الشرح الكبير على متن المقنع

كتاب العتق
العتق في اللغة الخلوص ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير أي خالصتها وسمي البيت احرام عتيقاً لخلوصه من أيدي الجبابرة وهو في الشرع تحرير الرقبة وتخليصها من الرق يقال عتق العبد وأعتقته أنا وهو عتيق ومعتق والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (فتحرير رقبة) وقال تعالى (فك رقبة) وأما السنة فما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار حتى إنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل والفرج بالفرج) متفق عليه في أخبار كثيرة سوى هذا وأجمع الأمة على صحة العتق وحصول القربة به (مسألة) (وهو من أفضل القرب) لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل والوطئ في رمضان والإيمان وجعله النبي صلى الله عليه وسلم فكاكاً لمعتقه من النار ولأن فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه وتكميل أحكامه وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره واعتاق الرجل أفضل من اعتاق المرأة لما روى كعب بن مرة البهزي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (أيما رجل أعتق رجلاً مسلماً كان فكاكه منه النار يجزي بكل عظم من عظامه عظما من عظامه، وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين

(12/233)


كانتا فكاكه من النار يجزي بكل عظم من عظامهما عظما من عظامه، وأيما امرأة اعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار تجرى بكل عظم من عظامها عظماً من عظامها) وقيل عتق المرأة للمرة أفضل.
(مسألة) (والمستحب عتق من له كسب ودين ينتفع بالعتق) فأما من لا قوة له ولا كسب فلا يستحب عتقه ولا كتابته لسقوط نفقته عن سيده باعتاقه فيضيع أو يصير كلا على الناس ويحتاج إلى المسألة فلا يستحب عتقه ولا كتابته فإن كان ممن يخاف عليه الرجوع إلى دار الحرب وترك إسلامه أو يخاف عليه الفساد كمن يخاف أنه إذا أعتق فاحتاج سرق أو فسق أو قطع الطريق أو جارية يخاف عليها الزنا والفساد كره إعتاقه فإن غلب على الظن إفضاؤه إلى هذا كان محرماً لأن التوسل إلى الحرام حرام فإن أعتقه صح لانه اعتاق صدر من أهله في محله فصح كعتق غيره
(مسألة) (ويحصل العتق بالقول والملك ولا يحصل بالنية المجردة) لأنه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة كالطلاق وألفاظه تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح لفظ العتق والحرية كيف صرفا نحو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو أعتقتك لأن هذين اللفظين وردا في الكتاب والسنة وهما يستعملان في العتق عرفاً فمتى اتى بشئ من هذه الألفاظ حصل به العتق سواء نواه

(12/234)


أو لم ينوه قال أحمد في رجل لقي امرأة في الطريق فقال تنحي يا حرة فإذا هي جاريته قال قد عتقت عليه وقال في رجل قال لخدم قيام في وليمة مروا أنتم أحرارا وكانت معهم أم ولده لم يعلم بها قال هذا عندي تعتق أم ولده ويحتمل أن لا تعتق في هذين الموضعين لأنه قصد باللفظة الأولى غير العتق فلم تعتق به كما لو قال عبدي حر بريد أنه عفيف كريم الاخلاق واللفظة الثانية أراد غير أم ولده فأشبه ما لو نادى امرأة من نسائه فأجابته غيرها فقال أنت طالق يظنها المناداة فإنها لا تطلق في رواية فكذا ههنا، وأما إن قصد غير العتق كالرجل يقول عبدي هذا حر يريد عفته وكرم أخلاقه أو يقول لعبده ما أنت إلا حر أي أنك لا تطيعني ولا ترى لي حقاً ولا طاعة فلا يعتق في ظاهر المذهب قال حنبل سئل أبو عبد الله عن رجل قال لغلامه أنت حر وهو يعاتبه قال إذا كان لا يريد به العتق يقول كأنك حر ولا يريد أن يكون حراً أو كلاماً شبه هذا رجوت أن لا يعتق وأنا أهاب المسألة لأنه نوى بكلامه ما يحتمله فانصرف إليه كما لو نوى بكناية العتق العتق قال وإن طلب استحلافه حلف وبيان احتمال اللفظ لما أراده أن المرأة تمدح بهذا يقال امرأة حرة يعنون عفيفة وتمدح المملوكة به أيضاً ويقال للحيي الكريم الأخلاق حر قالت سبيعة ترثي عبد المطلب ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة * ويوم على حر كريم الشمائل وأما الكناية فنحو قوله خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت ونحوها وكذلك قوله حبلك

(12/235)


على غاربك فهذا إن نوى به العتق عتق وإن لم ينوه لم يعتق لأنه يحتمل غيره ولم يرد به كتاب ولا سنة ولا عرف استعمال وفي قوله لا سبيل لي عليك ولا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وفككت
رقبتك وأنت مولاي وأنت لله وأنت سائبة روايتان (إحداهما) أنه صريح (والأخرى) كناية ذكر القاضي وابو الخطاب في قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك: روايتين (إحداهما) أنه صريح (والأخرى) كناية قال شيخنا والصحيح أنه كناية لما ذكرناه، فأما قوله لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك وأنت لله فقال القاضي هو صريح نص عليه أحمد وذكر أبو الخطاب فيه روايتين لأنه يحتمل غير العتق ولا خلاف في المذهب أنه يعتق به إذا نوى وممن قال يعتق بقوله أنت لله إذا نوى الشعبي والمسيب بن رافع وحماد والشافعي وقال أبو حنيفة لا يعتق به لأن مقتضاه أنت عبد الله أو مخلوق لله وهذا لا يقتضي العتق ولنا أنه يحتمل أنت حر لله أو عتيق لله أو عبد لله وحده لست بعبد لي ولا لأحد سوى الله فإذا نوى الحرية به وقعت كسائر الكنايات وما ذكروه لا يصح لأن احتماله لما ذكروه لا يمنع احتماله لما ذكرناه بدليل سائر الكنايات فإنها تحتمل العتق وغيره ولو لم تحتمل إلا العتق لكانت صريحة فيه وما احتمل أمرين انصرف إلى أحدهما بالنية وهذا شأن الكنايات وما ذكروه من الاحتمال يدل على أن هذا ليس بصريح وإنما هو كناية وقوله لا ملك لي عليك ولا رق لي عليك

(12/236)


خبر عن انتفاء ملكه ولم يرد به شرع ولا عرف استعمال في العتق فلم يكن صريحاً فيه كقوله ما أنت عبدي ولا مملوكي وقوله لامرأته ما أنت امرأتي ولا زوجتي وفي قوله فككت رقبك وأنت سائبة وأنت مولاي روايتان (إحداهما) هو صريح في العتق لأنها تتضمنه وقد جاء في كتاب الله تعالى (فك رقبة) يعني العتق فكانت صريحة كقوله اعتقتك (والثاني) هو كناية لأنه يحتمل غير العتق (مسألة) (وفي قوله لأمته أنت طالق وأنت حرام روايتان) (إحداهما) هي كناية والأخرى لا تعتق به وهو قول أبي حنيفة لأن الطلاق لفظ وضع لازالة الملك عن المنفعة فلم يزل به الملك عن الرقبة كفسخ الإجارة ولأن ملك الرقبة لا يستدرك بالرجعة فلا ينحل كسائر الأملاك (والثانية) هو كناية تعتق به إذا نواه وهو قول مالك والشافعي لأن الرق أحد الملكين على
الآدمي فيزول بلفظ الطلاق كالآخر أو فيكون للفظ الموضوع لإزالة أحدهما كناية في إزالة الآخر كالحرية في إزالة النكاح ولأن فيه معنى الإطلاق فإذا نوى به إطلاقها من ملكه فقد نوى بلفظه ما يحتمله فتحصل به الحرية كسائر كنايات العتق (فصل) وإن قال لأمته أنت حرام ينوي به العتق عتقت، وذكر أبو الخطاب أن فيها رواية

(12/237)


أخرى لا تعتق كقوله لها أنت طالق والصحيح أنها تعتق به لأنه يحتمل أنك حرام علي لكونك حرة فتعتق به كقوله لا سبيل لي عليك (مسألة) (وإن قال لعبده وهو أكبر منه أنت ابني لم يعتق ذكره القاضي ويحتمل أن يعتق) إذا قال لا كبر منه أو لمن لا يولد لمثله: هذا ابني مثل أن يقول من لم عشرون سنة لمن له خمسة عشرة سنة: هذا ابني لم يعتق ولم يثبت نسبه، وقال أبو حنيفة يعتق وخرجه أبو الخطاب وجهاً لنا لأنه اعترف بما تثبت به حريته فأشبه ما لو أقر بها ولنا أنه قول يتحقق كذبه فيه فلم يثبت الحرية كما لو قال لطفل هذا أبي أو لطفلة هذه أمي، قال ابن المنذر هذا من قول النعمان شاذ لم يسبقه أحد إليه ولا تبعه أحد عليه وهو محال من الكلام وكذب يقيناً ولو جاز هذا لجاز أن يقول الرجل لطفل هذا ابي ولأنه لو قال لزوجته وهي أسن منه: هذه ابنتي أو قال لها وهي أسن منه هذه أمي لم تطلق كذا هذا (مسألة) (وإن اعتق حاملاً عتق جنينها إلا أن يستثنيه) لأنه يتبعها في البيع والهبة ففي العتق أولى فإن استثناه لم يعتق روى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة والنخعي وإسحاق وابن المنذر وقال ابن سيرين له ما استثنى وقال عطاء والشعبي إذا استثنى ما في بطنها فله ثنياه وقال مالك والشافعي لا يصح استثناء الجنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وقياساً على استثنائه في البيع أشبه بعض أعضائها

(12/238)


ولنا أنه قول ابن عمر وأبي هريرة قال أحمد أذهب إلى حديث ابن عمر في العتق ولا أذهب
إليه في البيع ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولأنه يصح إفراده بالعتق فصح استثناؤه كالمنفصل وخبرهم نقول به والحمل معلوم فصح استثناؤه للحديث ويفارق البيع لأنه عقد معاوضة يعتبر فيه العلم بصفات العوض ليعلم هل هو قائم مقام لعوض أم لا؟ والعتق تبرع لا تتوقف صحته على معرفة صفات المعتق ولا تنافيه الجهالة ويكفي العلم بوجوده وقد وجد ولذلك صح أفراد الحمل بالعتق ولم يصح بالبيع ولأن استثناءه في البيع إذا بطل بطل البيع كله وههنا إذا بطل استثناؤه لم يبطل العتق في الأمة ويسري الإعتاق إليه فكيف يصح إلحاقه به مع تضاد الحكم فيها؟ ولا يصح قياسه على بعض أعضائها لأنه يصح انفراده بالحرية عن أمه فيما إذا أعتقه دونها وفي ولد المغرور بحرية أمة وفيما إذا وطئ بشبهة وفي ولد أم الولد وغير ذلك ولا يصح ذلك في بعض أعضائها ولأن الولد يرث ويورث ويوصي به فكيف يصح قياسه على بعض الأعضاء؟ وروى الأثرم عن ابن عمر أنه أعتق أمة واستثنى ما في بطنها ولأنها ذات حمل فصح استثناء حملها كما لو باع نخلة لم تؤبر واشترط ثمرتها وقال القاضي يخرج على الروايتين فيما إذا استثنى ذلك في البيع والمنصوص عنه ما ذكرنا من أنه يصح استثناؤه في العتق ولا يصح في البيع لم ذكرنا من الفرق بينهما

(12/239)


(مسألة) (وإن اعتق ما في بطنها دونها عتق وحده) لا نعلم في ذلك خلافاً وهو قول سفيان وأحمد وإسحاق لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد ولهذا يورث الجنين إذا ضرب بطن امرأة فأسقطت جنيناً وجب فيه غرة موروثة عنه كأنه سقط حياً وتصح الوصية به وله ويرث إذا مات موروثه قبل أن يولد ثم ولد بعده فصح عتقه كالمنفصل (فصل) ولا يصح العتق إلا من جائز التصرف فلا يصح عتق الصبي والمجنون قال ابن المنذر هذا قول عامة أهل العلم منهم الحسن والشعبي والزهري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ) ولأنه تبرع بالمال فلم يصح كالهبة ولا يصح عتق المحجور عليه للسفه وهو قول القاسم بن محمد وعنه يصح قياساً على طلاقه وتدبيره
ولنا أنه محجور عليه في ماله لحظ نفسه فلم يصح عتقه كالصبي ولأنه تصرف في المال في حياته أشبه هبته وبيعه ويفارق الطلاق لأن الحجر عليه في ماله والطلاق ليس بتصرف فيه ويفارق التديبر لأنه تصرف فيه بعد موته وغناه عنه بالموت ولهذا صحت وصيته ولم تصح هبته المنجزة وعتق السكران مبني على طلاقه وفيه من الخلاف ما فيه ولا يصح عتق المكره كما لا يصح بيعه ولا تصرفاته ولا يصح

(12/240)


عتق الموقوف لأن فيه إبطالاً لحق البطن الثاني منه وليس له ذلك (فصل) ولا يصح العتق من غير المالك بغير إذنه فلو اعتق عبد ولده الصغير أو يتيمه الذي في حجره لم يصح، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك يصح عتق عبد ولده الصغير لقوله عليه الصلاة والسلام (أنت ومالك لأبيك) ولأن له عليه ولاية وله فيه حق فسح اعتاقه كما له ولنا أنه عتق من غير مالك فلم يصح كإعتاق عبد ولده الكبير قال إبن المنذر لما روث الله الأب من مال ابنه السدس مع ولده دل على أنه لا حق له في سائره وقوله عليه السلام (أنت ومالك لأبيك) لم يرد به حقيقة الملك وإنما أراد المبالغة في وجوب حقه عليك وإمكان الأخذ من مالك وامتناع مطالبتك إياه بما أخذ منه ولهذا لم ينفذ إعتاقه لعبده ولده الكبير الذي ورد الخبر فيه وثبوت الولاية له على مال ولده أبلغ في امتناع اعتاق عبده لأنه إنما أثبت عليه الولاية لحظ الصبي ليحفظ ماله عليه وينميه له ويقوم بمصالحه التي يعجز الصبي عن القيام بها.
وإذا كان مقصود الولاية الحفظ اقتضت منع التفريط والتضييع بإعتاق رقيقه والتبرع بماله ولو قال رجل لعبد أنت حر من مالي فليس بشئ فإن اشتراه بعد ذلك فهو مملوكه ولا شئ عليه وبه قال مالك والشافعي وعامة للفقهاء ولو بلغ رجلاً أن رجلاً قال لعبده أنت حر من مالي فقال قد رضيت فليس بشئ وبه قال الثوري واسحاق (مسألة) (وأما الملك فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق إلا عمودا النسب) ذو الرحم المحرم القريب الذي يحرم نكاحه عليه لو كان أحدهما رجلاً والآخر امرأة وهم الولدان

(12/241)


