العدة شرح العمدة

كتاب الصداق وكل ما جاز أن يكون ثمنًا جاز أن يكون صداقًا قليلا كان أو كثيراً لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي قال له: زوجني هذه المرأة إن لم يكن لك بها حاجة، قال: «التمس ولو خاتماً من حديد»
(1) فإذا زوج الرجل ابنته بأي صداق جاز ولا ينقصها غير الأب من مهر مثلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[كتاب الصداق]
(كل ما جاز أن يكون ثمنًا جاز أن يكون صداقًا قل أو كثر) بدليل قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث سهيل بن سعد: «التمس ولو خاتمًا من حديد» (رواه البخاري) . وقال سبحانه: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] يعني: مائة رطل ذهب، وهذا يدل على جوازه بالقليل والكثير. وقوله: كل ما جاز أن يكون ثمنًا جاز أن يكون صداقًا لأنه عقد معاوضة أشبه البيع فلا يجوز بالمجهول والمحرم والحشرات التي لا يجوز أن تكون رهنًا لذلك.

مسألة 1: (فإذا زوج الرجل ابنته بأي صداق كان جاز) سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، وسواء كان بصداق مثلها أو دونه وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة؛ لأن «عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خطب الناس فقال: " ألا لا تغالوا في صداق النساء، فما أصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدًا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية» (رواه أبو داود) وظاهره صحة تسميته من زوج بمثل ذلك وإن نقص عن مهر المثل لأن عمر إنما ذكر ذلك ليُحذا ويتأسى به ولا يزاد عليه، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو سيد قريش، ولأنه غير متهم في حقها فلا يمنع من تحصيل المقصود والحظ لابنته بتفويت غير المقصود، فإن المقصود من النكاح الوصلة والاستمتاع ووضع المرأة في منصب وخلق حسن، وليس المقصود منه

(1/423)


إلا برضاها
(2) فإذا أصدقها عبداً بعينه فوجدته معيباً خيرت بين أرشه ورده أو أخذ قيمته
(3) وإن وجدته مغصوباً أو حرًا فلها قيمته
(4) وإن كانت عالمة بحريته أو غصبه حين العقد فلها مهر مثلها
(5) وإن تزوجها على أن يشتري لها عبدًا بعينه فلم يبعه سيده أو طلب به أكثر من قيمته فلها قيمته
فصل: فإن تزوجها بغير صداق صح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
المهر، والظاهر من حال الأب مع تمام شفقته أنه لا ينقص من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فإنه غير متهم (وليس لغيره نقصها عن مهر مثلها إلا بإذنها) لأنه متهم فإذا نقصه بإذنها لم يكن لغيره الاعتراض لأن الحق لها وقد أسقطته فأشبه ما لو أذنت في بيع سلعة لها بأقل من ثمن مثلها، وإن فعله بغير إذنها لم يجز والنكاح صحيح ويكون لها مهر مثلها لأنه قيمة بضعها، وليس لهذا الولي تنقيصه، فرجع إلى مهر المثل كالمفوضة، ويحتمل أن لا يلزم الزوج إلا المسمى والباقي على الولي لأنه المفرط فأشبه ما لو باع الوكيل بدون ثمن المثل.

مسألة 2: (وإذا أصدقها عبدًا بعينه فوجدت به عيبًا خيرت بين أرشه ورده أو أخذ قيمته) لأنه عوض في عقد معاوضة فيرد بالعيب كالمبيع، فإذا ردته بالعيب فلها قيمته لأن العقد لا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه فكان لها القيمة كما لو غصبها إياه وتلف عنده، وإن كان من ذوات الأمثال فلها مثله لأنه أقرب إليه، وإن اختارت إمساكه والمطالبة بالأرش فلها ذلك كقولنا في المبيع المعيب.

مسألة 3: (وإن وجدته مغصوبا أو حرًا فلها قيمته) لأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكًا وقد تعذر تسليمه فكان لها قيمته كما لو وجدته معيبًا فردته.

مسألة 4: (وإن كانت عالمة بحريته أو غصبه جاز العقد ولها مهر مثلها) .

