه الماء صباً، ولا يغسل كما يغسل الحلال، وانما كره عرك رأسه ومواضع الشعر كيلا ينقطع شعره (فصل) واختلف عن أحمد في تغطية وجهه فعنه لا يغطى نقلها عنه اسماعيل بن سعيد لأن في بعض الحديث " ولا تخمروا رأسه ولا وجهه " وعنه لا بأس بتغطية وجهه.
نقلها عنه سائر أصحابه لحديث ابن عباس المذكور فانه أصح ما روي فيه وليس فيه سوى المنع من تغطية الرأس، ولا يلبس المخيط لأنه يحرم عليه في حياته فكذلك بعد الموت، واختلف عن أحمد أيضاً في تغطية رجليه، فروى حنبل عنه لا يغطى رجلاه كذلك ذكره الخرقي.
وقال الخلال لا أعرف هذا في الأحاديث ولا رواه أحد عن أبي عبد الله غير حنبل وهو عندي وهم من حنبل، والعمل على أنه يغطى جميع المحرم إلا رأسه ولأن المحرم لا يمنع من تغطية رجليه في حياته فكذلك بعد موته، فإن كان الميت امرأة محرمة ألبست القميص وخمرت كما تفعل في حياتها ولم تقرب طيباً ولم يغط وجهها لأنه يحرم عليها في حياتها فكذلك بعد موتها، فان ماتت المتوفى عنها زوجها في عدتها احتمل أن لا تطيب لأنها ممنوعة حال حياتها، واحتمل أن تطيب لأن التطيب إنما حرم لكونه يدعو الى نكاحها وقد زال بالموت وهو أصح، ولأصحاب الشافعي وجهان

(2/332)


* (مسألة) * (والشهيد لا يغسل إلا أن يكون جنباً) اذا مات الشهيد في المعركة لم يغسل رواية واحدة إذا لم يكن جنباً، وهذا قول أكثر أهل العلم ولا نعلم خلافا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب فانهما قالا يغسل ما مات ميت إلا جنباً ولنا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم
متفق عليه.
إذا ثبت هذا فيحتمل أن ترك الغسل لما يتضمنه من إزالة أثر العبادة المستطاب شرعاً فانه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون دم والريح ريح مسك " رواه البخاري.
وروي عبد الله بن ثعلبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى لونه لون الدم وريحه ريح المسك " رواه النسائي، ويحتمل أن الغسل لا يجب إلا من أجل الصلاة إلا أن الميت لا فعل له فأمرنا بغسله ليصلى عليه، فمن لم تجب الصلاة عليه لم يجب غسله كالحي، ويحتمل أن الشهداء في المعركة يكثرون فيشق غسلهم فعفي عنه لذلك (فصل) فإن كان الشهيد جنباً غسل وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك لا يغسل لعموم الخبر في الشهداء وعن الشافعي كالمذهبين ولنا ما روى أن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما شأن حنظلة فإني رأيت الملائكة تغسله " قالوا أنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال رواه ابن إسحق في المغازي ولأنه غسل واجب لغير الموت فلم يسقط بالموت كغسل النجاسة.
وحديثهم ورد في شهداء أحد وحديثنا خاص في حنظلة وهو من شهداء أحد فيجب تقديمه، وعلى هذا كل من وجب عليه الغسل بسبب سابق على الموت كالمرأة تطهر من حيض أو نفاس ثم تقتل فهي كالجنب لما ذكرنا من العلة، ولو قتلت في حيضها أو نفاسها لم يجب الغسل لأن الطهر شرط في الغسل أو في السبب الموجب فلا يثبت الحكم بدونه، فان أسلم ثم استشهد قبل الغسل فلا غسل عليه لأنه روي أن أصيرم بني عبد الأشهل أسلم يوم أحد ثم قبل فلم يؤمر بغسل * (مسألة) * (وينزع عنه السلاح والجلود ويزمل في ثيابه وإن أحب فيكفنه في غيرها) أما دفنه في ثيابه فلا نعلم فيه خلافاً وقد ثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم في ثيابهم " وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وابن ماجة، وليس ذلك بواجب لكنه الأولى، ويجوز للولي أن ينزع ثيابه ويكفنه بغيرها، وقال أبو حنيفة لا ينزع ثيابه لظاهر الخبر

(2/333)


ولنا ما روى أن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن فيهما حمزة فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر رواه يعقوب بن شيبة وقال هو صالح الاسناد، وحديثهم يحمل على الاباحة والاستحباب، إذا ثبت هذا فانه ينزع عنه ما لم يكن من عامة لباس الناس من الجلود والفراء والحديد.
قال أحمد لا يترك عليه فرو ولا خف ولا جلد وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك لا ينزع عنه فرو ولا خف ولا محشو لعموم الخبر وهو قوله " ادفنوهم في ثيابهم " وما رويناه أخص فكان أولى * (مسألة) * (ولا يصلى عليه في أصح الروايتين) وهذا قول مالك والشافعي وإسحق، وعن أحمد رواية أخرى أنه يصلى عليه اختارها الخلال وهو قول الثوري وأبي حنيفة إلا أن كلام أحمد رحمه الله في هذه الرواية يشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة، وقد صرح بذلك في رواية المروذي فقال: الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأه، وقال في موضع آخر يصلى عليه وأهل الحجاز لا يصلون عليه وما تضره الصلاة لا بأس به، فكأن الروايتين في استحباب الصلاة لا في وجوبها، إحداهما يستحب لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر متفق عليه، وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد.
ووجه الرواية الأولى ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم ولم يصل عليهم متفق عليه، وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد فانه صلى عليهم في القبور بعد سنين وهم لا يصلون على القبر أصلاً ونحن لا نصلي عليه بعد شهر، وحديث ابن عباس يرويه الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وقد أنكر عليه شعبة رواية هذا الحديث، إذا ثبت هذا فيحتمل أن يكون سقوط الصلاة عليهم لكونهم أحياء عند ربهم، والصلاة إنما شرعت في حق الموتى، ويحتمل أن ذلك لغناهم عن الشفاعة لهم، فان الشهيد يشفع في سبعين من أهله فلا يحتاج إلى شفيع، والصلاة إنما شرعت للشفاعة (فصل) والبالغ وغيره سواء في ترك غسله والصلاة عليه إذا كان شهيداً وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر، وقال أبو حنيفة لا يثبت حكم الشهادة لغير البالغ لأنه ليس من أهل القتال
ولنا أنه مسلم قتل في معترك المشركين بقتالهم أشبه البالغ ولأنه يشبه البالغ في غسله والصلاة عليه إذا لم يكن شهيداً فيشبه في سقوط ذلك عنه بالشهادة، وقد كان في شهداء أحد حارثة بن النعمان وهو صغير، والحديث عام في الكل وما ذكروه يبطل بالنساء * (مسألة) * (وان سقط من دابته ووجد ميتاً لا أثر به أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه) إذا سقط من دابته فمات أو وجد ميتاً ولا أثر به فانه يغسل ويصلى عليه، نص عليه أحمد.

(2/334)


وتأول الحديث: ادفنوهم بكلومهم فاذا كان به كلم (1) لم يغسل، وهذا قول أبي حنيفة في الذي يوجد ميتاً لا أثر به.
وقال الشافعي لا يغسل بحال لأنه مات بسبب من أسباب القتال ولنا أن الأصل وجوب الغسل فلا يسقط بالاحتمال ولأن سقوط الغسل في محل الوفاق مقرون بمن كلم فلا يجوز ترك اعتبار ذلك (فصل) وكذلك إن حمل فأكل أو طال بقاؤه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه وكان شهيداً رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله فحمل الى المسجد فلبث فيه أياماً ثم مات وظاهر كلام الخرقي أنه متى طالت حياته بعد حمله غسل وصلي عليه، وإن مات في المعركة أو عقب حمله لم يغسل ولم يصل عليه.
وقال مالك إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسل، وقال أحمد في موضع: ان تكلم أو آكل أو شرب صلي عليه.
وعن أحمد أنه سئل عن المجروح اذا بقي في المعركة يوماً الى الليل ثم مات فرأى أن يصلي عليه.
وقال أصحاب الشافعي ان مات حال الحرب لم يغسل ولم يصل عليه وإلا غسل وصلي عليه.
قال شيخنا: والصحيح التحديد بما ذكرنا من طول الفصل والأكل لأن الأكل لا يكون إلا من ذي حياة مستقرة وطول الفصل يدل على ذلك وقد ثبت اعتبارهما في كثير من المواضع.
وأما الكلام والشرب وحالة الحرب فلا يصح التحديد بشئ منها لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد " من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟ " فقال رجل أنا أنظر يا رسول الله، فنظر فوجده جريحاً به رمق.
فقال له: أن رسول الله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام.
وذكر الحديث قال:
ثم لم أبرح أن مات، وروي أن اصيرم بني عبد الأشهل وجد صريعاً يوم أحد فقيل له: ما جاء بك؟ قال أسلمت ثم جئت، وهما من شهداء أحد دخلا في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم " ادفنوهم بدمائهم وثيابهم " ولم يغسلا ولم يصل عليهما وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب، وفي حديث أهل اليمامة عن ابن عمر أنه طاف في القتلى فوجد أبا عقيل الأنفي قال فسقيته ماء وبه أربعة عشر جرحاً كلها قد خلص الى مقتل، فخرج الماء من جراحاته كلها فلم يغسل (فصل) فإن كان الشهيد قد عاد عليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو.
وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه مات بغير أيدي المشركين أشبه من أصابه ذلك في غير المعترك ولنا ما روى أبو داود عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأه فأصاب نفسه بالسيف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخوكم يا معشر المسلمين " فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه.
فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال " نعم وأنا له شهيد " وعامر بن الأكوع بارز مرحبا
__________
(1) الكلم الجرح وجمعه كلوم كفرح وقروح، وجرح وجروح

(2/335)


يوم خيبر فذهب سيف له فرجع سيفه على نفسه فكانت فيها نفسه فلم يفرد عن الشهداء بحكم ولأنه شهيد المعركة أشبه ما لو قتله الكفار، وبهذا فارق ما لو كان في المعترك (فصل) ومن قتل من أهل العدل في المعركة فحكمه في الغسل حكم من قتل في معركة المشركين وقال القاضي يخرج على روايتين كالمقتول ظلماً ولنا أن علياً رضي الله عنه لم يغسل من قتل معه وعمار أوصى أن لا يغسل وقال ادفنوني في ثيابي فأني مخاصم ولأنه شهيد المعركة أشبه قتيل الكفار وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي في أحد قوليه يغسلون لأن أسماء غسلت ابنها عبد الله بن الزبير والأول أولى لما ذكرنا، فأما عبد الله بن الزبير فانه أخذ وصلب فصار كالمقتول ظلماً ولأنه ليس بشهيد المعركة، وأما الباغي فيحتمل أن يغسل ويصلى عليه اختاره الخرقي والقاضي، ويحتمل إلحاقه بأهل العدل لأنه لم ينقل غسل أهل الجمل
وصفين من الجانبين ولأنهم يكثرون في المعترك فيشق عليهم غسلهم أشبهوا أهل العدل، وهل يصلى على أهل العدل فيه احتمالان: أحدهما لا يصلى عليهم لأنهم أشبهوا شهداء المشركين، ويحتمل أن يصلى عليهم لأن علياً رضي الله عنه صلى عليهم، والمرجوم يغسل ويصلى عليه، وكذلك المقتول قصاصاً كسائر الموتى * (مسألة) * (ومن قتل مظلوما فهل يلحق بالشهيد على روايتين) إحداهما يغسل ويصلى عليه اختارها اخلال وهو قول الحسن ومذهب مالك والشافعي لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك أشبه المبطون ولأن هذا لا يكثر القتل فيه فلم يجز إلحاقه بشهيد المعترك، والثانية حكمه حكم الشهيد وهو قول الشعبي والاوزاعي وإسحق في الغسل لأنه شهيد أشبه شهيد المعترك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل دون ماله فهو شهيد " (فصل) فأما الشهيد بغير قتل كالمعطون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والنفساء فانهم يغسلون ويصلى عليهم لا نعلم فيه خلافاً، إلا أنه روي عن الحسن لا يصلى على النفساء ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة مانت في نفاسها فقام وسطها متفق عليه.
وصلى المسلمون على عمر وعلي رضي الله عنهما وهما شهيدان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهداء خمس: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وكلهم غير الشهيد في سبيل الله يغسلون ويصلى عليهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك غسل شهيد المعركة لما يتضمنه من إزالة الدم المستطاب شرعاً أو لمشقة غسلهم لكثرتهم أو لما فيهم من الجراح ولا يوجد ذلك ها هنا * (مسألة) * (وإذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه) السقط الولد الذي تضعه المرأة لغير تمام أو ميتاً، فان خرج حياً واستهل غسل وصلي عليه

(2/336)


بغير خلاف حكاه ابن المنذر إجماعاً، وإن خرج ميتاً فقال أحمد إذا أتى له أربعة أشهر غسل وصلي عليه.
وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين واسحق، وصلى ابن عمر على ابن لأبيه ولد ميتاً، وقال الحسن وابراهيم والحكم وحماد ومالك والاوزاعي وأصحاب الرأي لا يصلى عليه حتى يستهل
وللشافعي قولان كالمذهبين لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل " رواه الترمذي، ولأنه لم يثبت له حكم الحياة ولا يرث ولا يورث فلا يصلي عليه كمن دون أربعة أشهر ولنا ما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والسقط يصلى عليه " رواه أبو داود والترمذي.
وفي رواية الترمذي " والطفل يصلى عليه "، وقال هذا حديث حسن صحيح وذكره أحمد واحتج به، ولحديث أبي بكر الصديق أنه قال: ما أحد أحق أن يصلي عليه من الطفل ولأنه نسمة نفخ فيها الروح فيصلى عليه كالمستهل فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في حديث الصادق والمصدوق أنه ينفخ فيه الروح لأربعة أشهر، وحديثهم قال الترمذي: قد اضطرب الناس فيه فرواه بعضهم مرفوعاً، قال الترمذي: كان هذا أصح من المرفوع وإنما لم يرث لأنه لا يعلم حياته حال موت موثه وذلك من شرط الأرث والصلاة من شرطها أن تصادق من كانت فيه حياة، وقد علم ذلك بما ذكرنا من الحديث ولأن الصلاة دعاء له ولوالديه فلم يحتج فيها الى الاحتياط واليقين بخلاف الميراث.
فأما من لم يبلغ أربعة أشهر فلا يغسل ولا يصلى عليه ويلف في خرقة ويدفن لعدم وجود الحياة لا نعلم فيه خلافا إلا عن ابن سيرين فإنه قال: يصلي عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح.
وحديث الصادق المصدوق يدل عى أنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد الأربعة أشهر وقبل ذلك لا يكون نسمة فلا يصلى عيه كسائر الجمادات ذكره شيخنا، وحكى ابن أبي موسى أنه يصلى على السقط اذا استبان فيه بعض خلق الانسان والأول أولى (فصل) ويستحب أن يسمى السقط لأنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم " رواه ابن السماك باسناده، قيل أنهم يسمون ليدعون يوم القيامة باسمائهم، فاذا لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمى اسماً يصلح لهما جميعاً كسلمة وقتادة وهبة الله وما أشبه * (مسألة) * (ومن تعذر غسله يمم) من تعذر غسله لعدم الماء وللخوف عليه من التقطع بالغسل كالمجدور والغريق والمحترق يمم اذا أمكن كالحي العادم للماء أو الذي يؤذيه الماء، وإن أمكن غسل بعضه غسل ويمم للباقي كالحي، ويحتمل
ألا يمم ويصلى عليه على حسب حاله، ذكره ابن عقيل لأن المقصود بغسل الميت التنظيف ولا يحصل ذلك

