الشرح الكبير على متن المقنع

* (باب زكاة الخارج من الأرض) * والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) والزكاة تسمى نفقة بدليل قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) وقال تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده) قال ابن

(2/548)


عباس حقه: الزكاة المفروضة.
وقال مرة: العشر ونصف العشر، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " فيما سقت السماء أو كان عثريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر " أخرجه البخاري وأبو داود وعن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسانبة نصف العشر " رواه مسلم وأبو داود، وأجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيت حكاه ابن المنذر وابن عبد البر * (مسألة) * (تجب الزكاة في الحبوب كلها وفي كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والنبدق ولا يجب في سائر الثمر ولا في الخضر والزهر والبقول)
وجملة ذلك أن الزكاة تجب فيما اجتمع فيه الكيل والادخار من الثمر والحبوب مما ينبته الآدميون سواء كان قوتاً كالحنطة والشعير والسلت والارز والذرة والدخن، أو من القطنيات كالباقلا والعدس والماش والحمص، أو من الابازير كالكسفرة والكمون والكراويا أو البزور كبزر الكتان والقثاء

(2/549)


والخيار، وحب البقول كالرشاد، حب الفجل والقرطم والترمس والسمسم وسائر الحبوب.
ويجب أيضاً فيما جمع هذه الاوصاف من الثمار كالتمر والزبيب والقشمش واللوز والفستق والبندق.
ولا زكاة في سائر الفواكه من الخوخ والرمان والاجاص والكمثرى والتفاح والمشمش والتين والجوز ونحوه، ولا في الخضر كالقثاء والخيار والباذنجان واللفت والجزر، وبهذا قال عطاء في الحبوب كلها ونحوه قول أبي يوسف ومحمد.
وقال أبو عبد الله ابن حامد: لا شي في الابازير، ولا البزور، ولا حب البقول ولعله لا يوجب الزكاة الا فيما كان قوتا، أو أدما لان ما عداه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على النفي الاصلي، وقال مالك والشافعي لا زكاة في ثمر إلا التمر والزبيب ولا في حب إلا ما كان قوتا في حالة الاختيار - لذلك إلا في الزيتون على اختلاف، وحكي عن أحمد، لا زكاة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وهذا قول ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن وابن سيرين والشعبي وابن أبي ليلى وابن المبارك.
والسلت وهو نوع من الشعير ووافقهم ابراهيم وزاد الذرة ووافقهم ابن عباس وزاد الزيتون لأن ما عدا هذا لا نص فيه ولا إجماع ولا هو في معنى المنصوص ولا المجمع عليه فيبقى على الأصل وقد

(2/550)


روى عمر وبن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وأنه قال انما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فأمرهمم أن لا يأخذوا الصدقة الا من هذه الاربعة الحنطة والشعير والتمر والزبيب، رواهن الدارقطني ولأن غير هذه الاربعة لا يساويها في غلبة الاقتيات بها، وكثرة نفعها ووجودها فلا يصح قياسه عليها، وقال أبو حنيفة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب والقصب والحشيش، لقوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " وهو عام ولأن هذا يقصد بزراعته
نماء الارض أشبه الحبوب.
ولنا (1) عموم قوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " وقوله لمعاذ " خذ الحب من الحب " خرج منه ما لا يكال وما ليس بحب بمفهوم قوله عليه السلام " ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " رواه مسلم والنسائي وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس في الخضراوات صدقة " وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة " رواهما الدارقطني وقال موسى بن طلحة جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء " الشعير والحنطة والسلت

(2/551)


والزبيب والتمر وما سوى ذلك مما أخرجت الأرض فلا عشر فيه " وروى الأثرم باسناده أن عامل عمر كتب اليه في كروم فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافاً فكتب اليه عمر ليس عليها عشر هي من العضاة (فصل) ولا يجب فيما ليس بحب ولا ثمر سواء وجد فيه الكيل والادخار أو لا فلا يجب في ورق مثل السدر والخطمي والاشنان والصعتر والآس ونحوه لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معناه ولأن قوله عليه السلام " ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " يدل على أن الزكاة لا تجب في غيرهما، قال ابن عقيل ولانه لا زكاة في ثمر السدر فورقه أولى، ولأن الزكاة لا تجب في الحب المباح ففي الورق أولى، وقال أبو الخطاب تجب الزكاة في الصعتر والاشنان لانه مكيل مدخر والأول أولى لما ذكرنا ولأنه ليس بمنصوص ولا هو في معنى المنصوص، ولا تجب في الزهر كالزعفران والعصفر والقطن لانه ليس بحب ولا تمر ولا مكيل فلم تجب فيه الزكاة وكالخضراوات قال أحمد ليس في القطن شئ وقال ليس في الزعفران زكاة وهذا ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، وروي عن علي رضي الله عنه ليس في الفاكهة والبقل والتوابل والزعفران زكاة، وعنه أنها تجب في الزيتون والقطن والزعفران اذا بلغا بالوزن نصابا، وروى عن أحمد رواية أخرى أن في القطن والزعفران زكاة، وخرج أبو الخطاب في العصفر والورس وجها قياساً على الزعفران، وقال القاضي الورس عندي بمنزلة الزعفران يخرج

(2/552)


على روايتين لاجتماع الكيل والادخار فيه أشبه الجنوب والأول أولى، وهذا مخالف لاصول أحمد فان المروي عنه روايتان إحداهما أنه لا زكاة إلا في الأربعة، والثانية أنها تجب في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة والسلت والارز والعدس وكل شئ يقوم مقام هذه حتى يدخر ويجري فيه القفيز مثل اللوبيا والحمص والسماسم والقطنيات ففيه الزكاة وهذا لا يجري فيه القفيز ولا هو في معنى ما سماه واذا قلنا بوجوب الزكاة في القطن احتمل أن يجب في الكتان والقنب لأنه في معنى القطن ولا تجب الزكاة في التين وقشور الحب كما لا تجب في كرب النخل وخوصه (فصل) واختلفت الرواية في الزيتون عن أحمد فقال في رواية ابنه صالح: فيه العشر اذا بلغ.
يعني خمسة أوسق وان عصر قوم ثمنه لان الزيت له بقاء، وهذا قول الزهري والاوزاعي ومالك والليث والثوري وأبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، وروي عن ابن عباس لقول الله تعالى.

(2/553)


(وآتوا حقه يوم حصاده) في سياق قوله تعالى (والزيتون والرمان) ولانه يمكن ادخار غلته أشبه التمر، وروي عنه لا زكاة فيه نقلها عنه يعقوب بن بختان وهو اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي وهذا قول ابن ابي ليلي والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحد قولي الشافعي لأنه لا يدخر يابسا فهو كالخضراوات ولأنه لم يرد بها الزكاة لانها مكية، والزكاة إنما فرضت بالمدينة ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه، وقال النخعي وأبو جعفر هذه الآية منسوخة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده بدليل أن الرمان مذكور بعده ولا زكاة فيه (فصل) (ونصابه خمسة أوسق) نص عليه أحمد في رواية صالح.
فاما نصاب الزعفران والقطن وما الحق بهما من الموزونات فهو ألف وستمائة رطل بالعراقي لانه ليس بمكيل فيقوم وزنه مقام كيله ذكره القاضي في المجرد.
وحكي عنه اذا بلغت قيمته نصابا من أدنى ما تخرجه الأرض مما فيه الزكاة ففيه الزكاة وهذا قول أبي يوسف في الزعفران لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالعروض تقوم بادنى النصابين من الاثمان، وقال أصحاب الشافعي في الزعفران تجب الزكاة في قليلة وكثيره وحكاه القاضي في المجرد قولا في المذهب، قال شيخنا رحمه الله ولا
أعلم لهذين القولين دليلاً ولا أصلاً يعتمد عليه ويردهما قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ولان إيجاب الزكاة في قليلة وكثيره مخالف لجميع أموال الزكاة واعتباره بغيره مخالف لجميع ما يجب فيه العشر واعتباره باقل ما تجب الزكاة فيه قيمة لا نظير له أصلا، ولا يصح قياسه على العروض لانها لا تجب الزكاة في عينها وانما تجب في قيمتها فيؤدي من القيمة التي اعتبرت بها والقيمة

(2/554)


