الشرح الكبير على متن المقنع

كتاب الزكاة قال ابن قتيبة: الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة سميت بذلك لأنها تثمر المال وتنميه، يقال زكا الزرع اذا كثر ريعه، وزكت النفقة اذا بورك فيها، وهي في الشريعة: حق يجب في المال، فعند اطلاق لفظها في الشرع تنصرف الى ذلك.
والزكاة أحد أركان الإسلام وهي واجبة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (وآتوا الزكاة) وأما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم

(2/433)


بعث معاذاً إلى اليمن فقال " أعلمهم إن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أعنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه.
وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة، فروى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب وكفر من كفر من العرب فقال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلا إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه، وحسابه على الله " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على
منعها.
قال عمر: فو الله ما هو إلا اني رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق رواه أبو داود وقال: لو منعوني عقالا قال أبو عبيد: العقال صدقة العام قال الشاعر: سعى عقالا فلم يترك لنا سبداً * فكيف لو قد سعى عمر وعقالين وقيل: كانوا اذا أخذوا الفريضة أخذوا معها عقالها، ومن روى عناقا ففي روايته دليل على جواز أخذ الصغيرة من الصغار * (مسألة) * (وتجب الزكاة في أربعة أصناف من المال: السائمة من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والاثمان، وعروض التجارة.
وسيأتي شرح ذلك في مواضعه إن شاء الله) ولا تجب في غير ذلك لأن الأصل عدم الوجوب وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة في الخيل الزكاة اذا كانت ذكوراً وإناثاً، فان كانت ذكوراً أو إناثاً مفردة ففيها روايتان.
وزكاتها دينار عن كل فرس، أو ربع عشر قيمتها، والخيرة في ذلك إلى صاحبها، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخيل السائمة " في كل فرس دينار " وعن عمر أنه كان يأخذ من الرأس عشرة، ومن الفرس

(2/434)


عشرة، ومن البر دون خمسة، ولأنه حيوان يطلب نماؤه لجهة السوم أشبه النعم ولنا قوله عليه السلام " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " متفق عليه.
وقوله عليه السلام " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " حديث صحيح، ولأن ما لا تخرج زكاته من جنسه لا تجب فيه الزكاة كسائر الدواب، وحديثهم برويه غورل السعدي وهو ضعيف.
وأما عمر فانما اخذ منهم شيئاً تبرعوا به وعوضهم عنه رزق عبيدهم.
كذلك رواه أحمد، والزكاة لا يؤخذ عنها عوض ولأن عمر حين عرضوا عليه ذلك شاور الصحابة فيه.
فقال علي: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك، فدل على أن أخذهم بذلك غير جائز، وقياسها على النعم لا يصح لكمال نفعها بدرها ولحمها ويضحى بجنسها وتكون هديا، وتجب الزكاة من عينها ويعتبر كمال نصابها، والخيل بخلاف ذلك والله أعلم * (مسألة) * (وقال أصحابنا تجب في المتولد بين الوحشي والأهلي) وسواء كانت الوحشية الفحول أو الأمهات.
وقال أبو حنيفة ومالك: إن كانت الامهات أهلية
وجبت الزكاة فيها وإلا فلا، لأن ولد البهيمة يتبع أمه.
وقال الشافعي: لا زكاة فيها لأنها متولدة من وحشي أشبه المتولد من وحشيين، وحجة أصحابنا انها متولدة بين ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب فوجب فيها الزكاة كالمتولد بين سائمة ومعلوقة، وزعم بعضهم ان غنم مكة متولدة بين الظباء والغنم وفيها الزكاة بالاتفاق.
فعلى هذا القول تضم الى جنسها من الاهلي في وجوب الزكاة وتكون كأحد أنواعه قال شيخنا والقول بانتفاء الزكاة فيها أصح لأن الاصل انتفاء الوجوب وانما يثبت بنص أو إجماع أو قياس ولا نص فيها ولا إجماع ولا قياس، لأن النص إنما هو في بهيمة الأنعام من الازواج الثمانية وليس هذا منها ولا داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها، فان المتولد بين شيئين منفرد باسمه وجنسه كالبغل، والسمع المتولد بين الضبع والذئب، فكذلك المتولد بين الظبي والمعز في كونه لا يجزي في

(2/435)


هدي ولا أضحية ولا دية، ولو وكل وكيلاً في شراء شاة لم يدخل في الوكالة ولا يحصل منه ما يحصل من الشاة من الدر وكثرة النسل.
بل الظاهر أنه لا نسل له كالبغل فامتنع القياس، فاذن ايجاب الزكاة فيه تحكم بغير دليل، فان قيل تجب الزكاة فيه احتياطا وتغليبا للايجاب كما أثبتنا التحريم فيها في الحرم والإحرام احتياطا لم يصح لأن الواجبات لا تثبت احتياطاً بالشك، ولهذا لا تجب الطهارة على من تيقنها وشك في الحدث.
وأما السوم والعلف فالاعتبار فيه بما تجب فيه الزكاة لا بأصله الذي تولد منه، بدليل أنها تجب في أولاد المعلوفة اذا أسامها، ولا تجب في أولاد السائمة اذا علفها، وقول من زعم أن غنم مكة متولدة من الظباء والغنم لا يصح وإلا لحرمت في الحرم والإحرام كسائر المتولد بين الوحشي والأهلي ولما كان لها نسل كالبغل والسمع * (مسألة) * (وفي بقر الوحش روايتان) احداهما فيها الزكاة اختارها أبو بكر لأن اسم البقر يشملها فتدخل في مطلق الخبر.
والثانية لا زكاة فيها وهي أصح وهو قول أكثر أهل العلم لأن اسم البقر عند الاطلاق لا ينصرف اليها، ولا تسمى بقراً إلا بالاضافة الى الوحش ولأنها حيوان لا يجزي نوعه في الأضحية والهدي فلم تجب فيه الزكاة كالظباء، وليست من بهيمة الأنعام فلم تجب فيها الزكاة كسائر الوحش.
يحقق ذلك أن الزكاة
إنما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النماء فيها من درها ونسلها وكثرة الانتفاع بها وخفة مؤنتها، وهذا المعنى مختص بها فاختصت الزكاة بها، ولا تجب الزكاة في الظباء لا نعلم فيه خلافا لعدم تناول اسم الغنم لها والله أعلم * (مسألة) * (ولا تجب إلا بشروط خمسة: الاسلام والحرية فلا تجب على كافر ولا عبد ولا مكاتب) لا تجب الزكاة على كافر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " إنك تأتي قوماً أهل كتاب

(2/436)


فادعهم إلى أن يشهدوا ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - إلى قوله - فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه.
فجعل الاسلام شرطاً لوجوب الزكاة، ولأنها أحد أركان الإسلام فلم تجب على كافر كالصيام، وذهب بعض العلماء إلى أنها تجب عليه في حال كفره بمعنى أنه يعاقب عليها اذا مات على كفره وهذا لا يتعلق به حكم فلا حاجة الى ذكره.
هذا حكم الكافر الاصلي، فأما المرتد فلنا فيه وجه أنه يجب عليه قضاء الزكاة في حال ردته اذا أسلم.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان مبنيان على زوال ملكه بالردة، فإن قلنا يزول فلا زكاة عليه، وإن قلنا لا يزول ملكه أو هو موقوف وجبت عليه لأنه حق التزمه بالاسلام فلم يسقط بالردة كحقوق الآدميين والأول ظاهر المذهب.
ولا تجب على عبد وهذا قول أكثر أهل العلم وروى عن عطاء وأبي ثور أنه يجب على العبد زكاة ماله ولنا أن العبد ليس بتام الملك فلم يلزمه زكاة كالمكاتب، ولأن الزكاة انما وجبت على سبيل المواساة وملك العبد ناقص لا يحتمل المواساة بدليل أنه لا تجب عليه نفقة أقاربه لكونها وجبت مواساة ولا يعتقون عليه، ولا تجب على مكاتب لأنه عبد لقوله عليه السلام " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " رواه أبو داود.
ولأن ملكه غير تام فهو كالعبد ولا نعلم احدا قال بوجوب الزكاة على المكاتب الا ابا ثور ذكره عنه ابن المنذر، واحتج أبو ثور بأن الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون والمرهون، وحكي عن أبي حنيفة أنه أوجب العشر في الخارج من أرضه بناء على أصله في أن العشر مؤونة الارض وليس بزكاة
ولنا ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا زكاة في مال المكاتب " رواه الفقهاء في كتبهم، ولان الزكاة تجب على طريق المواساة فلم تجب في مال المكابت كنفقة الاقارب وفارق المحجور عليه فانه منع التصرف لنقص تصرفه لا لنقص ملكه، والمرهون منع من التصرف فيه بعقده فلم يسقط حق

(2/437)


