الشرح
الكبير على متن المقنع كتاب العدد الأصل في وجوب العدة الكتاب
والسنة والإجماع أما الكتاب فقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ،
وقوله سبحانه (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة
أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقوله سبحانه
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وأما
السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر " وقال لفاطمة
بنت قيس " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم " في آي واحاديث كثيرة واجتمعت الأمة
على وجوب العدة في الجملة وإنما اختلفوا في أنواع فيها (مسألة) (كل امرأة
فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة بها فلا عدة عليها) أجمع
العلماء على ذلك لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنان
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولأن العدة
إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم وقد تيقناها ههنا
(9/76)
(فصل) وتجب العدة على الذمية من الذمي
والمسلم.
وقال أبو حنيفة إن لم يكن من دينهم لم يلزمها لأنهم لا يخاطبون بفروع
الإسلام ولنا عموم الآيات ولأنها بائن بعد الدخول أشبهت المسلمة.
وعدتها كعدة المسلمة في قول علماء الأمصار منهم الثوري والشافعي وابو عبيد
وأصحاب الرأي وهو قول مالك.
وروي عنه أنه قال تعتد من الوفاة بحيضة ولنا عموم قوله تعالى (والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) ولأنها معتدة
من الوفاة أشبهت المسلمة (مسألة) (وإن خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة
سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطئ كالإحرام والصيام والحيض والنفاس
والمرض والجب والعنة أو لم يكن إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة
عليها) وجملة ذلك أن العدة تجب على من خلا بها زوجها ولم يمسها ولا خلاف
بين أهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس فأما إن خلا بها ولم يصبها
ثم طلقها فإن العدة تجب عليها روى ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر
وبه قال عروة وعلي بن الحسين وعطاء والزهري والثوري والاوزاعي واسحاق
وأصحاب الرأي والشافعي في قديم قوله وقال في الجديد لا عدة عليها لقوله
تعالى
(9/77)
(يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وهذا نص ولأنها
مطلقة لم تمس فاشبهت من لم يخل بها ولنا إجماع الصحابة فروى الإمام أحمد
والاثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى
سترا أو غلق باباً فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه الأثرم أيضاً عن عمر
وعلي.
وعن سعيد بن المسيب عن عمر وزيد بن ثابت وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فصارت
إجماعاً وضعف أحمد ما روي في خلاف ذلك وقد ذكرناه في الصداق ولأنه عقد على
المنافع فالتمكين فيه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام المتعلقة كعقد
الإجارة والآية مخصوصة بما ذكرناه ولا يصح
القياس على من لم يخل بها لأنه لم يوجد منها التمكين ولا فرق بين أن يخلو
بها مع المانع من الوطئ أو مع عدمه وسواء كان المانع حقيقيا كالجب والعنة
والرتق أو شرعياً كالصوم والإحرام والحيض والنفاس والظهار لإن الحكم علق
ههنا على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها ولهذا لو خلا بها فأتت
بولد لمدة الحمل لحقه نسبه وإن يطأ وقد روي عن أحمد أن الصداق لا يكمل مع
وجود المانع فكذلك يخرج في العدة.
وروي عنه أن صوم شهر رمضان يمنع كمال الصداق مع الخلوة وهذا يدل على أن
المانع متى كان متأكد كالإحرام وشبهه مع كمال الصداق ولم تجب العدة لأن
الخلوة إنما إقيمت مقام المسيس لأنها مظنة له ومع المانع لا تتحقق المظنة
(9/78)
(مسألة) (إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل
فلا عدة عليها ولا يكمل صداقها لأن المظنة لا تتحقق وكذلك إن كانت صغيرة لا
يوطأ مثلها أو لم تكن مطاوعة لعدم تحقق المظنة مع ظهور استحالة المسيس
والمعتدات على ستة أضرب (أحدها) أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن حرائركن
أو إماء من فرقة الحياة أو الممات) كل امرأة حامل من زوج إذا فارقت زوجها
بطلاق أو فسخ أو موته حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة فعدتها بوضع الحمل
لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا إجماع أهل
المدينة إلا أنه روي عن ابن عباس وعن علي من وجه ان المتوفى عنها زوجها
تعتد بأطول الأجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وقد روي أن ابن عباس رجع إلى
قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة وكره الحسن والشعبي أن تنكح في دمها، وحكي
عن إسحاق وحماد ان عدتها لا تنقضي حتى تطهر وأبي سائر أهل العلم هذا القول
وقالوا لو بعد ساعة من وفاة زوجها حل لها أن تتزوج، ولكن لا يطؤها زوجها
حتى تطهر من نفاسها وتغتسل وذلك لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن) وروي عن أبي كعب قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) للمطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها زوجها، قال "
هي للمطلقة ثلاثاً والمتوفى عنها وقال ابن مسعود من شاء باهلته
(9/79)
أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء
القصرى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) نزلت بعد التي في سورة البقرة
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) يعني أن هذه الآية هي الأخيرة فتقدم
على ما خالفها من عموم الآية المتقدمة ويختص بها عمومها.
وروى عبد الله بن الأرقم أن سبيعة الأسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن
خولة وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته
فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال ما
لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك
أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفناني بأني قد حللت
حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
متفق عليه.
قال ابن عبد البر هذا حديث حسن صحيح قد جاء من وجوه شتى كلها ثابتة إلا ما
روي عن ابن عباس وروي عن علي من وجه منقطع ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها
بوضعه كالمطلقة يحققه أن العدة إنما شرعت لمعرفة براءتها من الحمل ووضعه
أدل الأشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي به العدة ولانه لا خلاف في بقاء
العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة (فصل) وإذا كان
الحمل واحداً انقضت العدة بوضعه وانفصال جميعه وإن ظهر بعضه فهي في عدتها
حتى ينفصل باقيه لأنها لا تكون واضعة لحملها حتى يخرج كله وإن كان الحمل
اثنين أو أكثر
(9/80)
لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر لأن الحمل هو
الجميع، هذا قول جماعة أهل العلم إلا إبا قلابه وعكرمة فانهما قالا تنقضي
عدتها بوضع الأول ولا تتزوج حتى تضع الآخر وذكر ابن أبي شيبة عن قتادة عن
عكرمة أنه قال إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها قيل له أفتزوج؟ قال لا قال
قتادة خصم العبد، وهذا قول شاذ يخالف ظاهر الكتاب وقول أهل العلم والمعنى
أن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل فإذا علم وجود الحمل فقد تبين وجود
الموجب للعدة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها ولانها لو انقضت عدتها بوضع
الأول لأبيح لها النكاح كما لو وضعت الآخر فإن وضعت ولداً وشكت في وجود ثان
لم تنقض عدتها حتى تزول الربية وتتيقن أنه لم يبق معها حمل
لأن الأصل بقاؤها فلا يزول بالشك (مسألة) (والحمل الذي تنقضي به العدة ما
يتبين فيه شئ من خلق الإنسان فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شئ من ذلك فذكر
ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة؟ على روايتين) وجملة
ذلك أن المرأة إذا ألقت بعد فرقة زوجها شيئاً لم تخل من خمسة أحوال
(أحدهما) أن تضع ما بان فيه خلق آدمي من الرأس واليد والرجل فتنقضي به
العدة بغير خلاف بينهم، قال إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم
أن عدة المرأة تنقضي بالقسط إذا علم أنه
(9/81)
ولد وممن نحفظ عنه ذلك الحسن وابن سيرين
وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، قال
الأثرم قلت لأبي عبد الله إذا نكس في الخلق الرابع يعني تنقضي به العدة
فقال إذا نكس في الخلق الرابع فليس فيه اختلاف ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل
وذلك لأنه إذا بان فيه شئ من خلق الآدمي علم أنه حمل فيدخل في عموم قوله
تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (الحال الثاني) ألقت نطفة أو
دماً لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي أو لا فهذا لا يتعلق به شئ من الأحكام
لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة (الحال الثالث) ألقت مضغة لم
تبن فيها الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بأن بها أنها خلقة
آدمي فهذا في حكم الحال والاول (الحال الرابع) ألقت مضغة لا صورة فيها فشهد
ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي فاختلفت الرواية عن أحمد فنقل مهنا
وابو طالب أن عدتها لا تنقضي به ولا تصير به أم ولد لأنه لم يبن فيه خلق
آدمي أشبه الدم، وقد ذكر هذا قولا للشافعي وهو اختيار أبي بكر، ولقل الأثرم
عن أحمد أن عدتها لا تنقضي به ولكن تصير أم ولد لأنه مشكوك في كونه ولداً
فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه ولم يجز بيع الأمة الوالدة
له مع الشك في رقها فيثبت كونها أم ولد احتياطاً ولا تنقضي
(9/82)
العدة احتياطا وقال حنبل أنها تصير أم ولد
ولم يذكر العدة فقال بعض أصحابنا على هذا تنقضي به العدة وهو قول الحسن
وظاهر مذهب الشافعي لأنهم شهدوا بأنه خلقة آدمي أشبه ما لو تصور، قال شيخنا
والصحيح أن هذا ليس برواية في العدة لأنه لم يذكرها ولم يتعرض لها (الحال
الخامس) أن تضع مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي
فلا تنقضي به العدة ولا تصير به الأمة أم ولد لم يثبت كونه ولداً ببينة ولا
مشاهدة فأشبه العلقة ولا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال سواء كان
نطفة أو علقة وسواء قيل إنه بدء خلق آدمي أو لم يقل نص عليه أحمد فقال: أما
إذا كان علقا فليس بشئ انما هود.
لا نقضي بها عدة ولا نعتق بها أمة ولا نعلم في هذا مخالفاً إلا الحسن فإنه
قال: إذا علم أنها حمل انقضت به العدة، وفيه الغرة والأول أصح وعليه
الجمهور (مسألة) (وان أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض به
العدة وعنه تنقضي وفيه بعد) إذا أتت بولد بعد أربع سنين منذ مات أو بانت
منه بطلاق أو فسخ أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية لم يلحقه ولدها لأنا نعلم
أنها علقت به بعد زوال النكاح والبينونة منه وكونها قد صارت أجنبية منه
فأشبهت سائر الأجنبيات، فعلى هذا لا تنقضي به العدة وهو ظاهر كلام الخرقي
لأنه ينتفي عنه بغير لعان فلم تنقض عدتها به كما لو أتت به لأقل من ستة
أشهر منذ نكحها، وقال أبو الخطاب هل تنقضي
(9/83)
به العدة؟ على وجهين، وذكر القاضي أن عدتها
تنقضي به وهو مذهب الشافعي لأنه ولد يمكن أن يكون منه بعد نكاحه بأن يكون
قد وطئها بشبهة أو جدد نكاحها فوجب أن تنقضي به العدة وإن لم يلحق، به
كالولد المنفي باللعان، وبهذا فارق الذي أتت به لأقل من ستة أشهر فإنه
ينتفي عنه يقينا، ثم ناقضوا قولهم فقالوا لو تزوجت في عدتها وأتت بولد لأقل
من ستة أشهر من حين دخل بها الثاني ولأكثر من أربع سنين من حين بانت من
الأول فالولد منتف عنهما ولا تنقضي عدتها بوضعه عن واحد منهما، وهذا أصح
فإن احتمال كونه منه لم يكف في إثبات نسب الولد منه مع أنه يثبت بمجرد
الإمكان فلأن لا يكفي في انقضاء العدة أولى وأحرى، وما ذكروه منتقض بما
سلموه، وما ذكروه من الفرق بين هذا وبين الذي أتت به قبل ستة أشهر غير صحيح
فإنه يحتمل أن يكون اصابها قبل نكاحها بشبهة
أو نكاح غير هذا النكاح الذي أتت بالولد فيه فاستويا، واما المنفي بلعان
فإننا نفينا الولد عن الزوج بالنسبة إليه ونفينا حكمه في كونه منه بالنسبة
إليها حتى أوجبنا الحد على قاذفها وقاذف ولدها وانقضاء العدة من الأحكام
المتعلقة بها دونه مثبت (فصل) فأما امرأة الطفل الذي لا يولد لمثله إذا مات
عن زوجة فولدت لم يلحقه نسبه ولم تقض به عدتها وتعتد بالأشهر وبهذا قال
مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة إن مات وبها حمل ظاهر اعتدت عنه بالوضع فإن
ظهر الحمل بها بعد موته لم تعتد به، وقد روي عن أحمد في الصبي مثل قول أبي
حنيفة
(9/84)
وذكره ابن أبي موسى قال أبو الخطاب وفيه
بعد، وهكذا الخلاف فيما إذا تزوج امرأة دخل بها وأتت بولد لدون ستة أشهر من
حين عقد النكاح فإنها لا تعتد بوضعه عندنا وعنده تعتد به، واحتج بقوله
سبحانه (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ولنا أن هذا حمل منفي عنه
يقينا فلم تعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته والآية واردة في المطلقات ثم هي
مخصوصة بالقياس الذي ذكرناه.
إذا ثبت هذا فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل من الوطئ الذي علقت به منه سواء
كان هذا الولد ملحقاً بغير الصغير مثل أن يكون من عقد فاسد أو وطئ بشبهة أو
كان من زنا لا يلحق بأحد لأن العدة تجب من كل وطئ فإذا وضعته اعتدت من
الصبي بأربعة اشهر وعشر لأن العدة من رجلين لا يتداخلان، وإن كانت الفرقة
في الحياة بعد الدخول كزوجة كبير دخل بها ثم طلقها وأتت بولد لدون ستة أشهر
منذ تزوجها فإنها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء، وكذلك إذا طلق الخصي المجبوب
امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض عدتها بوضعه وتنقضي
به عدة الوطئ ثم تستأنف عدة الطلاق أو عدة الوفاة على ما بيناه، وذكر
القاضي أن ظاهر كلام أحمد أن الولد يلحق به لأنه قد يتصور منه الانزال بأن
يحك موضع ذكره بفرجها فينزل، فعلى هذا القول يحلق به الولد وتنقضي به
العدة، والصحيح أن هذا لا يحلق به ولد لأنه لم تجر به عادة فلا يلحق به
ولدها كالصبي الذي لم يبلغ تسع سنين، وكذلك إذا تزوج امرأة بحضرة الحاكم ثم
طلقها في المجلس أو تزوج
(9/85)
المشرقي بالمغربية ثم أتت بولد لم يلحقه
ولا تنقضي به العدة وقد ذكرناه في الباب الذي قبله وذكرنا الخلاف فيه،
وانقضاء العدة مبني على لحوق النسب (مسألة) (وأقل مدة الحمل ستة أشهر
وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين وعنه سنتان) إنما كان أقل مدة الحمل ستة
اشهر لما روى الأثرم بإسناده عن أبي الأسود أنه رفع الى عمر أن امرأة ولدت
لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي ليس لك ذلك قال الله تعالى
(والوالدات يرضعن وأولادهن حولين كاملين) وقال الله تعالى (وحمله وفصاله
ثلاثون شهرا) فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا لارجم عليها فخلى عمر سبيلها
وولدت مرة أخرى لذلك الحد، ورواه الأثرم أيضاً عن عكرمة أن ابن عباس قال
ذلك قال عاصم الأحول قلت لعكرمة إنه بلغنا ان عليا قال هذا قال فقال عكرمة
لا ما قال هذا إلا ابن عباس، وذكر ابن قتيبة في المعارف أن عبد الملك بن
مروان ولد لستة اشهر، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم غالبه
تسعة أشهر لأن غالب النساء كذلك وهذا أمر معروف بين الناس، وأكثر مدة الحمل
أربع سنين هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وهو المشهور عن مالك، وروي عن
أحمد أن أقصى مدته سنتان روى ذلك عن عائشة وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة لما
روت جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل، ولأن
التقدير إنما يعلم بتوقيف أو اتفاق ولا توقيف ههنا والاتفاق إنما هو على ما
ذكرنا، وقد وجد ذلك فإن الضحاك بن مزاحم
(9/86)
وهرم بن حبان حملت أم كل واحد منهما به
سنتين، وقال الليث أقصاه ثلاثه سنين حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث
سنين، وقال أبو عبيد ليس لاقصاءه وقت يوقف عليه وقال عباد بن العوام خمس
سنين وعن الزهري قال قد تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين ولنا أن ما لا نص
فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد الحمل أربع سنين فروى الوليد بن مسلم قال
قلت لمالك حديث جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في
الحمل قال مالك سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان
تحمل اربع سنين قبل أن تلد، وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن أمه
أربع سنين قال أحمد نساء بني عجلان يحملن أربع سنين، وامرأة
عجلان حملت ثلاث بطون كل دفعة أربع سنين وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن
الحسين بن علي في بطن أمه أربع سنين وهكذا ابراهيم بن نجيح العقيلي حكى ذلك
ابو الخطاب وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لأنه ما وجد ولأن
عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل، وروي
ذلك عن عثمان وعلي وغيرهما.
إذا ثبت هذا فإن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو
طلاقه ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء، ولا بوضع الحمل فإن
الولد لاحق بالزوج وعدتها تنقضي به
(9/87)
(مسألة) (وأقل ما يتين به الولد أحد
وثمانون يوما وهو أقل ما تقضي به العدة من الحمل وهو ان تضعه بعد ثمانين
يوماً منذ أمكنه وطؤها) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن خلق أحدكم
ليجع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون
مضغة مثل ذلك " ولا تنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن يكون بعد الثمانين
فأما بعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال لأنه يستكمل الخلق في الرابع (فصل)
الضرب الثاني المتوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة
وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة وسواء ما قبل الدخول وبعده أجمع أهل العلم
على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر
مدخولا بها أو غير مدخول بها سواء كانت بالغة أو لم تبلغ لقول الله تعالى
(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وقال
النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد
على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " متفق عليه فإن قيل ألا
حملتم الآية على المدخول بها كما قلتم في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة قروء) قلنا إنما خصصنا هذه بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
(9/88)
تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولم
يرد تخصيص عدة الوفاة ولا أمكن قياساً على المطلقة
في التخصيص لوجهين (أحدهما) أن النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشئ إذا
انتهى تقررت أحكامه كتقرر أحكام الصيام بدخول الليل وأحكام الاجارة
بانقضائها والعدة من أحكامه (الثاني) أن المطلقة إذا أتت بولد يمكن الزوج
تكذيبها ونفيه باللعان وهذا ممتنع في حق الميت فلا يأمن أن يأتي بولد فيلحق
الميت نسبه وما له من ينفيه فاحتطنا بإيجاب العدة عليها لحفظها عن التصرف
والميت في غير منزلها حفظاً لها إذا ثبت هذا فإنه لا يعتبر وجود الحيض في
عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم، وحكي عن مالك أنها إذا كانت مدخولاً بها
وجبت أربعة أشهر وعشر فيها حيضة واتباع الكتاب والسنة أولى ولأنه لو اعتبر
الحيض في حقها لاعتبر ثلاثة قروء كالمطلقة وهذا الخلاف مختص بذات القروء
فأما الآيسة والصغيرة فلا خلاف فيهما وأما الأمة المتوفى عنها فعدتها شهرين
وخمسة أيام في قول عامة أهل العلم منهم سعيد بن المسيب وعطاء وسليمان بن
يسار والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
وغيرهم إلا ابن سيرين فإنه قال ما أرى عدة الأمة إلا كعدة الحرة إلا أن
تكون قد مضت في ذلك سنة فإن السنة أحق أن تتبع وأخذ بظاهر اللفظ وعمومه
(9/89)
ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على أن
عدة الأمة المطلقة على النصف من عدة الحرة فكذلك عدة الوفاة (فصل) والعشر
المعتبرة في العدة هي عشر ليال فيجب عشرة أيام مع الليالي وبه قال مالك
والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال الأوزاعي يجب عشر ليال
وتسعة أيام لان العشرة تستعمل في الليالي دون الأيام وإنما دخلت الأيام
اللاتي في أثناء الليالي تبعاً.
قلنا العرب تغلب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي
وتريد الليالي بأيامها كما قال الله تعالى لزكريا (آيتك ألا تكلم الناس
ثلاث ليال سويا) يريد بأيامها ولو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه
الليالي والأيام ويقول القائل: سرنا عشراً يريد الليالي بأيامها فلم يجز
نقلها عن العدة إلى الإباحة بالشك (مسألة) (وإن مات زوج الرجعية في عدتها
استأنفت عدة الوفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق) وهذا لا خلاف فيه، قال
إبن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك لأن الرجعية
زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه فاعتدت للوفاة كغير المطلقة، وحكى في
المحرر أنها تعتد أطول الأجلين وهو بعيد.
(مسألة) (وإن طلقها في الصحة طلاقاً بائناً ثم مات في عدتها لم تنتقل عن
عدتها وتبني على عدة الطلاق ولا تعتد للوفاة) وهذا قول مالك والشافعي وأبي
عبيد وابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة عليها أطول الأجلين كما لو طلقها
في مرض موته
(9/90)
ولنا قوله سبحانه (والمطلقات يتربص بأنفسهن
ثلاثة قروء) ولانها أجنبية منه في نكاحه وميراثه والحل له ووقوع طلاقه
وظهاره وتحل له أختها وأربع سواها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها.
وذكر القاضي في المطلقة في المرض أنها إذا كانت حاملاً تعتد أطول الأجلين
وليس بشئ فإن الحمل تنقضي بوضعه كل عدة ولا يجوز أن يجب عليها الاعتداد
بغير الحمل لما ذكرناه والله أعلم (مسألة) (وإن كان الطلاق في مرض موته
اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة) نص على هذا أحمد وبه قال
الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور
وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق لأنه مات وليست زوجة له لأنها بائن من
النكاح فلا تكون منكوحة.
عن أحمد مثل ذلك، وعنه رواية ثالثة أنها تعتد عدة الوفاة فقط ذكرها هاتين
في المحرر لأنها ترثه أشبهت الرجعية والأولى ظاهر المذهب ووجه ذلك أنها
وارثة فتجب عليها عدة الوفاة كالرجعية ويلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في
دليلهم (فصل) وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو
بوضع الحمل أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة لموته، وقال القاضي
عليها عدة الوفاة إذا قلنا ترثه فتجب عليها عدة الوفاة كما لو مات بعد
الدخول قبل قضاء العدة ورواه أبو طالب عن أحمد في التي انقضت عدتها،
(9/91)
وذكر ابن أبي موسى فيها روايتين، والصحيح
أنها لا عدة عليها لأن الله تعالى قال (إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها)
وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال (واللائي يئسن من الحيض
من نسائكم إن ارتبم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم تحضن) فلا يجوز تخصيص هذه
النصوص بالتحكم ولأنها أجنبية تحل للأزواج ويحل للمطلق نكاح أختها وأربع
سواها فلم تجب عليها عدة لموته كما لو تزوجت وتخالف التي مات زوجها في
عدتها فإنها لا تحل لغيره في هذه الحال ولم تنتقض عدتها وتمنع أنها ترثه
لأنها لو ورثته لا أفضى إلى أن يرث الرجل ثماني زوجات فأما إن تزوجت إحدى
هؤلاء فلا عدة عليها بغير خلاف نعلمه ولا ترثه فإن كانت المطلقة البائن لا
ترث كالأمة أو الحرة يطلقها العبد أو الذمية يطلقها المسلم والمختلعة أو
فاعلة ما يفسخ نكاحها لم يلزمها عدة سواء مات زوجها في عدتها أو بعدها على
قياس قول أصحابنا لأنهم عللوا نقلها إلى عدة الوفاة بإرثها وهذه ليست وارثة
فأشبهت المطلقة في الصحة (مسألة) (وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات
الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدتها
حتى تزول الربية وإن تزوجت قبل زوالها لم يصح النكاح وإن ظهر بها ذلك بعد
نكاحها لم يفسد به لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها فهو باطل
وإلا فلا)
(9/92)
وجملة ذلك أن المعتدة إذا ارتابت في عدتها
بان ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة أو نحوهما وشكت هل هو حمل أم لا؟ لم
تخل من ثلاثة أحوال (أحدهما) أن تحدث بها الريبة قبل انقضاء عدتها فإنها
تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة فان بان حملاً انقضت عدتها بوضعه فإن
زال وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالشهور أو بالأقراء ان كان
فارقها في الحياة فإن تزوجت قبل زوال الريبة فالنكاح باطل لأنها تزوجت وهي
في حكم المعتدات في الظاهر، ويحتمل أنه إذا تبين عدم الحمل أنه يصح النكاح
إذا كان بعد انقضاء العدة (الثاني) أن تظهر الريبة بعد قضاء عدتها والتزوج
فالنكاح صحيح لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهراً والحمل مع الريبة مشكوك فيه
فلا يزول ما حكمنا بصحته لكن لا يحل لزوجها وطؤها لأننا شككنا في صحة
النكاح ولأنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ثم
ينظر فإن وضعت
الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لأنه نكاحها
وهي حامل وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به.
