الشرح الكبير على متن المقنع

باب الوكالة وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) فجوز العمل عليها وذلك بحكم النيابة عن المستحقين وأيضاً قوله تعالى (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) وهذه وكالة، وأما السنة فروى أبو داود والاثرم وابن ماجه بانسادهم عن عروة بن الجعد قال عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جلب فأعطاني ديناراً
فقال (يا عروة أئت الجلب فاشتر لنا شاة) قال فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما وأقودهما فلقبني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالدينار وبالشاة فقلت يا رسو الله هذا دينار كم وهذه شاتكم قال (وصنعت كيف؟) قال فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) هذا لفظ رواية الأثرم وروى أبو داود باسناده عن جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه وقلت إني أردت الخروج إلى خيير فقال (أئت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته) وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه وكل عمر وبن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة

(5/201)


وأجمعت الأمة على جواز الوكالة في الجملة، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فإنه لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه.
(مسألة) (تصح الوكالة بكل قول بدل الإذن وكل قول أو فعل بدل القبول) لا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول لأنه عقد تعلق به حق كل واحد منهما فافتقر إلى الإيجاب والقبول كالبيع، والإيجاب هو كل لفظ دل على الاذن نحو قوله أفعل كذا أو أذنت لك في فعله فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة بن الجعد في شراء شاة بلفظ الشراء وكذلك قوله تعالى حكاية عن أهل الكهف (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة إلى قوله فليأتكم برزق منه) ولأنه لفظ دل على الإذن فهو كقوله وكلتك ويكفي في القبول قوله قبلت وكل لفظ دل عليه ويجوز بكل فعل دل عليه أيضاً نحو أن يفعل لان ما أمره بفعله لأن الذين وكلهم النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ولأنه أذن في التصرف فجاز القبول فيه بالفصل كأكل الطعام (مسألة) (يجوز القبول على الفور والتراخي نحوان يوكله في بيع شئ فيبيعه بعد سنة أوبيلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت) لأن قبول وكلاء النبي صلى الله عليه كان بفعلهم وكان متراخياً عن توكيله إياهم ولأنه أذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الإباحة وهذا كله مذهب الشافعي
(فصل) ويجوز تعليقها على شرط نحو قوله إذا قدم الحاج فافعل كذا او إذا جاء الشتاء فاشتر لنا

(5/202)


كذا او إذا جاء الأضحى فاشتر لنا أضحية أو إذا طلب منك أهلي شيئاً فادفعه إليهم أو إذا دخل رمضان فقد وكلتك في كذا أو فأنت وكيلي وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي لا تصح لكن إن تصرف صح تصرفه لوجود الإذن وإن كان وكيلا بجعل فسد المسمى وله أجر المثل لأنه عقد يملك التصرف به في الحياة أشبه البيع ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أمير كم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة) وهذا في معناه ولا نه عقد اعتبر في حق الوكيل حكمة وهو إباحة التصرف وصحته فكان صحيحاً كما لو قال أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ولأنه لو قال وكلتك في شراء كذا في وقت كذا صح بلا خلاف ومحل النزاع في معناه ولأنه أذن في التصرف أشبه الوصية والتأمير ولأنه عقد يصح بغير جعل ولا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فصح بالجعل كالتوكيل الناجز (مسألة) (ولا يصح التوكيل والتوكل في شئ الاممن يصح تصرفه فيه) لأن من يصح تصرفه بنفسه فبنائبه أولى وكل من صح تصرفه في شئ بنفسه وكان مما تدخله النيابة صح أن يوكل فيه رجلا كان أو امرأة حرا أو عبدا مسلماً أو كافراً فأما من يتصرف بالإذن كالعبد المأذون له والوكيل والمضارب فلا يدخلون في هذا، لكن يصح من العبد التوكيل فيما يملكه دون سيده كالطلاق والخلع، وكذلك الحكم في المحجور عليه لسفه لا يوكل الافيما له فعله كالطلاق

(5/203)


والخلع وطلب القصاص، وكل ما صح أن يستوفيه بنفسه وتدخله النيابة صح أن يتوكل لغيره فيه إلا الفاسق فإنه يصح أن يقبل النكاح لنفسه، وذكر القاضي أنه لا يجوز أن يقبله لغيره وظاهر كلام شيخنا في الكتاب المشروح أنه يصح وهو قول أبي الخطاب وهو القياس ولا صحاب الشافعي وجهان كهذين فأما توكيله في الإيجاب فلا يجوز إلا على الرواية التي تثبت الولاية له وذكر أصحاب الشافعي في في ذلك الوجهين (أحدهما) يجوز لأنه ليس بولي (والثاني) لا يجوز لا نه موجب للنكاح أشبه الولي
ولأنه لا يجوز أن يتولى ذلك بنفسه فلم يجز أن يتوكل فيه كالمرأة ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها وغيرها ويصح توكيل العبد في قبول النكاح لأنه ممن يجوز أن يقبله لنفسه وإنما يقف ذلك على إذن سيده ليرضى بتعلق الحقوق به، ومن لا يملك التصرف في شئ لنفسه لا يصح أن يتوكل فيه كالمرأة في عقد انكاح وقبوله والكافر في تزويج مسلمة والطفل والمجنون في الحقوق كلها، وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل بجعل لأنه من اكتساب المال ولا يمنع من الإكتساب، وليس له أن يتوكل بغير جعل إلا بإذن سيده لأن منافعه كأعيان ماله وليس له بذلك عين ماله بغير عوض وتصح وكالة الصبي المميز بإذن الولي بناء على صحة تصرفه بإذنه (مسألة) (ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه الا الظاهر واللعان والإيمان)

(5/204)


وجملة ذلك أن التوكيل يجوز في الشراء والبيع ومطالبة الحقوق والعتق والطلاق حاضراً كان الموكل أو غائباً وقد ذكرنا الدليل على ذلك من الآية والخبر والحاجة تدعو إليه لأنه قد يكون ممن لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج الى السوق وقد يكون له مال ولا يحسن التجارة فيه وقد يحسن ولا يتفرغ وقد لا تليق به التجارة لكونه امرأة أو ممن يتعير بها ويحط ذلك من منزلته فأباحها الشرع دفعاً للحاجة وتحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله سبحانه، وكذلك يجوز التوكيل في الحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والإجارة والقرض والصلح والهبة والصدقة والوصية والفسخ والإبراء لأنها في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه ولا نعلم فيه خلافا، ويجوز التوكيل في الخلع والرجعة لأن الحاجة تدعو إليه كدعائها الى التوكيل في البيع ويجوز التوكيل في تحصيل المباحات كإحياء الموات واستقاء الماء والاصطياد والإحتشاش لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالا بتياع والإيهاب (فصل) ولا تصح في الإيمان والنذور لأنها تتعلق بعين الحالف والناذر فأشبهت العبادات البدنية والحدود ولا تصح في الإيلاء والقسامة واللعان لأنها إيمان ولا في الظهار لأنه قول منكر وزور فلا
يجوز فعله ولا الإستنابة فيه ولا تجوز في القسم بين الزوجات لأنها تتعلق ببدن الزوج لأمر يختص به

(5/205)


ولا في الرضاع لأنه يختص بالمرضعة والمرتضع لأمر يختص بإنبات لحم المرتضع وإنشاز عظمه من لبنها، ولا تصح في الغصب ولا في الجنايات لأن ذلك محرم وكذلك كل محرم لأنه لا يحل له فعله بنفسه قلم تجز النيابة فيه (مسألة) (ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج موليته إذا كان الوكيل ممن يصح له ذلك لنفسه وموليته لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية الضمري وأبا رافع في قبول النكاح له ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه ربما احتاج إلى التزويج من مكان بعيد لا يمكنه السفر إليه كما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وهي بأرض الحبشة ويجوز أن يوكل من يزوج موليته لأن الحاجة تدعو إليه فأشبه البيع إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لموليته، وهل يجز أن يكون فاسقاً؟ ينبني على اشتراط ذلك في ولاية النكاح وسيذكر في بابه إن شاء الله (فصل) ولا يصح التوكيل في الشهادة لأنها تتعلق بعين الشاهد لكونها خبراً عما رآه أو سمعه ولا يتحقق هذا المعنى في نائبه فإن استناب فيها كان النائب شاهداً على شهادة لكونه يؤدي ما سمعه من شاهد الأصل وليس بوكيل، ولا يصح في الاغتنام لانه متى حضر النائب تعين عليه الجهاد فكان السهم له ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه (فصل) ويجوز التوكيل في المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها حاضراً كان الموكل أو غائباً صحيحاً أو مريضاً وبه قال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة للخصم

(5/206)


أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضراً لأن حضوره مجلس الحاكم ومخاصمته حق لخصمه عليه فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضاء خصمه كالدين عليه ولنا أنه حق تجوز النيابة فيه فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضاء خصمه كحالة غيبته ومرضه وكدفع المال الذي عليه ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عليا وكل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنه وقال ما قضى له فلي وما قضي عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال أن للخصومة قحما
وإن الشيطان يحضرها وأني لأكره أن أحضرها قال أبو زياد القحم المهالك وهذه قصص اشتهرت لأنها في مظنة الشهرة فلم ينقل إنكارها ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فإنه قد يكون له حق أو يدعي عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب أن يتولاها بنفسه ويجوز التوكيل في الإقرار ولأصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) لا يجوز التوكيل فيه لأنه إخبار بحق فلم يجز التوكيل فيه كالشهادة ولنا أنه إثبات حق في الذمة بالقول فجاز التوكيل فيه كالبيع وفارق الشهادة فإنها لا تثبت الحق وإنما هو إخبار بثبوته على غيره، ويجوز التوكيل في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما لانهما من من حقوق الآدميين وتدعو الحاجة إلى التوكيل فيهما لأن من له الحق قد لا يحسن الاستيفاء أو لا يحب أن يتولاهما (مسألة) (ويجوز في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات والحدود في إثباتها واستيفائها كحد الزنا والسرقة) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اغديا أنيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها) فغدا عليها أنيس فاعترفت فأمر بها فرجت متفق عليه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ما عز فرجموه ووكل عثمان عليا في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة رواه مسلم ولأن الحاجة تدعو إليه لأن الامام لا يمكنه

(5/207)


تولي ذلك بنفسه، ويجوز التوكيل في إثباتها وقال أبو الخطاب لا يجوز وهو قول الشافعي لأنها تسقط بالشبهات وقد أمرنا بدرئها بها والتوكيل توصل إلى الإيجاب ولنا حديث أنيس الذي ذكرناه فإن النبي صلى الله عليه وسلم وكله في إثباته واستيفائه جميعاً يقوله (فان اعترفت فارجمها) وهذا يدل على أنه لم يكن ثبت وقد وكله في إثباته ولأن الحاكم إذا استناب دخل في ذلك الحدود فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم فبالتخصيص يكون دخولها أولى والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات (فصل) فأما العبادات فما تعلق منها بالمال كالصدقات والزكاة والمنذورات والكفارات جاز التوكيل في قبضها وتفريقها ويجوز للمخرج التوكيل في إخراجها ودفعها الى مستحقها ويجوز أن يقول
لغيره أخرج زكاة مالي من مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمين أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) متفق عليه ويجوز التوكيل في الحج إذا أيس المحجوج عنه من الحج بنفسه وكذلك العمرة ويجوز أن يستناب من يحج عنه بعد الموت، وفاما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام والطهارة من الحدت فلا يجوز التوكيل فيها فإنها تتعلق ببدن من هي عليه فلا يقوم غيره مقامه إلا أن الصيام المنذور يفعل عن الميت وليس ذلك بتوكيل لأنه لم يوكل في ذلك ولا وكل فيه غيره، ولا يجوز في الصلاة إلا في ركعتي الطواف تبعاً للحج ولا تجوز الإستنابة في الطهارة إلا في صب الماء وإيصاله إلى الأعضاء وفي تطهير النجاسة عن البدن والثوب وغيرهما (مسألة) (ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته نص عليه أحمد وهو قول مالك إلا القصاص، وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته)

(5/208)


وقد أومأ إليه أحمد وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حال غيبته فيسقط وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء ولأن العفو مندوب إليه فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو والأول ظاهر المذهب لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كالحدود وسائر الحقوق واحتمال العفو بعيد والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله وبعفوه والأصل عدمه فلا يؤثر الا ترى أن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال النسخ وكذلك لا يختلط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو بغير اجتهاد الحاكم.
(مسألة) (ولايجوز للوكيل أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل وعنه يجوز وكذلك الوصي والحاكم وله التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته) وجملة ذلك أن التوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف لأن مانهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجزله كما لو لم يوكله (الثاني) أن يأذن له في التوكيل فيجوز له لأنه عقد أذن فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذا خلافاً
فإن قال وكلتك فاصنع ما شئت فله أن يوكل، وقال أصحاب الشافعي ليس له التوكيل في أحد الوجهين لأن التوكيل يقتضي تصرفاً يتولاه بنفسه فقوله اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه ولنا أن لفظة عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل (الثالث) اطلق له الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة (أحدها) أن يكون العمل مما يترفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه فإنه لا يجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه (القسم الثاني) أن يكون مما يعمله بنفسه إلا أنه يعجز عن عمله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله ايضاً لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل في فعل جميعه كما لو أذن فيه بلفظه، وقال القاضي عندي

(5/209)


