الشرح
الكبير على متن المقنع * (باب زكاة
الاثمان) * وهي الذهب والفضة، والأصل في وجوبها الكتاب والسنة
والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وأما السنة فما روى أبو هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي
منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في
نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد " أخرجه مسلم إلى غير ذلك من
الاحاديث، وأجمع المسلمون على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب
اذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه إلا ما اختلف
فيه عن الحسن * (مسألة) * (ولا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب فيه
نصف مثقال)
(2/596)
لا يجب في الذهب زكاة إلا أن يبلغ عشرين
مثقالا، إلا أن يتم بعرض تجارة أو ورق على ما فيه من الخلاف.
قال إبن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الذهب اذا كان عشرين مثقالا قيمتها
مائتا درهم أن الزكاة تجب فيها إلا ما حكي عن الحسن أنه قال.
لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، وأجمعوا على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالا
ولا يبلغ قيمة مائتي درهم فلا زكاة فيه.
وقال عامة الفقهاء: نصاب
الذهب عشرون مثقالا من غير إعتبار قيمتها، وحكي عن عطاء وطاوس والزهري
وسليمان بن حرب وأيوب السختياني أنهم قالوا.
هو معتبر بالفضة فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة وإلا فلا لأنه لم
يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير في نصابه فثبت أنه حمله على الفضة
ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه
" قال ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة
" رواه أبو عبيد
(2/597)
وروى ابن ماجة عن عمر وعائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعداً نصف دينار، ومن
الاربعين ديناراً وروى سعيد والاثرم عن علي: على كل أربعين ديناراً دينار
وفي كل عشرين دينارا نصف دينار ورواه غيرهما مرفوعا، ولانه مال تجب الزكاة
في عينه فلم يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكوية * (مسألة) * قال (ولا في
الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم) لا يجب فيما دون المائتي
درهم من الفضة صدقة، لا نعلم فيه خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
ليس فيما دون خمس أواق صدقة " متفق عليه.
والأوقية أربعون درهما، فاذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم لا خلاف بين
العلماء في ذلك، والواجب فيه ربع العشر بغير خلاف، وقد روى البخاري بإسناده
في كتاب أنس " وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها
شئ إلا أن
(2/598)
يشاء ربها " الرقة الدراهم المضروبة
والدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل
بمثقال الذهب، وكل درهم نصف مثقال وخمسه وهي الدراهم الاسلامية التي يقدر
بها نصب الزكاة ومقدار الجزية والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك،
وكانت الدراهم في صدر الاسلام صنفين سوداً وطبرية، وكانت السود ثمانية
دوانيق، والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الاسلام وجعلا درهمين متساويبن كل
درهم ستة دوانيق فعل دلك بنو أمية ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب، ومتى
نقص النصاب فلا زكاة فيه.
هذا ظاهر كلام الخرقي لظاهر الحديث.