وإن علوا من قبل الأب والأم جميعاً والولد وإن سفل من ولد البنين والبنات والاخوة والأخوات
وأولادهم وإن سفلوا والاعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا دون أولادهم فمتى ملك أحداً منهم عتق عليه روى ذلك عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وجابر بن زيد وعطاء والحكم وابن أبي ليلى والثوري والليث وأبو حنيفة والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم واعتق مالك الوالدين والمولودين وإن بعدوا والاخوة والأخوات دون أولادهم ولم يعتق الشافعي إلا عمودي النسب وعن أحمد كذلك ولم يعتق داود وأهل الظاهر أحداً حتى يعتقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم ولنا ما روى الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك ذا رحم محرم فهو حر) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولأنه ذو رحم محرم فعتق عليه بالملك كعمودي النسب وكالاخوة والاخوات عند مالك فأما قوله (حتى يشتريه فيعتقه) فيحتمل أنه أراد فيشتريه فيعتقه بشرائه كما يقال ضربه فقتله والضرب هو القتل وذلك لأن الشراء لما كان يحصل به العتق تارة دون أخرى جاز

(12/242)


عطف صفته عليه كما يقال ضربه فأطار رأسه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو غنيمة أو إرث أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافاً (فصل) ولا خلاف في أن المحارم من غير ذوي الأرحام لا يعتقون على سيدهم كالأم من الرضاعة والاخ منها والربيبة وأم الزوجة وابنتها إلا أنه حكي عن الحسن وابن سيرين وشريك أنه لا يجوز بيع الأخ من الرضاعة وروي عن ابن مسعود أنه كرهه والأول أصح قال الزهري جرت السنة بأن يباع الأخ والأخت من الرضاعة ولأنهم لا نص في عتقهم ولا هم في معنى المنصوص عليه فيبقون على الأصل ولأنهما لا رحم بينهما ولا توارث ولا تلزمه نفقته فأشبه الربيبة وأم الزوجة.
(مسألة) (وإن ملك ولده من الزنا لم يعتق عليه في ظاهر كلام أحمد) لأن أحكام الولد غير ثابتة فيه وهي الميراث والحجب والمحرمية ووجوب الإنفاق وثبوت الولاية عليه ويحتمل أن يعتق لأنه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه حكم تحريم التزويج ولهذا لو ملك ولده المخالف له في الدين عتق عليه مع انتفاء هذه الأحكام.
(مسألة) وإن ملك سهماً ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله وعليه قيمة نصيب شريكه وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا ما ملك وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك موسراً كان أو معسراً وعنه أنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان موسراً.

(12/243)


وجملة ذلك أن من ملك سهماً ممن يعتق عليه فإنه يعتق عليه ما ملك منه سواء ملكه بعوض أو بغير عوض كالاغتنام والوصية وسواء ملكه باختياره كالذي ذكرنا أو بغير اختياره كالميراث لأن كل ما يعتق به الكل يعتق به البعض كالإعتاق بالقوم ثم ينظر فإن كان معسراً لم يسر العتق واستقر في ذلك الجزء ورق الباقي لأنه لو اعتقه بقوله لم يسر إعتاقه بتصريحه بالعتق وقصده إياه فههنا أولى وإن كان موسراً وكان الميراث باختياره كالملك بغير الميراث سرى إلى باقيه قعتق جميع العبد ولزمه لشريكه قيمة باقيه لأنه فوته عليه، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف وقال قوم لا يعتق عليه إلا ما ملك سواء ملكه بشراء أو غيره لأن هذا لم يعتقه وإنما عتق عليه بحكم الشرع عن غير اختيار فلم يسر كما لو ملكه بالميراث وفارق ما أعتقه لأنه فعله باختياره قاصداً إليه ولنا أنه فعل سبب العتق اختياراً منه وقصد إليه فسرى ولزمه الضمان كما لو وكل من اعتق نصيبه وفاروق الميراث فإنه حصل بغير فعله ولا قصده ولأن من باشر سبب السراية اختياراً لزمه الضمان كمن جرح إنساناً فسرى جرحه ولأن مباشرة ما يسري ونسبته إليه في لزوم حكم السراية واحدة بدليل استواء الحافر والدافع في ضمان الواقع فأما إن ملكه بالميراث لم يسر العتق فيه واستقر فيما ملكه ورق الباقي موسراً كان أو معسراً لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه وإنما حصل بغير اختياره وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف وعن أحمد ما يدل على أنه أنه يسري إلى نصيب الشريك إذا كان موسراً

(12/244)


لأنه عتق عليه بعضه وهو موسر فسرى إلى باقيه كما لو وصى له به فقبله والمذهب الأول لأنه لم يعتقه ولا تسبب إليه فلم يضمن ولم يسر كالأجنبي وفارق ما تسبب إليه (فصل) وإن ورث الصبي والمجنون جزءاً ممن يعتق عليهما عتق ولم يسر إلى باقيه لأنه إذا لم
يسر في حق المكلف ففي حقهما أولى وإن وهب لهما أو وصي لهما به وهما معسران فعلى وليهما قبوله لأنه نفع لهما بإعتاق قريبهما من غير ضرر يلحق قريبهما وإن كانا موسرين ففيه وجهان مبنيان على أنه هل يقوم عليهما باقيه إذا ملكا بعضه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا يقوم ولا يسري العتق إليه لأنه يدخل ملكه بغير اختياره أشبه ما لو ورثه (والثاني) يقوم عليه لأن قبول وليه يقوم مقام قبوله فأشبه الوكيل فعلى هذا الوجه ليس لوليه قبوله لما فيه من الضرر، وعلى الأول يلزمه قبوله لأنه نفع بغير ضرر إذا كان ممن لا تلزمه نفقته وإذا قلنا ليس له أن يقبله فقبله احتمل أن لا يصح القبول لأنه فعل ما لم يأذن له الشرع فيه فأشبه ما لو باع ماله بغبن واحتمل أن يصح وتكون الغرامة عليه لأنه ألزمه هذه الغرامة فكانت عليه كنفقة الحج إذا حجه (فصل) وإن باع عبداً لذي رحمه وأجنبي صفقة واحدة عتق كله إذا كان ذو رحمة موسراً وضمن لشريكه قيمة حقه منه وقال أبو حنيفة لا يضمن لشريكه شيئاً لأن ملكه لم يتم إلا بقبول شريكه فصار كأنه أذن له في اعتاق نصيبه بملكه باختياره فوجب أن يقوم عليه باقيه مع يساره كما لو انفرد بشرائه ولا نسلم أنه لا يصح قبوله إلا بقبول شريكه.

(12/245)


(فصل) إذا كانت مزوجة ولها ابن موسر فاشتراها هو وزوجها وهي حامل منه صفقة واحدة عتق نصيب الابن من أمه وسرى إلى نصيب الزوج ويقوم عليه وعتق الحمل عليهما معاً لأنه ابن الزوج وأخو الابن ولا يجب لأحدهما على الآخر منه شئ لأنه عتق عليهما في حال واحدة ولو كانت المسألة بحالها فوهبت لهما أو وصي لهما بها فقبلاها في حال واحدة فكذلك وإن قبلها أحدهما قبل الآخر نظرنا فإن قبل الابن أولا عتقت الأم وحملها وعليه قيمة باقيهما للزوج وإن قبل الزوج أو لا عتق عليه الحمل كله ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها ويتقاصان ويرد كل واحد منهما الفضل على صاحبه ومن قال في الوصية إن الملك لا يثبت فيها بالموت فالحكم فيه كما لو قبلاها دفعة واحدة (مسألة) (وإن مثل بعبده فجدع انفه واذته أو نحو ذلك عتق نص عليه) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جاريته فقطع
ذكره وجدع أنفه فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما حملك على ما فعلت؟) قال فعل كذا وكذا قال (أذهب فأنت حر) قال القاضي والقياس أن لا يعتق لأن سيده لم يعتقه بلفظ صريح ولا كناية وإذا ثبت الحديث وجب العمل به وترك القياس (مسألة) (وإذا أعتق العبد فماله لسيده) روي هذا عن ابن مسعود وأبي ايوب وأنس ابن مالك وبه قال قتادة والحكم والثوري والشافعي

(12/246)


وأصحاب الرأي وروي ذلك عن حماد والبتي وداود بن أبي هند وحميد وعنه رواية أخرى أنه للعبد وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك وأهل المدينة يبيعه لما روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أعتق عبداً وله مال فالمال للعبد) رواه الإمام أحمد وغيره وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أعتق عبداً لم يعرض لماله ولنا ما روى الأثرم بإسناده عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً هنيئاً فأخبرني بمالك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما رجل أعتق عبده أو غلامه فلم يخبره بماله فماله لسيده ولأن العبد وماله كانا للسيد فازال ملكه عن أحدهما فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه وقد دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) فأما حديث ابن عمر فقال أحمد يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث كان صاحب فقه فأما في الحديث فليس هو فيه بالقوي وقال أبو الوليد هذا الحديث خطأ فأما فعل ابن عمر فهو تقضل منه على معتقه قيل لأحمد كان هذا عندك على التفضل؟ فقال أي لعمري على التفضل قيل له فكأنه عندك للسيد؟ فقال نعم للسيد مع البيع سواء (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإذا أعتق جزءاً من عبده معيناً أو مشاعاً عتق كله) أما إذا أعتق عبده وهو صحيح جائز التصرف فإنه يصح عتقه بإجماع أهل العلم فإن أعتق بعضه

(12/247)


عتق كله في قول جمهور العلماء روى ذلك عن عمر وابنه رضي الله عنهما وبه قال الحسن والحكم
والاوزاعي والثوري والشافعي قال ابن عبد البر عامة العلماء بالحجاز والعراق قالوا يعتق كله إذا أعتق نصفه وقال طاوس يعتق في عتقه ويرق في رقه وقال حماد وابو حنيفة يعتق منه ما أعتق ويسعى في باقيه وخالف أبا حنيفة أصحابه فلم يروا عليه معايه وروي عن مالك في رجل أعتق نصف عبد ثم غفل عنه حتى مات فقال أرى نصفه حرا ونصف رقيقاً لأنه تصرف في بعضه فلم يسر إلى باقيه كالبيع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (من أعتق شركا له في عبد فكان معه ما يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل وعتق عليه جميع العبد) وإذا عتق عليه نصيب شريكه كان تنبيها على عتق جميعه إذا كان كله ملكاً له وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً له من مملوك فهو حر من ماله) ولأنه إزالة ملك عن بعض مملوكه الآدمي فزال عنه جميعه كالطلاق ويفارق البيع فإنه لا يحتاج إلى السعاية ولا ينبى على التغليب والسراية.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يعتق جزءاً كبيراً كنصفه أو ثلثه أو صغيراً كعشره أو عشر عشره ولا نعلم في هذا خلافاً بين القائلين بسراية العتق إذا كان مشاعا (فصل) قان أعتق جزءاً معيناً كرأسه أو يده أو أصبعه عتق كله أيضاً وبه قال قتادة والشافعي وإسحاق وقال أصحاب الرأي إن أعتق رأسه أو ظهره أو بدنه أو بطنه أو جسده أو نفسه أو فرجه عتق كله لأن حياته لا تبقى بدون ذلك وإن أعتق يده أو عضواً تبقى حياته بدونها لم يعتق لانها يمكن إزالة ذلك مع بقائه فلم يعتق كاعتاقه شعره

(12/248)


ولنا أنه أعتق عضواً من أعضائه فعتق جميعه كرأسه فأما إذا أعتق شعره أو سنه أو ظفره لم يعتق وقال قتادة والليث في الرجل يعتق ظفر عبده يعتق اكله لأنه من أجزأئه أشبه أصبعه ولنا أن هذه الأشياء تزول ويخرج غيرها فأشبهت الشعر والريق وسنذكر ذلك في الطلاق والعتق مثله (مسألة) (وإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه) وجملته أن الشريك إذا أعتق نصيبه من العبد عتق عليه لا نعلم فيه خلافاً لما ذكرنا من الأثر وإذا عتق نصيبه سرى العتق إلى جميعه فصار جميعه حراً وعلى المعتق قيمة انصباء شركائه ولولاء له هذا قول
مالك وابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري والشافعي وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وقال البتي لا يعتق إلا حصة المعتق ونصيب الباقين باق على الرق ولا شئ على المعتق لما روى التلب عن أبيه أن رجلا أعتق شقصاً له في مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد ولأنه لو باع نصيبه لاختص البيع به فكذلك العتق إلا أن تكون جارية نفيسة يغالي فيها فيكون ذلك بمنزلة الجاية من المعتق للضرر الذي أدخله على شريكه وقال أبو حنيفة لا يعتق إلا حصة المعتق ولشريكه الخيار في ثلاثة أشياء إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن شريكه فيعتق حينئذ

(12/249)


ولنا الحديث الذي روينا وهو صحيح متفق عليه ورواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم العتق في جميعه وأوجب قيمة نصيب المعتق عليه ولم يجعل له خيرة ولا لغيره ورورى قتادة عن أبي المليح عن أبيه أن رجلا من قومه أعتق شقصاً له في مملوك فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال (ليس لله شريك) قال أبو عبد الله الصحيح أنه عن أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وليس فيه عن أبيه هذا معنى كلامه وقول البتي شاذ يخالف الأخبار كلها فلا يعول عليه وحديث التلب يتعين حمله على المعسر جمعاً بين الأحاديث وقياس العتق على البيع لا يصح فإن البيع لا يسري فيما إذا كان العبد كله له والعتق يسري فإنه لو باع نصف عبده لم يسر ولو أعتقه عتق كله.
إذا ثبب هذا فإن ولاءه يكون له لأنه عتق باعتاقه من ماله ولا خلاف في هذا عند من يرى عتقه عليه (فصل) ولا فرق في هذا بين أن يكون الشركاء مسلمين أو كافرين أو بعضهم مسلماً وبعضهم كافراً ذكره القاضي وهو قول الشافعي وذكر أبو الخطاب في الكافر وجهاً أنه إذا أعتق نصيبه من مسلم أنه لا يسري إلى باقيه ولا يقوم عليه لأنه لا يصح شراء الكافر عبداً مسلماً ولنا عموم الخبر ولأن ذلك يثبت لإزالة الضرر فاستوى فيه الكافر والمسلم كالرد بالعيب والغرض ههنا تكميل العتق ودفع الضرر عن الشريك دون التمليك بخلاف الشراء ولو قدر أن ههنا تمليكاً لكان تقديراً في أدنى زمان حصل ضرورة تحصيل العتق لا ضرر فيه فإن قدر فيه ضرر فهو مغمور

(12/250)


