الفروع و معه تصحيح الفروع

كتاب الجنائز
باب ما يتعلق بالمريض وما يفعل عند الموت
مدخل
...
كتاب الجنائز
باب ما يتعلق بالمريض وما يفعل عند الموت
ترك الدواء أفضل، نص عليه، واختار القاضي وأبو الوفاء وابن الجوزي وغيرهم فعله، وقيل: يجب، زاد بعضهم: إن ظن نفعه، وليسا سواء "م" ويحرم بمحرم "و هـ م" و1 "ش" في المسكر مأكول وغيره من صوت ملهاة وغيره، نقله الجماعة في 2"ألبان الأتن"2، واحتج بتحريمها، وفي الترياق والخمر، ونقله المروذي في مداواة الدبر بالخمر ونقله ابن منصور فيه وفي سقيه الدواب، ونقل عبد الله: لا يداوى بها جرح ولا غيره، وهي محرمة. ولو أمره أبوه بشرب دواء بخمر وقال: أمك طالق ثلاثا إن لم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في الأصل: "الباب الآتي".

(3/239)


تشربه حرم شربه، نقله هارون الحمال1، ويتوجه في هذه تخريج من رواية جواز التحلل لمن أحرمت بحجة الإسلام، فحلف زوجها بطلاق ثلاث لا تحج العام، لعظم الضرر، مع أن في الجواز خلافا مطلقا، والحج كما يجوز تركه للعذر كذا شرب المسكر لعذر غصة2 أو إكراه. وعلى هذا لا يختص بمسألة التداوي، وسأله ابن3 إبراهيم عن عبد قال: إذا دخل أول
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أبو موسى، هارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، البزاز الحافظ له مسائل حسان جدا عن الإمام أحمد "ت 243هـ". "المنهج الأحمد" 1/196، "الأعلام" 8/61.
2 في "ط": "غصبه".
3 ليست في الأصل.

(3/240)


يوم من رمضان فامرأته طالق ثلاثا إن لم يحرم أول يوم من رمضان، قال: يحرم ولا يطلق امرأته، وليس لسيده أن يمنعه أن يخرج إلى مكة إذا علم منه رشدا. فجوز أحمد إسقاط حق السيد لضرر الطلاق الثلاث، مع تأكد حق الآدمي، فمسألتنا أولى، ويتوجه منها تخريج بمنع الإحرام وهو أظهر وأقيس، وقد نقل عبد الله في مسألة ابن إبراهيم: لا يعجبني أن يمنعه، قال في الانتصار: فاستحب أن لا يمنعه: وقال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن رجل حلف بالطلاق ثلاثا لا بد أن يطأ امرأته الليلة فوجدها حائضا، قال: تطلق منه امرأته ولا يطؤها، قد أباح الله الطلاق وحرم وطء الحائض.
وقد ذكر ابن عقيل 1"فيما إذا"1 حلف لا يفارقه حتى يستوفي حقه، ففلسه الحاكم، ففارقه، لعلمه بوجوب مفارقته شرعا، أنه لا يحنث على رواية أن الإكراه التهديد والوعيد، وذكر جماعة رواية فيما إذا نذر صوم يوم يقدم فلان، فقدم يوم فطر أو أضحى2، رواية يقضي ولا يكفر، قال الشيخ: لأن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "فيمن".
2 بعدها في "ب" و"ط": "رواية".

(3/241)


الشرع منعه من صومه فهو كالمكره، فيتوجه في مسألة إبراهيم الحربي كذلك، وهو جار فيها.
ويجوز التداوي ببول إبل فقط، ذكره جماعة "هـ" وقول أبي يوسف كقولنا، ونص أحمد على التداوي به، فظاهر كلامه في موضع: لا يجوز، وهو ظاهر التبصرة وغيرها؛ لأنه حرم التداوي بالخمر واستعماله إلا ضرورة كعطش وطفي حريق، قال: وكذا كل مأكول مستخبث كبول مأكول وغيره، وكل مائع نجس. ونقل أبو طالب والمروذي وابن هانئ وغيرهم: ويجوز ببول ما أكل لحمه.
وفي المستوعب والترغيب: يجوز بدفلى ونحوها لا تضره، نقل ابن هانئ والفضل في حشيشة تسكر تسحق وتطرح مع دواء لا بأس، أما مع الماء فلا، وشدد فيه. وذكر غير واحد أن الدواء المسموم إن غلب منه السلامة، زاد بعضهم وهو معنى كلام غيره: ورجي نفعه أبيح شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية، وقيل لا؛ لأن فيه تعريضا للتلف، كما لو لم يرد التداوي. وفي البلغة: لا يجوز التداوي بخمر في مرض، وكذا بنجاسة أكلا وشربا وظاهره: يجوز لغير أكل وشرب، وأنه يجوز بطاهر وفي الغنية: يحرم بمحرم كخمر وشيء نجس، وقد نقل الشالنجي: لا بأس بجعل المسكر1
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "المسك".

(3/242)


في الدواء لها ويشرب. وذكر أبو المعالي: يجوز اكتحاله بميل ذهب وفضة. وذكره شيخنا، قال: لأنها حاجة ويباحان لها. وفي الإيضاح: يجوز بترياق، وسبق في الآنية استعمال نجس1، ولا بأس بالحمية، نقله حنبل، ويتوجه أنها مسألة التداوي، وأنه يستحب، للخبر: "يا علي لا تأكل من هذا، كل من هذا، فإنه أوفق لك" ، ولهذا لا يجوز تناول ما يظن ضرره ولا يجب التداوي إذا ظن نفعه.
يكره الأنين على الأصح، وكذا تمني الموت عند الضرر، كذا قيدوا، وكذا في الخبر، ولعل المراد أنه خرج على الغالب، وأنه يكره مطلقا، ولهذا قال: "إما محسنا فيزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب" 2، قال عليه السلام: "فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي" . رواه أحمد والبخاري ومسلم من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/121.
2 أخرجه البخاري "5673"، ومسلم "2816" "75"، من حديث أبي هريرة، وهذه الزيادة عند البخاري.

(3/243)


حديث أنس1. وقيل: يستحب هذا، جزم به بعضهم، ولعل المراد: مع عدم الضرر، جمعا بينه وبين خبر عمار أنه صلى صلاة فأوجز فيها، فأنكروا ذلك، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، قال: أما إني قد دعوت فيها بدعاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني، إذا كانت الوفاة خيرا لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة، ومن فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين" ، رواه النسائي2 عن يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه قال: صلى بنا عمار، فذكره3. سمع حماد من عطاء قبل أن يتغير، فهو حديث جيد. ورواه أحمد4: حدثنا إسحاق الأزرق، عن شريك، وعن أبي هاشم، عن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد "11979"، البخاري "6351"، مسلم "2680" "10".
2 في المجتبى 3/54 - 55.
3 بعدها في "ط": "سمع حماد من عطاء بن السائب عن أبيه قال: صلى بنا عمار، فذكره".
4 في مسنده "18325".

(3/244)


أبي مجلز قال: صلى بنا عمار، فذكره.
ولا يكره لضرر بدينه، ويتوجه: يستحب، للخبر المشهور: "وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" . إسناده جيد، رواه أحمد، والترمذي وصححه1، قال أحمد في رواية المروذي: أنا أتمنى الموت صباحا ومساء أخاف أن أفتن في الدنيا.
وقال في رواية محمد بن عوف: الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس. ومراد الأصحاب "رحمهم الله": غير تمني الشهادة على ما في الصحيح: "من تمنى الشهادة خالصا من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء" 2، وفي "البخاري"3: أن عمر سأل الله الشهادة، وروي عن الصحابة في قصة أحد وغيرها، وذكره بعضهم في كتابه "الهدي"4.
وفي فنون ابن عقيل: قال عالم يوما لكرب دخل عليه: ليتني لم أعش لهذا الزمان، فقال متحذلق يدعي الزهد يريد أن يظهر اعتراضه على أهل العلم: لا تقل هذا وأنت إمام تتمنى على الله تعالى، ما أراده الله بك خير مما تتمناه لنفسك، وهذا اتهام لله، فأجابه: من أين لك لسان تنطق بما لا نكير على العلماء؟ كأنك5 تعلمهم ما لا يعلمون، وتوهم أنك تدرك "عليهم" ما يجهلون. أليس الله قد حكى عن مريم {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: 23]،
ـــــــ
1 أحمد في "مسنده" "22109"، الترمذي "3235"، من حديث معاذ بن جبل.
2 أخرجه مسلم "1909" "157"، من حديث سهل بن حنيف.
3 برقم "1890".
4 زاد المعاد 3/212.
5 في النسخ: "كأنهم".

(3/245)


وقال أبو بكر الصديق: يا ليتني كنت مثلك يا طائر1.
وفي كراهة موت الفجأة روايتان "م 1". والأخبار مختلفة، وكذا الروايتان في حقنة لحاجة، وقطع العروق وفصدها "م 2 - 4" ووصفت الحقنة
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وفي كراهة موت الفجأة روايتان، انتهى، وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفائق:
أحدهما: يكره، صححه القاضي أبو الحسين، وقدمه ابن تميم.
والرواية الثانية: لا يكره "قلت": الصواب أنه إن كان مقطوع العلائق من الناس مستعدا للقاء ربه لم يكره، بل2 ربما ارتقى إلى الاستحباب، وإلا كره3.
مسألة - 2 - 4: قوله: وكذا الروايتان في حقنة لحاجة وقطع العروق وفصدها، انتهى ذكر المصنف ثلاث مسائل:
المسألة الأولى - 2: هل تكره الحقنة لحاجة أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه القاضي، فقال: هل تكره الحقنة؟ على روايتين:
إحداهما: تكره للحاجة وغيرها، نقلها حرب وغيره.
والثانية: لا تكره للحاجة والضرورة، نقلها محمد بن الحسن4 بن هارون والأثرم وإبراهيم بن الحارث وأبو طالب وصالح وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن بشر5 الكندي. انتهى.
إحداهما: لا تكره بل تباح للحاجة، وتكره مع عدمها وهو الصحيح، جزم به في
ـــــــ
1 أخرجه وكيع في "الزهد" "165".
2 ليست في "ح".
3 بعدها في "ط": "والذي يظهر أن معناه أن صفة هذه الموتة هل مكروهة عند الله أم لا؟ لأن الميت لا صنع له في ذلك، فيقال: هذه الموتة مكروهة عند الله تعالى أو غير مكروهة، كم أن الموت في سبيل الله محبوب عند الله، وموت السكران مثلا مكروه عند الله، والله أعلم".
4 في "ط": "الحسين".
5 في "ط": بشير".

(3/246)


لرجل كان إذا دنا من أهله أنزل، فقال له أحمد: احتقن.
وكذا الخلاف في كي ورقية وتعويذة، وتميمة، وعنه: يكره قبل
ـــــــ
"الرعاية الكبرى"، وجزم به في الصغرى في آدابها، قال في المستوعب: لا تكره عند الاضطرار إليها، انتهى. وقدمه في الآداب، وقال الخلال: كأن أبا عبد الله كرهها في أول مرة ثم أباحها على معنى العلاج. وقال المروذي: وصف لأبي عبد الله ففعله، يعني الحقنة، "قلت": وهو الصواب.
والرواية الثانية: يكره مطلقا قلت: وهو ضعيف.
المسألة الثانية - 3: هل يكره قطع العروق على وجه التداوي أم لا؟ أطلق الخلاف وأطلقه في المستوعب فقال: يكره قطع العروق على وجه التداوي على إحدى الروايتين، والأخرى لا يكره، انتهى. وفيه إيماء إلى تقديم الكراهة، واقتصر على ما في المستوعب في الآداب، إحداهما تكره، وهو أقوى من الرواية الأخرى، والرواية الثانية لا تكره، قلت: الصواب في ذلك أن يرجع إلى حذاق الأطباء، إن قالوا في قطعها نفع وإزالة ضرر لم يكره، وإلا كرهت.
المسألة الثالثة - 4: هل يكره فصد العروق أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه القاضي فقال: هل يكره فصد العروق أم لا؟ على روايتين، إحداهما لا يكره، 1"نص عليه، في رواية الجماعة، منهم صالح وجعفر، والثانية يكره، انتهى.
أحدهما لا يكره"1، وهو الصحيح من المذهب، نص عليه الإمام أحمد في رواية الجماعة، كما قال القاضي، وكذا الحجامة2، وجزم به في المستوعب والرعاية الكبرى، قلت: وهو الصواب، وعليه العمل في كل عصر ومصر.
ـــــــ
1 ليست في "ح".
2 في "ط": "الجماعة".

(3/247)


الألم "م 5" فقط.
ـــــــ
والرواية الثانية يكره، قال في رواية المروذي: لا يتعوده، وقال: ما فصدت عرقا قط.
مسألة 5 - 6: قوله: وكذا الخلاف في كي ورقية وتعويذة وتميمة، وعنه: يكره قبل الألم، انتهى ذكر مسألتين:
المسألة الأولى - 5: الكي هل يكره أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في المستوعب فقال: يكره الكي على إحدى الروايتين، والأخرى لا يكره، انتهى، إذا علمت ذلك فالصحيح من المذهب إباحته للضرورة، والكراهة مع عدمها، قدمه في الرعاية الكبرى والآداب الكبرى، والمستوعب في آدابه، وعنه: يكره الكي مطلقا، قال الإمام أحمد في رواية حرب: ما يعجبني الكي، وعنه: يباح بعد الألم لا قبله، قال في الرعاية الكبرى: وهي أصح، قال في آداب الرعاية الصغرى: ويباح الكي بعد الألم ويكره قبله، وعنه: وبعده، انتهى.
المسألة الثانية - 6: الرقى والتعاويذ والتمائم، فقال في الرعاية الكبرى بعد أن قال: ويباح الكي للضرورة، ويكره مع عدمها، وعنه: يكره مطلقا، وعنه يباح بعد الألم لا قبله وهو أصح. قال وكذا الخلاف والتفصيل في الرقى والتعاويذ والتمائم ونحوها قبل الألم وبعده، انتهى. وقال في آداب الرعاية: ويكره تعليق التمائم ونحوها، ويباح تعليق قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره، نص عليه، وكذا التعاويذ،

(3/248)


...............................
ـــــــ
ويجوز أن يكتب القرآن أو ذكر غيره بالعربية، ويعلق على مريض، ومطلقة1، وفي إناء ثم يسقيان منه ويرقى من ذلك وغيره بما ورد من قرآن وذكر ودعاء، انتهى. وقال في آداب المستوعب: ولا بأس بالقلادة يعلقها فيها القرآن، وكذا التعاويذ، ولا بأس بالكتاب2 للحمى، ولا بأس بالرقى من النملة3، انتهى. وقال المصنف في الآداب الكبرى: يكره التمائم ونحوها، كذا قيل يكره، والصواب ما يأتي من تحريمه4 لمن لم يرق عليها قرآن أو ذكر ودعاء، وإلا احتمل وجهين، ويأتي أن الجواز قول القاضي، وأن المنع ظاهر الخبر والأثر5. وتباح قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره، وتعليق ما هما فيه، نص عليه، وكذا التعاويذ، ويجوز أن يكتب للحمى والنملة والعقرب والحية والصداع والعين ما يجوز، ويرقى من ذلك بقرآن، وما ورد فيه من دعاء وذكر، ويكره بغير العربية، ويحرم الرقي والتعوذ بطلسم وعزيمة، قال في نهاية المبتدئين: ويكره بغير اللسان العربي، وقيل يحرم، وكذا الطلسم، وقطع في موضع آخر بالتحريم، وقطع به غيره. وقال ابن منصور لأبي عبد الله: هل يعلق شيئا من القرآن؟ قال: التعليق كله مكروه، وكذا قال في رواية صالح. وقال الميموني: سمعت من سأل أبا عبد الله عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، قال أبو داود: وقد رأيت على ابن لأبي عبد الله وهو صغير تميمة في رقبته في أدم، قال الخلال: قد كتب هو من الحمى بعد نزول البلاء، والكراهة من تعليق ذلك قبل نزول البلاء هو الذي عليه العمل، انتهى، وظاهر كلام المصنف بعد ذلك في التميمة التحريم. وقال أيضا: لا بأس
ـــــــ
1 في "ط": "وحامل"، والمراد بالمطلقة: التي أخذها الطلق، وهو وجع الولادة.
2 في "ط": "بالكتابة".
3 أخرج أحمد في "مسنده" "26449"، عن حفصة، أن امرأة من قريش يقال لها: شفاء، ترقي من النملة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "علميها حفصة" . قال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي في "غريب الحديث" 1/84: قال الأعصمي: هي قروح تخرج في الجنب وغيره.
4 ص 250.
5 ص 250.

(3/249)


وفي كراهة التفل والنفخ في الرقية روايات، الثالثة يكره التفل "م 7". ويحرم ذلك بغير لسان عربي، وقيل: يكره، وكذا الطلسم1، وأما التميمة وهي عوذة أو خرزة أو خيط ونحوه فنهى الشارع عنه، ودعا على فاعله، وقال: "لا تزيدك إلا وهنا انبذها عنك، لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا" روى ذلك أحمد وغيره2، والإسناد حسن، قال القاضي وغيره: يحرم ذلك. وقال: شبه النبي صلى الله عليه وسلم تعليق التميمة بمثابة أكل الترياق وقول الشعر، وهما محرمان. وقال أيضا: يجوز حمل الأخبار على اختلاف حالين، فمنهي إذا كان يعتقد أنها هي النافعة له والدافعة عنه، وهذا لا
ـــــــ
بكتب قرآن أو ذكر ويسقى منه مريض أو حامل لعسر الولد، نص عليه فلم يحك فيه خلافا.
مسألة - 7: قوله: وفي كراهة التفل والنفخ في الرقية روايات، الثالثة يكره التفل، انتهى. قال الرعاية وتبعه المصنف في الآداب: ويكره التفل بالريق والنفخ بلا ريق، وفي كراهة النفث في الرقية وإباحته مع الريق وعدمه روايتان، انتهى. وقال في آداب الرعاية الكبرى: ويكره التفل بالريق في الرقية والنفخ بلا ريق، وقيل في كراهة النفث فيها مع الريق وعدمه روايتان، انتهى فقدم الكراهة مطلقا. وقال في المستوعب: وكره النفث في الرقى، ولا بأس بالنفخ. وقال في الآداب الكبرى: وجزم بعض متأخري الأصحاب باستحباب النفخ والتفل؛ لأنه إذا قويت كيفية نفس الراقي كانت الرقية أتم تأثيرا وأقوى فعلا، وهذا تستعين به الروح الطيبة والخبيثة فيفعله المؤمن والساحر، انتهى. والظاهر أنه أراد ابن القيم في الهدي وغيره.
ـــــــ
1 الطلسم: في علم السحر: خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها أو رومانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى. وهو لفظ يوناني. والشائع على الألسنة طلسم كـ"جعفر". ويسمى كل غامض مبهم كـ"الألغاز". ا. هـ "المعجم الوسيط": "طلسم".
2 أحمد "20000" وابن ماجه "3531"، من حديث عمران بن حصين، وقول المصنف: والإسناد حسن، فيه نظر؛ إذ أن تصريح الحسن البصري بسماعه من عمرآن بن حصين خطأ كما قال الإمام أحمد، كما في "التهذيب".

(3/250)


يجوز؛ لأن النافع هو الله، والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع الدافع، ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية كما كانت تعتقد أن الدهر يضرهم فكانوا يسبونه، وقال: إنما كره ذلك إذا لم ينزل به البلاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في ذلك عند الحاجة.
وكره أحمد قطع الباسور، زاد ابن هانئ: كراهية شديدة، وإن خيف منه التلف حرم، وإن خيف من تركه جاز، وأطلق بعضهم الجواز كأكلة1 وبط2، نص عليهما، زاد بعضهم فيهما: مع ظن السلامة، ونص أحمد على معناه، ولا بأس بكتب قرآن أو ذكر ويسقى منه مريض وحامل لعسر الولد، نص عليه، لقول ابن عباس3.
ـــــــ
1 الأكلة، كفرحة: داء في العضو يأتكل منه. "القاموس المحيط": "أكل".
2 بط الجرح والصرة: شقه. "القاموس المحيط". "بط".
3 قال ابن قيم الجوزي في "زاد المعاد" 4/327: قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد، قال: رأيت أبي يكتب للمرأة، إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض، أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنه: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ} [الأحقاف: 35]، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46].

(3/251)


فصل: يستحب ذكر الموت والاستعداد له، وكذا عيادة المريض
"و" وقيل: بعد أيام، لخبر ضعيف، وأوجب أبو الفرج وبعض العلماء عيادته،
ـــــــ
..............................

(3/251)


والمراد: مرة، واختاره الآجري، وفي أواخر الرعاية: فرض كفاية، كوجه في ابتداء السلام، ذكره شيخنا، واختاره شيخنا. وقال أبو حفص العكبري: السنة مرة، وما زاد نافلة. وقال أبو المعالي: ثلاثة لا يعاد ولا يسمى صاحبها مريضا: الضرس والرمد والدمل، واحتج بخبر ضعيف رواه النجاد عن أبي هريرة مرفوعا، وفي نوادر ابن الصيرفي نقل عن أمامنا رضي الله عنه أنه قال له ولده: يا أبت، إن جارنا فلانا مريض، فما نعوده؟ فقال: يا بني ما عادنا فنعوده. ويشبه هذا ما نقله عنه ابناه في السلام على الحجاج، ويأتي إن شاء الله تعالى.
وفي كتاب "العزلة"1 للخطابي عن مالك أنه كان يشهد الجنائز ويعود المريض ويعطي الإخوان حقوقهم، فترك واحدا واحدا حتى تركها
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 96.

(3/252)


كلها، وكان يقول: لا يتهيأ للمرء أن يخبر بكل عذر. وعن ابن وهب قال: لا تعد إلا من يعودك، ولا تشهد جنازة من لا يشهد جنازتك، ولا تؤد حق من لا يؤدي حقك، فإن عدلت عن ذلك فأبشر بالجور قال الخطابي: يراد به التأديب والتقويم دون المكافأة والمجازاة. وبعض هذا مما يراض به بعض الناس، وعن أبي هريرة مرفوعا: "خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض واتباع الجنائز" . وفي لفظ: "حق المسلم على المسلم خمس" وفي لفظ: "حق المسلم على المسلم ست" - قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال "إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" . متفق على ذلك1، إلا أن البخاري لم يذكر لفظ حديث الست، ولا ذكر فيه النصيحة.
ولا يطيل عنده، وعنه: كبين خطبتي الجمعة، ويتوجه اختلافه باختلاف الناس، والعمل بالقرائن وظاهر الحال، ومرادهم في الجملة. ويأخذ بيده ويقول: لا بأس، طهور إن شاء الله، لفعله عليه السلام2. قال أحمد: يعوده بكرة وعشيا، وقال عن قرب وسط النهار: ليس هذا وقت عيادة وقال بعضهم: يكره إذا، نص عليه، قال صاحب "المحرر": لا بأس
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "1240"، مسلم "2162" "4" "5".
2 أخرج البخاري "3616"، من حديث ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده قال: "لا بأس، طهور إن شاء الله..." .

(3/253)


في آخر النهار، للخبر1، ونص أحمد: العيادة في رمضان ليلا، قال جماعة: ويغب بها، وظاهر إطلاق الجماعة خلافه، ويتوجه اختلافه باختلاف الناس، والعمل بالقرائن، وظاهر الحال، ومرادهم في الجملة، وهي تشبه الزيارة، وقد كتبت ما تيسر فيها في أواخر الآداب الشرعية2، وقد ذكر ابن الصيرفي الحراني من أصحابنا في نوادره الشعر المشهور:
لا تضجرن عليلا في مساءلة ... إن العيادة يوم بين يومين
بل سله عن حاله وادع الإله له ... واجلس بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا أخا دامت مودته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين
ويخبر بما يجده بلا شكوى، وكان أحمد يحمد الله أولا، لخبر ابن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/381، وفيه: "وإن عاده مساء شيعه سبعون ألف ملك، كلهم يستغفر له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة" .
2 3/541.

(3/254)


مسعود: "إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك". 1"متفق عليه. وقال صاحب المحرر: يخبر بما يجده لغرض صحيح، لا لقصد شكوى"1، واحتج أحمد بقوله عليه السلام لعائشة لما قالت: وا رأساه، قال: "بل أنا وارأساه" 2 واحتج ابن المبارك بقول ابن مسعود للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتوعك وعكا شديدا قال: "أجل كما يوعك رجلان منكم" . متفق عليه3.
وفي الفنون: قوله تعالى: {لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف: 62] يدل4 على جواز الاستراحة إلى نوع من الشكوى عند إمساس البلوى، قال: ونظيره: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84]، و {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] و"ما زالت أكلة خيبر تعاودني"5. وفي "تفسير ابن الجوزي"6 في الآية الأولى: هذا يدل على إباحة إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب، ولا يكون ذلك شكوى. وقال ابن الجوزي: شكوى المريض مخرجة من التوكل، وقد كانوا يكرهون أنين المريض لأنه يترجم عن الشكوى، ثم احتج بقول رجل للإمام أحمد "رحمه الله": كيف تجدك يا أبا عبد الله؟ قال: بخير في عافية، فقال له: حممت
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 أخرج البخاري "5666".
3 البخاري "5667"، مسلم "2571" "45".
4 ليست في "ط".
5 أخرج ابن عدي في "الكامل" 3/1239، وأخرجه البخاري "4428" بغير هذا اللفظ.
6 زاد الميسر 5/166.

(3/255)


البارحة؟ فقال: إذا قلت لك: أنا في عافية فحسبك لا تخرجني إلى ما أكره1.
ووصف المريض ما يجده للطبيب لا يضره، والنص المذكور لا حجة له فيه، إنما يدل على ما قاله هو وغيره: إذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من أعمال الله الخفية، ولهذا ذكر شيخنا أن عمل القلب من التوكل وغيره واجب باتفاق الأئمة، وأن الصبر واجب بالاتفاق. قال: والصبر لا تنافيه الشكوى، قال: والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه، ومراده: بل شكواه إلى الخالق مطلوبة، كما ذكره في موضع آخر وقد نقل عبد الله في أنين المريض: أرجو أن لا يكون شكوى، ولكنه اشتكى إلى الله. واقتصر ابن الجوزي على قول الزجاج: إن الصبر الجميل لا جزع فيه ولا شكوى إلى الناس. وأجاب عن قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] بوجهين: أحدهما أنه شكا إلى الله لا منه، واختاره ابن الأنباري، وهو من أصحابنا، والثاني أنه أراد الدعاء، فالمعنى: يا رب ارحم أسفي على يوسف.
وقال ابن الجوزي في قوله تعالى: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] إن قيل: فأين الصبر وهذا لفظ الشكوى؟ فالجواب أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر وإنما المذموم الشكوى إلى الخلق، ألم تسمع قول يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]
ـــــــ
1 مناقب الإمام أحمد ص 540.

(3/256)


قال: سفيان بن عيينة: وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا، ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه: "أجدني مغموما وأجدني مكروبا" 1. وقوله: "بل أنا وارأساه" 2 هذا سياق ما ذكره ابن الجوزي3.
وقد روى ابن ماجه، والترمذي4 وصححه، عن خباب أنه قال وقد اكتوى في بطنه سبع كيات ما أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت، وهذا والله أعلم قاله خباب تسلية للمؤمن المصاب لا على وجه الشكاية، كما قاله ابن هبيرة عن قول أبي هريرة5 عن جوعه وربط الحجر، تسلية للفقير.
ويحسن ظنه بربه، قال القاضي: يجب. وقال صاحب المحرر: ينبغي. وفي الصحيحين6 عن أبي هريرة مرفوعا: "أنا عند ظن عبدي بي" زاد أحمد7: "إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله". وقال ابن هبيرة في حديث أبي موسى: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" . متفق عليه8. قال: يدل على استحباب تحسين
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه الطبراني في "الكبير" "2890"، من حديث الحسين بن علي.
2 تقدم تخريجه ص 255.
3 زاد المسير 5/378.
4 ابن ماجه "4163"، الترمذي "970".
5 أخرجه أحمد "8301".
6 البخاري "7405"، مسلم "2675" "2" و"21".
7 في مسنده "9076".
8 البخاري "6508"، مسلم "2686" "18".

(3/257)


العبد ظنه عند إحساسه بلقاء الله، لئلا يكره أحد لقاء الله يود أن لو كان الأمر على خلاف ما يكرهه، والراجي المسرور يود زيادة ثبوت ما يرجو حصوله وتغلب رجائه، وفي النصيحة: يغلب الخوف لحمله على العمل وفاقا للشافعية. وقال الفضيل بن عياض وغيره، ونصه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدا، وفي رواية: فأيهما غلب صاحبه هلك. قال
ـــــــ
...............................

(3/258)


شيخنا: وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط، إما في نفسه وإما في1 أمور الناس، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله، إما في نفسه وإما في أمور الناس، والرجاء بحسب رحمة الله التي سبقت غضبه يجب ترجيحه، كما قال تعالى: "أنا عند حسن ظن عبدي بي، فليظن بي خيرا" 2. وأما الخوف فيكون بالنظر إلى تفريط العبد وتعديه، فإن الله عدل لا يأخذ إلا بالذنب، وعند الحنفية: يغلب الشاب الرجاء، والشيخ الخوف.
ويذكره "و" زاد أبو الخطاب وغيره: المخوف عليه التوبة والوصية، ويدعو بالصلاح والعافية، ولا بأس بوضع يده عليه، قالت عائشة: كان عليه السلام إذا عاد مريضا مسحه بيمينه وقال: "أذهب الباس رب الناس واشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما" . متفق عليه3، ولأحمد وأبي داود وغيرهما4 عن ابن عباس مرفوع: "ما من مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عوفي" . وفي الفنون: إن سألك وضع يدك على رأسه للتشفي فجدد توبة لعله يتحقق ظنه فيك، وقبيح تعاطيك ما ليس لك، وإهمال هذا وأمثاله يعمي القلوب 5"ويخمر العيوب"5، ويعود
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" "8178" بلفظ مقارب.
3 البخاري "5743"، ومسلم "2191" "46".
4 أحمد "2137"، وأبو داود "3106"، والترمذي "2083".
5 في "ط": "ويحمر العيون".

(3/259)


بالرياء، قال: وحكي أن مسخرة من مساخر الملوك رئي راكبا بزي حسن، فلقيه أبو بكر الشبلي1 فخدمه خدمة من ظن أنه من أجلاء الدولة، فترجل وقال: أيها الشيخ إنما أنا مسخرة الملك، فقال: أنت خير مني، أنت تأكل الدنيا بما تساوي، وأنا آكل الدنيا بالدين فانظر إلى هذا الماجن كيف لم يرض لنفسه أن يكرم إكراما يخرج عن رتبته حتى كشف عن حاله وصناعته، فليس الدعاء بسط الكفين بل تقدم التوبة قبل السؤال. سأل مريض بعض الصلحاء مسح يده موضع ألمه، فوقف، فعاوده. فقال: اصبر حتى أحقق توبة لعلك تنتفع بإمرارها.
وقال ابن هبيرة في قول أبي جحيفة: وقام الناس فجعلوا يأخذون يده ويمسحون بها وجوههم صلى الله عليه وسلم2. قال: يدل على جواز أن يمسح الإنسان وجهه بيد العالم ومن ترجى بركته من الصالحين، وكذا قال غيره، وروى الخلال في أخلاق أحمد عن علي بن عبد الصمد أنه مسح يده على أحمد ثم مسحها على بدنه، فغضب غضبا شديدا، وجعل ينفض يده، وجعل يقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره شديدا. ويأتي قبل باب الدفن3. مع أن أحمد كان كثيرا يقبل رأسه ووجهه ويده ولا يمتنع من ذلك، نقل مهنا: ولا يكرهه. وقال عبد الله: لم أره يشتهي أن يفعل به ذلك، وذلك مبسوط في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 قيل: اسمه دلف بن جحدر، وقيل: جعفر بن يونس، وقيل: جعفر بن دلف. كان فقيها عارفا بمذهب مالك، وكتب الحديث عن طائفته. "ت 334هـ". "سير أعلام النبلاء" 15/367.
2 أخرجه البخاري "3553"، ومسلم "503" "352".
3 ص 370.

(3/260)


الآداب الشرعية. وفي مسلم1: عن جابر بن سمرة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهما واحدا واحدا ومسح خدي.
قال ابن هبيرة: يدل على أنه من السنة، تأنيسا، وليذكره الطفل بذلك ما عاش فيترحم عليه، وخص الخد لأنه أقرب إلى الطهارة في حق الطفل. وفي خبر ضعيف: "إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في أجله" 2. وفي آخر من رواية ميمون بن مهران عن عمر ولم يدركه مرفوعا: "سلوه الدعاء3، فإن دعاءه كدعاء الملائكة" . رواه ابن ماجه4 وغيره، ومن العجب قول بعض الشافعية: إن سنده صحيح، وتقليد بعض الحنفية له، واستحبه الآجري وغيره وقال أحمد: الأمراض تمحيص الذنوب، وقال لمريض تماثل: يهنيك الطهور، وروى جماعة في ترجمة موسى بن عمير وهو كذاب عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله، مرفوعا: "داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وأعدوا للبلاء الدعاء" 5. وجماعة من أصحابنا وغيرهم يفعلون هذا، وهو حسن، ومعناه صحيح. قال ابن الجوزي: يكره أن يعود أجنبي امرأة غير محرمة أو تعوده، وتعود امرأة امرأة من أقاربها، وإن كانت أجنبية فهل يكره؟ يحتمل وجهين، وأطلق غيره عيادتها، ويأتي قول في إذن زوج لعيادة نسيب، وروي
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 برقم "2329" "80".
2 أخرجه الترمذي "2087"، وابن ماجه "1438"، من حديث أبي سعيد الخدري.
3 ليست في "ط".
4 في سننه "1441".
5 أخرجه الطبراني في "الكبير" "10196"، و"الأوسط" "1984".

(3/261)


أن امرأة من الرملة عادت بشرا ببغداد، وأن أحمد رآها عنده وأعلمه بذلك وقال له: قل لها تدعو لنا، ودعت1. ولمسلم2 وغيره: عن أنس: أن أبا بكر قال لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها، وذهبا إليها. ففيه زيارة المرأة الصالحة وسماع كلامها. وقال ابن سعد عن علية أم إسماعيل ابن علية: كانت امرأة نبيلة عاقلة، وكان صالح المري وغيره من وجوه البصرة وفقهائها يدخلون عليها، فتبرز3 وتحادثهم وتسائلهم. والأولى حمل ذلك على من لا يخاف منها فتنة كالعجوز، وكلام الأصحاب على خوفها جمعا. ويأتي حكم الخلوة في آخر العدد4. وفي شرح مسلم5: عيادة المريض سنة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الآداب الشرعية 2/238 - 239.
2 في صحيحه "2454" "103".
3 في الأصل: "فتتزر".
4 9/234 - 235.
5 14/31.

(3/262)


بالإجماع، كذا قال، وسواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي، واختلف العلماء في الأوكد والأفضل منهما، كذا قال: ويتوجه أن القريب أولى.

(3/263)


فصل: من جهر بمعصية مطلقا مع بقاء إسلامه
فهل يسن هجره أم يجب إن ارتدع أم مطلقا إلا من السلام، أم ترك السلام فرض كفاية، ويكره لبقية الناس؟ فيه أوجه "م 8".
ـــــــ
مسألة - 8: قوله: من جهر بمعصية مطلقا مع بقاء إسلامه فهل يسن هجره أم يجب إن ارتدع، أم مطلقا إلا من السلام، أم ترك السلام فرض كفاية ويكره من بقية الناس؟ فيه أوجه، انتهى:
أحدها: يسن هجره، أومأ إليه في رواية حنبل وقال: لا يأثم إن جفاه حتى يرجع، وقدمه المصنف في الآداب الكبرى والوسطى. وفي آداب ابن عبد القوي فقال: وهجران من أبدى المعاصي سنة. وقال في الآداب: وظاهر ما نقل عن أحمد ترك الكلام والسلام مطلقا، وظاهره الوجوب، فإنه قال: إذا عرفت من أحد نفاقا فلا تكلمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف على الثلاثة الذين خلفوا، فأمر الناس أن لا يكلموهم1. وظاهر رواية مثنى وغيره إباحة الهجر2، وترك الكلام والسلام لخوف المعصية، ورواية الميموني تدل على وجوبه، وكلام الأصحاب أو صريحه في النشوز على تحريمه، وأطال في الآداب الكلام في هذا وغيره، وذكر دليل كل3 قول من الأقوال
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "4418"، ومسلم "2769" "53"، من حديث كعب.
2 في "ح": "الحجر".
3 ليست في "ص".

(3/263)


وفي تحريم السلام على مبتدع غير مخاصم روايتان "م 9" وترك العيادة من الهجر، ونصه: لا يعاد المبتدع، وحرمها في النوادر وعنه: لا يعاد الداعية، واعتبر شيخنا المصلحة في ذلك، وظاهر نصوصه أنه لا فرق بين
ـــــــ
التي ذكرها المصنف، وقال في مكان آخر: قال أحمد في مكان آخر: يجب هجر من كفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة، وقيل: يجب هجره مطلقا، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وقطع به ابن عقيل في معتقده قال: ليكون ذلك كسرا أو استصلاحا. وقال ابن حامد: يجب على العالم، ومن لا يحتاج إلى خلطتهم لنفع المسلمين. وقال ابن تميم: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم والمتظاهرين بالمعاصي وترك السلام عليهم فرض كفاية، مكروه لسائر الناس. وقال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية في وجوب هجران أهل البدع وفساق الملة. وقال في الآداب: أطلق كما ترى، وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق. وقال القاضي في الأمر بالمعروف: لا فرق بين ذي الرحم والأجنبي 1"إذا كان الحق لله، وإن كان لآدمي كالقذف والسب والغيبة، فإن كان فاعل ذلك من أقاربه"1 وأرحامه لم يجز هجره وإن كان غيره فهل يجوز هجره؟ على روايتين، وقال ولده أبو الحسين أيضا، قال في الآداب2: وكلام أكثر3 الأصحاب يقتضي أنه لا فرق، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في مواضع، وهو أولى، انتهى. قلت: وهو الصواب.
مسألة - 9: قوله: وفي تحريم السلام على مبتدع غير مخاصم روايتان، انتهى.
قال ابن تميم: ترك السلام على أهل البدع فرض كفاية، ومكروه لسائر الناس، وقيل: لا يسلم أحد على فاسق معلن، ولا مبتدع معلن داعية3، ولا يهجر مسلما مستورا غيرهما من السلام، فوق ثلاثة أيام، ذكره في الآداب، قلت: وظاهر ما قدمه
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 1/257.
3 ليست في "ط".