(الثالث) ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح ففيه وجهان (أحدهما) لا
يحل لها أن تتزوج وإن فعلت لم يصح النكاح لأنها تتزوج مع الشك في انقضاء
العدة فلم تصح كما لو وجدت الريبة في العدة ولأننا لو صححنا النكاح لوقع
موقوفاً ولا يجوز كون النكاح موقوفاً ولهذا لو أسلم وتخلفت امرأته في الشرك
لم يجز أن يتزوج أختها لان نكاحها يكون موقوفاً على إسلام الأولى
(9/93)
(والثاني) يحل لها النكاح ويصح لانا حكمنا
بانقضاء العدة وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال ما حكمنا به
بالشك الطارئ ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده وروجوع الشهود
(فصل) وإذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها أخرجت بالقرعة وعليها العدة دون
غيرها وتحسب عدتها من حين طلق لا من حين خرجت القرعة وإن طلق واحدة بعينها
وأنسيها ففي قول اصحابنا الحكم فيها كذلك.
والصحيح أنه يحرم عليه الجميع وهو اختيار شيخنا وقد ذكرناه في باب الشك في
الطلاق فإن مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الأجلين من عدة الطلاق أو
الوفاة لأن النكاح كان بائناً بيقين وكل واحدة منهن يجوز أن تكون المطلقة
ويجوز أن تكون زوجة فوجب أقصى الأجلين إن كان الطلاق بائنا ليسقط الفرض
بيقين كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه أن يصلي خمس صلوات لكن
ابتداء القرء من حين طلق وابتداء عدة الوفاة من حين الموت وهذا مذهب
الشافعي وإن طلق الجميع ثلاثاً بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من
حين طلقهن، وإن طلق ثلاثاً وأنسيهن فهو كما لو طلق واحدة (مسألة) (واذا مات
عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة نص عليه وقال ابن حامد
لا عدة عليها للوفاة لذلك فإن كان النكاح مجمعاً على بطلانه لم تعتد للوفاة
من أجله وجهاً واحداً) أما إذا كان النكاح مجمعاً على بطلانه مثل أن ينكح
ذات محرمة أو معتدة يعلم حالها وتحريمها فلا حكم لعقدها والخلوة بها
كالخلوة بالأجنبية لا توجب عدة وكذلك الموت عنها لا يوجب
عدة الوفاة وإن وطئها اعتدت لوطئها بثلاثة قروء منذ وطئها سواء فارقها أو
مات عنها كالمزني بها من
(9/94)
غير عقد فأما إن نكحها نكاحاً مختلفاً فيه
فهو فاسد مات عنها فنقل جعفر بن محمد أن عليها عدة الوفاة وهو اختيار أبي
بكر وقال أبو عبد الله بن حامد ليس عليها عدة الوفاة وهو مذهب الشافعي لأنه
نكاح لا يثبت فأشبه الباطل فعلى هذا إن كان قبل الدخول فلا عدة عليها وإن
كان بعده اعتدت بثلاثة قروء ووجه الأول أنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به
العدة كالنكاح الصحيح بخلاف الباطل فإنه لا يلحق به النسب وإن فارقها في
الحياة بعد الإصابة اعتدت بعد فرقته بثلاثة قروء إن كانت من ذوات الاقراء
أو بثلاثة أشهر إن لم تكن ولا خلاف في ذلك، وإن كان قبل الخلوة فلا عدة
عليها بغير خلاف لأن المفارقة في الحياة في النكاح الصحيح لا عدة عليها ففي
الفاسد أولى، وإن كان بعد الخلوة قبل الإصابة فالمنصوص عن أحمد أن عليها
العدة لأنه أجري مجرى النكاح الصحيح في لحوق النسب فكذلك في العدة وقال
الشافعي لا عدة عليها لوجهين (أحدهما) أنها خلوة في غير نكاح صحيح أشبهت
التي نكاحها باطل (والثاني) أن الخلوة عنده في النكاح الصحيح لا توجب العدة
ففي الفاسد أولى، وهذا مقتضى قول ابن حامد.
(فصل) (الثالث ذات القروء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها عدتها ثلاثة
قروء إن كانت حرة وقرءان كانت أمة) أما الحرة من ذوات القروء فعدتها ثلاثة
قروء بغير خلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى (والمطلقات
(9/95)
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وأما الأمة
فعدتها بالقرء قرءان في قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عمر وسعيد
بن المسيب وعطاء وعبد الله بن عتبة والقاسم وسالم والزهري وقتادة ومالك
والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن ابن سيرين عدتها عدة
الحرة إلا أن تكون قد مضت بذلك سنة وهو قول داود لقول الله تعالى
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم
" قرء الأمة حيضتان " ولأنه قول من ذكرنا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً
في الصحابة فكان إجماعاً وهذا يخص عموم الآية ولأنه معنى ذو عدد بني على
التفاضل فلا تساوي
الأمة فيه الحرة كالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفاً كما كان حدها
على النصف من حد الحرة إلا أن الحيض لا يتبعض فكمل حيضتين، ولهذا قال عمر
رضي الله عنه أو استطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفاً لفعات (مسألة) (والقرء
الحيض في أصح الروايتين (والثانية) هي الاطهار) القرء في كلام العرب يقع
على الحيض والطهر جميعاً فهو من الأسماء المشتركة قال أحمد بن يحيى ثعلب
القروء الأوقات الواحد قرء وقد يكون حيضاً وقد يكون طهراً لأن كل واحد
منهما يأتي لوقت قال الشاعر: كرهت العقر عقر بني تميم * * إذا هبت لقارئها
الرياح يعني لوقتها وقال الخليل بن أحمد يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها
وأقرأت إذا دنا طهرها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة
أيام إقرائك فهذا الحيض " وقال الشاعر: مورثة عزاً وفي الحي رفعة * * لما
ضاع فيها من قروء نسائكا فهذا الطهر، واختلف أهل العلم في المراد في قوله
تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) واختلفت
(9/96)
الرواية عن أحمد في ذلك فروي أنها الحيض
روى ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري والاوزاعي والعنبري
واسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي وروي أيضاً عن أبي بكر الصديق وعثمان ابن
عفان وأبي موسى وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء قال القاضي الصحيح عن أحمد
أن الإقراء الحيض وإليه ذهب أصحابنا ورجع عن قوله بالأطهار فقال في رواية
النيسابوري كنت أقول أنه الأطهار وأنا أذهب اليوم إلى أن الإقراء الحيض
وقال في رواية الأثرم كنت أقول أنه الاطهار ثم وقفت لقول الأكابر.
(والرواية الثانية) عن أحمد أن القروء الأطهار وهو قول زيد وابن عمر وعائشة
وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز
والزهري ومالك والشافعي وابي ثور، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن ما أدركت
احدا من فقهائا إلا وهو يقول ذلك قال ابن عبد البر رجع احمد إلى القرء
والأطهار قال في رواية الأثرم رأيت الأحاديث عمن قال القرء الحيض تختلف
والاحاديث
عمن فال إنه أحق بها حتى تدخل في الحيضة الثالثة أحاديثها صحاح قوية واحتج
من قال ذلك بقول الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) أي في عدتهن كقوله تعالى
(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) أي في يوم القيامة وإنما أمر بالطلاق
في الطهر لا في الحيض ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
ابن
(9/97)
عمر " فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر
فإن شاء طلق وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء "
متفق عليه، وفي رواية ابن عمر: فطلقوهن في قبل عدتهن ولأنها عدة عن طلاق
مجرد مباح فوجب أن تعتبر عقيب الطلاق كعدة الآيسة والصغيرة، ووجه الرواية
الأولى قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن
ثلاثة اشهر اللائي لم يحضن) فنقلهن عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالأشهر
فيدل ذلك على أن الأصل الحيض كما قال تعالى (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا)
ولأن المعهود في لسان الشارع استعمال القرء بمعنى فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " تدع الصلاة أيام إقرائها " رواه أبو داود، وقال لفاطمة بنت أبي حبيش
" انظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلي وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء
إلى القرء " رواه النسائي ولم يعهد في لسانه استعماله بمعنى الطهر في موضع
فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه، وروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال " طلاق الأمة طلقتان وقرؤها حيضتان " رواه أبو داود وغيره فإن
قالوا هذا يرويه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث قلنا قد رواه عبد الله بن
عيسى عن عطية العوفي عن ابن عمر كذلك أخرجه ابن ماجة في سننه وأبو بكر
الخلال في جامعه وهو نص في عدة الأمة فكذلك عدة الحرة ولأن ظاهر قوله تعالى
(يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وجوب التربص ثلاثة كاملة ومن جعل القروء
الأطهار لم يوجب
(9/98)
ثلاثة بل يكتفي بطهرين وبعض الثالث فيخالف
ظاهر النص ومن جعله الحيض أوجبه ثلاثة كاملة فيوافق ظاهر النص فيكون أولى
من مخالفته ولأن العدة استبراء فكانت بالحيض كاستبراء الأمة، وذلك لأن
الاستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل والذي يدل عليه الحيض فوجب أن يكون
الاستبراء به فإن قيل لا نسلم أن استبراء الأمة بالحيضة لذلك قال ابن عبد
البر وإنما هو بالطهر الذي قبل الحيضة
وقال قولهم إن استبراء الأمة حيضة بإجماع ليس كما ظنوا بل جائز لها عندنا
أن تنكح إذا دخلت في الحيضة واستيقنت أن دمها دم حيض كذلك قال اسماعيل بن
إسحاق ليحيى بن أكثم حين دخل عليه في مناظرته إياه، قلنا هذا يرده قول
النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حامل حتى تستبرئ
بحيضة " ولأن الاستبراء تعرف براءة الرحم وإنما يحصل بالحيضة لا بالطهر
الذي قبلها ولأن العدة تتعلق بخروج خارج من الرحم فوجب أن تتعلق بالحيض
كوضع الحمل يحققه أن العدة مقصودها براءة المرأة من الحمل فتارة تحصل بوضعه
وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض الذي لا يتصور وجوده معه فأما قوله تعالى
(فطلقوهن لعدتهن) فيجوز أنه أراد قبل عدتهن إذ لا يمكن حمله على الطلاق في
العدة ضرورة أن الطلاق يسبق العدة لكونه سببها والسبب يتقدم الحكم ولا يؤخذ
الحكم قبله والطلاق في الطهر تطليق قبل العدة إذا كانت الإقراء بالحيض
(مسألة) (ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها
(9/99)
لا نعلم في ذلك خلافاً بين أهل العلم لأن
الله تعالى أمر بثلاثة قروء فيتناول ثلاثة كاملة والتي طلق فيها لم يبق ما
تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا تعتد بها ولأن الطلاق إنما حرم في الحيض
لما فيه من تطويل العدة عليها فلو احتسب بتلك الحيضة قرءا كان أقصر لعدتها
وأنفع لها فلم يكن محرماً (مسألة) (ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها، وإذا
طهرت من الحيضة الثالثة حلت في إحدى الروايتين، ولاخرى لا تحل حتى تغتسل)
حكى هاتين الروايتين أبو عبد الله بن حامد (إحداهما) أنها في العدة ما لم
تغتسل يباح لزوجها ارتجاعها ولا يحل لغيره نكاحها قال قال أحمد وعمر وعلي
وابن مسعود يقولون قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة روى ذلك عن سعيد بن
المسيب والثوري وإسحاق، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبي
موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم قال شريك له الرجعة، وإن فرطت في
الغسل عشرين سنة قال أبو بكر روي عن أبي عبد الله أنها في عدتها ولزوجها
رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي قد طهرت في وقتها وهذا قول الثوري، وقال
أبو حنيفة إذا انقطع الدم لدون أكثر
الحيض، وان انقطع لأكثره انقضت العدة بانقطاعه، ووجه اعتبار الغسل أنه قول
الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم في عصرهم
فيكون إجماعاً، ولأنها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض
(9/100)
(والرواية الثانية) أن العدة تنقضي بطهرها
من الحيضة الثالثة، وانقطاع دمها.
اختاره أبو الخطاب وهو قول سعيد بن جبير والاوزاعي والشافعي في القديم لقول
الله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقد كملت القروء بوجوب الغسل عليها
ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث
ووقوع الطلاق بها واللعان النفقة وكذلك فيما نحن فيه قال القاضي إذا شرطنا
الغسل أفاد عدمه الرجعة وتحريمها على الأزواج فأما سائر الأحكام فلها تنقطع
بانقطاع دمها (فصل) ومن قال القرء الأطهار احتسب لها بالطهر الذي طلقها فيه
قرءاً، وإن بقي منه لحظة حسبها قرءاً، هذا قول كل من قال إن القروء الأطهار
إلا الزهري فإنه قال تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه، وحكي عن
أبي عبيد أنه إن كان جامعها في الطهر لم تحتسب ببقيته لأنه زمن حرم فيه
الطلاق فلم تحتسب به من العدة كزمن الحيض ولنا أن الطلاق حرم في زمن الحيض
دفعاً لضرر تطويل العدة عليها فلو لم تحتسب ببقية الطهر قرءاً كان الطلاق
في الطهر أضر بها وأطول عليها وما ذكر عن ابي عبيد لا يصح لأن تحريم الطلاق
في الحيض لكونها لا تحتسب ببقيته فلا يجوز أن تجعل العلة في عدم الاحتساب
تحريم الطلاق فتصير العلة معلولاً وإنما تحريم الطلاق في الطهر الذي أصابها
فيه لكونها مرتابة ولكونه لا يأمن الندم بظهور حملها فأما انقضت حروف
الطلاق مع انقضاء الطهر فإن الطلاق يقع في أول الحيضة ويكون محرماً ولا
تحتسب بتلك الحيضة من عدتها وتحتاج أن تعتد بثلاث حيض أو ثلاثة أطهار على
الرواية الأخرى ولو قال
(9/101)
لها أنت طالق في آخر جزء من طهرك أو في آخر
جزء من طهرك فإنها لا تحتسب الذي وقع فيه الطلاق لأن العدة لا تكون إلا بعد
وقوع الطلاق وليس بعده طهر تعتد به ولا يجوز الاعتداد بما قبله ولا بما
قارنه، ومن جعل القرء الحيض اعتد لها بالحيضة التي تلي الطلاق لأنها حيضة
كاملة لم يقع فيها طلاق فوجب أن تعتد بها قرءاً فإن اختلفا فقال الزوج وقع
الطلاق في أول الحيض وقالت بل في آخر الطهر أو قال انقضت حروف الطلاق مع
انقضاء الطهر وقالت بل قد بقي منه بقية فالقول قولها لأن قولها مقبول في
الحيض وفي انقضاء العدة (مسألة) (والرواية الثانية القروء الاطهار وتعتد
بالطهر الذي طلقها فيه قراءا فإذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت إذا طلقها
وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة، وإن طلقها حائضاً
انقضت برؤية الدم من الحيضة الرابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة
والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان ومالك وأبي ثور وهو ظاهر
مذهب الشافعي وحكي عنه قول آخر لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة
لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا يحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال،
وحكى القاضي هذا الاحتمال في مذهبنا أيضاً.
ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء فالزيادة عليها مخالفة للنص فلا
يعول عليه ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم عنهم بإسناده ولفظ
حديث زيد بن ثابت إذا دخلت
(9/102)
في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه
وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها وقولهم إن الدم يجوز أن يكون دم فساد قلنا قد
حكم بكونه حيضاً في ترك الصلاة وتحريمها على الزوج وسائر أحكام الحيض فكذلك
في انقضاء العدة ثم إن كل التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال فإذا
تبين أنه حيض علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم كما لو قال لها إن حضت
فأنت طالق اختلف القائلون بهذا القول فمنهم من قال اليوم والليلة من العدة
لأنه دم تكمل به العدة فكان منها كالذي في أثناء الاطهار ومنهم من قال ليس
منها إنما يتبين به انقضاؤها لأننا لو جعلناه منها أوجبنا الزيادة على
ثلاثة قروء ولكننا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة، ولو راجعها زوجها
فيها لم تصح الرجعة وهذا أصح الوجهين (فصل) وكل فرقة بين زوجين في الحياة
بعد الدخول فعدة المرأة منها عدة الطلاق سواء كانت يخلع أو لعان أو رضاع أو
فسخ بعيب أو إعسار أو إعتاق أو اختلاف دين أو غيره في قول أكثر أهل
العلم، وروى عن ابن عباس أن عدة الملاعنة تسعة أشهر وابي ذلك سائر أهل
العلم وقالوا عدتها عدة الطلاق لأنها مفارقة في الحياة أشبهت المطلقة وأكثر
أهل العلم يقولون عدة المختلفة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسالم بن
عبد الله وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن الشعبي والنخعي
والزهري وقتادة وحلاس بن عمرو وأبو عياض ومالك والليث والاوزاعي والشافعي،
وروي عن عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس وأبان بن عثمان وإسحاق وابن
المنذر أن عدة المختلعة حيضة،
(9/103)
ورواه ابن القاسم عن أحمد لما روى ابن عباس
أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها
حيضة.
رواه النسائي، وعن ربيع بنت معوذ مثل ذلك ولأن عثمان قضى به رواه النسائي
وابن ماجة ولنا قول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)
ولأنها فرقة بعد الدخول في الحياة فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع، وقول النبي
صلى الله عليه وسلم " قرء الأمة حيضتان " عام وحديثهم يرويه عكرمة مرسلاً
قال أبو بكر هو ضعيف مرسل، وقول عثمان وابن عباس وقد خالفه قول عمر وعلي
فإنهما قالا: عدتها ثلاث حيض وقولهما اولى، وأما ابن عمر فقد روي مالك عن
نافع عنه أنه قال عدة المخلعة عدة المطلقة وهو أصح عنه (فصل) الرابع اللائي
يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر إن كن حرائر وإن كن إماء
فشهران وعنه ثلاثة أشهر وعنه شهر ونصف أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة
الآيسة الصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر لقوله الله تعالى (واللائي يئسن من
المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فإن كان
الطلاق في أول الشهر اعتبر ثلاثة أشهر بالأهلة لقول الله تعالى (يسألونك عن
الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال سبحانه (إن عدة الشهور عند الله
اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم) ولم
يختلف الناس في أن الأشهر الحرم معتبرة بالأهلة وإن وقع الطلاق في اثناء
شهر اعتدت بقية ثم اعتدت شهرين
(9/104)
بالأهلة ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام
ثلاثين يوماً، وهذا مذهب مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تحسب
بقية الأول وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الأول تاماً كان أو ناقصاً
لأنه لو كان من أول الهلال كانت العدة بالأهلة فإذا كان من بعض الشهر وجب
قضاء ما فات منه وخرج أصحابنا وجهاً ثانياً أن جمع الشهور محسوبة بالعدد
وهو قول ابن بنت الشافعي لأنه إذا حسب الأول بالعدد كان ابتداء الثاني من
نصف الشهر وكذلك الثالث ولنا أن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى
الثلاثين ولذلك إذا غم الشهر كمل ثلاثين والاصل الهلال ماذا أمكن اعتبار
الهلال اعتبر وإذا تعذر رجع إلى العدد وفي هذا انفصال عما ذكر لابي حنيفة
وأما التخريج الذي ذكر لأصحابنا فإنه لا يلزم إتمام الشهر الأول من الثاني
ويجوز أن يكون تمامه من الرابع (فصل) وتحسب العدة من الساعة التي فارقها
زوجها فيها فلو فارقها نصف النهار أو نصف الليل اعتدت من ذلك الوقت إلى
مثله في قول أكثر أهل العلم وقال ابن حامد لا تحتسب بالساعات وإنما يحتسب
بأول الليل والنهار فإذا طلقها نهاراً احتسبت من أول الليل الذي يليه وإن
طلقها ليلاً احتسبت من أول النهار الذي يليه وهذا قول مالك لأن حساب
الساعات يشق فسقط اعتباره ولنا قول الله تعالى (فعدتهن ثلاثة أشهر) فلا
تجوز الزيادة عليها بغير دليل وحساب الساعات ممكن
(9/105)
إما يقيناً وإما استظهاراً فلا وجه للزيادة
على ما اوجبه الله تعالى، واختلفت الرواية في عدة الأمة فأكثر الروايات عنه
أنها شهران وهو الذي ذكره الخرقي رواه عنه جماعة من أصحابه واحتج فيه بقول
عمر رضي الله عنه عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كانت عدتها شهرين، رواه
الأثرم عنه بإسناده وهذا قول عطاء والزهري وإسحاق وأحد أقوال الشافعي، ولان
الأشهر بدل من القروء وعدة ذات القروء قرآن فبدلهما شهران ولأنها معتدة
بالشهور من غير الوفاة فكان عددها كعدد القروء ولو كانت ذات قروء كالحرة
(والرواية الثانية) أن عدتها شهر ونصف، نقلها الميموني والاثرم واختارها
أبو بكر وهذا قول علي رضي الله عنه، وروى ذلك عن ابن عمر وابن المسيب وسالم
والشعبي الثوري وأصحاب الرأي وهو قول ثان للشافعي لأن عدة الأمة نصف عدة
الحرة وعدة الحرة وعدة الحرة ثلاثة أشهر فنصفها شهر
ونصف وإنما كملنا لذات الحيض حيضتين لتعذر تبعيض الحيضة فإذا صرنا إلى
الشهور أمكن النصيف فوجب المصير اليه كما في عدة الوفاة ويصير هذا كالمحرم
إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مد مكيل أخرجه فإن أراد الصيام مكانه صام
يوماً كاملاً ولأنها عدة أمكن تنصيفها فكانت على النصف من عدة الحرة كعدة
الوفاة.