الله تعالى، ومتى كان منع التصرف فيه لدين لا يمكنه وفاؤه من غيره فلا زكاة عليه وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، فإن عجز المكاتب ورد في الرق صار ما في يده لسيده فاستقبل به حولا إن كان نصابا وإلا ضمه إلى ما في يده كالمستفاد، وإن أدى المكاتب ما عليه وبقي في يده نصاب فقد صار حراً تام الملك فيستأنف الحول من حين عتقه ويزكي كسائر الأحرار * (مسألة) * (فإن ملك السيد عبده مالاً وقلنا أنه يملكه فلا زكاة فيه، وإن قلنا لا يملكه فزكاته على سيده) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في زكاة مال العبد الذي ملكه اياه سيده فروي عنه زكاته على سيده هذا مذهب سفيان وأصحاب الرأي واسحق وعنه لا زكاة فيه على واحد منهما.
قال إبن المنذر وهذا قول ابن عمر وجابر والزهري وقتادة ومالك، وللشافعي قولان كالمذهبين.
وقال أبو بكر المسألة مبنية على الروايتين في ملك العبد بالتمليك (احداهما) لا يملك.
قال أبو بكر: وهو اختياري وهو ظاهر كلام الخرقي لأن العبد مال فلا يملك المال كالبهائم، فعلى هذا تكون زكاته على السيد لأنه ملك له في يد عبده فكانت زكاته عليه كالمال الذي في يد المضارب والوكيل (والثانية) يملك لانه آدمي يملك النكاح فملك المال كالحر ولأن قوله عليه السلام " من باع عبداً وله مال " يدل على أنه يملك، ولأنه بالآدمية يتمهد للملك من قبل أن الله تعالى خلق المال لبني آدم ليستعينوا به على القيام بوظائف العبادات، واعباء التكاليف قال الله تعالى (خلق لكم ما في الأرض جميعا) فبالآدمية يتمهد للملك كما تمهد للتكليف فعلى هذا لا زكاة على السيد في مال العبد لأنه لا يملكه، ولا على العبد لنقص ملكه والزكاة إنما تجب على تام الملك (فصل) ومن بعضه حر عليه زكاة ماله لأنه يملك بجزئه الحر ويورث عنه فملكه كامل فهو كالحر في وجوب الزكاة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وفيه لهم وجه آخر لا تجب لانه ناقص

(2/438)


أشبه القن والاول أولى، فأما أم الولد والمدبر فحكمها حكم القن لأنه لا حرية فيهما * (مسألة) * (الثالث ملك نصاب، فإن نقص عنه فلا زكاة فيه إلا أن يكون نقصاً يسيراً كالحبة والحبتين) ملك النصاب شرط لوجوب الزكاة لما يأتي في أبوابه مفصلا إن شاء الله، فإن نقص عن النصاب فلا زكاة فيه إن كان النقص كثيراً بالاتفاق، وإن كان يسيراً فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي أنه قال في نصاب الذهب اذا نقص ثمناً لا زكاة فيه.
اختاره أبو بكر وهو ظاهر قول الخرقي ومذهب الشافعي واسحق وابن المنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وقال " ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب صدقة " وروى عن أحمد أن نصاب الذهب اذا نقص ثلث مثقال زكاة وهو قول عمر بن عبد العزيز وسفيان، وإن نقص نصفاً لا زكاة فيه.
وقال أصحابنا إن كان النقص يسيراً كالحبة والحبتين وجبت الزكاة لأنه لا ينضبط غالباً فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين، وان كان نقصاً بيناً كالدانق والدانقين فلا زكاة فيه.
وقال مالك: إذا نقص نقصاً يسيراً يجوز جواز الوازنة وجبت الزكاة لأنها تقوم مقام الوازنة أشبهت الوازنة والاول ظاهر الاخبار فينبغي أن لا يعدل عنه * (مسألة) * (وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا في السائمة) فلا شئ في أوقاصها على ما يأتي بيانه.
واتفقوا على زيادة الحب أن الزكاة تجب فيها بالحساب، واختلفوا في زيادة الذهب والفضة فروي وجوب الزكاة فيها عن علي وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال عمر ابن عبد العزيز والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر، وقال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن والشعبى ومكحول والزهري وعمر وبن دينار وأبو حنيفة: لا شئ في زيادة الدراهم حتى تبلغ أربعين، ولا في زيادة الذهب حتى تبلغ أربعة دنانير لقوله عليه السلام " من كل أربعين درهما درهما " وعن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا

(2/439)


بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم، ثم لا شئ فيه حتى يبلغ إلى أربعين درهماً " ولان له عفواً في
الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالسائمة ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهما، وليس عليكم شئ حتى يتم مائتين، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك " رواه الأثرم والدارقطني، وروي ذلك عن علي وابن عمر موقوفاً عليهما ولم نعرف لهما مخالفاً في الصحابة فيكون إجماعاً، ولأنه مال يتجزاء فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب، وما احتجوا به من الخبر الاول فهو احتجاج بدليل الخطاب والمنطوق راجح عليه، والخبر الثاني يرويه أبو العطوف الجراح بن منهال وقد قال الدارقطني هو متروك الحديث.
وقال مالك هو دجال، ويرويه عن عبادة بن نسي عن معاذ ولم يلق عبادة معاذاً فيكون منقطعاً والماشية يشق تشقيصها بخلاف الاثمان * (مسألة) * (والشرط الرابع تمام الملك) فلا زكاة في دين المكاتب بغير خلاف علمناه لنقصان الملك فيه فإن له أن يعجز نفسه ويمتنع من أدائه * (مسألة) * (ولا تجب في السائمة الموقوفة ولا في حصة المضارب من الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما) لا تجب زكاة في السائمة الموقوفة لأن الملك لا يثبت فيها في وجه وفي وجه يثبت ناقصاً لا يتمكن من التصرف فيها بأنواع التصرفات، وذكر شيخنا في هذا الكتاب المشروح وجهاً آخر أن الزكاة تجب فيها، وذكره القاضي ونقل مهنا عن أحمد ما يدل على ذلك لعموم قوله عليه السلام " في أربعين شاة شاة " ولعموم غيره من النصوص، ولأن الملك ينتقل إلى الموقوف عليه في الصحيح من المذهب أشبهت سائر املاكه وللشافعية وجهان كهذين فإذا قلنا بوجوب الزكاة فيه فينبغي أن يخرج من غيره لأن الوقف لا يجوز نقل الملك فيه

(2/440)


(فصل) فأما حصة المضارب من الربح قبل القسمة فلا تجب فيها الزكاة نص عليه أحمد في رواية صالح وابن منصور فقال: اذا احتسبا يزكي المضارب اذا حال الحول من حين احتسبا لانه علم ماله في المال، ولأنه اذا أبضع بعد ذلك كانت الوضيعة على صاحب المال يعني اذا اقتسما لان القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة فقول أحمد يدل على أنه أراد بالمحاسبة القسمة لقوله: إن الوضيعة
تكون على رب المال وهذا انما يكون بعد القسمة وهذا اختيار شيخنا، واختار أبو الخطاب وجوب الزكاة فيها من حين ظهور الربح اذا كملت نصابا إلا إذا قلنا أن الشركة تؤثر في غير الماشية لان العامل يملك الربح بظهوره فاذا ملكه جرى في الحول الزكاة، ولان من أصلنا أن الزكاة تجب في الضال والمغصوب وإن كان رجوعه مظنوناً كذلك هذا ولنا أن المضارب لا يملك الربح بالظهور على رواية وعلى رواية يملكه ملكا غير تام لأنه وقاية لرأس المال فلو نقصت قيمة الاصل أو خسر فيه أو تلف بعضه لم يحصل للمضارب، ولانه ممنوع من التصرف فيه فلم يكن فيه زكاة كمال المكاتب.
ولان ملكه لو كان تاما لاختص بربحه كما لو اقتسما ثم خلطا المال والأمر بخلاف ذلك، فإن من دفع الى رجل عشرة مضاربة فربح فيها عشرين ثم اتجر فربح ثلاثين، فان الخمسين التي ربحها بينهما نصفان، ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح لملك من العشرين الاولى عشرة واختص بربحها وهي عشرة من الثلاثين وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين فيصير للمضارب ثلاثون وفارق المغصوب والضال، فان الملك فيه تام وانما حيل بينه وبينه بخلاف مسئلتنا ومن أوجب الزكاة على المضارب فانما يوجبها عليه إذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصاباً أو يضمها إلى ما عنده من جنس المال أو من الاثمان إلا إذا قلنا أن الشركة تؤثر في غير السائمة، وليس عليه اخراجها قبل القسمة كالدين، وإن أراد اخراجها من المال قبل القسمة لم يجز لأن الربح وقاية

(2/441)


لرأس المال، ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الاسلام، ومن حكمه وجوب الزكاة واخراجها من المال: (فصل) وإن دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد ربح ألفين فعلى رب المال زكاة ألفين، وقال الشافعي في أحد قوليه: عليه زكاة الجميع لأن الأصل له والربح إنما نمى ولنا أن حصة المضارب له دون رب المال لأن للمضارب المطالبة بها، ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال لم يلزمه قبوله، ولا يجب على الانسان زكاة ملك غيره وقوله: إنما نمى ماله قلنا إلا أنه لغيره فلم تجب عليه زكاته كما لو وهب نتاج سائمته لغيره.
إذا ثبت هذا فإنه يخرج الزكاة من المال لأنها من مؤنته فكانت منه كمؤنة حمله ويحسب من الربح لأنه وقاية لرأس المال.
* (مسألة) * (ومن كان له دين على ملي من صداق أو غيره زكاه اذا قبضه لما مضى) الدين على ضربين أحدهما دين على معترف به باذل له فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه اخراجها حتى يقبضه فيزكيه لما مضى.
يروي ذلك عن علي رضي الله عنه، وبهذا قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال عثمان بن عفان وابن عمر وجابر وطاوس والنخعي وجابر بن زيد والحسن والزهري وقتادة والشافعي وإسحق وأبو عبيد: عليه اخراج الزكاة في الحال وإن لم يقبضه لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه أشبه الوديعة، وروي عن عائشة وابن عمر: ليس في الدين زكاة وهو قول عكرمة لانه غير تام فلم تجب زكاته كعرض القنية، وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وأبي الزناد يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة.
ولنا ان ملكه يقدر على قبضه والانتفاع به فلزمته زكاته لما مضى كسائر أمواله، ولا يجب عليه زكاته قبل قبضه لأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الاخراج قبل قبضه كالدين على المعسر ولان الزكاة تجب على سبيل المواساة وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به وأما المستودع فهو كالذي في يده لأن المستودع نائب عنه فيده كيده.