ترد اليها كل الاموال المتقومات فلا يلزم من الرد اليها الرد إلى ما لم يرد إليه شئ أصلا ولا تخرج الزكاة منه ولأن هذا مال تخرج الزكاة من جنسه فاعتبر بنفسه كالحبوب * (مسألة) * (وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه لما ذكرنا) * (مسألة) * (ويعتبر لوجوبها شرطان أحدهما أن يبلغ نصابا قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق) لا تجب الزكاة في شئ من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق، هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابر وأبو أمامة بن سهل وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد ولا نعلم احدا خالف فيه إلا مجاهدا وأبا حنيفة ومن تابعه قالوا تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " ولأنه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب كالركاز ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وهذا خاص يجب تقديمه على ما رووه كما خصصنا قوله " في سائمة الإبل الزكاة " بقوله " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " وقوله " في الرقة ربع العشر " بقوله " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " ولانه مال تجب فيه الزكاة فلم تجب في يسيره كسائر الاموال الزكوية وانما لم يعتبر الحول لانه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه، واعتبر الحول في غيره لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الاموال، والنصاب اعتبر ليبلغ حداً يحتمل المواساة منه فلهذا اعتبر فيه، يحققه إن الصدقة إنما تجب على الاغنياء لما ذكرنا فيما تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب
فهو كسائر الأموال الزكوية: (فصل) وتعتبر الخمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار، فلو كان له عشرة أوسق عنبا لا يجئ منها خمسة أوسق زبيباً لم يجب عليه شئ لانه حال وجوب الاخراج منه فاعتبر النصاب بحاله حينئذ.
* (مسألة) * (والوسق ستون صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، فيكون ذلك الفاً وستمائة رطل) .
الوسق ستون صاعا بغير خلاف حكاه ابن المنذر، وروى الأثرم باسناده عن سلمة بن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوسق ستون صاعا " وروى أبو سعيد وجابر نحوه رواه ابن ماجه، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وفيه خلاف بين العلماء، وقد ذكرنا في كتاب الطهارة ذلك وبيناه فيكون

(2/555)


النصاب الفاً وستمائة رطل بالعراقي كما ذكر، والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم، ووزنه بالمثاقيل تسعون ثم زيد في الرطل مثقال واحد وهو درهم وثلاثة أسباع، فصار إحد وتسعين مثقالا كمل وزنه بالدراهم مائة وثلاثون درهما، والاعتبار به قبل الزيادة فيكون الصاع بالرطل الدمشقي الذي وزنه ستمائة درهم رطلا وسبعا، وتكون خمسة الاوسق ثلثمائة واثنين وأربعين رطلاً وستة أسباع رطل، والنصاب معتبر بالكيل لأن الأوساق مكيلة، وإنما نقلت الى الوزن لتضبط وتحفظ وتنقل لعدم امكان ضبط الكيل، ولذلك تعلق وجوب الزكاة بالمكيلات دون الموزونات، والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعدس ومنها الخفيف كالشعير والذرة ومنها المتوسط، وقد نص أحمد على أن الصاع خمسة أرطال وثلث من الحنطة، رواه عنه جماعة وقال حنبل: قال أحمد أخذت الصاع من أبي النضر وقال أبو النضر أخذته من ابن أبي ذئب وقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعرف بالمدينة، قال أبو عبد الله فاخذنا العدس فعبرنا به وهو أصلح ما يكال به لأنه لا يتجافى عن مواضعه فكلنا به ثم وزناه فاذا هو خمسة أرطال وثلث، قال هذا أصلح ما وقفنا عليه وما بين لنا من صاع النبي صلى الله عليه وسلم فمتى بلغ القمح الفاً وستمائة رطل أو نحوه من العدس ففيه الزكاة لانهم قدروا الصاع
بالثقيل، فاما الخفيف فتجب الزكاة فيه اذا قارب هذا وإن لم يبلغه، ومتى شك في وجوب الزكاة فيه ولم يجد مكيا لا يقدر به فالاحتياط الاخراج، فان لم يخرج فلا حرج، لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فلا تجب بالشك: (فصل) قال القاضي، النصاب معتبر تحديداً فمتى نقص شيئاً لم تجب الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقه " إلا أن يكون نقصاً يسيراً يدخل في المكاييل، كالأوقية ونحوها فلا عبرة به لأن مثل ذلك يجوز أن يدخل في المكاييل، فلا ينضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين.
* (مسألة) * (قال إلا الأرز والعلس - نوع من الحنطة يدخر في قشره -، فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق) العلس نوع من الحنطة يدخر في قشره زعم أهله أنه يخرج على النصف، وأنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره فاعتبر نصابه في قشره للضرر في اخراجه، فاذا بلغ بقشره عشرة أوسق ففيه العشر لان فيه خمسة أوسق حباً، وإن شككنا في بلوغه نصابا خير صاحبه بين إخراج عشرة، وبين اخراجه من قشره كقولنا في مغشوش الذهب والفضة ولا يجوز تقدير غيره من الحنطة في قشرة ولا إخراجه قبل تصفيته لأن العادة لم تجربة، ولا تدع الحاجة إليه ولا نعلم قدر ما يخرج منه

(2/556)


(فصل) ونصاب الارز كنصاب العلس كذلك ذكره أبو الخطاب لأنه يدخر مع قشره، واذا خرج من قشره لا يبقى بقاء ما في القشر فهو كالعلس فيما ذكرنا سواء، وقال بعض أصحابنا لا يعتبر نصابه بذلك إلا أن يقول ثقات من أهل الخبرة أنه يخرج على النصف فيكون كالعلس فعلى هذا متى لم يوجد ثقات يخبرون بهذا، أو شككنا في بلوغه نصابا خير ربه بين تصفيته وبين الاخراج، ليعلم قدره كمغشوش الاثمان.
* (مسألة) * (وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ويؤخذ عشره يابسا) روى الأثرم عن أحمد أنه يعتبر نصاب النخل والكرم عنبا ورطبا ويؤخذ منه مثل عشر الرطب
تمراً اختاره أبو بكر، قال شيخنا وهذا محمول على أنه أراد يؤخذ عشر ما يجئ منه من التمر اذا بلغ رطبها خمسة أوسق لان إيجاب قدر عشر الرطب من التمر ايجاب لاكثر من العشر وذلك يخالف النص والاجماع فلا يجوز حمل كلام الامام عليه، وظاهر ما حكي عنه الأثرم أنه يؤخذ مقدار عشر الرطب يابسا فانه روي أنه قيل لاحمد خرص عليه مائة وسق رطبا يعطيه عشرة أوسق تمرا؟ قال نعم على ظاهر الحديث والصحيح الأول لما ذكرنا.

(2/557)


* (مسألة) * (وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب) تضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض سواء اتفق وقت اطلاعها وإدراكها أو اختلف فلو أن الثمرة جدت ثم أطلعت أخرى وجدت ضم إحداهما إلى الأخرى، وكذلك زرع العام الواحد يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب كما قلنا في الثمرة سواء اتفق زرعه وادراكه أو اختلف، ويضم الصيفي الى الربيعي ولو حصدت الدخن والذرة ثم نبتت أصولها ضم أحدهما إلى الآخر لأن الجميع زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعض كما لو تقارب زرعه وادراكه.
* (مسألة) * (فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر.
وقال القاضي لا يضم) وهو قول الشافعي لأنه حمل ينفصل عن الاول فكان حكمه حكم عام آخر كحمل العامين، وإن كان له نخل يحمل مرة ونخل يحمل حملين ضممنا الحمل الأول إلى الحمل المنفرد ولم يجب في الثاني شئ إلا أن يبلغ بمفرده نصابا، والصحيح الاول اختاره أبو الخطاب وابن عقيل لانها ثمرة عام واحد فضم بعضها إلى بعض كزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت مرتين، ولان الحمل الثاني يضم الى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان لأن وجود الحمل الاول لا يصلح أن يكون مانعا بدليل حمل الذرة الاول وبها يبطل ما ذكروه من الانفصال.

(2/558)


* (مسألة) * (ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب وعنه أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض وعنه تضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض)
القطنيات بكسر القاف جمع قطنية ويجمع أيضاً قطاني، قال أبو عبيد هي صنوف الحبوب من العدس والحمص والارز والجلبان والجلجلان وهو السمسم، وزاد غيره الدخن واللوبيا والفول والماش وسميت قطنية فعلية من قطن يقطن في البيت أي يمكث فيه.
وجملة ذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والاثمان أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، فالماشية ثلاثة أجناس الإبل والبقر والغنم لا يضم جنس إلى غيره وكذلك الثمار لا يضم جنس الى آخر فلا يضم التمر الى الزبيب ولا إلى غيره من الثمار ولا تضم الاثمان الى السائمة ولا الى الحبوب والثمار، ولا خلاف بينهم فيما ذكرنا من أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في الكمال النصاب ولا نعلم بينهم خلافاً في أن العروض والاثمان يضم كل واحد منهما الى الآخر إلا أن الشافعي لا يضمها الا إلى جنس ما اشتريت به لان نصابها عنده معتبر بذلك.
فأما الحبوب فاختلفوا في ضم بعضها إلى بعض، وفي ضم أحد النقدين الى الآخر، فروي عن أحمد في الحبوب ثلاث روايات إحداهن لا يضم جنس منها إلى غيره، ويعتبر النصاب في كل جنس

(2/559)