قال أصحابنا إلا أن يكون نقصاً يسيراً وقد ذكرنا الخلاف فيما مضى
* (مسألة) * (ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصابا) من ملك
ذهباً أو فضة معشوشا أو مختلطاً بغيره فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب
والفضة نصابا لما ذكرنا من الأحاديث
(2/599)
* (مسألة) * (فإن شك فيه خير بين سبكه وبين
الاخراج) إذا شك في بلوغ قدر ما في المغشوش من الذهب والفضة نصابا خير بين
سبكهما ليعلم قدر ما فيهما وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين، فإن
أحب أن يخرج استظهاراً فأراد اخراج الزكاة من المغشوشة وكان الغش لا يختلف
مثل أن يكون الغش في كل دينار سدسه، وعلم ذك جاز أن يخرج منها لانه يكون
مخرجا لربع العشر، وإن اختلف قدر ما فيها أو لم يعلم لم يجزه الاخراج منها
إلا أن يستظهر باخراج ما يتيقن أن فيما اخرجه من العين قدر لزكاة، فان أخرج
عنها ذهباً أو فضة لا غش فيه فهو أفضل، وإن أراد اسقاط الغش واخراج الزكاة
عن قدر ما فيه من الذهب والفضة كمن معه أربعة وعشرون ديناراً سدسها غش
فأسقط السدس أربعة وأخرج نصف دينار عن عشرين جاز لأنه لو سبكبا لم يلزمه
إلا ذلك، ولأن غشها لا زكاة فيه إلا أن يكون غش الذهب فضة وعنده من الفضة
ما يتم به النصاب وله نصاب سواه فيكون عليه زكاة الغش حينئذ، وكذلك إن قلنا
بضم الذهب إلى الفضة، وإن ادعى رب المال أنه علم الغش أو أنه استظهر وأخرج
الفرض فيلزمه بغير يمين، وإن زادت قيمة المغشوش بالغش فصارت قيمة العشرين
تساوي اثنين وعشرين فعليه اخراج ربع عشرها مما قيمته كقيمتها لان عليه
اخراج زكاة المال الجيد من جنسه بحيث لا ينقص عن قيمته والله أعلم *
(مسألة) * (ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه) ويخرج عن كل نوع من جنسه لأن
الفقراء شركاؤه وهذه وظيفة الشركة فان كان أنواعا متساوية القيم جاز إخراج
الزكاة من أحدهما كما يخرج من أحد نوعي الغنم، وإن كانت مختلفة القيم أخذ
من
(2/600)
من كل نوع ما يخصه وإن أخرج من أوسطها ما
يفي بقدر الواجب جاز وله ثواب الزيادة لانه زاد خيراً
وإن أخرجه بالقيمة مثل أن يخرج عن نصف دينار ردئ ثلث دينار جيد لم يجز لأن
النبي صلى الله عليه وسلم نص على نصف دينار فلم يجز النقص منه، وان أخرج من
الأدنى من غير زياة لم يجزئ لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)
وإن زاد في المخرج ما يفي بقيمة الواجب كمن أخرج عن دينار ديناراً ونصفاً
يفي بقيمته جاز، لان الربا لا يجري بين العبد وسيده، وقال أبو حنيفة يجوز
اخراج الرديئة عن الجيدة من غير جبران لان الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه
الربا لا قيمة لها ولنا أن الجودة متقومة في الاتلاف ولأنه إذا لم يجبره
بما يتم به قيمة الواجب دخل في قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث) الآية ولانه
أخرج رديئا عن جيد بقدره فلم يجزئ كالماشية.
وأما الربا فلا يجرى ها هنا لانه لا ربا بين العبد وسيده فإن قيل فلو أخرج
في الماشية عن الجيدة رديئين لم يجزئ أو اخرج عن القفيز الجيد قفيزين
رديئين لم يجزئ فلم أجزتم ها هنا؟ قلنا الفرق بينهما أن القصد في الاثمان
القيمة لا غير فاذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والوزن جاز وسائر
الاموال يقصد الانتفاع بعينها فلا يلزم من التساوي في الامرين الجواز لفوات
بعض المقصود * (مسألة) * (فإن أخرج مكسراً أو بهرجا وزاد قدر ما بينهما من
الفضل جاز نص عليه) اذا أخرج عن الصحاح مكسرة وزاد بقدر ما بينهما من الفضل
جاز لانه أدى الواجب عليه قيمة
(2/601)
وقدراً وإن أخرج بهرجا عن الجيد وزاد بقدر
ما يساوي قيمة الجيد جاز لذلك وهكذا ذكر أبو الخطاب وقال القاضي يلزمه
اخراج جيد ولا يرجع فيما أخرجه من المعيب لأنه أخرج معيبا في حق الله فأشبه
ما لو أخرج مريضة عن صحاح وبهذا قال الشافعي إلا أن أصحابه قالوا له الرجوع
فيما أخرج من المعيب في أحد الوجهين.
