العدة
شرح العمدة [باب العتق]
(وهو) في اللغة الخلوص، ومنه عتاق الخيل والطير إي خالصها. وفي الشرع
(تحرير الرقبة) وتخليصها من الرق.
مسألة 64: (ويحصل بالقول والفعل: فأما القول فصريحه لفظ العتق والتحرير وما
تصرف منهما) نحو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو أعتقتك، لأن هذين
اللفظين وردا في الكتاب والسنة وهما يستعملان عرفًا في العتق فكانا صريحين
فيه كلفظ الطلاق فيه (فمتى أتى بشيء من هذه الألفاظ حصل العتق وإن لم ينو
شيئًا، وما عدا هذا من الألفاظ المحتملة للعتق كناية لا يعتق به إلا إذا
نوى) نحو قوله: خليتك، والحق بأهلك، واذهب حيث شئت ونحوه، كما قلنا في صريح
الطلاق وكنايته (وأما الفعل فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه) لما روى سمرة بن
جندب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ملك ذا رحم
محرم فهو حر» رواه أبو داود، ولأنه ذو رحم فعتق عليه إذا ملكه كالولد، وعنه
لا يعتق إلا عمود النسب بناء على أن نفقة غيرهم لا تجب.
(1/375)
والتحرير وما تصرف منهما، فمتى أتى بذلك
حصل العتق وإن لم ينوه، وما عدا هذا من الألفاظ المحتملة للعتق كناية لا
يعتق بها إلا إذا كان نوى، وأما الفعل فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه
(65) ومن أعتق جزءًا من عبد مشاعًا أو معينًا عتق كله
(66) وإن أعتق ذلك من عبد مشترك وهو موسر بقيمة نصيب شريكه عتق كله وقوم
عليه نصيب شريكه
(67) وله ولاؤه، وإن كان معسرا لم يعتق إلا حصته لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أعتق شركا له في عبد فكان له ما يبلغ
ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد
عتق منه ما عتق»
(68) وإن ملك جزءا من ذي رحمه عتق عليه باقيه إن كان موسرا
(69) إلا أن يملكه بالميراث فلا يعتق عليه إلا ما ملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 65: (ومن أعتق جزءًا من عبده مشاعًا أو معينًا عتق كله) فإذا قال:
ربع عبدي حر أو يده حرة عتق جميعه، لأنه موسر بما يسري إليه فأشبه ما لو
أعتق شركًا له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه.
مسألة 66: (وإن أعتق ذلك من عبد مشترك وهو موسر بقيمة نصيب شريكه عتق كله،
وعليه قيمة باقيه يوم العتق لشريكه) لما روى ابن عمر أن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أعتق شركًا له في عبد فإن كان له ما
يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم، وإلا فقد عتق منه
ما عتق» متفق عليه. وفي لفظ " فكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتق "
رواه أبو داود، وفي لفظ «فقد عتق كله» .
مسألة 67: (وله ولاؤه) لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«الولاء لمن أعتق» (وإن كان معسرًا لم يعتق منه إلا حصته) للخبر.
مسألة 68: (وإن ملك جزءًا من ذي رحم عتق عليه باقيه إن كان موسرًا، إلا أن
يملكه بالميراث) فلا يعتق عليه إلا ما ملك، وذلك أنه متى ملكه بغير الميراث
وهو موسر عتق عليه كله لأنه عتق بسبب من جهته فأشبه إعتاقه بالقول.
مسألة 69: (وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك) موسرًا كان أو
معسرًا، لأنه لا اختيار له في إعتاقه ولا بسبب من جهته، ونقل عن المروذي ما
يدل على أنه يعتق عليه نصيب الشريك إذا كان موسرًا؛ لأنه ملك بعضه، أشبه ما
لو ملكه بالشراء.