مسألة 5: (وإن تزوجها على أن يشتري لها عبدًا بعينه فلم يبعه سيده أو طلب به أكثر من قيمته فلها قيمته) نص عليه، لأنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم، فإذا ثبت هذا فإنه إذا تعذر عليه تحصيل العبد فلها قيمته لأنه تعذر الوصول إلى قبض المسمى فوجب قيمته كما لو تلف.

[فصل في حكم النكاح بغير صداق]
(فصل: وإن تزوجها بغير صداق صح) النكاح لقوله سبحانه:

(1/424)


(6) فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا المتعة، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، وأعلاها خادم وأدناها كسوة تجوز لها الصلاة فيها
(7) وإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض فلها مهر نسائها لا وكس ولا شطط، وللباقي منهما الميراث، وعليها العدة، «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى في بروع بنت واشق لما مات زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها أن لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط، ولها الميراث وعليها العدة»
(8) ولو طالبته قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] ، وحديث بروع بنت واشق التي قضى فيها ابن مسعود بقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث، تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقًا ولم يدخل بها حتى مات» أخرجه أبو داود، فدل على صحة النكاح بغير تسمية صداق، ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة، وتسمى هذه مفوضة البضع وهو التفويض الصحيح.

مسألة 6: (فإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا المتعة) لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] والأمر يقتضي الوجوب، وقال تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] ، ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضًا فلا معدي عن العوض كما لو سمى مهرًا. إذا ثبت هذا فالمتعة معتبرة بحال الزوج في يسره وعسره لقوله سبحانه: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] . إذا ثبت هذا (فأعلاها خادم) إذا كان موسرًا (وإن كان معسرًا) أمتعها كسوتها درعًا وخمارًا وثوبًا تصلي فيه وهو قول ابن عباس، وعنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم لأنه يحتاج إلى اجتهاد فأشبه سائر المجتهدات.

مسألة 7: (فإن مات أحدهما قبل الدخول والفرض فلها مهر نسائها لا وكس ولا شطط، وللباقي منهما الميراث، وعليها العدة، لحديث بروع بنت واشق) وقد سبق.

مسألة 8: (ولو طالبته قبل الدخول أن يفرض لها فلها ذلك) لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجبت لها المطالبة ببيان قدره لا نعلم في ذلك خلافًا، وإن اتفقا على فرضه جاز

(1/425)


الدخول أن يفرض لها فلها ذلك، فإن فرض لها مهر نسائها أو أكثر فليس لها غيره، وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيت
فصل: وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ارتدادها أو رضاعها أو فسخ لعيبها أو فسخ لعيبه أو إعساره أو أعتقها يسقط به مهرها
(9) وإن جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه يتنصف مهرها بينهما إلا أن يعفو لها عن نصفه أو تعفو هي عن حقها وهي رشيدة فيكمل الصداق للآخر
(10) وإن جاءت من أجنبي فعلى الزوج نصف المهر يرجع به على من فرق بينهما
(11) ومتى تنصف المهر وكان معينًا باقيًا لم تتغير قيمته صار بينهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
ما فرضاه قليلًا كان أو كثيرًا لأن الحق لا يخرج عنهما (وإن فرض لها مهر نسائها أو أكثر فليس لها غيره) لأنه بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا تلفت إنما يجب قيمتها، ومهر نسائها كالقيمة في السلعة فإذا بذل أكثر من مهر نسائها فلزمها قبوله بطريق الأولى لأنه زادها خيرًا، (وإن فرض لها أقل من مهر المثل فرضيته فكذلك) لأن الحق لها وقد رضيت بدونه.

(فصل: وكل فرقة جاءت من قبل المرأة قبل الدخول كإسلامها أو ارتدادها أو رضاعها أو ارتضاعها أو فسخ لعيبها أو فسخها لعيبه أو إعساره أو لأنها تحت عبد يسقط به مهرها) ولا يجب لها متعة لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه فسقط البدل كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه.

مسألة 9: (وإن كانت من الزوج كطلاقه وخلعه) وإسلامه وردته (نصف به مهرها بينهما إلا أن يعفو لها عن نصفه أو تعفو هي عن حقها وهي رشيدة فيكمل الصداق للآخر) لقوله سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] نص على الطلاق وسائر ما استقل به الزوج في معناه لأنه لم يوجد من المرأة إتلاف المعوض، فإن عفت عن نصفها أو عفا هو عن نصفه جاز لأن الحق لا يخرج عنهما.