* (مسألة) * (وهل يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب أو يخرج أحدهما عن
الآخر؟ على روايتين) إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة مالا يبلغ
نصابا بمفرده فقد نقل عن أحمد أنه توقف في ضم أحدهما إلى الآخر في رواية
الأثرم وجماعة وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما
نصابا وقد نقل الخرقي فيها روايتين ونقلهما غيره من الاصحاب احداهما لا يضم
وهو قول
ابن ابي ليلي والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختيار
أبي بكر عبد العزيز لقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " متفق
عليه ولانهما مالان يختلف نصابهما فلم يضم أحدهما إلى الآخر كاجناس
الماشية، والثانية يضم وهو قول الحسن وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي
وأصحاب الرأي لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر فيضم إلى الآخر كأنواع
الجنس ولأنهما نفعهما واحد والمقصود منهما متحد فانهما قيم المتلفات وأروش
الجنايات وثمن البياعات وحلي لمن يريدهما فاشبها النوعين والحديث مخصوص
بعرض التجارة فنقيس عليه (فصل) وهل يخرج أحدهما عن الآخر في الزكاة فيه
روايتان نص عليهما أحمد أحدهما لا يجوز اختاره أبو بكر لانهما جنسان فلم
يجز إخراج أحدهما عن الآخر كسائر الاجناس، ولان أنواع الجنس
(2/602)
إذا لم يخرج أحدهما عن الآخر اذا كان أقل
في المقدار فمع اختلاف الجنس أولى، والثانية يجوز لأن المقصود من أحدهما
يحصل باخراج الآخر فيجزي كأنواع الجنس وذلك لأن المقصود منهما جمعيا
التنمية والتوسل بهما إلى المقاصد وهما يشتركان فيه على السواء فاشبه اخراج
المكسرة عن الصحاح بخلاف سائر الاجناس والانواع مما تجب فيه الزكاة فان لكل
جنس مقصوداً مختصاً به لا يحصل من الجنس الآخر، وكذلك أنواعها فلا يحصل من
اخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل من إخراج الواجب وها هنا المقصود حاصل
فوجب إجزاؤه إذ لا فائدة في اختصاص الاجزاء بعين مساواة غيرها لها في
الحكمة ولأن ذلك أوفق بالمعطي والآخذ وأرفق بهما فانه لو تعين اخراج زكاة
الدنانير منها شق على من يملك أربعين ديناراً إخراج جزء من دينار ويحتاج
إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله أو بيع أحدهما نصيبه،
ولانه إذا دفع إلى الفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه أو قطعة
في مكان لا يتعاملون به فيه لا يقدر على قضاء حاجته بها، وإن اراد بيعها
احتاج الى كلفة البيع والظاهر أنها تنقص عوضها عن قيمتها فقد دار بين
ضررين، وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر دفع لهذا الضرر وتحصيل لحكمة الزكاة
على الكمال فلا وجه لمنعه وان توهمت ههنا منفعة تفوت بذلك فهي يسيرة مغمورة
فيما يحصل من النفع الظاهر ويندفع من الضرر والمشقة من الجانبين فلا يعتبر
وهذا
اختيار شيخنا وعلى هذا لا يجوز إلا بدال في موضع يلحق الفقير ضرر مثل أن
يدفع إليه مالا ينفق عوضا
(2/603)
عما ينفق لأنه إذا لم يجز إخراج أحد
النوعين عن الآخر مع الضرر فمع غيره أولى، وان اختار المالك الدفع من الجنس
واختار الفقير الاخذ من غيره لضرر يلحقه في أخذ الجنس لم يلزم المالك
اجابته لأنه أدى ما فرض الله عليه فلم يكلف سواه والله أعلم.