(1/376)
فصل: وإذا قال لعبده: أنت حر في وقت سماه،
أو علق عتقه على شرط يعتق إذا جاء ذلك الوقت أو وجد الشرط ولم يعتق قبله
ولا يملك إبطاله بالقول وله بيعه وهبته والتصرف فيه ومتى عاد إليه عاد
الشرط
(70) وإن كانت الأمة حاملا حين التعليق أو وجد الشرط عتق حملها وإن حملت
ووضعت فيما بينهما لم يعتق ولدها
باب التدبير وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي أو قد دبرتك أو أنت مدبر صار
مدبرًا يعتق بموت سيده إن حمله الثلث ولا يعتق ما زاد إلا بإجازة الورثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[فصل في إضافة العتق لوقت أو تعليقه بشرط]
(فصل: وإذا قال لعبده: أنت حر في وقت سماه، أو علق عتقه على شرط عتق إذا
جاء الوقت أو وجد الشرط) لأنه عتق بصفة فجاز كالتدبير (ولا يعتق قبل وجود
ذلك) لأنه حق علق على شرط فلا يثبت قبله كالجعل في الجعالة، (ولا يملك
إبطال ذلك بالقول) لأنه كالتدبير، (ويملك ما يزيل الملك فيه من البيع
والهبة) والوقف كما ملك ذلك في المدبر، فإن باعه ثم اشتراه عاد الشرط، لأن
التعليق والصفة وجدا في ملكه فعتق كما لو لم يزل ملكه.
مسألة 70: (وإن كانت الأمة حاملة حين وجود التعليق أو وجود الشرط عتق
حملها) لأنه كعضو من أعضائها (وإن حملت ووضعت فيما بينهما لم يعتق ولدها)
في أحد الوجهين، وفي الآخر يتبع أمه لأنه نوع استحقاق للحرية فتبع الولد
أمه فيه كالتدبير. ودليل الأول أن التدبير أقوى من التعليق لأن التعليق
بصفة في الحياة يبطل بالموت، والتدبير لا يبطل بالموت بل يتحقق مقصود منه.
[باب التدبير]
(وإذا قال لعبده: أنت حر بعد موتي أو قد دبرتك أو أنت مدبر صار مدبرًا يعتق
بموت سيده إن حمله الثلث) والأصل فيه ما روى جابر عن النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أن رجلًا أعتق مملوكًا عن دبر، فاحتاج، فقال
رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من يشتريه مني؟ فباعه من
نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إلى الرجل وقال: أنت أحوج» متفق
عليه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من دبر عبده
أو أمته ولم يرجع عن ذلك حتى
(1/377)
(71) ولسيده بيعه وهبته ووطء الجارية
(72) ومتى ملكه بعد عاد تدبيره
(73) وما ولدت المدبرة والمكاتبة وأم الولد من غير سيدها فله حكمها
(74) ويجوز تدبير المكاتب
(75) وكتابة المدبر، فإن أدى عتق، وإن مات سيده قبل أدائه عتق إن حمل الثلث
ما بقي عليه من كتابته
(76) وإلا عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتاب بقدر ما عتق وكان على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مات - والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء دين إن كان عليه دين وإنفاذ
وصاياه إن كان وصّى، وكان السيد بالغًا جائز الأمر - أن الحرية تجب له أو
لها، ويعتبر من الثلث لأنه تبرع بالمال بعد الموت فهو كالوصية. ونقل عنه
حنبل أنه من رأس المال وليس عليه عمل، وذكر أبو بكر أنه كان قولًا قديمًا
رجع عنه، (ولا يعتق ما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة) لأنه حقهم فلا
يجوز بغير إجازتهم.
مسألة 71: (ولسيده بيعه) لخبر جابر (ويجوز هبته) لأنها كالبيع (ويجوز وطء
الجارية) المدبرة لأنها مملوكته، وقد قال سبحانه: {إِلا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ولأن ثبوت
العتق لها بالموت لا يمنع من وطئها كأم الولد.
مسألة 72: (فإن باعه ثم عاد إليه عاد التدبير) لأنه علق عتقه بصفة، فإذا
باعه ثم اشتراه عادت الصفة كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت حر ثم باعه ثم
اشتراه.
مسألة 73: (وما ولدت المدبرة والمكاتبة وأم الولد من غير سيدها فله حكمها)
لأن الولد جزء من الأم فيتبعها كبقية أجزائها.
مسألة 74: (ويجوز تدبير المكاتب) لا نعلم فيه خلافًا لأنه تعليق عتق بصفة
وهو يملك إعتاقه فيملك تعليقه، وإن كان التدبير وصية فهو وصية بما ملك وهو
الإعتاق.