مفرداً وهذا قول عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والاوزاعي والثوري والحين بن صالح وشريك والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وأصحاب الرأي لانها أجناس فاعتبر النصاب في كل واحد منفرداً كالنصاب والمواشي والثانية: أن الحبوب كلها يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب اختارها أبو بكر وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاوس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق " فمفهومه وجوب الزكاة فيه اذا بلغ خمسة أوسق، ولأنها تتفق في النصاب وقدر المخرج فوجب ضم بعضها إلى بعض كانواع الجنس وهذا الدليل منتقض بالثمار.
والثالثة: أن الحنطة تضم إلى الشعير وتضم القطنيات بعضها إلى بعض، حكاها الخرقي ونقلها أبو الحرث عنه قال القاضي وهذا هو الصحيح وهو مذهب مالك والليث إلا أنه زاد فقال الذرة والدخن والارز والقمح والشعير صنف واحد لأن هذا كله مقتات فضم بعضه الى بعص كانواع الحنطة، وقال الحسن والزهرى تضم الحنطة إلى الشعير لأنها تتفق في الاقتيات والمنبت والحصاد والمنافع فوجب
ضمها كما يضم العلس إلى الحنطة والأولى أصح إن شاء الله لانها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار ولا يصح القياس على العلس مع الحنطة لانه نوع منها، واذا انقطع القياس لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم ولا يوصف غير معتبر ثم هو باطل باثمر فانها تتفق فيما ذكروه ولا يضم

(2/560)


بعضها إلى بعض ولا خلاف فيما نعلمه في ضم الحنطة الى العلس لانه نوع منها وعلى قياسه السلت الى الشعير (فصل) ولا تفريع على الروايتين الاوليين لوضوحهما.
فاما الثالثة وهي ضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض فان الذرة تضم الى الدخن لتقاربهما في المقصد فانهما بتخذان خبزاً وادما وقد ذكر من جملة القطنيات فيضمان اليها والبزور لا تضم الى القطنيات ولا إلى الابازير وينبغي أن يضم بعضها إلى بعض وكل ما تقارب من الحبوب ضم بعضه إلى بعض والا فلا، وما شككنا فيه لا يضم لأن الأصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك (فصل) ومتى قلنا بالضم فان الزكاة تؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصه ولا يؤخذ من جنس عن غيره، فإننا إذا قلنا في أنواع الجنس يؤخذ من كل نوع ما يخصه ففي الاجناس مع تقارب مقاصدها أولى.
الثاني أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة فلا زكاة فيما يكتسبه اللقاط ولا فيما يأخذه أجرة بحصاده نص عليه أحمد وقال هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة فهو كما لو اتهبه وكذلك

(2/561)


ما ينبت من المباح الذي لا يملك إلا بأخذه كالبطم والعفص والزعبل وهو شعير الجبل وبزر قطونا وحب الثمام وبزر البقلة وحب الاشنان اذا أدرك حصلت فيه مزوزة وملوحة وأشباه هذا ذكروه ابن حامد لأنه إنما يملك بحيازته وأخذه، والزكاة إنما تجب فيه إذا بدا صلاحه وفي تلك الحال لم يكن مملوكا له فلا يتعلق به الوجوب كالذي يلتقطه اللقاط وكالموهب له وقال أبو الخطاب فيه الزكاة لاجتماع الكيل والادخار فيه، والصحيح الأول لما ذكرنا، وقال القاضي فيه الزكاة اذا نبت في أرضه يعني في المباح ولعله بنى هذا على أن ما ينبت في أرضه من الكلأ يملكه، والصحيح خلافه فاما ما ينبت في أرضه مما يزرعه الآدميون كمن سقط في أرضه حب من الحنطة أو الشعير فنبتت ففيه الزكاة لانه يملكه
ولو اشترى زرعا بعد بدو الصلاح فيه أو ثمرة قد بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب فيه الزكاة وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
(فصل) (ويجب العشر فيما سقي بغير مؤنة كالغيث والسيوح وما يشرب بعروقه.
ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح) وهذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " رواه البخاري، قال أبو عبيد العثري ما تسقيه السماء وتسميه العامة العدي، وقال القاضي هو الماء المستنقع في بركة أو نحوها يصب اليه ماء المطر في سواقي تشق له فاذا اجتمع سقي منه واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لانه يعثر بها من يمر بها، والنواضح الابل يستقى عليها لشرب الأرض وهي السواني أيضا وعن معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدالية نصف العشر قال أبو عبيد البعل ما يشرب بعروقه من غير سقي، وفي الجملة كل ما سقي بكلفة أو

(2/562)


مؤنة من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورة أو نحو ذلك ففيه نصف العشر وما سقي بغير مؤنة ففيه العشر لما ذكرنا من النص ولأن للكلفة تأثيراً في إسقاط الزكاة بالكلية في المعلوفة ففي تخفيفها أولى ولا يؤثر حفر الانهار والسواقي في نقصان الزكاة لأن المؤنة تقل فيه لكونها من جملة إحياء الأرض ولا يتكرر كل عام وكذلك احتياجها الى من يسقيها ويحول الماء في نواحيها ولأن ذلك لا بد منه في السقي بكلفة أيضاً فهو زيادة على المؤنة فجرى مجرى حرث الأرض وتسحيتها ون كان الماء يجري من النهر في ساقية الى الارض ويستقر في مكان قريب من وجهتها إلا أنه لا يصل اليها إلا بغرف أو دولاب فهو من الكلفة المسقطة لنصف العشر ولأن مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر والضابط لذلك الاحتياج في ترقية الماء الى الارض الى آلة أو نضح أو دالية أو نحو ذلك وقد وجد.
* (مسألة) * (فإن سقى نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر) وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لا رجب مقتضاه، فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه، وان سقى باحدهما أكثر من الآخر
اعتبر أكثرهما نص عليه أحمد وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لأن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية يشق فاعتبر الاكثر كالسوم في الماشية وقال ابن حامد تؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي لأن ما وجب فيه بالقسط عند التماثل وجب عند التفاضل كفطرة العبد المشترك، وان جهل المقدار وجب العشر احتياطاً نص عليه أحمد في رواية عبد الله لأن الأصل وجوب العشر وانما يسقط بوجود الكلفة فما لم يتحقق المسقط يبقى على الأصل ولأن الأصل عدم الكلفة في الاكثر فلا يثبت وجودها مع الشك فيه، وان اختلف رب المال والساعي في أيها سقى به أكثر فالقول قول رب المال بغير يمين فان الناس لا يستحلفون على صدقاتهم (فصل) وإذا كان لرجل حائطان يسقى أحدهما بمؤنة والآخر بغيرها ضم غلة أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأخرج من الذي سقي بغير مؤنة عشره ومن الآخر نصف عشره، كما يضم أحد النوعين الى الآخر ويخرج من كل منهما ما وجب فيه.
* (مسألة) * (وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر وجبت الزكاة) لانه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به فاشبه الياس وقبله لا يقصد لذلك فهو كالرطبة وقال ابن أبي موسى تجب زكاة الحب يوم حصاده لقوله عزوجل (وآتوا حقه يوم حصاده) وفائدة الخلاف أنه

(2/563)


لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب لا شئ عليه كما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول، وان تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة كما لو فعل ذلك في السائمة، فان قطعها قبل ذلك سقطت الا أن يقطعها فراراً من الزكاة فتلزمه لانه فوت الواجب بعد انعقاد سببه، أشبه ما لو طلق امرأته في مرض موته.
* (مسألة) * (ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في الجرين وبجعل الزرع في البيدر فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت الزكاة سواء كانت خرصت أو لم تخرص) اذا خرص وترك في رؤس النخل فعليهم حفظه فان أصابته جائحة فلا شئ عليه إذا كان قبل الجداد نص عليه أحمد وحكاه ابن المنذر إجماعا ولانه قبل الجداد في حكم ما لم تثبت عليه اليد بدليل
أنه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائع، وإن تلف بعض الثمرة فقال القاضي إن كان الباقي نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا وهذا القول يوافق قول من قال أنه لا تجب الزكاة فيه الا يوم حصاده لأن وجود النصاب شرط في الوجوب فمتى لم يوجد وقت الوجوب لم يجب، وأما من قال إن الوجوب يثبت اذا بدا الصلاح واشتد الحب فقياس قوله إن تلف البعض إن كان قبل الوجوب فهو كما قال القاضي وإن كان بعده وجب في الباقي بقدره سواء كان نصابا أو لم يكن لان المسقط اختص بالبعض فاختص السقوط به كما لو تلف بعض نصابر السائمة بعد وجوب الزكاة فيها وهذا فيما إذا تلفت بغير تفريطه ولا عدوانه، فأما إن أتلفها أو تلفت بتفريطه بعد الوجوب لم تسقط عنه الزكاة، وإن كان

(2/564)