مسألة 10: (وإن جاءت الفرقة من أجنبي) كالرضاع أو وطء ينفسخ به النكاح (فعلى الزوج نصف المهر) للآية (ويرجع به على من فرق بينهما) لأنه المتلف فأشبه.

مسألة 11: (ومتى تنصف المهر وكان معينًا باقيًا لم تتغير قيمته صار بينهما نصفين)

(1/426)


نصفين وإن زاد زيادة منفصلة كغنم ولدت فالزيادة لها والغنم بينهما، وإن زادت زيادة متصلة مثل أن سمنت الغنم خيرت بين دفع نصفها زائدًا وبين دفع نصف قيمتها يوم العقد
(12) وإن نقصت فلها الخيار بين أخذ نصفه ناقصًا وبين أخذ نصف قيمته يوم العقد، وإن تلفت فلها نصف قيمتها يوم العقد
(13) ومتى دخل بها استقر المهر ولم يسقط بشيء
(14) وإن خلا بها بعد العقد وقال: لم أطأها وصدقته استقر ووجبت العدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
للآية (وإن زاد زيادة منفصلة كغنم ولدت فالزيادة لها) لأنه نماء ملكها (والغنم بينهما) نصفين للآية. (وإن زاد زيادة متصلة مثل أن سمنت الغنم خيرت بين دفع نصفها زائدًا وبين دفع نصف قيمتها يوم العقد) فإن دفعت نصفها زائدًا لزمه قبوله لأنه أخذ حقه وزيادة، وإن أخذ نصف قيمته يوم العقد فهو حقه من غير زيادة.

مسألة 12: (وإن نقصت فلها الخيار بين أخذ نصفها ناقصًا وبين أخذ نصف قيمتها يوم العقد) فإن رضي بنصفها ناقصًا فقد رضي بدون حقه، وإن أخذ نصف قيمتها يوم العقد فهو حقه لأنه نصف ما فرض (وإن تلفت فلها نصف قيمتها يوم العقد) للآية وقد تعذر الرجوع في العين فرجع في القيمة.

مسألة 13: (ومتى دخل بها استقر المهر ولم يسقط بشيء) لقوله سبحانه: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] أمر بترك الكل لها، وقال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فجعل هذا للمطلقة قبل الدخول وذاك للمطلقة بعد الدخول بدليل قوله: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] أراد به الجماع والخلوة بها.

مسألة 14: (وإن خلا بها بعد العقد وقال: لم أطأها وصدقته استقر المهر ووجبت العدة) لما روى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زرارة بن أوفى: قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا وأرخى سترًا فقد وجب المهر ووجبت العدة وإن لم يطأ، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر. وعن الشافعي: لا يستقر المهر إلا بالوطء، وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وعن أحمد مثل ذلك: إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة، رواه عنه يعقوب بن بحران، ودليله قوله

(1/427)


(15) وإن اختلف الزوجان في الصداق أو قدره فالقول قول من يدعي مهر المثل مع يمينه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] ، والإفضاء الجماع، وقال: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] . وللأولى إجماع الصحابة، وما روي عن ابن عباس لا يصح، قال أحمد: يرويه ليث وليس بالقوي، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث، وحنظلة أوثق من ليث، قال ابن المنذر: وحديث ابن مسعود منقطع.
وروى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل» "، ولأن التسليم المستحق من جهتها قد وجد فيستقر به البدل كما لو أجرت دارها وتسلمها. فأما قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] يحتمل أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرنا.
وأما قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] فقال الفراء: هو الخلوة دخل بها أو لم يدخل، فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الشيء الخالي فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.

مسألة 15: (وإن اختلف الزوجان في الصداق أو قدره فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما مع يمينه) فإذا ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل فالقول قولها، وإن ادعى الزوج مهر مثلها أو أكثر فالقول قوله، لأن الظاهر قول من يدعي مهر المثل فكان القول قوله قياسًا على المنكر في سائر الدعاوى، ويلزمه اليمين لأنه منكر.
1 -
مسألة 16: وإن أنكر الزوج الصداق فالقول قولها قبل الدخول وبعده، فإذا ادعت مهر مثلها فكذلك إلا أن يأتي ببينة تشهد أنه وفاها أو أنها أبرأته من ذلك.