بالنسبة إلى ما يحصل من العتق فوجوده كالعدم وقياس هذا على الشراء غير صحيح لما بينهما من الفرق (مسألة) (فإن أعتقه الشريك بعد ذلك وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق) لأنه قد صار حراً بعتق الأول له لأن عتقه حصل باللفظ لا يدفع القيمة وصار جميعه حراً واستقرت القيمة على المعتق الأول فلا ينعتق بعد ذلك بعتق غيره وبهذا قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وابن المنذر والشافعي في قول له اختاره المزني وقال الزهري وعمرو ابن دينار ومالك والشافعي في قول لا يعتق إلا بدفع القيمة ويكون قبل ذلك ملكاً لصاحبه ينفذ عتقه فيه ولا ينفذ تصرفه فيه بغير العتق واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (قوم عليه قيمة عدل لاوكس ولا شطط ثم يعتق) فجعله عتيقاً بعد دفع القيمة ولأن العتق إذا ثبت بعوض ورد الشرع به مطلقاً لم يعتق إلا بالاداء كالمكاتب وللشافعي قول ثالث أن العتق مراعى، فإن دفع القيمة تبينا أن العتق كان حصل من حين اعتق نصيبه، وإن لم يدفع القيمة تبينا أنه لم يكن عتق لأن فيه احتياطاً لهما جميعاً ولنا حديث ابن عمر فإنه روي بألفاظ مختلفة تجتمع في الدلالة على الحرية باللفظ فروى أبو أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق) رواه أبو داود والنسائي وفي لفظ رواه ابن أبي مليكة عن نافع عن ابن عمر (فكان له مال

(12/251)


فقد عتق كله) وفي رواية ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر (وكان للذي يعتق ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل يعتق كله) وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً في مملوك فهو حر من ماله) وهذه نصوص في محل النزاع فإنه جعله حراً وعتيقاً باعتاقه مشروطاً بكونه موسراً ولأنه عتيق بالسراية فكانت حاصلة من لفطه عقيبه كما لو أعتق جزءاً من عبده ولا القيمة معتبرة وقت الإعتاق ولا ينفذ تصرف الشريك فيه بغير الإعتاق وعند الشافعي لا ينفذ بالإعتاق أيضاً فدل على أن العتق حصل فيه بالإعتاق الأول فإما حديثهم فلا حجة لهم فيه فإن الواو لا تقتضي ترتيباً وأما العطف بثم في اللفظ الآخر فلم يرد بها الترتيب فإنها قد ترد لغير الترتيب كقوله سبحانه (ثم الله شهيد على ما يفعلون) فأما العوض فإنما وجب عن المتلف بالإعتاق بدليل اعتباره بقيمته حين
الإعتاق وعدم اعتبار التراضي فيه ووجوب القيمة من يغر وكس ولا شطط بخلاف الكتابة.
إذا ثبت هذا فإن الشريك إذا أعتقه بعد عتق الأول وقبل أخذ القيمة لم يثبت له فيه عتق ولا له عليه ولاء وولاؤه كله للمعتق الأول وعليه القيمة لأنه قد صار حراً بإعتاقه وعند مالك يكون ولاؤه بينهما على قدر ملكهما فيه ولا شئ على المعتق الأول من القيمة ولو أن المعتق الأول لم يؤد القيمة حتى أفلس عتق العبد وكانت القيمة في ذمته ديناً يزاحم بها الشريك عندنا وعند مالك لا يعتق منه إلا ما عتق ولو كان المعتق جارية حاملاً فلم يؤد القيمة حتى وضعت حملها فليس على المعتق إلا قيمتها حين

(12/252)


أعتقها لأنه حينئذ حررها وعند مالك يقوم ولدها أيضاً ولو أتلف العبد قبل أداء القيمة تلف حراً والقيمة على المعتق لأنه فوت رقه، وعند مالك لا شئ على المعتق وما لم يقوم ويحكم بقيمته فهو في جميع أحكامه عبد (فصل) والقيمة معتبرة حين اللفظ بالعتق لأنه حين الإتلاف وهو قول الشافعي على أقواله كلها فإن اختلفا في قدره رجع إلى قول المقومين فإن كان العبد قد مات أو غاب أو تأخر تقويمه زمناً تختلف فيه القيم ولم تكن بينة فالقول قول المعتق لأنه منكر للزيادة والأصل براءة ذمته منها وهذا أحد قولي الشافعي فإن اختلفا في صناعة في العبد توجب زيادة في القيمة فالقول قول المعتق كذلك إلا أن يكون العبد يحسن الصناعة في الحال ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه فيكون القول قول الشريك لعلمنا بصدقه وإن مضى زمن يمكن حدوثها فيه ففيه وجهان (أحدهما) القول قول المعتق لأن الأصل براءة ذمته (والثاني) القول قول الشريك لأن الأصل بقاء ما كان وعدم الحدوث وان احتلفا في عيب ينقص قيمته كسرقة أو إباق فالقول قول الشريك لأن الأصل السلامة فبالجهة التي رجحنا قول المعتق في نفي الصناعة يرجح قول الشريك في نفي العيب وإن كان العيب فيه حال الاختلاف واختلفا في حدوثه فالقول قول المعتق لأن الأصل براءة ذمته وبقاء ما كان على ما كان وعدم حدوث العيب فيه ويحتمل أن يكون القول قول الشريك لأن الأصل براءته من العيب حين الإعتاق

(12/253)


(فصل) والمعتبر في اليسار في هذا أن يكون له فضل عن قوت يومه وليلته وما يحتاج إليه من حوائجه الأصلية من الكسوة وسائر ما لابد منه ما يدفعه إلى شريكه ذكره أبو بكر في التنبيه وإن وجد بعض ما يفي بالقيمة قوم عليه قدر ما يمكنه منه ذكره أحمد في رواية ابن منصور وهو قول مالك وقال أحمد لا يباع فيه دار ولا رباع ومقتضى هذا ان لا يباع له أصل مال، وقال مالك والشافعي يباع عليه سوار بيته وماله بال من كسوته ويقضي عليه في ذلك كما يقضي عليه في سائر الدعاوي والمعتبر في ذلك حال تلفظه بالعتق لأنه حال الوجوب فإن أيسر المعسر بعد ذلك لم يسر إعتاقه، وإن أعسر الموسر لم يسقط ما وجب عليه لأنه وجب عليه فلم يسقط بإعساره كدين الإتلاف نص عليه أحمد (مسألة) (وإن كان معسراً لم يعتق إلا نصيبه وبقي حق شريكه فيه وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه) ظاهر المذهب أن المعسر إذا أعتق نصيبه من العبد استقر فيه العتق ولم يسر إلى نصيب شريكه بل يبقى على الرق فإذا أعتق شريكه عتق عليه نصيبه وهذا قول إسحاق وأبي عبيد وابن المنذر وداود وابن جرير وهو قول مالك والشافعي على ما بيناه فيما مضى، وروي عن عروة أنه اشترى عبداً اعتق نصفه فكان عروة يشاهره شهر عبد وشهر حر، وروي عن أحمد أن المعتق إذا أعتق نصيبه استسعى العبد في قيمة باقيه حتى يؤديها فيعتق وهو قول ابن شبرمة وابن أبي ليلى والاوزاعي

(12/254)


وأبي يوسف ومحمد لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أعتق شقصاً له في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه) متفق عليه، ورواه أبو داود قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة فإذا استسعى في نصف قيمته ثم أيسر معتقه رجع عليه بنصف القيمة لأنه هو أجلاه إلى هذا وكلفه إياه، وعن أبي يوسف ومحمد أنهما قالا يعتق جميعه وتكون قيمة نصيب الشريك في ذمته لأن العتق لا يتبعض فإذا وجد في البعض سرى إلى جميعه كالطلاق وتلزم المعتق القيمة لأنه المتلف لنصيب صاحبه بإعتاقه فوجبت قيمته في ذمته كما لو أتلفه وقال أبو حنيفة لا يسري فيه العتق وإنما يستحق به إعتاق النصيب الباقي فيخير شريكه بين إعتاق نصيبه ويكون الولاء بينهما
وبين أن يستسعى العبد في قيمة نصيبه فإذا أداه إليه عتق والولاء بينهما ولنا حديث ابن عمر وهو صحيح ثابت عند جميع العلماء بالحديث ولأن الاستسعاء إعتاق بعوض فلم يجبر عليه كالكتابة ولأن في الاستسعاء إضراراً بالشريك والعبد أما الشريك فإنا نحيله على سعاية قد لا يحصل منها شئ أصلاً وإن حصل فالظاهر أنه يكون متفرقا ويفوت عليه ملكه وأما العبد فإنه يجبره على سعاية لم يردها وكسب لم يختره وهذا ضرر في حقهما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وقال سليمان بن حرب أليس ألزم المعتق ثمن ما بقي من العبد لئلا يدخل على شريكه ضرر فإذا أمروه بالسعي وإعطاء كل شهر درهمين ولم يقدر على تملكه فإي ضرر أعظم من ذلك؟

(12/255)


فأما حديث الاستسعاء فقام الأثرم ذكره سليمان بن حرب فطعن فيه وضعفه، وقال أبو عبد الله ليس في الاستسعاء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة وأما شعبة وهشام الدستوائي فلم يذكره وحدث به معمر ولم يذكر فيه السعاية قال أبو داود وهمام أيضاً لا يقوله قال المروذي وضعف أبو عبد الله حديث سعيد وقال ابن المنذر لا يصح حديث الاستسعاء وذكر همام أن ذكر الاستسعاء من فتيا قتادة وفرق بين الكلام الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول قتادة قال بعد ذلك فكان قتادة يقول: إن لم يكن له مال استسعى قال ابن عبد البر حديث أبي هريرة يدور على قتادة، وقد اتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكره وهم الحجة في قتادة ولقول قولهم فيه عند جميع أهل العلم إذا خالفهم غيرهم فأما قول أبي حنيفة وقول صاحبيه الاخير فلا شئ معهم يحتجون به من حديث قوي ولا ضعيف بل هو محرد رأي وتحكم يخالف الحديثين جميعاً قال ابن عبد البر لم يقل أبو حنيفة وزفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبي هريرة على وجهه وكل قول خالف السنة فمردود على قائله، والله المستعان.
(فصل) وإذا قلنا بالسعاية احتمل أن يعتق كله وتكون القيمة في ذمة العبد ديناً يسعى في أدائها وتكون أحكامه أحكام الأحرار فإن مات وفي يده مال كان لسيده بقية السعاية وباقي ماله موروث ولا يرجع العبد على أحد وهذا قول أبي يوسف ومحمد ويحتمل أن لا يعتق حتى يؤدي السعاية فيكون

(12/256)


حكمه قبل أدائها حكم من بعضه رقيق إن مات فللشريك الذي لم يعتق من ماله مثل ما يكون له على قول من لم يقل بالسعاية لأنه إعتاق بأداء مال فلم يعتق قبل أدائه كالكاتب، وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة يرجع العبد على المعتق إذا أيسر لأنه كلفه السعاية بإعتاقه ولنا أنه حق لزم العبد في مقابلة حريته فلم يرجع به على أحد كمال الكتابة ولأنه لو رجع به على السيد لكان هو الساعي في العوض كسائر الحقوق الواجبة عليه (مسألة) وإذا كان العبد الثلاثة لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه فأعقت صاحب النصف وصاحب السدس معاً وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثاً ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكهما فيه) إذا كان العبد مشتركاً بين جماعة فأعتق اثنان منهم وهو موسرون معاسرى عتقهم إلى باقى العبد ويكون الضمان بينهم على عدد رؤوسهم يتساوون في ضمانه وولائه وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن يقسم بينهم على قدر أملاكهم وهو قول مالك في إحدى الروايتين عنه لأن السراية جعلت بإعتاق ملكهما وما وجب بسبب الملك كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة ولنا أن عتق النصيب إتلاف لرق الباقي وقد اشتركا فيه فيتساويان في الضمان كما لو جرح أحدهما

(12/257)


جرحاً والآخر جرحين فمات بهما أو ألقى أحدهما جزءاً من النجاسة في مائع وألقى الآخر جزأين ويفارق الشفعة فإنها ثبتت لإزالة الضرر عن نصيب الشريك الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر نصيبه ولأن الضمان ههنا لدفع الضرر منهما وفي الشفعة لدفع الضرر عنهما والضرر منهما يستويان في إدخاله على الشريك وفي الشفعة ضرر صاحب النصف أعظم من ضرر صاحب السدس فاختلفا إذا ثبت هذا كان ولاؤه بينهما ثلاثا لأننا إذا حكمنا بأن الثلث معتق عليهما نصفين فنصفه سدس إذا ضممناه إلى النصف الذي لأحدهما صار ثلثين وإذا ضممنا السدس الآخر إلى سدس المعتق صار ثلثاً وعلى الوجه الآخر يصير الولاء بينهما أرباعاً لصاحب السدس ربعه ولصاحب النصف ثلاثة أرياعه والضمان
كذلك ويشترط عتقهما معاً بأن يوكلا من يعتقه عنهما أو يوكل أحدهما الآخر في عتق نصيبه ويتلفظا به معاً لأنه لو سبق أحدهما صاحبه عتق عليه جميعه على ما ذكرنا ويشترط اليسار أيضاً فيهما فإن كان أحدهما موسراً وحده قوم عليه نصيب من لم يعتق لأن المعسر لا يسري عتقه فيكون الضمان على المعسر خاصة فإن كان أحدهما موسراً ببعض ما يخصه قوم عليه ذلك القدر وباقيه على الآخر مثل أن يجد صاحب السدس قيمة نصف السدس فيقوم عليه ويقوم الربع على صاحب النصف ويصير ولاؤه بينهم أرباعاً لصاحب السدس ربعه وباقيه لمعتق النصف لأنه لو كان أحدهما معسراً قوم الجميع على الآخر فإذا كان موسراً ببعضه قوم الباقي على صاحب النصف لأنه مرسر وفيه اختلاف ذكرناه من قبل

(12/258)


(مسألة) (وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه في أحد الوجهين) ذكره القاضي وهو قول الشافعي لأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات والوجه الثاني لا يسري ذكره أبو الخطاب لأن فيه تقدير الملك والكافر لا يجوز أن يتملك المسلم والأول أصح إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن إدعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وهما موسران فقد صار العبد حراً باعتراف كل واحد منهما وصار مدعياً على شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما) وجملة ذلك أن الشريكين الموسرين إذا ادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق نصيبه فكل واحد منهما معترف بحرية نصيبه شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر لأنه يقول لشريكه اعتقت نصيبك فسرى العتق إلى نصيبي فعتق كله عليك ولزمك لي قيمة نصيبي فصار العبد حراً لاعترافهما بحريته وبقي كل واحد منهما يدعي قيمة حصته على شريكه فإن كانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن لم تكن بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرئا فإن نكل أحدهما قضي عليه وإن نكلا جميعا تساقط حقاهما لتماثلهما ولا ولاء عليه لواحد منهما لأنه لا يدعيه ولا فرق في هذه الحال بين العدلين والفاسقين والمسلمين والكافرين لتساوي العدل والفاسق والمسلم والكافر في الاعتراف والدعوى
فان اعترف أحدهما به بعد ذلك ثبت له لأنه لا مستحق له سواه وإنما لم يثبت له لإنكاره له فإذا اعترف به زال الإنكار فثبت له ولزمته قيمة نصيب شريكه لاعترافه بها