مسألة 75: (وتجوز كتابة المدبر) روى الأثرم بإسناده عن أبي هريرة وابن
مسعود جوازه، ولأن التدبير إن كان عتقًا بصفة لم يمنع الكتابة كما لو قال:
إن دخلت الدار فأنت حر ثم كاتبه، وإن كان وصية فالوصية للمكاتب جائزة (فإن
أدى عتق) كما لو لم يكن مدبرًا (وإن مات سيده قبل أدائه عتق بالتدبير إن
حمل الثلث ما بقي من كتابته) لأنه لو أدى ما بقي من كتابته لعتق، والمدبر
يعتق من الثلث فإذا خرج من الثلث عتق كله، وإذا عتق سقط ما عليه كما لو
أعتقه سيده.
مسألة 76: (وإلا عتق منه بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما عتق وكان على
(1/378)
الكتابة بما بقي
(77) وإن استولد مدبرته بطل تدبيرها
(78) وإن أسلم مدبر الكافر أو أم ولده حيل بينه وبينهما وينفق عليهما من
كسبهما، وإن لم يكن لهما كسب أجبر على نفقتهما
(79) فإن أسلم ردا إليه وإن مات عتقا
(80) وإن دبر شركا له في عبد وهو موسر لم يعتق عليه سوى ما أعتقه
(81) وإن أعتقه في مرض موته وثلثه يحتمل باقيه عتق جميعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الكتابة بما بقي) يعني إن لم يخرج من الثلث عتق منه بمقدار الثلث، لأن
التدبير وصية، والوصية تنفذ في الثلث، فإذا عتق منه بقدر ثلث مال سيده سقط
من الكتابة بقدر ما عتق، لأن ما عتق قد صار حرًا بإعتاق سيده له وتبرعه به،
فلم يبق له عوض ويبقى على الكتابة ما بقي لبقاء الرق فيه.
مسألة 77: (وإن استولد مدبرته بطل تدبيرها) قد سبق أن له إصابة مدبرته
لكونها ملكه، فإن أولدها بطل تدبيرها لأن مقتضى التدبير العتق بعد الموت من
الثلث، والاستيلاد يقتضي ذلك مع تأكده وقوته، فإنها تعتق من رأس المال وإن
لم يملك غيرها، وسواء كان عليه دين أو لم يكن، فوجب أن يبطل التدبير كما أن
النكاح يبطل بملك اليمين.
مسألة 78: (وإن أسلم مدبر الكافر حيل بينه وبينه) لأن الكافر لا يمكن من
استدامة ملكه على مسلم مع إمكان بيعه، وفيه وجه آخر لا يباع لأنه استحق
الحرية بالموت ولكن تزال يده عنه ويترك في يد عدل (وينفق عليه من كسبه) وما
فضل فهو لسيده، وإن أعوز ولم يكن ذا كسب فنفقته على سيده (وكذلك الحكم في
أم الولد إذا أسلمت) غير أنها لا تباع لأن الاستيلاد يمنع البيع.
مسألة 79: (فإن أسلم السيد الكافر ردا إليه) لأنه إنما أخذا منه لكفره وقد
زال الكفر (وإن مات الكافر عتقا) كما لو كان مسلمًا.
مسألة 80: (وإن دبر شركًا له في عبد وهو موسر لم يعتق منه سوى ما أعتقه)
لأن التدبير إما أن يكون تعليقًا للعتق بصفة أو وصية وكلاهما لا يسري،
ويحتمل أن يضمن لشريكه ويصير كله مدبرًا لأنه سبب يوجب العتق بالموت فسرى
كالاستيلاد.
مسألة 81: (وإن أعتقه في مرض موته وثلثه يحتمل باقيه عتق جميعه) لأن للمريض
التصرف في ثلثه كما أن للصحيح التصرف في جميع ماله، وعنه لا يعتق منه إلا
ما ملك،
(1/379)
باب المكاتب الكتابة شراء العبد نفسه من
سيده بمال في ذمته، وإذا ابتغاها العبد المكتسب الصدوق من سيده استحب له
إجابته إليها، لقول الله تعالى: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا الآية، (82) ويجعل المال عليه أنجما
(83) فمتى أداها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لأن حق الورثة تعلق بماله إلا ما استثناه من الثلث بتصرفه فيه، ولأنه بموته
يزول ملكه إلى ورثته فلا يبقى له شيء يقضي منه للشريك.
