الشرح
الكبير على متن المقنع (باب السلم) وهو أن يسلم عيناً حاضرة في
عوض موصوف في الذمة إلى أجل ويسمى سلفاً وسلماً يقال: أسلم واسلف وهو نوع
من البيع وينعقد بلفظ السلف والسلم لأنهما حقيقة فيه، ويشترط له ما يشترط
للبيع إلا أنه يجوز في المعدوم، والأصل في جوازه الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله سبحانه (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى فاكتبوه) قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله
الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ هذه الآية، رواه سعيد وإن اللفظ يشمله
بعمومه، وأما السنة فروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة
وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث فقال " من أسلف في شئ فليسلف في كيل
معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه، وأما الإجماع فقال ابن المنذر
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز
(فصل) ولا يصح إلا بشروط سبعة (أحدها) أن يكون مما يمكن ضبط صفاته التي
يختلف الثمن باختلافها ظاهراً كالمكيل من الحبوب وغيرها والموزون القطن
والابريسم والكتان والقنت والصوف والشعر والكاغد والحديد والصفر والنحاس
والطيب والأدهان والخلول وكل مكيل أو موزون وكذلك المزروع كالثياب، وقد جاء
الحديث في الثمار، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن السلم في الطعام
جائز.
{مسألة} (فأما المعدود المختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرءوس
ونحوها ففيه روايتان)
(4/312)
اختلفت الرواية في السلم في الحيوان فروي
أنه لا يصح السلم فيه وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عمر وابن
مسعود وحذيفة وسعيد بن جبير والشعبي.
قال عمر: إن من الربا أبوابا لاتخفى وإن منها السلم في البسر، ولأن الحيوان
يختلف اختلافاً متبايناً فلا يمكن ظبطه، وإن استقصى صفاته التي يختلف بها
الثمن مثل أزج الحاجبين أكحل العينين أقنى الأنف أهدب الأشفار ألمى الشفة
تعذر تسلميه لندرة وجوده على تلك الصفة وإن لم يذكرها اختلف بها الثمن
ظاهراً والمشهور في المذهب صحة السلم فيه نص عليه أحمد في رواية الأثرم،
قال إبن المنذر وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان ابن مسعود
وابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب الحسن والشعبي ومجاهد والزهري
والاوزاعي والشافعي واسحاق وأبو ثور، ولأن أبا رافع قال: استسلف النبي صلى
الله
(4/313)
عليه وسلم من رجل بكرا، ورواه مسلم، وعن
عبد الله بن عمرو بن العاص قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
أبتاع البعير بالبعيرين وبالابعرة إلى مجئ الصدقة، رواه أبو داود ولأنه
يثبت في الذمة صداقاً فيثبت في السلم كالثياب.
فأما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف ثم هو محمول على أنهم يشترطون من
ضراب فحل بني فلان، قال الشعبي إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان لأنهم
اشترطوا نتاج فحل معلوم رواه سعيد، وقد روي عن علي أنه باع جملا له يدعى
عصيفيراً بعشرين بعيراً إلى أجل، ولو ثبت قول عمر في تحريم السلم في
الحيوان فقد عارضه
قول من سمينا ممن وافقنا.
(فصل) واختلفت الرواية في السلم في الحيوان مما لا يكال ولا يوزن ولا يزرع
فنقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال: لا أرى السلم إلا فيما يكال أو
يوزن أو يوقف عليه قال أبو الخطاب معناه يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف
كالزرع فأما الرمان والبيض فلا أرى السلم فيه، وحكى ابن المنذر عنه وعن
اسحاق أنه لاخير في السلم في الرمان والسفرجل والبطيخ والقثاء والخيار لأنه
لا يكال ولا يوزن ومنه الصغير والكبير فعلى هذه الرواية لا يصح السلم في كل
معدود مختلف كالذي سمينا وكالبقول لأنه يختلف ولا يمكن
(4/314)
تقديره بالحزم لأن الحزم يمكن في الصغير
والكبير فلم يصح السلم فيه كالجواهر، ونقل اسماعيل بن سعيد وابن منصور جواز
السلم في الفواكه والموز والخضراوات ونحوها لأن كثيراً من ذلك يتقارب
وينضبط بالكبر والصغر وما لا يتقارب ينضبط بالوزن كالبقول ونحوها فيصح
السلم فيه كالمزروع، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي والاوزاعي، وحكى ابن
المنذر عن الشافعي المنع من السلم في البيض الجوز ولعل هذا قول آخر فيكون
له قولان: (فصل) وفي السلم في الرؤوس من الخلاف ما ذكرناه وكذلك الأطراف
وللشافعي فيه قولان (أحدهما) يجوز وهو قول مالك والاوزاعي وأبي ثور لأنه
لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم (والأخرى) لا يجوز وهو
قول أبي حنيفة لأن أكثره العظام والمشافر واللحم فيه قليل وليس بموزون
بخلاف اللحم فإن كان مطبوخاً أو مشوياً فقال الشافعي لا يصح السلم فيه وهو
قياس قول القاضي لا يتناثر ويختلف وعلى قول اصحابنا غير القاضي حكم ما مسته
النار حكم غيره وبه قال مالك والاوزاعي
(4/315)
وأبي ثور والعقد يقتضيه سليماً من التناثر
والعادة في طبخة تتقارب فأشبه غيره وفي الجلود من الخلاف ما في الرؤوس
والأطراف وقال الشافعي لا يصح السلم فيها لأنه يختلف فالورك ثخين قوي
والصدر ثخين رخو والبطن رقيق ضعيف والظهر أقوى فيحتاج إلى وصف كل موضع منه
ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه، ولنا أن التفاوت في ذلك معلوم فلم يمنع صحة
السلم فيه كالحيوان فإنه يشتمل على الرأس والجلد
والأطراف والشحم وما في البطن وكذلك الرأس يشتمل على لحم الخدين والأذنين
والعينين ويختلف ولم يمنع صحة السلم فيه كذلك ههنا (فصل) ويصح السلم في
اللحم وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يختلف، ولنا قول
النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم "
ظاهرة إباحة السلم في كل موزون ولأنا قد بينا جواز السلم في الحيوان فاللحم
أولى (مسألة) وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال
الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطاً مميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان) لا
يصح السلم في الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط لأن الصفة لا تأتي عليها
وفيه وجه آخر أنه يصح إذا ضبط بارتفاع حائطه ودون أسفله وأعلاه لأن التفاوت
في ذلك يسير.
فأما الثياب المنسوجة من نوعين كالقطن والكتان والابريسم فالصحيح جواز
السلم فيها لأن ضبطها ممكن وفيه وجه آخر أنه لا يجوز كالمعاجين.
(فصل) ويصح السلم في اللبأ والخبز وما أمكن ضبطه ما مسته النار، وقال
الشافعي لا يصح السلم في كل معمول بالنار لأن النار تختلف ويختلف الثمن
ويختلف عملها، ولنا أنه موزون فجاز السلم فيه كسائر الموزونات ولعموم
الحديث ولأن عمل النار فيه معلوم بالعادة ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة
فأشبه المجفف بالشمس، فأما اللحم المطبوخ والمشوي فقال القاضي لا يصح السلم
فيه وهو مذهب الشافعي لأنه يتفاوت كثيراً وعادة الناس فيه مختلفة فلا يمكن
ضبطه وقال بعض أصحابنا: يصح السلم فيه لما ذكرنا في الخبز واللبأ.
(4/316)
(فصل) ويصح السلم في النشاب والنبل وقال
القاضي: لا يصح السلم فيهما وهو مذهب الشافعي لأنه يجمع أخلاطاً من خشب
وعقب وريش ونصل فرى مجرى اخلاط الصيادلة ولأن فيه ريشاً نجساً لأنه من
جوارح الطير.
ولنا أنه مما يصح بيعه ويمكن ضبطه بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها
غالباً فصح السلم فيه كالقصب والخشب وما فيه من غيره متميز يمكن ضبطه
والإحاطة به ولا يتفاوت كثيراً فلا
يمنع كالثياب المنسوجة من جنسين وقد يكون الريش طاهراً وإن كان نجساً لكن
يصح بيعه فلا يمنع السلم فيه كنجاسة البغل والحمار.
{مسألة} (ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان
والمغشوش من الأثمان وغيرها وما يجمع أخلاطا غير مميزة كالغالية والند
والمعاجين ويصح فيما يترك فيه شئ غير مقصود لمصلحته كالجبن والعجين وخل
التمر والسكنجبين ونحوه) لا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفة كالجوهر من
اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والفيروزج والبلور لأن أثمانها تختلف اختلافاً
متبايناً بالصغر والكبر وحسن التدوير وزيادة ضوئها وصفائها ولا يمكن
تقديرها بشئ معين لأن ذلك يتلف وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن مالك
صحة السلم فيها إذا اشترط منها شيئاً معلوماً إن كان وزنا فبوزن معروف
والصحيح الأول لما ذكرناه، ولا يصح في الحوامل من الحيوان لأن الصفة لا
تأتي عليها، ولأن الولد مجهول غير متحقق، وفيه وجه آخر أنه يصح لأن الحمل
لا حكم له مع الأم بدليل صحة بيع الحامل وإن اشترط الحمل ولا نقول بأن
الجهل بالحمل مبطل للبيع لكن إن لم تكن حاملاً فله الرد، وإذا صح البيع صح
السلم لأنه بيع، ولا يصح في المغشوش من الأثمان لأنه مجهول لا ينضبط بالصفة
ولا فيما يجمع اخلاطاً غير مميزة كالغالية والند والمعاجين التي يتداوى بها
للجهل بها.
والذي يجمع اخلاطاً على أربعة أضرب (أحدها) مختلط مقصود متميز كالثياب
المنسوجة من نوعين والصحيح جواز السلم فيها (الثاني) ما خلطه لمصلحته وليس
بمقصود في نفسه كالانفحة في الجبن والملح في العجين والخبز والماء في خل
التمر والخل في السكنجبين فيصح السلم فيه لأنه يسير لمصلحته (الثالث) اخلاط
مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين
(4/317)
فلا يصح السلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليها
(الرابع) ما خلطه غير مقصود ولا مصلحة فيه كاللبن المشوب بالماء فلا يصح
السلم فيه لان غشه يمنع العلم بقدر المقصود منه فيكون مجهولا، ولا يصح
السلم في القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والتوز إذ لا يمكن ضبط
مقادير ذلك وتمييز ما فيه منها، وقيل يجوز السلم فيها كالثياب المنسوجة من
نوعين وكالنشاب المشتمل على الخشب والعقب والريش
والنصول والأولى ما ذكرنا.