قبل الوجوب سقطت إلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة فيضمنها ولا تسقط عنه لما ذكرنا * (مسألة) * (ومتى ادعى رب المال تلفها من غير تفريطه قبل قوله من غير يمين سواء كان ذلك قبل الخرص أو بعده ويقبل قوله أيضاً في قدرها وكذلك في سائر الدعاوي قال أحمد لا يستحلف الناس على صدقاتهم وذلك لأنه حق لله تعالى فلا يستحلف فيه كالصلاة والحد) (فصل) وإن أحرز الثمرة في الجرين أو الحب في البيدر استقر وجوب الزكاة عليه عند من لم ير التمكين من الأداء شرطا في استقرار الوجوب فإن تلف بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه وعليه ضمانها كما لو تلف نصاب الاثمان بعد الحول وعلى قولنا في الرواية الأخرى التمكن من الأداء معتبر لا يستقر الوجوب فيها حتى تجف الثمرة ويصفى الحب ويتمكن من الاداء فلا يؤدي وإن تلف قبل ذلك فلا شئ عليه على ما ذكرنا من قبل.
(فصل) ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما فان باعه أو وهبه بعد بدو صلاحه فصدقته على البائع والواهب، وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والاوزاعي وهو قول الليث إلا أن يشترطها على المبتاع لأنها كانت واجبة عليه قبل البيع فبقي الوجوب على ما كان عليه وعليه إخراج الزكاة من جنس المبيع، وعنه أنه مخير بين ذلك وبين أن يخرج من الثمن بناء على جواز إخراج القيمة في الزكاة، والصحيح الاول ولان عليه القيام بالثمرة حتى يؤدي الواجب فيها
ثمراً فلا يسقط ذلك عنه ببيعها ويتخرج أن تجب الزكاة على المشتري عند من قال إن الزكاة انما تجب

(2/565)


يوم الحصاد لأن الوجوب إنما تعلق بها في ملكه فكانت عليه، ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها ثم بدا صلاحها في يده على وجه صحيح كمن اشترى شجرة مثمرة واشترط ثمرتها أو وهبت له ثمرة قبل بدو صلاحها فبدا صلاحها في يده أو وصي له بالثمرة فقبلها بعد موت الموصي ثم بدا صلاحها فالصدقة عليه في هذه الصور لأن سبب الوجوب وجد في ملكه فهو كما لو ملك عبداً أو ولد له ولد آخر يوم من رمضان وجبت عليه فطرته * (فصل) * وإذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها من غير شرط القطع فالبيع باطل وزكاتها على البائع وإن شرط القطع بطل البيع أيضاً ويكون كما لو لم يشترط القطع القطع وعنه أنه صحيح ويشتركان في الزيادة فعلى هذا يكون على المشتري زكاة حصته منها إن بلغت نصاباً فإن لم يكن المشترى من الزكاة فلا صدقة فيها فإن عاد البائع فاشتراها بعد بدو الصلاح فلا زكاة فيها إلا أن يكون قصد ببيعها الفرار من الزكاة فلا تسقط * (مسألة) * (ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابساً) لانه أوان الكمال وحال الادخار.
والمؤنة التي تلزم الثمرة الى حين الاخراج على رب المال لان الثمرة كالماشية ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها على ربها إلى حين الاخراج كذلك هذا فان أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء ويرده إن كان رطباً بحاله وإن تلف رد مثله، وإن جففه وكان قدر الزكاة فقد استوفى الواجب وان كان دونه أخذ الباقي وان كان زائداً رد الفضل وإن كان المخرج رب المال لم يجزه ولزمه إخراج الفرض بعد التجفيف لانه أخرج غير الفرض فلم يجزه كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار.
* (مسألة) * (فإن احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها وبعد بدو الصلاح للخوف من العطش أو

(2/566)


لضعف الاصل جاز قطعها لأن حق الفقراء إنما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الإنسان
ما يهلك أصل ماله) .
ولان حفظ الاصل أحظ للفقراء من حفظ الثمرة لان حقهم يتكرر بحفظها في كل سنة فهم شركاء رب النخل ثم إن كان يكفي تخفيف الثمرة دون قطع جميعها خففها وان لم يكف الا قطع الجميع جاز وكذلك إن قطع بعض الثمرة لتحسين الباقي وكذلك إن كان عنباً لا يجئ منه زبيب كالخمري أو رطا لا يجئ منه تمر كالبرني والهلبات فانه يخرج منه عنبا ورطباً للحاجة ولأن الزكاة مواساة فلم تجب عليه من غير ما عنده كردئ الجنس، وقال القاضي يخير الساعي اذا أردا ذلك رب المال بين أن يقاسم رب المال قبل الجداد بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة يأخذ ثمرتها وبين أن يجدها ويقاسمه اياها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين بيعها من رب المال ومن غيره قبل الجداد وبعده ويقسم ثمنها، والمنصوص أنه لا يخرج إلا يابساً وأنه لا يجوز له شراء زكاته، اختاره أبو بكر لان اليابس حال الكمال في تلك الحال والدليل على أنه لا يجوز له شراء زكاته حديث عمر حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في شراء الفرس الذي حمل عليه فقال " لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن باعكه بدرهم " فإن قيل فهلا قلتم لا زكاة في العنب والرطب الذي لا يجئ منه زبيب لكونه لا يدخر فهو كالخضراوات قلنا بل يدخر في الجملة وإنما لم يدخر هاهنا لان أخذه رطبا أنفع فلم تسقط منه الزكاة بذلك ولا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ حداً يكون منه خمسة أوسق تمراً أو زبيباً إلا على الرواية الأخرى فان أتلف رب المال هذه الثمرة، فقال القاضي عليه قيمتها كما لو أتلفها غيره وعلى قول أبي بكر يجب عليه العشر تمراً أو زبيباً كما في غير هذه الثمرة، قال فإن لم يجد التمر ففيه وجهان: أحدهما تؤخذ منه قيمته والثاني يبقى في ذمته إلى أن يجده فيأتي به.
* (مسألة) * (وينبغي أن يبعث الامام ساعيا إذا بدا الصلاح في الثمر فيخرصه عليهم ليتصرفوا فيه فيعرف بذلك قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك)

(2/567)


وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبي حثمة ومروان والقاسم بن محمد والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة وقال أهل الرأي الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان تخويفا للاكرة من الخيانة
ولنا ما روى عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وفي لفظ قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا، وقالت عائشة وهي تذكر شأن خيبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه رواه أبو داود وقولهم هو ظن قلنا بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات ووقت الخرص حين يبدو الصلاح لحديث عائشة، ولأن فائدة الخرص معرفة قدر الزكاة واطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها وإنما تدعو الحاجة إلى ذلك حين يبدو الصلاح (فصل) ويجزئ خارص واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث ابن رواحة يخرص ولم يذكر معه غيره ولأن الخارص يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده فهو كالحكم والقائف ويعتبر فيه أن يكون أميناً كالحكم * (مسألة) * (فإن كان أنواعا خرص كل نوع وحده) لأن الانواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل

(2/568)


ثمره ومنها بالعكس وهكذا العنب ولانه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع حتى يخرج عشرة * (مسألة) * (وإن كان نوعاً واحداً فله خرص كل شجرة وحدها) فيطيف بها وله خرص الجميع دفعة واحدة دفعاً للمشقة وينظر كم يجئ منه تمراً أو زبيباً ثم يعرف المالك قدر الزكاة ويخيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل أو غيره وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف فان حفظها وجففها فعليه زكاة الموجود لا غير سواء اختار الضمان أو الحفظ وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل، وبهذا قال الشافعي وقال مالك يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص اذا كانت الزكاة متقاربة وعن أحمد نحو ذلك فإنه قال إذا خرص الخارص فاذا فيه فضل كثير مثل الضعف تصدق بالفضل لانه يخرص بالسوية لأن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي بدليل وجوب ما قال عند تلف المال ولنا أن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة، ولا نسلم أن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي وإنما يعمل بقوله إذا تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها لان الظاهر أصابته قال أحمد إذا تجافى السلطان

(2/569)


عن شئ من العشر يخرجه فيؤديه، وقال إذا حط من الخرص عن الأرض يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص، وإن أخذ منهم أكثر من الواجب عليهم فقال أحمد يحتسب لهم من الزكاة لسنة أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لان هذا غصب اختاره أبو بكر، قال شيخنا: ويحتمل الجمع بين الروايتين فيحتسب اذا نوى صاحبه به التعجيل ولا يحتسب إذا لم ينو (فصل) وإذا ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير يمين، وإن لم يكن محتملا مثل أن ادعى غلط النصف ونحوه لم يقبل لأنه لا يحتمله فيعلم كذبه وإن قال لم يحصل في يدي الا كذ قبل قوله لأنه قد يتلف بعضه بآفة لا نعلمها (فصل) فان أتلف رب المال الثمرة أو تلفت بتفريطه بعد خرصها فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمة ما أتلف والفرق بينهما أن رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الاجنبي ولهذا قلنا فيمن أتلف ضحيته المعينة فعليه أضحية مكانها وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها، وان تلفت بحائحة من السماء سقط عنهم الخرص نص عليه، لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها وان ادعى تلفها قبل قوله بغير يمين وقد ذكرناه * (مسألة) * (ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع)