[باب المكاتب] 1
الكتابة شراء العبد نفسه من سيده بمال في ذمته، وإذا ابتغاها العبد المكتسب
الصدوق من سيده استحب له إجابته إليها، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ
يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ
عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] .
مسألة 82: (ويجعل المال عليهم منجمًا) نجمين فصاعدًا؛ لأن عليًا - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قال: الكتابة على نجمين، والإيتاء من الثاني، وقال ابن
أبي موسى: يجوز فيه نجم واحد لأنه عقد شرط فيه التأجيل فجاز على نجم واحد
كالسلم، ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ويحصل ذلك في النجم
الواحد، والأحوط نجمان فصاعدًا لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه
أسهل على المكاتب. ويجب أن تكون النجوم معلومة، ويعلم في كل نجم قدر
المؤدى، وأن يكون العوض معلومًا بالصفة لأنه عوض في الذمة فوجب فيه العلم
بذلك كالسلم.
مسألة 83: (فمتى أدى ما كوتب عليه أو أبرئ منه عتق) لما روى عمرو بن شعيب،
عن أبيه عن جده أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» رواه أبو داود، ومفهومه أنه إذا أدى جميع
ما عليه أنه لا يبقى عبدًا وأنه يصير حرًا بالأداء. وقال أصحابنا: إذا أدى
ثلاثة أرباع كتابته وعجز عن الربع عتق لأنه حق له فلا تتوقف حريته على
أدائه كأرش جناية لسيده عليه، وإن أبرأه سيده عتق لأنه لم يبق عليه شيء.
(1/380)
عتق
(84) ويعطى مما كوتب عليه الربع لقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قال علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
هو الربع
(85) والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا أنه يملك البيع والشراء
(86) والسفر وكل ما فيه مصلحة ماله
(87) وليس له التبرع
(88) ولا التزوج ولا التسري إلا بإذن سيده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 84: (ويعطى مما كوتب عليه الربع لقوله سبحانه: {وَآتُوهُمْ مِنْ
مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] ، وروي عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -) أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في
هذه الآية: يحط عنه (الربع) أخرجه أبو بكر، وهذا نص، وروي عن علي - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - موقوفًا عليه، ويخير السيد بين وضعه عنه وبين أخذه منه
ودفعه إليه لأن الله تعالى نص على الدفع عليه فنبه به على الوضع عنه لكونه
أنفع من الدفع لتحقق النفع به في الكتابة.
مسألة 85: (والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم) لحديث عمرو بن شعيب (إلا أنه
يملك البيع والشراء) بإجماع من أهل العلم، لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق
ولا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الأداء إلا باكتساب، والبيع والشراء من
جملة الاكتساب، بل قد جاء في بعض الآثار: «إن تسعة أعشار الرزق في التجارة»
.
مسألة 86: (وله السفر) قريبًا كان أو بعيدًا، قال شيخنا: وقياس المذهب أن
له منعه من سفر تحل نجوم الكتابة قبله، كقولنا في منع الغريم من السفر الذي
يحل عليه الدين قبل قدومه منه، ولم يذكر أصحابنا هذا بل قالوا: له السفر
مطلقًا. (وله كل ما فيه مصلحة ماله) من الإجارة والاستئجار والمضاربة وأخذ
الصدقة لأنه غارم.
مسألة 87: (وليس له التبرع إلا بإذن سيده) لأن ذلك إتلاف المال على سيده،
فإن أذن له السيد جاز لأنه حقه.
