العدة
شرح العمدة كتاب الرضاع (1) حكم الرضاع حكم النسب في
التحريم والمحرمية فمتى أرضعت المرأة طفلًا صار ابنًا لها وللرجل الذي ثاب
اللبن بوطئه
(2) فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الرضاع]
مسألة 1: (حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية) لقوله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس: «يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب» متفق عليه (فمتى أرضعت المرأة طفلًا صار ابنًا لها وللرجل الذي
ثاب اللبن بوطئه) فإذا حملت من رجل ثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فأرضعت
به طفلًا صار ولدًا لهما في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت
المحرمية، وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما وصارا أبويه، وآباؤهما أجداده
وجداته، وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته، وإخوة الرجل وأخواته أعمامه
وعماته لقوله سبحانه: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] نص على هاتين في المحرمات
فدل على ما سواهما. وروت عائشة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال: «الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة» (رواه مسلم) وحديث ابن
عباس قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ابنة
حمزة: " لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من
الرضاعة» متفق عليه. وروت عائشة «أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما
أنزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني
امرأة أبي القعيس، فدخلت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة
أخيه، قال: إيذني له فإنه عمك تربت يمينك» متفق عليه، ولأن اللبن حدث للولد
والولد ولدهما، فكان المرضع بلبنه ولدهما.
مسألة 2: فيحرم عليه) يعني على المرتضع كل من يحرم على ابنها من النسب)
لذلك.
(1/405)
النسب
(3) وإن أرضعت طفلة صارت بنتًا لهما تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من
النسب لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من
الرضاعة ما يحرم من النسب»
(4) والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من الثدي
أو وجور أو سعوط، محضًا كان أو مشوبًا إذا لم يستهلك
(5) ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكرًا كانت أو
ثيبًا، في حياتها أو بعد موتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 3: (وإن أرضعت طفلة صارت بنتًا لهما تحرم على كل من تحرم عليه
ابنتهما من النسب) لذلك.
مسألة 4: (والرضاع المحرم ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من
الثدي أو وجور أو سعوط، محضًا كان أو مشوبًا إذا لم يستهلك) والوجور أن يصب
اللبن في حلقه فيحرم لأنه ينشر العظم وينبت اللحم فأشبه الارتضاع، وأما
السعوط فهو أن يصب في أنفه فيحرم، لأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلًا
للتحريم بالرضاع كالفم، وعنه لا يثبت التحريم بهما لأنهما ليسا برضاع، وأما
المشوب فهو كالمحض في نشر الحرمة إذا كانت صفات اللبن باقية، فإن صب في ماء
كثير لم يتغير به لم يثبت التحريم لأن هذا لا يسمى لبنًا مشوبًا ولا ينشر
عظمًا ولا ينبت لحمًا.
وقال أبو بكر: قياس قول الإمام أحمد أن المشوب لا ينشر الحرمة لأنه وجور،
وقال أبو حامد: إن غلب اللبن حرم وإن غلب خلطه لم يحرم لأن الحكم للأغلب
ويزول اسم المغلوب، والأول أصح لأن ما تعلق به الحكم غالبًا تعلق به
مغلوبًا كالنجاسة والخمر.
مسألة 5: (ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكرًا كانت
أو ثيبًا، في حياتها أو بعد موتها) فلو ثاب للرجل لبن فأرضع به طفلًا لم
يتعلق به تحريم لأنه لم يخلق لغذاء المولود فلم يتعلق به تحريم كلبن
البهيمة، ولأنه لا تثبت به الأمومة فالأخوة أولى، بخلاف لبن المرأة فإنه
خلق لغذاء الولد وتثبت به الأمومة سواء كانت بكرًا أو ثيبًا لأنه رضاع من
امرأة فنشر الحرمة، كما لو كان لها ولد، ولأن لبن النساء خلق لتغذية
الأطفال فيدخل في عموم قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
[النساء: 23] وعنه لا ينشر الحرمة
(1/406)
(6) فأما لبن البهيمة أو الرجل
(7) أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً الثاني: أن يكون في الحولين لقول رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرم من الرضاع إلا ما
فتق الأمعاء وكان قبل الفطام» الثالث: أن يرتضع خمس رضعات لقول عائشة: أنزل
في القرآن عشر رضعات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
لأنه نادر أشبه لبن الرجل، لأنه لم تجر العادة به لتغذية الأطفال أشبه لبن
الرجال. وإن ارتضع من امرأة ميتة نشر الحرمة كما لو ارتضع من حية.