(فصل) الثاني أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً فيذكر جنسه ونوعه وقدره
وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى
ذكره إنما اشترط ذلك لأن المسلم فيه عوض في الذمة فلابد من العلم به
كالثمن، ولأن العلم شرط في البيع وطريقه الرؤية أو الوصف والرؤية متعذرة
ههنا فتعين الوصف والأوصاف على ضربين متفق على اشتراطها ومختلف فيها،
فالمتفق عليها ثلاثة أوصاف: الجنس والنوع والجودة والرداءة فهذه لابد منها
في كل مسلم فيه وكذلك معرفته وسنذكرها وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي
ولا نعلم عن غيرهم فيه خلافاً (الضرب الثاني) ما يختلف الثمن باختلافه غير
هذه الأوصاف فينبغي أن يكون ذكرها شرطاً قياساً على المتفق عليها ونذكرها
عند ذكره وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة يكفي ذكر الأوصاف الأول لأنها
تشتمل على ما وراءها من الصفات.
ولنا أنه يبقى من الصفات من اللون والبلد ونحوهما ما يختلف الثمن والعوض
لاجله فوجب ذكره كالنوع، ولا يجب استقصاء كل الصفات لأنه يتعذر وقد ينتهي
الحال فيها إلى أمر يتعذر تسليم المسلم فيه فيجب الا كتفاء بالأوصاف
الظاهرة التي يختلف بها الثمن ظاهراً، ولو استقصى الصفات حتى انتهى إلى حال
يتعذر وجود المسلم فيه بتلك الصفات بطل لأن من شروط السلم أن يكون المسلم
فيه عام الوجود في محله واستقصاء الصفات يمنع منه (فصل) ولو أسلم في جارية
وابنتها أو أختها أو عمتها أو خالتها أو بنت عمها لم يصح لأنه لابد أن يضبط
كل واحدة منهما بصفات ويتعذر وجود تلك الصفات في جارية وبنتها، ولو أسلم في
ثوب على صفة خرقة معيبة لم يجز لأنها قد تهلك وهذا غرر فهو كما لو شرط
مكيالا بعينه غير معلوم (فصل) والجنس والجودة والقدر شرط في كل مسلم فيه
فلا حاجة الى تكرير ذكر ذلك ويذكر ما سواها فيصف التمر بأربعة أوصاف النوع
برني أو معقلي والبلد إن كان يختلف فيقول بغدادي أو
(4/318)
بصري فإن البغدادي أحلى وأقل بقاء لعذوبة
الماء، والبصري بخلافه، والقدر كبار أو صغار، أو حديث أو عتيق فإن أطلق
العتيق أجزأ أي عتيق كان ما لم يكن مسوساً ولا حشفاً ولا متغيراً، وإن شرط
عتيق
عام أو عامين فهو على ما شرط، فأما اللون فإن كان النوع الواحد يختلف
كالطبرزد يكون أحمر وأسود ذكره وإلا فلا، والرطب كالتمر في هذه الأوصاف إلا
الحديث والعتيق وليس له من الرطب إلا ما أرطب كله ولا يأخذ مشدخا ولا ما
قارب أن يتمر وهكذا ما يشبهه من العنب والفواكه (فصل) ويصف البر بأربعة
أوصاف النوع فيقول سبيلة أو سلموني والبلد حوراني أو سمالي وصغار الحب أو
كباره وحديث أو عتيق، وإن كان النوع الواحد يختلف لونه ذكره ولا يسلم إليه
إلا مصفى وهذا الحكم في الشعير وسائر الحبوب ويصف العسل بثلاثة أوصاف
بالبلد ويجزئ ذلك عن النوع، والزمان ربيعي وصيفي واللون وليس له إلا مصفى
(فصل) ولا بد في الحيوان من ذكر النوع والسن والذكورية والأنوثية ويذكر
اللون إن كان النوع الواحد يختلف ويرجع في سن الغلام إليه إن كان بالغاً
وإلا فالقول قول سيده، وإن لم يعلم رجع في ذلك إلى أهل الخبرة على ما يغلب
على ظنونهم تقريباً، وإذا ذكر النوع في الرقيق وكان مختلفاً مثل التركي
منهم الحبكلي والخزري فهل يحتاج إلى ذكره أو يكفي ذكر النوع؟ يحتمل وجهين
(أولاهما) أنه يحتاج لأنه يختلف به الثمن، ولا يحتاج في الجارية إلى ذكر
الجعودة والسبوطة لأن ذلك لا يختلف به الثمن اختلافاً بيناً ومثل ذلك لا
يراعى كما لا تراعى صفات الحسن والملاحة، فإن ذكر شيئاً من ذلك
(4/319)
لزمه، ويذكر الثيوبة والبكارة لأن الثمن
يختلف بذلك ويتعلق به الغرض ويذكر القد خماسي أو سداسي يعني خمسة أشبار أو
ستة أشبار.
قال أحمد: يقول خماسي سداسي أسود أبيض أعجمي أو فصيح، أما الإبل فيضبطها
بأربعة أوصاف فلان والسن بنت مخاض أو بنت لبون واللون بيضاء أو حمراء أو
ورقاء وذكر أو أنثى، فإن اختلف النتاج فكان فيه مهرية وأرجبية فهل يحتاج
إلى ضبط ذلك؟ يحتمل وجهين ولا يفتقر إلى ذكر ما زاد على هذه الأوصاف، وإن
ذكر بعضه كان تأكيداً ولزمه وأوصاف الخيل كأوصاف الإبل، وأما البغال والحمر
فلا نتاج لها فيجعل بدل ذلك نسبتها إلى بلدها، وأما البقر والغنم فإن عرف
لها نتاج فهي كالإبل وإلا فهي كالحمر، ولا بد من ذكر النوع في هذه
الحيوانات فيقول في الإبل بختية أو عرابية، وفي الخيل عربية أو هجين أو
برذون، وفي الغنم
ضأن أو معز إلا الحمير والبغال فلا أنواع فيها (فصل) ويذكر في اللحم السمن
والذكورية والأنوثية والسمن والهزال وراعياً أو مغلوفا ونوع الحيوان وموضع
اللحم منه ويزيد في الذكر فحلاً أو خصياً وإن كان لحم صيد لم يحتج إلى ذكر
العلف والخصى ويذكر الآلة التي يصاد بها من جارحة أو أحبولة، وفي الجارحة
يذكر صيد فهد أو كلب أو صقر فإن الأحبولة يؤخذ الصيد منها سليماً، وصيد
الكلب خير من صيد الفهد لكون الكلب أطيب نكهة من الفهد لكونه مفتوح الفم في
أكثر الأوقات، والصحيح إن شاء الله أن هذا ليس بشرط لأن التفاوت فيه يسير
ولا يكاد الثمن يتباين باختلافه ولا يعرفه إلا القليل من الناس، وإذا لم
يحتج في الرقيق إلى ذكر السمن والهزال وأشباهها وما يتباين بها الثمن
وتتعلق بها الرغبات ويعرفها الناس
(4/320)
فهذا أولى، ويلزم قبول اللحم بعظامه لأنه
هكذا يقطع فهو كالنوى في التمر، فان كان السلم في لحم طير لم يحتج إلى ذكر
الذكورية والأنوثية إلا أن يختلف بذلك كلحم الدجاج ولا إلى ذكر موضع اللحم
إلا أن يكون كثيراً يأخذ منه بعضه ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لأنه لا
لحم عليها، ويذكر في السمك النوع بردي أو غيره والكبر والصغر والسمن
والهزال والطري والملح ولا يقبل الرأس والذنب وله ما بينهما وإن كان كثيراً
يأخذ بعضه ذكر موضع اللحم منه (فصل) ويضبط السمن بالنوع من ضأن أو معز أو
بقر واللون أبيض أو أصفر، قال القاضي ويذكر المرعى ولايحتاج إلى ذكر حديث
أو عتيق لأن الإطلاق يقتضي الحديث ولا يصح السلم في عتيقه لأنه عيب ولا
ينتهي الى حد يضبط به، ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمسه ولا
يلزمه قبول متغير من السمن والزبد ولا رقيق إلا أن تكون رقته للحر، ويصف
اللبن بالمرعى ولايحتاج إلى اللون ولا حليب يومه لأن اطلاقه يقتضي ذلك ولا
يلزمه قبول متغير.
قال أحمد ويصح السلم في المخيض وقال الشافعي لا يصح لأن فيه ما ليس من
مصلحته وهو الماء فصار المقصود مجهولاً ولنا أن الماء يسير يترك لاجل
المصحلة جرت العادة به فلم يمنع صحة السلم فيه كالماء في الشيرج وفي خل
التمر، ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس، ويصف اللبأ بصفات اللبن
ويزيد
اللون ويذكر الطبخ وعدمه.
(فصل) ويضبط الثياب بستة أوصاف النوع كتان أو قطن والبلد والطول والعرض
والصفاقة
(4/321)
والرقة والغلظ والنعومة والخشونة ولا يذكر
الوزن وإن ذكره لم يصح لتعذر الجمع بين صفاته المشترطة مع وزن معلوم فيكون
فيه تغرير لبعد اتفاقه، وإن ذكر الخام أو المقصور فله شرطه وإن لم يذكره
جاز وله خام لأنه الأصل، وإن ذكر مغسولاً أو لبيساً لم يجز لأن اللبيس
يختلف ولا ينضبط فان أسلم في مصبوغ مما يصبغ غزله جاز لأن ذلك من جملة صفات
الثوب وإن كان مما يصبغ بعد نسجه لم يجز لأن الصبغ يمنع من الوقوف على
نعومة الثوب وخشونته ولأن الصبغ غير معلوم، وإن أسلم في ثوب مختلف الغزول
كقطن وكتان أو قطن وابريسم أو صوف وابريسم وكانت الغزول مضبوطة بأن يقول
السدى ابريسم واللحمة كتان أو نحوه جاز وقد ذكرناه، ولهذا جاز السلم في
الخز وهو من غزلين مختلفين، وإن أسلم في ثوب موشى وكان الوشي من تمام نسجه
جاز وإن كان زيادة لم يجز لأنه لا ينضبط.