(والثالثة) أن عليها ثلاثة أشهر روى ذلك عن الحسن ومجاهد وعمر بن عبد
العزيز ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك، وهو القول الثالث للشافعي لعموم قوله
تعالى (فعدتهن ثلاثة أشهر) ولأن اعتبار الشهور
(9/106)
ههنا للعلم ببراءة رحمها ولا يحصل هذا بدون
ثلاثة أشهر في الحرة والأمة جميعاً لأن الحمل يكون نطفة أربعين يوماً وعلقة
أربعين يوما ثم يصير مضغة ثم تتحرك ويعلو بطن المرأة فيظهر الحمل، وهذا
معنى لا يختلف بالرق والحرية ومن رد هذه الرواية قال هي مخالفة لإجماع
الصحابة لأنهم اختلفوا على القولين الأولين ومتى اختلف الصحابة على قولين
لم يجز إحداث قول ثالث لأنه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم ولا
يجوز ذلك ولأنها معتدة بغير الحمل فكانت دون عدة الحرة كذات القروء المتوفى
عنها زوجها (مسألة) (وعدة أم الولد عدة الأمة لأنها أمة مملوكة وعدة المتعق
بعضعها بالحساب من عدة حرة وأمة أما إذا اعتدت بالحمل أو بالقروء فعدتها
كعدة الحرة) لأن عدة الحامل لا تختلف بالرق والحرية وعدة الأمة بالقروء
قرآن فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءاً ثالثاً لأنه لا يتبعض وإن
كانت عدتها بالشهور للوفاة وكان نصفها حراً اعتدت بثلاثة شهور وثمانية ايام
وإذا كان نصفها حراً فعدتها ثلاثة أرباع عدة الحرة فإن قلنا عدة الأمة
شهران فعدتها شهران ونصف وإن قلنا شهر ونصف فعدتها شهران وسبعة أيام ونصف
وإن قلنا عدتها ثلاثة أشهر فهي كالحرة (مسألة) (وحد الإياس خمسون سنة وعنه
أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة) اختلف عن أحمد في
السن الذي تصير به المرأة من الآيسات فعنه أوله خمسون سنة لأن
(9/107)
عائشة رضي الله عنها قالت لن ترى المرأة في
بطنها ولداً بعد خمسين سنة وعنه إن كانت من نساء العجم فخمسون سنة وان كانت
من نساء العرب فستون لأنهن أقوى جبلة وطبيعة وقد ذكر الزبير بن بكار في
كتاب النسب أن هند ابنة أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد
الله بن حسن بن حسن بن علي بن ابي طالب ولها ستون سنة وقال يقال إنه لن تلد
خمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وللشافعي قولان (أحدهما)
يعتبر السن الذي بتيقن أنها إذا بلغته لم تحض، قال بعضهم هو اثنان وستون
سنة (والثاني) يعتبر السن الذي ييئس فيه نساء عشيرتها لأن الظاهر أن نشأها
كنشئهن وطبعها كطبعهن وقال شيخنا الصحيح إن شاء الله أنه متى بلغت المرأة
خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة لأن وجود
الحيض في حق هذه نادر بدليل قول عائشة وقله وجوده فإذا انضم الى هذا
انقطاعه عن العادات مرات حصل اليأس من وجوده فلها حينئذ أن تعتد بالأشهر
وإن انقطع قبل ذلك فحكمها حكم من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه على ما نذكره
إن شاء الله تعالى وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه
فيها فهو حيض في الصحيح لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان وهذا يمكن
وجود الحيض فيه وإن كان نادراً وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض
فعند ذلك لا تعتد به وتعتد بالأشهر كالتي لا ترى دما، أما أقل سن تحيض له
(9/108)
المرأة فقد ذكرناه في باب الحيض وذكرنا
دليله فإن رأته قبل ذلك اعتدت بالأشهر وإن رأته بعد ذلك فالمعتبر من ذلك ما
تكرر ثلاث مرات في حال الصحة وإن لم يوجد ذلك لم تعتد به (مسألة) (وإن حاضت
الصغيرة في عدتها انتقلت الى القروء ويلزمها إكمالها) وجملة ذلك أن الصغيرة
التي لم تحض إذا اعتدت بالشهور فحاضت قبل انقضاء عدتها ولو بساعه لزمها
استئناف العدة بالإقراء في قول عامة فقهاء الأمصار منهم سعيد بن المسيب
والحسن ومجاهد وقتادة والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي
واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وأهل المدينة وأهل البصرة وذلك لأن الشهور
بدل عن الحيض فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء ويلزمها
أن تعتد بثلاث حيض إن قلنا القروء الحيض وإن قلنا القروء الأطهار فهل تعتد
بما مضى من الطهر قبل الحيض قرءاً؟ فيه وجهان (أحدهما) تعتد به لأنه طهر
انتقلت منه إلى حيض فأشبه الطهر بين الحيضتين (الثاني) لا تعتد به وهو ظاهر
كلام الشافعي لأن القرء هو الطهر بين حيضتين وهذا لم يتقدمه حيض فأما إن
حاضت بعد انقضاء عدتها بالشهور ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لأنه حدث
بعد انقضاء العدة فأشبه ما لو حدث بعد طول الفصل ولا يمكن منع هذا الأصل
لأنه لو صح منعه لم يحصل للصغيرة الاعتداد بالشهور بحال.
(9/109)
(مسألة) (وإن يئست ذات القروء في عدتها
انتقلت إلى عدة الآيسات ثلاثة أشهر) لأن العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر
اتمامها بالحيض فوجب تكميلها بالأشهر لأنها عجزت عن الاصل فانتقلت إلى
البدل كمن عجز عن الماء ينتقل الى التراب فإن ظهر بها حمل من الزوج سقط حكم
ما مضى وبان لنا أن ما رأته من الدم لم يكن حيضاً لأن الحامل لا تحيض ولو
حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل فولدت لأقل من ستة أشهر منذ انقضت الحيضة
الثانية تبينا أن الدم ليس بحيض لأنها كانت حاملاً مع رؤية الدم والحامل لا
تحيض فأما إن حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل يمكن حدوثه بعد العدة بأن تلد
لستة أشهر منذ انقضت عدتها لم يلحق الزوج وحكما بصحة الاعتداد وكان هذا
الولد حادثاً (مسألة) (وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة
وإن كانت بائناً بنت على عدة أمه) هذا قول الحسن والشعبي والضحاك واسحاق
وأصحاب الرأي وهو أحد أقوال الشافعي والقول الثاني تكمل عدة أمة سواء كانت
بائناً أو رجعية وهو قول مالك وأبي ثور لأن الحرية طرأت بعد وجوب العدة
عليها فلا يغير حكمها كما لو كانت بائناً أو كما لو طرأت بعد وجوب
الاستبراء ولأنه معنى يختلف بالرق والحرية فكان الاعتبار بحالة الوجوب
كالحد وقال عطاء والزهري وقتادة تبني على عدة حرة بكل حال وهو القول الثالث
للشافعي لأن سبب العدة الكاملة إذا وجد في أثناء العدة انتقلت إليها وإن
كانت بائناً كما لو اعتدت بالشهور ثم حاضت
(9/110)
ولنا أنها إذا اعتقت وهي رجعية فقد وجدت
الحرية وهي زوجة تعتد عدة الوفاة لو مات فوجب أن تعتد عدة الحرائر كما لو
اعتقت قبل الطلاق، وإن اعتقت وهي بائن فلم توجد الحرية في الزوجية فلم تجب
عليها عدة الحرائر كما لو عتقت بعد مضي القرأين ولأن الرجعية تنتقل إلى عدة
الوفاة لو مات فتنتقل الى عدة الحرائر، والبائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة
فلا تنتقل الى عدة الحرائر كما لو انقضت عدتها وما ذكره مالك يبطل بما إذا
مات زوج الرجعية فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة والفرق بين ما نحن فيه وبين ما
إذا حاضت الصغيرة أن الشهور بدل عن الحيض فإذا وجد المبدل زال حكم البدل
كالتيمم يجد الماء، وليس كذلك ههنا فإن عدة الأمة ليست ببدل ولذلك تبني
الأمة على ما مضى من عدتها اتفاقاً وإذا حاضت الصغيرة استأنفت العدة
فافترقا وتخالف الاستبراء فإن الحرية لو قاربت سبب وجوبه لم يكمل الا ترى
أن أم الولد إذا مات سيدها عتقت لموته ووجب الاستبراء كما يجب على التي لم
تعتق ولأن الاستبراء لا يختلف بالرق والحرية بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا عتقت
الأمة تحت العبد فاختارت نفسها اعتدت عدة الحرة لأنها بانت من زوجها وهي
حرة وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة أن تعتد عدة الحرة
وإن طلقها العبد طلاقا رجعيا فأعتقها سيدها بنت على عدة حرة سواء فسخت أو
أقامت على النكاح لأنها عتقت في عدة رجعية وإن لم يفسخ فراجعها في عدتها
فلها الخيار بعد رجعتها فإن اختارت الفسخ قبل المسيس فهل تستأنف العدة أو
تبني على ما مضى من عدتها؟ على وجهين فإن قلنا تستأنف فإنها تستأنف عدة
حرة، وإن قلنا تبني بنت على عدة حرة.
(فصل) (الخامس من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد سنة تسعة أشهر للحمل
وثلاثة للعدة) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق زوجته وهي من ذوات الإقراء فلم
ترى الحيض في عادتها ولم تدر
(9/111)
ما رفعه فإنها تعتد سنة تسعة أشهر منها
تتربص فيها لتعلم براءة رحمها لأن هذه غالب مدة الحمل فإذا لم يبن
الحمل فيها علم براءة الرحم ظاهرا فتعتد بعد ذلك عدة لآيسات ثلاثة أشهر،
هذا قول عمر رضي الله عنه.
قال الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر
علمناه، وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، وروي ذلك عن الحسن، وقال
الشافعي في قول آخر تتربص اربع سنين أكثر مدة الحمل ثم تعتد بثلاثة أشهر
لأن هذه المدة هي التي تتيقن بها براءة رحمها فوجب اعتبارها احتياطا.
وحكى شيخنا مثل ذلك في المذهب، وقال الشافعي في الجديد تكون في عدة أبداً
حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس فتعتد حينئذ بثلاثة أشهر وهذا قول جابر بن زيد
وعطاء وطاوس والشعبي والنخعي والزهري والثوري وأبي عبيد وأهل العراق ولأن
الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس فلم يجز قبله وهذه ليست آيسة ولأنها ترجو
عود الدم فلم تعتد بالشهور كما لو تباعد حيضها لعارض ولنا الإجماع الذي
ذكرناه حكاه الشافعي ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا يحصل به
براءة رحمها فاكتفي به ولهذا اكتفي في حق ذات القروء بثلاثة قروء وفي حق
الآيسة بثلاثة أشهر ولو روعي اليقين لاعتبر أقصى مدة الحمل ولأن عليها في
تطويل العدة ضرراً فإنها تمنع من الأزواج وتحبس دائماً ويتضرر الزوج بإيجاب
السكنى والنفقة عليه وقد قال ابن عباس لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة
أشهر، فإن قيل فإذا مضت تسعة أشهر فقد علم براءة رحمها ظاهر فلم اعتبرتم
بثلاثة أشهر بعدها؟ قلنا الاعتداد بالقروء والأشهر إنما يكون عند عدم الحمل
وقد تجب العدة مع العلم ببراءة رحمها بدليل ما لو علق طلاقها بوضع الحمل
فوضعته وقع الطلاق ولزمها العدة (مسألة) (وإن كانت امة اعتدت أحد عشر شهراً
تسعة أشهر للحمل وشهرين للعدة) وهذا مبني على أن الحرة تعتد بتسعة أشهر
للحمل وثلاثة للعدة على ما ذكرنا في المسألة قبلها وأن عد
(9/112)
الأمة شهران لأن مدة الحمل تتساوى فيها
الحرة والأمة لكونه أمراً حقيقياً فإذا يئست من الحمل اعتدت عدة آيسة شهرين
وعلى قولنا أن عدة الأمة شهر ونصف تكون عدتها عشرة أشهر ونصفا ومن جعل
عدتها ثلاثة أشهر فهي كالحرة سواء (فصل) فإن عاد الحيض اليها في السنة ولو
في آخرها أو عاد إلى الأمة قبل انقضاء عدتها على ما فيها من الاختلاف لزمها
الانتقال الى القروء لأنها الأصل فبطل بها حكم البدل وان عاد بعد مضيها
ونكاحها لم تعد إلى القروء لأن عدتها انقضت وحكمنا بصحة نكاحها فلم تبطل
كما لو اعتدت الصغيرة بثلاثة أشهر وتزوجت ثم حاضت، وإن حاضت بعد السنة وقبل
نكاحها ففيه وجهان (أحدهما) لا تعود لأن العدة انقضت بالشهور فلم تعتد
كالصغيرة (والثاني) تعود لأنها من ذوات القروء وقد قدرت على المبدل قبل
تعلق حق زوج بها فلزمها العود كما لو حاضت في السنة (فصل) فإن حاضت حيضة ثم
ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فهي كالمسألة التي قبلها تعتد سنة من وقت
انقطاع الحيض وذلك لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل طلق امرأته
فحاضت حيضة أو حيضتين فارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تجلس تسعة أشهر فإن لم
يتبين بها حمل تعتد بثلاثة أشهر فذلك سنة ولا نعلم له مخالفاً.
قال إبن المنذر قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منكر، وقال
(9/113)
الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسئل عن الرجل
يطلق امرأته فتحيض حيضة ثم ترتفع حيضتها؟ قال أذهب إلى حديث عمر إذا رفعت
حيضتها فلم تدر مما ارتفعت فإنها تنتظر سنة، قيل له فحاضت دون السنة؟ فقال
ترجع الى الحيض، قيل له فإن ارتفعت حيضتها لا تدري مما ارتفعت؟ قال تقعد
سنة أخرى وهذا قول كل من وافقنا في المسألة قبلها وذلك لأنها لما ارتفعت
حيضتها حصلت مرتابة فوجب أن تنتقل ألى الاعتداد بسنة كما لو ارتفع حيضها
حين طلقها ووجب عليها سنة كاملة، لأن العدة لا تبنى على عدة أخرى ولذلك لو
حاضت حيضة أو حيضتين ثم يئست انتقلت الى ثلاثة أشهر كاملة ولو اعتدت
الصغيرة شهراً أو شهرين ثم حاضت انتقلت الى ثلاثة قروء (فصل) فإن كان عادة
المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها لم تنقض عدتها إلا بثلاث حيضات، وإن طالت
لأن هذه لم يرتفع حيضها ولم يتأخر عن عادتها فهي من ذوات القروء باقية على
عادتها فأشبهت من لم يتباعد حيضها ولا نعلم فيه مخالفاً (مسألة) (وعدة
الجارية التي أدركت فلم تحض والمستحاضة اليائسة ثلاثة أشهر وعنه سنة) إذا
بلغت الجارية سناً تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض كخمس عشرة سنة فعدتها
ثلاثة أشهر وهو ظاهر قول الخرقي وقول أبو بكر وهو مذهب أبي حنيفة ومالك
والشافعي وضعف أبو بكر الرواية
المخالفة لهذا وقال رواه أبو طالب فخالف فيها أصحابه فروى أبو طالب عن احمد
أنها تعتد سنة، وقال
(9/114)
القاضي هذه الرواية أصح لأنه متى أتى عليها
زمان الحيض فلم تحض حصلت مرتابة يجوز أن يكون بها حمل منع حيضها فيجب أن
تعتد بسنة كالتي ارتفع حيضها بعد وجوده ولنا قول الله تعالى (واللائي يئسن
من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) وهذه من
اللائي لم يحضن، ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها ولهذا لو حاضت
قبل بلوغ سن تحيض لمثله النساء في الغالب مثل أن تحيض لعشر سنين اعتدت
بالحيض، وفارق من ارتفع حيضها فإنها من ذوات القروء (مسألة) (وهكذا حكم
المستحاضة الناسية) وجملة ذلك القول في المستحاضة وهي لا تخلو إما أن تكون
لها حيض محكوم بعادة أو تمييز أولا فان كان لها محكوم به فحكمها فيه حكمها
غير المستحاضة إذا مرت لها ثلاثة قروء فقد انقضت عدتها.
قال أحمد المستحاضة تعتد أيام اقرائها التي تعرف فان علمت أن لها في كل في
شهر حيضة ولم تعلم موضعها فعدتها ثلاثة أشهر، وإن شكت في شئ تربصت حتى
تستيقن أن القروء الثلاث قد انقضت، وإن كانت مبتدأة لا تمييز لها أو ناسية
لا تعرف لها وقتاً ولا تمييزاً فعن أحمد فيها روايتان (إحداهما) ان عدتها
ثلاثة أشهر وهو قول عكرمة وقتادة وأبي عبيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر حمنة
(9/115)
بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو
سبعة فجعل لها حيضة كل شهر، ولأننا نحكم لها بحيضة في كل شهر تترك فيها
الصلاة والصيام ونثبت فيها سائر أحكام الحيض فيجب أن تنقضي بها العدة لأن
ذلك من أحكام الحيض (والرواية الثانية) تعتد سنة بمنزلة من ارتفع حيضها لا
تدري ما رفعه، قال أحمد إذا كانت اختلطت ولم تعلم إقبال الدم وإدباره اعتدت
سنة لحديث عمر لأن به يتبين الحمل وهو قول مالك وإسحاق لأنها لم تتيقن لها
حيضاً مع أنها من ذوات القروء فكانت عدتها سنة كالتي ارتفع حيضها، وعلى
الرواية الأولى
ينبغي أن يقال إننا متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها
شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها، وإن قلنا القروء
الأطهار فطلقها في آخر شهر ثم مضى لها شهران وهل الثالث انقضت عدتها وهذا
مذهب الشافعي (مسألة) (فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض ورضاع ونحوه فلا
تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به) أما إذا عرفت ارتفاع الحيض بعارض من
مرض أو نفاس أو رضاع فإنها تنتظر زوال العارض وعود الدم وإن طال إلا أن
تصير في سن الاياس وقد ذكرناه فتعتد حينئذ عدة الآيسات وقد روى الشافعي في
مسنده بإسناده عن حبان بن منفذ أنه طلق امرأته طلقة واحدة وكان لها منه
بنية ترضعها فتباعد حيضها ومرض حبان فقيل له إنك إن مت ورثتك فمضى إلى
عثمان وعنده علي وزيد
(9/116)
ابن ثابت فسأله عن ذلك فقال عثمان لعلي
وزيد ما تريان فقالا نرى أنها إن ماتت ورثها وان مات ورثته لأنها ليست من
القواعد اللائي يئسن من المحيض ولا من الأبكار اللائي لم يبلغن المحيض فرجع
حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فعاد إليها الحيض فحاضت حيضتين ومات حبان
قبل انقضاء الثالثة فورثها عثمان رضي الله عنه.
وروى الأثرم باسناده عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كانت عند جده امرأتان
هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي مرضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض
فقالت الأنصارية لم أحض فاختصموا الى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت
الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي
طالب رضي الله عنه (فصل) (السادس امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة
ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله أو في مفازة مهلكة أو بين الصفين إذا
قتل قوم أو من غرق مركبة ونحو ذلك فإنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة)
وجملة ذلك أنه إذا غالب الرجل عن امرأته لم يخل من حالين أحدهما أن تكون
غيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلاً ونهاراً أو يخرج الى
الصلاة
فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجة ويرجع فلا يظهر له خبر أو يفقد
بين الصفين أو من انكسر مركبة فيغرق بعض رفقته أو يفقد في مهلكة كبرية
الحجاز ونحوها فمذهب أحمد الظاهر عنه أن
(9/117)
زوجته تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل ثم
تعتد للوفاة أربعة اشهر وعشراً وتحل للأزواج قال الأثرم قيل لأبي عبد الله
تذهب إلى حديث عمر وقال هو أحسنها يروى عن عمر من ثمانية وجوه ثم قال زعموا
أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابين، قلت فروي من وجه ضعيف أن عمر قال بخلاف
هذا قال لا إلا أن يكون إنسان يكذب، وقلت له مرة إن انساناً قال لي أن أبا
عبد الله قد ترك قوله في المفقود بعدك فضحك ثم قال من ترك هذا القول أي شئ
يقول؟ وهذا قول عمر عثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير قال أحمد خسمة من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن
والزهري وقتادة والليث وعلي بن المديني وعبد العزيز بن أبي سلمة وبه يقول
مالك والشافعي في القديم إلا أن مالكا قال ليس في انتظار من يفقد في القتال
وقت، وقال سعيد بن المسيب في امرأة المفقود بين الصفين تتربص سنة لأن غلبة
هلاكه ههنا أكثر من غلبة غيره لوجود سببه، وقد نقل عن أحمد أنه قال كنت
أقول إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة اشهر وعشراً تزوجت وقد ارتبت فيها
وهبت الجواب فيها لما اختلف الناس فكأني أحب السلامة، وهذا توقف يحتمل
الرجوع عما قاله وتتربص أبداً، ويحتمل التورع ويكون المذهب ما قاله أولاً،
قال القاضي أكثر أصحابنا على أن المذهب رواية واحدة وعندي أن المسألة على
روايتين، وقال أبو بكر الذي أقول به إن صح الاختلاف في المسألة أن لا نحكم
بحكم ثان إلا بدليل على الانتقال، وإن ثبت الإجماع فالحكم فيه على ما نص
عليه.
وظاهر المذهب
(9/118)
على ما حكيناه أولاً نقله عن أحمد الجماعة
وقد أنكر أحمد رواية من روي عنه الرجوع على ما حكيناه من رواية الأثرم وقال
أبو قلابة والنخعي والثوري وابن أبي ليلى واصحاب الرأي والشافعي في الجديد
لا تتزوج امرأة المفقود حتى تتيقين موته أو فراقه لما روى المغيرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال " امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها زوجها " وروى
الحكم وحماد عن علي لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه،
ولأنه شك في زوال الزوجية فلم تثبت به الفرقة كما لو كان ظاهرها السلامة
ولنا ما روى الاثرم والجوزجاني بإسنادهما عن عبيد بن عمير قال: فقد رجل في
عهد عمر فجاءت امرأته الى عمر فذكرت ذلك له فقال انطلقي فتربصي أربع سنين
ففعلت ثم اتته فقال انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشراً ففعلت ثم اتته فقال
أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه فقال طلقها ففعل فقال لها عمر انطلقي فتزوجي
من شئت فتزوجت ثم جاء زوجها الأول فقال له عمر أين كنت؟ فقال يا أمير
المؤمنين استهوتني الشياطين قال فوالله ما أدري في أي أرض الله، كنت عند
قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون فكنت فيمن غنموه فقالوا لي أنت رجل من
الإنس وهؤلاء الجن فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري فقالوا بأية أرض الله تحب
أن تصبح قلت المدينة هي أرضي فأصبحت وأنا أنظر الى الحرة فخيره عمر إن
(9/119)
شاء امرأته وإن شاء الصداق فاختار الصداق
وقال قد حبلت لا حاجة لي فيها.
