الفروع و
معه تصحيح الفروع كتاب الزكاة
بيان من تجب عليه
مدخل
...
كتاب الزكاة
وبيان من تجب عليه، وسببها، وشروطها ومسقطها
وما تجب فيه من الأموال
وهي لغة: النماء، وقيل: والتطهير؛ لأنها تنمي
الأموال، وتطهر مؤديها، وقيل: تنمي أجرها.
وقال الأزهري: تنمي الفقراء، وسميت شرعا زكاة
للمعنى اللغوي.
وهي شرعا: حق يجب في مال خاص، وسميت صدقة
لأنها دليل لصحة إيمان مؤديها وتصديقه.
واختلف العلماء: هل فرضت بمكة أو بالمدينة؟
وفي ذلك آيات، واختلفوا في آية الذاريات:
{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: 19]،
هل المراد به الزكاة؟ ويتوجه أنه الزكاة،
لقوله في آية سأل، {وَالَّذِينَ فِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24]
والمعلوم إنما هو الزكاة لا التطوع، وذكر صاحب
المغني والمحرر وشيخنا أنها مدنية، ولعل
المراد طلبها وبعث السعاة لقبضها، فهذا
بالمدينة، ولهذا قال صاحب المحرر: إن الظواهر
في إسقاط زكاة التجارة معارضة بظواهر تقتضي
وجوب الزكاة في كل مال، لقوله تعالى
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ} [سورة المعارج: 24]. واحتج في1 أن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "على".
(3/437)
الصلاة لا يجب
على كافر فعلها، ويعاقب بها بقوله تعالى:
{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا
يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7] والسورة
مكية، مع أن أكثر المفسرين فسر الزكاة فيها
بالتوحيد، واحتج في خلاف القاضي بقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ} [المعارج: 24]، والحق هو الزكاة،
وقد أضافه إلى صنفين1، فدل على أنه يجوز دفع
جميعه إليهما، وكذا يحمل ما رواه أحمد
والنسائي وابن ماجه وغيرهم2، عن أبي عمار
واسمه عريب، بفتح العين المهملة عن قيس بن سعد
قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت
الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله،
وإسناده جيد، لكن الظاهر أن صدقة الفطر مع
رمضان، وهو في السنة الثانية، وفي هذا الخبر
أن الزكاة بعدها، واختلف المفسرون في قوله
تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ
اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15]،
وقول3 وذكر ابن عباس أن المراد: تطهر من
الشرك، والصلوات: الخمس، واختاره ابن الجوزي
وقال: لأن السورة مكية بلا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في قوله بعد ذلك: {لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ} .
2 أحمد "23840"، والنسائي في "المجتبى" 5/49،
وابن ماجه "1828"، وعريب بن حميد، أبو عمار
الهمداني، الدهني، الكوفي. ثقة. "تهذيب
الكمال" 20/46.
3 في "ط": "وذكر".
(3/438)
خلاف ولم يكن
بمكة زكاة ولا عيد1. يؤيده رواية الوالبي عن
ابن عباس في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي
أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} [الفتح: 4]، قال:
الرحمة. إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم
بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا بها
زادهم الصلاة، فلما صدقوا بها زادهم الصيام،
فلما صدقوا به زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها
زادهم الحج، فلما صدقوا به زادهم الجهاد، ثم
أكمل لهم دينهم فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ
دِيناً} [المائدة: 3].
قال ابن عباس: فأوثق إيمان2 أهل السموات
والأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا
الله3. وكذا ذكر ابن عقيل في الواضح في مسألة
النسخ أن الزكاة بعد الصوم، والله أعلم.
وهي فرض على كل مسلم حر "ع" ومعتق بعضه4 "هـ
م" بقدره، أو صبي "هـ"5 أو مجنون "هـ" للعموم،
وأقوال الصحابة؛ ولأنها مواساة، وهما من
أهلها، كالمرأة، بخلاف الجزية فإنها لحقن
الدم، ودمهما محقون، والعقل للنصرة، وليسا من
أهلها، وسبق حكم الكافر أول
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 زاد الميسر: 9/91 - 92.
2 في الأصل: "أعمال".
3 تفسير الطبري 26/72.
4 ليست في "ب".
5 ليست في "ط".
(3/439)
الصلاة1، ولا
يلزم قنا ومدبرا وأم ولد "و" فإن ملكه السيد
مالا وقلنا لا يملكه "و هـ ش" زكاه السيد "و
هـ ش" وإن قلنا يملكه "و م" فلا زكاة فيه "و
م" فيهما، فلا فطرة إذا في الأصح، وعنه: يزكيه
العبد، وعنه: بإذن السيد، ويحتمل أن يزكيه
السيد، وعنه: التوقف.
ولا يلزم مكاتبا "و" لنقص ملكه؛ لأنه لا يرث
ولا يورث، وعنه هو كالقن، وعنه: يزكي بإذن
سيده ولا عشر في زرعه، "هـ" وإن عتق أو عجز أو
قبض قسطا2 من نجوم كتابته وفي يده نصاب استقبل
المالك به حولا، وما دون نصاب كمستفاد. وهل
تجب في المال المنسوب إلى
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/406.
2 بعدها في "ط": "فيهما".
(3/440)
الجنين إذا
انفصل حيا، كما اختاره صاحب الرعاية؛ لحكمنا
له بالملك ظاهرا، حتى منعنا باقي الورثة منه،
أم لا، كما هو ظاهر كلام الأكثر، وجزم به صاحب
المحرر في مسألة زكاة "مال" الصبي، معللا بأنه
لا مال له، بدليل سقوطه ميتا، لاحتمال أنه ليس
حملا، أو أنه ليس حيا؟ فيه وجهان، ذكرهما أبو
المعالي "م 1" وقال الشيخ في فطرة الجنين: لم
تثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية،
بشرط خروجه حيا، مع أنه احتج هو وغيره للوجوب
هناك بالعموم، ويأتي قول أحمد: صار ولدا1،
وعدم الوجوب
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وهل تجب في المال المنسوب
إلى الجنين إذا انفصل حيا، كما اختاره صاحب
الرعاية، لحكمنا له بالملك ظاهرا، حتى منعنا
باقي الورثة، أم لا، كما هو ظاهر كلام الأكثر،
وجزم به صاحب المحرر في مسألة زكاة مال الصبي،
معللا بأنه لا مال له، بدليل سقوطه ميتا،
لاحتمال أنه ليس حملا أو أنه ليس حيا؟ فيه
وجهان، ذكرهما أبو المعالي، انتهى. "قلت":
الصواب ما قاله المجد، وهو عدم الوجوب، كما هو
ظاهر كلام الأصحاب، وقال في القاعدة الرابعة
والثمانين: والذي يقتضيه نص أحمد في 2"الاتفاق
على أمه"2 من نصيبه أنه يثبت له الملك بالإرث
من حين موت أبيه، وصرح بذلك ابن عقيل وغيره من
الأصحاب، ونقل عن أحمد ما يدل على خلافه، وذكر
نصين صريحين في ذلك وتأتي هذه المسألة بعينها
في باب ميراث الحمل3 وزيادة.
ـــــــ
1 4/221.
2 في "ص" و"ط": "الاتفاق على أنه".
3 8/33.
(3/441)
ظاهر مذهب
الشافعي.
(3/442)
فصل: وإنما تلزم من ملك نصابا
"و" فإن نقص عنه فعنه لا زكاة "و هـ ش" وذهب
الأكثر: لا تضر حبة وحبتان "م 2" وعنه: ولا
أكثر، وعنه:
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وإنما تلزم من ملك نصابا،
فإن نقص عنه فعنه: لا زكاة، وذكر الأكثر: لا
تضر حبة وحبتان، انتهى، وأطلقهما في الكافي1،
وحواشي المقنع للمصنف والزركشي:
إحداهما: لا تضر حبة ولا حبتان2، وهو من
الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وقال
في المغني3 والكافي4، وتبعه ابن عبد القوي في
مجمع البحرين: قاله غير الخرقي، قال الشارح:
وتبعه المصنف في حواشيه، قاله الأصحاب، قال
الزركشي: هذا الأشهر عند الأصحاب، قال المجد
في شرحه: هذا الصحيح، قال في الفائق: وجبت في
أصح الوجهين، وقدمه في الرعايتين ومختصر ابن
تميم والحاويين وغيرهم، وجزم به في الهداية
والمذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع5 والتلخيص
والنظم وغيرهم.
والرواية الثانية: النصاب تحديد، فلا زكاة فيه
إذا نقص عن النصاب ولو كان نقصا يسيرا، قال في
المبهج: هذا أظهر وأصح، قال الشارح: هو ظاهر
الأخبار، فينبغي أن لا يعدل عنه، وهو ظاهر
كلام الخرقي، وهو قول القاضي، إلا أنه قال:
إلا أن يكون نقصا يدخل في المكاييل، كالأوقية
ونحوها، فلا يؤثر، وجزم به في الوجيز وغيره.
ـــــــ
1 2/88.
2 ليست في "ط".
3 4/316.
4 2/168.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/96.
(3/442)
حتى ثلاثة
دراهم وثلث مثقال عنه: إن جازت جوازا لوزانه
وجبت "و م" ولعل المراد المضروبة، وهو الظاهر
كما هو مذهب "م" قال مالك: وإن لم تجز، ولم
تكن مضروبة إثر درهم. وفي الذهب1: ثلث مثقال،
وقيل: تسقط بنقصه يسيرا أول الحول ووسطه فقط،
وهل نصاب الثمر والزرع تحديد جزم به جماعة،
منهم صاحب المجرد والمغني والمحرر، لتحديد
الشارع بالأوسق كما يأتي2 أو تقريب؟ فيه
روايتان "م 3".
ـــــــ
وقدمه في المغني وشرح ابن رزين وغيرهما.
مسألة - 3: قوله: وهل نصاب الزرع والثمر تحديد
جزم به جماعة، منهم صاحب المجرد والمغني
والمحرر، لتحديد الشارع بالأوسق أو تقريب؟ فيه
روايتان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم وصاحب
الفائق:
إحداهما: تحديد، وهو الصحيح، على ما اصطلحناه،
وجزم به القاضي في المجرد، والشيخ في المغني3،
والمجد والشارح وصاحب المستوعب وغيرهم، وهو
ظاهر كلام الخرقي.
والرواية الثانية هو تقريب "قلت": وهو الصواب،
وجزم به في الوجيز والنظم وغيرها، وقدمه في
الرعايتين والحاويين وغيرهم.
ـــــــ
1 في "ط": "المذهب".
2 4/79.
3 4/169.
(3/443)
وللشافعية
وجهان، فيؤثر نحو رطلين ومدين على التحديد لا
على التقريب، وجعله في الرعاية فائدة الخلاف،
وقدم القول بالتقريب، ولا اعتبار بنقص داخل في
الكيل في الأصح، جزم به الأئمة "و" وقال صاحب
التلخيص: إذا نقص ما لو وزع على الخمسة أوسق
ظهر فيها سقطت الزكاة، وإلا فلا.
وتجب الزكاة فيما زاد على النصاب بالحساب "و"
وقاله1 أبو يوسف
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 في "ط": "قال". ومذهب الإمام أبي حنيفة: لا
شيء في الزيادة حتى تبلغ أربعين درهما، فيكون
فيها درهم. "اللباب في شرح الكتاب" للغنيمي
1/149.
(3/444)
ومحمد، ولو لم
يبلغ نقدا1 أربعين درهما أو أربعة دنانير "هـ"
إلا السائمة فلا زكاة في وقصها2، وقيل: بلى،
اختاره الشيرازي "و م ر ق"3 ومحمد وزفر، فعلى
هذا لو تلف بعير من تسع، أو ملكه قبل التمكن
إن اعتبرنا التمكن سقط تسع شاة، ولو تلف منها
ستة زكى الباقي ثلث شاة، ولو كانت مغصوبة فأخذ
منها بعيرا بعد الحول 4"زكاه بتسع"4 شاة، ولو
كان بعضها رديئا أو صغارا كان الواجب وسطا،
ويخرج من الأعلى بالقيمة، وعلى الأول في
الصورة الأولى شاة، وفي الثانية ثلاثة
أخماسها، وفي الثالثة خمسها، وفي الرابع يتعلق
الواجب بالخيار، والرديء بالوقص؛ لأنه أحط،
واختاره أبو الفرج أيضا، ولو تلف عشرون من
أربعين بعيرا، قبل
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 في "ب": "نقد".
2 الوقص، بفتحتين وقد تسكن القاف: ما بين
الفريضتين من نصب الزكاة مما لا شيء فيه.
"المصباح": "وقص".
3 في "ط": "و لرواية عن "م" وقول للشافعي".
4 4/29.
(3/445)
التمكن فنصف
بنت لبون، وعلى الأول خمسة أتساعها، وليس
الواجب أربع شياه جعلا للتالف معدوما "هـ"
لأنه لو نقص بالتلف عن نصاب زكى الباقي بقسطه
"و" وعلى الأول1: لو كان عليه دين بقدر وقص لا
يؤثر بالشاة المعلقة بالنصاب، ذكره ابن عقيل
وغيره، وفي تعلق الوجوب بالزائد على نصاب
السرقة احتمالان "م 4" ولا عشر في أرض لا مالك
لها كالأرض الوقف على المسجد، خلافا للحنفية.
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "لو كان عليه".
(3/446)
فصل: ويعتبر تمام ملك النصاب في الجملة
"و" فلا زكاة في دين الكتابة "و"
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: وفي تعلق الوجوب بالزائد على
نصاب السرقة احتمالان، انتهى، يعني أن القطع
هل تعلق بجميع المسروق والنصاب والزائد عليه
أو بالنصاب منه فقط؟ أطلق احتمالين، وظاهر ما
قطع به المجد في شرحه أنه يتعلق بالجميع، فإنه
علل عدم الوجوب في الوقص من السائمة بأنه مال
ناقص عن نصاب يتعلق به فرض مبتدأ، فلم يتعلق
به وجوب أصل ما نقص عن النصاب الأول، وعكسه
زيادة نصاب السرقة، انتهى، وهذه المسألة نظيرة
المسألة التي ذكرها المصنف قبلها في تعلق
الوجوب بالوقص وعدمه، فلذلك ذكرها المصنف هنا
تبعا للمجد في شرحه، ولم نرها في غيره، ففي
إطلاق المصنف شيء، والله أعلم.
(3/446)
لعدم
استقرارها، ولهذا لا يصح ضمانها، وفيه رواية،
فدل على الخلاف هنا، ولا في دين مؤجل، أو على
معسر، أو مماطل، أو جاحد قبضه، ومغصوب،
ومسروق، ومعروف، وضال رجع، وما دفنه ونسيه،
وموروث، أو غيره وجهله، أو جهل1 عند من هو، في
رواية صححها صاحب التلخيص وغيره، ورجحها
بعضهم، واختارها ابن شهاب وشيخنا "و هـ" وفي
رواية: تجب، اختاره الأكثر، وذكر صاحب الهداية
والمحرر: ظاهر المذهب "و م ش" وجزم به جماعة
في المؤجل "و" "م 5" لصحة الحوالة
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: ولا2 زكاة في مؤجل أو على
معسر أو مماطل أو جاحد قبضه ومغصوب ومسروق
ومعرف وضال رجع، وما دفنه ونسيه، وموروث أو
غيره وجهله، أو جهل عند من هو، في رواية صححها
صاحب التلخيص وغيره، ورجحها بعضهم، واختارها
ابن شهاب وشيخنا. وفي رواية: تجب، اختاره
الأكثر وذكر صاحب الهداية والمحرر ظاهر
المذهب، وجزم به جماعة في المؤجل، انتهى.
وأطلقهما في المستوعب والمذهب الأحمد والمحرر
والشرح والرعايتين والحاويين وغيرهم.
الرواية الثانية هي الصحيحة في المذهب،
اختارها الأكثر، كما قاله المصنف،
ـــــــ
1 في "ط": "جعل".
2 بعدها في النسخ الخطية و"ط": "زكاة".
(3/447)
به والإبراء،
فيزكي ذلك إذا قبضه لما مضى من السنين، خلافا
لرواية عن مالك. وقال أبو الفرج: إذا قلنا تجب
في الدين وقبضه، فهل يزكيه لما مضى؟ على
روايتين، ويتوجه ذلك في بقية الصور، وقيد في
المستوعب المجحود ظاهرا وباطنا. وقال أبو
المعالي: ظاهرا، وقال غيرهما: ظاهرا أو باطنا
أو فيهما، وإن كان به بينة فوجهان "م 6".
وقيل: تجب في مدفون بداره، ودين على معسر
ومماطل، والروايتان في
ـــــــ
وصححها ابن عقيل وأبو الخطاب وابن الجوزي وأبو
المعالي في الخلاصة، ونصرها في شرحه، وقال:
اختارها الخرقي وأبو بكر، وجزم به في الإيضاح
والوجيز وغيرهما، وصححها في تصحيح المحرر،
وجزم به جماعة في المؤجل، منهم صاحب1 المغني
والكافي والتلخيص، ويشمله كلام الخرقي،
والرواية الأولى جزم بها في العمدة في غير
المؤجل، وقدمها ابن تميم وصاحب الفائق
وغيرهما، واختارها من قاله المصنف.
مسألة - 6: قوله: وإن كان به بينة فوجهان،
يعني إذا قلنا لا تجب في المجحود الذي لا بينة
به، فهل تجب فيما به1 بينة أم لا؟ أطلق
الخلاف، قال ابن تميم: فإن كان بالمجحود بينة
القاضي. انتهى:
أحدهما: تجب، وهو الصحيح، جزم به المجد في
شرحه، وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق
وغيرهم، قال الشارح: وفي المجحود والذي لا
بينة به روايتان، فظاهر وجوبها إذا كان به
بينة.
والوجه الثاني: لا تجب، وهو ظاهر كلام جماعة،
لإطلاقهم، فعلى هذا الوجه: هو كما لا بينة به.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(3/448)
وديعة جحدها
المودع، وجزم في الكافي1 بوجوبها في وديعة جهل
عند من هي "م 7" ولا يخرج المودع 2"بلا إذن"2
ربها. نص عليه وقيد الحنفية المدفون بمفازة3،
وعكسه المدفون في البيت، وفي المدفون في كرم
أو أرض اختلاف المشايخ، وتجب عندهم في دين على
معسر، أو جاحد عليه بينة، أو علم به القاضي،
وعلى مقر مفلس عند أبي حنيفة؛ لأن التفليس لا
يصح عنده، وعند محمد، لا تجب، لتحقق الإفلاس
بالتفليس عنده، وقاله أبو يوسف، وقال في حكم
الزكاة كقول أبي حنيفة: رعاية للفقراء.
ولو وجبت في نصاب، بعضه دين على معسر أو غصب
أو ضال، ففي وجوب إخراج زكاة ما بيده قبل قبض
الدين والغصب والضال وجهان "م 8 و 9" فإن قلنا
لا، وكان الدين على مليء، فوجهان، ومتى قبض
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: والروايتان في وديعة جحدها
المودع، وجزم في الكافي بوجوبها في وديعة جهل
عند من هي، انتهى، والصحيح عدم الوجوب،
كالمسائل التي قبلها، والله أعلم.
مسألة - 8 - 9: قوله: ولو وجبت في نصاب، بعضه
دين على معسر أو غصب أو ضال، ففي وجوب إخراج
زكاة ما بيده قبل قبض الدين والغصب والضال
وجهان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم:
أحدهما: يجب إخراج زكاة ما بيده، وهو الصحيح،
وجزم به في المغني4 والشرح5، وقدمه في
الرعايتين والحاويين، وهو ظاهر ما قدمه المجد
في
ـــــــ
1 2/90.
2 في "ط": "إلا بإذن".
3 في "ط": "بمغادرة".
4 4/270.
5 6/325.
(3/449)
شيئا من الدين،
أخرج زكاته، ولو لم يبلغ نصابا، نص عليه "و ش"
خلافا للقاضي وابن عقيل ومالك، وخلافا لأبي
حنيفة إن كان الدين بدلا عن مال غير زكوي،
1"أو كان عن زكوي"1 ولم يقبض منه أربعين درهما
أو أربعة دنانير، ويرجع المغصوب منه على
الغاصب بالزكاة، لنقصه بيده كتلفه، وإن غصب رب
المال بأسر أو حبس ومنع من التصرف في ماله لم
تسقط زكاته في الأصح، 2"لنفوذ تصرفه"2، ولو
حمل إلى دار الحرب3؛ لأن عصمته بالإسلام،
لقوله عليه السلام: "فإذا قالوها عصموا مني
دماءهم وأموالهم" 4. وعند أبي حنيفة تسقط؛ لأن
العاصم دار الإسلام فلا يضمن بإتلاف، ويملك
باستيلاء، ومن دينه حال على مليء باذل زكاه
على الأصح، وفاقا، إذا قبضه، وعنه: أو قبله "و
م ش" ويزكيه لما مضى، قصد ببقائه عليه الفرار
من الزكاة "و"5 أم لا "م" وعنه: لسنة واحدة،
بناء على أنه يعتبر
ـــــــ
شرحه، فلو كانت إبله خمسا وعشرين، منها خمس
مغصوبة أو ضالة، أخرج أربعة أخماس بنت مخاض.
والوجه الثاني: لا يجب عليه شيء حتى يقبض ذلك،
فعلى هذا الوجه قال المصنف: و6 كان الدين على
مليء فوجهان.
وهذه - مسألة - أخرى، أطلق فيها الخلاف،
وأطلقه ابن تميم وابن حمدان في رعايته، وصاحب
الحاويين فيهما:
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 ليست في الأصل.
3 في "ط": "الحري".
4 أخرجه البخاري "25"، ومسلم "22" "36"، من
حديث ابن عمر.
5 في "ط": "م".
6 في النسخ الخطية و"ط": "لو". والمثبت من
"الفروع".
(3/450)
لوجوبها إمكان
الأداء، ولم يوجد فيما مضى، ويجزئه إخراج
الزكاة قبل قبضه "م" لزكاة سنين، ولو منع
التعجيل لأكثر من سنة، لقيام الوجوب، وإنما لم
يجب الأداء1 رخصة، ولو ملك مائة نقدا ومائة
مؤجلة زكى النقد لتمام حوله والمؤجل إذا قبضه.
وإذا ملك الملتقط اللقطة استقبل بها حولا
وزكى، نص عليه؛ لأنه لا شيء في ذمته، وقيل: لا
يلزمه؛ لأنه مدين بها، فإن ملك ما يقابل قدر
عوضها زكى، وقيل: لا "و م" لعدم استقرار ملكه
لها1. وإذا ملكها الملتقط وزكى فلا زكاة إذا
على ربها على الأصح، وهل يزكيها ربها حول
التعريف أو بعده2 إذا لم يملكها الملتقط؟ فيه
الروايتان في المال الضال، فإن لم يملك اللقطة
وقلنا يتصدق بها، لم يضمن حتى يختار ربها
الضمان، فيثبت حينئذ في ذمته، كدين مجدد، وإن
أخرج الملتقط زكاتها عليه منها ثم أخذها ربها
رجع عليه بما أخرج، وقيل: لا وإن قلنا: لا
تلزم
ـــــــ
أحدهما: يجب. قلت: وهو الصواب، وهو ظاهر ما
اختاره صاحب الفائق.
والوجه الثاني لا تجب حتى يقبض، كغير المليء.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "كبعده".
(3/451)
ربها زكاتها،
قال بعضهم: لوجوبها على الملتقط إذا.
ويستقبل بالصداق وعوض الخلع والأجرة بالعقد
حولا، عينا كان ذلك أو دينا مستقرا أو لا، نص
عليه 1"و ش و م"1 وكذلك مالك في غير نقد،
للعموم؛ ولأنه ظاهر إجماع الصحابة، وعنه: حتى
يقبض ذلك "و هـ" وعنه: لا زكاة في صداق قبل
الدخول حتى يقبض فيثبت الانعقاد والوجوب قبل
الدخول، قال صاحب المحرر: بالإجماع، مع احتمال
الانفساخ، وعنه: تملك قبل الدخول نصف الصداق،
وكذا في الخلاف: في اعتبار القبض في كل دين لا
في مقابلة مال، أو مال غير زكوي، عند الكل،
كموصى به وموروث وثمن مسكن، وعنه: لا حول
لأجرة، اختاره شيخنا "خ" وقيدها بعضهم بأجرة
العقار "خ" نظرا إلى كونها غلة أرض مملوكة
له2، وعنه: ومستفاد،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "و ش" وكذلك مالك.
2 ليست في "ط".
(3/452)
وذكرها أبو
المعالي فيمن باع سمكا صاده بنصاب زكاة، فعلى
الأول لا يلزمه الإخراج قبل القبض، وإن كان
دينا من بهيمة الأنعام فلا زكاة "و" لاشتراط
السوم فيها، بخلاف سائر الديون، فإن عينت زكيت
كغيرها، وكذا الدية الواجبة لا تزكى و"؛ لأنها
لم تتعين مالا زكويا؛ لأن الإبل في الذمة1
فيها أصل أو أحدها، وتجب في قرض ودين عرض2
تجارة "و" وكذا في مبيع قبل القبض، خلافا
لرواية عن أبي حنيفة، جزم به صاحب المحرر
وغيره، فيزكيه المشتري ولو أزال ملكه عنه أو
زال أو انفسخ العقد بتلف مطعوم قبل قبضه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "الدية".
2 في "ط": "وعروض".
(3/453)
ويزكي المبيع
بشرط الخيار أو في خيار المجلس من حكم له
بملكه ولو فسخ العقد، ودين السلم إن كان
للتجارة ولم يكن أثمانا، وثمن المبيع ورأس مال
السلم قبل قبض عوضهما ولو انفسخ العقد، جزم
بذلك كله جماعة، لأن الطارئ لا يضعف ملكا
تاما، كمال الابن معرضا لرجوع أبيه وتملكه.
وفي الرعاية: إنما تجب الزكاة في ملك تام
مقبوض، وعنه: أو مميز لم يقبض، قال: وفيما
"صح" تصرف ربه "فيه" قبل قبضه أو ضمنه بتلفه،
وفي ثمن المبيع ورأس مال السلم قبل قبض
عوضهما، ودين السلم إن كان للتجارة ولم يكن
أثمانا، والمبيع في مدة الخيار قبل القبض،
روايتان "*". وللبائع إخراج زكاة مبيع فيه
خيار منه، فيبطل البيع في قدره، وفي بقيته
روايتان تفريق الصفقة، وفي أيهما يقبل قوله في
قيمة المخرج؟ وجهان "م 10" وقال ابن حامد: إذا
دلس البائع العيب فرد عليه فزكاته
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: وفي ثمن البيع ورأس مال
السلم قبل قبض عوضهما، ودين السلم إن كان
للتجارة ولم يكن أثمانا، والمبيع في مدة
الخيار قبل القبض، روايتان، انتهى. ليس هذا من
الخلاف المطلق، إنما هو من تتمة كلام صاحب
الرعاية، فليعلم ذلك، والمصنف قد قدم في هذا
حكما، وإنما حكى كلام صاحب الرعاية طريقة.
مسألة - 10: قوله وللبائع إخراج زكاة مبيع فيه
خيار منه، فيبطل البيع في قدره، وفي بقيته
روايتان تفريق الصفقة، وفي أيهما يقبل قوله في
قيمة المخرج؟ وجهان، انتهى. وأطلقهما ابن
تميم:
أحدهما: القول قول المخرج. قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: القول قول المشتري.
(3/454)
عليه، فأما
مبيع غير متعين ولا متميز فيزكيه البائع.
وكل دين سقط قبل قبضه لم يتعوض عنه1، سقطت
زكاته "و" وقيل: هل يزكيه من سقط عنه؟ يخرج
على روايتين. وإن أسقطه ربه2 زكاه. نص
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "ثمنه".
2 ليست في "ط".
(3/455)
عليه "م" لأنه
أتلف ما فيه الزكاة، فقيرا كان المدين "هـ"1
أو غنيا، وعنه: يزكيه المدين المبرأ، لأنه
"ملك" ما عليه، وحملها صاحب المحرر على أن بيد
المدين نصابا منع الدين زكاته "و م" وإلا فلا
شيء عليه، وقيل: لا زكاة عليهما "خ" وإن أخذ
ربه "به" عوضا أو أحال أو احتال زاد بعضهم:
وقلنا الحوالة وفاء زكاه كعين وهبها، وعنه:
زكاة التعويض على المدين، وقيل في ذلك وفي
الإبراء: يزكيه ربه إن قدر وإلا المدين،
والصداق كالدين "و" وقيل: سقوطه كله، لانفساخ
النكاح من جهتها، كإسقاطها وإن زكت صداقها كله
ثم تنصف بطلاقها رجع فيما بقي بكل حقه، وقيل:
إن كان مليئا وإلا فبقيمة حقه، وقيل: يرجع
بنصف ما بقي ونصف بدل ما أخرجت، وقيل: يخير
بين ذلك ونصف قيمة ما أصدقها يوم العقد أو
مثله، ولا تجزئها زكاتها منه بعد طلاقه؛ لأنه
مشترك، وقيل: بلى، عن حقها وتغرم له نصف ما
أخرجت، ومتى لم تزكه رجع بنصفه كاملا، وتزكيه
هي، فإن تعذر فيتوجه: لا يلزم الزوج، وفيها في
الرعاية بلى، ويرجع عليها إن تعلقت بالعين،
وقيل: أو بالذمة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(3/456)
ويزكى المرهون
على الأصح "و" ويخرجها الراهن منه بلا إذن إن
عدم، كجناية رهن على دينه، وقيل: منه مطلقا،
وقيل: إن تعلقت بالعين، وقيل: يزكي راهن موسر،
وإن أيسر معسر جعل بدله رهنا، وقيل: لا. وفي
مال مفلس محجور عليه روايتا مدين، عند أبي
المعالي والأزجي، وعند القاضي والشيخ كمغصوب
"م 11" وقيل: يزكي سائمة، لنمائها بلا تصرف،
قال أبو المعالي: إن عين حاكم لكل غريم شيئا
فلا زكاة، لضعف ملكه إذا، وإن حجر عليه بعد
وجوبها لم تسقط، وقيل: بلى إن كان قبل تمكنه
من الإخراج، وهل له إخراجها منه؟ فيه وجهان "م
12".
ـــــــ
مسألة - 11: قوله: وفي مال مفلس محجور عليه
روايتا مدين، عند أبي المعالي والأزجي، وعند
القاضي والشيخ كمغصوب، انتهى، القول الثاني،
هو الصحيح، اختاره القاضي والشيخ الموفق
والشارح، وقدمه في الرعايتين، والقول الأول
اختاره أبو المعالي والأزجي في نهايته، وقال
عن القول الذي قبله: هذا بعيد، بل إلحاقه بمال
الدين أقرب.
مسألة - 12: وهل له إخراجها منه؟ فيه وجهان:
أحدهما لا يملك، إخراجها من المال، لانقطاع
تصرفه، وهو الصحيح، اختاره الشيخ الموفق
والشارح، وجزم به في الرعاية الصغرى، وقدمه في
الرعاية الكبرى.
والوجه الثاني: يملك ذلك. قال ابن تميم:
والأولى أنه يملك كالراهن.
(3/457)
ولا يقبل
إقراره بها، جزم به بعضهم، وعنه: يقبل، كما لو
صدقه الغريم فأما قبل الحجر فإن الدين وإن لم
يكن من جنس المال يمنع وجوب الزكاة في قدره في
الأموال الباطنة "و م"1 قال أبو الفرج: وهي
الذهب والفضة، وقال غيره: وقيمة عروض التجارة،
وفي المعدن وجهان "م 13" وعنه: لا يمنع الدين
الزكاة "و ش" وعنه: يمنعها الدين الحال خاصة،
جزم به في "الإرشاد"2 وغيره، ويمنعها في
الأموال الظاهرة، كماشية وحب وثمرة أيضا، نص
عليه، واختاره أبو بكر والقاضي،
ـــــــ
مسألة - 13: قوله: وفي المعدن وجهان، انتهى،
يعني هل هو من الأموال الظاهرة أو الباطنة؟
وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في رعايته،
وصاحب الحاويين فيهما، وغيرهم:
أحدهما: هو من الأموال الظاهرة، قال الشيرازي:
الأموال الباطنة الذهب والفضة فقط، فظاهره أن
المعدن من الظاهرة، "وقطع به في 3"الرعاية
الكبرى" أيضا في بابه"3: والوجه الثاني هو من
الأموال الباطنة "قلت": وهو الصواب؛ لأنه أشبه
بالأثمان وعروض التجارة من غيرها، قال في
الفائق: ويمنع في المعدن، وقيل: لا، انتهى،
وكلامه في التعليق والمغني4 والشرح5، وشرح ابن
رزين محتمل للقولين، فإنهم قالوا: الأموال
الباطنة الأثمان وعروض التجارة، وقالوا:
الأموال الظاهرة المواشي والحبوب والثمار،
والله أعلم.