(2/337)


بالتيمم، والأول أصح إن أمكن غسله بأن يصب عليه الماء صباً ولا يمس غسل كذلك والله أعلم * (مسألة) * (وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسناً) ينبغي للغاسل ومن حضر إذا رأى من الميت شيئاً مما يحب الميت ستره أن يستره ولا يحدث به لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من غسل ميتاً ثم لم يفش ما عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه ابن ماجه، وقال " من ستر عورة مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة " فان رأى حسناً مثل أمارات الخير من وضاءة الوجه والتبسم ونحو ذلك استحب إظهاره ليكثر الترحم عليه والتشبه بجميل سيرته، قال ابن عقيل إلا أن يكون مغموصاً عليه في الدين والسنة، مشهوراً ببدعة فلا بأس باظهار السر عليه لتحذر طريقته، وعلى هذا ينبغي أن يكتم ما يرى عليه من أمارات الخير لئلا يغتر به فيقتدى به في بدعته * (فصل في الكفن) * * (مسألة) * (ويجب كفن الميت في ماله مقدماً على الدين وغيره) من الوصية والميراث لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت ويكون ذلك من رأس ماله لأن حمزة ومصعب رضي الله عنهما لم يوجد لكل واحد منهما إلا ثوب فكفن فيه ولأن لباس المفلس مقدم على قضاء دينه فكذلك كفن الميت، ولا ينتقل الى الورثة من مال الميت إلا ما فضل عن حاجته الأصلية وهذا قول أكثر أهل العلم وفيه قولان شاذان: أحدهما قول خلاس بن عمرو: أن الكفن من الثلث، والآخر قال طاوس: إن كان المال قليلاً فمن الثلث.
والصحيح الأول لما ذكرنا، وكذلك مؤونة دفنه وتجهيزه ومالا بد للميت منه قياساً على الكفن: فأما الحنوط والطيب فليس بواجب ذكره ابن حامد لأنه لا يجب في الحياة فكذلك بعد الموت: وقال القاضي يحتمل أنه واجب لأنه مما جرت العادة به، وليس بصحيح لأن العادة جرت بتحسين الكفن وليس بواجب، ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين * (مسألة) * (فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته)
إذا لم يكن للميت مال فكفنه على من تلزمه مؤونته في الحياة وكذلك دفنه وما لا بد للميت منه لأن ذلك يلزمه حال الحياة فكذلك بعد الموت إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته وهذا قول الشعبي وأبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي: وقال بعضهم يجب على الزوج واختلف فيه عن مالك واحتجوا بأن كسوتها واجبة عليه في الحياة فوجب كفنها كسيد العبد ولنا أن النفقة والكسوة وجبت في النكاح للتمكين من الاستمتاع ولهذا تسقط بالنشوز والبينونة وقد انقطع ذلك بالموت فأشبه ما لو انقطع بالفرقة في الحياة ولأنها بانت منه في الموت فأشبهت الاجنبية

(2/338)


وفارقت المملوك فان نققته بحق الملك لا بالانتفاع، ولهذا تجب نفقة الآبق وفطرته والوالد تجب نفقته بالقرابة، ولا تبطل بالموت بدليل أن السيد والوالد أحق بدفنه وتوليه.
إذا تقرر هذا فإن لم يكن لها مال فعلى من تلزمه نفقتها من الاقارب، فإن لم يكن ففي بيت المال كمن لا زوج لها (فصل) ويستحب تحسين الكفن لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل فقال " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " فان تساح الورثة جعل بحسب حال الحياة إن كان موسراً كان حسناً رفيعاً على نحو ما كان يلبس في حال الحياة، وإن كان دون ذلك فعلى حسب حاله وليس لثمنه حد لأن ذلك يختلف باختلاف البلدان والاوقات ولان التحديد إنما يكون بنص أو إجماع ولم يوجد واحد منهما.
وقال الخرقي إذا تشاح الورثة في الكفن جعل بثلاثين، وإن كان موسراً فبخمسين وهذا محمول على وجه التقريب، ولعل الجيد في زمنه والمتوسط كان يحصل بهذا القدر، وقد روي عن ابن مسعود أنه أوصى أن يكفن بنحو من ثلاثين درهماً (فصل) والمستحب أن يكفن في جديد إلا أن يوصي الميت بغيره فتمتثل وصيته كما روي عن الصديق رضي الله عنه انه قال: كفنوني في ثوبي هذين فان الحي أحوج الى الجديد من الميت وإنما هما للهلة والتراب رواه البخاري بمعناه، وذهب ابن عقيل الى أن التكفين في الخليع أولى لهذا الخبر والأول أولى لدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه به * (مسألة) * (ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها)
الأفضل عند إمامنا رحمه الله أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة لا يزيد عليها ولا ينقص منها قال الترمذي، والعمل عليها عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو مذهب الشافعي، ويستحب كون الكفن أبيض لأن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " البسوا من ثيابكم البياض فإنه أطهر وأطيب وكفنوا فيه موتاكم " رواه النسائي، وحكي عن أبي حنيفة أن المستحب أن يكون في إزار ورداء وقميص لما روى عبد الله ابن المغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في قميصه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه رواه النسائي ولنا قول عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه، وهو أصح حديث يروى في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعرف بأحواله، ولهذا لما ذكر لها قول الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد، قالت: قد أتي بالبرد ولكنهم لم يكفنوه فيه فحفظت ما أغفله غيرها، وقالت أيضاً: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه فرفع عبد الله بن أبي بكر الحلة وقال: أكفن فيها؟ ثم قال: لم يكفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكفن فيها فتصدق بها رواه مسلم، ولان حال الاحرام

(2/339)


أكمل أحوال الحي، وهو لا يلبس المخيط فكذلك حالة الموت.
وأما إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي قميصه فإنما فعل ذلك تكرمة لابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي لأنه كان سأله ذلك ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبي عن كسوته العباس قميصه يوم بدر (فصل) ويستحب تجمير الاكفان وهو تجميرها بالعود فيجعل العود على النار في مجمر ثم يبخر به الكفن حتى تعبق رائحته ويكون ذلك بعد أن يرش عليه ماء الورد لتعلق به الرائحة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا " رواه الإمام أحمد وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس أن تجمر أكفانهم بالعود، ولأن هذا عادة الحي عند غسله وتجديد ثيابه أن تجمر بالطيب والعود فكذلك الميت
* (مسألة) * (ثم يوضع عليها مستلقياً ويجعل الحنوط فيما بينها ويجعل منه في قطن يجعل بين إليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة لطرف كالتبان يجمع إليتيه ومثانته ثم يجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده وإن طيبه كله كان حسناً) وجملة ذلك أن المستحب أن يؤخذ أوسع اللفائف وأحسنها فتبسط أولاً لتظهر للناس لأن هذا عادة الحي يجعل الظاهر أفخر ثيابه ويجعل عليها حنوطاً ثم تبسط الثانية التي تليها في الحسن والسعة عليها ويجعل فوقها حنوطاً وكافوراً ثم تبسط فوقها الثالثة ويجعل فوقها حنوطاً وكافوراً ولا يجعل على وجه العليا ولا على النعش شيئاً من الحنوط لأن الصديق رضي الله عنه قال: لا تجعلوا على أكفاني حنوطاً ثم يحمل الميت مستوراً بثوب فيوضع عليها مستلقياً لأنه أمكن لإدراجه فيها، ويجعل من الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين إليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئاً إن خرج منه حين تحريكه، ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان وهو السراوبل بلا أكمام ليجمع إليتيه ومثانته ويجعل باقي الطيب على منافذ وجهه في فيه ومنخره وعينيه لئلا يحدث منهن حادث وكذلك في الجراح النافذة ويترك منه على مواضع السجود تشريفاً لهذه الاعضاء المختصة بالسجود، ويطيب رأسه ولحيته لأن الحي يتطيب هكذا، وإن طيبه كله كان حسناً * (مسألة) * (ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر) وإنما استحب ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن إذا وضع على يمينه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه لأنه أحق بالستر من رجليه، فالاحتياط لستره بتكثير ما عنده أولى ثم يجمع ما فضل جمع وطرف العمامة (1) فيرده عند رأسه ورجليه، وإن خاف انتشارها عقدها فاذا وضعه في قبره حلها لأن عقد هذا إنما كان للخوف من انتشارها وقد أمن بدفنه
__________
(1) كذا بالاصل وفي المغنى (ثم يجمع ما فضل عند رأسه ورجليه فيرده على رأسه ورجليه)

(2/340)


وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أدخل نعيم بن مسعود الأشجعي القبر نزع الاخلة بفيه وعن ابن مسعود وسمرة نحوه ولا يخرق الكفن لأنه افساد له
(فصل) وتكره الزيادة في الكفن على ثلاثة أثواب لما فيه من إضاعة المال وقد نهى عنه عليه السلام، ويحرم ترك شئ مع الميت من ماله لغير حاجة لما ذكرنا إلا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك تحته قطيفة في قبره فان ترك نحوه فلا بأس * (مسألة) * (وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز) التكفين في القميص واللفافة والمئزر جائز إلا أن الأول أفضل، وهذا جائز لا كراهة فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات رواه البخاري، فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك، وقال أحمد إن جعلوه قميصاً فأحب إلي أن يكون مثل قميص له كمان وتخاريصان وأزرار ولا يزر عليه القيص (فصل) قال أبو داود قلت لأحمد يتخذ الرجل كفنه يصلي فيه أياماً أو قلت يحرم فيه ثم يغسله ويضعه لكفنه فرآه حسنا؟ قال: يعجبني أن يكون جديداً أو غسيلاً وكره أن يلبسه حتى يدنسه (فصل) ويجوز التكفين في ثوبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته دابته " وكفنوه في ثوبين " رواه البخاري (فصل) قال أحمد: يكفن الصبي في خرقة وان كفن في ثلاثة فلا بأس، وكذلك قال إسحق ونحوه قال سعيد بن المسيب والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لا اختلاف بينهم في أن ثوباً يجزيه، وان كفن في ثلاثة فلا بأس * (مسألة) * (وتكفن المرأة في خمسة أثواب إزار وخمار وقميص ولفافتين) قال إبن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب منهم الشعبي ومحمد بن سيرين والنخعي والاوزاعي والشافعي وإسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي وكان عطاء يقول تكفن في ثلاثة أثواب درع وثوب تحت الدرع تلف به وثوب فوقه تلف فيه.
وقال موسى

(2/341)


ابن سليمان: درع وخمار ولفافة والصحيح الأول، وإنما استحب ذلك لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك بعد الموت، ولما كانت تلبس المخيط في احرامها
وهو أكمل أحوال الحي استحب إلباسها إياه بعد موتها بخلاف الرجل، وقد روى أبو داود باسناده عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا الخفاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً ثوبا، وروت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزاراً ودرعاً وخماراً وثوبين (فصل) قال المروذي: سألت أبا عبد الله في كم تكفن الجارية اذا لم تبلغ؟ قال في لفافتين وقميص لا خمار فيه، وكفن ابن سيرين بنتاً له قد أعصرت أي قاربت المحيض في قميص ولفافتين، وروي في بقير ولفافتين.
قال أحمد النقير القميص الذي ليس له كمان.
والحد الذي تصير به الجارية في حكم المرأة في الكفن هو البلوغ، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " مفهومه أن غيرها لا تحتاج إلى خمار في صلاتها كذلك في كفنها وروى عن أحمد أكثر أصحابه: اذا كانت بنت تسع يصنع بها ما يصنع بالمرأة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة وهي بنت تسع، وقالت عائشة إذا بلغت الجارية تسعاً فهي امرأة

(2/342)


(فصل) قال أحمد لا يعجبني أن يكفن في شئ من الحرير، وكره ذلك الحسن وابن المبارك وإسحق قال إبن المنذر: ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم، وفي جواز تكفين المرأة بالحرير احتمالان: أحدهما الجواز وهو اقيس لأنه من لبسها في حياتها، والثاني المنع لأنها إنما تلبسه في حياتها لأنها محل للزينة والشهوة وقد زال ذلك، وعلى كل حال فهو مكروه، وكذلك يكره تكفينها بالمعصفر ونحوه لما ذكرنا قال الأوزاعي: لا تكفين في الثياب المصبغة إلا ما كان من العصب يعني ما صنع بالعصب وهو بنت باليمن (فصل) وإن أحب أهل الميت أن يروه لم يمنعوا لما روى جابر قال: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، وقالت عائشة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل: والحديثان صحيحان * (مسألة) * (والواجب من ذلك ثوب يستر جميعه لما روت ام عطية قالت: لما فرغنا يعني من غسل
ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إلينا حقوه فقال " اشعرنها إياه " ولم يزد على ذلك رواه البخاري، وقال معنى اشعرنها الففنها فيه ولأن العورة المغلظة يجزي في سترها ثوب واحد فكفن الميت أولى، وهذا وجه لأصحاب الشافعي، وظاهر مذهبهم أن الواجب ما يستر العورة كالحي: وقال القاضي لا يجزي للقادر أقل من ثلاثة أثواب، وروي نحوه عن عائشة.
قال: لأنه لو أجزأ أقل منها لم يجز التكفين بها في حق من له أيتام إحتياطاً لهم والصحيح الأول، وما احتج به القاضي لا يصح لأنه يجوز التكفين بالحسن مع حصول الإجزاء بما دونه (فصل) فإن لم يجد ثوباً يستر جميعه ستر رأسه وجعل على رجليه حشيش أو ورق كما روي عن مصعب أنه قتل يوم أحد فلم يوجد له شئ يكفن فيه إلا نمرة، فكات إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه وإذا وضعت على رجليه خرج رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم إن يغطي رأسه ويجعل على رجليه الأذخر رواه البخاري، فإن لم يجد إلا ما يستر العورة سترها كحال الحياة، فان كثر القتلى وقلت الاكفان كفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، قال أنس: كثر القتلى وقلت الثياب يعني يوم أحد قال: فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد رواه أبو داود والترمذي وهذا لفظه وقال حديث حسن غريب

(2/343)