(3/264)


من جهر بالبدعة دعا إليها أم لا أو أسرها، وظاهر بعضها: والمعصية، نقل أبو داود في الرجل يمشي مع المبتدع: لا يكلمه. ونقل غيره: إذا سلم على المبتدع فهو يحبه، ونقل الفضل: إذا عرفت من أحد نفاقا فلا تكلمه لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف على الثلاثة الذين خلفوا فأمر الناس أن لا يكلموهم1. ونقل الميموني: نهى النبي2 عليه السلام، فكذا كل من خفنا عليه، وعنه: إنه اتهمهم بالنفاق، فكذا من اتهم بالكفر لا بأس بترك كلامه، وعنه: إنه أخذ بحديث عائشة في قصة الإفك، وإنه عليه السلام ترك كلامها والسلام عليها حين ذكر ما ذكر3، وظاهر كلامهم أو صريحه في النشوز تحريم الهجر بخوف المعصية، وتحريمه على رواية الميموني ضعيف، ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا عليه، ولا جفوة من صديق.
ـــــــ
في الآداب: عدم التحريم، وهذه المسألة شبيهة بالتي قبلها، وذكر المصنف في كتابه كلام ابن حامد وغيره.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 263.
2 سقط من النسخ، وهي في الآداب الشرعية 1/248.
3 أخرجه البخاري "2661"، ومسلم "2770" "56".

(3/265)


ونقل المروذي: يكون في سقف البيت الذهب يجانب صاحبه؛ 1"يجفى صاحبه"1. ولعله أراد ترك اللطف لا ترك الكلام؛ لأن حنبلا نقل: ليس لمن قارف شيئا من الفواحش حرمة ولا وصلة إذا كان معلنا، وهذا معنى كلام الخلال وغيره، وقاله القاضي وغيره: إن من أسر بمعصية لا يهجر مع إطلاقهم وإطلاق الشيخ وغيره هجر أهل البدع وإنه إجماع، مع أن القاضي ذكر ما رواه الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا ضحك في جنازة فقال: لا أكلمك أبدا، وعن أنس أنه كانت له امرأة 2"في خلقها"2 سوء، فكان يهجرها السنة والأشهر، فما يكلمها، وعن حذيفة أنه قال لرجل رأى في عضده خيطا من الحمى: لو مت وهذا عليك لم أصل عليك. وعن سمرة أنه قيل له: أكل ابنك طعاما كاد يقتله، قال: لو مات ما صليت عليه3.
وظاهر كلام أحمد والأصحاب في البدعة: سواء كفر بها أم لا. وقال صاحب المحرر: لأن الذمي تجوز إجابة دعوته وترد التحية عليه إذا سلم ويجوز قصده للبيع والشراء، فجازت عيادته وتعزيته كالمسلم. وعكسه من حكم بكفره من أهل البدع، لوجوب هجره، قال القاضي: ولم نهجر أهل الذمة لأنا عقدناها معهم لمصلحتنا بأخذ الجزية: ولا أهل الحرب، للضرر بترك البيع والشراء، وأما المرتدون فإن الصحابة باينوهم4 بالقتال، وأي هجر أعظم من هذا؟ وقال ابن حامد في أصوله:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و"ب".
2 ليست في "ط".
3 ذكر القاضي والآثار ابن مفلح في "الآداب الشرعية". 1/250.
4 في "ب": "بايتوهم".

(3/266)


المبتدع المدعي للسنة هل يجب هجره ومباعدته؟ نقل علي بن سعيد في المرجئ يدعو إلى طعامه أو أدعوه؟ قال: تدعوه وتجيبه إلا أن يكون داعية أو رأسا فيهم، ونقل أبو الحارث: أهل البدع لا يعادون "و م" ولا تشهد لهم جنازة "و م" ونقل حرب1: لا يعجبني أن يخالط أهل البدع، ورد الخطاب أبو ثابت2 سلام جهمي، فقال أحمد: ترد على كافر؟ فقلت: أليس ترد على اليهودي والنصراني؟ فقال: اليهودي والنصراني قد تبين أمرهما. قال ابن حامد: فمذهبه في أهل البدع إن كان داعية مشتهرا به فلا يعاد، ولا يسلم عليه، ولا يرد عليه، ولا يجاب إلى طعام ولا دعوة، وإن كان يلزم التقية بلا إظهار فعلى وجهين: الجواز، والمنع أيضا، بناء على جواز إمامته، كذا قال: بناء على إمامته. قال: وأما مبايعتهم ومشاراتهم فسأله المروذي: أمر بقرية فيها الجهمية لا زاد معي ترى أن أطوي؟ قال: نعم، لا تشتر منها شيئا وتوق أن تبيعه، قلت: بايعته ولا أعلم، قال: إن قدرت أن تسترد البيع فافعل، قلت: فإن لم يمكن أتصدق بالثمن؟ قال: أكره أن أحمل الناس على هذا فتذهب أموال الناس، قلت: وكيف أصنع؟ قال لا أدري، أكره أن أتكلم فيها بشيء، ولكن أقل ما هنا أن تتصدق بالربح وتتوقى مبايعتهم، فظاهر كلامه المنع من ذلك وإبطاله مطلقا، فمن كان منهم داعية فالبيع باطل لا يملك به شيئا كالمرتدين سواء، وإلا خرج على الوجهين في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "حنبل".
2 هو: أبو ثابت الخطاب: صاحب الإمام أحمد بن حنبل، وروى عنه، وسأله عن بعض المسائل وعن أحاديث. ولم تذكر مصادر ترجمته تاريخ ولادته ولا وفاته. "طبقات الحنابلة" 1/383، و"المنهج الأحمد" 2/183 و"المقصد الأرشد" 3/158.

(3/267)


إمامته والسلام عليه ورد سلامه، كذا قال، فدل كلامه أن مراده البدعة المكفرة، فالداعية إليها كمرتد، وإلا فالوجهان، ولم يبين حكم غير المكفرة، وما ذكره من إطلاق وجهين فليس كذلك، وأشهر الروايتين: يكفر، والثانية: يفسق، وعنه: لا. ويأتي ذلك1. 2"قال: وأين"2 منعنا: فبايعه ولا يعلم؟ فظهر من كلامه أنه تستحب الصدقة بالربح لأنه لم يقدم على محظور يعلمه فعفي عنه، كذا قال، ويتوجه أن ظاهر المذهب إن لم يصح رد الربح إلى المالك، فإن تعذر تصدق به: وظاهر كلام أحمد المذكور: وجوبا، وأما إذا لم يمكن أن يسترده فيتوجه فيه، كمن بيده رهن أيس من ربه. وقال الخطاب أبو ثابت لأحمد: أشتري دقيقا لأبي سليمان الجوزجاني3؟ قال: ما يحل لك أن تشتري دقيقا لرجل يرد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الخلال في العلم. قال ابن حامد وأما مناكحتهم فتحرم قولا واحدا، ويستوي أهل التقية والمجادلة وعلمه به وعدمه؛ لأنه أقوى، كذا قال، ولا وجه للمنع مع تخريجه على إمامته، ويتوجه في بيع ونكاح من كفرناه كمرتد إن دعا إليها أو مطلقا، وإلا جاز، وسيأتي في إرث أهل الملل4.
قيل لأحمد: آخذ على ابن الجهمي؟ قال: كم له؟ قلت: ابن سبع أو
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 11/326.
2 في "ط": وإن".
3 هو: موسى بن سليمان، صاحب أبي يوسف ومحمد. كان صدوقا محبوبا إلى أهل الحديث. له: "السير الصغير"، و"الرهن". "تاج التراجم" ص 260.
4 8/54.

(3/268)


ثمان، قال: لا تأخذ عليه ولا تلقنه لتذل الأب به، ويتوجه: يأخذ عليه ويلقنه، لعل الله يهديه على يده وينشئه على طريقته، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. وقال الحسن بن علي أبو محمد البربهاري1 من متقدمي أصحابنا في كتابه "شرح السنة": وإذا رأيت الرجل رديء الطريق والمذهب، فاسقا فاجرا صاحب معاص، ظالما، وهو من أهل السنة فاصحبه واجلس معه، فإنك ليس تضرك معصيته وإذا رأيت عابدا مجتهدا متقشفا، صاحب هوى، فلا تجلس معه، ولا تسمع كلامه، ولا تمش معه في طريق، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه. وقال "الإمام" أحمد في رسالته إلى مسدد: ولا تشاور أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك. وقال أبو الفرج الشيرازي في كتابه التبصرة: وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فأيأس منه، فإن الشاب على أول نشوئه.
وروى أبو الحسين في الطبقات2 من حديث الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي قال: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة، وقبور أهل البدع من الزنادقة3 حفرة، فساق أهل السنة أولياء الله، وزهاد أهل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري الحنبلي، أحد الأئمة الثقات، صحب جماعة من أصاحب أحمد منهم المروذي، وله مصنفات منها "شرح السنة"، خلف أبوه تسعين ألف درهم فتركها تنزها. وتوفي سنة 329هـ. "تسهيل السابلة" 1/412.
2 1/177.
3 في "ط": "الزهاد".

(3/269)


البدع أعداء الله. وقال أحمد عن الحارث المحاسبي: ذلك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان، فأخرجهم إلى رأي جهم هلكوا بسببه، فقيل له: يا أبا عبد الله يروي الحديث وهو ساكن خاشع من قصته، فغضب أبو عبد الله، وجعل يحكي: ولا يعدل خشوعه ولينه، ويقول: لا تغتروا بنكس رأسه فإنه رجل سوء لا يعرفه إلا من قد خبره، لا تكلمه، ولا كرامة له.

(3/270)


نفسك بوفاء أبناء الزمان فقد كذبتك الحديث، هذا سيد البشر مات وحقوقه على الخلق بحكم البلاغ والشفاعة في الأخرى، وقد قال: {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]، وقد شبع به الجائع وعز به الذليل، فقطعوا رحمه، وظل أولاده بينهم بين أسير وقتيل، وأصحابه قتلى، عمر في المسجد، وعثمان في داره، وهذا مع إسداء الفضائل وإقامة العدل والزهد، اطلب لخلفك ما كان لسلفك.
ويستحب أن يندى حلقه، وأن يلقن قول "لا إله إلا الله" لأن إقراره بها إقرار بالأخرى، ويتوجه احتمال كما ذكر جماعة من الحنفية والشافعية: يلقن الشهادتين؛ لأن الثانية تبع، فلهذا اقتصر في الخبر1 على الأولى، ويلقن مرة، نقله مهنا وأبو طالب "و" واختار الأكثر ثلاثا، ولا يزاد، فإن تكلم أعيد برفق، وذكر أبو المعالي: يكره التلقين من الورثة بلا عذر، ويقرأ عنده الفاتحة، ويسن، نص عليهما، وقيل: وتبارك، وكره مالك قراءة القرآن عنده، وكرهها الحنفية بعد موته حتى يغسل.
وإذا مات استحب أن يغمضه "و" للخبر2، لئلا يقبح منظره، وقول "بسم الله وعلى ملة3 رسول الله"4. نص عليه، ويغمض الرجل ذات محرم وتغمضه، قال أحمد: يكره أن يغمضه جنب أو حائض أو يقرباه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "916" "1"، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" .
2 أخرج مسلم "919" "6"، من حديث أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغمض أبا سلمة.
3 في النسخ الخطية و"ط": "وفاة"، والمثبت من مصادر التخريج.
4 أخرجه الترمذي "1046"، وابن ماجه "1550"، من حديث ابن عمر.

(3/271)


ويشد لحييه1، ويلين مفاصله، وينزع ثيابه، ويسجيه بثوب "و" ويجعل على بطنه حديدة أو طينا ونحوه قال ابن عقيل: وهذا لا يتصور إلا وهو على ظهره، قال: فيجعل تحت رأسه شيء عال ليحصل مستقبلا بوجهه القبلة، قال الأصحاب: ويستحب أن يسرع في تجهيزه، مع أنهم احتجوا بقوله عليه السلام: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله" . رواه أبو داود2. وسبق أن: لا ينبغي، للتحريم، واحتج بعضهم باستعمال الشارع، كقوله عليه السلام في الحرير: "لا ينبغي هذا للمتقين" 3. ويسرع في قضاء دينه والمراد والله أعلم يجب ووصيته، وينتظر ما لم يخف عليه أو يشق جمع بقرب، نص عليه "هـ" وأطلق تعجيله في رواية. وفي الانتظار لولي وجهان "م 10"
ـــــــ
مسألة - 10: قوله في سرعة تجهيزه: وينتظر ما لم يخف عليه جمع بقرب، نص عليه، وفي الانتظار لولي وجهان، انتهى:
ـــــــ
1 في "ب" و"ط": "لحيته".
2 في سننه "3159"، من حديث الحصين بن وحوح الأنصاري.
3 أخرجه البخاري "375"، ومسلم "2075" "23"، من حديث عقبة بن عامر.

(3/272)


وينتظر في موت الفجأة حتى يعلم موته، بانخساف صدغيه، وميل أنفه. وذكر جماعة وانفصال كفيه، وارتخاء رجليه، وعنه: يوم، وقيل: يومان، ما لم يخف عليه، قال الآجري فيمن مات عشية: ويكره تركه في بيت وحده. 1"قال النخعي: كانوا لا يدعونه في بيت وحده"1 يقولون: يتلاعب به الشيطان، قال أحمد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يموت بعرق الجبين" . رواه النسائي، وابن ماجه، والترمذي وحسنه، من حديث بريدة2.
ولا يستحب النعي وهو النداء بموته "م" بل يكره، نص عليه "هـ" 1"ونقل صالح"1: لا يعجبني، وعنه: يكره إعلام غير قريب أو صديق، ونقل حنبل: أو جار، وعنه: أو أهل دين، ويتوجه استحبابه، ولعله المراد، لإعلامه عليه الصلاة والسلام أصحابه بالنجاشي3. وقوله عليه الصلاة والسلام عن الذي يقم المسجد أي يكنسه: "أفلا كنتم آذنتموني؟" 4. أي أعلمتموني، ولا يلزم إعلام قريب.
ـــــــ
أحدها: لا بأس أن ينتظر وليه، وهو الصحيح، جزم به ابن تميم وابن عبد القوي في مجمع البحرين، والظاهر أنهما تابعا المجد في شرحه على ذلك، قال في الرعاية الكبرى: ويجوز التأني قدر ما يجتمع له الناس من أقاربه وأصحابه وغيرهم، ما لم يشق عليهم أو يخف عليه الفساد. انتهى.
والوجه الثاني: لا ينتظر.
فهذه عشر مسائل.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 النسائي في "المجتبى" 4/6، والترمذي "982"، وابن ماجه. "1452".
3 أخرجه البخاري "1318"، ومسلم "951" "62"، من حديث أبي هريرة.
4 أخرجه البخاري "458"، ومسلم "956" "71"، من حديث أبي هريرة.

(3/273)


ولا بأس بتقبيله والنظر إليه ولو بعد تكفينه، نص عليه، ولأحمد1 عن عائشة قالت: إن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الاثنين قال: فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي الغد، فإن أحب الأيام والليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات من ليلة الثلاثاء رضي الله عنه وأرضاه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في مسنده "45".

(3/274)


باب غسل الميت
مدخل
...
باب غسل الميت
غسله فرض كفاية "و" بماء طهور "م ر" مرة واحدة "و" ويعتبر كون الغاسل مسلما، فلا يصح غسل كافر لمسلم "هـ م ق" إن اعتبرت له النية وإلا صح "*" وعنه: ولا نائبا لمسلم نواه المستنيب، والمراد: وإن صح ينبغي أن لا يمكن؛ لأن ابن اليهودي لما أسلم عند موته قال عليه الصلاة والسلام: "لوا أخاكم" 1. ويعتبر العقل "و" ولا يكره كونه جنبا أو حائضا "و هـ ش" وعنه: بلى، وعنه في الحائض: لا يعجبني، والجنب أيسر، لا
ـــــــ
تنبيه: قوله: ويعتبر كون الغاسل مسلما فلا يصح غسل كافر لمسلم إن اعتبرت له النية وإلا صح انتهى. الظاهر أن هنا نقصا فإن الكلام الثاني، وهو قوله: "فلا يصح غسل كافر لمسلم إن اعتبرت له النية وإلا صح" تخريج للمجد في شرحه و المنصوص عن الإمام أحمد أنه لا يغسله مطلقا كما قال المجد في شرحه وابن تميم وابن حمدان وابن عبد القوي وغيرهم، وبعضهم حكى وجها بالصحة إذا لم تعتبر النية والمجد ذكر تخريجا، والله أعلم. لكن قال في المغني2 والشرح3: فإن كانت الزوجة ذمية فليس لها غسل زوجها؛ لأن الكافر لا يغسل المسلم لأن النية واجبة في الغسل، والكافر ليس من أهلها، وقالا بعد ذلك: لا يصح غسل الكافر المسلم؛ لأنه عبادة وليس من أهلها؛ ولأن الكافر نجس، فلا يطهر غسله المسلم، انتهى: فأزالا4 الإيهام5 الذي في الكلام الأول.
ـــــــ
1 أخرجه أحمد "3951".
2 3/463، 465.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/154.
4 في "ح": "فأزالها".
5 في "ط": "الإبهام".

(3/275)


العكس "م" وقيل: مثلهما المحدث "خ"1 ويغسل حلال محرما وعكسه "و" قال صاحب المحرر وغيره: الأفضل ثقة عارف بأحكام الغسل. وقال أبو المعالي: يجب، نقل حنبل: لا ينبغي إلا ذلك، وقيل: تعتبر المعرفة، وقيل: العدالة. وفي مميز روايتان كأذانه "م 1" فدل أنه لا يكفي من الملائكة، وهو ظاهر كلام الأكثر وفي الانتصار: يكفي إن علم، وكذا في تعليق القاضي، واحتج بغسلهم لحنظلة2. وبغسلهم لآدم عليه السلام3، ولم تأمر الملائكة ولده بإعادة غسله. وبأن سعدا لما مات،
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وفي مميز روايتان كأذانه: يعني هل يجزئ غسله للميت أم لا: أحدهما يصح ويجزئ، وهو الصحيح، جزم به في المغني، فقال: إذا غسل الصبي العاقل الميت صح غسله، صغيرا كان أو كبيرا؛ لأن طهارته تصح، فصح أن يطهر غيره كالكبير، انتهى. قال ابن تميم وصاحب الفائق: ويجوز من مميز في أصح الوجهين، وصححه الناظم، قال في القواعد الأصولية: والصحيح السقوط، وقدمه في الرعاية الكبرى ومجمع البحرين والزركشي وغيرهم: قال في الرعاية الصغرى: ويكره أن يكون الغاسل مميزا، واقتصر عليه، وقد ذكرنا في الأذان إجزاء أذانه على الصحيح فكذا هنا كما قال المصنف.
والرواية الثانية: لا يصح، ولا يجزئ. وقال في مجمع البحرين بعد أن قدم الصحة: قال المجد: ويتخرج لنا أنه إذا استقل بغسله لم يعتد به، كما لا يعتد بأذانه، لأنه ليس أهلا لأداء الفرض، بل يقع فعله نفلا، انتهى. وقال في القواعد الأصولية: حكى بعضهم في جواز كونه غاسلا للميت ويسقط به الفرض روايتين، وطائفة وجهين.
ـــــــ
1 في "ط": "و".
2 أخرجه الحاكم في "المستدرك" 3/204، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/15، من حديث الزبير.
3 أخرجه أحمد "21240"، من حديث عتي بن ضمرة موقوفا.

(3/276)


أسرع عليه الصلاة والسلام في المشي إليه، فقيل له، فقال: "خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله كما سبقتنا إلى غسل حنظلة" 1. قال: فيدل أنها لو لم تغسل حنظلة لغسله، ولكن غسلها قام مقام غسله، وأنها لو سبقت إلى سعد سقط فرض الغسل، وإلا لم يبادر إليه؛ لأنه كان يمكنه غسله بعد غسلهم له، وكذا ذكره بمعناه صاحب المحرر وغيره، مع أنه وجه عدم صحته من المميز بأنه ليس من أهل الفرض، مع أنه يصح تطهيره لنفسه فكذا لغيره، وذكر ابن شهاب معنى كلام القاضي وقال: قالوا هذا غسل الملائكة، وكلامنا في غسل الآدميين. قيل: الواجب الغسل، فأما الغاسل فلا يعتبر على رواية، ولهذا نقول: يجوز من غير أهل النية كالصبي والكافر، فكيف بغسل الملائكة، وكذا قال الحنفية: الواجب الغسل، فأما الغاسل فيجوز من كان. قالوا: وإنما وجب علينا لمخاطبتنا بحق الآدمي دون الملائكة، وإنما أمروا في البعض إظهارا للفضيلة، ويتوجه في مسلمي الجن كذلك، وأولى، لتكليفهم، وسبق ذلك في آخر صلاة الجماعة2.
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 14/412.
2 2/460.

(3/277)


فصل: يقدم به وصيه العدل
...
فصل: يقدم به وصيه3 العدل
، وقيل: أو فاسق، ثم أبوه وإن علا، وعنه: يقدم الابن على الجد "و ش" لا على الأب "م" ويتوجه تخريج4 من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
3 في "س" و"ط": "وصية".
4 في "س": "تخرج".

(3/277)


نكاح، ولهذا قال القاضي وغيره محتجا للمذهب: ولأن من أصلنا أن الأب مقدم على الابن في ولاية النكاح، كذلك في الصلاة؛ ثم ابنه وإن نزل، ثم أقرب عصبته نسبا ونعمة، وعنه: يقدم أخ وابنه على جد "م" وعنه: سواء، ثم ذوو أرحامه، كالميراث. وقال صاحب المحرر وصاحب النظم: ثم صديقه، فيتوجه منه تقديم الجار على أجنبي وقاله الحنفية في الصلاة، ولا فرق، وفي تقديمه على صديق نظر، وقيل: لا تصح الوصية "و" وقيل: ولو صحت بصلاة؛ لأنه لا يختلف إلا بجودة الصنعة، كحفر القبر والحمل وطرح التراب، وقيل: لا يقدم على الولي.
والأولى تغسل المرأة وصيتها على ما سبق، ثم أمها وإن علت، ثم بنتها وإن نزلت، ثم القربى كالميراث، وعمتها وخالتها سواء، لاستوائها في القرب والمحرمية، وكذا بنت أخيها وبنت أختها، وفي الهداية: بنت الأخ، فدل أن من كانت عصبة لو كانت ذكرا فهي أولى، لكنه سوى بين العمة والخالة، ويقدم منهن من يقدم من الرجال. وقال ابن عقيل في الصلاة عليه: حتى واليه وقاضيه.
ويغسل "أم" ولده في الأصح "هـ" وأمته القن على الأصح "هـ" لبقاء الملك من وجه، للزومه تجهيزها "*".
ـــــــ
تنبيهان:
"*" الأول: قوله: "ويغسل أم ولده وأمته القن لبقاء الملك من وجه،

(3/278)


وإن الشيء إذا انتهى، تقرر حكمه، وكذا تغسيلهما له، وقيل بالمنع هنا، وقيل في أم الولد، لبقاء الملك في الأمة من وجه لقضاء دين ووصية. وتغسل1 المرأة زوجها "و" ذكره أحمد وجماعة "ع" ولو قبل الدخول "هـ" أو ولدت عقب موته "هـ" وفيهما وجه، أو بعد طلاق رجعي "ش م ر"
ـــــــ
للزومه تجهيزها" كذا في النسخ، ولعله تجهيزهما، بضمير المثنى، وقد صرح في المغني2 وغيره بلزوم تجهيز أم الولد.
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "المرأة".
2 3/462.

(3/279)


إن أبيحت الرجعية، وحكي عنه: تغسله لعدم، فيحرم نظر عورة، وحكي عنه المنع مطلقا، كالمذهب فيمن أبانها في مرضه "و". ويغسل امرأته، نقله الجماعة "و م ش" وعنه: لعدم، وعنه: المنع، اختاره الخرقي "*" "و هـ" ومتى جاز نظر كل1 منهما غير العورة، ذكره جماعة، وفاقا لجمهور، العلماء، وجوزه في الانتصار وغيره بلا لذة، واللمس والخلوة، ويتوجه أنه ظاهر كلام أحمد، وظاهر كلام ابن شهاب.
واختلف كلام القاضي في نظر الفرج، فتارة أجازه بلا لذة وتارة منع، وقال: المعين في الغسل والقائم عليه كالغاسل في الخلوة بها والنظر إليها، قال أبو المعالي: ولو وطئت بشبهة بعد موته، أو قبلت ابنه لشهوة لم تغسله، لرفع ذلك حل النظر واللمس بعد الموت، ولو وطئ أختها بشبهة ثم مات في العدة لم تغسله إلا أن تضع عقب موته، لزوال الحرمة، ولا يغسل أمته المزوجة والمعتدة من زوج، فإن كانت في استبراء فوجهان"*"
ـــــــ
"*" الثاني: قوله: "ويغسل امرأته، وعنه: لعدم، وعنه: المنع، اختاره الخرقي" انتهى، إنما اختار الخرقي الرواية الثانية لا الثالثة، فإنه قال: وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس، والمصنف قد أثبت ثلاث روايات والشيخ الموفق لما نفى رواية الجواز مع الضرورة جعل اختيار الخرقي الجواز مطلقا لا المنع مطلقا، فعلى كلا التقديرين لم يختر الخرقي المنع مطلقا، كما قال المصنف.
"*" الثالث: قوله "ولا يغسل أمته المزوجة والمعتدة من زوج، فإن كانت في
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "واحد".

(3/280)


ولا المعتق بعضها، ولا تغسل مكاتبة سيدا لم يشترط وطأها، ويغسلها. وترك التغسيل من زوج وزوجة وسيد أولى، والأشهر يقدم أجنبي عليها وأجنبية عليهما. وفي تقديم زوج على سيد وعكسه وتساويهما أوجه "م 2".
ـــــــ
استبراء فوجهان" انتهى، الذي يظهر أن هذه المسألة من تتمة كلام أبي المعالي الذي حكاه المصنف عنه قبل ذلك، وإلا فكيف يقال: لا يغسل السيد أمته المزوجة والمعتدة من زوج، ثم يحكى خلافا في الأولوية فيما إذا اجتمع زوج وسيد كما ذكره المصنف بعد ذلك؟ فإذا جعلنا هذه المسألة من تتمة كلام أبي المعالي زال الإشكال، وكان هذا قولا مؤخرا، وطريقة ضعيفة، فيقال: الصحيح من المذهب صحة غسل السيد لأمته المزوجة والمعتدة، وهو الذي قدمه المصنف، وأبو المعالي يقول: لا يغسلهما، وحكى في المستبرأة وجهين، هذا ما ظهر لي1، وإن نحمله على هذا يحصل التناقض، والله أعلم.
مسألة - 2: قوله: "وفي تقديم زوج على سيد وعكسه وتساويهما أوجه"، انتهى، وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان والمصنف في حواشي المقنع:
أحدها: الزوج أولى من السيد وهو الصحيح، قال في مجمع البحرين: الزوج أولى في أصح الاحتمالين: قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: السيد أولى.
والوجه الثالث: التساوي. قال في مجمع البحرين: وهو ظاهر كلام أبي2 الخطاب
ـــــــ
1 ليست في "ح".
2 في "ط": "ابن".

(3/281)


وفي أم ولد على زوجة وعكسه وجهان "م 3" قال أبو المعالي: والقاتل لا حق له في المقتول إن لم يرثه، لمبالغته في قطيعة الرحم، ولم أجد ذكره غيره، ولا يتجه في قتل لا يأثم به.

(3/282)


فصل: للرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين،
نص عليه، واختاره الأكثر، ولو 1"بلحظة "هـ"1 وعنه: وسبع إلى عشر، اختاره أبو بكر "و م" أمكن الوطء أو لا "م" فلا عورة إذن، لقوله عليه الصلاة والسلام: "وفرقوا بينهم
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: "وفي أم ولد زوجة وعكسه وجهان" انتهى. يعني إذا كان للرجل الميت زوجة وأم ولد، فهل الزوجة أولى بالغسل من أم الولد، أم أم الولد أولى من الزوجة؟ هذا ظاهر عبارته، وفيه نظر، والذي رأيناه في كلام الأصحاب أن الخلاف إنما هو: هل الزوجة أولى أم هما سواء؟ كذا قال المجد في شرحه، وابن تميم، وابن حمدان، وابن عبد القوي في مجمع البحرين، وغيرهم، فلعل المصنف اطلع في ذلك على نقل خاص، وهو الظن به، لكن كونه لم يحك ما قاله هو لا الجماعة دل على أنه أراد قولهم، ولكن حصل ذهول، والله أعلم.
إذا علم ذلك فالصحيح من المذهب أن الزوجة أولى من أم الولد في غسله، اختاره المجد في شرحه وقدمه ابن تميم، وابن حمدان، ويؤيد ذلك ما اختاره ابن عقيل2: من أن أم الولد ليس لها غسل سيدها وإن جوزناه للزوجة، والله أعلم.
والوجه الثاني: هما سواء، فيقرع بينهما، مع المشاحة، قاله ابن تميم، وابن حمدان، وابن عبد القوي وغيرهم، وقول المصنف: إن أم الولد أولى من الزوجة وجه
ـــــــ
1 في "ب": "تكلم".
2 بعدها في "ط": "من".

(3/282)


في المضاجع" 1. وللدارقطني2 وابن منده: الأمر بالتفريق لسبع، وقيل: تحد الجارية بتسع، لقول عائشة: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة، رواه أحمد، وذكره البخاري3، ورواه القاضي بإسناده عن ابن عمر مرفوعا4، وحكى فيهما: إلى البلوغ، لعدم التكليف، كقبل السبع، وعنه: الوقف في الرجل للجارية، وقيل5 بمنعه، اختاره الشيخ، وعنه: له غسل ابنته الصغيرة، وقيل: يكره دون سبع إلى ثلاث، والصحيح عند الحنفية: يغسلان من لا يشتهى.
ويمنع المسلم من غسل قريبه الكافر وتكفينه واتباع جنازته ودفنه "و م" وعنه: يجوز، اختاره الآجري وأبو حفص "و هـ ش" قال أبو حفص: رواه الجماعة، ولعل ما رواه ابن مشيش قول قديم، أو تكون قرابة بعيدة، وإنما يؤمر إذا كانت قريبة، مثل ما روى حنبل، كذا "قال" قال القاضي وغيره: المذهب لا يجوز على ما روينا عنه، وما رواه حنبل لا يدل على الجواز؛ لأنه قال: يحضر ولا يغسل، واحتجوا بالنهي عن الموالاة6، وهو عام؛ لأنه تعظيم وتطهير له، فأشبه الصلاة، وفارق غسله في حياته، فإنه لا يقصد ذلك، وعنه: يجوز دون غسله، اختاره صاحب المحرر، لعدم ثبوته في
ـــــــ
ثالث، إن وجد به نقل، والله أعلم.
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "495"، من حديث عبد الله بن عمرو.
2 "سنن الدارقطني" 1/229.
3 أورده الترمذي إثر حديث "1109"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/320، ولم نقف عليه عند أحمد والبخاري.
4 أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/273.
5 في "س": "وعنه".
6 كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]

(3/283)


قصة أبي طالب1، وعنه: دفنه خاصة، كالعدم "و" ولعل المراد إذا غسل فكثوب نجس، فلا وضوء ولا نية للغسل، ويلقى في حفرة، قال ابن عقيل وجماعة: وإذا أراد أن يتبعه ركب وسار أمامه، وذكروا قول ابن عمر: إنه إذا سار أمامه لا يكون معه، وروي مرفوعا2. وإن لم يكن له أحد لزمنا دفنه في ظاهر كلام أصحابنا قاله صاحب المحرر، وذكر أبو المعالي وغيره: لا، وقال من لا أمان له كمرتد نتركه طعمة لكلب، وإن غيبناه فكجيفة. والزوجة وأم الولد وقيل: والأجنبي كقريب.
ـــــــ
1 وهي ما رواه أبو داود "3214"، والنسائي في "المجتبى" 1/110 و4/79 عن علي رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أذهب فوار أباك، ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني" ، فذهبت فواريته وجئته، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي.
2 أخرجه أحمد في "مسنده" "4939".

(3/284)


فصل: يستحب أن يبدأ بمن يخاف عليه، ثم بالأقرب
، ثم قيل: الأسن، وقيل: الأفضل، وأطلق3 الآجري تقديم4 الأخوف ثم الفقير ثم من سبق "م 4".
ويستحب توجيهه في كل أحواله، وكذا على مغتسله "و" مستلقيا،
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: "ويستحب أن يبدأ بمن يخاف عليه، ثم الأقرب، ثم قال: الأسن. وقيل: الأفضل، وأطلق الآجري تقديم الأخوف، ثم الفقير، ثم من سبق" انتهى.
أحدهما: يقدم الأفضل على الأسن "قلت": وهو الصواب، وقد قدم الأصحاب في الإمامة الأفضل على الأسن.
والوجه الثاني يقدم الأسن عليه.
ـــــــ
3 في "س": "وقال"، وفي هامشها: "وأطلق" نسخة.
4 في "ب" و"س" و"ط": "يقدم".

(3/284)


ونصوصه: كوقت الاحتضار، منحدرا نحو رجليه، تحت ستر مجردا، مستور العورة، ونقل المروذي: في بيت مظلم، وإنما غسل عليه السلام في قميص على ما رواه مالك وأحمد وأبو داود وغيرهم1؛ لأنه طيب حيا وميتا، وعنه غسله في قميص واسع أفضل، اختاره جماعة منهم القاضي وابن عقيل "و ش" ويكره2 أن يحضره إلا من يعين غاسله وذكر القاضي وابن عقيل لوليه الدخول عليه كيف شاء.
ولا يغطي وجهه، نقله الجماعة "و" وظاهر كلام أبي بكر: يسن، وأومأ إليه، لأنه ربما تغير لدم أو غيره فيظن السوء، وأما ما رواه الطحاوي عنه عليه السلام: "خمروا وجوه موتاكم ولا تتشبهوا باليهود" 3. فلم يصح، ونقل حنبل أن فعله أو تركه لا بأس4. ويرفع رأسه إلى قريب جلوسه، ولا يشق عليه، نص عليه، فيعصر بطنه برفق، ويكون ثم بخور، وعند أبي حنيفة لا يرفع رأسه هنا بل بعد غسله، ويحرم مس عورته "و" ونظرها "و" وظاهر مذهب أبي حنيفة: يستر العورة5 الغليظة: الفرجان، لئلا يشق الغسل، وينجيه بخرقة "و" ويستحب في بقية بدنه. وقال ابن عقيل: بدنه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه مالك في "الموطأ" 1/222، من حديث جعفر بن محمد عن أبيه. وأحمد "26306". وأبو داود "3141"، من حديث عائشة.
2 في الأصل: "وعنه: يكره".
3 لم نجد عند الطحاوي في "شرح معاني الآثار" و"شرح مشكل الآثار" وهو عند الطبراني في "الكبير" 11/183، والدارقطني في "سننه" 2/297، من حديث ابن عباس.
4 بعدها في "ط": "به".
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(3/285)


عورة، إكراما له من حيث وجب ستر جميعه، فيحرم نظره، ولم يجز1 أن يحضره إلا من يعين في أمره، وهو ظاهر كلام أبي بكر، في الغنية: كالأصحاب مع أنه قال: إنه عورة، لوجوب ستر جميعه.
ثم ينوي2 غسله، وهي فرض على الأصح "هـ م ر ق" وفي وجوب الفعل وجهان "م 5".
ـــــــ
مسألة - 5: قوله "ثم ينوي غسله، وهي فرض على الأصح وفي وجوب الفعل وجهان" انتهى:
أحدهما: لا يجب نفس الفعل، وهو الصحيح، اختاره المجد في شرحه وغيره، وهو ظاهر ما قدمه في مجمع البحرين، قال المصنف في حواشي المقنع: وهو ظاهر ما ذكره الشيخ وغيره.
والوجه الثاني: يجب الفعل، قال في التلخيص: لا بد من إعادة غسل الغريق على الأظهر، فظاهره اعتبار الفعل، قاله المصنف في حواشيه "قلت" كلامه في التلخيص يحتمل، فإن من يقول لا يجب نفس الفعل يقول لا بد أن يكون عنده من ينوي الغسل؛ لأنهم قالوا: لو ترك الميت تحت ميزاب أو أنبوبة أو مطر، أو كان غريقا، فحضر من يصلح لغسله، ونوى غسله إذا اشترطناها فيه، ومضى زمن يمكن غسله فيه، أجزأ ذلك على القول الأول، وعلى الثاني: لا يجزئه، 3"وإذا كان الميت بغرق أو بمطر، فقال في مجمع البحرين: يجب تغسيله، ولا يجزئ"3 ما أصابه من الماء، نص عليه، قال المجد: هذا إن اعتبرنا الفعل، أو لم يكن ثم من نوى غسله، في ظاهر المذهب. قال: ويتخرج أن لا حاجة إلى غسله إذا لم نعتبر الفعل ولا النية. وقال في الفائق: ويجب غسل الغريق على أصح الوجهين، ومأخذهما وجوب الفعل.
ـــــــ
1 في "س": "يجري".
2 في "ط": "نوى".
3 ليست في "ط".