أنه إنما له التوكيل فيما زاد على ما يتمكن من عمله بنفسه لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص ما دعت إليه الحاجة بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين (القسم الثالث) ما عدا هذين القسمين وهو ما يمكنه عمله بنفسه ولا يترفع عنه فهل يجوز له التوكيل فيه؟ على روايتين (إحداهما) لا يجوز نقلها ابن منصور وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي لأنه لم يأذن له بالتوكيل ولا تضمنه إذنه فلم يجز كما لو نهاه ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه من لم يأمنه عليه كالوديعة (والثانية) يجوز نقلها أحمد وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك والأولى أولى ولا يشبه الوكيل المالك فان المالك يتصرف في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل (فصل) وكل وكيل جاز له التوكيل فليس له أن يوكل إلا أمينا لأنه لا نظر للموكل في توكيل من ليس بأمين فيفيد جواز التوكيل بما فيه الحظ والنظر كما أن الإذن في البيع يتقيد بالبيع بثمن المثل إلا أن يعين له الموكل من يوكله فيجوز توكيله وإن لم يكن أميناً لأنه قطع نظره بتعيينه فإن وكل أميناً فصار خائناً فعليه عزله لأن تركه يتصرف مع الخياتة تضييع وتفريط والوكالة تقتضي استئمان أمين وهذا ليس بأمين فوجب عزله
(فصل) والحكم في الوصي يوكل فيما أوصى به إليه وفي الحاكم يولى القضاء في ناحية يستنيب غيره حكم الوكيل فيما ذكرنا من التفصيل إلا أن المنصوص عن أحمد في رواية منها جواز ذلك وهو قول الشافعي في الوصي لأن الوصي يتصرف بولائه بدليل أنه لم يتصرف فيما لم ينص له على التصرف فيه والوكيل لا يتصرف إلا فيما نص له عليه قال شيخنا والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن فأشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة

(5/210)


(فصل) فأما الولي في النكاح فله التوكيل في تزويج موليته بغير إذنها أبا كان أو غيره وقال القاضي فيمن لا يجوز له الإجبار هل هو كالوكيل؟ يخرج على الروايتين المنصوص عليهما في الوكيل ولا صحاب الشافعي فيه وجهان (أحدهما) لا يملك التوكيل إلا بإذنها لأنه لا يملك التزويج إلا بإذنها أشبه الوكيل ولنا أن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله فيها كالأب بخلاف الوكيل فإن الولي متصرف بحكم الولاية الشرعية أشبه الحاكم ولأن الحاكم يملك تفويض عقود الأنكحة الى غيره بعير إذن النساء فكذلك الولي وما ذكروه يبطل بالحاكم والذي يعتبر إذنها فيه هو غير ما يوكل فيه بدليل أن الوكيل لا يستغني عن إذنها في التزويج فهو كالموكل في ذلك (فصل) إذا أذن الموكل في التوكيل فوكل كان الوكيل الثاني وكيلا للموكل لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان وكيلاً للوكيل ينعزل بموته وعزله، وإن مات الموكل أو عزل الأول انعزلا جميعاً لأنهما فرعان له لكن أحدهما فرع الآخر فذهب حكمهما بذهاب اصلهما وأن وكل من غير أن يؤذن له في التوكيل نطلقا بل وجد عرفا أو على الرواية التي أجزنا له التوكيل من غير إذن فالثاني وكيل الوكيل الأول حكمه حكم ما لو أذن له أن يوكل لنفسه (مسألة) (ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده) لأن المنع لحق السيد فجاز بإذنه ولا يجوز بغير إذنه لأنه لا يجوز له التصرف بغير إذن سيده لكونه محجوراً عليه فإذا أذن في ذلك صح كما تصح تصرفاته بإذنه
(مسألة) (فإن وكله بإذنه في شراء نفسه من سيده فعلى روايتين) (إحداهما) يصح وبه قال أبو حنيفة وبعض الشافعية (والثانية) لا يجوز وهو قول بعض

(5/211)


الشافعية لأن يد العبد كيد سيده فأشبه مالو وكله في الشراء من نفسه ولهذا يحكم للإنسان بما في يد عبده، ولنا أنه يجوز أن يشتري عبدامن غير مولاه فجازان يشتريه من مولاه كالاجنبي وإذا جاز أن يشتري غيره جاز إن يشتري نفسه كما أن المرأة لما جاز توكيلها في طلاق غيرها جاز في طلاق نفسها، والوجه الذي ذكروه لا يصح لأن أكثر ما يقدر ههنا جعل توكيل العبد كتوكيل سيده وسنذكر صحة توكيل السيد في البيع والشراء من نفسه فههنا أولى، فعلى هذا إذا قال العبد اشتريت نفسي لزيد وصدقاه صح ولزم زيدا الثمن، وإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق العبد لإقرار السيد على نفسه بما يعتق به ويلزم العبد الثمن في ذمته لسيده لأن زيداً لا يلزمه الثمن لعدم حصول العبد له وكون سيده لا يدعيه عليه فلزم العبد لأن الظاهر ممن باشر العقد إنه له، وإن صدقه السيد وكذبه زيد نظرت في تكذيبه فان كذبه في الوكالة خلف وبرئ وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه وإن صدقه في الوكالة وقال ما اشتريت نفسك لي فالقول قول العبد لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه (فصل) وإذا وكل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها صح، وإن وكل العبد في اعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه لم يملك إعتاق نفسه ولا المرأة طلاق نفسها لأنه ينصرف بإطلاقه إلى التصرف في غيره ويحتمل أن لهما ذلك لشمولهما عموم اللفظ كما يجوز للوكيل في البيع إن يبيع من نفسه في إحدى الروايتين، وإن وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكله في اسقاط حق من نفسه فهو كتوكيل البعد في إعتاق نفسه، وإن وكله في إبراء غرمائه لم يكن له أن يبرئ نفسه كما لو وكله في حبس غرمائه لم يملك حبس نفسه، وإن وكله في خصومتهم لم يكن وكيلاً في خصومة نفسه ويحتمل أن يملك إبراء نفسه لما ذكرنا من قبل، وإن وكل المضمون في إبراء الضامن فأبرأ صح ولم يبرأ المضمون عنه وإن وكل الضمان في إبراء المضمون عنه أو الكفيل في إبراء المكفول عنه صح وبرئ الوكيل ببراءته لأنه فرع عليه فإذا برئ الاصل برئ الفرع

(5/212)


(مسألة) (والوكالة عقد جائز من الطرفين) لكل واحد منهما فسخها متى شاء لأنه أذن في التصرف فكان لكل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه فإن وكل المرتهن في بيع الرهن ففيه اختلاف ذكرناه (مسألة) (وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفه وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضارية) تبطل الوكالة بموت الموكل والوكيل وجنون المطلق بغير خلاف علمناه إذا علم الحال وكذلك يبطل بخروجه عن أهلية التصرف كالحجر عليه لسفه لأنه لا يملك التصرف فلا يملكه غيره من جهته كالجنون والموت وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة قياساً على الوكالة قال أحمد في الشركة إذا وسوس أحدهما فهو مثل العزل (فصل) فإن حجر على الوكيل لفلس فالوكالة بحالها لأنه لم يخرج عن أهلية التصرف وإن حجر على الموكل وكانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه وإن كانت في الخصومة او الشراء في الذمة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص لم تبطل لأن الموكل أهل لذلك، وإن فسق الوكيل لم ينعزل لأنه من أهل التصرف إلا أن تكون الوكالة فيما ينافيه الفسق كالإيجاب في عقد الكاح فإنه ينعزل بفسق أحدهما لخروجه عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا في القبول لم ينعزل بفسق موكله لأنه لا ينافي جواز قبوله، وهل يننعزل بفسق نفسه؟ على وجهين أولاهما أنه لا ينعزل لأنه يجوز أن يقبل النكاح لنفسه فجاز أن يقبله لغيره كالعدل، وإن كان وكيلاً فيما يشترط فيه الا مانة كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف على المساكين ونحو هذا انعزل بفسقه وفسق موكله لخروجهما بذلك عن أهلية التصرف وإن كان وكيلا لوكيل ومن يتصرف في مال نفسه انعزل بفسقه لأن الوكيل ليس له توكيل فاسق ولا ينعزل بفسق موكله لان موكيله وكيل لرب المال ولا ينافيه الفسق (فصل) ولا تبطل الوكالة بالثوم والسكر والإغماء لأن ذلك لا يخرجه عن أهلية التصرف ولا تثبت عليه الولاية إلا أن يحصل الفسق بالسكر فقد ذكرناه مفصلاً

(5/213)


ولا تبطل بالتعدي فيما وكل فيه مثل لبس الثوب وركوب الدابة وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي والثاني تبطل بذلك لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدي كالوديعة ولنا أنه تصرف باذن موكمله فصح كما لو لم يتعد ويفارق الوديعة من حيث أنها أمانة مجردة فنافاها التعدي والخيانة، والوكالة أذن في التصرف تضمنت الأمانة فإذا انتفت الأمانة بالتعدي بقي الإذن بحاله، فعلى هذا لو وكله في بيع ثوب فلبسه صار ضامنا فإذا باعه صح بيعه وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشتري وضمانه فإذا قبض الثمن كان أمانة في يده غير مضمون عليه لأنه قبضه بإذن الموكل ولم يتعد فيه ولو دفع إليه مالا ووكله أن يشتري به شيئاً فتعدي في الثمن صار ضامنا وإذا اشترى به وسلمه زال الضمان وقبضه للمبيع قبض أمانة، وإن ظهر بالمبيع عيب فرد عليه أو وجد هو بما اشتراه عيباً فرده وقبض الثمن كان مضموناً عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به (مسألة) (وهل تبطل بالردة وحرية عبده؟ على وجهين) يصح توكيل المسلم كافراً فيما يصح تصرفه فيه سواء كان ذمياً أو مستأمناً أو حربياً أو مرتداً لأن العدالة لا تشترط في صحة الوكالة فكذلك الدين كالبيع، فإن وكل مسلماً فارتد لم تبطل وكالته

(5/214)


في أحد الوجهين سواء لحق بدار الحرب أو أقام، وقال أبو حنيفة تبطل إذا لحق بدار الحرب لأنه صار منهم ولنا أنه يصح تصرفه لنفسه فلم تبطل وكالته كما لو لم يلحق بدار الحرب ولأن الردة لا تمنع ابتداء الوكالة فلا تمنع استدامتها كسائر الكفر، وفيه وجه آخر أنها تبطل بالردة إذا قلنا إن المرتد تزول أملاكه وتبطل تصرفاته والوكالة تصرف وإن أرتد الموكل لم تبطل الوكالة فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله فينبني على تصرفه نفسه فإن قلنا يصح تصرفه لم يبطل توكيله وإن قلنا هو موقوف فوكالته موقوفة وإن قلنا يبطل تصرفه بطل توكيله وإن وكل في حال ردته ففيه الوجوه الثلاثة: (فصل) وإن وكل عبده ثم أعتقه أو باعه لم ينعزل لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يقطع استدامتها وفيه وجه آخر أنها تبطل لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة إنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وهكذا الوجهان فيما إذا وكل عبد غيره ثم باعه السيد، والصحيح الأول
لأن سيد العبد أذن له في بيع ماله والعتق لا يبطل الإذن فكذلك البيع إلا أن المشتري إن رضى ببقائه على الوكالة وإلا بطلت وإن وكل عبد غيره فأعتقه فقال شيخنا لا تبطل الوكالة وجهاً واحداً لأن هذا توكيل حقيقة والعتق غير مناف له وإن اشتراه الموكل منه لم يبطل لأن ملكه إياه لا ينافي إذنه له في البيع والشراء وإن وكل امرأته ثم طلقها لم تبطل الوكالة لأن زوال النكاح لا يمنع ابتداء الوكالة فلم يمنع استدامتها

(5/215)


(فصل) وإن تلفت العين التي وكل في التصرف فيها بطلت الوكالة لأن محلها ذهب فذهبت الوكالة كما لو وكله في بيع عبد فمات، وكذا لو دفع إليه ديناراً ووكله في الشراء بعينه أو مطلقاً لأنه إن وكله في الشراء بعينه فقد استحال الشراء به بعد تلفه فبطلت الوكالة وإن وكله في الشراء مطلقاً ونقد الدينار بطلت أيضاً لأنه إنما وكله في الشراء به، ومعناه أن ينقده ثمن ذلك المبيع أما قبل الشراء او بعده وقد تعذر ذلك بتلفه ولأنه لو صح شراؤه للزم الموكل ثمن لم يلتزمه ولا رضي بلزومه، وإن استقرضه الوكيل وعزل ديناراً عوضه واشترى به فهو كالشراء له من غير إذن لأن الوكالة بطلت والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكل حتى يقبضه فإذا اشترى للموكل به شيئاً وقف على إجازة الموكل فإن أجازه صح ولزمه الثمن والالزم الوكيل وعنه يلزم الوكيل بكل حال.
وقال القاضي متى اشترى بعين ماله شيئاً لغيره بغير إذنه فالشراء باطل لأنه لا يصح أن يشتري بعين ماله ما يملكه غيره، وقال أصحاب الشافعي متى اشترى بعين ماله شيئاً لغيره صح الشراء للوكيل لأنه اشترى ما لم يؤذن له فيه أشبه مالو اشتراه في الذمة.
(فصل) نقل الأثرم عن أحمد في رجل كان له على آخر دراهم فقال له إذا أمكنك قضاؤها فادفعها إلى فلان وغاب صاحب الحق ولم يوص إلى هذا الذي أذن له في القبض لكن جعله وكيلاً وتمكن من عليه الدين من القضاء فخاف إن دفعها إلى الوكيل أن يكون الموكل قد مات ويخاف التبعة من

(5/216)


الورثة فقال لا يعجبني أن يدفع إليه لعله قد مات لكن يجمع بين الوكيل والورثة ويبرأ اليهما من
ذلك هذا ذكره أحمد على طريق النظر للغريم خوفاً من التبعة من الورثة أن كان موروثهم قد مات فانعزل وكيله وصار الحق لهم فيرجعون على الدافع الى الوكيل فأما من طريق الحكم فللوكيل المطالبة وللآخر الدفع إليه فإن أحمد قد نص في رواية حرب إذا وكله وغاب استوفاه الوكيل وهو أبلغ من هذا لكونه يدرأ بالشبهات لكن هذا احتياط حسن وتبرئة للغريم ظاهراً وباطناً وإزالة التبعة عنه، وفي هذه الرواية دليل على أن الوكيل انعزل بموت الموكل وإن لم يعلم بموته لأنه اختار أن لا يدفع إلى الوكيل خوفاً من أن يكون الموكل قد مات فانتقل إلى الورثة ويجوز أن يكون اختار هذا لئلا يكون القاضي ممن يرى أن الوكيل ينعزل بالموت فيحكم عليه بالغرامة، وفيها دليل على جواز تراخى القبول عن الإيجاب لأنه وكله في قبض الحق ولم يعلمه ولم يكن حاضراً فيقبل، وفيها دليل على صحة التوكيل بغير لفظ التوكيل، وقد نقل جعفر بن محمد في رجل قال لرجل بع ثوبي ليس بشئ حتى يقول قد وكلتك وهذا سهو من الناقل، وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظه وهو الذي نقله الجماعة.
(مسألة) (وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين) وجملة ذلك أن الوكالة عقد جائز من الطرفين وقد ذكرنا ذلك فللموكل عزل وكيله متى شاء وللوكيل