ـــــــ
1 في "ط": "و".
2 ص 128.
3 ليست في "ح".
4 4/263.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف. 6/338.
(3/458)
وأصحابه،
والحلواني وابن الجوزي وغيرهم، قال ابن أبي
موسى: هذا الصحيح من مذهب أحمد، وعنه: لا يمنع
"و م ش" وعنه: يمنع ما استدانه للنفقة على ذلك
أو كان من ثمنه، وعنه: خلا الماشية، وهو ظاهر
كلام الخرقي ومذهب ابن عباس، لتأثير ثقل
المؤنة في المعشرات، وعند "هـ" كل دين مطالب
به يمنع إلا في المعشرات؛ لأن الواجب فيها ليس
بزكاة عنده، ومتى أبرأ المدين أو قضى من مال
مستحدث ابتدأ حولا؛ لأن ما منع وجوب الزكاة
منع انعقاد الحول، وقطعه، وعنه: يزكيه "و م"
فيبني إن كان في أثناء الحول، وبعده يزكيه في
الحال.
ولا يمنع الدين خمس الركاز، ويمنع أرش جناية
عبد التجارة زكاة قيمته؛ لأنه وجب جبرا لا
مواساة، بخلاف الزكاة، وجعله بعضهم كالدين.
ومن له عرض قنية يباع لو أفلس يفي بدينه،
فعنه: يجعل في مقابلة ما عليه، ويزكي ما معه
من المال الزكوي "و م" جمعا بين الحقين، وهو
أحظ، وعنه: يجعل في مقابلة ما معه ولا يزكيه
"و هـ" لئلا تختل1 المواساة "م 14"، ولأن عرض
القنية كملبوسه في أنه لا زكاة فيهما، فكذا
ـــــــ
مسألة - 14: قوله: ومن له عرض قنية يباع لو
أفلس يفي بدينه، فعنه يجعل في مقابلة ما عليه،
ويزكي ما معه من المال الزكوي جمعا بين
الحقين، وهو أحظ، وعنه: يجعل في
ـــــــ
1 في "ط": "تحتمل".
(3/459)
فيما يمنعها.
وكذا الخلاف فيمن بيده 1"ألف، وله"1 ألف دينا،
والمراد: على مليء، وجزم به بعضهم وعليه
مثلها، يزكي ما معه على الأولى "و م" لا
الثانية "م 15" "و هـ" فإن كان العرض للتجارة،
فنص في رواية أبي الحارث المروزي: يزكي ما
معه، بخلاف ما لو كان للقنية، وحمله القاضي
على أن الذي عنده للقنية فوق2 حاجته، وقيل: إن
كان فيما معه من المال
ـــــــ
مقابلة ما معه ولا يزكيه، لئلا تحتمل
المواساة، انتهى. وأطلقهما المجد في شرحه
وصاحب الفائق:
الرواية الأولى: اختارها أبو المعالي اعتبارا
بما فيه الأحظ للمساكين، قال القاضي: هي قياس
المذهب.
والرواية الثانية: صححها ابن عقيل، وقدمه في
الرعايتين والحاويين ومختصر ابن تميم وحواشي
المصنف على المقنع وغيرهم "قلت": وهو الصواب،
وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
مسألة - 15: قوله: وكذا الخلاف فيمن بيده ألف،
وله ألف دينا والمراد على مليء، وجزم به بعضهم
وعليه مثلها، يزكي ما معه على الأولى لا
الثانية، انتهى. "قلت": قدم هنا في الرعايتين
والحاويين والفائق جعل الدين مقابلا لما في
يده، وقالوا: نص عليه، ثم قالوا: وقيل مقابلا
للدين، انتهى. "قلت": الصواب هنا إخراج زكاة
ما في يده.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "فوق".
(3/460)
الزكوي جنس
الدين، جعل في مقابلته، وحكى رواية: وإلا
اعتبر الأحظ، وقيل: يعتبر الأحظ للفقراء
مطلقا، فمن له مائتا درهم وعشرة دنانير قيمتها
مائتا درهم، جعل الدنانير قبالة دينه وزكى ما
معه، ومن له أربعون شاة وعشرة أبعرة، ودينه
قيمة أحدهما جعل قبالة الغنم وزكى بشاتين،
ونقد البلد أحظ للفقراء، وفوق نفعه زيادة
المالية، ودين المضمون عنه يمنع الزكاة بقدره
في ماله، دون الضامن "هـ"1 خلافا لما ذكره أبو
المعالي، كنصاب غصب من غاصبه وأتلف فإن المنع
يختص بالثاني، مع أن للمالك طلب كل منهما "و"
ولو استأجر لرعي غنمه بشاة موصوفة صح، وهي
كالدين في منعها للزكاة، وحيث منع دين الآدمي،
فعنه: دين الله من كفارة ونذر مطلق ودين الحج
ونحوه كذلك، صححه صاحب المحرر والرعاية "و م"
وجزم به ابن البنا في خلافه في الكفارة
والخراج وقال: نص عليه، وهو الذي احتج له
القاضي في الكفارة، وعنه: لا يمنع "م 16". وفي
المحرر: الخراج من دين الله، وقدم أحمد
ـــــــ
مسألة - 16: قوله: وحيث منع دين الآدمي، فعنه:
دين الله من كفارة ونذر مطلق ودين الحج ونحوه
كذلك، صححه صاحب المحرر والرعاية، وجزم به ابن
البناء في خلافه في الكفارة والخراج، وقال: نص
عليه وعنه: لا يمنع، انتهى، وأطلقهما في
الهداية والمغني2 والمحرر والشرح3،
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 4/268.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/346.
(3/461)
الخراج على
الزكاة، ويأتي في اجتماع العشر والخراج في أرض
العنوة1. عند "هـ" لا يمنع إلا دين زكاة
وخراج؛ لأن لهما مطالبا بهما، وأجاب القاضي
عنه2 بأن الكفارة عندنا على الفور، فإن منعها
وعلم الإمام بذلك طالبه بإخراجها كالزكاة، نص
عليه في رواية إبراهيم بن هانئ: يجبر المظاهر
على الكفارة.
على أن هذا لا يؤثر في الحج، كذا الكفارة،
ولأن الإمام لا يطالب بزكاة مال باطن، والدين
يمنع منه، ويأتي في من منع الزكاة3.
ـــــــ
ومختصر ابن تميم والحاويين وحواشي المصنف
والفائق وغيرهم:
إحداهما: هو كدين الآدمي، وهو الصحيح، صححه
المجد في شرحه، وابن حمدان في رعايته، كما قال
المصنف، وهو قول القاضي وأتباعه قلت: وهو
الصواب.
والرواية الثانية: لا يمنع وجوب الزكاة، لأن
الزكاة آكد منه، وقدمه في إدراك الغاية، وقال
في المستوعب: وهل تمنع الكفارة وجوب الزكاة؟
على وجهين
ـــــــ
1 4/106.
2 ليست في "ط".
3 4/239.
(3/462)
وإن نذر الصدقة
بمعين قال لله علي أن أتصدق بهذا، أو هو صدقة،
فحال الحول، فلا زكاة "هـ" لزوال ملكه أو
نقصه، وعند ابن حامد: تجب، فقال في قوله: إن
شفى الله مريضي تصدقت من هاتين المائتين بمائة
فشفي ثم حال الحول قبل الصدقة وجبت الزكاة.
وفي الرعاية: إن نذر التضحية بنصاب معين وقيل:
أو قال: جعلته ضحايا فلا زكاة، ويحتمل وجوبها
إذا تم حوله قبلها. وإن قال: علي لله الصدقة
بهذا النصاب إذا حال الحول، فقيل: لا زكاة،
وقيل: بلى "م 17" فتجزئه الزكاة منه في الأصح،
ويبرأ بقدرها من الزكاة والنذر إن نواهما معا،
لكون الزكاة صدقة، وكذا لو نذر الصدقة ببعض
النصاب، هل يخرجها1، أو يدخل النذر في الزكاة
وينويهما؟ وذكر ابن تميم إذا نذر الصدقة بنصاب
إذا حال الحول، فقيل لا زكاة، وقيل: بلى،
فيجزئ إخراجها منه، ويبرأ بقدرها من الزكاة
والنذر، ويحتمل أن لا يجزئ إخراجها منه.
وإن نذر الصدقة ببعض النصاب وجبت الزكاة ووجب
إخراجهما
ـــــــ
مستنبطين من منع الدين وجوب الكفارة، وفي ذلك
روايتان، فإن قلنا لا يمنع الدين وجوب الكفارة
منعت الكفارة، وجوب الزكاة؛ لأنها أقوى من
الدين، وإن قلنا إن الدين يمنع وجوب الكفارة
لم تمنع الكفارة وجوب الزكاة، لضعفها عن
الدين، انتهى. وكذا قال في الهداية وغيره.
مسألة - 17: قوله: وإن قال: لله علي الصدقة
بهذا النصاب إذا حال الحول، فقيل لا زكاة،
وقيل: بلى، انتهى، القول الثاني هو الصحيح،
اختاره المجد، وهو الصواب، والقول الأول
اختاره ابن عقيل.
ـــــــ
1 في "ب": "يخرجهما".
(3/463)
معا، وقيل:
يدخل النذر في الزكاة وينويهما معا.
ولا زكاة في الفيء "و" والخمس "و" وكذا
الغنيمة المملوكة إذا كانت أجناسا "و" لأن
للإمام أن يقسم بينهم قسمة تحكم1؛ فيعطي كل
واحد منهم من أي الأصناف شاء، فما تم ملكه على
معين2، بخلاف الميراث، وإن كانت صنفا فكذلك
عند أبي بكر والقاضي، والأشهر ينعقد الحول
عليها إن بلغت حصة كل واحد نصابا، وإلا ابتني
على الخلطة، ولا يخرج قبل القبض، كالدين.
ولا زكاة في وقف على غير معين أو على المساجد
والمدارس والربط ونحوها "م"3 قال أحمد في أرض
موقوفة على المساكين: لا عشر؛ لأنها كلها تصير
إليهم، وسبق في الفصل الثاني خلاف الحنفية في
العشر4، ولم يصرحوا في الوقف على فقهاء مدرسة
أو نحوها، ويتوجه الخلاف. وإن وقف سائمة أو
أسامها الموقوف عليه على معينين كأقاربه ففيها
الزكاة، نص عليه، وقيل: لا، لنقص ملكه، وكما
لو قلنا: الملك لله، ولا يخرج منها، لمنع نقل
الملك في الوقف، وإن وقف أرضا أو شجرا عليه
وجبت في الغلة، نص عليه، لجواز بيعها، وقيل:
تجب مع غنى الموقوف عليه، جزم به أبو الفرج
والحلواني وابنه صاحب التبصرة،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "تحكيم".
2 يعني: إذا كانت الغنيمة بهذه الحال، لم تجب
الزكاة على مستحقيها؛ لتخلف شرط وهو تمام
الملك على مال معين.
3 في "ط": "هـ م".
4 ص 459.
(3/464)
ولعله ظاهر ما
نقله علي1 ابن سعيد وغيره، ومن وصى بدراهم في
وجوه البر، أو ليشتري بها ما يوقف، فاتجر بها
الوصي، فربحه مع المال فيما وصى، ولا زكاة
فيهما، ويضمن إن خسر، نقل ذلك الجماعة، وقيل:
ربحه إرث، ويأتي كلام صاحب الموجز وشيخنا في
آخر الشركة2، والمال الموصى به يزكيه من حال
الحول على ملكه.
وإن وصى بنفع نصاب سائمة زكاها مالك الأصل،
ويحتمل: لا زكاة إن وصى به أبدا، ولا زكاة في
حصة المضارب، ولا ينعقد الحول قبل استقراره،
نص عليه، واختاره أبو بكر والقاضي والشيخ
وغيره، وذكره في الوسيلة ظاهر المذهب، لعدم
الملك أو لضعفه؛ لأنه وقاية رأس المال،
واختاره أبو الخطاب وغيره وقدمه في المستوعب
وغيره: تجب الزكاة، وينعقد حوله بملكه بظهور
الربح "و هـ ش" أو بغيره، على خلاف يأتي3،
كمغصوب ودين على مفلس، وأولى ليده وتنميته،
فعلى هذا يعتبر بلوغ حصته نصابا، ودونه ينبني
على الخلطة، ومذهب "م" يزكيها، وإن قلت بحول
المالك، ولا يلزمه عندنا إخراجها قبل القبض،
كالدين، ولا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط". وعلي بن سعيد بن جرير النسائي،
يكنى أبا الحسن، محدث، مشهور، صاحب رحلة، روى
عن الإمام أحمد بن حنبل، وغيره. "ت 256 هـ" أو
التي بعدها. "طبقات الحنابلة" 1/224، "تهذيب
الكمال" 20/447.
2 7/112.
3 469 - 470.
(3/465)
يجوز له
إخراجها من مال المضاربة بلا إذن، نص عليه؛
لأنه وقاية، وقيل: يجوز، لدخولهما1 على حكم
الإسلام، صححه صاحب المستوعب والمحرر، وقيل:
يزكيها رب المال "خ"2 بحول أصله؛ لأنه نماؤه،
والعامل لا يملكه على هذا، وأوجب أبو حنيفة
فيمن اشترى بألف المضاربة عبدين فصار يساوي كل
منهما ألفا زكاة قيمتهما على المالك، لشغل رأس
ماله كلا منهما، كشغل الدين ذمة الضامن
والمضمون، فلم يفضل ما يملكه المضارب، ولهذا
لو أعتق المالك أحدهما عتق كله، واستوفى رأس
ماله، وعندنا أن ذلك ممنوع، والحكم كعبد واحد
مطلقا "و ش" ويزكي رب المال حصته نص عليه "و"
كالأصل؛ لأنه يملكه بظهوره، زاد بعضهم: في
أظهر الروايتين، وهو سهو قبل قبضها، وفيه
احتمال، ويحتمل سقوطها قبله، لتزلزله، وإذا
أداها من غيره فرأس المال باق، وإن أدى منه
حسب من المال والربح، ذكره القاضي وتبعه صاحب
المستوعب والمحرر وغيرهما. وفي المغني3: تحتسب
من الربح، ورأس المال باق، لأنه وقاية، ولا
يقال مؤنة كسائر المؤن، لأنه يلزم أن يحسب
عليها. وفي الكافي4: هي من رأس المال، ونص
عليه أحمد، لأنه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "لدخولها".
2 في "ط": "هـ".
3 4/260.
4 2/165.
(3/466)
واجب عليه
كدينه1، وليس لعامل إخراج زكاة تلزم رب المال
2"بلا إذنه"3. نص عليه3.
ومن شرط منهما زكاة حصته 4"من الربح"4 على
الآخر جاز؛ لأنه شرط لنفسه نصف الربح وثمن
عشره، ولا يصح أن يشترط رب المال زكاة رأس
المال أو بعضه من الربح؛ لأنه قد يحيط بالربح،
فهو كشرط فضل دراهم، سأله المروذي: يشترط
المضارب على رب المال أن الزكاة من الربح،
قال: لا، الزكاة على رب المال، وصححه شيخنا،
كما يختص بنفعه في المساقاة إذا لم يثمر
الشجر، وركوب الفرس في الجهاد إذا لم يغنموا،
كذا قال، قال الشيخ في فتاويه: ويصح شرطها في
المساقاة على العامل؛ لأنه جزء من النماء
المشترك، فمعناه القدر المسمى لك ما5 يفضل
عنها، ويحتمل أن لا يصح؛ لأنا لا نعلم هل يوجد
من الثمرة ما فيه العشر أو لا؟ فيصير نصيبه
مجهولا؛ ولأنه يفضي إلى أن يصح له القليل إذا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل و"ب": "لدينه".
2 في "ط": "إلا بإذنه".
3 بعدها في "س": "ع".
4 ليست في "ط".
5 في "ط": "مما".
(3/467)
كثرت الثمرة،
والكثير إذا قلت، ولا نظير له.
(3/468)
فصل: ويشترط الحول للماشية والأثمان وعروض
التجارة خاصة
"و" ومضيه على نصاب تام "و" رفقا بالمالك،
وليتكامل النماء فيساوي1 منه، ويعفى عن ساعتين
في الأشهر، وفي نصف يوم وجهان "م 18" وقدم في
منتهى الغاية2: يؤثر معظم اليوم. وقال أبو
بكر: وعن يوم، جزم به في المحرر وغيره، وقاله
القاضي أيضا "*"، وصححه ابن تميم، وقيل:
ويومين، وقيل: الخمسة والسبعة يحتمل وجهين.
وفي الروضة: وأيام، فإما أن مراده ثلاثة أيام،
لقلتها واعتبارها في مواضع، أو ما لم يعد
كثيرا
ـــــــ
مسألة - 18: قوله: ويعفى عن ساعتين في الأشهر،
وفي نصف يوم وجهان، انتهى:
أحدهما: يعفى عنه، وهو الصحيح، اختاره المجد
في شرحه ومحرره، وأبو بكر والقاضي، وصححه ابن
تميم وغيره، وجزم به في المحرر والرعايتين
والحاويين والفائق.
والوجه الثاني لا يعفى عنه.
"*" تنبيه: قول المصنف: وقال أبو بكر: وعن
يوم، وجزم به في المحرر
ـــــــ
1 في "ط": "فيواسي".
2 بعدها في "ب" و"س": "وغيرها".
(3/468)
عرفا، ولا
يعتبر طرفا الحول خاصة "هـ" ولنا وجه كقوله في
العروض، ولا يعتبر آخره في العروض خاصة، فلا
يؤثر نقص النصاب في غيره خاصة1 "ش م ر" ونص
أحمد في مواضع على العروض كالأول، وهو المذهب.
ويتبع نتاج نصاب السائمة وربح التجارة للأصل
في حوله، إن كان الأصل نصابا، لتبعها في الملك
حتى ملكت بملك الأصل، وإلا فحول الجميع من حين
كمل2 نصابا.
ـــــــ
وغيره، وقاله القاضي أيضا، 3"انتهى، ليس كما
قال في المحرر، فإنه قال: ولا يؤثر نقصه دون
يوم، وليس هو المجرد للقاضي، لقوله بعده:
وقاله القاضي أيضا"3.
ـــــــ
1 ليست في "ب" و"س".
2 في "س": "ملك".
3 ليست في "ص".
(3/469)
ولو نض الربح
قبل الحول لم يستأنف له حولا "ش" في أصح
قوليه، هل يبتدئه من النضوض أو الظهور؟
لأصحابه وجهان وتأتي في السائمة1 رواية حول
الجميع من حين ملك الأمات كذا يقال أمات،
وإنما يقال أمهات في بنات آدم فقط، واستعمل
الفقهاء الأمهات في المواشي أيضا، وهو غلط،
والله أعلم، كذا ذكره بعضهم، وقول الفقهاء لغة
أيضا، ويقال في بني آدم أمهات، وفيه لغة أمات.
ولا يتبع المستفاد في أثناء الحول بجنسه "هـ"
ولو كان سائمة "م" أفضى إلى التشقيص أم لا،
ولا عشر في ذلك، وحكى في الأجرة "رواية" كقول
أبي حنيفة، ولا يبني الوارث على حول الموروث،
ذكره أحمد في رواية الميموني وابن عبد البر
"ع" وللشافعي قول: يبني، ويأتي قول ابن عقيل
في الفصل الثالث من الخلطة2. ويضم المستفاد3
إلى مال إلى نصاب بيده من جنسه أو في حكمه،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 4/33.
2 4/50.
3 بعدها في "ط": "إلى مال"، وهي في هامش
الأصل.
(3/470)
ويزكي كل واحد
إذا تم حوله، وقيل: يعتبر النصاب في مستفاد،
وينقطع الحول بنقص النصاب في أثنائه أو بيعه
بغير جنسه "م ر" وإن اختلط ما لا زكاة فيه بما
فيه
ـــــــ
...............................
(3/471)
زكاة، ثم تلف
البعض قبل الحول، ولم يعلم، لم يجب شيء، ولا
ينقطع بموت
ـــــــ
...............................
(3/472)
الأمات والنصاب
تام بالنتاج "و" ولا يتبع فاسد بخلاف المغصوب،
في رواية، ولا بإبدال نصاب ذهب بفضة أو بالعكس
"ش" وفيه رواية مخرجة من عدم ضم أحدهما إلى
الآخر وإخراجه عنه، فإن لم ينقطع الحول أخرج
مما معه عند وجوب الزكاة، وذكر القاضي في شرح
المذهب: يخرج مما ملكه
ـــــــ
...............................
(3/473)
أكثر الحول،
قال ابن تميم: ونص أحمد على مثله، ولا ينقطع
في أموال الصيارفة "و" لئلا يفضي إلى سقوطها
فيما ينمو ووجوبها في غيره، والأصول تقتضي
العكس، ولا في نصاب يجب في عينه أبدله1 بجنسه.
نص عليه "و م" ولأنه بسبب الأول من جنسه،
كنتاج، وذكر أبو الخطاب وغيره تخريجا: ينقطع
"و ش" كغير كالجنسين2، وكرجوعه إليه بعيب أو
فسخ وقاله3 "هـ" في الماشية لنموها من عينها،
وقد زالت، بخلاف النقد، وقاس جماعة منهم
القاضي وأصحابه وصاحب المغني والمحرر على عرض
تجارة يبيعه بنقد أو يشتريه به يبني "و" حكى
الخلاف، ثم بعض الأصحاب عبر4 بالإبدال، وبعضهم
بالبيع، ودليلهم يقتضي التسوية، وعبر القاضي
بالإبدال ثم قال: نص عليه في رواية أحمد بن
سعيد5: في الرجل يكون عنده غنم سائمة، فيبيعها
بضعفها من الغنم، هل يزكيها أم يزكي الأصل؟
قال: بل يعطي زكاتها، على
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "إبداله".
2 في "ط": "كغير الجنس".
3 في الأصل و"ط": "وإقالة".
4 بعدها في "ط": "عن الخلاف".
5 هو: أبو جعفر، أحمد بن سعيد بن صخر الدرامي
السرخسي من أصحاب الإمام أحمد، نقل عنه أشياء
كثيرة، فقيه، حافظ، ثبت، كثير التطواف "ت 253
هـ". "تاريخ بغداد" 4/166.
(3/474)
حديث عمر في
السخلة يروح بها الراعي1؛ لأن نماءها منها.
وقال أبو المعالي: المبادلة هل هي بيع؟ فيه
روايتان، ثم ذكر نصه: يجوز إبدال المصحف لا
بيعه. وقال أحمد: المعاطاة بيع، والمبادلة
معاطاة، وإن هذا أشبه، قال: فإن قلنا هي بيع
انقطع كلفظ البيع، لأنه ابتداء ملك، نعم
المبادلة تدل على وضع شيء بمكان شيء مماثل له،
كالتيمم عن الوضوء، فكل بيع مبادلة لا العكس،
وإن زاد بالاستبدال تبع الأصل في الحول أيضا،
نص عليه "و م" كنتاج، فلو أبدل مائة شاة
بمائتين لزمه شاتان إذا حال حول المائة.
وقال أبو المعالي: 2"يستأنف لزائد"2 حولا. وفي
الانتصار: إن أبدله بغير جنسه بنى، أومأ إليه
ثم سلمه، وفرق فيها. وفي كتاب ابن تميم
والرعاية: لا يبني على الأصح، وذكر أبو بكر
فيما إذا أبدل نصابا بغير جنسه ثم رد عليه
بعيب ونحوه يبني على الحول الأول إذا لم يحل.
وفي نسخة: نقل المبادلة بيع.
ومن قصد ببيع أو هبة أو إتلاف ونحوه الفرار من
الزكاة حرم، ولم تسقط، "و م" أطلقه أحمد،
فلهذا قال ابن عقيل: هو ظاهر كلامه، وقدمه في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه مالك في "الموطأ" 1/265، وأشار ابن
قندس إلى لفظه.
2 في الأصل و"ط": "يفرد الزائد".
(3/475)
المحرر، وذكره
بعضهم قولا، وفي منتهى الغاية وغيرها: لا أول
الحول، لندرته، وجزم، جماعة: يعتبر قرب
وجوبها. وفي الرعاية: قبل الحول بيومين، وقيل:
بشهرين، لا أزيد، وفي كلام القاضي: قبل الحول
بيومين، وفي أول الحول نظر. وقال أيضا: في
أوله ووسطه لم يوجد لرب المال الغرض وهو
الترفه بأكثر الحول والنصاب وحصول النماء فيه،
ويزكي من جنس المبيع لذلك الحول فقط "و م"
وقيل: إن أبدله بعقار ونحوه وجب زكاة كل حول.
وسأله ابن هانئ: ملك نصاب غنم ستة أشهر ثم
باعها فمكث ثمنها عنده ستة أشهر1؟ قال: إذا
فر2 بها من الزكاة زكى ثمنها إذا حال الحول
عليه،
وقيل: يعتبر الأحظ للفقراء، وإن قال لم أقصد
بذلك الفرار ففي قبوله في الحكم وجهان "م 19".
وفي مفردات أبي يعلى الصغير عن بعض
ـــــــ
مسألة - 19: ومن قصد ببيع أو هبة أو إتلاف
ونحوه الفرار من الزكاة حرم ولم تسقط، وإن
قال: لم أقصد بذلك الفرار ففي قبوله في الحكم
وجهان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم:
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "ط": "أقر".
(3/476)
الأصحاب: تسقط
بالتحيل "و هـ ش"1 كما بعد الحول الأول "و"
لعدم تحقق التحيل فيه، ويأتي آخر زكاة
العروض2: من أكثر شراء عقار فارا من الزكاة.
ـــــــ
1 في "ط": "و".
2 4/200.
(3/477)
فصل: تجب الزكاة في عين المال،
نقله واختاره الجماعة، قال الجمهور: هذا ظاهر
المذهب، حكاه أبو المعالي وغيره "و هـ م ق"
وعنه: تجب في الذمة، اختاره الخرقي وأبو
الخطاب وصاحب التلخيص، قال ابن عقيل: هو
الأشبه بمذهبنا "و هـ ق" فعلى الأول: لو لم
يزك نصابا حولين فأكثر لزمه زكاة واحدة "و هـ
ق" ولو تعدى بالتأخير "م"3، وعلى الثانية يزكي
لكل حول، أطلقه أحمد وبعض الأصحاب، قال ابن
عقيل وغيره4: ولو قلنا إن الدين يمنع وجوب
الزكاة لم تسقط هنا، لأن الشيء لا يسقط نفسه،
وقد يسقط غيره، واختار جماعة منهم صاحب المحرر
و5"المستوعب"5: إن سقطت الزكاة بدين الله
تعالى وليس له سوى النصاب فلا زكاة للحول
الثاني، لأجل الدين، لا للتعلق بالعين، زاد
صاحب المستوعب: متى قلنا يمنع الدين فلا زكاة
للعام الثاني، تعلقت بالعين أو بالذمة، وإن
ـــــــ
أحدهما: يقبل قلت: وهو أولى من الوجه الثاني.
والوجه الثاني لا يقبل قلت: الصواب في ذلك أن
يرجع إلى القرائن، فإن دلت على الفرار لم
تقبل، وإلا قبل، والله أعلم.
ـــــــ
3 ليست في الأصل و"ط".
4 ليست في "ب" و"س".
5 ليست في "ط".
(3/477)
أحمد حيث لم
يوجب زكاة العام الثاني فإنه بنى على رواية
منع العين؛ لأن زكاة العام الأول صارت دينا
على رب المال، والعكس بالعكس، وجعل فوائد
الروايتين إخراج الراهن الموسر من الرهن بلا
إذن إن علقت بالعين، واختاره في سقوطها بالتلف
وتقديمها على الدين. وقال غيره خلافه، وإنه إن
كان فوق نصاب، فإن وجبت في العين نقص من زكاته
لكل حول بقدر نقصه بها، فإذا نقص بذلك عن نصاب
فلا زكاة لما بعد ذلك، وإن وجبت في الذمة زكاه
جميعه لكل حول، ما لم تفن الزكاة المال. وقال
ابن تميم: إن قلنا تجب في العين فهل تتكرر
الزكاة بتكرر الأحوال؟ فيه وجهان، والشاة في
الإبل تتكرر بتكرر الأحوال إن قلنا دين الزكاة
لا يمنع، كذا قال، وكذا عند زفر تتعلق بالعين
وتتكرر، كما لو كانت الزكاة1 دينا فأتلف نصابا
وجبت فيه، ثم حال عنده حول على نصاب آخر 2"ورد
بالمنع"2 على رواية ثم التعلق بالعين أقوى،
ولهذا يمنع النذر المتعلق بالعين، ولا يمنع
إذا كان في الذمة، على رواية، فعلى المذهب في
مائتين وواحدة من الغنم خمس، ثلاث للأول،
واثنتان للثاني، و ق وعلى الثاني ست لحولين،
ولو لم يزك خمسين من الغنم اثني عشر حولا زكى
أحد عشر شاة، وفي الثانية عشرة الخلاف، أما لو
كان الواجب من غير الجنس كالإبل المزكاة
بالغنم، فنص أحمد أن الواجب فيه في الذمة، وأن
الزكاة تتكرر، وفرق بينه وبين الواجب من الجنس
"و م ش" لأن الواجب هنا ليس
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و"ط".
2 في "ط": "فالمنع ورد".
(3/478)
بجزء1 من
النصاب. وظاهر كلام أبي الخطاب واختاره صاحب
المستوعب والمحرر: أنه كالواجب من الجنس "و هـ
ش" على ما سبق من العين والذمة؛ لأن تعلق
الزكاة كتعلق الأرش بالجاني، والدين بالرهن،
فلا فرق إذا، فعلى النص: لو لم يكن له سوى خمس
من الإبل ففي امتناع زكاة الحول الثاني لكونها
دينا الخلاف، قال القاضي في الخلاف: هذه
المسألة لا تلزمه؛ لأن أحمد علل في المال
"بما" إذا أدى منه نقص، فاقتضى ذلك إذا أدى من
الغنم ما يحصل عليه به دين لم يلزمه؛ لأن
الدين يمنع وجوب الزكاة، وحمل كلام أحمد على
أنه عنده من الغنم ما يقابل الحولين، فعلى
النص في خمس وعشرين بعيرا في ثلاثة أحوال،
لأول2 حول بنت مخاض، ثم ثمان3 شياه لكل حول
"*" "4". وعلى
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله في فوائد وجوب الزكاة في
العين أو في الذمة إذا كان الواجب من غير
الجنس كالإبل المزكاة بالغنم، فنصه: أن الواجب
فيه في الذمة، وظاهر كلام أبي الخطاب وغيره
أنه كالواجب من جنس، فعلى النص في خمس وعشرين
بعيرا في
ـــــــ
1 في الأصل: "جزءا".
2 ليست في "ط".
3 في الأصل: "ثلاث"، وفي هامشه: "لعله ثمان".
(3/479)
كلام أبي
الخطاب أنها تجب في العين مطلقا كذلك لأول حول
ثم الثاني، ثم إن نقص النصاب بذلك عن عشرين
بعيرا إذا قومناها فللثالث ثلاث شياه، وإلا
أربع، وهل يمنع التعلق بالعين انعقاد الحول
الثاني قبل الإخراج؟ يأتي في الفصل الثالث من
الخلطة 1 "*".
ـــــــ
1 4/47.
(3/480)
فصل: يجوز لمالك إخراج الزكاة من غير النصاب
بلا رضى الساعي
"و" وإنما النصاب بعد وجوبها كله له "و" ولو
أتلفه بعد وجوبها لزمه ما وجب فيه من2 الحيوان
لا قيمة الحيوان "و" وله إتلافه "و" ووطئ أمة
للتجارة، وكذا له
ـــــــ
ثلاثة أحوال، 3"لأول حول بنت مخاض، ثم ثمان
شياه لكل حول، انتهى. في كلام المصنف"3 سقط،
وصوابه أن يقال بعد ثمان شياه: لكل حول أربع،
فسقط لفظ أربع بعد قوله: لكل حول، وهو واضح،
والله أعلم.
ـــــــ
2 ليست في "ب" و"س".
3 ليست في "ط".