(2/442)


* (مسألة) * (وفي الدين على غير الملي والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان) هذا الضرب الثاني وهو الدين على المماطل والمعسر والمجحود الذي لا بينة به والمغصوب والضال حكمه حكم الدين على المعسر وفي ذلك كله روايتان، إحداهما لا تجب فيه الزكاة وهو قول قتادة واسحق وأبي ثور وأهل العراق لأنه مال ممنوع منع غير قادر على الإنتفاع به أشبه الدين على المكاتب والرواية الثانية: يزكيه اذا قبضه لما مضى، وهو قول الثوري وأبي عبيد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين المظنون ان كان صادقا فليزكه اذا قبضه لما مضى، وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد ولأنه مال يجوز التصرف فيه أشبه الدين على الملئ ولأن ملكه فيه تام أشبه ما لو نسي عند من أودعه؟ وللشافعي قولان كالروايتين وعن عمر بن عبد العزيز والحسن والليث والاوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد لأنه كان في ابتداء الحول في يده، ثم حصل بعد ذلك في يده فوجب أن لا تسقط الزكاة عن حول واحد.
ولنا أن هذا المال في جميع الأحوال على حال واحد فوجب أن يتساوى في وجوب الزكاة أو سقوطها كسائر الاموال.
قولهم إنه حصل في يده في كل الحول (قلنا) هذا لا يوثر لأن المانع إذا وجد في بعض الحول منع كنقص النصاب ولا فرق بين كون الغريم يجحده في ظاهر دون الباطن أو فيهما (فصل) وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن البراءة تصح من المؤجل ولولا أنه مملوك لم تصح منه البراءة لكنه في حكم الدين على المعسر لتعذر قبضه في الحال.
(فصل) ولو أجر داره سنين باربعين ديناراً ملك الاجرة من حين العقد وعليه زكاة الجميع اذا حال الحول لأن ملكه عليها تام بدليل جواز التصرف فيها بأنواع التصرفات ولو كانت جارية كان له وطؤها وكونها بعرض الرجوع لانفساخ العقد لا يمنع وجوب الزكاة كالصداق قبل الدخول ثم إن

(2/443)


كان قد قبض الأجرة أخرج الزكاة منها، وإن كانت ديناً فهي كالدين معجلاً أو مؤجلاً، وقال ابن أبي موسى فيه رواية أنه يزكيه في الحال كالمعدن، والصحيح الاول لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " وكما لو ملكه بهبة أو ميراث أو نحوه، وقال مالك وأبو حنيفة لا يزكيها حتى يقبضها ويحول عليها حول بناء على أن الاجرة انما تستحق بانفضاء مدة الاجارة وهذا يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى.
(فصل) ولو اشترى شيئاً بعشرين ديناراً أو أسلم نصابا في شئ فحال الحول قبل أن يقبض المشتري المبيع أو المسلم فيه والعقد باق فعلى البائع والمسلم اليه زكاة الثمن لأن ملكه ثابت فيه فان انفسخ العقد لتلف المبيع أو تعذر السلم فيه وجب رد الثمن وزكاته على البائع والمسلم اليه.
(فصل) والغنيمة يملك الغانمون أربعة أخماسها بانقضاء الحرب فان كانت جنساً واحداً تجب فيه الزكاة كالاثمان والسائمة، ونصيب كل واحد منهم نصاب فعليه زكاته اذا انقضى الحول ولا يلزمه اخراج زكاته قبل قبضه كالدين على الملئ، وإن كان دون النصاب فلا زكاة فيه إلا أن يكون أربعة أخماسها يبلغ النصاب فتكون خلطة ولا تضم الى الخمس لانه لا زكاة فيه فان كانت أجناساً كأبل وبقر وغنم فلا زكاة على واحد منهم لأن للإمام أن يقسم بينهم قسمة تحكم فيعطي لكل واحد منهم
من أي أصناف المال شاء فما تم ملكه على شئ معين بخلاف الميراث.
(فصل) وقد ذكرنا أن حكم المال المغصوب حكم الدين على المعسر على ما فيه من الخلاف فإن كان سائمة وكانت معلوفة عند صاحبها وغاصبها فلا زكاة فيها لفقدان الشرط، وإن كانت سائمة عندهما ففيها الزكاة على الرواية في وجوب الزكاة في المغصوب، وإن كانت معلوفة عند المالك سائمة عند الغاصب ففيه ووجهان أحدهما لا زكاة فيها لأن صاحبها لم يرض باسامتها فلم تجب عليه الزكاة

(2/444)


بفعل الغاصب كما لو رعت من غير أن يسيمها.
والثاني عليه الزكاة لان السوم يوجب الزكاة من المالك فاوجبها من الغاصب كما لو كانت سائمة عندهما وكما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر فيما خرج منه، وإن كانت سائمة عند المالك، معلوفة عند الغاصب، فلا زكاة فيها لفقدان الشرط، وقال القاضي فيه وجه آخر أن الزكاة تجب فيها لان العلف محرم فلم يؤثر في الزكاة كما لو غصب اثمانا فصاغها حلياً، قال أبو الحسن الآمدي هذا هو الصحيح لأن العلف انما أسقط الزكاة لما فيه من المؤنة ولا مؤنة عليه هاهنا.
ولنا أن السوم شرط لوجوب الزكاة وقد فقد فلم يجب كنقص النصاب.
(قوله) إن العلف محرم ممنوع انما المحرم الغصب والعلف تصرف في ماله باطعامها اياه ولا تحريم فيه ولهذا لو علفها عند مالكها لم يحرم عليه، وما ذكره الآمدي من خفة المؤنة غير صحيح فإن الخفة لا تعتبر بنفسها وانما تعتبر بمظنتها وهو السوم ثم يبطل ما ذكراه بالمعلوفة عندهما جميعاً، ويبطل ما ذكره القاضي بما اذا علفها مالكها علفاً محرماً أو أتلف شاة من النصاب فانه محرم وتسقط به الزكاة وأما إذا غصب ذهباً فصاغه حليا فلا يشبه ما اختلفنا فيه، لان العلف فات به شرط الوجوب والصياغة لم يفت بها شئ وإنما اختلف في كونها مسقطة بشرط كونها مباحة فاذا كانت محرمة لم يوجد شرط الاسقاط، ولان المالك لو علفها علفاً محرما سقطت الزكاة ولو صاغها صياغة محرمة لم تسقط فافترقا.
ولو غصب حليا مباحا فكسره أو ضربه نقداً وجبت فيه الزكاة لأن المسقط لها زال ويحتمل أن لا يجب كما لو غصب معلوفة فأسامها.
ولو غصب عروضا فاتجر فيها لم تجب فيها الزكاة

(2/445)


لأن نية التجارة شرط ولم توجد من المالك، وسواء كانت للتجارة عند مالكها أولا لأن بقاء النية شرط ولم ينو التجارة بها عند الغاصب، ويحتمل أن تجب فيها الزكاة اذا كانت للتجارة عند مالكها واستدام النية لأنها لم تخرج عن ملكه بغصبها وإن نوى بها الغاصب القنية.
وكل موضع أوجبنا الزكاة فعلى الغاصب ضمانها لأنه نقص حصل في يده فضمنه كتلفه * (فصل) * إذا ضلت واحدة من النصاب أو أكثر أو غصبت فنقص النصاب فالحكم فيه كما لو ضل جميعه أو غصب لأن كمال النصاب شرط لوجوب الزكاة لكن إن قلنا بوجوب الزكاة فعليه الاخراج عن الموجود عنده، واذا رجع الضال والمغصوب أخرج عنه كما لو رجع جميعه (فصل) وإن أسر المالك لم تسقط الزكاة عنه سواء حيل بينه وبين ماله أو لم يحل لأن تصرفه في ماله نافذ يصح بيعه وهبته وتوكيله فيه.
وقال بعض أصحاب الشافعي يخرج فيه وجه أنه لا تجب فيه الزكاة اذا حيل بينه وبينه كالمغصوب (فصل) وإن ارتد قبل مضي الحول، وحال الحول وهو مرتد فلا زكاة عليه لان الاسلام شرط لوجوب الزكاة فعدمه في بعض الحول يسقط الزكاة كالملك، وإن رجع إلى الإسلام قبل مضي الحول استأنف حولا لما ذكرنا نص عليه أحمد فأما إن ارتد بعد الحول لم تسقط عنه الزكاة وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة تسقط لأن من شرطها النية فسقطت بالردة كالصلاة ولنا أنه حق مالي فلا يسقط بالردة كالدين.
وأما الصلاة فلا تسقط أيضاً لكن لا يطالب بفعلها لأنها لا تصح منه ولا تدخلها النيابة فإذا عاد لزمه قضاؤها، والزكاة تدخلها النيابة ويأخذها الامام