(3/286)


فائدتهما: في نية غسل غريق ونحوه، وفي التسمية الروايات السابقة "م 6" ولا بد من إزالة نجاسة، ولا يكفي مسحها، ولا وصول الماء إليه بل يجب أن ينجى1 "هـ" وعند أبي يوسف ومحمد: لا ينجى2 لئلا يسترخي فتخرج نجاسة أخرى، ويمسح أسنانه ومنخريه بماء "هـ" ندبا، وقيل: وجوبا، ثم يتممه كوضوء الصلاة "و" وظاهره يمسح رأسه "هـ" والأصح لا يجب توضيئه "و" لقيام موجبه وهو زوال عقله، وذكر ابن أبي موسى أنه يصب ماء على فيه وأنفه كمضمضة3 واستنشاق. ولا يدخله فيهما "ش".
ـــــــ
1 في "ب" و"ط": "تنحي".
2 في "ط": "لا ينحي".
3 في الأصل و"ط": "لمضمضة"، والمثبت من "الإرشاد": 115.

(3/287)


فصل: ثم يغسل برغوة السدر رأسه
بتثليث راء رغوة ولحيته، قال جماعة: وبقية بدنه، ونصه: لا يسرح، قال القاضي وغيره: يكره، واختار ابن حامد: يسرح خفيفا "و ش" يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، ويقلبه على جنبيه4، مع غسل شقيه "و هـ" وقيل: بعدهما "و ش" يفعل ذلك، وقيل:
ـــــــ
مسألة - 6: قوله "وفي التسمية الروايات السابقة" يعني: التي5 في الوضوء والغسل والمصنف قد أطلق الخلاف هناك، وصححنا المذهب من ذلك، فليعاود فإن الحكم واحد في المواضع الثلاث عند الأصحاب.
ـــــــ
4 في "س" و"ط": "جنبه".
5 ليست في "ط".

(3/287)


حتى الوضوء، وحكى رواية، ثلاثا، وللمالكية خلاف في تكرير وضوئه، ويكره مرة، نص عليه "و" وعنه: لا يعجبني.
ويمر كل مر يده على بطنه "و ش" ونقل الجماعة: عقب الثانية "و هـ" لأنه يلين، فهو أمكن، وعنه: وعقب الثالثة، وإن لم ينق بثلاث زاد حتى ينقي "و" ويقطع على وتر، ونقل الجماعة: لا يزاد على سبع، وجزم به جماعة، ونقل أبو طالب: لا تجوز الزيادة، ونقل ابن واصل1: يزاد إلى خمس، ويمرخ2 بسدر مضروب3 أولا، ويجوز معناه، كخطمي، وقيل لأحمد: إن لم يوجد يستعمل الغبيراء4؟ قال: لا أعرفه. ثم يغسل فيكون غسله، قال جماعة: بعد تنقية بدنه من السدر بخرقة، وقيل: يذر في ماء "و هـ" وقيل: لا يغيره، وإلا لم يعد غسله في وجه "و ش" ويجعل كل مرة "و م" وقيل لأحمد: يبقى السدر عليه؟ قال: وإن بقي، ونقل حنبل: يجعل أول
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو العباس محمد بن أحمد بن واصل المصري عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان. طبقات الحنابلة 1/263.
2 في "ط": "ويمزج"، والتمريخ: الادهان.
3 ضرب الشيء بالشيء: خلطه. "القاموس": "ضرب".
4 الغبيراء: نبيذ الذرة، ويقال له: السكركة. "القاموس": "غبر".

(3/288)


مرة، اختاره جماعة "و ش" وعنه: والثانية، ونقل حنبل أيضا: ثلاثا بسدر وآخرها بماء واختلف الحنفية هل السدر في الثانية أم "في" الثالثة؟ ويجعل في الأخيرة1 كافورا "هـ" وفي مذهبه خلاف، ومن العجيب أن بعض أصحابه خطأ من نقل عنه لا يستحب، قيل: مع السدر، ونقله الجماعة، وعليه العمل، وذكره الخلال، وقيل: وحده "م 7" وقيل: يجعل في الكل "خ".
ويكره على الأصح ماء حار "م" بلا حاجة كخلال وأشنان، واستحبه ابن حامد "و هـ" ولا بأس بغسله في حمام، نقله مهنا، ولا يغتسل غاسله بفضل ماء سخن له، فإن لم يجد غيره تركه حتى يبرد، قاله أحمد، ذكره الخلال.
ويجز شاربه "و ق" وعلى الأصح: ويقلم أظفاره، وهو قول له أيضا ويأخذ شعر إبطه في المنصوص "و ق" وعنه: وعانته، قيل فيها: بنورة، لتحريم النظر.
ـــــــ
مسألة - 7: قوله ويجعل في الأخيرة كافورا قيل: مع السدر، ونقله الجماعة، وعليه العمل، وذكره الخلال، وقيل: وحده، انتهى. وأطلقهما ابن تميم، القول الأول هو الصحيح، وقد نقله الجماعة عن الإمام أحمد. وقال الخلال: عليه العمل، واختاره المجد وغيره، وهو ظاهر كلام الشارح، والقول الثاني: يجعل وحده في ماء قراح2، اختاره القاضي وغيره.
ـــــــ
1 في "س" و"ب": "الآخرة".
2 القراح: الخالص من الماء الذي لم يخالطه كافور ولا حنوط ولا غير ذلك. "المصباح" "فرح".

(3/289)


وفي الفصول: لأنها أسهل من الحلق بالحديد، وقيل: بحلق أو قص "م 8" وعنه: في الكل إن فحش. وقال 1"أبو المعالي"1: ويأخذ ما بين فخذيه، ويجعل ذلك معه، كعضو ساقط، ويعاد غسله، نص عليه؛ لأنه جزء منه، كعضو، والمراد يستحب. ويبقى عظم نجس جبر به مع المثلة وقيل: لا، وقيل عكسه. وفي الفصول: إن اتخذ أذنا بدل أذنه وسقطت حين غسله دفنت منفردة، وإن كانت قد بانت منه ثم ألصقت ثم بانت أعيدت إليه. وتزال اللصوق2 للغسل الواجب، وإن سقط منه شيء بقيت ومسح عليها.
ـــــــ
مسألة - 8: قوله ويأخذ شعر إبطه في المنصوص، وعنه: وعانته، قيل فيها: بنورة، لتحريم النظر. وفي الفصول: لأنها أسهل من الحلق بالحديد، وقيل: بحلق أو قص، انتهى. وظاهر المغني3 والشرح4، والزركشي إطلاق الخلاف:
أحدهما يكون أخذها بنورة، اختاره القاضي "قلت": وهو أولى إن تيسر.
والقول الثاني: يكون بحلق أو قص، قدمه ابن رزين والمصنف في حواشيه. وقال: نص عليه "قلت": نص عليه في رواية حنبل، وقيل: يزال بأحدهما، جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب وغيرهم، قال في الخلاصة والتلخيص: ويزال شعر عانته، وأطلق. وقال ابن تميم، ويزال شعر عانته بالنورة أو بالحلق، قال في
ـــــــ
1 في "س": "ابن حامد".
2 اللصوق، بفتح اللام: ما يلصق على الجرح من الدواء، ثم أطلق على الخرقة ونحوها إذا شدت على العضو للتداوي. "المصباح": "لصق".
3 3/483.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/79.

(3/290)


ولا يبقى خاتم ونحوه ولو ببرده؛ لأن بقاءه إتلاف لغير غرض صحيح، قال أحمد تربط أسنانه بذهب إن خيف سقوطها، وقيل: لا يجوز، كما لو سقطت لم تربط فيه، في الأصح، ويؤخذ إن لم تسقط.
ويحرم ختنه "و" وكذا حلق رأسه، وظاهر كلام جماعة: يكره، وهو أظهر. نقل المروذي: لا يقص، وقيل: يحلق، وجزم به في التبصرة.
ويستحب خضاب الشعر بحناء، نص عليه، وقيل: الشائب. وقال أبو المعالي: يخضب من عادته الخضاب، ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويسدل خلفها. وقال أبو بكر: أمامها، لا أنه يضفر ضفرتين على صدرها "هـ" وذكر غير واحد من الحنفية: لا يضفر، قيل لأحمد: العروس تموت فتحلى، فأنكره شديدا.
ـــــــ
الرعاية الصغرى والحاويين: وينور أو يحلق إبطاه وعانته، فظاهر كلام هؤلاء أنه لا مزية لأحدهما على الآخر، فهو قول ثالث. وقال في الرعاية الكبرى: وفي جواز أخذ شعر عانته بالحلق أو بالنورة وجهان، وقيل: بل1 بالنورة فقط.
ـــــــ
1 ليست في "ح".

(3/291)


وينشف الميت بثوب "و" لئلا يبتل كفنه. 1"وفي الواضح: لأنه سنة للحي في رواية، كذا قال"1. وفي الواضح: لأنه من كمال غسل الحي، ولا يتنجس ما نشف به، في المنصوص "و".
وإن خرج شيء بعد غسله غسلت النجاسة "و" ووضئ "هـ" فقط، اختاره أبو الخطاب وغيره، ونصه: واختاره الأكثر، وأعيد غسله "هـ م ق" وفي الفصول: لا يختلف المذهب فيه؛ لأن هذا الغسل وجب لزوال العقل، فقد وجب بما لا يوجب الغسل، فجاز أن يبطل بما تبطل به الطهارة الصغرى، بخلاف غسل الجنابة؛ ولأنه ليس يمتنع أن يبطل الغسل بما لا يوجب الغسل، كخلع الخف لا يوجب غسل الرجل، وينقض الطهارة فيها.
وإن لمسته امرأة لشهوة2، وانتقض طهر الملموس غسل، وعلى الأول يوضأ فقط، ذكره أبو المعالي.
وإن جاوز سبعا لم يعد غسله، ويوضأ، وعنه: لا، للمشقة والخوف عليه.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "بشهوة".

(3/292)


ولا يكره حشو المحل إن لم يستمسك بقطن أو طين حر، وعنه: يكره وفاقا لمشايخ الحنفية، وعند "ش" لا بأس، وروي عن أبي حنيفة. ويجب التلجم، وإن خرج بعد تكفينه حمل1 "و" وعنه: يعاد غسله ويطهر كفنه، وعنه: قبل سبع، وعنه: يعاد من الكثير قبل تكفينه وبعده، وعنه: خروج دم أيسر، وإن خاطبه الغاسل حال غسله نحو: انقلب رحمك الله، فلا بأس، لقول "علي" للنبي صلى الله عليه وسلم طبت حيا وميتا2.
ـــــــ
1 في "ط": "جمل".
2 أخرجه البخاري "3667"، والخبر الذي في البخاري من قول أبي بكر رضي الله عنه.

(3/293)


عدم غاسل "و م" وإن كان ثم من لا شهوة له يطيق الغسل علموه وباشره، نص عليه "و".
"و" ويصلى على1 كل طفل "و" وروي عن غير وجه أنه عليه السلام صلى على ابنه إبراهيم2، وعن عائشة: أنه لم يصل عليه، رواه أبو داود، وأحمد3، وقال: منكر جدا. قال: وهو من ابن إسحاق. وإذا كمل لسقط4 بتثليث السين أربعة أشهر نقله الجماعة، وجزم به في المستوعب، وقدمه جماعة، أو بان فيه خلق إنسان غسل، وصلي عليه ولو لم يستهل، "و ق" ويستحب تسميته، نص عليه، اختاره الخلال وغيره، ونقل جماعة: بعد أربعة أشهر، لأنه لا يبعث قبلها، ذكره القاضي وغيره، واختاره في المعتمد أنه يبعث، وأنه ظاهر كلام أحمد. قال شيخنا: وهو قول كثير من الفقهاء. وفي "نهاية المبتدي": لا يقطع بإعادته وعدمها، كالجماد. وفي الفصول: أنه لا يجوز أن يصلى عليه، كالعلقة؛ ولأنه لا يعاد ولا يحاسب، وذكر البربهاري أنه يقتص من الحجر لم نكب أصبع الرجل؟ وذكر ابن حامد في أصوله أن القصاص بين الشجر والعيدان جائز شرعا بإيقاع مثل ما كان في الدنيا، وفي البخاري وغيره5، عن أبي سعيد مرفوعا: "لا يسمع
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "كل".
2 رواه أحمد في المسند "18520"، وأبو يعلى 6/335.
3 أبو داود "3187"، وأحمد "26348".
4 في "س": "الطفل".
5 البخاري "609"، والنسائي في "المجتبى" 2/12، من حديث أبي سعيد الخدري.

(3/294)


مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" . ولا دليل على تأويله، وأما البهائم والقصاص بينها فهو قولنا وقول أهل السنة، للأخبار الصحيحة1، خلافا لبعض المعتزلة، لخروجها عن التكليف، والله أعلم.
ويستحب تسمية من لم يستهل "هـ" وإن جهل أذكر أم أنثى سمى بصالح لهما، كطلحة. وإن كان من كافرين فإن حكم بإسلامه فكمسلم، وإلا فلا، ونقل حنبل: صل2 على كل مولود يولد على الفطرة، ويأتي في مجهول الحال3.
ويغسل المحرم بماء وسدر، كما سبق، ونقل حنبل: المنع من تغطية رجليه، جزم به في الخرقي والتلخيص، وهو وهم، قاله الخلال، وظاهر كلام الإمام والأصحاب أن بقية كفنه كحلال، وذكر الخلال عن أحمد أنه يكفن في ثوبيه لا يزاد، واختاره الخلال، ولعل المراد: يستحب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" . أخرجه مسلم "2582" "60".
2 في "ط": "يصلى".
3 ص 303.

(3/295)


ذلك، فيكون كما ذكره صاحب المحرر وغيره، وذكر في المغني1 وغيره الجواز. وفي التبصرة: ويستر على نعشه بشيء، ويجنب ما يجتنب حيا "هـ م" لبقاء إحرامه، وقيل: يفدي الفاعل، ولا يوقف بعرفة، ولا يطاف "به" بدليل المحرم الذي مات مع النبي صلى الله عليه وسلم2؛ ولأنه لا يحس بذلك كما لو جن، وينقطع ثوابه ولا يمنع من السدر "هـ م" ولا تمنع المعتدة من الطيب في الأصح.
ـــــــ
1 3/385.
2 أخرج البخاري "1265"، ومسلم "1206" "93"، عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته، فوقصته، أو قال: فأوقصته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" .

(3/296)


من حيض أو نفاس على الأصح "م ش" ففي توضئة محدث وجهان "م 9" وسبقت المسألة1. وكذا كل غسل وجب قبل الموت، كالكافر يسلم ثم يقتل، وقيل فيه: لا غسل، ولا فرق. وتغسل نجاسة "و" ويحتمل بقاؤها2، كالدم "و" ولو لم تزل إلا بالدم لم يجز، ذكره أبو المعالي وجزم3 غيره بغسلهما4، وظاهر كلامهم وصرح به صاحب المحرر في تكفينه في ثوبه يجب بقاء الدم، وذكروا رواية كراهة تنشيف الأعضاء لدم الشهيد.
ومن سقط في المعركة من شاهق أو دابة لا بفعل العدو أو رفسته فمات، أو وجد ميتا لا أثر به، زاد أبو المعالي: لا دم من أنفه أو دبره أو ذكره؛ لأنه معتاد، قال القاضي وغيره اعتبرنا الأثر هنا احتياطا للغسل، ولم نعتبره في القسامة احتياطا لوجوب الدم، قال الأصحاب: أو مات
ـــــــ
مسألة - 9: قوله في الشهيد: وفي توضئة محدث وجهان، يعني إذا قلنا يغسل لجنابة أو طهر من حيض أو نفاس فهل يوضأ إذا كان محدثا حدثا أصغر فقط؟ أطلق الخلاف، وأطلقه ابن تميم، وابن حمدان في الرعاية الكبرى، والمصنف في "حواشيه على المقنع":
ـــــــ
1 ص 292.
2 في الأصل: "إبقاؤها".
3 بعدها في "ط": "به".
4 في "ط": "بغسلها".

(3/297)


حتف أنفه "خ" غسل "ش" كبقية الشهداء، وقيل: لا، وحكى رواية، وكذا من عاد عليه سهمه فيها، في المنصوص "ش" وإن جرح1 فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم زاد الجماعة: أو عطس غسل، نص عليه "و هـ" ومعناه قول "م"، وعنه: إلا مع جراحة كثيرة، وإن طال الفصل - "و"
ـــــــ
أحدهما: لا يوضأ؛ لأنه تبع للغسل، وهو ظاهر الأحاديث، ولكن قول أكثر الأصحاب: والشهيد لا يغسل، يدل على أنه يوضأ، وفيه ما فيه.
ـــــــ
1 في "ط": "خرج".

(3/298)


والمراد: عرفا، لا وقت صلاة أو يوما أو ليلة، وهو يعقل، خلافا للحنفية، واختار صاحب المحرر: أو أكل غسل، وقيل: لا يغسل وإن مات حال الحرب "و ش" نقل جماعة: إنما يترك غسل من قتل في المعركة، وإن من حمل وفيه روح غسل.
ولا يغسل المقتول ظلما على الأصح، وعنه: في معركة "و هـ ق" أو قتله الكفار صبرا "و" وكل شهيد غسل صلي1 عليه "*" وجوبا، ومن لا يغسل لا يصلى عليه" "و م" وعنه: تجب الصلاة، اختاره جماعة "و هـ" وعنه: يخير فهي أفضل، وعنه: تركها، وظاهر الخلاف أنهما سواء؛ لأنه
ـــــــ
والوجه الثاني: يوضأ، وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.
"*" تنبيه2: قوله: "وكل شهيد غسل وصلي عليه" وجد في كثير من النسخ "وصلي عليه بالواو"، وهو خطأ، والصواب حذفها، وهو في بعض النسخ كذلك.
فهذه تسع مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 في "س": "وصلي".
2 في "ح": "قلت".

(3/299)


قال: وجه الرواية الثالثة تعارض الأخبار فيخير، كما قلنا في رفع اليدين إن شاء إلى الأذنين أو إلى المنكبين، وحكي عنه التحريم "و ش" وتنزع عنه لامة الحرب "م ر" ونحو فروة وخف، نص عليه "م" ويجب دفنه في بقية ثيابه، في المنصوص "ش" فلا يزاد "هـ م" ولا ينقص "هـ" بحسب المسنون. وقيل: لا بأس.
والغال المقتول في المعركة شهيد في أحكام الدنيا، وأما في أحكام الآخرة ففي الصحيحين وغيرهما1، أنه عليه السلام قيل له: إنه شهيد، وقيل: له هنيئا له الشهادة، فقال: "كلا". وأخبر2 عن عذابه بما غله، والمراد والله أعلم أن ثوابه نقص لغلوله، وله ثواب.
والشهيد غير شهيد المعركة بضعة عشر، مفرقة في الأخبار3، ومن أغربها ما رواه ابن ماجه والخلال من رواية الهذيل بن الحكم4 - وهو ضعيف والدارقطني5 وصححه، عن ابن عباس مرفوعا: "موت الغريب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "4234"، ومسلم "115" "183"، وأبو داود "2711"، والنسائي في "المجتبى". 7/24، من حديث أبي هريرة.
2 في "ب": "ويخبر".
3 كحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الشهداء فيكم" قالوا: من قتل في سبيل الله. قال: "إن شهداء أمتي إذا لقليل، القتل في سبيل الله شهادة، والبطن شهادة، والغرق شهادة، والنفساء شهادة. والطاعون شهادة" . أخرجه مسلم "1915" "165".
4 هو: أبو من المنذر، هذيل بن الحكم بن أبان العدني، قال أبو جعفر العقيلي: لا يقيم الحديث. روى له ابن ماجه. "تهذيب الكمال" 30/159.
5 ابن ماجه "1613"، والدارقطني في "الأفراد"، كما ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/141. 142.

(3/300)


شهادة" . وقال ابن معين: حديث منكر، وأغرب منه ما ذكره أبو المعالي بن المنجى وبعض الشافعية: أن العاشق منهم. وأشاروا إلى الخبر المرفوع: "من عشق وعف وكتم فمات مات شهيدا" 1. وهذا الخبر مذكور في ترجمة سويد بن سعيد2 فيما أنكر عليه، قاله ابن عدي والبيهقي وغيرهما. وقال الحاكم في تاريخه: أنا أتعجب من هذا الحديث، فإنه لم يحدث به غير سويد، وهو ثقة، كذا قال، وقد كذبه ابن معين. وقال البخاري: حديثه منكر. وقال أيضا: فيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال غير واحد: صدوق، زاد أبو حاتم: كثير التدليس، وزاد غيره: عمي فكان يلقن ما ليس من حديثه، واحتج به مسلم. وقال ابن عدي: هو إلى الضعف أقرب، وذكر ابن الجوزي هذا الخبر في الموضوعات3. ورواه سويد من حديث عائشة4، ومن حديث ابن عباس5، ورواه أيضا موقوفا، ورواه الزبير بن بكار6، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، عن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 5/105، والعجلوني في كشف الخفاء" 2/345، وقال: قال في "الدرر" حديث: "من عشق فعف، فكتم، فمات فهو شهيد" . له طرق عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم في "تاريخ نيسابور"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق".
2 هو: أبو محمد، سويد بن سعيد بن سهل الهروي، الحدثاني، شيخ مسلم. "ت 240 هـ". "تهذيب الكمال" 12/247.
3 لم نجده في "الموضوعات"، وهو في "العلل المتناهية" 2/771 - 772.
4 أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 12/479.
5 تقدم تخريجه آنفا.
6 هو: أبو عبد الله، الزبير بن بكار بن عبد الله الأسدي المكي، العلامة النسابة، قاضي مكة وعالمها، له: "نسب قريش". "ت 256 هـ". "سير أعلام النبلاء" 12/311.

(3/301)


عبد العزيز بن أبي حازم1، عن ابن أبي نجيح2، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عشق فعف فمات فهو شهيد"3 ، قال أحمد في عبد الملك: هو كذا وكذا، ومن يأخذ عنه؟ وقال أبو داود: كان لا يعقل الحديث. وقال ابن المشرقي4: لا يدري الحديث. وضعفه الساجي5 والأزدي6. وقال ابن عبد البر7: دارت الفتيا عليه في زمانه إلى موته، وكان مولعا بسماع الغناء، واحتج به النسائي، ووثقه ابن حبان، والله أعلم.
وقد قال بعض متأخري الأصحاب: كون العشق شهادة محال، وأتى بما ليس بدليل، وما المانع منه؟ وهو بلوى من الله، ومحنة وفتنة، صبر فيها وعف واحتسب.
وقد قال ابن عقيل في "الفنون": سئل حنبلي: لم كان جهاد النفس آكد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو عبد الله، عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج، فقيه مالكي، وكان من أئمة العلم بالمدينة. "ت 185 هـ". "طبقات الفقهاء" ص 146، "ترتيب المدارك" 1/286.
2 هو: أبو يسار، عبد الله بن أبي نجيح يسار، مولى الأخنس بن شريق الصحابي، كان مفتي مكة بعد عطاء. "ت 131 هـ" "طبقات الفقهاء" ص 70، "سير أعلام النبلاء" 6/125.
3 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
4 في "س": "الشرقي"، وفي "ط": "ابن الشرفي". وهو: أبو الحسن، علي بن حسين بن عروة المشرقي، ويقال له: ابن زكنون، فقيه حنبلي، عالم بالحديث وأسانيده. "ت 837 هـ" "الضوء اللامع" 5/214.
5 هو: أبو يحيى، زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي، محدث البصرة، له مصنف جليل في علل الحديث. "ت 307 هـ". "السير" 14/197.
6 هو: أبو الفتح، محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي، الموصلي، صنف كتبا في علوم الحديث. "ت 367 هـ". "تاريخ بغداد" 2/243، "تذكرة الحفاظ" 3/967.
7 في الانتقاء ص 75.

(3/302)


الجهادين؟ قال: لأنها محبوبة، ومجاهدة المحبوب شديدة، بل نفس مخالفتها جهاد. وسبق كلامه وكلام غيره1 في أول صلاة التطوع2. وقال ابن الجوزي في "المنهاج" قبيل كتاب آداب السفر: وكل متجرد لله في جهاد نفسه فهو شهيد، كما ورد عن بعض الصحابة: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وسئل شيخنا عن هذا الخبر مرفوعا، قال: لا يصح: وإنما يذكره بعض من صنف في الرقائق، وذكره البغوي3 مرفوعا في قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]، ولابن ماجه4 من رواية إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة مرفوعا : "من مات مريضا مات شهيدا".
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "في".
2 2/352.
3 في تفسيره 5/29.
4 في سننه "1615".

(3/303)


فصل: يغسل مجهول الإسلام بعلامته،
ويصلى عليه "و" ولو كان أقلف أو كان بدارنا لا بدار الحرب ولا علامة، نص على ذلك، ونقل علي بن سعيد: يستدل بختان وثياب، وعنه: إن لم يدر صلى عليه، لا يضره. ودفن معنا، وجزم به ابن عقيل في كتابه المنثور فيمن مات5 بين دارنا ودار الحرب، ونقل ابن المنذر الإجماع إذا وجد الطفل في بلاد المسلمين ميتا يجب غسله ودفنه في مقابرنا، قال: وقد منعوا أن يدفن أطفال المشركين في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".

(3/303)


مقابر المسلمين، كذا قال، وقد سبق1.
ومن مات في سفينة غسل وصلي عليه بعد تكفينه وألقي في البحر سلا كإدخاله2 في القبر، مع خوف فساده أو حاجة، ونقل عبد الله: يثقل بشيء، وذكره في الفصول عن أصحابنا، قال: ولا موضع لنا الماء فيه بدل من التراب إلا هنا، ومن مات ببئر أخرج بأجرة من ماله، ثم من بيت المال، وإلا طمت وجعلت قبره، ومع حاجة الأحياء إليها يخرج، وقيل: لا مع مثلة وفي الفصول: إن أمكن إخراجه3 وأمنا على النازل فيها لزم ذلك، وإلا طمت، ومع الحاجة إليها تبقى بحالها.
ويلزم الغاسل ستر الشر لا إظهار الخير، في الأشهر فيهما، نقل ابن الحكم: لا يحدث به أحدا، وكما يحرم تحدثه وتحدث الطبيب وغيرهما بعيب. وقال جماعة: إلا على مشتهر بفجور أو بدعة فيستحب ظهور شره وستر خيره. ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الأصحاب. وقال شيخنا: أو اتفقت الأمة على الثناء أو الإساءة عليه، ولعل مراده الأكثر، وأنه الأكثر ديانة، وظاهر كلامه: ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم، وإلا لم تكن علامة مستقلة، وكذا معنى كلام ابن هبيرة: الاعتبار بأهل الخير، وسأله ابن هانئ
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 295.
2 بعدها في "ط": "في".
3 في "س": "خروجه".

(3/304)


عن الشهادة للعشرة بالجنة فقال: أليس أبو بكر قاتلا لأهل الردة وقال: لا، حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار؟ فقد كان أصحاب أبي بكر أكثر من عشرة قلت: فحديث ابن المسيب: لو شهدت على أحد حي أنه في الجنة لشهدت على ابن عمر. قال أبو عبد الله: فما قال ابن المسيب أحد حي، إلا ويعلمك أن من مات قد شهد له بالجنة1. وعن أبي الأسود عن عمر مرفوعا: "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة" ، قال: فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وثلاثة" قلنا: واثنان؟ قال: "واثنان" ثم لم نسأله عن الواحد. رواه أحمد والبخاري2. وفي "منثور ابن عقيل" عن أحمد: "من مات ببغداد على السنة نقل من جنة إلى جنة" وروى الحاكم في تاريخه عن الأصمعي قال: جنات الدنيا "في" ثلاث مواضع: نهر معقل بالبصرة، ودمشق بالشام، وسمرقند بخراسان.
وكثر تفضيل بغداد ومدحها من العلماء، قال شعبة لأبي الوليد: أدخلت بغداد؟ قال: لا، قال: فكأنك لم تر الدنيا. وقال ابن علية3: ما رأيت قوما أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد. وقال الشافعي ليونس بن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ 2/158.
2 أحمد في "مسنده" "14839"، والبخاري "2643"، من حديث عمر.
3 هو: أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن عليه وهي أمه. كان فقيها من أئمة الحديث "ت 294 هـ". سير أعلام النبلاء 9/107.

(3/305)


عبد الأعلى1: دخلت بغداد؟ قال: لا، قال: ما رأيت الناس ولا رأيت الدنيا وقال: ما دخلت بلدا قط إلا عددته2 سفرا إلا بغداد، فإني حين دخلتها عددتها وطنا وقال أبو بكر بن عياش: الإسلام ببغداد، وإنها لصيادة تصيد الرجال، ومن لم يرها لم ير الدنيا.
وقال ابن3 مجاهد4: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نقل إلى الجنة، وقال أبو معاوية5، وذكر بغداد فقال: هي دار دنيا وآخرة.
وقال ذو النون المصري6: من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد، ثم ذكر أنه لما حمل إليها رأى سقاء فقال: هذا سقاء السلطان؟ فقيل: سقاء العامة، فشرب منه، فشم من الكوز7 رائحة المسك، فقلت لمن معي: أعطه دينارا، فأبى أخذه فقلت له: لم؟ قال: أنت
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص الصدفي المصري "ت 264 هـ". "سير أعلام النبلاء" 12/348.
2 في "س": "أعددته".
3 ليست في "ط".
4 هو: أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري، صاحب الأشعري. "سير أعلام النبلاء" 16/305.
5 هو: أبو معاوية محمد بن خازم بن زيد مناة بن تميم السعدي الكوفي الضرير أحد الأعلام "ت 95 هـ". "سير أعلام النبلاء" 9/73.
6 هو: أبو الفيض، ذو النون، ثوبان بن إبراهيم وقيل: فيض بن أحمد المصري. كان شيخ مصر وزاهدها. "ت 246 هـ". "سير أعلام النبلاء" 11/532.
7 في "ط": "الموز".

(3/306)


أسير، وليس من المروءة آخذ منك. وقال سعيد بن عبد العزيز1، عن سليمان بن موسى2: إذا كان علم الرجل حجازيا، وخلقه عراقيا، وطاعته شامية، فقد كمل3.
وقال الحسن بن عرفة4 في أهل بغداد: هم جهابذة العلم. وقال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو محمد سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي الدمشقي "ت 167 هـ". "سير أعلام النبلاء" 8/32.
2 هو: أبو أيوب سليمان بن موسى الدمشقي الأشدق من آل معاوية بن أبي سفيان "115 هـ". "سير أعلام النبلاء" 5/547.
3 أخرج هذه الآثار في تفضيل بغداد، الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 1/44 - 50.
4 هو: أبو علي الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي البغدادي المؤدب "ت 257 هـ". "سير أعلام النبلاء" 11/547.

(3/307)


أبو القاسم الديلمي وهو شيخ ينطق بعلوم: دخلت البلدان من سمرقند إلى القيروان ومن سرنديب إلى بلد الروم، فما وجدت بلدا أفضل ولا أطيب من بغداد. وقال: إذا خرجت من العراق، فالدنيا كلها رستاق. وقال ابن الجوزي: اعتدال هوائها وطيب مائها لا يشك فيه، ولا يختلف في أن فطن أهلها وعلومهم وذكاءهم يزيد على أهل كل بلد، وقد أجمع على هذا جميع فطناء الغرباء، وإنما يعيبها الجامد الذهن، وما زالت الشعراء تمدحها، كذا قال، ومن المعلوم أن في فضل الشام من الكتاب والسنة ما ليس في العراق، وأفضل الشام دمشق بلا شك، فهو فاضل في نفسه، وأقام فيه كثير من العلماء والزهاد والعباد من الصحابة والتابعين من بعدهم أكثر من غيره، وما يتفق فيه قل أن يتفق في غيره، بل لا يوجد، فمن تأمل ذلك
ـــــــ
..............................

(3/308)


وأنصف علمه. ومعلوم ما في ذم المشرق من الأخبار الصحيحة1 والفتن. وبغداد منه، وفيها من الحر الشديد وكثرة استيلاء الغرق عليها ما هو معلوم بالمشاهدة والأخبار وفضل بغداد عارض بسبب الخلفاء بها، وفي ذمها خبر خاص عن جرير مرفوعا: "تبنى مدينة بين قطربل والصراة ودجلة ودجيل، يخرج منها جبار أهل الأرض، يجبى إليها الخراج، يخسف الله بها، أسرع في الأرض من المعول في الأرض الرخوة" 2. فهذا خبر معروف بعمار بن سيف، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم. وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أيضا: ثقة. وقال العجلي: ثقة ثبت متعبد صاحب سنة، وتركه الدارقطني. وقال الخطيب: لا أصل له، وقال ابن الجوزي:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 منها ما أخرجه أحمد في "مسنده" "15976"، ومسلم في "صحيحه" "1068" "160" عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتيه قوم قبل المشرق، مملقة رؤوسهم" .
وأخرج البخاري في "صحيحه" "6934"، ومسلم في "صحيحه" "1068 "159" عن سهل بن حنيف قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر قوما يخرجون من هاهنا، وأشار بيده نحو العراق: "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" .
2 أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 1/32 - 33.

(3/309)


روي من ستة عشر طريقا كلها واهية، وروي نحوه من حديث علي من ثلاثة طرق، ومن حديث أنس من طريقين، ومن حديث حذيفة ولا يثبت، وذكرتها في "الموضوعات"1. قال "الإمام" أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث: "تبنى مدينة..." ، فقال: ليس له أصل، وما حدث به إنسان ثقة، قال الخطيب2: كل هذه الأحاديث واهية الأسانيد عند أهل العلم بالنقل، كذا قال، مع أنه احتج في فضل العراق بأشياء من جنسها، وتابعه ابن الجوزي، ثم ذكر ابن الجوزي عن جماعة ذم بغداد، فعن الفضيل بن عياض: هي مغصوبة وقيل: من السواد وهو وقف لا يصح بيعها ولا شراؤها، وقيل: لمجاورة السلاطين والمترفين. وقال سفيان: المتعبد ببغداد كالمتعبد في الكنيف، قال عبد الله بن داود الخريبي3: كان سفيان يكره جوار القوم وقربهم. وقال ابن المبارك: ليس بغداد مسكن الزهاد. ثم أجاب ابن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/365 - 371.
2 في "تاريخه" 1/32 - 33.
3 هو: أبو عبد الرحمن عبد الله بن داود بن عامر بن ربيع الهمداني المشهور بالخريبي لنزوله محلة الخريبي بالبصرة "ت 213هـ". "سير أعلام النبلاء" 9/346.

(3/310)


الجوزي بما لا ينفع، وقد كان أحمد يزرع داره ويخرج عنها. قال الأصحاب: لأن بغداد كانت مساكن1 وقت فتحت.
قال شيخنا: وتواطؤ الرؤيا كتواطؤ الشهادات. قال القاضي وغيره: ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة، ويستحب ظن الخير بالأخ المسلم، قال: ولا ينبغي تحقيق ظنه في ريبة. وفي "نهاية المبتدئ": حسن الظن بأهل الدين حسن. وذكر المهدوي2 والقرطبي3 المالكيان عن أكثر العلماء أنه يحرم ظن الشر بمن ظاهره الخير، وأنه لا حرج بظنه بمن ظاهره الشر.
وفي البخاري4: ما يكون من الظن. ثم روي عن عائشة أنه عليه السلام قال: "ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا" . وفي لفظ: "ديننا الذي نحن عليه" 5 وفي "الصحيحين"6 عن أبي هريرة مرفوعا: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" . وبعث عليه السلام عمرا الخزاعي7
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "مزارع".
2 هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المهدوي من أهل المهدية بالمغرب له: "الهداية" "ت 595 هـ". "الأعلام" 5/296.
3 هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي يعرف بابن المزين له: "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم" "ت 656 هـ". "ذيل مرآة الزمان" 1/96. "الأعلام" 1/186.
4 برقم "6067"، وفيه: ما يجوز من الظن.
5 في "صحيحه" "6068".
6 البخاري "5143"، ومسلم "2563" "28".
7 هو: عمرو بن الغفواء بن عبيد بن مازن بن ربيعة الخزاعي، له صحبة. "تهذيب الكمال" 5/451.

(3/311)


إلى مكة، فجاء عمرو بن أمية1 يصحبه فقال له: إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري لا تأمنه وذكر الحديث، وفيه ضعف، روى ذلك أحمد.2
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو أمية، عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس الضمري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي زمن معاوية. "سير أعلام النبلاء" 3/179.
2 في مسنده "22491".

(3/312)


باب الكفن
مدخل
...
باب الكفن
وهو ومؤنة تجهيزه "و" وقيل: وحنوطه وطيبه "و م ق" ولا بأس بالمسك فيه، نص عليه "و" واجب من رأس ماله بالمعروف1، لأمر الشارع بتحسينه، رواه أحمد ومسلم2، فيجب ملبوس مثله، ذكره غير واحد، وجزم به صاحب المحرر "و هـ" ما لم يوص بدونه. وفي الفصول: إن ذلك بحسب حاله، كنفقته في حياته، فإن الحاكم إذا حجر عليه لسفه أو فلس أنفق عليه بقدر حاله، كذا بعد الموت.
قال: ومن أخرج فوق العادة فأكثر الطيب والحوائج، وأعطى المقرئين3 بين يدي الجنازة، وأعطى الحمالين4 والحفار5 زيادة على العادة على طريق المروءة لا بقدر الواجب فمتبرع، فإن كان من التركة فمن نصيبه. وتكره الزيادة، لما رواه أبو داود6 بإسناد جيد عن علي مرفوعا: "لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سلبا سريعا" . وليس7 الكفن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط: "المعروف".
2 أخرج أحمد "14145"، ومسلم "943"، من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خطب يوما، فذكر رجلا من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل، وقبر ليلا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه، فليحسن كفنه" .
3 في "س": "المقربين".
4 في الأصل: "الحاملين".
5 في "ب": "والحفارين".
6 في سننه "3154".
7 في "ط": "ولبس".