مسألة 6: (فأما لبن البهيمة فلا يثبت الحرمة) فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم
يصيرا أخوين، وقال بعضهم: يصيران أخوين، وليس بصحيح لأن هذا اللبن لا يتعلق
به تحريم الأمومة فلا يتعلق به تحريم الأخوة لأنه فرع على الأمومة، ولأن
البهيمة دون الآدمية في الحرمة ولبنها دون لبنها في غذاء الآدمي فلم تتعلق
الحرمة به.
مسألة 7: (فإن ثاب لبن لخنثى مشكل لم يثبت به التحريم) لأنه لم يثبت كونه
امرأة فلا يثبت التحريم مع الشك.
الشرط (الثاني: أن يكون في الحولين) لقوله سبحانه: {وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ
يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فجعل تمام الرضاعة حولين فيدل على أنه
لا حكم لما بعدهما، وعن عائشة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - دخل عليها وعندها رجل، فتغير وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقالت: يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة، فقال رسول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انظرن إخوانكن، فإنما الرضاعة
من المجاعة» متفق عليه. وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل
الفطام» أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح.
الشرط (الثالث: أن يرتضع خمس رضعات) فصاعدًا، هذا الصحيح من المذهب وروي عن
جماعة من الصحابة، وعنه أن قليل الرضاع وكثيره يحرم لقوله:
{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ
الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«يحرم من الرضاع ما يحرم من
(1/407)
يحرمن، فنسخ من ذلك خمس فصار إلى خمس رضعات
معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
والأمر على ذلك
(8) ولبن الفحل محرم وإن كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلًا
والأخرى طفلة صارا أخوين لأن اللقاح واحد، وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة
ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتًا له دونهما
(9) فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها يرجع به عليهما
أخماسًا ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
النسب» ، وأنه فعل يتعلق به تحريم مؤبد فلم يعتبر فيه العدد كتحريم أمهات
النساء، وعنه لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات لقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحرم المصة ولا المصتان» روته عائشة، وروى عن أم
الفضل بنت الحارث قالت: قال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان» رواهما مسلم، ووجه الرواية الأولى ما
روى عن عائشة «عن سهلة بنت سهيل أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قال لها: " أرضعي سالمًا خمس رضعات فيحرم بلبنها» (رواه مسلم)
وروى عن عائشة أنها قالت: " أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات، فنسخ من ذلك
خمس، وصار إلى خمس رضعات يحرمن، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - والأمر على ذلك " رواه مسلم، والآية تقول بها والسنة فسرت
الرضاعة المحرمة، وصريح ما رويناه يخص مفهوم ما رووه فيجمع بين الأخبار
بحملها على الصريح الصحيح الذي رويناه.
مسألة 8: (ولبن الفحل محرم) فإذا وطئ امرأة بنكاح فحملت وبان لها اللبن
فأرضعت به طفلًا أو طفلة صار المرتضع ابنًا لها ولزوجها، لأن اللبن هو من
الحمل الذي هو منه (وإن كان له امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلًا والأخرى
طفلة صارا أخوين لأن اللقاح واحد، وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات
ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتًا له دونهما) لأنها ارتضعت من لبنه خمس
رضعات فكمل رضاعها من لبنه فصار أبًا لها كما لو أرضعتها واحدة منهما في
أحد الوجهين، وفي الآخر لا يصير أبًا لها، لأنه رضاع لم تثبت به الأمومة
فلم تثبت به الأبوة كلبن البهيمة.
مسألة 9: (ولو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها) لأنها صارت ابنة له
لكونها ارتضعت من لبنه خمس رضعات (وعليه نصف مهرها يرجع به عليهما) على قدر
رضاعها يقسم بينهما (أخماسًا) ، (لأن الرضعات الخمس يحرمن، وقد وجد من
إحداهما ثلاث رضعات ومن الأخرى رضعتان فيجب على) الأولى ثلاثة أخماس وعلى
الثانية خمسان
(1/408)
ينفسخ نكاحهما
(10) ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات: ثلاثًا من لبنه واثنتين من
لبن غيره صارت أمًا لها وحرمتا عليه وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على
التأبيد، وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة
(11) ولو تزوجت المرأة طفلًا فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه وانفسخ نكاحها
وحرمت على صاحب اللبن تحريمًا مؤبدًا لأنها صارت من حلائل أبنائه
فصل: ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت
الكبيرة وثبت نكاح الصغيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
(ولم ينفسخ نكاحهما) لأن الأمومة لم تثبت لهما. وعلى الوجه الآخر لا ينفسخ
نكاح الصغيرة لما سبق في التي قبلها.
