العدة شرح العمدة

باب الشفعة وهو استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها، (34) ولا تجب إلا بشروط سبعة: أحدها: البيع، فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق، الثاني: أن يكون عقارًا أو ما يتصل به من البناء والغراس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 33: (ويلزمه أجرة مثلها) كما لو غصب بهيمة (ويرجع بذلك على الغاصب) لأن المشتري دخل على أن يتمكن من الوطء بغير عوض وأن يسلم له الأولاد، فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره فيرجع إليه كالمغرور بتزويج الأمة على أنها حرة.

[باب الشفعة]
وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها
مسألة 34: (ولا تجب إلا بشروط سبعة: أحدها: البيع فلا تجب في موهوب ولا موقوف ولا عوض خلع ولا صداق) بشرط أن تكون الشفعة في مبيع لما روى جابر قال: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به» أخرجه مسلم، فجعله أحق به إذا باع.
وأما إذا انتقل بغير عوض كالموهوب والموصى به والموقوف فلا شفعة فيه لأنه انتقل بغير بدل أشبه الموروث، ولا شفعة فيما عوضه عن المال كالخلع والصداق والصلح عن دم العمد لأنه انتقل بغير مال أشبه الموهوب، ولأنه لا يمكن الأخذ بمثل العوض أشبه الموروث. وقال ابن حامد: فيه الشفعة لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ويأخذ الشقص بقيمته.
الشرط (الثاني: أن يكون عقارًا أو ما يتصل به من البناء والغراس) لحديث جابر أول الباب، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» وفي حديث: «إذا قسمت الأرض وحددت فلا شفعة فيها» رواه أبو داود وهذا يختص العقار فتختص الشفعة به.

(1/305)


الثالث: أن يكون شقصًا مشاعا، فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه لقول جابر: «قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» ، الرابع: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه، الخامس: أن يأخذ الشقص كله، فإن طلب بعضه سقطت شفعته
(35) ولو كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(الثالث: أن يكون شقصًا مشاعًا، فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه) للأحاديث المذكورة مع حديث جابر.
الشرط (الرابع: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه) كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراص الضيقة، فعن أحمد فيها روايتان: إحداهما: لا شفعة فيها، والأخرى: فيها الشفعة لعموم الحديث في ذلك.
ولأنه عقار مشترك فتجب فيه الشفعة كالذي يمكن قسمته، ولأن الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة، والضرر في هذا النوع أكثر لأنه يتأبد ضرره، والرواية الأولى ظاهر المذهب، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة» وهو الطريق الضيق، رواه أبو الخطاب في رءوس المسائل، وروي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل. ولأن إثبات الشفعة في هذا يضر بالبائع لأنه لا يمكنه التخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقسمة، وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع فيضر بالبائع، وقد يمتنع البيع فتسقط الشفعة فيؤدي إثباتها إلى انتفائها، وأيضًا فإن الشفعة تثبت لدفع الضرر الذي يلحقه بالمقاسمة لما يحتاج من إحداث المرافق الخاصة، وهذا لا يوجد فيما لا يقسم.
(الخامس: أن يأخذ الشقص كله، فإن طلب بعضه بطلت شفعته) لأن أخذه لبعضها ترك للبعض الآخر فتسقط الشفعة فيه، فإذا سقط بعضها سقط جميعها لأنها لا تتبعض فتسقط كلها كالقصاص.

مسألة 35: (فإن كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما) في ظاهر المذهب؛ لأنه حق يستحق بسبب الملك فيسقط على قدره كالأجرة، وعنه على عدد

(1/306)


(36) فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر إلا أخذ الكل أو الترك، السادس: إمكان أداء الثمن، فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته
(37) وإذا كان الثمن مثليا فعليه مثله، وإن لم يكن مثليا فعليه قيمته
(38) وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينهالسابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم، فإن أخرها بطلت شفعته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الرءوس اختارها ابن عقيل؛ لأن كل واحد منهما يأخذ الكل لو انفرد فإذا اجتمعوا تساووا كسراية العتق.

مسألة 36: (فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو الترك) لأن في أخذ البعض تفريق صفقة المشتري فيتضرر بذلك، قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على ذلك.
(السادس: إمكان أداء الثمن) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جابر: «فهو أحق به بالثمن» رواه الجوزجاني. (فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته) لأن أخذه المبيع من غير دفع الثمن أو بعضه إضرار بالمشتري، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» (رواه ابن ماجه) ، ولأن ثبوت الشفعة لدفع الضرر عن الشفيع، والضرر لا يدفع بالضرر، فإن عجز عنه أو عن بعضه بطلت الشفعة، لأن من شروط ثبوت الشفعة القدرة على الثمن لما ذكرنا.