(3/480)
بيعه وغيره من
التصرفات، ولو تعلقت بالعين، لهذه المسائل،
ولمفهوم النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها،
وكأرش الجناية، وفي هذا الأصل خلاف، ومسألتنا
مثله، فدل على الخلاف فيها "و ش" ولا يرجع
البائع بعد لزوم البيع في قدرها، ويكلف
إخراجها، فإن تعذر فسخناه في قدرها، وللمشتري
الخيار، لتفريق الصفقة. وقال ابن تميم: للساعي
فسخ البيع في قدرها، وفي أحد الوجهين، أصلهما
محل الزكاة، وفي غيره روايتا تفريق الصفقة،
ذكره في الشافي. وقال ابن عقيل: رهن ما وجبت
فيه الزكاة إذا لم يكن له ما يخرج منه غيره لا
يجوز، وقال في الفنون: يجوز بيع مال الزكاة
كله، كذا قال، ويتوجه أن البيع في المنع
كالرهن. وفي الرعاية: للبائع الفسخ في قدرها،
وقيل: يبطل في الكل، كذا قال، وقيل: يبقى في
ذمته، وقدمه بعضهم.
ـــــــ
...............................
(3/481)
فصل: المذهب تجب الزكاة إذا حال الحول،
فلا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء "و هـ ق"1
ولخبر اشتراط الحول2، ولانعقاد الحول الثاني
عقب الحول الأول "ع" واحتج القاضي وغيره بأن
للساعي المطالبة، ولا يكون إلا لحق سبق وجوبه،
وكالصوم فإنه يقضيه المريض بخلاف الإطعام عنه،
على الأصح؛ لأن في الكفارة والفدية معنى
العقوبة، وعنه: لا تجب، فيعتبر التمكن من
الأداء "و م ق"3 فعلى الأول لو تلف النصاب بعد
الحول قبل التمكن من الأداء ضمنها، وعلى
الثاني لا، وجزم في "الكافي"4، ونهاية أبي
المعالي بالضمان، واحتجا به للمذهب؛ لأنها لو
لم تجب لم يضمنها، وقاسه أبو المعالي على
تفويته العبد الجاني، وهذا باتفاق من أبي
حنيفة والشافعي وكذا لو أتلف ضمنها على
الأولى، لأنها عين تلزمه مؤنة تسليمها إلى
مستحقها تلفت في يده، كعارية وغصب ومقبوض
بسوم، وعكسه زكاة الدين لعدم تلفه بيده، وسقوط
العشر بآفة قبل
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "و ش".
2 تقدم تخريجه ص 471.
3 في "ط": "و ش"، وفي "س": "و م ق هـ".
4 2/95.
(3/482)
الإحراز؛ لأنها
من ضمان البائع، بدليل الجائحة، كذا ذكره
الشيخ وغيره، وذكر صاحب المحرر وغيره بدل "قبل
الإحراز": قبل أخذه، واحتج بالجائحة. وفي
الرعاية: قبل قطعه، وعلى الثانية: لا يضمنها
بتلفه، وظاهر الخرقي: مطلقا، "و" واختاره في
النصيحة والمغني1، والمستوعب وشيخنا، وذكره
جماعة رواية، مع اقتصارهم على وجوبها بالحول،
لوجوبها مع مواساة، فلا تجب مع فقره وعدم
ماله، وكوديعة ولقطة، وجزم بعضهم إن علقت
بالذمة لم تسقط، وإلا فالخلاف. وقال صاحب
المحرر على الرواية الثانية: تسقط في الأموال
الظاهرة دون الباطنة، نص عليه "و م" في رواية
أبي عبد الله النيسابوري وغيره، كذا قال:
وقال أبو حفص2 العكبري: روى أبو عبد الله
النيسابوري الفرق بين الماشية والمال، والعمل
على ما روى الجماعة أنها كالمال، 3"وغيره،
وذكر القاضي"3 وابن عقيل رواية: يعتبر إمكان
الأداء في غير
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 4/145.
2 في "ط": "جعفر".
3 ليست في "ط".
(3/483)
المال الظاهر،
وذكر أبو الحسين رواية: لا تسقط بتلف النصاب
غير الماشية، كما لا تضم ماشيته في بلدين
متباعدين، وتضم بقية الأموال، كذا قال، أما لو
أمكنه الأداء فلم يزك لم تسقط، كزكاة الفطر
والحج؛ ولأن المستحق غير معين، وفي العبد
الجاني معين رضي بالترك، أو المستحق هنا هو
الله وقد أمر بالدفع، قال الحنفية: وبعد طلب
الساعي قيل: يضمن، وقيل لا، لعدم التفويت، وفي
الاستهلاك وجد التعدي، وعندهم في هلاك البعض
يسقط بقدره، ولم يعتبر في المستوعب السقوط
بالتلف إلا بالعبد الجاني، فيلزمه ولو تمكن،
وصرح بخلافه، ومن أمكنه لكن خاف رجوع الساعي
فكمن لم يمكنه "ش" ولو نتجت السائمة لم يضم في
حكم الحول الأول على المذهب، ويضم على الثاني،
كقبل الحول، وذكر صاحب المحرر: لو تلف بعضه
زكى الباقي، على المذهب الأول، ولو أسقطنا
زكاة التالف، لا على الثاني، كذا قال، مع أنه
احتج للرواية الثانية بنصها في هذه المسألة:
لا زكاة لما تلف، وظاهره يزكي بقيته على هذه
الرواية، وذكر أيضا الروايتين في الزرع
والثمر، ثم قال: إن تلف البعض وبقي دون نصاب
ففيه بقسطه، على الرواية المنصوصة، كبقية
الزكوات، وذكر في "الكافي"1 الرواية الأولى ثم
الثانية، ثم قال: وإن تلف بعض
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 2/59.
(3/484)
النصاب قبل
التمكن سقط من الزكاة بقدره.
ومن نذر أضحية أو الصدقة بدراهم معينة، فتلفت،
فروايتان. وقال جماعة منهم القاضي وأبو
الخطاب: ولو تمكن، نظرا إلى عدم تعيين مستحق،
كزكاة، وإلى تعلق الحق بعين معينة، كعبد جان،
وأما أبو المعالي فقال: إن تلفت قبل التمكن
فلا ضمان، وإلا فوجهان إن قلنا يسلك بالنذر
مسلك الواجب شرعا ضمن، ومسلك التبرع لم يضمن
"م 20".
(3/485)
فصل: ولا تسقط زكاة بالموت عن مفقود وغيره،
وتؤخذ من التركة، نص عليه "و" ولو لم يوص "هـ
م" بها كالعشر "و" فإن أوصى بها فمن ثلثه عند
أبي حنيفة ومالك، وكذا قال في الحج، وقدمها
مالك على بقية الوصايا إن
ـــــــ
مسألة - 20: قوله: ومن نذر أضحية أو الصدقة
بدراهم معينة فتلفت فروايتان، وقال جماعة منهم
القاضي وأبو الخطاب: ولو تمكن، نظرا إلى عدم
تعيين مستحق كزكاة وأما أبو المعالي فقال: إن
تلفت قبل التمكن فلا ضمان، وإلا فوجهان، إن
قلنا يسلك بالنذر مسلك الواجب شرعا ضمن، ومسلك
التبرع لم يضمن، انتهى. ذكر المصنف في هذه
المسألة ثلاث طرق، وقدم أن فيها روايتين إذا
لم يتمكن من الإخراج، وأطلقهما:
(3/485)
فرط، وبدونه
تكون من رأس ماله، ونقل إسحاق بن هانئ في حج
لم يوص به وزكاة وكفارة من الثلث، ونقل عنه
أيضا: "من رأس المال مع علم ورثته، ونقل عنه
أيضا": في زكاة من رأس ماله مع صدقة، فهذه
أربع روايات في المسألة، ولفظ الرواية الثانية
يحتمل تقييده بعدم الوصية، كما قيد الحج،
يؤيده أن الزكاة مثله، أو آكد على ما يأتي1،
ويحتمل أنه على إطلاقه، ولم أجد في كلام
الأصحاب سوى النص السابق.
ويتحاص دين الله ودين الآدمي، نص عليه، وق
ونقله عبد الله، ونقل أيضا: يبدأ بالدين وق
وذكره بعضهم قولا2؛ لتقديمه بالرهنية، وقيل:
تقدم الزكاة إن علقت "و ق" بالعين، اختاره في
المجرد3، والمستوعب وغيرهما، قال صاحب المحرر:
كبقاء المال الزكوي، فجعله أصلا، وذكره بعضهم
من تتمة القول، وزاد صاحب المحرر: وتقدم ولو
علقت
ـــــــ
إحداهما: لا يضمن. قلت: وهو الصواب.
ـــــــ
1 ص 487.
2 بعدها في "ط": "واحدا".
3 في "ط": "المحرر".
(3/486)
بالذمة، قال:
لأن تعلقها بالعين قهري، فتقدم على مرتهن
وغريم ومفلس، كأرش جناية، وإن تعلقت بالذمة
فهذا التعلق بسبب المال فيزداد وينقص ويختلف
بحسبه، وهو من حقوق المال ونوائبه، فألحق بها
في التقديم على سائر الديون، وما زاده صاحب
المحرر ذكره ابن تميم وجها، وأنه أولى، وقال:
معنى التعلق بالعين كتعلق أرش الجناية، وفيه
وجه كتعلق الرهن، قال شيخنا: ولو كان له ديون
لم تقم يوم القيامة بالزكاة؛ لأن عقوبتها
أعظم، ثم ذكر ما ذكره العلماء، وهو ما دل عليه
حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "أول ما يحاسب به العبد يوم
القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل
انظروا هل له من تطوع، فإن كان له تطوع أكملت
الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال
المفروضة مثل ذلك" . حديث صحيح رواه أبو داود
والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه، ورواه
أحمد1، وله2 أيضا معناه من حديث تميم الداري.
وديون الله سواء. نص عليه، فدل أن الروايات
السابقة في كل دين لله، وعنه: تقدم الزكاة على
الحج، وقاله بعضهم؛ لأن قدر الواجب منها
مستقر، وذكره بعضهم قولا، ويقدم النذر بمعين
عليهما، وعلى الدين، كما يأتي في الأضحية3،
ويتوجه تخريج واحتمال مع بقاء ملكه وجواز بيعه
وإبداله.
ـــــــ
والرواية الثانية: يضمن.
فهذه عشرون مسألة في هذا الباب، أطلق الخلاف
فيها، وصحح أكثرها، ولله الحمد.
ـــــــ
1 أبو داود "864"، النسائي 1/232، ابن ماجه
"1426"، الترمذي "413"، أحمد "7902".
2 في المسند "16954".
3 6/99.
(3/487)
فصل:النصاب
الزكوي سبب لوجوب الزكاة
وكما ويدخل فيه تمام الملك يدخل فيه من تجب
عليه، أو يقال: الإسلام والحرية شرطان للسبب،
فعدمهما مانع من صحة السبب وانعقاده، وذكر غير
واحد هذه الأربعة شروطا للوجوب، كالحول فإنه
شرط الوجوب بلا خلاف لا أثر له في السبب، وأما
إمكان الأداء فشرط للزوم الأداء، وعنه:
للوجوب، كما سبق، والله أعلم.
(3/488)
فصل المال
الزكوي:
الإبل والبقر والغنم والزرع والثمر وما يتعلق
بذلك، وفي حكمه العسل ونحوه، والأثمان وقيمة
عروض التجارة، ويأتي ذلك مبينا في أبوابه، ولا
زكاة في غير ذلك، ويأتي في آخر باب بعده1 حكم
المتولد بين الوحشي والأهلي وبقر الوحش
والظباء والخيل، إن شاء الله.
ـــــــ
1 4/34.
(3/488)
المجلد الرابع
تابع كتاب الزكاة
باب زكاة السائمة
مدخل
...
باب زكاة السائمة
تجب الزكاة في الإبل "ع" والبقر "ع" والغنم
"ع" السائمة "و هـ ش" للدر والنسل زاد بعضهم:
والتسمين، وقيل: والعمل، كالإبل التي تكرى،
وهو أظهر، ونص أحمد: لا "و هـ ش" وقيل: تجب في
المعلوفة "و م" كمتولد بين سائمة ومعلوفة. "و"
وأطلق بعضهم فيما إذا كان نتاج النصاب رضيعا
سائما وجهين وبعضهم: احتمالين، وسيأتي.
ويعتبر السوم بأن ترعى المباح. فلو اشترى لها
ما ترعاه وجمع لها ما تأكل فلا زكاة. ولا زكاة
في ماشية في الذمة. كما سبق. و للأصحاب وجهان:
هل السوم شرط، أو عدمه مانع؟ فلا يصح التعجيل
قبل الشروع فيه على الأول، ويصح على الثاني
"م".
ـــــــ
"تنبيه" قوله: وأطلق بعضهم فيما إذا كان نتاج
النصاب1 رضيعا سائما وجهين، انتهى. لعله:
رضيعا غير سائم كما في الرعاية وغيرها، وهو
الصواب.
"مسألة 1" قوله: وللأصحاب وجهان، هل السوم
شرط، أو عدمه مانع؟ فلا يصح التعجيل قبل
الشروع فيه على الأول، ويصح على الثاني،
انتهى، وأطلقهما
ـــــــ
1 في "ط": "السائمة".
(4/5)
.................
ـــــــ
ابن تميم وابن حمدان في الرعاية الكبرى، وصاحب
الفائق، وبنوا هذا الفرع على هذا الخلاف كما
فعل المصنف:
أحدهما: عدم السوم مانع. قلت: في كلام الشيخ
والشارح وغيرهما القطع بأن عدم السوم مانع.
والوجه الثاني : السوم شرط.
تنبيه : قال القاضي محب الدين بن نصر الله في
حواشي هذا الكتاب: في تحقق هذا الخلاف نظر،
لأن كل ما كان وجوده شرطا كان عدمه مانعا، كما
أن كل مانع فعدمه شرط، ولم يفرق أحد بينهما،
بل نصوا على أن المانع عكس الشرط، فوجود
المانع كعدم الشرط، فلزم من كل منهما انتفاء
الحكم، ووجود الشرط كعدم المانع، لأنه يلزم من
كل منهما1 وجود الحكم، وحينئذ لا فرق بين
العبارتين. وإذا كان كذلك لم يظهر وجه
الاختلاف في الفرع المذكور، فإن معنى كون عدم
السوم مانعا أنه يمنع انعقاد الحول، ومعنى كون
وجوده2 شرطا أنه شرط لانعقاده، فإن كان انعقاد
الحول شرطا في صحة التعجيل لم يصح مع عدم
السوم، لعدم انعقاده، وصح مع وجوده، وإن لم
يكن انعقاد الحول شرطا في صحة التعجيل صح مع
عدم السوم، ولكن هذا لا يعرف، أعني كون انعقاد
الحول ليس شرطا في صحة التعجيل، وعلى مقتضى ما
ذكره المصنف، من أن وجود مانع انعقاد الحول لا
يمنع صحة تعجيل الزكاة لو كان معه نصاب، وعليه
دين مثله، صح تعجيله؛ لأن الدين مانع، فلينظر
في ذلك، قال: وقد تقدم قبل هذه الورقة بخمس
ورقات في أول الصفحة اليمنى: متى أبرئ المدين
أو قضى من مال مستحدث ابتدأ حولا؛ لأن ما منع
وجوب الزكاة منع انعقاد الحول وقطعه، وهذا
يحقق أنه لا فرق بين وجود المانع وعدم الشرط
في الحكم، انتهى.
ـــــــ
1 أي وجود الشرط وانعدام المانع وهذا التعبير
فيه نظر، لأن وجود الشرط كانعدام المانع لا
يلزم من وجوده وجود الحكم ولا انعدامه، ولكن
يلزم من انعدامه عدم الحكم. والله أعلم.
2 ليست في "ط".
(4/6)
.................
ـــــــ
والجواب عما قال وبالله التوفيق أن الخلاف
الذي ذكره المصنف ليس مختصا به، بل نقله عن
الأصحاب، وهو ثقة فيما ينقل، وصرح به ابن تميم
وابن حمدان وصاحب الفائق وغيرهم، وكذلك الفرع
المبني عليه لم يختص به المصنف، بل قد سبقه
إليه ابن تميم وابن حمدان وغيرهما، وهم من
أئمة المذهب، وقد تابعهم المصنف ولم يتعقبهم
كما هو عادته،
وملخص الجواب أن التعجيل يصح إذا وجد السبب
وهو النصاب، مع وجود المانع وهو عدم حولان
الحول، ألا ترى أن الأصحاب قالوا: يجوز
التعجيل قبل الحول ونص عليه في رواية جماعة،
وهو مانع من وجوبها، بل التعجيل لا يكون إلا
كذلك، ولا يصح مع وجود الشرط كاملا، كمضي
الحول فإنه شرط بلا نزاع، ولا يصح التعجيل بعد
وجوده، لوجوبها إذن، فهذا شرط لا يصح التعجيل
بعد وجوده، وما قلناه أولا مانع يصح التعجيل
مع وجوده، وهذه شبيهة بمسألة المحشي يصح
التعجيل مع وجود المانع، وهو عدم حولان الحول،
ولا يصح مع حصول الشرط، وهو مضي الحول، فإن
عجل لحول مستقبل فالشرط لم يوجد، والمانع
موجود، والله أعلم.
وقول المحشي: "لأن كل ما كان وجوده شرطا كان
عدمه مانعا، كما أن كل مانع فعدمه شرط، ولم
يفرق أحد بينهما بل نصوا على أن المانع عكس
الشرط" انتهى. هذا صحيح، قد نص عليه الأصوليون
لكن لم يمنعوا من ترتيب حكم على وجود المانع
وانتفائه قبل1 وجود الشرط أو بعضه.
وقوله: "فإن معنى كون عدم السوم مانعا أنه
يمنع انعقاد الحول" غير مسلم، بل ينعقد الحول
ويكون مراعى، ألا ترى أن الإبل مثلا إذا لم
ترع في أول الحول، كالشهر الأول والثاني
والثالث والرابع مثلا، ثم رعت بعد ذلك أكثر من
نصف الحول، نتبين أن الحول انعقد عن أوله وإن
لم تكن رعت فيه، فليس عدم السوم مانعا من
انعقاد الحول مطلقا، بل من الوجوب،
ـــــــ
1 في "ح" "بل".
(4/7)
.................
ـــــــ
وقوله أيضا، "معنى كون وجوده شرطا أنه شرط
لانعقاده" غير مسلم أيضا، بل قد ينعقد الحول
قبل وجود الشرط، كما مثلنا قبل، وقد لا ينعقد
إلا بعد وجوده، كالإسلام والحرية.
وقوله: "فإن كان انعقاد الحول شرطا في صحة
التعجيل لم يصح مع عدم السوم، لعدم انعقاده،
وصح مع وجوده" فنقول: ليس بين انعقاد الحول
وعدم السوم ملازمة، لصحة التعجيل، بل قد ينفك
عنه وهو وجود انعقاد1 الحول مع عدم السوم، كما
مثلنا به قبل، وقوله: "وإن لم يكن انعقاد
الحول شرطا في صحة التعجيل صح مع عدم السوم"
فنقول: هذا صحيح فإن عدم انعقاد الحول ليس
بشرط في صحة التعجيل، بل يصح التعجيل قبل
انعقاد الحول إذا وجد السبب، ألا ترى أن
الأصحاب جوزوا التعجيل عن الحول الثاني قبل
دخوله، على الصحيح من المذهب، وقدمه المصنف،
وكذلك عن الحول الثالث على رأي، وقد صح انعقاد
الحول مع عدم السوم،
وقوله: "ولكن هذا لا يعرف أعني كون انعقاد
الحول ليس شرطا في صحة التعجيل" غير مسلم، بل
هو معروف، وقد قاله الأصحاب، كما قلنا إذا
عجله لأكثر من حول إذا وجد السبب وهو النصاب،
وعلى كل تقدير يجوز التعجيل إذا وجد السبب وهو
النصاب، مع وجود المانع وهو عدم حولان الحول،
وأما وجود بعض الشروط كاملا فلا يتصور معه
تعجيل الزكاة، كحولان الحول مثلا، وقد يتصور
إذا وجد بعض الشرط، كالسوم إذا قلنا إنه شرط
وشرع فيه، وكذا الشروع في الحول في زكاة
النقدين ونحوهما، وقوله: "وعلى مقتضى ما ذكره
المصنف من أن وجود مانع انعقاد الحول لا يمنع
صحة تعجيل الزكاة لو كان معه نصاب، وعليه
مثله، صح تعجيله؛ لأن الدين مانع فلينظر" غير
مسلم؛ لأن المصنف لم يلتزم أن كل مانع يجوز
التعجيل معه، بل قال: وذلك إذا وجد السبب.
وهنا لم يوجد السبب لوجود الدين، والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(4/8)
ويعتبر السوم
أكثر الحول، نص عليه في رواية صالح، وفي
الخلاف في مسألة نقص النصاب: في بعض الحول، نص
عليه في مواضع، وذكره الخرقي فيمن بعده "و هـ"
وقيل: يعتبر كله، زاد بعضهم: ولا أثر لعلف يوم
ويومين "و ش"
ولا يعتبر للسوم والعلف نية، في وجه، فلو سامت
بنفسها أو أسامها غاصب وجبت الزكاة، كغصبه حبا
وزرعه1 في أرض ربه فيه العشر على مالكه،
كنباته بلا زرع.
وإن اعتلفت بنفسها أو علفها غاصب فلا زكاة،
لفقد السوم المشترط، والمحرم الغصب لا العلف،
ويعتبر لهما النية في وجه آخر، فلا زكاة إذا
سامت بنفسها أو أسامها غاصب "م 2" لأن ربها لم
يرض بإسامتها
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: ولا يعتبر للسوم والعلف نية
في وجه، فلو سامت بنفسها أو أسامها غاصب وجبت
الزكاة، وإن اعتلفت بنفسها أو علفها غاصب فلا
زكاة، لفقد السوم المشترط، والمحرم الغصب لا
العلف، ويعتبر لها النية في وجه آخر، فلا زكاة
إذا سامت بنفسها أو أسامها غاصب، انتهى.
وأطلقهما في الرعايتين
ـــــــ
1 في "ط": "وزرعا".
(4/9)
فقد فقد1 قصد
الإسامة المشترطة، زاد صاحب المغني والمحرر:
كما لو سامت بنفسها2 من غير3 أن يسيمها،
فجعلاه أصلا وكذا4 قطع به أبو المعالي،
ـــــــ
والحاويين والزركشي، وأطلقهما في المغني5
والشرح6 وشرح ابن رزين فيما إذا كانت معلوفة
عند المالك سائمة عند الغاصب، وقدموا في عكسها
عدم الزكاة، ونصره في المغني والشرح:
أحدهما : لا يعتبر لهما النية، وحجه أبو
المعالي، قال ابن تميم وصاحب الفائق والمصنف
في حواشي المقنع: لا يعتبر في السوم والعلف
نية في أصح الوجهين، انتهى. قلت: وهو الصواب،
والوجه الثاني: يعتبر لها النية، قال المجد في
شرحه: وهو أصح، وصححه في
ـــــــ
1 في "ط": "ففقد"
2 ليست في الأصل و"ب" و "ط".
3 ليست في "س".
4 ليست في الأصل و"ط".
5 4/273.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/329.
(4/10)
وتجب إذا
اعتلفت بنفسها أو علفها غاصب، لأن فعله محرم،
كما لو غصب أثمانا وصاغها حليا، ولعدم المؤنة،
كما لو ضلت فأكلت من المباح، قال صاحب المحرر:
وطرده: ما لو سلمها إلى راع ليسيمها فعلفها،
وعكسه: ما لو تبرع حاكم ووصى بعلف ماشية يتيم
وصديق بذلك، بإذن صديقه، لفقد قصد الإسامة ممن
يعتبر وجوده منه، وقيل: تجب إذا علفها غاصب،
اختاره غير واحد، فقيل: لتحريم فعله، وقيل
لانتفاء المؤنة عن ربها "م 3" وقيل: تجب إن
أسامها، لتحقق الشرط، كما لو كمل النصاب بيد
الغاصب،
فهذه خمسة أوجه في مسائل السوم الخمسة. وإن لم
يعتد بسوم الغاصب ففي اعتبار كون سوم المالك
أكثر السنة وجهان "م 4". قال الأصحاب: يستوي
غصب
ـــــــ
مجمع البحرين، هو ظاهر كلام الخرقي.
"مسألة 3" قوله: وقيل: تجب إذا علفها غاصب،
اختاره غير واحد، فقيل: لتحريم فعله، وقيل:
لانتفاء المؤنة عن ربها، انتهى. وأطلقهما في
الرعاية الكبرى ومختصر ابن تميم،
أحدهما إنما تجب لتحريم فعله، واختاره القاضي،
وجزم به ابن رزين في شرحه. والقول الثاني
لانتفاء المؤنة، اختاره الآمدي. قلت: وهو
الصواب. وأبطل الشيخ والشارح التعليلين بناء
منهما على عدم وجوب الزكاة إذا علفها الغاصب،
والله أعلم.
مسألة 4" قوله: فإن ففي اعتبار كون سوم المالك
أكثر السنة وجهان، انتهى، وأطلقهما ابن تميم
وابن حمدان في الكبرى،
أحدهما لا يعتبر ذلك، وهو ظاهر1 ما جزم به في
المغني2 والشرح3 وشرح ابن رزين، فإنهم قالوا:
لو كانت سائمة عند المالك والغاصب وجبت
الزكاة، وأطلقوا1.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 4/273.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/329.
(4/11)
النصاب وضياعه
كل الحول أو بعضه، وقيل: إن كان السوم عند
الغاصب أكثر فالروايتان، وإن كان عند ربها
أكثر وجبت، وإن كانت سائمة عندهما وجبت الزكاة
على رواية وجوب الزكاة في المغصوب، وإلا فلا.
وإن غصب رب السائمة علفها، فعلفها وقطع السوم،
ففي اعتبار انقطاعه شرعا وجهان "م 5"
وكذا لو قطع ماشيته عن السوم لقصد قطع الطريق
بها ونحوه، أو نوى قنية عبيد التجارة كذلك، أو
نوى بثياب الحرير للتجارة لبسها "م 6". وفي،
الروضة: إن أسامها بعض الحول ثم نواها لعمل أو
حمل فلا زكاة، كسقوط زكاة التجارة بنية
القنية، كذا قال، وهي محتملة، وبينهما فرق،
وجزم جماعة بأن من نوى بسائمة1 عملا لم تصر له
به قبله، وإن غصب حليا
ـــــــ
والوجه الثاني يعتبر. وهو ظاهر كلام جماعة،
وهو قوي.
"مسألة 5" قوله: وإن غصب رب السائمة علفا،
فعلفها وقطع السوم، ففي انقطاعه شرعا وجهان،
انتهى. وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان،
أحدهما ينقطع، وتسقط الزكاة، وهو الصحيح، قطع
به في المغني2 والشرح3 في بحثهما، وهذا ظاهر
كلام كثير من الأصحاب،
والوجه الثاني لا ينقطع السوم ولا تسقط
الزكاة.
"مسألة 6" قوله: وكذا لو قطع ماشيته عن السوم
لقصد قطع الطريق بها ونحوه، أو نوى قنية عبيد
التجارة كذلك، أو نوى بثياب الحرير للتجارة
لبسها، انتهى. وقد تقدم حكم المقيس عليه، فكذا
المقيس، وهذا هو الصحيح، أعني أن الصحيح سقوط
الزكاة بذلك.
ـــــــ
1 في الأصل: "بسائمته".
2 4/274.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/330
(4/12)
فكسره أو ضربه
نقدا وجبت، في الأصح، لزوال المسقط لها، وإن
غصب عرضا للتجارة فاتجر فيه لم تجب، لأن بقاء
نية التجارة شرط، فإن نوى التجارة بها عند
الغاصب فوجهان "م 7".
(4/13)
فصل: أقل نصاب الإبل خمس
"ع" فتجب فيها شاة "ع" وقال أبو بكر تجزئه
عشرة دراهم؛ لأنها بدل شاة الجبران، كذا أطلقه
بعضهم، وذكر بعضهم: لا تجزئه مع وجود الشاة في
ملكه، وإلا فوجهان. ولا تعتبر الشاة بغالب غنم
البلد "م" وتعتبر الشاة بصفة الإبل، ففي كرام
سمان كريمة سمينة، والعكس بالعكس، وإن كانت
الإبل معيبة فقيل الشاة كشاة الصحاح؛ لأن
الواجب من غير الجنس كشاة الفدية والأضحية،
وقيل: بل صحتها بقدر المال، تنقص قيمتها بقدر
نقص1 الإبل كشاة الغنم،
ـــــــ
"مسألة 7" قوله: وإن غصب عرضا للتجارة فاتجر
فيه لم تجب؛ لأن بقاء نية التجارة شرط، فإن
نوى التجارة بها2 عند الغاصب فوجهان، انتهى.
وأطلقهما ابن تميم:
أحدهما : لا تجب الزكاة قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: تجب الزكاة، وتؤثر النية.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 ليست في "ح".
(4/13)
وقيل: شاة تجزئ
في الأضحية "م 8"
ولا تعتبر القيمة، ولا يجزئ بعير، نص. عليه "و
م" كبقرة، وكنصفي شاتين في الأصح، وقيل: بلى
إن كانت، قيمته قيمة شاة وسط فأكثر، بناء على
إخراج القيمة "و هـ" وقيل: تجزئ إن أجزأ عن
خمس وعشرين "و ش".
ـــــــ
"مسألة 8" قوله: وإن كانت الإبل معيبة، فقيل:
الشاة كشاة الصحاح؛ لأن الواجب من غير الجنس
كشاة الفدية والأضحية، وقيل: بل صحتها بقدر
المال، تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل، كشاة
الغنم، وقيل: شاة تجزئ في الأضحية، انتهى.
وأطلقهما المجد في شرحه،
أحدهما يلزمه شاة كشاة الصحاح، لما علله
المصنف. قلت: وهو أضعفها، وما قيس عليه غير
مسلم، والقول الثاني وهو لزوم شاة صحتها بقدر
المال هو العدل والصواب، وهو ظاهر ما قدمه في
الرعاية الكبرى، وقدمه في المغني1 والشرح2
وشرح ابن رزين،
والقول الثالث اختاره القاضي، وفيه ما فيه.
ـــــــ
1 4/15.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/397-398.
(4/14)
وفي عشر شاتان
"ع" وفي خمس عشرة ثلاث شياه "ع" وفي عشرين
أربع شياه "ع" وفي خمس وعشرين بنت مخاض "ع"
ولها سنة سميت بذلك؛ لأن أمها قد حملت غالبا،
وليس بشرط، والماخض الحامل فإن عدمها في ماله
أو كانت معيبة فابن لبون ذكر، والأشهر أو
خنثى، وله سنتان، ولو نقصت قيمته عنها "هـ"،
أو حق، أو جذع، أو ثني وأولى، لزيادة السن،
وفي بنت لبون وله جبران وجهان، لاستغنائه بابن
اللبون عن الجبران. وجزم صاحب المحرر بالجواز
"م 9"؛ لأن الشارع لم يشترط لأحدهما عدم
الآخر. وفي جبران الأنوثة بزيادة سن في غيرها
وجهان "م 10" وإن كان في ماله بنت مخاض أعلى
من الواجب لم يجزه ابن لبون "ش" والأشهر:
ـــــــ
"مسألة 9" قوله: فإن عدمها يعني بنت المخاض
فابن لبون ذكر. أو حق، أو جذع، أو ثني وأولى،
لزيادة السن، وفي بنت لبون وله جبران1 وجهان،
لاستغنائه بابن لبون عن الجبران، وجزم صاحب
المحرر بالجواز، انتهى.
أحدهما، يجوز، وهو الصحيح، جزم به المجد في
شرحه، وابن تميم وابن حمدان وغيرهم؛ لأن
الشارع لم يشترط لأحدهما عدم الآخر.
والوجه الثاني لا يجوز ولا يجزئ.
مسألة 10" قوله: وفي جبران الأنوثة بزيادة سن
في غيرها وجهان، انتهى،
يعني هل يجبر فقد الأنوثة بزيادة سن في غير
بنت المخاض، وتجزئ، أم لا؟ أطلق الخلاف فيه،
وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان في الكبرى:
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(4/15)
ولا يلزمه
إخراجها، بل يخير بينها وبين شراء بنت مخاض
بصفة الواجب، وإن عدم ابن لبون لزمه شراء بنت
مخاض، ولا يجزئه هو "ش" لقوله في خبر أبي بكر
الصحيح1: فلم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها،
وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه، كذا ذكره ابن
حامد وتبعه الأصحاب، ويأتي قول أبي المعالي
فيمن عدم الواجب.