مسألة 10: (ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات ثلاثًا من لبنه
واثنتين من لبن غيره صارت أمًا لها) لأنها أرضعتها خمس رضعات (وحرمتا عليه
على التأبيد) الكبيرة لكونها أم زوجته، والصغيرة لأنها بنت زوجته فهي
ربيبته، وحرمت الطفلة على الرجل الآخر لأنها ابنة زوجته (وإن لم تكن الطفلة
امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة) لأنها إنما انفسخ نكاحها في المسألة قبلها
لأنها صارت أم زوجته، وهذا المعنى مفقود فيما إذا لم تكن الطفلة امرأة له.
مسألة 11: (ولو تزوجت المرأة طفلًا فأرضعته خمس رضعات حرمت عليه) لأنه صار
ابنًا لها بالرضاع (وانفسخ نكاحها) لذلك (وحرمت على صاحب اللبن تحريمًا
مؤبدًا لأنها صارت من حلائل أبنائه) .
(فصل: ولو تزوج رجل كبيرة ولم يدخل بها وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت
الكبيرة) على التأبيد لأنها صارت من أمهات النساء (وثبت نكاح الصغيرة)
لأنها ربيبة لم يدخل بأمها فلا تحرم لقوله سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] ، وعنه يفسخ
نكاحها وهو مذهب الشافعي، لأنهما صارتا أمًا وبنتًا واجتمعتا في نكاحه
والجمع بينهما محرم فانفسخ نكاحها كالأختين، وكما لو عقد عليهما بعد الرضاع
عقدًا واحدًا. ولنا أنه أمكن إزالة الجمع بانفساخ نكاح الكبيرة وهي أولى به
لأن نكاحهما محرم على التأبيد فلم يبطل نكاحهما معًا كما لو ابتدأ العقد
على أخته وأجنبية، ولأن الجمع طرأ
(1/409)
(12) وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى
حرمت الكبرى وانفسخ نكاح الصغيرتين وله نكاح من شاء من الصغيرتين
(13) وإن كن ثلاثا فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى وانفسخ نكاح المرضعتين
أولاً وثبت نكاح الثالثة
(14) وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معا انفسخ نكاح الثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
على نكاح الأم والبنت فاختصت الأم بفسخ نكاحها كما لو أسلم وتحته امرأة
وبنتها، وفارق الأختين لأنه ليست إحداهما بالفسخ أولى من الأخرى، وفارق ما
إذا ابتدأ العقد عليهما لأن الدوام أقوى من الابتداء.
مسألة 12: (وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى) لأنها صارت من
أمهات النساء (وانفسخ نكاح الصغيرتين) لأنهما صارتا أختين وقد اجتمعتا في
نكاحه فانفسخ نكاحهما كما لو جمع بين أختين في نكاح أجنبيتين (وله نكاح من
شاء من الصغيرتين) كما لو كانتا أجنبيتين، إلا على الرواية الأخرى فإنه
ينفسخ نكاح الأولى ويثبت نكاح الثانية، هذا إن ارتضعن منفردات لأن الكبيرة
لما أرضعت الأولى انفسخ نكاحها بالإجماع، ثم أرضعت الأخرى فلم تجتمع معها
في النكاح فلم ينفسخ نكاحها، فإن ارتضعتا معًا انفسخ نكاح الجميع لأنهم
اجتمعوا في النكاح.
مسألة 13: (ولو كان الأصاغر ثلاثًا فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى) لما سبق
(وانفسخ نكاح المرضعتين أولًا) لأنهما صارتا أختين (وثبت نكاح أخراهن)
رضاعًا لأن رضاعها بعد انفساخ نكاح الكبيرة والصغيرتين اللتين قبلها فلم
تصادف أخواتها جميعًا في النكاح. وعلى الرواية الأخرى ينفسخ نكاح الجميع
لأن الكبيرة لما أرضعت الأولى انفسخ نكاحهما بالاجتماع معًا، ثم لما أرضعت
الاثنتين بعد ذلك صارتا أختين في نكاحه فانفسخ نكاحهما أيضًا.