(3/313)


سنة، خلافا للتحفة والمحيط وغيرهما من كتب الحنفية.
والجديد أفضل، في المنصوص "ش" وليسا سواء "هـ" وقيل لأحمد: يصلي أو يحرم فيه ثم يغسله ويضعه لكفنه، فرآه حسنا، وعنه: يعجبني جديد أو غسيل، وكره لبسه حتى يدنسه، قيل: له بيعه من أجل أنه يتمنى الموت؟ فلم ير به بأسا. وفي المغني1: جرت العادة بتحسينه، ولا تجب، وكذا في الواضح وغيره: يستحب بما جرت به عادة الحي، ويقدمه على دين الرهن وأرش الجناية ونحوهما في الأصح "هـ ش" ولا يستر بحشيش، ويقضى دينه، في ظاهر كلامهم، وصرح به في الفنون، ويدفن في مقبرة مسبلة بقول بعض الورثة؛ لأنه لا منة، وعكسه الكفن والمؤنة، نص عليه، وظاهره: لهم أخذه من السبيل، والمذهب: بل من تركته، ولو بذله بعضهم من نفسه لم يلزم بقية الورثة قبوله، لكن ليس للبقية نقله وسلبه من كفنه بعد دفنه، بخلاف مبادرته إلى دفنه في ملك الميت، لانتقاله إليهم، لكن يكره لهم.
وإن لم يكن للميت تركة فعلى من تلزمه نفقته "م ر" ثم في بيت المال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 3/384.

(3/314)


"و" ثم على مسلم عالم به، أطلقه الأصحاب، قال في الفنون: قال حنبل: بثمنه كالمضطر، وذكره أيضا غيره، قال شيخنا: ومن ظن أن غيره لا يقوم به تعين عليه، قاله أبو المعالي: إذا ذهبت رفقته وتركوه بطريق سابلة أو قرب العامر أساءوا وإلا أثموا، وإن وجدوه وعليه أثر الحنوط والكفن لم تلزمهم الصلاة عليه، عملا بالظاهر، كذا قال، ويتوجه تلزمهم.
ولا يلزمه كفن امرأته، نص عليه "و م ر" وقيل: بلى، وحكى رواية "و هـ ش م ر" وقيل: مع عدم تركة، ولا يكفن ذمي من بيت المال لعدم، كمرتد، وقيل: يجب كالمخمصة، وذكر جماعة، لا ينفق عليه منه، لكن للإمام أن يعطيه، وجزم بذلك صاحب المحرر، زاد بعضهم: لمصلحتنا.

(3/315)


فصل: يجب لحق الله ثوب لا ستر العورة
"ق" وكذا لحق الميت الرجل والمرأة، اختاره جماعة "و م ق" وقيل: ثلاثة، وحكى رواية واحتج القاضي وغيره وتبعهم صاحب المحرر بأنها لو لم تجب لم تجز مع وارث صغير، وأبطله الشيخ وغيره بالكفن الحسن، وقيل: يقدم الثلاثة على
ـــــــ
...............................

(3/315)


الإرث والوصية لا على الدين، اختاره صاحب المحرر، وجزم به أبو المعالي، وقال: فإن كفن من بيت المال فثوب. وفي الزائد للكمال وجهان، وليس الواجب ثوبين "هـ" ويقدم على تكفين جماعة في ثوب لعدم، ذكره صاحب المحرر، والأشهر يجمعون في الثوب، لخبر أنس في قتلى أحد1. وهل يقدم ستر رأسه لأنه أفضل من باقيه وباقيه بحشيش أو كحال الحياة؟ فيه وجهان "م 1" وإن أوصى بتكفينه في ثوب أو دون
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وهل يقدم ستر رأسه لأنه أفضل من باقيه، وباقيه بحشيش أو كحال الحياة؟ فيه وجهان، انتهى:
أحدهما يقدم رأسه على سائر جسده، جزم به في الفصول فقال: فإن كان الكفن يعوز فلا يعم جميع البدن ستر منه ما استتر، لكن يقدم جانب الرأس، ويستر ما بقي بالحشيش والورق، انتهى. وجزم به في المستوعب أيضا فقال: فإن لم يكف لستر جميع الميت ستر به ما يلي رأسه، وباقي جسده بالحشيش والورق، انتهى. وجزم به في الرعاية الكبرى أيضا فقال: فإن لم يكفه ستر من قبل رأسه ووجهه، وستر بقية بدنه بورق أو حشيش، انتهى.
والوجه الثاني يستر عورته، وما فضل يستر به رأسه وما يليه، وهو الصحيح، جزم به في مجمع البحرين والنظم، والظاهر أنه تابع المجد، وقدمه ابن تميم،
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "3136"، والترمذي "1016".

(3/316)


ملبوس مثله جاز، ذكره صاحب المحرر "ع" قال أبو المعالي: أو في كسوة لا تليق به، وذكر جماعة: إن وجب أكثر من ثوب ففي صحته وجهان، قال في الرعاية: وإن وصى في أثواب ثمينة لا تليق به لم يصح، وسبقت الكراهة1، ولا تمنع الصحة، فإن صح فمن ثلثة2
ـــــــ
والمصنف في حواشي المقنع. وقال في المغني3، والشرح4، وشرح ابن رزين: فإن لم يجد للرجل ثوبا يستر جميعه ستر رأسه، وجعل على رجليه
ـــــــ
1 ص 313
2 في "ط": "ثلاثة".
3 3/287.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/134.

(3/317)


"و هـ" ويعتبر أن لا يصف الكفن البشرة "و" وتكره رقة تحكي هيئة البدن، نص عليه، وبشعر وصوف، ويحرم بجلود، وكذا تكفين المرأة بحرير، نص عليه "و م ر" كصبي، ولم يذكره صاحب المحرر إلا احتمالا لابن عقيل وعنه: يكره "و م ش" وقيل: لا "و هـ" ومثله "المذهب".
ويكره، تكفينها بمزعفر ومعصفر1؛ "هـ" فيهما لأمره عليه السلام بالبياض2، وكالرجل، ويتوجه كما سبق في ستر العورة3، فيجيء الخلاف، فلا يكره لها، لكن البياض أولى، وزاد في المستوعب: يكره بما فيه4 من النقوش، وهو معنى الفصول، ويجوز لعدم تكفينه في ثوب واحد حرير للضرورة، لا مطلقا "م ر" ولا يكره في خمسة أثواب "و" ولا تعميمه "و" في أحد
ـــــــ
حشيشا أو ورقا، كما فعل بخباب5، فإن لم يجد إلا ما يستر العورة سترها انتهى. فجزموا بتقديم ستر العورة على ستر الرأس، وهو الذي جزم به في مجمع البحرين والنظم، وقدمه ابن تميم، و المصنف في حواشيه، وقالوا: لو فضل عن ستر العورة شيء ستر به الرأس، وهذا صحيح بلا نزاع على هذا القول وغيره "قلت": القول بأنه يستر الرأس وما يليه ولا يستر العورة ضعيف جدا وما استدلوا به إنما يدل على تقديم الرأس وما يليه على الرجلين وما يليهما، لا على العورة، والله أعلم.
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "فيهما".
2 أخرج أبو داود "3878"، والترمذي "994"، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم" .
3 2/78.
4 بعدها في "ط": "من".
5 هو: أبو عبد الله، خباب بن الأرت بن جندلة التميمي، الصحابي، شهد بدرا وما بعدها. "ت 37 هـ". "الإصابة". 3/76.

(3/318)


الوجهين فيهما "م 2 و 3" بل في سبعة أثواب "م".
ويحرم دفن ثوب وحلي غير الكفن، وكرهه أبو حفص، وقد ذكروا تحريمه أصلا لرواية تحريم الطلاق بلا حاجة، ويأتي في الغصب1 تأثيم متلفه، ولو أذن مالكه.
ـــــــ
مسألة 2 - 3: قوله: ولا يكره في خمسة أثواب، ولا تعميمه في أحد الوجهين فيهما، انتهى. ذكر مسألتين:
المسألة الأولى - 2: إذا كفن الرجل في خمسة أثواب هل يكره أم لا؟ أطلق الخلاف:
أحدهما: يكره، وهو الصحيح، جزم به في المغني2، والشرح3، وشرح ابن رزين وغيرهم.
والوجه الثاني: لا يكره، قدمه في الرعاية الكبرى وابن تميم وصححه أيضا.
المسألة الثانية - 3: هل يكره تعميمه أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في الرعاية الكبرى:
ـــــــ
1 7/241.
2 3/385.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/127.

(3/319)


فصل: يستحب كون الأثواب ثلاث لفائف بيض
، لا واحد منها، حبرة يجمر1 وحده "هـ" ويستحب تبخيرها، زاد غير واحد: ثلاثا، للخبر2، والمراد وترا، بعد رشها بماء ورد أو غيره، ليعلق، ويبسط بعضها، فوق بعض، وأحسنها أعلاها، 3"ليظهر للناس عادة الحي، ويذر بينها حنوط وهو أخلاط من طيب لا ظاهر"3 العليا "و" ولا على الثوب الذي على النعش "و" نقله "الجماعة" لكراهة السلف، وعنه: ولا كل العليا "خ" ثم يوضع عليها مستلقيا، ويحنط قطن يجعل منه بين أليتيه، ويشد فوقه خرقة تجمع أليتيه ومثانته، ويجعل الباقي على منافذ وجهه، قال ابن شهاب: يجنب القطن إلا لما لا بد منه، كمنافذه. وفي الغنية: إن خاف حشاه بقطن وكافور. وفي
ـــــــ
أحدهما لا يكره، قدمه ابن تميم، وابن حمدان في الرعاية الصغرى، وصاحب الحاويين.
والوجه الثاني: يكره، اختاره بعض الأصحاب، قال في الفصول: لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة، واستدل بحديث عائشة4. وقال الشيخ في المغني5، وتبعه الشارح وغيره: الأفضل عند إمامنا أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة، فظاهره الكراهة، وهو الصواب.
فهذه ثلاث مسائل قد فتح الله بتصحيحها.
ـــــــ
1 في "ط": "يخمر".
2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أجمرتم الميت، فأجمروه ثلاثا" . أخرجه أحمد "14540"، والبيهقي في "السنن الكبرى" 3/405 من حديث جابر.
3 ليست في "ط".
4 أخرجه البخاري "1271"، ومسلم "941" 45"، عن عائشة أنها قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.
5 3/383.

(3/320)


المستوعب: إن خاف فلا بأس به، نص عليه ويطيب مواضع سجوده ومغابنه، نص عليه، وتطييب كله حسن، وعنه: الكل سواء، والمنصوص: يكره داخل عينيه "و" ويكره ورس وزعفران في حنوط، قال صاحب المحرر: لأجل لونه، فربما ظهر على الكفن. وقال أبو المعالي: لاستعماله غذاء وزينة، ولا يعتاد التطيب به، قال: ويكره طليه بصبر1 ليمسكه ويغيره، ما لم ينقل.
ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر 2"على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر"2، ثم الثانية، والثالثة كذلك، جزم به جماعة، منهم صاحب الفصول المستوعب والمحرر وقال: لأنه عادة لبس الحي في قباء ورداء ونحوهما، وجزم الشيخ وغيره بالعكس، لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن إذا وضع على يمينه في القبر، ويتوجه احتمال أنهما سواء، ويجعل ما عند رأسه أكثر من رجليه؛ لشرفه والفاصل عن وجهه ورجليه عليهما، ويعقدها إن خاف انتشارها، فلذا تحل3 العقد في القبر، زاد أبو المعالي وغيره: ولو نسي بعد تسوية التراب عليه قريبا؛ لأنه سنة،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الصبر: عصارة شجر مر. "القاموس": "صبر".
2 ليست في "ط".
3 بعدها في "ط": "العقد".

(3/321)


ويكره تخريقه، وكرهه أحمد، قال: فإنهم يتزاورون فيها. وقال أبو المعالي: إلا لخوف نبشه، قال أبو الوفاء: ولو خيف، وهو ظاهر كلام غيره، ولا يحل الإزار نص عليه، ويجوز، وظاهر الهداية يكره في مئزر ثم قميص، والمنصوص: بكمين ودخاريص1 لا يزر؛ لأنه لا يسن للحي زره2 فوق إزار، لعدم الحاجة؛ لأنه عليه السلام كان قميصه مطلق الأزرار3. كذا قال صاحب المحرر، ويتوجه عكسه للحي؛ لأنه العادة والعرف، والأصل التقرير وعدم التغيير، ويأتي كلام أحمد فيمن يدخل القبر: تحل أزراره4؟ قال: لا. وظاهره الاستحباب، وأنها لا تحل لذلك. وفي اللباس للقاضي وجزم به صاحب النظم: لا يكره حل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الدخريص: البنيقة، وهي: طوق الثوب الذي يضم النحر وما حوله. المصباح المنير" "دخريص".
2 في الأصل: "رده".
3 أخرج أبو داود "4082"، والترمذي في الشمائل المحمدية" "57"، وابن ماجه "3578"، عن قرة بن إياس المزني قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن زر قميصه لمطلق.
4 في "س": "إزاره".

(3/322)


الأزرار1، واحتج بخبر قرة2 المذكور، وبقول ثابت بن عبيد3: ما رأيت ابن عباس وابن عمر زارين قميصا قط4. وإنما أشار صاحب المحرر إلى خبر قرة، وليس في الخبر إلا أن قرة المزني رآه عليه والسلام كذلك، لكن كان قرة لا يزر قميصه، وكذلك "5معاوية ابنه"5، وابن معاوية إياس، لا في شتاء ولا صيف، إسناده جيد، رواه أحمد وأبو داود6، وقيل يزره، وهو في رواية في الواضح.
ثم لفافة فوقهما، وعنه: يستحب ذلك، وليس المستحب قميصا ثم إزارا يستره كله ثم لفافة كذلك.
1 في "س": "الإزار".
2 هو: أبو معاوية، قرة بن إياس بن هلال، المزني البصري، له صحبة. "ت 64 هـ". "تهذيب الكمال" 23/572.
3 هو: ثابت بن عبيد الأنصاري الكوفي مولى زيد بن ثابت. روى عن عدة من الصحابة. "تهذيب الكمال" 11/407
ـــــــ
4 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 8/385.
5 في "ط": "ابنه معاوية".
6 أحمد "15581"، وأبو داود "4082".

(3/323)


فصل: والمستحب للمرأة مئزر ثم قميص
وهو الدرع، وهو مذكر، ودرع الحديد مؤنثة، وحكي تذكيره ثم خمار ثم لفافتان، جزم به جماعة ونصه: وجزم به جماعة خرقة تشد فخذاها ثم مئزر، ثم قميص وخمار، ثم لفافة، واختار صاحب المحرر: تشد فخذاها بمئزر تحت درع، ويلف فوق الدرع الخمار باللفافتين، جمعا بين الأخبار7. وذكر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
7 وهي خبر ليلى بنت قانف الثقفية، قالت: كنت في غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقو ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر. رواه أبو داود "3157"، وخبر أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزارا ودرعا وخمارا وثوبين.

(3/323)


بعضهم: لا بأس أن تنقب وليست كرجل مع خمار، وخرقة خامسة تشد بها بقية الأكفان فوق ثدييها "هـ" ليجمعها، وقاله "ش"1"وزاد: ثوبين"1، وأسقط القميص.
ويكفن الصغير في ثوب "و" ويجوز في ثلاثة، نص عليه، قال صاحب المحرر: وإن ورثه غير مكلف لم تجز الزيادة على ثوب، لأنه تبرع، والصغيرة في قميص ولفافتين وكذا بنت تسع إلى البلوغ، كما لا يجب خمار لصلاتها، ونقل الجماعة: كالبالغة "و هـ" وكذا المراهق عند أبي حنيفة، ويقدم في الأصح من احتاج كفن ميت لبرد ونحوه، زاد صاحب المحرر وغيره: إن خشي التلف. وقال ابن عقيل وابن الجوزي: يصلي عليه عادم في إحدى لفافتيه، والأشهر عريانا، كلفافة واحدة يقدم الميت بها.
وإن نبش وسرق كفنه كفن في المنصوص ثانيا وثالثا، ولو قسمت، ما لم تصرف في دين أو وصية، ومن جبي كفنه فما فضل فلربه، فإن جهل ففي كفن آخر، نص عليه، فإن تعذر تصدق به، وأطلق بعضهم أنه يصرف
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "س".

(3/324)


في التكفين مطلقا، نص عليه. وفي المنتخب: كزكاة1 في رقاب أو غرم، وجعل صاحب المحرر اختلاطه كجهل ربه، وكلام غيره خلافه، وهو أظهر، ولا يأخذه ورثته، وقيل: بلى، ولعل المراد ورثة ربه، فهو إذن واضح متعين، وإلا فضعيف، ولا يجبى كفن لعدم إن ستر بحشيش، ذكره في الفنون "هـ".
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "لزكاة".

(3/325)


باب الصلاة على الميت
مدخل
...
باب الصلاة على الميت
وهي فرض كفاية "و" تسن لها الجماعة، ولم يصلوها على النبي صلى الله عليه وسلم بإمام "ع" ذكره ابن عبد البر، احتراما له وتعظيما، وروى البزار والطبراني أنه أوصى بذلك1، مع أن في الصلاة عليه والإمامة خلافا لبعض العلماء.
وتسقط برجل أو امرأة "و هـ م ق" كغسله، وقيل: بثلاثة "و ق" وقيل: بجماعة، وقيل: بنساء وخناثى عند عدم الرجال، ويسن لهن جماعة، نص عليه "م ش" كالمكتوبة، وقيل: لا، كصلاتهن بعد رجال، في وجه، ويقدم عليهن من قدم على الرجال. وفي الفصول: حتى قاضيه وواليه لسوغان الاجتهاد، وقيل للقاضي: يسقط 2"الفرض بالأولى، والثانية تطوع، فلا يجوز؟ فقال: سقوط الفرض"2 في حقه لا يمنع صحتها ثانيا، بدليل أن النساء ليس عليهن فرض الصلاة، ومع هذا فإنه تصح صلاتهن، فدل أنه لا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 كشف الأستار "847"، والمعجم الأوسط "4008" من حديث عبد الله بن مسعود.
2 ليست في "ط".

(3/326)


يسقط الفرض بهن، لهذا احتج صاحب المحرر وغيره على أنه لا يسقط الغسل بفعل الصبي، لأنه ليس من أهل الفرض، وقدم صاحب المحرر: يسقط الفرض بفعل المميز، كغسله، وقيل: لا؛ لأنه نفل، وجزم به أبو المعالي.
والأولى بها الوصي إن صحت "و م" إن قصد خيرا، وصحتها عندنا كولاية نكاح. وإبخاس1 الأب لا يمنع الصحة، ثم ولاية النكاح حق للمولى عليه لا له. ثم السلطان يقدم هنا على العصبة.
ووصيته إلى اثنين، قيل: يصليان معا، وقيل منفردين "م 1" وقيل: تبطل.
ووصيته إلى فاسق مبني على صحة إمامته، وجزم أبو المعالي وغيره بأنه لا يصح، قال في الفصول: لأن الميت إذا جهل أمر الشرع لم تنفذ وصيته، ولا يصح تعيين2 مأموم لعدم الفائدة، ثم السلطان "و هـ م" وهو الإمام الأعظم، وإن لم يحضر فأمير البلد، فإن لم يحضر فالحاكم، ذكره في الفصول، وذكر غيره: إن لم يكن الأمير فالنائب من قبله في
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ووصيته إلى اثنين، قيل: يصليان معا، وقيل: منفردين، انتهى. أحدهما يصليان معا صلاة واحدة، قدمه في الرعاية، قال: وفيه نظر.
والقول الثاني: يصليان منفردين "قلت": ويحتمل أن يقرع بينهما إن أوصى إليهما معا، وأن الوصية إلى الثاني عزل للأول، ويحتمل أيضا بطلان الوصية إذا أوصى إليهما معا، والله أعلم.
ـــــــ
1 في النسخ الخطية: "إيحاش"، والمثبت من "ط" والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/33.
2 في الأصل و"ط": تعيين".

(3/327)


الإمامة، فإن لم يكن فالحاكم؛ لأنه لم ينقل استئذان الوالي، ولأن في تقديمه عليه رفضا لحرمته، بخلاف غسله ودفنه، وبخلاف نكاح، وكبقية الصلوات، وليس تقديم الخليفة1 والسلطان وجوبا "هـ" ووافقوا على إمام الحي. ثم أقرب العصبة، ثم ذوو أرحامه، كما تقدم في غسله2، والمراد ثم الزوج إن لم يقدم على عصبة "و هـ" ونص عليه أحمد، فنقل عنه: إذا حضر الأب والأخ والزوج فالأب والأخ أولى، فإذا لم يكن إلا الزوج فهو أولى، وأطلق في المحرر، تقديم3 أقرب العصبة، وإنما قدم أخ وعم وابنهما لأبوين لأن للنساء مدخلا مأمومة ومنفردة، وجعلهما القاضي في التسوية كنكاح.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "الخلافة".
2 ص 278.
3 في "ط": "ثم".

(3/328)


وفي الفصول في تقديم أخ لأبوين على أخ لأب روايتان، إحداهما سواء قال: وهي أشبه؛ لأنها1 ولاية، بخلاف الإرث، وذكر أبو المعالي أنه قيل في الترجيح بالأمومة وجهان، كنكاح، وتحمل عقل لأنه لا مدخل لها في ولاية الصلاة2، وقيل: يقدم سلطان على وصي، وعنه يقدم ولي على سلطان.
ونقل ابن الحكم: يقدم زوج على عصبة، اختاره جماعة "خ" كغسلها "و م ش" وذكر الشريف: يقدم زوج على ابنه، وأبطله أبو المعالي بتقديم أب على جد، ويتوجه مما ذكره الشريف التعميم "و هـ" على ما سبق في كراهة إمامته بأبيه "و هـ" وفي بعض نسخ الخلاف: الزوج أولى من ابن الميتة "منه" لأنه يلزمه طاعة أبيه، فيلزمه تقديمه، كما قلنا: يلزمه تقديمه في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "لأنه".
2 في "س": "في الصلاة".

(3/329)


صدور المجالس وسروات الطريق، فقيل له: يلزم عليه الصلوات الفرض يقدم الابن إذا كان أقرأ، وإن كان يلزمه طاعته، فقال: إنما قدم "عليه" هناك لأنه لا ولاية له1 في ذلك، وله ولاية في هذه الصلاة، وفي بعض النسخ2: الزوج أولى من سائر العصبات، في إحدى الروايتين، وقاس عليه3 ابنه منها، فقيل له: إنما لم يتقدم عليه لأنه يلزمه طاعة أبيه، فقال: فيجب أن يتقدم عليه في سائر الصلوات المفروضات، ويجب أن يتقدم عليه في الغسل والدفن، ثم ذكر رواية أبي داود السابقة في الإمامة4، وقال: فقد أجاز تقدمه عليه، ويتخرج من تقديم الزوج تقديم المرأة على ذوات5 قرابته.
وعند الآجري: يقدم السلطان ثم وصي ثم زوج ثم عصبة. والسيد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "عليه".
2 في "ط" وهامش الأصل: "نسخ الخلاف".
3 في الأصل: "على".
4 ص 11.
5 في "س": "ذات".

(3/330)


أولى برقيقه من سلطان على الأصح "و" كغسله.
وإن قدم الوصي غيره فوجهان "م 2" ومن قدمه ولي بمنزلته، قال أبو المعالي: فإن غاب الأقرب بمكان تفوت الصلاة بحضوره تحولت للأبعد، فله منع من قدم بوكالة ورسالة، كذا قال، وقالته الحنفية، ويتوجه: لا، كنكاح، وبتوجيه فيه تخريج من هنا. ويقدم مع التساوي الأولى بالإمامة؛ وقيل: الأسن "و هـ ش" لأن دعاءه أقرب إجابة، وهو أكبر المقصود، فلو قدم غيره فقيل: لا يملك ذلك "م 3" "و هـ".
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وإن قدم الوصي غيره فوجهان، انتهى وأطلقهما في الرعاية الكبرى:
أحدهما ليس له ذلك. قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: له ذلك "قلت": وهو ضعيف جدا؛ لأن الوصي1 له غرض صحيح في تخصيص الموصى إليه بالصلاة، لخاصة فيه لا توجد في غيره عنده، ولها نظائر، بل يقال: إن لم يصل بطلت الوصية، ورجعت الأحقية إلى أربابها، والله أعلم.
مسألة - 3: قوله: ويقدم مع التساوي الأولى بالإمامة، وقيل: الأسن؛ لأن دعاءه أقرب "إجابة" وهو أكثر المقصود، فلو قدم غيره "فقيل" لا يملك ذلك، انتهى، "قلت": هذا القول هو الصواب، كالوصي، على ما تقدم، والحق ليس مخصوصا به، بل هم
ـــــــ
1 في "ح" و"ص": "الموصي".

(3/331)


وحر بعيد مقدم على عبد قريب، لأنه لا ولاية له، ويتوجه احتمال، والرجال الأجانب أولى بالصلاة على المرأة من نساء أقاربها.
وإن بدر أجنبي وصلى، فإن صلى الولي خلفه صار إذنا، ويشبه تصرف الفضولي إذا أجيز، وإلا فله أن يعيد الصلاة؛ لأنها حقه، ذكره أبو المعالي "وظاهره" ولا يعيد غير الولي، وقاله الحنفية على أصلهم، ولا يجيء هذا على أصلنا، وتشبيهه1 المسألة بتصرف الفضولي يقتضي منع التقديم بلا
ـــــــ
متساوون فيه، وله نوع مزية، فقدم بها، ويحتمل قول آخر: بأنه يملك ذلك، كسائر الأولياء، وكالوصي، لكنه ضعيف، ومع ضعفه يحتمله كلامه في المغني2 والشرح3 وغيرهما، فإنهم قالوا: ومن قدم الولي فهو بمنزلته؛ لأنها ولاية تثبت له، فكانت له الاستنابة فيها، كولاية، النكاح، انتهى، وقاله المصنف قبل ذلك أيضا، فقال: ومن قدمه ولي بمنزلته، انتهى، لكن مراد هؤلاء والله أعلم إذا اختص الولي بذلك، لكونه أولى؛ لأنه ليس في درجته من يساويه لقربه، وفي هذه المسألة حصل التساوي، لكن له نوع مزية وهو الكبر، إذا علم ذلك فيحتمل أن يقال في كلام المصنف نقص، وهو القول بأنه يملك تقديم غيره، وأطلق الخلاف، والعلة الموجبة في عدم تقديم غيره هنا غير موجودة في جميع الأولياء، فلذلك قدم هناك جواز تقديم الولي غيره، وفي هذه المسألة إما أنه اقتصر على هذا القول، ويكون طريقة لبعض الأصحاب، وهو الظاهر، أو حصل في الكلام سقط، والله أعلم، وتقدم الكلام على هذا وشبهه في المقدمة.
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "وتشبيه".
2 3/409.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/144.

(3/332)


إذن، ويتوجه أنه يحتمل أنه كتقديم غير صاحب البيت وإمام المسجد بلا إذن، ويحتمل المنع هنا كمنع الصلاة ثانيا وكونها نفلا، عند كثير من العلماء، وقيل للقاضي وغيره: الولي له حق التقدم، فليس لغيره أن يبطل حقه إلا أن يسقطه الولي، فإذا لم يسقط حقه وصلى عليه جاز وانتقضت الصلاة الأولى، كما لو صلى في بيته ثم حضر لصلاة الجمعة انتقض ظهره، فقال: حق التقديم الذي للولي يسقط بسقوط فرض الصلاة، وقد سقط فرض الصلاة بفعل الجماعة بالإجماع؛ لأن الولي لو لم يصل عليه لكان فرض الصلاة على الميت ساقطا، وصلاتهم محتسبا بها، وإذا سقط فرضها سقط التقديم الذي هو حكم من أحكامها.
ومن مات بأرض فلاة ففي الفصول يقدم أقرب أهل القافلة إلى الخير، والأشفق، والمراد كالإمامة.

(3/333)


فصل: يستحب أن يقدم إلى الإمام الأفضل
"و" وقيل: الأكبر، وقيل: الأدين، وقيل: يقدم السابق "و ش" إلا المرأة "و" جزم به أبو المعالي، كما لا يؤخر المفضول في صف المكتوبة في الصف الأول، وقرب الإمام، وقال: لا يجوز تقديم النساء على الرجال.
ـــــــ
...............................

(3/333)


ثم القرعة، ومع التساوي يقدم من اتفق، ويستحب أن يقدم الحر ثم العبد ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة، نقله الجماعة، كالمكتوبة، وعنه: الصبي على العبد "و م ش" وعنه: عبد على حر دونه "و هـ" وعنه: المرأة على الصبي "خ" كما قدمها الصحابة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم1، والفرق أنهن من أهل فرضها، اختارها الخرقي وأبو الوفاء، ونصره القاضي وغيره، وهو رواية في مكتوبة ذكرها ابن الجوزي وقيل: وعلى عبد، وهو خلاف ما ذكره غير واحد "ع".
ويقدم الأفضل أمامها في المسير، ذكره ابن عقيل وغيره.
وجمع الموتى في الصلاة أفضل، نص عليه "و م" كما لو تغير أو شق، وقيل عكسه "و ش" ويتوجه احتمال بالتسوية "و هـ" ويستحب وقوف الإمام عند صدر الرجل ووسط المرأة، نقله واختاره الأكثر "و ش" والخنثى بينهما، وعنه: يقف عند رأس الرجل، وعنه: عند صدريهما "و هـ" لا عند وسطه ومنكبها عند صدر الرجل ووسط المرأة، نقله واختاره الأكثر "و ش" والخنثى بينهما، وعنه: يقف عند رأس الرجل، وعنه: عند صدريهما "و هـ" لا عند وسطه ومنكبها عند صدر الرجل ووسط المرأة، نقله واختاره الأكثر "و ش" والخنثى بينهما، وعنه: يقف عند رأس الرجل، وعنه: عند صدريهما "و هـ" لا عند وسطه ومنكبها "م" ونقل جماعة يسوى بين رءوسهم عند الاجتماع، ويقوم مقامه من الرجال، اختاره جماعة، ونقل الميموني في رجال ونساء ولعله أو نساء يجعلون درجا، رأس هذا عند رجل هذا، وأن هذا والتسوية
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج البيهقي في "دلائل النبوة" 7/250، عن ابن عباس أنه قال: "لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال، فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه....." الحديث.

(3/334)


سواء. قال الخلال: على هذا ثبت قوله، وكذا قاله "هـ م" في رجال أو1 نساء، وأنه إن شاء جعل رأس كل واحد عند منكب2 الآخر، ومذهبنا يسوى بين رءوسهم، وكذا جماعة خناثى، لا أن رأس كل واحد عند رجل الآخر "ش" ويقدم من أولياء الموتى الأولى بالإمامة وقيل: ولي أسبقهما حضورا، وقيل: موتا، وقيل: تطهيرا، ثم القرعة ولولي كل ميت أن ينفرد بصلاته على وليه، ويستحب أن يصفهم، وأن3 لا ينقصهم عن ثلاثة صفوف، نص على ذلك، للأخبار4، وسبق حكم الفذ في باب موقف الجماعة5.
ـــــــ
1 في الأصل: "و".
2 في الأصل: "رجل".
3 في "ط": "ولا".
4 منها: ما أخرجه أبو داود "3166"، والترمذي "1028"، وابن ماجه "1490"، عن مالك بن هبيرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة من المسلمين إلا أوجب" .
5 ص 39.

(3/335)


فصل: ثم يحرم كما سبق في صفة الصلاة6
، ثم يتعوذ، وعنه: لا "و" وعنه يستفتح "و هـ" قبله، اختاره الخلال، وجزم به في التبصرة، ويضع يمينه على شماله، نقل ابن منصور أن أحمد كان يفعله، ونقل الفضل أنه أرسلهما "و هـ ر" قال أحمد: ويقرأ الفاتحة سرا ولو ليلا "و" في التكبيرة الأولى.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
6 2/170.

(3/335)


وفي التبصرة: وسورة. وفي الفصول: لا يقرؤها، بلا خلاف على مذهبنا، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما في التشهد، نص عليه، واستحب القاضي بعدها: "اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين" لأن عبد الله نقل: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة المقربين، ثم يكبر فيدعو سرا "و" قال أحمد: لا توقيت، ادع له بأحسن ما يحضرك، أنت شفيع، يصلي على المرء عمله، ويستحب ما روى "م"1، ومنه: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده2، اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار3، اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد4،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "مسلم".
2 رواه أبو داود "3201"، والترمذي "1024"، وابن ماجه "1498"، من حديث أبي هريرة.
3 رواه مسلم "963" "85"، من حديث عوف بن مالك.
4 في الأصل: "والحمد لله".

(3/336)


اللهم فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم1.
وإن كان صغيرا زاد الدعاء لوالديه بالمغفرة والرحمة، للخبر2، ذكره في المستوعب وغيره، واقتصر غير واحد على الزيادة المذكورة، للخبر2، لكن زادوا: والدعاء له، وزاد جماعة: سؤال المغفرة له. وفي الخلاف وغيره: في الصبي الشهيد أنه يخالف الكبير في الدعاء له بالمغفرة؛ لأنه لا ذنب عليه، وكذا في الفصول: أنه يدعو لوالديه؛ لأنه لا ذنب له، فالعدول إلى الدعاء لوالديه هو السنة، ولم يذكر أكثر الحنفية الدعاء لوالديه، بل "اللهم اجعله لنا ذخرا وفرطا، وشفعه فينا" ونحوه. وعندنا: إن لم يعرف إسلام والديه دعا لمواليه، ومرادهم فيمن بلغ مجنونا ومات، كصغير. نقل حنبل وغيره: ويشير بأصبعه في الدعاء، ونقل الأثرم وغيره: لا بأس، ونقل جماعة: يدعو للميت بعد الرابعة، وللمسلمين بعد الثالثة، اختاره الخلال، واحتج صاحب المحرر بذلك على أنه لا يتعين الدعاء للميت في الثالثة، بل يجوز في الرابعة، ولم يذكر خلافا.
ثم يكبر الرابعة ويقف قليلا "و هـ م ق" نقله الجماعة، واختاره الخرقي وابن عقيل والشيخ وغيرهم ليكبر آخر الصفوف ولم يذكر بعضهم الوقوف، وصرح بعدمه بعض الحنفية، ونقل جماعة: ويدعو "و ق" اختاره أبو بكر و الآجري وصاحب المحرر، وجزم به في الترغيب وغيره؛ لأن ابن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 رواه أبو داود "3202"، وابن ماجه "1499"، من حديث واثلة بن الأسقع.
2 وهو "اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا..."، رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 4/10 بنحوه عن أبي هريرة.

(3/337)


أبي أوفى فعله، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله1 - وفيه إبراهيم الهجري2 ضعيف - قال أحمد: هو من أصلح ما روى، وقال: لا أعلم شيئا يخالفه، فيقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" وقيل اللهم لا تحرمنا أجره وفتح التاء أفصح ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله وفي الوسيلة رواية: أيهما شاء، ولا يتشهد ولا يسبح مطلقا، نص عليه "و" واختار حرب يقول: "والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" لأنه قول عطاء.
ثم يسلم واحدة "و م" عن يمينه، ويجوز تلقاء وجهه، نص على ذلك، ويجوز ثانية، ويتوجه أن ظاهر كلامه يكره؛ لأنه لم يعرفه، وزاد الحاكم في رواية في خبر ابن أبي أوفى المذكور: تسليمتين، وصححه، واستحب القاضي ثانية، وذكره3 الحلواني4 وغيره رواية "و هـ ش".
وظاهر كلامهم يجهر إمام بها، وقاله بعض الحنفية، وظاهر كلام ابن الجوزي يسر "و هـ ش م ر" قيل له في رواية ابن القاسم: تعرف عن أحد من الصحابة "أنه" كان يسلم عليها تسليمتين؟ قال: لا، ولكن يروى عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يسلمون واحدة خفية5 عن يمينه: ابن عمر، وابن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 رواه ابن ماجه "1503".
2 هو: إبراهيم بن مسلم الهجري، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مستقيمة. "ميزان الاعتدال": 1/65.
3 في "س": "وذكر".
4 بعدها في "ط": "وغيره".
5 في "س": "خفيفة".

(3/338)


عباس، وأبو هريرة، وواثلة، وزيد بن ثابت1.
وهل يتابع الإمام في التسليمة الثانية؟ يتوجه، كالقنوت في الفجر. وفي الفصول: يتبعه في القنوت، قال: وكذا "في" كل شيء، لا يخرج به عن أقاويل السلف "م 4" ويرفع يديه مع كل تكبيرة، نص عليه "م ر" واختاره جماعة من الحنفية، فعله أنس وابن عمر2، وروي عنه مرفوعا، لا الأولى فقط "هـ" وهو أشهر عن "م" وصفة الرفع وانتهاؤه كما سبق في صفة الصلاة، واستحب أحمد وقوفه مكانه حتى ترفع، وعنه: إن لم يقف. قيل له: يستأذن من انصرف من المقبرة؟ قال: لا، قيل: فيقول: انصرفوا
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: وهل يتابع الإمام في التسليمة الثانية؟ يتوجه، كالقنوت في الفجر، وفي الفصول: يتبعه في القنوت، قال: وكذا في كل شيء لا يخرج به عن أقاويل السلف، انتهى. قلت: الصواب هنا المتابعة وإن قلنا يتابعه في القنوت؛ لأن صلاته هنا قد فرغت بالتسليمة الأولى.
ـــــــ
1 انظر: ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/307 - 308، والحاكم في "المستدرك" 1/360، والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/43.
2 أثر ابن عمر مرفوعا أورده الزيلعي في "النصب الراية" 2/285، وعزاه إلى الدارقطني في "علله"، وأما أثره موقوفا فأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 4/44، وقال: ويذكر عن أنس بن مالك أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة.