(2/570)


توسعة على رب المال لأنه يحتاج إلى الاكل هو وأضيافه ويطعم جيرانه وأهله ويأكل منها المارة ويكون في الثمرة الساقطة وينتابها الطير فلو استوفى الكل منهم أضربهم وبهذا قال اسحق وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك الى اجتهاد الساعي فان رأى الاكلة كثيراً ترك الثلث والا ترك الربع لما روى سهل ابن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع " رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال " خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة " قال أبو عبيد الواطئة السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والأكلة أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم
ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال لولا أني وجدت فيه أربعين عريشاً لخرصته بسبعمائة وسق فكانت تلك العرش لهؤلاء الاكلة، والعرية النخلة أو النخلات يهب انسانا ثمرتها فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في العرايا صدقة " والحكم في العنب كالحكم في الرطب سواء لأنه في معناه * (مسألة) * (فإن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك) ولا يحتسب عليه نص عليه أحمد لأنه حق لهم فإن لم يخرج الامام خارصا فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة فاخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ذكره القاضي فان خرص هو وأخذ بقدر

(2/571)


ذلك جاز ويحتاط أن لا يأخذ أكثر مما له أخذه ثم إن بلغ الباقي نصابا زكاه وإلا فلا (فصل) ويخرص النخل والكرم لما ذكرنا من الاثر فيهما ولا يخرص الزرع في سنبله وبهذا قال عطاء والزهري ومالك لأن الشرع لم يرد بالخرص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لان ثمرة النخل والكرم تؤكل رطبا فيخرص على أهله للتوسعة عليهم ليخلي بينهم وبين الأكلة والتصرف فيه ولأن ثمرة الكرم والنخل ظاهرة مجتمعة فخرصها أسهل من خرص غيرها وما عداهما لا يخرص وانما على أهله فيه الامانة إذا صار مصفى يابسا ولا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله ولا يحتسب عليهم وقد سئل أحمد عما يأكله أرباب الزروع من الفريك قال لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه وذلك لأن العادة جارية به فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم وإذا صفى الحب أخرج زكاة الموجود كله ولم يترك منه شئ لأنه إنما ترك لهم في الثمر شئ لكون النفوس تتوق الى أكلها رطبة والعادة جارية به وفي الزرع إنما يؤكل منه شئ يسير لا وقع له ولا يخرص الزيتون ولا غير النخل والكرم لان حبه متفرق في شجره مستور بورقه، ولا حاجة باهله إلى أكله بخلاف النخل والكرم، وبهذا قال مالك وقال الزهري والاوزاعي والليث يخرص قياساً على الرطب والعنب.

(2/572)


ولنا ما ذكرنا من المعنى ولأنه لا نص فيه ولا هو في معنى النصوص * (مسألة) * (ويخرج العشر من كل نوع على حدته فإن شق ذلك أخذ من الوسط)
وجملة ذلك أنه إذا كان المال الزكوي نوعاً واحداً أخذ منه جيداً كان أورديا لأن حق الفقراء يجب على طريق المواساة فهم بمنزلة الشركاء ولا نعلم في هذا خلافاً وإن كان أنواعاً أخذ من كل نوع ما يخصه وهذا قول أكثر العلماء، وقال مالك والشافعي يؤخذ من الوسط وكذلك ذكره شيخنا ههنا وأبو الخطاب إذا شق عليه إخراج زكاة كل نوع منه دفعا للحرج والمشقة وقياساً على السائمة والأول أولى لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي أن يتساووا في كل نوع ولا مشقة في ذلك بخلاف الماشية فان إخراج زكاة كل نوع منها يفضي إلى التشقيص وفيه مشقة بخلاف الثمار، ولا يجوز اخراج الردئ لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال أبو أمامة سهل بن حنيف في هذه الآية هو الجعرور ولون الحبيق فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة.
رواه النسائي وأبو عبيد قال وهما ضربان من

(2/573)


التمر أحدهما إنما يصير قشراً على نوى والآخر اذا أثمر صار حشفاً.
ولا يجوز أخذ الجيد عن الردئ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك وكرائم أموالهم ".
فاما إن تطوع رب المال باخراج الجيد عن الردئ جاز وله أجر ذلك على ما ذكرنا في الماشية (فصل) وأما الزيتون فإن كان مما لا زيت فيه فانه يحرج منه عشره حبا إذا بلغ نصابا لانه حال كماله وادخاره، وإن كان له زيت أخرج منه زيتا اذا بلغ الحب نصابا، وهذا قول الزهري والاوزاعي ومالك والليث قالوا يخرص الزيتون ويؤخذ منه زيتا صافيا وقال مالك إذا بلغ خمسة أوسق أخذ العشر من زيته بعد أن يعصر، وقال الثوري وأبو حنيفة يخرج من حبه كسائر الثمار ولانه الحالة التي يعتبر فيها الاوساق فكان اخراجه فيها كسائر الثمار وهذا جائز، واخراج الزيت أولى وأفضل لانه يكفي الفقراء مؤنته ولانه حال كما له وادخاره أشبه الرطب إذا يبس والله أعلم * (مسألة) * (ويجب العشر على المستأجر دون المالك) وبهذا قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وابن المنذر، وقال أبو حنيفة هو على ملك الارض لانه من مؤنتها أشبه الخراج ولنا أنه واجب في الزرع فكان على مالكه كزكاة القيمة فيما اذا أعده للتجارة وكعشر زرعه في
ملكه ولا يصح قولهم إنه من مؤنة الأرض لأنه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وان لم تزرع ولوجب على الذمي كالخراج ولتقدر بقر الأرض لا بقدر الزرع ولوجب صرفه إلى مصارف الفئ فان استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع لأنه مالكه وإن غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعشر عليه لانه نبت على مالكه وان أخذه مالكها قبل اشتداد حبة فالعشر عليه، وإن أخذه بعده احتمل أن يجب عليه أيضاً لأن أخذه اياه استند الى أول زرعه فكأنه أخذه من تلك الحال، ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب لأنه كان ملكاً له حين وجوب عشره وهو حين اشتداد الحب، وان زارع رجلا مزارعة فاسدة

(2/574)


فالعشر على من يجب الزرع له وإن كانت صحيحة فعلى كل واحد منهما عشر حصته إن بلغت نصاباً أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه اليه نصابا وإلا فلا، وإن بلغت حصة أحدهما نصاباً دون الآخر فعلى من بلغت حصته العشر دون صاحبه إلا إذا قلنا الخلطة تؤثر في غير السائمة فيلزمهما العشر اذا بلغ زرعهما نصابا ويخرج كل واحد منهما عشر نصيبه إلا أن يكون أحدهما ممن لا عشر عليه كالمكاتب فلا يلزم شريكه شئ الا ان تبلغ حصته نصاباً وكذلك الحكم في المساقاة * (مسألة) * (ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة) الأرض أرضان صلح وعنوة، فاما الصلح فهو كل أرض صولح أهلها عليها لتكون ملكا لهم ويؤدون عليها خراجا فهذه الارض ملك لأربابها وهذا الخراج كالجزية متى أسلموا سقط عنهم ولهم بيعها وهبتها ورهنها وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها، كأرض المدينة وشبهها ليس عليها خراج ولا شئ الا الزكاة فهي واجبة على كل مسلم، ولا خلاف في وجوب العشر في الخارج من هذه الأرض قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على كل أرض أسلم عليها أهلها قبل قهرهم عليها الزكاة فيما زرعوا فيها وأما العنوة فالمراد بها ما فتح عنوة ووقف على المسلمين وضرب عليه خراج معلوم فانه يؤدى الخراج عن رقبة الارض وعليه العشر عن غلتها اذا كانت لمسلم وكذلك الحكم في كل أرض خراجية وهذا قول عمر بن عبد العزيز والزهري ويحي الانصاري وربيعة والاوزاعي ومالك والثوري والشافعي
وابن المبارك واسحق وأبو عبيد وقال أصحاب الرأي لا عشر في الارض الخراجية لقوله عليه السلام " لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم " ولأنهما حقان سبباهما متنافيان فلم يجتمعا، كزكاة السوم والتجارة وكالعشر وزكاة القيمة، وبيان تنافيهما أن الخراج وجب عقوبة لانه جزية للأرض والزكاة وجبت طهوراً وشكراً.
ولنا قوله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء العشر " وغيره من عمومات الأخبار، قال ابن المبارك يقول الله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض) ثم قال نترك القرآن لقول أبي حنيفة ولانهما حقان يجبان لمستحقين يجوز وجوب كل واحد منهما على المسلم فجاز اجتماعهما كالكفارة والقيمة في الصيد الحرمي المملوك وحديثهم يرويه يحيى بن عنبسة وهو ضعيف عن أبي حنيفة ثم نحمله على الخراج الذي هو جزية وقولهم إن سببيها متنافيان غير صحيح فإن الخراج أجرة الأرض والعشر زكاة الزرع ولا يتنافيان كما لو استأجر أرضا فزرعها وقولهم الخراج عقوبة قلنا لو كان عقوبة لما وجب على مسلم كالجزية، وإن كانت الأرض لكافر فليس عليه فيها سوى الحرج