(1/428)


باب معاشرة النساء وعلى كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف وأداء حقه الواجب إليه من غير مطل ولا إظهار الكراهية لبذله
(17) وحقه عليها تسليم نفسها إليه وطاعته في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
[باب عشرة النساء]
(وعلى كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف) لقوله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] (ويجب عليه أداء حقه الواجب له إليه من غير مطل ولا إظهار الكراهة لبذله) لأنه من المعاشرة بالمعروف.

مسألة 17: (وحقه عليها تسليم نفسها إليه وطاعته في الاستمتاع متى أراده ما لم يكن عذرًا) لأن المقصود من النكاح الاستمتاع ولا يحصل إلا بالتسليم، فإن كان لها عذر من حيض أو نفاس صبر عليها حتى ينقضي العذر (فإذا فعلت ذلك) يعني سلمت نفسها (فلها عليه قدر كفايتها من النفقة والكسوة والمسكن بما جرت به عادة أمثالها) والأصل في وجوب النفقة قوله سبحانه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] ، وفي حديث جابر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب فقال: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (رواه مسلم) ورواه الترمذي وفيه: «وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» وقال: حديث صحيح. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند: " «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (رواه البخاري) حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، متفق عليه. وأجمعوا على وجوب نفقة الزوجات إلا الناشز، ذكره ابن المنذر، وقال الله سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ،

(1/429)


الاستمتاع متى أراد ما لم يكن لها عذر، وإذا فعلت ذلك فلها عليه قدر كفايتها من النفقة والكسوة والمسكن بما جرت به عادة أمثالها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
والمعروف قدر الكفاية، وقدر الكفاية غير مقدر فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم عند التنازع، ويعتبر بحال الزوجين فيعتبر يسار الزوج وإعساره لقوله سبحانه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] وقدر: ضيق، قال سبحانه: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26] أي يوسع الرزق على من يشاء ويضيقه على من يشاء، ثم قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، ويعتبر حال المرأة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» فيفرض الحاكم للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالها كالحواري، والقدر، ومن أرفع الأدم من اللحم والأرز والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه، السمن في موضع والزيت في آخر والشحم في غيره والشيرج في موضع.
1 -
مسألة 18: وتجب كسوتها بإجماعهم لما سبق من النصوص، لأنها لا بد لها منها على الدوام فلزمته كالنفقة، فيجب كفايتها منها، وليس فيها تقدير من الشرع فهي كالنفقة فيرجع فيها إلى اجتهاد الحاكم عند التنازع، فيفرض لها قدر كفايتها على قدر حالها، للموسرة تحت الموسر من أرفع ثياب البلد من الكتان والخز والإبريسم وأقله قميص وسراويل ووقاية ومقنعة ومداس وجبة للشتاء، ويزيد في عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غناء عنه دون ما تتجمل به وتتزين بلبسه، والأصل قوله سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] والكسوة بالمعروف هي التي جرت عادتها وعادة أمثالها بلبسه.

[فصل فيما يفرض من النفقة للمتوسطة] 1
فصل: ويفرض للمتوسطة تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما موسرًا والآخر معسرًا ما بين نفقة الغني ونفقة الفقير على حسب عادة أمثالها على ما يراه الحاكم.
1 -
فصل: وأما المسكن فحكمه حكم النفقة والكسوة على ما سبق. فأما الفقيرة تحت الفقير فيفرض لها قدر كفايتها من أدنى خبز البلد ومن أدنى أدمه مثل الباقلاء والعدس والحمص والكشك والخل والبقل والكامخ، وما تحتاج إليه من الدهن كالزيت ونحوه، وما تحتاج إليه من الكسوة من أغلظ القطن والكتان وما تحتاج إليه للنوم والجلوس مما جرت عادة أمثالها به كالكساء الخشن والحصير الخشن ونحوه على حسب ما يراه الحاكم.