قال أحمد يروى عن عمر من ثمانية وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف وروى
الجوزجاني وغيرهم بإسنادهم عن علي امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم تطلقها
ولي زوجها وتعتد بعد ذلك أربعة أشهر وعشراً فإن جاء زوجها المفقود بعد ذلك
خير بين الصداق وبين امرأته وقضى به عثمان أيضاً، وقضى به ابن الزبير في
مولاة لهم وهذه قضايا انتشرت في الصحابة فلم تنكر فكانت إجماعاً، فأما
الحديث الذي رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يثبت ولم يذكره أصحاب
السنن وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلاً والمسند عنه مثل قولنا،
ثم يحمل ما رووه على المفقود الذي ظاهر غيبته السلامة جمعاً بينه وبين ما
رويناه وقولهم إنه شك في زوال الزوجية ممنوع فإن الشك ما يتساوى فيه
الأمران والظاهر في مسئلتنا الهلاك (فصل) وهل يعتبر أن يطلقها ولي زوجها ثم
تعتد بعد ذلك بثلاثة قروء؟ فيه روايتان (إحداهما) يعتبر ذلك لأنه في حديث
عمر الذي رويناه، وقد قال أحمد هو أحسنها، وذكر في حديث علي أنه يطلقها ولي
زوجها (الثانية) لا يعتبر كذلك قاله ابن عمر وابن عباس وهو القياس فإن ولي
الرجل لا ولاية له في طلاق امرأته ولاننا حكمنا عليها بعدة الوفاة فلا يجب
عليها مع ذلك عدة الطلاق كما لو
(9/120)
تيقنت وفاته ولأنه قد وجد دليل هلاكه على
وجه اباح التزويج لها وأوجب عليها عدة الوفاة فأشبه ما لو شهد به شاهدان
(مسألة) (وهل تفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة
الوفاة؟ على روايتين) (إحداهما) تفتقر لانها مدة تختلف فيها فافتقرت الى
ضرب الحاكم كمدة العنة، فعلى هذا يكون ابتداء المدة من آن ضربها الحاكم
(والثانية) لا تفتقر لانها تعتبر لإباحة النكاح فلم تفتقر إلى الحاكم كمدة
من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خيره
وبعده أثره ولأن هذا ظاهر في موته فكان ابتداء المدة منه كما لو شهد به
شاهدان وللشافعية وجهان كالروايتين (مسألة) (وإذا حكم الحاكم بالفرقة نفد
حكمه في الظاهر دون الباطن فلو طلق الأول صح طلاقه) لأنا حكمنا بالفرقة على
أن الظاهر هلاكه فإذا ثبتت حياته انتقض ذلك الظاهر ولم يبطل طلاقه كما لو
شهدت به بينة كاذبة ولذلك خير في أخذها وكذلك إن ظاهر أو آلى أو قذف لأن
نكاحه باق بدليل تخيبره في أخذها، وقال أبو الخطاب القياس أننا إذا حكمنا
بالفرقة نفذ ظاهراً وباطناً فتكون امرأة
(9/121)
الثاني ولا خيار للأول لأنها بانت منه
بفرقة الحاكم في محل مختلف فيه فنفذ حكمه في الباطن كما لو فسخ نكاحها
لعسرته او عيبه فلهذا لم يقع طلاقه وإن لم يحكم بفرقته باطناً فهي امرأة
الأول ولا خيار له (مسألة) (فإذا فعلت ذلك يعني تربصت أربع سنين واعتدت عدة
الوفاة ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول فإن كان قبل أن تتزوج فهي امرأته) وقال
بعض أصحاب الشافعي إذا ضربت لها المدة فانقضت بطل نكاح الأول والذي ذكرنا
أولى لأننا إنما أبحنا لها التزويج لأن الظاهر موته فإذا بان حياً انخرم
ذلك الظاهر وكان النكاح بحاله كما لو شهدت البينة بموته فبان حياً ولأنه
أحد المالكين فأشبه مالك المال فإن قدم بعد التزويج وكان قبل دخول الثاني
بها فكذلك ترد اليه وليس على الثاني صداق لأننا تبينا أن النكاح باطل ولم
يتصل به
دخول، أحمد أما قبل الدخول فهي امرأته وإنما تخير بعد الدخول، وهذا قول
عطاء والحسن وخلاس بن عمرو النخعي وقتادة ومالك واسحاق، وقال القاضي فيه
رواية أخرى أنه يخير أخذه من عموم قول أحمد إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين
الصداق وبين امرأته، والصحيح أن عموم كلام أحمد يحمل على خصوصه في رواية
الأثرم وأنه لا يتخير إلا بعد الدخول فتكون زوجة الأول رواية واحدة لأن
النكاح إنما صح في الظاهر دون الباطن فإذا قدم تبينا أن النكاح كان باطلاً
لأنه صادف امرأة ذات زوج فكان باطلاً كما لو شهدت بينة بموته، وتعود الى
الزوج بالعقد الأول كما لو لم تتزوج
(9/122)
(مسألة) (وإن قدم بعد دخول الثاني بها خير
الأول بين أخذها فتكون امرأته بالعقد الأول وبين صداقها وتكون زوجة الثاني)
وهذا قول مالك لإجماع الصحابة عليه فروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب
أن عمر وعثمان قالا إن جاء زوجها الأول خير بين المرأة وبين الصداق الذي
ساق هو رواه الجوزجاني والاثرم وقضى به ابن الزبير في مولاة لهم وقال على
ذلك في الحديث الذي رويناه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً.
فعلى هذا إن أمسكها الأول فهي زوجته بالعقد الأول، والمنصوص عن أحمد أن
الثاني لا يحتاج إلى طلاق لأن نكاحه كان باطلاً في الباطن وقال القاضي قياس
قوله أنه يحتاج إلى طلاق لأن هذا نكاح مختلف في صحته فكان مأموراً بالطلاق
ليقطع حكم العقد الثاني كسائر الا نكحة الفاسدة ويجب على الأول اعتزالها
حتى تقضي عدتها من الثاني، وإن لم يخترها الأول فإنها تكون مع الثاني ولم
يذكروا لها عقداً جديداً.
قال شيخنا: والصحيح أنه يجب أن تستأنف لها عقداً لأننا تبينا بطلان عقده
بمجئ الأول ويحمل قول الصحابة على هذا لقيام الدليل عليه فإن زوجة الإنسان
لا تصير زوجة لغيره بمجرد تركه لها (مسألة) (ويأخذ منه صداقها) أي يأخذ
الزوج الأول من الزوج الثاني إذا تركها له صداقها لقضاء الصحابة بذلك
(مسألة) (وهل يأخذ منه صداقها الذي أعطاها أو الذي أعطاها الثاني؟ على
روايتين)
(9/123)
اختلف عن أحمد فيما يرجع به فروي عنه أنه
يرجع بالصداق الذي اصدقها هو وهو اختيار أبي بكر وقول الحسن والزهري وقتادة
وعلي بن المديني لقضاء علي وعثمان أنه يخير بينها وبين الصداق الذي ساق
إليها هو ولأنه أتلف عليه المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا
عن الشهادة، فعلى هذا إن كان لم يدفع اليها الصداق لم يرجع بشئ وإن كان دفع
بعضه رجع بما دفع ويحتمل أن يرجع عليه بالصداق وترجع المرأة عليه بما بقي
عليه من صداقها، وعن أحمد أنه يرجع عليه بالمهر الذي أصدقها الثاني لأن
الإتلاف من جهته والرجوع عليه بقيمتة والبضع لا يتقوم إلا على زوج أو من
جرى مجراه فيجب الرجوع عليه بالمسمى الثاني دون الأول وهل يرجع الزوج
الثاني على الزوجة بما أخذ منه؟ فيه روايتان ذكر ذلك أبو عبد الله بن حامد
(إحداهما) يرجع به لأنها غرامة لزمت الزوج بسبب وطئه لها فرجع بها
كالمغرور، ولأن ذلك يقضي إلى أن يلزمه مهران بوطئ واحد (والثانية) لا يرجع
لأن الصحابة لم يقضوا بالرجوع فإن سعيد بن المسيب روي ان عليا وعثمان قضيا
في المرأة التي لا تدري ما مهلك زوجها أن تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة
المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ثم تتزوج إن بدا لها، فإن جاء زوجها
خير إما امرأته وإما الصداق فإن اختار الصداق فالصداق على زوجها الآخر
وتثبت عنده، وإن اختار امرأته عزلت من زوجها الآخر حتى تنقضي
(9/124)
عدتها، وإن قدم زوجها وقد توفي زوجها الآخر
ورثت واعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وترجع إلى الى الأول رواه الجوزجاني
ولأن المرأة لا تعزير منها فلم يرجع عليها بشئ كغيرها وإن قلنا يرجع عليها
فإن كان قد دفع اليها الصداق رجع به وإن كان لم يدفعه اليها دفعه الى الأول
ولم يرجع عليها بشئ وإن كان قد دفع بعضه رجع بما دفع، وإن قلنا لا يرجع
عليها وكان قد دفع اليها الصداق لم يرجع به وإن لم يكن دفعه اليها لزمه
دفعه ويدفع الى الأول صداقاً آخر (فصل) قال شيخنا (والقياس أن ترد الى
الأول ولا خيار)
لأن زوجها لم يطلقها ولم ينفسخ نكاحه فردت إليه كما لو تزوجت لبينة قامت
بوفاته ثم تبين كذبها بقدومه إلا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة
باطناً فينفسخ نكاح الأول لأن نكاحه انفسخ بحكم حاكم ووقوع نكاح الثاني بعد
بطلان نكاح الأول وقضاء عدتها فأشبه ما لو طلقها الأول فتكون زوجة الثاني
بكل حال لذلك وعن أحمد التوقف في أمره وقد ذكرناه فيما مضى والمذهب الأول
أولى (فصل) إذا فقدت الأمة زوجها لغيبة ظاهرها الهلاك تربصت أربع سنين ثم
اعتدت للوفاة شهرين وخمسة أيام، وهذا اختيار أبي بكر، وقال القاضي تتربص
نصف تربص الحرة ورواه أبو طالب عن
(9/125)
أحمد وهو قول الاوزاعي والليث لأنها مدة
مضروبة للمرأة لعدم زوجها فكانت الأمة فيه على النصف من الحرة كعدة الوفاة.
ولنا أن الأربع السنين مضروبة لكونها أكثر مدة الحمل في الأمة والحرة سواء
فاستويا في التربص لها كالتسعة الأشهر في حق من ارتفع حيضها لا تدري ما
رفعه وكالحمل نفسه، وبهذا ينتقض قياسهم فأما العبد فإن كانت زوجته حرة
فتربصها كتربص تحت الحر، وإن كانت أمة فهي كالأمة تحت الحر لأن العدة
معتبرة بالنساء دون الرجال وكذلك مدة التربص، وحكي عن الزهري ومالك أنه
يضرب له نصف أجل الحرة، والاولى ما قلناه لأنه تربص مشرع في حق المرأة
لفرقة زوجها فأشبهت العدة (الثاني) من انقطع خبره لغيبية ظاهرها السلامة
كسفر التجارة في غير مهلكة وإباق العبد وطلب العلم والسياحة فإن امرأته
تبقى أبدا حتى تتقين موته روى ذلك عن علي واليه ذهب ابن شبرمة وابن أبي
ليلى وأبو حنيفة والشافعي في الجديد، وروي عن أبي قلابة والنخعي وأبي عبيد
وقال مالك، والشافعي
(9/126)
في القديم تتربص أربع سنين وتعتد للوفاة
أربعة اشهر وعشراً وتحل للأزواج لأنه إذا جاز الفسخ لتعذر الوطئ بالعنة
وتعذر النفقة بالاعسار فلأن يجوز ههنا لتعذر الجميع أولى.
واحتجوا بحديث عمر الذي ذكرناه في المفقود مع موافقة الصحابة وتركهم إنكاره
ونقل احمد بن أصرم عن أحمد إذا مضى عليه تسعون سنة قسم ماله، وهذا يقضي أن
زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج، قال أصحابنا انما اعتبر تسعين سنة من
يوم ولادته لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها فإذا اقترن به انقطاع خبره
وجب الحكم بموته كما لو كان فقده لغيبة ظاهرها الهلاك، والمذهب الأول لأن
هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل أربع سنين أو كما قبل
التسعين ولأن هذا التقدير بغير توقيف فلا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف
ولأن تقدير هذا بتسعين سنة من يوم ولادته يقضي الى اختلاف العدة في حق
المرأة ولا نظير لهذا وخبر عمر ورد فيمن غيبته ظاهرها الهلاك فلا يقاس عليه
غيره (فصل) فإن كانت غيبة غير منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فهذا ليس
لامرأته أن تتزوج في قول أهل العلم أجمعين إلا ان تتعذر الانفاق عليها من
ماله فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه.
وأجمعوا أن امرأة الأسير لا تنكح حتى يعلم يقين وفاته هذا قول النخعي
والزهري ويحيى الانصاري ومكحول والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واسحاق وأصحاب
الرأي، وإن ابق العبد فزوجته على الزوجية حتى تعلم موته أو ردته وبه قال
الأوزاعي والثوري والشافعي واسحاق وقال الحسن إباقه طلاقه
(9/127)
ولنا أنه ليس بمفقود فلم ينفسخ نكاحه كالحر
ومن تعذر الأنفاق من ماله على زوجته فحكمه في الفسخ حكم ما ذكرنا إلا أن
العبد نفقة زوجته على سيده أو في كسبه فيعتبر تعذر الأنفاق في محل الوجوب
(فصل) إذا تزوج الرجل امرأة لها ولد من غيره فمات ولدها فإن أحمد قال يعتزل
امرأته حتى تحيض حيضة وهذا يروي عن علي بن أبي طالب والحسن ابنه ونحوه عن
عمر بن الخطاب وعن الحسين بن علي والصعب بن جثامة وبه قال عطاء وعمر بن عبد
العزيز والنخعي ومالك واسحاق وأبو عبيد قال عمر بن عبد العزيز حتى ينظر بها
حمل اولا، وإنما قالوا ذلك لأنها إن كانت حاملاً حين موته ورثه حملها وإن
حدث الحمل بعد الموت لم يرثه وان كان للميت ولد أو أب أو جد لم يحتج إلى
استبرائها لأن الحمل لا ميراث له وإن كانت حاملاً فقد تبين حملها فلم يحتج
إلى استبرائها لأن الحمل معلوم، وإن كانت آيسة لم يحتج إلى استبرائها لليأس
من حملها، وإن كانت ممن يمكن حملها ولم يتبين بها حمل ولم يعتزلها زوجها
فأتت بولد قبل ستة أشهر ورث وإن أتت به بعد ستة أشهر من حين وطئها بعد موت
ولدها لم يرث لانا لا نتيقن وجوده حال موته وهذا يروى عن سفيان وهو قياس
قول الشافعي
(مسألة) ومن مات عنها زوجها أو طلقها وهو غائب فعدتها من يوم مات أو طلق
وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدات وعنه إن ثبت ذلك بينة فكذلك وإلا فعدتها
من يوم بلغها الخبر) والمشهور في المذهب أنه متى مات عنها أو طلقها زوجها
فعدتها من يوم موته وطلاقه قال أبو بكر لا خلاف
(9/128)
عن أبي عبد الله علمه أن العدة تجب من حين
الموت والطلاق إلا ما رواه إسحاق بن إبراهيم وهذا قول ابن عمر وابن عباس
وابن مسعود ومسروق وعطاء وجابر بن زيد وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير
وعكرمة وطاوس وسليمان بن يسار وأبي قلابة وأبي العالية والنخعي ونافع ومالك
والثوري والشافعي واسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن أحمد أن قامت
بذلك بينة فكما ذكرنا وإلا فعدتها من يوم يأتيها الخبر وروي ذلك عن ابن
المسيب وعمر بن عبد العزيز ويروى عن علي والحسن وقتادة وعطاء وخلاس بن عمرو
أن عدتها من يوم يأتيها الخبر لأن العدة من اجتناب أشياء وما اجتنبها ولنا
أنها لو كانت حائلاً فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها لا نقضت عدتها
فكذلك سائر أنواع العدد ولأنه زمان عقيب الموت أو الطلاق فوجب أن تعتد به
كما لو كان حاضراً ولأن القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة
تنقضي عدتهما من غير قصد ولم يعدم ههنا إلا القصد وسواء في هذا اجتنبت ما
تجتنبه المعتدات أو لم تجتنبه فإن الإحداد الواجب ليس بشرط في العدة فلو
تركته قصداً أو عن غير قصد لا نقضت عدتها فإن الله تعالى قال (يتربص
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا - وقال يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء - وقال -
فعدتهن ثلاثة أشهر - وقال - وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وفي
الاشتراط الإحداد مخالفة هذه النصوص فوجب أن تشترط
(9/129)
(مسألة) (وعدة الموطوءة بشبهة عدة المطلقة
وكذلك المزني بها وعنه أنها تستبرأ بحيضة) وبهذا قال الشافعي لان وطئ
الشبهة وفي النكاح الفاسد في شغل الرحم ولحوق النسب كالوطئ في النكاح
الصحيح فكان مثله فيما تحصل به البراءة وإن وطئت المزوجة بشبهة لم يحل
لزوجها وطؤها قبل قضاء عدتها كيلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب
وله الاستمتاع منها بما دون الفرج في أحد الوجهين
لأنها زوجة حرم وطؤها لعارض يختص بالفرج فأبيح الاستمتاع منها بما دونه
كالحيض (والثاني) لا تحل لأن ما حرم الوطئ حرم دواعيه كالإحرام (فصل) كذلك
المزني بها عدتها عدة الموطؤة بشبهة وبهذا قال الحسن والنخعي وعن أحمد
رواية أخرى انها تستبرأ بحيضة ذكرها ابن أبي موسى وهو قول مالك لأن المقصود
به معرفة البراءة من الحمل فأشبه استبراء الأمة، وروي عن أبي بكر وعمر رضي
الله عنهما لا عدة عليها وهو قول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأن العدة
لحفظ النسب وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يدل على ذلك ولنا أنه وطئ يقتضي
شغل الحرم فوجبت العدة منه كوطئ الشبهة ولنا وجوبها كعدة المطلقة فلأنها
حرة فاشبهت الموطؤة بشبهة، وقولهم إنما تجب لحفظ النسب قلنا لو وجب لذلك
لما وجب على الملاعنة المنفي ولدها والآيسة والصغيرة ولما وجب استبراء
الأمة التي لا يلحق ولدها بالبائع ولو وجب كذلك
(9/130)
كان استبراء الأمة على البائع ثم لو ثبت
أنها وجبت فالحاجة اليها داعية فإن المزني بها إذا تزوجت قبل الاعتداد
اشتبه ولد الزوجة بالولد من الزنا فلا يحصل حفظ النسب (فصول تتعلق
بالمفقود) إذا اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها
النفقة مادام حياً وينفق عليها من ماله لأنها محكوم لها بالزوجية فيجب لها
النفقة كما لو علمت حياته، فإذا تبين أنه كان حياً وقدم فلا كلام وإن تبين
أنه مات أو فارقها فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه ويرجع عليها
بالباقي لأننا تبينا أنها أنفقت مال غيره أو أنفقت من ماله وهي غير زوجة
له، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها مدة فلها النفقة في مدة التربص
ومدة العدة لان مد العدة لم يحكم فيها ببينونتها من زوجها فهي محبوسة عليه
بحكم الزوجية فأشبه ما قبل العدة وأما مدة العدة فإنها غير منتفية بخلاف
عدة الوفاة فإن موته متقين، وما بعد العدة إن تزوجت أو فرق الحاكم بينهما
سقطت نفقتها لأنها أسقطتها بخروجها عن حكم نكاحه وإن لم تتزوج ولا فرق
الحاكم بينهما فنفقتها باقية لأنها لم تخرج من نكاحه، فإن قدم الزوج بعد
ذلك وردت اليه عادت نفقتها من حين الرد، وقد روى الأثرم والجوزجاني عن ابن
عمر وابن عباس قالا تنتظر امرأة المفقود أربع سنين قال ابن عمر ينفق عليها
من مال زوجها وقال ابن عباس إذاً يجحف ذلك بالورثة
ولكنها تستدين فإذا جاء زوجها اخذت من ماله وإن مات أخذت من نصيبها.
من الميراث وقالا ينفق عليها
(9/131)
بعد في العدة بعد الأربع سنين مال زوجها
جميعه أربعة أشهر وعشرا، وإن قلنا ليس لها أن تتزوج لم تسقط نفقتها ما لم
تتزوج، فإن تزوجت سقطت نفقتها لانها بالتزوج تخرج عن يديه وتصير ناشزاً،
وإن فرق بينهما فلا نفقة لها مادامت في العدة فإذا انقضت فلم تعد الى مسكن
زوجها فلا نفقة لها أيضاً لأنها باقية على النشوز وإن عادت الى مسكنه احتمل
أن تعود النفقة لأن النشوز المسقط لنفقتها قد زال ويحتمل أنها لا تعود
لأنها ما سلمت نفسها إليه، وإن عاد فتسلمها عادت نفقتها، ومتى أنفق عليها
ثم بان أن الزوج كان قد مات قبل ذلك حسب عليها ما أنفق عليها من حين موته
من ميراثها فإن لم يرث شيئاً فهو عليها لأنها أنفقت من مال الوارث ما لا
تستحقه، فأما نفقتها على الزوج الثاني فإن قلنا لها أن تتزوج فنكاحها صحيح
حكمه في النفقة حكم الأنكحة الصحيحة وإن قلنا ليس لها أن تتزوج فلا نفقة
لها فإن أنفق لم يرجع بشئ لأنه متطوع إلا أن يجبره الحاكم على ذلك فيحتمل
أن يرجع بها لأنه ألزمه أداء ما لم يكن واجباً عليه ويحتمل أن لا يرجع به
لأن ما حكم به الحاكم لا يجوز نقضه ما لم يخالف كتاباً أو سنه أو إجماعاً
فإن فارقها بتفريق الحاكم أو غيره فلا نفقة لها، إلا أن تكون حاملاً فينبني
وجوب النفقة على الروايتين في النفقة هل هي للحمل اولها من أجله؟ فإن قلنا
هي للحمل فلها النفقة لأن نسب الحمل لاحق به فيجب عليه الإنفاق على ولده
وإن قلنا لها من أجله فلا نفقة لها لأنها في غير نكاح صحيح فأشبه حمل
الموطوءة بشبهة، وإذا أتت بولد يمكن كونه من الثاني لحقه نسبه لأنها صارت
فراشاً له وقد علمنا أن الولد ليس من الأول لأنها
(9/132)
تربصت بعد فقده أكثر من مدة الحمل وتنقضي
عدتها من الثاني بوضعه لأن الولد منه، وعليها أن ترضعه اللبأ لأن الولد لا
يقوم بدنه إلا به فإن ردت إلى الأول فله منعها من رضاعة كما له أن يمنعها
من رضاع أجنبي لأن ذلك يشغلها عن حقوقه إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه التلف
فليس له منعها من رضاعه لأن هذا حال ضرورة فإن ارضعته في بيت المال الزوج
الأول لم تسقط نفقتها لأنها في قبضته ويده وإن أرضعته في غير بيته بغير
إذنه فلا نفقة لها لأنها ناشز وإن كان بإذنه خرج على الروايتين فيما إذا
سافرت بإذنه
(فصل) في ميراثها من الزوجين وتوريثهما منها، متى مات زوجها الأول أو ماتت
قبل تزويجها للثاني ورثته وورثها وكذلك إن تزوجت الثاني فلم يدخل بها لأننا
تبينا أنه متى قدم قبل الدخول بها ردت إليه بغير تخيبر، وذكر القاضي فيها
رواية أنه يخير فيها، فعلى هذه الرواية حكمها حكم ما لو دخل بها الثاني
فأما إذا دخل بها الثاني وقدم زوجها الاول فاختارها ردت اليه وورثها وورثته
ولم ترث الثاني ولم يرثها لأنه لا زوجية بينهما، وإن مات أحدهما قبل
اختيارها إما في الغيبة أو بعد قدومه فإن قلنا أن لها أن تتزوج ورثت الزوج
الثاني وورثها ولم ترث الأول لم يرثها، ولأن من خير بين شيئين فتعذر أحدهما
تعين الآخر، وإن ماتت قبل اختيار الأول خير فإن اختارها ورثها وإن يخترها
ورثها الثاني، هذا ظاهر قول اصحابنا.