* (مسألة) * (ويكون الضم بالاجزاء وقيل بالقيمة فيما فيه الحظ للمساكين)
إذا قلنا يضم أحد النقدين الى الآخر في تكميل النصاب فانما يضم بالاجزاء
فيحسب كل واحد منهما من نصابه فاذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة مثل أن
يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ونصف نصاب أو أكثر من الآخر أو ثلث من أحدهما
وثلثان من الاخر وهو أن يملك مائة درهم وعشرة دنانير أو خمسة عشر ديناراً
وخمسين درهماً أو بالعكس فيجب عليه فيه الزكاة فان نقصت أجزاؤهما عن نصاب
فلا زكاة فيها، سئل أحمد عن رجل يملك مائة درهم وثمانية دنانير فقال: إنما
قال من قال فيها الزكاة اذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم وهذا قول مالك
وأبي يوسف ومحمد والاوزاعي لأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب
الزكاة اذا كان منفرداً فلا يعتبر اذا كان مضموماً كالحبوب وأنواع الاجناس
كلها وقد قيل يضم بالقيمة إذا كان أحظ للمساكين، قال أبو الخطاب ظاهر كلام
أحمد في رواية المروذي انها تضم بالاحوط من الأجزاء والقيمة، ومعناه أنه
يقوم الغالي منها بقيمة الرخيص فاذا بلغت قيمتها بالرخيص نصابا وجبت الزكاة
فيهما، كمن ملك مائة درهم وتسعة
(2/604)
دنانير قيمتها مائة درهم أو عشرة دنانير
وتسعين درهما قيمتها عشرة دنانير فتجب عليه الزكاة وهذا قول أبي حنيفة في
تقويم الدنانير بالفضة لأن كل نصاب وجب فيه ضم الذهب الى الفضة ضم بالقيمة
كنصاب القطع في السرقة، ولأن أصل الضم يحظ الفقراء فكذلك صفته والأول أصح
لأن الزكاة تجب في عين الاثمان فلم تعتبر قيمتها كما لو انفردت وتخالف نصاب
القطع فان النصاب فيه الورق خاصة في إحدى الروايتين وفي الأخرى انه لا يجب
في الذهب حتى يبلغ ربع دينار
* (مسألة) * (وتضم قيمة العروض إلى كل واحد منهما) يعني إذا كان في ملكه
ذهب أو فضة وعروض للتجارة فان قيمة العروض تضم إلى كل واحد منهما ويكمل به
نصابه، قال شيخنا: لا أعلم فيه خلافاً، وقال الخطابي لا أعلم عامتهم
اختلفوا فيه وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمة العروض وهو يقوم بكل واحد
منهما فيضم إلى كل واحد منهما فلو كان ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع بعضه
إلى بعض في تحميل النصاب لان العرض مضموم إلى كل واحد منهما فيجب ضمهما
اليه.
(فصل) قال (ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال في ظاهر المذهب) روى
ذلك عن ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء أختها رضي الله عنهم، وبه قال
القاسم والشعبي وقتادة ومحمد بن علي ومالك والشافعي في أحد قوليه وأبو عبيد
واسحق وأبو ثور وذكر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى
(2/605)
أن فيه الزكاة، روى ذلك عن عمر وابن مسعود
وابن عباس وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وابن جبير وعطاء ومجاهد
والزهري والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لعموم قوله عليه السلام " في الرقة
ربع العشر وليس فيما دون خمس أواق صدقة " مفهومه أن فيها صدقة اذا بلغت خمس
اواق وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها في يدها مسكتان من ذهب فقال " هل
تعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا.
قال " أيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار " رواه أبو داود ولأنه من جنس
الأثمان أشبه التبر، وقال الحسن وعبيد الله بن عتبة زكاته عاريته قال أحمد
خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ليس في الحلي زكاة،