(2/446)


من الممتنع فكذا هاهنا يأخذ الامام منه ماله فإن أسلم بعد أخذها لم يلزمه أداؤها لانها سقطت بأخذ الامام كسقوطها بالاخذ من المسلم الممتنع.
ويحتمل أن لا تسقط لأنها عبادة فلا تصح بغير نية.
وأصل هذا إذا أخذ من المسلم الممتنع قهراً.
وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وإن أخذها غير الإمام أو نائبه لم تسقط عنه لأنه لا ولاية له عليه فلا يقوم مقامه بخلاف نائب الامام وان أداها في حال ردته لم يجزه
لأنه كافر فلا تصح منه لكونها عبادة كالصلاة (فصل) وحكم الصداق حكم الدين لأنه دين للمرأة في ذمة الرجل.
فإن كان على ملئ وجبت فيه الزكاة فاذا قبضته أدت لما مضى، وان كان على جاحد أو معسر فعلى الروايتين، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده لأنه دين في الذمة فهو كثمن مبيعها، فان سقط نصفه بطلاقها قبل الدخول وقبضت النصف فعليها زكاة ما قبضته خاصة لأنه دين لم تتعوض عنه، ولم تقبضه فأشبه ما تعذر قبضه لفلس أو جحد.
وكذلك لو سقط الصداق كله قبل قبضه لانفساخ النكاح بسبب من جهتها ليس عليها زكاة لما ذكرنا، ويحتمل أن تجب عليها زكاة لأن سقوطه بسبب من جهتها أشبه الموهوب.
وكذلك كل دين سقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه.
أو أيس صاحبه من استيفائه.
والمال الضال اذا أيس منه فانه لا زكاة على صاحبه لأن الزكاة مواساة فلا تلزمه المواساة الا مما حصل له، وإن كان الصداق نصابا فحال عليه الحول ثم سقط نصفه وقبضت النصف فعليها زكاة النصف المقبوض لأن الزكاة وجبت فيه ثم سقطت من نصفه لمعنى اختص به فاختص السقوط به، وإن مضى عليه حول قبل قبضه ثم قبضته كله زكته لذلك الحول وان مضت عليه أحوال قبل قبضه ثم قبضته زكته لما مضى كله وقال أبو حنيفة لا تجب الزكاة عليها ما لم تقبضه لأنه بدل عما ليس بمال فلم تجب الزكاة فيه قبل قبضه كدين الكتابة

(2/447)


ولنا أنه دين يستحق قبضه ويجبر المدين على أدائه فوجبت فيه الزكاة كثمن المبيع بخلاف دين الكتابة يستحق قبضه وللمكاتب الامتناع من أدائه ولا يصح قياسهم عليه لأنه عوض عن مال (فصل) وإن قبضت صداقها قبل الدخول ومضى عليه حول فزكته ثم طلقها الزوج قبل الدخول رجع عليها بنصفه وكانت الزكاة من النصف الباقي لها.
وقال الشافعي في قول يرجع الزوج بنصف الموجود ونصف قيمة المخرج لأنه لو تلف الكل رجع عليها بنصف قيمته فكذلك اذا تلف البعض ولنا قوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ولأنه يمكنه الرجوع في العين فلم يكن له الرجوع إلى القيمة كما لو لم يتلف منه شئ ويخرج على هذا إذا تلف كله لعدم إمكان الرجوع في العين، وإن طلقها بعد الدخول وقبل الاخراج لم يكن لها الاخراج من النصاب لأن حق الزوج تعلق به على وجه الشركة
والزكاة لا نتعلق به على وجه الشركة لكن يخرج الزكاة من غيره أو يقتسمانه ثم تخرج الزكاة من حصتها فإن طلقها قبل الدخول ملك النصف مشاعا، وكان حكم ذلك كما لو باعت نصفه قبل الحول مشاعا وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى (فصل) فإن كان الصداق دينا فأبرأت الزوج منه بعد مضي الحول ففيه روايتان إحداهما عليها الزكاة لانها تصرفت فيه أشبه ما لو قبضته، والثانية زكاته على الزوج لأنه ملك ما ملك عليه فكأنه لم يزل ملكه عنه.
والاول أصح وما ذكرناه لهذه الرواية لا يصح فإن الزوج لم يملك شيئاً وإنما

(2/448)


سقط عنه ثم لو ملك في الحال لم يقنض هذا وجوب زكاة ما مضى.
ويحتمل أن لا تجب الزكاة على واحد فيهما لم ذكرنا في الزوج.
وأما المرأة فلم تقبض الدين أشبه ما لو سقط بغير إسقاطها.
وهذا إذا كان الدين مما تجب فيه الزكاة اذا قبضته، وكل دين على إنسان ابرأه صاحبه منه بعد مضي الحول عليه فحكمه حكم الصداق فيما ذكرنا.
قال أحمد: إذا وهبت المرأة مهرها لزوجها وقد مضى له عشر سنين فان الزكاة على المرأة لأن المال كان لها، واذا وهب رجل لرجل مالا فحال الحول ثم ارتجعه الواهب فالزكاة على الذي كان عنده.
وقال في رجل باع شريكه نصيبه من داره لم يعطه شيئاً فلما كان بعد سنة قال ليس عندي دراهم فأقلني فأقاله قال عليه أن يزكي لأنه قد ملكه حولا * (مسألة) * (قال الخرقي: واللقطة إذا جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعاً منها) قد ذكرنا في المال الضائع روايتين وهذا منه وعلى مقتضى قول الخرقي أن الملتقط لو لم يملكها كمن لم يعرفها فانه زكاة على ملتقطها.
واذا جاء ربها زكاها للزمان كله واذا كانت ماشية فانما تجب عليه زكاتها اذا كانت سائمة عند الملتقط.
فان علفها فلا زكاة على صاحبها على ما ذكرنا في المغصوب

(2/449)


(فصل) وزكاتها بعد الحول الاول على الملتقط في ظاهر المذهب لأن اللقطة تدخل في ملكه كالميراث فتصير كسائر ماله يستقبل بها حولا، وعند أبي الخطاب أنه لا يملكها حتى يختار ذلك وهو مذهب الشافعي وسنذكر ذلك إن شاء الله في بابه.
وحكى القاضي في موضع ان الملتقط اذا
ملكها وجب عليه مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها إن لم تكن مثلية وهو مذهب الشافعي.
ومقتضى هذا ان لا تجب عليه زكاتها لانه دين فمنع الزكاة كسائر الديون.
وقال ابن عقيل يحتمل أن لا تجب الزكاة فيها لمعنى آخر وهو أن ملكه غير مستقر عليها، ولصاحبها أخذها منه متى وجدها.
والمذهب الأول، وما ذكره القاضي يفضي الى ثبوت معاوضة في حق من لا ولاية عليه بغير فعله ولا اختياره ويقتضي ذلك أن يمنع الدين الذي عليه الميراث والوصية كسائر الديون، والأمر بخلافه.
وما ذكره بن عقيل يبطل بما وهبه الأب لولده، وبنصف الصداق فان لهما استرجاعه ولا يمنع وجوب الزكاة * (مسألة) * (ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين) وجملة ذلك أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة، وهي الاثمان وعروض التجارة وبه قال عطاء وسليمان بن يسار والحسن والنخعي والليث ومالك والثوري والاوزاعي واسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال ربيعة وحماد بن أبي سليمان والشافعي في الجديد لا يمنع لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه

(2/450)


ولنا ما روى السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم.
رواه أبو عبيد في الاموال، وفي لفظ: من كان عليه دين فليقض دينه، وليترك بقية ماله.
قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان لرجل ألف درهم، وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه " وهذا نص، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، فأردها في فقرائكم " فدل على أنها إنما تجب على الاغنياء ولا تدفع الا الى الفقراء، وهذا ممن يحل له أخذ الزكاة فيكون فقيراً فلا تجب عليه الزكاة لانها إنما تجب على الاغنياء للخبر، وكذلك قوله عليه السلام " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " فأما من لا دين عليه فهو غني بملك النصاب فهو بخلاف هذا يحقق هذا أن الزكاة انما وجبت مواساة للفقراء وشكراً لنعمة الغنى، والمدين محتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد، وليس من الحكمة تعطيل
حاجة الملك لدفع حاجة غيره وقد قال عليه الصلاة والسلام " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " إذا ثبت ذلك فظاهر كلام شيخنا أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لما ذكرنا من الأدلة.
وقال ابن أبي موسى ان المؤجل لا يمنع وجوب الزكاة لانه غير مطالب به في الحال (فصل) فأما الاموال الظاهرة وهي المواشي والحبوب والثمار ففيها روايتان: إحداهما أن الدين يمنع وجوب الزكاة فيها لما ذكرنا.
قال أحمد في رواية إسحق بن ابراهيم: يبتدئ بالدين

(2/451)