مسألة 88: وليس له التزوج) لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أنه قال: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر» رواه أبو
داود، ولأن عليه في ذلك ضررًا لأنه يحتاج إلى أن يؤدي المهر والنفقة من
كسبه وربما عجز فرق فرجع إليه ناقص القيمة، فإن أذن له سيده
(1/381)
(89) وليس لسيده استخدامه
(90) ولا أخذ شيء من ماله، ومتى أخذ منه شيئا أو جنى عليه أو على ماله
فعليه غرامته
(91) ويجري الربا بينهما كالأجانب
(92) إلا أنه لا بأس أن يعجل لسيده ويضع عنه بعض كتابته
(93) وليس له وطء مكاتبته ولا بنتها ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
صح إجماعًا. (وليس له التسري إلا بإذن سيده) لأن ملكه غير تام، ولأن على
السيد ضررًا في ذلك لأنه ربما أحبلها وعجز وترجع إليه ناقصة، لأن الحبل عيب
في بنات آدم، فإن أذن له سيده جاز لأنه يجوز للعبد "القن" التسري بإذن سيده
فالمكاتب أولى.
مسألة 89: (وليس لسيده استخدامه) لأنه يشغله بذلك عن التكسب، ولأن منافعه
صارت مملوكة له بعقد الكتابة فلا يملك السيد استيفاءها.
مسألة 90: (ولا يملك أخذ شيء من ماله) كما لا يملك ذلك من الأجنبي، (ومتى
أخذ شيئًا منه أو جنى عليه أو على ماله فعليه غرامته) لذلك.
مسألة 91: (ويجري الربا بينهما كالأجانب) لأنه في باب المعاوضة كالأجنبي،
ولهذا لكل واحد منهما الشفعة على الآخر، فيكون بيعه لسيده درهمًا بدرهمين
كبيعه ذلك لأجنبي وهو الربا المحض.
مسألة 92: (إلا أنه لا بأس أن يعجل لسيده ويضع بعض كتابته) مثل إن كاتبه
على ألف في نجمين إلى سنة ثم قال: عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي جاز
ذلك. وقال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يجوز لأنه بيع ألف
بخمسمائة وهو ربا الجاهلية ولهذا لا يبيعه درهمًا بدرهمين. ولنا أن مال
الكتابة غير مستقر وليس بدين صحيح، فيحمل على أنه أخذ بعضًا وأسقط بعضًا.
والدليل على أنه غير مستقر أنه معرض للسقوط بالعجز، ولا تجوز الكفالة به
ولا الحوالة عليه ولا تجب فيه زكاة، بخلاف الدين على الأجنبي فإنه دين
حقيقي، والذي يحقق هذا أن المكاتب عبد للسيد وكسبه ينبغي أن يكون له، وذكر
ابن أبي موسى أن الربا لا يجري بين المكاتب وسيده لأنه عبد في الأظهر عنه.
مسألة 93: (وليس له وطء مكاتبته) إلا أن يشترط في قول أكثرهم، لأن الكتابة
عقد أزال ملك استخدامها ومنع ملك عوض منفعة البضع فيما إذا وطئت بشبهة
فأزال حل وطئها كالبيع، فإن اشترط وطأها فله ذلك لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون عند شروطهم» (رواه الدراقطني) ولأنه شرط
منفعتها فصح كما لو شرط استخدامها، (فإن وطئها ولم يشترط فلها
(1/382)
جاريتها، فإن فعل فعليه مهر مثلها
(94) وإن ولدت منه صارت أم ولد، فإن أدت عتقت، وإن مات سيدها قبل أدائها
عتقت، وما في يدها لها إلا أن تكون قد عجزت
(95) ويجوز بيع المكاتب لأن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «اشترت بريرة
وهي مكاتبة بأمر رسول الله» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(96) ويكون في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته، فإن أدى عتقوولاؤه
لمشتريه
(97) وإن عجز فهو عبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
عليه المهر) ولا تخرج بالوطء على الكتابة لأنه عقد لازم فلم ينفسخ
بالمطاوعة على الوطء كالإجارة، ويجب لها المهر لأنه عوض منفعتها فوجب لها
كعوض بدنها، ولأن المكاتبة في يد نفسها ومنافعها لها ولو وطئها أجنبي كان
لها المهر فكذلك السيد.