(3/339)


رحمكم الله؟ قال: بدعة، وكرهه أبو حفص، وأن ينصرفوا قبل أن يؤذنوا، وهو رواية عن "م" وقاله جماعة من الصحابة، والأول قول عامة العلماء "و".

(3/340)


فصل: يشترط لها كمكتوبة
"و" قال صاحب الخلاصة والتلخيص وجماعة: وحضور الميت بين يديه، فلا تصح على جنازة محمولة1، صرح به جماعة في المسبوق "و" لأنها كإمام، ولهذا لا صلاة بدون الميت، قال صاحب المحرر وغيره: وقربها من الإمام مقصود، كقرب المأموم من الإمام؛ لأنه يسن الدنو منها. ولو صلى وهي من وراء جدار لم يصح. وفي الخلاف: صلاة الصف الأخير جائزة ولو حصل بين الجنازة وبينه مسافة بعيدة، ولو وقف في موضع الصف الأخير بلا حاجة لم يجز، وإسلام الميت، ولا يشترط معرفة عين الميت، فينوي الصلاة على الحاضر، وقيل: إن جهله نوى من يصلي عليه الإمام، وقيل: لا. والأولى معرفة ذكوريته وأنوثيته واسمه، وتسميته في دعائه، وإن نوى أحد الموتى اعتبر تعيينه، كتزويجه أحد موليتيه، فإن بان غيره فسبقت في باب النية2، وجزم أبو المعالي: لا يصح، قال: وسبق نظيره في نية التيمم، قال: فإن نوى على هذا الرجل،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "مجهولة".
2 2/150.

(3/340)


فبان امرأة أو عكسه1 فالقياس: تجزئه، لقوة التعيين على الصفة في الأيمان وغيرها، وهو معنى كلام غيره.
والفرض القيام في فرضها "و" وظاهره ولو تكررت إن قيل الثانية فرض "و ش" والتكبير "و" فلو نقص تكبيرة عمدا بطلت، وسهوا يكبرها، ما لم يطل الفصل، وقيل: يعيدها، والفاتحة على الأصح فيها "و ش" وعنه: لا يقرؤها في مقبرة، ولم يوجب شيخنا قراءة، بل استحبها "هـ م"2 وهو ظاهر نقل أبي طالب، ونقل ابن واصل وغيره: لا بأس، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "و ش" قال صاحب المحرر وغيره: إن وجبت في الصلاة3. وأدنى دعاء للميت "و" وتسليمة "هـ" وعنه: ثنتان "خ" خرجها أبو الحسين وغيره.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "عكس".
2 في "س": "وم".
3 أي: إن قلنا بوجوبها في الصلاة.

(3/341)


ولعل ظاهر ذلك: لا تتعين القراءة في الأولى، والصلاة في الثانية، والدعاء في الثالثة، خلافا للمستوعب والكافي ولم يستدل له، وقاله في الواضح في القراءة في الأولى، وهو ظاهر كلام أبي المعالي وغيره، وسبق كلام صاحب المحرر. ويشترط لها تطهير الميت بماء، أو تيمم لعذر "و" فإن تعذر، صلى عليه، وقد سبق1.
ـــــــ
1 ص 293.

(3/342)


فصل: وإن كبر الإمام سبعا تابعه المأموم،
نقله الجماعة، اختاره الخلال وصاحبه وابن بطة وأبو حفص والقاضي وغيرهم، واحتج بالأخبار2. قال: واتفقوا أن المأموم يتابع الإمام في تكبيرات العيد، كذا تكبيرات الجنازة، وعنه: يتابعه إلى خمس، واختاره الخرقي وغيره، وعنه: يتابعه إلى أربع فقط "و" وهو المذهب، قاله أبو المعالي، واختاره ابن عقيل
ـــــــ
..............................
ـــــــ
2 منها: ما أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 4/13 عن ابن عباس أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر عليه سبع تكبيرات...

(3/342)


وغيره. قال: كما لو علم. وقال أيضا: أو1 ظن بدعته أو رفضه، لإظهار شعارهم.
وهل يدعو بعد الزيادة2؟ يخرج على الدعاء بعد الرابعة، وقيل: لا يدعو هنا "*"؛ لأنه تكبير لا يستحب، وقيل: يدعو هنا. ولو كبر فجيء بثانية أو أكثر فكبر ونواها لهما وقد بقي من تكبيره أربع جاز على غير الرواية الثالثة، نص عليه، ثم هل يكبر بعد التكبيرة الرابعة متتابعا كمسبوق أم يقرأ في الخامسة ويصلي في السادسة، ويدعو للميت في السابعة، أم3 يدعو فقط؟ فيه أوجه. وفي إعادة القراءة أو الصلاة للتي4 حضرت بعدهما5.
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: وهل يدعو بعد الزيادة؟ يخرج على الدعاء بعد الرابعة، وقيل: لا يدعو هنا؛ لأنه تكبير لا يستحب، وقيل: يدعو هنا، انتهى، قد ذكر المصنف فيما مضى أن الصحيح من المذهب أنه لا يدعو بعد الرابعة، وقدمه. وقال هنا: يخرج على الدعاء بعد الرابعة، فيكون المقدم أيضا في هذه المسألة أنه لا يدعو بعد الزيادة؛ لأنه خرجها على تلك، وقدمه في الرعاية الكبرى أيضا "قلت": الصواب أيضا أنه يدعو هنا فيما قبل الأخير، وإن قلنا لا يدعو بعد الرابعة، وهو احتمال للمجد، والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل: "ولو".
2 في "ط": "الزيارة".
3 في الأصل و"ط": "أو".
4 في الأصل: "التي".
5 في "س": "بعدها".

(3/343)


الوجهان "م 5، 6"، وقيل للقاضي: إن لم يزد في التكبير أدى إلى النقصان في حق الجنازة الثانية والثالثة، فأجاب بأنه غير ممتنع، كما قلنا في القارن تسقط أفعال العمرة، وإذا أدركه راكعا.
ـــــــ
مسألة - 5 - 6: قوله ولو كبر فجيء بثانية أو أكثر فكبر ونواها لهما وقد بقي من تكبيره أربع جاز على غير الرواية الثالثة، نص عليه، ثم هل يكبر بعد التكبيرة الرابعة متتابعا كمسبوق، أم يقرأ في الخامسة ويصلي في السادسة ويدعو للميت في السابعة، أو يدعو فقط؟ فيه أوجه، وفي إعادة القراءة أو الصلاة التي حضرت بعدهما الوجهان، انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
المسألة الأولى - 5: إذا كبر وجيء بثانية أو أكثر فكبر ونواها لهما، وقد بقي من تكبيره أربع، فإنه يجوز على غير الرواية الثالثة التي ذكرها قبل ذلك، نص عليه، فعلى المنصوص، هل يكبر بعد الرابعة متتابعا1، أم يقرأ ويصلي ويدعو، 2"أم يدعو"2 فقط؟ أطلق الخلاف:
أحدها: أنه يقرأ في الخامسة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في السادسة، ويدعو في السابعة، وهو الصحيح، جزم به في "الكافي"3 وغيره، وقدمه في "المغني"4 و"الشرح"5 وصححاه، وشرح ابن رزين والرعايتين والحاويين وغيرهم.
ـــــــ
1 في "ط": "شائعا".
2 ليست في "ص".
3 2/49.
4 3/451 - 452.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/171 – 172.

(3/344)


ولا تبطل في المنصوص بمجاوزة سبع عمدا "و" قال أحمد: وينبغي أن يسبح به، وقبلها لا يسبح به، وذكر ابن حامد وغيره وجها: تبطل بمجاوزة أربع عمدا، وبكل تكبيرة لا يتابع فيها. وفي الخلاف قول أحمد في رسالة مسدد: خالفني الشافعي في هذا فقال: إذا زاد على أربع تعاد الصلاة،
ـــــــ
والوجه الثاني: يدعو عقيب كل تكبيرة، واختاره القاضي في الخلاف، قال في مجمع البحرين: وهو أصح، وأطلقهما في المذهب والتلخيص ومختصر ابن تميم.
والوجه الثالث: يكبر متتابعا، وهو احتمال لابن عقيل. وقال في الرعاية الكبرى: وقيل: بل يقرأ الحمد في الرابعة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة، ويدعو في السادسة، ليحصل للرابع أربع تكبيرات. انتهى.
المسألة الثانية - 6: قول المصنف: وفي إعادة القراءة أو الصلاة للتي حضرت بعدهما الوجهان، قال ابن حمدان في الرعاية الكبرى وهل يعيد القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية للتي حضرت؟ فيه وجهان انتهى. وقال ابن تميم: وهل يعيد القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية للتي حضرت؟ على وجهين، انتهى، فإن كان ما ذكره ابن تميم وابن حمدان مراد المصنف، وهو الصواب، فالألف في قوله "أو الصلاة" وقعت زائدة سهوا، ويكون مراده بالقراءة قراءة1 الفاتحة، وبالصلاة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الضمير في قوله بعدهما، عائدا إلى التكبيرتين الأولتين المشتملتين على القراءة والصلاة، ولكن لم يتقدم لهما ذكر في كلامه، إلا أن في قوله وفي إعادة القراءة أو الصلاة إشعارا بأنهما قد فعلا في محلهما، وهما التكبيرة الأولى والثانية، فعلى هذا يكون الصحيح1 من الوجهين: أنه يعيد القراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب، والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في "ط".

(3/345)


واحتج بحديث النجاشي1. قال أحمد: والحجة له.
ولا يجوز أن يسلم المأموم قبله، نص عليه "هـ م ر ق" لأنها زيادة مختلف فيها، وذكر أبو المعالي وجها، ينوي مفارقته ويسلم.
والمنفرد كالإمام في الزيادة، وإن شاء مسبوق قضاها، وإن شاء سلم معه، قال بعضهم، هو أولى. وفي الفصول: إن دخل معه في الرابعة ثم كبر الإمام على الجنازة الرابعة ثلاثا تمت للمسبوق صلاة جنازة، وهي الرابعة، فإن أحب سلم معه. وإن أحب قضى ثلاث تكبيرات، ليتم صلاته على الجميع، ويتوجه احتمال: تتم صلاته على الجميع، وإن سلم
ـــــــ
تنبيهان:
"*" الأول: قوله: في الصلاة على الجنازة2: "وفي فعل البعض بعد البعض وجهان" انتهى، يعني هل تكون الصلاة الثانية فرض كفاية أيضا3 أم لا؟ وهذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، والمذهب أنها لا تكون فرض كفاية، بل سنة، وقد قطع المصنف بأن فرض الكفاية، إذا فعل مرة يكون الفعل الثاني سنة، وأنكر على من قال: هو3 فرض كفاية، ذكره في صلاة التطوع عند القول بأن العلم أفضل التطوعات4.
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 273.
2 ص 351.
3 ليست في "ط".
4 2/343.

(3/346)


معه، لتمام أربع تكبيرات للجميع، والمحذور النقص من ثلاث "*"، ومجاوزة سبع، ولهذا لو جيء بجنازة خامسة لم يكبر عليها الخامسة.
ويجوز بل يستحب للمسبوق أن يدخل بين التكبيرتين كالحاضر "ع" وكغيرها، وعنه: ينتظر تكبيرة "و هـ م ر ق" لأن كل تكبيرة كركعة، فلا يشتغل بقضائها بخلاف الحاضر فإنه مدرك للتكبيرة، فيأتي بها وقت حضور نيته. وفي الفصول رواية: إن شاء كبر وإن شاء انتظر، وليس أحدهما أولى من الآخر، كسائر الصلوات، كذا قال.
ويقطع قراءته للتكبيرة الثانية؛ 1"لأنها سنة"1، ويتبعه كمسبوق يركع إمامه، واختار صاحب المحرر: يتمها ما لم يخف فوت الثانية؛ لأنه لم يترك متابعة واجبة، فيتوجه مثله من ركع إمامه، ولا فرق، ودل كلامهم أن
ـــــــ
"*" الثاني: قوله: والمحذور النقص من ثلاث، كذا في النسخ، وصوابه النقص من أربع لأن الواجب أربع لا ثلاث، والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في "س" و"ب" و"ط".

(3/347)


القراءة لو وجبت أتمها، وهو واضح، وإذا كبر الإمام قبل فراغه أدرك التكبيرة كالحاضرة، وكإدراكه راكعا، وذكر أبو المعالي، وجها: لا.
ويدخل مسبوق في الأصح بعد الرابعة، وقيل: إن قلنا بعدها ذكر، ويقضي ثلاثا، وقيل أربعا، ويقضي ما فاته على صفته، فإن خشي رفعها تابع، رفعت أم لا، نص عليه "و م ق" وعنه: متتابعا1، فإن رفعت قطعه "و هـ" وقيل: يتمه، وقاله2 بعض الحنفية: ما لم توضع على
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "متتابعان".
2 في "ط": "وقال".

(3/348)


الأكتاف، وقاله بعضهم، ما لم تتباعد، وقيل: على صفته "و ق" والأصح إلا أن ترفع فيتابع، وإن سلم ولم تقضه صح، اختاره الأكثر، وعنه: لا "و" اختاره أبو بكر والآجري والحلواني وابن عقيل وقال: اختاره شيخنا، وقال: ويقضيه بعد سلامه، لا يأتي به ثم يتبع الإمام، في أصح الروايتين.

(3/349)


فصل: ومن صلى لم يصل ثانيا
"و" كما لا يستحب رده سلاما ثانيا، ذكره صاحب المحرر، وكذا في المغني1: لا يستحب هنا، ونص أحمد هنا: يكره، على ما ذكره جماعة، وإنما احتجوا بقول أحمد في رواية أحمد بن نصر إذا صلى مرة يكفيه، ولكن من لم يصل فإذا وضعت فإن شاء صلى على القبر، وقيل: يحرم، وذكره في المنتخب نصا، كالغسل والتكفين والدفن، وفي كلام القاضي: الكراهة وعدم الجواز، واحتج بمسألة السلام السابقة أن من رد بعد الأول صح الرد، ولو رد الأول مرة ثانية لم يعتد بالثاني. وقال أيضا: معلوم إن تكرر الصلاة2 من شخص واحد لا يصح. وفي الفصول: لا يصليها مرتين، كالعيد، وقيل: يصلي، اختاره في الفنون وشيخنا، وأطلق في الوسيلة والفروع عن ابن حامد أنه يصلي؛ لأنه دعاء، واختار ابن حامد وصاحب المحرر: يصلي
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 3/445.
2 في "ط": "السلام".

(3/349)


تبعا، وإلا فلا، إجماعا، قال: كبقية الصلوات تستحب إعادتها تبعا مع الغير، ولا تستحب ابتداء.
ومن لم يصل جاز أن يصلي "هـ م" بل يستحب "و ش" لصلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، كما لو صلى عليه بلا إذن وال حاضر، أو ولي بعده حاضر، فإنها تعاد تبعا "و" لا إلى ثلاثة أيام "هـ م" وقيل: يصلي من لم يصل إلى شهر، وقيده ابن شهاب به، والأول1 جزم به صاحب المغني والتلخيص وغيرهما، وقيل: لا تجزئه بنية السنة، جزم به
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ب": "و".

(3/350)


أبو المعالي؛ لأنها لا يتنفل بها، لتعيينها بدخوله فيها، كذا قال، وذكر شيخنا أن بعض أصحابنا ذكر وجها: أنها فرض كفاية "و ش" مع سقوط الإثم بالأولى "ع" ولعل وجهه بأنها شرعت لمصلحة، وهي الشفاعة، ولم تعلم، ويجاب بأنه يكفي الظن. وقال أيضا: فروض الكفايات إذا قام بها رجل سقط، ثم إذا فعل الكل ذلك كان كله فرضا، ذكره ابن عقيل محل وفاق، لكن لعله إذا فعلوه جميعا فإنه لا خلاف فيه، وفي فعل البعض بعد البعض وجهان وسبق في صلاة التطوع.
ومتى رفعت لم توضع لأحد، فظاهره يكره، وقيل: لا. وقال أحمد: إن شاء قال لهم ضعوها حتى يصلوا عليها، فيضعونها فيصلي.
وإن دفن صلي عليه إلى شهر، قيل: من دفنه، وقيل من موته "7 م" ويحرم بعده، نص عليه، قال في الخلاف: أجاب أبو بكر فيما سأله أبو إسحاق عن قول الراوي بعد شهر: يريد شهرا، كقوله تعالى {وَلَتَعْلَمُنَّ
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: وإن دفن صلي عليه إلى شهر، قيل: من دفنه، وقيل: من موته، انتهى، وأطلقهما ابن تميم:
أحدهما: أول المدة من حين دفنه، وهو الصحيح، جزم به في التلخيص والبلغة والوجيز وغيرهم، وصححه الناظم وغيره، وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاويين البحرين والفائق والزركشي وقال: هذا المشهور. واختاره ابن أبي موسى وغيره، فعلى هذا لو لم يدفن مدة تزيد على شهر جاز أن يصلى عليه إلى تمام الشهر منذ دفن.
والوجه الثاني: أول المدة من حين الموت، اختاره ابن عقيل.

(3/351)


نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88]، يريد الحين، وذكر جماعة: وزيادة يسيرة، ولعله مراد أحمد، فإنه أخذ بفعله عليه السلام1، وكان بعد شهر، قال القاضي: كاليومين، وقيل إلى سنة، وقيل: ما لم يبل. فإن شك في بقائه فوجهان "م 8" وقيل: أبدا "و ش" ولو لم يكن من أهل فرضها يوم موته، "ش" وعند "هـ م" هو كما قبل الدفن، وروى أحمد والبخاري2 أنه عليه الصلاة والسلام صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، وكان قد صلى عليهم، فلذلك كان خاصا، وإنما لم يجز أن يصلي على قبره صلى الله عليه وسلم "ع" لئلا يتخذ مسجدا، والمسجد ما اتخذ للصلاة، ذكره في الانتصار وغيره. وقال صاحب الخلاف والمحرر: إنما لا يصلى عليه الآن لئلا يتخذ قبره مسجدا، وقد نهى عنه3، أو للمنع من الصلاة على الميت بعد شهر، ومن شك في المدة صلى حتى يعلم فراغها، ويتجه الوجه في الشك في بقائه "و هـ" هذا هو الأشهر في مذهبه: إذا شك في تفسخه
ـــــــ
مسألة - 8: قوله: وتحرم الصلاة بعد شهر، نص عليه، وقيل: تجوز ما لم يبل، فإن شك في بقائه فوجهان، انتهى:
أحدهما: الجواز. قلت: وهو الصواب؛ لأنه الأصل، ما لم يغلب على ظنه أنه بلي، ولم أر هذه المسألة في غير هذا المكان.
ـــــــ
1 أخرج الترمذي "1038"، عن سعيد بن المسيب: أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر.
2 أحمد "17402" والبخاري "4042"، عن عقبة بن عامر.
3 أخرج البخاري "1390"، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" . لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خَشي أو خُشي أن يتخذ مسجدا.

(3/352)


وتفرقه لا يصلى عليه، وذكر جماعة من الحنفية ثلاثة أيام، وكذا حكم غريق ونحوه، وقيل: إذا تفسخ الميت فلا صلاة:
ولا تصح من وراء حائل قبل الدفن، نص عليه "و" لعدم الحاجة، وسبق أنه كإمام، فيجيء الخلاف، وصححه صاحب الرعاية، كالمكبة. ويصلي الإمام والآحاد نص عليه على الغائب عن البلد مسافة قصر ودونها، في قبلته أو وراءه بالنية، وعنه: لا يجوز "و هـ م" وقيل: إن كان صلى عليه، واختاره شيخنا، قال شيخنا: ولا يصلي كل يوم على كل غائب؛ لأنه لم ينقل، يؤيده قول أحمد: إن مات رجل صالح صلي عليه. واحتج
ـــــــ
والوجه الثاني: عدم الجواز.

(3/353)


بقصة1 النجاشي وإطلاق كلام الأصحاب والله أعلم لا يخالفه، قال: ومقتضى اللفظ أن من كان خارج السور أو ما يقدر سورا يصلى عليه، لكن هذا لا أصل له، فلا بد من انفصاله عن البلد بما يعد الذهاب إليه2 نوع سفر، وقد قال القاضي: يكفي خمسون خطوة، قال شيخنا: وأقرب الحدود ما تجب فيه الجمعة؛ لأنه إذن من أهل الصلاة في البلد، فلا يعد غائبا عنها، ومدته كمدة الصلاة على القبر. وفي الخلاف: يصلي، وإن كان في أحد جانبي البلد الكبير ولم يقيده بعضهم لم يصل عليه، وقيل: بلى، للمشقة، وأبطلها صاحب المحرر بمشقة مرض ومطر، ويتوجه فيهما3 تخريج.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "بقضية"، وتقدم تخريجها ص 273.
2 ليست في "س" و"ب" و"ط".
3 في "ط": "فيها".

(3/354)


وإن حضر الغائب استحب أن يصلى عليه ثانيا، جزم به ابن تميم وغيره، فيعابا بها.
وفي الصلاة على مستحيل بإحراق وأكل سبع ونحوه وجهان. "م 9" قال في الفصول: فأما إن حصل في بطن سبع لم يصل عليه مع مشاهدة السبع.

(3/355)


فصل: ولا يصلي إمام قرية وهو واليها في القضاء
، ذكره أبو بكر، نقل حرب: إمام كل قرية واليها وخطأه الخلال، قال صاحب المحرر: والصواب تصويبه، فإن أعظم 1"متول للإمام"1 في كل بلدة يحصل بامتناعه الردع والزجر، ونقل الجماعة: الإمام الأعظم، اختاره الخلال، وجزم به في
ـــــــ
مسألة - 9: قوله: وفي الصلاة على مستحيل بإحراق وأكل سبع ونحوه وجهان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم:
أحدهما: لا يصلى عليه، وهو الصحيح، قال في التلخيص: لا يصلى عليه على الأظهر، وجزم به في المذهب وغيره، وقدمه في الرعاية الكبرى: قال في الفصول
ـــــــ
1 في الأصل: "متولي الإمامة". وفي "ب": "متولي للإمام".

(3/355)


التبصرة، وقيل: أو نائبه على غال من غنيمة، وقاتل نفسه عمدا. وقيل: ويحرم عليه، وحكى رواية، قال ابن عقيل: هو من هجر أهل البدع والفساق، فيجيء الخلاف، فلا يصلي أهل الفضل على الفساق "و م ر" ولهذا في الخلاف: لأن في امتناع الإمام ردعا وزجرا؛ لأن صلاة الإمام وأهل الفضل شرف للميت ورغبة في دعائه له، وعنه: ولا يصل على أهل الكبائر "خ" جزم به في الترغيب وغيره، واختاره صاحب المحرر في كل من مات على معصية ظاهرة بلا توبة، وهو متجه، وعنه: ولا على من قتل في حد1 "و م" وعنه: ولا على مدين "خ" وعنه: يصلي على كل أحد، اختاره ابن عقيل "و" كما يصلي غيره حتى على باغ "هـ" ومحارب "هـ" وهل يغسل ويصلى عليه قبل صلبه أو بعده؟ فيه وجهان "م 10" ومقتول بالعصبية "هـ"
ـــــــ
بعد أن ذكر أحكام الصلاة على الغائب فإن أكله السبع أو أحرق بالنار احتمل أن لا يصلى عليه، بخلاف الغريق والضائع؛ لأنه قد بقي منه ما يصلى عليه، انتهى، فاقتصر على هذا الاحتمال، وتابعه الشارح.
والوجه الثاني: يصلى عليه. قلت: وليس ببعيد، بل هو الصواب؛ لأن الصلاة لأجل الخير الذي يحصل بسببها2؛ من الثواب والشفاعة، وهم أهل لذلك، ومحتاجون إليها، والله أعلم.
مسألة - 10: قوله في المحارب: وهل يغسل ويصلى عليه قبل صلبه أو بعده؟ فيه وجهان، انتهى:
أحدهما: يغسل ويصلى عليه قبل صلبه، قدمه في "التلخيص" و"مختصر ابن تميم".
ـــــــ
1 في "س": "نفسه".
2 في النسخ الخطية: "تشبيها"، والمثبت من "ط".

(3/356)


ومن قتل أبويه "هـ" ولأصحابه خلاف فيمن قتل نفسه بحديدة، ظلما، وعلى أهل البدع في رواية "و هـ ش م ر" ويأتي في إرث أهل الملل1.
وإن وجد بعض الميت تحقيقا ذكره ابن عقيل وغيره، غير شعر وظفر، والمراد: وسن، وقيل: وغير عضو قاتل، كيد ورجل صلى عليه "و ش" وجوبا، إن لم يكن صلى عليه، وقيل: مطلقا، كغسله وتكفينه ودفنه في الأصح "و" والفرق ظاهر، وقيل: ينوي الجملة، وإذا صلى ثم وجد الأكثر احتمل أن لا تجب، واحتمل أن تجب، وإن تكرر الوجوب، جعلا للأكثر كالكل "م 11"، وعنه: لا يصلي على الأقل "و هـ م" لئلا تتكرر الصلاة.
ـــــــ
والوجه الثاني: يفعل ذلك به بعد صلبه، وجزم به في الرعاية الكبرى في باب المحاربين، وقال في هذا الباب: وإن غسل قاطع طريق قبل صلبه وبعده على الخلاف فيه صلى عليه، انتهى.
مسألة - 11: قوله: وإن وجد بعض الميت تحقيقا صلى عليه، وإذا صلى ثم وجد الأكثر احتمل أن لا تجب واحتمل أن تجب، وإن تكرر الوجوب، جعلا للأكثر كالكل، انتهى. تبع المصنف في هذه العبارة المجد في شرحه، وتبعه أيضا في "مجمع البحرين"، "والرعاية الكبرى":
ـــــــ
1 8/54.

(3/357)


قال صاحب المحرر: نحن نجيزه، إذا لم يكن الميت حاضرا ابتداء كمن صلى على غائب ثم حضر، فقدرنا غيبة الكل احتياطا للصلاة، وذكر هذا في الرعاية قولا، وبعده.
وهل ينبش ليدفن معه أم بجنبه؟ فيه وجهان "م 12".
وما بان من حي كيد سارق1 انفصل في وقت لو وجدت فيه الجملة لم تغسل ولم يصل عليها. وقيل: يصلى عليهما2، إن احتمل موته.
ـــــــ
أحدهما: تجب الصلاة أيضا على الأكثر، وهو الصحيح، جزم به في المغني3، والشرح4، وشرح ابن رزين.
والاحتمال الثاني: لا تجب الصلاة ثانيا، بل يكتفى بالصلاة التي فعلت على البعض الأول.
مسألة - 12: قوله: وهل ينبش ليدفن معه أم بجنبه؟ فيه وجهان، انتهى وأطلقهما ابن عقيل في الفصول وحكاهما احتمالين، وابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى:
ـــــــ
1 في الأصل: "وساق".
2 في الأصل و"س" و"ط": "عليها".
3 3/ 480 - 481.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/193.

(3/358)


وإن اشتبه من يصلي عليه بغيره كمسلم وكافر نوى بالصلاة من يصلي عليه وهو المسلم، ولا يعتبر الأكثر "هـ" وغسلوا وكفنوا، ليعلم شرط الصلاة، وإن أمكن عزلهم وإلا دفنوا معا1. نص عليه، وعنه: إن اختلطوا بنا بدار الحرب فلا صلاة، وعند الحنفية: يغسلون إن تساووا، واختلفوا في الصلاة إذن.
وسبق أن الجنازة تقدم على صلاة الكسوف2، فدل أنها تقدم على ما قدم الكسوف عليه، وصرحوا منه بالعيد والجمعة، وصرح ابن الجوزي أيضا بالمكتوبات، ونقل الجماعة: تقدم الجنازة3 "و" على فجر وعصر فقط، وجزم به جماعة، منهم ابن عقيل. وفي المستوعب: يقدم المغرب عليها لا الفجر.
ـــــــ
أحدهما: يدفن بجنبه، وهو الصحيح، قال ابن رزين في شرحه: دفن بجنبه ولم ينبش؛ لأنه مثلة، قال الشيخ في المغني4، والشرح: وإن وجد الجزء بعد دفن الميت غسل وصلي عليه ودفن إلى جانب القبر، أو نبش بعض القبر ودفن فيه، ولا حاجة إلى كشف الميت لأن ضرر نبش الميت وكشفه أعظم من الضرر بتفرق أجزائه. انتهى.
والوجه الثاني: ينبش ويدفن معه.
ـــــــ
1 في "ط": "معنا".
2 ص 221.
3 بعدها في "ط": "و".
4 3/481.

(3/359)


وذكر الحنفية تقديم المغرب والعيد عليها، ويقدم الوليمة من دعي إليها لتعيينها بالدعاية، ذكره ابن شهاب. ولا تكره صلاة الجنازة في المسجد "هـ م ر" وقيل: هو أفضل، وقيل عكسه، وخيره أحمد "*". وقال الآجري: السنة أن يصلى عليها فيه، وإنه قول "ش" وأحمد.
وإن لم يؤمن تلويثه لم يجز، ذكره أبو المعالي وغيره وأجاب في الخلاف وغيره عن قول المخالف يحتمل انفجاره بأنه نادر، ثم هو عادة بعلامة، فمتى ظهرت كره إدخاله المسجد، وإلا فلا، كما تدخل المرأة المسجد وإن جاز أن يطرقها الحيض زاد صاحب المحرر: ثم لو صلى الإمام فيه والجنازة خارجه كرهت عند المخالف، وللحنفية خلاف فيما1 ذكره عنهم، حتى كرهه بعضهم لكل مصل في المسجد، بناء على أن المسجد للمكتوبات، إلا لعذر مطر ونحوه، وللحنفية خلاف: هل الكراهة للتحريم أو للتنزية؟.
ولا تحمل الجنازة إلى مكان ومحلة ليصلى عليها، فهي كالإمام يقصد ولا يقصده ذكره ابن عقيل وغيره.
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: ولا تكره صلاة الجنازة في المسجد، وقيل: هو أفضل، وقيل عكسه، وخيره أحمد، انتهى. كلام المصنف أن الذي قدمه أن صلاة الجنازة في المسجد مباحة، وهو كذلك، فقد قال أكثر الأصحاب: لا بأس بها فيه، فيكون المصنف قد قدم حكما وهو الإباحة، فليس الخلاف بمطلق، لكن على غير المقدم: هل فعلها فيه أفضل أم فعلها خارجه أفضل؟ حكى قولين قلت: الصواب عدم الأفضلية في المسجد. والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل: "فيهما".

(3/360)


وله بصلاة الجنازة قيراط، وهو أمر معلوم عند الله، وذكر ابن عقيل أنه قيراط نسبته من أجر صاحب المصيبة وله بتمام دفنها آخر، وذكر
ـــــــ
...............................

(3/361)


أبو المعالي وجها: أن الثاني بوضعه في قبره. ويتوجه احتمال: إذا ستر باللبن، وهل يعتبر للثاني أن لا يفارقها من الصلاة حتى تدفن أم يكفي حضور دفنها؟ ويتوجه وجهان "م 13" قال الآجري: وأسمع الناس إذا سلموا من الجنازة يقول بعضهم لبعض: آجرك الله، ولا نعرفه من أهل العلم سئل عنه بشر بن الحارث1، فقال: من قال هذا؟ قيل له: في رواية أبي داود عن قول الناس إذا تناوله من صاحبه: سلم رحمك الله، فلم يعرفه. قيل له: من يذهب إلى مسجد الجنائز فيجلس يصلي على الجنائز إذا جاءت؟ قال: لا بأس، وكأنه رأى إذا تبعها من أهلها هو أفضل، قال في حديث يحيى بن جعدة2: "وتبعها من أهلها"3 يعني: من صلى على جنازة فتبعها من أهلها فله قيراط.
ـــــــ
مسألة - 13: قوله: وله بصلاة الجنازة قيراط وله بتمام دفنها آخر وهل يعتبر للثاني أن لا يفارقها من الصلاة حتى تدفن أم يكفي حضور دفنها؟ يتوجه وجهان، انتهى. أحدهما يعتبر أن لا يفارقها من الصلاة حتى تدفن، فلا بد من اتباعها وحضور دفنها، قلت: وهو الصواب، فإن في اتباعها أجرا كبيرا له وللميت. وفي صحيح مسلم ما يدل على أنه يتبعها من بيتها. والقول الثاني يكفي حضور دفنها، وهو ظاهر الحديث أيضا، فهذه ثلاث عشرة مسألة في هذا الباب.
ـــــــ
1 هو: الإمام الرباني الزاهد أبو نصر، بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي، البغدادي، المشهور بالحافي. "ت 227 هـ". "سير أعلام النبلاء" 10/469.
2 هو: الإمام يحيى بن جعدة بن هبيرة القرشي، المخزومي. روى له أصحاب السنن. "تهذيب الكمال" 31/253.
3 وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/321 عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى الجنازة عند أهلها فمشى معها حتى يصلى عليها فله قيراط...

(3/362)


باب حمل الجنائز
باب حمل الجنائز
...
باب حمل الجنائز1
وهو فرض كفاية "ع" لا يختص كون فاعله من أهل القربة، فلهذا يسقط بكافر وغيره "و" ولا تكره الأجرة، في رواية، وعنه: بلى، وعنه: بلا حاجة، وقيل: تحرم، وقاله الآمدي "خ" وكذا تكفينه "و" ودفنه "و" لعدم اعتبار النية "م 1" ويأتي أخذ الرزق وما اختص به أهل القربة في الإجارة2.
يسن أن يحمله أربعة؛ لأنه يسن التربيع في حمله "و هـ ش" وقاله المالكية، وهو أن يضع قائمة النعش اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى، ثم ينتقل إلى المؤخرة، ثم يمنى النعش على كتفه اليسرى يبدأ بمقدمتها، نقله الجماعة "و هـ ش" وعنه: بالمؤخرة، ولا يكره حمله بين العمودين، كل
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ولا تكره الأجرة في رواية، وعنه: بلى، وعنه: بلا حاجة وقيل: تحرم، وقاله الآمدي، وكذا تكفينه ودفنه، لعدم اعتبار النية، انتهى، في كلام المصنف ثلاث مسائل حكمهن واحد، أجرة حمله وتكفينه، ودفنه، وأطلق الخلاف في ذلك:
إحداها يكره مطلقا، وهو الصحيح، صححه في الحاوي الصغير وقدمه في الرعايتين ومجمع البحرين3.
والرواية الثانية: لا يكره مطلقا.
والرواية الثالثة: يكره لغير حاجة، ولا يكره للحاجة. قدمه في المستوعب ومختصر ابن تميم، وهو قوي، بل هو الصواب، وأطلق الثانية والثالثة في الحاوي الكبير، وذكر المصنف قولا بالتحريم، وقاله الآمدي.
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "الجنائز".
2 7/148.
3 بعدها في "ح": "وهو الصواب".

(3/363)


واحد على عاتقه، على الأصح، "هـ" وليس بأفضل من التربيع "ش" وعنه: هما سواء "و م" والأولى الجمع بينهما، وزاد في الرعاية: إن حمل بين العمودين فمن عند رأسه، ثم من عند رجليه. وفي المذهب: من ناحية رجليه لا يصلح إلا التربيع، قال أبو حفص وغيره: يكره الازدحام عليه أيهم يحمله وأنه يكره التربيع إذن، وكذا كره الآجري وغيره التربيع إن ازدحموا وإن قول أبي داود: "رأيت أحمد ما لا أحصي يتبعها ولا يحملها" يحتمل الزحام، وإلا فالتربيع أفضل عنده.
ويستحب ستر نعش المرأة، ذكره جماعة، قال في المستوعب: يستر بالمكبة1. ومعناه في الفصول، قال بعضهم: أول من اتخذ ذلك له زينب أم المؤمنين، ماتت سنة عشرين2. وفي التلخيص: لا بأس بجعل المكبة عليها، وفوقها ثوب، قال ابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما: لا بأس بحملها في تابوت، وكذا من لا يمكن تركه على نعش إلا بمثله، كحدب3 ونحوه. قال في الفصول: المقطع تلفق أعضاؤه بطين حر ونفط4 حتى
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 المكبة: تعمل من خشب أو جريد، أو قصب مثل القبة، فوقها ثوب توضع فوق السرير. "الإقناع" 1/360.
2 أخرج ابن سعد أنه لما ماتت زينب بنت جحش، أمر عمر مناديا فنادى: ألا لا يخرج على زينب إلا ذو محرم من أهلها، فقالت أسماء بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه لنسائهم؟ فجعلت نعشا وغشته ثوبا، فلما نظر إليه قال: ما أحسن هذا ما أستر هذا فأمر مناديا فنادى: أن أخرجوا على أمكم. "الطبقات" 8/111.
3 في "ب": "لحدب".
4 في الأصل و"ط": "ويغطى". والنفط، بكسر النون وفتحها، والكسر أفصح: الدهن. "الصحاح": "نفط".

(3/364)


لا يتبين تشويهه، فإن ضاعت لم يعمل شكلها من طين. وقال أيضا: الواجب جمع أعضائه في كفن واحد وقبر واحد، وقال أبو حفص وغيره: يستحب شد النعش بعمامة. ولا بأس بحمل طفل على يديه، ولا بأس بحمل الميت بأعمدة، للحاجة، كجنازة1 ابن عمر، وعلى دابة، لغرض صحيح، ويجوز لبعد قبره، وعنه يكره، وظاهر كلامهم لا يحرم حملها على هيئة مزرية أو هيئة يخاف معها سقوطها، ويتوجه احتمال "و ش".
ويستحب الإسراع بها دون الخبب "و" نص عليه، زاد ابن الجوزي: وفوق السعي، وعند القاضي: لا يخرج عن المشي المعتاد، وتراعى الحاجة، نص عليه "و".
واتباعها سنة "و" وسأله مثنى: الجنازة تكون في جوار رجل وقت صلاة أيتبعها ويعطل المسجد؟ فلم أره يعجبه تركها ولو تعطل، وسبقت رواية حنبل أنه أفضل من صلاة النافلة. وفي آخر الرعاية: اتباعها فرض كفاية، لأمر الشارع به في "الصحيحين"2، من حديث البراء وليست النوافل أفضل، إلا لجوار أو قرابة أو صلاح، خلافا للحنفية، ونظيره قول صاحب الطراز المالكي: إن المشهور عندهم أن صلاة الجنازة سنة، قال: بل قال مالك: هي أخفض3 من السنة، والجلوس في المسجد،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "لجنازة".
2 البخاري "1239"، ومسلم "2066" "3"، عن البراء بن عازب قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي... الحديث.
3 في "ب": "أفضل".