ـــــــ
أحدهما لا يجبر ولا يجزئ، وهو الصحيح، قدمه في
المغني2 والشرح3 وشرح ابن رزين وغيرهم،
ونصروه، واختاره القاضي وابن عقيل والمجد في
شرحه. وقال: ذكر ابن عقيل في موضع من الفصول
جواز الجذع عن الحقة وعن بنت لبون، لجواز الحق
عن بنت المخاض، وعلله، قال المجد: وهذا مناقض
لما ذكره من أنه لا يجوز إخراج الحق عن بنت
لبون، وهو مع ذلك سهو، وبين وجه السهو. وقال
في الفائق: ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة سن،
في أصح الوجهين، انتهى. قلت: وهو ظاهر كلام
أكثر الأصحاب،
والوجه الثاني يجبر، وقد تقدم ما قاله ابن
عقيل في موضع من الفصول، وما رده به المجد،
قال الشيخ في المغني والشرح عن هذا الوجه:
اختاره القاضي وابن عقيل، والظاهر أن لهما
اختيارين، فإن الأول ذكره المجد عنهما،
والثاني ذكره الشيخ عنهما أيضا، والله أعلم.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري 1448، عن أنس بن مالك أن أبا
بكر رضي الله عنه كتب له التي أمر الله رسوله
صلى الله عليه وسلم "ومن بلغت صدقته بنت مخاض
وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه،
ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، فإن لم
يكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون
فإنه يقبل منه، وليس معه شيء".
2 4/18.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/403.
(4/16)
وفي ست وثلاثين
بنت لبون "ع" سميت به؛ لأن أمها وضعت فهي ذات
لبن وقيل: ويجزئ ابن لبون بجبران لعدم، وفي ست
وأربعين حقة "ع" ولها ثلاث سنين سميت بذلك؛
لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها ويطرقها
الفحل وفي إحدى وستين جذعة "ع" ولها أربع
سنين؛ لأنها تجذع إذا سقطت سنها وتجزئ ثنية
بلا جبران سميت بذلك؛ لأنها ألقت ثنيتها،
وللشافعية في الجبران وجهان. قال أبو المعالي:
ولا يجزئ فوقها، وأطلق الشيخ وغيره في مسألة
الجبران الإجزاء وهو أظهر، وقيل: تجزئ حقتان
أو ابنتا لبون "و ش" وابنتا لبون عن الحقة،
جزم به الشيخ، قال بعضهم وينتقض ببنت مخاض عن
عشرين، وبثلاث بنات مخاض عن الجذعة.
والأسنان المذكورة للإبل قول أهل اللغة "و"
وذكر ابن أبي موسى لبنت مخاض سنتان، ولبنت
لبون ثلاث، ولحقة أربع، ولجذعة خمس كاملة،
فكيف يحمله صاحب المحرر على بعض السنة مع
قوله: كاملة، وقيل: لبنت مخاض: نصف سنة، ولبنت
لبون: سنة، ولحقة: سنتان. ولجذعة: ثلاث. وقيل:
بل ست.
وفي ست وسبعين ابنتا لبون "ع" وفي إحدى وتسعين
حقتان "ع" وفي إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات
لبون، وهل الواحدة عفو وإن تغير بها
ـــــــ
.................
(4/17)
الفرض أو يتعلق
بها الوجوب؟ فيه وجهان "م 11" ثم تستقر
الفريضة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل
خمسين حقة، هذا المذهب، للأخبار، منها خبر أنس
في البخاري1 وحديث أبي بكر "و ش م ر" وعنه:
الحقتان إلى مائة وثلاثين، فتستقر الفريضة كما
سبق، ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، اختاره
أبو بكر في كتاب الخلاف وأبو بكر الآجري "و م
ر" لخبر عمرو بن حزم2، وفيه ضعف، فإن صح عورض
بروايته الأخرى، وبما هو أكثر منه وأصح، ولا
أثر لزيادة بعض بعير ولا3 وبقرة وشاة. ومذهب
"هـ" تستأنف الفريضة بعد العشرين ومائة، ففي
كل خمس شاة مع الحقتين، إلى خمس وأربعين ففيها
حقتان وبنت مخاض، ثم في مائة وخمسين ثلاث
حقاق، ثم تستأنف الفريضة، فإذا زادت ففي كل
خمس من الزيادة شاة، إلى خمس وعشرين ففيها بنت
مخاض مع ثلاث الحقاق، وفي ست وثلاثين بنت لبون
مع ثلاث الحقاق، وفي ست وأربعين حقة مع ثلاث
الحقاق، فيصير أربعا، إلى مائتين، فإذا زادت
استؤنفت الفريضة كما بعد المائة والخمسين إلى
المائتين هكذا أبدا، لرواية مرسلة من
ـــــــ
مسألة 11" قوله: وفي إحدى وعشرين ومائة ثلاث
بنات لبون، وهل الواحدة عفو وإن تغير بها
الفرض أم يتعلق بها الوجوب؟ فيه وجهان، انتهى.
وهما لابن عقيل في عمد الأدلة، وأطلقهما ابن
تميم،
أحدهما يتعلق بها الوجوب، وكذا بغيرها، وظاهر
كلام أكثر الأصحاب، والوجه الثاني هي عفو وإن
تغير بها الفرض.
ـــــــ
1 في صحيحه 1453 و1454.
2 رواه النسائي في المجتبى 8/57 عن محمد بن
عمرو بن حزم.
3 ليست في الأصل و "ط".
(4/18)
حديث عمرو بن
حزم رضي الله عنه..
(4/19)
فصل: فإذا بلغت المائتين اتفق الفرضان،
فيخير المالك، للأخبار، واختاره أبو بكر وابن
حامد وجماعة، قال ابن تميم: والأكثر، قال صاحب
المحرر: وقد نص أحمد على نظيره في زكاة البقر،
ونص أحمد: تجب الحقاق. وقاله القاضي في الشرح،
وهو قول "هـ" على أصله، كما سبق، وأوله الشيخ
وغيره على صفة التخيير، وقدم القاضي في
الأحكام السلطانية أن الساعي يأخذ أفضلهما "و
م ش" وعين القاضي وابن عقيل وغيرهما ما وجد
عنده منهما. ومرادهم والله أعلم أن الساعي ليس
له تكليف المالك سواه "و" وفي كلام غير واحد
ما يدل على هذا، ولم أجد تصريحا بخلافه، وإلا
فالقول به مطلقا بعيد عند غير واحد، ولا وجه
له.
. ولو أخرج من النوعين كأربع حقاق وخمس بنات
لبون عن أربعمائة جاز. هذا هو المعروف، وجزم
به الأئمة، فإطلاق وجهين سهو، أما مع الكسر
فلا، كحقتين وبنتي لبون ونصفا عن مائتين، وفيه
تخريج من أعتق نصفي عبدين في الكفارة، وهو
ضعيف،
وإن وجد أحد الفرضين كاملا، والآخر ناقصا لا
بد له من جبران، تعين1 الكامل؛ لأن الجبران
بدل، فعلى هذا مع نقصها أقل عدد من الجبران لا
تجوز مجاوزته، وقيل: تجوز، لكونه لا بد من
الجبران، ومع عدم الفرضين أو عيبهما2 له
العدول عنهما مع الجبران، فيخرج خمس
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل: "بعتق".
2 في الأصل و "س" و "ط": "عينهما".
(4/19)
بنات مخاض وخمس
جبرانات عشر شياه أو مائة درهم، أو يخرج أربع
جذعات ويأخذ أربع جبرانات ثمان شياه أو ثمانين
درهما، ولا "1يجوز أن 1" يخرج بنات المخاض عن
الحقاق ويضعف الجبران، ولا الجذعات عن بنات
اللبون ويأخذ الجبران مضاعفا، لما سبق "و ش"
فيتوجه الوجه الضعيف، واحتج بالمنع هنا على
المنع في سن لا تلي الواجب، ولا يخرج أربع
بنات لبون مع جبران، ولا خمس حقاق ويأخذ
الجبران..
ـــــــ
1 ليست في "ب".
(4/20)
فصل: من عدم سنا واجبا لم يكلف تحصيله
"م" ويخرج دونه سنا يليه ومعه شاتين أو عشرين
درهما، أو يخرج فوقه سنا يليه ويأخذ مثل ذلك
من الساعي "و ش" ويعتبر كون ما عدل إليه في
ملكه، فإن عدمها حصل الأصل، كما سبق فيمن عدم
ابن لبون يحصل بنت مخاض لا هو، وذكر أبو
المعالي: لا يعتبر، ومذهب "هـ" له دفع سن فوق
الواجب أو دونه، فيأخذ ويدفع1 قيمة الفضل
بينهما عند المقومين، كان السن الواجب عنده أو
لا، بناء على القيمة. وفي الهداية للحنفية: من
لزمه سن فلم يوجد أخذ المصدق الأعلى منها ورد
الفضل، أو أخذ دونها وأخذ الفضل بناء على أخذ
القيمة، إلا أن في الوجه الأول له أن لا يأخذ
ويطالب بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء، وفي
الوجه الثاني يخير؛ لأنه لا بيع فيه، بل هو
إعطاء بالقيمة.
ـــــــ
1 في "ط": "فيدفع ويأخذ".
(4/20)
ومن جبر بشاة
وعشرة دراهم، أو أخرج سنا لا تلي الواجب لعدم،
على ما سبق وأخذ الجبران أو أعطاه، ففي الجواز
وجهان "م 12، 13" وقيل يجوز في الأول لا عكسه
"ش" وحيث تعدد1 جبران جاز2 جبران غنما
ـــــــ
"مسألة 12" قوله: ومن جبر بشاة وعشرة دراهم،
أو أخرج سنا لا تلي الواجب لعدم، على3 ما سبق
وأخذ الجبران أو أعطاه، ففي الجواز وجهان.
انتهى. ذكر المصنف مسألتين:
"المسألة الأولى" هل يصح الجبران بشاة وعشرة
دراهم أم لا؟ أطلق الخلاف فيه4 وأطلقه في
المذهب والتلخيص والمحرر وشرح الهداية
والرعايتين والحاويين والنظم والفائق والقواعد
الفقهية والزركشي وغيرهم،
أحدهما يصح، ويجزئه، وهو الصحيح، اختاره
القاضي، قال المجد في شرحه: وهو أقيس بالمذهب،
قال ابن أبي المجد في مصنفه: أجزأه في الأظهر،
وجزم به في الإفادات وقدمه في الكافي5 وشرح
ابن رزين، وصححه، في تصحيح المحرر. والوجه
الثاني لا يجزئه، وهو احتمال في الكافي6
والمغني7 والشرح8، ومالا إليه، وقدمه ابن تميم
قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب. "المسألة
الثانية" هل يجوز الانتقال إلى سن لا تلي
الواجب من فوق أو أسفل أم لا؟ أطلق الخلاف،
وأطلقه في المذهب والكافي والتلخيص ومختصر ابن
تميم والرعاية الكبرى وغيرهم:
ـــــــ
1 في "ط": "تعذر".
2 بعدها في "س" "فوق ما".
3 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".
5 2/109
6 2/110
7 4/26، 27.
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/416.
(4/21)
وجبران دراهم،
وقيل: لا يجوز، والمسألة كالكفارات، وفي
الجبران الواحد الخلاف،
ويخير المالك في الصعود والنزول، وكذا في
الشاة1 والدراهم. وقال صاحب المجرد والمحرر:
يخير معطي الجبران "و ش" ويتوجه تخريج في التي
قبلها: يخير الساعي "و ش". وإن عدمت الفريضة
والنصاب معيب2 فله دفع السن السفلي مع
الجبران، وليس له دفع ما فوقها3 مع أخذ
الجبران؛ لأن الجبران قدره الشارع وفق ما بين
الصحيحين، وما بين المعيبين أقل منه، فإذا
دفعه المالك جاز، لتطوعه بالزائد، بخلاف
الساعي وبخلاف ولي اليتيم، فإنه لا يجوز له
إلا إخراج4 الأدون، وهو أقل الواجب، كما لا
يتبرع.
ـــــــ
أحدهما الجواز والإجزاء، وهو الصحيح، اختاره
القاضي في المجرد، وأومأ إليه الإمام أحمد،
قال الناظم: هذا الأقوى، وجزم به في الوجيز
وتذكرة ابن عبدوس والمنور ومنتخب الآدمي وشرح
ابن رزين و غيرهم، وقدمه في المقنع5 والمحرر
والشرح والفائق، ومال إليه في المغني6،
والوجه الثاني لا يجوز ولا يجزئه، اختاره أبو
الخطاب وابن عقيل، قال في النهاية7: هذا ظاهر
المذهب، وهو ظاهر ما جزم به في الخلاصة، وقدمه
في المستوعب والرعاية الصغرى والحاويين ونصره
المجد في شرحه.
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "الشاة".
2 في الأصل: "بعيب".
3 في "ط": "فوقهما".
4 في "س" إلا خراج.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/417.
6 4/27.
7 في "ط": "الهداية".
(4/22)
ولا جبران في
غير الإبل "و" ولأن النص فيها لا يعقل معناه.
وإن جبر صفة الواجب بشيء من جنسه، فأخرج
الرديء عن الجيد وزاد قدر ما بينهما من الفضل،
لم يجز؛ لأن القصد من غير الأثمان النفع
بعينها، فيفوت بغض المقصود، ومن الأثمان
القيمة، وقال في الانتصار: يحتمل في الماشية
كمسألة الأثمان على ما يأتي، وقال صاحب
المحرر: قياس المذهب جوازه في الماشية، وغيرها
على ما يأتي في المكسرة عن الصحاح، وفي مسألة
المكسرة عن الصحاح قال في الخلاف: لا يلزم
عليه نصاب الزرع والثمر؛ لأنه لا يمتنع أن
نقول فيه مثل ذلك، ولم يجب بغير هذا.
(4/23)
فصل:أقل نصاب
البقر ثلاثون
"و" فيجب فيها تبيع؛ لأنه يتبع أمه، حكاه أبو
عبيد1 عن أهل اللغة وهو جذع البقرة الذي استوى
قرناه وحاذى قرنه أذنه غالبا أو تبيعة "و" لكل
منهما سنة، ذكره الأكثر "و هـ ش" وفي الأحكام
السلطانية2: نصف سنة. وقال ابن أبي موسى
سنتان3 "و م" ويجزئ مسن. وفي صحاح الجوهري4 أن
الجذع لولد البقرة في السنة الثالثة.
وفي أربعين مسنة "و" ألقت سنا غالبا، وهي
الثنية، ولها سنتان "و هـ ش" وفي الأحكام
السلطانية سنة5، وقيل: ثلاث "و م" وقيل: أربع،
وتجزئ أعلى منها سنا، ولا يجزئ مسن "هـ" وقيل:
يجزئ عنها تبيعان، جزم به بعضهم، فيجزئ ثلاثة
عن مسنتين "و ش" وفي ستين تبيعان "و" ثم في كل
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في كتابه "الأموال" ص 385.
2 لأبي يعلى الفراء: 117.
3 الإرشاد: 131.
4 مادة: "جذع".
5 في "ط": "سنتان".
(4/23)
ثلاثين تبيع،
وفي كل أربعين مسنة "و" وإن اجتمع الفرضان،
كمائة وعشرين، فكالإبل "و" ونص أحمد هنا:
التخيير، ومذهب الحنفية كقولنا، وعن "هـ" أيضا
فيما زاد على الأربعين بحسابها في كل واحدة
ربع عشر مسنة، وعن "هـ" أيضا: لا شيء فيها حتى
تبلغ خمسين، فتجب فيها مسنة وربع مسنة..
(4/24)
فصل: أقل نصاب الغنم أربعون
"ع" فتجب فيها شاة "ع" وفي مائة وإحدى وعشرين
شاتان "ع" وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه "و"
إلى أربعمائة فتجب فيها أربع شياه "و" ثم في
كل مائة شاة شاة "و" وعنه: في ثلاثمائة وواحدة
ـــــــ
.................
(4/24)
أربع شياه، ثم
في كل مائة شاة شاة، فعليهما في خمسمائة خمس
شياه، وعنه أن المائة زائدة، ففي أربعمائة
وواحدة خمس شياه، وفي خمسمائة وواحدة ست شياه،
وعلى هذا أبدا، فمن الأصحاب من ذكر هذه
الرواية وقال: اختارها أبو بكر أن التي قبلها
سهو، وذكر بعضهم الثانية وقال1 اختارها أبو
بكر، ولم يذكر الثالثة، وذكرها بعض المتأخرين،
وعلى كل حال فالمذهب الرواية الأولى، نص عليها
أحمد،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "وقد".
(4/25)
وسبق حكم
الأوقاص وهي ما بين الفرائض في الفصل الثاني
من كتاب الزكاة1.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 3/445.
(4/26)
فصل:وحيث وجبت
الشاة في إبل أو غنم
فلا يجزئ إلا الجذع من الضأن "و ش" وأبي يوسف
ومحمد ورواية عن "هـ" وله نصف سنة "و هـ ش"
وقيل: ثلثاها، لا سنة والثني من المعز "و ش"
وله سنة "و هـ ش" لا سنتان "م" ولا يعتبر
الثني منهما "هـ" ولا يكفي الجذع منهما "م"
وقدم الجوهري أن الجذع لولد الشاة في السنة
الثانية، ويتوجه احتمال مثله، وفاقا للأصح عند
الشافعية. ولا يجزئ في ماشية إناث إخراج ذكر،
إلا ما تقدم من ابن لبون وتبيع، وقيل: يجزئ
ذكر الغنم عن الإبل "و هـ" وقيل: وعن الغنم "و
هـ" وإن كانت كلها ذكورا أجزأ الذكر "و م ش"
وقيل: لا فيخرج أنثى بقيمة الذكر، فيقوم
النصاب من الإناث، وتقوم فريضة 1 ويقوم نصاب
الذكور، فيؤخذ أنثى بقسطه2وقيل: يجزئ عن الغنم
لا عن الإبل والبقر، وقيل: يجزئ عن الغنم
والبقر، لئلا يخرج ابن لبون عن خمس وعشرين وعن
ست وثلاثين فيتساوى الفرضان، ومن قال بالأول
قال: الفرض نصفه المال، وقيمته من خمس وعشرين
دون قيمته من ست وثلاثين، بينهما في القيمة
كما بينهما في العدد، فلا يؤدي إلى التسوية،
كالغنم. وقيل: يخرج3 ابن مخاض عن خمس وعشرين،
فيقوم الذكر مقام
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ما بين المعقوفتين ليس في "ط".
2ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.
3في "س" و "ب": "يجزئ".
(4/26)
الأنثى التي في
سنه، كسائر النصب، وحكاه ابن تميم عن القاضي،
وأنه أصح، وقال: قال القاضي: يخرج عن ست
وثلاثين ابن لبون زائد القيمة على ابن مخاض
بقدر ما بين النصابين،
ولا تؤخذ الربى وهي التي لها ولد تربيه "و"
ولا الحامل، ولا طروقة الفحل "و"؛ لأنها تحبل
غالبا إلا برضي رب المال "و" قال صاحب المحرر:
ولو كان المال1 كذلك، لما فيه من مجاوزة
الأشياء المحدودة، وكذا خيار2 المال. والأكولة
وهي السمينة "و" مع أنه يجب إخراج الفريضة على
صفته مع الاكتفاء بالسن المنصوصة عليه.
وكذا لا تؤخذ سن من جنس الواجب أعلى منه إلا
برضى ربه "و" كبنت لبون عن بنت مخاض، نقل
حنبل: إن أخرج أجود ما يقدر عليه فذلك فضل له،
ولم يجوزه داود الظاهري، وذكره ابن عقيل في
عمد الأدلة وجها، وقد قال الحلواني في
التبصرة: إن شاء رب المال أخرج الأكولة وهي
السمينة فللساعي قبولها، وعنه: لا؛ لأنها
قيمة، كذا قال، وهو غريب بعيد.
وفحل الضرب لا يؤخذ، لجبره "و" قال صاحب
المحرر: اختاره أبو بكر والقاضي، وكذا ذكره
ابن عقيل وغيره، فلو بذله المالك لزمه قبوله
حيث يقبل الذكر، وقيل: لا3، لنقصه وفساد لحمه،
كتيس لا يضرب.
ولا تجزئ معيبة لا يضحى بها، نص عليه، وجزم به
الأكثر. وفي
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في النسخ "المالك" والمثبت من المقنع مع
الشرح الكبير والإنصاف 6/447.
2 في الأصل: "حياز".
3 ليست في "س" و "ب".
(4/27)
نهاية الأزجي
وأومأ إليه الشيخ يرد به في البيع، ونقل حنبل:
لا تؤخذ عوراء ولا عرجاء ولا ناقصة الخلق،
واختار صاحب المحرر جوازه إن رآه الساعي أنفع
للفقراء، لزيادة صفة فيه "و م ش" وأنه أقيس
بالمذهب؛ لأن من أصلنا إخراج المكسرة عن
الصحاح ورديء الحب عن جيده إذا زاد قدر ما
بينهما من الفضل، على ما يأتي1، وسبق آخر
الفصل الثالث قبله2.
ولا تؤخذ صغيرة "و" وإن كان النصاب معيبا بمرض
أو غيره أو صغارا جاز في ظاهر المذهب، نص عليه
في الصغيرة،
واختار أبو بكر: لا يجزئ إلا سليمة كبيرة بقدر
قيمة المال "و م" وحكاه عن أحمد، قال لقول:
أحمد في رواية أحمد بن سعيد: لا يأخذ إلا ما
يجوز في الضحايا، قال القاضي: وأومأ إليه في
رواية ابن منصور، وذكره في الانتصار والواضح
رواية، قال الحلواني: وهو ظاهر كلام الخرقي،
كشاة الإبل، لكن الفرق أنها ليست من جنس
المال، فلا يرتفق المالك، وهنا من جنسه، فهو
كالحبوب، فعلى المذهب يتصور أخذ الصغيرة إذا
بدل الكبار بالصغار أو ماتت الأمهات وبقيت
الصغار، وذلك على الرواية المشهورة أن الحول
ينعقد على الصغار مفردة كما يأتي، وإلا
انقطع،.
والفصلان والعجاجيل كالسخال، في وجه، فلا أثر
للسن،
ويعتبر العدد، فيؤخذ من خمس وعشرين إلى إحدى
وستين واحدة منها،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ص 133.
2 ص 23.
(4/28)
ثم في ست
وسبعين ثنتان، وكذا في إحدى وتسعين، وفي
ثلاثين عجلا إلى تسع وخمسين واحد. وفي ستين
إلى تسع و ثمانين اثنان، وفي التسعين ثلاث
منها، والتعديل بالقيمة، مكان زيادة السن، كما
سبق في إخراج الذكر من الذكور، فلا يؤدي إلى
تسوية النصب التي غاير الشرع الأحكام فيها
باختلافها، وقيل: لا يجوز إخراج فصلان
وعجاجيل، وإليه ميل الشيخ، واختاره صاحب
المحرر، فيقوم النصاب من الكبار، ويقوم فرضه.
ثم يقوم الصغار، وتؤخذ عنها كبيرة بالقسط "و
ش" لئلا يؤدي إلى تسوية النصب في سن المخرج،
وقيل: تضاعف زيادة السن لكل رتبة في1 الإبل،
واختاره في الانتصار، وزاد في الانتصار: وفي
البقر كمضاعفة السن في الفرض المنصوص عليه،
وقيل بالجبران الشرعي في الإبل، ويضاعف لكل
رتبة "م 14"؛ لأن زيادة الفريضة زيادة المال
بالسن أو بالعدد، ولم يكن اعتبارهما،
فاعتبرناهما بجبران اعتبره الشرع، ونص على أنه
قدر الواجب الذي يوجب الزيادة بالسن، ولا يقال
هذا الجبران إذا كان المزكى كبارا؛ لأنه متى
كانت الزكاة من غير الجنس فلا فرق، بدليل أن
فيما دون خمس وعشرين صغارا من الإبل في كل خمس
شاة، كالكبار. جزم بهذا في المستوعب، وزاد:
ولم يعتبر الشرع بالجبران في البقر، ولا يؤخذ
واحد
ـــــــ
مسألة – 1 4: قوله: والفصلان والعجاجيل
كالسخال في وجه، فلا أثر للسن، ويعتبر العدد،
وقيل: لا يجوز إخراج فصلان وعجاجيل، وإليه ميل
الشيخ، واختاره صاحب المحرر، وقيل: تضاعف
زيادة السن لكل رتبة في الإبل واختاره في
الانتصار، وزاد في الانتصار: وفي البقر
كمضاعفة السن في الفرض المنصوص
ـــــــ
1 في الأصل و"س": "من".
(4/29)
منها كما يجزئه
من ثلاثين، فيؤخذ معه ثلث قيمة واحد منها
للضرورة، قال: وهو ظاهر كلام أحمد في رواية
إبراهيم بن حرب: إذا وجب على صاحب ماشية سن
فلم يكن عنده يعطيه ما عنده وزيادة، ولا يشتري
له، على حديث علي رضي الله عنه كذا قال: إن
قوله ظاهر كلام أحمد. هذا وإن اجتمع كبار
وصغار ومعيبات وصحاح وجبت كبيرة صحيحة قيمتها
على قدر قيمة المالين "و" فإذا كان قيمة المال
المخرج إذا كان المزكى كله كبارا صحاحا عشرين،
وقيمته بالعكس عشرة، وجب كبيرة صحيحة قيمتها
خمسة عشر، هذا مع تساوي العددين، ولو كان
الثلث أعلى والثلثان أدنى فشاة قيمتها ثلاثة
عشر وثلث، وبالعكس قيمتها ستة عشر وثلثان،
للنهي عن الصغير والمعيب وكرائم المال، وروى
أبو داود1 قوله عليه السلام: "ولكن من وسط
أموالكم" وعند ابن عقيل: من لزمه رأسان فيما
نصفه صحيح
ـــــــ
عليه، وقيل بالجبران الشرعي في الإبل، ويضاعف
لكل رتبة، انتهى.
الوجه الأول قدمه في الشرح2 وشرح ابن رزين
ومختصر ابن تميم والرعاية الكبرى والحاوي
الكبير. والوجه الثاني مال إليه الشيخ في
المغني3، واختاره المجد في شرحه فقال: هذا
الوجه أقوى عندي، وعلله، وهو الصحيح على ما
اصطلحناه في الخطبة4، والوجه الثالث اختاره
أبو الخطاب في الانتصار. وأطلقهن المجد في
شرحه وقوى الوجه الثاني، والوجه الرابع اختاره
أبو الخطاب في الانتصار أيضا، والوجه الخامس
لصاحب المستوعب، واختاره.
ـــــــ
1 في سننه 1582 من حديث عبد الله بن معاوية
الغاضري.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/429،
430.
3 4/47، 48.
4 1/31.
(4/30)
ومعيب إخراج
صحيحة ومعيبة "خ" كنصاب معيب مفرد، والأول
المذهب، بدليل الخلطة، ولأن في ماله صحيحا يفي
بفرضه. بخلاف ما لو لزما من ماله معيب إلا
واحدة فإنه تجزئه صحيحة ومعيبة. "و"
وكذا في مائة وعشرين سخلة وشاة كبيرة شاة
كبيرة وسخلة إن وجبت في سخال مفردة، وإلا
كبيرة بالقسط، وهو معنى قولهم: فإن كان الصحيح
غير الواجب لزمه إخراج الواجب صحيحا بقدر
المال، فيجب من كرام ولئام وسمان ومهازيل وسط،
نص عليه، بقدر قيمة المالين، كما سبق، وذكر
الشيخ: من أحدهما بقدر القيمة؛ لأنها مع اتحاد
الجنس هي المقصودة، وذكره أبو بكر في هزيلة
بقيمة سمينة،
وكذا إن كان نوعين، كبخاتي وعراب1، وبقر
وجواميس، وضأن ومعز، أخرج من أيها شاء بقدر
قيمتها، كما سبق. ويتوجه في حنث من حلف لا
يأكل لحم بقر بجاموس، الخلاف لنا في تعارض
الحقيقة اللغوية والعرفية أيهما يقدم؟. وفي
الهداية للحنفية: لا يحنث به؛ لأن أفهام الناس
لا تسبق إليه في ديارنا، لقلته وقيل: يخير
الساعي،
ونقل حنبل في ضأن ومعز: يخير الساعي لاتحاد
الواجب، ولم يعتبر أبو بكر القيمة في النوعين،
قال صاحب المحرر: وهو ظاهر نقل حنبل "و م" ولا
يلزمه من أكثرهما عددا "م". وإن أخرج عن
النصاب من غير نوعه مما2 ليس في ماله منه جاز
إن لم ينقص قيمة المخرج عن النوع الواجب، وعلى
قول أبي بكر: ولو نقصت، وقيل: لا تجزئ هنا
مطلقا، كغير
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 البخاتي: الإبل الخراسانية، والعراب: الإبل
العربية الخالصة.
2 في "س" و "ب": "ما".
(4/31)
الجنس. وجاز من
أحد نوعي ماله لتشقيص الفرض، وقيل: تجزئ ثنية
من الضأن عن المعز وجها واحدا.
(4/32)
فصل: المذهب
ينعقد الحول على صغار ماشية مفردة منذ ملكه "و
م ش" فلو تغذت باللبن فقط فقيل: يجب، لوجوبها
فيها تبعا للأمات كما تتبعها في الحول، وقيل:
لا، لعدم السوم المعتبر، واختاره صاحب المحرر،
وذكرهما ابن عقيل احتمالين "م 15" وقد سبقا،
وعنه: لا ينعقد حتى تبلغ سنا يجزئ مثله في
الزكاة "و هـ" وحكى ابن تميم أن القاضي قال في
ـــــــ
"مسألة 15" قوله: المذهب ينعقد الحول على صغار
ماشية مفردة منذ ملكه، فلو تغذت باللبن فقط1
فقيل تجب لوجوبها فيها تبعا للأمات كما تتبعها
في الحول، وقيل: لا، لعدم السوم المعتبر،
واختاره صاحب المحرر، وذكرهما ابن عقيل
احتمالين، انتهى وأطلقهما ابن تميم والزركشي،
وأطلقهما في الرعاية الكبرى، في موضع2.
أحدهما: لا زكاة فيها، لعدم السوم المعتبر،
اختاره المجد في شرحه، وقدمه في الرعاية
الكبرى في موضع آخر قلت: وهو ظاهر ما قدمه
المصنف في أول الباب3، حيث قال: تجب الزكاة في
الإبل والبقر والغنم السائمة للدر والنسل،
وأطلق بعضهم فيما إذا كان نتاج النصاب رضيعا
غير سائم وجهين، وبعضهم احتمالين، وستأتي،
فجعل ما
ـــــــ
1 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
2 ليست في "ط".
3 ص: 5.
(4/32)
شرحه الصغير:
تجب الزكاة في الحقاق، وفي بنات المخاض
واللبون وجهان، بناء على السخال. ونقل حرب: لا
زكاة في بنات المخاض حتى يكون فيها كبير، كذا
قال، فعلى الرواية الثانية ينقطع الحول ما لم
تبق واحدة من الأمات، نص عليه وقيل: ما لم يبق
نصاب من الأمات. وعلى المذهب لا ينقطع كما
سبق، ويتبع النتاج الأمات في الحول إذا كانت
الأمات نصابا "و" فلو ماتت واحدة من الأمات
فنتجت سخلة انقطع،
ولو نتجت ثم ماتت الأم لم ينقطع، ولو ماتت قبل
أن ينفصل جميعها انقطع؛ لأنه لم يثبت لها حكم
الوجود في الزكاة، وقد يتوجه تخريج واحتمال،
ولو لم يكن نصابا فكملت بنتاجها فحول الكل من
الكمال، نقله الجماعة "و هـ ش" كغير النتاج
"و" وكربح التجارة "م" ونقل حنبل: حول الكل
منذ ملكت الأمات "و م" كنماء النصاب، ورد:
إنما ضم إليه لانعقاد الحول عليه بنفسه، فصلح
لاستتباع غيره، ولهذا ضم إليه المستفاد من
الجنس بسبب منتقل1 ولا إلى ما دون النصاب "و"
وكذلك قلنا في ربح التجارة، فعلى هذه الرواية
لو أبدل بعض نصاب بنصاب من جنسه، كعشرين شاة
بأربعين،
ـــــــ
أطلقه هنا طريقة مؤخرة في أول الباب، والله
أعلم.
والقول الثاني تجب فيها تبعا للأمات.
ـــــــ
1 في "س" و "ب": "مستقلة".
(4/33)
احتمل أن يبني
على حول الأولى "و م" واحتمل أن يبتدئ الحول
من كمال النصاب؛ لأنه ليس بنماء من عينه، كربح
التجارة "م 16" ويتوجه من الاحتمال الأول
واحتمال1 تخريج في ربح التجارة، وسبق نظير
المسألة في اشتراط الحول2.
ـــــــ
1 ليست في الأصل و "ط".