مسألة 14: (وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعد ذلك معا انفسخ نكاح
الجميع) لأنها إذا أرضعت إحداهن منفردة لم ينفسخ نكاحها لأنها منفردة، ثم
إذا أرضعت اثنتين بعد ذلك مجتمعتين بأن تلقم كل واحدة ثديًا فيمتصان معًا
انفسخ نكاح الجميع لأنهن صرن أخوات في النكاح. وعلى الرواية الثانية ينفسخ
نكاح الأم والثانية بالاجتماع، ثم ينفسخ نكاح الاثنتين بالاجتماع أيضًا.
(1/410)
(15) وله نكاح من شاء منهن منفردة
(16) وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد
(17) ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها
(18) وإن كان قد دخل بها فلها مهرها، وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على
الكبرى
(19) ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرمتها
على الزوج ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى إن كان قبل الدخول، وإن كان
بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد ولا مهر للصغرى
(20) ولو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع انفسخ نكاحها، ولها المهر إن
كان دخل بها ونصف المهر إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه، وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 15: (وله نكاح من شاء منهن منفردة) لأن تحريمهن تحريم جمع لكونهن
أخوات، لا تحريم تأبيد لأنهن ربائب لم يدخل بأمهن.
مسألة 16: (وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد) لأنهن يصرن من
الربائب المدخول بأمهن.
مسألة 17: (ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها) لأنها أفسدت نكاح نفسها،
وكل من أفسد نكاح امرأة قبل الدخول فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي
يلزمه لها لأنه قرره عليه بعد أن كان تعرض للسقوط، وفرق بينه وبين زوجته
فلزمه ذلك كشهود الطلاق إذا رجعوا، فإذا تقرر هذا فكانت هي المفسدة لزمها
ذلك فسقط، لأنه لو وجب لوجب لها على نفسها فأشبهت الغاصب إذا جنى عليه
المغصوب.
مسألة 18: (وإن كان قد دخل بها فلها مهرها، ولم يرجع به على أحد لأنه استقر
بالدخول فلم يسقط كما لو ارتدت (وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى)
لأنها أفسدت نكاحهن برضاعها إياهن فلزمها لما سبق.
مسألة 19: (ولو دبت الصغرى إلى الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات
حرمتها على الزوج ولها نصف مهرها عليه يرجع به على الصغرى) لأنها أفسدت
نكاحها (إن كان قبل الدخول، وإن كان بعد الدخول فلها مهرها كله لا يرجع به
على أحد) لأنه استقر بالدخول (ولا مهر للصغرى) لأنها هي التي أفسدت نكاح
نفسها.
مسألة 20: ولو نكح امرأة ثم قال) قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ
نكاحه) لأنه أقر بما يوجب تحريمها عليه أشبه ما لو أقر بالطلاق (ولها المهر
إن كان دخل
(1/411)
صدقته قبل الدخول فلا شيء لها
(21) وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها فهي
امرأته في الحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
بها) لأنه استقر بالدخول (أو نصفه إن كان لم يدخل بها ولم تصدقه) لأن قوله
غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها فلزمه إقراره فيما هو حق له وهو تحريمها
عليه، ولم يقبل فيما عليه من المهر، (وإن صدقته قبل الدخول فلا مهر لها)
لأنها صدقته على أن النكاح فاسد لا يستحق فيه مهر.
مسألة 21: (وإن كانت هي التي قالت: هو أخي فأكذبها ولا بينة لها فهي امرأته
في الحكم) ولا يقبل قولها في فسخ النكاح لأنه حق عليها، فإن كان قبل الدخول
فلا مهر لها لأنها تقر بأنها لا تستحقه، وإن كان بعد الدخول وأقرت أنها
كانت عالمة بأنها أخته وبتحريمها عليه فلا مهر لها؛ لأنها تقر بأنها زانية
مطاوعة، وإن أنكرت ذلك فلها المهر لأنه وطئ بشبهة وهي زوجته في ظاهر الحكم؛
لأن قولها عليه غير مقبول، فأما فيما بينها وبين الله فإن علمت صحة ما أقرت
به لم يحل لها مساكنته ولا تمكينه من وطئها، وعليها أن تفر منه وتفتدي
نفسها لأن وطئه لها زنا في اعتقادها، فعليها التخلص منه مهما أمكنها، كما
إذا علمت أن زوجها طلقها ثلاثًا وجحدها ذلك.