(12/259)


(مسألة) (وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما) لأنه ليس في دعوى أحدهما على صاحبه أنه أعتق نصيبه اعتراف بحرية نصيبه ولا ادعاء استحقاق قيمتها على المعتق لكن عتق العسر لا يسري إلى غيره فلم يكن في دعواه أكبر من أنه شاهد على صاحبه باعتاق نصيبه فإن كانا فاسقين فلا أثر لكلامهما في الحال ولا عبرة بقولهما لأن غير العدل لا تقبل شهادته، وإن كانا عدلين فشهاتهما مقبولة لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه بشهادته نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً وقد حصل للعبد بحرية كل نصف منه شاهد عدل فإن حلف معهما عتق كله وإن حلف مع أحدهما عتق نصفه على الرواية التي تقول إن العتق يثبت بشاهد ويمين وإن لم يحلف لم يعتق منه شئ لأن العتق لا يحصل بشاهد من غير يمين وإن كان أحدهما عدلاً دون الآخر فله أن يحلف مع شهادة العدل ويصير نصفه حراً والآخر رقيقاً (فصل) ومن قال بالاستسعاء فقد اعترف بأن نصيبه خرج عن يده فيخرج العبد كله ويستسعى في قيمته لاعتراف كل واحد منهما بذلك في نصيبه (مسألة) (وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق عليه ولم يسر إلى النصف الذي كان له) لأن عتقه حصل باعترافه بحريته بإعتاق شريكه ولا يثبت له عليه ولاء لأنه لا يدعي إعتاقه بل

(12/260)


يعترف أن المعتق غيره وإنما هو مخلص له ممن يسترقه ظلماً فهو كمخلص الأسير من ايدي الكافر وقال أبو الخطاب يسري لأنه شراء حصل به الإعتاق فأشبه شراء بعض ولده فإن أكذب نفسه في شهادته على شريكه ليسترق ما اشتراه منه لم يقبل لأنه رجوع عن الإقرار بالحرية فلم يقبل كما لو أقر بحرية عبده ثم كذب نفسه وهل يثبت له الولاء عليه إن أعتقه؟ فيه احتمالان (أحدهما) لا يثبت لما ذكرناه (والثاني) يثبت لأنا نعلم أن على العبد ولاء ولا يدعيه أحد سواه ولا ينازعه فيه
فوجب أن يقبل قوله فيه وإن اشترى كل واحد منهما نصيب صاحبه صار العبد كله حراً ولا ولاء عليه لواحد منهما فإن اعتق كل واحد منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في شهادته فهل يثبت له ولاء ما أعتقه؟ على وجهين وإن أقر كل واحد منهما بأنه كان أعتق نصيبه وصدق الآخر في شهادته بطل البيعان وثبت لكل واحد منهما الولاء على نصفه لأن أحداً لا ينازعه فيه وكل واحد منهما يصدق الآخر في استحقاق الولاء ويحتمل أن يثبت الولاء لهما وإن لم يكذب واحد منهما نفسه لأنا نعلم أن الولاء ثابت عليه لهما ولا يخرج عنهما وإنه بينهما إما بالعتق الأول وإما بالثاني لأنهما إن كانا صادقين في شهادتهما فقد ثبت الولاء لكل واحد منهما على النصف الذي أعتقه أولاً وإن كانا كاذبين فقد أعتق كل واحد منهما نصفه بعد أن اشتراه وإن كان أحدهما صادقاً والآخر كاذبا فلا ولاء للصادق منهما لأنه لم يعتق النصف الذي كان له ولا صح عتقه في الذي اشتراه لأنه كان حراً قبل شرائه والولاء كله للكاذب لأنه أعتق النصف الذي كان له ثم اشترى النصف الذي لشريكه وكل واحد منهما يساوي صاحبه في الاحتمال فيقسم بينهما

(12/261)


(فصل) وكل من شهد على سيد عبد بعتق عبده ثم اشتراه عتق عليه وإن شهد اثنان عليه بذلك فردت شهادتهما ثم اشترياه أو أحدهما عتق وبهذا قال مالك والاوزاعي والشافعي وابن المنذر وهو قياس قول أبي حنيفة ولا يثبت للمشتري ولاء على العبد لأنه لا يدعيه ولا للبائع لأنه ينكر عتقه ولو كان العبد بين شريكين فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه وكانا موسرين فعتق عليهما أو كانا معسرين عدلين فحلف العبد مع كل واحد منهم وعتق العبد أو ادعى عبد أن سيده أعتقه فأنكر وقامت البينة بعتقه عتق ولا ولاء على العبد في هذه المواضع كلها لأن أحداً لا يدعيه ولا يثبت لاحد حق ينكره فإن عاد من ثبت إعتاقه فاعترف به ثبت له الولاء لأنه لا مستحق له سواه وإنما لم يثبت له لإنكاره له فإذا اعترف زال الإنكار وثبت له وأما الموسران إذا عتق عليهما فإن صدق أحدهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده أو أنه سبق بالعتق فالولاء له وعليه غرامة نصيب الآخر وإن اتفقا على أن كل واحد منهما أعتق نصيبه دفعة واحدة فالولاء بينهما وإن ادعى كل واحد
منهما أن المعتق وحده أو أنه السابق فأنكر الآخر تحالفا والولاء بينهما نصفين (مسألة) (وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً عتق نصيب المعسر وحده) لاعترافه بأن نصيبه قد صار حرا باعتاق شريكه الموسر الذي يسري عتقه ولم يعتق نصيب الموسر لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق نصيبه فعتق وحده ولا تقبل شهادة المعسر عليه لأنه يجر إلى نفسه نفعاً لكونه يجب عليه بشهادته قيمة حصته فعلى هذا إن لم تكن للعبد بينة

(12/262)


سواه حلف الموسر وبرئ من القيمة والعتق جميعاً ولا ولاء للمعسر في نصيبه لأنه لا يدعيه ولا للموسر أيضاً لذلك فإن عاد المعسر فأعتقه وادعاه ثبت له وإن أقر الموسر بإعتاق نصيبه وصدق المعسر عتق نصيبه أيضاً وعليه غرامة نصيب المعسر ويثبت له الولاء وإن كان للعبد بينة تشهد بإعتاق الموسر وكانت عدلين ثبت العتق ووجبت القيمة للمعسر عليه وإن كانت عدلاً واحداً وحلف العبد معه ثبت العتق في أحدى الروايتين والأخرى لا يثبت العتق وللمعسر أن يحلف معه ويستحق قيمة نصيبه سواء حلف العبد أو لم يحلف لأن الذي يدعيه مال يقبل فيه شاهد ويمين (فصل) وإذا ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وأنكر الآخر وكان المدعي عليه موسراً عتق نصيب المدعي وحده لاعترافه بحريته بسراية عتق شريكه وصار مدعياً نصف القيمة على شريكه ولا يسري لأنه لا يعترف أنه المعتق له وإنما عتق باعترافه بحريته لا بإعتاقه له ولا ولاء عليه لإنكاره له قال القاضي وولاؤه موقوف وإن كان المدعي عدلاً لم تقبل شهادته لأنه يدعي نصف قيمته على شريكه فيجر بشهادته إليه نفعاً ومن شهد بشهادة يجر بها إليه نفعاً بطلت كلها وأما إن كان المدعى عليه معسراً فالقول قوله مع يمينه ولا يعتق منه شئ فإن كان المدعى عدلاً حلف العبد مع شهادته وصار نصفه حراً وقال حماد إن كان المشهود عليه موسراً سعى له.
وإن كان معسراً سعى لهما وقال أبو حنيفة إن كان معسراً استسعى العبد وولاؤه بينهما وإن كان موسراً فولاء نصفه موقوف فإن اعترف أنه اعتق استحق الولاء وإلا كان الولاء لبيت المال

(12/263)


(مسألة) (وإذا قال أحد الشريكين إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه هذا اختيار الأصحاب أنه يعتق على الأول ويقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسراً ولا يقع إعتاق شريكه لأن السراية سبقت فمنعت عتق الشريك قال شيخنا ويحتمل أن يعتق عليهما جميعاً لأن عتق نصيبه سبب السراية وشرط لعتق نصيب الشريك فلم يسبق أحدهما الآخر لوجودهما في حال واحدة وقد يرجح وقوع عتق الشريك لأنه تصرف منه في ملكه والسراية تقع في غير ملك على خلاف الأصل فكان نفوذ عتق الشريك أولى ولأن سراية العتق على خلاف الأصل لكونها إتلافاً لملك المعصوم بغير رضاه وإلزاماً للمعتق غرامة لم يلتزمها بغير اختياره وإنما ثبت لمصلحة تكميل العتق فإذا حصلت هذه المصلحة بإعتاق الملك كان أولى.
(مسألة) (وإن كان معسراً لم يعتق عليه إلا نصيبه) لما ذكرنا من أن عتق المعسر لا يسري إلى نصيب شريكه ويعتق نصيب شريكه بالشرط (مسألة) (وإن قال إذا اعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتق عليهما موسراً كان أو معسراً ولم يلزم المعتق شئ لأن العتق وجد منهما معاً فهو كما لو وكلا رجلاً في اعتاقه عنهما فأعتقهما وقيل يعتق كله على المعتق لأن إعتاق نصيبه شرط عتق نصيب شريكه فيلزم أن يكون سابقاً عليه والأول أولى لأنه أمكن

(12/264)


العمل بمقتضى شرطه فوجب العمل به لما ذكرنا.
(فصل) فإن قال إن اعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل إعتاقك وقعا معاً إذا أعتق نصيبه هذا مقتضى قول أبي بكر والقاضي ومقتصى قول ابن عقيل أن يعتق كله على المعتق ولا يقع إعتاق شريكه لأنه إعتاق في زمن ماض ومقتضى قول ابن شريح ومن وافقه ممن قال بسراية العتق أن لا يصح إعتاقه لأنه يلزم من عتق نصيبه تقدم عتق الشريك وسرايته فيمتنع إعتاق نصيبه هذا ويمتنع عتق نصيب الشريك ويفضي إلى الدور فيمتنع الجميع وسنذكر ذلك في الطلاق إن شاء الله تعالى
فصل إذا كان لرجل نصف عبدين متساويين في القيمة لا يملك غيرهما فأعتق أحدهما في صحته عتق وسرى إلى نصيب شريكه لانه موسر بالنصف الذي له من العبد الآخر فإن أعتق النصف الآخر عتق لأن وجوب القيمة في ذمته لا يمنع صحة عتقه ولم يسر لأنه معسر وإن أعتق الأول في مرض موته لم ييسر لأنه إنما ينفذ عتقه في ثلث ماله وثلث ماله هو الثلث من العبد الذي أعتق نصفه وإذا أعتق الثاني وقف على إجازة الورثة وإن أعتق الأول في صحته وأعتق الثاني في مرضه لم ينفذ عتق الثاني لأن عليه ديناً يستغرق قيمته فيمنع صحة عتقه إلا أن يجيز الورثة.
(فصل) إذا شهد شاهدان على رجل أنه أعتق شركا له في عبد فسرى إلى نصيب الشريك

(12/265)


غرم له قيمة نصيبه ثم رجعا عن الشهادة غرما قيمة العبد جميعه، وقال بعض أصحاب الشافعي تلزمهما غرامة نصيبه دون نصيب شريكه لأنهما لم يشهدا إلا بعتق نصيبه فلم تلزمهما غرامة ما سواه ولنا أنهما فوتا عليه نصيبه وقيمة نصيب شريكه فلزمهما ضمانة كما لو فوتاه بفعلهما وكما لو شهدا عليه بجرح ثم سرى الجرح ومات المجروح فضمن الدية ثم رجعا عن شهادتهما (فصل) وإن شهد شاهدان على ميت بعتق عبد في مرض موته وهو ثلث ماله فحكم الحاكم بشهادتهما وعتق العبد ثم شهد آخران بعتق آخر وهو ثلث ماله ثم رجع الأولان عن الشهادة نظرنا في تاريخ شهدتهما فإن كانت سابقة ولم يكذب الورثة رجوعهما عتق الأول ولم يقبل رجوعهما ولم يغرما شيئاً ويحتمل أن يلزمهما شراء الثاني وإعتاقه لأنهما منعا عتقه بشهادتهما المرجوع عنها وإن صدقوهما في رجوعهما وكذبوهما في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه عليهم بشهادتهما المرجوع عنها وإن كان تاريخها متأخراً عن الشهادة الأخرى بطل حكم عتق المحكوم بعتقه لأننا تبينا أن الميت قد أعتق ثلث ماله قبل إعتاقه ولم يغرم الشاهدان شيئاً لأنهما ما فوتا شيئا وإن كانتا مطلقتين أو إحداهما أو اتفق تاريخهما أقرع بينهما فإن خرجت على الثاني عتق وبطل عتق الأول ولا شئ على الشاهدين لأن الأول باق على الرق وإن خرجت قرعة الأول عتق

(12/266)


ونظرنا في الورثة فإذا كذبوا الشاهدين الأولين في شهادتهما عتق الثاني ورجعوا على الشاهدين بقيمة الأول لأنهما فوتا رقه بغير حق وإن كذبوهما في رجوعهما لم يرجعوا عليهما بشئ لأنهم يقرون بعتق المحكوم بعتقه.
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجئ الأمطار لأنه عتق بصفة فصح كالتدبير وإذا علق عتقه على مجئ وقت كقوله أنت حر في رأس الحول لم يعتق حتى يجئ رأس الحول وله بيعه وهبته وإجارته ووطئ الأمة كالتدبير وبه قال الأوزاعي والشافعي وابن المنذر قال أحمد إذا قال لغلامه أنت حر إلى أن يقدم فلان ويجئ فلان وإلى رأس السنة وإلى رأس الشهر إنما يريد إذا جاء رأس السنة أو جاء رأس الهلال وإذا قال أنت طالق إذا جاء الهلال إنما يريد إذا جاء رأس الهلال وقال أسحاق كما قال أحمد وحكي عن مالك أنه قال إذا قال لعبده أنت حر في رأس الحول عتق في الحال والذي حكاه ابن المنذر عنه أنها إذا كانت جارية لم يطأها لأنه لا يملكها ملكاً تاماً ولا يهبها ولا يبيعها وإن مات السيد قبل الوقت كانت حرة عند الوقت من رأس المال وقد روي عن أحمد أنه لا يطؤها لأن ملكه غير تام عليها والأول أصح لما روي عن أبي ذر أنه قال لعبده أنت عتيق إلى رأس الحول فلولا أن العتق يتعلق بالحول لم يعلقه عليه ولأنه علق العتق بصفة فوجب أن يتعلق بها كما لو قال إذا أديت إلي ألفا فأنت حر واستحقاقه للعتق لا يمنع اباحة الوطئ كالاستيلاد وأما المكاتبة فإنما لم يبح وطؤها لأنها اشترت نفسها من سيدها بعوض وزال ملكه عن إكسابها بخلاف مسئلتنا، ومتى جاء الوقت وهو في ملكه