(5/217)


عزل نفسه وتبطل بموت أحدهما أو جنونه فلمطبق ولا خلاف نعلمه في ذلك مع العلم بالحال فمتى تصرف بعد فسخ الموكل أو موته فهو باطل إذا علم ذلك، وإن لم يعلم بالعزل ولا يموت الموكل ففيه روايتان وللشافعي فيه قولان (أحدهما) ينعزل وهو ظاهر كلام الخرقي، فعلى هذا متى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه فصح بغير عمله كالطلاق والعتاق (والثانية) لا ينعزل قبل علمه نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد لما في ذلك من الضرر لأنه قد يتصرف تصرفات فتقع باطلة وربما باع الجارية فيطؤها المشتري أو الطعام فيأكله أو غير ذلك فيتصرف فيه المشتري ويجب ضمانه فيتضرر المشتري والوكيل لأنه يتصرف بأمر الموكل فلا يثبت حكم الرجوع في حق المأمور قبل علمه كالفسخ، فعلى هذه الرواية متى تصرف قبل العلم صح
تصرفه وهذا قول أبي حنيفة، وروي عن أبي حنيفة إن الوكيل إن عزل نفسه لم ينعزل إلا بحضرة الموكل لأنه متصرف بأمر الموكل فلا يصح رد أمره بغيره حضرته كالمودع في رد الوديعة، ووجه الأول ما ذكرناه فأما الفسخ ففيه وجهان كالروايتين، ويمكن الفرق بينهما بأن أمر الشارع يتضمن المعصبة بتركه ولا يكون عاصبا مع عدم العلم وهذا يتضمن العزل عنه إبطال التصرف فلا يمنع منه عدم العلم (فصل) وإذا وقعت الوكالة مطلقة ملك التصرف أبداً ما لم يفسخ الوكالة وتحصل بقوله فسخت الوكالة

(5/218)


أو أبطلتها أو نقضتها أو أزلتك أو صرفتك أو عزلتك عنها أو ينهاه عن فعل ما أمره به وما أشبه ذلك من الألفاظ المقتضية عزله والمؤدية معناه أو يعزل الوكيل نفسه أو يوجد ما يقتضي فسخها حكما على ما ذكرنا أو يوجد ما يدل على الرجوع عن الوكالة فإذا وكله في طلاق امرأته ثم وطئها انفسخت الوكالة لأن ذلك يدل على رغبته فيها واختيار إمساكها وكذلك لو وطئ الرجعية كان ارتجاعا لها فإذا اقتضى رجعتها بعد طلاقها فلان يقتضي استيقاءها على نكاحها ومنع طلاقها وإن باشرها دون الفرج أو فعل ما يحرم على غير الزوج فهل تنفسخ الوكالة في الطلاق؟ يحتمل وجهين بناء على الخلاف في حصول الرجعة به، وإن وكله في بيع عبد ثم كاتبه أو دبرها نفسخت الوكالة لأنه على إحدى الروايتين لا يبقى محلا للبيع وعلى الرواية الأخرى تصرفه فيه بذلك يدل على أنه قصد الرجوع عن بيعه وإن باعه بيعاً فاسداً لم تبطل الوكالة لأن ملكه في العبد لم يزل ذكره ابن المنذر (مسألة) (وإذا وكل اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه) وجملة ذلك أنه إذا وكل وكيلين وجعل لكل واحد الإنفراد بالتصرف فله ذلك لأنه مأذون فيه وإن

(5/219)


لم يجعل له ذلك فليس لأحدهما الانفراد به لأنه لم يأذن في ذلك وإنما يجوز له فعل ما أذن فيه موكله وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي فإن وكلهما في حفظ ماله حفظاه معاً في حرز لهما لان فوله افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله وهو مما يمكن تعلق بهما، وفارق هذا قوله بعتكما حيث كان منقسما ببنهما لأنه لا يمكن أن يكون الملك على الإجتماع فانقسم بينهما فإن غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر أن
يتصرف ولا للحاكم ضم أمين إليه ليتصرفا لأن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه فلا يقيم الحاكم له بغير إذنه، وفارق مالو مات أحد الوصيين حيث يضيف الحاكم الى الوصي أميناً ليتصرفا لكون الحاكم له النظر في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص الى أحد أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم، وإن حضر الحاكم أحد الوكيلين والآخر غائب فادعى الوكالة لهما وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوت الوكالة لهما ولم يملك الحاضر التصرف وحده فإذا حضر الآخر تصرفا معاً ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأن الحاكم سمعها لهما مرة، فإن قيل هذا حكم الغائب قلنا يجوز تبعاً لحق الحاضر كما يجوز أن بحكم بالوقف الذي يثبت لمن لم يحلف لأجل من يستحقه في الحال كذا ههنا وإن جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه لم يكن للآخران يتصرف وبما ذكرناه قال أبو حنيفة والشافعي ولا نعلم فيه مخالفا

(5/220)


وجميع التصرفات في هذا سواء وقال أبو حنيفة إذا وكلهما في خصومة فلكل واحد منهما الانفراد بها ولنا أنه لم يرض بتصرف أحدهما أشبه البيع والشراء (مسألة) (ولا يجوز للوكيل في البيع إن يبيع لنفسه، وعنه يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين، ولا في الشراء ان يتشري من نفسه) وجملة ذلك أن من وكل في بيع شئ لم يجز أن يبيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري من نفسه في إحدى الروايتين نقلها منها وهو مذهب الشافعي واصحاب الرأي، وكذلك الوصي لا يجوز أن يشتري من مال اليتيم شيئاً لنفسه في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي وحكي عن مالك والاوزاعي جواز ذلك فيهما (والرواية الثانية) عن أحمد يجوز لهما أن يشتريا بشرطين أحدهما أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء والثاني أن يتولى النداء غيره قال القاضي يحتمل أن يكون اشتراط تولي غيره للنداء واجباً ويحتمل أن يكون مستحباً والاول أشبه بطاهر كلامه وقال أبو الخطاب الشرط الثاني أن يولي من يبيع ويكون هو أحد المشترين، فإن قيل فكيف يجوز له دفعها إلى غيره ليبيعها وهذا توكيل وليس للوكيل التوكيل؟ قلنا يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه والنداء مما لم تجربه العادة أن يتولاه أكثر

(5/221)


الناس بنفوسهم فإن وكل إنساناً يشتري له وباع جاز على هذه الرواية لأنه امتثل أمر موكله في البيع وحصل غرضه من الثمن فجاز كما لو اشتراها أجنيي وقال أبو حنيفة يجوز للوصي الشراء دون الوكيل لأن الله تعالى قال (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وإذا اشترى مال اليتيم بأكثر من ثمنه فقد قربه بالتي هي أحسن، ولأنه نائب عن الأب وذلك جائز للأب فكذلك نائبه، ووجه الرواية الأولى أن العرف في البيع بيع الرجل من غيره فحملت الوكالة عليه كما لو صرح به ولأنه تلحقه التهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم يجز كما لونهاه والوصي كالوكيل لأنه يلي بيع مال غيره بتوليه فأشبه الوكيل أو متهم فأشبه الوكيل بل التهمة في الوصي آكد لأن الوكيل متهم في ترك الاستقصاء في الثمن لا غير والوصي يتهم في ذلك وفي أنه يشتري من مال اليتيم مالا حظ لليتيم في بيعه فكان أولى بالمنع وعند ذلك لا يكون أخذه لماله قرباناً بالتي هي احسن وقد روى ابن مسعود أنه قال في رجل أوصى إلى رجل بتركته وقد ترك قريباً فقال الوصي اشتريه قال لا (فصل) وحكم الحاكم أمينه كحكم الوكيل والحكم في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو عبد المأذون له كالحكم في بيعه لنفسه كل ذلك يخرج على روايتين بناء على

(5/222)


بيعه لنفسه، فأما ببعه لولده الكبير أو والده أو مكاتبه فذكر هم أصحابنا أيضاً في جملة ما يخرج على روايتين ولا صحاب الشافعي فيهم وجهان وقال أبو حنيفة يجوز بيعه لولده الكبير لأنه امتثل أمر موكله ووافق العرف في بيع غيره كما لو باعه لأخيه، وفارق البيع لوكيله لأن الشراء إنما يقع لنفسه وكذلك بيع عبد المأذون وبيع طفل يلي عليه بيع لنفسه لأن الشراء يقع لنفسه، ووجه الجمع بينهم أنه يتهم في حقهم وبميل الى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه وكذلك لا تقبل شهادته لهم، والحكم فيما إذا أراد أن يشتري لموكله كالحاكم في بيعه لماله لأنهما سواء في المعنى (فصل) وإن وكل رجلا يتزوج له امرأة فهل له أن يزوجه ابنته؟ يخرج على ما ذكرنا في الوكيل في البيع هل يبيع لولده الكبير وقال أبو يوسف ومحمد يجوز ووجه القولين ما تقدم فيما قبلهما وإن أذنت له موليته في تزويجها خرج في تزويجها لنفسه أو ولده أو والده وجهان بناء عنى
ما ذكر في البيع وكذلك لو وكله رجل في تزويج ابنته خرج فيه مثل ذلك (مسألة) (وهل يجوز أن يبيع لولده أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين) وقد ذكر افي المسألة قبلها (فصل) فإن وكله في بيع عبده ووكله آخر في شراء عبد فقياس المذهب جواز شرائه من

(5/223)


نفسه لأنه أذن له في طرفي العقد فجاز أن يليهما إذا انتفت التهمة كالأب يشتري من مال ولده لنفسه، ولو وكله المنداعيان في الدعوى عنهما فالقياس جوازه لأنه يمكنه الدعوى عن أحدهما والجواب عن الآخر وإقامة حجة كل واحد منهما ولأصحاب الشافعي في المسئلتين وجهان (فصل) فإن أذن للوكيل أن يشتري من نفسه جاز ذلك وقال أصحاب الشافعي لا يجوز في أحد الوجهين لأنه يجتمع له في عقد غرضان الاسترخاص لنفسه والاستقصاء للموكل وهما متضادان فتما نعا ولنا أنه وكله في التصرف لنفسه فجاز كما لو وكل المرأة في طلاق نفسها ولأن علة المنع من المشتري لنفسه في محل الإتفاق التهمة لدلالتها على عدم رضا الموكل بهذا التصرف وإخراج هذا التصرف عن عموم لفظه وإرادته وقد صرح ههنا بالإذن فيها فلا ينفي دلالة الحال مع نصه بلفظه على خلافها، وقولهم إنه يتضاد مقصوده في البيع والشراء قلنا أن عين الموكل له الثمن فاشترى به فقد زال مقصود الاستقصاء فإنه لا يراد أكثر مما حصل وإن لم يعين له الثمن يعيد البيع بثمن المثل كما لو باع الأجنبي وقد ذكر أصحابنا فيما إذا وكل عبداً يشتري له نفسه من سيده وجهاً أنه لا يجوز ويخرج ههنا مثله والصحيح ما قلناه إن شاء الله تعالى

(5/224)


(مسألة) (ولايجوز أن يبيع نساء ولا بغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب) وجملة ذلك أن الموكل إذا عين للوكيل الشراء أو البيع بنقد معين أو حالا لم تجز مخالفته لأنه إنما يتصرف بإذنه ولم يأذن في غير ذلك وإن أذن له في الشراء أو البيع بنسيئة جاز وإن أطلق لم بيع إلا حالا بنقد البلد لأن الأصل في البيع الحلول وإطلاق النقد ينصرف الى نقد البلد كما لو باع ماله فان كان في البلد نقدان باع بأغلبهما فإن تساويا باع بما شاء منهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو
حنيفة وصاحباه له البيع نساء لأنه معتاد فأشبه الحال ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على الرواية في المضارب والأول أولى لأنه لو أطلق البيع حمل على الحلول فكذلك إذا أطلق الوكالة ولا نسلم تساوي العادة فيهما فإن بيع الحال أكثر، ويفارق المضارية لوجهين (أحدهما) أن المقصود من المضاربة الربح لادفع الحاجة بالثمن في الحال وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة بأجرة تفوت بتأخير الثمن (الثاني) إن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود ضرر التأخير في التقاضي عليه وههنا بخلافه وفلا يرضى به الموكل ولأن الضرر في توي الثمن على المضارب لأنه يحسب من الربح لكون الربح وقاية لرأس المال وههنا يعود على الموكل فانقطع الإلحاق

(5/225)


(مسألة) (وإن باع بدون ثمن مما قدره له صح وضمن النقص) وجملة ذلك أن الوكيل ليس له أن يبيع بدون ثمن المثل أو دون ما قدره له وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد قال أبو حنيفة إذا أطلق الوكالة في البيع فله البيع بأي ثمن كان لأن لفظه في الإذن مطلق فيجب حمله على إطلاقه ولنا أنه وكيل مطلق في عقد معاوضة فاقتضى ثمن المثل كالشراء فإنه قد وافق عليه وبه ينتقض دليله فإن باع بأقل من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله أو بدون ما قدره له فحكمه حكم من لم يأذن له في البيع وعن أحمد البيع صحيح ويضمن الوكيل النقص لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض، فعلى هذه الرواية يكون على الوكيل ضمان النقص وفي قدره وجهان (أحدهما) ما بين ثمن المال وما باع به (والثاني) ما بين ما يتغابن الناس بمثله وما لا يتغابنون لأن ما يتغابن الناس به يصح بيعه به ولا ضمان عليه والأول أقيس لأنه بيع غير مأذون فيه اشبه بيع الأجنبي وكل تصرف كان الوكيل فيه مخالفاً لموكله فحكمه فيه حكم تصرف الأجنبي على ما ذكرنا في موضعه فأما ما يتغابن الناس به عادة وهو درهم في عشرة فمعفو عنه إذا لم يكن الموكل قدر الثمن لأن ما يتغابن الناس به بعد ثمن المثل ولا يمكن التحرز منه.
(فصل) ولو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيع بثمن المثل لأن عليه الإحتياط وطلب
الخط لمولكه فإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه فسخ العقد لأن الزيادة منهي

(5/226)