مسألة 94: (وكذلك الحكم في وطء ابنتها) لذلك، (فإن ولدت منه صارت أم ولد
له) لأنها مملوكته علقت بجزء في ملكه، وولده حر لأنه من مملوكته، ولا يجب
عليه قيمته لأنها ولدته في ملكه، ولا تبطل كتابتها لأنه عقد لازم من جهة
سيدها، وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه، لأنه
لو وجد منفردًا ثبت حكمه، وانضمام غيره إليه يؤكده ولا ينافيه. (فإن أدت
عتقت) بالكتابة، (وما فضل من كسبها لها) ، وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم
الكتابة ويبقى لها حكم الاستيلاد منفردًا كما لو استولدها من غير مكاتبة،
(وتعتق بموته) ، وما في يدها لورثة سيدها.
مسألة 95: (ويجوز بيع المكاتب) لما روي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
- «أن بريرة جاءتها فقالت: يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في
كل عام أوقية، فأعينيني على كتابتي، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لعائشة: "اشتريها» متفق عليه، ولأنه سبب يجوز فسخه فلم يمنع
البيع كالتدبير.
مسألة 96: (ويكون في يد مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته، فإن أدى عتق)
كما لو أدى إلى سيده الذي كاتبه، (وولاؤه لمشتريه) لأن «النبي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة: "اشتريها، فإن الولاء لمن أعتق»
.
مسألة 97: (وإن عجز فهو عبد) لمشتريه كما لو عجز وهو في يد سيده، وعنه لا
يجوز بيع المكاتب، لأن سبب العتق ثبت له على وجه لا يستقل السيد برفعه
فيمنع البيع كالاستيلاد، والأول أصح للخبر.
(1/383)
(98) وإن اشترى المكاتبان كل واحد منهما
الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الثاني
(99) فإن جهل الأول منهما بطل البيعان
(100) وإن مات المكاتب بطلت الكتابة
(101) وإن مات السيد قبله فهو على كتابته يؤدي إلى الورثة وولاؤه لمكاتبه
(102) والكتابة عقد لازم ليس لأحدهما فسخها
(103) وإن حل نجم فلم يؤده فلسيده تعجيزه
(104) وإذا جنى المكاتب بدئ بجنايته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 98: (وإن اشترى المكاتبان كل واحد منهما الآخر صح شراء الأول) لأنه
أهل للشراء والبيع فحل له، أشبه ما لو اشترى عبدًا، (ويبطل شراء الثاني)
لأنه لا يصح أن يملك سيده إذ لا يكون مملوكًا مالكًا لأنه يفضي إلى تناقض
الأحكام، إذ كل واحد منهما يقول لصاحبه: أنا مولاك ولي ولاؤك فإن عجزت صرت
لي عبدًا، وفي هذا تناقض. وإذا تنافى أن تملك المرأة زوجها ملك اليمين مع
بقاء ملكه في النكاح عليها، فهاهنا أولى.
مسألة 99: (فإن جهل الأول منهما بطل البيعان) لأن العقد الصحيح فيهما مجهول
فبطلا، كما لو زوج الوليان وجهل السابق منهما فسد النكاحان.
مسألة 100: (وإن مات المكاتب بطلت الكتابة) لفوات محل الاستحقاق، ويصير كما
لو تلف الرهن أو العين المستأجرة فإن العقد يبطل، كذا هاهنا.
مسألة 101: (وإن مات السيد قبل المكاتب فهو على كتابته يؤدي إلى الورثة)
لأن الحق انتقل إليهم، كما لو مات المؤجر (وولاؤه لمكاتبه) لأن العتق
والولاء لمن أعتق.
مسألة 102: (والكتابة عقد لازم ليس لأحدهما فسخها) لأنها عقد معاوضة لا
يقصد منه المال أشبه النكاح أو كان لازمًا كالبيع.
مسألة 103: (فإن حل نجم فلم يؤده فلسيده تعجيزه) لأن العوض تعذر في عقد
معاوضة ووجد غير ماله فكان له الرجوع فيها، كما لو باع سلعة فأفلس المشتري
قبل نقد ثمنها، وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان، لأن ما بينهما محل لأداء
الأول، فلا يتحقق عجزه حتى يحل الثاني، وعنه لا يعجز حتى يقول قد عجزت،
لأنه يحتمل أن يتمكن من الأداء فيما بعد النجوم.