2 3/468
(4/34)
فصل: تجب الزكاة في المتولد بين الأهلي
والوحشي
جزم به الأكثر، ولم أجد به نصا، تغليبا
واحتياطا، كتحريم قتله، وإيجابه الجزاء،
والنصوص تتناوله، زاد صاحب المحرر: بلا شك،
وأطلق في التبصرة وجهين، وذكر
ـــــــ
مسألة 16" قوله: ولو لم يكن نصابا فكملت
بنتاجها فحول الكل من الكمال، نقله الجماعة،
ونقل حنبل: حول الكل من ملك الأمات. فعلى هذه
الرواية لو أبدل بعض نصاب بنصاب من جنسه
كعشرين شاة بأربعين احتمل أن يبني على حول
الأولى، واحتمل أن يبتدئ الحول من كمال
النصاب؛ لأنه ليس بنماء من عينه، كربح
التجارة، انتهى، وهما وجهان مطلقان في مختصر
ابن تميم، وروايتان مطلقتان في الرعاية
الكبرى،
أحدهما يبنى على حول الأولى فأشبه النتاج،
والقول الثاني يبتدئ الحول من كمال النصاب
قلت: وهو قوي؛ لأن الكمال في المسألة الأولى
حصل من نفس العين، وحصل الكمال هنا بسبب
العين، وهو البدل، فأشبه ربح التجارة، وهذا
ظاهر كلام جماعة،
فهذه ست عشرة مسألة فتح الله بتصحيحها.
(4/34)
ابن تميم أن
القاضي ذكرهما في الرعاية روايتين، واختار
الشيخ: لا تجب "و ش" وهو متجه، قال: والواجبات
لا تثبت احتياطا بالشك، فيلزم صوم يوم1 ليلة
الغيم، ومغشوش شك في بلوغه نصابا، قال: ولأنه
ينفرد باسمه وجنسه، فلا تتناوله النصوص2،
ولأنه لا يجزئ في هدي، ولا أضحية ودية، ولا
يدخل في وكالة، والظاهر أنه لا نسل له، ومذهب
"هـ م" إن كانت الأمات أهلية وجبت. وإلا فلا،
وكذا تجب في نصاب كله أو بعضه بقر وحش، في
ظاهر المذهب، اختاره أصحابنا، قال القاضي
وغيره: يسمى بقرا حقيقة، فدخل تحت. الظاهر،
قال بعضهم: واختصاصها بتقييد واسم لا يمنع
دخولها، كالجواميس والبخاتي، وإنما لم يجز في
هدي وأضحية في أشهر الوجهين؛ لأن المقصود
اللحم، فنقصان لحمها كالعيب، ثم لا يمنع تعلق
الزكاة، كصغير ومعيب،
وكذا هل يفدي في حرم وإحرام؟ وقيل: يفدي.
لتأثير الحرم في عصمة كل دم مباح، كالملتجئ.
ولا يفادي بها، ومنعه بعض الأصحاب، قاله أبو
المعالي، وعنه: لا زكاة فيها، اختاره الشيخ
"و" وكذا الغنم الوحشية. "و"
ولا زكاة في الظباء، نص عليه "و" كبغال وحمير،
وعن ابن حامد: تجب، وحكى رواية؛ لأنها تشبه
الغنم، والظبية تسمى عنزا.
ولا زكاة في الخيل "و م ش" وأبي يوسف ومحمد،
ومذهب "هـ" تجب
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في "س" و "ط".
2 في "س" و "ب": "يتناوله النص".
(4/35)
إذا كانت سائمة
إناثا، على الأصح عنه، أو بعضها إناثا، عن كل
فرس دينار أو عشرة دراهم، أو يقومه بدراهم
ويخرج من1 كل مائتين خمسة، ولا نصاب لها، وعن
"هـ" أيضا رواية: تجب في ذكورها المفردة. وفي
الصحيحين2 عن أبي هريرة مرفوعا "ليس على
المسلم في عبده ولا فرسه صدقة". ولأبي داود3
"ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في
الرقيق". ولأحمد4: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي،
عن سفيان، عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال:
جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا: إنا
أصبنا أموالا وخيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا
فيه زكاة وطهور؟ قال: ما فعله صاحباي قبلي
فافعله، فاستشار أصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم وفيهم علي فقال علي: هو حسن إن لم تكن
جزية راتبة يؤخذون بها من بعدك. حديث صحيح.
وفي الصحيحين5 فيمن له الخيل ستر "ثم لم ينس
حق الله في ظهورها ولا رقابها". وفيهما أيضا6:
"في ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها". فقيل:
المراد به الجهاد بها إذا تعين، وقيل: الحق في
رقابها الإحسان إليها والقيام بها، وقيل:
المراد بحق الله خمس الغنيمة، وحمل صاحب
المحرر الحق على الجهاد بها أحيانا، والإرفاق
بها فيه، وإعارتها، أو يحمل عليها المنقطع، أو
يتطوع عنها بالصدقة، فإن
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "س" و "ب": "عن".
2 البخاري 1464، مسلم 982 "8".
3 في سننه 1594 عن أبي هريرة.
4 في المسند 82.
5 البخاري 2371، ومسلم 987 "24".
6 مسلم 987، 26 وليست في البخاري.
(4/36)
إطلاق الحق على
مثل هذه المندوبات جائز، مثل حديث جابر "ما من
صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها1 إلا
أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر" الحديث،
وفيه: قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال:
"إطراق فحلها، وإعارة دلوها2، ومنيحتها،
وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله"
رواه مسلم3، كذا قال، ويأتي أول أصناف
الزكاة4، وأجاب القاضي بالجهاد بها وبإعارتها
وحمل المنقطع والصدقة بأن إخبارنا أولى؛ لأنه
قصد بها بيان الحكم المختلف فيه.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في النسخ: "منها حقها" والمثبت من مصدر
التخريج، وفي "ط": "زكاتها".
2 في الأصل: "ذكورها".
3 في صحيحه 988، 28.
4 ص 308
(4/37)
باب حكم الخلطة
مدخل
...
باب حكم الخلطة
الخلطة مؤثرة في الزكاة "هـ" ولو لم يبلغ مال
كل خليط بمفرده نصابا "م"1 ولا أثر2، لخلطة
من3 ليس من أهل الزكاة "و" ولا في دون نصاب
"و" ولا خلطة الغاصب4 بمغصوب، فإذا خلط نفسان
فأكثر من أهل الزكاة ماشية لهم جميع الحول
فبلغت نصابا فأكثر، خلطة أعيان، بأن يملكا
مالا مشاعا بإرث أو بشراء أو غيره، أو خلطة
أوصاف، بأن يتميز مال كل واحد عن الآخر فلو
استأجر لرعي غنمه بشاة منها، فحال الحول5 ولم
يفردها، فهما خليطان، وإن أفردها فنقص النصاب
فلا زكاة 6 لكن يعتبر في خلطة الأوصاف أن لا
يتميز في المرعى والمسرح، والمبيت، وهو
المراح، والمحلب، وهو الموضع الذي تحلب فيه.
وقيل: وآنيته، والفحل، ذكره في7 الخرقي
والمحرر، وقدم في المستوعب إسقاط المحلب،
وزاد: الراعي، وفسر المسرح بموضع رعيها
وشربها، وأن أحمد نص على ما ذكره8، وفسر في
منتهى الغاية المسرح بموضع 9 الرعي، مع أنه
جمع بينهما في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "و".
2 ليست في الأصل.
3 في الأصل و "ط" "خلطة من".
4 في الأصل، و "ط": "لغاصب".
5 ليست في "ط".
6 ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.
7 ليست في الأصل و "ط".
8 في "ط" "ذكروه".
9 ما بين المعقوفتين ليس في "ب".
(4/38)
المحرر متابعة
للخرقي، وقال: إن الخرقي يحتمل أنه أراد
بالمرعى الرعي الذي هو المصدر لا المكان، وأنه
أراد بالمسرح المصدر الذي هو السروح لا
المكان؛ لأنا قد بينا أنهما واحد بمعنى
المكان، فإذا حملنا أحدهما على المصدر زال
التكرار، وحصل به اتحاد الراعي والمشرب أيضا،
ـــــــ
.................
(4/39)
و1 كذا قال ابن
حامد: المرعى والمسرح شرط واحد، وإنما ذكر
أحمد المسرح ليكون فيه راع واحد، وجزم في
الهداية والكافي2 بما سبق في الخرقي والمستوعب
"و ش" وقيل: لا يعتبر المسرح، وهو موضع
اجتماعها لتذهب للرعي، وقدم بعضهم اعتباره،
وقيل: يعتبر في المشرب الآنية أيضا، وعنه:
يعتبر الحوض والراعي والمراح فقط، واعتبر في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و "ط".
2 2/123.
(4/40)
الواضح الفحل
والراعي والمحلب، واعتبر في الإيضاح الفحل
والمراح والمسرح والمبيت، وذكر الآمدي المراح
والمسرح والفحل والمرعى، وقيل: يعتبر الراعي
فقط، ذكره القاضي عن بعضهم، وذكر رواية: يعتبر
الراعي والمبيت فقط. وقيل: يلزم خلط اللبن "و
ش" وهذا فيه مشقة، للحاجة إلى قسمته، بل قد
يحصل لواحد أكثر من لبنه، فيفضي إلى الربا،
فلهذا اعتبر جماعة تمييزه، ولا يعتبر ثلاثة من
راع وفحل ودلو ومراح ومبيت مع السن والنوع "م"
واحتج الأصحاب لاعتبار ذلك بحديث أبي سعيد1
"الخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل
والراعي" رواه الخلال والدارقطني وغيرهما2،
ورواه أبو عبيد3، وجعل بدل الراعي المرعى.
وهذا الخبر4، ضعفه أحمد، ولم يره حديثا، وهو
من رواية عبد الله بن لهيعة5، فلهذا يتوجه
العمل بالعرف في ذلك، وقد يحتمل أن خلطة
الأوصاف لا أثر لها، كما يروى6 عن طاوس وعطاء،
لعدم الدليل، والأصل اعتبار المال بنفسه، فإذا
خلطا المال كما سبق فحكمهما في الزكاة حكم
الواحد، سواء أثرت في إيجاب الزكاة أو إسقاطها
أو في تغيير الفرض7، فلو كان لأربعين من
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط":: أبي سعيد".
2 الدارقطني في سننه 2/104، والبيهقي في السنن
الكبرى 4/160.
3 في الأموال 1060.
4 بعدها في "ط": ضعيف.
5 هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة، صدوق،
فقيه قاضي مصر في عصره، خلط بعد احتراق كتبه،
"ت 74هـ". تقريب التهذيب ص: 261.
6 أخرج أبو عبيد في الأموال 1079 عن طاووس
قال: إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما لم
يجمع مالهما في الصدقة، فذكرته لعطاء فقال: ما
أراه إلا حقا.
7 في "ط": "الغرض".
(4/41)
أهل الزكاة
أربعون شاة لزمهم شاة، ومع انفرادهم لا يلزمهم
شيء، ولو كان لثلاثة مائة وعشرون شاة1 لزمهم
شاة، ومع انفرادهم ثلاث شياه ويوزع الواجب على
قدر المال مع الوقص، فستة أبعرة، مع تسعة يلزم
رب الست شاة وخمس شاة، ويلزم الآخر شاة وأربعة
أخماس شاة. ولا تعتبر نية الخلطة في خلطة
الأعيان "ع" وكذا في خلطة الأوصاف عند أبي
الخطاب والشيخ، واحتج بنية السوم في السائمة،
وكنية السقي في المعشرات، ويعتبر عند صاحب
المحرر والمجرد، واحتج أن القصد في الإسامة
شرط، وجزم أبو الفرج والحلواني وغيرهما
بالثاني "م 1" وينبني2 على الخلاف خلط وقع
اتفاقا، أو فعله راع، وتأخر النية عن الملك،
وقيل: لا يضر تأخيرها عنه بزمن يسير كتقديمها
على الملك بزمن يسير. وإن بطلت الخلطة بفوات
شرط
ـــــــ
مسألة-1: قوله: ولا تعتبر نية الخلطة في خلطة
الأعيان إجماعا وكذا في خلطة الأوصاف عند أبي
الخطاب والشيخ ويعتبر عند صاحب المجرد والمحرر
وجزم أبو الفرج والحلواني وغيرهما بالثاني3،
انتهى القول الأول هو الصحيح، صححه في الكافي4
والخلاصة والنظم وشرح المحرر وغيرهم، وقدمه في
الهداية والمستوعب، والمغني5 والشرح6 ونصراه،
والحاويين وشرح ابن رزين وإدراك الغاية
وغيرهم، والقول الثاني اختاره من ذكره المصنف،
لكن قال ابن رزين في شرحه: وليس بشيء،
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص
والبلغة والمحرر ومختصر ابن تميم والرعايتين
والفائق وغيرهم.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في الأصل و "ب": "يبني".
3 في "ح": "الشافي".
4 2/127.
5 4/54.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/461.
(4/42)
مما سبق ضم من
كان من أهل الزكاة ماله بعضه إلى بعض، وزكاه
إن بلغ نصابا. وإلا فلا. وقال في الانتصار: إن
تصور بضم حول إلى آخر نوع نفع1، فكمسألتنا،
يعني كمسألة الخلطة، كذا قالومتى لم يثبت لأحد
الخليطين حكم الانفراد بحال، بأن يملكا2 المال
معا بشراء أو إرث، أو غيره فزكاتهما زكاة
الخلطة، وإن ثبت لهما حكم الانفراد في بعض
الحول، بأن خلطا في أثنائه نصابين ثمانين شاة،
زكى كل واحد إذا تم حوله الأول زكاة انفراد "و
ش" للانفراد في بعض الحول، كخلطة قبل3 آخره
بيومين. فإنه لا أثر4، بالاتفاق، ولأن الخلطة
يتعلق إيجاب الزكاة بها، فاعتبرت جميع الحول
كالنصاب لا زكاة خلطة، خلافا لقديم قولي
الشافعي. ولو خلطا قبل آخر الحول بشهر فأكثر
"م"، وفيما5 بعد الحول الأول زكاة خلطة، وإن
اتفق حولاهما أخرجا6 شاة عند تمام الحول، على
كل واحد نصفها، وإن اختلف فعلى الأول نصف شاة
عند تمام حوله، فإن أخرجها من غير المال فعلى
الثاني7 نصف شاة أيضا إذا تم حوله، وإن أخرجها
من المال فقد تم حول الثاني على تسع وسبعين
شاة ونصف شاة، له منها أربعون شاة، فيلزمه
أربعون جزءا من تسعة وسبعين جزءا ونصف جزء من
شاة، فيضعفها فتكون ثمانين جزءا من مائة وتسعة
وخمسين جزءا من شاة، ثم
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل: "يقع".
2 في "س": "يملك".
3 في "س": "بعض".
4 بعدها في "س": "كله".
5 في "ط": "فيها".
6 في "ط": "أخرجاه".
7 في "ب": "الثانية".
(4/43)
كلما تم1 حول
أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ما له فيه،
وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده، بأن يملكا
نصابين فيخلطاهما، ثم يبيع أحدهما نصيبه
أجنبيا، فقد ملك المشتري أربعين لم يثبت لها
حكم الانفراد، فإذا تم حول الأول لزمه زكاة
انفراد، شاة، وإذا تم حول الثاني لزمه زكاة
خلطة نصف شاة إن كان الأول أخرج شاة من غير
المال2. وإن كان أخرج منه لزم الثاني أربعون
جزءا من تسعة وسبعين جزءا من شاة، ثم يزكيان
بعد الحول الأول زكاة خلطة، كلما تم حول
أحدهما زكى بقدر ملكه فيه، وقيل: يزكي الثاني
عن حوله الأول زكاة انفراد؛ لأن خليطه لم
ينتفع فيه بالخلطة، ويثبت أيضا حكم الانفراد
لأحدهما بخلطة من له دون نصاب بنصاب لآخر في
بعض الحول، ومن أبدل نصابا منفردا بنصاب مختلط
من جنسه، وقلنا: لا ينقطع الحول بذلك، زكيا
زكاة انفراد، كمال واحد حصل الانفراد في أحد
طرفي حوله، وكذا لو اشترى أحد الخليطين
بأربعين مختلطة أربعين3 منفردة وخلطها في
الحال4، لوجود الانفراد في بعض الحول، وقيل:
يزكي زكاةخلطة؛ لأنه يبني على حول خلطة، وزمن
الانفراد يسير.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "الملك".
3 ليست في "ط".
4 في "ط": "الحول".
(4/44)
فصل: ومن كان بينهما نصابان خلطته ثمانون شاة
فباع كل واحد غنمه بغنم صاحبه واستداما الخلطة
لم ينقطع حولهما، ولم تزل خلطتهما على
ـــــــ
.................
(4/44)
ظاهر المذهب في
أن1 إبدال النصاب بجنسه لا يقطع2 الحول، وكذا
لو تبايعا البعض بالبعض، قل أو كثر، وغير
المبيع تبقى الخلطة فيه إن كان نصابا، فيزكي
بشاة زكاة انفراد عليهما لتمام حوله، وإذا حال
حول3 المبيع وهو أربعون فهل فيه زكاة؟ فيه
وجهان "م 2 و 3" وهل هي زكاة خلطة، فيلزمهما
نصف شاة، أو زكاة انفراد فيلزمهما شاة؟ فيه
وجهان. 4
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: ومن كان بينهما نصابان خلطته
ثمانون شاة، فباع كل واحد غنمه بغنم صاحبه،
واستداما الخلطة، لم ينقطع حولهما، ولم تزل
خلطتهما على ظاهر المذهب وكذا لو تبايعا البعض
بالبعض، قل أو كثر، وغير المبيع تبقى الخلطة
فيه إن كان نصابا، فيزكي بشاة زكاة انفراد
عليهما لتمام حوله، وإذا تم حول المبيع وهو
أربعون فهل فيه زكاة؟ فيه وجهان، انتهى.
أحدهما فيه الزكاة، وهو الصحيح قدمه في
المغني5 والشرح6 وشرح ابن رزين ومختصر ابن
تميم وصححه، والوجه الثاني لا زكاة فيه،
اختاره القاضي في المجرد7 وقدمه في الرعاية،
فعلى الأول قال المصنف: وهل هي زكاة خلطة
فيلزمهما8 نصف شاة، أو زكاة انفراد فيلزمها8
شاة؟ فيه وجهان، انتهى.
وهي:
"مسألة 3" أخرى،
إحداهما هي زكاة خلطة، وهو الصحيح، قدمه في
المغني5 والشرح6
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في الأصل و "ط": "ينقطع".
3 ليست في الأصل.
4 ما بين المعقوفتين ليس في "ط".
5 3/56.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/464
7 في "ط": "المحرر".
8 في "ط": "فيلزمها".
(4/45)
فأما إن
أفرداها ثم تبايعاها ثم خلطاها، فإن طال زمن
الانفراد بطل حكم الخلطة، وإلا فوجهان "م 4".
وإن أفردا بعض النصاب وتبايعاه، وكان الباقي
على الخلطة نصابا، بقي حكم الخلطة فيه؛ لأنه
نصاب، وهل ينقطع في المبيع؟ فيه الخلاف في ضم
مال الرجل المنفرد إلى ماله المختلط، وإن بقي
دون نصاب بطلت، وذكر ابن عقيل: تبطل الخلطة في
هذه المسائل1، بناء على انقطاع الحول ببيع
النصاب بجنسه. وفي كلام القاضي كالأول
والثاني، ورد في الكافي2 هذا القول بأن البيع
لا يقطع حكم الحول في الزكاة، فكذلك في
الخلطة. كذا قال 3.
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "المسألة".
2 2/126.
3 ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.
(4/46)
فصل:ومن ملك
أربعين شاة ثم باع نصفها
معينا مختلطا أو مشاعا، انقطع الحول واستأنفا1
حولا من حين البيع، عند أبي بكر؛ لأنه قد
انقطع في
ـــــــ
وشرح ابن رزين، ومختصر ابن تميم وصححه، وهو
ظاهر ما قدمه في الرعاية الكبرى،
والوجه الثاني زكاة انفراد، فتجب شاة.
"مسألة 4" قوله: فأما إن أفرداها ثم تبايعاها2
ثم خلطاها، فإن طال زمن الانفراد بطل حكم
الخلطة، وإلا فوجهان، انتهى، وأطلقهما المجد
في شرحه وابن تميم وابن حمدان في رعايته
الكبرى وجهان3،
أحدهما يبطل، قال المجد في شرحه بعد أن أطلق
الوجهين: وقد سبق
ـــــــ
1 في "ط": "استأنف".
2 في "ط": "تبايعا".
3 في النسخ: "في مكان" والمثبت من "ط".
(4/46)
النصف المبيع،
وعند ابن حامد: لا ينقطع حول البائع فيما لم
يبع "م 5" "و ش"؛ لأنه لم يزل مخالطا لمال
جار1 في الحول، فعلى هذا يزكي نصف شاة إذا تم
حوله، فإن أخرجها من غير النصاب زكى المشتري
بنصف شاة، إذا تم حوله، جزم به الأكثر، منهم
أبو الخطاب في الهداية؛ لأن التعلق بالعين لا
يمنع انعقاد الحول، باتفاقنا، بدليل من لزمته
زكاة نصاب فأخرجها من غيره بعد أشهر، ثم تم
الحول الثاني، فإنه يزكي ثانية، ويحتسب الحول
الثاني من2 عقب الأول، لا من الإخراج، ذكره
صاحب المحرر، واختار.
ـــــــ
توجيههما واختار في توجيههما 3 أنه يبطل،
فقال: الصحيح البطلان قلت: وهو الصواب، وقدمه
أيضا في الرعايتين والحاويين فقالا: لو باع
بعض نصابه في حوله، مشاعا أو معينا، بوصف، أو
بعد إفراده ثم خلطه سريعا انقطع، وقيل: لا
انتهى، والوجه الثاني لا تبطل.
"مسألة 5" قوله: ومن ملك أربعين شاة ثم باع
نصفها معينا مختلطا أو مشاعا، انقطع الحول
واستأنفا4 حولا من حين البيع، عند أبي بكر:
وعند ابن حامد: لا ينقطع حول البائع فيما لم
يبع، انتهى. وأطلقهما في الهداية والفصول
والمذهب والمستوعب والمغني5 والكافي6 والمقنع7
والهادي والتلخيص والبلغة والشرح ومختصر ابن
تميم والمحرر وشرح الهداية والفائق والحاوي
الكبير وشرح ابن منجى ومصنف ابن أبي المجد
وغيرهم، أحدهما ينقطع الحول ويستأنفان حولا من
حين البيع، وهو الصحيح، قطع به في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ب": "جفار".
2 ليست في "ب" و "س".
3 ليست في "ط".
4 في "ط": "استأنف".
5 4/58.
6 2/126.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/468.
(4/47)
الشيخ في كتبه،
وأبو المعالي: أنه لا شيء على المشتري إن
تعلقت الزكاة بالعين، لنقصه بتعلقها بالعين1،
وذكره الشيخ عن أبي الخطاب. قال صاحب المحرر:
هذا مخالف لما ذكره في كتابه، ولا يعرف له
موضع يخالف وإن أخرج البائع من النصاب بطل حول
المشتري "و" وذكره صاحب المحرر "ع" لنقص
النصاب، إلا أن يستديم الفقير الخلطة بنصفه2،
وقيل: إن زكى البائع منه إلى فقير زكى
المشتري، وقيل: يسقط، كأخذ الساعي منه، وهذا
القول الثاني والله أعلم على قول أبي بكر،
وإذا لم يلزم المشتري زكاة الخلطة، فإن كان له
غنم سائمة ضمها إلى حصته في الخلطة، وزكى
الجميع زكاة انفراد، وإلا فلا شيء عليه، وكذا3
حكم البائع بعد حوله الأول، ما دام نصاب
الخلطة ناقصا، وإن كان البائع استدان ما أخرجه
ولا مال له يجعل في مقابلة دينه إلا مال
الخلطة، أو لم يخرج البائع الزكاة حتى تم حول
المشتري، فإن قلنا: الدين لا يمنع وجوب
الزكاة، أو قلنا: يمنع لكن للبائع مال يجعل في
مقابلة دين الزكاة، زكى المشتري حصته زكاة
الخلطة نصف شاة، وإلا فلا زكاة عليه. وقال ابن
تميم في المسألة الأولى: إذا أخرج4 من غيره
قال5 فوجهان،
ـــــــ
الإفادات والوجيز وقدمه في الرعايتين والنظم
والحاوي الصغير وإدراك الغاية وغيرهم، وصححه
في تصحيح المحرر،
والقول الثاني لا ينقطع حول البائع فيما لم
يبع، اختاره ابن حامد، وجزم به ابن عبدوس في
تذكرته، وقدمه في الخلاصة.
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 في الأصل و "ط": "بنصيبه".
3 في "س": "كذلك".
4 في "س": "خرج".
5 ليست في "ط".
(4/48)
أحدهما : لا
زكاة عليه، ويستأنفان الحول من حين الإخراج،
ذكره القاضي في شرح المذهب، بناء على تعلق
الزكاة بالعين.
والثاني : وقطع به بعض1 أصحابنا عليه الزكاة،
ولا يمنع التعلق بالعين وجوبها، ما لم يحل2
حوله قبل إخراجها، ولا انعقاد الحول الثاني في
حق البائع حتى يمضي قبل الإخراج، فلا تجب
الزكاة له، وإن لم يكن أخرج حتى تم حول
المشتري فهي من صور تكرر الحول قبل إخراج
الزكاة، واقتصر في مسألة تعلق الزكاة بالعين:
أنه لا يمنع التعلق بالعين انعقاد الحول
الثاني قبل الإخراج، قطع به بعض أصحابنا،
والله أعلم.
ومن التفريع على قول أبي بكر وابن حامد في أصل
المسألة لو كانت المسألة بحالها والمال ثمانين
شاة، فإن على قول ابن حامد يزكي البائع نصف
شاة عن الأربعين الباقية إذا تم حولها، ولو
كان المال ستين، والمبيع ثلثها، زكى ثلثي3 شاة
عن الأربعين الباقية، وعلى قول أبي بكر يزكي
في الصورتين شاة شاة. وذكر4 ابن تميم: إن
الشيخ خرج المسألة على وجهين، وإن الأولى وجوب
شاة، كذا قال، وهذا التخريج لا يختص بالشيخ،
فأما إن أفرد بعض النصاب وباعه ثم خلطاه انقطع
حولهما5،
ـــــــ
"تنبيه": قوله ولو كان المال ستين والمبيع
ثلثها زكى ثلثا6 شاة عن الأربعين صوابه ثلثي
شاة بالياء، وتقدم ذكر الفاعل في التي قبلها.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "يجعل".
3 في "ب" و "س": "ثلثا" وسيأتي كلام المرداوي
عليها في تصحيح الفروع.
4 في هامش الأصل و "ط": "قال".
5 في "ط": "حولها".
6 في "ط": "ثلث".
(4/49)
لوجود التفرقة،
كحدوث1 بعض مبيع بعد ساعة. وقال القاضي: يحتمل
أن حكم ذلك كبيعها مختلطة؛ لأن هذا زمن يسير.
ولو كان النصاب لرجلين، فباع أحدهما نصيبه
أجنبيا، فإن الخليط الذي لم يبع كبائع نصف
الأربعين التي له، فيما لم يبعه، والمشتري هنا
كالمشتري هناك فيما سبق. ولو ملك أحد الخليطين
في نصاب فأكثر حصة الآخر منه بشراء أو إرث أو
غيره، فاستدام الخلطة فهي مثل مسألة أبي بكر
وابن حامد في المعنى لا في الصورة؛ لأنه هناك
كان خليط نفسه، فصار خليط أجنبي، وهنا بالعكس،
فعلى قول أبي بكر لا زكاة حتى يتم حول المالين
من كمال ملكهما إلا أن يكون أحدهما نصابا
فيزكيه زكاة انفراد، وعلى قول ابن حامد يزكي
ملكه الأول لتمام حوله زكاة خلطة.
وذكر ابن عقيل فيما إذا كان بين رجل وابنه عشر
من الإبل خلطة2 فمات الأب في بعض الحول، وورثه
الابن أنه يبني على حول الأب فيما ورثه،
ويزكيه
ـــــــ
1 في الأصل: "لحدوث".
2 ليست في "ط".
(4/50)
فصل: ومن ملك نصابا ثم ملك آخر لا يغير الفرض
بأن يملك أربعين شاة في المحرم بسبب مستقل، ثم
أربعين في صفر، ففي الأولى لتمام حولها شاة1،
لانفرادها في بعض الحول، ولا شيء في الثانية
لتمام حولها، في وجه قدمه في المحرر وغيره،
للعموم في الأوقاص،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1بعدها في "ط": "في المحرم"
(4/50)
كمملوك دفعه،
وقيل: شاة كالأولى كمالك منفرد، وقيل: زكاة
خلطة نصف شاة كأجنبي "م 6"
ـــــــ
مسألة 6" قوله: ومن ملك نصابا ثم ملك آخر لا
يغير الفرض، بأن يملك أربعين شاة في المحرم
بسبب مستقل، ثم أربعين1 في صفر، ففي الأولى
لتمام حولها شاة2؛ لانفرادها في بعض الحول،
ولا شيء في الثانية لتمام حولها، في وجه قدمه
في المحرر وغيره وقيل شاة كالأولى كمالك
منفرد، وقيل: زكاة خلطة نصف شاة كالأجنبي،
انتهى، وأطلقهن في المستوعب والتلخيص والبلغة
ومختصر ابن تميم والقواعد الفقهية،
أحدها لا شيء عليه في الثاني وهو الصحيح، صححه
في التصحيح، وقدمه في المحرر والرعايتين
والحاويين والفائق وغيرهم، وهذا وجه الضم.
والوجه الثاني عليه للثاني زكاة خلطة،
كالأجنبي، قال المجد: وهذا أصح، وأطلقهما في
المغني3 والشرح4 وشرح ابن منجا،
والوجه الثالث يلزمه شاة كمالك منفرد، ذكره
أبو الخطاب، وضعفه الشيخ الموفق والمجد
والشارح وغيرهم، وهذا وجه الانفراد، وتفريع
المصنف الآتي على هذه الأوجه، وقد علمت الصحيح
منها، والله أعلم.
"تنبيه" قال الشيخ العلامة زين الدين بن رجب
في قواعده في الفائدة الثالثة: المستفاد بعد
النصاب في أثناء الحول هل يضم إلى النصاب أو
يفرد عنه؟ فإذا استفاد مالا زكويا من جنس
النصاب في أثناء حوله فإنه يفرد بحول، عندنا،
لكن هل يضمه إلى النصاب في العدد، أو يخلط به
ويزكيه زكاة خلطة، أو يفرده بالزكاة كما أفرده
بالحول؟ فيه ثلاثه أوجه،
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط": "في المحرم".
3 في "ح" و "ط": "المقنع". وهو في المغني
4/61.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/474.
(4/51)
وفيما بعد
الحول الأول يزكيهما1 زكاة خلطة، كلما تم حول
أحدهما2 أخرج قسطها نصف شاة، ولو ملك أيضا
أربعين في ربيع، فعلى الأول لا شيء سوى الشاة
الأولى3، على الثاني شاة، وعلى الثالث زكاة
خلطة، ثلث شاة لأنها4 ثلث الجميع، وفيما بعد
الحول الأول في كل ثلاث شياه لتمام حولها، وإن
ملك خمسة أبعرة بعد خمسة وعشرين، فعلى الأول
لا شيء سوى بنت مخاض للأولى، وعلى الثاني شاة،
وعلى الثالث سدس بنت مخاض، وفيما بعد الحول
الأول في الأولى 5،
ـــــــ
أحدها: يفرده بالزكاة، وهذا الوجه مختص بما
إذا كان المستفاد نصابا أو دون نصاب، ولا يغير
فرض النصاب، أما إن كان دون نصاب ويغير فرض
النصاب لم يتأت فيه هذا الوجه، صرح به المجد
في شرحه، ويختص هذا الوجه أيضا بالحول الأول،
صرح به غير واحد، وكلام بعضهم يشعر باطراده في
كل الأحوال، وصرح القاضي أبو يعلى الصغير
بحكاية ذلك وجها6.
والوجه الثاني: أنه يزكي ذلك زكاة خلطة، صححه
المجد، وزعم أن صاحب المغني7 ضعفه فيه، وإنما
ضعف الأول،
والوجه الثالث: يضم إلى8 النصاب، فيزكي زكاة
ضم، وعلى هذا فهل الزيادة كنصاب منفرد، أو
الكل نصاب واحد؟ على وجهين:
ـــــــ
1 في الأصل و"ط": "يزكيها".
2 في "ب" و "س": "إحداهما".