عنها فلا يلزم الرجوع إليها ولأن الزايد قد لا يثبت على الزيادة فلا يلزم الفسخ بالشك ويحتمل أن يلزمه ذلك لأنها زيادة أمكن تحصيلها أشبه ما قبل البيع والنهي يتوجه الى الذي زاد لا إلى الوكيل فأشبه ما إذا زاد قبل البيع بعد الإتفاق عليه (مسألة) (وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح سواء كانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمر به أولم تكن هي) إذا وكله في بيع شئ معين فباعه بأكثر منه صح قلت الزيادة أو كثرت وكذلك إن أطلق فباعه بأكثر من ثمن المثل لأنه باع بالمأذون فيه وزاد زيادة تنفعه ولا تضره وسواء كانت لزيادة من جنس الثمن المأمور به أو من غير جنسه كمن أذن في البيع بمائة درهم فباعه بمائة درهم ودينار أو ثوب وقال أصحاب الشافعي لا يصح بيعه بمائة وثوب في أحد الوجهين لأنه من غير جنس الأثمان ولنا أنها زيادة تنفعه ولا تضره أشبه مالو باعه بمائة ودينار ولأن الإذن في بيعه بمائة اذن في بيعه بزيادة عليها عرفاً لأن من رضي بمائة لا يكره أن يزاد عليها ما ينفعه ولا يضره ويصير كما لو وكله في الشراء فاشترى بدون ثمن المثل أو بدون ما قدر له (مسألة) (وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين) لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه ديناراً فجرى مجرى بيعه بمائة درهم ودينار على ما ذكرنا في المسألة قبلها وقال القاضي لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه خالف موكله في الجنس

(5/227)


أشبه مالو باعه بثوب يساوي ديناراً فأما إن قال بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم أو بثمانين درهماً وعشرين ثوباً لم يصح وهو مذهب الشافعي لأنها من غير الاثمان ولأنه لم يؤذن فيه لفظاً ولا عرفاً بخلاف بيعه بدينار.
(فصل) فإن وكله في بيع عبد بمائة فباع بعضه بها أو وكله مطلقا فباع بعضه بثمن الكل جاز لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بمائة ثمنا للكل رضي بها ثمنا للبعض ولأنه حصل له المائة وأبقى له
زيادة تنفصه ولا تضره وله بيع النصف الآخر لأنه مأذون فيه فأشبه مالو باع العبد كله بزيادة على ثمنه، ويحتمل أن لا يجوز لأنه قد حصل للموكل غرضه من الثمن ببيع البعض فربما لا يختار بيع باقيه للغني عن بيعه يما حصل له من ثمن البعض وهكذا لو وكله في بيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها يصح لما ذكرنا وهل له بيع الآخر على وجهين فأما إن وكله في بيع عبده بمائة فباع بعضه بأقل منها أو وكله مطلقا فباع بعضه بدون ثمن الكل لم يصح وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة يجوز فيما إذا أطلق الوكالة بناء على أصله في أن للوكيل المطلق البيع بما شاء ولنا أن على الموكل ضرراً في تبعضه ولم يوجد الإذن فيه نطقاً ولا عرفا فلم يجوز كما لو وكله في في شراء عبد فاشترى بعضه (مسألة) (فإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال)

(5/228)


إذا وكله في بيع سلعة نسيئة فباعها نقداً بدون ثمنها نسسيئة أو بدون ما عينه له لم ينفذ بيعه لأنه خالف موكله لكونه إنما رضي بثمن النسيئة دون النقد وإن باعها نقداً بمثل ثمنها نسيئة أو بما عينه من الثمن فقال القاضي يصح لأنه زاده خيراً فهو كما لو وكله في بيعها بعشرة فباعها بأكثر من ثمنها والأولى أن ينظر له فيه فإن لم يكن له غرض في النسيئة صح لما ذكرنا وإن كان له فيها غرض مثل أن يستضر بحفظ الثمن في الحال أو يخاف عليه من التلف أو المتغلبين أو يتغير عن حاله إلى وقت الحلول أو نحو ذلك فهو كمن لم يؤذن له لأن حكم الإذن لا يتناول المسكوت عنه إلا إذا علم أنه في المصلحة كالمنطوق أو أكثر فيكون الحكم فيه ثابتاً بطريق التنبيه أو المماثلة ومتى كان في المنطوق به غرض صحيح لم يجز تفويته ولا ثبوت الحكم في غيره (مسألة) (وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له (1) أما إذا وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل مما لا يتغابن الناس بمثله (فصل) فإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك العقد عليهم جملة واحدة وواحداً واحداً لأن الإذن يتناول العقد عليهم جملة والعرف في بيعهم وشرائهم العقد على واحد واحد ولاضرر في جمعهم
ولا افرادهم بخلاف مالو وكله في شراء عبد فاشترى بعضه فإنه لا يصح لأنه يفضي الى التشقيص وفيه إضرار بالموكل، فإن قال اشتر لي عبيداً صفقة واحدة أو واحد واحداً أو بعهم لي لم يجز مخالفته لأن (1)
__________
هذه المسألة ذكرت في الاصل بهذا الوضع وهي كما ترى جملها ناقصة فلتراجع في مظنتها في المغني

(5/229)


تنصيصه على ذلك يدل على عغرضه فيه فلم يتناول إذنه سواه، وإن قال اشتر لي عبدين صفقة فاشترى عبدين لا ثنين شركة بينهما من وكيليهما أو من أحدهما بإذن الآخر جاز وإن كان لكل واحد عبد منفرد فاشترى من الماليكن بأن أوجبا له البيع فيهما وقبل ذلك منهما بلفظ واحد فقال القاضي لا يلزم الموكل وهو مذهب الشافعي لأن عقد الواحد مع الإثنين عقدان ويحتمل أن يلزمه لأن القبول هو الشراء وهو متحد والغرض لا يختلف، وإن اشتراهما من وكيليهما وعين ثمن كل واحد منهما مثل أن يقول بعتك هذين العبدين هذا بمائة وهذا بثمانين فقال قبلت احتمل أيضاً وجهين وإن لم يعين الثمن لكل واحد لم يصح البيع لجهالة الثمن وفيه وجه أنه يصح ويقسط الثمن على قدر قيمتهما، وقد ذكر ذلك في تفريق الصفقة.
(مسألة) (وإن وكل في شراء شئ نقداً بثمن معين فاشتراه به مؤجلاً صح) ذكره القاضي لأنه زاده خيراً فأشبه مالو وكله في الشراء بمائة فاشترى بدونها، ويحتمل أن ينظر في ذلك فان كان فيه ضرر نحو أن يستضر ببقاء الثمن معه ونحو ذلك لم يجز ولأصحاب الشافعي في صحة الشراء وجهان: (مسألة) (وإن قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي ديناراً بأقل منه صح والالم يصح)

(5/230)


وجملة ذلك أنه إذا وكله في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي كل واحدة منهما أقل من دينار لم يقع للموكل وإن كانت كل واحدة منهما تساوي ديناراً أو إحداهما تساوي ديناراً والأخرى اقل منه صح ولزم الوكل وهذا المشهور من مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة يقع للموكل إحدى الشاتين
بنصف دينار واخرى للوكيل لأنه لم يرض بالزامه عهدة شاة واحدة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد البارقي ديناراً فقال (اشتر لنا به شاة) قال فأتيت الجلب فاشتريت شاتين بدينار فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل في الطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالد ينار وبالشاة فقلت يا رسول الله هذا دينار كم وهذه شاتكم فقال (وضعت كيف؟) فحدثته الحديث فقال (اللهم بارك له في صفقة يمينه) ولانه حصل المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر فوقع ذلك له كما لو قال بعه بدينار فباعه بدينارين وما ذكروه يبطل بالبيع فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح لأنه باع مال موكله بغير إذنه فلم يجز كبيع الشاتين (والثاني) إن كانت الباقية تساوي ديناراً جاز لحديث عروة ولأنه حصل له المأذون وزيادة من جنسه تنفع ولا تضر فوقع ذلك له كما لو قال له بعه بدينار فباعه بدينار وما ذكره يبطل بالبيع، فإن باع الوكيل إحدى الشاتين بغير أمر الموكل ففيه وجهان (أحدهما) البيع باطل لأنه باع مال موكله بغير أمره فلم يجز كبيع الشاتين (والثاني) إن كانت الباقية تساوي ديناراً جاز لحديث عروة البارقي ولأنه حصل له المقصود والزيادة لو كانت غير الشاة جاز

(5/231)


فجاز له إبدالها بغيرها وهذا ظاهر كلام أحمد لأنه اخذ بحديث عروة وذهب اليه، وإذا قلنا لا يجوز له بيع الشاة فباعها فهل يبطل البيع أو يصح ويقف على إجازة الموكل؟ على روايتين وهذا أصل لكل تصرف في ملك الغير بغير إذنه ووكيل خالف موكله فيه الروايتان وللشافعي في صحة البيع ههنا وجهان (فصل) واذا وكله في شراء عبد معين بمائة فاشتراه بما دونها صح ولزم الموكل لأنه مأذون فيه عرفا وإن قال لا تشتره بدون المائة فخالفه لم يجز لأنه خالف نصه وصريح قوله مقدم على دلالة العرف وإن قال اتشره بمائة ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين لأن إذنه في الشراء بمائة يدل عرفا على الشراء بما دونها خرج منه الخمسون بصريح النهي بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في إحدى الوجهين لذلك ولأنه لم يخالف صريح نهيه أشبه ما زاد عليها (والثاني) لا يجوز لأنه نهاه عن الخمسين استقلالا لها فكان تنبيها على النهي عما دونها كما أن الإذن في الشراء بمائة إذن فيما دونها فجرى مجرى صريح نهيه فإن تنبيه الكلام كنصه، فإن قال إشتره بمائة
دينار فاشتراه بمائة درهم فالحكم فيه كما لو قال بعه بدرهم فباعه بدينار على ما مضى وإن قال اشتر لي نصفه بمائة فاشتراه كله أو أكثر من نصفه بمائة جاز لأنه مأذون فيه عرفاوان قال اشتر لي نصفه بمائة ولا تشتره جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقل من الكل بمائة صح في قياس المسألة التي قبلها لكون دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كل ما زاد على النصف خرج الجميع بصربح نهيه ففيما عداه يبقى على مقتضى الإذن (فصل) وإن كله في شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها جاز لأنه مأذون فيه عرفا وإن خالف في الصفة أو اشتراه بأكثر منها لم يلزم الموكل وإن قال اشتر لي عبدا بمائة فاشترى

(5/232)


عبداً يساوي مائة بدونها جاز لأنه لو اشتراه بمائة جاز فإذا اشتراه بدونها فقد زاده خيراً فيجوز وإن كان لا يساوي مائة لم يجز وإن ساوى أكثر مما اشتراء به لأنه خالف أمره ولم يحصل غرضه (مسألة) (وليس له شراء معيب فإن وجد بما اشتراه عيباً فله رده) إذا وكله في شراء سلعة موصوفة لم يجز أن يشتري بها إلا سليمة العيوب لأن إطلاق البيع يقتضي السلامة ولذلك جاز له الرد بالعيب فإن اشترى معيباً يعلم عيبه لم يلزم الموكل لأنه اشترى له ما لم يأذن فيه وإن لم يعلم صح البيع لأنه إنما يلزمه شراء صحيح في الظاهر لعجزه عن التحرز عن شراء معيب لا يعلم عيبه فإذا علم عيبه ملك رده لأنه قائم مقام الموكل وللموكل رده أيضاً لأنه ملكه، فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب فإن له الرد وإن رضي رب المال فأن له حقاً فلا يسقط برضاء غيره وإن لم يحضر فأراد الوكيل الرد فقال له البائع توقف حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم يلزمه ذلك لأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه فإن أخره بناء على هذا القول فلم يرض به الموكل فله الرد وإن قلنا الرد على الفور لأنه أخره بإذن البائع فيه وإن رضي الموكل سقط الرد (مسألة) (وإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل بيمينه أنه لا يعلم ذلك)

(5/233)


لأن الأصل عدم الرضى فلا يقبل قوله إلا ببينة فإن لم يقم بينة لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعي
علمه فيحلف على نفي العلم وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة في رواية لا يستحلف لأنه لو حلف كان نائباً في اليمين وليس بصحيح فإنه لا نيابة ههنا فإنه إنما يحلف على نفي علمه وهذا لا ينوب فيه عن أحد ولو اشترى المضارب معيباً صح لأن المقصود منها الربح وهو يحصل مع العيب بخلاف الوكيل فإنه قد يكون غرض الموكل القنية والانتفاع والعيب يمنع بعض ذلك (مسألة) (فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على وجهين) (أحدهما) لا يصح وللموكل إسترجاعه وللبائع رده عليه لأن رضاءه به عزل للوكيل عن الرد بدليل أنه لو علمه لم يكن له الرد (الثاني) يصح الرد بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بالعزل فإن رضي الوكيل المعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الرد فحضر الموكل فأراد الرد فله ذلك على الوجه الأول إن صدق البائع الموكل أن الشراء له أو قامت به بينة وإن كذبه ولم يكن بينة فحلف البائع أنه لا يعلم أن الشراء له فليس له رده لأن الظاهر أن منن اشترى شيئاً فهو له ويلزم الوكيل وعليه غرامة الثمن وهذا كله مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة للوكيل شراء المعيب لأن التوكيل في البيع مطلقاً يدخل الميعب في إطلاقه ولأنه أمين في الشراء فجاز له ذلك كالمضارب ولنا أن البيع بإطلاقه يقتضي الصحيح دون المعيب فكذلك الوكالة فيه ويفارق المضاربة من حيث

(5/234)