(1/430)


(19) فإن منعها ذلك أو بعضه وقدرت له على مال أخذت منه قدر كفايتها وكفاية ولدها بالمعروف لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لهند حين قالت له: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»
(20) فإن لم تقدر على الأخذ لعسرته أو منعها فاختارت فراقه فرق الحاكم بينهما
(21) سواء كان الزوج صغيرًا أو كبيرًا
(22) وإن كانت صغيرة لا يمكن الاستمتاع بها أو لم تسلم إليه أو لم تطعه فيما يجب له عليها أو سافرت بغير إذنه أو بإذنه في حاجتها فلا نفقة لها عليه
فصل: ولها عليه المبيت عندها ليلة من كل أربع إن كانت حرة
ومن كل ثمان (23) إن كانت أمة إذا لم يكن له عذر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 19: (فإن منعها ذلك أو بعضه وقدرت له على مال أخذت منه قدر كفايتها وكفاية ولدها بالمعروف) لحديث هند، وقد سبق.

مسألة 20: (فإن لم تقدر على أخذ لعسرته أو منعها واختارت فراقه فرق الحاكم بينهما) لقوله سبحانه: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وقد تعذر له الإمساك بالمعروف فتعين التسريح بالإحسان.

مسألة 21: (وسواء كان الزوج صغيرًا أو كبيرًا) لذلك.

مسألة 22: (إن كانت صغيرة لا يمكن الاستمتاع بها أو لم تسلم نفسها إليه أو لم تطعه فيما يجب له عليها أو سافرت بغير إذنه أو بإذنه في حاجتها فلا نفقة لها عليه) لأن النفقة تجب للتمكين من الاستمتاع ولم يوجد، فأشبه البائع إذا امتنع من تسليم المبيع، ويحتمل أن لها النفقة إذا سافرت بإذنه في حاجتها لأنها سافرت بإذنه فأشبه ما لو سافرت بأمره في حاجته.

[فصل في حق المرأة في المبيت]
(فصل: ولها عليه المبيت عندها ليلة من كل أربع إن كانت حرة) لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال لكعب بن سور: اقض بين هذا وبين امرأته، قال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن، فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة، فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من رأيك الآخر، اذهب فأنت قاض على البصرة.

مسألة 23: (وإن كانت أمة فلها ليلة من ثمان) لأنها على النصف من الحرة، والحرة لها ليلة من أربع فيكون للأمة ليلة من ثمان.

(1/431)


(24) إصابتها مرة في كل أربعة أشهر إذا لم يكن عذر
(25) فإن آلى منها أكثر من أربعة أشهر فتربصت أربعة أشهر ثم رافعته إلى الحاكم فأنكر الإيلاء أو مضى الأربعة أو ادعى أنه أصابها وكانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه
(26) وإن أقر بذلك أمر بالفيئة عند طلبها وهي الجماع، فإن فاء فإن الله غفور رحيم، فإن لم يفئ أمر بالطلاق
(27) فإن طلق وإلا طلق الحاكم عليه، ثم إن راجعها أو تركها حتى بانت فتزوجها وقد بقي أكثر من مدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 24: ولها عليه (إصابتها في كل أربعة أشهر مرة) لأن الوطء يجب على غير المولى في كل أربعة أشهر ويفسخ النكاح لتركه، وما لا يجب على غير الحالف لا يجب على الحالف على تركه كسائر المباحات، إذ ما لا يجب لا يفسخ النكاح لتعذره كزيادة النفقة، فإن كان له عذر من سفر أو مرض صبرت من أجله حتى ينقضي العذر (كما لو انقضت المدة وهي حائض يصبر حتى تطهر) .

مسألة 25: (فإن آلى منها أكثر من أربعة أشهر فتربصت أربعة أشهر ثم رافعته إلى الحاكم فأنكر الإيلاء أو مضى الأربعة أشهر فالقول قوله) لأن الأصل معه (وكذا إن ادعى الإصابة وهي ثيب) لأنه مما يتعذر إقامة البينة عليه ولا يعرف إلا من جهته، ولأن الأصل بقاء النكاح وهو يدعي ما ينفيه والمرأة تدعي ما يلزمه به رفعه، فكان القول قوله كما لو ادعى الوطء في العنة (وعليه اليمين) ، لأن ما تدعيه المرأة يحتمل فوجب نفيه باليمين، وعنه لا يلزمه يمين لأنه لا يقضى فيه بالنكول، اختاره أبو بكر.