(1/412)
باب نكاح الكفار (22) لا يحل لمسلمة نكاح
كافر بحال ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية
(23) ومتى أسلم زوج الكتابية أو أسلم الزوجان الكافران معًا فهما على
نكاحهما
(24) وإن أسلم أحدهما غير زوج الكتابية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب نكاح الكفار]
مسألة 22: (لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال) لأن الله سبحانه وتعالى قال:
{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] ، (ولا
لمسلم نكاح كافرة) لقوله سبحانه: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (إلا الحرة الكتابية) لقوله سبحانه:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] . 50
مسألة 23: (ومتى أسلم زوج الكتابية أو أسلم الزوجان الكافران معًا فهما على
نكاحهما) لأن للمسلم أن يبتدئ العقد على كتابية فاستدامته أولى، ولا خلاف
في هذا بين القائلين بجواز نكاح الكتابيات. وأما إذا أسلما معًا فهما على
نكاحهما إجماعًا، ذكره ابن عبد البر، ولأنه لم يوجد منهما اختلاف دين. وروى
أبو داود «أن رجلًا جاء مسلمًا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله إنها
كانت أسلمت معي، فردها عليه» . ويعتبر تلفظهما بالإسلام دفعة واحدة لئلا
يسبق إسلام أحدهما إسلام صاحبه فيفسد نكاحه، ويحتمل أن يقف على المجلس
كالقبض فإن حكمه حكم حالة العقد، لأنه يبعد اتفاقهما على النطق بكلمة
الإسلام دفعة واحدة.
مسألة 24: (وإن أسلم أحدهما غير زوج كتابية) مثل أن يسلم أحد الزوجين غير
الكتابيين كالوثنيين أو المجوسيين أو كتابيّ متزوج لوثنية أو مجوسية قبل
الدخول بها تعجلت الفرقة بينهما من حين إسلامه ويكون فسخًا ليس بطلاق،
لأنها فرقة لاختلاف دين فكانت فسخًا كما لو أسلم الزوج، ولأنه اختلاف دين
يمنع الإقرار على النكاح، فإذا وجد قبل الدخول تعجلت الفرقة كالردة أو كما
لو أسلم الزوج، ولأنه إن كان هو المسلم فليس
(1/413)
(25) أو ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل
الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان ذلك بعد الدخول فأسلم الكافر منهما
في عدتها فهما على نكاحهما وإلا تبينا أن النكاح انفسخ منذ اختلف دينهما
(26) وما سمى لها وهما كافران فقبضته في كفرهما فلا شيء لها غيره وإن كان
حرامًا، وإن لم تقبضه وهو حرام فلها مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
له إمساك الزوجة لقوله سبحانه: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
[الممتحنة: 10] ، وإن كانت هي المسلمة فلا يجوز بقاؤها في نكاح مشرك لقوله
سبحانه: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:
10] .
مسألة 25: (وإن ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول انفسخ النكاح في
الحال) لقوله سبحانه: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:
10] ولقوله سبحانه: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ
لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] ، ولأنه اختلاف دين
يمنع الإصابة فأوجب فسخ النكاح كما لو أسلمت تحت كافر (وإن كانت الردة بعد
الدخول) فهل تعجل الفرقة، أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين: إحداهما:
تتعجل الفرقة لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده
كالرضاع، والثانية: تقف على انقضاء العدة (فإن أسلم المرتد قبل انقضائها
فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت تبينا انفساخ النكاح منذ اختلف
الدينان) لأنه لفظ تقع به الفرقة، فإذا وجد بعد الدخول جاز أن يقف على
انقضاء العدة كالطلاق الرجعي.