مسألة 37: (وإن كان الثمن مثليًا) كالأثمان والحبوب والأدهان (أعطاه مثله، وإن لم يكن مثليًا أعطاه قيمته) لما ذكرنا في الغصب.

مسألة 38: (وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه) لأنه علم بالثمن ولأن المبيع ملكه فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة، وعلى المشتري اليمين لأن دعوى البائع محتملة.
(السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم، فإن أخرها بطلت شفعته) في الصحيح من المذهب، لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "الشفعة كحل العقال" رواه ابن ماجه " ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري كالرد بالعيب، لكونه يستقر ملكه على المبيع فلا يتصرف فيه خوفا

(1/307)


(39) إلا أن يكون عاجزًا عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته
(40) فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة فأكثر فله مطالبة من شاء منهم، فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه، والثالث على الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
من أخذه بالشفعة، وقال القاضي: يتقيد بالمجلس لأنه كله كحالة العقد، وعنه أنها على التراخي، والمذهب الأول ".

مسألة 39: (إلا أن يكون عاجزًا عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها) " لأن من لا يقدر على الشيء عاجز عنه فلا يكلف فوق وسعه ولا نعلم فيه خلافا " (إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته) كما لو ترك الطلب مع حضوره.

مسألة 40: (فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة أو أكثر فله مطالبة من شاء منهم، فإن أخذ من الأول رجع عليه الثاني بما أخذ منه والثالث على الثاني) فمتى تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع فتصرفه صحيح لأنه ملكه، إلا أن الشفيع ملك عليه أن يتملكه وذلك لا يمنع من تصرفه، كما لو كان الثمن معينًا فتصرف المشتري في المبيع فإن تصرفه صحيح وإن ملك عليه الرجوع فيه.
إذا ثبت هذا فإن المشتري إذا باع الشقص المشفوع وباعه المشتري الثاني للثالث فللشفيع أن يفسخ العقدين الآخرين ويأخذ بالأول، وله أن يفسخ الثالث وحده ويأخذ بالثاني، وله أن يقر الجميع ويأخذ بالثالث، فإذا أخذ من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به ولم يرجع على أحد، وإن فسخ العقد الثالث، وأخذ من الثاني دفع إليه الثمن الذي اشترى به ورجع الثالث على الثاني بالثمن الذي أخذ منه، وإن فسخ العقدين الآخرين وأخذ من الأول دفع إليه ما اشترى به ورجع الثاني على الأول بما أخذ منه والثالث على الثاني، فإذا كان ثمن العقد الأول عشرة والثاني عشرين والثالث ثلاثين فإنه يأخذ من الأول بعشرة ويدفعها إليه ثم يعود الثاني على الأول بعشرين، ويرجع الثالث على الثاني بثلاثين، لا نعلم في هذا خلافًا.

(1/308)


(41) ومتى أخذه وفيه غرس أو بناء للمشتري أعطاه الشفيع قيمته
(42) إلا أن يختار المشتري قلعه من غير ضرر فيه
(43) وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري يبقى إلى الحصاد أو الجذاذ
(44) وإن اشترى شقصًا وسيفًا في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 41: (ومتى أخذه وفيه غرس أو بناء أعطاه الشفيع قيمته) ويملكه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وابن ماجه، ولا يزول عنهما الضرر إلا بذلك.

مسألة 42: (إلا أن يشاء المشتري قلعه) فله ذلك لأنه ملكه فملك نقله ولا يلزمه ضمان نقص الأرض لأنه غير متعد، وقال الخرقي: له ذلك (إذا لم يكن في أخذه ضرر) فيحتمل كلامه أن يلزمه ضمان النقص لأنه قلعه من ملك غيره لتخليص ملكه، أشبه ما لو كسر محبرة إنسان لتخليص ديناره منها.

مسألة 43: (وإن كان فيه زرع أو ثمر باد فهو للمشتري يبقى إلى الحصاد والجذاذ) لأنه زرعه بحق فوجب إبقاؤه، كما لو باع الأرض المزروعة والشجر الذي عليه ثمر باد.

مسألة 44: (وإن اشترى شقصًا وسيفًا في عقد واحد فللشفيع أخذ الشقص بحصته) من الثمن، ويحتمل أن لا يجوز لما فيه من تبعيض الصفقة على المشتري. وعن مالك: تثبت الشفعة فيهما لئلا تتبعض الصفقة على المشتري. ولنا أن السيف لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة فلم يؤخذ بالشفعة كما لو أفرده، وما يلحق المشتري من الضرر فهو ألحقه بنفسه بجمعه بين ما ثبتت فيه الشفعة وما لا تثبت فيه ولأن في أخذ الكل ضررًا به لأنه ربما كان غرضه في السيف فيكون أخذه منه إضرارًا به من غير سبب يقتضيه.

(1/309)