زكاته عاريته ووجه الأولى ما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
" ليس في الحلي زكاة " ولأنه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة
كالعوامل من البقر وثياب القنية، والأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها لا
تتناول محل النزاع لأن الرقة هي الدراهم المضروبة، قال أبو عبيد لا نعلم
هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب الا على الدراهم المضروبة ذات السكة
السائرة في الناس وكذلك الاواقي ليس معناها الا الدراهم كل أوقية أربعون
درهما، وأما حديث المسكتين فقال أبو عبيد لا نعلمه الا من وجه قد تكلم
الناس فيه قديماً وحديثاً وقال الترمذي ليس يصح في هذا الباب شئ ويحتمل أنه
أراد بالزكاة العارية كما قد ذهب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم، والتبر غير
معد للاستعمال بخلاف الحلي ولا فرق بين الحلي
(2/606)
المباح أن يكون مملوكاً لإمرأة تلبسه أو
تعيره أو لرجل يحلي به أهله أو يعيره أو يعده لذلك لانه مصروف عن جهة
النماء الى استعمال مباح أشبه حلي المرأة فان اتخذ حلياً فراراً من الزكاة
لم تسقط عنه الزكاة لانها انما سقطت عن عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة
النماء ففيما عداه يبقى على الأصل (فصل) فان انكسر الحلي كسراً لا يمنع
اللبس قهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه، وإن كان كسراً يمنع الاستعمال
ففيه الزكاة لانه صار كالبقرة وان نوى يحل اللبس التجارة والكري انعقد عليه
حول الزكاة من حين نوى لان الوجوب الاصل فانصرف اليه بمجرد النية كما لو
نوى بمال التجارة القنية (فصل) وكذلك ما يباح للرجال من الحلي كخاتم الفضة
وقبيعة السيف وحلية المنطقة على الصحيح من المذهب والجوشن والخوذة وما في
معناه وأنف الذهب وكل ما أبيح للرجل حكمه حكم حلي المرأة في عدم وجوب
الزكاة لانه مصروف عن جهة النماء أشبه حلي المرأة
(2/607)
* (مسألة) * (فأما الحلي المحرم والآنية
وما أعد للكرى والنفقة ففيه الزكاة اذا بلغ نصابا) كل ما أعد للكرى والنفقة
إذا احتاج إليه ففيه الزكاة لانها انما سقطت عما أعد للاستعمال لصرفه عن
جهة النماء ففيما عداه يبقى على الأصل، ولأصحاب الشافعي وجه فيما أعد للكرى
لا زكاة فيه وكل ما كان اتخاذه محرما من الاثمان ففيه الزكاة لأن الأصل
وجوب الزكاة فيها لكونها مخلوقة للتجارة والتوسل بها إلى غيرها ولم يوجد ما
يسقط الزكاة فيا فبقيت على الأصل، قال احمد ما كان على سرج أو لجام ففيه
الزكاة ونص على حلية الثفر والركاب واللجام أنه محرم، وقال في رواية الأثرم
أكره رأس المكحلة فضة ثم قال هذا شئ تأولته وعلى قياس ما ذكره حلية الدواة
والمقلمة والسرج ونحوه مما على الدابة ولو موه سقفه بذهب أو فضة فهو محرم
وفيه الزكاة، وقال أصحاب الرأي يباح لأنه تابع للمباح فتبعه في الإباحة
(2/608)
ولنا أنه سرف ويفضي إلى الخيلاء وكسر قلوب
الفقراء فحرم كاتخاذ الآنية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التختم
بخاتم الذهب للرجل فتمويه السقف أولى فان صار التمويه الذي في السقف
مستهلكا لا يجتمع منه شئ لم تحرم استدامته لأنه لا فائدة في إتلافه وإزالته
ولا زكاة فيه لأن ما ليته ذهبت وان لم تذهب ماليته ولم يكن مستهلكا حرمت
استدامته، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي أراد جمع
ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهب فقيل له أنه لا يجتمع منه شئ فتركه،
ولا يجوز تحلية المصاحف ولا المحاريب ولا اتخاذ قناديل من الذهب والفضة