مسألة 26: (وما سمى لها وهما كافران فقبضته في كفرهما فلا شيء لها غيره وإن
كان حرامًا، وإن لم تقبضه وهو حرام فلها مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك)
وذلك أن الكفار إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا بعد العقد والقبض لم نتعرض لما
فعلوه، وما قبضت من المهر فقد نفذ وليس لها غيره حلالًا كان أو حرامًا،
لقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا
مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] فأمر بترك ما بقي دون ما قبض،
ولأن التعرض للمقبوض بابطاله يشق لتطاول الزمان وكثرة تصرفاتهم في الحرام
ففيه تنفيرهم عن الإسلام، ولأنهما تقابضا بحكم الشرك فبرئت ذمة من هو عليه
كما لو تبايعا بيوعًا فاسدة وتقابضا، وإن لم يتقابضوا وكان المسمى حلالًا
وجب ما سمياه لأنه مسمى صحيح فهو كتسمية المسلم، وإن كان حرامًا كالخمر
والخنزير بطل ولم يحكم به لأن ما سمياه لا يجوز إيجابه في
(1/414)
فصل: وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه
وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن،
وإن كان ممن يحل له نكاحهن أمسك منهن من تعفه وفارق سائرهن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الحكم ولا يجوز أن يكون صداقًا لمسلمة ولا في نكاح مسلم، ويجب مهر المثل إن
كان بعد الدخول ونصفه إن وقعت الفرقة قبل الدخول وهو معنى قوله: " حيث وجب
ذلك ".
[فصل في الحر يسلم وتحته إماء فيسلمن معه]
(فصل: فإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على
الإسلام ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن) لأنه في هذه الحالة لا
يملك ابتداء نكاحهن (وإن كان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن يحل له
الإماء فله الاختيار منهن واحدة) لأنه يملك ابتداء نكاحها فملك اختيارها
كالحرة.
(1/415)
باب الشروط في النكاح (27) إذا اشترطت
المرأة دارها أو بلدها أو أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى فلها شرطها
(28) وإن لم يف به فلها فسخ النكاح لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج»
«ونهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (29) عن نكاح
المتعة» وهو أن يتزوجها إلى أجل
(30) وإن شرط أن يطبقاه في وقت بعينه لم يصح كذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب الشروط في النكاح]
مسألة 27: (وإذا اشترطت المرأة دارها أو بلدها أو لا يتزوج عليها أو لا
يتسرى فلها شرطها، وإن لم يف به فلها فسخ النكاح لقول رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به
الفروج» متفق عليه، وهو قول جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فكان
إجماعًا، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المسلمون على
شروطهم» .
مسألة 28: (وإن لم يف لها بشرطها فلها الفسخ) لأنه شرط لازم في عقد فيثبت
حق الفسخ بفواته كشرط الرهن في البيع.
مسألة 29: (ونكاح المتعة باطل وهو أن يتزوجها إلى مدة) لما روى الربيع بن
سبرة عن أبيه «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن
المتعة في حجة الوداع» (رواه مسلم) ، وفي لفظ: " «إن رسول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم متعة النساء» رواه أبو داود، ولأنه لم
تتعلق به أحكام النكاح من الطلاق وغيره فكان باطلًا كسائر الأنكحة الباطلة.
مسألة 30: (وإن شرط أن يطلقها في وقت بعينه لم يصح النكاح) لأنه شرط يمنع
بقاء النكاح فأشبه التأقيت، ويتخرج أن يصح ويبطل الشرط لأن النكاح وقع
مطلقًا وشرط على نفسه شرطًا لا يؤثر فيه فأشبه ما لو شرط أن لا يطأها.
(1/416)
(31) ونهى عن الشغار وهو أن يزوج الرجل
ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ولا صداق بينهما
(32) «ولعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل
والمحلل له» ، وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثا ليحلها لمطلقها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 31: (ونكاح الشغار لا يصح، وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر
وليته ولا صداق بينهما) لما روى ابن عمر «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن نكاح الشغار، والشغار أن يزوجه ابنته على أن
يزوجه ابنته وليس بينهما صداق» متفق عليه. ولأنه جعل كل واحد من العقدين
سلفًا في الآخر فلم يصح كما لو قال: بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي.
مسألة 32: «ولعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المحلل
والمحلل له» قال الترمذي: حديث صحيح وهو (أن يتزوجها على أنه إذا أحلها
طلقها) فيكون النكاح حرامًا باطلًا للخبر، فإن تواطئا على ذلك قبل العقد
فنواه في العقد ولم يشرطه فالنكاح باطل أيضًا نص عليه وقال: متى أراد بذلك
الإحلال فهو ملعون لعموم الحديث.