(فصل) ويصف غزل القطن والكتان بالبلد واللون والغلظ والرقة والنعومة
والخشونة ويصف القطن بذلك ويجعل مكان الغلظة والرقة الطول والقصر، وإن شرط
في القطن منزوع احب جاز وإن أطلق كان له بحبه كالتمر بنواه، ويصف الابريسم
بالبلد واللون والغلظ والرقة، ويصف الصوف بالبلد واللون والطول والقصر
والزمان خريفي أو ربيعي لأن صوف الخريف أنظف، قال القاضي: ويصفه بالذكورية
والأنوثية لأن صوف الإناث أنعم ويحتمل أن لا يحتاج إلى هذه الصفة لأن
التفاوت في هذا يسير وعليه تسليمه نقياً من الشوك والبعر وإن لم يشترطه،
وإن اشترطه جاز وكان تأكيداً وكذلك الشعر والوبر، ويصح السلم في الكاغد
لأنه يمكن ضبطه ويصفه بالطول والعرض والرقة والغلظ واستواء الصنعة وما
يختلف به الثمن
(4/322)
(فصل) ويضبط الرصاص والنحاس والحديد بالنوع
فيقول في الرصاص قلعي أو أسرب والنعومة والخشونة واللون إن كان يختلف ويزيد
في الحديد ذكرا أو انثى فإن الذكر أحد وأمضى وإن أسلم في الأواني التي يمكن
ضبط قدرها وطولها وسمكها ودورها كالأسطال القائمة الحيطان والطسوت جاز
ويضبطها بذلك وإن أسلم في قصاع وأقداح من الخشب جاز ويذكر نوع خشبها من جوز
أو توت وقدرها في الصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة وإن أسلم في
سيف ضبطه بنوع حديده وطوله وعرضه ورقته وبلده وغلظه وقديم الطبع أو محدث
ماض أو غيره يصف قبضته وجفنه (فصل) والخشب على أضرب منه ما يراد للبناء
فيذكر نوعه ورطوبته ويبسه وطوله ودوره أو سمكه وعرضه ويلزمه أن يدفع إليه
من طرفه إلى طرفه بذلك العرض والدور، وان كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف فقد
زاده خيراً، وإن كان أدق لم يلزمه قبوله، وإن ذكر الوزن أو سمحاً جاز وإن
لم يذكره جاز وله سمح خال من العقد لأن ذلك عيب وإن كان للقسي ذكر هذه
الأوصاف وزاد سهلياً أو جبلياً أو خوطاً أو فلقة فإن الجبلي أقوى من السهلي
والخوط أقوى من الفلقة ويذكر فيما للوقود الغلظ واليبس والرطوبة والوزن،
ويذكر فيما للنصب النوع والغلظ وسائر ما يحتاج الى معرفته ويخرجه من
الجهالة وإن أسلم في النشاب والنبل ضبطه بنوع خشبه وطوله وقصره ودقته وغلظه
ولونه ونصله وريشه.
(فصل) والحجارة منها ما هو للأرحية فيضبطها بالدور والثخانة والبلد والنوع
إن كان يختلف ومنها ما هو للبناء فيذكر اللون والقدر والنوع والوزن ويذكر
في حجارة الآنية النوع واللون والقدر واللين والوزن ويصف البلور بأوصافه
ويصف الآجر واللبن بموضع التربة واللون والدور والثخانة وإن أسلم
(4/323)
في الجص والنورة ذكر اللون والوزن ولا يقبل
ما أصابه الماء فجف ولا ما قدم قدما يؤثر فيه ويضبط التراب بمثل ذلك ويقبل
الطين الذي قد جف إن كان لا يتأثر بذلك (فصل) ويضبط العنبر بالوزن والبلد
وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز وإن لم يشترط فله اعطاؤه صغاراً أو كباراً، وقد
قيل العنبر نبات يخلقه الله تعالى في جنبات البحر ويضبط العود الهندي ببلده
وما يعرف به ويضبط اللبان والمصطكا وصمغ الشجر والمسك وسائر ما يجوز السلم
فيه بما يختلف به {مسألة} (فإن شرط الأجود لم يصح) لتعذر الوصول إليه إلا
نادراً (وإن شرط الأردأ لم يصح في أحد الوجهين) لذلك (والثاني) يصح لأنه
يمكنه تسليم المسلم أو خير منه فيلزم المسلم قبوله
{مسألة} (وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر فله أخذه) لأنه رضي بدون حقه
ولا يلزمه لأن فيه إسقاط حقه، وقال القاضي يلزمه إذ لم يكن أدنى من النوع
المشترط لأنه من جنسه أشبه الزائد في الصفة.
ولنا أنه لم يأت بالمشروط فلم يلزم قبوله كالأدنى بخلاف الزائد في الصفة
فإنه أحضر المشروط مع زيادة ولان أحد النوعين يصلح لما لا يصلح له الآخر
بخلاف الصفة {مسألة} (وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له آخذه) لقوله عليه الصلاة
والسلام " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه أبو داود وذكر ابن أبي
موسى رواية أنه يجوز أن يأخذ مكان البر شعيراً مثله ولعله بناه على أنهما
جنس واحد والأول أصح {مسألة} (وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله) لأنه
أتى بما تناوله العقد وزيادة تنفعه ولا تضره {مسألة} (وإن جاءه بالأجود
فقال خذه وزدني درهما لم يصح) وقال أبو حنيفة يصح كما لو جاءه بزيادة في
القدر.
ولنا أن الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد كما لو كان مكيلا أو موزونا،
وإن جاءه بزيادة في القدر فقال له ذلك صح لأن الزيادة ههنا يجوز إفرادها
بالبيع {فصل} قال رحمه الله تعالى (الثالث أن يذكر قدره بالكيل في المكيل
والوزن في الموزون والذرع في المذروع فان أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون
كيلا لم يصح وعنه يصح) يشترط معرفة قدر المسلم فيه بالكيل في المكيل والوزن
في الموزون في إحدى الروايتين لقول
(4/324)
النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ
فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " متفق عليه ويشترط معرفة
المذروع بالذرع والمعدود بالعد لأنه عوض غائب يثبت في الذمة فاشترط معرفة
قدره كالثمن، ولا نعلم في اعتبار معرفة مقدار المسلم فيه خلافاً.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز في
الثياب بذرع معلوم فإن أسلف في المكيل وزنا أو في الموزون كيلا ففيه
روايتان (إحداهما) لا يصح نقلها عنه الأثرم فقال سئل أحمد عن السلم في
التمر وزنا فقال لا إلا كيلا، قلت إن الناس ههنا لا يعرفون الكيل.
قال وإن كانوا لا يعرفون الكيل
فعلى هذه الرواية لا يجوز في المكيل إلا كيلا ولا في الموزن إلا وزناً ذكره
القاضي وابن أبي موسى لأنه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر
به في الأصل كبيع الربويات بعضها ببعض ولأنه مقدر بغير ما هو مقدر به في
الأصل فلم يجز كما لو اسلم في المذروع وزنا (الثانية) يجوز فنقل المروذي عن
أحمد أن السلم يجوز في اللبن إذا كان كيلا أو وزناً وهذا يدل على إباحة
السلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لأن اللبن لا يخلو من أن يكون مكيلا
أو موزونا وقد أجاز السلم فيه بكل منهما وهو قول الشافعي وابن المنذر، وقال
مالك ذلك جائز إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً وهذا الصحيح إن شاء الله
لأن الغرض معرفة قدره وإمكان تسليمه من غير تنازع فبأي قدر قدره جاز ويفارق
بيع الربويات فإن التماثل بالكيل في المكيل الوزن في الموزون شرط ولا يعلم
هذا الشرط إذ قدرها بغير مقدارها الأصلي، وقد ذكرنا المكيل والموزون في باب
الربا، ولا يسلم في اللبأ إلا موزوناً لأنه يجمد عقيب حلبه فلا يتحقق الكيل
فيه وإن كان المسلم فيه مما لا يمكن وزنه بميزان لثقله كالأرحية والحجارة
الكبار وزن بالسفينة فتترك السفينة في الماء ثم يترك ذلك فيها فينظر إلى أي
موضع تغوص فيعلمه ثم يرفع ويترك مكانه رمل أو أحجار صغار إلى أن يبلغ الماء
الموضع المعلم ثم يوزن بميزان فيكون زنة ذلك الشئ {مسألة} (ولا بد أن يكون
المكيال معلوماً فإن شرط مكيالاً بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح)
بشرط أن يكون المكيال والصنجة والذراع معروفة عند العامة فإن عين مكيالا أو
صنجة أو
(4/325)
ذراعاً غير معلوم لم يصح لأنه يهلك فيتعذر
المسلم فيه وهذا غرر لا يحتاج إليه العقد.
قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام
لا يجوز بقفيز لايعرف عياره ولا في ثوب بذرع فلان لأن المعيار لو تلف أو
مات فلان بطل السلم منهم الثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور فإن
عين مكيال رجل أو ميزانه وكانا معروفين عند العامة جاز ولم يختص بهما، فإن
لم يعلما لم يجز لما ذكرنا {مسألة} (وفي المعدود المختلف غير الحيوان
روايتان) (إحداهما) يسلم فيه عدداً والأخرى وزناً وقيل يسلم في الجوز
والبيض عدداً وفي الفواكه والبقول
وزناً وما عدا المكيل والموزون الحيوان والمذروع فعلى ضربين معدود وغيره
والمعدود نوعان (أحدهما) لا يتباين كثيراً كالجوز والبيض فيسلم فيه عددا في
أضهر الروايتين وهو قول أبي حنيفة والاوزاعي، وقال الشافعي لا يسلم فيهما
عدداً لأن ذلك يتباين ويختلف فلم يجز عدداً كالبطيخ وإنما يسلم فيهما وزناً
وكيلا ولنا أن التفاوت يسير ويذهب ذلك باشتراط الكبر والصغر أو الوسط فيذهب
التفاوت وإن بقي شئ " يسير عفي عنه كسائر التفاوت في المكيل والموزون
المعفو عنه، ويفارق البطيخ فإنه يتفاوت تفاوتاً كثيراً لا ينضبط ولنا فيه
منع أيضاً (النوع الثاني) ما يتفاوت كالرمان والسفرجل والقثاء والخيار
فحكمه حكم ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول وفيه وجهان (أحدهما) يسلم فيه
عددا ويضبطها بالصغر والكبر لانه يباع هكذا (والثاني) لا يسلم فيه الاوزنا
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي لأنه لا يمكن تقديره بالعدد لأنه يختلف
كثيراً ويتباين جداً، ولا بالكيل لأنه يتجافى في المكيال.