(12/267)


عتق بغير خلاف نعلمه فإن خرج عن ملكه ببيع أو ميراث لم يعتق.
وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال النخعي وابن أبي ليلى إذا قال لعبده إن فعلت كذا فأنت حر فباعه بيعاً صحيحاً ثم فعل ذلك عتق وانتقض البيع قال ابن أبي ليلى إذا حلف بالطلاق لا كلمت فلاناً ثم طلقها طلاقاً بائناً ثم كلمه حنث وعامة أهل العلم على خلاف هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا طلاق ولا عتاق ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم) ولأنه لا ملك له فلم يقع طلاقه وعتاقه كما لو لم
يكن له مال متقدم.
(فصل) وإذا قال لعبده إن لم أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو وقتاً بعينه لم يعتق حتى يموت وإن باعه قبل ذلك صح بيعه ولم يفسخ في قول أكثر أهل العلم وقال مالك ليس له بيعه فإن باعه فسخ البيع.
ولنا انه باعه قبل وجود الشرط فلم يفسخ كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر وباعه قبل دخولها (مسألة) (وإذا علق عتق عبده بشرط كقوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر أو إن دخلت الدار فأنت حر فهي صفة لازمة ألزمها نفسه ولا يملك إبطالها بالقول قياساً على النذر) ولذلك إن اتفق السيد والعبد على إبطالها لم تبطل لذلك ولو أبرأه السيد من الألف لم يعتق بذلك ولم يبطل التعليق لأنه لا حق له في ذمته يبرئه منه

(12/268)


(فصل) ولا يعتق قبل وجود الصفة بكمالها فلو قال لعبده إذا أديت إلي ألفا فأنت حر لم يعتق حتى يؤدي الألف جميعها، وذكر القاضي أن من أصلنا أن العتق المعلق بصفة يوجد بوجود بعضها كما لو قال أنت حر إن أكلت رغيفاً فأكل نصفه ولا يصح ذلك لوجوه (أحدها) أن أداء الألف شرط العتق وشروط الأحكام يعتبر وجودها بكمالها لثبوت الاحكام وتنتفي بانتفائها كسائر شروط الاحكام (الثاني) أنه إذا علقه على وصف ذي عدد فالعدد وصف في الشرط ومن علق الحكم على شرط ذي وصف لم يثبت ما لم توجد الصفة كقوله لعبده إن خرجت عارياً فأنت حر فخرج لابساً لم يعتق فكذلك العدد (الثالث) أنه متى كان في اللفظ ما يدل على الكل لم يحنث بفعل البعض كما لو حلف لا صليت صلاة أو لا صمت صياماً لم يحنث حتى يفرغ مما سمي صلاة ويصوم يوماً، ولو قال لامرأته إن حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر من الحيضة، وذكر الألف ههنا يدل على أنه أراد الفاً كاملة (الرابع) ان الأصل الذي ذكره فيما - إذا قال إن أكلت رغيفاً فأنت حر أنه يعتق بأكل بعضه - ممنوع وإنما إذا حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه يحنث في رواية في موضع يحتمل إرادة البعض ويتناوله اللفظ كمن حلف لا يصلي فشرع في الصلاة أو لا يصوم فشرع في الصيام أو لا يشرب
ماء هذا الإناء فشرب بعضه ونحو هذا لأن الشارع في الصلاة والصيام قد صلى وصام ذلك الجزء

(12/269)


الذي شرع فيه والقدر الذي شربه من الإناء هو ماء الإناء وقرينة حاله تقتضي المنع من الكل فتقتضي الامتناع من الكل ومتى فعل البعض فما امتنع من الكل فحنث لذلك ولو حلف على فعل شئ لم يبر إلا بفعل الجميع وفي مسئلتنا تعليق الحرية على أداء الالف يقتضي وجود أدائها فلا يثبت الحكم المعلق عليها دون أدائها كمن حلف ليؤدين ألفاً لا يبر حتى يؤديها (الخامس) ان موضع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه كقول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فلو قال بعضها لم يستحق إلا العقوبة وقوله (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) لا تكون له بشروعه في الإحياء، ولو قال في المسابقة من سبق إلى خمس إصابات فهو سابق لم يكن سابقاً إذا سبق إلى أربع ولو قال من رد ضالتي فله دينار لم يستحقه بالشروع في ردها فكيف يخالف موضوعات الشرع واللغة بغير دليل؟ وإنما الرواية التي جاءت عن أحمد في الإيمان فيمن حلف أن لا يفعل شيئاً ففعل بعضه: يحنث لأن اليمين على الترك يقصد بها المنع فنزلت منزلة النهي والنهي عن فعل شئ يقتضي المنع من بعضه بخلاف تعليق المشروط على الشرط (فصل) وما يكتسبه العبد قبل وجود الشرط فهو لسيده لأنه لا يوجد عقد يمنع كون كسبه لسيده إلا أنه إذا علق عتقه على أداء مال معلوم فما أخذه السيد حسبه من المال فإذا كمل أداء المال عتق، وما فضل في يده لسيده لأنه كسب عبده، وإن كان المعلق عتقه أمة فولدت لم يتبعها ولدها في أحد

(12/270)


الوجهين لأنها أمة قن فأشبه ما لو قال إن دخلت الدار فأنت حرة ولا تجب عليها قيمة نفسها لأنه عتق من السيدد فأشبه ما لو باشر العتق (فصل) إذا علق عتقه بصفة ثم باعه ثم اشتراه ووجدت الصفة عتق وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي فيها قولان (أحدهما) لا يعتق لأن ملكه قيه متأخر عن عقد الصفة فلم يقع العتق فيه كما لو عقد الصفة في حال زوال ملكه عنه
ولنا أنه علق الصفة في ملكه وتحقق الشرط في ملكه فوجب أن يعتق كما لو لم يزل ملكه عنه، وفارق ما إذا علقها في حال زوال ملكه لأنه لو نجز العتق لم يقع.
فإذا علقه كان أولى بعدم الوقوع بخلاف مسئلتنا (مسألة) (إلا أن تكون الصفة وجدت منه في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على روايتين) (إحداهما) لا تعود لأنها انحلت بوجودها فلم تعد كما لو انحلت بوجودها في ملكه (والثانية) تعود لأنه لم توجد الصفة التي يعتق بها فأشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ولأن الملك مقدر في الصفة فكأنه قال إذا دخلت الدار وأنت في ملكي فأنت حر ولم يوجد ذلك وقد روي عن أحمد في الطلاق أنه يقع لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه فأشبه ما لو لم يتخللهما دخول ومن نصر الرواية الأولى قال إن العتق معلق بشرط لا يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين وقد

(12/271)


وجد الدخول في ملك غيره فانحلت اليمين فلم يقع العتق به بعد ذلك ويفارق العتق الطلاق من حيث إن النكاح الثاني ينبني على النكاح الأول بدليل أن طلاقه في النكاح الأول يحتسب عليه في النكاح الثاني وينقص به عدد طلاقه والملك باليمين بخلافه (مسألة) (وتبطل الصفة بالموت) لأن ملكه يزول بموته فتبطل تصرفاته بزواله كالبيع (مسألة) (وإن قال إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي أو أنت حر بعد موتي بشهر فهل يصح ويعتق بذلك؟ على روايتين) إذا قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر لم تنعقد هذه لأنه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه فلم يصح كما لو قال إن دخلت الدار بعد بيعي إياك فأنت حر ولأنه إعتاق له بعد قرار ملك غيره عليه فلم يعتق به كالمنجز (والثانية) يعتق ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه صرح بذلك فحمل عليه كما لو وصى باعتاقه وكما لو وصى ببيع سلعة ويتصدق بثمنها ويفارق التصرف بعد البيع فإن الله تعالى جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه بخلاف ما بعد البيع والأول أصح إن شاء الله تعالى ويفارق الوصية بالعتق وبيع السلعة لأن الملك لا يستقر للورثة فيه ولا يملكون التصرف
فيه بخلاف مسئلتنا وسنذكر ذلك بأبسط من هذا في التدبير إن شاء الله تعالى وعنه يصح لأنه إعتاق

(12/272)


بعد الموت فصح كما لو قال أنت حر بعد موتي، وإن قال أنت حر بعد موتي بشهر فقد روي عن أحمد في رواية مهنا أنه لا يعتق ولا تصح هذه الصفة، وقال أيضاً سألت أحمد عن رجل قال أنت حر بعد موتي بشهر بألف درهم فقال هذا كله لا يكون شيئاً بعد موته وهذا اختيار أبي بكر، وذكر القاضي وابن أبي موسى رواية أخرى أنه يعتق إذا وجدت الصفتين بعد الموت ومضت المدة المذكورة وهذا قول الثوري وابي يوسف واسحاق ووجههما ما تقدم وقال أصحاب الرأي لا يعتق حتى يعتقه الوارث وعلى قول من قال يعتق يكون قبل العتق ملكاً للوارث وكسبه له كأم الولد والمدبر في حياة السيد وإن كان أمة فولدت قبل وجود الصفة فولدها يتبعها في التدبير ويعتق بوجود الصفة كما تعتق هي والله سبحانه أعلم (فصل) إذا قال لعبد له مقيد هو حر إن حل قيده ثم قال هو حر إن لم يكن في قيده عشرة أرطال فشهد شاهدان عند الحاكم أن وزن قيده خمسة أرطال فحكم بعتقه وأمر بحل قيده فوزن فوجد وزنه عشرة أرطال عتق العبد بحل قيده وتبينا أنه ما عتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به وهل يلزم الشاهدين ضمان قيمته؟ فيه وجهان (أحدهما) يلزمهما لأن شهادتهما الكاذبة سبب عتقه

(12/273)


وإتلافه فضمنا كالشهادة المرجوع عنها ولأن عتقه حكم بحكم الحاكم المبني على الشهادة الكاذبة فأشبه الحكم بالشهادة التي يرجعان عنها وهذا قول أبي حنيفة (والثاني) لا ضمان عليهما وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن عتقه لم يحصل بالحكم المبني على شهادتهما وإنما حصل بحل قيده ولم يشهدا به فوجب أن لا يضمنا كما لو لم يحكم الحاكم (فصل) وإن قال لعبده أنت حر متى شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فمتى شاء عتق سواء كان الفور أو التراخي وإن قال أنت حر إن شئت فكذلك ويحتمل أن يقف على المجلس لأن ذلك بمنزلة التخيير ولو قال لامرأته اختاري نفسك لم يكن لها الاختيار إلا على الفور فإن تراخى ذلك بطل خيارها كذا
تعليقه بالمشيئة وإن قال أنت حر كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال وهو قول أبي حنيفة لان كيف الا تقتضي شرطاً ولا وقتاً ولا مكاناً فلا تقتضي توقيف العتق إنما هي صفة للحال فتقتضي وقوع الحرية على أي حال كان ويحتمل أن لا يعتق حتى يشاء وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن المشيئة تقتضي الخيار فتقتضي أن يعتق قبل اختياره كما لو قال أنت حرمتي شئت لأن كيف تعطي ما تعطي حتى وأي فحكمهما حكمها وقد ذكر أبو الخطاب في الطلاق أنه إذا قال لزوجته أنت طالق متى شئت وكيف شئت وحيث شئت لم تطلق حتى تشاء فيجئ ههنا مثله (مسألة) (وإن قال إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخل في حياة السيد صار مدبراً)

(12/274)


لانه وجد شرط التدبير وهو دخول الدار وإن لم يدخل حتى مات بطلت الصفة لأنه يزول به الملك ولم يوجد التدبير لعدم شرطه وسنذكره في التدبير إن شاء الله تعالى (مسألة) (وإن قال إن ملكت فلانا فهو حرا أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين) (إحداهما) لا يصح ولا يعتق روى ذلك عن ابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وعروة والشافعي وابن المنذر ورواه الترمذي عن علي وجابر بن عبد الله وعلي بن الحسين وشريح وغير واحد من التابعين قال وهو قول أكثر أهل العلم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا عتق فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك) قال الترمذي وهو حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب، وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا طلاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها) رواه الدارقطني، وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا طلاق قبل نكاح) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا طلاق قبل ملك) رواه أبو داود الطيالسي قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفاً فكان إجماعاً وهذا ظاهر المذهب ولأنه لا يملك بتخيير العتق فلم يملك تعليقه (والثانية) يعتق إذا ملكه لأنه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه، وروى أبو طالب عن أحمد أنه قال إن اشتريت هذا الغلام فهو حر فاشتراه عتق

(12/275)


قال أبو بكر في كتاب الشافعي لا يختلف قول أبي عبد الله ان العتاق يقع إلا ما روى محمد بن الحسن ابن هارون في العتق أنه لا يقع وما أراه إلا غلطاً فإن كان قد حفظ فهو قول آخر ولأنه لو قال لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فإنه يصح كذلك هذا وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ولأنه يصح تعليقه على الإخطار فصح تعليقه على حدوث الملك كالوصية والنذر واليمين وقال مالك إن خص جنساً من الأجناس أو عبداً بعينه عتق إذا ملكه وإن قال كل عبد املكه لم يصح والأول أصح إن شاء الله تعالى لأنه تعليق للعتق قبل الملك فأشبه ما لو قال لأمة غيره: إن دخلت الدار فأنت حرة ثم ملكها ودخلت الدار ولما ذكرنا من الأحاديث (مسألة) (فإن قال العبد ذلك ثم عتق وملك عتق في أحد الوجهين قياساً على الحر (والثاني) لا يعتق وهو الصحيح) لأن العبد لا يصح العتق منه حين التعليق لكونه لا يملك وإن ملك فهو ملك ضعيف غير مستقر لا يتمكن من التصرف فيه وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحر (فصل) إذا قال الحر أول غلام أملكه فهو حر انبنى ذلك على العتق قبل الملك وفيه روايتان ذكرناهما فإن قلنا يصح عتق أول من يملكه لوجود الشرط فإن ملك اثنين معاً عتق أحدهما بالقرعة في قياس قول أحمد فإنه قال في رواية مهنا إذا قال أول من يطلع من عبيدي فهو حر فطلع اثنان منهم أو جميعهم فإنه يقرع بينهم ويحتمل أن يعتقا جميعاً لأن الأولية وجدت فيهما جميعاً فثبتت الحرية

(12/276)