* (فصل في الصلاة على الميت) * والصلاة على الميت فرض كفاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " * (مسألة) * (السنة أن يقوم الامام عند رأس الرجل ووسط المرأة) المستحب أن يقوم الامام في صلاة الجنازة حذاء رأس الرجل ووسط المرأة، وان وقف في غير هذا الموضع خالف السنة وصحت صلاته وبه قال اسحق والشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال الخرقي: يقوم عند صدر الرجل وهو قريب من القول الاول لقرب أحدهما من الآخر، فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر، وقال أبو حنيفة يقوم عند صدر الرجل والمرأة لأنهما سواء، فاذا وقف عند صدر الرجل فكذلك المرأة، وقال مالك يقف عند وسط الرجل لأن ذلك يروي عن ابن مسعود
ويقف عند منكب المرأة لأن الوقوف عند أعاليها أمثل وأسلم، وروى سعيد قال حدثني خالد بن يزيد بن أبي مالك الدمشقي قال حدثي أبي قال: رأيت واثلة بن الاسقع يصلي على الجنائز فاذا كانوا رجالاً صفهم ثم قام أوسطهم، واذا كانوا رجالاً ونساء جعل رأس أول امرأة عند ركبة الرحل ثم يقوم وسط الرجال ولنا ما روى أن أنساً صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حبال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه، قال نعم.
فلما فرغ قال احفظوا، قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وعن سمرة قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها متفق عليه.
والمرأة تخالف الرجل في موقف الصلاة فجاز أن تخالفه ها هنا، وقيام الامام عند وسطها أستر لها فكان اؤلى * (مسألة) * (ويقدم إلى الإمام أفضلهم ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل، وقال القاضي يسوى بين رؤوسهم) اذا كانت الجنائز نوعاً واحداً قدم أفضلهم الى الامام لأن الأفضل يلي الامام في صف المكتوبة فكذلك ها هنا، وقد دل على الأصل قوله عليه السلام " ليلني منكم اولوا الأحلام والنهى فإن تساووا في الفضل قدم الأكبر فالأكبر " نص عليه أحمد في رواية الميموني، فان تساووا قدم السابق وقال القاضي يقدم السابق وإن كان صبياً ولا تقدم المرأة وان كانت سابقة لموضع الذكورية، فان تساووا قدم الامام من شاء، فإن تشاحوا أقرع بينهم (فصل) فان كانوا أنواعاً كرجال وصبيان وخناثى ونساء قدم الرجال بغير خلاف في المذهب الا ما حكينا من قول القاضي إذا سبق الصبي وهذا قول أكثر أهل العلم ثم يقدم بعدهم الصبيان.
هذا المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقال الخرقي يقدم النساء

(2/344)


على الصبيان لأن المرأة شخص مكلف فهي أحوج الى الشفاعة.
وروى عمار مولى الحارث بن نوفل أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها فجعل الغلام مما يلي القبلة فأنكرت ذلك وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد
وأبو قتادة وأبو هريرة فقالوا هذا السنة ولنا أنهم يقدمون عليهن في الصف في الصلاة المكتوبة اذا اجتمعوا فكذلك عند اجتماع الجنائز كالرجال.
فأما حديث عمار فالصحيح فيه أنه جعلها مما يلي القبلة وجعل ابنها مما يليه كذلك رواه سعيد وعمار مولى بني سلمة عن عمار مولى بني هاشم، وأخرجه كذلك أبو داود والنسائي وغيرهما ولفظه قال: شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فقلنا لهم.
فقالوا السنة أما الحديث الأول فغير صحيح فإن زيد بن عمر هو ابن أم كلثوم الذي صلي عليه معها وكان رجلاً له أولاد، كذلك قال الزبير بن بكار ولأن زيداً ضرب في حرب كانت بين بني عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل فمات ومثل هذا لا يكون إلا رجلاً (فصل) ولا نعلم خلافاً في تقديم الخنثى على المرأة لأنه يحتمل أن يكون رجلاً، وأدنى أحواله مساواته لها، ويقدم الحر على العبد لشرفه وتقديمه عليه في الامامة وذلك في تقديم الكبير على الصغير لذلك.
وقد روى الخلال باسناده عن علي رضي الله عنه في جنازة حر وعبد ورجل وامرأة وصغير وكبير، يجعل الرجل مما يلي الامام والمرأة أمام ذلك، والكبير مما يلي الامام والصغير أمام ذلك، والحر مما يلي الامام والمملوك أمام ذلك، فان اجتمع حر صغير وعبد كبير فقال أحمد في رواية الحسن ابن محمد يقدم الحر وإن كان غلاماً، ونقل أبو الحارث يقدم الأكبر.
قال شيخنا وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يقدم في الصف في الصلاة، وقول علي متعارض فإنه قد قال: يقدم الكبير على الصغير كقوله يقدم الحر على العبد (فصل) واذا اجتمع رجل وامرأة فصلى عليهما جميعاً جعل رأس الرجل حذاء وسط المرأة في إحدى الروايتين عن أحمد اختاره أبو الخطاب ليكون موقف الامام عند رأس الرجل ووسط المرأة، والرواية الثانية يسوى بين رؤسهم اختارها القاضي وهو قول ابراهيم وأهل مكة وأبي حنيفة ويروى ذلك عن ابن عمر، وروى سعيد بإسناده عن الشعبي أن أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر توفيا جميعاً فأخرجت جنازتاهما فصلى عليهما أمير المدينة فسوى بين رؤوسهما وأرجلهما حين صلى عليهما
* (مسألة) * (ثم يكبر أربع تكبيرات يقرأ في الأولى الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية) وجملة ذلك أن التكبير على الجنازة أربع لا يجوز النقص منها ولا تسن الزيادة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه.
فيكبر الأولى ثم يستعيذ في الصحيح من

(2/345)


المذهب.
وقال القاضي يخرج على روايتين كالاستفتاح ويقرأ الحمد يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم كسائر الصلوات، ولا يسن الاستفتاح في المشهور عنه، قال أبو داود: سمعت أحمد يسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك؟ قال ما سمعت.
قال إبن المنذر: كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة ولم نجده في كتب سائر أهل العلم، وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري لأن الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح كسائر الصلوات ولنا أن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشئ وليس فيها ركوع ولا سجود.
فأما التعوذ فهو سنة للقراءة مطلقاً في الصلاة وغيرها لقول الله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ولأصحاب الشافعي في الاستعاذة والاستفتاح وجهان (فصل) وقراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الشافعي وإسحق، وقال الثوري والأوزاعي ومالك وأبو حنيفة لا يقرأ فيها بشئ لأن ابن مسعود قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها قولا ولا قراءة ولان مالا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة ولنا ما روت أم شريك قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجه.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على الجنازة أربعاً وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى رواه الشافعي في مسنده، ثم هو داخل في عموم قوله عليه السلام " لا صلاة لمن لا يقرأ بأم القرآن " ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كسائر الصلوات.
وحديث ابن مسعود أن سح فانما قال: لم يوقت أي لم يقدر، ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة، وقد روي عنه ابن المنذر أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب، ثم لا يعارض ما رويناه لأنه نفي مقدم عليه الإثبات وفارق سجود التلاوة فانه لا قيام فيه والقراءة محلها القيام، ويستحب اسرار القراءة والدعاء والصلاة
على النبي صلى الله عليه وسلم فيها لا نعلم فيه خلافاً ولا يقرأ بعد الفاتحة شيئاً.
وقد روي عن ابن عباس أنه جهر بفاتحة الكتاب في صلاة الجنازة، قال أحمد: إنما جهر ليعلمهم (فصل) ويكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لما روي عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة، وعن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن من السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سراً في نفسه.
رواه الشافعي في مسنده.

(2/346)


وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كصفة الصلاة عليه في التشهد نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سألوه كيف نصلي عليك؟ علمهم ذلك، وإن أتي بها على غير صفة التشهد فلا بأس لأن القصد مطلق الصلاة.
وقال القاضي يقول: اللهم صلى على ملائكتك المقربين، وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات وأهل الأرضين، إنك على كل شئ قدير.
لأن أحمد قال في رواية عبد الله يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي على الملائكة المقربين * (مسألة) * (ويدعو في التكبيرة الثالثة) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " رواه أبو داود.
والدعاء ها هنا واجب لهذا الحديث ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به، ويكفي أدنى دعاء لهذا الحديث.
قال أحمد: ليس على الميت دعاء مؤقت والاولى أن يدعو لنفسه ولوالديه وللميت وللمسلمين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فروي أبو ابراهيم الأشهلي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال " اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهرنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وروى أبو داود عن أبي هريرة مثل
حديث أبي ابراهيم وزاد " اللهم من أحييته منا فأحيه على الايمان، ومن توفيته منا فتوفه على الاسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده " وفي حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم أنت ربها، فأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر له " رواه أبو داود.
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول " اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلا خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار " حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت، رواه مسلم.
وذكر ابن أبي موسى أنه يقول مع ذلك: الحمد لله الذي أمات وأحيا، الحمد لله الذي يحي الموتى، له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والسناء، وهو على كل شئ قدير.
اللهم أنه عبدك ابن عبدك ابن أمتك، وأنت خلقته ورزقته، وأنت أمته وأنت تحييه، وأنت تعلم سره، جئناك شفعاء له، فشفعنا فيه.
اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، انك ذو وفاء وذمة.
اللهم وقه من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم.
اللهم إن كان محسناً فجازه باحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه.
اللهم قد نزل بك، وأنت خير منزول به، فقيراً الى رحمتك، وأنت غني عن عذابه.
اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره " وقال الخرقي

(2/347)


يقول في الدعاء: اللهم أنه عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، ولا نعلم إلا خيراً، وقوله لا نعلم إلا خيراً إنما يقوله لمن لم يعلم منه شراً لئلا يكون كاذباً.
وقد روى القاضي حديثاً عن عبد الله بن الحارث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الصلاة على الميت " اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا.
اللهم إن عبدك وابن عبدك نزل بفنائك، فاغفر له وارحمه، ولا نعلم إلا خيراً " فقلت وأنا أصغر الجماعة يا رسول الله وإن لم أعلم خيراً؟ قال " لا تقل إلا ما تعلم " وانما شرع هذا للخبر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أثنى عنده على جنازة بخير قال " وجبت " وأثني على جنازة أخرى بشر قال " وجبت " ثم قال " إن بعضكم على بعض شهداء "
رواه أبو داود.
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من عبد مسلم يموت فشهد له إثنان من جيرانه الأدنين بخير إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت له ما أعلم " رواه الإمام أحمد في المسند، في لفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مسلم يموت فيقوم رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيراً.
إلا قال الله تعالى قد قبلت شهادتهما لعبدي وغفرت له ما لا يعلمان " أخرجه للالكائي * (مسألة) * (وإن كان صبياً جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما، واجعله في كفالة أبيه ابراهيم، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، وقه برحمتك عذاب الجحيم، اللهم أغفر لأسلافنا وافراطنا ومن سبقنا بالايمان) وبأي شئ دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأ * (مسألة) * (ثم يقف بعد الرابعة قليلاً ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه) ظاهر كلام شيخنا رحمه الله أنه لا يدعو بعد الرابعة نقل ذلك عن أحمد جماعة من أصحابه أنه قال: لا أعلم فيه شيئاً لأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل، وعن أحمد أنه يدعو ثم يسلم لأنه قيام في صلاة الجنازة فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل الرابعة.
قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنه وقنا عذاب النار) وقيل يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.
والخلاف ها هنا في الاستحباب ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب.
وقد روى الجوزجاني بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعاً ثم يقول ما شاء الله ثم ينصرف.
قال الجوزجاني: أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف، فان الامام اذا كبر ثم سلم خفت أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخر الصفوف، فان كان هكذا فالله عزوجل الموفق له، وإن كان غير ذلك فاني أبرأ الى الله عزوجل من أن أتأول علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً لم يرده، أو أراد خلافه

(2/348)


(فصل) والتسليم واجب فيها لقوله عليه السلام " وتحليلها التسليم " والسنة أن يسلم على الجنازة
تسليمة واحدة.
قال أحمد: التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها اختلاف الا عن ابراهيم، روى ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس وابن أبي أوفى وواثلة بن الأسقع وبه قال سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وأبو أمامة بن سهل والقاسم بن محمد وابراهيم النخعي والثوري وابن عيينة وابن المبارك وعبد الرحمن ابن مهدي وإسحق.
قال ابن المبارك: من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل، واختار القاضي أن المستحب تسليمتان وواحدة تجزي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياساً على سائر الصلوات ولنا ما روى عطاء بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة رواه الجوزجاني ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، واختيار القاضي في هذه المسألة مخالف لقول إمامه وأصحابه ولإجماع الصحابة والتابعين رحمة الله عليهم.
ويستحب أن يسلمها عن يمينه وان سلم تلقاء وجهه فلا بأس.
وسئل أحمد يسلم تلقاء وجهه؟ قال كل هذا جائز.
وأكثر ما روي فيه عن يمينه، قيل خفية؟ قال نعم.
يعني إن الكل جائز.
والتسليم عن يمينه أولى لأنه أكثر ما روي وهو أشبه يسائر الصلوات.
قال أحمد: يقول السلام عليكم ورحمة الله وروى عنه علي بن سعيد أنه قال: إذا قال السلام عليكم أجزأه، وروى الخلال بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى على يزيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه السلام عليكم (فصل) وروي عن مجاهد أنه قال: إذا صليت فلا تبرح مصلاك حتى ترفع.
قال ورأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه اذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال.
قال الأوزاعي لا تنقص الصفوف حتى ترفع الجنازة * (مسألة) * (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) أجمع أهل العلم على أن المصلي على الجنازة يرفع يديه في التكبيرة الأولى، ويستحب أن يرفع يديه في كل تكبيرة، يروي ذلك عن سالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء وقيس بن أبي حازم والزهري وإسحق وابن المنذر والاوزاعي والشافعي، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة لا يرفع يديه إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات
ولنا ما روى عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل تكبيرة رواه ابن أبي موسى.
وعن ابن عمر وأنس أنهما كانا يفعلان ذلك ولأنها تكبيرة حال الاستقرار أشبهت الأولى وما قاسوا عليه ممنوع.
إذا ثبت ذلك فإنه يحط يديه اذا رفعهما عند انقضاء التكبيرة

(2/349)