فيقضيه ثم ينظر ما بقي عنده بعد اخراج النفقة فيزكيه، ولا يكون على أحد - دينه أكثر من ماله - صدقة في إبل أو بقر أو غنم أو زرع وهذا قول عطاء والحسن والنخعي وسليمان بن يسار والثوري والليث وإسحق.
والرواية الثانية لا يمنع الزكاة فيها وهو قول مالك والاوزاعي والشافعي، وروى عن أحمد انه قال: قد اختلف ابن عمر وابن عباس فقال ابن عمر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي، وقال الآخر: يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته ويزكي ما بقي، واليه أذهب أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته ويزكي ما بقي لأن المصدق اذا جاء فوجد إبلا أو بقراً أو غنما لم يسأل أي شئ على صاحبها من الدين؟ وليس المال هكذا، فظاهر ذلك أن هذه رواية ثالثة وهو أنه لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزروع والثمار فيما استدانه للانفاق عليها خاصة.
وهذا ظاهر كلام الخرقي.
وقال أبو حنيفة: الدين الذي تتوجه به المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزروع والثمار بناء منه على ان الواجب فيها ليس بصدقة.
والفرق بين الأموال الباطنة والظاهرة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها، ولهذا يشرع ارسال السعاة لأخذها من أربابها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة فيأخذون الصدقات من أربابها وكذلك الخلفاء بعده ولم يأت عنهم انهم طالبوا أحداً بصدقة الصامت ولا استكرهوه عليها إلا أن يأتي بها طوعا، ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدين، فدل أنه لا يمنع زكاتها، ولأن تعلق الاطماع من الفقراء بها أكثر، والحاجة الى حفظها أوفر، فتكون الزكاة فيها أوكد

(2/452)


(فصل) وإنما يمنع الدين الزكاة اذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو مالا يستغني عنه مثل أن يكون له عشرون مثقالاً وعليه مثقال أو أقل مما ينقص به النصاب اذا قضاه ولا يجد له قضاء من غير النصاب، فان كان ينقص به النصاب أسقط مقدار الدين وأخرج زكاة الباقي، فإن كان له ثلاثون مثقالا وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين، وان كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه.
وكذلك لو ان له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الاربعين، وإن قابل إحدى وستين فلا زكاة عليه لأنه ينقص النصاب، وإن كان له مالان من جنسين وعليه دين جعلته في مقابلة ما يقضي منه، فلو كان عليه خمس من الإبل وله خمس من الإبل ومائتا درهم فان كانت عليه سلماً أو دية أو نحو ذلك مما يقضى بالابل جعلت الدين في مقابلتها ووجبت عليه زكاة الدراهم، فان كان أتلفها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم لانها تقضى منها، وإن كانت قرضاً خرج على الوجهين فيما يقضي منه، فإن كانت إذا جعلناها في مقابلة أحد المالين فضلت منها فضلة تنقص النصاب الآخر، واذا جعلناها في مقابلة الآخر لم يفضل منها شئ كرجل له مائتا درهم وخمس من الابل وعليه ست من الابل قيمتها مائتا درهم اذا جعلناها في مقابلة المائتين لم يبق من الدين شئ ينقص نصاب السائمة، وان جعلناها في مقابلة الابل فضل منها بعير ينقص نصاب الدراهم أو كانت بالعكس مثل أن يكون عليه مائتان وخمسون درهماً وله من الابل خمس أو أكثر تساوي الدين أو تفضل عليه - جعلنا الدين في مقابلة الابل هاهنا وفي مقابلة الدراهم في الصورة الأولى لأن له من المال ما يقضي به الدين سوى النصاب، وكذلك إن كان عليه مائة درهم وله مائتا درهم

(2/453)


وتسع من الابل فاذا جعلناها في مقابلة الابل لم ينقص نصابها لكون الأربع الزائدة عنه تساوي المائة أو أكثر منها، وإن جعلناها في مقابلة الدراهم سقطت الزكاة منها جعلناها في مقابلة الابل لما ذكرنا ولأن ذلك أحظ للفقراء، ذكر القاضي نحو هذا فقال: إذا كان النصابان زكويين جعلت الدين في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته وإن كان من غير جنس الدين، وإن كان أحد المالين لا زكاة فيه والآخر فيه الزكاة كرجل عليه مائتا درهم وله مثلها وعروض للقنية تساوي مائتين
فقال القاضي يجعل الدين في مقابلة العروض وهذا مذهب مالك وأبي عبيد، قال أصحاب الشافعي وهو مقتضى قوله لانه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه فوجبت عليه زكاتها كما لو كان جميع ماله جنساً واحداً وهذا ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه انه يجعل الدين في مقابلة ما يقضى عنه، فإنه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف، إن كانت العروض للتجارة زكاها، وإن كانت لغير التجارة فليس عليه شئ وهذا مذهب أبي حنيفة.
ويحكى عن الليث بن سعد لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح فجعل الدين في مقابلة أولى كما لو كان النصابان زكويين قان شيخنا: ويحتمل أن يحمل كلام أحمد هاهنا على ما إذا كان العرض يتعلق به حاجته الأصلية ولا فضل فيه عن حاجته فلا يلزمه صرفه في وفاء الدين لان حاجته أهم، ولذلك لم تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال ويكون قول القاضي محمولا على من كان العرض فاضلا عن حاجته، وهذا أحسن لأنه في هذه الحال مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينه فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين.
فأما إن كان عنده نصابان زكويان وعليه دين من غير جنسهما ولا يقضى من أحدهما فانك تجعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته * (مسألة) * (والكفارة كالدين في أحد الوجهين)

(2/454)


دين الله تعالى كالنذر والكفارة فيه وجهان: أحدهما يمنع الزكاة لانه دين يجب قضاؤه فهو كدين الآدمي وقد قال عليه السلام " دين الله أحق أن يقضى " والآخر لا يمنع لأن الزكاة آكد منه لتعلقها بالعين فهي كأرش الجناية، ويفارق دين الآدمي لتأكده وتوجه المطالبة به فان نذر الصدقة بمعين فقال الله على إن أتصدق بهذه المائتي درهم اذا حال الحول.
فقال ابن عقيل: يخرجها ولا زكاة عليه لأن النذر آكد لتعلقه بالعين والزكاة مختلف فيها، ويحتمل أن تلزمه زكاتها وتجزيه الصدقة بها إلا أنه ينوي الزكاة بقدرها ويكون ذلك صدقة مجزية عن الزكاة والنذر لكون الزكاة صدقة وباقيها يكون صدقة لنذره وليس بزكاة، وإن نذر الصدقة ببعضها وكان ذلك البعض قدر الزكاة أو أكثر.
فعلى هذا الاحتمال يخرج المنذور وبنوي الزكاة بقدرها منه، وعلى قول ابن عقيل يحتمل أن
تجب الزكاة عليه لان النذر انما تعلق بالبعض بعد وجود سبب الزكاة وتمام شرطه فلا يمنع الوجوب لكون المحل متسعاً لهما جميعاً، وإن كان المنذور أقل من قدر الزكاة وجب قدر الزكاة ودخل النذر فيه في أحد الوجهين، وفي الآخر يجب إخراجهما جميعاً (فصل) وإذا قلنا لا يمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة فحجر الحاكم عليه بعد وجوب الزكاة لم يملك اخراجها لأنه قد انقطع تصرفه في ماله وإن أقربها بعد الحجر لم يقبل إقراره ويتعلق بذمته كدين الآدمي، ويحتمل أن تسقط إذا حجر عليه قبل امكان ادائها كما لو تلف ماله، فإن أقر الغرماء بوجوب الزكاة عليه أو ثبت ببينة أو كان قد أقر بها قبل الحجر عليه وجب اخراجها من المال

(2/455)


فان تركوها فعليهم اثمها، فان حجر الحاكم على المفلس في أمواله الزكوية فهل ينقطع حولها - يخرج على الروايتين في المال المغصوب وقد ذكرناه (فصل) وإذا جنى العبد المعد للتجارة جناية تعلق أرشها برقبته ومنع وجوب الزكاة فيه إن كان ينقص النصاب لانه دين وان لم ينقص النصاب منع الزكاة في قدر ما يقابل الارش * (مسألة) * (الشرط الخامس مضي الحول شرط إلا في الخارج من الأرض) مضي الحول شرط لوجوب الزكاة في السائمة والاثمان وعروض التجارة لا يعلم في ذلك خلافا إلا ما نذكره في المستفاد.
والأصل فيه ما روى ابن ماجة بإسناده عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " رواه ابن عمر أيضاً وأخرجه الترمذي وهو لفظ عام.
فأما ما يكال ويدخر من الزروع والثمار والمعدن فلا يعتبر لهما حول، والفرق بين ما اعتبر له الحول وما لا يعتبر أن ما اعتبر له الحول مرصد للنماء، فالماشية مرصدة للدر والنسل، وعروض التجارة مرصدة للربح، وكذا الاثمان فاعتبر له الحول لكونه مظنة النماء ليكون إخراج الزكاة من الربح فانه أسهل وأيسر، ولأن الزكاة انما وجبت مواساة ولم يعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه وعدم ضبطه ولأن ما اعتبرت مظنته لم يلتفت إلى حقيقته كالحكم مع الاسباب، ولان الزكاة تتكرر في هذه الاموال فلا بد لها من ضابط كيلا يفضي إلى تعاقب الوجوب في الزمن الواحد فينفذ مال المالك.
أما الزروع والثمار فهي نماء في نفسها تتكامل عند اخراج الزكاة منها فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ثم تعود في النقص
بملا تجب فيها زكاة ثانية لعدم ارصادها للنماء، وكذلك الخارج من المعدن مستفاد خارج من الارض فنزلة الزروع والثمار إلا أنه إن كان من جنس الأثمان وجبت وجبت فيه الزكاة عند كل حول لانه مظنة