(1/417)
باب العيوب التي يفسخ بها النكاح (متى وجد
أحد الزوجين الآخر مملوكاً)
(33) أو مجنوناً أو أبرص أو مجذوماً أو وجد الرجل المرأة رتقاء، أو وجدته
مجبوباً، فله فسخ النكاح
(34) إن لم يكن علم ذلك قبل العقد
(35) ولا يجوز الفسخ إلا بحكم الحاكم
(36) وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها فاعترف أنه لم يصبها أجل
سنة منذ ترافعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب العيوب التي يفسخ بها النكاح]
(ومتى وجد أحد الزوجين الآخر مملوكًا فله الفسخ) أما إذا وجد الرجل المرأة
مملوكة، وقد تزوجها على أنها حرة فله الفسخ، وقد مضى ذكره في آخر باب ولاية
النكاح. وإن وجدته الحرة مملوكًا فلها الفسخ أيضًا لحديث بريرة، وقد مضى
أيضًا.
مسألة 33: (وإن وجد أحدهما صاحبه مجنونًا أو مجذومًا أو أبرص فله الفسخ) ؛
لأن هذه العيوب تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح، فإن ذلك يثير نفرة ويخشى
من تعديه إلى الولد والنفس فيمنع الاستمتاع.
(وإن وجدها الرجل رتقاء أو وجدته مجبوبًا ثبت لمن وجده الفسخ) لأن الرتق
والجب يتعذر معهما الوطء بالكلية، فإن الرتق عبارة عن انسداد الفرج والجب
عبارة عن المقطوع الذكر فيتعذر الوطء فيثبت الفسخ كالعيوب الأولى.
مسألة 34: (وإنما ثبت له الفسخ إذا لم يكن علم بالعيب قبل العقد) لأنه يكون
معذورًا، فأما إن علم بالعيب قبل العقد أو وقت العقد أو قال: قد رضيته
معيبًا بعد العقد أو وجد منه دلالة على الرضا من وطء أو تمكين مع العلم
بالعيب فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فلم يكن له خيار كمشتري المعيب.
مسألة 35: (ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم) لأنه أمر مجتهد فيه فهو كفسخ
العنة وكالفسخ للإعسار بالنفقة ويخالف خيار المعتقة فإنه متفق عليه.
مسألة 36: (وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها فاعترف أنه لم
يصبها أجل سنة منذ ترافعه) روي ذلك عن جماعة من الصحابة، لما روى الدارقطني
أن عمر
(1/418)
(37) فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو
فراقه
(38) فإن اختارت فراقه فرق الحاكم بينهما إلا أن تكون قد علمت عنته قبل
نكاحها أو قالت: رضيت به عنيناً في وقت
(39) وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها
(40) وإن قال: قد علمت عنتي ورضيت بي بعد علمها فأنكرته فالقول قولها
(41) وإن أصابها مرة لم يكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أجل العنين سنة، وروي ذلك عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم،
ورواه أبو حفص عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
مسألة 37: (فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو فراقه) وهو قول من سمينا من
الصحابة الذين أجلوه سنة، وإنما أجل سنة لأن العجز عن الوطء قد يكون خلقة
وقد يكون لمرض عرض به، فضربت له سنة لتمر به الفصول الأربعة، فإن كان ذلك
من يبس زال في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل الحرارة وإن كان من
انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال، فإذا مضت الفصول الأربعة ولم يطأ علم أن
ذلك خلقة. والعنين هو الذي في ذكره ضعف فلا يقدر على الإيلاج.
مسألة 38: (فإن اختارت فراقه لم يجز إلا بحكم حاكم) لأنه فسخ في موضع
اجتهاد فافتقر إلى الحاكم كالفسخ للإعسار، هذا إذا لم تكن علمت بالعيب قبل
النكاح، فإن كانت علمت به أو قالت قد رضيت به عنينًا في وقت، فإن خيارها
يبطل لأنها دخلت على بصيرة ورضيت به فأشبه شراء المعيب.
مسألة 39: (وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها) لا نعلم في
ذلك خلافًا، لأن سكوتها بعد العقد ليس بدليل على الرضا به لأنه زمان لا
يملك فيه الفسخ والامتناع من استمتاعه فلم يكن سكوتها مسقطًا لحقها كسكوتها
بعد ضرب المدة وقبل انقضائها.