ولا يمكن تقدير البقل بالحزم لأنه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة فلم
يمكن تقديره بغير الوزن فيتعين تقديره به، وقيل يسلم في الجوز والبيض عدداً
لأنه يباع كذلك وفي الفواكه والبقول وزناً لأنه أضبط وقد ذكرناه
(4/326)
قال رحمه الله تعالى (فصل) (الرابع أن
يشترط أجلا معلوماً له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن أسلم حالا أو إلى
أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح) يشترط لصحة السلم كونه مؤجلا ولا يصح السلم
الحال نص عليه أحمد في رواية المروذي، وبه قال أبو حنيفة ومالك والاوزاعي،
وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر يجوز السلم حالا لأنه عقد يصح مؤجلا فصح
حالا كبيوع الأعيان، ولأنه إذا جاز مؤجلا فحالا أجوز ومن الغرر أبعد ولنا
قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم أو وزن
معلوم إلى أجل معلوم " فأمر بالأجل والأمر يقتضي الوجوب، ولأنه أمر بهذه
الشروط تبييناً لشروط السلم ومنعا منه بدونها، ولذلك لا يصح إذا انتفى
الكيل والوزن فكذلك الأجل، ولأنه إنما جاز رخصة للمرفق ولا يحصل المرفق إلا
بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى المرفق فلا يصح الكتابة، ولأن الحلول يخرجه
عن اسمه ومعناه أما الاسم فإنه سمي سلماً وسلفاً لتعجل أحد العوضين وتأخر
الآخر
ومعناه ما ذكرناه في أول الباب من أن الشارع رخص فيه من أجل الحاجة الداعية
إليه ومع حضور ما يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم فلا يثبت وفارق بيوع
الأعيان فإنها لم تثبت على خلاف الأصل لمعنى يختص بالتأجيل وما ذكروه من
التنبيه غير صحيح لأن ذلك إنما يجري فيما إذا كان المعنى المقتضي موجوداً
في الفرع بصفة التأكيد وليس كذلك ههنا فان البعد من الغرر ليس هو المقتضي
لصحة السلم المؤجل وإنما المصحح له شئ آخر لم يذكر اجتماعهما فيه وقد بينا
افتراقهما.
إذا ثبت هذا فإنه إن باعه ما يصح السلم فيه حالا في الذمة صح ومعناه معنى
السلم، وإنما افترقا في اللفظ لكن يشترط في البيع إن يكون المبيع مملوكاً
للبائع، فإن باعه ما ليس عنده لم يصح وقد ذكرناه (فصل) ويشترط كون الأجل
مدة لها وقع في الثمن كالشهر وما قاربه، وقال أصحاب أبي حنيفة لو قدره بنصف
يوم جاز، وقدره بعضهم بثلاثة أيام وهو قول الأوزاعي لأنها مدة يجوز فيها
خيار الشرط وهي آخر حد القلة قالوا لأن الأجل إنما اعتبر في السلم لأن
المسلم فيه معدوم في الأصل لكون
(4/327)
السلم إنما ثبت رخصه في حق المفاليس فلابد
من الأجل ليحصل ويسلم وهذا يتحقق بأقل مدة يتصور حصوله فيها.
ولنا أن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم ولا يحصل
ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن، ولا يصح اعتباره بمدة الخيار لأن
الخيار يجوز ساعة وهذا لا يجوز والأجل يجوز أن يكون أعواماً وهم لا يجيزون
الخيار أكثر من ثلاث وكونها آخر حد القلة لا يقتضي التقدير بها، وقولهم إن
المقصود يحصل بأقل مدة لا يصح فإن السلم إنما يكون لحاجة المفاليس الذين
لهم ثمار أو زروع أو تجارات ينتظرون حصولها ولا يحصل هذا في المدة اليسيرة
غالبا {مسألة} (إلا أن يسلم في شئ يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح) قال
الأثرم قلت لأبي عبد الله الرجل يدفع إلى الرجل الدراهم في الشئ يؤكل فيأخذ
منه كل يوم من تلك السلعة شيئاً فقال على معنى السلم؟ فقلت نعم، فقال لا
باس ثم قال مثل الرجل القصاب يعطيه الدينار على أنه يأخذ منه كل يوم رطلا
من لحم قد وصفه: وبهذا قال مالك، وقال الشافعي إذا أسلم في جنس واحد إلى
أجلين لم يصح في أحد القولين لأن ما يقابل أبعدهما أجلا أقل مما يقابل
الآخر
وذلك مجهول.
ولنا أن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال كبيوع الأعيان، فعلى هذا
إذا قبض البعض وتعذر رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل للباقي فضلاً على المقبوض
لأنه مبيع واحد متماثل الاجزاء فيقسط الثمن على أجزائه بالسوية كما لو اتفق
أجله {مسألة} (فان أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح) أما إذا
أسلم في جنس إلى أجلين فقد ذكرناه في المسألة قبلها، وأن أسلم في جنسين إلى
أجل واحد صح قياساً على البيع {مسألة} (ولابد أن يكون الأجل مقدراً بزمن
معلوم للخبر) وهو أن يسلم إلى وقت يعلم بالأهلة نحو أول الشهر وأوسطه وآخره
أو يوم معلوم منه لقول الله تعالى (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس
والحج) ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك، فإن أسلم إلى عيد الفطر أو النحر أو
يوم عرفة أو عاشوراء أو نحوها جاز لأنه معلوم بالأهلة فإن
(4/328)
جعل الأجل مقدراً بغير الشهور الهلالية
وكان ما يعرفه المسلمون وهو مشهور بينهم مثل الأشهر الرومية كشباط ونحوه أو
عيد لا يختلف كالنيروز والمهرجان عند من يعرفهما فظاهر كلام الخرقي وابن
أبي موسى أنه لا يصح لأنه أسلم إلى غير الشهور الهلالية أشبه إذا أسلم إلى
الشعانين وعيد الفطير، ولأن هذه لا يعرفها كثير من المسلمين اشبه ما ذكرنا،
وقال القاضي يصح وهو قول الأوزاعي والشافعي لأنه معلوم لا يختلف أشبه أعياد
المسلمين وفارق ما يختلف لكونه لا يعلمه المسلمون وإن كان مما لا يعرفه
المسلمون كالشعانين وعيد الفطير ونحوهما لم يصح السلم إليه لأن المسلمين لا
يعرفونه ولايجوز تقليد أهل الذمة فيه لأن قولهم غير مقبول ولأنهم يقدمونه
ويؤخرونه على حساب لهم لا يعرفه المسلمون، وإن أسلم الى ما لا يختلف مثل
كانون الأول ولا يعرفه المتعاقدان أو أحدهما لم يصح لأنه مجهول عنده {فصل}
وإذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله، وإن جعل الأجل اسما يتناول شيئين
كجمادى ويوم النفر تعلق بأولهما، وإن قال الى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها
لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها،
وكذلك لو قال إلى شهر كان إلى آخره وينصرف إلى الأشهر الهلالية لقول الله
تعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً) وإن أراد الهلالية فان
(4/329)
كان في أثناء شهر كمل شهراً بالعدد وشهرين
بالأهلة، وقيل تكون الثلاثة بالعدد وسنذكر ذلك في غير هذا، وإن قال محله
شهر كذا صح وتعلق بأوله، وقيل لا يصح لأنه جعل ذلك ظرفا فيحتمل أوله وآخره
والصحيح الأول، فإنه لو قال لعبده أنت حر في شهر كذا تعلق بأوله وهو نظير
مسئلتنا، فإن قيل العتق يتعلق بالاخطار والاغرار ويجوز تعليقه على مجهول
كنزول المطر وقدوم زيد بخلاف مسئلتنا، قلنا إلا أنه إذا جعل محله في شهر
تعلق بأوله فلا يكون مجهولاً وكذا السلم {مسألة} (وإن أسلم إلى الحصاد أو
شرط الخيار إليه فعلى روايتين) لا يصح أن يؤجل السلم إلى الحصاد والجزاز
وما أشبهه، كذلك قال ابن عباس وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر، وفيه رواية
أخرى أنه يجوز.
قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال مالك وأبو ثور، وعن ابن عمر أنه
كان يبتاع إلى العطاء، وبه قال ابن أبي ليلى وقال أحمد إن كان شئ يعرف
فأرجو، وكذلك إن قال إلى قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء
لأن ذلك معلوم، فأما نفس العطاء فهو مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر، ويحتمل أنه
أراد نفس العطاء لكونه يتقارب أيضاً فأشبه الحصاد ووجه ذلك أنه أجل تعلق
بوقت من الزمن يعرف في العادة لا يتفاوت تفاوتا كثيراً أشبه إذا قال إلى
رأس السنة
(4/330)
ولنا قول ابن عباس: لا تتبايعوا إلى الحصاد
والدياس، ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم، ولأن ذلك يختلف ويقرب ويبعد فلا
يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد، فإن قيل فقد روي عن عائشة أنها قالت: أن
النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي " أن ابعث إلي بثوبين إلى الميسرة
" قلنا قال إبن المنذر رواه حرمي بن عمارة، وقال أحمد فيه غفلة وهو صدوق،
قال إبن المنذر فأخاف أن يكون من غفلاته إذ لم يتابع عليه، ثم أنه لا خلاف
في أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح، وإن جعل الخيار إليه فهو في معنى
الاجل {مسألة} (وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه وإلا
فلا)
عبر بالسلم عن المسلم فيه كما يعبر بالسرقة عن المسروق، وبالرهن عن
المرهون، وإذا حضر المسلم فيه على الصفة المشروطة لم يخل من أحوال ثلاثة
(أحدها) أن يحضره في محله فيلزمه قبوله كالبيع المعين سواء تضرر بقبضه أولا
لأن على المسلم إليه ضرراً في بقائه في يده، فإن امتنع قيل له إما أن تقبض
حقك أو تبرئ منه لأن قبض الحاكم قام مقام قبض الممتنع بولايته إلا أنه ليس
له الابراء (الحال الثاني) أن يحضره بعد محل الوجوب فهو كما لو أحضر المبيع
بعد تفرقهما (الحال الثالث) أن يحضره قبل محله فينظر، فان كان في قبضه قبل
المحل ضرر إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة كلها أو كان قديمة دون
حديثه كالحبوب ونحو هذا لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضاً في تأخيره بأن
يحتاج إلى أكله أو طعامه في ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن تلفه
ويحتاج إلى المؤنة وهكذا إن كان يحتاج في حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه، أو
كان الوقت مخوفاً يخشى على ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ في هذه الأحوال لأن
عليه ضرراً في قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فهو كنقص صفة فيه، وإن كان مما
لاضرر في قبضه ولا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوي قديمه وحديثه
ونحو ذلك الزيت والعسل ولم يكن في قبضه ضرر الخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه
لحصول غرضه مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وزيادة الجودة في
المسلم فيه (فصل) وليس له إلا أقل ما تقع عليه الصفة لأنه قد سلم إليه ما
تناوله العقد فبرئت ذمته منه فعليه أن يسلم الحبوب نقية، فإن كان فيها تراب
يأخذ موضعاً من المكيال لم يجز، وإن كان يسيراً لا يؤثر في الكيل ولا يعيب
لزمه أخذه، ولا يلزمه أخذ التمر إلا جافاً، ولا يلزم ان يتناهى جفافه لأنه
يقع عليه
(4/331)
الاسم، ولا يلزمه أن يقبل معيباً بحال وإن
قبضه فوجده معيباً فله المطالبة بالبدل كالمبيع والله أعلم (فصل) الشرط
الخامس أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله لا نعلم فيه خلافاً لأنه إذا
كان ظاهراً أمكن تسليمه عند وجوب التسليم، وإذا لم يكن عام الوجود لم يكن
موجوداً عند المحل كذلك فلا يمكن تسليمه فلم يصح كبيع الآبق، بل أولى فإن
السلم احتمل فيه أنواع من الغرر للحاجة فلا يحتمل فيه غرر آخر لئلا يكثر
الغرر فإن كان لا يوجد فيه أولا يوجد إلا نادراً كالسلم في العنب
والرطب إلى شباط أو آذار أو أسلم الى محل لا يعم وجوده فيه كزمان أول العنب
أو آخره الذي لا يوجد فيه إلا نادراً لم يصح لأنه لا يؤمن انقطاعه فلا يغلب
على الظن القدرة على تسليمه عند وجوب التسليم {مسألة} (وإن أسلم في ثمرة
بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه) قال إبن
المنذر: ابطال السلم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالإجماع من أهل العلم
منهم الثوري ومالك والشافعي والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي، قال وروينا عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى
فقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما من
حائط بني فلان فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " رواه ابن ماجه وغيره ورواه
الجوزجاني في المترجم وقال أجمع الناس على الكراهة لهذا البيع ولأنه لا
يؤمن انقطاعه وتلفه أشبه مالو اسلم في شئ قدره مكيال معين أو صنجة معينة أو
أحضر خرقة وأسلم في مثلها (فصل) ولا يشترط وجود المسلم فيه حال العقد بل
يجوز أن يسلم في الرطب في أوان الشتاء
(4/332)
وفي كل معدوم إذا كان موجوداً عند المحل
وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال الثوري والاوزاعي وأصحاب
الرأي يشترط أن يكون جنسه موجوداً حال العقد إلى حال المحل لأن كل زمان
يجوز أن يكون محلاً للمسلم فيه لموت المسلم إليه فاعتبر وجوده فيه كالمحل.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار
السنتين والثلاث فقال " من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل
معلوم " ولم يذكر الوجود ولو كان شرطاً لذكره ولنهاهم عن السلف سنتين لأنه
يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة ولا يثبت في الذمة ويوجد في محله
غالباً أشبه الموجود ولا نسلم أن الدين يحل بالموت، وإن سلمنا فلا يلزم أن
يشترط ذلك الوجود إذ لو لزم أفضى إلى أن تكون آجال السلم مجهولة والمحل ما
جعله المتعاقدان محلاً وههنا لم يجعلاه {مسألة} (وإن أسلم إلى محل يوجد فيه
عاماً فانقطع خير بين الصبر والفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان
معدوماً في أحد الوجهين وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر)
وجملة ذلك أنه تعذر تسليم المسلم فيه عند محله أما لغيبة المسلم إليه أو
عجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل الثمار تلك السنة فالمسلم
بالخيار بين الصبر إلى أن يوجد فيطالب به وبين أن يفسخ العقد ويرجع بالثمن
إن كان موجوداً أو بمثله إن كان مثلياً والاقيمته، وبذلك قال الشافعي
وإسحاق وابن المنذر، وفيه وجه آخر أنه ينفسخ بنفس التعذر لكون المسلم فيه
من ثمرة العام بدليل وجوب التسليم منها فإذا هلكت انفسخ العقد به كما لو
باعه قفيزاً من صبرة فهلكت والأول أصح فإن العقد قد صح وإنما تعذر التسليم
فهو كمن اشترى عبداً فأبق قبل القبض، ولا يصح دعوى التعيين في هذا العام،
فإنهما
(4/333)
لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غيرها جاز
وإنما أجبر على دفعه من ثمرة العام لتمكنه من دفع ما هو نصف حقه وذلك يجب
الدفع من ثمرة نفسه إذا قدر ولم يجد غيرها وليست متعينة فإن تعذر البعض
فللمشتري الخيار بين الفسخ في الكل والرجوع بالثمن وبين أن يصبر إلى حين
الامكان ويطالب بحقه، فان أحب الفسخ في المتعذر وحده فله ذلك لأن الفساد
طرأ بعد صحة العقد فلم يوجب الفساد في الكل ويصبر على ما نذكره من الخلاف
في الإقالة في بعض السلم، وإن قلنا أن الفسخ يثبت بنفس التعذر انفسخ في
المعقود دون الموجود لما ذكرنا من أن الفساد الطارئ على بعض المعقود عليه
لا يوجب فساد الجميع ويثبت للمشتري خيار الفسخ في الموجود كما ذكرنا في
الوجه الأول (فصل) وإذا أسلم ذمي إلى ذمي في خمر ثم أسلم أحدهما فقال ابن
المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن المسلم يأخذ دراهمه لأنه إن
كان المسلم المسلم فليس له استيفاء الخمر فقد تعذر استيفاء المعقود عليه
وإن كان الآخر فقد تعذر عليه الإيفاء فصار الأمر الى رأس ماله {فصل} (الشرط
السادس) أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد فإن تفرقا قبل ذلك بطل، وبذلك
قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر
ما لم يكن ذلك شرطاً لأنه معاوضة لا تخرج بتأخير قبضه من أن تكون سلماً
فأشبه تأخيره إلى آخر المجلس ولنا أنه عقد معاوضة لا يجوز فيه شرط تأخير
العوض المطلق فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض كالصرف، ولا يصح قياسه على
المجلس بدليل الصرف، وإن قبض بعضه ثم تفرقا فكلام الخرقي
(4/334)
يقتضي أن لا يصح وحكي ذلك عن ابن شبرمة
والثوري.
وقال أبو الخطاب هل يصح في المقبوض؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة وهذا
الذي يقتضيه مذهب الشافعي، وقد نص أحمد في رواية ابن منصور إذا أسلمت
ثلثمائة درهم في أصناف شتى مائة في حنطة ومائة في شعير ومائة في شئ آخر
فخرج فيها زيوف رد على الأصناف الثلاثة على كل صنف بقدر ما وجد من الزيوف
فصحح العقد في البافي بحصته من الثمن، وقال الشريف أبو جعفر فيمن أسلف
ألفاً إلى رجل فقبضه نصفه وأحاله بنصفه أو كان له دين على المسلم إليه بقدر
نصفه فحسبه عليه من الألف صح السلم في النصف المقبوض وبطل في الباقي وحكي
عن أبي حنيفة أنه قال يبطل في الحوالة في الكل، وفي المسألة الأخرى يبطل
فيما لم يقبض وحده بناء على تفريق الصفقة (فصل) وإن قبض الثمن فوجده رديئاً
فرده والثمن معين بطل العقد برده فإن كان الثمن أحد النقدين وقلنا تتعين
النقود بالتعيين بطل، ويبتدئان عقداً آخر إن اختاره، وإن كان في الذمة فله
إبداله في المجلس ولا يبطل العقد برده لأن العقد إنما وقع على ثمن سليم
فإذا دفع إليه معيباً كان له رده والمطالبة بالسليم، ولم يؤثر قبض المعيب
في العقد، وإن تفرقا ثم علما عيبه فرده ففيه وجهان (أحدهما) يبطل العقد
برده لوقوع القبض بعد التفرق (والثاني) لا يبطل لأن القبض الأول كان صحيحا
بدليل مالو أمسكه ولم يرده وهذا بدل عن المقبوض وهذا قول أبي يوسف ومحمد
وأحد قولي الشافعي واختيار المزني لكن من شرطه أن يقبض البدل في مجلس الرد،
فإن تفرقا عن مجلس الرد قبل قبض البدل بطل وجهاً واحداً لخلو العقد عن قبض
الثمن بعد تفرقهما، فإن وجد بعض الثمن رديئاً فرده
(4/335)
ففي المردود ما ذكرنا من التفصيل، وهل يصح
في غير الردئ.
إذا قلنا بفساده في الردئ؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة (فصل) وإن ظهرت
الدراهم مستحقة والثمن معين لم يصح.
قال أحمد: إذا خرجت الدراهم مسروقة فليس بينهما بيع.
وذلك لأن الثمن إذا كان معينا فقد اشترى بعين مال غيره بغير إذنه وإن
كان غير معين فله المطالبة ببدله في المجلس، وإن قبضه ثم تفرقا بطل العقد
لأن المقبوض لا يصلح عوضاً فقد تفرقا قبل أخذ الثمن الاعلى الرواية التي
تقول بصحة تصرف الفضول، أو إن النقود لا تتعين بالتعيين، وإن وجد بعضه
مستحقاً بطل العقد فيه، وفي الباقي على وجهين بناء على تفريق الصفقة (فصل)
وإن كان له في ذمة رجل دينارا فجعله سلماً في طعام إلى أجل لم يصح قال إبن
المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وروي عن ابن عمر أنه
قال: لا يصح لذلك وذلك لأن المسلم فيه دين: فإذا جعل الثمن ديناً كان بيع
دين بدين ولا يصح بالإجماع، ولو قال أسلمت إليك في كر طعام وشرطا أن يعجل
له منها خمسين ويؤجل خمسين لم يصح العقد في الكل في قول الخرقي ويخرج في
صحته في قدر المقبوض وجهان (أحدهما) يصح وهو قول أبي حنيفة بناء على تفريق
الصفقة (والثاني) لا يصح وبه قال الشافعي وهو أصح لأن للمعجل فضلاً على
المؤجل فيقتضي أن يكون في مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤخر والزيادة
مجهولة فلا يصح {مسألة} (وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه
على وجهين)
(4/336)
اختلفت الرواية في معرفة صفة الثمن المعين
ولا خلاف في اشتراط معرفة صفته إذا كان في الذمة لأنه أحد عوضي السلم، فإذا
لم يكن معيناً اشترط معرفة صفته كالآخر إلا أنه إذا أطلق وفي البلد نقد
واحد انصرف إليه وقام مقام وصفه، وإن كان الثمن معيناً فقال القاضي وابو
الخطاب يشترط ذلك لأن أحمد قال: يقول أسلمت إليك كذا وكذا درهما ونصف الثمن
فاعتبر ضبط صفته، وهذا قول مالك وأبي حنيفة لأنه عقد لا يمكن إتمامه في
الحال ولا تسليم المعقود عليه ولا يؤمن انفساخه فوجبت معرفة رأس مال السلم
فيه ليرد بدله كالقرض، ولأنه لا يؤمن أن يظهر بعض الثمن مستحقاً فينفسخ
العقد في قدره فلا يعلم في كم بقي وكم انفسخ؟ فإن قيل هذا موهوم والموهومات
لا تعتبر.