(3/365)


والنافلة أفضل منها، إلا جنازة من ترجى بركته، أو له حق قرابة أو غيرها، وهو حق له ولأهله، قال شيخنا: لو قدر لو انفرد لم يستحق هذا الحق لمزاحم أو لعدم استحقاقه تبعه لأجل أهله إحسانا إليهم لتألف أو مكافأة أو غيره، وذكر فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي1. وذكر الآجري أن من الخير أن يتبعها لقضاء حق أخيه المسلم، ويكره للمرأة اتباعها "و هـ ش و م" في العجوز، وحرمه الآجري "و م ر" في الشابة، وقال: جميع ما تفعله النساء مع الجنائز محظور عند العلماء، قال أبو المعالي: يمنعن من اتباعها، وذكره بعضهم: قول جمهور العلماء، وأباحه بعضهم لقرابة. وقال أبو حفص: هو بدعة، ويجب طردهن، فإن رجعن وإلا رجع الرجال بعد أن يحثوا في وجوههن التراب، قال: ورخص أحمد في اتباع جنازة تبعها النساء. قال أبو حفص: ويحرم بلوغها المقبرة، للخبر في ذلك2، وهو ضعيف3، ثم يحمل على وقت تحريم زيارتهن.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 وفعل النبي صلى الله عليه وسلم معه في البخاري "1350" وبنحوه في مسلم "2773" "2"، ولفظ البخاري من حديث جابر بن عبد الله قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، فالله أعلم وكان كسا عباسا قميصا. قال سفيان وقال أبو هارون: وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان، فقال له ابن عبد الله: يا رسول الله، ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك. قال سفيان: فيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع.
2 أخرج أبو داود "3123"، والنسائي 4/27، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ميتا - فلما فرغنا انصرف ..... وفيه: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلعلك بلغت معهم الكدى" ، قالت: معاذ الله !! وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر، قال: "لو بلغت معهم الكدى" فذكر تشديدا في ذلك.
3 إسناد ضعيف؛ لأنه روى من طرق ترجع إلى ربيعة بن سيف المعافري - وهو ابن ماتع - وهو ضعيف. قال فيه البخاري وابن يونس: عنده مناكير. وذكر ذلك الذهبي في "الميزان" 2/43.

(3/366)


ويستحب كون الماشي أمامها. نص عليه "و م ش" لا خلفها "هـ"1 واختار صاحب الرعاية حيث شاء. وفي الكافي2: حيث مشى فحسن، وقيل للقاضي: لا يجوز اعتبار هذا بالشفيع، لأن تقدم الشفيع وتأخره على وجه واحد ليس بعضه بأفضل من بعض، ولا كذلك المشي أمام الجنازة وخلفها؛ لأنهم اتفقوا أن أحدهما أفضل من الآخر. فقال: لا نسلم هذا، بل التقدم بالخطاب في الشفاعة وإظهار نفسه والمبالغة في ذلك أفضل من التأخر فيها، فلا فرق بينهما، قال: والجنازة متبوعة معناه مقصودة، فإن الناس يمشون لأجلها، وقد يكون الشيء متبوعا3 ثم يتأخر عن تابعه، ألا ترى أن الناس إذا شفعوا لرجل تقدموا عليه، وكذلك جند السلطان يتقدمونه وهم تبع؟ وكذلك قاس ابن عقيل وغيره على أن الشفيع يتقدم المشفوع فيه.
والراكب خلفها "و" قال صاحب المحرر، وكره أمامها. وقال النخعي كانوا يكرهونه، رواه سعيد. وفي راكب سفينة وجهان "م 2" قال بعضهم: بناء على أن حكمه كراكب أو ماش، وأن عليهما ينبغي دورانه في الصلاة.
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وفي راكب سفينة وجهان، انتهى، يعني إذا تبعها وهو راكب سفينة هل يكون أمامها كالماشي، أو خلفها كراكب الدابة؟ قال بعضهم: بناء على أن حكمه كراكب، أو كماش، وأن عليها ينبني دورانه في الصلاة، انتهى، وأطلقهما في الرعاية الكبرى ومختصر ابن تميم والفائق وحواشي المصنف على المقنع:
أحدهما: يكون خلفها. قلت: قد ذكر المصنف وغيره في باب جامع الأيمان: لو
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 2/58.
3 في "ب" و"س" و"ط": "مقصودا".

(3/367)


ويكره لمن تبعها الركوب "و م ش" وقيل: لا "و هـ" كركوبه في عوده "و" والقرب منها أفضل، ويكره تقديمها1 إلى موضع الصلاة لا إلى المقبرة، ويكره جلوس من تبعها قبل وضعها بالأرض للدفن، نقله الجماعة "و هـ" وعنه: للصلاة، وعنه: في اللحد، وعنه: لا يكره "و م ش" كمن بعد، ويكره قيامه وقيام من مرت به لها "و" وعنه: القيام وتركه سواء، وعنه: يستحب، اختاره ابن عقيل وشيخنا، وعنه: حتى تغيب أو توضع. وقال ابن أبي موسى: ولعل المراد على هذا: يقوم حين يراها قبل وصولها إليه، للخبر؛ لأنه عليه السلام أمر به حين يراها2. وظاهره: ولو كانت جنازة كافر، لفعله عليه السلام، متفق على ذلك3، قال المروزي: رأيت أبا عبد الله إذا صلى على جنازة هو وليها لم يجلس حتى تدفن، ووقف علي على قبر فقيل: ألا تجلس يا أمير المؤمنين؟ فقال: قليل لأخينا قيامنا على قبره4. ذكره أحمد محتجا به، ونقل حنبل: لا بأس بقيامه على القبر حتى يدفن، خيرا وإكراما، قال صاحب المحرر: ذلك حسن لا بأس به، نص عليه.
ـــــــ
حلف لا يركب، حنث بركوب سفينة، في المنصوص، تقديما للشرع وللغة، فعلى هذا يكون راكبها خلفها، وهو الصواب؛ لأنه ليس بماش، وهو إلى ركوب الدابة أقرب، والله أعلم.
والوجه الثاني: يكون أمامها كالماشي، قلت: فيه ضعف.
ـــــــ
1 في "س" و"ط": "تقدمها".
2 أخرج البخاري "1310"، ومسلم "959" "77"، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا ..." الحديث.
3 البخاري "1311"، ومسلم "960" 78"، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، وقمنا به. فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي؟ قال: "وإذا رأيتم الجنازة، قوموا" .
4 أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 23/269 عن عمر بن سعد...

(3/368)


ويكره تغطية النعش بغير البياض، ويسن به، ويكره مرقعه، قال الآجري: كرهها1 العلماء، واتباعها بماء ورد ونحوه ونار "و" إلا لحاجة نص عليه، ومثله التبخير عند خروج روحه يكره في ظاهر كلامهم، وقاله مالك وغيره.
ويسن الذكر والقراءة سرا، وإلا الصمت، ويكره رفع الصوت ولو بالقراءة، اتفاقا، قاله شيخنا، وحرمه جماعة من الحنفية وغيرهم وما يعطونه من الأجرة سبق أول باب الكفن2. ويتوجه منه إباحة القراءة، وأنه يخرج تحريمه وكراهته على الخلاف، وتكره المحادثة في الدنيا، والتبسم والضحك أشد، وكذا مسحه بيده أو بشيء عليها تبركا، وقيل بمنعه كالقبر، وأولى: قال أبو المعالي: هو بدعة يخاف منه على الميت، قال: وهو قبيح في الحياة، فكذا بعد الموت. وفي الفصول: يكره، قال: ولهذا منع أكثر العلماء من مس القبر، فكيف بالجسد؛ ولأنه بعد الموت كالحياة، ثم حال الحياة يكره أن يمس بدن الإنسان، للاحترام وغيره سوى المصافحة، فأما غيرها فسوء أدب، كذا بعد الموت، بل بعد الموت انقطعت المواصلة بالبدن سوى القبلة، للسنة3؛ ولأن ضربه بمنديل وكم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"س": "كرهه".
2 ص 313.
3 أخرج البخاري "1241" "1242"، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أقبل أبو بكر رضي الله عنه.... وفيه: فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله ثم بكى... الحديث. وأخرج أبو داود "3163"، والترمذي "989" وابن ماجه "1456"، عن عائشة، قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل.

(3/369)


حد للمريض، فلا يفعل بالميت، وروى الخلال في أخلاق أحمد أن علي بن عبد الصمد الطيالسي1 مسح يده على أحمد، ثم مسحها على بدنه، وهو ينظر، فغضب أحمد شديدا، وجعل ينفض يده ويقول: عمن أخذتم هذا؟ وأنكره شديدا وسبق في فصل يستحب ذكر الموت2. ونقل المروزي في الورع أن يحيى بن يحيى النيسابوري3 أوصى لأحمد بجبته، فقال: رجل صالح قد أطاع الله فيها، أتبرك بها، فجاءه ابن يحيى بمنديل ثياب، فردها معها.
وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة عند أحمد، وكرهه، وحرمه أبو حفص، نقل ابن منصور: ما يعجبني، وروى سعيد أن ابن عمر وسعيد بن جبير قالا لقائل ذلك: لا غفر الله لك4. كما سبق في آخر الجمعة الدعاء على من نشد ضالة5؛ لمخالفته السنة، قال صاحب المحرر: ولم ينقل عن صحابي ولا تابعي خلافه، إلا ما روى أحمد: عن أنس أنه شهد جنازة أنصاري، فأظهروا له الاستغفار فلم ينكره6. ولا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: علي بن عبد الصمد الطيالسي البغدادي، ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان يسكن قطيعة الربيع، وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة. "ت 289 هـ". و"سير أعلام النبلاء" 13/429. "المقصد الأرشد" 2/231.
2 ص 260.
3 هو: أبو زكريا، يحيى بن يحيى بن بكر النيسابوري، قال فيه أحمد بن حنبل: ما أخرجت خرسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى. وقال أيضا كان ثقة وزيادة، وأثنى عليه خيرا. "ت 226 هـ". "سير أعلام النبلاء". 10/512.
4 قول ابن عمر: مر. وقول سعيد بن جبير: أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "6243"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/273.
5 تقدم ص 187.
6 لم أقف عليه.

(3/370)


يعارض صريح القول، قال أحمد: لا يقول في حمل الجنازة: سلم يرحمك الله، فإنه بدعة، ولكن يقول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله" ويذكر الله إذا تناول السرير. ويحرم1 أن يتبعها مع منكر هو عاجز عنه. نص عليه؛ للنهي2، نحو طبول أو نياحة أو لطم نسوة وتصفيق ورفع أصواتهن وعنه: يتبعها وينكره بحسبه "و هـ" ويلزم القادر، فلو ظن أنه إن تبعها أزيل المنكر لزمه، على الروايتين، لحصول المقصودين، ذكره صاحب المحرر، فيعايا بها، وقيل: العاجز كمن دعي لغسل ميت فسمع طبلا أو نوحا، وفيه روايتان، نقل المروذي في طبل: لا. ونقل أبو الحارث وأبو داود في نوح: يغسله وينهاهم "م 3".
وضرب النساء بالدف منكر منهي عنه اتفاقا، قاله شيخنا - رحمه الله تعالى.
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: ويحرم أن يتبعها مع منكر هو عاجز عنه، نص عليه وعنه يتبعها وينكره بحسبه، ويلزم القادر، فلو ظن "أنه" إن اتبعها يزيل المنكر لزمه على الروايتين. وقيل: العاجز كمن دعي لغسل ميت، فسمع طبلا أو نوحا، وفيه روايتان، نقل المروذي في طبل: لا، ونقل أبو الحارث وأبو داود في نوح: يغسله وينهاهم، انتهى. قلت: الصواب إن غلب على ظنه زوال الطبل والنوح بذهابه ذهب وغسله، وإلا فلا، والله أعلم.
فهذه ثلاث مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 في "س": "ويكره".
2 أخرج البخاري "1306" ومسلم "936" "31"، عن أم عطية قالت: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة أن لا ننوح... الحديث. وأخرج البخاري "1294" ومسلم "103" "165"، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية".

(3/371)


باب الدفن
مدخل
...
باب الدفن
الأولى به وبالتكفين الأولى بالغسل، ثم بالدفن الرجال الأجانب، ثم محارمه من النساء ثم الأجنبيات، ومحارمها الرجال أولى من الأجانب ومن محارمها النساء بدفنها. وهل يقدم الزوج على محارمها الرجال "و م ش" أم لا "و هـ" فيه روايتان "م 1" فإن عدما فهل الأجانب أولى "و هـ ش" أم نساء محارمها مع عدم محذور يحصل بسبب ذلك من تكشفهن بحضرة الرجال أو
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وهل يقدم الزوج على محارمها الرجال أم لا؟ فيه روايتان، انتهى. وأطلقهما ابن تميم والمصنف في نكت المحرر:
إحداهما: يقدم الزوج، اختاره1 و2 القاضي وأبو المعالي.
ـــــــ
1 ليست في "ص".
2 ليست في "ص" و"ط".

(3/372)


غيره؟ قال صاحب المحرر: أو اتباعهن الجنازة؟ فيه روايتان "م 2".
ويقدم من الرجال خصي ثم شيخ، ثم الأفضل دينا ومعرفة. ومن بعد عهده بجماع أولى ممن قرب. ولا يكره للرجال دفن امرأة وثم محرم. نص
ـــــــ
والرواية الثانية: المحرم أولى من الزوج، وهو الصحيح، قال الخلال: استقامت الرواية عن الإمام أحمد أن الأولياء يقدمون على الزوج، انتهى. وهو ظاهر كلام الخرقي، وظاهر ما قدمه في المغني1 والرعاية الصغرى والحاويين، فإنهم قالوا: ويدخلها محرمها وإلا امرأة، والأصح وإلا شاب ثقة، وقدمه في النظم، وظاهر كلام الزركشي أن حكم هذه المسألة حكم الصلاة عليها، فعلى هذا أيضا المحارم أولى على الصحيح.
مسألة - 2: قوله فإن عدما يعني الزوج ومحارمهما فهل الأجانب أولى أم نساء محارمها مع عدم محذور من تكشفهن بحضرة الرجال أو غيره؟ قال صاحب المحرر: أو اتباعهن الجنازة؟ فيه روايتان، انتهى. وأطلقهما ابن تميم والمصنف في نكت المحرر:
إحداهما الأجانب أولى، قال الشيخ الموفق: هذا أحسن وأصح، واختاره المجد وقدمه النظم، وقال: هذا أشهر القولين "قلت": وهذا الصحيح، والله أعلم.
والرواية الثانية: نساء محارمها أولى، جزم به الخرقي، واختاره ابن عقيل وأبو المعالي، وقدمه الزركشي وابن رزين في شرحه، قال: نص عليه، قال المجد في شرحه: هذه الرواية محمولة عندي "على" ما إذا لم يكن في دفنهن محذور من اتباع الجنازة أو التكشف بحضرة الأجانب أو غيره كما تقدم "قلت": لا يسلمن من ذلك في الغالب، والله أعلم.
ـــــــ
1 3/432.

(3/373)


عليه، ويتوجه احتمال: يحملها من المغتسل إلى النعش ويسلمها إلى من في القبر، وتحل عقد الكفن، وقاله "ش" في الأم وبعض الصحابة. ومتى كان الأولى بغسله الأولى بدفنه تولاهما بنفسه، ثم بنائبه إن شاء، وظاهره أن نائبه أولى، حضر أم غاب، خلاف كلام لأبي المعالي في الصلاة.
ويستحب تعميق1 القبر وتوسيعه بلا حد، نص عليه. وقال أيضا: إلى الصدر، وقال أكثر الأصحاب: قامة وبسطة "و ش" وذكره غير واحد نصا والبسطة الباع ويكفي ما يمنع الرائحة والسباع، قال ابن عقيل: ولا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س" و"ب": "تغميق".

(3/374)


يجوز بدل القبر وضعه بالأرض ويضع أحبالا1 من تراب لأنه ليس بسنة، كما لا يجوز ستره إلا بالثياب.
ويستحب أن يسجى قبر امرأة لا قبر رجل "ش" بل يكره، نص عليه، إلا لعذر مطر أو غيره. واللحد أفضل من الشق على الأصح "و" بل يكره الشق بلا عذر، وهو حفرة في أرض القبر بقدره، ويسقف عليه، حتى لو تعذر اللحد لكون التراب ينهار يثبته2 بلبن، وحجارة إن أمكن، نص عليه. ولا يشق إذا "ش" وقاله الحنفية في أرض رخوة أو ندية، ويلحد مما يلي القبلة، ولا يعمق اللحد تعميقا ينزل فيه جسد الميت كثيرا، بل بقدر ما يكون الجسد غير ملاصق للبن.
ويدخل الميت قبره من عند رجل القبر "و ش"؛ لأنه ليس موضع توجه، بل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "أجبالا". وأحبالا: جمع حبل، وهو: الرمل المستطيل. القاموس المحيط": "حبل".
2 في "س" و"ط": "سنمه".

(3/375)


دخول، فدخول الرأس أولى كعادة الحي، يؤيده قول القاضي وغيره: إنه يبدأ في حمل الميت من الرأس لأنه أفضل الأعضاء كلها؛ لأنه يجمع الأعضاء الشريفة، ولهذا قلنا: يقف في الصلاة عند رأس الميت، وهذا مع الذي قبله يدل أنه يبدأ بالرأس في اللباس. ولا يدخل الميت معترضا من قبلته "هـ" ونقل جماعة: الأسهل، ثم سواء "و م" وقيل: يبدأ بإدخال رجليه من عند رأسه "و ش"1 ذكره ابن الزاغوني. قال أحمد فيمن دخل القبر وعليه خف: لا يعجبني، وقيل: يحل إزاره2؟ قال: لا. ولا توقيت فيمن يدخله، بل بحسب الحاجة، نص عليه "و هـ م" كسائر أموره "و" وقيل: الوتر أفضل "و ش".
ويستحب قول واضعه "بسم الله، وعلى ملة رسول الله" للخبر3، وعنه: يقول "اللهم بارك في القبر وصاحبه" وإن قرأ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55]، الآية، أو أتى بذكر ودعاء يليق عند وضعه وإلحاده فلا بأس، لفعله عليه السلام، وفعل الصحابة رضي الله عنهم4.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في "ب": "أزراره".
3 تقد تخريجه ص 271.
4 أخرج أبو داود "3213"، وابن ماجه "1550"، والترمذي "1046": أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: "بسم الله، وعلى سنة رسول الله" .

(3/376)


فصل: يجب دفنه مستقبل القبلة
، عند القاضي وأصحابه والشيخ، وعند
ـــــــ
...............................

(3/376)


صاحب الخلاصة والمحرر: يستحب، كجنبه الأيمن، ويستحب تحت رأسه لبنة، كالمخدة للحي، وهو مشبه به، ولم يذكره الحنفية، ويكره قطيفة تحته، لكراهة الصحابة1. ونصه: لا بأس بها من علة، وعنه: مطلقا، وقيل: يستحب؛ لأن شقران وضعها تحت النبي صلى الله عليه وسلم2، لكن من غير اتفاق منهم، ويكره مخدة "و" والمنصوص: مضربة "و" قال أحمد: ما أحبهما.
ويدنيه من قبلة اللحد، ويسند من خلفه، وينصب عليه لبن "و" وعنه: قصب، اختاره الخلال وصاحبه وابن عقيل، ويسد الفرجة بحجر، قاله أحمد، وليس هذا بشيء، ولكنه يطيب نفس الحي، رواه أحمد وغيره عن جابر مرفوعا3.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أود الترمذي بعد حديث "1047": أن ابن العباس رضي الله عنهما كان يكره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء.
2 أخرجه الترمذي "1047"، من حديث محمد بن علي الباقر.
وشقران: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حبشيا، وكان ممن حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه. شهد بدرا وهو عبد، فلم يسهم له. "الإصابة" 5/80.
3 لم نجد عند أحمد من حديث جابر بن عبد الله. ولكن أخرجه في "المسند" "22187" من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: لما وضعت أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولكنه يطيب بنفس الحي" . ثم قال: "أما إن هذا ليس بشيء".

(3/377)


ثم يطين فوقه. ودل سد الفرجة بحجر على أن البلاط كاللبن، وإن كان اللبن أفضل، يؤيده قولهم: إن اللبن من جنس الأرض وأبعد من أبنية الدنيا، بخلاف القصب. ولأحمد1 عن عمرو بن العاص "لا تجعلوا في قبري خشبا ولا حجرا" وللحنفية خلاف في الحجر، نظرا إلى أن كراهة الآجر لأثر النار أم لإحكام البناء والزينة، والمعنيان لنا، فيتوجه لنا كذلك، ويكره فيه خشب بلا ضرورة، وما مسته النار، ودفنه في تابوت "و" ولو كان الميت امرأة، خلافا لمشايخ الحنفية، نص على الكل، زاد بعضهم: أو في حجر منقوش. وقال بعضهم، أو يجعل فيه حديدة ولو كانت الأرض رخوة أو ندية، وجوزه الحنفية، وأنه من رأس المال.
ويستحب حثي التراب عليه ثلاثا "و ش" باليد، وقيل: من قبل رأسه، وقيل: من دنا منه، وعنه: لا بأس بذلك، ثم يهال عليه التراب، ويكره زيادة ترابه، نص عليه، للنهي2 "و هـ ش" قال في الفصول: إلا أن يحتاج إليه، نقل أبو داود "إلا أن يسوى بالأرض" ولا يعرف، والمراد مع أن تراب قبر لا ينقل إلى آخر، وقاله الحنفية.
ولا بأس بتعليمه بحجر أو خشبة ونحوها، نص عليه "هـ" ونص أيضا أنه يستحب "و ش" واحتج بأنه عليه السلام علم قبر عثمان بن مظعون3 بصخرة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في مسنده "17780".
2 أخرج البيهقي 3/410، من حديث جابر بن عبد الله وسليمان بن موسى: أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر، أو يزد عليه، أو يجصص.
3 هو: أبو السائب، عثمان بن مظعون بن حبيب، من سادة المهاجرين، ومن أولياء الله المتقين الذين فازوا بوفاتهم في حياة نبيهم فصلى عليهم، وكان أول من دفن بالبقيع، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ماتت ابنته: "الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون" . "ت 2 هـ". "سير أعلام النبلاء" 1/153.

(3/378)


عند رأسه، رواه أبو داود1. ولا بأس بلوح، نقله الميموني، ونقل المروذي: يكره، ونقل الأثرم: ما سمعت فيه بشيء، وحمله صاحب المحرر على اللوح المعتاد، وهو ما فيه كتابة أو نقوش، أو على اللوح في جوف القبر، لترك سنة اللبن والقصب، قال له مهنا: يكره في القبر خشب؟ قال: نعم، قلت: والألواح فيه؟ قال: نعم.
ويستحب رفعه بشبر "و" وتسنيمه أفضل، نص عليه "ش" وخالفه كثير من أصحابه، زاد الشيخ: التسطيح شعار أهل البدع فيكره، وحمل في الخلاف بعض ما روي في التسطيح أنه يجوز أن يكون قد سطح جوانبها وسنم وسطها، ويكره فوق شبر، قال علي لأبي الهياج الأسدي2: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته، رواه أحمد و مسلم وأبو داود وغيرهم3، قال في الخلاف: هذا محمول على القبور التي عليها البناء والجص ونحوه. وأمر فضالة بقبر فسوي وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها، رواه مسلم وأبو داود4. قال صاحب المحرر: يحمل على تقريبه من الأرض، والمنع على علوها الفاحش.
وترش بماء "و" وعنه: لا بأس، ويوضع عليه حصى صغار؛ ليحفظ
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في سننه "3206، من حديث المطلب رضي الله عنه.
2 هو: حيان بن حصين، الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له مسلم، أبو داود، والترمذي، والنسائي. "تهذيب الكمال" 7/471.
3 أحمد في "المسند" "741"، مسلم "969" "93"، أبو داود "3218"، الترمذي في سننه" 1049".
4 مسلم "968" "92" أبو داود "3219".

(3/379)


ترابه. وفي التلخيص: لا بأس: ولا بأس بتطيينه، قاله أحمد، وكرهه أبو حفص "و هـ" وقيل: يستحب "خ" وحمل في الخلاف النهي الذي رواه النجاد على طين لا حاجة إليه، وهو الطين الذي فيه تحسين القبر وزينته، فيجري مجرى التجصيص.
وتكره الكتابة عليه "و ش" وتجصيصه "و" وتزويقه وتخليقه ونحوه، وهو بدعة، ويكره البناء عليه "و" أطلقه أحمد والأصحاب، لاصقه أو لا، وذكر صاحب المستوعب والمحرر: لا بأس بقبة وبيت وحصيرة في ملكه؛ لأن الدفن فيه مع كونه كذلك مأذون فيه، قال صاحب المحرر: ويكره في صحراء للتضييق، والتشبيه بأبنية الدنيا. وقال في المستوعب: ويكره إن كانت مسبلة، ومراده والله أعلم: الصحراء. وفي الوسيلة: يكره البناء الفاخر كالقبة، فظاهره: لا بأس ببناء ملاصق؛ لأنه يراد لتعليمه وحفظه دائما، فهو كالحصباء1، ولم يدخل في النهي لأنه خرج على المعتاد، أو يخص منه، وهذا متجه، لكن إن فحش2، ففيه نظر. وحرم أبو حفص الحجرة، قال: بل تهدم، وحرم الفسطاط، وكره أحمد الفسطاط والخيمة، وأمر ابن عمر بإزالة الفسطاط وقال: إنما يظله عمله3. وظاهر كلامهم لا يحرم البناء مباهاة ولا لقصد التمييز "م ر"
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "كالحصي".
2 في "س"، و"ب": "تحت".
3 ذكره البخاري تعليقا قبل حديث "1361.

(3/380)


وليس بمراد في المباهاة، فإنه تحرم المفاخرة والرياء، وقاله هنا المالكية، وذكره ابن تميم وغيره، وعنه يمنع البناء في وقف عام وفاقا للشافعي وغيره، وقال: رأيت الأئمة في مكة يأمرون بهدم ما يبنى، فظاهر ما ذكره ابن تميم أن الأشهر لا يمنع، وليس كذلك، فإن المنقول في هذا ما سأله أبو طالب عمن اتخذ حجرة في المقبرة لغيره، قال: لا يدفن فيها، والمراد لا يختص بها، وهو كغيره، وجزم ابن الجوزي بأنه يحرم حفر قبر في مسبلة قبل الحاجة، فهاهنا أولى. وقال شيخنا: من بنى ما يختص به فيها فهو غاصب، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم. وقال أبو المعالي: فيه تضييق على المسلمين، وفيه في ملكه إسراف وإضاعة مال، وكل منهي عنه. وقال في الفصول: القبة والحظيرة والتربة إن كان في ملكه فعل ما شاء، وإن كان في مسبلة كره، للتضييق بلا فائدة، ويكون استعمالا للمسبلة فيما لم توضع له.
ويحرم إسراجها واتخاذ المسجد عليها وبنيها1، ذكره بعضهم "و" قال شيخنا: يتعين إزالتها، لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين، قال ولا تصح الصلاة فيها، على ظاهر المذهب، للنهي واللعن2، وليس فيها خلاف، لكون المدفون فيها واحدا، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد، هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ؟ على وجهين. وفي كتاب الهدي3: لو وضع المسجد والقبر معا،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "بينها".
2 أخرج البخاري "1330"، ومسلم "529" "19"، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا".
3 زاد المعاد 3/501.

(3/381)


لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة، وسبق كلامه في الفصول في الصلاة فيها، وظاهره خلافه. وقال ابن هبيرة في حديث جندب: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك"1. قال: نهيه عن ذلك لو اتخذ مسجدا إلى جانب قبر كره ذلك، ولا يمكن أن يقال هو حرام، كذا قال. وفي الوسيلة: يكره اتخاذ المساجد عندها "و ش" وفي الفنون: لا يخلق القبور بالخلوق، والتزويق والتقبيل لها والطواف بها، والتوسل بهم إلى الله، قال: ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا: بالسر الذي بينك وبين الله. وأي شيء من الله يسمى سرا2 بينه وبين خلقه؟ قال: ويكره استعمال النيران والتبخير بالعود، والأبنية الشاهقة الباب، سموا ذلك مشهدا. واستشفوا بالتربة من الأسقام، وكتبوا إلى التربة الرقاع، ودسوها في الأثقاب، فهذا يقول: جمالي قد جربت، وهذا يقول: أرضي قد أجدبت، كأنهم يخاطبون حيا ويدعون إلها ؟!.
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "532" "23".
2 ليست في "ط".

(3/382)


فصل: يستحب الدعاء عند القبر بعد الدفن
، نص عليه، فعله أحمد، جالسا، قال "أصحابنا" وشيخنا: يستحب وقوفه، ونص أحمد أيضا: لا بأس به، قد فعله علي3 والأحنف4. ولأبي داود5، عن عثمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف
ـــــــ
...............................
ـــــــ
3 البيهقي في "السنن الكبرى" 4/56.
4 هو: أبو بحر، ضحاك بن قيس بن معاوية التميمي، أحد من يضرب بحلمه وسؤدده المثل، وشهر بالأحنف لحنف رجليه، وهو العوج والميل، كان سيد تميم. أسلم في النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد على عمر. "ت 67 هـ". "سير أعلام النبلاء" 4/86.
5 في سننه "3221".

(3/382)


و قال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" . وروى سعيد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف فيدعو. وقال أبو حفص، الوقوف بدعة، كذا قال؛ ولأنه معتاد، بدليل قوله تعالى في المنافقين: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]، وهذا هو المراد على ما ذكره أكثر المفسرين. وقال ابن جرير "معناه" ولا تتول دفنه، كذا قال، ولم يذكر أحمد الأكثر قراءة، وقال بعضهم: يقرأ أو يدعو، نص عليه.
وأما تلقينه بعد دفنه فاستحبه الأكثرون "و م ش" لقول راشد بن سعد1، وضمرة بن حبيب2، وحكيم بن عمير3: كانوا يستحبون أن يقال عند قبره: يا فلان، "لا إله إلا الله، اشهد أن لا إله إلا الله" ثلاث مرات "يا فلان قل ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد" رواه عنهم أبو بكر بن أبي مريم4 - وهو ضعيف - رواه سعيد. وعن أبي أمامة مرفوعا: "ليقم أحدكم على رأس قبره وليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: راشد بن سعد المقرائي، التابعي، الفقيه، محدث حمص. "ت 113 هـ". "سير أعلام النبلاء" 4/490.
2 هو: أبو عتبة، ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي، الشامي، الحمصي، روى له الأربعة، كان مؤذن مسجد دمشق. "ت 130". "الثقات" 4/388، "تهذيب الكمال" 13/314.
3 هو: أبو الأحوص، حكيم بن عمير بن الأحوص العنسي، الشامي، الحمصي. تهذيب الكمال" 7/199.
4 هو: أبو بكر، بكير أو عبد السلام بن عبد الله بن أبن مريم الغساني، الشامي. قال النسائي والدارقطني: ضعيف، وقال فيه ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكن كان رديء الحفظ، يحدث بالشيء فيهم، ويكثر ذلك، حتى استحق الترك. "ت 156 هـ". "تهذيب الكمال" 33/108.

(3/383)


رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فإن منكرا ونكيرا يقولان: ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته؟ ويكون الله حجيجه دونهما". فقال رجل: يا رسول الله، فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال: "فلينسبه إلى حواء" رواه أبو بكر في الشافي والطبراني1 وابن شاهين وغيرهم، وهو ضعيف. وللطبراني أو لغيره فيه: وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور" وفيه: "وأنك رضيت بالإسلام دينا، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا". فظاهر استدلال الأصحاب بهذا الخبر يقتضي القول به، فيجلس الملقن عند رأسه، وكذا قاله الشافعية، ويقتضي أن لا ينسب إلى حوى إلا إذا لم يعرف اسم أمه، وهو خلاف المعتاد قال أحمد: ما رأيت أحدا فعل هذا إلا أهل الشام، وفيه تثبيت عذاب القبر، ولأحمد ومسلم وأبي داود2 عن أبي سعيد مرفوعا: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" احتج به بعض الفقهاء هنا، وهذا وإن شمله اللفظ لكنه غير مراد، وإلا لنقله الخلف عن السلف وشاع. وقال شيخنا: تلقينه بعد دفنه مباح عند أحمد وبعض أصحابنا، واختاره شيخنا، ولا يكره "هـ" قال أبو المعالي: لو انصرفوا قبله لم يعودوا؛ لأن الخبر: يلقنونه قبل انصرافهم ليتذكر حجته.
وفي تلقين غير المكلف وجهان، بناء على نزول الملكين وسؤاله،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 "المعجم الكبير" "7979".
2 أحمد "10993"، مسلم "916" "1"، أبو داود "3117".

(3/384)


وامتحانه، النفي قول القاضي وابن عقيل "و ش" والإثبات قول أبي حكيم وغيره، وحكاه ابن عبدوس عن الأصحاب "م 3".
قال شيخنا: وهو أصح، واحتج بما رواه مالك وغيره عن أبي هريرة - وروي مرفوعا -: أنه صلى على طفل لم يعمل خطيئة قط، فقال: "اللهم قه عذاب القبر وفتنة القبر"1. ولا حجة فيه، للجزم بنفي التعذيب، فقد يكون أبو هريرة يرى الوقف فيهم، قال ابن عبد البر: ذهب إلى هذه جماعة من أهل الفقه والحديث، منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وغيرهم، قال: وهو يشبه ما رسم مالك في موطئه، وما أورده من الأحاديث2.
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: وفي تلقين غير مكلف وجهان، بناء على نزول الملكين وسؤاله وامتحانه، النفي قول القاضي وابن عقيل. وهو ظاهر ما قدمه في المستوعب "قلت": وهو الصحيح وعليه العمل في الأمصار، والإثبات قول أبي حكيم وغيره وحكاه ابن عبدوس عن الأصحاب. وقدمه الشيخ عبد الله كتيلة3 في كتابه العدة، قال الشيخ تقي الدين: وهو أصح. قال في المستوعب: قال شيخنا: يلقن، وقدمه في الرعايتين، قال في مجمع البحرين: وهو ظاهر كلام أبي الخطاب. وقال ابن حمدان
ـــــــ
1 مالك في "الموطأ" 1/228، وعبد الرزاق في "المصنف" "6110" موقوفا. وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/374 مرفوعا وقال فيه: تفرد برواية هذا الحديث هكذا مرفوعا علي بن الحسن عن أسود بن عامر، عن شعبة، وخالفه غيره فرواه عن أسود موقوفا على أبي هريرة، وهو الصواب.
2 "الموطأ" 1/241 وفيه، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة...." قالوا: يا رسول الله، أرأيت الذي يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
3 في "ط": "كله"، وهو عبد الله بن أبي بكر الحربي، المعروف بكتيلة الشيخ الفقيه، سمع الحديث بدمشق من الحافظ الضياء المقدسي، وأجاز له الموفق، وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح، وبحران على مجد الدين ابن تيمية. من مصنفاته: "المهم" شرح كتاب الخرقي، و"العدة للشدة" في أصول الدين. "ت 681 هـ". "شذرات الذهب". 5/373..

(3/385)


فصل: ويحرم دفن اثنين فأكثر في قبر،
نص عليه، وعنه: يكره، اختاره ابن عقيل وشيخنا وغيرهما، وهو أظهر "و هـ ش" وجزم به صاحب المحرر في نبشه لغرض صحيح، ولم يصرح بخلافه فدل أن عنده المذهب رواية واحدة لا يحرم وعنه: يجوز، نقل أبو طالب وغيره: لا بأس، وقيل: يجوز في المحارم وقيل: فيمن لا حكم لعورته، ويجوز لحاجة.
ويستحب أن يقدم إلى القبلة من يقدم إلى الإمام، وأن يحجز بينهما بتراب، نص عليه. وقال الآجري: إن كان فيهم نساء كذا قال.
وكره أحمد الدفن عند طلوع الشمس "و م" وغروبها "و م" له أيضا وقيامها "خ" قال في "المغني"1: لا يجوز، وذكر صاحب المحرر: يكره، و2 نهارا أولى "*"، ويجوز ليلا "و" وذكره في شرح مسلم قول جماهير العلماء، وعنه: يكره، ذكره ابن هبيرة اتفاق الأئمة الأربعة، وعنه: لا يفعله إلا ضرورة.
ـــــــ
في نهاية المبتدئين: قال أبو الحسن بن عبدوس: يسأل الأطفال عن الإقرار الأول حين الدراية، والكبار يسألون عن معتقدهم في الدنيا وإقرارهم الأول، انتهى. وأطلقهما ابن تميم وصاحب الحاويين ومجمع البحرين.
"*" تنبيه: قوله: نهارا أولى، وكذا في النسخ، وصوابه "ونهارا" بزيادة واو، وتقديره: والدفن نهارا أولى، والله أعلم.
ـــــــ
1 3/502.
2 ليست في الأصل و"ب" و"ط"، والمثبت من "س".