ويضع يده اليمنى على اليسرى كما في بقية الصلوات، وفيما روى ابن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع بمينه على شماله (فصل) والواجب من ذلك التكبيرات والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام لما ذكرنا من قبل.
ويشترط لها النية وسائر شروط المكتوبة قياساً عليها إلا الوقت ويسقط بعض واجباتها عن المسبوق على ما سيأتي، ولا يجزي أن يصلي على الجنازة راكباً لأنه يفوت القيام الواجب وهو قول أبي حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً (فصل) ويستحب أن يصف في الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف لما روى الخلال بإسناده عن مالك بن هبيرة وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب " قال فكان مالك بن هبيرة إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة أجزاء.
قال الترمذي هذا حديث حسن.
قال أحمد أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف.
قيل له فإن كان وراءه أربعة؟ قال يجعلهم صفين في كل صف رجلين، وكره أن يكون في صف رجل واحد وذكر ابن عقيل أن عطاء بن أبي رباح روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكانوا سبعة فجعل الصف الأول ثلاثة والثاني إثنين والثالث واحداً.
قال ابن عقيل ويعايابها فيقال أين تجدون فذاً انفراده أفضل؟ قال شيخنا: ولا أحسب هذا الحديث صحيحاً فانني لم أره في غير كتاب ابن عقيل وقد صار أحمد الى خلافه ولو علم فيه حديثاً لم يعده إلى غيره، والصحيح في هذا أن يجعل كل اثنين صفا (فصل) ويستحب تسوية الصف في صلاة الجنازة نص عليه أحمد.
وقيل لعطاء حد على
الناس إن يصفوا على الجنازة كما يصفون في الصلاة؟ قال لا قوم يدعون ويستغفرون.
وكره أحمد قول عطاء هذا وقال يسوون صفوفهم فانها صلاة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج الى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً متفق عليه.
وعن أبي المليح أنه صلى على جنازة فالتفت فقال استووا ولتحسن شفاعتكم * (مسألة) * (وإن كبر الإمام خمساً كبر بتكبيره، وعنه لا يتابع في زيادة على أربع، وعنه يتابع الى سبع) لا يختلف المذهب أنه لا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات ولا النقص من أربع، والأولى ان لا يزاد على أربع فان كبر الإمام خمسا تابعه المأموم في ظاهر المذهب، ولا يتابعه فيما زاد عليها كذلك رواه الأثرم وهو ظاهر كلام الخرقي، وعنه لا يتابعه في زيادة على أربع ولكن لا يسلم إلا مع الإمام،

(2/350)


نقلها عنه حرب اختارها ابن عقيل، وهذا قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي لأنها زيادة غير مسنونة للإمام فلا يتابعه المأموم فيها كالقنوت في الركعة الأولى والرواية الأولى هي الصحيحة.
قال الخلال كل من روي عن أبي عبد الله يخالف حرباً ولنا ما روى عن زيد بن أرقم أنه كبر على جنازة خمساً وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها أخرجه مسلم ورواه سعيد وفيه فسئل عن ذلك فقال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى سعيد بإسناده عن مولى لحذيفة أنه كبر على جنازة خمساً فقيل له؟ فقال مولاي وولي نعمتي صلى على جنازة وكبر عليها خمساً، وذكر حذيفة أن النبي صلى عليه وسلم فعل ذلك، وباسناده أن علياً صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه خمساً، وروى الخلال بإسناده قال: كل ذلك قد كان أربعاً وخمساً وأمر الناس بأربع.
قال أحمد في اسناد حديث زيد بن أرقم اسناده جيد، ومعلوم أن المصلين معه كانوا يتابعونه وهذا أولى مما ذكروه.
فأما إن زاد على خمس ففيه أيضاً روايتان: إحداهما لا يتابعه المأموم لأن المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها، والثانية يتابعه الى سبع.
قال الخلال ثبت القول عن أبي عبد الله أنه يكبر مع الامام الى سبع ثم لا يزاد عليه، وهذا قول بكر بن عبد الله المزني لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر على حمزة سبعاً رواه ابن شاهين وكبر علي على
ابن أبي قتادة سبعاً وعلى سهل بن حنيف ستاً وقال أنه بدري.
وروي أن عمر رضي الله عنه جمع الناس فاستشارهم فقال بعضهم كبر النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً، وقال بعضهم أربعاً فجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال: هو أطول الصلاة.
وإذا قلنا لا يتابعه لم يسلم حتى يسلم إمامه.
قال ابن عقيل لا يختلف قول أحمد اذا كبر الإمام زيادة على أربع أنه لا يسلم قبل إمامه على الروايات الثلاث بل يقف ويسلم معه وهو مذهب الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة ينصرف كما لو قام الامام الى خامسة.
قال أبو عبد الله ما أعجب حال الكوفيين سفيان ينصرف اذا كبر الخامسة والنبي صلى الله عليه وسلم كبر خمساً وفعله زيد بن أرقم وحذيفة.
وقال ابن مسعود كبر ما كبر امامك ولأن هذه زيادة مختلف فيها فلم يسلم قبل امامه اذا اشتغل به كما لو صلى خلف من يقنت في صلاة يخالفه المأموم في القنوت فيها، وهذا يخالف ما قاسوا عليه من وجهين: أحدهما إن زيادة الركعة الخامسة لا خلاف فيه، الثاني أن الركعة زيادة فعل وهذه زيادة قول، وكل تكبيرة قلنا يتابع الامام فيها فله فعلها وما لا فلا (فصل) فإن زاد على سبع لم يتابعه نص عليه أحمد.
وقال في رواية أبي داود: إن زاد على سبع فينبغي أن يسبح به ولا أعلم أحداً قال بالزيادة على سبع الا عبد الله بن مسعود.
قال علقمة روي أن أصحاب عبد الله قالوا له أن اصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمساً فلو وقت لنا وقتاً؟ فقال إذا تقدمكم إمام فكبروا ما يكبر فانه لا وقت ولا عدد.
رواه سعيد والاثرم، والصحيح أنه لا يزاد عليها

(2/351)


لأنه لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولكن لا يسلم حتى يسلم إمامه لما ذكرنا (فصل) والأفضل أن لا يزيد على أربع لأن فيه خروجاً من الخلاف وأكثر أهل العلم يرون التكبير أربعاً منهم عمر وابنه وزيد بن ثابت وجابر وابن أبي أوفى والحسن بن علي والبراء بن عازب وأبو هريرة وعقبة بن عامر وابن الحنفية وعطاء والاوزاعي وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه، وكبر على قبر بعدما دفن أربعاً، وجمع عمر الناس على أربع ولأن أكثر الفرائض لا يزيد على أربع
(فصل) ولا يجوز النقص من أربع وروي عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثة ولم يعجب ذلك أبا عبد الله وقال قد كبر أنس ثلاثا ناسياً فأعادو لأنه خلاف ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الصلاة الرباعية اذا أنقص منها ركعة بطلت كذا هنا فعلى هذا إن نقص منها تكبيرة عامداً بطلت لأنه ترك واجباً فيها عمداً وإن تركها سهوا احتمل أن يعيدها كما فعل أنس واحتمل أن يكبرها ما لم يطل الفصل كما لو نسي ركعة ولا يشرع لها سجود سهو في الموضعين (فصل) قال أحمد يكبر الى سبع ثم يقطع لا يزيد على ذلك حتى ترفع الأربع، قال أصحابنا إذا كبر على جنازة ثم جئ بأخرى كبر الثانية عليهما أو ينويهما فان حئ بثالثة كبر الثالثة عليهن ونواهن فان جئ برابعة كبر الرابعة عليهن ونواهن ثم يكمل التكبير عليهن الى سبع ليحصل للرابعة أربع إذ لا يجوز النقصان منهن ويحصل للأولى سبع وهو أكثر ما ينتهي اليه التكبير فان جئ بخامسة لم ينوها بالتكبير لأنه دائر بين ان يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع، وكلاهما لا يجوز وهكذا ان جئ بثانية بعد أن كبر الرابعة لم يجز أن يكبر عليها الخامسة لما بينا، فان أراد أهل الجنازة الأولى دفعها قبل سلام الامام لم يجز لأن السلام ركن لا تتم الصلاة إلا به إذا تقرر هذا فانه يقرأ في التكبيرة الخامسة الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في السادسة ويدعو للميت في السابعة ليكمل لجميع الجنائز القراءة والاذكار كما كمل لهن التكبيرات وذكر ابن عقيل وجها قال يحتمل أن يكبر ما زاد على الأربع متابعا كما قلنا في القضاء للمسبوق، والصحيح الأول لأن ما بعد الأول جنائز فاعتبر في الصلاة عليهن شروط الصلاة كالأولى * (مسألة) * (ومن فاته شئ من التكبير قضاه على صفته وقال الخرقي يقضيه متتابعاً) يستحب للمسبوق في صلاة الجنازة قضاء ما فاته منها وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحق وأصحاب الرأي لقوله عليه السلام " فما أدركتم فصلوا " وفي لفظ " فأتموا " وقياساً على سائر الصلوات ويكون القضاء على صفة الأداء لما

(2/352)


ذكرنا، فعلى هذا إذا أدرك الإمام في الدعاء تابعه فيه فاذا سلم الامام كبر وقرأ الفاتحة ثم كبر وصلى
على النبي صلى الله عليه وسلم ثم كبر وسلم وقال الشافعي متى دخل المسبوق في الصلاة ابتدأ الفاتحة ثم أتى بالصلاة في الثانية، ووجه الأولى أن المسبوق في سائر الصلوات يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة على صفة ما فاته فينبغي أن يأتي ها هنا بالقراءة على صفة ما فاته قياساً عليه.
وقال الخرقي يقضيه متتابعاً وكذلك روي عن أحمد وحكاه عن ابراهيم قال يبادر بالتكبير متتابعاً، لما روى نافع عن ابن عمر أنه قال لا يقضى فان كبر متتابعاً فلا بأس ولم يعرف له مخالف في الصحابه فكان إجماعا وكذا قال إبن المنذر يقضيه متوالياً وقال القاضي وابو الخطاب: إن رفعت الجنازة قبل إتمام التكبير قضاه متوالياً وإن لم ترفع قضاه على صفته كما سبق.
* (مسألة) * (فإن سلم ولم يقضه فعلى روايتين) إحداهما لا تصح وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي لما ذكرنا من الحديث والمعنى، والثانية تصح اختارها الخرقي لما ذكرنا من حديث ابن عمر.
وقد روي عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير؟ قال " ما سمعت فكبري، وما فاتك فلا قضاء عليك " وهذا صريح، ولأنها تكبيرات متواليات حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد.
وحديثهم ورد في الصلوات الخمس بدليل قوله في صدر الحديث " فلا تأتوها وأنتم تسعون " وفي رواية سعى في جنازة سعد حتى سقط رداؤه عن منكبيه فعلم أنه لم يرد بالحديث هذه الصلاة، والقياس على سائر الصلوات لا يصح لأنه لا يقضى في شئ من الصلوات التكبير المنفرد ويبطل بتكبيرات العيد (فصل) إذا أدرك لامام بين تكبيرتين فعن أحمد أنه ينتظر الإمام حتى يكبر معه وهو قول أبي حنيفة والثوري وإسحق لأن التكبيرات كالركعات ثم لو فاتته ركعة لم يتشاغل بقضائها كذلك التكبيرة، والثانية يكبر ولا ينتظر وهو قول الشافعي لأنه في سائر الصلوات إذا أدرك الإمام كبر معه ولم ينتظر، وليس هذا اشتغالاً بقضاء ما فاته وإنما يصلي معه ما أدركه فيجزيه ذلك كالذي يتأخر عن تكبير الامام قليلا وعن مالك كالروايتين.
قال إبن المنذر: سهل أحمد في القولين جميعاً ومتى أدرك الإمام في التكبيرة الأولى فكبر وشرع في القراءة ثم كبر الامام قبل أن يتمها فانه يكبر ويتابعه ويقطع القراءة كالمسبوق في بقية الصلوات اذا ركع الامام قبل إتمامه القراءة
* (مسألة) * (ومن فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إلى شهر) من فاتته الصلاة على الجنازة فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فان دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي موسى وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم وهو مذهب الأوزاعي والشافعي.
وقال النخعي والثوري ومالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الميت

(2/353)


إلا للولي إذا كان غائباً ولا يصلي على القبر إلا كذلك، ولو جاز ذلك لصلي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأعصار ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً مات فقال " فدلوني على قبره " فأتى قبره فصلى عليه متفق عليه.
وعن ابن عباس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم بقبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه قال أحمد ومن يشك في الصلاة على القبر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، ولأن غير الولي من أهل الصلاة فسنت له الصلاة كالولي وإنما لم يصل على قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصلى على القبر بعد شهر (فصل) ولا يصلي على القبر بعد شهر ويصلى قبله وبهذا قال بعض أصحاب الشافعي.
وقال بعضهم يصلى عليه أبداً واختاره ابن عقيل لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين حديث صحيح.
وقال بعضهم يصلى عليه ما لم يبل جسده، وقال أبو حنيفة يصلي عليه الولي خاصة الى ثلاث.
وقال إسحق يصلي عليه الغائب الى شهر والحاضر الى ثلاث ولنا ما روى سعيد بن المسيب أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر.
قال أحمد: أكثر ما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد ابن عبادة بعد شهر، ولأنها مدة يغلب على الظن بقاء الميت أشبهت الثلاثة أو كالغائب، وتجويز الصلاة عليه مطلقاً باطل بأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي عليه الآن إجماعاً، وكذلك التحديد ببلى الميت لكونه عليه السلام لا يبلى، فان قيل فالخبر دل على الصلاة بعد شهر فكيف منعتموه.
قلنا تحديده بالشهر يدل على أن صلاته عليه الصلاة والسلام كانت عند رأس الشهر ليكون مقارباً للحد
وتجوز الصلاة بعد الشهر قريباً منه لدلالة الخبر عليه، ولا يجوز بعد ذلك لعدم وروده فيه (فصل) ومن صلى عليها مرة فلا تسن له إعادة الصلاة عليها، وإذا صلى على الجنازة لم توضع لأحد يصلي عليها ويبادر بدفنها.
قال القاضي إلا أن يرجى مجئ الولي فتؤخر إلا أن يخاف تغيره، وقال ابن عقيل لا ينتظر به أحداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن البراء " عجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " وأما من أدرك الجنازة ممن لم يصل فله أن يصلي عليها فعله علي وأنس وسلمان بن ربيعة وأبو حمزة رضي الله عنهم (فصل) ويصلى على القبر وتعاد عليه الصلاة جماعة وفرادى نص عليهما أحمد.
وقال وما بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابن عباس قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم الى قبر رطب فصفوا خلفه فكبر أربعاً.
متفق عليه * (مسألة) * (ويصلى على الغائب بالنية فإن كان في أحد جانبي البلد لم تصح عليه بالنية في أصح الوجهين)

(2/354)


تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية بعيداً كان البلد أو قريباً، فيستقبل القبلة ويصلي عليه كصلاته على الحاضر، وسواء كان الميت في جهة القبلة أو لم يكن وبهذا قال الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة لا يجوز، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية كقولهما ليس من شرط الصلاة على الجنازة حضورها بدليل ما لو كان في البلد ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه وصلى بهم بالمصلى فكبر عليه أربعاً متفق عليه.
فإن قيل فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم زويت له الأرض فأري الجنازة قلنا لم ينقل ذلك ولو كان لأخبر به ولنا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يثبت ما يقتضي اختصاصه ولأن الميت مع البعد لا تجوز الصلاة عليه، وان رئي ثم لو اختصت الرؤية بالنبي صلى الله عليه وسلم لا اختصت الصلاة به وقد صف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فصلى بهم، فإن قيل لم يكن بالحبشة من يصلي عليه.
قلنا ليس هذا مذهبكم فانكم لا تجيزون الصلاة على الغريق والأسير، وإن كان لم يصلى عليه ولأن هذا بعيد لأن النجاشي كان ملك الحبشة
وقد أظهر اسلامه فيبعد أنه لم يوافقه أحد يصلي عليه (فصل) فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر في أصح الوجهين اختاره ابو حفص البرمكي لأنه يمكنه الحضور للصلاة عليه أو على قبره أشبه ما لو كانا في جانب واحد والثاني يجوز كما لو كان في بلد آخر.
وقد روي عن ابن حامد أنه صلى على ميت مات في أحد جانبي بغداد وهو في الآخر * (فصل) * وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر كالصلاة عى القبر لأنه لا يعلم بقؤه من غير تلاش أكثر من ذلك، فعلى هذا قال ابن عقيل في أكيل السبع والمحترق بالنار يحتمل أن لا يصلى عليه لذهابه، ويصلى على الغريق اذا غرق قبل الغسل كالغائب البعيد لأن الغسل تعذر لمانع أشبه الحي إذا غجز عن الغسل والتيمم صلى على حسب حاله * (مسألة) * (ولا يصلى الإمام على الغال ولا من قتل نفسه) الغال هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ليأخذها لنفسه ويختص بها فهذا لا يصلى عليه الامام ولا على قاتل نفسه عمداً ويصلي عليهما سائر الناس نص على هذا أحمد: وقال عمر بن عبد العزيز والاوزاعي لا يصلى على قاتل نفسه بحال لأن من لا يصلي عليه الامام لا يصلى عليه غيره كشهيد المعركة، وقال عطاء والنخعي والشافعي يصلي الامام وغيره على جميع المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الحلال باسناده ولنا ما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاؤه برجل قد قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه

(2/355)


رواه مسلم.
وروى أبو داود نحوه، وعن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " صلوا على صاحبكم " فتغيرت وجوه القوم، فلما رأى ما بهم قال " إن صاحبكم غل من الغنيمة " احتج به أحمد واختص الامتناع بالإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على الغال قال " صلوا على صاحبكم " وروي أنه أمر بالصلاة على قاتل نفسه، وكان صلى الله عليه وسلم هو الامام فألحق به من ساواه في ذلك، ولا يلزم من ترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة غيره
فانه كان في بدء الاسلام لا يصلى على من عليه دين لا وفاء له ويأمرهم بالصلاة عليه، فإن قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن صلاته سكن.
قلنا ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه ثبت في حق غيره ما لم يقم على اختصاصه به دليل.
فإن قيل فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين.
قلنا ثم صلى عليه بعد، فروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيقول " هل ترك لدينه من وفاء " فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال للمسلمين " صلوا على صاحبكم " فلما فتح الله الفتوح قام فقال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين وترك ديناً علي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته " قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
ولولا النسخ كان كمسئلتنا، وهذه الأحاديث خاصة فيجب تقديمها على قوله " صلوا على من قال لا إله إلا الله " * (فصل) * قال أحمد: لا أشهد الجهمية ولا الرافضة ويشهده من شاء، قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أقل من ذا: الدين والغلول وقاتل نفسه، وقال: لا يصلى على الواقفي " وقال أبو بكر بن عياش: لا أصلي على رافضي ولا حروري.
وقال الفريابي: من شتم أبا بكر فهو كافر لا يصلى عليه.
قيل له فكيف تصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال لا تمسوه بأيديكم ادفعوا بالخشب حتى تواروه.
وقال أحمد: أهل البدع لا يعادون ان مرضوا، ولا تشهد جنائزهم ان ماتوا، وهو قول مالك.
قال ابن عبد البر: وسائر العلماء يصلون على أهل البدع والخوارج وغيرهم لعموم قوله عليه السلام " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة بأدون من هذا فأولى أن تترك الصلاة به، وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن لكل أمة مجوساً وإن مجوس أمتي الذين يقولون لا قدر، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " رواه الإمام أحمد * (فصل) * ولا يصلى على أطفال المشركين لأن لهم حكم آبانهم الامن حكمنا بإسلامه بأن يسلم أحد أبويه أو يموت أو يسبى منفرداً من أبويه أو من أحدهما فانه يصلى عليه، وقال أبو ثور فيمن سبي مع أحد أبويه لا يصلى عليه حتى يختار الاسلام ولنا أنه محكوم باسلامه أشبه من سبي منفرداً منهما

(2/356)


* (فصل) * ويصلى على سائر المسلمين أهل الكبائر والمرجوم في الزنا وغيرهم قال أحمد من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا نصلي عليه وندفنه ونصلي على ولد الزنا والزانية والذي يقاد منه في القصاص أو يقتل في حد.
وسئل عمن لا يعطي زكاة ماله قال نصلي عليه ما نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على قاتل نفسه والغال وهذا قول عطاء والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة قال لا يصلى على البغاة ولا على المحاربين لأنهم باينوا أهل الاسلام أشبهوا أهل دار الحرب وقال مالك لا يصلى على من قتل في حد لان أبا برزة الاسلمي قال لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز بن مالك ولم ينه عن الصلاة عليه، رواه أبو داود ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " صلوا على من قال لا إله إلا الله " رواه الخلال وروي عن أبي شميلة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قالوا مملوك لآل فلان قال " أكان يشهد أن لا إله إلا الله " قالوا نعم ولكنه كان وكان فقال " أكان يصلي؟ " قالوا قد كان يصلي ويدع فقال لهم " ارجعوا به فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه وادفنوه والذي نفسي بيده لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه " وأما أهل الحرب فلا يصلى عليهم لكفرهم لا تقبل فيهم شفاعة ولا يستجاب فيهم دعاء وقد نهينا عن الاستغفار لهم، وأما ترك الصلاة على ماعز فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه لعذر بدليل أنه صلى على الغامدية فقال له عمر ترجمها وتصلي عليها فقال " لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم " كذلك رواه الأوزاعي وروى معمر وهشام أنه أمرهم بالصلاة عليها والله أعلم * (مسألة) * (وإن وجد بعض الميت غسل وصلي عليه وعنه لا يصلى على الجوارح) وهذا المشهور في المذهب وهو مذهب الشافعي وعنه لا يصلى على الجوارح نقلها عنه ابن منصور قال الخلال ولعله قول قديم لأبي عبد الله والأول الذي استقر عليه قوله.
وقال أبو حنيفة ومالك ان وجد الأكثر صلى عليه وإلا فلا لأنه بعض لا يزيد على النصف فلم يصل عليه كالذي بان في حياة صاحبه والشعر والظفر.
ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم قال أحمد صلى أبو أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام
وصلى أبو عبيدة على رءوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد بإسناده وقال الشافعي القى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل عرفت بالخاتم وكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم نعرف من الصحابة مخالفاً في ذلك ولأنه بعض من جملة تجب الصلاة عليها فيصلى عليه كالاكثر وفارق مابان في الحياة لأنه من جملة لا يصلى عليها والشعر والظفر لا حياة فيه

(2/357)


* (فصل) * وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلي عليه ودفن إلى جانب القبر أو نبش بعض القبر ودفن فيه ولا حاجة الى كشف الميت لأن ضرر نبش الميت وكشفه أعظم من الضرر بتفرقة أجزائه.
* (مسألة) * (وإن اختلط من يصلي عليه بمن لا يصلى عليه صلي على الجميع ينوي من يصلي عليه) قال أحمد ويجعلهم بينه وبين القبلة ثم يصلي عليهم، وهذا قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إن كان المسلمون أكثر صلي عليهم وإلا فلا لأن الاعتبار بالأكثر بدليل أن دار المسلمين الظاهر فيها الاسلام لكثرة المسلمين بها وعكسها دار الحرب لكثرة الكفار بها ولنا أنه أمكن الصلاة على المسلمين من غير ضرر فوجب كما لو كانوا أكثر ولأنه إذا جاز أن يقصد بصلاته ودعائه الأكثر جاز أن يقصد الأقل ويبطل ما قالوه بما اذا اختلطت أخته باجنبيات أو ميتة بمذكيات فانه يثبت الحكم للأقل دون الأكثر * (فصل) * وإن وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر؟ نظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب فإن لم يكن عليه علامة وكان في دار الإسلام غسل وصلي عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه، نص عليه أحمد لأن الأصل أن من كان في دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل.
* (مسألة) * (ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه) وبهذا قال الشافعي وإسحق وأبو ثور وداود وكره ذلك مالك وأبو حنيفة لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من صلى على جنازة في المسجد فلا شئ له " رواه أحمد في المسند
ولنا ما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن ييضاء إلا في المسجد، وروي سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه قال صلى علي أبي بكر في المسجد وقال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال صلى علي عمر بالمسجد وهذا كان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر فكان إجماعاً ولأنها صلاة فلم يمنع منها في المسجد كسائر الصلوات وحديثهم يرويه صالح مولى التؤمة وقد قال فيه ابن عبد البر: من أهل العلم من لا يحتج بحديثه أصلاً لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه عن ابن أبي ذئب خاصة ثم يحمل على من خيف منه الانفجار وتلويث المسجد.
* (فصل) * فأما الصلاة على الجنازة في المقبرة ففيها روايتان إحداهما لا باس بها لأن النبي صلى

(2/358)


صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وهو في المقبرة، وقال ابن المنذر ذكر نافع أنه صلى على عائشة وأم سلمة وسط قبور البقيع، صلي على عائشة أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر وفعله عمر بن عبد العزيز والرواية الثانية يكره، روى ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي والشافعي واسحق وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " ولأنه ليس بموضع للصلاة غير صلاة الجنازة فكرهت فيه صلاة الجنازة كالحمام * (مسألة) * (وإن لم يحضره إلا النساء صلين عليه) لأن عائشة رضي الله عنها أمرت أن يؤتى بسعد بن أبي وقاص لتصلي عليه، ولأن الصلاة على الميت صلاة مشروعة فتشرع في حقهن كسائر الصلوات * (فصل في حمل الميت ودفنه) * * (مسألة) * (يستحب التربيع في حمله) ومعناه الخذ بقوائم السرير الأربع وهو سنة لقول ابن مسعود رضي الله عنه: إذا اتبع أحدكم جنازة فيأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فانه من السنة رواه سعيد في سننه وهذا يقتضي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
* (مسألة) * قال (وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى ثم ينتقل إلى المؤخرة ثم يضع قائمته اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى المؤخرة) هذا صفة لتربيع في المشهور في المذهب اختاره الخرقي واليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وعن أحمد أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب إسحق، روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب ولأنه أخف، ووجه الأول أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول.
* (مسألة) * (وإن حمل بين العمودين فحسن) حكاه ابن المنذر عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير وقال به الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وكرهه النخعي والحسن وأبو حنيفة واسحق والصحيح الأول لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوه وفيهم أسوة حسنة وقال مالك ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء ونحوه قال الأوزاعي واتباع الصحابة رضي الله عنهم فيما فعلوه وقالوه أحسن * (مسألة) * (ويستحب الإسراع بها)

(2/359)


لا نعلم فيه خلافاً بين الأئمة رحمهم الله وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " متفق عليه واختلفوا في الاسراع المستحب فقال القاضي هو اسراع لا يخرج عن المشي المعتاد وهو قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي يخب ويرمل، لما روى أبو داود عن عيبنة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص وكنا نمشي مشياً خفيفاً فلحقنا أبو بكر فرفع سوطه فقال لقد رأيثنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نرمل رملاً: ولنا ما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر عليه بجنازة تمخض مخضاً فقال " عليكم بالقصد في جنائزكم " رواه الإمام أحمد في المسند ولأن الاسراف في الاسراع يمخضها ويؤذي حامليها ومتبعيها ولا يؤمن على الميت، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة لا تزلزلوا وارفقوا فانها أمكم * (فصل) * واتباع الجنائز سنة لقول البراء أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز متفق عليه
واتباع الجنائز على ثلاثة أضرب أحدها، أن يصلي عليها ثم ينصرف قال زيد بن ثابت اذا صليت فقد قضيت الذي عليك، وقال أبو داود رأيت أحمد ما لا أحصي صلى على جنائز ولم يتبعها الى القبر

(2/360)


ولم يستأذن، الثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان - قيل وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين " متفق عليه.
الثالث: أن يقف بعد الدفن فيستغفر له ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف فقال " استغفروا الله (1) واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسئل " رواه أبو داود، وروي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده عند الدفن أول البقرة وخاتمتها ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعاً متفكراً في حاله متعظاً بالموت وبما يصير اليه الميت، لا يتحدث بأحاديث الدنيا ولا يضحك، قال سعد بن معاذ ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها ورأى بعض السلف رجلاً يضحك في جنازة فقال تضحك وأنت تتبع الجنازة لا كلمتك أبداً * (مسألة) * (ويستحب أن يكون المشاة أمامها والركبان خلفها) أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة، روى ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير وأبي قتادة وأبي أسيد وشريح والقاسم بن محمد وسالم والزهري ومالك والشافعي.
وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل لما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الجنازة متبوعة ولا تتبع ليس منها من تقدمها " وقال علي رضي الله عنه: فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي قدامها كفضل المكتوبة على التطوع سمعته من رسول
__________
(1) كذا والرواية المشهورة " استغفروا لاخيكم " الخ

(2/361)


الله صلى الله عليه وسلم، ولأنها متبوعة فيجب أن تقدم كالأمام في الصلاة.
ولهذا قال في الحديث الصحيح " من تبع جنازة "
ولنا ما روى ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، رواه أبو داود والترمذي وعن أنس نحوه رواه ابن ماجه قال إبن المنذر ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، وقال أبو صالح كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون أمام الجنازة ولأنهم شفعاء له بدليل قوله عليه السلام " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة لهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " رواه مسلم، والشفيع يتقدم المشفوع له، وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد وهو مجهول، قيل ليحيى من أبو ماجد هذا؟ قال طائر طار قال الترمذي سمعت محمد بن اسماعيل يضعف هذا الحديث والحديث الآخر لم يذكره أصحاب السنن وقالوا هو ضعيف ثم نحمله على من تقدمها إلى موضع الصلاة أو الدفن ولم يكن معها وقياسهم يبطل بسنة الصبح والظهر فانها تابعة لهما وتتقدمهما في الوجود * (فصل) * ويكره الركوب في اتباع الجنائز لما روى ثوبان قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناساً ركباناً فقال " ألا تستحون أن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب " رواه الترمذي.
فان ركب فالسنة أن يكون خلف الجنازة، قال الخطابي: في الراكب لا أعلمهم اختلفوا

(2/362)


في أنه يكون خلفها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الراكب يمشي خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها " رواره أبوداد والترمذي، ولفظه " الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها.
والطفل يصلى عليه " وقال هذا حديث صحيح ولأن سير الراكب أمامها يؤذي المشاة، فأما الركوب في الرجوع من الجنازة فلا بأس به.
قال جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتبع جنازة ابن الدحداح ماشياً ورجع على فرس، قال الترمذي هذا حديث صحيح * (فصل) * ويكره رفع الصوت عند الجنائز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم إن تتبع الجنائز بصوت، قال إبن المنذر: روينا عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال.
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له.
قال الأوزاعي بدعة.
وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم.
وقال فضيل بن عمرو بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلاً يقول: استغفروا له غفر الله لكم.
فقال ابن عمر لا غفر الله لك.
رواهما سعيد.
قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة سلم رحمك الله فانه بدعة،