وأما على ما اختاره شيخنا فإنها لا ترث الثاني ولا يرثها بحال إلا أن يجدد
لها عقداً أو لا يعلم أن الأول كان حياً ومتى علم أن الأول كان حياً ورثها
وورثته إلا أن يختار تركها فتبين منه بذلك فلا
(9/133)
ترثه ولا يرثها، وعلى قول أبي الخطاب إن
حكمنا بوقوع الفرقة بتفريق الحاكم ظاهر أو باطناً ورثت الثاني وورثها دون
الأول وإن لم يكن يحكم بوقوع الفرقة باطناً ورثت الأول وورثها دون الثاني،
فأما عدتها منهما فمن ورثته اعتدت لوفاته عدة الوفاة، وإن مات الثاني في
موضع لا ترثه فالمنصوص عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة في النكاح الفاسد،
فعلى هذا عليها عدة الوفاة لوفاته وهو اختيار أبي بكر، وقال ابن حامد لا
عدة عليها لوفاته لكن تعتد من وطئه بثلاثة قروء، فإن ماتا معاً اعتدت لكل
واحد منهما وبدأت بعدة الأول فإن أكملتها اعتدت للآخر، وإن مات الأول اولاً
فكذلك، وإن مات الثاني أولاً بدأت بعدته فإن مات الأول انقطعت عدة الثاني
ثم ابتدأت عدة الأول فإذا أكملتها أتمت عدة الثاني، وإن علم موت أحدهما
وجهل موت الآخر أو جهل موتهما فعليها أن تعتد عدتين من حين تيقنت الموت
وتبدأ بعدة الأول لأنه أسبق وأولى وإن كانت حاملاً فبوضع الحمل تنقضي عدة
الثاني لأن الولد منه ثم تبتدى، بعدة الوفاة أربعة أشهر وعشر.
(فصل) إذا تزوجت امرأة المفقود في وقت ليس لها أن تتزوج فيه نحو أن تتزوج
قبل مضي المدة التي يباح لها التزوج بعدها أو كانت غيبة زوجها ظاهرها
السلامة أو ما أشبه هذا فنكاحها باطل
وقال القاضي إن تبين أن زوجها قد مات وانقضت عدتها منه أو فارقها وانقضت
عدتها ففي صحة نكاحها وجهان (أحدهما) هو صحيح لأنها ليست في نكاح ولا عدة
فصح تزويجها كما لو علمت ذلك
(9/134)
(والثاني) لا يصح لأنها معتقدة تحريم
نكاحها وبطلانه، وأصل هذا من باع عيناً في يده يعتقدها لموروثه فبان موروثه
ميتاً والعين مملوكة له بالإرث هل يصح البيع؟ فيه وجهان كذا ههنا ومذهب
الشافعي مثل هذا.
ولنا أنها تزوجت في مدة منعها الشرع النكاح فيها فلم يصح كما لو تزوجت
المعتدة في عدتها والمرتابة قبل زوال الريبة.
(فصل) وإن غاب رجل عن زوجته فشهد ثقات بوفاته فاعتدت زوجته للوفاة أبيح لها
أن تتزوج فإن عاد الزوج بعد ذلك فحكمه حكم المفقود يخير زوجها بين أخذها
وتركها وله الصداق، وكذلك إن تظاهرت الأخبار بموته، وقد روى الأثرم بإسناده
عن أبي المليح عن سهية أن زوجها صيفي بن فشيل نعي لها من قيذائيل فتزوجت
بعده ثم إن زوجها الأول قدم فأتينا عثمان وهو محصور فأشرف علينا ثم ثم قال
كيف أقضي بينكما وأنا على هذه الحال؟ فقلنا قد رضينا بقولك فقضى أن يخير
الزوج الأول بين الصداق وبين المرأة فلما قتل عثمان أتينا علياً فخير الزوج
الأول بين الصداق والمرأة فاختار الصداق فأخذ مني ألفين ومن زوجي الآخر
ألفين فإن حصلت الفرقة بشهادة مصحورة فما حصل من غرامة فعليهما لأنهما سبب
في إيجابها وإن شهدا بموت رجل فقسم ماله ثم قدم فما وجده من ماله أخذه وما
تلف منه أو تعذر رجوعه فيه فله تضمين الشاهدين لأنهما سبب الاستيلاء عليه
وللمالك تضمين المتلف لأنه أتلف ماله بغير إذنه.
(9/135)
(فصل) وإن وطئت المعتدة بشبهة أو غيرها أتت
عدة الأول ثم استأنف العدة من الوطئ، إنما كان كذلك لأن العدتين من رجلين
لا يتداخلان لكونهما حقين لرجلين أشبه الدينين فتم عدة الأول وتجب للثاني
عدة كاملة بعد قضاء عدة الأول
(مسألة) (وإن كانت بائناً فأصابها المطلق عمداً فكذلك) لأنها قد صارت
أجنبية منه فأشبه وطئ الأجنبي، وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة من الوطئ
ودخلت فيها بقية الاولى لان الوطئ بالشبهة يلحق به النسب فدخلت بقية الأولى
في العدة الثانية (مسألة) (وان تزوجت في عدتها لم تنقطع عدتها حتى تدخل بها
فتنقطع حينئذ) وجملة ذلك أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها اجماعا
لقول تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يلغ الكتاب أجله) ولأن العدة إنما
اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب
فإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول فكان
نكاحاً باطلاً كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها فإن لم
يدخل بها فالعدة بحالها لا تنقطع بالعقد الثاني لأنه باطل لا تصير به
المرأة فراشاً ولا يستحق عليه بالعقد شئ وتسقط نفقتها وسكناها عن الزوج
الأول لأنها ناشز، وإن وطئها انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله، وقال
أبو حنيفة لا ينقطع لأن كونها فراشاً لغير من له العدة لا يمنعها كما لو
وطئت بشبهة وهي زوجة فإنها تعتد وإن كانت فراشاً للزوج،
(9/136)
وقال الشافعي إن وطئها عالماً بأنها معتدة
وأنه محرم فهو زان فلا تنقطع العدة بوطئه لأنها لا تصير به فراشاً ولا يلحق
به نسب، وإن كان جاهلاً أنها معتدة أو بالتحريم انقطعت العدة بالوطئ لأنها
تصير به فراشاً، والعدة تراد للاستبراء وكونها فراشاً ينافي ذلك فوجب أن
يقطعها فأما طريانه عليها فلا يجوز ولنا أن هذا وطئ بشبهة نكاح فتنقطع به
العدة كما لو جهل، وقولهم إنها لا تصير به فراشاً قلنا لكنه لا يحلق الولد
الحادث من وطئه بالزوج الأول فهما سيان، إذا ثبت هذا فعليه فراقها فان لم
يفعل وجب التفريق بينهما.
(مسألة) (ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول ثم استأنفت العدة من الثاني إنما
بنت على عدة الاول لان حق أسبق ولأن عدته وجبت عن وطئ في نكاح صحيح فإذا
كملت عدة الأول وجب عليها أن تعتد من الثاني ولا تتداخل العدتان لأنهما من
رجلين، وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة تتداخلان فتأتي بثلاثة قروء بعد
مفارقة الثاني تكون عن بقية عدة الاول وعدة للثاني لأن القصد معرفة براءة
الرحم وهذا يحصل
به براءة الرحم منهما جميعاً.
ولنا ما روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ان طليحة
كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحت في عدتها فضربها عمر رضي الله عنه وضرب
زوجها ضربات بمحفقة وفرق
(9/137)
بينهما ثم قال.
أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها يفرق
بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها
أبداً وروى باسناده عن علي أنه قضى في التي يتزوج في عدتها في أنه يفرق
بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما افسدت من عدة الأول وتعتد
من الآخر وهذان قولا سيدين من الخلفاء لم يعرف لها في الصحابة مخالف
ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالدينين واليمينين ولأنه حبس
يستحقه الرجال على النساء فلم يجزان تكون المرأة في حبس رجلين كالزوجة
(مسألة) (وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة أو في
نكاح فاسد فقياس المذهب تحريم نكاحها على الواطئ وغيره) قال شيخنا والأولى
حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب والدها لأن العدة لحفظ مائة
وصيانة نسبه ولا يصان ماؤه المحترم عن مائه المحترم ولا يحفظ نسبه عنه
ولذلك أبيح للمختلعة نكاح من خالعها ومن لا يلحقه نسب ولدها كالزانية لا
يحل له نكاحها لأنه يقضي إلى اشتباه النسب فالواطئ كغيره في أن النسب لا
يلحق بواحد منهما.
(مسألة) (وإن أتت بولد من أحدهما انقضت عدتها منه ثم اعتدت للآخر أيهما
كان)
(9/138)
وجملة ذلك أن التي تزوجت في عدتها إذا كانت
حاملاً انقضت عدتها بوضع حملها لقول الله تعالى (وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن) فإن كان يمكن أن تكون من الأول دون الثاني هو أن تأتي به لدون
ستة أشهر من وطئ الثاني وأربع سنين فما دونها من فراق الأول فإنه يلحق
بالأول وتنقضي عدتها منه بوضعه ثم تعتد بثلاثة قروء عن الثاني وإن أمكن
كونه من الثاني دون الأول وهو أن تأتي به لستة أشهر فما
زاد إلى أربع سنين من وطئ الثاني ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول
فهو ملحق بالثاني وحده تنقضي به عدتها منه ثم تتم عدة الأول وتقدم عدة
الثاني ههنا لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره (مسألة)
(وإن أمكن أن يكون منهما وهو أن تأتي به لستة أشهر فصاعدا من وطئ الثاني
ولأربع سنين فما دونها من بينونتها من الأول أري القافة معهما فان الحقه
بالأول لحق به كما لو أمكن أن يكون منه دون الثاني وإن ألحقته بالثاني لحق
به وكان الحكم كما لو أمكن أن يكون من الثاني دون الأول فإن ألحقته بهما
لحق بهما) ومقتضى المذهب أن تنقضي عدتها به منهما جميعاً لأن نسبه ثبت
منهما كما تنقضي عدتها به من الواحد الذي ثبت نسبه منهما فأما إن نفته
القافة عنهما فحكمه حكم ما لو أشكل أمره فعلى هذا تعتد بعد وضعه بثلاثة
قروء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني وإن كان من
الثاني فعليها أن تكمل عدة
(9/139)
الأول لتسقط الفرض بيقين ولا ينفي الولد
عنهما لقول القافة لأن عمل القافة ترجيح أحد صاحبي الفراش لا في النفي عن
الفراش كله ولهذا لو كان صاحب الفراش واحداً فنفته القافة عنه لم ينتف
بقولها فأما إن ولدت لدون ستة أشهر من وطئ الثاني ولأكثر من أربع سنين من
فراق الأول لم يلحق بواحد منهما ولا تنقضي عدتها منه لأنا نعلم انه من وطئ
آخر فتنقضي به عدتها من ذلك الوطئ ثم تتم عدة الأول وتستأنف عدة الثاني
لأنه قد وجد ما يقتضي عدة ثالثة وهو الوطئ الذي حملت منه فيجب عليها عدتان
واتمام العدة الاولى (مسألة) (وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين وعنه
أنها تحرم عليه على التأبيد) أما الزوج الأول فإن كان طلق ثلاثاً لم تحل له
بهذا النكاح وان وطئ فيه لأنه نكاح باطل وإن طلق دون الثلاث فله نكاحها بعد
العدتين وإن كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه وأما الزوج الثاني ففيه
روايتان (إحداهما) تحرم عليه على التأبيد وبه قال مالك والشافعي في القديم
لقول عمر رضي الله عنه لا ينكحها أبداً ولأنه استعجل الحق في غير وقته
فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل موروثة ولأنه يفسد النسب فيوقع التحريم
المؤبد كاللعان (والثانية) تحل له قال الشافعي في الجديد
له نكاحها بعد قضاء عدة الأول ولا يمنع من نكاحها في عدتها منه لأنه وطئ
يلحق به النسب فلا يمنع من نكاحها في عدتها منه كالوطئ في النكاح ولأن
العدة إنما شرعت حفظاً للنسب وصيانة للماء
(9/140)
والنسب لاحق به ههنا فأشبه ما لو خالعها ثم
نكحها في عدتها، قال شيخنا وهذا قول حسن موافق النظر ولنا على إباحتها بعد
العدتين أنه لا يخلوا إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطئ في النكاح
الفاسد أو بهما وجميع ذلك لا يقتضي التحريم بدليل ما لو نكحها بلا ولي
ووطئها ولأنه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد فهذا أولى ولأن آيات
الاباحة عامة كقول تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم - وقوله - والمحصنات من
المؤمنات) فلا يجوز تخصيصها بغير دليل وما روي عن عمر في تحريمها فقد خالفه
علي فيه وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي فإن علياً قال
إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فقال عمر: وردا الجهالات الى السنة
ورجع إلى قول علي وقياسهم يبطل بما إذا زنى بها فإنه قد استعجل وطأها ولا
تحرم عليه على التأبيد ووجه تحريمها قبل قضاء عدة الثاني عليه قول الله
تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) ولانه وطئ يفسد به
النسب فلم يجز النكاح في العدة منه كوطئ الأجنبي (فصل) إذا تزوج معتدة وهما
عالمان بالعدة وبتحريم النكاح فيها ووطئها فمها زانيان عليهما حد الزنا ولا
مهر لها ولا يلحقه النسب وإن كانا جاهلين بالعدة أو بالتحريم ثبت النسب
وانتفى الحد ووجب المهر وإن علم هو دونها فعليه الحد والمهر ولا يلحقه
النسب وإن علمت هي دونه فعليها الحد ولا مهر لها ويلحقه النسب وإنما كان
كذلك لأن هذا نكاح متفق على بطلانه فأشبه نكاح ذوات المحارم
(9/141)
(مسألة) (وإن وطئ رجلان امرأة فعليها عدتان
لها الحديث عمر وعلى الذي ذكرناه فيما إذا تزوجت في عدتها ولانهما حقان
مقصود ان لادميين فلم يتداخلان كالدينين) (فصل) إذا خالع الرجل امرأته أو
فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول الجمهورية قال سعيد بن المسيب
وعطاء والزهري والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وشذ بعض التاخرين
فقال لا يحل له نكاحها ولا خطبتها لأنها معتدة
ولنا أن العدة لحفظ نسبه وصيانة مائه ولا يصان ماؤه عن مائه اذا كانا من
نكاح صحيح فإذا تزوجها انقطعت العدة لأن المرأة تصير فراشا له بعقده ولا
يجوز أن تكون زوجته معتدة (فصل) إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها
ثانية بنت على ما مضى من العدة لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطئ ولا رجعة
فأشبها الطلقتين في وقت واحد (مسألة) (وإن راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها
استأنفت العدة من الطلاق الثاني لأنه طلاق من نكاح اتصل به المسيس (مسألة)
(وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف؟ على روايتين) (أولاهما) أنها
تستأنف لان الرجعة أزالت شعث الطلاق الأول ورد بها الى النكاح الأول فصار
الطلاق الثاني طلاقاً من نكاح اتصل به المسيس (والثانية) تبني لأن الرجعة
لا تزيد على النكاح الجديد، ولو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمها
(9/142)
لذلك الطلاق عدة فكذلك الرجعة فإن فسخ
النكاح قبل الرجعة يخلع او غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق لأن موجبها
في العدة موجب الطلاق ولا فرق بينهما واحتمل أن تستأنف العدة لأنهما جنسان
بخلاف الطلاق وإن لم يرتجعها بلفظه لكنه وطئها في عدتها فهل تحصل بذلك
رجعة؟ فيه روايتان (إحداهما) تحصل فيكون حكمها حكم من ارتجعها بلفظه ثم
وطئها سواء (والثانية) لا تحصل الرجعية به ويلزمها استئناف عدة لأنه وطئ في
نكاح تشعت فهو كوطئ الشبهة وتدخل بقية عدة الطلاق فيها لأنهما من رجل واحد،
وان حملت من هذا الوطئ فهل تدخل فيها بقية الأولى؟ على وجهين (أحدهما) تدخل
لأنهما من رجل واحد (والثاني) لا تدخل لأنهما من جنسين فعلى هذا إذا وضعت
حملها أتمت عدة الطلاق، وإن وطئها وهي حامل ففي تداخل العدتين وجهان، وإن
قلنا تتداخلان فانقضاؤها معاً بوضع الحمل وإن قلنا لا تتداخلان فانقضاء عدة
الطلاق بوضع الحمل وتستأنف عدة الوطئ بالقروء (مسألة) (وإن طلقها طلاقاً
بائناً ثم نكحها في عدتها ثم طلقها قبل دخوله بها فعلى روايتين) (إحداهما)
تستأنف، وهو قول أبي حنيفة لأنه طلاق لا يخلو من عدة فأوجب عدة مستأنفة
كالأول (والثانية) لا يلزمها استئناف عدة، اختارها شيخنا، وهو قول الشافعي
ومحمد بن الحسن لأنه طلاق في نكاح قبل المسيس فلم يوجب عدة لعموم قوله
سبحانه (ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم)
(9/143)
عليهن من عدة تعتدونها) ، وذكر القاضي في
كتاب الروايتين أنه لا يلزمها استئناف العدة رواية واحدة لكن يلزمها إتمام
بقية العدة الأولى لأن إسقاطها يفضي الى اختلاط المياه لانه تتزوج امرأة
ويطؤها ويخلعها ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ويتزوجها الثاني في يوم واحد
(فصل) وإن خلعها حاملاً ثم طلقها وهي حامل انقضت عدتها بوضع الحمل على كلتا
الروايتين ولا نعلم فيه مخالفاً ولا تنقضي عدتها قبل وضع حملها بغير خلاف
نعلمه، وإن وضعت حملها قبل النكاح الثاني فلا عدة عليها للطلاق من النكاح
الثاني بغير خلاف أيضاً لأنه نكحها بعد قضاء عدة الأول، وإن وضعته بعد
النكاح الثاني وقبل طلاقه فمن قال يلزمها استئناف عدة أوجب عليها الاعتداد
بعد طلاق الثاني بثلاثة قروء ومن قال لا يلزمها استئناف عدة لم يوجب عليها
ههنا عدة لأن العدة الأولى انقضت بوضع الحمل إذ لا يجوز أن تعتد الحامل
بغير وضعه وان كانت من ذوات القروء أو الشهور فنكحها الثاني بعد مضي قرء أو
شهر ثم مضى قرآن أو شهران قبل طلاقه من النكاح الثاني فقد انقطعت العدة
بالنكاح الثاني وإن قلنا تستأنف العدة فعليها عدة تامة بثلاثة قروء أو
ثلاثة أشهر وإن قلنا تبني أتمت العدة الأولى بقرأين أو شهرين (فصل) فإن
طلقها طلاقاً رجعياً فنكحت في عدتها من وطئها فقد ذكرنا أنها تبني على عدة
الأول ثم تستأنف عدة الثاني ولزوجها الأول رجعتها في بقية عدتها منه، لأن
الرجعة إمساك للزوجة وطريان الوطئ من أجنبي على النكاح لا يمنع الزوج إمساك
زوجته كما لو كانت في صلب النكاح، وقيل
(9/144)
ليس له رجعتها لأنها محرمة عليه فلم يصح له
ارتجاعها كالمرتدة.
والصحيح الأول فإن التحريم لا يمنع الرجعة كالإحرام، ويفارق الردة لأنها
جارية إلى بينونة بعد الرجعة بخلاف العدة، وإذا انقضت عدتها منه فليس له
رجعتها في عدة الثاني لانها ليست منه وإذا ارتجعها في عدتها من نفسه وكانت
بالقروء أو بالأشهر انقطعت عدته بالرجعة وابتدأت عدة من الثاني ولا يحل له
وطؤها حتى تنقضي عدة الثاني كما لو
وطئت بشبهة في صلب نكاحه، وإن كانت معتدة بالحمل لم يكن شروعها في عدة
الثاني قبل وضع الحمل لأنها بالقروء فإذا وضعت حملها شرعت في عدة الثاني
وتنقدم عدة الثاني عن الأول فإذا أكملتها شرعت في إتمام عدة الأول، وله
حينئذ أن يرتجعها لأنها في عدته، وإن أحب أن يرتجعها فحال حملها ففيه
وجهان: (أحدهما) ليس له ذلك لأنها ليست في عدته وهي محرمة عليه فأشبهت
الأجنبية أو المرتدة.
(الثاني) له رجعتها لأن عدتها منه لم تنقض وتحريمها لا يمنع رجعتها
كالمحرمة.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (ويجب الإحداد على المعتدة من الوفاة وهل يجب
على البائن؟ على روايتين، ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة أو زنا أو
في نكاح فاسد أو يملك اليمين) لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في وجوب
الإحداد على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن فإنه قال لا يجب الاحداد هو
قول شذ به عن أهل العلم وخالف فيه السنة فلا يعرج عليه.
(9/145)
(مسألة) (ويستوي في وجوبه الحرة والأمة
والمسلمة والذمية والكبيرة والصغيرة وقال أصحاب الرأي لا إحداد على ذمية
ولا صغيرة لأنهما غير مكلفين) ولنا عموم الأحاديث التي نذكرها إن شاء الله
ولأن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات كالخمر والزنا وإنما
يفترقان في الإثم فكذلك الإحداد ولأن حقوق الذمية في النكاح كحقوق المسلمة
فكذلك فيما عليها.
(مسألة) (وهل يجب على البائن؟ على روايتين) (إحداهما) يجب عليها وهو قول
سعيد بن المسيب وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي.