(3/386)


والدفن في الصحراء أفضل، وكرهه أبو المعالي وغيره في البنيان، وتأتي خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح1. وإنما اختار صاحباه الدفن عنده تشرفا وتبركا به، ولم يزد عليهما لأن الخرق يتسع، والمكان ضيق. وجاءت أخبار تدل على دفنهم كما وقع2، ذكره صاحب المحرر وغيره.
ولو وصى بدفنه في ملكه دفن مع المسلمين؛ لأنه يضر الورثة، قاله أحمد وقال: لا بأس بشراء موضع قبره، ويوصي بدفنه فيه، فعله عثمان وعائشة، فلهذا حمل صاحب المحرر الأول أنه لم يخرج من ثلثه، وما قاله متجه، وبعده بعضهم. وفي الوسيلة: فإن أذنوا كره دفنه، نص عليه.
ويصح بيع ما دفن فيه من ملكه ما لم يجعل أو يصر مقبرة، نص عليه، ومنع ابن عقيل بيع3 موضع القبر مع بقاء رمته. قال ابن عقيل في الفنون: لأنها ما لم تستحل ترابا فهي محترمة. قال: وإن نقلت العظام، وجب الرد لتعيينه لها، قال جماعة: وله حرثها إذا بلي العظم.
ويستحب جمع الأقارب، والبقاع الشريفة، وما كثر فيه الصالحون، وقد
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 8/171.
2 أخرج مالك في الموطأ "1/232"، وابن سعد في طبقاته "2/293 – 294"، والطبراني في الكبير "23/47 – 48" والأوسط "7/193 – 194"، والحاكم "3/60". من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقال: أبو بكر: عن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أبو بكر: خير أقمارك يا عائشة، ودفن في بيتها أبو بكر وعمر.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافق الذهبي وقال الهيثمي "9/38": رواه الطبراني في الكبير واللفظ له، والأوسط ورجال الكبير رجال الصحيح.
3 ليست في النسخ الخطية والمثبت من "ط".

(3/387)


سأل موسى ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة، وقال عمر: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك وهما في الصحيح1.
ومن سبق إلى مقبرة مسبلة قدم، ثم يقرع، وذكره صاحب المحرر، إن استويا قدم بمزية، نحو كونه عند أهله.
ومتى علم أنه صار ترابا ومرادهم ظن، ولهذا ذكر غير واحد: يعمل بقول أهل الخبرة جاز دفن غيره في الأصح، وإلا لم يجز نص عليه، ونقل أبو طالب تبقى عظامه مكانه ويدفن، اختاره الخلال، وذكر أبو المعالي في مقبرة مسبلة: إذا صار ترابا جاز الدفن والزراعة وغير ذلك "و" كذا أطلق، والمراد ما لم يخالف شرط واقفه، كتعيينه الجهة. وقال بعضهم: وإن غلب المسلمون على أرض الحرب لم تنبش قبورهم، نص عليه، ولا تنبش مقبرة عتيقة إلا لضرورة، والمراد مع بقاء رمته، وقد كان موضع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين، فأمر بنبشها2. ونقل المروذي فيمن أوصى ببناء داره مسجدا فخرجت مقبرة، فإن كانوا مسلمين لم يخرجوا وإلا أخرجت عظامهم، ويتوجه: ويجوز نبش قبر الحربي لمال فيه، ولا تصريح بخلافه بل هو ظاهر كلام من جوزه لمصلحة، وفاقا للشافعية والمالكية، واحتجت بأن الصحابة رضي الله عنهم نبشت قبر أبي رغال3، وكرهه مالك.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الأول أخرجه البخاري "1339"، ومسلم "2372" "157"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والثاني: أخرجه البخاري "1890".
2 أخرجه البخاري "2932"، ومسلم "524" "9"، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
3 أخرج أبو داود "3088"، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه"، فابتدره الناس، فاستخرجوا الغصن.

(3/388)


ويحرم حفره في مسبلة قبل الحاجة، ذكره ابن الجوزي، وإن ثبت قول بجواز بناء بيت ونحوه فهاهنا كذلك، وأولى، ويتوجه هنا ما سبق في المصلى المفروش1.
ويحرم الدفن في مسجد ونحوه وينبش، نص عليه، وفي ملك غيره، وللمالك نقله، والأولى تركه، وكرهه أبو المعالي؛ لهتك حرمته.
ـــــــ
1 ص 163.

(3/389)


فصل: من أمكن غسله فدفن قبله لزم نبشه،
نص عليه "و م ش" أطلقه جماعة، وجزم آخرون: إن خشي تفسخه ترك "و م ش" زاد بعضهم: أو تغيره، وقيل: يحرم نبشه مطلقا "و هـ" إن أهيل التراب، فيصلى عليه، كعدم ماء وتراب "هـ" وكذا من دفن غير موجه "و" وقيل: يحرم، وقدم ابن تميم. يستحب نبشه: وإن دفن قبل تكفينه فقيل: كقبل غسله، قال في الوسيلة: نص عليه، وقيل: لا، لستره بالتراب "م 4" وفي المنتخب
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: وإن دفن قبل تكفينه، فقيل: كقبل غسله؛ قال في الوسيلة: نص عليه، وقيل: 2"لا، لستره"2 بالتراب، انتهى. وهما احتمالان مطلقان في الفصول، وأطلقهما في المغني3 والشرح4 ومختصر ابن تميم:
أحدهما: حكمه حكم دفنه قبل غسله، قدمه في الرعاية الكبرى. قلت: وهو الصواب.
والقول الثاني: لا ينبش لستره بالتراب، صححه في الحاوي الكبير والنظم.
ـــــــ
2 في "ص": "السترة".
3 3/500.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/249.

(3/389)


روايتان. وفي الرعاية: وقيل: ولو بلي، كذا قال. فمع تفسخه 1"في الكل"1 أولى.
وإن دفن قبل الصلاة فكالغسل، نص عليه، ليوجد شرط الصلاة، وهو عدم الحائل. وقال ابن شهاب والقاضي: لا ينبش، ويصلى على القبر، لإمكانها عليه، وعنه: يخير، قال بعضهم: فكذا غيرها، قال ابن عقيل في مفرداته: الأمر آكد من النهي؛ لأن منه ما يكفر به، ولا يسقط بالندم، ونص أحمد عكسه، وقال في فنونه: رجل دفن بنتا له، ثم رأى في منامه وهي تقول: دفنت حية، هل تنبش لذلك؟ يحتمل أن يجوز، ويحتمل أن لا يجوز، فإن نبشت ووجدت جالسة قد مزقت كفنها فيحتمل أن لا يجب الغسل ثانيا، وهل يلزم من دفنها الدية؟ يحتمل يلزم من طرح عليها التراب، ويحتمل لا.
ويجوز في المنصوص نبشه لغرض صحيح "خ" كتحسين كفنه، وخير من بقعته، ودفنه لعذر بلا غسل ولا حنوط، وكإفراده، لإفراد جابر لأبيه2؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عبد الله بن أبي بعدما دفن، فوضعه على ركبتيه، ونفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، وكان كسا عباسا قميصا، وذلك مكافأة بسبب عمه، وإما لإكرام ولده عبد الله وعشيرته3. قال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "فالكل".
2 أخرجه البخاري "1351"، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. ووالد جابر، هو: أبو جابر، عبد الله بن عمرو بن حرام، الأنصاري، السلمي، أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا، واستشهد يوم أحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر عندما قام يبكيه: "تبكيه أولا تبكيه، ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه". "سير أعلام النبلاء" 1/324.
3 تقد تخريجه ص 366.

(3/390)


أحمد: قد حول طلحة1، وحولت عائشة2، ونبش معاذ امرأته وكانت كفنت في خلقات فكفنها3.
ودفن الشهيد بمصرعه سنة، نص عليه، حتى لو نقل رد إليه، ويجوز نقل غيره "و م" أطلقه أحمد، والمراد وهو ظاهر كلامهم "إن أمن تغيره" وذكر صاحب المحرر: إن لم يظن تغيره، ولا ينقل إلا لغرض صحيح "و ش" كبقعة شريفة ومجاورة صالح، كما نقل سعد وسعيد وأسامة إلى المدينة4؛ لئلا تفوت سنة تعجيله، وظاهر كلامهم: ولو وصى به، وصرح به أبو المعالي.
وكره جماعة من الشافعية نقل الميت مطلقا، وحرمه آخرون منهم، وجوز الحنفية نقله ميلين، وقيل: ودون السفر، وقيل عندهم: لا يكره السفر، قال أبو المعالي: ويجب لضرورة، نحو كونه بدار حرب، أو مكان يخاف نبشه، وتحريقه، أو المثلة به، قال: وإن تعذر نقله بدار حرب فالأولى تسويته بالأرض، وإخفاؤه، مخافة العدو، ومعناه كلام غيره، فيعايا بها.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "6657"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/389 عن قيس بن أبي حازم قال: رأى بعض أهل طلحة بن عبيد الله أنه رآه في النوم فقال: إنكم دفنتموني في مكان قد أتاني في الماء، فحولوني منه، فحولوه، فأخرجوه كأنه سلقة ما يتغير منه شيء إلا شعرات من لحيته.
2 لم نقف عليه.
3 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/267، أن معاذ بن جبل أوصى امرأته وخرج فماتت. وكفناها في ثياب لها خلقان فقدم بعد أن رفعنا أيدينا عن قبرها بساعتين، فقال: فيما كفنتموها؟ قلنا: في ثيابها الخلقان. فنبشها، وكفنها في ثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها.
4 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 4/57 عن الزهري أنه قال: قد حمل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من العقيق إلى المدينة، وحمل أسامة بن زيد من الجرف.

(3/391)


فصل: وإن وقع في القبر ما له قيمة عادة وعرفا وإن قل خطره،
قاله أصحابنا، ذكره أبو المعالي، قال: ويحتمل ما يجب تعريفه، أو رماه ربه فيه نبش وأخذ، نص عليه في مسحاة الحفار، لتعلق حقه بعينه "و" وعنه: المنع إن بذل له عوضه، فدل على رواية: ونبشه بلا ضرورة.
وإن كفن بغصب لم ينبش، لهتك حرمته، وضرر الأرض يتأبد، فيغرم من تركته، وعند صاحب المحرر: يضمنه من كفنه به، لمباشرته الإتلاف عالما، فإن جهله فالقرار على الغاصب، ولو أنه الميت، وإن تعذر الغرم نبش، وقيل: ينبش مطلقا.
وإن كفن بحرير، فذكر ابن الجوزي في نبشه وجهين.
وإن بلع ما تبقى ماليته كخاتم، وطلبه ربه، لم ينبش، وغرم من تركته، كمن غصب عبدا فأبق، تجب قيمته، لأجل الحيلولة، فإن تعذر قال بعضهم: ولم تبذل قيمته. وقال بعضهم: لم يبذلها وارث شق جوفه في الأصح، وقيل: يشق مطلقا، وقيل: يؤخذ، فلو كان ظنه ملكه فوجهان "م 5".
وذكر جماعة: يغرم اليسير من تركته وجها واحدا، وأطلق جماعة.
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: وإن بلع ما تبقى ماليته كخاتم، وطلبه ربه، لم ينبش، وغرم من تركته، فإن تعذر شق جوفه في الأصح، وقيل: يشق مطلقا، ويؤخذ، فلو ظنه ملكه فوجهان. انتهى وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى:
أحدهما: ينبش. قلت: وهو الصواب، ولا عبرة بظنه، وهو ظاهر كلام الجماعة من الأصحاب.
والوجه الثاني: لا ينبش.

(3/392)


وإن بلعه بإذن ربه أخذ إذا بلي، ولا يعرض له قبله، ولا يضمنه، وقيل: هو كماله. وفي الفصول: إن بلعه بإذنه فهو المتلف لماله، كقوله: ألق متاعك في البحر فألقاه، قال: وكذا لو رآه محتاجا إلى ربط أسنانه بذهب، فأعطاه خيطا من ذهب، أو أنفا من ذهب فأعطاه فربط به، ومات، لم يجب قلعه ورده؛ لأن فيه مثلة، كذا قال، قال: وبلا إذن يغرم من تركته، وإن بلي وأراد الورثة إخراجه من القبر، جاز1 إذا ظن انفصاله عنه ولم يتشعث منه شيء، والله أعلم، وإن بلع مال نفسه لم ينبش، إلا إذا بلي؛ لأنه أتلف ملكه حيا، فلو كان عليه دين فوجهان "م 6"، وقيل: يشق ويؤخذ. وفي المبهج: يحسب من ثلثه.
ولا يقلع أنف ذهب، ويأخذ بائعه ثمنه من تركته، ومع عدمها يأخذه إذا بلي، وقيل: يؤخذ في الحال، فدل أنه لا يعتبر للرجوع حياة المفلس، في قول، مع أن فيه هنا مثلة.
وإن ماتت امرأة حامل حرم شق جوفها، نص عليه. فإن احتملت
ـــــــ
مسألة - 6: قوله: وإن بلع مال نفسه لم ينبش، إلا إذا بلي، لأنه أتلف ملكه حيا فلو كان عليه دين فوجهان، انتهى:
أحدهما: ينبش، وهو الصحيح، جزم به في مجمع البحرين "قلت": وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا ينبش، وهو ظاهر كلامه في المغني2 والشرح3 وغيرهما. قلت: وهو ضعيف.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 3/498.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/245.

(3/393)


حياته أدخل النساء أيديهن في فرجها فأخرجنه، فإن تعذر فاختار ابن هبيرة يشق ويخرج، والمذهب: لا، فعنه: يفعل ذلك الرجال، والمحارم أولى، اختاره أبو بكر وصاحب المحرر، كمداواة الحي، والأشهر: لا "م 7" ولا تدفن حتى يموت1. ولا يوضع عليه ما يموته، خلافا لما جزم به بعض الشافعية، وفي الخلاف: إن لم توجد أمارات الظهور بانتفاخ المخارج وقوة الحركة فلا تسطو القوابل، وقيل: يشق مطلقا إن ظن خروجه حيا "و هـ م ش ر" كمن خرج "بعضه" حيا، فلو مات إذا أخرج، فإن تعذر غسل ما أخرج منه، وقيل: ييمم2 لما بقي. وإن ماتت ذمية حامل بمسلم دفنت مفردة، نص عليه "و ش" لأنه جائز. ودفن الميت بين من يباينه "في دينه" منهي عنه، وللحنفية أقوال ثلاثة، والمراد إن أمكن، وإلا
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: وإن ماتت امرأة حامل حرم شق جوفها، نص عليه، فإن احتملت حياته أدخل النساء أيديهن في فرجها، فأخرجته، فإن تعذر فاختار ابن هبيرة يشق "ويخرج" والمذهب: لا، فعنه يفعل ذلك الرجال، والمحارم أولى، اختاره أبو بكر وصاحب المحرر. كمداواة الحي، والأشهر: لا، انتهى. الأشهر هو الصحيح من المذهب، أعني، وإنما يفعل ذلك النساء لا غير، اختاره القاضي وصاحب المغني3، والتلخيص والشرح4 وغيرهم. وقدمه في الرعايتين والحاويين وغيرهم.
والرواية الثانية: اختارها أبو بكر والمجد وغيرهما، وأطلقهما ابن تميم.
فهذه سبع مسائل في هذا الباب.
ـــــــ
1 بعدها في الأصل: "ولا يوضع حتى يموت".
2 في الأصل و"ب": "تميم".
3 3/513.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/252.

(3/394)


معناه1، كما سبق فيما إذا اشتبه مسلم بكافر2 ويجعل ظهرها إلى القبلة على جنبها الأيسر، ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جنبه الأيمن، ولم يذكره الحنفية، ولا يصلى عليه "و" لأنه ليس بمولود ولا سقط، وذكر بعضهم: يصلى عليه إن مضى زمن تصويره، ولعل مراده إذا انفصل، لكن علل في الفصول عدم الصلاة عليه بأنا لا نتحقق حملا في بطنها، والصلاة لا يدخل فيها مع الشك في سببها: واختار الآجري: تدفن بجنب قبور المسلمين، وأن المروذي قال: كلام أحمد يدل: لا بأس به معنا3؛ لما في بطنها.
ويصلى على مسلمة حامل وحملها بعد مضي زمن تصويره، وإلا عليها دونه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "منعنا".
2 ص 359.
3 في "س": "معنى".

(3/395)


باب ما يفعله المصاب وما يفعل معه لأجل المصيبة
مدخل
...
باب ما يفعله المصاب وما يفعل معه لأجل المصيبة
يستحب للمصاب أن يسترجع "و" فيقول: {إِنَّا لِلَّهِ} ، أي نحن عبيده يفعل بنا ما يشاء { وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]، أي نحن مقرون بالبعث والجزاء على أعمالنا. "اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها". أجرني مقصور و "قيل" ممدود وأخلف بقطع الهمزة وكسر اللام، يقال لمن ذهب منه ما1 يتوقع مثله: أخلف الله عليك، أي رد عليك مثله، ومن ذهب منه ما لا يتوقع مثله: خلف الله عليك، أي كان الله خليفة منه عليك قال الآجري وجماعة: ويصلي ركعتين، وهو متجه، فعله ابن عباس وقرأ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} 2 [البقرة: 45]. ولم يذكرها جماعة.
ولأحمد وأبي داود3، عن حذيفة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى. ولمسلم4 عن أم سلمة مرفوعا: "إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون". فلما مات أبو سلمة قال: "قولي: اللهم اغفر لي وله واعقبني منه عقبى حسنة".
ويصبر والصبر الحبس ويجب منه ما يمنعه عن محرم، وقد سبق في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "ما لا".
2 أخرجه الطبري في "تفسيره" 1/260.
3 أحمد في "مسنده" "23299"، وأبو داود "1319".
4 في صحيحه "919" "6".

(3/396)


الفصل الثالث من كتاب الجنائز1. قال شيخنا: عمل القلب كالصبر والتوكل والخوف والرجاء وما يتبع ذلك واجب باتفاق الأئمة الأربعة، قال: ولم يأمر الشرع بالحزن، بل نهى عنه في مواضع، وإن تعلق بأمر الدين، لكن لا يذم ولا يحمد عليه لمجرده، ولا يلزم الرضاء بمرض وفقر وعاهة، خلافا لابن عقيل، ويحرم الرضا بما فعله العبد من كفر ومعصية، ذكره ابن عقيل "ع". وذكر شيخنا وجها: لا يرضى2 بذلك؛ لأنها من المقضي، قال: وقيل: يرضى بها من جهة كونها خلقا لله، لا من جهة كونها فعلا للعبد، قال: وكثير من النساك والصوفية ومن أهل الكلام حيث رأوا أن الله خالق كل شيء وربه اعتقدوا أن ذلك يوجب الرضا، والمحبة لكل ذلك3، حتى وقعوا في قول المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148]، الآية، وغفلوا عن كون الخالق نهى عن ذلك وأبغضه، وسبب ذلك اشتباه مسألة الشرع والقدر، ويتمسكون بالإجماع على الرضا بقضاء الله، وهذا كلام مجمل يتمسك به القدرية المشركية.
ـــــــ
1 ص 256.
2 في "ب" و"س" و"ط": "لا يرضى".
3 في "س": "شيء".

(3/397)


وأما القدرية المجوسية فنفوا أن الله قدره وقضاه وإلا للزم الرضاء بكل مقتضى "به، والرضاء بالكفر كفر بالإجماع، قال: والتحقيق أنه ليس في الكتاب والسنة نص يأمر فيه بالرضاء" ولا قاله أحد من السلف، وأما ما في كلام العلماء والآثار من الرضى بالقضاء فإنما أرادوا ما ليس من فعل العباد؛ ولأنه إذا لم يجب الصبر على ذلك، بل تجب إزالته بحسب الإمكان، فالرضاء أولى.
ثم ذكر شيخنا: أنه إذا نظر إلى1 إحداث الرب لذلك، للحكمة التي يحبها ويرضاها، رضي لله بما رضيه لنفسه، فيرضاه ويحبه مفعولا مخلوقا لله. ويبغضه ويكرهه فعلا للمذنب المخالف لأمر الله، وهذا كما نقول فيما خلقه من الأجسام الخبيثة، قال: فمن فهم هذا الموضع انكشف له حقيقة هذا الأمر الذي حارت فيه العقول، والله أعلم2.
قال ابن الجوزي: والصبر على العافية أشد؛ لأنه لا يتم إلا بالقيام بحق الشكر.
قال ابن عقيل وغيره: وتهون المصيبة بالنظر إلى جلال من صدرت منه وحكمته وملكه. وقال ابن الجوزي في قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ} [الحديد: 22] اعلم أن من علم أن ما قضي لا بد أن يصيبه قل حزنه وفرحه3. قال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن4 من لم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "في".
2 فتاوي ابن تيمية 10/683.
3 زاد المسير 8/173.
4 بعدها في "س": "كل".

(3/398)


يمش مع القدر، لم يتهن بعيش، وليعلم قوله عليه السلام: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" 1، وقوله عليه السلام: "الدنيا دار بلاء، فمن ابتلي فليصبر، ومن عوفي فليشكر" 2، وقوله: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون الأمثل فالأمثل" 3. ومن نظر في سير الأنبياء وسادات أتباعهم وجد منهم من كابد النار وذبح الولد كإبراهيم، ومنهم من صبر على الفقر وقاسى من قومه المحن، ومنهم من بلي4 الزمن الطويل، من نظر في ذلك وفي كون مصيبته لم تكن في دينه هانت عليه مصيبته بلا شك، وتسلى بهم وتأسى، وليعلم الإنسان قوله عليه السلام: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" 5. وقوله تعالى: عن يونس {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143]، وعن فرعون {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91]. ومن قصيدة ابن هانئ6 التي رثى بها ولده:
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه مسلم "2956" "1"، من حديث أبي هريرة.
2 أورده العجلوني في "كشف الخفاء" 1/494. وعزاه إلى الديلمي، من حديث معاوية.
3 أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 24/246 من حديث فاطمة عمة أبي عبيدة بن حذيفة.
4 في "س" و"ب": "بكى".
5 أخرجه أحمد "2669"، والترمذي "2516"، من حديث ابن عباس.
6 هو: الشاعر أبو الحسن محمد بن هانئ الأزدي المهبلي الأندلسي "ت 362 هـ". "سير أعلام النبلاء" 16/131.

(3/399)


ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
وكان شيخنا يتمثل بهذين البيتين كثيرا، فالعجب ممن يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللسع، وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع. وقد قيل:
وما استغربت عيني فراقا رأيته ... ولا علمتني غير ما القلب عالمه
قال ابن الجوزي: من تأمل حقائق الأشياء رأى الابتلاء عاما والأغراض منعكسة وعلى هذا وضع هذه الدار، فمن طلب نيل غرضه من هذه الدار فقد رام ما لم توضع له، بل ينبغي أن يوطن نفسه على المكروهات، فإن جاءت راحة عدها عجبا.
ولا يكره البكاء عليه، ولو بعد موته "م ش" لكثرة الأخبار1، وأخبار النهي2 محمولة على بكاء معه ندب أو نياحة، قال صاحب المحرر: وإنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياما، ويتوجه احتمال: يحمل النهي بعد الموت على ترك الأولى، وقد قيل:
عجبت لمن يبكي على فقد غيره ... دموعا ولا يبكي على فقده دما
وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره ... عظيما وفي عينيه عن عيبه عمى
قال جماعة: والصبر عنه أجمل. وذكر شيخنا أنه يستحب، رحمة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 منها بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم حين كان يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان... ثم قال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا..." الحديث أخرجه البخاري "1303"، ومسلم "2315" "12"، من حديث أنس.
2 كقوله صلى الله عليه وسلم: "عن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" . أخرجه البخاري "1286"، ومسلم "927" "16"، من حديث ابن عمر.

(3/400)


للميت، وأنه أكمل من الفرح، كفرح الفضيل لما مات ابنه علي، وفي الصحيحين1: لما فاضت عيناه عليه السلام لما رفع إليه ابن بنته ونفسه تقعقع كأنها في شنة، أي لها صوت وحشرجة كصوت ماء ألقي في قربة بالية، قال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" .
ويحرم الندب والنياحة، نص عليهما، والصراخ، وخمش الوجه، ونتف الشعر ونشره، وشق الثوب، ولطم الخدود، ونحوه "و" زاد جماعة: والتحفي، قال في الفصول: يحرم النحيب والتعداد والنياحة وإظهار الجزع، وذكره ابن عبد البر في النياحة "ع" وأطلق بعضهم الكراهة؛ لأنه نهى عن النياحة، فقالت أم عطية: إلا ال فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بد لي من أن أسعدهم، فقال: "إلا آل فلان". متفق عليه2. وهو خاص بها، لخبر أنس: "لا إسعاد في الإسلام" . رواه أحمد3؛ ولأنه معتاد فيه ما يحرم، ولم ينهها مع حداثتها بالإسلام، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وعنه: يكره الندب والنوح الذي ليس فيه إلا تعداد
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "1284"، ومسلم "923" "11"، من حديث أسامة بن زيد.
2 أخرجه البخاري "1306" مختصرا، ومسلم "936" "33" بطوله.
3 في مسنده "13032".

(3/401)


المحاسن بصدق، وذكر الشيخ أن عن أحمد ما يدل على إباحتهما، وأنه اختيار الخلال وصاحبه، وجزم صاحب المحرر أنه لا بأس بيسير الندب إذا كان صدقا، ولم يخرج مخرج النوح، ولا قصد نظمه، نص عليه، كفعل أبي بكر1 وفاطمة2 رضي الله عنهما.
وجاءت الأخبار المتفق على صحتها بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه3، فحمله ابن حامد على ما إذا أوصى به؛ لأن عادة العرب الوصية بفعله، فخرج على عادتهم، في شرح مسلم: هو قول الجمهور4، وهو ضعيف، فإن سياق الخبر يخالفه، ويأتي في آخر الباب5. وحمله الأثرم على من كذب به حتى يموت.
وقيل: يتأذى بذلك مطلقا، واختاره شيخنا، وقيل: يعذب. وقال في التلخيص: يتأذى بذلك إن لم يوص بتركه، كما كان السلف يوصون، ولم يعتبر كون النياحة عادة أهله.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج البخاري "4454"، عن عبد الله بن عباس قال: فقال أبو بكر: أما بعد، من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، قال الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
2 أخرج البخاري "4462"، عن أنس: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه، فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" . فلما مات، قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأمواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه...
3 تقدم تخريجه ص 194.
4 في "س": "جمهور العلماء".
5 ص 407.

(3/402)


واختار صاحب المحرر أن من هو عادة أهله ولم يوص بتركه عذب، لأنه متى ظن وقوعه ولم يوص فقد رضي ولم ينه مع قدرته.
وما هيج المصيبة من وعظ وإنشاد شعر فمن النياحة، قاله شيخنا، ومعناه لابن عقيل في الفنون، فإنه لما توفي ابنه عقيل قرأ قارئ: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78]، فبكى ابن عقيل وبكى الناس فقال للقارئ: يا هذا إن كنت تهيج الحزن فهو نياحة بالقرآن، ولم ينزل للنوح بل له لتسكين الأحزان.
ولا بأس أن يجعل المصاب على رأسه ثوبا، والمراد علامة ليعرف بها فيعزى. وقال ابن الجوزي: يكره لبسه خلاف زيه المعتاد، وقيل: يكره له تغيير حاله: من خلع ردائه ونعله وتغليق حانوته، وتعطيل معاشه، وقيل: لا، وسئل أحمد "رحمه الله" يوم مات بشر عن مسألة فقال: ليس هذا يوم جواب، هذا يوم حزن.
قال صاحب المحرر: لا بأس بهجر المصاب للزينة وحسن الثياب ثلاثة أيام.

(3/403)


فصل: يستحب تعزية أهل المصيبة حتى الصغير ولو بعد الدفن
"هـ" كذا ذكره جماعة من أصحابنا، والشافعية مذهب أبي حنيفة، ومذهبه كما يأتي1. وفي الخلاف: بعده أولى، للإياس التام منه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 404.

(3/403)


ويكره لامرأة شابة أجنبية للفتنة، ويتوجه فيه ما في تشميتها إذا عطست ويعزى من شق ثوبه، نص عليه، لزوال المحرم وهو الشق، ويكره استدامة لبسه، ولم يحد جماعة آخر وقت التعزية، منهم الشيخ، فظاهره يستحب مطلقا، وهو ظاهر الخبر1، ولأحمد عن معاوية بن قرة2، عن أبيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة، لذكر ابنه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "ما لي لا أرى فلانا" ؟ قالوا: يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي عليه السلام، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه. وذكر تمام الحديث3. وفي المستوعب وغيره: يستحب إلى ثلاثة أيام، وذكر ابن شهاب والآمدي وأبو الفرج وغيرهم، يكره بعدها "و هـ ش" لتهييج الحزن، واختاره صاحب المحرر، لإذن الشارع في الإحداد فيها. وقال: لم أجد في آخرها كلاما لأصحابنا. وقال أبو المعالي: اتفقوا على كراهته بعدها، ولا يبعد تشبيهها بالإحداد على الميت. وقال: إلا أن يكون غائبا فلا بأس بتعزيته إذا حضر، واختاره صاحب "النظم"، وزاد: ما لم تنس المصيبة، وقيل: آخرها يوم الدفن "م 1".
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ولم يحد جماعة آخر وقت التعزية، منهم الشيخ، فظاهره: يستحب مطلقا، وهو ظاهر الخبر. وفي المستوعب وغيره: يستحب إلى ثلاثه أيام،
ـــــــ
1 أخرج ابن ماجه "1601"، عن محمد بن عمرو بن حزم: "ما من مؤمن أخاه بمصيبة، إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة" .
2 هو: أبو إياس البصري، والد إياس بن معاوية. "ت 113 هـ". "تهذيب الكمال" 28/210.
3 أخرجه بلفظه النسائي في "المجتبى" 4/118، وبنحوه أحمد في "مسنده" "15595".

(3/404)


وهي التسلية، والحث على الصبر بوعد الأجر والدعاء للميت والمصاب، ولا تعيين في ذلك، وإن شاء قال: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وعزى أحمد رجلا فقال: أجرنا الله وإياك في هذا الرجل وعزى أبا طالب فقال: أعظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم.
وفي تعزية أهل الذمة خلاف يأتي في أحكامهم1.
ويدعو له بما يرجع إلى طول الحياة وكثرة المال والولد. وفي التبصرة: ويقول: وأحسن عزاءك، وقيل: لا يعزى مسلم عن كافر، وهو رواية في الرعاية.
ولا يدعو لكافر حي بالأجر، ولا لكافر ميت بالمغفرة، وروي أنه مات لعمر بن عبد العزيز أخت، فأتوه للتعزية فلم يقبلها منهم: وقال: كانوا لا يعزون لامرأة إلا أن تكون أما، ومثله عن مالك.
ولم يذكر الأصحاب هل يرد المعزى شيئا؟ ورد أحمد استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك.
ـــــــ
وذكر ابن شهاب والآمدي وأبو الفرج: يكره بعدها... واختاره صاحب المحرر، وقال لم أجد في آخرها كلاما لأصحابنا. وقال أبو المعالي: اتفقوا على كراهته بعدها إلا أن يكون غائبا فلا بأس بتعزيته إذا حضر، واختاره صاحب النظم، وزاد: ما لم تنس المصيبة، وقيل: آخرها يوم الدفن، انتهى. "قلت": الصواب ما قاله في المستوعب، فإنه قطع به هو وابن تميم وصاحب الفائق والحاويين وغيرهم، وقدمه في الرعايتين، وكلام ابن شهاب والآمدي وأبي الفرج والمجد وأبي المعالي لا ينافيه، وتقييد أبي المعالي ومتابعة الناظم له حسن صحيح، وكذلك الخبر الذي ذكره المصنف محتمل لهذا أيضا، وكلام الشيخ وجماعة ليس بنص في ذلك.
ـــــــ
1 10/302.

(3/405)


ومن قال لآخر: عز عني فلانا، توجه أن يقول له: فلان يعزيك، كما يقول: فلان يسلم عليك، أو فلان يقول لك كذا، ويدعو. وقال أحمد للمروذي: عز عني فلانا، قال: فعزيته فقلت له: أعظم الله أجرك.
ولا يكره أخذه بيد من عزاه، نص عليه، وعنه: الواقف، وكرهه عبد الوهاب الوراق. وقال الخلال: أحب أن لا يفعله، وكرهه أبو حفص عند القبر، ولم ير أحمد لمن جاءته التعزية في كتاب ردها كتابة بل يردها على الرسول لفظا.
ويكره تكرار التعزية، نص عليه، فلا يعزى عند القبر من عزي. ويكره الجلوس لها، نص عليه، واختاره الأكثر "و م ش" وعنه: ما ينبغي، وعنه: ما يعجبني، وعنه: الرخصة؛ لأنه عزى وجلس، قال الخلال: سهل أحمد في الجلوس إليهم في غير موضع، ونقل عنه: المنع، وعنه: الرخصة لأهل الميت، نقله حنبل، اختاره صاحب المحرر، ومعناه اختيار أبي حفص، وعنه: ولغيرهم خوف شدة الجزع، وقال: أما المبيت عندهم فأكرهه. وقال: الآجري: يأثم إن لم يمنع أهله، وفي الفصول: يكره الاجتماع بعد خروج الروح؛ لأن فيه تهييجا للحزن.
ولا بأس بالجلوس بقرب دار الميت ليتبع الجنازة أو يخرج وليه فيعزيه، فعله السلف، وفي الصحيحين1: أن ابن عمر جاء ينتظر جنازة أم أبان ابن عثمان2، وابن أبي مليكة إلى جانبه، فجاء ابن عباس وقائد يقوده،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "1286"، مسلم "928" "22"، وهو عند أحمد برقم "288".
2 هي: أم عمرو بنت جندب بن عمرو الأزدية، تزوجها عثمان بن عفان فولدت له: عمرا وخالدا، وأبان، وعمر، ومريم. "البداية والنهاية" 10/398.

(3/406)


فجلس إلى جانب ابن أبي مليكة، قال ابن أبي مليكة: فكنت بينهما ففيه مفضول بين فاضلين، لكن قضية في عين يحتمل العذر وغيره قال ابن أبي مليكة: فإذا صوت من الدار، فقال ابن عمر كأنه يعرض على عمرو بن عثمان أن يقوم فينهاهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله" . فقال ابن عباس: كنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وذكر الحديث، إلى أن قال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" : قاله محتجا على صهيب، فإن عمر لما أصيب جاء صهيب فقال: وا أخاه، وا صاحباه، وفي تتمته أن عائشة قالت: والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يعذب ببكاء أحد" ولكن قال: "إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا" وقالت عن عمر وابنه: إنكم لتحدثوني1 عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ.
وذكر الحنفية: لا بأس بجلوسهم في البيت أو المسجد والناس يأتونهم للتعزية، وأنه يكره الجلوس على باب الدار، وأن ما يصنع في بلاد العجم من فرش البسط والقيام على الطرق من أقبح القبائح، وكرهها بعض الحنفية في المسجد لا في غيره، مع أن تركه أحسن، وأنهم يمنعون القراء ولا يعطونهم، وادعى بعضهم أن مذهب مالك لا يكره جلوسهم لها.
ويستحب صنع طعام يبعث به إليهم، زاد صاحب المحرر وغيره: مدة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في النسخ الخطية و"ط": "لتحدثون"، والتصويب من مصادر التخريج.

(3/407)


الثلاث، للنهي عن الإحداد بعد ثلاث، وأنه إنما يستحب إذا قصد به أهله، فأما لمن يجتمع عندهم فيكره، للمساعدة على المكروه.
ويكره صنيع أهل الميت الطعام "و ش" زاد الشيخ وغيره: إلا لحاجة، وقيل: يحرم "و هـ"، وكرهه أحمد. وقال: ما يعجبني، ونقل جعفر: لم يرخص لهم، ونقل المروذي: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره شديدا، ولأحمد وغيره1 - وإسناده ثقات - عن جرير رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام بعد دفنه من النياحة، وكره أحمد الذبح عند القبر وأكل ذلك، لخبر أنس: "لا عقر في الإسلام" . حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود2 وقال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة.
وقال أحمد في رواية المروذي: كانوا إذا مات لهم الميت نحروا جزورا، فنهى عليه السلام "عن ذلك" وفسره غير واحد بعد ذلك بمعاقرة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد في "مسنده" "6905"، وابن ماجه "1612".
2 أحمد "13032"، أبو داود "3222".

(3/408)


الأعراب يتبارى، رجلان في الكرم، فيعقر هذا، ويعقر هذا، حتى يغلب أحدهما الآخر، فيكون مما أهل لغير الله به كذا قاله ابن معين، ذكره البيهقي1، وهذا غير هذا، جزم الأئمة بالتفرقة بينهما، وتبعهم أهل غريب الحديث.
وحديث النهي عن معاقرة الأعراب رواه أبو داود2: ثنا هارون بن عبد الله3، ثنا حماد بن مسعدة4، عن عوف5، عن أبي ريحانة6، عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب، حديث حسن، وذكره في المختارة، قال أبو داود: وقفه غندر على ابن عباس،. ولأبي داود7 عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء8، عن أبيه، عن جرير بن حازم9،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في السنن الكبرى 4/57.
2 في سننه "2820".
3 هو أبو موسى، الملقب بالحمال، الإمام، الحجة، الحافظ، والمجود، البغدادي، التاجر البزاز. "ت 243 هـ". "سير أعلام النبلاء" 12/115.
4 هو: أبو سعيد التميمي، ويقال: الباهلي، مولاهم البصري. "ت 202 هـ". "سير أعلام النبلاء" 9/356.
5 هو: عوف بن أبي جميلة، الإمام، الحافظ، أبو سهل الأعرابي، البصري، ولم يكن أعرابيا بل شهر به. "ت 146 هـ". "سير أعلام النبلاء" 6/383.
6 هو: عبد الله بن مطر، أبو ريحانة السعدي، البصري، تابعي. "تهذيب الكمال". 16/146.
7 في سننه "3754".
8 هو: هارون بن زيد بن يزيد التغلبي، أبو موسى الموصلي، نزيل الرملة. "تهذيب الكمال" 30/84.
9 هو: أبو النضر الأزدي، ثم العتكي البصري، الإمام، الحافظ، الثقة المعمر. "ت 170 هـ". "سير أعلام النبلاء" 7/98.