مسألة 26: (وإن أقر بذلك) يعني أقر بالإيلاء وأنه لم يصبها (أمر بالفيئة وهي الجماع، فإن فاء فإن الله غفور رحيم، وإن لم يفئ أُمر بالطلاق) إن طلبت ذلك لقوله سبحانه: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] . فإن طلق واحدة فهي رجعية لأنها طلقة بغير عوض فأشبه غير المولى، وعنه أنها طلقة بائنة لأنها فرقة لدفع الضرر فأشبهت فرقة العنة.

مسألة 27: (وإن لم يطلق وإلا طلق الحاكم عليه) لأن ما دخله النيابة وتعين مستحقه وتعين من هو عليه (وامتنع منه) قام الحاكم مقامه فيه كقضاء الدين، وهذا إذا طلبته المرأة لأن الحق لها فأشبهت صاحب الدين، وعنه إن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق ولا يقوم الحاكم مقامه في الطلاق، والأول أصح لما سبق. (فإذا طلق عليه

(1/432)


الإيلاء وقف لها كما وصفت
(28) ومن عجز عن الفيئة عند طلبها فليقل: متى قدرت جامعتها، ويؤخر حتى يقدر عليها
باب القسم والنشوز وعلى الرجل العدل بين نسائه في القسم
(29) وعماده الليل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
الحاكم طلقه وقلنا هي رجعية، فراجع أو تركها حتى بانت ثم تزوجها وقد بقي أكثر من مدة الإيلاء وقف لها كما وصفت) يعني إن فاء فإن الله غفور رحيم، وإن عزم الطلاق فطلق كان الحكم كما سبق.

مسألة 28: (ومن عجز عن الفيئة عند طلبها) بجب أو شلل ففيئته بلسانه، وهي أن يقول: لو قدرت لجامعتها لأن ذلك يزيل ما حصل بإيلائه، وإن كان عذره من مرض أو إحرام أو حبس (ففيئته أن يقول: متى قدرت جامعتها، ويؤخر حتى يزول عذره) لأن القصد بالفيئة ترك ما قصد إليه من الإضرار، وقد ترك قصد الإضرار بما أتى به من الاعتذار، والقول قوله مع العذر يقوم مقام فعل القادر بدليل إشهاد الشفيع على الطلب بالشفعة عند العجز عن طلبها، فإنه يقوم مقام طلبها في الحضور لإثباتها.

[باب القسم والنشوز]
(وعلى الرجل العدل بين نسائه في القسم) لا نعلم فيه خلافًا بينهم في وجوب التسوية بين زوجاته في القسم، وقد قال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وليس مع الميل معروف وقد قال تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] . وقالت عائشة: «كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم بيننا فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك» رواه أبو داود.

مسألة 29: (وعماد القسم الليل) ولا خلاف في ذلك، لأن الليل للسكن يأوي الإنسان إلى أهله، والنهار للمعاش والخروج في الأشغال، قال الله سبحانه:

(1/433)


(30) فيقسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية
(31) وليس عليه المساواة في الوطء بينهن
(32) وليس له البداءة في القسم بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة، «فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه»
(33) وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضراتها بإذن زوجها، أو له فيجعله لمن شاء منهن «لأن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] ، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم بين نسائه ليلة وليلة، وفي النهار لمعاشه وقضاء حقوق الناس.

مسألة 30: (ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين) لما روى الدارقطني عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين. احتج به الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن كانت إحداهما كتابية فإنه يساوي بينهما في القسم، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء، لأنه من حقوق الزوجية فأشبه النفقة والسكنى.

مسألة 31: (وليس عليه المساواة بينهن في الوطء) لا نعلم فيه خلافًا، لأن الجماع طريقه الشهوة والميل، ولا سبيل إلى التسوية في ذلك فإن القلب يميل، وقد قال الله سبحانه: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] قال عبيدة السلماني: في الحب والجماع. وإن أمكنه التسوية بينهن في الجماع كان أحسن وأبلغ في العدل، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم فيعدل ثم يقول: " «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك» (رواه أبو داود) ولأنهن متساويات في الحق، فلا يمكن الجمع فوجب المصير إلى القرعة (لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فمن خرجت قرعتها خرج بها معه» متفق عليه. فالقرعة في السفر منصوص عليها، وابتداء القسم مقيس عليه.

مسألة 32: (وليس له البداية في القسم بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة) لأن البداية بها تفضيل والتسوية واجبة.