إن المقصود فيها الربح وهو يحصل من المعيب كحصوله من الصحيح بخلاف الوكالة فإنه قد يكون المقصود بها القنية أو يدفع بها حاجة يكون المعيب مانعا منها فلا يحصل المقصود وقد ناقض أبو حنيفة قوله فإنه قال في قوله تعالى (فتحرير رقبة) لا يجوز العمياء ولا معيبة عيباً يضر بالعمل وقال ههنا يجوز للوكيل شراء الأعمى والمقعد ومقطوع اليدين والرجلين (مسألة) (وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيباً فهل له رده قبل إعلام الموكل؟ على وجهين) (أحدهما) له الرد لأن الأمر يقتضي السلامة اشبه مالو وكله في شراء موصوفه (والثاني) لا يملكه لأن الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه على جميع صفاته فإن قلنا له الرد فحكمه حكم غير المعين وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه؟ يحتمل وجهين مبنيين على رده إذا علم عيبه بعد شراؤه
إن قلنا له رده فليس له شراؤه لأن العيب إذا جاز الرد به بعد العقد فلأن يمنع من الشراء أولى وإن قلنا لا يملك الرد ثم فله الشراء ههنا لأن تعيين الموكل قطع نظره واجتهاده في جواز الرد فكذلك في الشراء (مسألة) (فإن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل) وجملة ذلك أنه إذا دفع إليه دراهم وقال اشتر لي بهذه عبدا كا له أن يشتري بعينها وفي الذمة لأن الشراء يقع على هذين الوجهين فإذا أطلق كان له فعل ما شاء منهما فإن قال اشتر بعينها فاشتراه في ذمته ثم نقدها لم يلزم الموكل لأنه إذا تعين الثمن انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوباً ولم يلزمه

(5/235)


ثمن في ذمته وهذا غرض صحيح للموكل فلم يجز مخالفته ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل؟ على روايتين (مسألة) (فإن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح) ولزم الموكل ذكره أصحابنا لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها، ويحتمل أن لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء بغير عينها لشبهة فيها لا يجب أن تشتري بها أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ولا يبطل بتحريهما وهذا غرض صحيح فلا يجوز تفويته عليه كما لم يجز تفويت غرضه في الصورة الأولى ومذهب الشافعي في هذا كله على نحو ما ذكرنا (مسالة) (وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه في آخر صح وإن قال بعه من زيد فباعه من غيره لم يصح) وجملة ذلك أن الوكيل لا يملك من التصرف الاما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق أو العرف لأن تصرفه بالإذن فاختص بما أذن فيه والإذن يعرف بالنطق تارة وبالعرف أخرى، ولو وكل رجلا في التصرف في زمن مقيد لم يملك التصرف قبله ولا بعده لأنه لم يتناوله إذنه نطقا ولاعرفا فإنه قد يختار التصرف في زمن الحاجة إليه دون غيره ولهذا لما عين الله تعالى لعبادته وقتاً لم يجز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه فلو قال له بع ثوبي غدا لم يجز قبله ولا بعده، فإن عين له المكان وكان يتعلق به غرض مثل أن يأمره
ببيع ثوبه في سوق وكان السوق معروفاً بجوده النقد أو كثرة الثمن أوحله أو بصلاح أهله أو بمودة بين الوكيل وبينهم تقيد الإذن به لأنه نص على أمر له فيه غرض فلم يجز تفويته وإن كان هو وغيره

(5/236)


سواء في الغرض لم يتقيد الإذن به وجاز له البيع في غيره لمساواته المنصوص عليه في الغرض فكان تنصيصه على أحدهما إذنا في الآخر كما لو استأجر أو استعار أرضا لزراعة شئ كان إذناً في زراعة مثله وما دونه ولو اكترى عقارا كان له أن يسكنه مثله ولو نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد جاز له ذلك في غيره وسواء قدر له الثمن أو لم يقدره، فأما إن عين له المشتري فقال بعه فلانا لم يملك بيعه لغيره بغير خلاف علمناه سواء قدر له الثمن أو لا لأنه قد يكون له غرض في تمليكه إياه دون غيره إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري (فصل) إذا اشترى الوكيل لموكله شيئاً انتقل الملك من البائع إلى الموكل ولم يدخل في ملك الوكيل وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل بدليل أنه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ولم ينتقل إلى الموكل ولنا أنه قبل عقدا لغيره صح له فوجب أن ينتقل الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له وقولهم إن حقوق العقد تتعلق به غير مسلم، ويتفرع من هذا أن المسلم لو وكل ذمياً في شراء دم أو حنزير فاشتراه له لم يصح الشراء وقال أبو حنيفة يصح ويقع للذمي لأن الخمر مال لهم لأنهم يتمولونها ويتبايعونها فصح توكيلهم فيها كسائر أموالهم ولنا أن كل مالا يجوز للمسلم العقد عليه لا يجوز أن يوكل فيه كتزويج المجوسية وبهذا خالف سائر

(5/237)


أموالهم وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن لأنه بمنزلة المبيع وإن كان الثمن في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ليس للموكل المطالبة لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دونه ولهذا يتعلق مجلس الصرف والخيار به دون موكله وكذلك القبض ولنا أن هذا دين للموكل يصح قبضه له فملك المطالبة به كسائر ديونه التي وكل فيها وفارق مجلس
العقد لأن ذلك من شرط العقد تعلق بالعاقد كالإيجاب والقبول وأما الثمن فهو حق للموكل ومال من ماله فكانت له المطالبة به ولانسلم أن حقوق العقد تتعلق به وإنما تتعلق بالموكل وهي تسليم الثمن وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك فأما ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمة فإنه يثبت في ذمة الموكل أصلاً وفي ذمة الوكيل تبعاً كالضامن وللبائع مطالبة من شاء منهما فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل وإن أبرأ الموكل برئ الوكيل كالضامن والمضمون عنه سواء وإن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيبا فرده على الوكيل كان أمانة في يده إن تلف فهو من ضمان الموكل، ولو وكل رجلاً يستسلف له العامي كر حنطة ففعل ملك ثمنها والوكيل ضامن عن موكله كما تقدم قال أحمد في رواية منها إذا دفع إلى رجل ثوبا ليببعه ففعل فوهب له المشتري مند يلا فالمنديل لصاحب الثوب إنما قال ذلك لأن هبة المنديل سببها المبيع فكان المنديل زيادة في الثمن وزيادة في مجلس العقد تلحق به

(5/238)


(مسألة) (وإن وكله في بيع شئ ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه إلا بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل) لأن إطلاق التوكيل في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه ولم يملك الإبراء من الثمن وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يمكله ولنا أن الإبراء ليس من المبيع ولا من ثمنه فلا يكون التوكيل في البيع توكيلا فيه كالإبراء من غير ثمنه فأما قبض الثمن فقال القاضي وابو الخطاب لا يملكه وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه قد يوكل في البيع من لا يأتمنه على قبض الثمن، فعلى هذا إن تعذر قبض الثمن من المشتري لم يلزم الوكيل شئ ويحتمل أن يملك قبض الثمن لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع فعلى هذا ليس له تسليم المبيع إلا بقبض الثمن أو حضوره فإن سلمه قبل قبض ثمنه ضمنه، قال شيخنا والأولى أن ينظر فيه فإن دلت قرينة الحال على قبض الثمن مثل توكيله في بيع ثوب في سوق غائب عن الموكل أو موضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل كان إذنا في قبضه فمتى ترك قبضه ضمنه لأن ظاهر حال الموكل أنه إنما أمره بالبيع لتصحيل ثمنه فلا يرضى بتضييعه ولهذا يعد من فعل ذلك مفرطاً وإن لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه
(فصل) وإن وكله في شراء شئ ملك تسليم ثمنه لأنه من ثمنه وحقوقه فهو كتسليم المبيع في

(5/239)


البيع والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع على ما ذكرنا، فان اتشرى عبداً فنقد ثمنه فخرج العبد مستحقاً فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن؟ على وجهين، فإن اشترى شيئاً وقبضه وأخر تسليم الثمن لغير عذر فهلك في يده ضمنه وإن كان له عذر مثل ان ذهب ينقده أو نحو ذلك فلا ضمان عليه نص أحمد على هذا لأنه مفرط في إمساكه في الصورة الأولى فلزمه الضمان بخلاف مااذا لم يفرط (مسألة) (وإن وكله في بيع فاسد لم يصح ولم يملكه) لأن الله تعالى لم يأذن فيه ولان الموكل لا يملكه فالوكيل أولى ولا يملك الصحيح لأن الموكل لم يأذن فيه وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك الصحيح لأنه إذا أذن في الفاسد فالصحيح أولى ولنا أنه أذن له في محرم فلم يملك الحلال بالإذن في الفاسد كما لو أذن في شراء خمر وخنزير لم يملك شراء الخيل والغنم (مسألة) (وإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح) لأنه يدخل فيه كل شئ فيعظم الغرر ولأنه لا يصح التوكيل إلا في تصرف معلوم، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال ابن أبي ليلى يصح ويملك به كل ما تناوله لفظه لأن لفظه عام فصح فيما تناوله كما لو قال بع مالي كله

(5/240)


ولنا أن في هذا غرراً عظيماً وخطراً كبيراً لأنه يدخل فيه هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقة وتزوج نساء كثير وتلزمه المهور الكثيرة والإيمان العظيمة فيعظم الضرر (مسألة) (وإن وكله في بيع ماله كله صح) لأنه يعرف ماله فيعرف أقصى ما يبيع فيقل الغرر وكذلك لو وكله في بيع ما شاء من ماله أو قبض ديونه أو الإبراء منها أو ما شاء منها صح لأنه يعرف دينه فيعرف ما يقبض فيقل الغرر (مسألة) (وإن قال إشتر لي ما شئت أو عبداً بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وعنه ما يدل على أنه يصح)
إذا قال اشتر لي ما شئت بما شئت لم يصح ذكره أبو الخطاب لأن ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر فيه الغرر وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح لانه يقبل الغرر وقال القاضي إذا ذكر النوع لم يحتج إلى ذكر الثمن لأنه أذن في أعلاه وعنه ما يدل على أنه يصح فإنه قد روي عن فيمن قال ما اشتريت من شئ فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شئ ولأنه أذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالإذن في التجارة

(5/241)


(فصل) وقد ذكرنا أنه إذا قال بع ما شئت من مالي أنه يصح وقال أصحاب الشافعي إذا قال بع ما شئت من مالي لم يجز وإن قال بع ما شئت من عبيدي جاز لأنه محصور بالجنس ولنا أن ما جاز التوكيل في جميعه جاز التوكيل في بعضه وإن قال اشتر لي عبداً تركياً أو ثوباً صروياً صح وكذلك إن قال إشتر لي عبداً أو ثوباً ولم يذكر جنسه صح أيضاً وقال أبو الخطاب لا يصح وهو مذهب الشافعي لأنه مجهول ولنا أنه ذكر نوعاً فقد أذن في أعلاه ثمناً فيقل الغرر ولأن تقدير الثمن يضربه فإنه قد لا يجد بقدر الثمن ومن اعتبر ذكر الثمن جوز أن يذكر له أكثر الثمن وأقله وقد ذكرناه (مسألة) (وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلاً في القبض) وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يملك قبضه لأن المقصود من التثبت قبضه أو تحصيله

(5/242)


ولنا أن القبض لم يتناوله الإذن نطقا ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض (فصل) إذا وكله في الخصومة لم يقبل إقراره على الموكل بقبض الحق ولا غيره وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة ومحمد يقبل إقراره في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص وقال أبو يوسف يقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره لأن الإقرار أحد جوابي المدعي فملكه كالإنكار ولنا أن الإقرار يقطع الخصومة وينافيها فلم يملك الوكيل الإقرار فيها كالإبراء وفارق الإنكار فإنه لا يقطع الخصومة ويملكه في الحدود والقصاص وفي غير مجلس الحاكم ولأن الوكيل لا يملك
الإنكار على وجه يمنع الموكل من الإقرار فلو ملك الاقرار لا متنع على الموكل الإنكار فافترقا ولا يملك المصالحة على الحق ولا الإبراء منه بغير خلاف نعلمه إلا أن الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك (مسألة) (وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين) وقال أبو حنيفة والآخر ليس له ذلك وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلاً في الآخر لأنه لم يتناوله اللفظ

(5/243)


ووجه الأول أنه لا يتوصل الى القبض إلا بالتثبيت فكان إذنا فيه عرفا ولأن القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكل في شراء شئ ملك تسليم ثمنه أو في بيع شئ ملك تسليمه ويحتمل أنه إن كان الموكل عالماً بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلاً في تثبيته والخصومة فيه لعلمه بوقوف القبض عليه ولا فرق بين كون الحق عينا أو ديناً وقال بعض أصحاب أبي حنيفة أن وكل في بيع عين لم يملك تثبيتها لأنه وكيل في نقلها أشبه الوكيل في نقل الزوجة.
ولنا أنه وكيل في قبض حق أشبه الوكيل في قبض الدين وبه يبطل ما ذكروه فإنه توكيل في قبضه ونقله إليه (مسألة) (وإن وكل في قبض الحق من انسان لم يكن له القبض من وارثه وإن قال أقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه) إذا وكله في قبض دين من رجل فمات نظرت في لفظه فإن قال اقبض حقي من فلان لم يكن له قبضه من وارثه لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف لأنه قد يرى بقاء الحق عندهم دونه وإن قال أقبض حقي الذي قبله أو عليه فله مطالبة وارثه والقبض منه لأن قبضه من الوارث قبض الحق الذي

(5/244)


على مورثه، فإن قيل فلو قال أقبض حقي من زيد فوكل زيد إنساناً في الدفع إليه كان له القبض والوارث نائب الموروث فهو كالوكيل، قلنا الوكيل إذا دفع عنه بإذنه جرى مجرى تسليمه لأنه أقامه مقام نفسه وليس كذلك ههنا فإن الحق انتقل إلى الورثة واستحقت المطالبة عليه لا بطريق النيابة عن المورث ولهذا لو حلف
لا يفعل شيئاً حنث بفعل وكيله دون وارثه (مسألة) (وإن وكله في قبضه اليوم لم يكن له قبضه غداً لأنه قد يختص غرضه به في زمن حاجته إليه (مسألة) وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع) كذلك ذكره أصحابنا وعموم كلام الخرقي يقتضي أن لا يقبل قوله على الآخر وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في قضاء الدين وقال أصحابنا لا يصح القياس لأن قول المودع يقبل في الرد والهلاك فلا فائدة في استيثاق بخلاف قضاء الدين، فإن قال الوكيل دفعت المال إلى المودع فقال لم تدفعه فالقول قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه فكان القول قوله فيه

(5/245)