3 في "ب": "للأولى".
4 في "ط": "ثلاث شياه لا".
5 ليست في الأصل.
6 في "ط": "وجهان".
7 4/62.
8 ليست في "ط".
(4/52)
خمسة أسداس بنت
مخاض لتمام حولها، وسدسها في الخمس لتمام
حولها1، وإن ملك مع ذلك ستا في ربيع، ففي2
الأولى بنت مخاض، وفي الإحدى عشرة لتمام حولها
ربع بنت لبون ونصف تسعها، وعلى الثاني لكل من
الخمس والست شاة، لتمام حولها3، وعلى الثالث
في الخمس لتمام حولها سدس بنت مخاض، وفي الست
لتمام حولها سدس بنت لبون، وإن نقص الثاني عن
نصاب ولم يغير الفرض فلا زكاة؛ لأنه وقص4،
وقيل: بلى5 زكاة خلطة كأجنبي، ففي عشرين بعد
أربعين ثلث شاة، وفي عشر من البقر بعد أربعين
خمس مسنة، وفي خمس بعد ثلاثين سبع تبيع، وإن
غير الفرض ولم يبلغ نصابا، كعشر من البقر بعد
ثلاثين، ففي الأولى6 لتمام
ـــــــ
أحدهما: أنها كنصاب منفرد، ولولا7 ذلك لزكى
النصاب عقيب تمام حوله بحصته من فرض المجموع،
ولم يزك زكاة انفراد8، وهذا قول أبي الخطاب في
انتصاره وصاحب المحرر.
والثاني: أنه نصاب واحد، وهو ظاهر كلام القاضي
وابن عقيل وصاحب المغني9، وهو الأظهر، واستطرد
في ذلك وأطال وأجاد، وذكر فوائد الاختلاف في
مسائل كثيرة، فرحمه الله ما أكثر تحقيقه،
وأغزر علمه، فهذه ست مسائل قد صححت بعون الله
تعالى.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "فعلى".
3 في "ب": "حولهما".
4 في الأصل: "لا وقص".
5 في "ط": "بل".
6 في "ط": "الأول".
7 في "ط": "لو كان".
8 في "ط": "واحد".
9 4/62.
(4/53)
حولها تبيع،
وفي العشر زكاة خلطة ربع مسنة؛ لأنه تم نصاب
المسنة فأخرج بقسطها. وقيل على الوجه الثاني
لا شيء، وإن غير الفرض، وبلغ نصابا وجبت
زكاته، وقدرها يبنى على الوجوه فيما إذا لم
يغير الفرض، فعلى الأول1 هناك2 ينظر هنا إلى
زكاة الجميع، فيسقط منها ما وجب في الأول3،
ويجب الباقي في الثاني،
وعلى الوجه الثاني هناك يعتبر مستقلا بنفسه،
فكذا هنا، وعلى الثالث تجب زكاة خلطة، فكذا
هنا، ففي مائة شاة بعد أربعين شاة شاة، وعلى
الوجه الثالث شاة وثلاثة أسباع شاة؛ لأن في
الكل4 شاتين، والمائة خمسة أسباع الكل، فحصتها
من فرضه خمسة أسباعه، وإن ملك مائة أخرى في
ربيع ففيها شاة، وعلى الوجه الثالث شاة وربع؛
لأن في الكل ثلاث شياه، والمائة ربع الكل
وسدسه، فحصتها من فرضه ربعه وسدسه، وفي إحدى
وثمانين شاة بعد أربعين شاة شاة، وعلى الوجه5
الثالث شاة وإحدى6 وأربعون جزءا من مائة
وإحدى7 وعشرين8 جزءا من شاة، كخليط، وفي مائة
وعشرين بعد مائة وعشرين شاتان، أو شاة أو شاة
9 ونصف، وفي خمسة أبعرة بعد عشرين بعيرا شاة
على الثاني، زاد الشيخ:
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ب": "ألأولى".
2 في الأصل: "هنا".
3 في "ط": "الأولى".
4 ليست في الأصل.
5 ليست في "ب" و "ط".
6 في النسخ الخطية "واحد" والمثبت من "ط".
7 في النسخ الخطية "واحد" والمثبت من "ط".
8 في "س": "عشرون".
9 ليست في "ط".
(4/54)
والأول. وعلى
الثالث خمس بنت مخاض، زاد ابن تميم: والأول،
وفي ثلاثين من البقر بعد خمسين تبيع على
الثاني، وثلاثة أرباع مسنة على الثالث، وعند
صاحب المحرر لا يجيء الوجه الأول في هاتين
المسألتين؛ لأنه يفضي في الأولى1 إلى إيجاب ما
يبقى من بنت مخاض بعد إسقاط أربع شياه، وهي من
غير الجنس، وفي الثانية2 إلى إيجاب فرض نصاب
عما دونه، فلهذا قال: الوجه الثالث أصح، لعدم
اطراد الأول، وضعف الثاني؛ لأنه لا يفرد
الأجنبي المخالط بالإيجاب عن مال خليطه، فمال
الواحد أولى؛ لأن ضم ملكه بعضه إلى بعض أولى
من خليط إلى خليط، ولهذا ضعف في المغني3 الوجه
الثاني.
وقال ابن تميم فيما يغير الفرض ولم يبلغ
نصابا: عليه زكاة خلطة، قطع به بعض أصحابنا،
قال وقال: إن كان يبلغ نصابا وجب فيه زكاة
انفراد، في وجه، وخلطة، في آخر، ولا يضم إلى
الأول فيما4 فيهما وجها واحدا إذا كان الضم
يوجب تغيير5 جنس الزكاة أو نوعها، كثلاثين من
البقر بعد خمسين، فيجب إما تبيع أو ثلاثة
أرباع مسنة، ولا تجب المسنة، وعلى الوجه الأول
في6 التي قبلها يجب ضم الثاني إلى الأول،
ويخرج إذا حال الحول الثاني ما بقي من زكاة
الجميع، فيجب هاهنا المسنة قال وهو أحسن،
والله أعلم.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "الأول".
2 في "ط": "الثالثة".
3 4/63، وجاء في "ب": "المعنى".
4 بعدها في "ط": "به".
5 في الأصل: "لغير" وفي "ب": "تغير".
6 ليست في "ط".
(4/55)
فصل: من له أربعون شاة في بلد وأربعون في بلد
آخر
وبينهما مسافة القصر، لزمه شاتان، وإن كان في
كل بلد عشرون فلا زكاة، هذا1 هو المشهور عند
أحمد، نقله الأثرم وغيره، فجعل التفرقة في
البلدين كالتفرقة في الملكين؛ لأنه لما أثر
اجتماع مالين لرجلين كمال الواحد، كذا2
الافتراق الفاحش في مال الواحد يجعله
كالمالين، واحتج أحمد بقوله عليه السلام " لا
يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية
الصدقة" 3. وعندنا من جمع أو فرق خشية الصدقة
لم يؤثر ذلك، ولأن كل مال ينبغي تفرقته ببلده،
فتعلق الوجوب به، وعنه: الكل كسائمة مجتمعة في
المسألتين "و" للعموم، كما لو كان بينهما دون
مسافة القصر "ع" وكغير السائمة "ع" اختاره أبو
الخطاب والشيخ، وحمل كلام أحمد على أن الساعي
لا يأخذها، فأما رب المال فيخرج إذا بلغ ماله
نصابا، ثم ذكر رواية الميموني وحنبل: لا يأخذ
المصدق منها شيئا، وهو إذا عرف ذلك وضبطه
أخرج، كذا قال. وقال أبو بكر:
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "هو".
2 بعدها في "ط": "في".
3 اخرجه البخاري 1358، من حديث أبي بكر.
(4/56)
بما روى الأثرم
أقول، ولو جاز أنه يخرجه إذا ضبطه وعرفه لجاز
أن لا يعطي عن ثمانين شاتين؛ لأنه واجب عليه
شاة، فلما أخذ منه شاتين وجب أن يعطي شاة، كذا
قال، وجعل أبو بكر في سائر الأموال روايتين،
كالماشية، قاله ابن تميم، وعلى هذه الرواية
تكفي شاة، ببلد أحدهما؛ لأنه حاجة، وقيل
بالقسط.
ومن له ستون شاة في كل بلد عشرون خلطة بعشرين
لآخر، فإن كان بينهما مسافة القصر فعلى الأشهر
تجب ثلاث شياه، على رب الستين شاة ونصف، وعلى
كل خليط نصف شاة، وإن لم يكن بينهما مسافة
القصر، أو كان وقلنا برواية. اختيار أبي
الخطاب، ففي الجميع1 شاة، نصفها على رب
الستين، وعلى كل خليط سدس شاة، هذا قول
الأصحاب ضما لمال كل خليط إلى مال الكل، فيصير
كمال واحد، وقيل: في الجميع شاتان وربع، على
رب الستين ثلاثه أرباع شاة؛ لأنها مخالطة
لعشرين خلطة وصف2، ولأربعين بجهة الملك، وحصة
العشرين من زكاة الثمانين ربع شاة، وعلى كل
خليط نصف شاة؛ لأنه مخالط العشرين فقط.
واختاره
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "س": "الجمع".
2 في "ط": "نصف".
(4/57)
صاحب المحرر،
واحتج هو وغيره بأنه يعتبر أن يبلغ مال كل
خلطة نصابا، فلو كانت كل عشرين من الستين خلطة
بعشر لآخر لزمه شاة. ولا يلزم الخلطاء شيء؛
لأنهم لم يختلطوا في نصاب.
ولو ضم مال الخليط إلى مال منفرد لخليطه، أو
إلى مال خليط1 خليطه لم يعتبر ذلك، ولصحت
الخلطة اعتبارا بالمجموع. وقال الآمدي بهذا
الوجه إلا أنه يلزم كل خليط ربع شاة، لما سبق؛
لأن مال
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في "ط" وفي الأصل: "خليط عند".
(4/58)
الواحد يضم،
وعند ابن عقيل: في الجميع ثلاث شياه، على رب
الستين شاة ونصف، جعلا للخلطة قاطعة بعض ملكه
عن بعض، بحيث لو كان له مال آخر منفرد اعتبر
في تزكيته وحده، وعلى كل خليط نصف شاة؛ لأنه
لم يخالط1 سوى عشرين،
قال ابن عقيل: تفريق ملك الواحد لا يمتنع على
أصلنا، بدليل تفرقته2 في البلدان ولو لم يخالط
رب الستين منها إلا بعشرين لعشرين لآخر، فعلى
الأول في الجميع شاة، على رب الستين ثلاثة
أرباعها، وعلى رب العشرين ربعها، وعلى الثاني،
على رب الستين في الأربعين المفردة ثلثا شاة،
ضما إلى بقية ملكه، وفي العشرين "3ربع شاة،
ضما لها إلى بقية ماله الأربعين المفردة وإلى
عشرين الآخر، لمخالطتها، بعضه وصفا، وبعضه
ملكا، وعلى رب العشرين 3" نصف شاة، وذكره في
التلخيص. ويتوجه على الثالث، كالأول هنا، وعلى
الرابع في الأربعين المختلطة شاة، بينهما
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "يخالطه".
2 في "ط": "تفرقتهما".
3 ليست في "ط".
(4/59)
نصفان، وفي
الأربعين المفردة شاة، على ربها، ومن له خمس
وعشرون بعيرا كل خمس خلطة بخمس لآخر، فعلى
الأول عليه نصف حقة، وعلى كل خليط عشرها، وعلى
الثاني عليه خمسة أسداس بنت مخاض، وعلى كل
خليط شاة، وعلى الثالث عليه خمسة أسداس بنت
مخاض، وعلى كل خليط1 سدس، وعلى الرابع عليه
خمس شياه وعلى كل خليط شاة، وعن المالكية
والشافعية: الضم مطلقا وعدمه.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(4/60)
فصل:ولا أثر
للخلطة في غير السائمة
نص عليه، وهو المشهور "و م" في غير المساقاة؛
لأنها لا تؤثر إلا ضررا برب المال، لعدم الوقص
فيها، بخلاف السائمة، وعنه: تؤثر خلطة الأعيان
في غير1 السائمة "و ش" وقيل: وخلطة الأوصاف،
قال في الخلاف: نقل حنبل: تضم كالمواشي فقال:
إذا كانا رجلين لهما من المال ما تجب فيه
الزكاة من الذهب والورق فعليهما الزكاة
بالحصص، فيعتبر على هذا الوجه اتحاد المؤن
ومرافق الملك، واختار هذه الرواية الآجري،
وصححها ابن عقيل، وخصها القاضي في شرحه الصغير
بالذهب والفضة.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(4/60)
فصل: وللساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين
شاء
...
فصل:وللساعي أخذ الفرض من مال1 أي الخليطين
شاء
مع الحاجة وعدمها، نص عليه "و" وظاهره: ولو
بعد قسمه في خلطة أعيان مع بقاء
ـــــــ
.................
ـــــــ
3 ليست في "س".
(4/60)
فصل: وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل
كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما،
وعن ثلاثين بعيرا جذعة1، رجع على خليطه في
الأولى بقيمة نصف شاة، وفي الثانية بقيمة نصف
بنت مخاض؛ لأن الزيادة ظلم، فلا يجوز رجوعه
على غير ظالمه "و" وأطلق شيخنا في رجوعه على
شريكه قولين، ومراده للعلماء، قال: أظهرهما
يرجع. وقال في المظالم المشتركة، تطلب من
الشركاء، يطلبها الولاة أو2 الظلمة من البلدان
أو التجار3 أو الحجيج أو غيرهم، والكلف
السلطانية، وغير ذلك، على الأنفس أو الأموال
أو الدواب: يلزمهم التزام العدل في ذلك، كما
يلزم فيما يؤخذ منهم بحق،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": الجذعة.
2 في الأصل و "ب": و "ط": "و".
3 في "ب"، و"س": "التجارة".
(4/62)
ولا يجوز أن
يمتنع أحد من أداء قسطه من ذلك، بحيث يؤخذ
قسطه من الشركاء؛ لأنه لم يدفع الظلم عنه إلا
بظلم1 شركائه؛ لأنه يطلب ما يعلم أنه يظلم فيه
غيره، كمن يولي أو يوكل من يعلم أنه يظلم
ويأمره بعدم الظلم، ليس له أن يوليه، ولأنه
يلزم العدل في هذا الظلم، ولأن النفوس لا ترضى
بالتخصيص، ولأنه يفضي إلى أخذ الجميع من
الضعفاء، ولأنه لو احتاج المسلمون إلى جمع مال
لدفع عدو كافر لزم القادر، الاشتراك، فهاهنا
أولى، فمن تغيب أو امتنع وأخذ من غيره حصته2،
رجع على من أدى عنه، في الأظهر، إلا أن ينوي
تبرعا. ولا شبهة على الآخذ في الأخذ، كسائر
الواجبات، كعامل الزكاة، وناظر الوقف، والوصي،
والمضارب، والشريك، والوكيل، وسائر من تصرف
لغيره بولاية أو وكالة، إذا طلب منه حصة"3، ما
ينوب ذلك المال من الكلف، فإن لهم أن يؤدوا
ذلك من المال، بل إن كان إن3" لم يؤدوه، أخذ
الظلمة أكثر وجب؛ لأنه من حفظ المال، ولو قدر
غيبة المال، فاقترضوا عليه، أو4 أدوا من
مالهم، رجعوا به، وعلى هذا العمل.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل "لظلم".
2 ليست في الأصل.
3 ليست في "ط".
4 في "ط": "و".
(4/63)
ومن لم يقل به
لزم من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد.
قال: وغاية هذا أن يشبه بغصب المشاع، فالغاصب
إذا قبض من المشترك نصيب أحد الشريكين كان ذلك
من مال ذلك الشريك، في الأظهر، وهو ظاهر مذهب
الشافعي وأحمد وغيرهما، ولو أقر أحد الابنين
بأخ وكذبه أخوه لزم المقر أن يدفع إلى المقر
به ما فضل عن حقه، وهو السدس، في مذهب مالك
والشافعي وأحمد، جعلوا ما غصبه الأخ المنكر من
مال المقر به خاصة لأجل النية. وكذا هاهنا
إنما قبض الظالم عن ذلك المطلوب لم يقصد أخذ
مال الدافع، لكن قال أبو حنيفة في غصب المشاع:
ما قبضه الغاصب يكون منهما، اعتبارا بصورة
القبض، ويكون النصف الذي غصبه الأخ المنكر
منهما، وهو قول في مذهب الشافعي وأحمد، قال:
ومن صودر على مال فأكره أقاربه أو أصدقاؤه أو
جيرانه أو شركاؤه على أن يؤدوا عنه فلهم
الرجوع؛ لأنهم ظلموا لأجله ولأجل ماله،
والطالب مقصوده ماله لا مالهم، واحتج بقصة ابن
اللتبية1، وقال: فلما كانوا إنما أعطوه وأهدوا
إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال
المستحق لأهل الصدقات؛ لأنه بسبب أموالهم قبض،
ولم يخص به2 العامل، فكذا ما قبض بسبب مال بعض
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري 2597، ومسلم 1832، 26. من
حديث أبي حميد الساعدي قال: استعمل النبي صلى
الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له: ابن
اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم
وهذا أهدي لي. قال: "فهلا جلس في بيت أبيه أو
بيت أمه فينظر يهدى له أم لا..." وابن اللتبية
هو عبد الله بن اللتبية الأزدي، له صحبة
استعمله رسول الله في الصدقات. قال في فتح
الباري 3/366: واللتبية بضم اللام وسكون
المثناة: من بني لتيب: حي من الأزد. قاله ابن
دريد. قيل إنها كانت أمه، وقيل: اللتبية بضم
اللام والمثناة. أسد الغابة 3/274، والإصابة
6/202.
2 ليست في "ب".
(4/64)
الناس، فعنها
"1يحسب ما1" أعطي لأجلها فهو مغنم ونماء لها،
لا لمن أخذه، فما أخذ لأجلها فهو مغرم منها،
لا على من أعطاه، وكذا من لم يخلص مال غيره من
التلف إلا بما أدى عنه رجع به في أظهر قولي2
العلماء، وهو محسن3 وتأتي هذه المسائل في
موضعها إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
1 في "ط": "بحسب فكأنما".
2 في "ط": "قول".
3 في "ط": "حسن".
(4/65)
فصل: وإن أخذه بتأويل
كأخذه صحيحة عن مراض، أو كبيرة عن صغار، أو
قيمة الواجب، رجع عليه "و" لأن الساعي نائب
الإمام فعله كفعله، قال صاحب المحرر: فلا
ينقض، كما في الحاكم، قال الشيخ: ما أداه
اجتهاده إليه وجب دفعه، وصار بمنزلة الواجب،
واقتصر غيره على أن فعله في محل الاجتهاد سائغ
نافذ، فترتب عليه الرجوع، لسوغانه، وفي الخلاف
فيما زاد على النصاب: معنى كلام الشيخ بما
يقتضي أن المخالف له في تلك المسألة وهم
الحنفية وافقوا عليه، فإذا أخذ القيمة رجع
عليه بالحصة منها، وقال أبو المعالي: إن أخذ
القيمة وجاز أخذها رجع بنصفها، إن قلنا القيمة
أصل، وإن قلنا بدل فبنصف قيمة الشاة، وإن لم
تجزئ القيمة فلا رجوع، كذا قال. وقال ابن
تميم: إن أخذ الساعي فوق الواجب، بتأويل، أو
أخذ القيمة، أجزأت في الأظهر، ورجع عليه بذلك،
وإطلاق الأصحاب يقتضي الإجزاء ولو اعتقد
المأخوذ، منه
ـــــــ
.................
(4/65)
عدمه، ويأتي في
آخر الفصل1، وصوب شيخنا الإجزاء، وجعله في
موضع آخر كالصلاة خلف تارك شرطا2 عند المأموم،
قال شيخنا: وإن طلبها منه فكصلاة الجمعة خلفه،
وسبق كلام الشيخ3، ويأتي إن شاء الله تعالى في
آخر طريق الحكم4 خلاف فيمن حكم له أو عليه
بخلاف اعتقاده.
وإن أخذ الساعي فرضا مجمعا عليه، لكنه مختلف
هل هو عن الخليطين أو عن أحدهما، عمل كل في
التراجع بمقتضى مذهبه؛ لأنه لا نقض5 فيه لفعل
الساعي، فعشرون خلطة لستين فيها ربع شاة، فإذا
أخذ الشاة من الستين رجع ربها بربع الشاة "هـ
م" وإن أخذها من العشرين رجع ربها6 بثلاثة
أرباعها، لا بقيمتها كلها "هـ م" وهذه الصورة
إن وقعت فنادرة؛ لأن ما يأخذه باجتهاد7 أو
تقليد عنهما أو عن أحدهما، فتكون المسألة
السابقة، ولهذا لم يذكرها الأكثر.
ولا تسقط زيادة مختلف فيها بأخذ الساعي مجمعا
عليه، كمائة وعشرين خلطة بينهما، تلف ستون عقب
الحول فأخذ8 نصف شاة، بناء على تعلق
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ص 68.
2 في "ط": "ركن".
3 في الصفحة السابقة.
4 11/214.
5 في الأصل و"س": "نقص".
6 في "ط": "بها".
7 في الأصل: "باجتهاده".
8 في "ط": "يأخذ".
(4/66)
الزكاة بالنصاب
والعفو1، وجعل2 للخلطة والتلف تأثيرا لزمهما
إخراج نصف شاة، ومذهب "هـ" يلزمهما إخراج شاة؛
لأن الواجب عنده شاتان، سقط بالتلف نصف،
واحدة؛ لأنه يعلق3 الوجوب بالنصاب دون العفو،
كذا ذكر هذه المسألة والتي قبلها في منتهى
الغاية، ومقتضى ما ذكره في الثانية: ولو كان
ما أخذه في الأولى يراه عنهما أو عن أحدهما،
وهذا خلاف ظاهر4 ما ذكره هو وغيره في المسألة
الأولى. والساعي في هاتين المسألتين يقول: أنا
أعلم الخلاف في هذا، وأنا أجتهد فيه، والواجب
في هذا المال دون هذا، والواجب كذا لا أكثر،
فآخذه للفرض، وفعله وقوله باجتهاد5، في مختلف
فيه، فينبغي أن لا يخالف ولا ينقض، كالمسألة
الأولى، وكبقية مسائل الاجتهاد، لا سيما قول
الشيخ: ما أداه اجتهاده إليه وجب دفعه، وصار
بمنزلة الواجب فتعيين وجوب6 دفع ما طلبه يمنع7
وجوب غيره، وإلا فلو بقي غيره واجبا لم يتعين؛
لأن باذله يكون باذلا للواجب، ومن بذل الواجب
لزم قبوله ولا تبعة عليه. ثم على ما ذكره صاحب
المحرر في المسألة الثانية يأخذ ولاة الأمر
الزكاة من إنسان طول عمره. ثم يؤخذ بعد ذلك
بالقدر الزائد عن جميع ما مضى، بل وبعد موته،
ولا سبيل إلى استقرار الأمر، وهذا لا نظير له،
ونظير المسألة الجزية،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "العفر".
2 في "ط": "جعلا".
3 في "ط": "لأن تعلق".
4 في "ب": "خالف".
5 في "ط": "ففعله وقوله اجتهاد".
6 في "ط": "فيتعين فوجوب".
7 في "ط": "بمنع".
(4/67)
فيأخذ ولاة
الأمر الجزية من إنسان طول عمره، ثم يطالب
بالقدر الزائد عن جميع ما مضى، بل وبعد موته،
بل والآباء وإن علوا، وهذا ظاهر الفساد، و
يأتي في النصف الثالث من الزكاة1 أن العامل
إذا أسقط أو أخذ دون ما يعتقد المالك يلزم
المالك الإخراج، زاد في الأحكام السلطانية:
فيما بينه وبين الله، فهذا يدل أن المالك إن
لم يعتقد شيئا لم يلزم بشيء، ويعمل برأي
العامل2، وإن اعتقد لزمه بينه وبين الله 3،
على ما ذكره القاضي، فلا ينتقض اجتهاد العامل
ظاهرا، وعلى ظاهر كلام غير القاضي يلزم مطلقا،
وسبق كلام شيخنا في هذا الفصل4، ويأتي هناك:
إذا اجتهد رب المال وأخرج وقد فات وقت5 مجيء
الساعي لا يغير6 اجتهاد رب المال7، فأولى أن
لا يغي8ر اجتهاد الساعي هنا، ولهذا السبب
والله أعلم لم يذكر الأصحاب هاتين المسألتين،
وهذا أشبه إذا رأى الإمام تعزير واحد قدرا
معينا فعله أولى، هل لغيره الزيادة عليه؟
وسيأتي في التعزير إن شاء الله تعالى.
ومن أخرج منهما فوق الواجب لم يرجع بزيادة،
قال صاحب المحرر: عقد الخلطة جعل كل واحد
منهما كالإذن لخليطه في الإخراج
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ص 328.
2 بعدها في الأصل: "ظاهرا".
3 ليست في "ط".
4 ص 66.
5 في "ط": "لم يكن قد فات".
6 في الأصل و "ط": "يعتبر".
7 ليست في الأصل.
8 في الأصل و "ط": "يعتبر".
(4/68)
عنه، وكذا ذكر
ابن تميم عن ابن حامد: يجزئ إخراج أحدهما بلا
إذن الآخر، حضر أو غاب، واختار صاحب الرعاية:
لا يجزئ، وسبق في المضاربة1: لا زكاة في
المنصوص بلا إذن؛ لأنه وقاية، فدل أنه يجوز
لولا المانع، ولعل كلامهم في إذن كل شريك
للآخر في إخراج زكاته يوافق ما اختاره في
الرعاية، ويشبه هذا أن عقد الشركة يفيد التصرف
بلا إذن صريح، على الأصح، وسيأتي إن شاء الله
تعالى2.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 3/465.
2 7/106.
(4/69)
باب زكاة الزرع والثمر وحكم بيع المسلم
وإجارته وإعارته من الذمي العقار وغيره وزكاة
العسل ونحو ذلك وتضمين أموال العشر والخراج
تجب الزكاة في كل
مكيل مدخر، نقله أبو طالب، وكذا نقل
صالح، وعبد الله: ما كان يكال ويدخر، ويقع فيه
القفيز، ففيه العشر، و ما كان مثل القثاء
والخيار والرياحين والبصل والرمان فليس فيه
زكاة إلا أن يباع ويحول على ثمنه الحول،
واختاره جماعة، وجزم به آخرون، والمذهب عند
جماعة: من حب وثمر، كالحبوب والتمر والزبيب
واللوز والفستق والبندق والسماق1 والبزور، ونص
أحمد على الزكاة في اللوز، وعلل أنه مكيل.
وقال ابن حامد: لا تجب في حب البقول كحب
الرشاد وحب الفجل والقرطم، والأبازير كالكسفرة
والكمون والبزور، وكبذر القثاء والخيار وبزر2
الرياحين؛ لأنها ليست بقوت ولا أدم، ويدخل في
هذا بزر اليقطين، وذكره في المستوعب: من
المقتات، والأول أولى،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 السماق: ثمر معروف يشهي ويقطع الإسهال
المزمن. القاموس المحيط "سمق".
2 ليست في "ط".
(4/70)
ويخرج الصعتر
والأشنان ونحوهما، وحب ذلك على الأقوال
الثلاثة، وكذا كل ورق مقصود، كورق السدر
والخطمي والآس.
ولا زكاة في الأشهر في الجوز، نص عليه، وعلل
بأنه معدود.
والتين والمشمش والتوت وقصب السكر، وكذا
العناب، وجزم في الأحكام السلطانية والمستوعب
والكافي1 بالزكاة فيه، وهذا أظهر، فالتين
والمشمش والتوت مثله، واختاره شيخنا في التين؛
لأنه يدخر كالتمر.
وهل تجب في الزيتون "و هـ م" اختاره القاضي
وصاحب المحرر وغيرهما، أم لا "و ش" اختاره
الخرقي وأبو بكر والشيخ وغيرهم، فيه روايتان؟
"م 1"
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: وهل تجب في الزيتون؟ اختاره
القاضي وصاحب المحرر وغيرهما، أم لا؟ اختاره
الخرقي وأبو بكر والشيخ وغيرهم، فيه روايتان،
انتهى، وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والمغني2 والتخليص والرعايتين
والحاويين والفائق والزركشي وتجريد العناية
وغيرهم،
إحداهما لا زكاة فيه، وهو الصحيح، اختاره
الخرقي وأبو بكر والشيخ الموفق والشارح
والقاضي في التعليق، قاله الزركشي، قال ابن
منجى في شرحه: هذا أصح، وقدمه في الكافي
والمقنع3 والهادي
والرواية الثانية تجب فيه، صححها ابن عقيل في
الفصول، والشيرازي في المبهج، وأبو المعالي في
الخلاصة، واختاره القاضي والمجد في شرحه، وجزم
ـــــــ
1 2/132.
2 4/160.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/501.
(4/71)
وكذا القطن "م
2" فإن لم تجب فيه "و م ش" وجبت في حبه، جزم
به جماعة، منهم الشيخ، وأطلق بعضهم وجهين،
وقدم ابن تميم عدم الوجوب. والكتان مثله، ذكره
القاضي، وكذا القنب، وذكر بعضهم: إن وجبت فيه
ففيهما احتمالان "م 3"
ـــــــ
به ابن عقيل في التذكرة، والشيرازي في
الإيضاح، وقدمه ابن تميم في مختصره قلت: وهو
الصواب.
"مسألة 2" قوله: وكذلك القطن، يعني أنه
كالزيتون، فيه الروايتان المطلقتان، وأطلقهما
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والتلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين.
والفائق وتجريد العناية وغيرهم، وحكاهما في
الإيضاح وجهين،
أحدهما لا تجب فيه، وهو الصحيح اختاره أبو بكر
والقاضي في التعليق، وهو ظاهر كلام الخرقي،
واختاره الشيخ والشارح. قال ابن منجى في شرحه:
هذا أصح، وقدمه في المغني1 والكافي2 والمقنع3
والهادي والشرح3 وغيرهم،
والرواية الثانية تجب فيه، اختارها ابن عقيل،
وصححها في المبهج والخلاصة، وجزم بها في
الإفادات وقدمها ابن تميم وابن رزين في شرحه،
وهي الصواب.
"مسألة 3" قوله: والكتان مثله، ذكره القاضي،
وكذا القنب، وذكر بعضهم: إن وجبت فيه ففيهما
احتمالان، انتهى. قال في الرعاية الصغرى
والحاويين: وفي الكتان والقنب وجهان، وأطلقهما
في الرعاية الكبرى في الكتان،
ـــــــ
1 4/160.
2 2/133.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/501
(4/72)
والروايتان في
الزعفران "م 4" واختار صاحب المحرر وغيره: لا
تجب "1"و ش م" 1" ولعله اختيار الأكثر، ويخرج
عليه العصفر والورس والنيل2، قال الحلواني:
والفوة3. وفي الحناء الخلاف "م 5".
ـــــــ
أحدهما يجب فيهما، قدمه في الرعاية الكبرى في
القنب، قال الشارح: وإذا قلنا بوجوب الزكاة في
القطن احتمل أن تجب في الكتان والقنب، واقتصر
عليه، وهو الصواب،
والرواية الثانية لا تجب.
"مسألة 4" قوله: والروايتان في الزعفران،
انتهى. وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والتلخيص والمحرر والرعايتين
والحاويين والفائق وتجريد العناية وغيرهم،
إحداهما لا تجب فيه، وهو الصحيح، اختاره الشيخ
الموفق في المغني4، والمجد في شرحه، والشارح
وغيرهم، قال ابن منجى في شرحه: وهو أصح، قال
الزركشي: اختاره أبو بكر، والقاضي في التعليق،
قال المصنف: ولعله اختيار الأكثر، وقدمه في
المغني4 والكافي5 والمقنع6 والهادي والشرح
وشرح ابن رزين وغيرهم،
والرواية الثانية تجب فيه، اختاره ابن عقيل،
وصححه في المبهج والخلاصة، وجزم به في
الإفادات، وقدمه ابن تميم، وهو الصواب.
"مسألة 5" قوله: وفي الحناء الخلاف، انتهى،
وأطلقه في والرعايتين والفائق وغيرهم، وحكوه
وجهين:
ـــــــ
1 في "ط": "و".
2 النيل: نبات العظلم وهو نبت يصبغ به، أو هو
الوسمة. القاموس "نيل" و "عظلم".
3 الفوة: عروق رقاق طوال حمر، يصبغ بها.
القاموس "فوه".
4 4/160.
5 2/133.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/501.