(2/456)


للنماء من حيث إن الأثمان قيم الأموال ورؤوس مال التجارات وبها تحصل المضاربة والشركة وهي مخلوقة لذلك فكانت بأصلها وخلقتها كمال التجارة المعد لها * (مسألة) * (فإذا استفاد مالا فلا زكاة حتى يتم عليه الحول الانتاج السائمة وربح التجارة فإن حوله حول مثله إن كان نصابا، وإن لم يكن نصابا فحوله من حين كمل النصاب) وجملة ذلك أن من استفاد مالا زكويا مما يعتبر له الحول ولم يكن له مال سواه وكان المستفاد نصاباً أو كان له مال من جنسه لا يبلغ نصابا فبلغ بالمستفاد نصابا انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ، فاذا تم وجبت فيه الزكاة لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " وهذا مذهب الشافعي واسحق وأبي ثور وأصحاب لرأي لانه لم يحل الحول على النصاب فلم تجب الزكاة فيها كما لو كملت بغير سخالها، والحكم في فصلان الابل وعجول البقر كالحكم في السخال، وعن أحمد فيمن ملك النصاب من الغنم فكمل بالسخال احتسب الحول من حين ملك الامهات وهو قول مالك والمذهب الأول لأن النصاب هو السبب فاعتبر مضي الحول على جميعه.
وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام: أحدها أن يكون من نمائه كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله في الحول لا نعلم في ذلك خلافاً إلا ما حكي عن الحسن والنخعي: لا زكاة في السخال حتى يحول عليها الحول للحديث المذكور، والأول أولى لقول عمر رضي الله عنه لساعيه: اعتد عليهم بالسخلة

(2/457)


يروح بها الراعي على يديه.
والحديث مخصوص بربح التجارة لأنه تبع له من جنسه أشبه زيادة القيمة في العروض وثمن العبد والجارية القسم الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس النصاب فهذا له حكم نفسه لا يضم الى ما عنده
في حول ولا نصاب، بل إن كان نصابا استقبل به حولا وزكاه والا فلا شئ فيه وهذا قول جمهور العلماء.
وروي عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاده.
قال أحمد عن غير واحد: يزكيه حين يستفيده.
وعن الأوزاعي فيمن باع عبده انه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله، وجمهور العلماء على القول الأول منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
قال ابن عبد البر: والخلاف في ذلك شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أهل الفتوى لما ذكرنا من الحديث.
وقد روي عن أحمد فيمن باع دار.
بعشرة آلاف الى سنة اذا قبض المال يزكيه، وهذا محمول من قوله على انه يزكيه لكونه ديناً في ذمة المشتري فيجب على البائع زكاته كسائر الديون.
وقد صرح بذلك في رواية بكر بن محمد عن أبيه فقال: اذا أكرى عبداً أو داراً في سنة بألف فحصلت له الدراهم وقبضها زكاها إذا حال عليها الحول من حين قبضها، وإن كانت على المكتري فمن يوم وجبت له فيها الزكاة يمنزلة الدين اذا وجب له على صاحبه زكاه من يوم وجب له القسم الثالث: أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل كمن عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول فيشتري أو يرث أو يهب مائة فهذا لا يجب فيه

(2/458)


الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضاً وبهذا قال الشافعي، ولا يبني الوارث حوله على حول الموروث وهو أحد القولين للشافعي لأنه تجديد ملك، والقول الثاني أنه ينبى على حول موروثه لأن ملكه مبني على ملك الموروث بدليل أنه لو اشترى شيئاً معيباً ثم مات قام الوارث مقامه في الرد بالعيب والأول أولى.
وقال أبو حنيفة يضمها الى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعاً عند تمام حول المال الأول الذي كان عنده إلا أن يكون عوضاً من مال مزكى.
والدليل على ذلك أنه مال يضم الى جنسه في النصاب فضم اليه في الحول كالنتاج ولأنه اذا ضم في النصاب وهو سبب فضمه اليه في الحول الذي هو شرط أولى، وبيان ذلك أنه لو ان عنده مائتا درهم مضى عليها بعض الحول فوهب له مائة أخرى فان الزكاة تجب فيها اذا تم حولها بغير خلاف، ولولا المائتان ما وجب فيها شئ، فاذا ضمت الى المائتين
في أصل الوجوب فكذلك في وقته، ولأن افراده بالحول يفضي الى تشقيص الواجب في السائمة واختلاف أوقات الواجب والحاجة الى ضبط أوقات التملك ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ويتكرر ذلك وهذا حرج منفي بقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقد اعتبر الشارع ذلك بايجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الابل وضم الأرباح والنتاج الى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدة، فدل على أنه علة لذلك فيتعدى الحكم إلى محل النزاع وقال مالك كقول أبي حنيفة في السائمة دفعاً للتشقيص في الواجب وكقولنا في الاثمان لعدم ذلك فيها ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " رواه ابن ماجه.
وروى الترمذي بإسناده عن ابن عمر أنه قال: من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول، ورواه مرفوعا إلا أنه قال الموقوف أصح.
وانما رفعه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، ولأنه مملوك أصلا فيعتبر له الحول شرطا كالمستفاد من غير الجنس.
وأما الارباح والنتاج فانما ضمت الى أصلها لانها تبع لها ومتولدة منها لا لما ذكرتم، وإن سلمنا أن علة ضمها ما ذكرتم من الحرج إلا ان الحرج في الارباح يكثر ويتكرر في الأيام والساعات ويعسر ضبطها، وكذلك النتاج وقد يوجد ولا يشعر به فالمشقة فيه أتم لكثرة تكرره بخلاف هذه الاسباب المستقلة فان الميراث والاغتنام والاتهاب ونحو ذلك يندر ولا يتكرر غالباً فلا يشق ذلك فيه وإن شق فهو دون المشقة في الاولاد والارباح فيمتنع الالحاق، وقولهم: ذلك حرج.
قلنا التيسير فيما ذكرنا أكثر لان المالك يتخير بين التعجيل والتأخير وهم يلزمونه بالتعجيل، ولا يشك بأن التخيير بين شيئين أيسر من تعيين أحدهما، لانه

(2/459)


حينئذ يختار أيسرهما عليه، وأما ضمه اليه في النصاب فلأن النصاب معتبر لحصول الغنى وقد حصل الغنى بالنصاب الاول، والحول معتبر لاستنماء المال ليحصل أداء الزكاة من الربح، ولا يحصل ذلك بمرور الحول على أصله فوجب أن يعتبر له الحول * (مسألة) * (وإن ملك نصابا صغاراً انعقد عليه الحول من حين ملكه وعنه لا ينعقد حتى يبلغ
سنا يجزي مثله في الزكاة) .
الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب لعموم قوله عليه السلام " في خمس من الإبل شاة " ولأن السخال تعد مع غيرها فتعد منفردة كالامهات.
والرواية الثانية: لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سنا يجزي مثله في الزكاة وهو قول أبي حنيفة، وحكي عن الشعبي لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في السخال زكاة " ولأن السن معنى يتغير به الفرض فكان لنقصانه تأثير في الزكاة كالعدد، والأولى أولى، والحديث يرويه جابر الجعفي وهو ضعيف عن الشعبي مرسلا ثم يمكن حمله على أنه لا يجب فيها قبل حولان الحول والعدد تزيد الزكاة بزيادته بخلاف السن، فاذا قلنا بالرواية الثانية وماتت الامهات كلها إلا واحدة لم ينقطع الحول، وان ماتت كلها انقطع، وقال ابن عقيل إذا كانت السخال لا تأكل المرعى بل تشرب اللبن احتمل أن لا تجب فيها الزكاة لعدم تحقق السوم فيها واحتمل أن تجب لأنها تبع للامهات كما تتبعها في الحول * (مسألة) * (ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه انقطع الحول) وجود النصاب في جميع الحول شرط لوجوب شرط لوجوب الزكاة فان نقص الحول نقصا يسيراً، فقال أبو بكر ثبت أن نقص الحول ساعة أو ساعتين معفو عنه، وقال شيخنا في كتاب الكافي: أن نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول، وإن خرج بعضها وهلكت الأخرى قبل خروج بقيتها انقطع الحول لأنه لا يثبت لها حكم الوجود في الزكاة حتى يخرج جميعها وقال القاضي إن كان النتاج والموت حصلا في وقت واحد لم تسقط الزكاة لان النصاب لم ينقص وإن تقدم الموت النتاج سقطت الزكاة وظاهر قولهما أنه لا يعفى عن النقص في الحول وإن كان يسيراً لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ويحتمل أن يحمل كلام ابي بكر على أنه أراد النقص في طرف الحول فيكون كنقص النصاب حبة أو حبتين والله أعلم.
وقال بعض أصحابنا: أن نقص الحول أقل من يوم لا يؤثر لانه يسير أشبه الحبة والحبتين، وظاهر الحديث يقتضي التأتير وهو أولى إن شاء الله تعالى (فصل) ومتى باع النصاب في أثناء الحول أو أبدله بغير جنسه انقطع حول الزكاة واستأنف له