(مسألة) (وإن وكله في قضاء الدين فقضاه ولم يشهد وأنكر الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل) إذا وكل رجلا في قبضاء دينه ودفع إليه مالاً ليدفعه إليه فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى الغريم لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة لأنه ليس بامينه فلم يقبل قوله عليه في ذلك كما لو ادعاه الموكل فإذا حلف الغريم فله مطالبة الموكل لأن ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله وهل للموكل الرجوع على وكيله؟ ينظر فإن كان قضاه بغير بينة فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبته قال القاضي سواء صدقه أو كذبه وهذا قولا الشافعي لأنه أذن في القضاء يبرأ به ولم يوجد وعن أحمد لا يرجع عليه بشئ إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يفعل، فعلى هذه الرواية إن صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشئ وإن كذبه فالقول قول الوكيل مع يمينه وهذا قول أبي حنيفة ووجه لأصحاب الشافعي لأنه ادعى فعل ما أمره به موكله فكان القول قوله كما لو أمره ببيع ثوبه فادعى بيعه ووجه الأول أنه مفرط بترك الاشهاد فضمن كمما لو فرط في البيع بدون ثمن المثل، فإن قيل فلم يأمره بالإشهاد؟ قلنا إطلاق الأمر بالقضاء يقتضي ذلك لأنه لا يثبت إلا به فيصير كأمره بالبيع والشراء يقتضي ذلك العرف لا العموم كذاههنا وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبة وإن قوله مقبول في القضاء وإنما لزمه الضمان لتفريطه لالرد قوله وعلى هذا لو كان القضاء بحضرة الموكل

(5/246)


لم يضمن الوكيل لأن تركه الاحتياط والإشهاد رضا منه بما فعل وكيله وكذلك لو أذن له في القضاء بغير
إشهاد فلا ضمان عليه لأن صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال وكذلك إن أشهد على القصاء عد ولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان عليه لعدم تفريطه، وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته كشاهد واحد أو رجلاً وامرأتين فهل يبرأ من الضمان يخرج على روايتين فإن اختلف الوكيل والموكل فقال قضيت الدين بحضرتك فأنكر الموكل ذلك أو قال أذنت لي في قضائه بغير بينة فأنكر الموكل أو قال أشهدت على القضاء شهودا فما توا فأنكر الموكل فالقول قوله لأن الأصل معه (فصل) قال المصنف رحمه الله (والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط) سواء كان بجعل أولا لانه أمين أشبه المودع ومتى اختلفا في تعدي الوكيل أو تفريطه في الحفظ أو مخالفته أمر موكله مثل أن يدعي أنك حملت على الدابة فوق طاقتها أو حملت عليها شيئاً لنفسك أو فرطت في حفظها أو لبست الثوب أو أمرتك برد المال فلم تفعل ونحو ذلك فالقول قول الوكيل مع يمنيه لأنه أمين وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه فلا يكلف ذلك كالمودع ولأنه منكر لما يدعى عليه والقول قول المنكر، وكذلك إن ادعى الوكيل التلف فأنكر الموكل فالقول قول الوكيل مع يمينه لما ذكرنا وهكذا حكم من كان في يده شئ لغيره على سبيل الأمانة كالأب والوصي وأمين الحاكم والشريك والضمارب والمرتهن والمستأجر لأنه لو كلف ذلك مع تعذره لا متنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها وذلك ضرر وقال

(5/247)


القاضي إلا أن يدعي تلفها بأمر ظاهر كالحريق والنهب فعليه إقامة البينة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ثم يكون القول قوله في تلفها به وهذا قول الشافعي لأن وجود الأمر الظاهر مما لا يخفى فلا يتعذر إقامة البينة عليه ومتى ثبت التلف في يده من غير تعديه إما لقبول قوله أو بإقرار موكله أو تبينه فلاضمان عليه سواء تلف المتاع الذي أمر ببيعه أو باعه وقبض ثمنه فتلف الثمن سواء كان بجعل أو غيره لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وجرى مجرى المودع والمضارب وشبههما فإن تعدى أو فرط ضمن وكذلك سائر الأمناء ولو باع الوكيل سلعة وقبض ثمنها فتلف في يده من غير تعد واستحق المبيع رجع المشتري بالثمن على الموكل دون الوكيل لأن المبيع له فالرجوع بالعهدة عليه كما لو باع بنفسه
(مسألة) (وإن قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله) إذا اختلف الوكيل والموكل في التصرف فيقول الوكيل بعت الثوب وقبضت الثمن فينكر الموكل ذلك أو يقول بعت ولم تقبض شيئاً فالقول قول الوكيل ذكره ابن حامد وهو قول أصحاب الرأي لأنه يملك البيع والقبض فقبل قوله فيهما كما يقبل قول ولي المرأة المجبرة على النكاح في تزويجها ويحتمل أن لا يقبل قوله وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين عليه فإن وكله في شراء عبد فاشتراه واختلفا في قدر ما اشتراه به فقال اشتريته بألف قال بل بخمسمائة فالقول قول الوكيل لما ذكرناه

(5/248)


وقال القاضي القول قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال اشتر لي عبداً بألف فادعى الوكيل أنه اشتراه بها فالقول قول الوكيل إذاً وإلا فالقول قول الموكل لأن من كان القول قوله في أصل شئ كان القول قوله في صفته وللشافعي قولان كهذين الوجهين، وقال أبو حنيفة إن كان الشراء في الذمة فالقول قول الموكل لأنه غارم لكونه مطالباً بالثمن وإن اشترى بعين المال فالقول قول الوكيل لكونه الغارم فإنه مطالبه برد ما زاد على خمسمائة.
ولنا أنهما اختلفا في تصرف الوكيل فكان القول قوله كما لو اختلفا في البيع ولأنه وكيل في الشراء فكان القول قوله في قدر ثمن المشتري كالمضارب وكما لو قال له اشتر بألف عند القاضي (مسألة) (وإن اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعاً وإن كان بجعل فعلى وجهين) إذا اختلفا في الرد فادعاه الوكيل وأنكره الموكل فإن كان بغير جعل فالقول قول الوكيل لأنه قبض المال لنفع مالكه فكان القول قوله كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان (أحدهما) أن القول قوله كالأول (والثاني) لا يقبل قوله لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وسواء اختلفا في رد العين أو رد ثمنها.

(5/249)


(مسألة) (وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن) وجملة ذلك أن الأمناء على ضربين (أحدهما) من قبض المال لنفع مالكه لا غير كالمودع والوكيل
بغير جعل فيقبل قولهم في الرد لأنه لو لم يقبل قولهم لامتنع الناس من قبول هذه الأمانة فيلحق الناس الضرر (الثاني) ينتفع بقبض الأمانة كالوكيل بجعل والمضارب والأجير المشترك والمستأحر والمرتهن ففيهم وجهان ذكرهما أبو الخطاب (أحدهما) لا يقبل قول المرتهن والمضارب في الرد لأن أحمد نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور ولأن من قبض المال لنفع نفسه لا يقبل قوله في الرد كالمستعير ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ذلك ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله لأن جنايته قد ثبتت بجحده، فإن أقام بينة بما ادعاه من الرد أو التلف لم تقبل بينته في أحد الوجهين لأنه كذبها بجحده فإن قوله قبضت يتضمن أنه لم يرد شيئاً (والثاني) يقبل لأنه يدعي الرد والتلف قبل وجود خيانته فإن كان جحوده إنك لا تستحق علي شيئاً أو مالك عندي شئ سمع قوله مع يمينه لأن جوابه لا يكذب ذلك فإنه إذا كان قد تلف أو رد فليس له عنده شئ فلا تنافي بين القولين إلا أن يدعي أنه رده أو تلف بعد قوله مالك عندي شئ فلا يسمع قوله لثبوت كذبه وخيانته (مسألة) (فإن قال أذنت لي في البيع نسيئة وفي الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين) وجملة ذلك أنهما متى اختلفا في صفة الوكالة فقال وكلتك في بيع هذا العبد قال بل في بيع هذه الجارية أو قال

(5/250)


في بيعه نقداقال بل نسيئة أو قال وكلتك في شراء عبد قال بل في شراء أمة أو قال بل وكلتك في الشراء بعشرة قال بل بخمسة فقال القاضي في المجرد القول قول الموكل وهو قول أصحاب الرأي والشافعي وابن المنذر، وقال أبو الحطاب إذا قال أذنت لك في البيع نقدا وفي الشراء بخمسة قال بل أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بعشرة فالقول قول الوكيل نص عليه أحمد واختاره القاضي والتعليق الكبير في المضاربة لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كالخياط إذا قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصاً وحكي عن مالك إن أدركت السلعة فالقول قول الموكل وإن فاتت فالقول قول الوكيل لأنها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان والأصل عدمه بخلاف ما إذا كانت موجودة، والقول الأول أصح لوجهين (أحدهما) أنهما اختلفا في التوكيل الذي يدعيه الموكل فكان القول قول من ينفيه كما لو لم يقر الموكل بتوكيله في غيره (والثاني) أنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله في صفة كلامه كما لو اختلف الزوجان
في صفة الطلاق، فعلى هذا إذا قال اشتريت لك هذه الجارية بإذنك فقال ما أذنت إلا في شراء غيرها أو قال اشتريتها لك بألفين فقال ما أذنت لك في شرائها إلا بألف فالقول قول الموكل وعليه اليمين فإذا خلف برئ من الشراء، ثم لا يخلو إمان يكون الشراء بعين المال أو في الذمة فإن كان بعين المال فالبيع باطل ويرد الجارية على البائع إن اعترف بذلك وإن كذبه في أن الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه فالقول قول البائع لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه

(5/251)


لا يعلم أنه اشتراه بمال موكله لأنه يحلف على نفي فعل غيره فإذا حلف مضى البيع وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله ودفع الثمن إلى البائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لأنه إن كان صادقاً فهي للموكل وإن كان كاذباً فهي للبائع، فإن أراد استحلالها اشتراها ممن هي له في الباطن امتنع من بيعه إياها رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به ليبيعه إياها ليثبت الملك له ظاهراً وباطناً ويصير ما ثبت له في ذمته ثمنا قصاصاً بالثمن الذي أخذ منه الآخر ظلماً فإن امتنع الآخر من البيع لم يجبر عليه لأنه عقد مراضاة، فإن قال له أن كانت الجارية لي فقد بعتكها أو قال الموكل إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها ففيه وجهان (أحدهما) لا يصح وهو قول القاضي وبعض الشافعية لأنه بيع معلق على شرط (والثاني) يصح لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يصح جعله شرطاً كما لو قال إن كانت هذه الجارية جارية فقد بعتكها وكذلك كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب وقوف البيع ولا شكافيه، وإن كان الوكيل اشترى في الذمة ثم نقد الثمن صح الشراء ولزم الوكيل في الظاهر فأما في الباطن فإن كان كاذباً في دعواه فالجارية لموكله فإذا أراد إحلالها توصل إلى شرائها منه كما ذكرنا وكل موضع كانت للموكل في الباطن وامتنع من بيعها للوكيل فقد حصلت في يد الوكيل وهي للموكل وفي ذمته ثمنها في الوكيل فأقرب الوجوه ان يأذن للحاكم في بيعها وتوفيه حقه من ثمنها فإن كانت للوكيل فقد بيعت بإذنه وإن كانت للموكل فقد باعها الحاكم في إيفاء دين امتنع المدين من وفائه وقد قيل غير ما ذكرنا وهذا أقرب إن شاء الله تعالى

(5/252)


وإن اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز لأنه قائم مقام الموكل في ذلك أشبه ما لو اشترى منه
(فصل) ولو وكله في بيع عبد فباعه نسيئة فقال الموكل ما أذنت في بيعه إلا نقداً فصدقه الوكيل والمشتري فسد البيع وله مطالبة من شاء منهما بالعبد إن كان باقيا وبقيمته إن تلف فإن أخذ القيمة من الوكيل رجع على المشتري بها لأن التلف في يده فاستقر الضمان عليه وإن أخذها من المشتري لم يرجع بالضمان على أحد، وإن كذباه وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة فعلى قول القاضي يحلف الموكل ويرجع في العين إن كانت قائمة وإن كانت تالفة رجع المشتري على الوكيل بالثمن الذي أخذه منه لأنه لم يسلم له المنع وإن ضمن الوكيل لم يرجع على المشتري في الحال لأنه يقر بصحة البيع وتأجيل الثمن وإن البائع ظلمه بالرجوع عليه وأنه إنما يستحق المطالبة بالثمن بعد الأجل فإذا حل الأجل رجع الوكيل على المشتري بأقل الأمرين من القيمة أو الثمن المسمى لأن القيمة إن كانت أقل فما غرم أكثر منها فلم يرجع بأكثر مما غرم وإن كان الثمن أقل فالوكيل معترف للمشتري أنه لا يستحق عليه أكثر منه وان الموكل ظلمه بأخذ الزائد على الثمن فلا يرجع على المشتري بما ظلم به الموكل وإن كذبه أحدهما دون الآخر فله الرجوع على المصدق بغير يمين ويحلف على المكذب ويرجع على حسب ما ذكرناه هذا إن اعترف المشتري بالوكالة وإن أنكر ذلك وقال إنما بعتني ملكك فالقول قوله مع يمينه أنه لا يعلم كونه وكيلاً ولا يرجع عليه بشئ.