(4/73)
ولا زكاة في
غير مكيل مدخر، كبقية الفواكه "هـ" والخضر
"هـ" والبقول "هـ" كالزهر والورق "و" وطلع
الفحال "و" والسعف والخوص وقشور الحب "و"
والتبن "و" والحطب "و" والخشب "و" وأغصان
الخلاف1 "و" وذكره2 صاحب المحرر: فيه وفي ورق
التوت "ع" والحشيش "و" والقصب الفارسي "و"
ولبن الماشية "ع" وصوفها "ع" ونحو ذلك، وكذا
الحرير ودود القز،
وحكى ابن المنذر عن أحمد رواية أخرى: لا زكاة
إلا في التمر والزبيب والبر والشعير، قدمه ابن
رزين في مختصره، ويروى عن ابن عمر3 وأبي
موسى4، وقاله جماعة من التابعين وجماعة بعدهم،
ولا يختص الوجوب بالتمر والزبيب والمقتات
المدخر "ش م". وزاد 5"م ر" 5: السمسم والترمس،
ونقض صاحب المحرر بهما، فإنهما مقتاتان6 كدخن7
وماش8 ولوبيا، وكذا ذكر غيره أنهما مقتاتان،
وتجب عند أبي يوسف
ـــــــ
أحدهما لا يجب، وهو الصحيح، جزم به في
المستوعب وغيره، واختاره الشيخ الموفق والشارح
وابن رزين وغيرهم،
والقول الثاني تجب فيه أيضا، وهو ظاهر كلام
الأكثر، وهو الصواب.
ـــــــ
1 الخلاف: صنف من الصفصاف. القاموس "خلف".
2 في "ط": "ذكر".
3 لم أجده.
4 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/138، عن أبي
موسى الأشعري، أنه لم يأخذها إلا من الحنطة
والشعير، والتمر والزبيب.
5 في "ط": "مالك في إحدى روايتيه".
6 في الأصل و"ط": "مقتات".
7 في الأصل: "مدخر" وفي "ط": "يدخر".
8 الماش: حب معروف معتدل، القاموس المحيط
"ماش".
(4/74)
ومحمد في كل ما
يبس وبقي من زرع وثمرة، وإن لم يكن مكيلا،
كالتين ونحوه، لا في الخضراوات وبزرها.
(4/75)
فصل: وما نبت من المباح في أرضه
وقلنا على الأشهر: لا يملك بملك الأرض، بل
بأخذه أو في موات كالبطم1 والعفص2 والزعبل وهو
شعير الجبل وبذر قطونا وغير ذلك، فلا زكاة
فيه، في اختيار ابن حامد وصاحب المغني3
والمحرر وذكر أنه المشهور وغيرهم "م ش"؛ لأن
وقت الوجوب وهو بدو الصلاح لم يملكه4، فأشبه
ما يلتقطه اللقاط من السنبل، نص عليه، أو
يأخذه أجرة لحصاده وما يملكه بعد بدو صلاحه
بشراء أو إرث أو غيره، وإنما وجبت في العسل
للأثر5.
وقال ابن الجوزي: في المذهب تجب، وجزم به أبو
الخطاب وجماعة "و هـ" قال القاضي: هو قياس قول
أحمد "م 6"؛ لأنه أوجبها في العسل، فيكفي
بملكه6 وقت الأخذ، كالعسل، وإن نبت بنفسه ما
يزرعه
ـــــــ
"مسألة 6" قوله: وما نبت من المباح في أرضه،
وقلنا على الأشهر: لا يملك بملك الأرض، بل
يأخذه، أو في موات كالبطم والعفص والزعبل وبزر
قطونا وغير ذلك فلا زكاة فيه، في اختيار ابن
حامد وصاحب المغني والمحرر وذكر أنه
ـــــــ
1 البطم: هي شجرة الحبة الخضراء، من الفصيلة
الفستقية، وثمرتها تؤكل في بلاد الشام.
2 العفص: شجرة البلوط.
3 4/158
4 في "ط": "لا يملك".
5 اخرج ابن ماجة 1824 من حديث عبد الله بن
عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من
العسل العشر. وأخرج عبد الرزاق 6972 عن أبي
هريرة قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشور.
6 في "ط": "فيكفي تملكه".
(4/75)
الآدمي، كمن
سقط له حب حنطة في أرضه أو في أرض مباحة زكاه؛
لأنه يملك وقت الوجوب.
(4/76)
فصل:ولا زكاة
في ذلك كله حتى يبلغ نصابا
قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار
خمسة أوسق "و م ش" وأبي يوسف ومحمد، فلا تجب
في "1أقل من ذلك 1" "هـ" لقوله عليه السلام:
"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة". متفق عليه2،
ولأنه وقت كماله ولزوم الإخراج، ولم يعتبر له
الحول "ع" لتكامل النماء عند الوجوب.
وعنه: يعتبر نصاب النخل والكرم رطبا وعنبا،
"خ" اختاره الخلال
ـــــــ
المشهور وغيرهم. وقال ابن الجوزي: في المذهب
يجب، وجزم به أبو الخطاب وجماعة، قال القاضي:
هو قياس قول أحمد، انتهى، وأطلقهما في
الرعايتين والحاويين ومختصر ابن تميم وغيرهم،
القول الأول هو الصحيح، وهو القول بعدم
الوجوب، اختاره ابن حامد والشيخ في المغني3،
وقدمه في الكافي4 والمقنع5، واختاره المجد في
شرحه وقال: هذا الصحيح، واختاره أيضا الشارح
وابن رزين في شرحه، وجزم به في الإفادات فيما
يجتنبه من المباح،
والقول الثاني اختاره في المذهب فقال فيه:
المذهب تجب في ذلك، وجزم به
ـــــــ
1 في "ب" و "س": "قليل".
2 البخاري 1447، ومسلم 979، "1". من حديث أبي
سعيد الخدري.
3 4/158.
4 2/154.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/525.
(4/76)
وصاحبه،
والقاضي وأصحابه، مع أن القاضي ذكر أن الأول
أصح الروايتين، ويؤخذ عشر ما يجيء منه، وعنه:
عشره يابسا والوسق وهو بفتح الواو وكسرها ستون
صاعا "ع" لنص الخبر1، فيكون ثلاثمائة صاع،
والصاع رطل وسبع دمشقي، فزد على الثلاثمائة
سبعها، يكن ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلا وستة
أسباع رطل بالدمشقي، والرطل بكسر الراء وفتحها
لغة. وسبق قدر الرطل العراقي في كتاب
الطهارة2، وقدر الصاع في آخر الغسل3، والوسق
والصاع كيلان لا صنجتان، نقل إلى الوزن ليحفظ
وينقل4،
والمكيل يختلف في الوزن، فمنه الثقيل كالأرز
والتمر، والمتوسط
ـــــــ
في الهداية ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي
وغيرهم، قال في الرعاية: أشهر الوجهين الوجوب،
وقدمه في المستوعب والتلخيص والفائق والزركشي
وغيرهم، وجزم به في الإفادات فيما ينبت في
أرضه، واختاره القاضي في هذه المسألة صريحا،
قاله المجد. وقال القاضي أيضا في الخلاف و5
الأحكام السلطانية: قياس قول أحمد وجوب الزكاة
فيه، لأنه أوجبها في العسل، فيكتفى بملكه وقت
الأخذ كالعسل، وهو ظاهر كلام الخرقي.
ـــــــ
1 أخرج أحمد 11785 وابن ماجة 1832 من حديث أبي
سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الوسق
ستون صاعا".
2 1/87.
3 1/268.
4 يعني نقل في تفسيره وتحديده إلى مقادير
وزنية حتى يحفظ وينقل إلى من يأتي.
5 في "ح": "في".
(4/77)
كالحنطة
والعدس، والخفيف كالشعير والذرة، وأكثر التمر
أخف من الحنطة على الوجه الذي يكال شرعا؛ لأن
ذلك على هيئته غير مكبوس، ونص أحمد وغيره من
الأئمة على أن الصاع خمسة أرطال وثلث بالحنطة،
أي بالرزين من الحنطة؛ لأنه الذي يساوي العدس
في وزنه، فتجب الزكاة في الخفيف إذا قارب هذا
الوزن، وإن لم يبلغه؛ لأنه في الكيل كالرزين.
ومن اتخذ مكيلا يسع خمسة أرطال وثلثا من جيد
الحنطة، كما سبق، ثم كال به ما شاء، عرف ما
بلغ حد الوجوب من غيره، نص أحمد على ذلك.
وقاله القاضي وغيره، وحكى القاضي عن ابن حامد:
يعتبر أبعد الأمرين من الكيل أو الوزن، وذكر
ابن عقيل وغيره أن الاعتبار بالوزن. قال
الأئمة منهم صاحب المغني ومنتهى الغاية ومتى
شك في بلوغ قدر النصاب احتاط وأخرج، ولا يجب؛
لأنه الأصل، فلا يثبت بالشك،
وسبق: هل النصاب تحديد؟ في الفصل الثاني من
كتاب الزكاة1. وإن كان الحب يدخر في قشره عادة
لحفظه، وهو الأرز والعلس فقط بفتح العين وسكون
اللام وفتحها ومثل بعضهم بهما، فنصابهما في
قشرهما عشرة أوسق، وإن صفيا فخمسة أوسق،
ويختلف ذلك في ثقل وخفة، ومتى شك في بلوغ
النصاب خير بين أن يحتاط ويخرج عشرة قبل قشره،
وبين قشره واعتباره بنفسه، كمغشوش الأثمان،
على ما يأتي2، وقيل: يرجع في نصاب الأرز إلى
أهل الخبرة،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 3/443.
2 ص 131.
(4/78)
والعلس نوع من
الحنطة "و" منقول عن أئمة اللغة والفقه.
والذرة بقشرها خمسة أوسق. ونصاب الزيتون خمسة
أوسق كيلا، نقله صالح "و ش" وأبي يوسف ومحمد.
وقال ابن الزاغوني: نصابه ستون صاعا، قال ابن
تميم، ونقله صالح: ولعله سهو. وفي الهداية: لا
نص فيه، ثم ذكر عن القاضي أنه كالقطن، قال
صاحب المحرر: والظاهر أنه سهو. وقال في
الإيضاح: هل يعتبر بالزيت؟ أو بالزيتون؟ فيه
روايتان، فإن اعتبر بالزيت فنصابه خمسة أفراق
كذا قال، وهو غريب، ويخرج منه، وإخراج زيته
أفضل "و هـ ش" هذا المشهور، ولا يتعين "م"
لاعتباره الأوساق بالزيت فيما له زيت، وقيل:
يخرج زيتونا، كما1 لا زيت فيه، لوجوبها فيه "م
ر" وكدبس عن تمر،
قال أبو المعالي، على الأول: ويخرج عشر كسبه2،
ولعله مراد غيره؛ لأنه منه، بخلاف التين. وفي
المستوعب: هل يخرج من الزيتون أو من دهنه؟ فيه
وجهان، فيحتمل أن مراده أن الخلاف في الوجوب،
ويدل عليه
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل: "مما".
2 الكسب: عصارة الدهن. القاموس المحيط. "كسب".
(4/79)
سياق كلامه،
ويحتمل في1 الأفضلية، وظاهره: لا يلزم إخراج
غير الدهن، وإلا فلو أخرجه والكسب لم يكن
للوجه الآخر وجه، ولأن الكسب يصير وقودا
كالتبن، وقد ينبذ ويرمى رغبة عنه. وقال بعضهم:
لا يجزئ شيرج عن سمسم، وظاهره كما سبق من قول
أبي المعالي، و أنه لو أخرج الشيرج والكسب
أجزأ،
وقد وذكر الأصحاب زكاة السمسم منه كغيره،
وظاهره: لا يجزئ2 شيرج وكسب لعيبهما3،
لفسادهما بالادخار، كإخراج الدقيق والنخالة،
بخلاف الزيت وكسبه، وهذا واضح. وقال ابن تميم:
إن كان الزيتون لا زيت فيه أخرج حبه، وإلا
خير، وفيه وجه: يخرج من دهنه، قال: ولا يخرج
من دهن السمسم وجها واحدا
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و "ط".
2 في "ط": "يخرج".
3 في "ط": "بعينهما".
(4/80)
ونصاب ما لا
يكال كالقطن والزعفران والورس بالوزن ألف
وستمائة رطل عراقية، في اختياره في المجرد
والمغني1، واختار في الخلاف والهداية "م 7"
ومنتهى الغاية بلوغ قيمته قيمة أدنى نبات
يزكى، زاد في الخلاف: إلا العصفر فإنه تبع
للقرطم؛ لأنه أصله، فاعتبر به، فإن بلغ القرطم
خمسة أوسق زكى، وتبعه العصفر، وإلا فلا، وقيل:
ـــــــ
مسألة 7" قوله: ونصاب ما لا يكال، كالقطن
والزعفران والورس، بالوزن ألف وستمائة رطل
عراقية، في اختياره في المجرد والمغني، واختار
في الخلاف والهداية ومنتهى الغاية بلوغ قيمته
قيمة2 أدنى نبات يزكى، زاد في الخلاف: إلا
العصفر فإنه تبع للقرطم، انتهى. وأطلقهما في
المذهب،
ـــــــ
1 4/163.
2 ليست في "ط".
(4/81)
يزكى قليل ما
لا يكال وكثيره "و ش" ومنهم من خصه بالزعفران،
ولا فرق، وقيل نصاب زعفران وورس وعصفر خمسة
أمناء، جمع منا، وهو رطلان، وهو المن وجمعه
أمنان.
(4/82)
فصل: وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض في تكميل
النصاب
"و" فالسلت نوع من الشعير، جزم به جماعة، منهم
الشيخ وصاحب المحرر؛ لأنه أشبه الحبوب في
صورته. وفي المستوعب: لونه لون الحنطة وطبعه
طبع الشعير في البرودة، وظاهره أنه مستقل
بنفسه، أو هل يعمل بلونه أو طبعه؟ يحتمل
وجهين. وفي الترغيب: أن السلت يكمل بالشعير،
وقيل: لا، يعني أنه أصل بنفسه. وقاله بعضهم،
وسبق في الفصل قبله أن العلس نوع من الحنطة،
وأطلق في الرعاية وجهين في ضم العلس إلى
الحنطة1.
ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض، اتفق وقت
إطلاعه وإدراكه أو اختلف "و م ق" كما لو
تقارب2 وتضم ذرة حصدت ثم نبتت، ولا يختص
ـــــــ
القول الأول وهو الصحيح اختاره من ذكره
المصنف، وقدمه في الشرح3 وشرح ابن رزين ومختصر
ابن تميم والرعايتين "4والفائق4" وغيرهم،
واختاره ابن منجى في شرحه، وجزم به في
الإفادات،
والقول الثاني احتمال القاضي في التعليق،
واختاره أبو الخطاب في الهداية، والمجد في
شرحه، والقاضي "4في الخلاف4"، وجزم به في
الخلاصة، وقدمه في الحاويين.
ـــــــ
1 في "ب" و "س": "البر".
2 في الأصل و "ط": "تفاوت".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/504.
4 ليست في "ح".
(4/82)
الضم بما اتفق
زرعه في فصل واحد من الفصول الأربعة "ق"
والحنفية، ولا بما اتفق حصاده في فصل منها "ق"
وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض "و"
لعموم الخبر1، وكما لو بدا صلاح إحداهما قبل
الأخرى، وسواء تعدد البلد أو لا، نص عليه "و"
ولعامل البلد الأخذ من محل ولايته حصته من
الواجب "و م ش" وعنه: لا يجوز، لنقص ما في
ولايته عن نصاب، فيخرج المالك فيما بينه وبين
الله "و هـ" وكذا الماشية المتفرقة حيث قلنا
بزكاتها.
قال صاحب المحرر: النخل التهامي يتقدم لشدة
الحر، فلو أطلع وجذ، ثم أطلع النجدي، ثم لم
يجذ حتى أطلع التهامي، ضم النجدي إلى التهامي
الأول لا إلى الثاني؛ لأن عادة النخل يحمل كل
عام مرة، فيكون التهامي الثاني ثمرة عام ثان،
قال: وليس المراد بالعام هنا اثني عشر شهرا،
بل وقت استغلال المغل من العام عرفا، وأكثر
عادة نحو ستة أشهر، بقدر فصلين، ولهذا أجمعنا
أن من استغل حنطة أو رطبا آخر تموز من عام، ثم
عاد استغل مثله في العام المقبل أول2 تموز أو
حزيران لم يضما، مع أن بينهما دون اثني عشر
شهرا، وهو معنى كلام ابن تميم، وحكى عن ابن
حامد: لا يضم صيفي إلى شتوي إذا زرع مرتين في
عام. قال الأصحاب: وإن كان له نخل يحمل في
السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر كزرع العام
الواحد.
وقال القاضي: لا يضم، لندرته، مع تنافي أصله،
فهو كثمرة عام آخر،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 تقدم ص 76.
2 في "ط": "آخر".
(4/83)
بخلاف الزرع،
فعلى هذا لو كان له نخل يحمل بعضه في السنة
حملا، وبعضه في السنة حملين ضم ما يحمل حملا
إلى أيهما بلغ معه، فإن كان بينهما فإلى
أقربهما إليه "و ش" وفي كتاب ابن تميم: وفي ضم
حمل نخل إلى حمل نخل آخر في عام واحد وجهان،
كذا قال، ولا تضم ثمرة عام أو زرعه إلى آخر.
(4/84)
فصل: ولا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب
في رواية اختارها الشيخ وغيره "و ش هـ"
والحنفية كأجناس الثمار "ع" وأجناس الماشية
"ع" وعنه: تضم الحبوب بعضها إلى بعض، رواها
صالح وأبو الحارث والميموني، وصححها القاضي
وغيره، وأومأ في رواية إسحاق بن هانئ إلى
الأول. وقال أيضا: رجع أبو عبد الله وقال:
يضم، وهو أحوط1، قال القاضي: فظاهره الرجوع عن
منع الضم، قدمه في المحرر وغيره، وحكاه الشيخ
اختيار أبو بكر، لاتفاقهما في قدر النصاب
والمخرج، كضم أنواع الجنس.
وعنه: تضم الحنطة إلى الشعير، والقطاني بعضها
إلى بعض، اختاره الخرقي وأبو بكر وجماعة من
أصحاب القاضي "و م" فعليها تضم الأبازير بعضها
إلى بعض، وحب البقول بعضها إلى بعض، لتقارب
المقصود، فكذا يضم كل ما تقارب، ومع الشك فيه
لا ضم،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "أحفظ".
(4/84)
وحكى ابن تميم
رواية: تضم الحنطة إلى الشعير، ولعله على
رواية أنهما جنس، قال: وعنه: يضم ما تقارب في
المنبت والمحصد "م 8" وخرج ابن عقيل ضم التمر
إلى الزبيب على الخلاف في الحبوب، قال صاحب
ـــــــ
"مسألة 8" قوله: ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل
النصاب، في رواية اختارها الشيخ وغيره وعنه:
تضم الحبوب بعضها إلى بعض، نقلها صالح وأبو
الحارث الميموني وصححها القاضي وغيره، وأومأ
في رواية إسحاق بن هانئ إلى الأول. وقال أيضا:
رجع أبو عبد الله وقال يضم1، وهو أحوط، قال
القاضي: فظاهره الرجوع عن منع الضم، قدمه في
المحرر وغيره، وحكاه الشيخ اختيار أبي بكر
وعنه: تضم الحنطة إلى الشعير، والقطاني بعضها
إلى بعض، اختاره الخرقي وأبو بكر وجماعة من
أصحاب القاضي. وعنه: يضم ما تقارب في المنبت
والمحصد، انتهى. وأطلق الروايات الثلاث الأول
في الهداية والمستوعب والمجد في شرحه وتجريد
العناية والمذهب ومسبوك الذهب والزركشي،
الرواية الأولى هي الصحيحة، والمذهب على ما
اصطلحناه، اختارها الشيخ الموفق والشارح وصاحب
الفائق، وصححها في إدراك الغاية، وقدمها في
المقنع2 والكافي3 والهادي وابن تميم والناظم،
والرواية الثانية صححها القاضي وغيره كما قال
المصنف ورأيته صححها في التعليق، وجزم به في
المنور، وقدمه في الخلاصة والمحرر والرعايتين
والحاويين وشرح ابن رزين ونهايته،
والرواية الثالثة اختارها الخرقي وأبو بكر
والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما، قال في
المبهج: يضم ذلك في أصح الروايتين، قال
القاضي: وهو الأظهر، نقله عنه ابن رزين في
شرحه، قال المجد في شرحه: قال القاضي في
ـــــــ
1 في "ح": "قال بعضهم".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/520.
3 2/137.
(4/85)
المحرر: ولا
يصح، لتصريح أحمد بالتفرقة بينهما وبين
الحبوب، على قوله بالضم في رواية صالح وحنبل،
وهو خلاف المحفوظ عن سائر العلماء. وقال ابن
تميم بعد كلام ابن عقيل: وقاله أبو الخطاب،
وتوقف عنه في رواية صالح.
(4/86)
فصل : ويؤخذ الواجب من الزرع والثمرة بحسبه
...
فصل : ويؤخذ الواجب من الزرع والثمرة1 بحسبه
جيدا أو رديئا، منه أو من غيره "و" ولا يجوز
إخراج الرديء عن الجيد "و" ولا إلزامه بإخراج
الجيد عن الرديء "و" ويؤخذ من كل نوع حصته "و
هـ" اختاره الشيخ وغيره، وحكاه عن أكثر
العلماء، لعدم المشقة؛ لأنه لا حاجة إلى
التشقيص، وعند ابن عقيل: من أحدهما بالقيمة،
كالضأن والمعز، واختاره الأكثر: إن شق من كل
نوع حصته لكثرة الأنواع واختلافها أخذ الوسط
"م 9" "و م ش" وقيل: من.
ـــــــ
في المجرد وهي الصحيحة. قال الشيخ في المغني2
والشارح: قال القاضي 3: هذا الصحيح، وجزم به
في الإيضاح والإفادات والوجيز وغيرهم،
والرواية الرابعة لم أطلع على من اختارها،
والله أعلم.
"مسألة 9" قوله: ويؤخذ من كل نوع حصته، اختاره
الشيخ وغيره وعند ابن عقيل: من أحدهما
بالقيمة، كالضأن والمعز، واختار الأكثر: إن شق
من كل نوع حصته لكثرة الأنواع واختلافها أخذ
الوسط، انتهى،
ما اختاره الشيخ قدمه في المغني4 والكافي5،
وصححه فيهما، وصححه
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "الثمر".
2 4/205
3 ليست في "ط".
4 4/206.
5 2/137
(4/86)
الأكثر، وإن
أخرج الوسط عن جيد ورديء بقدر قيمتي الواجب
منهما، أو أخرج الرديء عن الجيد بالقيمة، فقد
سبق في آخر فصل في1 زكاة الإبل2، ولا يجوز
إخراج جنس عن الآخر؛ لأنه قيمة، ولا مشقة، ولو
قلنا بالضم "و م"؛ لأنه احتياط للفقراء،
اختاره الأصحاب، وجوزه ابن عقيل إن قلنا
بالضم.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 ص 23.
(4/87)
فصل: ويجب العشر
"ع" في واحد من عشرة "ع" فيما سقي بغير مؤنة،
كالسيوح، وما يشرب بعروقه، كالبعل، ونصف العشر
فيما سقي بمؤنة "ع" كدالية وهو الدلو الصغير
ودولاب وناعورة وسانية وناضح وهما البعير الذي
سقي عليه وما يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض
إلى آلة من غرافة أو غيره. قال جماعة منهم
صاحب المغني1 والمحرر: ولا تؤثر مؤنة حفر
الأنهار
ـــــــ
الشارح وغيره، وجزم به ابن رزين في شرحه
وغيره، وهو ظاهر ما قدمه المصنف،
والقول الثالث هو الصحيح، وعليه أكثر الأصحاب
كما قال المصنف، وجزم به في الهداية والمذهب
والمستوعب والخلاصة والمقنع2 والهادي والتلخيص
والمحرر، وشرح المجد ونصره، والوجيز والمنور
ومنتخب الآدمي وشرح ابن منجى وغيرهم، وقدمه في
الرعايتين والحاويين ومختصر ابن تميم وغيرهم.
ـــــــ
41/164.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/524.
(4/87)
والسواقي، لقلة
المؤنة؛ لأنه من جملة إحياء الأرض، ولا يتكرر
كل عام، وكذا من يحول الماء في السواقي؛ لأنه
كحرث الأرض. وإن اشترى ماء بركة أو حفير وسقى
سيحا فالعشر في ظاهر كلام أصحابنا، قاله صاحب
المحرر، لندرة هذه المؤنة، وهي في ملك الماء
لا في السقي به، قال: ويحتمل نصف العشر؛ لأنه
سقي بمؤنة، وأطلق ابن تميم وجهين. وإن جمعه
وسقى به فالعشر، وقد يتوجه تخريج منه في
"1الصورة المذكورة 1"، وإطلاق كلام غير واحد
يقتضيه، كعمل2 العين، ذكره غير واحد. و ذكر
ابن تميم وغيره: إن كانت العين أو القناة يكثر
نضوب مائها ويحتاج إلى حفر متوال فذلك مؤنة.
وإن سقيت أرض العشر بماء الخراج لم يؤخذ منها
وإن سقيت أرض الخراج بماء العشر لم3 يسقط
خراجها، ولا يمنع من سقي كل واحدة بماء
الأخرى، نص على ذلك كله.
وإن سقى نصف السنة بكلفة، ونصفها بغيرها، وجب
ثلاثة أرباع عشره، "و"4 فإن كان أحدهما أكثر
فالحكم له "و هـ م ش" فإن جهل قدر ذلك وجب
العشر، نص على ذلك. وقال ابن حامد: إن سقى
بأحدهما أكثر وجب القسط "و ق" فإن جهل القدر
جعل بكلفة المتيقن، والباقي سيحا،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ب" و "س": "الصورتين المذكورتين".
2 في الأصل: "لعمل".
3 في "ط": "ثم".
4 ليست في "ط".
(4/88)
ويؤخذ بالقسط،
وهو معنى القول بلزوم الأنفع للفقير1، وكذا
كلام من أطلق وجوب العشر إن أمكن، وإلا
فالمراد على المذهب، ويتوجه احتمال في جهل
القدر ثلاثة أرباع العشر، لتقابل الأمرين "و
ش" والاعتبار بالأكثر فيما يغذيه، نص عليه،
وقاله القاضي. وقال أيضا: بعدد السقيات، وقيل
باعتبار المدة، وأطلق ابن تميم ثلاثة أوجه.
ومن له حائطان2 ضما في النصاب، ولكل منهما حكم
نفسه في سقيه
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "للفقراء".
2 في "ط": "حائط".
(4/89)
بمؤنة أو
بغيرها،
ويصدق المالك فيما سقى به، وقيل: يحلف، لكن إن
نكل يلزمه ما اعترف به فقط، قال بعضهم: يعتبر
البينة، فيما يظهر، وهو مراد غيره فيما يأتي،
وذكر ابن تميم هذا وجها، كذا قال.
(4/90)
فصل:وإذا اشتد
الحب وبدا صلاح الثمر
وجبت الزكاة "و م ش"؛ لأنه يقصد للأكل،
كاليابس؛ لأنه وقت خرص الثمرة، لحفظ الزكاة،
ومعرفة قدرها، ويدل1 عليه لو أتلفه لزمته
زكاته، ولو باعه أو وهبه قبل الخرص وبعده
فزكاته عليه لا على المشتري والموهوب له، ولو
مات وله ورثة لم تبلغ حصة واحد منهم نصابا لم
يؤثر ذلك، ولو ورث من لا دين عليه لمديون2 لم
يمتنع بذلك الدين، "و" ولو كان ذلك قبل صلاح
الثمر واشتداد الحب
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "ويستدل".
2 في "ط": "مديون".
(4/90)
وهو مراده في
الخلاف ومنتهى الغاية: وانعقاد الحب انعكست
الأحكام، ولا زكاة "و" إلا أن يقصد الفرار
منها، فلا تسقط، على ما سبق في آخر فصل اشتراط
الحول، في كتاب الزكاة1،
وليس وقت الوجوب ظهور الثمرة ونبات الزرع "ع"2
فلو أتلفه إذن ضمن زكاته عنده؛ لأن في
الخضراوات3 الزكاة عنده، ووافق4 أنه لو باعه،
أو ورث عنه زكاه الثاني، وأوجب ابن أبي موسى
الزكاة يوم الحصاد والجذاذ، للآية5. فيزكيه
المشتري، لتعلق الوجوب في ملكه. ولو شرط
البائع الزكاة على المشتري، فإطلاق كلامهم لا
سيما الشيخ لا يصح.
وقال صاحب المحرر "و م" وجزم به ابن تميم وابن
حمدان: قياس المذهب يصح، للعلم بها، فكأنه
استثنى قدرها، ووكله في إخراجها، حتى لو لم
يخرجها المشتري وتعذر الرجوع عليه ألزم بها
البائع، وتفارق إذا استثنى زكاة نصاب ماشية،
للجهالة، أو اشترى ما لم يبد صلاحه بأصله، لا
يجوز شرط المشتري زكاته على البائع؛ لأنه لا
تعلق لها بالعوض الذي يصير إليه، ولا يستقر
الوجوب إلا بجعله في الجرين والبيدر، وعنه:
بتمكنه من
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 3/475
2 في الأصل و"ط": "هـ".
3 في الأصل: "لخروج".
4 في "ط": "ولو اتفق".
5 وهي قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ
حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]
(4/91)
الأداء، كما
سبق في كتاب الزكاة1، للزوم الإخراج إذن "و"2،
فإنه يلزم إخراج زكاة الحب مصفى، والتمر يابسا
"و". وفي الرعاية وقيل: يجزئ رطبه، وقيل: فيما
لا يتمر ولا يزبب كذا قال، وهذا وأمثاله لا
عبرة به، وإنما يؤخذ منهما بما انفرد به
بالتصريح، وكذا يقيد3 في موضع الإطلاق، ويطلق
في موضع التقييد4، ويسوي بين شيئين المعروف
التفرقة بينهما وعكسه، فلهذا وأمثاله حصل
الخوف وعدم الاعتماد5، وأطلق ابن تميم عن ابن
بطة: له أن يخرج رطبا وعنبا وسياق كلامه إذا
اعتبرنا نصابه كذلك، ولا يلزمه أن6 يؤدي قبل
ذلك من غيره لو أمكنه، وإن أخرج سنبلا وعنبا
لم يجزه ووقع نفلا، وإن كان أخذه الساعي فجففه
وصفاه، وكان قدر الزكاة، فقد استوفى الواجب،
وإلا أخذ الباقي ورد الفضل، وإن كان رطبا
بحاله رده، وإن تلف رد مثله، عند الأصحاب،
ذكره صاحب المحرر قال: وعندي إن أخذه باختياره
وتلف بلا تعد منه لم يضمنه، واختاره ابن تميم،
وقدم: يضمنه بقيمته، وفيه وجه بمثله، كذا قال:
ولو ملك ثمرة قبل7 صلاحها ثم صلحت بيده بوجه
صحيح كمن اشترى شجرة مثمرة، وشرط الثمرة، أو
قبلها الموصى له بها، قال الشيخ: أو وهبت8 له
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 3/451.
2 في "ط": "ق".
3 في النسخ الخطية: "يقدم" والمثبت من "ط".
4 في النسخ الخطية "التقديم" والمثبت من "ط".
5 من قوله: "وهذا وأمثاله" إلى هذا الموضع هو
نقد لكتاب الرعاية لابن حمدان.
6 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
7 بعدها في "ط": "بدو".
8 في "ط": "ذهبت".
(4/92)
ثمرة "1قبل
صلاحها ثم صلحت 1" بيده لزمه زكاتها، لوجود
سببه في ملكه، ولو صلحت في مدة خيار زكاها من
قلنا الملك له، ومتى صلحت بيد من لا زكاة عليه
فلا زكاة فيها، إلا أن يكون الأول قصد الفرار،
على ما سبق.
وإن اشترى ثمرة قبل صلاحها، بشرط القطع ثم
تركها حتى صلحت بيده، ففي بطلان البيع وحكم
زكاته كلام يأتي في بيع الأصول والثمار إن شاء
الله تعالى2، وظاهر كلامهم أو صريح بعضه3، أن
صلاح الثمر كما يأتي في البيع، قال جماعة:
صلاح اللوز ونحوه إذا انعقد لبه4، والزيتون
جريان الدهن5 فيه فإن لم يكن له زيت فبأن يصلح
للكبس.