(2/363)


ولكن يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله ويذكر الله اذا تناول السرير.
ومس الجنازة بالأيدي أو الأكمام والمناديل محدث مكروه ولا يؤمن معه فساد الميت، وقد منع العلماء مس القبر فمس الجسد مع احتمال الأذى أولى بالمنع * (فصل) * ويكره اتباع الميت بنار، قال إبن المنذر: يكره ذلك كل من يحفظ عنه من أهل العلم روي عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار وأبي سعيد وعائشة وسعيد بن المسيب أنهم وصوا أن لا يتبعوا بنار، وروى ابن ماجة أن أبا موسى حين حضره الموت قال: لا تتبعوني بمجمر.
قالوا له أو سمعت فيه شيئاً؟ قال نعم.
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " فان دفن ليلاً فاحتاجوا الى ضوء فلا بأس به إنما كره المجامر فيها البخور، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج، قال الترمذي هذا حديث حسن * (فصل) * ويكره اتباع النساء الجنائز لما روي عن أم عطية قالت: نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا متفق عليه.
كره ذلك ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وإسحق.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فإذا نسوة جلوس، قال " ما يجلسكن؟ " قلن ننتظر الجنازة.
قال " هل تغسلن " قلن لا.
قال " هل تحملن " قلن لا.
قال " هل تدلين فيمن

(2/364)


يدلي " قلن: لا.
قال " فارجعن مأزورات غير مأجورات " رواه ابن ماجه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي فاطمة قال " ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ " قالت يا رسول الله أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به.
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلعلك بلغت معهم الكدى " قالت معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر.
قال " لو بلغت معهم الكدى " فذكر تشديدا رواه أبو داود
* (فصل) * فإن كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه، فإن قدر على انكاره وإزالته زاله، وإن لم

(2/365)


يقدر على إزالته ففيه وجهان: أحدهما ينكره ويتبعها فيسقط فرضه بالإنكار ولا يترك حقاً لباطل، (والثاني) يرجع لأنه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك

(2/366)


* (مسألة) * (ولا يجلس من تبعها حتى توضع) وممن رأى أن لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال الحسن بن علي وابن عمر وأبو هريرة

(2/367)


وابن الزبير والنخعي والشعبي والاوزاعي واسحق، ووجه ذلك ما روى مسلم بإسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع " وقال الشافعي

(2/368)


هذا منسوخ بقول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم.
قال إسحق معنى قول علي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الجنازة قام ثم ترك ذلك بعد.
وعلى هذا التفسير لا يصح

(2/369)


دعوى النسخ، وليس في اللفظ عموم فيعم الأمرين جميعاً فلم يجز النسخ بأمر محتمل ولأن قول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد يدل على ابتداء فعل القيام، وها هنا إنما وجدت منه الاستدامة إذ ثبت هذا فأظهر الروايتين أنه أريد وضعها عن أعناق الرجال وهو قول من ذكرنا من قبل.

(2/370)


وقد روي الحديث " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض " ورواه أبو معاوية " حتى يوضع في اللحد " وحديث سفيان أصح.

(2/371)


وأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهي اليه.
قال الترمذي: روى عن بعض
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهي اليهم، واذا جاءت وهو جالس لم يقم لها لما يأتي بعد

(2/372)


* (مسألة) * (وإن جاءت وهو جالس لم يقم لها لما ذكرنا من حديث علي وقد فسره اسحق بما حكينا) وقد روي عن أحمد أنه قال: ان قام لم أعبه وان قعد فلا بأس.
وذكر ابن أبي موسى والقاضي

(2/373)


ان القيام مستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه " رواه مسلم.
وقد ذكرنا أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك القيام لها

(2/374)


والأخذ من آخر أمره أولى.
وقد روي في حديث أن يهودياً رأى النبي صلى الله عليه وسلم قام للجنازة

(2/375)


فقال يا محمد: هكذا نصنع؟ فترك النبي صلى الله عليه وسلم القيام لها

(2/376)


* (مسألة) * (ويدخل قبره من عند رجل القبر ان كان أسهل عليهم) المستحب أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل سلا الى القبر روى ذلك عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد الانصاري والنخعي والشعبي والشافعي.
وقال أبو حنيفة توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة ثم يدخل القبر معترضاً لأنه يروي عن علي رضي الله عنه، وقال النخعي حدثني من رأى أهل المدينة في الزمن الأول يدخلون موتاهم من قبل القبلة وان السل شئ أحدثه أهل المدينة ولنا أن الحارث أوصى أن يليه عند موته عبد الله بن يزيد الأنصاري فصلى عليه ثم دخل القبر فأدخله من رجلي القبر وقال هذه السنة وهذا يقتضي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد.
وروى ابن عمر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وما ذكر عن النخعي لا يصح لأن مذهبه بخلافه ولأنه لا يجوز على العدد الكثير أن يغيروا سنة إلا بسبب ظاهر أو سلطان
قاهر ولم ينقل شئ من ذلك، ولو نقل فسنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على فعل أهل المدينة فأما إن كان أخذه من قبل القبلة أو من رأس القبر أسهل عليهم فلا حرج فيه لأن استحباب أخذه من عند رجل القبر إنما كان طلباً للأسهل.
قال أحمد كل لا بأس به * (فصل) * قال أحمد يعمق القبر الى الصدر الرجل والمرأة في ذلك سواء.
كان الحسن

(2/377)


وابن سيرين يستحبان ذلك، وروى سعيد بإسناده أن عمر بن عبد العزيز لما مات ابنه أمرهم أن يحفروا قبره الى السرة ولا يعمقوا، فان ما على ظهر الأرض أفضل مما سفل منها.
وذكر أبو الخطاب أنه يستحب أن يعمق قدر قامة وبسطة وهو قول الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " احفروا وأوسعوا وأعمقوا " رواه أبو داود ولأن ابن عمر أوصى بذلك.
والمنصوص عن أحمد ما ذكرنا أولاً لأن التعميق قدر قامة وبسطة يشق ويخرج عن العادة وقوله صلى الله عليه وسلم " أعمقوا " ليس فيه بيان قدر التعميق ولم يصح ما رووه عن ابن عمر، ولو صح عند أحمد لم يعده إلى غيره.
إذا ثبت هذا فانه يستحب تحسينه وتعميقه وتوسيعه للخبر.
وقد روى زيد بن أسلم قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال اصنعوا كذا اصنعوا كذا ثم قال: " ما بي أن يكون يغني عنه شيئاً، ولكن الله يحب إذا عمل العمل أن يحكم " قال معمر وبلغني أنه قال " ولكنه أطيب لأنفس أهله " رواه عبد الرزاق في كتاب الجنائز * (مسألة) * قال (ولا، يسجى القبر إلا أن يكون لامرأة) قال الشيخ رحمه الله لا نعلم في استحباب تغطية قبر المرأة خلافا بين أهل العلم، وقد روى ابن سيرين أن عمر قال يغطى قبر المرأة، ومن علي رضي الله عنه بقوم قد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: انما يصنع هذا بالنساء ولأن المرأة عورة ولا يؤمن أن يبدو منها شئ فيراه الحاضرون فأما قبر للرجل فيكره ستره لما ذكرنا وكرهه عبد الله بن يزيد ولم يكرهه أصحاب الرأي وأبو ثور والأول أولى لأن فعل علي يدل على كراهته ولأن كشفه أمكن وأبعد من التشبه بالنساء مع ما فيه من اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

(2/378)


* (مسألة) * (ويلحد له لحداً وينصب عليه اللبن نصباً) لقول سعد بن أبي وقاص: ألحدوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
ومعنى اللحد أنه إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً يوضع فيه الميت، فإن كانت الأرض رخوة جعل له شبه اللحد من الحجارة.
قال أحمد ولا أحب الشق لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللحد لنا والشق لغيرنا " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال غريب، فإن عجز عن اللحد شق له في الارض، ومعنى الشق أن يحفر في أرض القبر شقاً يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشئ

(2/379)


* (مسألة) * (ولا يدخل القبر خشباً ولا شيئاً مسته النار) قال ابراهيم كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب، ولا يستحب الدفن في تابوت لأنه خشب ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا والأرض أنشف لفضلاته، ويكره الآجر وسائر ما مسته النار تفاؤلاً أن لا تمسه النار * (مسألة) * (ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله) لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال " بسم الله وعلى ملة رسول الله " وروي " في سبيل الله وعلى سنة رسول الله " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وروى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال: حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال " بسم الله وعلى ملة رسول الله " فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال " اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جافي الأرض عن جنبيها، وصعد روحها، ولقها منك رضوانا " قلت يا ابن عمر أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قلته برأيك؟ قال إني إذا لقادر على القول بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عن عمر أنه كان إذا سوى على الميت قال: الله اسلمه إليك الأهل والمال والعشيرة وذنبه عظيم وفاغفر له.
رواه ابن المنذر

(2/380)


* (فصل) * وإذا مات في سفينة في البحر فقال أحمد ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعاً يدفنونه حبسوه يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه، فإن لم يجدوا غسل وكفن وحنط ويصلى عليه ويثقل بشئ ويلقى في الماء.
وهذا قول عطاء.
قال الحسن: يترك في زنبيل ويلقى في البحر.
وقال الشافعي يربط بين لوحين ليحمله البحر الى الساحل فربما وقع الى قوم يدفنونه، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا، والأول أولى لأنه يحصل به الستر المقصود من دفنه، وإلقاؤه بين لوحين يعرض له التغير والهتك وربما بقي على الساحل مهتوكاً عرياناً وربما وقع الى قوم من المشريكين فكان ما ذكرنا أولى * (مسألة) * (ويضعه في لحده وعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه " ويستحب أن يضع تحت رأسه لبنة أو حجراً أو شيئاً مرتفعاً كما يصنع الحي وإن تركه فلا بأس لأن عمر رضي الله عنه قال: اذا جعلتموني في اللحد فافضوا بخدي الى الأرض.
ويدنى من الحائط لئلا ينكب على وجهه، ويسند من ورائه بتراب لئلا ينقلب.
قال احمد ما أحب أن يجعل في القبر مضربة ولا مخدة وقد جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء فان جعلوا قطيفة فلعلة، فإذا فرغوا نصبوا عليه للبن نصبا لما ذكرنا من حديث سعد ويسد عليه بالطين لئلا يصل اليه التراب وإن جعل مكان اللبن قصباً فحسن لأن الشعبي قال جعل على لحد النبي صلى الله عليه وسلم طن قصب.
قال الخلال

(2/381)


كان أبو عبد الله يميل الى اللبن ويختاره على القصب ثم ترك ذلك ومال الى استحباب القصب على اللبن وأما الخشب فكرهه على كل حال ورخص فيه الضرورة قال شيخنا: وأكثر الروايات عن أحمد استحباب اللبن وتقديمه على القصب لحديث سعد وقوله أولى من قول الشعبي لأن الشعبي لم ير ولم يحضر وكلاهما حسن.
قال حنبل: قلت لأحمد فإن لم يكن لبن قال ينصب عليه القصب والحشيش وما أمكن من ذلك * (مسألة) * (ويحثو (1) التراب في القبر ثلاث حثيات ويهال عليه التراب) روي عن أبي عبد الله أنه حضر جنازة فلما ألقي عليها التراب قام إلى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات
ثم رجع إلى مكانه وقال: قد جاء عن علي وصح أنه حثى على قبر ابن المكفف وروي عنه أنه قال: إن فعل فحسن وإن لم يفعل فلا بأس، ووجه استحبابه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت من قبل رأسه فحثى عليه ثلاثا أخرجه ابن ماجة.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى على الميت ثلاث حثيات بيديه جميعاً رواه الشافعي.
وعن ابن عباس أنه لما
__________
(1) ورد حثا يحثوا حثوا وحثى يحثي حثيا وهو أن ياخذه بيده ويرميه في القبر

(2/382)


دفن زيد بن ثابت حثي في قبره ثلاثا وقال هكذا يذهب العلم، فإذا فرغ من لحده أهال عليه التراب لأن دفنه واجب وذلك يحصل باهالة التراب عليه * (فصل) ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنماً.
ويستحب رفع القبر عن الأرض ليعرف أنه قبر فيتوفى ويترحم على صاحبه.
وقد روى الساجي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر، وروى القاسم بن محمد قال: قلت لعائشة يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رواه أبو داود.
ولا يستحب رفعه أكثر من ذلك لما ذكرنا ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي " لا تدع تمالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته " رواه مسلم وغيره، والمشرف ما رفع كثيراً بدليل قول القاسم في صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا مشرفة ولا لاطئة.
ولا يستحب

(2/383)


رفع القبر بأكثر من ترابه نص عليه أحمد ورواه عن عقبة بن عامر.
وروى الحلال باسناده عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزاد على القبر على حفرته (فصل) وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري، وقال الشافعي تسطيحه أفضل، قال: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سطح قبر ابنه ابراهيم.
وعن القاسم قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مسطح ولنا ما روى سفيان التمار قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً رواه البخاري، وعن الحسن مثله ولأن التسطيح أشبه بأبنية أهل الدنيا وهو أشبه بشعار أ؟ ل البدع فكان مكروهاً وحديثنا أثبت
من حديثهم وأصح فكان أولى * (مسألة) * (ويرش عليه الماء ليتلبد ترابه) قال أبو رافع: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبر: ماء رواه ابن ماجه، وعن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبره ماء رواه الخلال

(2/384)


(فصل) ولا بأس بتعليم القبر بحجر أو خشبة يعرفه بها نص عليه أحمد لما روى أبو داود بإسناده عن عبد المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازة فدفن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال " أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهله " ورواه ابن ماجة عنه عليه السلام من رواية أنس (فصل) فأما التلقين بعد الدفن فقال شيخنا: فلم نسمع فيه عن احمد شيئاً، ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله فهذا الذي يصنعون اذا دفن الميت يقف الرجل فيقول يا فلان ابن فلان اذكر ما فارقت عليه: شهادة ان لا إله إلا الله؟ فقال ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء انسان فقال ذلك.
قال وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه.
وقال القاضي وابو الخطاب يستحب ذلك ورويا فيه عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم

(2/385)


عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة؟ فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل يا فلان بن فلانة الثانية، فيستوي قاعداً، ثم ليقل يا فلان بن فلانة؟ فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون.
فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماما.
فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته.
ويكون الله تعالى حجته دونهما " فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال " فلينسبه إلى حواء " رواه ابن شاهين باسناده في كتاب ذكر الموت
* (مسألة) * (ولا بأس بتطيينه) وممن رخص في ذلك الحسن والشافعي، وروى أحمد بإسناده عن نافع قال: توفي ابن لعبد الله ابن عمر وهو غائب فقدم فسألنا عنه فدللناه عليه فكان يتعاهد القبر ويأمر بإصلاحه.
وقال ابن عقيل روي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبراً، وطين بطين أحمر من العرصة، وجعل عليه من الحصباء.
وان تركه كان حسناً لما روى الحسن عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطين قبره " أو قال " ما لم يطو قبره "