(والثانية) لا يجب عليها وهو قول عطاء وربيعة ومالك وابن المنذر ونحوه قال
الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله
واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " وهذه
عدة الوفاة فيدل على أن الإحداد إنما يجب في عدة الوفاة، ولأنها معتدة من
غير وفاة فلم يجب عليها الإحداد كالرجعية والموطوءة بشبهة، ولأن الإحداد في
عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته فأما الطلاق فإنه فارقها
باختيار نفسه وقطع نكاحها فلا معنى لتكلفها الحزن عليه
ولأن المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج وليس له من ينفيه فاحتيط عليها
بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة فإن زوجها باق فهو
يحتاط عليها بنفسه وينفي ولدها إذا كان من غيره، ووجه
(9/146)
الرواية الأولى أنها معتدة بائن من نكاح
فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها وذلك لأن العدة تحرم النكاح فحرمت
دواعيه بخلاف الرجعية فإنها زوجة والموطوءة بشبهة ليست معتدة من نكاح فلم
تكمل الحرمة فأما الحديث فإنما مدلوله تحريم الإحداد على ميت غير الزوج
ونحن نقول به، ولهذا جاز الإحداد ههنا بالإجماع، فإذا قلنا يلزمها الإحداد
فحكمها حكم المتوفى عنها زوجها من توقي الطيب والزينة في نفسها على ما
نذكره إن شاء الله وذكر شيخنا في كتاب الكافي أن المختلعة كالبائن فيما
ذكرنا من الخلاف والصحيح أنه لا يجب عليها لأنها يحل لزوجها الذي خالعها أن
يتزوجها في عدة بخلاف البائن بالثلاث (مسألة) (ولا إحداد على الرجعية بغير
خلاف نعلمه) لأنها في حكم الزوجات لها أن تتزين لزوجها وتستشرف له ليرغب
فيها وتنفق عنده كما تفعل في صلب النكاح ولا إحداد على المنكوحة نكاحها
فاسداً لأنها ليست زوجة على الحقيقة ولا لها من كانت تحل له وتحزن على فقده
كذلك الموطوءة بشبهة والمزني بها، ولا إحداد على غير الزوجات كأم الولد إذا
مات سيدها والأمة التي يطؤها سيدها إذا مات عنها لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا
على زوج أربعة أشهر وعشرا " (مسألة) (والإحداد اجتناب الطيب والزنية
والتحسين كلبس الحلي والملون من الثياب للتحسين)
(9/147)
وجملة ذلك أن الحادة يجب عليها اجتناب ما
يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها وذلك أربعة أمور (أحدهما)
الطيب ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب الإحداد لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها نبذه من قسط أو
اظفار " متفق عليه وردت زينب بنت أم سلمة قالت دخلت على أم حبيبة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان
فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضها وقالت
والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول " لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث
ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " متفق عليه ولأن الطيب يحرك الشهوة
ويدعو إلى المباشرة، ولا يحل لها استعمال الأدهان المطيبة كدهن الورد
والبنفسج والياسمين والبان وما أشبهه لأنه استعمال للطيب، فأما الأدهان
بغير المطيب كالزيت والشيرج والسمن فلا بأس به لأنه ليس بطيب (الثاني)
اجتناب الزينة وذلك واجب في قول عامة أهل العلم منهم ابن عمرو ابن عباس
وعطاء وجماعة أهل العلم يكرهون ذلك وينهون عنه وهو ثلاثة أقسام (أحدها)
الزينة في نفسها فيحرم عليها أن تختضب وأن تحمر وجهها بالكلكون وأن تبيضه
باسفيداج العرائس وأن تجعل عليه صبراً يصفره وان تنفش وجهها وبدنها وأن
تخفف وجهها وما أشبهه مما يحسنها وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة لما روت
ام سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المتوفى عنها زوجها لا تلبس
المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب
(9/148)
ولا تكتحل " رواه النسائي وأبو داود وروت
أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تحد المرأة فوق ثلاثة
أيام إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا
ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها
بنبذة من قسط أو اظفار " متفق عليه وعن أم سلمة قالت جاءت امرأة إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد
اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا " مرتين أو
ثلاثا متفق عليه وروت أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال " ماذا يا أم سلمة " قلت
إنما هو صبر ليس فيه طيب قال " إنه يشب الوجه لا تجعلنه إلا بالليل
وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب " قالت قلت بأي
شئ أمتشط؟ قال " بالسدر وتغلفين به رأسك " ولأن الكحل من أبلغ الزينة
والزينة تدعو إليها وتحرك الشهوة فهي كالطيب وأبلغ منه، وحكي عن بعض
الشافعية ان للسوداء أن تكتحل وهو مخالف للخبر والمعنى فانه يزنيها
ويحسنها.
فإن اضطرت الحادة الى الكحل بالإثمد للتداوي به فلها أن تتكحل ليلا وتمسحه
نهارا، ورخص فيه عند الضرورة
عطاء والنخعي ومالك وأصحاب الرأي لما روت أم حكيم بنت أسد عن أمها أن زوجها
توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة
تسألها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحل إلا ما لابد منه يشتد عليك فتكتحلين
بالليل وتغسلينه بالنهار.
رواه أبو داود والنسائي وإنما تمنع
(9/149)
من الكحل بالإثمد لأنه الذي يحصل به
الزينة، فأما الكحل بالتوتيا والغزروت ونحوهما فلا بأس به لأنه لا زينة فيه
بل يفتح العين ويزيدها مرهاً ولا تمنع من جعل الصبر على وجهها من بدنها
لأنه إنما منع منه في الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب ولهذا قال النبي صلى
الله عليه وسلم " أنه يشب الوجه " ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار ونتف
الأبط وحلق الشعر المندوب إلى حلقه ولا من الاغتسال بالسدر والامتشاط به
لحديث أم سلمة ولأنه يراد للتنظيف لا للطيب (القسم الثاني) زينة الثياب
فتحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين كالمعصفر والمزعفر وسائر الأحمر وسائر
الملون للتحسين كالأزرق الصافي والأخضر الصافي والأصفر فلا يجوز لبسه لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " لا تلبس ثوبا مصبوغا " وقوله لا تلبس المعصفر
من الثياب ولا الممشق فأما ما لا يقصد بصيغة حسنة كالكحلي والأسود والأخضر
المشبع فلا يمنع منه لأنه ليس بزينة، وما صبغ غزله ثم نسج ففيه احتمالان
(أحدهما) يحرم لبسه لأنه أحسن وأرفع ولأنه مصبوغ للحسن فأشبه ما صبغ بعد
نسجه (والثاني) لا يحرم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ام سلمة
" الاثوب عصب قال القاضي هو ما صبغ غزله قبل نسجه ولأنه لم يصبغ وهو ثوب
فأشبه ما كان حسناً من الثياب غير مصبوغ والأول أصح، وأما العصب فالصحيح
أنه نبت تصبغ به الثياب قال صاحب الروض: الورس والعصب بنتان باليمن لا
ينبتان إلا به فأرخص النبي صلى الله عليه وسلم للحادة في لبس ما صبغ بالعصب
لأنه في معنى ما صبغ لغير التحسين أما ما صبغ غزله للتحسين كالاحمر والأصفر
فلا معنى لتجويز لبسه مع حصول الزينة بصبغة كحصولها بما صبغ بعد نسجه
(9/150)
(القسم الثالث) الحلي فيحرم عليها لبس
الحلي كله حتى الخاتم في قوله عامة أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه
وسلم " ولا الحلي " وقال عطاء يباح حلي الفضة دون الذهب ولا يصح لعموم
النهي ولأن الحلي يزيدها حسناً
ويدعو إلى مباشرتها قال الشاعر وما الحلي إلا زينة لنقيصة * * تتم من حسن
إذا الحسن قصرا (مسألة) (ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب وإن كان حسناً)
سواء كان من قطن أو كتان أو صوف أو إبريسم لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم
تغييره كما أن المرأة إذا كانت حسنة الخلقة لا يلزمها أن تغير لونها وتشوه
نفسها ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي والأسود والأخضر المشبع لأنه لا يراد
للزينة أشبه الأبيض، قال الخرقي وتجتنب النقاب وما في في معناه مثل البرقع
ونحوه لأن المعتدة مشبهة بالمحرمة والمحرمة تمنع من ذلك فإن احتاجت الى ستر
وجهها سدلت عليه كما تفعل المحرمة، ويحتمل أن لا تمنع من ذلك لأنه ليس
بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص وإنما منعت منه المحرمة لأنها ممنوعة
من تغطية وجهها بخلاف الحادة ولأن المحرمة يحرم عليها لبس القفازين بخلاف
الحادة، ويجوز لها لبس الثياب المزعفرة وغيرها من الثياب المصبوغة والحلي،
والحادة يحرم عليها ذلك فلا يصح القياس ولأن المبتوتة لا يحرم عليها النقاب
فإن وجب عليها الإحداد فكذلك المتوفى عنها زوجها (فصل) وتجب عدة الوفاة في
المنزل الذي وجبت فيه روى ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر
(9/151)
وابن مسعود وأم سلمة رضي الله عنهم وبه قال
مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وإسحاق قال ابن عبد البر وبه يقول جماعة
فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر، وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء
تعتد حيث شاءت روى ذلك عن علي وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم قال
ابن عباس نسخت هذه الآية عدتها اهله وسكتت في وصيتها وإن شاءت خرجب لقول
الله تعالى (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) قال
عطاء ثم جاء الميراث فنسخ السكنى تعتد حيث شاءت رواهما أبو داود ولنا ما
روت فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا فقتلوه بطرف القدوم
فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني
في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم "
قالت فخرجت
حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو امر بي فدنيت له فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " كيف قلت " فرددت عليه القصة فقال " امكثي في
بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشراً فلما كان عثمان
بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به رواه مالك في موطئه
والاثرم وهو حديث صحيح قضى به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه إذا ثبت
هذا فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به سواء كان
لزوجها أو بإجارة أو عارية لأن النبي
(9/152)
صلى الله عليه وسلم قال لفريعة " امكثي في
بيتك " ولم تكن في بيت يملكه زوجها وفي بعض ألفاظه " اعتدي في البيت الذي
أتاك فيه نعي زوجك " وفي لفظ " اعتدي حيث أتاك الخبر " فإن أتاها الخبر في
غير مسكنها رجعت الى مسكنها أو اعتدت فيه وقال سعيد بن المسيب والنخعي لا
تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها اتباعا للفظ الخبر الذي رويناه
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " امكثي في بيتك " واللفظ الآخر قضية في عين
والمراد به هذا فإن قضايا الأعيان لا عموم لها ثم لا يمكن حمله على العموم
فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية إذا أتاها الخبر وهي
فيها (مسألة) (إلا أن تدعو ضرورة الى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى
على نفسها) وجملة ذلك أنها إذا خافت هدماً أو غرما أو عدواً أو نحو ذلك أو
حولها صاحب المنزل لكونه عارية
(9/153)
رجع فيها او بإجارة انقضت مدتها أو منعها
السكنى تعدياً أو امتنع من إجارته أو طلب به أكثر من أجر المثل أو لم تجد
ما تكتري به أو لم تجد إلا من مالها فلها أن تنتقل لأنها حال عذر ولا
يلزمها بذل أجرة المسكن وإنما الواجب عليها السكنى لا تحصيل المسكن وإذا
تعذرت السكنى سقطت وتسكن حيث شاءت ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل
إلى أقرب ما يمكنها النقلة اليه وهو مذهب الشافعي لأنه قرب إلى موضع الوجوب
أشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان فإنه ينقلها إلى
موضع يجدهم فيه
ولنا أن الواجب سقط لعذر ولم يرد الشرع له ببدل فلا يجب كما لو سقط الحج
للعجز عنه وفوات شرط والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد ولأن
ذكروه إثبات حكم بلا نص ولا معنى نص فإن معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في
السكنى فيما قرب منه ويفارق أهل السهمان فإن القصد نفع الأقرب وفي نقلها
إلى أقرب موضع يجده نفع الأقرب
(9/154)
(فصل) ولا سكنى للمتوفى عنها إذا كانت
حائلاً رواية واحدة وإن كانت حاملاً فعلى روايتين، وللشافعي فيها قولان
(أحدهما) لها السكنى لقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية
لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) فنسخ بعض المدة وبقي باقيها على
الوجوب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فريعة بالسكنى في بيتها من غير
استئذان الورثة ولو لم تجب السكنى لم يكن لها أن تسكن إلا بإذنهم كما أنها
ليس لها أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنهم ولنا أن الله تعالى إنما جعل
للزوجة ثمن التركة أو ربعها وجعل باقيها لسائر الورثة والمسكن من التركة
فوجب أن لا تستحق منه أكثر من ذلك، وأما إذا كانت حاملاً وقلنا لها السكنى
فلأنها حامل من زوجها فوجبت لها السكنى قياساً على المطلقة فأما الآية التي
احتجوا بها فإنها منسوخة، وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم فريعة بالسكنى
فقضية في عين يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن الوارث يأذن في
ذلك أو تكون السكنى واجبة عليها ويتقيد ذلك بالإمكان وإذن الوارث من جملة
ما يحصل به الإمكان فإذا قلنا لها
(9/155)
السكنى فهي أحق بسكنى المسكن الذي كانت
تسكنه من الورثة والغرماء من رأس مال المتوفى ولا يباع في دينه بيعاً
يمنعها السكنى حتى تقضي العدة وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور
العلماء وإن تعذر ذلك المسكن فعلى الوارث أن يكتري لها مسكناً من مال الميت
فان لم يفعل أجبره الحاكم وليس لها أن تنتقل إلا لعذر كما ذكرنا، وإن اتفق
الوارث والمرأة على نقلها عنه لم يجز لأن السكنى ههنا يتعلق لها حق الله
سبحانه وتعالى فلم يجز اتفاقهما على ابطالها بخلاف سكنى النكاح فانه حق
لهما ولان السكنى ههنا من الاحداد فلم يجز الانفاق على تركها كسائر خصال
الإحداد وليس لهم إخراجها
إلا أن تأتي بفاحشة مبينة لقول الله تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن
إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وهو أن يطول لسانها على أحمائها وتؤذيهم بالسب
ونحوه روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الأكثرين وقال ابن مسعود والحسن هي
الزنا لقول الله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن
أربعة منكم) واخراجهن هو لإقامة حد الزنا ثم ترد إلى مكانها
(9/156)
ولنا أن الآية تقتضي الإخراج من المسكن
وهذا لا يتحقق فيما قالاه، وأما الفاحشة فهي اسم للزنا وغيره من الأقوال
الفاحشة يقال أفحش الرجال في قوله ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قالت له عائشة يا رسول الله قلت لفلان بئس أخو العشيرة - ثم ألنت له
القول لما دخل قال - يا عائشة أن الله لا يحب الفحش ولا التفحش " إذا ثبت
هذا فإن الورثة يخرجونها عن ذلك المسكن إلى مسكن آخر من الدار إن كانت
كبيرة تجمعهم فإن كانت لا تجمعهم أو لم يكمن نقلها إلى غيرها في الدار أو
لم يتخلصوا من أذاها بذلك فلهم نقلها وقال بعض أصحابنا ينتقلون هم عنها لأن
سكناها واجب في المكان وليس بواجب عليهم والنص يدل على أنها تخرج فلا يعرج
على ما خالفه ولأن الفاحشة منها فكان الإخراج لها، وإن كان أحماؤها هم
الذين يؤذونها ويفحشون عليها نقلوهم دونها فإنها لم تأت بفاحشة فلا تخرج
بقتضى النص ولأن الذنب لهم فيخصون بالإخراج، وإن كان المسكن لغير الميت
فيتبرع صاحبه بإسكانها فيه لزمها الاعتداد به، وإن أبى ان يسكنها إلا
بالأجرة وجب بذلها من مال الميت إلا أن يتبرع إنسان
(9/157)
ببدلها ويلزمها الاعتداد به فإن حولها مالك
المكان أو طلب أكثر من أجر المثل فعلى الورثة إسكانها إن كان للميت تركة
يستأجر لها به مسكن لأنه حق لها يقدم على الميراث فإن اختارت النقلة عن
المسكن الذي ينقلونها اليه فلها ذلك لان سكناها به حق لها وليس بواجب عليها
فإن المسكن الذي كان تجب عليها السكنى به هو الذي تسكنه حين موت زوجها وقد
سقطت عنها السكنى به وسواء كان المسكن الذي كانت به لأبويها أو لأحدهم أو
لغيرهم، وإن كانت تسكن في دار لها فاختارت الاقامة فيها والسكنى بها متبرعة
أو بأجرة تأخذها من التركة جاز وعلى الورثة بذل الأجرة إذا طلبتها وإن طلبت
أن تسكنها
غيرها وتنتقل عنها فلها ذلك لأنه ليس عليها أن تؤجر دارها ولا تعيرها
وعليهم إسكانها (فصل) فأما إذا قلنا ليس لها السكنى فتطوع الورثة بإسكانها
في مسكن زوجها أو السلطان أو أجنبي لزمها الاعتداد به وإن منعت السكنى أو
طلبوا منها الأجرة فلها أن تنتقل عنه إلى غيره كما ذكرنا فيما إذا أخرجها
المؤجر عند انقضاء الإجارة وسواء قدرت على الأجرة أو عجرت لأنه إنما تلزمها
السكنى
(9/158)
لا تحصيل المسكن، وإن كانت في مسكن لزوجها
فأخرجها الورثة منه وبذلوا لها مسكناً آخر لم تلزمها السكنى به ولذلك إن
أخرجت من المسكن الذي هي به أو خرجت لأي عارض كان لم تلزمها السكنى في موضع
معين سواه سواء بذله الورثة أو غيرهم لأنها إنما يلزمها الاعتداد في بيتها
الذي كانت فيه لا في غيره، وكذلك إذا قلنا لها السكنى فتعذر سكناها في
مسكنها وبذل لها سواه وإن طلبت مسكناً بأجرة أو بغيرها لزم الورثة تحصيله
إن خلف الميت تركة تفي بذلك وتقدم على الميراث لأنه حق على الميت فأشبه
الدين، فإن كان على الميت دين يسترق تركته ضربت بأجرة المسكن لأن حقها مساو
لحقوق الغرماء وتستأجر بما يخصها موضعها تسكنه، وكذلك الحكم في المطلقة إذا
حجر على الزوج قبل أن يطلقها ثم طلقها فإنها تضرب باجرة المسكن كمدة العدة
مع الغرماء إذا كانت حاملاً فان قيل فهل لا قدمتم حق الغرماء لأنه أسبق؟
قلنا لأن حقها ثبت عليه بغير اختياره فشاركت الغرماء فيه كما لو اتلف
المفلس مالاً لإنسان أو جنى عليه، وإن مات وهي في مسكنه لم يجز إخراجها منه
لأن حقها تعلق
(9/159)
بين المسكن قبل تعلق حقوق الغرماء بعينه
فكان حقها مقدماً كحق المرتهن، وإن طلب الغرماء بيع هذا المسكن وتترك
السكنى لها مدة العدة لم يجز لأنها إنما تستحق السكنى إذا كانت حاملاً ومدة
الحمل مجهولة فتصير كما لو باعها واستثنى نفعها مدة مجهولة، وإن أراد
الورثة قسمة مسكنها على وجه يضر بها في السكنى لم يكن لهم ذلك، وإن أرادو
التعليم بخطوط من غير نقض ولا بناء جاز لأنه لا ضرر عليها فيه (فصل) إذا
قلنا إنها تضرب مع الغرماء بقدر مدة عدتها فإنها تضرب بمدة عادتها في وضع
الحمل إن كانت حاملاً وإن كانت مطلقة من ذوات القرء وقلنا لها السكنى ضربت
بمدة عادتها في القرء فإن لم تكن
لها عادة ضربت بغالب عادات النساء وهي تسعة أشهر للحمل وثلاثة اشهر لكل قرء
شهر أو بما بقي من ذلك إن كان قد مضى من مدة حملها شئ لأنه لا يمكن تأخير
القسمة لحق الغرماء فإذا ضربت بذلك فوافق الصواب لم يزد ولم ينقص استقر
الحكم ويستأجر بما يحصل لها مكاناً تسكنه فإذا تعذر ذلك سكنت حيث شاءت، وإن
كانت المدة أقل مما ضربت مثل أن وضعت حملها لستة أشهر أو تربصت
(9/160)
ثلاثة قروء في شهرين فعليها رد الفضل وتضرب
فيه بحصتها منه، وإن طالت العدة أكثر من ذلك مثل أن وضعت حملها في عام أو
رأت ثلاثة قروء في نصف عام رجعت بذلك على الغرماء كما يرجعون عليها في صورة
النقص، ويحتمل أن لا ترجع به وتكون في ذمة زوجها لأننا قدرنا ذلك مع تجويز
الزيادة فلم يكن لها الزياة عليه (مسألة) (ولا تخرج ليلاً وتخرج نهاراً
لحوائجها سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها) لما روى جابر قال طلقت خالتي
ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال " اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تصديق منه أو تفعلي خيرا " رواه
النسائي وأبو داود، وروى مجاهد قال استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقلن يا رسول نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا
فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تحدثن
عند إحداكن
(9/161)
حتى إذا أردتن فلتؤب كل واحدة إلى بيتها "
وليس لها المبيت في غير بيتها ولا الخروج ليلاً إلا لضرورة ولأن الليل مظنة
الفساد بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش وشراء ما يحتاج إليه،
وإن وجب عليها حق لا يمكن اسيتفاؤه إلا بها كاليمين والحد وكانت ذات خدر
بعث اليها الحاكم من يستوفي الحق منها في منزلها، وإن كانت برزة جاز
احضارها لا ستيفائه وترجع إلى منزلها إذا فرغت (فصل) والأمة كالحرة في
الإحداد والاعتداد في منزلها إلا أن سكناها في العدة كسكناها في حياة زوجها
للسيد إمساكها نهار أو يرسلها ليلاً فإن ارسلها ليلاً ونهاراً اعتدت زمانها
كله في المنزل وعلى الورثة إسكانها كالحرة سواء.
(فصل) والبدوية كالحضرية في الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة
فيه فإن انتقلت الحلة انتقلت معهم لأنها لا يمكنها المقام وحدها، وإن انتقل
غير أهلها لزمها المقام مع أهلها، وإن انتقل
(9/162)
أهلها انتقلت معهم إلا أن يبقى من الحلة من
لا تخاف على نفسها معهم فتخير بين الاقامة والرجل والرحيل، وإن هرب أهلها
فخافت هربت معهم فإن أمنت أقامت لقضاء العدة في منزلها (فصل) فإن مات صاحب
السفينة وامرأته في السفينة ولها مسكن في البر فحكمها حكم المسافرة في البر
على ما نذكره، وإن لم يكن لها مسكن سواها وكان لها فيها بيت يمكنها السكنى
فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه بحيث تأمن على نفسها ومعها
محرمها لزمها أن تعتد به، وإن كانت ضيقة وليس معها محرمها أو لا يمكنها
الإقامة فيها إلا بحيث تختلط بالرجال ولزمها الانتقال عنها إلى غيرها
(مسألة) (وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة
البنيان لزمها العود إلى منزلها، وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين)
إذا أذن للمراة زوجها في النقلة من بلد إلى بلد أو من دار إلى دار أخرى
فمات قبل انتقالها من الدار وقبل خروجها من البلد لزمها الاعتداد في الدار
وكذلك إن مات قبل خروجها من الدار لأنها بيتها وسواء مات قبل نقل
(9/163)
متاعها من الدار أو بعده لأنها مسكنها ما
لم تنتقل عنها وإن مات بعد انتقالها إلى الثانية اعتدت فيها لأنها مسكنها
وكذلك إن مات بعد وصولها إلى البلد الآخر على قياس ذلك، وإن مات وهي بينهما
فهي مخيرة لأنها لا مسكن لها منهما فإن الأولى خرجت عنها منتقلة فخرجت عن
كونها مسكناً لها والثانية لم تسكن بها فهما سواء وكذلك إن مات بعد خروجها
من البلد لما ذكرناه وقيل يلزمها الاعتداد في الثانية لأنها المسكن الذي
أذن لها زوجها في السكنى به وهذا يمكن في الدارين، فأما إذا كانا بلدين لم
يلزمها الانتقال إلى البلد الثاني بحال لأنها إنما كانت تنتقل لغرض زوجها
في صحبتها إياه وإقامتها معه فلو ألزمناها ذلك بعد موته لكلفناها السفر
الشاق والتغرب عن وطنها وأهلها والمقام مع غير محرمها والمخاطرة بنفسها مع
فوات الغرض وظاهر حال الزوج أنه لم علم أنه يموت لما نقلها فصارت الحياة
مشروطة في النقلة.