قلنا الوهم ههنا معتبر لأن الأصل عدم الجواز، وإنما جاز إذا وقع الأمن
الغرر ولم يوجد ههنا بدليل ما إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قدر السلم
بصنجة بعينها وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط لأنه لم يذكره في شروط السلم
وهو أحد قولي الشافعي لأنه عوض مشاهد فلم يحتج إلى معرفة قدره كبيوع
الأعيان وكلام أحمد
إنما تناول غير المعين ولا خلاف في اعتبار أوصافه، ودليلهم ينتقض بعقد
الإجارة فإنه ينفسخ بتلف العين المستأجرة ولايحتاج مع التعيين إلى معرفة
الأوصاف، ولأن رد مثل الثمن إنما يستحق عند فسخ العقد لا من جهة عقده.
وجهالة ذلك لا تؤثر كما لو باع المكيل والموزون، ولأن العقد قد تمت شرائطه
فلا يبطل بأمر موهوم فعلى القول الأول لا يجوز أن يجعل رأس مال السلم مالاً
يمكن ضبطه بالصفة كالجواهر وسائر مالا يجوز السلم فيه فإن فعلا بطل العقد
ويرده إن كان موجوداً وإلا رد قيمته، فإن
(4/337)
اختلفا في القيمة فالقول قول المسلم إليه
لأنه غارم وكذلك إن حكمنا بصحة العقد ثم انفسخ.
فإن اختلفا في المسلم فيه فقال أحدهما في كذا مدي حنطة، وقال الآخر في كذا
مدي شعير تحالفا وتفاسخا وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي كما لو
اختلفا في ثمن المبيع (فصل) وكل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز أن يسلم
أحدهما في الآخر لأن السلم من شرطه النساء والتأجيل والذي ذكره الخرقي في
أنه لا يجوز النساء في العروض وهي إحدى الروايتين فعلى هذا لا يجوز إسلام
بعضها في بعض.
وقال ابن أبي موسى: لا يجوز أن يكون رأس مال السلم إلا عيناً أو ورقاً، قال
القاضي وهو ظاهر كلام أحمد، قال إبن المنذر قيل لأحمد يسلم ما يوزن فيما
يكال وما يكال فيما يوزن؟ فلم يعجبه، فعلى هذا لا يجوز أن يكون المسلم فيه
ثمناً وهو قول أبي حنيفة لأنها لا تثبت في الذمة إلا ثمناً فلا يجوز أن
تكون مثمنة، وعلى الرواية التي تقول يجوز النساء في العروض يجوز أن يكون
رأس المال عرضاً كالثمن سواء ويجوز إسلامها في الأثمان، قال الشريف أبو
جعفر يجوز السلم في الدراهم والدنانير وهذا مذهب مالك والشافعي لأنها تثبت
في الذمة صداقاً فتثبت في الذمة سلما كالعروض ولانه لاربا بينهما من حيث
التفاضل ولا النساء فصح إسلام أحدهما في الآخر كالعرض في العرض ولا يصح ما
قاله أبو حنيفة فإنه لو باع دراهم بدنانير صح ولا بد أن يكون أحدهم مثمناً
فعلى هذا إذا أسلم عرضاً في عرض موصوف بصفاته فجاء عند الحلول بذلك العرض
بعينه لزمه قبوله على أحد الوجهين لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزمه
قبوله كما لو كان غيره (والثاني) لا يلزمه لان يفضي إلى كون الثمن هو
المثمن، ومن نصر الأول قال هذا لا يصح لأن الثمن إنما هو في الذمة وهذا عوض
(4/338)
عنه، وهكذا لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة
فجاء المحل وهي على صفة المسلم فيه فأحضرها خرج فيها الوجهان (أحدهما) لا
يجوز لأنه يفضي إلى أن يكون قد استمتع بها وردها خالية عن عقر (والثاني)
يجوز لأنه أحضر المسلم فيه على صفته، ويبطل الأول بما إذا وجد بها عيباً
فردها وللشافعي في هاتين المسئلتين وجهان كهذين، فان فعل ذلك حيلة لينتفع
بالعين أو ليطأ الجارية ثم يردها بغير عوض لم يجز وجهاً واحداً {مسألة}
(وإن أسلم ثمنا واحدا في جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس) يجوز أن يسلم
ديناراً في قفيز حنطة وقفيز شعير فإن لم يبين ثمن الحنطة من الشعير لم يصح
وقال مالك يجوز وللشافعي قولان كالمذهبين لأن كل عقد جاز على جنسين في
عقدين جاز عليهما في عقد واحد كبيوع الأعيان.
ولنا أن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يصح كما لو عقد عليه مفرداً
بثمن مجهول، ولأن فيه غرراً لأنا لا نأمن الفسخ بتعذر أحدهما فلم ندربكم
يرجع؟ وهذا غرر يؤثر مثله في السلم، وبمثل هذا عللنا معرفة صفة الثمن وقد
ذكرنا ثم وجهاً أنه لا يشترط فيخرج ههنا مثله لأنه في معناه، والجواز ههنا
أولى لأن العقد ثم إذا انفسخ لا يعلم مقدار ما يرجع به وههنا يرجع بقسطه من
رأس مال السلم، ولأنه لو باع عبده وعبد غيره بثمن واحد جاز في أظهر الوجهين
وهذا مثله، ولأنه لما جاز أن يسلم في شئ واحد إلى أجلين ولا يبين ثمن كل
منهما ينبغي أن يجوز ههنا.
قال ابن أبي موسى: ولا يجوز أن يسلم خمسة دنانير وخمسين درهماً في كر حنطة
إلا أن يبين حصة ما لكل واحد منهما من الثمن، والأولى صحة هذا لأنه إذا
تعذر بعض السلم رجع بقسطه منهما، وإن تعذر النصف رجع بالنصف، وإن تعذر
الخمس رجع بدينار وعشرة دراهم (فصل) قال رحمه الله تعالى (السابع أن يسلم
في الذمة، فان أسلم في عين لم يصح)
(4/339)
لأنه ربما تلف قبل أوان تسليمه فلم يصح كما
لو شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة، ولأن المعين يمكن بيعه في
الحال فلا حاجة الى السلم فيه {مسألة} (ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء)
ذكره القاضي وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث، وبه
قال أبو يوسف ومحمد وهو أحد قولي الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم "
من أسلم فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " ولم يذكر مكان
الإيفاء، ولو كان شرطاً لذكره وفي الحديث الذي فيه أن اليهودي أسلم إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما من حائط
بني فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " ولم يذكر مكان الإيفاء ولأنه
عقد معاوضة أشبه بيوع الأعيان، وقال الثوري يشترط وهو القول الثاني للشافعي
وقال الأوزاعي هو مكروه لأن القبض يجب بحلوله ولا يعلم موضعه يؤمئذ، وقال
أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي إن كان لحمله مؤنة وجب شرطه وإلا فلا لأنه
إذا كان لحمله مؤنة اختلف فيه الغرض بخلاف مالا مؤنة فيه {مسألة} (إلا أن
يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه) فيشترط ذكره لأنه متى كانا في برية لم
يمكن التسليم في مكان العقد فإذا ترك ذكره كان مجهولا {مسألة} (ويكون
الوفاء في موضع العقد) إذا كانا في مكان يمكن الوفاء فيه اقتضى العقد
التسليم في مكانه فاكتفى بذلك عن ذكره {مسألة} (فإن شرط الوفاء فيه كان
تأكيداً) وهو حسن لأنه شرط ما يقتضيه العقد أشبه مالو شرط الحلول في ثمن
المبيع {مسألة} (وإن شرطه في غيره صح) لأنه بيع فصح شرط الإيفاء في غير
مكانه كبيوع الأعيان ولأنه شرط ذكر مكان الإيفاء فصح كما لو ذكره في مكان
العقد (وعنه لا يصح) ذكرها ابن أبي موسى لأنه شرط خلاف ما اقتضاه العقد لأن
العقد يقتضي الإيفاء في مكانه، وقال القاضي وابو الخطاب: متى ذكر مكان
الإيفاء ففيه روايتان سواء شرطه في مكان العقد أو في غيره لأنه ربما تعذر
تسليمه في ذلك المكان فأشبه تعيين المكيال اختاره
(4/340)
أبو بكر، ولنا أن في تعيين المكان غرضاً
ومصلحة لهما أشبه تعيين الزمان وبهذا يبطل ما ذكروه، ثم لا يخلو إما أن
يكون مقتضى العقد التسليم في مكانه فإذا شرطه فقد شرط مقتضى العقد أولا
يكون ذلك مقتضى
العقد فيتعين ذكر مكان الإيفاء نفياً للجهالة عنه وقطعاً للتنازع فالغرر في
تركه لافي ذكره، وتعيين المكان يفارق هذا فإنه لا حاجة إليه ويفوت به علم
المقدار المشترط لصحة العقد ويفضي إلى التنازع وفي مسئلتنا لا يفوت به شرط،
ويقطع التنازع والمعنى المانع من التقدير بمكيال بعينه مجهول هو المقتضي
لذكر مكان الإيفاء فكيف يصح قياسهم عليه؟ {مسألة} (ولايجوز بيع المسلم فيه
قبل قبضه ولاهبته ولا أخذ غيره مكانه ولا الحوالة به) لا يجوز بيع المسلم
فيه قبل قبضه بغير خلاف علمناه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الطعام قبل قبضه وعن ربح ما لم يضمن ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز
بيعه كالطعام قبل قبضه وكذلك التولية والشركة وبهذا قال أكثر أهل العلم
وحكي جواز الشركة والتولية عن مالك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وأرخص في الشركة والتولية وقياساً على
الإقالة، ولنا أنها معاوضة في المسلم فيه قبل القبض فلم يصح كما لو كان
بلفظ البيع ولأنهما نوعا بيع فلا يجوز فيه السلم قبل قبضه كالنوع الآخر
والحديث لا نعرفه وهو حجة لنا لأنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه والشركة
والتولية بيع فيدخلان في النهي ويحمل قوله وأرخص في الشركة والتولية على
أنه أرخص فيهما في الجملة لافي هذا الموضع، وأما الإقالة فإنها فسخ وليست
بيعاً وأما أخذ غيره مكانه فهو أن يأخذ غير المسلم فيه عوضاً عن المسلم فيه
وذلك حرام سواء كان المسلم فيه موجوداً أو معدوماً وسواء كان العوض مثل
المسلم فيه في القيمة أو أقل أو أكثر، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وذكر ابن
أبي موسى رواية فيمن أسلم في بر فعدمه عند المحل فرضي أن يأخذ شعيرا مثله
جاز وذلك محمول على أن البر والشعير جنس والصحيح في المذهب خلافه وقال مالك
يجوز أن يأخذ غير المسلم فيه مكانه يتعجله ولا يؤخره إلا الطعام، وقال ابن
المنذر وقد ثبت ان ابن عباس قال: إذا أسلمت في شئ إلى أجل فإن أخذت ما
أسلفت فيه وإلا
(4/341)
فخذ عوضاً أنقص منه ولا تربح مرتين رواه
سعيد في سننه.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره "
رواه أبو داود وابن ماجة، ولأن أخذ العوض عن المسلم فيه بيع له فلم يجز
كبيعه لغيره
(فصل) ولا تجوز الحوالة به لأنها إنما تجوز على دين مستقر والسلم بعرض
الفسخ فليس بمستقر ولأنه نقل للملك في المسلم فيه على غير وجه الفسخ فلم
يجز كالبيع، ومعنى الحوالة أن يكون لرجل سلم وعليه مثله من قرض أو سلم آخر
أو بيع فيحيل بما عليه من الطعام على الذي عنده السلم فلا يجوز وإن أحال
المسلم إليه المسلم بالطعام الذي عليه لم يصح أيضاً لأنه معاوضة بالمسلم
فيه قبل قبضه فلم يجز كالبيع.