(5/253)


(فصل) إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره لأنه رضي بكونه في يده فإن طلبه فأخر رده مع إمكانه فتلف ضمنه وإن وعده رده ثم ادعى إني كنت رددته قبل طلبه أو انه كان تلف لم يقبل قوله لأنه مكذب لنفسه بوعده رده فإن صدقه الموكل برئ فإن كذبه فالقول قول الموكل فإن أقام ببنة بذلك قبلت في أحد الوجهين لأنه يبرأ بتصديق الموكل فكذلك إذا قامت له بينة لأن البينة إحدى الحجتين فبرئ بها كالإقرار والثاني لا يقبل لانه كذبها بوعده بالدفع بخلاف ما إذا صدق لأنه أقر ببراءته فلم يبق له منازع، وإن لم بعده برده لكن منعه أو مطله مع إمكانه ثم ادعى الرد أو التلف لم يقبل قوله إلا بينة لأنه صار بالمنع خارجاً عن حال الأمانة وتسمع بينته لأنه لم يكذبها
(مسألة) (وإن قال أذنت لي أن تزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداقء على وجهين) وجملة ذلك أن الوكيل والموكل إذا ختلفا في أصل الوكالة فقال وكلتني فأنكر الموكل فالقول قوله لأن الأصل عدم الوكالة ولم يثبت أنه أمينه فيقبل قوله عليه ولو قال وكلتك ودفعت إليك مالاً فأنكر الوكيل ذلك كله أو اعترف بالتوكيل وأنكر دفع المال إليه فالقول قوله لذلك ولو قال رجل

(5/254)


لآخر وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وادعت المرأه ذلك فأنكر الموكل فالقول قوله نص عليه أحمد فقال إن أقام البينة وإلا فلا يلزم الآخر عقد النكاح قال أحمد ولا يستحلف قال القاضي لأن الوكيل يدعي حقاً لغيره، وفأما إن ادعته المرأة فينبعي أن يستحلف لأنها تدعي الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه الصداق ولم يلزم الوكيل منه شئ لأن دعوى المرأة على الموكل وحقوق العقد لا تتعلق بالوكيل ونقل احساق بن إبراهيم عن أحمد أن الوكيل يلزمه نصف الصداق لأن الوكيل في الشراء ضامن للثمن وللبائع مطالبته كذا ههنا ولأنه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق والأول أولى لما ذكرناه، ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود البائع والعادة تعجيله وأخذه من المتولي للشراء والنكاح يخالفه في هذا كله، فإن كان الوكيل ضمن المهر فلها الرجوع عليه بنصفه لأنه ضمنه الموكل وهو مقر بأنه في ذمته وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وقال محمد بن الحسن يلزم الوكيل جميع الصداق لأن الفرقة لم تقع بانكاره فيكون ثابتا في الباطن فيجب جميعه ولنا أنه يملك الطلاق فإذا أنكر فقد أقر بتحريمها عليه فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به قال أحمد ولا يتزوج المرأة حتى يطلق لعله يكون كاذباً في إنكاره، وظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها لابها

(5/255)


معترفة أنها زوجة له فيؤخذ باقرارها، وانكاره ليس بطلاق، وهل يلزم الموكل طلاقها؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يلزم لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو ثبت لم يكلف الطلاق ويحتمل أن يلزمه لازالة الاحتمال والزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه فأشبه النكاح الفاسد، ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر
لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها ولو ادعى أن فلانا الغائب وكيله في تزوج امرأة فتزوجها له ثم مات الغائب لم ترثه المرأة إلا بتصديق الورثة أو يثبت بينة، وإن أقر الموكل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوج له فإن القول قول الوكيل فيه فيثبت التزويج ههنا وقال القاضي لا يثبت وهو قول أبي حنيفة لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد إلا بها وذكر أن أحمد نص عليه وأشار إلى نصه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة من أصلها ولنا أنهما اختلفا في فعل الوكيل ما أمره به فكان القول قوله كما لو وكله في بيع ثوب فادعى بيعه أو في شراء عبد بألف فادعى أنه أشتراه به وما ذكره القاضي من نص أحمد عليه فيما إذا أنكر الموكل الوكالة فيس بنص ههنا لاختلاف أحكام الصورتين وتباينهما فلا يكون النص في إحداهما نصاً في الآخر وما ذكره من المعنى لا أصل له فلا يعول عليه

(5/256)


(فصل) ولو غاب رجل فجاء رجل إلى امرأته فذكر أن زوجها طلقها وأبانها ووكله في تجديد نكاحها بألف فأذنت في نكاحها فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ثم جاء زوجها وأنكر هذا كله فاقول قوله والنكاح الأول بحاله وقياس ما ذكرناه أن المرأة إن صدقت الوكيل لزمه الألف إلا أن يبينها زوجها قبل دخوله بها وحكي ذلك عن مالك وزفر وحكي عن أبي حنيفة والشافعي أنه لا يلزم الضامن شئ لأنه فرع على المضمون عنه والمضمون عنه لا يلزمه شئ فكذلك فرعه ولنا أن الوكيل مقر بأن الحق في ذمة المضمون عنه وأنه ضامن عنه فلزمه ما اقربه كما لو ادعى على رجل أنه ضمن ألفا على أجنبي فأقر الضامن بالضمان وصحته وثبوت الحق في ذمة المضمون عنه وكما لو ادعى شفعة على إنسان في شقص اشتراه فأقر البائع وأنكر المشتري فإن الشفيع يستحق الشفعة في أصح الوجهين فإن لم تدع المرأة صحة ما ذكره الوكيل فلا شئ عليه، ويحتمل أن من أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ومن أوجبه أوجبه في الصورة الأخرى فلا يكون بينهما اختلاف والله أعلم (مسألة) (ويجوز التوكيل بجعل وبغيره) لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ الجعل عليه كرد الآبق

(5/257)


ويجوز بغير خلاف فإذا وكله بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لتحقق البيع قبل قبضه فإن قال في التوكيل فإذا أسلمت إلي الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لا شتراطه إياه ولو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح نص عليه، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول ابن سيرين واسحاق وكرهه النخعي وحماد وأبو حنيفة والثوري والشافعي وابن المنذر لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود ولنا إن عطاء روي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجل الرجل الثوب أو غيره فيقول بعه بكذا فما ازددت فهو لك ولا يعرف له في عصره مخالف فكان إجماعا لأنها عين تنمى بالعمل عليها أشبه دفع ماله مضاربة.
إذا ثبت ذلك فإذا باعه بزيادة فهي له لأنه جعلها له وإن باعه بما عينه فلا شئ له لأنه جعل له الزيادة ولا زيادة فهو كالمضارب إذا لم يربح، وإن باعه بنقص فعنه لا يصح لمخالفته فإن تعذر ضمن النقص وعنه يصح ويضمن النقص وقد ذكرنا ذلك وإن باعه نسيئة لم يصح ولا يستحق الوكيل وإن باعه بزيادة نص عليه أحمد في رواية الأثرم (فصل) إذا وكله في شراء شئ فاشترى غيره مثل أن يوكله في شراء عبد فاشترى جارية فإن كان الشراء بعين مال الموكل فالشراء باطل في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وعن أحمد أنه يصح ويقف على إجازة المالك فإن أجازه صح وإلا بطل وهو قول مالك وإسحاق وقد ذكرناه في كتاب البيع فإن كان اشتراه في ذمته ثم نقد الثمن فالشراء صحيح لأنه إنما اشترى بثمن في ذمته وليس ذلك ملكا لغيره وقال أصحاب الشافعي لا يصح في أحد الوجهين لأنه عقد على أنه للموكل ولم يأذن فيه فلم يصح كما لو اشترى بعين ماله

(5/258)


ولنا أنه لم يتصرف في ملك غيره فصح كما لو لم ينوه إذا ثبت ذلك فروي عن أحمد روايتان (احداهما) الشراء لازم للمشتري وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي لأنه إشترى في ذمته بغير إذنه فكان الشراء له كما لو لم ينو غيره (والثانية) يقف على إجازة الموكل إن أجازه لزمه وإن لم يجزه لزم الوكيل لأنه لا يجوز أن يلزم الموكل لكونه لم يأذن في شرائه ولزم الوكيل لأن الشراء صدر منه ولم يثبت لغيره فثبت في حقه كما لو اشتراه لنفسه وهكذا ذكر الخرقي وهذا حكم كل من اشترى شيئاً
في ذمته لغيره بغير إذنه سواء كان وكيلاً للذي قصد الشراء له أو لم يكن (فصل) وإن وكله في أن يتزوج له امرأة فتزوج له غيرها أو تزوج له بغير إذنه فالعقد فاسد بكل حال في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لأن من شرط صحة عقد النكاح ذكرا لزوج فإذا كان بغير إذنه لم يقع له ولا للوكيل لأن المقصود أعيان الزوجين بخلاف البيع فإنه يجوز أن يشتري له من غير تسمية المشتري له والثانية يصح النكاح ويقف على إجازة المتزوج فإن أجازه صح والابطل وهو مذهب أبي حنيفة والقول فيه كالقول في البيع على ما تقدم (فصل) قال القاضي إذا قال لرجل اشتر لي بديني عليك طعاماً لم يصح ولو قال أسلف لي ألفاً من ملك في كر طعام ففعل لم يصح أيضاً لأنه لا يجوز أن يتشري الإنسان بماله ما يملكه غيره وإن قال اشتر لي في ذمتك أو قال أسلف لي الفافي كر طعام واقض الثمن عني من مالك أو من الدين الذي عليك صح لأنه إذا اشترى في الذمة حصل الشراء للموكل والثمن عليه فإذا قضاه من الدين الذي عليه فقد دفع الدين إلى من أمره صاحب الدين بدفعه إليه وإن قضاه من ماله عن دين السلف الذي عليه صار قرضاً عليه

(5/259)


(فصل) قال أحمد في رواية أبي الحارث في رجل له على آخر دراهم فبعث إليه رسولاً يقبضها فبعث إليه مع الرسول ديناراً فضاع مع الرسول فهو من مال الباعث لأنه لم يأمره بمصارفته إنما كان من ضمان الباعث لأنه دفع إلى الرسول غير ما أمره به المرسل لأن المرسل إنما أمره بقبض الدراهم ولم يدفعها إنما دفع ديناراً عوضاً عنه وهذا صرف يفتقر إلى إذن صاحب الدين ومصارفته به فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه اللهم إلا أن يخبر الرسول الغريم أن رب الدين أذن له في قبض الدينار عن الدراهم فيكون من ضمان الرسول لأنه غره وأخذ الدينار على أنه وكيل للمرسل، وإن قبض الدراهم التي أمر بقبضها فضاعت من الرسول بغير تفريط فهي من ضمان صاحب الدين، وقال أحمد في رواية منها في رجل له عند آخر دنانير وثياب فبعث إليه رسولاً وقال خذ ديناراً أو ثوباً فأخذ دينارين وثوبين فضاعت فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه الدينار ين والثور بين ويرجع به على الرسول يعني عليه ضمان الدينار والثوب الزائداين إنما جعل عليه
الضمان لأنه إلى من لم يؤمر بدفعهما إليه ورجع بهما على الرسول لأنه غره وحصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه وللموكل تضمين الوكيل لأنه تعدى بقبض ما لم يؤمر بقبضه فإذا ضمنه لم يرجع على أحد لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه، وقال أحمد في رجل وكل وكيلاً في اقتضاء دينه وغاب فأخذ الوكيل به رهناً فتلف الرهن في يد الوكيل فقال أساء الوكيل في أخذ الرهن ولا ضمان عليه إنما لم يضمنه لأنه رهن فاسد والقبض في العقد الفاسد كالقبض في العقد الصحيح فما كان القبض في صحيحه مضموناً كان مضموناً في فاسده وما كان غير مضمون في صحيحه كان غير مضمون في فاسده، ونقل البغوي عن أحمد في رجل أعطى آخر دراهم ليشتري له بها شاة فخلطها مع دراهمه فضاعا فلا شئ عليه وإن

(5/260)


ضاع أحدهما أيهما ضاع غرمه قال القاضي هذا محمول على أنه خلطها بما تتميز منه ويحتمل أنه أذن له في خلطها أما إن خلطها بما لا تتميز منه بغير إذنه ضمنها كالوديعة وإنما لزمه الضمان إذا ضاع أحدهما لأنه لا يعلم أن الضائع دراهم الموكل والأصل بقاؤها، ومعنى الضمان ههنا أنه يحسب الضائع من دراهم نفسه فأما على المحمل الآخر وهو إذا خلطها بما تتميز منه فإذا ضاعت دراهم الموكل وحدها فلاضمان عليه لأنها ضاعت من غير تعد منه (فصل) قال الشيخ رحمه الله (فإن كان عليه حق لإنسان فادعى آخر أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه إلا أن تقوم به بينة وإن لم تقم به بينة لم يلزمه الدفع إليه وإن صدقه) وبه قال الشافعي وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده وقال أبو حنيفة يلزمه وفاء الدين إن صدقه وفي الوديعة روايتان أشهر هما لا يجب تسليمها لأنه أقر له بحق الاستيفاء فلزمه إيفاؤه كما لو أقر أنه وارثه ولنا أنه تسليم لا يبرئه فلا يجب عليه كما لو كان الحق عيناً وكما لو أقر بأن هذا وصي الصغير وفارق الاقرار بكونه وارثه لأنه يتضمن براءته فإنه أقر بأنه لا حق لسواه (مسألة) (وإن كذبه لم يستحلف) وقال أبو حنيفة يستحلف وهذا مبني على الخلاف في وجوب الدفع مع التصديق فمن أوجب عليه ثم أوجب عله اليمين مع التكذيب كسائر الحقوق ومن لم يوجب عليه الدفع مع التصديق لم يلزمه اليمين مع التكذيب لعدم فائدتها
(مسألة) (فإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة وحلف رجع على الدافع وحده)

(5/261)


وجملة ذلك أن من عليه الحق إذا دفعه إلى الوكيل مع التصديق أو عدمه فحضر الموكل وصدق الوكيل برئ الدافع وإن كذبه فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر فإذا حلف وكان الحق ديناً لم يرجع إلا على الدافع وحده لأن حقه في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غيرو كيل صاحب الحق والذي أخذه الوكيل عين مال الدافع في زعم صاحب الحق والوكيل والدافع يزعمان أنه صار ملكاً لصاحب الحق وأنه ظالم للدافع بالأخذ منه فيرجع الدافع فيما أخذ منه الوكيل ويكون قصاصاً مما أخذ منه صاحب الحق وإن كان قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشئ لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه إلا أن يتلف بتعديه وتفريطه فيرجع عليه (مسألة) (وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلف فله تضمين أيهما شاء ولا يرجع من ضمنه على الآخر بشئ) إذا كان المدفوع عيناً فوجدها صاحبها أخذها وله مطالبة من شاء بردها لأن الدافع دفعها إلى غير مستحقها والوكيل عين ماله في يده فإن طالب الدافع فللدافع مطالبة الوكيل بها وأخذها من يده ليسلمها إلى صاحبها فإن تلفت العين أو تعذر ردها فلصاحبها الرجوع ببدلها على من شاء منهما لأن الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض مالا يستحق قبضه وأيهما ضمنه لم يرجع على الآخر لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذ ظلم ويقر بأنه لم يؤخذ من صاحبه بتعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل لكونه لم يقر بوكالته ولم يثبت ببينة وإن ضمن الوكيل لم يرجع على الدافع وإن صدقه لكن إن كان الوكيل تعدى فيها أو