مسألة 33: (وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإذن زوجها أو له

(1/434)


(34) وإذا أعرس على بكر أقام عندها سبعًا ثم دار، وإن أعرس على ثيب أقام عندها ثلاثًا لقول أنس: «من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أن يقيم عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا» ، وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن البواقي «لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً ثم قال: " ليس بك هوان على أهلك، إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك، وإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي»
فصل: ويستحب التستر عند الجماع وأن يقول ما رواه ابن عباس: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فيجعله لمن شاء منهن) لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه، فإذا رضيا جاز لأن الحق لا يخرج عنهما، وقد روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» ، متفق عليه.

مسألة 34: (وإذا عرس عند بكر أقام عندها سبعًا ثم دار، وإذا عرس عند ثيب أقام عندها ثلاثًا) وذلك لما روى أبو قلابة عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم» قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، متفق عليه. (وإذا أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعًا فعل ثم قضاهن للبواقي) لما روي عن أم سلمة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثًا وقال: " إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي» رواه مسلم، وفي لفظ: " إن «شئت ثلثت ثم درت» ، وفي لفظ: «إن شئت أقمت عندك ثلاثًا خالصة لك» .

[فصل في آداب الجماع]
(فصل: ويستحب التستر عند الجماع) لما روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " «إذا أتى أحدكم إلى أهله فليستتر ولا ينكشف انكشاف العير» (رواه ابن ماجه) أو كما قال. (ويستحب أن يقول عند الجماع ما روى ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لو أن أحدكم إذا أتى

(1/435)


فصل: وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(35) وإن خاف الرجل نشوز امرأته وعظها، فإن أظهرت نشوزاً هجرها في المضجع، فإن لم يردعها ذلك فله أن يضربها ضرباً غير مبرح، وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها مؤمنين يجمعان إن رأيا أو يفرقان، فما فعلا من ذلك لزمهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا» متفق عليه.

[فصل إذا خافت المرأة من زوجها نشوزًا أو إعراضًا]
(فصل: وإذا خافت المرأة من زوجها نشوزًا أو إعراضًا) لمرض أو كبر (فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله) فروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» ، متفق عليه، ولقوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] الآية.

مسألة 35: (وإن خاف الرجل نشوز امرأته) بأن تظهر منها أمارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة فإنه (يعظها) ويخوفها الله سبحانه ويذكر لها ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها بذلك من الإثم وما يسقط عنها من النفقة والكسوة وما يباح له من ضربها فهجرها لقوله سبحانه: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] (فإن أصرت وأظهرت النشوز والامتناع من فراشه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء) لقوله سبحانه: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] ، (فإن أصرت فله أن يضربها ضربًا غير مبرح) لقوله سبحانه: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] (فإن خيف الشقاق بينهما) يعني علم (بعث الحاكم حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها مأمونين يجمعان إن رأيا أو يفرقان، فما فعلا من ذلك لزمهما) وذلك أن الزوجين إذا خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين، والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما وتوكيلهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع، فما فعلا من ذلك لزمهما، والأصل فيه قوله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] .

(1/436)


باب الخلع (36) وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت أن لا تقيم حدود الله في طاعته فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه
(37) ويستحب أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
فصل: واختلفت الرواية عن أحمد في الحكمين، فعنه أنهما وكيلان لا يملكان التفريق إلا بإذنهما لأن البضع حقه والمال حق المرأة، وهما رشيدان فلا يتصرف غيرهما لهما إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما فكانا وكيلين، وعنه هما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغيره لا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما، روى ذلك عن علي وابن عباس، لأن الله سبحانه سماهما حكمين ولا يعتبر رضا الزوجين، ثم قال: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] فخاطب الحكمين بذلك، ولا يمنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضي الدين من ماله إذا امتنع، ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع.

[باب الخلع]
مسألة 36: (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وخافت أن لا تقيم حدود الله في طاعته فلها أن تفتدي نفسها منه بما تراضيا عليه) لقوله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وروى البخاري قال: «جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فردت عليه، وأمره ففارقها» (رواه البخاري) .