فأما إن انتقلت الى الثانية ثم عادت الى الأولى لنقل متاعها
فمات زوجها وهي بها فعليها الرجوع إلى الثانية لأنها صارت مسكنها بانتقالها
وإنما عادت الى الأول لحاجة والاعتبار بمسكنها دون موضعها، وإن مات وهي في
الثانية فقالت أذن لي زوجي في السكنى بهذا
(9/164)
المكان وأنكر ذلك الورثة أو قالت إنما أذن
لي زوجي في المجئ اليه لا في الإقامة به وأنكر ذلك لورثة فالقول قولها
لأنها أعرف بذلك منهم، وكل موضع قلنا يلزمها السفر عن بلدها فهو مشروط
بوجود محرم يسافر معها والا من على نفسها لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة
إلا مع ذي محرم من أهلها " أو كما قال (مسألة) (وإن سافر بها فمات في
الطريق وهي قريبة لزمها العود) لأنها في حكم الإقامة وإن.
تباعدت خيرت بين البلدين لأن البلدين تساويا فكانت الخيرة إليها فيما
المصلحة لها فيه لأنها أخبر بمصلحتها.
(فصل) وإن أذن لها زوجها في السفر لغير النقلة فخرجت ثم مات زوجها فالحكم
في ذلك كالحكم في سفر الحج على ما نذكره من التفصيل وإذا مضت إلى مقصدها
فلها الإقامة حتى تقضي ما خرجت اليه وتنقضي حاجتها من تجارة أو غيرها فإن
كان خروجها لنزهة أو زيادة ولم يكن قدر لها مدة فإنها تقيم إقامة
(9/165)
المسافر ثلاثاً وإن كان قدر لها مدة فلها
إقامتها لأن سفرها بحكم إذنه فكان لها إقامة ما اذن لها فيه فإذا مضت مدتها
أو قضت حاجتها ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره أتمت العدة في مكانها وإن
أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الوصول الى منزلها حتى تنقضي عدتها لزمها
الإقامة في مكانها لأن الإعتداد وهي مقيمة أولى من الإتيان به في السفر،
وإن كانت تصل وقد بقي من عدتها شئ لزمها العود لتأتي بالعدة في مكانها.
(مسألة) (وإن أذن لها في الحج فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في
سفرها وإن لم تخش وهي في بلدها أو قرية يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في
منزلها وإلا مضت في سفرها وإن لم تكن أحرمت به أو أحرمت بعد موته فحكمها
حكم من لم تخش الفوات)
وجملة ذلك أن المعتدة ليس لها أن تخرج إلى الحج ولا غيره روى ذلك عن عمر
وعثمان وبه قال
(9/166)
سعيد بن المسيب ومالك والشافعي والثوري
وأصحاب الرأي فإن خرجت فمات زوجها في الطريق رجعت إن كانت قريبة لأنها في
حكم الإقامة، وإن تباعدت مضت في سفرها، وقال مالك ترد ما لم تحرم، والصحيح
ما ذكرنا لأنه يضر بها وعليها مشقة ولابد لها من سفر وإن رجعت، ويحد القريب
بما لا تقصر اليه الصلاة والبعيد بما تقصر فيه قاله القاضي وهو قول أبي
حنيفة إلا أنه لا يرى القصر الا في مدة ثلاثة أيام، فعلى قوله متى كان
بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام لزمها الرجوع إليه، وإن كان فوق ذلك
لزمها المضي الى مقصدها إذا كان بينها وبينه دون ثلاثة أيام، وإن كان بينها
وبينه ثلاثة أيام وفي موضعها الذي هي به مكان يمكنها الإقامة فيه لزمتها
والاقامة وإلا مضت إلى مقصدها، وقال الشافعي إن فارقت البينان فلها الخيار
بين الرجوع والتمام لأنها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه وهو السفر فأشبه
ما لو بعدت ولنا على وجوب الرجوع على القريبة ما روى سعيد بإسناده عن سعيد
بن المسيب قال توفي ازواج نساؤهن حاجات أو معتمرات فردهن عمر من ذي الحليفة
حتى يعتددن في بيوتهن ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن تعتد فلزمها
كما لو لم تفارق البنيان.
(9/167)
وعلى أن البعيدة لا يلزمها الرجوع لأن
عليها مشقة وتحتاج إلى سفر طويل في رجوعها أشبهت من بلغت مقصدها، وإن
اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها في عدتها، ومتى
كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت
وقد بقي عليها شئ من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بلا خلاف بينهم
لأنه أمكنها الاعتداد فيه فهو كما لو لم تسافر منه (فصل) ولو كان عليها حجة
الإسلام فمات زوجها لزمتها العدة في منزلها، وإن فاتها الحج لأن العدة في
المنزل تفوت ولا بدل لها والحج يمكن الاتيان به بعدها، وإن مات زوجها بعد
إحرامها بحج الفرض أو بحج أذن لها فيه وكان وقت الحج متسعاً لا يخاف فوته
ولا فوت الرفقة لزمها الاعتداد في
منزلها لإمكان الجمع بين الحقين، وإن خشيت فوات الحج لزمها المضي فيه وهو
قول الشافعي وقال أبو حنيفة يلزمها المقام، وإن فاتها لأنها معتدة فلم يجز
أن تنشئ سفراً كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها
(9/168)
ولنا أنهما عبادتان استويا في الوجوب وضيق
الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو سبقت العدة ولان الحج آكد لانه أحد
أركان الإسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن
بعد سفرها اليه، وإن أحرمت بالحج بعد موت زوجها وخشيت فواته احتمل أن يجوز
لها المضي إليه لما في بقائها على الإحرام من المشقة واحتمل أن تلزمها
العدة في منزلها لأنها أسبق ولأنها فرطت وغلظت على نفسها فإذا قضت العدة
وأمكنها السفر الى الحج لزمها ذلك فإن أدركته وإلا تحللت بعمرة وحكمها في
القضاء حكم من فاته الحج وإن لم يمكنها السفر فهي كالمحصرة التي يمنعها
زوجها من السفر وحكم الإحرام بالعمرة كذلك إذا خيف فوات الرفقة أو لم يخف
(مسألة) (وأما المبتوتة فلا تجب عليها عدة الوفاة في منزله وتعتد حيث شاءت
نص عليه قال
(9/169)
اصحابنا لا يتعين الموضع الذي تسكنه
المبتوتة في الطلاق سواء قلنا لها السكنى أو لم نقل بل يتخير الزوج بين
إقرارها في موضع طلاقها وبين نقلها إلى مسكن مثلها لحديث فاطمة بنت قيس
يذكر في النفقات إن شاء الله تعالى.
والمستحب إقرارها لقوله سبحانه (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن
يأتين بفاحشة مبينة) ولأن فيه خروجاً من الخلاف فإن الذين يرون لها السكنى
يوجبون عليها الاعتداد في منزلها فان كان في بيت يملك الزوج سكناه يصلح
لمثلها اعتدت فيه فإن ضاق عنهما انتقل عنها لأنه يستحب سكناها في البيت
الذي طلقها فيه وإن اتسع الموضع لهما وأمكنهما السكنى في موضع منفرد
كالحجرة وعلو الدار وبينهما باب مغلق جاز وسكن الزوج في الباقي كالحجرة بين
المتجاورين وإن لم يكن بينهما باب مغلق لكن لها موضع تستتر فيه بحيث لا
يراها ومعها محرم تتحفظ به جاز وتركه أولى ولا يجوز مع عدم المحرم لان
الخلوة لأجنبية محرمة وإن امتنع من إسكانها وكانت ممن لها عليه السكنى
أجبره الحاكم فإن لم يكن ثم
(9/170)
حاكم رجعت على الزوج وإن وجد الحاكم ففي
رجوعها روايتان فإن كان الزوج حاضراً ولم يمنعها المسكن فاكترت لنفسها
مسكناً أو سكنت في موضع تملكه لم ترجع لأنها تبرعت بذلك وإن عجز الزوج عن
إسكانها لعسرته أو غيبة أو امتنع منه مع المقدرة سكنت حيث شاءت.
(باب في استبراء الإماء) ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع: (أحدهما) إذا ملك
أمه لم يحل له وطؤها ولا الإستمتاع بها بمباشرة أو قبلة حتى يستبرئها إلا
المسبية هل له الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ على روايتين) من ملك أمة بسبب
من أسباب الملك كالبيع والهبة والإرث وغير ذلك لم يحل له وطؤها حتى
يستبرئها بكراً كانت أو ثيباً صغيرة او كبيرة ممن تحمل أو ممن لا تحمل هذا
قول الحسن وابن سيرين
(9/171)
وأكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب
الرأي.
وقال ابن عمر لا يجب استبراء البكر وهو قول داود لأن الغرض بالاستبراء
معرفة براءتها من الحمل وهذا معلوم في البكر فلا حاجة الى الاستبراء وقال
الليث إن ان ممن لا يحمل مثلها لم يجب استبراؤها لذلك وقال عثمان البتي يجب
الاستبراء على البائع دون المشتري لأنه لو زوجها لكان الاستبراء على السيد
دون الزوج كذلك ههنا.
ولنا ما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام أو طاس أن توطأ
حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض رواه أحمد في المسند.
وعن رويفع بن ثابت قال إنني لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله
عليه وسلم سمعته يقول " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على
امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه أبو داود وفي لفظ قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يقول " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يسق ماءه زرع غيره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من
السبي حتى يستبرئها بحيضة " رواه
(9/172)
الأثرم ولأنه ملك جارية محرمة عليه فلم تحل
له قبل استبرائها كالبنت التي تحمل ولأنه سبب وجب للاستبراء فلم تفترق
الحال فيه بين البكر والثيب والتي لا تحمل كالعدة قال أبو عبد الله قد
بلغني أن العذراء تحمل فقال له بعض أهل المجلس نعم قد كان في جيراننا.
وذكره بعض أصحاب الشافعي وما ذكروه يبطل بما إذا اشتراها من امرأة أو صبي
أو من تحرم عليه برضاع أو غيره وما ذكره البتي لا يصح لأن الملك قد يكون
بالسبي والإرث والوصية فلو لم يستبرئها المشتري أفضى إلى اختلاط المياه
واشتباه الأنساب والفرق بين البيع والتزويج أن التزويج لا يراد إلا
للاستمتاع فلا يجوز إلا فيمن تحل له فوجب أن يتقدمه الاستبراء ولهذا لا يصح
تزويج معتدة ولا مرتدة ولا مجوسية ولا وثنية ولا محرمة بالرضاع ولا
المصاهرة والبيع يراد لغير ذلك فصح قبل الاستبراء ولهذا صح في هذه المحرمات
ووجب الاستبراء على المشتري لما ذكرناه (مسألة) (ويحرم الاستمتاع بالقبلة
والنظر لشهوة)
(9/173)
والاستمتاع بها فيما دون الفرج إذا لم تكن
مسبية رواية واحدة وقال الحسن لا يحرم من المستبرأة إلا فرجها وله أن
يستمتع منها بما شاء ما لم يمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن
الوطئ ولانه تحريم للوطئ مع ثبوت الملك فاختص بالفرج كالحيض.
ولنا أنه استبراء يحرم الوطئ فحرم الاستمتاع كالعدة ولأنه لا يأمن كونها
حاملاً من بائعها فتكون أم ولد فلا يصح بيعها فيكون مستمتعاً بأم ولد غيره
وبهذا فارق الحائض فأما المسبية ففيها روايتان (إحداهما) تحريم مباشرتها
وهو ظاهر كلام الخرقي وهو الظاهر عن أحمد إذا كان لشهوة قياساً على العدة
ولأنه داعية إلى الوطئ المحرم المفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب
فأشبهت المبيعة والرواية الثانية لا يحرم لما روي عن ابن عمر أنه قال وقع
في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها إبريق فضة فما ملكت نفسي أن قمت اليها
فقبلتها والناس ينظرون ولأنه لا نص في المسبية ولا يصح قياسها على المبيعة
لأنها تحتمل أن تكون أم ولد للبائع فيكون مستمتعاً بأم ولد غيره ومباشر
لمملوكة غيره والمسبية مملوكة له على كل حال وإنما حرم وطؤها لئلا يسقي
ماءه زرع غيره.
(مسألة) (وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة أو مجبوب أو من رجل
قد استبرأها ثم لم يطأها لقوله عليه الصلاة والسلام " لا توطأ حامل حتى تضع
ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " ولأنه يجوز أن تكون حاملاً من غير البائع فوجب
استبراؤها كالمسبية من امرأة.
(9/174)
(مسالة) (وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل
له نكاحها حتى يستبرئها ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها) إذا اشترى
أمة فأعتقها قبل استبرائها لم يجز أن يتزوجها حتى يستبرئها وبه قال الشافعي
وقال أصحاب الرأي له ذلك ويروى أن الرشيد اشترى جارية فتاقت نفسه الى
جماعها قبل استبرائها وأمره أبو يوسف إن يعتقها ويتزوجها ويطأها قال أبو
عبد الله وبلغني أن المهدي اشترى جارية فأعجبته فقيل له أعتقها وتزوجها قال
أبو عبد الله ما أعظم هذا أبطلوا الكتاب والسنة جعل الله على الحرائر العدة
من أجل الحمل فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا وتعتد من أجل الحمل وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استبراء الأمة بحيضة من أجل الحمل ففرج يوطأ
يشتريه ثم يعتقها على المكان ثم يتزوجها فيطؤها يطؤها رجل اليوم ويطؤها
الآخر غداً فإن كانت حاملاً كيف يصنع؟ هذا نقض الكتاب والسنة قال النبي صلى
الله عليه وسلم " لا توطأ الحامل حتى تضع ولا غير الحامل حتى تحيض " وهذا
لا يدري أهي حامل أم لا؟ ما أسمج هذا قيل له إن قوماً يقولون هذا فقال قبح
الله هذا وقبح من يقوله وفيما نبه عليه أبو عبد الله من الأدلة كفاية إذا
ثبت هذا فليس له تزويجها لغيره قبل استبرائها إذا لم يعتقها لأنها ممن يجب
استبراؤها فلم يجز أن تتزوج كالمعتدة وسواء في ذلك المستبرأة من رجل يطؤها
أو من رجل قد اشتراها ثم لم يطأها أو ممن لا يمكنه الوطئ كالصبي والمجبوب
والمرأة وقال الشافعي إذا اشترها ممن لا يطؤها فله تزويجها سواء أعتقها أو
لم يعتقها وله أن يتزوجها إذا أعتقها لأنها ليست فراشاً وقد كان لسيدها
تزويجها قبل
(9/175)
بيعها فجاز ذلك بعد بيعها ولأنها لو عتقت
على البائع بإعتاقه أو غيره لجاز لكل أحد نكاحها فكذلك إذا أعتقها المشتري.
ولنا عموم قوله عليه السلام " لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة ولأنها أمة
يحرم عليه وطؤها قبل استبرائها
فحرم عليه تزويجها والتزوج بها كما لو كان بائعها يطؤها فأما إن أعتقها في
هذه الصورة فله تزويجها لغيره لأنها حرة لم تكن فراشاً فأبيح لها النكاح
كما لو أعتقها البائع وفارق الموطؤة فإنها فراش يجب عليها استبراء نفسها
فحرم عليها النكاح كالمعتدة وفارق ما إذا أراد سيدها نكاحها فإنه لم يكن له
وطؤها بملك اليمين فلم يكن له أن يتزوجها كالمعتدة ولأن هذا يتخذ حيلة على
إبطال الاستبراء فحرم بخلاف تزويجها لغيره (مسألة) (والصغيرة لا يوطأ مثلها
هل يجب استبراؤها؟ على وجهين) (أحدهما) يجب وهو ظاهر كلام أحمد في أكثر
الروايات عنه فإنه قال تسبترأ وإن كانت في المهد وتحرم مباشرتها على هذه
الرواية كالكبيرة لأن الاستبراء يجب عليها بالعدة كذلك هذا وروي عنه أنه
قال إن كانت صغيرة تأتي شيئاً يسيراً إذا كانت رضيعة وقال في رواية أخرى
تستبرأ بحيضة إن كانت تحيض وإلا ثلاثة أشهر إن كانت ممن يوطأ ويحبل فظاهر
هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول
مالك وهو الصحيح لأن سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فإنه لا نص
فيه ولا معنى نص ولا يراد لبراءة الرحم ولا يوجد الشغل في حقها
(9/176)
(مسألة) (وإن اشترى زوجته لم يلزمه
استبراؤها لأنها فراش له) فلم يلزمه استبراؤها من مائه لكن يستحب ذلك ليعلم
هل الولد من النكاح ليكون عليه ولاء له لأنه عتق بملكه ولا تصير به الجارية
أم ولد أو هو حادث في ملك يمينه فلا يكون عليه ولاء تصير به الأمة أم ولد
ومتى تبين حملها فله وطؤها لأنه قد تبين الحمل وزال الاشتباه (مسألة) (أو
عجزت مكاتبته حلت لسيدها بغير استبراء) وبهذا قال أبو حنيفة وكذلك إن ارتدت
أمته ثم أسلمت أو زوج الرجل أمته فطلقها الزوج لم يلزم السيد استبراؤها
وقال الشافعي يجب عليه الاستبراء في هذا كله لأنه زال ملكه عن استمتاعها ثم
عاد فأشبهت المشتراه.
ولنا أنه لم يتجدد ملكه عليها فأشبهت المحرمة إذا حلت وإن فك أمته من الرهن
حلت بغير استبراء بغير خلاف فكذلك هذا ولأن الاستبراء إنما شرع لمعنى مظنته
تجديد الملك فلا يشرع مع تخلف المظنة والمعنى
(مسألة) (أو أسلمت أمته المجوسية أو المرتدة أو الوثنية التي حاضت عنده أو
كان هو المرتد فأسلم فهي حلال بغير استبراء) إذا ملك مجوسية أو وثنية
فأسلمت قبل استبرائها لم تحل حتى يستبرئها أو يتم ما بقي من استبرائها لما
مضى فان استبرأها ثم اسلمت بغير استبراء وقال الشافعي لا تحل حتى يجدد
استبراءها بعد إسلامها لأن ملكه تجدد على استمتاعها فأشبه من تجدد ملكه على
رقبتها.
(9/177)
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا توطأ
حائل حتى تستبرأ بحيضة " وهذا ورد في سبايا أو طاس وهن مشركات ولم يأمر في
حقهن بأكثر من حيضة ولأنه لم يتجدد ملكه عليها ولا اصابها وطئ من غيره فلم
يلزمه استبراؤها كما لو حلت المحرمة، ولأن الاستبراء إنما وجب كيلا يفضي
إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ومظنة ذلك تجديد الملك على رقبتها ولم
يوجد.
(مسألة) (أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز أو اشترى عبده التاجر
امة فاستبرأها ثم أخذها سيده منه فانها تحمل بغير استبراء لأن ملكه ثابت
على ما في يد عبده فقد حصل استبراؤها في ملكه) وأما إذا اشترى مكاتبه أمة
فاستبرأها ثم صارت إلى سيده ولم تكن من ذوات رحم المكاتب فعلى السيد
استبراؤها لان ملكه تجدد عليها إذ ليس للسيد ملك ما في يد مكاتبه فان كانت
من ذوات محارمه فإنها تباح للسيد بغير استبراء كذلك ذكره أصحابنا لأنه يصير
حكمها حكم المكاتب إن رق رقت وإن عتق عتقت والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
(فصل) فإن وطئ الجارية التي يلزمه استبراؤها قبل استبرائها أثم والاستبراء
باق بحاله لأنه حق عليه فلا يسقط بعدوانه فإن لم تعلق منه استبرأها بما كان
يستبرئها به قبل الوطئ وتبني على ما مضى من الاستبراء وإن علقت منه فمتى
وضعت حملها استبرأها بحيضة ولا يحل له الاستمتاع بها في حال حملها
(9/178)
لأنه لم يستبرئها، وإن وطئها وهي حامل
حملاً كان موجوداً حين البيع من غير البائع فمتى وضعت حملها انقضى
استبراؤها قال أحمد ولا يلحق بالمشتري ولا يبيعه ولكن يعتقه لأنه قد شرك
فيه لأن الماء يزيد
في الولد وقد روي أبو داود بإسناده عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه مر بامرأة مجح على فسطاط فقال " لعله يريد أن يلم بها؟ - قالوا
نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه
قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له أو كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ " ومعناه أنه
ان استلحقه وشركه في ميراثه لم يحل له لأنه ليس بولده وإن أتخذه مملوكاً له
لم يحل له لأنه قد شرك فيه لكون الماء يزيد في الولد وعن ابن عباس قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وطئ الحبالى حتى يضعن ما في بطونهم رواه
النسائي.
(مسألة) (وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ويحتمل أن لا
يجزئ) لا يكون الاستبراء إلا بعد ملك المشتري لجميع الأمة فلو ملك بعضها ثم
ملك باقيها لم يحتسب الاستبراء إلا من حين ملك باقيها فإن ملكها ببيع فيه
الخيار انبنى على نقل الملك في مدته فإن قلنا ينتقل فابتداء الاستبراء من
حين البيع وإن قلنا لا ينتقل فابتداؤه من حين انقطع الخيار وإن كان البيع
معيباً فابتداؤه من حين البيع لأن العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف، فإن
ابتدأ الاستبراء بعد البيع وقبل القبض أجزأ في أظهر الوجهين لأن الملك
ينتقل به والثاني لا يجزئ لأن القصد معرفة براءتها من مال البائع ولا يحصل
ذلك مع كونها في يده.
(مسألة) (وإن باع أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها
وإن كان قبله فعلى روايتين) أما إذا عادت إليه بعد القبض وافتراقهما لزمه
استبراؤها لأنه تجديد ملك سواء كان المشتري لها
(9/179)
رجل أو امرأة وإن كان ذلك قبل افتراقهما او
قبل غيبة المشتري بالجارية فعليه الاستبراء أيضاً في إحدى الروايتين، وهو
مذهب الشافعي لأنه تجديد ملك والثانية ليس عليه استبراء وهذا قول أبي حنيفة
إذا تقايلا قبل القبض لأنه لا فائدة في الاستبراء مع يقين البراءة (مسألة)
(وإذا اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها) نص عليه
أحمد وقال هذه حيلة وضعها أهل الرأي لابد من استبراء لأنها تجدد الملك فيها
ولم يحصل استبراؤها في ملكه فلم تحل بغير استبراء كما لو لم تكن مزوجة ولأن
إسقاطه ههنا ذريعة إلى إسقاط الاستبراء في حق من أراد اسقاطه بان يزوجها
عند بيعها ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع والحيل حرام
(مسألة) (وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين) أما إذا كان الزوج دخل بها
ثم طلقها فعليها العدة ولا يلزم المشتري استبراؤها لأن ذلك قد حصل بالعدة
ولأنها لو عتقت لم يجب عليها مع العدة استبراء ولأنها قد استبرأت نفسها ممن
كانت فراشاً له فاجزأ ذلك كما لو استبرأت نفسها من سيدها إذا كانت خالية من
زوج، وإن استبرأها وهي معتدة من زوجها لم يجب عليه الاستبراء لأنها لم تكن
فراشاً لسيدها وقد حصل الاستبراء من الزوج بالعدة ولذلك لو عتقت في هذه
الحال لم يجب عليها استبراء وقال أبو الخطاب في المزوجة هل يدخل الاستبراء
في العدة؟ على وجهين وقال القاضي في المعتدة يلزم السيد استبراؤها بعد قضاء
العدة ولا يتداخلان لأنهما من رجلين
(9/180)
ومفهوم كلام احمد ما ذكرناه أولاً لأنه عدل
فيما قبل الدخول بأنها حيلة وضعها أهل الراي ولا يوجد ذلك ههنا ولا يصح
قولهم إن الاستبراء من رجلين فإن السيد ههنا ليس له استبراء.