(2/386)


* (مسألة) * (ويكره تجصيصه والبناء عليه والجلوس والوطئ عليه والاتكاء اليه والكتابة عليه) لما روى جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجصص القبر وأن نبني عليه وأن نقعد عليه رواه مسلم والترمذي، وزاد وأن يكتب عليها وقال حديث حسن صحيح، ولأن ذلك من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت اليه، وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط لأن أبا هريرة أوصى حين حضره الموت أن لا تضربوا علي فسطاطاً، وروى أبو مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " رواه مسلم.
وقال الخطابي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توطأ القبور.
قال: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد اتكأ على قبر فقال " لا تؤذ صاحب القبر " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس عى قبر مسلم " رواه مسلم.
ويكره التغوط بين القبور لما روى عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم، ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق " رواه الخلال وابن ماجة (فصل) ولا يجوز اتخاذ السرج على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليها المساجد والسرج " رواه أبو داود والنسائي بمعناه، ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم

(2/387)


من فعله، ولأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، ولا يجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه ولأن تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الأصنام بالسجود لها.
وقد روي أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عندها (فصل) ويستحب خلع النعال لمن دخل المقابر لما روى بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال له " يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتك " فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعها فرمى بهما رواه أبو داود.
قال أحمد إسناده جيد اذهب الأمر عليه!! وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً.
قال جرير بن حازم: رأيت الحسن وابن سيرين يمشيان بين القبور بنعالهما.
ومنهم من احتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الميت اذا دفن وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم رواه البخاري.
وقال الخطابي: يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما كره للرجل المشي في نعليه لما فيه من الخيلاء فان نعال السبت من لباس أهل التنعم، قال عنترة * يحذى نعال السبت ليس بتوأم * ولنا أمره عليه السلام في الحديث المتقدم، وأدنى أحوال الأمر الندب، ولأن خلع النعلين أقرب الى الخشوع وزي أهل التواضع واحترام أموات المسلمين.
وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يسمع قرع نعالهم لا ينفي الكراهة إنما يدل على وقوع هذا منهم ولا نزاع فيه.
فأما إن كان للماشي عذر يمنعه من الخلع من شوك يخاف منه على قدميه، أو نجاسة تمسهما لم يكره المشي فيهما لأن العذر يمنع الوجوب في بعض الأحوال فالاستحباب أولى، ولا يدخل في الاستحباب نزع الخفاف لأنه يشق

(2/388)


وقد روي عن أحمد أنه كان إذا أراد أن يخرج إلى الجنازة لبس خفيه مع أمره بخلع النعال، فأما غير النعال مما يلبس كالتمشكات وغيرها ففيه وجهان: أحدهما يخلع قياساً على النعال، والثاني ان الكراهة لا تتعدى النعال ذكره القاضي لأن النهي غير معلل فلا يتعدى محله (فصل) والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت لأنه أقل ضررا على الأحياء من الورثة، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة
والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحاري.
فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإنما قبر في بيته قالت عائشة: لئلا يتخذ قبره مسجداً رواه البخاري ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وفعله أولى من فعل غيره وانما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك، ولأنه روي يدفن الانبياء حيث يموتون، وصيانة له عن كثرة الطراق، وتمييزاً له عن غيره صلى الله عليه وسلم (فصل) ويستحب الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون لتناله بركتهم، وكذلك في البقاع الشريفة فقد روي في البخاري ومسلم إن موسى عليه السلام لما حضره الموت سأل الله تعالى أن يدنيه الى الأرض المقدسة رمية بحجر (فصل) وجمع الأقارب في الدفن حسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين حضر عثمان بن مظعون " ادفن إليه من مات من أهله " ولأنه أسهل لزيارتهم وأكثر للترحم عليهم، ويسن تقديم الأب ثم من يليه في السن والفضيلة اذا أمكن (فصل) ويستحب دفن الشهيد حيث قتل.
قال أحمد: أما القتلى فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ادفنوا القتلى في مصارعهم " وروى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم ولا ينقل الميت من بلد إلى آخر إلا لغرض صحيح وهذا قول الأوزاعي وابن المنذر.

(2/389)


قال عبد الله بن أبي مليكة: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشة فحمل الى مكة فدفن، فلما قدمت عائشة أتت قبره ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت الا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك، ولان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغيير، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز.
قال احمد: ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلدة الى بلدة أخرى بأساً.
وسئل الزهري عن ذلك فقال: قد حمل سعد ابن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق الى المدينة.
وقال ابن عيينة: مات ابن عمر هاهنا فأوصى أن لا يدفن هاهنا وأن يدفن بسرف (فصل) واذا تنازع اثنان من الورثة فقال أحدهما يدفن في المقبرة المسبلة وقال الآخر يدفن في ملكه دفن في المسبلة لأنه لامنة فيها وهو أقل ضرراً على الورثة، فإن تشاحا في الكفن قدم
قول من قال نكفنه من ملكه لأن ضرره على الوارث بلحوق المنة وتكفينه من ماله قليل الضرر: وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره؟ قال: يدفن في المقابر مع المسلمين وان دفن بداره أضر بالورثة، وقال لا بأس ان يشتري الرجل موضع قبره ويوصي أن يدفن فيه، فعل ذلك عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، واذا تشاح اثنان في الدفن في المقبرة المسبلة قدم أسبقهما كما لو تنازعا في مقاعد الأسواق ورحاب المساجد، فان تساويا أقرع بينهما

(2/390)


(فصل) واذا تيقن أن الميت قد بلي وصار رميماً جاز نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في

(2/391)


ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة، فإن حفر فوجد فيها عظاماً دفنها وحفر في مكان آخر نص عليه،

(2/392)


واستدل بأن كسر عظم الميت ككسره وهو حي.
وسئل أحمد عن الميت يخرج من قبره الى غيره؟ فقال:

(2/393)


إذا كان شئ يؤذيه، قد حول طلحة وحولت عائشة.
وسئل عن قوم دفنوا في بساتين ومواضع رديئة؟

(2/394)


فقال: قد نبش معاذ امرأته وقد كانت كفنت في خلقان فكفنها، ولم ير أبو عبد الله بأساً أن يحولوا

(2/395)


* (مسألة) * (ولا يدفن فيه إثنان إلا لضرورة ويقدم الأفضل إلى القبلة ويجعل بين كل إثنين حاجز من التراب)

(2/396)


لا يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لضرورة.
وسئل أحمد عن الاثنين والثلاثة يدفنون في

(2/397)


قبر واحد؟ قال أما في مصر فلا.
ولكن في بلاد الروم تكثر القتلى وهذا قول الشافعي ولأن النبي

(2/398)


صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر ولأنه لا يتعذر في الغالب افراد كل واحد بقبر في المصر ويتعذر

(2/399)


ذلك غالباً في دار الحرب وفي موضع المعترك، فان وجدت الضرورة جاز دفن الاثنين والثلاثة سواء

(2/400)


كان في مصر أو غيره للحاجة، ومتى دفنوا في قبر واحد قدم الأفضل إلى القبلة ثم الذي يليه على

(2/401)


حسب تقديمهم الى الامام في الصلاة عليهم على ما ذكرنا لما روى هشام بن عامر قال: شكي إلى

(2/402)


رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أحد فقال " احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة

(2/403)


في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآناً " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وينبغي أن يجعل

(2/404)


بين كل إثنين حاجز من تراب لأن الكفن حائل غير حصين، قال أحمد: ولو حفر لهم شبه النهر

(2/405)


وجعل رأس أحدهم عند رجل الآخر وجعل بينهما حاجزاً من تراب لم يكن به بأس

(2/406)


(فصل) فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره، فإن استووا في ذلك بدأ بأقربهم اليه على

(2/407)


ترتيب النفقات، فإن استووا في القرب قدم أسنهم وأفضلهم.

(2/408)


* (مسألة) * (وإن وقع في القبر ماله قيمة نبش وأخذ) قال أحمد إذا الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها.
قيل فان أعطاه أولياء الميت؟ قال: إن أعطوه حقه أي شئ يريد؟ وقد روي أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال خاتمي.
ففتح موضع منه فأخذ المغيرة خاتمه، وكان يقول أنا أقربكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أمكن رده إلى صاحبه من غير ضرر فوجب * (مسألة) * (وإن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته، وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج) إذا بلع الميت ما لا يخل من أن يكون له أو لغيره، فإن كان له لم يشق بطنه لأنه استهلكه في حياته، ويحتمل أنه إن كان كثير القبمة شق بطنه وأخرج لأن فيه حفظ المال عن الضياع ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله في مرضه، وإن كان المال لغيره وابتلعه باذنه فهو كماله لأن صاحبه

(2/414)


أذن في إتلافه، وإن ابتلعه غصباً ففيه وجهان: أحدهما لا يشق بطنه ويغرم من تركته لما في ذلك من المثلة ولأنه إذا لم يشق بطن الحامل من أجل الولد المرجو حياته فمن أجل المال أولى.
والثاني
يشق ان كثرت قيمته لأن فيه دفع الضرر عن المالك برد ماله إليه، وعن الميت بابراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم.
ويفارق الجنين من وجهين: أحدهما أنه لا يتحقق حياته، والثاني أنه ما حصل بجنايته، فإن لم يكن له تركة ولم يتبرع انسان بتخليص ذمته شق بطنه على كلا الوجهين.
وعلى الوجه الأول اذا بلي جسده وغلب على الظن ظهور المال وتخليصه من أعضاء الميت جاز نبشه وإخراجه، لما روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هذا قبر أبي رغال، وآية ذلك أن معه غصناً من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه " فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن: ولو كان في أذن الميت حلق أو في اصبعه خاتم أخذ، فان صعب أخذه برد وأخذ لأن تركه تضييع للمال، وإن كفن بثوب مغصوب غرم قيمته من تركته ولا ينبش ذكره القاضي لما فيه من هتك حرمته مع إمكان دفع الضرر بدونها، ويحتمل أن ينبش إن كان الكفن باقيا بحاله ليرد الى مالكه عين ماله، وإن كان بالياً فقيمته في تركته، وان دفن في أرض غصب أو أرض مشتركة بينه وبين غيره بغير إذن الشريك نبش وأخرج لأن القبر في الأرض يدوم ضرره ويكثر بخلاف الكفن، وإن أذن المالك في الدفن في أرضه ثم أراد إخراجه لم يملك ذلك لأن في ذلك ضرراً، وإن بلي الميت وعاد تراباً فلصاحب الأرض أخذها، وكل موضع أخزنا نبشه لحرمة ملك الآدمي فالأفضل تركه (فصل) وإن دفن من غير غسل أو الى غير القبلة نبش وغسل ووجه إلا أن يخاف عليه أن يتفسخ فيترك، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة لا ينبش لأن النبش مثلة وقد نهى عنها ولنا أن هذا واجب فلا يسقط بذلك كاخراج ماله قيمة وقولهم ان النبش مثلة قلنا إنما هو مثله في حق من تغير وهو لا ينبش (فصل) وإن دفن قبل الصلاة عليه، فروي عن أحمد أنه ينبش ويصلى عليه، وعنه إن صلي على القبر

(2/415)


جاز.
واختار القاضي أنه يصلى على القبر ولا ينبش وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة ولم ينبشها ولنا انه دفن قبل واجب أشبه ما لو دفن من غير غسل، وانما يصلى على القبر عند الضرورة.
وأما
المسكينة فقد كان صلي عليها فلم تبق الصلاة عليها واجبة فلذلك لم تنبش، فان تغير الميت لم ينبش بحال (فصل) وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان: أحدهما يترك لأن القصد بالكفن ستره وقد حصل بالتراب، والثاني ينبش ويكفن لأن التكفين واجب فأشبه الغسل والله أعلم (فصل) ولا يجوز الدفن في الساعات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدفن فيها في حديث عقبة بن

(2/416)


عامر وهو قوله: ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الصلاة فيهن وأن نقبر فيهن موتانا " حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب " رواه مسلم، ومعنى تتضيف أي تجنح وتميل للغروب، من قولك تصيفت فلانا اذا ملت اليه.
فأما في غير هذه الأوقات فيجوز الدفن ليلاً ونهاراً.
قال أحمد في الدفن بالليل وما بأس بذلك، أبو بكر

(2/417)


دفن ليلاً، وعلي دفن فاطمة ليلا.
وحديث عائشة: كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم، ودفن عثمان وعائشة ليلا وهذا قول عقبة بن عامر وسعيد بن المسبب وعطاء والثوري والشافعي وإسحق، وعنه انه يكره وهو قول الحسن لما روى ملسم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وسلم إن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر انسان الى ذلك.
ووجه الأول ما ذكرنا من فعل الصحابة، وروى ابن مسعود قال: والله لكأني أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر ذي البجادين وأبو بكر وعمر وهو يقول

(2/418)


" ادنيا مني أخاكما حتى اسنده في لحده " ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة " اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه " وكان ذلك ليلا قال: فوالله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه، ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة، وأخذه من قبل القبلة، رواه الخلال في جامعه.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج فأخذ من قبل القبلة وقال " رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن " قال الترمذي حديث حسن ولأنه أحد الزمانين فجاز الدفن فيه كالنهار.