لانها بمنزلة الآنية، وان وقفها على مسجد أو نحوه لم يصح لأنه ليس ببر ولا
معروف ويكون ذلك بمنزلة الصدقة فتكسر وتصرف في مصلحة المسجد
(2/609)
وعمارته، وكذلك ان حبس الرجل فرسا له لجام
مفضض، وقد قال أحمد في الرجل يقف فرسا في سبيل الله ومعه لجام مفضض فهو على
ما وقفه وإن بيعت الفضة من السرج واللجام وجعلت في وقف مثله فهو أحب إلي
لأن الفضة لا ينتفع بها ولعله يشتري بذلك سرجا ولجاما فيكون أنفع للمسلمين
قيل فتباع الفضة وتنفق على الفرس؟ قال نعم وهذا يدل على اباحة حلية السرج
واللجام بالفضة لولا ذلك لما قال هو على ما وقفه وهذا لأن العادة جارية به
فأشبه حلية المنطقة، واذا قلنا بتحريمه فصار بحيث لا يجتمع منه شئ لم تحرم
استدامته كقولنا في تمويه السقف، وقال القاضي، تباح علاقة المصحف ذهباً
(2/610)
وفضة للنساء خاصة وليس بجيد لأن حلية
المرأة ما لبسته وتحلت به في بدنها أو ثيابها وما عداه فحكمه حكم الاواني
يستوي فيه الرجال والنساء ولو أبيح لها ذلك لأبيح علاقة الأواني ونحوه ذكره
ابن عقيل، ويحرم على الرجل خاتم الذهب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه
وكذلك طوق الفضة لأنه غير معتاد في حقه فهذا وكل ما يحرم اتخاذه اذا بلغ
نصابا ففيه الزكاة أو بلغ نصابا بضمه الى ما عنده لما ذكرنا (فصل) واتخاذ
الأواني محرم على الرجال والنساء وكذلك استعمالها، وقال الشافعي في أحد
قوليه لا يحرم اتخاذها وقد ذكرنا ذلك في باب الآنية ففيها الزكاة بغير خلاف
نعلمه بين أهل العلم، ولا زكاة فيه حتى يبلغ نصابا أو يكون عنده ما يبلغ
بضمه اليه نصابا فإن لم يبلغ نصاباً فلا زكاة فيه لمعوم
الاخبار لقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وغير ذلك
(2/611)
* (مسألة) * (والاعتبار بوزنه إلا ما كان
مباح الصناعة فإن الاعتبار في النصاب بوزنه وفي الاخراج بقيمته) اعتبار
النصاب في الذهب المحلى والآنية وغيره مما تجب فيه الزكاة بالوزن للخبر،
فإن كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بها لأنها لا قيمة لها
في الشرع وله أن يخرج عنها قدر ربع عشرها بقيمته غير مصوغ وله كسرها واخراج
ربع عشرها مكسوراً وان أخرج ربع عشرها مصوغا جاز لان الصناعة لم تنقصها عن
قيمه المكسور وذكر أبو الخطاب وجها في اعتبار قيمتها إذا كانت صناعتها
مباحة كمن عنده حلي للكراء وزنه مائة وخمسون درهماً وقيمته مائتان تجب فيه
الزكاة والأول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق
صدقة " (فصل) وما كان مباح الصناعة كحلي التجارة فالاعتبار في النصاب بوزنه
لما ذكرنا وفي الاخراج
(2/612)
بقيمته فاذا كان وزنه مائتين وقيمته
ثلاثمائة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لأن زيادة القيمة ههنا بغير
محرم أشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فان أخرج ربع عشره مشاعاً جاز وان دفع
قدر ربع عشره وزاد في الوزن بحيث يستويان في القيمة بان أخرج سبعة دراهم
ونصف جاز وكذلك إن أخرج حلياً وزنه خمسة دراهم وقيمته سبعة ونصف لأن الربا
لا يجري ههنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسوراً لم يجز لأن كسره ينقص
قيمته، وحكى القاضي في المجرد اذا نوى بالحلي القنية أن الاعتبار في
الاخراج بوزنه ايضاً فإن كان للتجارة اعتبر بقيمته قال وعندي في الحلي
المعد للقنية أنه تعتبر قيمته ايضاً، فان كان في الحلي جواهر ولآلئ وكان
للتجارة قوم جميعه، وان كان لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها
منفردة فكذلك مع غيرها.