(فصل) إذا كانت الأمة لرجلين فوطئاها ثم باعاها لرجل آخر أجزأ استبراء واحد
لأنه يحصل به معرفة البراءة، فإن قيل فلو أعتقاها ألزمتموها استبراءين قلنا
وجوب الاستبراء في حق المعتقة معلل بالوطئ ولذلك لو أعتقها وهي ممن لا
يطؤها لم يلزمها استبراء وقد وجد الوطئ من اثنين فلزمها حكم وطئها وفي
مسئلتنا هو معلل بتجديد الملك لا غير ولهذا يجب على المشتري الاستبراء سواء
كان سيدها يطؤها أو لم يكن والملك واحد فوجب أن يتجدد الاستبراء الثاني إذا
وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجزئ حتى يستبرئها، وإن اراد بيعها فعلى
روايتين، وإن لم يكن بائعها يطؤها لم يجب استبراؤها في الموضعين.
أما إذا أراد تزويجها وكان يطؤها وجب عليه استبراؤها قبل تزويجها وجهاً
واحداً لأن الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه
الأنساب وهو قول الثوري والشافعي وقال أصحاب الرأي ليس عليها استبراء لأن
له بيعها فكان له تزويجها كالتي لا يصيبها وتستبرئ بحيضة وقال عطاء وقتادة
عدتها حيضتان كعدة الأمة المطلقة.
ولنا أنها فراش لسيدها فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء كما لو
مات عنها ولانها موطؤة وطأ له حق فلزمه استبراؤها قبل التزويج كالموطوء
بشبهة، ولأنه يفضي إلى أن يطأها سيدها اليوم
وزوجها غداً فيفضي إلى اختلاط المياه وهذا لا يحل ويفارق البيع فإنها لا
تصير للمشتري فراشاً حتى يستبرئها فلا يفضي إلى اختلاط المياه، ولهذا يصح
بيع المزوجة والمعتدة بخلاف تزويجها على أن لنا
(9/181)
في البيع منعاً أيضاً أنه لا يجوز، فإن
أراد بيعها وكان لا يطؤها أو كانت آيسة فليس عليه استبراؤها لكن يستحب ذلك
ليعلم خلوها من الحمل فيكون أحوط للمشتري وأقطع للنزاع، قال أحمد وإن كانت
لامرأة فإني أحب أن لا تبيعها حتى تستبرئها بحيضة فهو أحوط لها وإن كان
يطؤها أو كانت آيسة فليس عليه استبراء لأن انتفاء الحمل معلوم وإن كانت ممن
يحمل وجب عليه استبراؤها في أصح الروايتين، وبه قال النخعي والثوري
والثانية لا يجب عليه وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأن عبد الرحمن بن
عوف باع جارية كان يطؤها قبل استبرائها ولأن الاستبراء على المشتري فلا يجب
على البائع ولأن الاستبراء في حق الحرة آكد ولا يجب قبل النكاح وبعده كذلك
لا يجب في الأمة قبل البيع وبعده.
ولنا أن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية كان يطؤها قبل استبرائها
فروى عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: باع عبد الرحمن جارية كان يقع عليها
قبل أن يستبرئها فظهر بها حمل عند الذي اشتراها فخاصموه الى عمر فقال له
عمر كنت تقع عليها؟ قال نعم قال فبعتها قبل أن تستبرئها؟ قال نعم قال ما
كنت لذلك بخليق قال فدعا القالة فنظروا إليه فألحقوه به ولانه تجب على
المشتري الاستبراء لحفظ مائه فكذلك البائع ولأنه قبل الاستبراء مشكوك في
صحة البيع وجوازه لاحتمال أن تكون أم ولد فيجب الاستبراء لإزالة الاحتمال
ولأنه قد يشتريها من لا يستبرئها فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب
فإن باع فالبيع صحيح في الظاهر لأن الأصل عدم الحمل ولأن عمر وعبد الرحمن
لم يحكما بفساد البيع في الأمة التي باعها قبل استبرائها إلا بلحاق الولد
به ولو كان البيع باطلاً قبل ذلك لم يحتج
(9/182)
الى ذلك، قال شيخنا وذكر أصحابنا الروايتين
في كل أمة يطؤها من غير تفريق بين الآيسة وغيرها والأولى ان ذلك لا يجب في
الآيسة لأن علة الوجوب احتمال الحمل وهو وهم بعيد والأصل عدمه
فلا يثبت به حكم بمجرده.
(فصل) إذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم يخل من أحوال خمسة (أحدهما) أن يكون
البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت بولد لدون ستة أشهر أو يكون
البائع ادعى الولد فصدقه المشتري فإن الولد يكون للبائع والجارية أم ولد له
والبيع باطل (والثاني) أن يكون أحدهما استبرأها ثم أتت بولد لأكثر من ستة
أشهر من حين وطئها المشتري فالولد للمشتري والجارية أم ولد له (الحال
الثالث) أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما لها ولأقل من ستة
أشهر منذ وطئها المشتري فلا يلحق نسبه بواحد منهما، يكون ملكاً للمشتري ولا
يملك فسخ البيع لأن الحمل تجدد في ملكه ظاهراً فإن ادعاه كل واحد منهما فهو
للمشتري لأنه ولد في ملكه مع احتمال كونه منه، وإن ادعاه البائع وحده فصدقه
المشتري لحقه وكان البيع باطلاً وإن كذبه فالقول قول المشتري في ملك الولد
لأن الملك انتقل إليه ظاهراً فلا تقبل دعوى البائع فيما يبطل حقه كما لو
أقر بعد البيع أن الجارية مغصوبة أو معتقة وهل يثبت نسب الولد مع البائع؟
فيه وجهان (أحدهما) يثبت لأنه نفع للولد من غير ضرر على المشتري فيقبل قوله
فيه كما لو أقر لولده بمال (والثاني) لا يقبل لأن فيه ضرراً على المشتري
فإنه لو أعتقه كان أبوه أحق بماله منه ميراثاً وكذلك لو أقر عبد أن كل واحد
منهما بأخوة صاحبه لم يقبل إلا ببينة
(9/183)
(الحال الرابع) أن تأتي به بعد ستة أشهر
منذ وطئها المشتري وقبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشتري فإن ادعاه البائع
فأقر له المشتري لحقه وبطل البيع وإن كذبه فالقول قول المشتري، وإن ادعى كل
واحد منهما أنه من الآخر عرض على القافة فألحق بمن ألحقته به لحديث عبد
الرحمن بن عوف ولأنه يحتمل أن يكون من كل واحد منهما فإن ألحقته بهما لحق
بهما وينبغي أن يبطل البيع فتكون الجارية أم ولد للبائع لأنا نتبين أنها
كانت حاملاً منه قبل بيعها.
(الحال الخامس) أتت به لأقل من ستة أشهر منذ باعها ولم يكن أقر بوطئها
فالبيع صحيح في الظاهر
والولد مملوك للمشتري فإن ادعاه البائع فالحكم فيه كما ذكرنا في الحال
الثالث سواء (الموضع الثالث) إذا أعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها أو
مات عنها لزمها الاستبراء لأنها صارت فراشاً له فلم تحل لغيره قبل
استبرائها لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب إلا أن تكون مزوجة
أو معتدة فلا يلزمها استبراء وإذا زوج أم ولده ثم مات عتقت ولم يلزمها
استبراء لأنها محرمة على المولى وليست له فراشاً وإنما هي فراش للزوج فلم
يلزمها الاستبراء ممن ليست له فراشاً ولأنه لم يزوجها حتى استبرأها فان لا
يحل له تزويجها قبل استبرائها، وفيه خلاف ذكرناه، وكذلك إن أعتقها أو مات
عن أمه كان يطؤها أو أعتقها فهي على ما ذكرنا، فإن زوجها فطلقها الزوج قبل
دخوله بها فلا عدة عليها أيضاً لأنه لم يوجد في حقها ما يوجب الاستبراء فإن
طلقها بعد المسيس أو مات عنها قبل ذلك أو بعده فلها عدة حرة كاملة ولأنها
قد صارت حرة في حال وجوب العدة عليها، وإن مات سيدها وهي في عدة الزوج
(9/184)
عتقت ولم يلزمها استبراء لما ذكرناه ولأنه
زال فراشه عنها قبل موته فلم يلزمها استبراء من أجله كغير أم الولد إذا
باعها ثم مات وتبنى على عدة أمة إن كان طلاقها بائناً وكانت متوفى عنها وإن
كانت رجعية بنت على عدة حرة على ما ذكرناه، وإن بانت من الزوج قبل الدخول
بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد للدخول فأتمت عدتها ثم مات سيدها
فعليها الاستبراء لأنها عادت إلى فراشه وقال أبو بكر لا يلزمها استبراء لا
أن يردها السيد إلى نفسه لأن فراشه قد زال بتزويجها ولم يتجدد لها ما يردها
إليه فأشبهت الأمة التي لم يطأها.
(مسألة) (وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من
شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الوفاة حسب وليس عليها
استبراء) لأن السيد إن كان مات أولاً فقد مات وهي زوجة وإن كان مات آخراً
فقد مات وهي معتدة وليس عليها استبراء في هاتين الحالتين وعليها أن تعتد
بعد موت الآخر منهما عدة حرة لأنه يحتمل أن سيدها مات أولاً ثم مات زوجها
وهي حرة فلزمتها عدة الحرائر لتخرج من العدة بيقين وكذلك على قول أبي بكر
لأنه ليس عليها عدة استبراء لأن فراش سيدها قد زال عنها ولم تعد إليه
فتلزمها
عدة حرة لما ذكرنا.
(مسألة) (وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة فعليها بعد موت الآخر
منهما أطول
(9/185)
الأجلين من أربعة أشهر وعشر واستبراء
بحيضة) لأنه يحتمل أن السيد مات أولاً فيكون عليها عدة الحرة من الوفية
ويحتمل أنه مات آخراً بعد انقضاء عدتها من الزوج وعودها إلى فراشه فوجب
الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر وعلى هذا جميع القائلين
من العلماء بأن عدة أم الولد من سيدها حيضة ومن زوجها شهران وخمس ليال وقول
أصحابنا الشافعي في هذا الفصل كقولنا وكذلك قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أنهم
جعلوا مكان الحيضة ثلاث حيضات بناء علي أصلهم في استبراء أم الولد وقال ابن
المنذر حكمها حكم الإماء وعليها شهران وخمسة أيام ولا أنقلها إلى حكم
الحرائر الا باحاطة أن لزوج مات بعد المولى وقيل إن هذا قول أبي بكر عبد
العزيز أيضاً والذي ذكرناه أحوط (فصل) فأما الميراث فإنها لا ترث من زوجها
شيئاً لأن الأصل الرق والحرية مشكوك فيها فلم ترث مع الشك والفرق بين العدة
والإرث إن إيجاب العدة عليها استظهار لا ضرر فيه على غيرها وإيجاب الإرث
إسقاط لحق غيرها ولأن الأصل تحريم النكاح عليها فلا يزول إلا بيقين والأصل
عدم الميراث لها فلا يزول إلا بيقين فان قيل أليس زوجة المفقود لو مات وقف
ميراثه مع الشك في إرثه؟ قلنا الفرق بينهما أن الأصل ههنا الرق والشك في
زواله وحدوث الحال التي يرث فيها والمفقود الأصل حياته والشك في موته
وخروجه عن كونه وارثاً فافترقا.
(فصل) فإن اعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها أو غيرهما ممن تحل له
إصابتها ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك في الحال من غير استبراء لأن النبي صلى
الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وقال صلى الله عليه
وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها
وعلمها فأحسن
(9/186)
تعليمها ثم أعتقها وتزوجها، ولم يذكر
استبراء ولأن الاستبراء لصيانة مائه وحفظ نسبه عن الاختلاط
بماء غيره ولا يصان ماؤه عن مائه ولهذا كان له أن يتزوج مختلفة في عدتها.
وقد روي عن أحمد في الأمة التي لا يطؤها: إذا أعتقها لا يتزوجها بغير
استبراء، لأنه لو باعها لم تحل للمشتري بغير استبراء، والصحيح أنها لا تحل
له لأنه يحل له وطؤها بملك اليمين فكذلك بالنكاح كالتي كان يصيبها ولأن
النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها ولم يقل أنه كان قد اصابها،
والحديث الآخر يدل على حلها له بظاهره لدخولها في العموم ولأنها تحل لمن
يتزوجها سواه فله أولى ولأنه لو استبرأها ثم أعتقها ثم تزوجها في الحال كان
جائزاً حسناً فكذلك هذه فإنه تارك لوطئها ولأن وجوب الاستبراء في حق غيره
إنما كان لصيانة مائه عن الاختلاط بغيره ولا يوجد ذلك ههنا وكلام أحمد
محمول على من استبرأها ثم تزوجها قبل استبرائها.
(فصل) إذا كانت له أمة يطؤها فاستبرأها ثم أعتقها لم يلزمها استبراء لأنها
خرجت عن كونها فراشاً باستبرائها وإن باعها فأعتقها المشتري قبل وطئها لم
تحتج إلى استبراء لذلك وإن باعها قبل استبرائها فأعقتها المشتري قبل وطئها
واستبرائها فعليها استبراء نفسها فإن مضى بعض الاستبراء في ملك المشتري
لزمها إتمامه بعد عتقها ولا ينقطع بانتقال الملك فيها لأنها لم تصر فراشاً
للمشتري ولم يلزمها استبراء بإعتاقه (مسألة) (وإن اشترك رجلان في وطئ أمة
لزمها استبراءان) وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين يلزمها استبراء واحد
لأن القصد معرفة براءة الرحم ولذلك لا يجب استبراء بأكثر من حيضة واحدة
وبراءة الرحم تعلم باستبراء واحد ولنا أنهما حقان مقصودان لآدميين فلم
يتداخلا كالعدتين ولأنهما استبراءان من رجلين فأشبها العدتين وما ذكروه
يبطل بالعدتين من رجلين (فصل) قال شيخنا رحمه الله (والاستبراء يحصل بوضع
الحمل إن كانت حاملاً)
(9/187)
ولا خلاف في ذلك بحمد الله لقول الله تعالى
(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا
توطأ حامل حتى تضع حملها " ولأن عدة الحرة والأمة والمتوفى عنها والمطلقة
واستبراء كل أمة إذا كانت حاملاً بوضع حملها ولأن المقصود من العدة
والاستبراء معرفة براءة الرحم من
الوضع وهذا يحصل بوضعه ومتى كانت حاملاً بأكثر من واحد فلا ينقضي استبراؤها
حتى تضع آخر حملها على ما ذكرناه في المعتدة (مسألة) (أو بحيضة إن كانت ممن
تحيض) وقد اختلف أهل العلم في أم الولد مات عنها سيدها ولم تكن حاملاً
فالمشهور عن أحمد أن استبراءها يحصل بحيضة روى ذلك عن ابن عمر وعثمان
وعائشة والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وأبي قلابة ومالك والشافعي وأبي ثور
وروى عن أحمد أنها تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وهو قول سعيد بن
المسيب وابن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد وخلاس بن عمرو وعمر بن ابن عبد
العزيز والزهري والاوزاعي واسحاق لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال لا
تفسدوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا توفي عتدها
سيدها أربعة أشهر وعشر رواه أبو داود ولأنها حرة تعتد للوفاة فكانت عدتها
أربعة أشهر وعشر كالزوجة الحرة.
وحكى أبو الخطاب رواية ثالثة أنها تعتد شهرين وخمسة أيام.
قال شيخنا ولم أجد هذه الرواية عن أحمد في الجامع ولا أظنها صحيحة عن أحمد
وروي ذلك عن عطاء وطاوس وقتادة لأنها حين الموت أمة فكانت عدتها عدة أمه
كما لو مات رجل عن زوجته الأمة فعتقت بعد موته ويروى عن علي وابن مسعود
وعطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي إن عدتها ثلاث حيض لانها حرة تستبرئ
فكان استبراؤها ثلاث حيض كالحرة المطلقة ولنا أنه استبراء لزوال الملك عن
الرقبة فكان حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات ولأنه
استبراء الغير لزوجات والموطوءات فأشبه ما ذكرنا قال القاسم بن محمد سبحان
الله يقول الله تعالى في كتابه (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا) ما هن
بأزواج وأما حديث عمرو بن
(9/188)
العاص فضعيف قال إبن المنذر ضعف احمد وأبو
عبيد حديث عمرو بن العاص وقال محمد بن موسى سألت أبا عبد الله عن حديث عمرو
بن العاص فقال لا يصح وقال الميموني رأيت أبا عبد الله يعجب من حديث عمرو
بن العاص هذا ثم قال أين سنة النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في هذا؟
وقال أربعة شهر وعشر
إنما هي عدة الحرة من النكاح وإنما هذه امة خرجت من الرق إلى الحرية ويلزم
من قال بهذا أن يورثها وليس لقول من قال تعتد بثلاث حيض وجه وإنما تعتد
بذلك المطلقة وليست هذه مطلقة ولا في معنى المطلقة وأما قياسهم إياها على
الزوجات فلا يصح فإنها ليست زوجة ولا في حكم لزوجة ولا مطقة ولا في حكم
المطلقة (فصل) ولا يكفي في الاستبراء طهر ولا بعض حيضة وهو قول أكثر أهل
العلم وقال بعض أصحاب مالك متى طعنت في الحيضة فقد تم استبراؤها وزعم أنه
مذهب مالك وقال الشافعي في أحد قوليه يكفي طهر واحد إذا كان كاملاً وهو أن
يموت في حيضها فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية وتم استبراؤها وهكذا الخلاف
في الاستبراء كله وبنوا هذا على أن القروء الأطهار وهذا يرده قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة "
وقال رويفع بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر " من
كان يؤمر بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة "
رواه الأثرم وهذا صريح فلا يعول على ما خالفه ولأن الواجب الذي يدل على
البراءة هو الحيض لأن الحامل لا تحيض فأما الطهر فلا دلالة فيه على البراءة
فلا يجوز أن يعول في الاستبراء على ما لا دلالة فيه عليه دون ما يدل عليه
وبناؤهم قولهم هذا على أن القروء الاطهار وبناء للخلاف على الخلاف وليس ذلك
بحجة ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذاك حتى خالفوه فجعلوا الطهر الذي طلقها
فيه قرءاً ولم يجعلوا الطهر الذي مات فيه سيد أم الولد قرءاً فخالفوا
الحديث والمعنى فإن قالوا إن بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة
قلنا فيكون الاعتماد حينئذ على بعض الحيضة وليس ذلك قرءاً عند أحد إذا تقرر
هذا فمات عنها وهي طاهر فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة حلت فإن كانت حائضاً
لم تعتد ببقية ملك الحيضة ولكن متى طهرت من الحيضة الثانية حلت لان
الاستبراء هذه بحيضة فلا بد من حيضية كاملة (مسألة) (أو يمضي شهر إن كانت
آيسة أو صغيرة وعنه بثلاثة أشهر اختارها الخرقي) يروى عن أحمد رحمه الله في
ذلك ثلاث روايات (أحدهما) ثلاثة أشهر وهو قول الحسن وابن سيرين والنخعي
وأبي قلابة وأحد قولي الشافعي وسأل عمر بن العزيز أهل المدينة والقوابل
فقالوا
(9/189)
لا تستبرئ الحبلى في أقل من ثلاثة أشهر
فأعجبه قولهم، والثانية أنها تستبرأ بشهر وهو قول
ثان للشافعي لأن الشهر قائم مقام القرء في حق الحرة والأمة المطلقة فكذلك
في الاستبراء وذكر القاضي رواية ثالثة أنها تستبرأ بشهرين كعدة الامة
المطلقة قال شيخنا ولم ار لذلك وجهاً ولو كان استبراؤها بشهرين لكان
استبراء ذات القرء بقرأين ولم نعلم به قائلاً وقال سعيد بن المسيب وعطاء
والضحاك والحكم في الأمة التي لا تحيض تسبترأ بشهر ونصف ورواه حنبل عن أحمد
أنه قال.
قال عطاء إن كانت لا تحيض فخمس وأربعون ليلة قال عمي كذلك اذهب لأن عدة
الأمة المطلقة الآيسة كذلك والمشهور عن أحمد الأول قال أحمد بن القسم قلت
لأبي عبد الله كيف جعلت ثلاثة اشهر مكان حيضة وإنما جعل الله في القرآن
مكان كل حيضة شهراً؟ فقال إنما قلنا أشهر من أجل الحمل فإنه لا يبين في أقل
من ذلك فإن عمر بن العزيز سأل عن ذلك وجمع أهل العلم والقوابل فأخبروا أن
الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فأعجبه ذلك ثم قال إلا تسمع قول ابن
مسعود إن النطفة أربعين يوما ثم علقه أربعين يوما ثم مضغة بعد ذلك قال أبو
عبد الله فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة وهي لحم فتبين حينئذ وقال لي
هذا معروف عند النساء فاما شهر فلا معنى فيه ولا نعلم به قائلاً ووجه
استبرائها بشهر أن الله تعالى جعل الشهر مكان الحيضة وكذلك اختلفت الشهور
باختلاف الحيضات فكانت عدة الحرة الآيسة ثلاثة اشهر مكان ثلاثة قروء وعدة
الأمة شهرين مكان قرأين وللأمة المستبرأة التي ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه
عشرة أشهر تسعة للحمل وشهر مكان الحيضة فيجب ان يكون مكان الحيضة ههنا
شهراً كما في حق من ارتفع حيضها فإن قيل فقد وجدتم ما دل على البراءة وهو
تسعة أشهر قلنا وههنا ما يدل على البراءة وهو الإياس فاستويا (مسألة) (ومن
ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل وشهر مكان الحيضة) وفي
هذه المسألة روايتان: (إحداهما) أنها تستبرأ بعشرة أشهر (والثانية) بسنة،
تسعة أشهر للحمل لأنه غالب عادات النساء في الحمل، وثلاثة أشهر مكان
الثلاثة التي تستبرأ بها الآيسات وقد ذكرنا أن المختار عند أحمد في الآيسة
استبراؤها بثلاثة أشهر واختار ههنا أن جعل مكان
(9/190)
الحيضة شهراً لأن اعتبار تكرارها في الآيسة لنعلم براءتها من الحمل وقد
علمت براءتها منه ههنا بمضي
غالب مدته فجعل الشهر مكان الحيضة على وفق القياس، فأما إن علمت ما رفع
حيضها من مرض أو غيره فإنها لا تزال في الاستبراء حتى يعود الحيض فتستبرئ
نفسها بحيضة إلا أن تصير آيسة فتستبرئ نفسها استبراء الآيسات فإن ارتابت
بنفسها فهي كالحرة المستبرئة وقد ذكرنا حكمها في العدد والله سبحانه وتعالى
أعلم |