(2/460)


حولا لما ذكرنا من الحديث ولا نعلم في ذلك خلافاً إلا أن يبدل ذهباً بفضة أو فضة بذهب فإنه مبني
على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر احداهما يضم لانهما كالجنس الواحد إذ هما أروش الجنايات وقيم المتلفات فهما كالمال الواحد فعلى هذا لا ينقطع الحول: والرواية الثانية لا يضم أحدهما إلى الآخر لانهما جنسان في باب الربا فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالتمر والزبيب فعلى هذا ينقطع الحول، ولا يبنى أحدهما على حول الآخر كالجنسين من الماشية * (مسألة) * (إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها فلا تسقط) وكذا لو أتلف جزءاً من النصاب لينقص النصاب فتسقط عنه الزكاة لم تسقط وتؤخذ منه في آخر الحول، وهذا قول مالك والاوزاعي وابن الماجشون وإسحق وأبي عبيد، وقال أبو حنيفة والشافعي تسقط عنه الزكاة لانه نقص قبل تمام حوله فلم تجب فيه الزكاة كما لو أتلفه لحاجته.
ولنا قوله عزوجل (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة - إلى قوله - فأصبحت كالصريم) فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة ولأنه قصد اسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلق امرأته في مرض موته ولانه لما قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة عقوبته بنقيض قصده كمن قتل موروثه لاستعجال ميراثه عاقبه الشرع بالحرمان.
أما اذا أتلفه لحاجة فلم يقصد قصداً فاسداً وانما يؤثر ذلك إذا كان عند قرب الوجوب لانه حينئذ مظنة الفرار فان فعل ذلك في أول الحول لم تجب الزكاة لكونه ليس بمظنة للفرار وقيل تجب لما ذكرنا.
(فصل) وإذا قلنا لا تسقط الزكاة وحال الحول أخرج الزكاة من جنس المال المبيع دون الموجود لانه الذي وجبت الزكاة بسببه ولولاه لم يجب في هذه زكاة.
(فصل) وإذا باع النصاب فانقطع الحول ثم وجد بالثاني عيبا فرده استأنف حولا لزوال ملكه بالبيع قل الزمان أو كثر وإن حال الحول على النصاب المشترى وجبت فيه الزكاة فان وجد به عيباً قبل اخراج زكاته فله الرد سواء قلنا الزكاة تتعلق بالعين أو بالذمة لأن الزكاة لا تتعلق بالعين بمعنى استحقاق الفقراء جزءاً منه بل بمعنى تعلق حقهم به كتعلق الارش بالجاني فعلى هذا يرد النصاب وعليه إخراج زكاته من مال آخر فان أخرج الزكاة منه ثم أراد رده انبنى على المعيب اذا حدث به عيب
آخر عن المشتري هل له رد؟ على روايتين ومتى رده فعليه عوض الشاة المخرجة تحسب عليه بحصتها من الثمن والقول قول المشتري في قيمتها مع يمينه لأنه غارم إذا لم يكن بينة، وفيه وجه أن القول قول البائع لانه يغرم ثمن المبيع فبرده والأول أصح لأن الغارم لثمن الشاة المدعاة هو المشتري فان أخرج الزكاة من غير النصاب فله الرد وجهاً واحداً.

(2/461)


(فصل) وإن كان البيع بالخيار انقطع الحول في ظاهر المذهب سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما لأن ظاهر المذهب أن البيع بشرط الخيار ينقل الملك عقيب العقد ولا يقف على انقضاء الخيار فعلى هذا إذا رد المبيع على البائع استقبل به حولا، وعن أحمد لا ينتقل الملك حتى ينقضي الخيار وهو قول مالك وقال أبو حنيفة لا ينتقل الملك إن كان الخيار للبائع وإن كان للمشتري خرج عن البائع ولم يدخل في ملك المشتري، وعن الشافعي ثلاثة أقوال قولان كالروايتين وقول ثالث أنه م؟ اعى فان فسخاه تبينا أنه لم ينتقل وإلا تبينا أنه انتقل.
ولنا أنه بيع صحيح فانتقل الملك عقيبه كما لو يشترط الخيار وهكذا الحكم لو فسخا البيع في المجلس بخيارهما لأنه لا يمنع نقل الملك فهو كخيار الشرط.
ولو مضى الحول في مدة الخيار ثم فسخا البيع كانت زكاته على المشتري لأنه ملكه، وإن قلنا بالرواية الأخرى لم ينقطع الحول ببيعه لأن ملك البائع لم يزل عنه ولو حال عليه الحول في مدة الخيار كانت زكاته على البائع، فإن أخرجها من غيره فالبيع بحاله وان اخرجها منه بطل البيع في المخرج وهل يبطل في الباقي؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة وان لم يخرجها حتى سلمت الى المشتري وانقضت مدة الخيار لزم البيع فيه وكان عليه الاخراج من غيره كما لو باع ما وجبت فيه الزكاة، ولو اشترى عبداً فهل هلال شوال ففطرته على المشتري وإن كان في مدة الخيار على الصحيح، وعلى الرواية الأخرى يكون في مدة الخيار على البائع.
(فصل) فإن كان البيع فاسداً لم ينقطع به الحول وبني على حوله الأول لأنه لا ينقل الملك الا أن يقبضه المشتري ويتعذر رده فيصير كالمغصوب على ما مضى.
(فصل) ويجوز التصرف في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع وأنواع التصرفات وليس
للساعي فسخ البيع، وقال أبو حنيفة يصح إلا أنه إذا امتنع من أداء الزكاة نقض البيع في قدرها وقال الشافعي في أحد قوليه لا يصح لاننا إذا قلنا إن الزكاة تتعلق بالعين فقد باع ما لا يملكه، وان قلنا تتعلق بالذمة فقدر الزكاة مرتهن بها وبيع الرهن لا يجوز.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها متفق عليه، ومفهومه صحة بيعها إذا بدا صلاحها وهو عام فيما تجب فيه الزكاة وغيره، ونهى عن بيع الحب حتى يشتد والعنب حتى يسود وهما مما تجب الزكاة فيه، ولان الزكاة ان وجبت في الذمة لم تمنع صحة بيع النصاب كما لو باع ماله وعليه دين لآدمي وان تعلقت بالعين فهو تعلق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع بيع جميعه

(2/462)


كأرش الجناية وقولهم: باع ما لا يملكه لا يصح فإن الملك لم يثبت للفقراء في النصاب بدليل أن له أداء الزكاة من غيره بغير رضاهم وليس برهن فان أحكام الرهن غير ثابتة فيه فعلى هذا إذا تصرف في النصاب ثم أخرج الزكاة من غيره والا كلف اخراجها وتحصيلها إن لم تكن عنده فان عجز بقيت في ذمته كسائر الديون، ويحتمل أن يفسخ البيع في قدر الزكاة ههنا وتؤخذ من النصاب ويرجع البائع عليه بقدرها لأن على الفقراء ضرراً في إتمام البيع وتفويتاً لحقوقهم فوجب فسخه لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " وهذا أصح.
* (مسألة) * (وإن أبدله بنصاب من جنسه بني على حوله) ويتخرج أن ينقطع اذا باع نصابا للزكاة مما يعتبر له الحول بجنسه كالابل بالابل والذهب بالذهب لم ينقع الحول، ويبني حول الثاني على حول الاول وبهذا قال مالك، ويتخرج أن ينقطع الحول ويستأنف الحول من حين الشراء وهذا مذهب الشافعي لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولأنه أصل بنفسه فلم يبن على حول غيره كما لو اختلف الجنسان، ووافقنا أبو حنيفة في الاثمان ووافق الشافعي فيما سواها لأن الزكاة إنما وجبت في الاثمان لكونها ثمنا وهذا المعنى يشمله بخلاف غيرها ولنا أنه نصاب يضم اليه نماؤه في الحول فبنى حول بدله من جنسه على حوله كالعروض والحديث مخصوص بالنماء والعروض والنتاج فنقيس عليه محل النزاع والجنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر مع
وجودهما فأولى أن لا يبنى حول أحدهما على الآخر.
(فصل) قال أحمد بن سعيد سألت أحمد عن الرجل يكون عنده غنم سائمة فيبيعها بضعفها من الغنم أعليه أن يزكيها كلها أم يعطي زكاة الاصل؟ قال بل يزكيها كلها على حديث عمر في السخلة يروح بها الراعي لان نماها معها (قلت) فان كانت للتجارة؟ قال يزكيها كلها على حديث حماس.
فأما إن باع النصاب بدون النصاب انقطع الحول، وإن كان عنده مائتان فباعها بمائة فعليه زكاة مائة وحدها * (مسألة) * (وإذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال وعنه تجب في الذمة) الزكاة تجب في عين المال اذا تم الحول في إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي وهذه الرواية هي الظاهرة عند أكثر الأصحاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة - وقوله - فيما سقت السماء العشر " وغير ذلك من الالفاظ الواردة بحرف في وهي للنظر فيه، وإنما جاز الاخراج من غير النصاب رخصة.