(5/262)


فرط استقر الضمان عليه فإن ضمن لم يرجع على أحد وإن ضمن الدافع رجع عليه لأنه وإن كان يقر بأنه قبضه قبضاً شرعياً لكن إنما لزمه الضمان لتفريطه وتعديه فالدافع يقول ظلمني المالك بالرجوع علي وله على الوكيل حق يعتردف به الوكيل فيرجع عليه به
(مسألة) (فإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان.
(أحدهما) لا يلزمه الدفع إليه لان الدفع اليه غرى مبرئ لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة ويضمنه فأشبه المدعي للوكالة (والثاني) يلزمه الدفع إليه لأنه معترف أن الحق انتقل إليه أشبه الوارث والأول أشبه لأن العلة في جواز منع الوكيل كون الدافع لا يبرئ وهي موجودة ههنا والعلة في وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقاً والدفع إليه يبرئ وهو متخلف ههنا فإلحاقه بالوكيل أولى وإن قلنا يلزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار وإن قلنا لا يلزمه الدفع مع التصديق لم تلزمه اليمين مع الإنكار لعدم الفائدة فيها ومثل هذا مذهب الشافعي (مسألة) (وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه فصدقه أنه وارث الحق لا وراث له سواه لزمه الدفع إليه) بغير خلاف نعلمه لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه كما لو جاء صاحب الحق وإن أنكر لزمته اليمين أنه لا يعلم صحة ما قال لأن اليمين ههنا على نفي فعل الغير فكانت على نفي العلم وإنما لزمته اليمين ههنا لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار كسائر الحقوق المالية (فصل) ومن طلب منه حق فامتنع من دفعه حتى يشهد القابض على نفسه بالقبض وكان الحق

(5/263)


عليه بغير بينة لم يلزم القابض الإشهاد لأنه لا ضرر في ذلك فإنه متى ادعى الحق على الدافع بعد ذلك قال لا تستحق علي شيئاً والقول قوله مع يمينه وإن كان الحق ثبت ببينة وكان من عليه الحق بقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل بلا جعل فكذلك لأنه متى ادعى عليه حق أو قامت به بينة فالقول في الرد قوله، وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد أو يختلف في قبول قوله كالغاصب والمستعير والمرتهن لم يلزمه تسليم ما قبله إلا بالإشهاد لئلا ينكر القابض القبض ولا يقبل قول الدافع في الرد وإن أنكر قامت عليه البينة ومتى أشهد القابض على نفسه بالقبض لم يلزمه تسليم الوثيقة بالحق إلى من عليه الحق لأن بينة القبض تسقط البينة الأولى والكتاب ملكه فلا يلزمه تسليمه إلى غيره (فصل) في الشهادة على الوكالة إذا شهد بالوكالة رجل وامرأتان أو شاهد وحلف معه فقال
أصحابنا فيها روايتان (إحداهما) تثبت بذلك إذا كانت الوكالة في المال قال أحمد في الرجل يوكل وكيلاً ويشهد على نفسه رجلاً وامرأتين إذا كانت المطالبة بدين فأما غير ذلك فلا (والثانية) لا تثبت إلا بشاهدين عدلين نقلها الخرقي في قوله ولا تقبل فيما سوى الأموال مما يطلع عليه الرجال أقل من رجلين وهذا قول الشافعي لأن الوكالة إثبات للتصرف ويحتمل أن يكون قول الخرقي كالرواية الأولى لأن الوكالة في المال يقصد بها المال فقبل شهادة النساء مع الرجال كالبيع والقرض.
وإن شهدا بوكالة ثم قال أحدهما قد عزله لم تثبت وكالته بذلك، وإن كان الشاهد بالعزل أجنبياً لم يثبت العزل بشهادته وجده لأن العزل لا يثبت إلا بما يثبت به التوكيل، ومتى عاد أحد الشاهدين بالتوكيل فقال

(5/264)


قد عزله لم بحكم بشهادتهما لأنه رجوع عن الشهادة قبل الحكم بها فلا يجوز للحاكم الحكم بما رجع عنه الشاهد وإن كان حكم الحاكم بشهادتهما ثم قال أحدهما قد عزله بعد ما وكله لم يلتفت إلى قوله لأن الحكم قد نفذ بالشهادة ولم يثبت العزل فإن قالا جميعاً كان قد عزله ثبت العزل لأن الشهادة قد تمت في العزل كتمامها في التوكيل (فصل) فإن شهد أحدهما أنه وكله يوم الجمعة وشهد آخر انه وكله يوم السبت لم تتم الشهادة لأن التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت فلم تكمل شهادتهما على فعل واحد، وإن شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة وشهد آخر انه أقر به يوم السبت تمت الشهادة لأن الإقرارين أخبار عن عقد واحد ويشق جمع الشهود ليقر عندهم حالة واحدة فجوز له الإقرار عند كل واحد وحده وكذلك لو شهد أحدهما أنه أقر عنده بالوكالة بالعجمية وشهد آخر انه أقربها بالعريبة ثبتت، ولو شهد أحدهما أنه قال وكله بالعربية وشهد الآخر أنه وكله بالعجمية لم تكمل الشهادة لأن التوكيل بالعربية غير التوكيل بالعجمية فلم تكمل الشهادة على فعل واحد، وكذلك لو شهد أحدهما أنه قال وكلتك وشهد الآخر أنه قال أذنت في التصرف أو أنه قال جعلتك وكيلاً أو شهد أنه قال جعلتك جرياً لم تتم الشهادة لأن اللفظ مختلف والجري الوكيل، ولو قال أحدهما أشهد أنه وكله وقال الآخر أشهد أنه أذن له في التصرف تمت الشهادة لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل وإنما عبرا عنه بلفظهما واختلاف لفظهما لا يؤثر إذا اتفق معناه، ولو قال أحدهما أشهد أنه أقر عندي أنه وكيله وقال الآخر أشهد أنه أقر عندي أنه
جريه أو أنه أوصى إليه بالتصرف في حياته ثبتت الوكالة بذلك، ولو شهد احد بأنه وكل في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله وزيداً أو شهد أنه وكله في بيعة وقال لاتبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلاناً لم تتم

(5/265)


الشهادة لأن الأول أثبت استقلالاً بالبيع من غير شرط والثاني ينفي ذلك فكانا مختلفين، وإن شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده وشهد الآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته حكم بالوكالة في العبد لاتفاقهما عليه وزيادة الثاني لا تقدح في تصرفه في الأول فلا تضرو هكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد وشهد الآخر أنه وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو (فصل) ولا تثبت الوكالة والعزل بخبر الواحد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة تثبت بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ويجوز التصرف للخبر بذلك اذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولاً لأن اعتبار شاهدين عدلين في هذا يشق فسقط اعتباره ولأنه أذن في التصرف ومنع منه فلم تعتبر فيه شروط الشهادة كاستخدام غلامه ولنا أنه عقد مالي فلا يثبت بخبر الواحد كالبيع وفارق الاستخدام فإنه ليس بعقد ولو شهد اثنان ان فلانا الغائب وكل فلاناً الحاضر فقال الوكيل ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة لأن معنى ذلك أني لم أعلم إلى الآن وقبول الوكالة بجوز متراخيا وليس من شرط التوكيل حضور الوكيل ولا عمله فلا يضر جهله به وإن قال ما أعلم صدق الشاهدين لم تثبت وكالته لقدحه في شهادتهما وإن قال ما علمت وسكت قيل له فسر فإن فسر بالأول ثبتت وكالته وإن فسر بالثاني لم تثبت (فصل) ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب وهو أن يدعي أن فلاناً الغائب وكلني في كذا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصح بناء على أن الحكم على الغائب لا يصح

(5/266)


ولنا أنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره كغيره وإذا قال له من عليه الحق أحلف أنك تستحق مطالبتي لم يسمع لأن ذلك طعن في الشهادة وإن قال قد عزلك الموكل فاحلف أنه ما عزلك لم يستحلف لأن الدعوى على الموكل واليمين لا تدخلها النيابة، وإن قال أنت تعلم إن موكلك
قد عزلك سمعت دعواه وطلب اليمين من الوكيل حلف على نفي العلم لأن الدعوى عليه وإن أقام الخصم بينة بالعزل سمعت وانعزل الوكيل (فصل) وتقبل شهادة الوكيل على موكله لعدم التهمة لأنه لا يجربها نفعاً ولا يدفع بها ضرراً

(5/267)


وتقبل شهادته له فيما لم يوكله فيه لكونه لا يجر إلى نفسه نفعاً ولا تقبل شهادته له فيما هو وكيل له فيه لأنه يثبت لنفسه حقا بدليل أنه إذا كان وكله في قبض حق فشهد به ثبت له استحقاق قبضه ولأنه خصم فيه بدليل أنه يملك المخاصمة فيه فإن شهد بما كان وكيلاً فيه بعد عزله لم تقبل أيضاً سواء كان خاصم فيه بالوكالة أو لم يخاصم وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان كان لم يخاصم فيه قبلت شهادته لأنه لاحق له فيه وإن لم يخاصم فيه فأشبه مالو لم يكن وكيلاً فيه وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا أنه بعقد الوكالة صار خصماً فيه فلم تقبل شهادته فيه كما لو خاصم فيه وفارق ما لم يكن وكيلاً فيه فإنه لم يكن خصماً فيه (فصل) إذا كانت الأمة بين نفسين فشهدا أن زوجها وكل في طلاقها لم تقبل شهادتهما لأنهما يجران لأنفسهما نفعاً وهو زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما، وإن شهدا بعزل الوكيل في الطلاق لم تقبل لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعاً وهو إبقاء النفقة على الزوج، ولا تقبل شهادة إبني الرجل له بالوكالة ولا أبويه لأنهما يثبتان له حق التصرف ولا يثبت للإنسان حق بشهادة إبنه ولا أبيه ولا تقبل شهادة إبني الموكل ولا أبويه بالوكالة وقال بعض الشافعية تقبل لأن هذا حق على الموكل يستحق به الوكيل المطالبة فقبلت فيه شهادة قرابة الموكل كالإقرار ولنا أن هذه شهادة ثبت بها حق لأبيه أو ابنه فلم تقبل كشهادة ابني الوكيل وأبويه ولأنهما

(5/268)


يثبتان لابيهما نائبا متصرفا، وفارق الشهادة عليه بالإقرار فإنها شهادة عليه متمحضة ولو ادعى الوكيل الوكالة فأنكرها الموكل فشهد عليه ابناه أو أبواه ثبتت الوكالة وأمضي تصرفه لأن ذلك شهادة عليه ولو ادعى الموكل أنه تصرف بوكالته وأنكر الوكيل فشهد عليه أبواه أو ابناه قبل أيضاً كذلك
وإن ادعى وكيل الموكل الغائب حقاً وطالب به فادعى الخصم أن الموكل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكل قبلت شهادتهما ثبت العزل بها لأنهما يشهدان على أبيهما وإن لم يدع الخصم عزله لم تسمع شهادتهما لأنهما يشهدان لمن لا يدعيها فإن قبض الوكيل فحضر الموكل وادعى أنه كان قد عزل الوكيل وأن حقه باق في ذمة الغريم وشه له ابناه لم تقبل شهادتهما لأنهما يثبتان حقا لا بيهما ولو ادعى مكاتب الوكالة فشهد له سيده أو ابنا سيده أو أبواه لم تقبل لأن السيد يشهد لعبده وابناه يشهدان لعبد أبيهما والأبوان يشهدان لعبد ابنهما، وإن عتق فأعاد الشهادة فهل تقبل يحتمل وجهين (فصل) إذا حضر رجلان عند الحاكم فأقر أحدهما أن الآخر وكيله ثم غاب الموكل وحضر الوكيل فقدم حضما لموكله وقال أنا وكيل فلان فأنكر الخصم كونه وكيلاً فإن قلنا لا يحكم الحاكم بعلمه لم تسمع دعواه حتى تقوم البينة بوكالته وإن قلنا يحكم بعلمه وكان الحكم يعرف الموكل بعينه واسمه ونسبه صدقه ومكنه من التصرف لأن معرفته كالبينة وإن عرفه بعينه دون اسمه ونسبه لم يقبل قوله حتى تقوم البينة عنده بالوكالة لأنه يريد تثبيت نسبه عنده بقوله فلم يقبل

(5/269)


(فصل ولو حضر عند الحاكم رجل فادعى أنه وكيل فلان الغائب في شئ عينه أحضر بينة تشهد له بالوكالة سمعها الحاكم، ولو ادعى حقاً لموكله قبل ثبوت وكالته لم يسمع الحاكم دعواه وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يسمعها إلا أن يقدم خصما من خصماء الموكل فيدعي عليه حقاً فإذا أجاب المدعي عليه حينئذ يسمع الحاكم البينة، فحصل الخلاف بيننا في حكمين (أحدهما) أن الحاكم يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم وعنده لا يسمع (والثاني) أنه لا يسمع دعواه لموكله قبل ثبوت وكالته وعنده يسمع وبنى ابو حنيفة على أصله في أن القضاء على الغائب لا يجز وسماع البينة بالوكالة من غير خصم بها قضاء على الغائب وإن الوكالة لا تلزم الخصم ما لم يجب الوكيل عن دعوى الخصم إنك لست بوكيل ولنا أنه إثبات للوكالة فلم يفتقر إلى حضور الموكل عليه كما لو كان عليه جماعة فأحضر واحداً منهم فان الباقين لا يفتقر إلى حضور هم كذلك ههنا والدليل على ان الدعوى لا تسمع قبل ثبوت الوكالة أنها لا تسمع إلا من خصم يخاصم عن نفسه أو عن موكله وهذا لا يخاصم عن نفسه ولم يثبت أنه وكل
لمن يدعي له فلا تسمع دعواه كما لو ادعى لمن لم يدع وكالته وفي هذا الأصل جواب عما ذكره (فصل) ولو حضر رجل وادعى على غائب مالاً في وجه وكيله فأنكره فأقام بينة بما ادعاه حلفه الحاكم وحكم له بالمال فإذا حضر الموكل وجحد الوكالة وادعى أنه كان قد عزله لم يؤثر ذلك في الحكم لأن القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله

(5/270)