(3/409)


عن الزبير بن الخريت1، عن عكرمة2، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين. إسناده جيد. قال أبو داود: أكثر من رواه عن جرير لا يذكر ابن عباس. رواه الطبراني3: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني نصر بن علي4: أنبأنا أبي، عن هارون بن موسى5، عن الزبير، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نهى عن طعام المتباريين، ورواه في المختارة، وهو إسناد جيد، ويأتي الذبح لغير الله في آخر الذكاة6. قال جماعة: وفي معنى الذبح عند القبر الصدقة عنده، فإنه محدث، وفيه رياء، ونقل أبو طالب فيها: لم أسمع فيه بشيء، وأكره أن أنهى عن الصدقة، وحرم شيخنا الذبح والتضحية عنده، قيل لأحمد عما تفرقه المجوس على الجيران، مما يصنعونه من لأهل ميتهم، فقال: لا بأس به.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الزبير بن الخريت البصري، أخو الحريش بن الخريت. روى له الجماعة سوى النسائي. "تهذيب الكمال" 9/301.
2 هو: عكرمة القرشي الهاشمي، أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عباس، أصله من البربر من أهل المغرب "ت 105 هـ". "تهذيب الكمال" 20/264.
3 في المعجم الكبير 11/340.
4 هو: نصر بن علي بن نصر الأزدي، الجهضمي، أبو عمرو البصري الصغير. "ت 250 هـ". "تهذيب الكمال" 29/355.
5 هو: هارون بن موسى الأزدي، العتكي، مولاهم، أبو عبد الله، النحوي، البصري، الأعور، صاحب القراءة. "تهذيب الكمال" 30/115.
6 10/366.

(3/410)


باب زيارة القبور وإهداء القرب وما يتعلق بذلك
مدخل
...
باب زيارة القبور وإهداء القرب وما يتعلق بذلك
يستحب للرجال زيارة القبور، نص عليه "و". وذكره بعضهم "ع" لأمر الشارع به، وإن كان بعد حظر، لأنه عليه السلام علله بتذكر الموت والآخرة1. ونقل أبو طالب أن رجلا سأل أحمد: كيف يرق قلبي؟ قال: ادخل المقبرة، امسح رأس يتيم. وعنه: لا بأس، ومثله كلام الخرقي و2 غير واحد وأخذ غير واحد من كلام الخرقي الإباحة، وسأله أبو داود عن زيارتها للنساء، قال: لا، قلت: فالرجل أيسر؟ قال نعم. وفي الرعاية: يكره الإكثار، ويكره للمرأة، وعنه: لا؛ لأن عائشة زارت وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارتها ثم أمر3. رواه الأثرم، واحتج به أحمد، وعنه: يحرم، كما لو علمت أنه يقع منها محرم، ذكره صاحب المحرر مع تأثيمه بظن وقوع النوح، ولا فرق، ولم يحرم هو وغيره دخول الحمام إلا مع العلم بالمحرم.
وأما الجموع للزيارة، كما 4"هو معتاد"4 فبدعة. وقال ابن عقيل: أبرأ إلى الله منه، وكلامه في آداب القراءة: من الآداب الشرعية5. قال
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "976" "108"، عن أبي هريرة، قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله. فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكر الموت" . وفي مسلم "977" "106"، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها" الحديث.
2 ليست في "ط".
3 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 4/78.
4 في "ط": "هي معتادة".
5 2/309.

(3/411)


صاحب المحرر وغيره: و1 تجوز زيارة قبر المشرك والوقوف، لزيارته عليه السلام قبر أمه2، وكان بعد الفتح، ونزل قوله تعالى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] بسبب عبد الله بن أبي في آخر التاسعة، لكن المراد عند أكثر المفسرين القيام للدعاء والاستغفار3. وقال شيخنا: تجوز زيارته للاعتبار4. وقال: ولا يمنع الكافر زيارة قريبه المسلم، ويقف الزائر أمام القبر، وعنه: حيث شاء، وعنه: قعوده كقيامه، وذكره أبو المعالي، وينبغي أن يقرب منه، كزيارته حيا، ذكره في الوسيلة والتلخيص، ويجوز لمس القبر باليد، وعنه: يكره؛ لأن القرب يتلقى من التوقيف، ولم يرد به سنة؛ ولأنه عادة أهل الكتاب، وعن الشافعية5 كهذا6، وعن الحنفية مثله والذي قبله، وعنه: يستحب، صححها أبو الحسين في التمام، لأنه يشبه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 تقدم في الصفحة السابقة.
3 انظر: تفسير القرطبي 8/223 عند تفسير قوله تعالى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. والحديث أخرجه البخاري "1269"، ومسلم "2400" "25"، من حديث ابن عمر.
4 بعدها في "ط": "و".
5 في "ب": "الشافعي".
6 في الأصل و"س": "هكذا".

(3/412)


مصافحة الحي، لا سيما ممن ترجى بركته.
وفي الوسيلة: هل يستحب عند فراغ دفنه وضع يده عليه وجلوسه على جانبيه؟ فيه روايتان، ويستحب إذا زارها أو مر بها أن يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين أو أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم" 1. وفي ذلك أن اسم، الدار يقع على المقابر، وإطلاق الأهل على ساكني المكان من حي وميت.
ودعا عليه السلام لأهل البقيع فقال: "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد"2 . سمي به لغرقد كان فيه، وهو ما عظم من العوسج. وقيل: كل شجر له شوك، قال جماعة: السلام هنا معرف، ونص عليه أحمد، لأنه أشهر في الإخبار، ورواه مسلم3 من رواية أبي هريرة وبريدة4، والتنكير في طرق لأحمد5 من رواية أبي هريرة وعائشة، وذكر جماعة تنكيره، ونص عليه، وخيره صاحب المحرر وغيره، وذكره بعضهم نصا، وكذا السلام على الأحياء، على ما ذكره غير واحد، وعنه: تعريفه أفضل، قال صاحب النظم: كالرد، وقيل: تنكيره، قاله ابن عقيل؛ لأنه روي عن عائشة. وقال ابن البنا: سلام التحية منكر وسلام الوداع معرف، وإنما قال عليه السلام:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 وهو نص حديث أخرجه مسلم "975" "104"، من حديث بريدة.
2 أخرجه مسلم "974" "102"، من حديث عائشة.
3 في صحيحه "249" "39"، من حديث أبي هريرة، "977" "106"، من حديث بريدة.
4 هو: أبو سهل، بريدة بن الحصيب الأسلمي. له صحبة. أسلم قبل بدر. "ت 44 هـ". "تقريب التهذيب" ص 60.
5 في مسنده "7993"، من حديث أبي هريرة و "24425"، من حديث عائشة.

(3/413)


1 "عليك السلام1 تحية الموتى" 2. على عاداتهم في تحية الأموات يقدمون اسم الميت على الدعاء، ذكره صاحب المحرر، وفعلوا ذلك لأن المسلم على قوم يتوقع3 جوابا، والميت لا يتوقع منه، فجعلوا السلام عليه كالجواب، وهذا في الدعاء بالخير والمدح، ويقدم الضمير في الشر والذم كقوله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح: 6]، {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي} [ص: 78]، وفي الصحيح أن ابن عمر مر بابن الزبير وهو مقتول فقال: السلام عليك أبا خبيب، وكرره ثلاثا4. فدل أنه كالسلام على الحي وأن الأول أفضل، وفيه السلام على من لم يدفن، وورد تكراره في الحي في المتهاجرين5، وفي سلام ابن جابر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 أخرجه أحمد "7993"، والترمذي "2721"، والنسائي في "الكبرى" "10151"، عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه.
3 في النسخ الخطية: "يتوقعه"، والمثبت من "ط".
4 أخرجه مسلم "2545" "229"، من حديث أبي نوفل.
5 ليست في الأصل.

(3/414)


ويسمع الميت الكلام، ولأحمد1 من حديث سفيان عمن سمع أنسا عنه مرفوعا: "إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيرا استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا" ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده2 عن جابر مرفوعا، وهو ضعيف، 3"قال أحمد"3: يعرف زائره يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس: وفي الغنية: يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد، وأطلق أبو محمد البربهاري من متقدمي أصحابنا أنه يعرفه. وقال ابن الجوزي في كتابه السر المصون: الذي يوجبه القرآن والنظر أن الميت لا يسمع ولا يحس، قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]. ومعلوم أن آلات الحس قد فقدت، وأجاب عن خلاف هذا برد الأرواح، والتعذيب عنده وعند ابن عقيل على الروح فقط، وعند القاضي يعذب البدن أيضا وأن الله يخلق فيه إدراكا. وقال ابن الجوزي أيضا: ومن الجائز أن يجعل البدن معلقا بالروح فيعذب في القبر. وفي الإفصاح في حديث بريدة في السلام على أهل المقابر4. قال: فيه وجوب الإيمان بأن الموتى يسمعون سلام المسلم عليهم، وأنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمر بالسلام على قوم لا يسمعون.
قال شيخنا: استفاضت الآثار بمعرفته بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في مسنده "12683".
2 برقم "1794".
3 ليست في الأصل.
4 تقدم تخريجه ص 413.

(3/415)


وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار بأنه يرى أيضا وبأنه يدري بما يفعل1 عنده، ويسر2 بما كان حسنا، ويتألم بما كان قبيحا، وكان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملا أخزى به عند عبد الله بن رواحة، وهو ابن عمه3. ولما دفن عمر عند عائشة كانت تستتر منه وتقول: إنما كان أبي وزوجي، وأما عمر فأجنبي4. تعني أنه يراها.
ويكره الحديث عند القبور والمشي بالنعل، ويستحب خلعه إلا خوف نجاسة أو شوك ونحوه، نص على ذلك، واحتج بخبر بشير بن الخصاصية5،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "يعقد".
2 في الأصل: "يسن".
3 أخرجه ابن المبارك في "الزهد" من زيادات نعيم بن حماد ص 42 رقم "165".
4 أخرجه أحمد "25718"، والحاكم في "المستدرك" 3/61.
5 هو بشير بن معبد، يعرف بابن الخصاصية، واسمها: أم ضبارى، وكان اسمه في الجاهلية زحما، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: بشيرا. له صحبة. "أسد الغابة" 1/229، و"الإصابة" 1/236.

(3/416)


وفي التمشك "*" ونحوه وجهان، نظرا إلى المعنى، والقصر على النص "م 1"،
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وفي التمشك ونحوه وجهان، نظرا إلى المعنى، والقصر على النص، انتهى، وأطلقهما في المغني1 والشرح2 والرعايتين والحاويين والنكت والفائق وغيرهم:
أحدهما: لا يكره، وهو الصحيح، اختاره القاضي وغيره، وجزم به في المستوعب وشرح الخرقي للأصفهاني وغيرهما، وقدمه الزركشي 3"وغيره"3، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره.
والوجه الثاني: يكره "قلت": وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، كغيره من النعال، وهو الصواب، وقدمه ابن رزين في شرحه، وقال عن القول بعدم الكراهة: ليس بشيء.
"*" تنبيه: التمشك بضم التاء4 المثناة من فوق وضم الميم أيضا 5"وسكون الكاف"5،
ـــــــ
1 3/515.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/238.
3 ليست في "ح".
4 ليست في "ط".
5 لعلها: "وسكون الشين وبعدها الكاف".

(3/417)


وعنه: لا يستحب خلع النعل، كالخف.
ويكره الاتكاء إليه والجلوس والوطء عليه، للأخبار1، ويروى عن ابن مسعود2 وابن عمر3 وأبي بكرة4. وفي تعليق القاضي: لا يجوز، كالتخلي عليه، وفيه وفي نهاية الأزجي5: يكره.
ويكره التخلي بينهما6، وكرهه أحمد. زاد حرب: كراهة شديدة. وفي الفصول: حرمته باقية، ولهذا يمنع من جميع ما يؤذي الحي أن ينال به، كتقريب النجاسة منه. وفي الكافي7 وغيره: له المشي عليه ليصل إلى من يزوره، للحاجة، وفعله أحمد، وسأله عبد الله: يكره دوسه وتخطيه؟ فقال:
ـــــــ
نوع من النعال8 مشهور الاسم عند أهل بغداد، قاله ابن نصر الله في حواشيه.
ـــــــ
1 أخرج مسلم "972" "97"، عن أبي مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها". وأخرج الترمذي "1052"، عن جابر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ. وعن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور، وأن يكتب عليها. "الموطأ" 1/233.
2 أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" "6512"، وابن أبي شيبة، في مصنفه 3/338، عن ابن مسعود قال: لأن أطأ على حجر الغضا أحب إلي من أطأ على قبر رجل مسلم.
3 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/338، عن عبد الله قال: لأن أطأ على جمرة حتى تطفأ أحب إلي من أن أطأ على قبر.
4 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/338، عن أبي بكرة قال: لأن أطأ على جمرة حتى تطفأ أحب إلي من أن أطأ على قبر.
5 في الأصل: "والآجري".
6 في الأصل و"ط": "بينهما".
7 2/82.
8 تصحفت في "ح" إلى: "البغال".

(3/418)


نعم يكره دوسه، ولم يكره الآجري توسده، لفعل علي رواه مالك1 بلاغا. وفيه: أنه كان يضطجع عليها، فيتوجه مثله الجلوس، وللبخاري2: أن ابن عمر كان يجلس عليها، وأن يزيد3 بن ثابت قال: إنما كره ذلك لمن أحدث عليه، وهو محمول على التحريم جمعا.
ـــــــ
1 في موطئه 1/233.
2 في صحيحه معلقا قبل حديث "1361".
3 في النسخ الخطية و"ط": "زيد"، والمثبت من المرجع.

(3/419)


فصل: لا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة،
نص عليه، اختاره أبو بكر والقاضي وجماعة، وهو المذهب "و ش" وعليه العمل عند مشايخ الحنفية، فقيل: تباح، وقيل: تستحب، قال ابن تميم: نص عليه "م 2" كالسلام والذكر والدعاء والاستغفار، وعنه: لا تكره وقت دفنه، وعنه: تكره، اختاره
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: لا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة، نص عليه، وهو المذهب، فقيل: تباح، وقيل: تستحب، قال ابن تميم: نص عليه، انتهى:
أحدهما: يستحب، قال في الفائق: تستحب القراءة على القبر، نص عليه أخيرا، انتهى، وتقدم كلام ابن تميم و4 نقل المصنف.
والقول الثاني: يباح، قال في الرعاية الكبرى: وتباح القراءة على القبر، نص عليه، قال في المغني5 والشرح6 وشرح ابن رزين لا بأس بالقراءة عند القبر، وقدم الإباحة في الرعاية الصغرى والحاويين. قلت: وهو الصواب.
ـــــــ
4 في "ط": "في".
5 3/518.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/255.

(3/419)


عبد الوهاب الوراق1 وأبو حفص "و هـ م" قال شيخنا: نقلها الجماعة، وهو قول جمهور السلف، وعليها قدماء أصحابه، وسمى المروذي، وعلله أبو الوفاء وأبو المعالي بأنها مدفن النجاسة2، كالحش3. قال ابن عقيل: أبو حفص يغلب الحظر، كذا قال، وصح عن ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها4؛ فلهذا رجع أحمد عن الكراهة. وقال الخلال وصاحبه: المذهب رواية واحدة لا يكره. وقال صاحب المحرر على رواية الكراهة: شدد أحمد حتى قال: لا يقرأ فيها في صلاة جنازة، ونقل المروذي فيمن نذر أن يقرأ عند قبر أبيه: يكفر5 عن يمينه ولا يقرأ، ويتوجه: يقرأ إلا6 عند القبر، وله نظائر في المذهب، كنذر الطواف على أربع، وذكر غير واحد فيمن نذر طاعة على صفة لا تتعين، يأتي بالطاعة، وفي الكفارة لترك الصفة وجهان، فتشمل هذه المسألة، ودلت رواية المروذي على إلغاء الموصوف لإلغاء صفته في النذر، وهو غريب، وعنه: بدعة؛ لأنه ليس من فعله عليه السلام وفعل أصحابه، فعلم أنه محدث، وسأله عبد الله: يحمل مصحفا إلى القبر فيقرأ7 فيه عليه؟ قال: بدعة.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 هو أبو الحسن، عبد الوهاب بن الحكم الوراق، من خواص الإمام أحمد. قال الدار قطني: عبد الوهاب بن عبد الحكم بغدادي ثقة. مات ببغداد سنة 251 ه. "تاريخ بغداد" 11/25.
2 في الأصل: "النجاس".
3 الحش: البستان. وبيت الحش مجاز؛ لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البستان، فلما اتخذوا الكنف، وجعلوها خلفا عنها، أطلقوا عليها ذلك الاسم. "المصباح": "حش".
4 أخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" "2174".
5 بعدها في "ط": "عن".
6 ليست في "ط"، وفي "ب": "لا".
7 بعدها في "ط": "فيه".

(3/420)


قال شيخنا: ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين: إن القراءة عند القبر أفضل، ولا رخص في اتخاذه عيدا كاعتياد القراءة عنده في وقت معلوم، أو الذكر أو الصيام، قال: واتخاذ المصاحف عندها ولو للقراءة1 بدعة، ولو نفع الميت لفعله السلف، بل هو كالقراءة في المساجد عند السلف، ولا أجر للميت بالقراءة عنده، كمستمع. وقال أيضا: من قال: إنه ينتفع بسماعها دون ما إذا بعد القارئ فقوله باطل، مخالف للإجماع، كذا قال، ويتأذى الميت بالمنكر عنده، نص عليه، وذكره أبو المعالي، واحتج أبو المعالي بخبر ابن عباس: "جنبوه جار السوء" 2. وبخبر عائشة "الميت يؤذيه في قبره ما يؤذيه في بيته" 3. ولا يصحان، ولكن قد سبق4: يستحب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "فيها".
2 لم نقف عليه.
3 أورده الديلمي في "مسند الفردوس" "754".
4 ص 387 - 388.

(3/421)


الدفن عند الصالح لتناله بركته، ويسن ما1 يخفف عنه "*"، وإذا تأذى بالمنكر انتفع بالخير، وصرح به جماعة، وظاهره ولو بجعل جريدة رطبة2 في القبر، للخبر3، وأوصى به بريدة. ذكره البخاري4، وفي معناه غرس غيرها، وأنكر ذلك جماعة من العلماء. وكره الحنفية قلع الحشيش الرطب منها، قالوا: لأنه يسبح فربما يأنس الميت بتسبيحه. وفي شرح مسلم أن العلماء استحبوا القراءة عند القبر لخبر الجريدة5؛ لأنه إذا رجا التخفيف لتسبيحها6، فالقراءة أولى، وعن جابر مرفوعا: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجد فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا" . وعن أبي موسى مرفوعا: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت7 الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت" رواهما
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: 8"ويسن يخفف عنه"7 كذا في النسخ. قال شيخنا: لعله: يسن9 ما يخفف عنه.
فهاتان مسألتان في هذا الباب.
ـــــــ
1 ليست في "ب" و"س" و"ط".
2 ليست في الأصل.
3 يأتي بنصه في الحاشية.
4 في صحيحه قبل حديث "1361".
5 في الأصل: "بتسييحها"، وفي "ب": "لتسبيحها"، وفي "ط": "لتسبيحهما".
6 ليست في "س".
7 في "ط": "يسن يخفف".
8 ليست في الأصل.
9 أخرجه البخاري "216"، ومسلم "292"، من حديث ابن عباس.

(3/422)


مسلم1، وقال البراء: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وعنده فرس مربوط، فغشيته سحابة، فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك، فقال: "تلك السكينة تنزلت للقرآن أو تنزلت عند القرآن" . متفق عليه2.
ـــــــ
1 في صحيحه "778" "210"، و"779" "211".
2 البخاري "3614"، مسلم "795" "241".

(3/423)


فصل: كل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها للمسلم نفعه ذلك،
وحصل له الثواب، كالدعاء "ع" والاستغفار "ع" وواجب تدخله النيابة "ع" وصدقة التطوع "ع" وكذا العتق، ذكره القاضي وأصحابه أصلا، وذكره أبو المعالي وشيخنا "ع" وصاحب المحرر "و" وكذا حج التطوع "م ر" وفي المجرد: من حج نفلا عن غيره وقع عمن حج، لعدم إذنه، وكذا القراءة والصلاة والصيام، نقل الكحال3 في الرجل يعمل شيئا من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك ويجعل نصفه لأبيه 4"أو أمه"4: أرجو. وقال: الميت يصل إليه5 كل شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره "م ش هـ ر" وفرقوا بأن صدقة التطوع تصح النيابة فيها، فلهذا لم يقع ثوابه لغيره، ولو تصدق عن نفسه تطوعا ثم أهدى ثوابه لم يصح، وأجاب القاضي وغيره بأن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
3 هو: أبو جعفر، محمد بن يحيى الكحال، من كبار أصحاب أحمد وكان أحمد يقدمه ويكرمه. "المقصد الأرشد" 2/536.
4 ليست في الأصل.
5 بعدها في الأصل: "من".

(3/423)


عتقه عن الميت بلا وصية يقع عن المعتق، بدليل الولاء له ولعصبته، ومع هذا فقد صرف الثواب إلى الميت. وقال صاحب المحرر في العتق: قد صح إهداؤه وإن وقع عن فاعله، فإن أراد القاضي ما قاله صاحب المحرر من نقل ثواب وقع لفاعله لم يسلمه المخالف، وهو محل النزاع، وإن أراد أن الولاء للمعتق والثواب للمعتق عنه بمجرد العتق فليس بجواب، والثاني ظاهر ما ذكروه من الأثر، فكان الحسن والحسين يعتقان عن علي رضي الله عنهم بعد موته1. رواه أبو حفص. وأعتقت عائشة عن أخيها عبد الرحمن بعد موته2. ذكره ابن المنذر، ولم ينقل غير العتق، ونصوص أحمد على هذا، كما يأتي في الفرائض، مع أن صاحب المحرر وغيره جزموا هناك بأن الثواب للمعتق، وكان وجهه أنه3 يتبع الولاء. ولم يذكر في التبصرة خلافه إلا احتمالا، قال: لأن القرب يصل ثوابها إلى الميت، ثم الصوم والصلاة والزكاة والحج والأذان، لا يصح إهداؤه، مع دخول النيابة في بعضها: قال القاضي: ولأن الثواب تبع للفعل، فإذا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/388.
2 أورده السيوطي في "شرح الصدور" ص 309، وقال: أخرج ابن سعد عن القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله عنها اعتقت عن أخيها رقيقا من تلاده ترجو أن ينفعه ذلك بعد موته.
3 في "ب" و"ط": "أن".

(3/424)


جاز أن يقع المتبوع لغيره جاز أن يقع التبع، ولا يضر كونه أهدى ما لا يتحقق حصوله؛ لأنه يظنه، ثقة بالوعد وحسنا للظن، فلا يستعمل الشك، نقل المروذي: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي وثلاث مرات: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الصمد: 1]، ثم قولوا: اللهم إن فضله لأهل المقابر، يعني ثوابه. وقال القاضي: لا بد من قوله: اللهم إن كنت أثبتني1 على هذا فقد جعلت ثوابه أو ما شاء منه لفلان؛ لأنه قد يتخلف، فلا يتحكم على الله. وقال صاحب المحرر: من سأل الثواب ثم أهداه كقوله: اللهم أثبني على عملي هذا أحسن الثواب واجعله لفلان كان أحسن، ولا يضر كونه مجهولا؛ لأن الله يعلمه، كمن وكل رجلا في أن يهدي شيئا من ماله يعرفه الوكيل فقط صح، ذكره القاضي، وقيل: يعتبر أن ينويه بذلك وقت فعل القربة، وفي تبصرة الحلواني: قبله. وفي مفردات ابن عقيل: يشترط أن تتقدم نية ذلك أو تقارنه، فإن أرادوا أنه يشترط للإهداء ونقل الثواب أن ينوي الميت به ابتداء كما فهمه بعض المتأخرين وبعده فهو مع مخالفته لعموم كلام الإمام والأصحاب لا وجه له في أثر ولا نظر، وإن أرادوا أنه يصح أن تقع القربة عن الميت ابتداء بالنية له فهذا متجه، ولهذا قال ابن الجوزي: ثواب القرآن يصل إلى الميت إذا نواه قبل الفعل، ولم يعتبر الإهداء2، فظاهره عدمها، وهو ظاهر ما سبق في التبصرة.
وفي الفنون عن حنبلي: يشترط تقديم النية؛ لأن ما تدخله النيابة من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "إلا هذا".

(3/425)


الأعمال لا يحصل للمستنيب إلا بالنية من النائب قبل الفراغ. وفي الفصول كما سبق في المجرد: أن من أحرم عن غيره حي أو ميت لم ينعقد عن الغير، فلو ناب عن حي في حج فاعتمر وقع عن الحاج، ولا نفقة له، ولو كان ميتا وقع عن الميت ولا يحتاج إلى إذن، لقدرة الحي على التكسب، والميت بخلافه، ويصير كأنه مهد للميت ثوابها، فقد جعل نية الميت بالقربة ابتداء يقع عنه كمهد إليه ثوابها، ولعل هذا ظاهر كلام الأصحاب؛ لقياسهم1 على الصدقة. واحتج بعضهم بقوله عليه السلام: "اقرءوا يس على موتاكم" 2. وبأن الميت أولى من المحتضر، وبأنه أذن في الحج ولم يستفصل، وبقوله لعمرو بن العاص: "ولو أقر أبوك بالتوحيد فصمت عنه أو تصدقت عنه نفعه ذلك". رواه الإمام أحمد3، ويأتي كلام صاحب المحرر في أول الفصل بعده، وسبق قول4 القاضي: الثواب تبع5. وقال أيضا: لا يصح أن يفعله عن غيره، وإنما يقع ثوابه عن غيره.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "كقياسهم".
2 أخرجه أبو داود "3121".
3 في مسنده "6704".
4 في "ط": "كلام".
5 في "ط": "يقع".

(3/426)


وهذا ظاهر كلام أحمد، ثم ذكر رواية المروذي السابقة ولم يستدل له، كذا قال، قال: وعلى هذا يقول: لو صلى فرضا وأهدى ثوابه صحت الهدية، ولا يمتنع أن يعرى عمله عن ثواب، كالصلاة في مكان غصب، ثم له مثل أجره لخبر عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعا، رواه حرب وقال شيخنا: أو أكثر، والأشهر خلاف قول القاضي في ثواب الفرض، وبعده بعضهم، ويستحب إهداء القرب، قيل للقاضي: فقد قال أحمد: ما يعجبني أن يخرج من الصف الأول ويقدم أباه، هو1 يقدر أن يبره بغير هذا، فقال: وقد نقل ما يدل على نفي الكراهة، فنقل أبو بكر بن حماد فيمن يأمره أبوه بتأخير، الصلاة ليصلي به، قال: يؤخرها، والوجه فيه أنه قد2
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "وهو".
2 ليست في "ط".

(3/427)


ندب إلى طاعة أبيه في ترك صوم النفل وصلاة النفل، وقد نقل هارون: لا يعجبني أن يصوم إذا نهاه1، كذا قال: ندب. وقال أبو المعالي: 2"فإن قيل"2: الإيثار بالفضائل والدين غير جائز عندكم، ثم ذكر نحو كلام القاضي، وهذا منهما تسوية بين نقل الثواب بعد ثبوته له وبين نقل سبب الثواب قبل فعله، وسبقت المسألة في آخر الجمعة3، وقال في كتاب الهدي4، في غزوة الطائف: أي فرق بين أن يؤثره بفعلها ليحرز ثوابها، وبين أن يعمل ثم يؤثره بثوابها؟ قال في الفنون: يستحب إهداؤها5 حتى للنبي صلى الله عليه وسلم. وكذا قال صاحب المحرر. وقال شيخنا: لم يكن من عادة السلف إهداء ذلك إلى موتى المسلمين، بل كانوا يدعون لهم، فلا ينبغي الخروج عنهم، ولهذا لم يره شيخنا لمن له كأجر العامل، كالنبي صلى الله عليه وسلم و6 معلم الخير، بخلاف الوالد لأن له أجرا لا6 كأجر الولد؛ ولأن العامل يثاب على إهدائه، فيكون له أيضا مثله، فإن جاز إهداؤه فهلم جرا، ويتسلسل7 ثواب العمل الواحد، وإن لم يجز فما الفرق بين عمل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "نهاه".
2 ليست في الأصل.
3 ص 161.
4 3/506.
5 ليست في "س".
6 ليست في "ط".
7 "ط": "يتسلسل".

(3/428)


وعمل؟ وإن قيل: يحصل ثوابه مرتين للمهدى إليه، ولا يبقى للعامل ثواب، فلم يشرع الله لأحد أن ينفع غيره في الآخرة، ولا منفعة له في الدارين، فيتضرر، ولا يلزم دعاؤه له ونحوه؛ لأنه مكافأة له كمكافأته لغيره ينتفع به المدعو له، وللعامل أجر المكافأة، وللمدعو له مثله، فلم يتضرر ولم يتسلسل، ولا يقصد أجره إلا من الله.
وذكر أيضا أن أقدم من بلغه أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم علي بن الموفق، أحد الشيوخ المشهورين من طبقة أحمد وشيوخ الجنيد1. وقال الحاكم في تاريخه: محمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو العباس السراج محدث عصره، وهو إمام الحديث بعد البخاري ببخارى: سمعت إبراهيم بن محمد بن يحيى2، سمعت السراج يقول: ختمت القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة ألف ختمة، وضحيت عنه اثنتي عشرة ألف أضحية.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو القاسم، الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي. من كبار شيوخ الصوفية وعلمائها. "ت 298 هـ". "تاريخ بغداد" 7/248 - 249.
2 هو: أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن يحيى. شيخ نيسابور في عصره. سمع ابن خزيمة وأبا العباس السراج وغيرهما. قال عنه الخطيب: كان ثقة ثبتا مكثرا. "ت 362 هـ". "تاريخ بغداد" 6/168.

(3/429)


فصل: والحي كالميت في نفعه بالدعاء ونحوه،
1"فكذا القراءة"1 ونحوها "و" للحنفية، قال القاضي: لا تعرف رواية بالفرق، بل ظاهر رواية الكحال يعني السابقة: يعم2. قال: ويحتمل الفرق؛ لأن العجز مصحح3 في الحج والصوم، وانتفاعه بالدعاء بإجابته وقبول الشفاعة في المدعو له2، وهو أمر آخر غير الثواب على نفس الدعاء، وأطلق بعضهم وجهين، وجزم به الشيخ وغيره في حج النفل عن الحي، ولم يستدل له4. وقال صاحب المحرر: والأول أصح لأن نفع الإجابة وقبول الشفاعة5 إنما حصل حيث قصده الداعي للمدعو له، وأراده له2 متقربا بسؤاله وخضوعه وتضرعه، فكذلك ثواب سائر القرب الذي قصده بفعلها، وصح عنه عليه السلام أنه ضحى بكبشين6. الحديث، قال: وهو يدل على أن أمته أمواتهم وأحياءهم قد نالهم النفع والأجر بتضحيته. وإلا كان ذلك
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "فالكقراءة".
2 ليست في "ط".
3 في "ط": "صح".
4 بعدها في "ط": "و".
5 بعدها في "ط": "في المدعو".
6 أخرج البخاري "5549"، ومسلم "1962" "10"، عن أنس قال: ثم انكفأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكبشين فذبحهما. وأخرج ابن ماجه "3122" عن عائشة وعن أبي هريرة: ....فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم.

(3/430)


عبثا، فظاهر قوله هذا تجوز الصدقة وإهداء الثواب عن الأمة إلى يوم القيامة، ولهذا احتج به1 من احتج على أن الأضحية لا تجب، واقتصر في هداية الحنفية على الاستدلال بالخبر المذكور، وسبق الجلوس للتعزية وصنعة الطعام، وهو صادق على ما قاله شيخنا: جمع أهل المصيبة الناس على طعام ليقرءوا ويهدوا له ليس معروفا في السلف، والصدقة أولى منه، لا سيما على من ينتفع به على2 مصلحة عامة، كالقراء ونحوهم، فإنه قد كرهه طوائف من العلماء من غير وجه، وقرب دفنه منهي عنه، عده السلف من النياحة، وذكر خبر جرير السابق، وهذا في المحتسب، فكيف من يقرأ بالكراء؟! واكتراء من يقرأ ويهدي للميت بدعة، لم يفعلها السلف، ولا استحبها الأئمة، والفقهاء تنازعوا في جواز الاكتراء على تعليمه، فأما اكتراء من يقرأ ويهديه فما علمت أحدا ذكره، ولا ثواب له، فلا شيء للميت، قاله العلماء، قال: ولا تنفذ وصيته بذلك، والوقف على القراء والعلماء أفضل من الوقف عليه اتفاقا، وللواقف كأجر العامل، وهو داخل في قوله عليه السلام: "من أحيا سنة من سنني قد أميتت بعدي كان له أجرها وأجر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "في".

(3/431)


من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا" 1؛ لأن ذلك سعي في سنته. وقال أيضا: الوقف على الترب بدعة. وقال أيضا: فيها مصلحة الحض على بقاء حفظه وتلاوته، وفيها مفاسد: من القراءة لغير الله، واشتغاله به عن القراءة المشروعة، والتأكل به، فمتى أمكن تحصيل هذه المصلحة بدونه فالواجب المنع منه2 وإبطاله.
وشرط إهداء القراءة ينبني على إهداء ثواب العبادة البدنية، فمن لم يجوزه أبطله، ومن جوزه فإنه إذا كان عبادة، وهي ما قصد به وجه الله، فأما بإجارة وجعالة فلا تكون قربة، وإن أخذ الأجرة والجعل عليه، ثم جعل ذكر3 الخلاف في أجرة تعليم ونحوه، فقد حكم بعدم الصحة لما قال: لا ينفذ وصيته فيه، وإن الوقف عليه بدعة، وفي كلامه الأخير إن أمكن تحصيل المصلحة المذكورة لم يصح وإلا صح، ولا إهداء، لعدم الثواب، فعلى هذا: يصح لتحصيل4 المصلحة المذكورة، ولا يهدي شيئا، وذكر الأصحاب في مسألة الحج بأجرة أنه لا يجوز الإشتراك في العبادة، فمن5 فعله من أجل أخذ الأجرة، خرج عن كونه عبادة، فلم يصح، مع أنه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 427.
2 في الأصل و"ب": "به"، وفي "س": "له.
3 في "ط": "جعل".
4 في "ب" و"س": "لتحصل".
5 في "س": "فمتى".

(3/432)


يصح في رواية أخرى، كأخذ النفقة لأجله، وكذا الوصية بزائد عليها، خلافا للفصول، قال: لأنه بمثابة إجارة وجعالة، فلا يجوز، قال غير واحد في مسألة الإجارة والجعالة1: والجعالة أوسع، لجوازها مع جهالة العمل والمدة، ودل ذلك منهم على أن العمل لأجل العوض لا يخرجه، عن كونه قربة في الجملة، وهذا أولى بقول2 شيخنا؛ لأن مال الوقف رزق ومعونة لا إجارة ولا جعالة، وهو معنى كلام الشيخ وغيره، فإنه ذكر ما ذكروا من أخذ الرزق من بيت المال على النفع المتعدي، وأنه يجري مجرى الوقف على من يقوم بهذه المصالح، ويصح الوقف على من يحج عنه، مع أنه بدعة لا يعرف في السلف، لكن لا يمنع الصحة، كالمدارس والصوفية، فكذا من يقرأ له على نحو مسائل الحج، وقد وجه ابن عقيل في المفردات أن القراءة ونحوها لا تصل إلى الحي: بأنه يفتح مفسدة عظيمة، فإن الأغنياء يتكلون3 عن الأعمال ببذل الأموال التي تسهل لمن ينوب عنهم في فعل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و"ب" و"ط".
2 في "ط": "من قول".
3 في "ب" و"س" و"ط": "يتكلون".

(3/433)


الخير، فيفوتهم أسباب الثواب بالاتكال على الثواب، وتخرج أعمال الطاعات عن لبها إلى المعاوضات، ويصير ما يتقرب به إلى الله معاملات للناس بعضهم مع بعض، ويخرج عن الإخلاص، ونحن على أصل يخالف هذا، وهو منع1 الاستئجار وأخذ الأعواض والهدايا على الطاعات، كإقراء القرآن والحج، وفارق قضاء الدين وضمانه؛ لأنه حق آدمي، وحق الله فيه تابع، فدل كلامه على التسوية، وأنه لو جاز هناك جاز هنا، والله تعالى أعلم.
ومتى لم يصح الوقف على ذلك والوصية بقي على ملك الواقف والموصي. وقال شيخنا: لو وصى أن يصلي عنه نافلة بأجرة لم يجز أن يصلي عنه2، باتفاق3 الأئمة، كذا قال، وهي كالقراءة، كما سبق، قال: ويتصدق بها على أهل الصلاة، فيكون له أجر كل صلاة استعانوا عليها بها، من غير نقص أجر المصلي، ولعل مراده: إذا4 أراد الورثة "ذلك" وقال فيمن وصى بشراء وقف على من يقرأ عليه: يصرف في جنس المنفعة، كإعطاء الفقراء 5"في القراءة"5، أو في غير ذلك من المصالح، ففي التي قبلها اعتبر جنس المنفعة، وهنا جوزه في المصالح، فهو كاختلاف الرواية في الصدقة بفاضل ريع الوقف، هل يعتبر جنس المنفعة أو يجوز في المصالح؟ والله أعلم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "معنى".
2 في "س": "عليه".
3 ليست في "ط".
4 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
5 في "ط": "والقراء".

(3/434)