(2/419)


وحديثهم محمول على التأديب، والدفن بالنهار أولى لأنه أسهل على متبعها وأكثر للمصلين عليها وأمكن لاتباع السنة في دفنه وإلجاده * (مسألة) * (وإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه) اذا ماتت حامل وفي بطنها ولد يتحرك وترجى حياته لم يشق بطنها مسلمة كانت أو ذمية، ويدخل القوابل أيدبهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه، فإن لم يوجد نساء لم يسطوا الرجال

(2/420)


عليه لما فيه من هتك الميتة وتترك حتى يتيقن موته، ومذهب مالك وأسحق نحو هذا، ويحتمل أن يشق بطنها اذا غلب على الظن انه يحيا وهو مذهب الشافعي لأنه اتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز كما لو خرج بعضه حياً ولم يمكن خروج باقيه الا بالشق ولأنه يشق لاخراج المال فابقاء الحي أولى ولنا أن هذا الولد لا يعيش عادة ولا يتحقق انه يحيا فلا يجوز هتك حرمة متيقنة لأمر موهوم وقد قال عليه السلام " كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " رواه أبو داود، وفيه مثلة وقد نهى

(2/421)


النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وفارق الأصل فان حياته متيقنة وبقاؤه مظنون.
فعلى هذا إن خرج بعض الولد حياً ولم يمكن اخراجه الا بالشق شق المحل وأخرج لما ذكرنا، وإن مات على حاله فأمكن اخراجه أخرج وغسل، وان تعذر خروجه غسل ما ظهر من الولد وما بقي ففي حكم الباطن لا يحتاج

(2/422)


الى تيمم لأن الجميع كان في حكم الباطن وظهر البعض فتعلق الحكم به وما بقي فهو على ما كان عليه، ذكره ابن عقيل وقال: هي حادثة سئلت عنها (فصل) وإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفنت وحدها وتجعل ظهرها الى القبلة.
وانما اختار أحمد ذلك لأنها كافرة فلا تدفن في مقبرة المسلمين وولدها محكوم بإسلامه فلا يدفن بين الكفار مع

(2/423)


ان؟ لك روي عن واثلة بن الاسقع وعن عمر انها تدفن في مقابر المسلمين.
قال إبن المنذر: لا يثبت ذلك، قال أصحابنا ويجعل ظهرها الى القبلة على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الايمن لان وجه الجنين الى ظهرها * (مسألة) * (ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين) هذا هو المشهور عن أحمد فإنه روي عنه أنه قال: إذا دخلتم المقابر اقرأ آية الكرسي وثلاث مرار قل هو الله أحد ثم قل اللهم إن فضله لاهل المقابر، وروي عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة، وروي ذلك عن هشيم.
قال أبو بكر نقل ذلك عن أحمد جماعة ثم رجع رجوعاً أبان به عن نفسه.
فروي جماعة أن أحمد نهى ضريراً يقرأ عند القبر وقال له: القراءة عند القبر بدعة.
فقال له محمد

(2/424)


ابن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال ثقة.
قال فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى اذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها.
وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك؟ فقال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ.
وقال الخلال: حدثني أبو علي الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن جنبل يصلي خلف ضريراً يقرأ على القبور، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده أو عندهما (يس) غفر له " وروي عنه عليه السلام أنه قال " من دخل المقابر فقرأ سورة (يس) خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات * (مسألة) * (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك) أما الدعاء والاستغفار والصدقة وقضاء الدين وأداء الواجبات فلا نعلم فيه خلافاً اذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة قال الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال سبحانه (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة حين مات وللميت الذي صلي عليه ولذي النجادين حين دفنه، وشرع الله تعالى ذلك لكل من صلى علي ميت.
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن أمي ماتت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال " نعم " رواه أبو داود.
وجاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسول الله إن فريضة الله في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته " قالت نعم.
قال " فدين الله أحق أن تقضي " وقال في الذي سأله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال " نعم " وكلها أحاديث صحاح وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار كلها عبادات بدنية وقد أوصل الله نفعها الى الميت فكذلك ما سواها مع ما ذكرنا من الحديث في ثواب من قرأ (يس) وتخفيف الله عزوجل عن أهل المقابر بقراءته، ولانه عمل بر وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب.
وقال الشافعي ما عدا الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن

(2/425)


الميت ولا يصل ثوابه اليه لقول الله تعالى (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له " ولأن نفعه لا يتعدى فاعله يتعداه فلا ثوابه.
وقال بعضهم إذا قرئ القرآن عند الميت أو أهدى اليه ثوابه كان الثواب لقارئه ويكون الميت كأنه حاضرها فترجى له الرحمة ولنا ما ذكرناه وانه اجماع المسلمين فانهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرأون القرآن ويهدون ثوابه الى موتاهم من غير نكير، ولان الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية اليه ويحجب عنه المثوبة، والآية مخصوصة بما سلموه فيقاس عليه ما اختلفنا فيه لكونه في معناه ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به لانه انما دل على انقطاع عمله، وليس هذا من عمله فلا دلالة عليه فيه، ولو دل عليه كان مخصوصا بما سلموه فيتعدى الى ما منعوه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج وليس له أصل يعتبر به والله أعلم (1) * (مسألة) * (ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعاماً يبعث إليهم ولا يصلحون هم طعاماً للناس) لما روى عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم أمر شغلهم " رواه أبو داود.
ويروى عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت
السنة فينا حتى تركها، من تركها ولأن أهل الميت ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي اليهم عن اصلاح طعام لهم ولأن فيه جبراً لقلوبهم.
فأما لصلاح أهل الميت طعاما للناس فمكروه لأنه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم الى شغلهم، وتشبيهاً بصنيع أهل الجاهلية، وقد روي أن جريراً وفد على عمر فقال: هل يناح على ميتكم قال لا.
قال فهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون الطعام؟ قال نعم.
قال ذلك النوح.
وإن دعت الحالة إلى ذلك جاز فانه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من أهل القرى البعيدة ويبيت عندهم فلا يمكنهم إلا أن يطعموه (فصل) (ويستحب للرجال زيارة القبور، وهل يكره للنساء على روايتين) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب زيارة الرجال القبور.
قال علي بن سعيد قلت لأحمد

(2/426)


زيارة القبور أفضل أم تركها؟ قال: زيارتها.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الموت " وللترمذي " فإنها تذكر الآخرة " فأما زيارة القبور للنساء ففيها روايتان (إحداهما) الكراهة لما روت ام عطية قالت: نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا.
متفق عليه، ولقول النبي صلى الله عيله وسلم " لعن الله زائرات القبور " قال الترمذي حديث صحيح.
وهذا خاص في النساء، والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء، ويحتمل أنه كان خاصا للرجال.
ويحتمل كون الخبر في لعن زوارات القبور بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والاباحة فأقل أحواله الكراهة، ولأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع وفي زيارتها للقبر تهييج للحزن وتجديد لذكر مصابها فلا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يحل - بخلاف الرجل - ولهذا اختصصن بالنوح والتعديد وخصصن بالنهي عن الحلق والصلق ونحوهما.
(والرواية الثانية) لا يكره لعموم قوله عليه السلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " وهو يدل على سبق النهي ونسخه فيدخل فيها الرجال والنساء، وروى ابن أبي مليكة عن عائشة أنها زارت قبر أخيها فقال لها قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور، قالت نعم قد نهى ثم أمر بزيارتها، وروى الترمذي ان عائشة زارت قبر أخيها، وروي عنها أنها قالت لو شهدته ما زرته
(مسألة) ويقول إذا زارها أو مر بها ما روى مسلم عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية.
وفي حديث عائشة: ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.
وفي حديث آخر: اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم - وان زاد - اللهم اغفر لنا ولهم - كان حسناً.
(مسألة) (ويستحب تعزية أهل الميت) لا نعلم فيه خلافاً، وسواء في ذلك قبل الدفن وبعده إلا أن الثوري قال: لا يستحب بعد الدفن لانه خاتمة أمره ولنا قوله عليه السلام " من عزى مصابا فله مثل أجره " قال الترمذي حديث غريب وروى ابن ماجة بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة، والمقصود بالتعزية تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم وسواء في ذلك

(2/427)


قبل الدفن وبعده، ويستحب تعزية كل أهل المصيبة كبارهم وصغارهم ويبدأ بخيارهم والمنظور إليه منهم ليستن به غيره، وذا الضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجته اليها، ولا يعزي الرجل الاجنبي شواب النساء مخافة الفتنة (فصل) ويكره الجلوس لها، وذكره أبو الخطاب لأنه محدث، وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح لان فيه تهييجا للحزن، وقال أحمد اكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعز فيعزي اذا دفن الميت أو قبله، وقال: ان شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وان شئت فلا.
واذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزا ولم يترك حقاً لباطل وان نهاه فحسن ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: عظم الله أجرك، وأحسن عزاءك ورحم ميتك.
هكذا ذكره بعض أصحابنا، قال شيخنا ولا أعلم في التعزية شيئاً محدوداً إلا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً فقال " رحمك الله وآجرك " رواه الإمام أحمد، وعزى أحمد أبا طالب فوقف على باب المسجد فقال: أعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم.
واستحب بعض أهل العلم أن يقول ما روى جعفر بن محمد عن أبيه
عن جده قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: ان في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فارجو فان المصاب من حرم الثواب.
رواه الشافعي في مسنده.
وان عزى مسلما بكافر قال أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك (مسألة) ويقول في تعزية الكافر بالمسلم أحسن الله عزاك، وغفر لميتك، وفي تعزيته عن كافر: أخلف الله عليك ولا نقص عددك.
توقف أحمد عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان (إحداهما) لا نعودهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تبدؤوهم بالسلام " وهذا في معناه (والثانية) نعودهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى غلاماً من اليهود كان مرض يعوده فقعد عند رأسه فقال له " أسلم " فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " رواه البخاري، فعلى هذا يعزيهم ويقول ما ذكرنا، ويقصد بقوله لا نقص عددك زيادة عددهم لتكثر جزيتهم، وقال أبو عبد الله بن بطة: يقول أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى احدا من أهل دينك

(2/428)


(فصل) فأما الرد من المعزي فروي عن أحمد بن الحسن قال سمعت أبا عبد الله وهو يعزي في عبثر بن عمه وهو يقول استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك (مسألة) ويجوز البكاء على الميت وان يجعل المصاب على رأسه ثوبا ليعرف به ليعزى، البكاء بمجرده لا يكره في حال، وقال الشافعي يباح قبل الموت ويكره بعده لما روى عبد الله بن عتيك قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن ثابت يعوده فوجده قد غلب فصاح به فلم بجبه فاسترجع وقال " غلبنا عليك يا أبا الربيع " فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية " يعني إذا مات ولنا ما روى أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت وعيناه تهراقان، وقالت عائشة دخل أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله ثم بكى، وكلها أحاديث صحاح
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة وهو في غاشيته فبكى وبكى أصحابه وقال " ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم " متفق عليه، وحديثهم محمول على رفع الصوت والندب وشبهها بدليل ما روى جابر أن النبي أخذ ابنه فوضعه في حجره فبكى فقال له عبد الرحمن بن عوف أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال " لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان " حديث حسن وهذا يدل على أنه لم ينه عن مطلق البكاء انما نهى عنه موصوفا بهذه الصفات.
وقال: عمر ما على نساء بني المغيرة أن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة اللقلقة رفع الصوت والنقع التراب

(2/429)


(مسألة) ولا يجوز الندب ولا النياحة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك الندب هو تعداد محاسن الميت وما يلقون بعده بلفظ الندبة كقولهم وارجلاه واجبلاه وانقطاع ظهراه، فهذا وأشباهه من النوح وشق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بالويل والثبور ونحوه لا يجوز، وقال بعض أصحابنا هو مكروه، ونقل حرب عن أحمد كلاماً يحتمل إباحة النوح والندب، واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة بن الاسقع وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان، وقال أحمد: إذا ذكرت المرأة مثل ما حكي عن فاطمة في مثل الدعاء لا يكون مثل النوح، يعني لا بأس به، وروي عن فاطمة أنها قالت: يا أبتاه، من ربه ما ادناه، إلى جبريل انعاه، يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، وروي عن علي عن فاطمة رضي الله عنهما انها أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوضعتها على عينها ثم قالت ماذا على مشتم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا ووجه الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حديث جابر الذي ذكرناه، وقال الله تعالى (ولا يعصينك في معروف) قال أحمد هو النوح، ولعن رسول الله صلى اله عليه وسلم النائحة والمستمعة وقالت أم
عطية: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح.
متفق عليه وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة والشاقة.
الصالقة التي ترفع صوتها، وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية " متفق عليهما.
ولأن ذلك يشبه التظلم والاستغاثة والتسخط بقضاء الله، ولان شق الجيوب افساد المال بغير الحاجة (فصل) وينبغي للمصاب أن يستعين بالله، ويتعزى بعزائه، ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، ويستنجز ما وعد الله الصابرين، قال الله تعالى (وبشر الصابرين) الآيتين ويسترجع

(2/430)


ويقول اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها.
لقول أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قلت: فلما مات أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
وليحذر أن يتكلم بشئ يحبط أجره، ويسخط ربه مما يشبه التظلم والاستغاثة فان الله عدل لا يجور، له ما أخذ وله ما أعطى، ولا يدعو على نفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات أبو سلمة " لا تدعو على أنفسكم فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " ويحتسب ثواب الله تعالى وبحمده، لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم.
فيقولون: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم.
فيقول.
ماذا قال عبدي؟ فيقولون حمدك واسترجع.
فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " حديث حسن غريب (فصل) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه " وفي لفظ إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " متفق عليهما.
واختلف أهل العلم في معنى الحديث فحمله قوم على ظاهره وقالوا.
ينصرف الله سبحانه في خلقه بما يشاء، وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه،
ونحو ذلك إلا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت؟ " حديث حسن.
وروي النعمان بن بشير قال: أغمي علي عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي واجبلاه، واكذا واكذا تعدد عليه.
فقال حين أفاق ما قلت شيئاً إلا قيل أنت كذاك.
فلما مات لم تبك عليه أخرجه البخاري.
وأنكرت عائشة رضي الله عنها حمله على ظاهره ووافقها ابن عباس فقالت: يرحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه " ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " وقالت: حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه فما قال شيئاً رواه مسلم، وحمله قوم

(2/431)


على من كان النوح سنته ولم ينه عنه أهله لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " وحمله آخرون على من أوصى بذلك في حياته كقول طرفة: إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي علي الجيب يا بنت معبد وقال آخر: من كان من أمهاتي باكيا أيدا * فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا ولا بد من حمل البكاء في هذا الحديث على البكاء الذي معه ندب ونياحه ونحو هذا بدليل ما قدمنا من الأحاديث (فصل) ويكره النعي، وهو أن يبعث منادياً ينادي في الناس أن فلاناً مات لتشهد جنازته، لما روى حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي.
قال الترمذي هذا حديث حسن، واستحب جماعة من أهل العلم أن لا يعلم الناس بجنائزهم منهم ابن مسعود وعلقمة والربيع بن خيثم وعمرو بن شرجبيل قال: اذا أنا مت فلا أنعى.
وقال كثير من أهل العلم لا بأس من أن يعلم بالرجل اخوانه ومعارفه وذوو الفضل من غير نداء.
قال إبراهيم النخعي لا بأس ان يعلم الرجل اخوانه وأصحابه انما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس: انعي فلانا كفعل أهل الجاهلية، وممن رخص في هذا أبو هريرة وابن عمر وابن سيرين، فروي عن ابن عمر أنه لما نعي له رافع بن خديج

(2/432)


قال: كيف تريدون أن تصنعوا به؟ قالوا: نحبسه حتى نرسل الى قباء والى من قد بات حول المدينة ليشهدوا جنازته.
قال: نعم ما رأيتم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي دفن ليلا " ألا أذنتموني " وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه متفق عليه، ولأن في كثرة المصلين عليه أجراً لهم ونفعاً للميت، فانه يحصل لكل مصل منهم قيراط من الأجر.
وروى الإمام أحمد بإسناده عن أبي المليح أنه صلى على جنازة فالتفت فقال: استووا ولتحسن شفاعتكم، ألا وانه حدثني عبد الله بن سليط عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة وكان أخاها من الرضاعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم يصلي عليه أمة من الناس إلا شفعوا فيه " فسألت أبا المليح عن الأمة؟ فقال أربعون.
آخر الصلاة والحمد لله رب العالمين