{مسألة} (ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته بشرط أن يقبض عوضه في
المجلس ولايجوز لغيره) لحديث ابن عمر: كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير
ونأخذ عوضها الدراهم وبالدراهم ونأخذ عوضها الدنانير فسألنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال " لا باس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " فقد دل الحديث
على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر وغيره مقاس عليه ودل على
اشتراط القبض في المجلس قوله " إذا تفرقتما وليس بينكما شئ " وفي ذلك
اختلاف ذكرناه في الصرف وفيه رواية أخرى أنه لا يصح بيعه لمن هو في ذمته
كما لا يصح في السلم، والأول أولى فإن اشتراه منه موصوف في الذمة من غير
جنسه جاز ولا يتفرقا قبل القبض لأنه يكون بيع دين بدين، وإن أعطاه معيناً
بما يشترط فيه التقابض مثل أن أعطاه عوض الحنطة شعيراً جاز ولم يجز التفرق
قبل القبض وإن أعطاه معيناً لا يشترط فيه التقابض جاز التفرق قبل القبض كما
لو قال بعتك هذا الشعير بمائة درهم في ذمتك ويحتمل أن لا يجوز لأن المبيع
في الذمة فلم يجز التفرق قبل القبض كالسلم (فصل) وإن باع الدين لغير من هو
في ذمته لم يصح، وبه قال أبو حنيفة والثوري واسحاق قال أحمد: إذا كان لك
على رجل طعام قرضاً فبعه من الذي هو عليه بنقد ولا تبعه من غيره بنقد ولا
نسيئة وإذا أقرضت رجلاً دراهم أو دنانير فلا تأخذ من غيره عوضا بمالك عليه،
وقال الشافعي
(4/342)
إن كان الدين على معسر أو مماطل لم يصح
البيع لأنه معجوز عن تسليمه وان كان على ملئ باذل له ففيه قولان
(أحدهما) يصح لأنه ابتاع بمال ثابت في الذمة فصح كما لو اشترى في ذمته،
ويشترط أن يشتري بعين أو يتقابضا في المجلس لئلا يكون بيع دين بدين.
ولنا أنه غير قادر على تسليمه فلم
يصح كبيع الآبق والطير في الهواء {مسألة} وتجوز الإقالة في السلم وتجوز
في بعضه في أحد الوجهين إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس
الإقالة) الإقالة في السلم جائزة لانها فسخ قال إبن المنذر أجمع كل من
نحفظ عنه من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة، ولأن
الإقالة فسخ للعقد وقع من أصله وليست بيعاً، قال القاضي ولو قال لي
عندك هذا الطعام صالحني على ثمنه جاز لأنه أقاله.
فأما الإقالة في بعض السلم فاختلفت الرواية فيها فروي عنه أنها لا تجوز
وقد رويت كراهتها عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين
والنخعي وسعيد بن جبير وربيعة وابن أبي ليلى وإسحاق، وروى حنبل عن أحمد
أنه قال: لا باس بها.
روى ذلك عن ابن عباس وعطاء وطاوس ومحمد بن علي وحميد بن عبد الرحمن
وعمرو بن دينار والحكم والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وابن
المنذر لأن كل معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والأنظار
ووجه الرواية الأولى أن السلف في الغالب يزاد فيه في الثمن من أجل
التأجيل فإذا أقاله في البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء
الذي حصلت الإقالة فيه فلم يجز كما لو شرط ذلك في ابتداء العقد، ويخرج
الإبراء والانظار فانه لا يتعلق به شئ من ذلك
(4/343)
(فصل) وإذا أقاله رد الثمن إن كان باقيا
وإلا رد مثله إن كان مثلياً أو قيمته إن لم يكن مثلياً ويشترط رده في
المجلس كما يشترط في السلم {مسألة} (وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها
لم يجز أن يأخذ من الثمن عوضاً من غير جنسه) متى أراد أن يعطيه عوضاً
عن الثمن فقال الشريف أبو جعفر لا يجوز له صرف ذلك الثمن في عقد آخر
حتى يقبضه، وبه قال أبو حنيفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف
في شئ فلا يصرفه إلى غيره " ولأن هذا مضمون على المسلم إليه بعقد السلم
فلم يجز التصرف فيه قبل قبضه كما لو كان في يد المشتري ولأن هذا مضمون
على المسلم إليه بعقد السلم فلم يجز أخذ عوضه كالمسلم فيه، وقال القاضي
أبو يعلى: يجوز أخذ العوض عنه وهو قول الشافعي لأنه عوض مستقر في الذمة
فجاز أخذ العوض عنه كما لو كان
قرضاً ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في
المبيع، والفرق بين المسلم فيه والثمن أن المسلم فيه مضمون بالعقد
والثمن مضمون بعد فسخه والخبر أريد به المسلم فيه فإن قلنا بهذا فحكمه
حكم ما لو كان في قرض أو ثمناً في بيوع الأعيان لا يجوز أن يجعل سلماً
في شئ آخر لأنه بيع دين بدين، ويجوز فيه ما يجوز في القرض واثمان
البياعات إذا فسخت ويأخذ أحد النقدين عن الآخر ويقبضه في مجلس الإقالة
لانه صرف {مسألة} (وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه
اقبض سلمي لنفسك لم يصح قبضه لنفسه) لان قبضه لنفسه حوالة به والحوالة
بالسلم لا تجوز وهل يقطع قبضه للآمر؟ على روايتين (إحداهما)
(4/344)
يصح لأنه أذن له في القبض فأشبه قبض وكيله
وكما لو نوى المأمور القبض للآمر (والثانية) لا يصح لأنه لم يجعله
نائباً في القبض فلم يقع بخلاف الوكيل فصار كالقابض بغير إذن فإذا قلنا
لا يصح القبض بقي على ملك المسلم إليه، ولو قال الأول للثاني أحضر
اكتيالي منه لاقبض لك ففعل لم يصح قبضه للثاني وهل يكون قابضاً لنفسه؟
على وجهين (أولاهما) أنه يكون قابضاً لنفسه لأن قبض المسلم فيه قد وجد
من مستحقه كما لو نوى القبض لنفسه فعلى هذا إذا قبضه للآخر صح {مسألة)
(وإن قال اقبضه لي ثم أقبضه لنفسك صح لأنه استنابه في قبضه له فصح كما
لو لم يقل ثم أقبضه لنفسك وإذا وقع القبض للآمر ملكه وقبضه ثانية فجاز
أن يقبضه لنفسه كما لو كان في يد غيره وكذلك إن قال الآمر احضرنا حتى
اكتاله لنفسي ثم تكتاله أنت صح؟ {مسألة} وإن قال أنا أقبضه لنفسي وحده
بالكيل الذي يشاهده جاز في إحدى
(4/345)
الروايتين لانه علمه وشهد كيله والثانية لا
يجوز، وهو مذهب الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري ولم يوجد ذلك
ولانه قبضه بغير كيل أشبه مالو قبضه جزافا {مسألة} وإن اكتاله وتركه في
المكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما لأن استدامة
الكيل بمنزلة ابتدائه فلا معنى لابتداء الكيل ههنا لأنه لا يحصل به
زيادة علم، وقال الشافعي لا يصح للحديث الذي ذكرنا في المسألة قبلها
وهذا يمكن القول بموجبة لأن قبض المشتري له جري لصاعه فيه (فصل) وإن
دفع زيد إلى عمرو دراهم فقال اشتر لك بها مثل الطعام الذي لك علي ففعل
لم يصح لأن دراهم زيد لا تكون عوضاً لعمرو فإن اشترى الطعام بعينها أو
في ذمته فهو كتصرف الفضولي، وإن قال اشتر لي بها طعاماً ثم اقبضه لنفسك
ففعل صح الشراء ولم يصح القبض لنفسه على ما تقدم في مثل هذه الصورة وإن
قال اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك ففعل نص عليه، وقال أصحاب الشافعي لا يصح
لأنه لا يجوز أن يكون قابضاً من نفسه لنفسه ولنا أنه يجوز أن يشتري من
مال ولده ويبيعه ويقبض لنفسه من نفسه ولولده من نفسه وكذلك
(4/346)
لو وهب ولده الصغير شيئاً جاز أن يقبل له
من نفسه ويقبض منها فكذا ههنا {مسألة} (وإن قبض المسلم فيه جزافاً
فالقول قوله في قدره) لا يقبض ما أسلم فيه كيلاً إلا بالكيل ولا وزناً
إلا بالوزن ولا بغير ما قدر به وقت العقد لأن الكل والوزن يختلفان فإن
قبضه بذلك فهو كقبضه جزافاً ومتى قبضه جزافاً فإنه يأخذ قدر حقه ويرد
الباقي ويطالب بالنقص إن نقص وهل له أن يتصرف في قدر حقه منه قبل أن
نعتبره على وجهين مضى ذكرهما في كتاب البيع وإن اختلفا في قدره فالقول
قول القابض مع يمينه لأنه أعلم بكيله ولأنه منكر للزائد والقول قول
المنكر {مسألة} (وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله في
أحد الوجهين) لأن الأصل عدم الغلط والآخر يقبل لانه أعلم بكيل ما قبض
يعني إذا كاله فوجده ناقصا.