مسألة 37: (ويستحب أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها) فإن فعل كره وصح، روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس لقوله سبحانه: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وقالت الربيع بنت معوذ: اختلعت من زوجي بما دون عفاص رأسي فأجاز ذلك عليَّ عثمان بن عفان، ومثل هذا يشتهر فيكون إجماعًا.

(1/437)


(38) فإذا خلعها أو طلقها بعوض بانت منه فلم يلحقها طلاقه بعد ذلك ولوواجهها به
(39) ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقًا وبالمجهول، فلو قالت: اخلعني بما في يدي من الدراهم أو ما في بيتي من المتاع ففعل صح وله ما فيهما، فإن لم يكن فيهما فله ثلاثة دراهم وأقل ما يسمى متاعاً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
إذا ثبت هذا فإنه إذا فعل جاز مع الكراهة لأنه روي في حديث جميلة " «فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد» (رواه ابن ماجه) وروي عن عطاء عن ابن عباس «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها» ، فيجمع بين الآية والخبر فنقول: الآية دلت على الجواز، والنهي عن الزيادة في الخبر للكراهة.

مسألة 38: (فإذا خلعها أو طلقها بعوض بانت منه فلم يلحقها طلاقه بعد ذلك وإن واجهها به) فإذا قال الرجل لزوجته: خالعتك أو فاديتك أو فسخت نكاحك، أو طلقها على عوض بذلته له ورضي به فقد بانت منه وملكت نفسها بذلك، ولو أراد ارتجاعها لم يكن له ذلك إلا بنكاح جديد، ولو طلقها لم يقع بها طلاقه ولو واجهها به، وهو قول ابن عباس وابن الزبير، ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما فكان إجماعًا، ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول والمنقضية عدتها. ولأنه لا يملك بضعها فلم يملك طلاقها كالأجنبية، ولا فرق بين أن يواجهها ويقول: أنت طالق، أو لا يواجهها فيقول: فلانة طالق، سواء كانت في العدة أو قد خرجت منها.

مسألة 39: (ويجوز الخلع بكل ما يجوز أن يكون صداقًا) لأنه عقد معاوضة ولأن المرأة مخالع بصداقها، فما جاز صداقًا جاز عوضًا في الخلع، إلا أن الخلع (يصح بالمجهول) ، وقال أبو بكر لا يصح لأنه عقد معاوضة أشبه البيع.
ودليل الأول أن الخلع يصح تعليقه على الشرط، فجاز أن يستحق به المجهول كالوصية (فلو قالت: اخلعني على ما في يدي من الدراهم أو ما في بيتي من المتاع فخالعها على ذلك صح وله ما فيهما، وإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم) نص عليه الإمام أحمد لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة فاستحقه كما لو وصى له بدراهم، وكذا إن لم يكن في بيتها متاع (فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع) كالمسألة قبلها.

(1/438)


(40) وإن خالعها على عبد معين فخرج معيبًا فله أرشه أو رده وأخذ قيمته
(41) وإن خرج مغصوبًا أو حرًا فله قيمته
(42) ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه
(43) ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[العُدَّة شرح العُمْدة]
مسألة 40: (وإن خالعها على عبد فخرج معيبًا فله أرشه أو رده وأخذ قيمته) لأنه عوض في معاوضة فيستحق ذلك كالبيع والصداق.

مسألة 41: (وإن خرج مغصوبًا أو حرًا فله قيمته) لأنه خالعها على عوض يظنه مالًا فبان غير مال فالخلع صحيح لأنه معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح، فإذا ثبت صحته فإنه يرجع عليها بقيمته لو كان عبدًا لأنها عين يجب تسليمها مع سلامتها مع بقاء سبب الاستحقاق، فوجب بذلها مقدرًا بقيمتها كالمغصوب والمعار.

مسألة 42: (ويصح الخلع من كل من يصح طلاقه) مسلمًا كان أو ذميًا لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض فبعوض أولى.

مسألة 43: (ولا يصح بذل العوض إلا ممن يصح تصرفه في المال) فلو خالعت المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون لم يصح الخلع؛ لأنه تصرف في المال وليس لهن أهلية التصرف فيه، ويقع طلاقه رجعيًا لأنه لم يسلم له العوض، وسواء أذن لهن الولي أو لم يأذن، لأنه ليس له الإذن في التبرعات، وهذا تبرع.

(1/439)