(2/575)


قال أحمد ليس في أرض أهل الذمة صدقة إنما قال الله تعالى (تطهرهم وتزكيهم بها) فأي طهرة للمشركين؟ (فصل) فإن كان في غلة الأرض ما لا عشر فيه كالثمار التي لا زكاة فيها والخضراوات وفيها زرع فيه الزكاة جعل ما لا زكاة فيه في مقابلة الخراج وزكي ما فيه الزكاة إذا كان ما لا زكاة فيه وافيا بالخراج وإن لم يكن لها غلة الا ما تجب فيه الزكاة أدى الخراج من غلتها وزكى ما بقي في أصح الروايات اختارها الخرقي، وهذا قول عمر بن عبد العزيز قال أبو عبيد عن إبراهيم بن أبي عبلة كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله على فلسطين فيمن كانت في يده أرض بجزيتها من المسلمين أن يقبض منها حزيتها ثم تؤخذ منها زكاة ما بقي بعد الجزية وذلك لأن الخراج من مؤنة الارض فيمنع وجوب الزكاة في قدره لقول ابن عباس يحسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله وفيه رواية ثانية أن الدين كله يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة فعلى هذه الرواية يحسب كل دين عليه ثم يخرج العشر مما بقي ان بلغ نصابا يروى نحو ذلك عن ابن عمر لانه دين فمنع وجوب العشر كالخراج وما
انفقه على زرعه وفيه رواية ثالثة أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة مطلقا سواء استدانه لنفقة زرعه أو لنفقة أهله فيحتمل على هذه ان يزكي الجميع وقد ذكرنا ذلك في باب الزكاة * (مسألة) * (ويجوز لأهل الذمة شراء الارض العشرية ولا عشر عليهم، وعنه عليهم عشران يسقط أحدهما بالاسلام) وجملة ذلك أنه لم يكره للمسلم بيع أرضه من الذمي واجارتها منه لافضائه إلى اسقاط عشر الخارج منها.
قال محمد بن موسى: سألت أبا عبد الله عن المسلم يؤاجر أرض الخراج من الذمي؟ قال: لا يؤاجر من الذمي انما عليه الجزية وهذا ضرر، وقال في موضع آخر لانهم لا يؤدون الزكاة فان أجرها من الذمي أو باع أرضه التي لا خراج عليها لذمي صح البيع والاجارة وهو مذهب الثوري والشافعي وأبي عبيد وليس عليهم فيها عشر ولا خراج.
قال حرب سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر قال لا أعلم شيئاً وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا، يقولون لا يترك الذمي يشتري أرض العشر، وأهل البصرة يقولون قولا عجباً يقولون يضاعف عليهم وقد روي عن أحمد أنهم يمنعون من شرائها اختارها الخلال وهو قول مالك وصاحبه، فان اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس كما لو اتجروا بأموالهم إلى غير بلدهم يؤخذ منهم نصف العشر وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف ويروى ذلك عن الحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري.
وقال محمد بن الحسن: العشر بحاله، وقال أبو حنيفة: تصير أرض خراج ولنا أن هذه أرض لا خراج عليها فلا يلزم فيه الخراج ببيعها كما لو باعها مسلماً ولانها مال مسلم

(2/576)


يجب الحق فيه للفقراء فلم يمنع من بيعه للذمي كالسائمة واذا ملكها الذمي فلا عشر عليه فيما يخرج منها لانه زكاة فلا تجب على الذمي كزكاة السائمة وما ذكروه ينتقض بزكاة السائمة وما ذكروه من تضعيف العشر تحكم لا نص فيه ولا قياس (1) (فصل) وفي العسل العشر سواء أخذه من موات أو من ملكه ونصابه عشرة أفراق كل فرق ستون رطلا.
قال الأثرم: سئل أبو عبد الله أنت تذهب الى أن في العسل زكاة؟ قال نعم اذهب إلى
ان في العسل زكاة العشر قد أخذ عمر منهم الزكاة، قلت ذلك على أنهم تطوعوا به، قال لا بل أخذ منهم.
ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والاوزاعي واسحق.
وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر لا زكاة فيه لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن.
قال إبن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديث يثبت ولا اجماع فلا زكاة فيه.
وقال أبو حنيفة إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة وإلا فلا زكاة فيه، ووجه الأول ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها رواه أبو عبيد والاثرم وابن ماجه، وعن سليمان بن موسى أن أبا سيارة المتعي قال: قلت يا رسول الله إن لي نحلاً، قال " أد العشر " قال فاحم إذا جبلها فحماه له رواه أبو عبيد وابن ماجة وروى الأثرم عن ابن أبي ذبابة عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه أمره في العسل بالعشر

(2/577)


أما اللبن فإن الزكاة وجبت في أصله وهو السائمة بخلاف العسل وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان وقد ذكرناه ونصابه عشرة أفراق وهذا قول الزهري، وقال أبو يوسف ومحمد خمسة أوساق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وقال أبو حنيفة تجب في قليلة وكثيره بناء على أصله في الحبوب والثمار (ووجه الأول) ما روي عن عمر رضي الله عنه أن ناساً سألوه فقالوا: إن رسول صلى الله عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل وإنا نجد ناساً يسرقونها، فقال عمر: إن أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم.
رواه الجوزجاني.
وهذا تقدير من عمر رضي الله عنه فيجب المصير إليه، إذا ثبت هذا فقد اختلف المذهب في قدر الفرق، فروي عن أحمد ما يدل على أنه ستة عشر رطلاً، فإنه قال في رواية أبي داود قال الزهري في عشرة أفراق فرق والفرق ستة عشر رطلاً فيكون نصابه مائة وستون رطلاً بالعراقي.
وقال ابن حامد: الفرق ستون رطلاً فيكون النصاب ستمائة رطل وكذلك ذكره القاضي في المجرد فإنه يروى عن الخليل بن أحمد قال: الفرق باسكان الراء مكيال ضخم من مكاييل أهل العراق، وحكي عن القاضي أن الفرق ستة ثلاثون رطلا، وقيل هو مائة وعشرون رطلاً.
قال

(2/578)


شيخنا: ويحتمل أن يكون نصابه ألف رطل لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يأخذ من كل عشر قرب قربة من أوسطها، والقربة مائة رطل بالعراقي بدليل قرب القلتين.
ووجه الأول قول عمر: من كل عشرة أفراق فرقاً - والفرق بتحريك الراء ستة عشر رطلاً.
قال أبو عبيد: لا خلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة " اطعم ستة مساكين فرقا من طعام " فقد بين أنه ثلاثة آصع.
وقالت عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء هو الفرق هذا المشهور فينصرف الإطلاق إليه والفرق الذي هو مكيال ضخم لا يصح حمله عليه لوجوه (أحدها) انه غير مشهور في كلامهم فلا يحمل عليه المطلق من كلامهم.
قال ثعلب.
قل فرق ولا تقل فرق (الثاني) أن عمر قال: من كل عشرة أفراق فرقا - والافراق جمع فرق بفتح الراء وجمع الفرق باسكان الراء فروق لأن ما كان على وزن فعل ساكن العين غير معتل فجمعه في القلة أفعل وفي الكثرة فعال أو فعول (والثالث) أن الفرق الذي هو ضخم من مكاييل أهل العراق لا يحمل عليه كلام عمر، وانما يحمل كلام عمر رضي الله عنه على مكاييل أهل الحجاز لانه بها ومن أهلها ويؤكد ذلك تفسير الزهري له في نصاب العسل بما قلنا والامام أحمد ذكره في معرض الاحتجاج به فيدل على أنه ذهب إليه والله أعلم

(2/579)


* (فصل في المعدن) * * (مسألة) * (ومن استخرج من معدن نصابا من الأثمان أو ما قيمته نصاب من الجواهر والقار والصفر والزئبق والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدنا ففيه الزكاة في الحال ربع العشر من قيمته أو من عينها إن كانت أثمانا سواء استخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك أهمال) الكلام في هذه المسألة في فصول أربعة (احدها) في صفة المعدن الذي تتعلق به الزكاة وهو كل ما خرج من الارض مما خلق فيها من غيرها مما له قيمة كالذي ذكر ههنا ونحوه من البلور والعقيق والحديد والسبج والزاج والمغرة والكبريت ونحو ذلك، وقال الشافعي ومالك: لا تتعلق الزكاة الا بالذهب
والفضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا زكاة في حجر " ولانه مال مقوم مستفاد من الارض أشبه الطين الاحمر وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين: تتعلق الزكاة بكل ما ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دون غيره ولنا عموم قوله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الأرض) ولانه معدن فتعلقت الزكاة به كالأثمان ولانه مال لو غنمه خمسه فاذا أخرجه من معدن وجبت زكاته كالذهب فأما الطين فليس بمعدن لانه تراب والمعدن ما كان في الارض من غير جنسها (الفصل الثاني) في قدر الواجب فيه وصفته، وقدر الواجب فيه ربع العشر وهو زكاة وهذا