(2/613)
* (مسألة) * (ويباح للرجال من الفضة الخاتم
وقبيعة السيف، وفي حلية المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف
والران والحمائل)
يباح للرجال خاتم الفضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق
متفق عليه، ويباح حلية السيف من القبيعة وتحليتها لان أنساً قال: كانت
قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، وقال هشام بن عروة كان سيف
الزبير محلى بالفضة رواهما الاثرم، والمنطقة يباح تحليتها بالفضة في أظهر
الروايتين لأنها حلية معتادة للرجل فهي كالخاتم وعنه كراهة ذلك لما فيه من
الفخر والخيلاء أشبه الطوق والأول أولى
(2/614)
لان الطوق ليس بمعتاد في حق الرجل وعلى
قياس المنطقة الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل وكذلك الضبة في الاناء
وما أشبهها للحاجة، وقد ذكرنا ذلك في باب الآنية، وقال القاضي يباح اليسير
وإن لم يكن لحاجة وإنما كره أحمد الحلقة لأنها تستعمل * (مسألة) * (ومن
الذهب قبيعة السيف وما دعت إليه الضرورة كالأنف وما ربط به أسنانه وقال أبو
بكر يباح يسير الذهب) يباح من الذهب للرجل ما دعت الضرورة اليه كالانف لمن
قطع أنفه لما روي أن عرفجة بن أسعد
(2/615)
قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق
فأنتن على فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب رواه أبو
داود، وقال الإمام أحمد يجوز ربط الاسنان بالذهب أن خشي عليها أن تسقط قد
فعله الناس ولا بأس به عند الضرورة وروى الأثرم عن أبي جمرة الضبعي وموسى
بن طلحة وأبي رافع وثابت البناني واسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد
الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب وما عدا ذلك من الذهب فقد روي عن أحمد
الرخصة فيه في السيف، قال أحمد قد روي أنه كان في سيف عثمان بن حنيف مسمار
من ذهب وقال إنه كان لعمر سيف فيه سبائك من ذهب من حديث اسماعيل بن أمية عن
نافع
(2/616)
وروى الترمذي بإسناده عن مزيدة العصري أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة وروى عن أحمد رواية
أخرى تدل على تحريم ذلك قال الأثرم قلت لأبي عبد الله يخاف على أن يسقط
يجعل فيه مسماراً من ذهب؟ قال انما رخص في الاسنان وذلك إنما هو على وجه
الضرورة.
فأما المسمار فقد
روي من تحلى بخريصيصة قلت أي شئ خريصيصة قال شئ صغير مثل الشعيرة، وروى
الأثرم باسناده عن عبد الرحمن بن غنم " من تحلى بخريصيصة كوي بها يوم
القيامة مغفوراً له أو معذباً " وحكي عن أبي بكر من أصحابنا أنه أباح يسير
الذهب ولعله يحتج بما روينا من الأخبار ولأنه أحد الثلاثة المحرمة
(2/617)
علي الذكور دون الإناث فلم يحرم يسيره
كسائرها وكل ما أبيح من الحلي فلا زكاة فيه اذا أعد للاستعمال * (مسألة) *
(ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر وقال ابن
حامد إن بلغ الف مثقال حرم وفيه الزكاة) ويباح للنساء من حلي الذهب والفضة
والجواهر كل ما جرت عادتهن بلبسه كالسوار والخلخال والقرط والخاتم وما
يلبسنه على وجوههن وفي أعناقهن وأيديهن وأرجلهن وآذانهن وغيره فأما ما لم
تجر عادتهن بلبسه كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرم وعليها زكاته،
كما لو اتخذ الرجل لنفسه حلي المرأة، وقليل الحلي وكثيره سواء في الاباحة
والزكاة وقال ابن حامد يباح ما لم يبلغ الف مثقال فان
(2/618)
بلغها حرم وفيه الزكاة لما روى أبو عبيد
والاثرم عن عمرو بن دينار قال: سئل جابر عن الحلي هل فيه زكاة؟ قال لا؟
فقيل الف دينار قال إن ذلك لكثير ولانه يخرج الى السرف والخيلاء ولا يحتاج
إليه في الاستعمال، والأول أصح لأن الشرع أباح التحلي مطلقاً من غير تقييد،
فلا يجوز تقييده بالرأي والتحكم، وحديث جابر ليس بصريح في نفي الوجوب بل
يدل على التوقف وقد روي عنه خلافه فروى الجوزجاني بإسناده عن أبي الزبير
قال: سألت جابر بن عبد الله عن الحلي فيه زكاة قال لا؟
(2/619)
قلت إن الحلي يكون فيه الف دينار.
قال وإن كان فيه يعار ويلبس، ثم إن قول جابر قول صحابي وقد
(2/620)
خالفه غيره من الصحابة ممن يرى التحلي
مطلقا فلا يبقى قوله حجة والتقييد بمجرد الرأي والتحكم غير جائز والله
أعلم.
(2/621)
|