فيهما كما لو قال في المسابقة من سبق فله عشرة فسبق اثنان اشتركا في العشرة، وقال النخعي يعتق أيهما شاء وقال أبو حنيفة لا يعتق واحد منهما لأنه لا أول فيهما لأن كل واحد منهما مساو للآخر ومن شرط الأولية سبق الأول ولنا أن هذين لم يسبقهما غيرهما فكانا أول كالواحد وليس من شرط الأول أن يأتي بعده ثان بدليل ما لو ملك واحداً ولم يملك بعده شيئاً، وإذا وجدت الصفة فيهما فإما أن يعتقا جميعاً أو
يعتق أحدهما وتعينه القرعة على ما نذكره، وكذلك الحكم فيما إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين خرجا معاً (مسألة) (وإن قال آخر مملوك أشتريه فهو حر فملك عبيداً لم يعتق واحد منهم حتى يموت) لأنه ما دام حياً فإنه يحتمل أن يشتري عبداً يكون هو الآخر فإذا مات عتق آخرهم وتبينا أنه كان حراً حين ملكه فتكون اكسابه له وإن كان أمة كان أولادها أحراراً من حين ولدتهم لأنهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه مهرها لانه وطئ حرة أجنبية ولا يحل له أن يطأها إذا اشتراها حتى يشتري بعدها غيرها لأنه ما لم يشتر بعدها غيرها فهي آخر في الحال وإنما يزول ذلك بشراء غيرها فوجب أن يحرم الوطئ وإن اشتري اثنين دفعة واحدة ثم مات فالحكم في عتقهما كالحكم فيما إذا ملك اثنين في الفصل الذي قبله

(12/277)


(فصل) إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت اثنين واشكل أولهما خروجاً أخرج بالقرعة كالتي قبلها فإن علم أولهما خروجاً عتق وحدة وهو قول مالك والثوري وابي هاشم والشافعي وابن المنذر وقال الحسن والشعبي وقتادة إذا ولدت ولدين في بطن فهما حران ولنا أنه إنما أعتق الأول والذي خرج سابقاً هو الأول من المولودين فاختص العتق به فهو كما لو ولدتهما في بطنين فإن ولدت الأول ميتاً والثاني حياً فذكر الشريف أنه يعتق الحي منهما وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا يعتق واحد منهما وهو الصحيح قاله شيخنا لأن شرط العتق إنما وجد في الميت وليس محلاً للعتق فانحلت اليمين به وإنما قلنا إن شرط العتق وجد فيه لأنه أول ولد بدليل أنه إذا قال لأمته إذا ولدت فأنت حرة فولدت ولداً ميتاً عتقت، ووجه الأول أن العتق يستحيل في الميت فتعلقت اليمين بالحي كما لو قال إن ضربت فلاناً فعبدي حر فضربه حياً عتق وإن ضربه ميتاً لم يعتق ولأنه معلوم من طريق العادة أنه قصد عقد يمينه على ولد يصح العتق فيه وهو أن يكون حياً فتصير الحياة مشروطة فيه فكأنه قال أول ولد تلدينه حياً (فصل) فإن قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر عتق كل ولد ولدته في قول جمهور العلماء منهم
مالك والاوزاعي والليث والثوري والشافعي قال إبن المنذر لا أحفظ عن غيرهم خلافهم فإن باع الأمة ثم ولدت لم يعتق ولدها لأنها ولدتهم بعد زوال ملكه

(12/278)


(مسألة) (فإن قال لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حياً ثم ميتاً لم يعتق الأول) لأنه لم يوجد شرط عتقه وعلى قياس قول الشريف وابي حنيفة فيما إذا قال أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتاً ثم حياً يعتق الحي وإن ولدت ميتاً ثم حياً عتق الثاني لوجود شرطه وإن ولدت توأمين فأشكل الآخر منهما فإن أحدهما استحق العتق ولم يعتق بعينه فوجب اخراجه بالقرعة وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في العتق في أصح الوجهين إلا أن تكون حاملاً به حال عتقها أو حال تعليق عتقها) إذا علق عتق أمة بصفة وهي حامل تبعها ولدها في ذلك لأنه كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت الصفة عتق لأنه تابع في الصفة فأشبه ما لو كان في البطن وإن كانت حائلاً حين التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها ولدها كالمنجز فإن حملت بعد التعليق وقبل وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لأن الصفة لم تتعلق به في حال التعليق، وفيه وجه آخر أنه يتبعها في العتق لا في الصفة فإذا ولم توجد فيها لم توجد فيه بخلاف ولد المدبرة فإنه يتبعها في التدبير وإذا بطل فيها بقي فيه

(12/279)


(مسألة) وإذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق ولا شئ عليه وعنه إن لم يقبل لم يعتق) إذا قال لعبده أنت حر وعليك ألف عتق ولا شئ عليه لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضاً لم يقبله فعتق ولم يلزمه الألف هكذا ذكر المتأخرون من أصحابنا ونقل جعفر بن محمد قال سمعت أبا عبد الله قيل له إذا قال أنت حر وعليك ألف درهم فقال جيد قيل له فإن لم يرض العبد قال لا يعتق إنما قال له على أن يؤدي إليه ألفاً فإن لم يود فلا شئ فإن قال أنت حر على ألف فكذلك في
إحدى الروايتين لأن على ليست من أدوات الشرط ولا البدل فأشبه قوله وعليك ألف والثانية ان قبل العتق عتق ولزمته الألف وإن لم يقبل لم يعتق وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وهذه الرواية هي الصحيحة لأنه أعتقه بعوض فلم يعتق بدون قبوله كما لو قال أنت حر بألف ولأن على تستعمل للشرط والعوض قال الله تعالى (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) وقال (فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) وقال (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) ولو قال في النكاح زوجتك ابنتي على خمسمائة درهم وقال الآخر قبلت صح النكاح ووجب الصداق

(12/280)


(مسألة) (وإن قال على أن تخدمني سنة فكذلك) وقيل ان لم يقعل لم يعتق رواية واحدة فعلى هذا إذا قبل العبد عتق في الحال ولزمته خدمته سنة وإن مات السيد قبل كمال السنة رجع على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة تسقط قيمة العبد على خدمة السنة فيسقط منها بقدر ما مضى ويرجع عليه بما بقي من قيمته ولنا أن العتق عقد لا يلحقه الفسخ فإذا تعذر فيه استيفاء العوض رجع إلى قيمته كالخلع في النكاح والصلح في دم العبد فإذا قال أنت حر على أن تعطيني ألفاً فالصحيح أنه لا يعتق حتى يقبل فإذا قبل عتق ولزمه الألف فأما إن قال أنت حر بألف لم يعتق حتى يقبل ويلزمه الألف (فصل) قال رضي الله عنه وإذا قال كل مملوك لي حر عتق عليه مكاتبوه ومدبروه وأمهات أولاده وشقص يملكه لأن اللفظ عام فيهم فعتقوا كما لو عينهم وذكر ابن أبي موسى في الارشادان الشقض لا يعتق إلا ان ينوبه لأنه لا يملكه كله والأول المذهب

(12/281)


(مسألة) (وإن قال أحد عبدي حر اقرع بينهما فمن وقعت له القرعة فهو حر من حين أعتقه) إذا قال أحد عبدي حر ولم ينو واحداً بعينه عتق أحدهم بالقرعة وليس للسيد التعيين ولا
للوارث بعده، فإن قال أردت هذا بعينه قبل منه وعتق لأن ذلك إنما يعرف من جهته وقال أبو حنيفة والشافعي للمعتق التعيين ويطالب بذلك فيعتق من عينه وإن لم يكن نواه حالة القول وإذا عتق بتعيينه فليس لسائر العبيد الاعتراض عليه لأن له تعيين العتق ابتداء فإذا أوقعه غير معين كان له تعيينه كالطلاق ولنا أن مستحق العتق غير معين فلم يملك تعيينه ووجب أن يميز بالقرعة كما لو أعتق الجميع في مرضه ولم يخرجوا من الثلث وكما لو أعتق معيناً ثم نسيه والطلاق كمسئلتنا فإن مات المعتق ولم يعين

(12/282)


فالحكم عندنا لا يختلف وليس للورثة التعيين بل يخرج المعتق بالقرعة وقد نص الشافعي على هذا إذا قالوا لا ندري أيهم أعتق وقال أبو حنيفة لهم التعيين لأنهم يقومون مقام موروثهم وقد سبق الكلام في المعتق وقوله من حين أعتقه يريد أن العبد إن كان اكتسب مالاً بعد العتق فهو له دون سيده لأنا تبينا أنه اكتسبه في حال الحرية (فصل) ولو أعتق إحدى إمائة غير معينة ثم وطئ إحداهن لم يتعين الرق فيها وبه قال أبو حنيفة

(12/283)


وقال الشافعي يتعين الرق فيها لأن الحرية عنده تتعين بتعيينه ووطؤه دليل على تعيينه وقد سبق الكلام معه (مسألة) (وإن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي فإن وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه حيت الإعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده قبل القرعة) وبهذا قال الشافعي وقال مالك إن مات قبل موت سيده فالحي جميع التركة ولا يعتق إلا ثلثه ولا يعتبر الميت لأنه ليس بمحسوب من التركة ولهذا لو أعتق الحي بعد موته لأعتقنا ثلثه

(12/284)


ولنا أن الميت أحد المعتقين فوجب أن يقرع بينه وبين الحي كما لو مات بعد سيده ولأن المقصود من العتق تحصيل ثوابه وهو يحصل في حق الميت فيدخل في القرعة كالذي مات بعد سيده فعلى هذا إن خرجت القرعة على الميت حسبناه من التركة وقومناه حين الإعتاق لأنه حين الإتلاف
وإن وقعت على الحي نظرت في الميت فإن كان موته قبل موت سيده أو بعده قبل قبض الوارث له لم نحسبه من التركة لأنه لم يصل إلى الوارث فتكون التركة الحي وحده فيعتق ثلثه وتعتبر قيمته حين الإعتاق لأنه حين اتلافه وتعتبر قيمة التركة بأقل الأمرين من حين الموت إلى حين قبض

(12/285)


الوارث لأن الزيادة تجددت على ملك الوارث فلم تحسب عليه من التركة والنقصان قبل القبض فلم يحصل له فأشبه الشارد والآبق وإنما يحسب عليه ما حصل في يديه ولا يحسب الميت من التركة لأنه وصل إليهم وجعلناه كالحي في تقويمه معه والحكم باعتاقه إن وقعت القرعة عليه أو من الثلثين إن وقعت القرعة على غيره وتحسب قيمته أقل الأمرين من حين موت سيده إلى حين قبضه

(12/286)


(فصل) فإن دبر ثلاثة أعبد أو وصى بعتقهم فمات أحدهم في حياته بطل تدبيره والوصية فيه وأقرع بين الحيين وأعتق من أحدهما ثلثهما لأن الميت لا يمكن الحكم بوقوع العتق فيه لكونه مات قبل الوقت الذي يعتق فيه، وقبل تحقق شرط العتق بخلاف التي قبلها فإن العتق حصل من حين الإعتاق وإنما القرعة تبينه وتكشفه ولهذا يحكم بعتقه من حين الإعتاق ويكون كسبه له وحكمه حكم الأحرار في سائر أحواله، وإن مات المدبر بعد موت سيده أقرع بينه وبين الأحياء لأن العتق حصل من حين موت السيد (مسألة) (وإن اعتق عبداً أو نسيه أخرج بالقرعة) هذا قياس قول أحمد وهو قول الليث، وقال الشافعي يقف الأمر حتى يذكر فإن مات قبل أن يبين أقرع الورثة بينهم، وقال ابن وهب يعتقون كلهم، وقال مالك إن أعتق عبداً له ومات ولم يبين وكانوا ثلاثة عتق منهم بقدر ثلثهم وإن كانوا أربعة عتق منهم بقدر ربع قيمتهم وعلى هذا فيقرع بينهم فإن خرجت القرعة على من قيمته أقل من الربع أعيدت القرعة حتى يكمل وقال أصحاب الرأي إن قال الشهود نشهد أن فلاناً أعتق بعض عبيده ونسيناه فشهادتهم باطلة ونحو هذا قول الشعبي والاوزاعي ولم يذكروا ما ذكره أصحاب الرأي في الشهادة

(12/287)


ولنا أن مستحق العتق غير معين فأشبه ما لو أعتق جميعهم في مرض موته (مسألة) (فإن علم بعد أن المعتق غيره عتق وهل يبطل عتق الأول؟ على وجهين) (أحدهما) يبطل ويرد إلى الرق ويعتق الذي عينه لأنه تبين له المعتق فيعتق دون غيره كما لو لم يقرع (والثاني) يعتقان معاً قاله الليث ومقتضى قول ابن حامد لأن الأول ثبتت الحرية فيه بالقرعة فلا تزول كسائر الأحرار، ولان قول العتق ذكرت من كنت نسيته يتضمن إقراره بحرية من ذكره وإقراراً على غيره فقبل إقراره على نفسه دون غيره.
أما إذا لم يقرع فإنه يقبل قوله فيعتق من عينه ويرق غيره فإذا قال أعتقت هذا عتق ورق الباقون، وإن قال أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعاً لأنه أقر بعتق الأول فلزمه ثم أقر بعتق الثاني فلزمه ولم يقبل رجوعه عن إقراره الأول وكذلك الحكم في إقرار الوارث (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وإن أعتق في مرض موته ولم يجز الورثة اعتبر من ثلثه) إذا أعتق في مرض الموت المخوف اعتبر من الثلث إذا لم يجز الورثة وكذلك التدبير والوصية بالعتق لأنه تبرع بمال أشبه الهبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز من عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرضه إلا ثلثهم وما زاد على الثلث إن أجازوه فإن ردوه بطل لأن الحق لهم فجاز بإجازتهم وبطل بردهم

(12/288)


(مسألة) (وإن أعتق جزءاً من عبده أو دبره وهو أن يقول إذا مت فنصف عبدي حر ثم مات فإن كان النصف المدبر ثلث ماله من غير زيادة عتق ولم يسير) لانه لو دبره كله لم يعتق منه إلا ثلثه فإذا لم يدبر إلا ثلثه كان أولى، وإن كان العبد كله يخرج من الثلث ففي تكميل الحرية روايتان (إحداهما) تكمل وهو قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة وأصحابه لأنهم يرون التدبير كالعتق في السراية وهو أحد قولي الشافعي لأنه أعتق البعض عبده فعتق جميعه كما لو أعتقه في حياته (والثانية) لا يكمل العتق فيه لأنه لا يمنع جواز البيع قلم يسير كتعليقه بالصفة في الحياة فأما إن
أعتق بعض عبده في مرضه فهو كعتق جميعه أن خرج من الثلث عتق جميعه وإلا عتق منه بقدر الثلث لأن الإعتاق في المرض كالإعتاق في الصحة إلا في اعتباره من الثلث، وتصرف المريض في ثلثه في حق الأجنبي كتصرف الصحيح في جميع ماله وعنه لا يعتق منه إلا ما أعتق كما لو أعتق شركاً له في عبد وثلثه يحتمل جميعه (فصل) وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه صح ولم يلزمه لشريكه في الحال شئ وهذا قول الشافعي فإذا مات عتق الجزء المدبر إذا خرج من ثلثه وفي سرايته إلى نصيب الشريك ما ذكرنا في المسألة قبلها وقال مالك إذا دبر نصيبه تقاوماه فإن صار للمدبر صار مدبراً كله وإن صار للآخر صار

(12/289)