مسألة 40: (وإن قال: قد علمت عنتي أو رضيت بي بعد علمها، فأنكرت فالقول
قولها) لأن الأصل عدم العلم والرضا.
مسألة 41: (وإن أصابها مرة لم يكن عنينًا) أكثرهم يقولون: متى وطئ امرأته
مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها؛ لأنه قد تحققت قدرته على الوطء في هذا
النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يترك وطئها.
(1/419)
عنينًا
(42) وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء أوريت النساء الثقات ورجع إلى
قولهن
(43) فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه. فصل: وإن عتقت المرأة وزوجها عبد
خيرت في المقام معه أو فراقه
(44) ولها فراقه من غير حكم حاكم
(45) فإن أعتق قبل اختيارها أو وطئها بطل خيارها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 42: (وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء أوريت النساء الثقات ورجع
إلى قولهن) فإن شهدن أنها عذراء أجل سنة، لأن الوطء يزيل عذرتها فوجودها
يدل على عدم الوطء، وإن شهدن أن عذرتها زالت فالقول قوله لأنها تزول
بالوطء.
مسألة 43: (وإن كانت ثيبًا فالقول قوله مع يمينه) لأن هذا مما يتعذر إقامة
البينة عليه، وجنبته أقوى فإن في دعواه سلامة العقد وصحته، ولأن الأصل في
الرجال السلامة وعدم العيوب، ويحلف على صحة ما قال لأن قوله محتمل للكذب
فرجحنا قوله بيمينه كما في سائر الدعاوى. وقال الخرقي: يخلى معها ويقال له
أخرج ماءك على شيء فإن أخرجه فالقول قوله؛ لأن العنين يضعف عن الإنزال،
فإذا أنزل تبينا صدقه فيحكم به كما لو شهد النساء بعذرتها، فإنا نقبل قولها
لظهور صدقها، فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني لأنه
إنما يشبه بياض البيض، وبياض البيض إذا جعل على النار يجتمع وييبس وهذا
يذوب، فيعرف بذلك.
(وإن عتقت الأمة وزوجها عبد خيرت في المقام معه أو فراقه) أجمع أهل العلم
على أن لها الخيار في فسخ النكاح، ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما،
والأصل فيه حديث بريرة، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كاتبت
بريرة، فخيرها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في زوجها
وكان عبدًا فاختارت نفسها» رواه مالك وأبو داود والنسائي. ولأن عليها عارًا
وضررًا في كونها حرة تحت عبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر
فبان عبدًا.
مسألة 44: (ولها فراقه من غير حكم حاكم) لأنه مجمع عليه لا يحتاج إلى
اجتهاد.
مسألة 45: (فإن عتق قبل اختيارها أو وطئها بطل خيارها) علمت أن لها الخيار
أو لم تعلم، لما روى الإمام أحمد بإسناده عن الحسن بن عمر بن أمية قال:
سمعت رجالًا
(1/420)
(46) أو عتقت كلها وزوجها حر فلا خيار لها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
يتحدثون عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إذا
أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها، إن شاءت فارقته وإن وطئها فلا خيار
لها» ورواه الأثرم. وروى أبو داود «أن بريرة عتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي
أحمد فخيرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال لها: " إن
قربك فلا خيار لك» "، وقد روي ذلك عن عبد الله وحفصة، وقال ابن عبد البر:
لا أعلم لهما مخالفًا من الصحابة. إذا ثبت هذا فإنه متى عتق بطل خيارها لأن
الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط خيارها كالمبيع إذا زال عيبه،
فإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم، نص عليه الإمام أحمد لقوله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بريرة: «إن قربك فلا خيار
لك» ولم يفرق.
مسألة 46: (وإن أعتق بعضها فلا خيار لها) لأن الخيار إنما يثبت لمن عتقت
كلها، ولا يلزم من ذلك ثبوته لمن عتق بعضها، لأنه قد ثبت للكل ما لا يثبت
للبعض.
مسألة 47: (وإن عتقت كلها وزوجها حر فلا خيار لها) لأن الخيار إنما يثبت
لدفع العار بكونها حرة تحت عبد، وهذا منتف فيما نحن فيه.
(1/421)
|