{مسألة} (وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم فيه؟ على روايتين)
(4/347)
اختلفت الرواية في الرهن والضمين في السلم
فروى المروذي وابن القاسم وأبو طالب منع ذلك وهو الذي ذكره الخرقي
واختاره أبو بكر ورويت كراهته عن علي وابن عمر وابن عباس والحسن وسعيد
بن جبير والاوزاعي، وروي حنبل جوازه وهو قول عطاء ومجاهد وعمرو بن
دينار والحكم
ومالك الشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر لقول الله تعالى (يا
أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى قوله مقبوضة) وقد روي عن ابن
عباس وابن عمر إن المراد به السلم ولأن اللفظ عام فيدخل فيه السلم
ولأنه أحد نوعي البيع فجاز أخذ الرهن بما في الذمة منه كبيوع الأعيان.
ووجه الأولى أن الرهن والضمين أن أخذ برأس مال السلم فقد أخذ بما ليس
بواجب ولا ما مآله الى الوجوب لأن المسلم إليه قد ملكه وان أخذ بالمسلم
فيه فالرهن إنما يجوز بشئ يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن والمسلم فيه لا
يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن ولا من ذمة الضامن ولأنه لا يأمن هلاك
الرهن في يده بعدوان فيصير مستوفياً لحقه من غير المسلم فيه وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم " من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره " رواه
أبو داود ولأنه يقيم ما في ذمة الضامن مقام ما في ذمة المضمون عنه
فيكون في حكم أخذ العوض والبدل عنه ولايجوز ذلك (فصل) فان أخذ رهناً أو
ضميناً بالمسلم فيه ثم تقايلا السلم أو فسخ العقد لتعذر المسلم فيه بطل
الرهن لزوال الدين الذي به الرهن وبرئ الضامن وعلى المسلم إليه رد رأس
مال السلم في الحال ولا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بعوض، ولو أقرضه
ألفاً وأخذ به رهناً ثم صالحه عن الألف على طعام معلوم في ذمته صح وزال
الرهن لزوال دينه من الذمة وبقي الطعام في الذمة ويشترط قبضه في المجلس
(4/348)
كيلا يكون بيع دين بدين فإن تفرقا قبل
القبض بطل الصلح ورجع الالف إلى ذمته برهنه لأنه يعود إلى ما كان عليه
كالعصير إذا تخمر ثم عاد خلا.
وكذا لو صالحه عن الدراهم بدنانير في ذمته فالحكم على ما بينا في هذه
المسألة (فصل) وإذا حكمنا بصحة ضمان السلم فلصاحب الحق مطالبة من شاء
منهما وأيهما قضاء برئت ذمتهما منه فإن سلم المسلم إليه المسلم فيه إلى
الضامن ليدفعه إلى المسلم جاز وكان وكيلاً وإن قال خذه عن الذي ضمنت
عني لم يصح وكان قبضاً فاسداً مضموناً عليه لأنه إنما إستحق الأخذ بعد
الوفاء فإن أوصله إلى المسلم برئ بذلك لأنه سلم إليه ما سلطه المسلم
إليه في التصرف فيه وإن تلف فعليه ضمانه لأنه قبضه على ذلك وإن صالح
المسلم الضامن عن المسلم فيه بثمنه لم يصح لأنه إقالة فلا يصح من غير
المسلم إليه
وإن صالحه المسلم إليه بثمنه صح وبرئت ذمته وذمة الضامن لأن هذا إقالة،
وإن صالحه على غير ثمنه لم يصح لأنه بيع للمسلم فيه قبل القبض (فصل)
والذي يصح أخذ الرهن به كل دين ثابت في الذمة يصح استيفاؤه من الرهن
كأثمان البياعات والأجرة في الإجارات والمهر وعوض الخلع والقرض وأروش
الجنايات وقيم المتلفات ولا يجوز أخذ الرهن بما ليس بواجب ولا ما مآله
الى الوجوب كالدية على العاقلة قبل الحول لأنها لم تجب بعد ولم يعلم
إفضاؤها إلى الوجوب لأنها قد تسقط بالجنون أو الفقر أو الموت فلم يصح
أخذ الرهن بها ويحتمل جواز أخذ الرهن بها قبل الحول لأن الأصل بقاء
الحياة واليسار والعقل.
فأما بعد الحول فيجوز أخذ الرهن بها لأنها قد استقرت.
ولايجوز أخذ الرهن بالجعل في الجعالة قبل العمل لأنه
(4/349)
لم يجب ولا يعلم افضاؤه إلى الوجوب ويحتمل
جواز أخذ الرهن به ذكره القاضي لأن مآله الى الوجوب واللزوم فأشبهت
أثمان البياعات والأولى أولى لأن افضاءها محتمل فأشبهت الدية قبل الحول
ويجوز أخذ الرهن به بعد العمل لأنه قد وجب ولا يجوز أخذ الرهن بمال
الكتابة لأنه غير لازم فإن للعبد تعجيز نفسه ولا يمكن استيفاء دينه من
الرهن لأنه لو عجز صار الرهن للسيد لأنه من جملة مال المكاتب وقال أبو
حنيفة يجوز ولنا أنها وثيقة لا يمكن استيفاء الحق منها فلم يصح كضمان
الخمر ولايجوز أخذ الرهن بعوض المسابقة لأنها جعالة لا يعلم إفضاؤها
إلى الوجوب لأن الوجوب إنما يثبت بسبق غير المخرج وهو غير معلوم ولا
مظنون، وقال بعض أصحابنا فيها وجهان هل هي إجارة أو جعالة؟ فإن قلنا هي
إجارة جاز أخذ الرهن بعوضها وقال القاضي إن لم يكن فيها محلل فهي جعالة
وإن كان فيها محلل فعلى وجهين وهذا كله بعيد لأن الجعل ليس في مقابلة
العمل بدليل أنه لا يستحقه إذا كان مسبوقاً وقد عمل العمل وإنما هو عوض
عن السبق ولا تعلم القدرة عليه ولأنه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد
له، وإذا لم يكن إجارة مع عدم المحلل فمع وجوده أولى لأن مستحق الجعل
هو السابق وهو غير معين فلا يجوز استئجار رجل غير معين ثم لو كانت
إجارة لكان عوضها غير واجب في الحال ولا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب ولا
يظن
فلم يجز أخذ الرهن به كالجعل في رد الآبق ولا يجوز أخذ الرهن بعوض غير
ثابت في الذمة كالثمن المعين والأجرة المعينة في الإجارة والمعقود عليه
في الإجارة إذا كان منافع معينه كإجارة الدار والعبد العين والدابة
المعينة مدة معلوم أو لحمل شئ معين إلى مكان معلوم لأن هذا حق تعلق
بالعين لا بالذمة
(4/350)
ولا يمكن استيفاؤه من الرهن لأن منفعة
العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها وتبطل الإجارة بتلف العين فأما إن
وقعت الإجارة على منفعة في الذمة كخياطة ثوب وبناء دار أخذ الرهن به
لأنه ثابت في الذمة ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر من ثمنه من
يعمل ذلك العلم فجاز أخذ الرهن به كالدين ومذهب الشافعي في هذا كله كما
قلنا (فصل) فأما الأعيان المضمونة كالغصوب العواري والمقبوض على وجه
السوم ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح الرهن بها وهو مذهب الشافعي لأن الحق
غير ثابت في الذمة أشبه ما ذكرنا، ولأنه إن رهنه على قيمتها إذا تلفت
فهو رهن على ما ليس بواجب ولا يعلم افضاؤه إلى الوجوب، وإن كان الرهن
على عينها لم يصح لأنه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن فأشبه أثمان
البياعات المتعينة (والثاني) يصح أخذ الرهن بها وهو مذهب أبي حنيفة
وقال كل عين كانت مضمونة بنفسها جاز أخذ الرهن بها يريد ما يضمن بمثله
أو قيمته كالمبيع يجوز أخذ الرهن به لأنه مضمون بفساد العقد، ولأن
مقصود الرهن الوثيقة بالحق وهذا حاصل فإن الرهن بهذه الأعيان يحمل
الراهن على ادائها، وإن تعذر أداؤها استوفى بدلها من ثمن الرهن فأشبهت
الدين في الذمة (فصل) قال القاضي كل ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ
الضمين به وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به إلا ثلاثة أشياء
عهدة المبيع يصح ضمانها ولا يصح الرهن بها.
والكتابة لا يصح الرهن بدينها ويصح ضمانها في إحدى الروايتين.
وما لا يجب لا يصح الرهن به ويصح ضمانه والفرق بينهما من وجهين
(أحدهما) أن الرهن بهذه الأشياء يبطل الارقاق فإنه إذا باع عبده بألف
ودفع رهنا يساوي
(4/351)
الفاً فكأنه ما قبض الثمن ولا ارتفق به والمكاتب إذا رفع ما يساوي
كتابته فما ارتفق بالأجل لأنه كان
يمكنه بيع الرهن وإبقاء الكتابة ويستريح والضمان بخلاف هذا (والثاني)
أن ضرر الرهن يعم لأنه يدوم بقاؤه عند المشتري فيمنع البائع التصرف فيه
والضمان بخلافه (فصل) وإذا اختلف المسلم والمسلم إليه في حلول الأجل
فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر، وإن اختلفا في أداء المسلم فيه
فالقول قول المسلم لذلك وإن اختلفا في قبض الثمن فالقول قول المسلم
إليه لذلك وإن اتفقا عليه وقال أحدهما كان في المجلس قبل التفرق.
وقال الآخر بعده فالقول قول من يدعي القبض في المجلس لأن معه سلامة
العقد.
وإن أقام كل واحد بينة بما ادعاه قدمت أيضاً بينته لأنها مثبته بخلاف
الأخرى.
|