رقيقاً كله وقال الميث يغرم المدبر لشريكه قيمة نصيبه ويصير العبد كله مدبراً فإن لم يكن له مال سعى العبد في قيمة نصيب الشريك فإذا أداها صار مدبراً كله، وقال أبو يوسف ومحمد يضمن المدبر للشريك قيمة حقه موسراً كان أو معسراً ويصير المدبر له، وقال أبو حنيفة الشريك بالخيار إن شاء دبر وإن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد وإن شاء ضمن صاحبه إن كان موسراً، ولنا أنه تعليق المعتق على صفة فصح في نصيبه كما لو علقه بموت شريكه (مسألة) وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك وكان جميعه حراً في أحدى الروايتين والأخرى لا يعتق إلا ما ملك منه) وجملته أنه إذا ملك شقصاً من عبد فأعتقه في مرض موته أو دبره أو وصى بعتقه ثم مات ولم يف ثلث ماله بقيمة نصيب الشريك لم يعتق إلا نصيبه بغير خلاف نعلمه إلا قولاً شاذاً أو قول من يرى السعاية وذلك لأنه ليس له من ماله إلا الثلث الذي استغرقته قيمة الشقص فيبقى معسراً بمنزلة من أعتق في صحته شقصاً وهو معسر فإن كان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه سرى إلى نصيب الشريك في إحدى الروايتين فيعتق العبد كله ويعطي الشريك قيمة نصيبه من الثلث لأن ملك المعتق لثلث المال تام له انتصرف فيه بالتبرع وغيره فهو كمال الصحيح فأشبه عتق الصحيح الموسر والثانية لا يعتق إلا حصته لأن ملكه يزول إلى ورثته بموته فلا يبقى شئ يقضي منه الشريك وبه قال الأوزاعي

(12/290)


وقال القاضي ما أعتقه في مرض موته سرى وما دبره أو وصى بعتقه لم يسر فالرواية في سراية العتق في حال الحياة أصح والرواية في وقوفه في التدبير أصح وهذا مذهب الشافعي لأن العتق في الحياة ينفذ في حال ملك المعتق وصحة تصرفه وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في ماله كله وأما التدبير والوصية فإنما يحصل العتق به في حال زوال ملك المعتق وتصرفاته.
(مسألة) (وإن اعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه ويحتمل أن يعتق ثلثهم) وجملة ذلك أن المريض إذا أعتق عبيده في مرضه أو دبرهم أو وصى بعتقهم وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فأعتقناهم ثم مات فظهر عليه دين يستغرقهم تبينا بطلان عتقهم وبقاء رقهم فيباعون في الدين ويكون عتقهم وصية والدين يقدم على الوصية قال علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ولأن الدين يقدم على الميراث بالاتفاق ولهذا تباع التركة في قضاء الدين وقد قال الله تعالى (من بعد وصية يوصى بها أو دين) والميراث مقدم على الوصية في الثلثين فما يقدم على الميراث يجب أن يقدم على الوصية، وبهذا قال الشافعي ورد ابن أبي ليلى عبداً أعتقه سيده عند الموت وعليه دين قال أحمد أحسن ابن أبي ليلى وذكر أبو الخطاب رواية أخرى في الذي يعتق عبده في مرضه وعليه دين أنه يعتق منه بقدر الثلث ويرد الباقي لأن تصرف المريض في ثلثه

(12/291)


كتصرف الصحيح في جميع ماله وكما لو لم يكن عليه دين، وقال قتادة وأبو حنيفة واسحاق بسعي العبد في قيمته.
ولنا أنه تبرع في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم عليه الدين كالهبة ولأنه معتبر من الثلث فقدم عليه الدين كالوصية وخفاء الدين لا يمنع ثبوت حكمه ولهذا يملك الغريم استيفاءه فيتبين أنه أعتقهم وقد استحقهم الغريم بدينه فلم ينفذ عتقه كما لو أعتق ملك غيره فإن قال الورثة نحن نقضي الدين ونمضي العتق لم ينفذ في أحد الوجهين حتى يبتدئوا العتق لأن الدين كان مانعاً منه فيكون
باطلاً ولا يصح بنوال المانع بعده (والثاني) ينفذ العتق لأن المانع منه إنما هو الدين فإذا سقط وجب نفوذه كما لو أسقط الورثة حقوقهم من ثلثي التركة بعد العتق في الجميع ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين وقيل إن أصل الوجهين إذا تصرف الورثة في التركة ببيع أو غيره وعلى الميت دين وقضي الدين هل ينفذ؟ فيه وجهان: (فصل) فإن أعتق المريض ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فأقرع الورثة فأعتقوا واحداً وأرقوا اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم ففيه وجهان: (أحدهما) تبطل القرعة لأن الدين شريك في الإقراع فإذا حصلت القسمة مع عدمه كانت باطلة

(12/292)


كما لو قسم شريكان دون شريكهما الثالث (والثاني) يصح الإقراع لأنه لا يمكن إمضاء القسمة وإفراد حصة الدين من كل واحد من النصيبين لأن القرعة دخلت لأجل العتق دون الدين فيقال للورثة اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين اللذين بقيا إما من العبيد وإما من غيرهم ويجب رد نصف العبد الذي عتق فإن كان الذي أعتق عبدين أقرعنا بينهما فإذا خرجت القرعة على أحدهما وكان بقدر السدس من التركة عتق وبيع الآخر في الدين وإن كان أكثر منه عتق منه بقدر السدس وإن كان أقل عتق وعتق من الآخر تمام السدس.
(مسألة) (وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم) وجملته أنه إذا أعتق عبيده في مرضه أو دبرهم أو وصى بعتقهم لم يعتق منهم إلا الثلث ويرق الثلثان إذا لم يجز الورثة عتقهم فإذا فعلنا ذلك ثم ظهر له مال بقدر ثلثيهم تبينا أنهم قد عتقوا من حين أعتقهم أو من حين موته إن كان دبرهم أو وصى بعتقهم لأن تصرف المريض في ثلث ماله نافذ وقد بان أنهم ثلث ماله وخفا ذلك علينا لا يمنع كونه موجوداً فلا يمنع كون العتق واقعاً فعلى هذا يكون حكمهم حكم الأحرار من حين أعتقهم فيكون كسبهم لهم وإن كانوا قد تصرف فيهم ببيع أو هبة أو رهن أو تزويج بغير إذن كان باطلاً وإن كانوا قد تصرفوا فحكم تصرفهم حكم تصرف الأحرار فلو تزوج عبد منهم بغير إذن سيده كان نكاحه صحيحاً ووجب عليه المهر وإن ظهر له مال

(12/293)


بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم لأنه ثلث جميع المال فيقرع بين الذين وقفوا فيعتق من تقع له القرعة إن وفى الثلثان بقيمته وقيمة الأول وإلا عتق منه تمام الثلثين وإن ظهر له مال بقدر نصفهم عتق نصفهم وإن كان بقدر ثلثهم عتق أربعة أتساعهم وعلى هذا الحساب (فصل) وإن وصى بعتق عبد له يخرج من الثلث وجب على الوصي إعتاقه فإن وصى بذلك ورثته لزمهم إعتاقه فإن امتنعوا أجبرهم السلطان أو من ينوب منابه كالحاكم لأن هذا حق لله تعالى وللعبد ومن وجب عليه ذلك ناب السلطان عنه أو نائبه كالزكاة والديون فإذا أعتقه الوارث أو السلطان عتق وما اكتسبه في حياة الموصي فهو للموصي يكون من تركته إن بقي بعده لأنه كسب عبده القن وما كسبه بعد موته وقبل اعتاقه فهو للوارث وقال القاضي هو للعبد لأنه كسبه بعد استقرار سبب العتق فكان له ككسب المكاتب وقال بعض أصحاب الشافعي فيه قولان مبنيان على القولين في كسب العبد الموصى به قبل قبول الوصية.
ولنا أنه عبد قن فكان كسبه للورثة كغير الموصى بعتقه وكالمعلق عتقه بصفة وفارق المكاتب فإنه يملك كسبه قبل عتقه فكذلك بعده ويبطل ما ذكروه بأم الولد فإن عتقها قد استقر سببه في حياة سيدها وكسبها له والموصى به ممنوع وإن سلمناه فالفرق بينهما أن الموصى به قد تحقق فيه سبب الملك وإنما وقف على شرط هو القبول فإذا وجد الشرط استند الحكم إلى ابتداء السبب وفي الوصية

(12/294)


بالعتق ما وجد السبب وإنما أوصى بإيجاده وهو العتق فإذا وجد لم يجز أن يثبت حكمه سابقاً عليه ولهذا يملك الموصى له القبول بنفسه والعبد ههنا لا يملك أن يعتق نفسه فإن مات العبد قبل موت سيده وقبل إعتاقه فما كسبه للورثة على قولنا ولا نعلم قول مخالفينا فيه (فصل) فإن علق عتق عبده على شرط في صحته فوجد في مرضه اعتبر خروجه من الثلث قاله أبو بكر وقد نص أحمد على مثل هذا في الطلاق وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر أنه يعتق من رأس المال وهو مذهب الشافعي لأنه يتهم فيه أشبه العتق في صحته
ولنا أنه عتق في حال تعلق حق الورثة بثلثي ماله فاعتبر من الثلث كالمنجز وقولهم لا يتهم فيه قلنا وكذلك العتق المنجز لا يتهم فيه فإن الإنسان لا يتهم بمحاباة غير الوارث وتقديمه على وارثه وإنما منع منه لما فيه من الضرر بالورثة وهو حاصل ههنا ولو قال إذا قدم زيد وأنا مريض فأنت حر فقدم وهو مريض كان معتبراً من الثلث وجهاً واحداً (مسألة) وإن لم يظهر له مال جزأنا لهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءاً وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان ومالك والشافعي

(12/295)


واسحاق وداود وابن جرير وقال أبو حنيفة يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقيه وروي نحو هذا عن سعيد بن المسيب وشريح الشعبي والنخعي وقتادة وحماد لأنهم تساووا في سبب الاستحقاق فيتساوون في الاستحقاق كما لو كان لا يملك إلا ثلثهم وحده وهو ثلث ماله أو كما لو وصى بكل واحد منهم لرجل، وأنكر أصحاب أبي حنيفة القرعة وقالوا هي من القمار وحكم الجاهلية ولعلهم يردون الخبر الوارد في هذه المسألة لمخالفته قياس الأصول وذكر الحديث لحماد فقال هذا قول الشيخ - يعني إبليس - فقال له محمد بن ذكوان وضع القلم عن ثلاثة (أحدهم) المجنون حتى يفيق يعني - أنك مجنون - فقال له حماد ما دعاك إلى هذا؟ فقال محمد وأنت ما دعاك إلى هذا وهذا قليل في جواب حماد وكان حرياً أن يستتاب عن هذا، فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
ولنا ما روى عمران بن حصين أن رجلاً من الأنصار أعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة وهذا نص في محل الننزاع وحجة لنا في الأمرين المختلف فيهما وهما جمع الحرية واستعمال القرعة، وهو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود وسائر أصحاب السنن، ورواه عن عمران بن الحصين الحسن وابن سيرين وأبو المهلب ثلاثة أئمة ورواه الإمام أحمد عن اسحاق بن عيسى عن هشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي زيد الأنصاري

(12/296)


رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروي نحوه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه حق في تفريقه
ضرر فوجب جمعه بالقرعة كقسمة الإجبار إذا طلبها أحد الشركاء ونظيره من القسمة ما لو كانت دار بين اثنين لأحدهما ثلثها وللآخر ثلثاها وفيها ثلاثة مساكن متساوية لا ضرر في قسمتها فطلب أحدهما القسمة فإنه يجعل كل بيت سهماً ويقرع بينهم بثلاثة أسهم لصاحب الثلث سهم وللأخر سهمان وقولهم إن الخبر يخالف قياس الأصول نمنع ذلك بل هو موافق لما ذكرناه وقياسهم فاسد لأنه إذا كان ملكهم ثلثهم وحده لم يكن جميع نصيبه والوصية لا ضرر في تفريقها بخلاف مسئلتنا وإن سلمنا مخالفته قياس الأصول فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع سواء وافق القياس أو خالفه لأنه قول المعصوم الذي جعل الله عزوجل قوله حجة على الخلق أجمعين وأمر بأتباعه وطاعته وحذر العقاب في مخالفة أمره وجعل الفوز في طاعته والضلال في معصيته وتطرق الخطأ إلى القائس في قياسه أغلب من تطرق الخطأ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعدهم في روايتهم على أنهم قد خالفوا قياس الأصول بأحاديث ضعيفة فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها وقولهم في مسئلتنا في مخالفة القياس والأصول أشد وأعظم والضرر في مذهبهم أعظم وذلك لأن الاجماع منعقد على أن صاحب الثلث في الوصية وما في معناها لا يحصل له شئ حتى

(12/297)


يحصل للورثة مثلاه وفي مسئلتنا يعتقون الثلث ويستسعون العبد في الثلثين فلا يحصل للورثة شئ في الحال ويحيلونهم على السعاية فربما لا يحصل منها شئ أصلاً وربما لا يحصل منها في الشهر إلا اليسير كالدرهم والدرهمين فيكون هذا كمن لم يحصل له شئ وفيه ضرر على العبيد لأنهم يجبرونهم على الكسب والسعاية من غير اختيارهم وربما كان المجبر جارية فيحملها ذلك على البغاء أو عبداً فيسرق أو يقطع الطريق وفيه ضرر على الميت حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والإضرار وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه والدعاء عليه من عبيده وورثته، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكرناه في حق الذي فعل هذا قال (لو شهدته لم يدفن في مقابر المسلمين) قال ابن عبد البر في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب مع مخالفة السنة الثابتة وأشار إلى ما ذكرناه وأما إنكارهم القرعة فقد جاءت في الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى (وما كنت لديهم
إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) وقال سبحانه (فساهم فكان من المدحضين) وأما السنة فقال أحمد في القرعة خمس سنن أقرع بين نسائه وأقرع في ستة مملوكين وقال لرجلين (استهما) وقال (مثل القائم بحدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة) وقال (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه) وفي حديث الزبير أن صفية جاءت بثوبين ليكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلاً فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم

(12/298)