(2/580)


قول عمر بن عبد العزيز ومالك.
وقال أبو حنيفة: الواجب فيه الخمس وهو فئ واختاره أبو عبيد.
وقال الشافعي هو زكاة واختلف عنه في قدره كالمذهبين واحتج من أوجب الخمس بقوله عليه الصلاة والسلام " ما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي والجوزجاني، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " وفي الركاز الخمس " قيل يا رسول الله ما الركاز؟ قال " الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الركاز هو الذهب الذي ينبت مع الأرض " وفي حديث علي عليه السلام انه قال " وفي السيوب الخمس " قال والسيوب عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض ولنا ما روى أبو عبيد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية من ناحية الفرع قال فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الركاز إلى اليوم، وقد أسنده كثير بن عبد الله ابن عمر وبن عون المزني عن أبيه عن جده، ورواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال عن بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكاة المعادن القبلية، قال أبو عبيد القبلية بلاد معروفة بالحجاز ولانها زكاة أثمان فكانت ربع العشر كسائر الاثمان، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة، وحديثهم الاول لا يتناول محل النزاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر ذلك في جواب سؤاله عن اللقطة وهذا ليس بلقطة فلا يتناوله النص، وحديث أبي هريرة يرويه عبد الله بن سعيد وهو ضعيف وسائر أحاديثهم لا نعرف صحتها ولا هي مذكورة في المسانيد

(2/581)


(الفصل الثالث) في نصاب المعدن وهو عشرون مثقالا من الذهب أو مائتا درهم من الفضة أو قيمة ذلك من غيرهما وهذا مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب الخمس في قليلة وكثيره بناء على أنه ركاز لعموم الاحاديث التي احتجوا بها، ولانه لا يشترط له حول فلم يشترط له نصاب كلركاز ولنا قوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وقوله عليه السلام " ليس في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا " ولانها زكاة تتعلق بالاثمان أو بالقيمة فاعتبر لها النصاب كالاثمان والعروض وقد بينا أن هذا ليس بركاز وأنه مفارق للركاز من حيث إن الركاز مال كافر مظهور عليه في الإسلام فهو كالغنيمة وهذا وجب مواساة وشكراً لنعمة الغنى فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات، وانما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار، ولان النماء يتكامل فيه بالوجود والاخذ فهو كالزرع، إذا ثبت هذا فانه يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك اهمال، فان أخرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما، وإن بلغا بمجموعهما نصابا لفوات الشرط، وإن بلغ أحدهما نصاباً دون الآخر زكى النصاب وحده، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالاثمان والخارج من الارض، فأما ترك العمل ليلا وللاستراحة أو لعذر من مرض أو لاصلاح الاداة أو اباق عبد ونحوه فلا يقطع حكم العمل، وحكمه حكم المتصل لان العادة كذلك، وكذلك إن كان مشتغلا بالعمل فخرج بين المعدنين تراب لا شئ فيه

(2/582)


(فصل) وإن اشتمل المعدن على أجناس كمعدن فيه الذهب والفضة فذكر القاضي أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب لأنها أجناس فلا يضم أحدهما الى غيره كغير المعدن قال شيخنا والصواب إن شاء الله أنه إن كان المعدن يشتمل على ذهب وفضة ففي ضم أحدهما إلى الآخر وجهان مبنيان على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر في غير المعدن وإن كان فيه أجناس من الذهب والفضة ضم بعضها إلى بعض لأن الواجب في قيمتها فأشبهت عروض التجارة وإن كان فيها إحدى النقدين وجنس آخر ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض الى الأثمان وان استخرج
نصابا من معدنين وجبت الزكاة فيه كالزرع في مكانين (الفصل الرابع) في وقت الوجوب وتجب الزكاة فيه حين يتناوله ويمكل نصابه ولا يعتبر له حول وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال إسحق وابن المنذر يعتبر له الحول لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولنا أنه مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حوله كالزرع والثمار والركاز، ولأن الحول إنما يعتبر في غير هذا ليكمل النماء وهذا يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلم يعتبر له حول كالزرع والخبر مخصوص بالزرع والثمر فنقيس عليه محل النزاع * (مسألة) * (ولا يجوز اخراجها إذا كانت اثمانا إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمرة فإن

(2/583)


أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفاً) والقول في قدر المقبوض قول الآخذ لأنه غارم فان صفاه الآخذ فكان قدر الزكاة أجزأ وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له المخرج وان نقص فعلى المخرج، وما أنفقه الآخذ على تصفيته فهو من ماله لا يرجع به على المالك، ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه ولا تصفيته من المعدن لأن الواجب فيه زكاة فلا يحتسب بمؤنة استخراجه وتصفيته كالحبوب فإن كان ذلك دينا عليه احتسب به على الصحيح من المذهب كما يحتسب بما أنفق على الزرع وقال أبو حنيفة لا تلزمه المؤنة من حقه وشبهه بالغنيمة وبناه على أصله في أنه ركاز وقد مضى الكلام في ذلك * (مسألة) * (ولا زكاة فيما يخرج من البحر واللؤلؤ والمرجان ونحوه في أحد الوجهين) وهو اختيار أبي بكر وظاهر قول الخرقي روي نحو ذلك عن ابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالك والثوري وابن أبي ليلى - والحسن بن صالح والشافعي وأبو حنيفة ومحمد وأبو ثور والرواية الاخرى فيه الزكاة لأنه خارج من معدن أشبه الخارج من معدن البر ويروى عن عمر بن عبد العزيز انه اخذ من العنبر الخمس وهو قول الحسن والزهري وزاد الزهري في اللؤلؤ يخرج من البحر ولنا أن ابن عباس قال ليس في العنبر شئ انما هو شئ ألقاه البحر وعن جابر نحوه رواهما أبو
عبيد ولأنه قد كان يخرج على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يأت فيه سنة عنه ولا عنهم من وجه يصح

(2/584)


ولأن الأصل عدم الوجوب فيه ولا يصح قياسه على معدن البر لأن العنبر انما يلقيه البحر فيوجد على الارض فيؤخذ من غير تعب فهو كالمباحات المأخوذة من البر كالمن وغيره فأما السمك فلا شئ عليه بحال في قول أهل العلم كافة الا شئ روي عن عمر بن عبد العزيز رواه عنه أبو عبيد وقال ليس الناس على هذا ولا نعلم احدا قال به وعن أحمد أن فيه الزكاة كالعنبر والصحيح أن هذا لا شئ فيه لأنه صيد فلم تجب فيه زكاة كصيد البر ولأنه لا نص فيه ولا إجماع ولا يصح قياسه على ما فيه الزكاة فلا وجه لإيجابها (فصل) (وفي الركاز الخمس أي نوع كان من المال قل أو أكثر لاهل الفئ وعنه أنه زكاة وباقيه لواجده) .
الواجب في الركاز الخمس لما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي الركاز الخمس " متفق عليه وقال ابن المنذر لا نعلم احدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة (فصل) والركاز الذي فيه الخمس كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والآنية وغير ذلك وهو قول اسحق وأبي عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي والشافعي في قول واحد الروايتين عن مالك وقال الشافعي في الآخر لا يجب إلا في الأثمان

(2/585)


ولنا عموم قوله عليه السلام " وفي الركاز الخمس " ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس على اختلاف أنواعه كالغنيمة.
إذا ثبت هذا فان الخمس يجب في كثيره وقليله وهذا قول مالك وإسحق وأصحاب الرأي والشافعي في القديم وقال في الجديد يعتبر فيه النصاب لأنه مستخرج من الارض يجب فيه حق أشبه المعدن والزرع ولنا الحديث المذكور ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له النصاب كالغنيمة والمعدن والزرع يحتاج الى كلفة فاعتبر فيه النصاب تخفيفاً بخلاف الركاز (فصل) وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مصرف خمس الركاز فروي عنه أنه
لاهل الفئ نقلها عنه محمد بن الحكم وبه قال أبو حنيفة والمزني لما روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي أن رجلاً وجد ألف دينار خارجاً من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ منها الخمس مائتي دينار ودفع الى الرجل بقيتها وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين الى أن فضل منها فضلة فقال أين صاحب الدنانير فقام اليه فقال عمر خذها فهي لك ولو كان زكاة لخص به أهل الزكاة ولم يرده على واجده ولأنه يجب على الذمي والزكاة لا تجب عليه ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكفار أشبه خمس الغنيمة وهذه الرواية أقيس في المذهب وروى عنه أن مصرفه مصرف الصدقات نص عليه أحمد في رواية حنبل فقال يعطي الخمس من الركاز على مكانه وإن تصدق به على المساكين أجزأه واختاره الخرقي وهذا قول الشافعي لما روى الإمام أحمد بإسناده عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من