(2/463)


والرواية الثانية: أنها تجب في الذمة وهو القول الثاني للشافعي واختيار الخرقي لان اخراجها من غير النصاب جائر فلم تكن واجبة فيد كزكاة الفطر ولانها لو وجب فيه لامتنع المالك من التصرف فيه ولتمكن المستحقون من الزامه أداء الزكاة من عينه أو ظهر شئ من أحكام ثبوته فيه ولسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط كسقوط أرش الجناية بتلف الجاني، وفائدة الخلاف فيما إذا كان له نصاب فحال عليه حولان لم يؤد زكاتها وسنذكره إن شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (ولا يعتبر في وجوبها مكان الاداء) الزكاة تجب بحولان الحول وان لم يتمكن من الاداء، وبهذا قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو شرط وهو قول مالك، حتى لو أتلف الماشية بعد الحول قبل امكان الاداء فلا زكاة عليه إذا لم يقصد الفرار من الزكاة لانها عبادة، فاشترط لوجوبها مكان الأداء كسائر العبادات.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " فمفهومه وجوبها عليه اذا حال الحول ولأنه لو لم يتمكن من الاداء حتى حال عليه حولان وجبت زكاة الحولين، ولا يجوز وجوب
فرضين في نصاب واحد في حال واحدة وقياسهم ينقلب عليهم فيقال عبادة فلا يشترط لوجوبها امكان الأداء كسائر العبادات فإن الصوم يجب على الحائض والمريض والعاجز عن آدائه، والصلاة تجب على المغمى عليه والنائم ومن أدرك من أول الوقت جزءاً ثم جن أو حاضت المرأة، ثم الفرق بينهما أن تلك العبادات بدنية يكلف فعلها ببدنه فاسقطها تعذر فعلها، وهذه عبادة مالية يمكن ثبوت الشركة للمساكين في ماله والواجب في ذمته مع عجزه عن الآداء كثبوت الديون في ذمة المفلس وتعلقها بماله بجنايته * (مسألة) * (ولا تسقط بتلف المال وعنه أنها تسقط إذا لم يفرط) المشهور عن أحمد أن الزكاة لا تسقط بتلف المال سواء فرط أو لم يفرط وحكى عنه الميموني أنه إن أتلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة وان تلف بعده لم تسقط، وحاكه ابن المنذر مذهباً لأحمد وهو قول الشافعي والحسن بن صالح واسحق وأبي ثور وابن المنذر وبه قال مالك إلا في الماشية فإنه قال لا شئ فيها حتى يجئ المصدق فان هلكت قبل مجيئه فلا شئ عليه وقال أبو حنيفة تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال إلا أن يكون الامام قد طالبه بها فمنعه لانه تلف قبل محل الاستحقاق فسقطت الزكاة كما لو تلف الثمرة قبل الجذاذ ولانه تعلق بالعين فسقط بتلفها كارش الجناية في العبد الجاني، ومن اشترط التمكن قال هذه عبادة يتعلق وجوبها بالمال فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان آدائها كالحج، ومن نصر الأول قال مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين

(2/464)


أو فلم يشترط في ضمانه امكان الاداء كثمن المبيع، فأما الثمرة فلا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوض ولهذا لو تلفت كانت من ضمان البائع على ما دل عليه الخبر، واذا قلنا بوجوب الزكاة في العين فليس هو بمعنى استحقاق جزء منه ولهذا لا يمنع التصرف فيه والحج لا يجب حتى يتمكن من الأداء فإذا وجب لم يسقط بتلف المال بخلاف الزكاة فان التمكن ليس بشرط لوجوبها على ما قدمنا قال شيخنا والصحيح إن شاء الله أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الاداء لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ولأنه حق يتعلق بالعين فيسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة والتفريط ان يمكنه اخراجها فلا يخرجها فان لم يتمكن
من اخراجها فليس بمفرط سواء كان لعدم المستحقق أو لبعد المال أو لكون الفرض لا يوجد في المال ولا يجد ما يشتري أو كان في طلب الشراء ونحو ذلك، وإن قلنا بوجوبها بعد التلف فأمكنه أداؤها أداها وإلا أمهل إلى ميسرته وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه، لأنه إذا لزم انظاره بدين الادمي المعين فهذا أولى فإن تلف الزائد عن النصاب في السائمة لم يسقط شئ من الزكاة لانها تتعلق بالنصاب دون العفو: * (مسألة) * (وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما فعليه زكاة واحدة إن قلنا تجب في العين وزكاتان إن قلنا تجب في الذمة إلا ما كان زكاته الغنم من الا بل فإن فيه لكل حول زكاة) إذا كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحول لم يؤد زكاتها فعليه شاة واحدة، إن قلنا تجب في العين لان الزكاة تعلقت في الحول الأول من النصاب بقدرها فلم تجب فيه فيما بعده زكاة لنقصه عن النصاب وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية جماعة فإنه قال في رواية محمد بن الحكم إذا كانت الغنم أربعين فلم يأته المصدق عامين فاذا أخذ المصدق شاة فليس عليه شئ في الباقي وفيه خلاف وقال في رواية صالح إذا كان عند الرجل مائتا درهم فلم يزكها حتى حال عليها حول آخر يزكيها للعام الأول لأن هذه تصير مائتين غير خمسة دراهم وقال في رجل له ألف درهم فلم يزكها سنين زكى في أول سنة خمسة وعشرين ثم في كل سنة بحساب ما بقي وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد فان كان عنده أربعون من الغنم نتجت سخلة في كل حول وجب عليه في كل سنة شاة لان النصاب كمل بالسخلة الحادثة فان كان نتاج السخلة بعد وجوب الزكاة عليه استؤنف الحول الثاني من حين نتجت لأنه حينئذ كمل وإن قلنا أن الزكاة تجب في الذمة وجب عليه لكل حول زكاة، مثل من له أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها فعليه ثلاث شياه وكذلك من له مائة دينار مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها فعليه فيها سبعة دنانير ونصف لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم تؤثر في تنقيص

(2/465)


النصاب لكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه احتمل أن تسقط الزكاة في قدرها لان الدين يمنع وجوب الزكاة، وقال ابن عقيل لا تسقط الزكاة بهذا الحال لان الشئ لا يسقط نفسه وقد يسقط غيره بدليل ان تغير الماء بالنجاسة في محلها لا يمنع صحة طهارتها وازالتها به ويمنع إزالة نجاسة غيرها
والأول أولى لأن الزكاة الثانية غير الأولى.
(فصل) فأما ما كانت زكاته الغنم من الابل كما دون خمس وعشرين فان عليه لكل حول زكاة نص عليه أحمد فقال في رواية الأثرم المال غير الابل اذا أدي عن الابل لم تنقص ذلك لأن الفرض يجب من غيرها فلا يمكن تعلقه بالعين وقال الشافعي في أحد قوليه إن الزكاة تنقصه كسائر الاموال فاذا كان عنده خمس من الإبل فمضى عليها أحوال فعلى قولنا يجب فيها لكل حول شاة وعلى قوله لا يجب فيها إلا شاة واحدة لانها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمسة كاملة فلم يجب فيها شئ كما لو ملك أربعا وجزءاً من بعير ولنا أن الواجب من غير جنس النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداه وفارق غيره من المال، فان الزكاة يتعلق وجوبها بعينه فتنقصه كما لو أداه من النصاب.
فعلى هذا لو ملك خمساً وعشرين فحالت عليها أحوال فعليه للحول الاول بنت مخاض وعليه لكل حول بعده أربع شياه؟ وإن بلغت قيم الشياه الواجبة أكثر من خمس من الإبل * (مسألة) * (وإن كان أكثر من نصاب فعليه زكاة جميعه لكل حول) إن قلنا تجب في الذمة، وإن قلنا تجب في العين نقص من زكاته لكل حول بقدر نقصه لها، وقد ذكرنا شرح ذلك في المسألة قبلها * (مسألة) * (واذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته، فإن كان عليه دين اقتسموا بالحصص) إذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته ولم تسقط بموته، هذا قول عطاء والحسن والزهري وقتادة ومالك والشافعي وإسحق وأبي ثور وابن المنذر.
وقال الأوزاعي والليث: تؤخذ من الثلث مقدماً على الوصايا ولا يجاوز الثلث.
وقال ابن سيرين والشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان والنبي والثوري وأصحاب الرأي لا يخرج إلا أن يوصي بها فتكون كسائر الوصايا تعتبر من الثلث ويزاحم بها أصحاب الوصايا لأنها عبادة من شرطها النية فسقطت بموت من هي عليه كالصوم والصلاة ولنا أنه حق واجب تصح الوصية به فلم تسقط بالموت كدين الآدمي، ويفارق الصوم والصلاة فإنهما عبادتان بدنيتان لا تصح الوصية بهما.
فعلى هذا إذا كان عليه دين وضاق ماله عن الدين

(2/466)


والزكاة اقتسموا ماله بالحصص كديون الآدميين إذا ضاق عنها المال، ويحتمل أن تقدم الزكاة إذا قلنا إنها تتعلق بالعين كما تقدم حق المرتهن على سائر الغرماء بثمن الرهن لتعلقه به