كفنا كل واحد في الثوب الذي طار له وتشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع بينهم سعد وأجمع العلماء على استعمالها في القسمة ولا نعلم بينهم خلافاً في أن الرجل يقرع بين نسائه إذا أراد السفر بإحداهن وإذا أراد البداية في القسمة بينهن وبين الأولياء إذا تشاموا فيمن يتولى التزويج أو من يتولى استيفاء القصاص وأشباه هذا.
(فصل) في كيفية القرعة قال أحمد قال سعيد بن جبير يقرع بينهم بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب فأخرج خاتم هذا وخاتم هذا ثم قال يخرجون بالخواتيم ثم تدفع إلى رجل فيخرج منها واحداً قال احمد بأي شئ خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان رقاعاً أو خواتيم، وقال أصحابنا المتأخرون الأولى أن يقطع رقاعاً صغاراً مستوية ثم تجعل في بنادق شمع أو غيره متساوية القدر والوزن ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر ويغطى عليها بثوب ثم يقال له أدخل يدك فاخرج بندقة فنفضها ونعلم ما فيها، وهذا قول الشافعي وفي كيفية القرعة والعتق ست مسائل.
(أحدها) أن يعتق عدداً من العبيد لهم ثلث صحيح كثلاثة أو تسعة أو ستة (أو قيمتهم متساوية) ولا مال له غيرهم فيجزءون ثلاثة أجزاء جزءاً للحرية وجزأين للرق ويكتب ثلاث رقاع في واحد حرية وفي اثنين رق وتترك في ثلاث بنادق وتغطي بثوب ويقال لرجل لم يحضر أخرج على اسم هذا الجزء فإن خرجت قرعة الحرية عتق ورق الجزآن الآخران وإن خرجت رق رق وأخرجت

(12/299)


أخرى على جزء آخر فإن خرجت رقعة الحرية عتق ورق الجزء الثالث وإن خرجت قرعة الرق رق
وعتق الجزء الثالث لأن الحرية تعينت فيهم وإن شئت كتبت اسم كل جزء في رقعة ثم اخرجت رقعة على الحرية فإذا أخرجت رقعة عتق المسمون فيها ويرق الباقون وإن اخرجت رقعة على الرق رق المسمون فيها ثم تخرج أخرى على الرق فيرق المسمون فيها ويعتق الجزء الثالث وإن أخرجت الثانية على الحرية عتق المسمون فيها ورق الثالث (المسألة الثانية) أن تمكن قسمتهم أثلاثاً وقيمتهم مختلفة يمكن تعديلهم بالقيمة كستة قيمة اثنين منهم ثلاثة آلاف وقيمة اثنين ألفان وقيمة اثنين ألف فتجعل الاثنين الأوسطين جزءاً وتجعل اثنين قيمة أحدهما ثلاثة الآف مع آخر قيمته ألف جزءاً والآخرين جزءاً فتكون ثلاثة أجزاء متساوية في العدد والقيمة على ما قدمناه في المسألة الأولى قيل لأحمد لم يستووا في القيمة؟ قال يقومون بالثمن.
(المسألة الثالثة) أن يتساووا في العدد ويختلفوا في القيمة ولا يمكن الجمع بين تعديلهم بالعدد والقيمة معاً ولكن يمكن تعديلهم بكل واحد منهما منفرداً كستة أعبد قيمة أحدهم ألف وقيمة اثنين ألف وقيمة ثلاثة ألف فإنهم يعدلون بالقيمة دون العدد نص عليه أحمد فقال إذا كانت قيمة واحد مثل اثنين قوم لأنه لا يجوز أن يقع العتق في أكثر من الثلث ولا أقل وفي قسمته بالعدد تكرار القرعة وتبعيض العتق حتى يكمل الثلث فكان التعديل بالقيمة أولى بيان ذلك أنا لو جعلنا مع الذي قيمته

(12/300)


ألف آخر فخرجت قرعة الحرية لهما احتجنا أن نعيد القرعة بينهما فإذا خرجت على القليل القيمة عتق وعتق من الذي قيمته ألف تمام الثلث وإن وقعت قرعة الحرية على اثنين قيمتهما دون الثلث عتقا ثم أعيدت لتكميل الثلث فإذا وقعت على واحد كملت الحرية منه فحصل ما ذكرناه من التبعيض والتكرار، ولأن قسمتهم بين المشتركين فيهم أنما يعدلون فيها بالقيمة دون الأجزاء فعلى هذا تجعل الذي قيمته ألف جزءاً والاثنين اللذين قيمتهما ألف جزءاً والثلاثة الباقين جزءاً ثم يقرع بينهم على ما ذكرنا.
(المسألة الخامسة) أمكن تعديلهم بالعدد دون القيمة كستة أعبد قيمة اثنين ألف وقيمة اثنين سبعمائة وقيمة اثنين خمسمائة فههنا تجزئهم بالعدد لتعذر تجزئتهم بالقيمة فتجعل كل اثنين جزءاً وتضم كل واحد
ممن قيمتهما قليلة إلى واحد ممن قيمتهما كثيرة وتجعل المتوسطين جزءاً وتقرع بينهم فإن وقعت قرعة الحرية على حر قيمته أكثر من الثلث أعيدت القرعة بينهما فعتق من تقع له قرعة الحرية ويعتق من الآخر تتمة الثلث ويرق باقيه والباقون وإن وقعت الحرية على جزء أقل من الثلث عتقا جميعاً ثم يكمل الثلث من الباقين بالقرعة (المسألة السادسة) لم يمكن تعديلهم بالعدد ولا بالقيمة كخمسة أعبد قيمة أحدهم ألف واثنان

(12/301)


ألف واثنان ثلاثة الآف فيحتمل أن تجزئهم ثلاثة أجزاء فتجعل أكثرهم قيمة جزءاً وتضم إلى الثاني أقل الباقين قيمة وتجعلهما جزءاً والباقين جزءاً وتقرع بينهم بسهم حرية وسهمي رق لأن هذا أقرب إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ويعدل الثلث بالقيمة على ما تقدم ويحتمل أن لا يجزئهم بل يخرج القرعة على واحد واحد حتى يستوفى الثلث فيكتب خمس رقاع بأسمائهم ثم يخرج رقعة على الحرية فمن خرج اسمه فيها عتق ثم يخرج الثانية فمن خرج اسمه فيها عتق منه تمام الثلث (مسألة) (وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر وإن شاء جزأهم أربعة أجزاء فأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم أعاد القرعة لأخراج من ثلثاه حر وإن فعل غير ذلك جاز بأن يجعل ثلاثة جزءاً وثلاثة جزءاً واثنين جزءاً فإن خرجت على الاثنين عتقا وكمل الثلث بالقرعة من الباقين وإن خرجت الثلاثة أقرع بينهم بسهمي حرية وسهم رق فإن كان جميع ماله عبدين أقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق على كل حال (فصل) قد ذكرنا أنه إذا كان للمعتق مال غير العبيد مثلا قيمة العبيد عتقوا جميعهم لخروجهم من الثلث وإن كان أقل من مثليهم عتق من العبيد قدر ثلث المال كله فإذا كان العبيد نصف المال عتق ثلثاهم وإن كانوا ثلثي المال عتق نصفهم وإن كانوا ثلاثة أرباعه عتق أربعة أتساعهم وطريقه أن تضرب

(12/302)


قيمة العبيد في ثلاثة ثم تنسب إليه مبلغ التركة فما خرج بالنسبة عتق من العبيد مثلها فإذا كانت قيمة العبيد ألفاً وباقي التركة ألفين ضربت قيمة العبيد في ثلاثة تكن ثلاثة الآف ثم تنسب إليها الألفين تكن ثلثيها
فيعتق ثلثاهم وإن كانت قيمة العبيد ثلاثة الآف وباقي التركة الف ضربنا قيمتهم في ثلاثة تكن تسعة وتنسب إليها التركة كلها تكن أربعة أتساعها وإن كانت قيمتهم أربعة الآف وباقي التركة ألف ضربت قيمتهم في ثلاثة تكن اثني عشر وتنسب إليها خمسة الآف تكن ربعها وسدس فيعتق ربعهم وسدسهم (فصل) فإن كان على الميت دين يحيط ببعض التركة قدم الدين لأن العتق وصيه وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدين قبل الوصية ولأن قضاء الدين واجب وهذا تبرع وتقديم الواجب متعين فإن كان الدين بقدر نصف العبيد جعلوا جزأين وكتب رقعتان رقعة للدين ورقعة للتركة ويخرج واحد منهما على أحد الجزأين فمن خرجت عليه رقعة الدين بيع فيه وكان الباقي جميع التركة يعتق ثلثهم بالقرعة على ما تقدم وإن كان الدين بقدر ثلثهم كتب ثلاث رقاع رقعة للدين واثنتان للتركة وإن كان بقدر ربعهم كتب أربع رقاع رقعة للدين وثلاث للتركة ثم يقرع بين من خرجت له رقاع التركة وإن كتب رقعة للدين ورقعة للحرية ورقعتين للتركة جاز وقيل لا يجوز لئلا تخرج رقعة الحرية قبل قضاء الدين والأول أصح لأنه انما إنما يمنع من قبل قضاء الدين إذا لم يكن له وفاء فأما إن كان له وفاء لم يمنع منه بدليل ما لو كان العتق في أقل من ثلث الباقي بعد وفاء الدين فإنه لا يمنع من العتق قبل وفائه

(12/303)


(مسألة) (وإن اعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلثمائة فأجاز الورثة عتقهما عتقا وإن لم يجز الورثة عتق ثلثهما وكمل الثلث في أحدهما فتجمع قيمتهما فتكون خمسمائة ثم يقرع بينهما فمن خرج له سهم الحرية ضربنا قيمته في ثلاثة ونسبنا قيمتهما إلى المرتفع بالضرب فما خرج من النسبة عتق من العبد بقدره فإن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربنا في ثلاثة صار ستمائة ونسبنا قيمتهما إلى ذلك تكن خمسة أسداسه فيعتق منه كذلك وإن وقعت على الآخر ضربنا قيمته في ثلاثة تكن تسعمائة ونسبنا قيمتهما وهي خمسمائة إلى ذلك نجدها خمسة اتساعه فيعتق منه ذلك وهو ثلث الجميع) لاننا إذا ضربنا قيمة العبدين وهي خمسمائة في ثلاثة كانت ألفاً وخمسمائة وهي جميع المال فالخمسمائة بالنسبة إليها ثلث وبالنسبة إلى الذي قيمته مائتان خمسة أسداسه بعد الضرب وإلى الآخر خمسة اتساعه وكل شئ أتى من هذا فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر وهذا قول من يرى
جميع العتق في بعض العبيد بالقرعة وعند أبي حنيفة ومن وافقه يعتقان فيستسعيان في باقي قيمتهما وقد مضى الكلام معهم والله أعلم (مسألة) (وإن اعتق واحداً من ثلاثة أعبد غير معين فمات أحدهم في حياة السيد أقرع بينه وبين الحيين فإن وقعت رقعة العتق على الميت رق الآخران) لأن القرعة يبين بها من وقع عليه العتق فوجب أن يقرع بيتهم كما لو كانوا احياء فإذا وقعت القرعة على الميت تبين رق الآخرين لأن الحرية إنما تقع على المعتق وهذان لم يعتق واحد منهما وإن وقعت على أحد الحيين عتق إن خرج من الثلث وقد سبق شرح هذا فيما إذا قال أحد عبدي حر وذكرنا الخلاف فيه وإن أعتق الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في حياة السيد فكذلك في قول أبي بكر لأن الحرية إنما تنفذ في الثلث فاشبه ما لو أعتق واحداً منهم قال شيخنا والأولى أن يقرع بين الحيين ويسقط حكم الميت لأنه اعتق الثلاثة والاعتبار في خروجه من الثلث بحالة الموت وحالة الموت إنما كان له

(12/304)


العبد ان الحيان وهما كل ما له فيقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة عتق إن خرج من الثلث وإلا عتق منه بقدر الثلث وإن بقي من الثلث شئ بعد عتقه عتق من الآخر بقدر ما بقي من الثلث وصار بمنزلة ما لو أعتق العبدين في مرضه ولم يكن له مال غيرهم (فصل) إذا دفع العبد إلى رجل مالاً فقال اشترني من سيدي بهذا المال فأعتقني ففعل لم يخل من أن يشتريه بعين المال أو في ذمته ثم ينقد المال فإن اشتراه في ذمته ثم أعتقه صح الشراء ونفذ العتق لأنه ملكه بالشراء فنفذ عتقه له وعلى المشتري أداء الثمن الذي اشتراه به لأنه لزمه الثمن بالبيع والذي دفعه إلى السيد كان ملكاً له لا يحتسب له به من اليمن فبقي الثمن واجباً عليه يلزمه اداؤه وكان العتق من ماله والولاء له وبه قال الشافعي وابن المنذر فأما إن اشتراه بعين المال فالشراء باطل ولا يصح العتق لأنه اشترى بعين مال غيره شيئاً بغير إذنه فلم يصح الشراء ولم ينفذ العتق لأنه اعتق مملوك غيره بغير إذنه ويكون السيد قد أخذ ماله لأن ما في يد العبد محكوم به لسيده فأما على الرواية التي تقول إن النقود لا تتعين بالتعيين فإنه يكون الحكم فيه كما لو اشتراه في ذمته ونحو هذا قال
النخعي وإسحاق فإنهما قالا الشراء والعتق جائزان ويرد المشتري مثل الثمن من غير تفريق وقال الحسن البيع والعتق باطلان وقال الشعبي لا يجوز ذلك ويعاقب من فعله من غير تفريق أيضاً وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق وفيه توسط بين المذهبين فكان أولى أو شاء الله تعالى (فصل) ولو كان العبد بين شريكين فأعطى العبد لأحدهما خمسين ديناراً على أن يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق وسرى إلى باقيه إن كان موسراً ورجع عليه شريكه بنصف الخمسين وبنصف قيمة العبد لأن ما في يد العبد يكون بين سيديه لا ينفرد به أحدهما عن الآخر إلا أن نصيب المعتق ينفذ فيه

(12/305)


العتق وإن كان العوض مستحقاً إذ لم يقع العتق على عينها وإنما سمى خمسين ثم دفعها إليه وإن أوقع العتق على عينها يجب أن يرجع على العبد بقيمة ما أعتقه بالعوض المستحق ويسري العتق إلى نصيب شريكه ويكون ولاؤه للمعتق (فصل) ولو وكل أحد الشريكين شريكه في عتق نصيبه فقال الوكيل نصيبي حر عتق وسرى إلى نصيب شريكه والولاء له وإن أعتق نصيب الموكل عتق وسرى إلى نصيبه إن كان موسراً والولاء للموكل فإن أعتق نصف العبد ولم ينو شيئاً احتمل أن ينصرف إلى نصيبه لأنه لا يحتاج إلى نية ونصيب شريكه يفتقر إلى النية ولم ينو ويحتمل أن ينصرف إلى نصيب شريكه لأنه أمره بالإعتاق فانصرف إلى ما أمر به، ويحتمل أن ينصرف إليهما لأنهما تساويا وأيهما حكمنا بالعتق عليه ضمن نصيب شريكه، ويحمل أن لا يضمن لأن الوكيل إذا أعتق نصيبه فسرى إلى نصيب شريكه لم يضمنه لأنه مأذون له في العتق، وقد أعتق بالسراية فلم يضمن كمن أذن له في اتلاف شئ فأنه لا يضمنه وإن أتلفه بالسراية، وإذا عتق نصيب شريكه لم يلزم شريكه الضمان لأنه مباشر لسبب الإتلاف فلم يجب له ضمان ما تلف به كما لو قال له أجنبي أعتق عبدك فأعتقه

(12/306)