(2/586)


قومه يقال له ابن حممة قال سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة عند جبانة بشر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها الى علي عليه السلام فقال اقسمها خمسة أخماس فقسمتها فأخذ منها علي خمسا وأعطاني أربعة أخماس فلما أدبرت دعاني فقال في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت نعم قال فخذها فاقسمها بينهم والمساكين مصرف الصدقات ولأنه حق يجب في الخارج من الأرض فأشبه صدقة المعدن (فصل) ويجوز لواجد الركاز أن يتولى تفرقة الخمس بنفسه وبه قال أصحاب الرأي وابن المنذر لما ذكرنا من حديث علي ولأنه أدى الحق إلى مستحقه فبرئ منه كما لو فرق الزكاة ويتخرج أن لا يجوز لانه فئ فلم يملك تفرقته بنفسه كخمس الغنيمة وبهذا قال أبو ثور وان فعل ضمنه الامام.
قال القاضي ليس للامام رد خمس الركاز على واجده لأنه حق مال فلم يجز رده على من وجب عليه كالزكاة وخمس الغنيمة وقال ابن عقيل يجوز لأن عمر رضي الله عنه رد بعضه على واجده ولانه فئ فجاز رده أورد بعضه على واجده كخراج الارض وهذا قول أبي حنيفة (فصل) ويجب الخمس على من وجد الركاز من مسلم وذمي وحر وعبد ومكاتب وكبير وصغير وعاقل ومجنون الا أن الواجد له إذا كان عبداً فهو لسيده لأنه كسب مال أشبه الاحتشاش والمكاتب يملكه وعليه خمسة لأنه بمنزلة كسبه، والصبي والمجنون يملكانه ويخرج
عنهما وليهما وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على

(2/587)


الذمي في الركاز يجده الخمس قاله مالك وأهل المدينة والثوري والاوزاعي وأهل العراق من أصحاب الرأي وغيرهم وقال الشافعي لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لانه زكاة وحكي عنه في الصبي والمرأة انهما لا يملكان الركاز وقال الثوري والاوزاعي وأبو عبيد إذا وجده عبد يرضخ له منه ولا يعطاه كله ولنا عموم قوله عليه السلام " وفي الركاز الخمس " فانه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز وبمفهومه على أن باقيه لواجده كائناً من كان ولأنه مال كافر مظهور عليه فكان فيه الخمس على من وجده وباقيه لواجده كالغنيمة ولأنه اكتساب مال فكان لواجده ان كان حرا ولسيده إن كان عبداً كالاحتشاش والاصطياد ويتخرج لنا أن لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة بناء على أنه زكاة والأول أصح (فصل) وباقي الركاز لواجده لما ذكرنا ولأن عمر وعلياً رضي الله عنهما دفعا باقي الركاز بعد الخمس الى واجده ولانه مال كافر مظهور عليه فكان لواجده بعد الخمس كالغنيمة وقد ذكرنا الخلاف فيه * (مسألة) * قال (أن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها وإن علم مالكها أو كانت مستقلة إليه فهو له أيضاً وعنه أنه لمالكها أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك وإن وجده في أرض حربى ملكه إلا أن لا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فيكون غنيمة) وجملة ذلك أن موضع الركاز لا يخلو من أربعة أقسام أحدهما أن يجده في موات أو أرض لا يعلم لها

(2/588)


مالكا كالارض التي يوجد فيها آثار الملك من الابنية القديمة والتلول وجدران الجاهلية وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف فيه الا ما ذكرنا ولو وجده في هذه الأرض على وجهها أو في طريق غير مسلوك أو قرية خراب فهو كذلك في الحكم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال " ما كان في طريق مأني أو في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي (القسم الثاني) أن يجده في ملكه المنتقل اليه فهو له في إحدى الروايتين لأنه مال كافر مظهور
عليه في الإسلام فكان لمن ظهر عليه كالغنائم ولان الركاز لا يملك بملك الارض لانه مودع فيها وإنما يملك بالظهور عليه وهذا قد ظهر عليه فوجب أن يملكه والرواية الثانية هو للمالك قبله إن اعترف به وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك الى أول مالك وهذا مذهب الشافعي لأنه كانت يده على الدار فكانت على ما فيها وان انتقلت الدار بالميراث حكم بأنه ميراث فان اتفق الورثة على أنه لم يكن لمورثهم فهو لاول مالك فإن لم يعرف أول مالك فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك والأول أصح إن شاء الله لأن الركاز لا يملك بملك الدار لأنه ليس من اجزائها وإنما هو مودع فيها فهو كالمباحات من الحطب والحشيش والصيد يجده في أرض غيره فيأخذه لكن ان ادعى المالك الذي

(2/589)


انتقل عنه المالك انه له فالقول قوله لأن يده كانت عليه بكونه على محله وإن لم يدعه فهو لواجده وان اختلف الورثة فادعى بعضهم أنه لمورثهم وأنكر البعض فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذي لم يعترف به وحكم المدعين حكم المالك المعترف (القسم الثالث) أن يجده في ملك آدمي معصوم مسلم أو ذمي فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار فإنه قال فيمن استأجر حفاراً ليحفر له في داره فأصاب كنزاً عاديا فهو لصاحب الدار وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، ونقل عن أحمد ما يدل على أنه لواجده لأنه قال في مسألة من اسأجر أجيراً ليحفر له في داره فأصاب في الدار كنزاً فهو للاجير، نقل عنه ذلك محمد بن يحيى الكحال.
قال القاضي هو الصحيح، وهذا يدل أن الركاز لواجده وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه ابو يوسف، وذلك لان الكنز لا يملك بملك الدار على ما ذكرنا في القسم الذي قبله، لكن إن ادعاه المالك فالقول قوله لأن يده عليه بكونها على محله وإن لم يدعه فهو لواجده.
وقال الشافعي: هو لمالك الدار إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك، ويخرج لنا مثل ذلك على ذكرنا في القسم الثاني، وإن استأجر حفاراً ليحفر له طلباً لكنز يجده فوجده فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك أشبه ما لو استأجره ليحتش له أو ليصطاد، فان الحاصل من ذك للمستأجر دون الاجير، وإن استأجره لأمر غير طلب الركار فالواجد له هو الاجير وهكذا قال الأوزاعي

(2/590)


(فصل) وإن اكترى داراً فوجد فيها ركازاً فهو لواجده في أحد الوجهين، وفي الآخر هو للمالك بناء على الروايتين فيمن وجد ركازاً في ملك انتقل إليه، وإن اختلفا فقال كل واحد منهما هذا كان لي فعلى وجهين أيضاً (أحدهما) القول قول المالك لأن الدفن تابع للارض (والثاني) القول قول المكتري لان هذا مودع في الأرض وليس منها فكان القول قول من يده عليه كالقماش (القسم الرابع) أن يجده في أرض الحرب، فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لهم وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده حكمه حكم ما لو وجده في موات من أرض المسلمين.
وقال أبو حنيفة والشافعي: إن عرف مالك الأرض وكان حربياً فهو غنيمة أيضاً لأنه في حرز مالك معين أشبه ما لو أخذه من بيت أو خزانة

(2/591)


ولنا أنه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه ويخرج لنا مثل قولهم بناء على قولنا إن الركاز في دار الإسلام يكون لمالك الارض * (مسألة) * (والركاز ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم، فإن كان عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة فهو لقطة) الدفن بكسر الدال المدفون والركاز هو المدفون في الارض واشتقاقه من ركز يركز اذا أخفى

(2/592)


يقال ركز الرمح اذا غرز أسفله في الارض ومنه الركز وهو الصوت الخفي، قال الله تعالى (أو تسمع لهم ركزا) والركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، هذا قول الحسن والشعبي ومالك والشافعي وأبي ثور، ويعتبر ذلك بأن يرى عليه علامتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك لأن الظاهر أنه لهم، فإن كان عليه علامة الإسلام أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو

(2/593)


أحد من خلفاء المسلمين أو ولاتهم أو آية من القرآن ونحو ذلك فهو لقطة لانه ملك مسلم لم يعلم زواله
عنه، وإن كان على بعضه علامة الاسلام وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم ولم يعلم زواله عن ملكه فأشبه ما على جميعه علامة المسلمين وكذلك إن لم يكن عليه علامة فهو لقطة تغليباً لحكم الاسلام إلا أن يجده في ملك انتقل اليه فيدعيه

(2/594)


المالك قبله بلا بينة ولا صفة فهل يدفع اليه؟ فيه روايتان ذكرهما ابن تيمية في كتاب المحرر (احداهما) لا يدفع إليه كاللقطة (والثانية) يدفع اليه لانه تبع للملك، فإن كان على بعضه علامة الكفار وليس على بعضه علامة فينبغي أن يكون ركازاً لأن الظاهر أنه ملك الكفار

(2/595)