مسألة 104: (وإذا جنى المكاتب بدئ بجنايته) قبل كتابته، لأن مال الجناية حق
مستقر ومال الكتابة غير مستقر لما سبق.
(1/384)
(105) وإن اختلف هو وسيده في الكتابة أو
عوضها
(106) أو التدبير أو الاستيلاد فالقول قول السيد مع يمينه
باب أحكام أمهات الأولاد (107) إذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه
شيء من خلق الإنسان صارت له بذلك أم ولد، تعتق بموته وإن لم يملك غيرها
(108) وما دام حيًا فهي أمته، أحكامها أحكام الإماء في حل وطئها وملك
منافعها وكسبها وسائر الأحكام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 105: (وإن اختلف هو وسيده في الكتابة) فالقول قول من ينكرها لأن
الأصل معه (وإن اختلفا في قدر عوضها) فالقول قول السيد لأنهما اختلفا في
عوضها فأشبه ما لو اختلفا في عقدها، وعنه: القول قول العبد، لأن الأصل عدم
الزيادة المختلف فيها، وعنه يتحالفان لأنهما اختلفا في قدر العوض فيتحالفان
كما لو اختلفا في ثمن المبيع، فإذا تحالفا قبل العتق فسخ العقد إلا أن يرضى
أحدهما بما قال صاحبه، وإن كان التحالف بعد العتق رجع السيد على العبد
بقيمته ويرجع العبد بما أداه إلى سيده. وإن اختلفا في وفاء مالها فالقول
قول السيد لأن الأصل معه.
مسألة 106: (وإن اختلفا في التدبير أو الاستيلاد فالقول قول السيد) لذلك.
[باب أحكام أمهات الأولاد]
مسألة 107: (إذا حملت الأمة من سيدها فوضعت ما يتبين فيه شيء من خلق
الإنسان صارت بذلك أم ولد، تعتق بموته) من رأس المال، لما روى ابن عباس
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أيما أمة ولدت
من سيدها فهي حرة عن دبر منه» رواه ابن ماجه، ولأنه إتلاف حصل الاستمتاع
فحسب من رأس المال كإتلاف ما تأكله.
مسألة 108: (وما دام حيًا فهي أمته، أحكامها أحكام الإماء في حل وطئها،
ويملك منافعها وكسبها وسائر الأحكام) لأنها مملوكته إنما تعتق بالموت بدليل
حديث ابن عباس.
(1/385)
(109) إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها ولا
سائر ما ينقل الملك فيها أو يراد له
(110) وتجوز الوصية لها وإليها، فإن قتلت سيدها عمدًا فعليها القصاص، وإن
قتلته خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الحالين
(111) وإن وطئ أمة غيره بنكاح ثم ملكها حاملًا عتق الجنين
(112) وله بيعها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 109: (إلا أنه لا يملك بيعها ولا رهنها ولا سائر ما ينتقل الملك فيها
أو يراد له) كالرهن لما روى سعيد بإسناده " عن عبيدة السلماني " قال: خطب
عليٌّ الناس فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن،
فقضى به عمر حياته، وعثمان حياته، فلما وليت رأيت أن أرقهن. قال عبيدة:
فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده. وروي عنه أنه قال:
بعث إلى علي وإلى شريح أن اقضوا بما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف.
مسألة 110: (وتجوز الوصية لها وإليها) لأن العبد تصح الوصية له وإليه (وإن
قتلت سيدها عمدًا فعليها القصاص) كما لو لم تكن أم ولد (وإن قتلته خطأ
فعليها قيمة نفسها) لأنها جناية أم ولد فلم يلزمها أكثر من قيمتها كالجناية
على أجنبي، (وتعتق في الموضعين) لحديث ابن عباس.
مسألة 111: (وإن وطئ أمة غيره بنكاح ثم ملكها حاملًا عتق الجنين) ولم تصر
أم ولد، لأنها علقت بمملوك، فإذا كان الولد مملوكًا فأمه أولى.
مسألة 112: (وله بيعها) لأنها لم تصر أم ولد، وعنه تصير أم ولد لحديث ابن
عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول الباب.
(1/386)
|