ومن له شجر وعليه دين فمات ثم أثمرت، فالثمرة
للوارث، وفيها الزكاة، وإن قلنا لا تنتقل
التركة مع الدين تعلق بالثمر ولا زكاة، وإن
مات بعد أن أثمرت تعلق بها الدين، ثم إن كان
بعد وقت الوجوب ففي الزكاة روايتان، وكذا إن
كان قبله وقلنا تنتقل التركة مع الدين، وإلا
فلا زكاة "م 10"
ـــــــ
"مسألة 10" قوله: وإن مات بعد أن أثمرت تعلق
بها الدين، ثم إن كان بعد وقت الوجوب ففي
الزكاة روايتان، وكذا إن كان قبله وقلنا تنتقل
التركة مع الدين، وإلا فلا زكاة، انتهى،
وأطلقهما ابن تميم، وابن حمدان في الرعاية
الكبرى وقال: على روايتين سبقتا،
إحداهما تجب إذا مات بعد وقت الوجوب، وهو
الصحيح، قال ابن رجب في
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 6/197.
3 في "ط": "عبارته".
4 ليست في "ط".
5 في "ط": "الزيت".
(4/93)
فصل: وإن احتيج إلى قطع ذلك بعد صلاحه
قبل كماله لخوف عطش، أو لضعف أصل، أو لتحسين
بقيته جاز؛ لأنها مواساة، ولأن حفظ الأصل أحظ،
لتكرر الحق، قال الشيخ: وإن كفى التخفيف1 لم
يجز قطع الكل، وفي كلام بعضهم إطلاق، وكذا إن
كان رطبا لا يجيء منه تمر، أو عنبا لا يجيء
منه زبيب زاد في الكافي2: أو زبيبه رديء جاز
قطعه، وإنما قال: جاز؛ لأنه استثناه من عدم
الجواز، ومراده يجب لإضاعة المال، ولا يجوز
القطع إلا بإذن الساعي إن كان. وتجب زكاة ذلك
عملا بالغالب، ويتوجه احتمال: يعتبر بنفسه؛
لأنه من الخضر، وهو قول محمد بن الحسن،
واحتمال فيما لا يتمر3 ولا يصير زبيبا، "و م
ر" ثم هل يعتبر نصابا يابسا منه تمرا أو زبيبا
كما اختاره ابن عقيل وغيره، وجزم به الشيخ
وغيره، كغيره أم يعتبر رطبا وعنبا؟ اختاره غير
واحد؛ لأنه نهايته، بخلاف
ـــــــ
في فوائد قواعده في الفائدة الثانية: لو كان
له شجر وعليه دين، فمات بعدما أثمرت، تعلق
الدين بالثمرة، ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب
فقد وجبت عليه الزكاة، إلا أن نقول إن الدين
يمنع الزكاة في المال الظاهر، وإن كان قبل وقت
الوجوب، فإن قلنا لا4 تنتقل التركة إلى الورثة
مع الدين فالحكم كذلك، وإن قلنا تنتقل التركة
إليهم فلا زكاة عليهم، انتهى، فقطع بوجوب
الزكاة إذا كان موته بعد وقت الوجوب.
والرواية الثانية لا تجب.
ـــــــ
1 في الأصل: "التجفيف".
2 2/143.
3 في "ط": "يثمر".
4 ليست في "ط".
(4/94)
غيره؟ فيه
وجهان. وفي المستوعب روايتان "م 11"
وله أن يخرج الواجب منه مشاعا أو مقسوما بعد
الجذاذ، أو قبله بالخرص "و م ش"؛ لأنها
مواساة، فيتخير الساعي بين مقاسمة رب المال
الثمرة قبل الجذاذ بالخرص، ويأخذ نصيبهم1
شجرات مفردة، وبين مقاسمته الثمرة بعد جذها
بالكيل، اختار ذلك القاضي وجماعة، ونص أحمد
واختاره أبو بكر يلزمه أن يخرج يابسا "م 12"
"خ" لقوله عليه السلام: "يخرص العنب فتؤخذ
زكاته زبيبا" 2. فلو أتلف رب المال هذه
ـــــــ
"مسألة 11" قوله: وإن احتيج إلى قطع ذلك بعد
صلاحه قبل كماله لخوف عطش ونحوه جاز ولا يجوز
القطع إلا بإذن الساعي ثم هل يعتبر نصابا
يابسا منه تمرا أو زبيبا كما اختاره ابن عقيل
وغيره، وجزم به الشيخ وغيره، كغيره أم يعتبر
رطبا وعنبا؟ اختاره غير واحد؛ لأنه نهايته،
بخلاف غيره؟ فيه وجهان. وفي المستوعب روايتان،
انتهى.
القول الذي اختاره ابن عقيل و الشيخ وغيرهما
هو الصحيح، وصححه المجد في شرحه، وجزم به
الشارح وابن رزين في شرحه وغيرهما، وهو ظاهر
ما قدمه في الرعايتين والحاويين،
والقول الثاني اختاره غير واحد كما قال
المصنف، وهو قوي3 في النظر،
وأطلقهما في المستوعب وغيره، وهما في شرح
المجد وغيره وجهان.
"مسألة 12" قوله: فيتخير الساعي بين مقاسمة رب
المال الثمرة قبل الجذاذ بالخرص، ويأخذ
نصيبهم4 شجرات مفردة، وبين مقاسمة الثمرة بعد
جذها بالكيل،
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "نصيبه".
2 اخرجه أبو داود 1603 والترمذي 644، من حديث
عتاب بن أسيد.
3 في "ط": "أقوى".
4 في "ط": "نصيبه".
(4/95)
الثمرة ضمن
الواجب في ذمته تمرا أو زبيبا، كغيرها، فإن لم
يجده، فهل يخرج قيمته، أو يبقى في ذمته يخرجه
إذا قدر؟ فيه روايتان، في الإرشاد، وقيل: فيه
وجهان، بناء على الروايتين في جواز إخراج
القيمة عند تعذر الواجب "م 13"
ـــــــ
اختاره القاضي وجماعة، ونص أحمد واختاره أبو
بكر يلزمه أن يخرج يابسا، انتهى، المنصوص هو
الصحيح، وعليه الأكثر، وجزم به في الإفادات
والوجيز والمنور وغيرهم، وقدمه في الهداية
والمستوعب والخلاصة والتلخيص ومختصر ابن تميم
والرعايتين والحاويين وغيرهم،
والقول الأول اختاره القاضي، وصححه ابن تميم
وابن حمدان وغيرهما، وقدمه في المحرر والنظم
والفائق وتجريد العناية وغيرهم، وهو ظاهر ما
قدمه المصنف.
"مسألة 13" قوله: فلو أتلف رب المال هذه
الثمرة ضمن الواجب في ذمته تمرا أو زبيبا
كغيرها، فإن لم يجده، فهل يخرج قيمته، أو يبقي
في ذمته يخرجه إذا قدر؟ فيه روايتان، في
الإرشاد، وقيل: فيه وجهان، بناء على الروايتين
في جواز إخراج القيمة عند تعذر الواجب، انتهى،
وأطلق الروايتين في المستوعب، وحكاها عن ابن
أبي موسى، كما قال المصنف. وقال المجد في
شرحه: فإن لم يجد التمر ففيه وجهان، أحدهما
يؤخذ منه قيمته، والثاني يبقى في ذمته إلى أن
يقدر عليه، فيأتي به، وأصلهما: هل يجوز أخذ
القيمة عند إعواز الفرض؟ على روايتين. وقد
سبقت، انتهى. فهذه الطريقة هي الطريقة الثانية
التي ذكرها المصنف بصيغة قيل. وقال المجد أيضا
في شرحه. قبل الخلطة1: إذا ثبت2 أن القيمة لا
تجزئ فلو لم يوجد الفرض ففيه روايتان، إحداهما
أنه يبقى في ذمته إلى أن يقدر عليه، والثانية
يؤخذ منه قيمته هنا،
ـــــــ
1 في "ط": "الخطبة".
2 في "ص": "تلف".
(4/96)
وعلى الأول:
إذا أتلفها رب المال ضمن القيمة، كأجنبي، ذكره
القاضي والشيخ في الكافي1 "و م ش" وإن أخرج
قيمة الواجب هنا، ومنعنا إخراج القيمة، فعنه:
لا يجوز، كغيره، وعنه: يجوز، لمشقة إخراجه
رطبا، لئلا يفسد بالتأخير، لعدم الساعي أو
الفقير "م 14" وصحح ابن تميم
ـــــــ
للضرورة، ودفعا لحاجة المالك والفقير، انتهى،
فأطلق الخلاف في المقيس عليه أيضا. قلت:
الصحيح من المذهب في هذه المسألة عدم الجواز.
وقد قدمه المصنف وغيره، وجزم به كثير من
الأصحاب، فعلى هذا لا يجزئ إخراج القيمة عند
من يقول إنها مثلها، كالمجد وغيره وقال في
الرعايتين والحاويين على المذهب بأنه يجب أن
يخرج يابسا: لو عجز عن تمر وجب عن رطب أخرج عن
قيمة الرطب، وعنه: متى وجد التمر لزمه، انتهى،
وهي مسألتنا2. وقال أيضا في الكبرى في مكان
آخر: وهل الخرص للاعتبار أو التضمين؟ قلت:
يحتمل وجهين، فإن قلنا للتضمين وجب من جنس ما
أتلف، وإلا وجب قيمة الواجب يوم أتلفه، وإن
أتلفه قبل الخرص وقلنا بالأول، فإن كان قد بدا
الصلاح وجب قيمة الواجب رطبا يوم أتلفه، وإن
قلنا بالثاني، فهل تجب في قيمته أو جنسه؟
يحتمل وجهين، انتهى، قلت: الصواب عدم جواز3
إخراج قيمته هنا أيضا وتبقى في ذمته، وهو ظاهر
كلام أكثر الأصحاب، والله أعلم.
"مسألة 14" قوله: وإن أخرج قيمة الواجب هنا،
ومنعنا إخراج القيمة، فعنه: لا يجوز، كغيره،
وعنه يجوز، لمشقة إخراجه رطبا، لئلا يفسد
بالتأخير، لعدم الساعي أو الفقير، انتهى.
وأطلقهما المجد في شرحه:
إحداهما لا يجوز، وهو ظاهر ما قدمه ابن تميم
وابن حمدان في رعايتيه،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 2/139.
2 في "ص": "كمسألتنا".
3 ليست في "ط".
(4/97)
وغيره قول
القاضي السابق فيما يصير تمرا وزبيبا، ويأتي
في آخر ذكر أهل الزكاة1 قبيل صدقة التطوع حكم
رجوع زكاته إليه.
ـــــــ
1 ص 377.
(4/98)
فصل: ويستحب أن يبعث الإمام
خارصا إذا بدا صلاح الثمر "و م ش" للأخبار
المشهورة في ذلك، ولأنه اجتهاد في معرفة الحق
بالظن، للحاجة كغيره، وأنكره الحنفية؛ لأنه
غرر1 وتخمين، وإنما كان تخويفا لأرباب الأموال
لئلا يخونوا، وذكر أبو المعالي بن المنجى أن
نخل البصرة لا يخرص، وأنه أجمع عليه الصحابة
وفقهاء الأمصار، وعلل بالمشقة وبغيرها، كذا
قال.
ويكفي خارص "ق"؛ لأنه ينفذ ما يؤديه إليه
اجتهاده، كحاكم وقائف، فيتوجه تخريج من قائف،
ويعتبر كونه مسلما، أمينا لا يتهم، خبيرا،
وقيل: حرا ولم يذكر غير واحد: لا يتهم.
وله خرص كل شجرة منفردة، والكل دفعة2، ويلزم
خرص كل نوع وحده، لاختلاف الأنواع وقت الجفاف.
ثم يعرف المالك قدر الزكاة، ويخير بين أن
يتصرف بما يشاء ويضمن قدرها، وبين حفظها إلى
وقت الجفاف، فإن لم يضمن الزكاة وتصرف صح
تصرفه، قال في الرعاية:
ـــــــ
وصاحب الحاويين، "3وظاهر كلام أكثر الأصحاب
3".
والرواية الثانية يجوز.
ـــــــ
1 في الأصل: "خرص".
2 بعدها في "ط": "واحدة".
3ليست في "ح" و "ط".
(4/98)
وكره، وقيل:
يباح، وحكى ابن تميم عن القاضي: لا يباح
التصرف، كتصرفه قبل الخرص، وأنه قال في موضع
آخر: له ذلك، كما لو ضمنها، وعليهما يصح
تصرفه، وإن أتلفها المالك بعد ذلك أو أتلفت
بتفريطه ضمن زكاتها بخرصها تمرا 1"و م ق"1؛
لأنه يلزمه تجفيف هذا الرطب، بخلاف الأجنبي،
وعنه: رطبا فقط "و ق" لقوله في رواية صالح:
إذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها ضمن عشر
قيمتها، كالأجنبي، فإنه يضمنه بمثله رطبا يوم
التلف، وقيل: بقيمته2 رطبا، قدمه غير واحد،
ولو حفظها إلى وقت الإخراج زكى الموجود فقط،
وافق قول الخارص أو لا، سواء اختار حفظها
ضمانا بأن يتصرف أو أمانة؛ لأنها أمانة
كالوديعة، وإنما يعمل بالاجتهاد مع عدم تبيين
الخطأ؛ لأن الظاهر الإصابة، وعنه: يلزم ما
قاله الخارص مع تفاوت قدر يسير، يخطئ في مثله
"و م" لانتقال الحكم إلى قوله، بدليل وجوبه
عند التلف. وفي الرعاية: لا يغرم ما لم يفرط
ولو خرصت. وعنه: بلى. ولا زكاة لما تلف بلا
تفريط قبل الجذاذ والحصاد، نص عليه "و" ذكره
جماعة، وذكره ابن المنذر "ع" وذكر جماعة: قبل
أن يصير في الجرين والبيدر؛ لأنه "3لم تثبت3"
اليد عليه، بدليل الرجوع
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "و م ش هـ".
2 في "ب": "يضمنه".
3 في "ط": "قد ثبت".
(4/99)
على البائع
بالجائحة، فاستصحب حكم العدم فيه ثم إن بقي
نصاب زكاه
ـــــــ
.................
(4/100)
وإلا فلا، وذكر
ابن تميم وجهين إن لم يبق نصاب، اختار الشيخ
الوجوب1 فيما بقي بقسطه، قال: وهو أصح، كتلف
بعض نصاب غير زرع وثمر بعد وجوب الزكاة قبل
تمكنه من الإخراج لما سبق من سقوط الزكاة
بالتلف قبل الاستقرار، بخلاف ثبوت اليد على
نصاب وجد حقيقة وحكما فصادفه الوجوب ثم تلف
بعضه، ذكره أصحابنا القاضي وابن عقيل، قاله
صاحب المحرر، وقيل: لا يسقط، وهو في عمد
الأدلة رواية، وأظن في المغني2 أنه قال: قياس
من جعل وقت الوجوب بدو الصلاح واشتداد الحب
أنه كنقص نصاب بعد الوجوب قبل التمكن، على ما
سبق في كتاب الزكاة3 "و م ش" وأبي يوسف.
ويصدق في ذلك "و" بلا يمين، ولو اتهم "م ش" نص
عليه، وقدم في الرعاية: بيمينه. وفي دعوى غلط
ممكن من الخارص، فإن فحش فقيل: يرد قوله،
وقيل: "4ضمانا كانت أو أمانة 4" يرد في الفاحش
فقط "م 15"
ـــــــ
"مسألة 15" قوله ويصدق في دعوى غلط ممكن من
الخارص، فإن فحش، فقيل: يرد قوله، وقيل ضمانا
كانت أو أمانة يرد في الفاحش فقط، انتهى، لم
يظهر لي الآن تحرير محل الخلاف في هذه
المسألة، وسيأتي ما فيه في التنبيه الآتي بعد
هذا، قال ابن تميم: وإن ادعى في الخرص غلطا
يقع مثله عادة، كالسدس ونحوه، قبل
ـــــــ
1 في "ط": "أنه يجب".
2 4/175.
3 3/482.
4 ليست في الأصل.
(4/101)
ظاهر كلامهم:
كما لو ادعى كذبه عمدا لم يقبل، وجزم به غير
واحد، وإن قال إنما حصل بيدي كذا قبل منه،
ـــــــ
منه، وإن كثر كالثلث ونحوه لم يقبل، لكن إن
قال: ما حصل في يدي غير كذا، قبل، انتهى. وقال
في الرعاية الكبرى: فإن ادعى ربه غلطه وأطلق1
ولم يبينه ببينة لم يسمع قوله، وإن قال: غلط
بالسدس ونحوه، صدق، فإن ادعى أكثر منه كنصف
وثلث فلا، وقيل: إن ادعى غلطا محتملا قبل قوله
بلا يمين، وإلا فلا، انتهى وقال في الحاوي
الكبير: فإن ادعى غلطا في السدس ونحوه صدق،
وقيل: إن ادعى محتملا قبل بلا يمين. وقاله
أيضا في التلخيص والرعاية الصغرى والحاوي
الصغير وغيرهم. وقال في المغني2 والشرح3 وشرح
ابن رزين وغيرهم: وإن ادعى رب المال غلط
الخارص، وكان ما ادعى محتملا، قبل قوله بغير
يمين، وإن لم يكن محتملا مثل أن ادعى غلط
النصف ونحوه لم يقبل منه، وإن قال: لم يحصل في
يدي غير كذا قبل منه بغير يمين، انتهى.
فهؤلاء الجماعة قالوا: حيث ادعى غلطا كثيرا لم
يقبل منه، وأطلقوا، والظاهر أنه مراد المصنف
بقوله: "فإن فحش" وقوله: "يرد في الفاحش" قلت:
وهذا الصحيح، ولا نعلم ما ينافيه، وظاهر
كلامهم أنه سواء كان أمانة أو ضمانا، والله
أعلم.
تنبيه" قوله: ضمانا كانت أو أمانة. الضمان أن
يختار التصرف ويضمن قدر الزكاة. والأمانة: أن
يختار حفظهما إلى وقت الجفاف من غير تصرف،
ويخرج عن المتحصل. إذا علم ذلك فيحتمل أن
مراده بالقول الأول إذا اختار أن يكون عنده
أمانة، ويحتمل أن يكون مراده إذا اختار أن
يكون عنده ضمانا، فعلى الأول يلزم منه أنه يرد
قوله إذا قلنا إنها عنده أمانة إذا فحش على
القولين، ولا يرد إذا كانت ضمانا على
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 4/177.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/550.
(4/102)
ويكلف بينة في
دعواه جائحة ظاهرة تظهر عادة "و" ثم يصدق في
التلف "و" وأطلق بعضهم، وجزم به في الرعاية
أنه يصدق في جائحة، وقدمه ابن تميم، ثم حكى
الأول عن ابن عقيل، وأنه إن ادعى ما يخالف
العادة لم يقبل، والظاهر أن هذا من تتمة قول
ابن عقيل، وسبق قريبا1 بما يستقر
ـــــــ
القول الأول، وهو بعيد، ويلزم على الثاني أن
يرد قوله إذا كانت ضمانا على القولين، ولا يرد
إذا كانت أمانة على القول الأول، وهو أولى،
لأن الأمين2 يقبل قوله. ثم ظهر لي أن القول
الأول فيما إذا ادعى غلطا فاحشا يرد قوله
مطلقا، بحيث إنه يؤخذ منه زكاة ما قاله الخارص
بأجمعه، والقول الثاني يرد قوله في الفاحش
فقط، بحيث إنه يسقط عنه زكاة ما دون الفاحش
مما يقبل قوله فيه إذا ادعاه، ويؤخذ منه
الزائد على ذلك، وهذا والله أعلم هو الصواب،
وفي كلامه ما يدل على ذلك، فإنه قال في القول
الثاني: ترد في الفاحش فقط، فقيده بذلك، وفي
القول الأول قال: يرد قوله، من غير تقييد، أي
مطلقا، يعني في الفاحش وغيره، ويقرب من ذلك ما
قاله الأصحاب فيما إذا وكله في بيع فباع بدون
ثمن المثل، فإن كان مما لا يتغابن الناس بمثله
فهو معفو عنه، وإن كان مما يتغابن الناس بمثله
صح وضمن. وفي قدره وجهان أحدهما هو بين ما باع
به وثمن المثل، والثاني هو ما بين ما3 يتغابن
به الناس وما لا يتغابنون، وما قاله الزركشي
في خيار العيب فيما إذا "4كسر مكسرا يمكن4"
الاستعلام بدونه، فالقول الأول في مسألة
المصنف موافق للوجه الأول في مسألة الوكالة،
"5والقول الثاني موافق للوجه الثاني في
الوكالة 5".
ـــــــ
1 ص 101.
2 في "ط": "الأمير".
3 ليست في "ط".
4 في "ط": "كسره كسرا يمكنه".
5 ليست في "ط".
(4/103)
الوجوب. ويجب
أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع،
بحسب اجتهاد الساعي، بحسب المصلحة. وقال في
شرح المذهب: الثلث كثير لا يتركه، وقال ابن
عقيل والآمدي وصححه ابن تميم يترك قدر أكلهم
وهديتهم بالمعروف بلا تحديد، للأخبار الخاصة1،
وللحاجة إلى الأكل والإطعام وأكل المارة
والطير وتناثر الثمار، وفاقا لأكثر العلماء.
وقال ابن حامد: إنما يترك في الخرص إذا زادت
الثمرة عن النصاب، فإن كانت نصابا فلا، ومذهب
أبي حنيفة ومحمد وزفر ومالك في إحدى الروايتين
والشافعي: يحتسب على رب المال ما أكل وأطعم،
للعموم، وكما لو أتلفه عبثا2، والفرق ظاهر؛
لأنه لا حاجة إليه، بل هو كالتلف بجائحة، وهذا
القدر المتروك لا يكمل به النصاب، نص عليه،
فدل أن رب المال لو لم يأكل شيئا لم يزكه3،
كما هو ظاهر كلام جماعة، وأظن
ـــــــ
والصحيح الوجه الأول، على ما يأتي في كلام
المصنف في الوكالة4، فإنه أطلق الخلاف فيها،
فكذا يكون في هذه، وهو الصواب، وعموم كلام،
الأصحاب المتقدم يدل عليه. والله أعلم.
ـــــــ
1 من ذلك ما أخرج أبو داود 1605 والترمذي 643،
والنسائي في المجتبى 5/42، من حديث عبد الرحمن
بن مسعود بن نيار قال: جاء سهل بن أبي حثمة
إلى مجلسنا فحدث أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يقول: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث،
فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع" . وأخرج عبد
الرزاق في المصنف 7220 عن جابر، قال: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول للخراص إذا
بعثهم: "احتاطوا لأهل المال في النائبة،
والواطية، وما يجب في الثمر من الحق".
والنائبة: الأضياف الذين ينوبونهم وينزلون
بهم. اللسان: "نوب". والواطئة: السابلة، وهم
أبناء السبيل من الناس. القاموس المحيط "وطأ".
وأخرج عبد الرزاق في المصنف 7221 أن عمر بن
الخطاب كان يقول للخراص: دع لهم قدر ما يقع
وقدر ما يأكلون.
2 في "ط": "عيشا".
3 في "ط": "يتركه".
4 7/59.
(4/104)
بعضهم جزم به
وقدمه، وذكره في الرعاية احتمالا له، واختار
صاحب المحرر أنه يحتسب من النصاب، فيكمل به،
ثم يأخذ1 زكاة الباقي سواه بالقسط، واحتج بأنا
قلنا لو بقوه لأخذنا زكاته؛ لأنه كالسالم من
شيء أشرف على التلف، وكذا ذكر هذه المسألة
غيره.
وإن لم يترك الخارص شيئا فلرب المال الأكل
بقدر ذلك، ولا يحسب عليه، نص عليه. وإن لم
يبعث الإمام خارصا فعلى رب المال من الخرص ما
يفعله الساعي، ليعرف قدر الواجب قبل التصرف؛
لأنه مستخلف فيه.
ولا يخرص غير النخل والكرم "و م ر ش"؛ لأن
النص فيهما. ولا يخرص الزيتون "خ" وقال ابن
الجوزي: يخرص كغيره2، كذا قال. "3ولا فرق 3".
ولا يخرص الحبوب، "ع" وقد ذكر ابن عقيل في
مناظراته4 خبر الخرص في مسألة العرايا، وإن
خرص5 الخارص باطراد العادة والإدمان كالمكيال،
وهذا يعرفه من لابس أرباب الصنائع، كقطع
الخبازين الكبة العجين لا ترجح هذه على هذه،
فتصير يده كالميزان، كذا تصير عين الخارص مع
قلبه وفهمه كالمكيال، والله أعلم.
وللمالك الأكل منها هو وعياله بحسب العادة،
كالفريك وما يحتاجه،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "تؤخذ".
2 في "ب" و "س": "غيره".
3 ليست في "ط".
4 وهو نفس كتابه "المجالس النظريات".
5 في "ب" و "س": "حزر".
(4/105)
ولا يحتسب
عليه، ولا يهدي، نص على ذلك، قال في الخلاف:
أسقط أحمد عن أرباب الزرع الزكاة في مقدار ما
يأكلون، كما أسقط في الثمار قال: وذكره الآمدي
في رواية المروذي، وجعل الحكم فيهما سواء وفي
المجرد1 والفصول وغيرهما: تحسب عليه، ولا يترك
له منه شيء "و م" وذكره الآمدي ظاهره كلامه في
المشترك من الزرع، نص عليه؛ لأنه القياس،
والحب ليس في معنى الثمرة، وحكى رواية لا يزكي
ما يهديه أيضا، وقدم بعضهم أنه يزكي ما يهديه
من الثمرة، وجزم الأئمة بخلافه، وحكى ابن تميم
أن القاضي قال في تعليقه: ما يأكله من الثمرة
بالمعروف لا يحسب عليه، وما يطعمه جاره وصديقه
يحسب عليه2، نص عليه، وذكر أبو الفرج: لا زكاة
فيما يأكله من زرع وثمر، وفيما يطعمه روايتان،
وحكى القاضي في شرح المذهب في جواز أكله من
زرعه وجهين،
والخرص عليه، ويتوجه فيه ما يأتي في حصاده.
وكره الإمام أحمد الحصاد والجذاذ ليلا.
وإن ترك الساعي شيئا من الواجب أخرجه المالك،
نص عليه.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "المحرر".
2 ليست في "ط".
(4/106)
فصل: ويجب العشر على المستأجر
دون مالك الأرض "و م ش" وأبي يوسف ومحمد،
للعموم، ولأنه مالك للزرع، كالمستعير "و" دون
المعير وكتاجر استأجر حانوتا ولأن في إيجابه
على المالك إجحافا ينافي المواساة، وهذا من
حقوق الزرع، بدليل أنه لا يجب إذا لم يزرع
ويتقدر بقدره، بخلاف غيره من الخراج، فإنه من
حقوق الأرض، فلهذا كان خراج العنوة على ربها
"و" وعنه: الخراج على المستأجر أيضا "خ".
وقيل: وعنه: ومستعيرها، وقيل: على المستعير
دونه، وقيل لأحمد في رواية حرب: أرض العشر
تؤجر على من يأخذ السلطان؟ قال: على الرقبة.
ونقل صالح في الحب والثمر1 إذا سقي بغير كلفة
العشر، وبكلفة نصفه إذا كان الرجل يملك رقبة
الأرض.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ب": "التمر".
(4/107)
وقال أبو حفص:
"باب: إن من استأجر أرضا فزرعها إن العشر
والخراج عليه دون رب الأرض" وساق قول أحمد في
رواية أبي الصقر في أرض السواد يتقبلها الرجل
يؤدي وظيفة عمر، ويؤدي العشر بعد وظيفة عمر.
وقال القاضي: ظاهره أن الخراج على المستأجر،
قال: وقد جعل في رواية محمد بن أبي حرب
المستأجر بمنزلة المؤجر، قال: وعندي أن كلام
أحمد لا يقتضي ما قاله أبو حفص؛ لأنه إنما نص
على رجل تقبل أرضا من السلطان، فدفعها إليه
بالخراج، وجعل ذلك أجرتها؛ لأنها لم تكن في يد
السلطان بأجرة، بل كانت لجماعة المسلمين.
والمسألة التي ذكرنا إذا كانت بيد مسلم
بالخراج المضروب فأجرها، فإن الثاني لا يلزمه
الخراج، بل على الأول؛ لأنها بيده بأجرة هي
الخراج. وتلزم الزكاة في المزارعة من يحكم
بالزرع له، وإن صحت فبلغ نصيب أحدهما نصابا
زكاه، وإلا فروايتا الخلطة في غير السائمة،
ومذهب "هـ": رب الأرض كمؤجر، لثبوت الأجرة له،
فالعشر عليه. ومتى حصد غاصب الأرض زرعه استقر
ملكه على ما يأتي في الغصب وزكاه، وإن تملكه
رب الأرض قبل اشتداد الحب زكاه، وكذا قيل بعد
اشتداد الحب؛ لأنه استند إلى أول زرعه، فكأنه
أخذه إذن، وقيل: يزكيه الغاصب؛ لأنه ملكه وقت
الوجوب، ويأتي قول إن الزرع للغاصب فيزكيه "و
ش" وأبي يوسف ومحمد، وهو مذهب "هـ" إلا أن
تنقص الأرض بالزرع، فيكون له أجرة النقص،
ويصير كالمؤجر على أصله. وإن استأجر أو استعار
ذمي أرض مسلم فزرعها فلا زكاة "و م ش" ومذهب
"هـ" العشر على المؤجر وعلى
ـــــــ
.................
(4/108)
المعير هنا،
لتعذره على المستعير بفعله، وعند صاحبيه الحق
على الذمي "خ" فعند محمد عشر، وعند أبي يوسف
عشران، كقولهما في الشراء وفي كتاب ابن تميم
احتمال أنه يلحق بالشراء وفرق في منتهى الغاية
بين هذه ومسألة الشراء على ما يأتي بأن مضرة
الإسقاط تتأبد غالبا هناك، أما هنا فكشرائهم
منقول زكوي، ولم يتعرض للكراهة، ومعنى كلام
الأكثر كقوله، وظاهره لا كراهة، كمنقول زكوي،
وسوى الشيخ وغيره بينهما في الكراهة، وأن أحمد
نص عليه، و قال: لا تؤجر منه، وعلله أحمد
بالضرر، وأنه لا يؤدي الزكاة، ثم خص الشيخ
وغيره رواية المنع بالشراء، قال شيخنا: وتعطيل
العشر باستئجار الذمي الأرض أو مزارعته فيها
كتعطيله بالابتياع، وما سبق من كلام أحمد
يوافق قوله، ولعله أظهر.
ومن بداره شجرة مثمرة زكاها؛ لأنها ملكه
كغيرها، وكونها غير متخذة للاستنماء بالزراعة
منع أخذ الخراج منها، ومذهب "هـ" لا زكاة1
كالخراج.
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "فيها".
(4/109)
فصل:ويجتمع
العشر والخراج فيما فتح عنوة
وكل أرض خراجية، نص عليه، فالخراج في رقبتها،
والعشر في غلتها "و م ش" للعموم؛ لأن سبب
الخراج التمكين من النفع، لوجوبه، وإن لم
يزرع، وسبب العشر الزرع، كأجرة المتجر مع زكاة
التجارة، لأنهما1، بسببين مختلفين لمستحقين،
فاجتمعا،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "لوجوبهما".
(4/109)
كالجزاء
والقيمة في الصيد المملوك.
ومذهب "هـ" لا عشر في الأرض الخراجية، ولا
زكاة في قدر الخراج إذا لم يكن له مال آخر
يقابله، قال في منتهى الغاية: على الصحيح في
المذهب. وفي المستوعب: لأنه كدين آدمي، وكذا
ذكر الشيخ وغيره أنه أصح الروايات، وأنه
اختيار الخرقي؛ لأنه من مؤنة الأرض، كنفقة
زرعه، وسبق في كتاب الزكاة الروايات1. ومتى لم
يكن له سوى غلة الأرض، وفيها ما لا زكاة فيه،
كالخضر، جعل الخراج في مقابلته؛ لأنه أحوط
للفقراء. ولا ينقص النصاب بمؤنة حصاد ودياس
وغيرهما منه، لسبق الوجوب. وقال: صاحب
الرعاية: يحتمل ضده، كالخراج، ويأتي في مؤنة
المعدن2.
ـــــــ
1 3/461.
2 168
(4/110)
فصل: ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية
في رواية "و ش م ر" ثم من الأصحاب من اقتصر
على الجواز، ومنهم من قال: ويكره. نص عليه،
وعنه رواية ثالثة: يمنعون من شرائها، اختارها
الخلال وصاحبه "م 16 و 17" فعليها
ـــــــ
مسألة 16 - 17" قوله: "يجوز لأهل الذمة شراء
الأرض العشرية في رواية، ثم من الأصحاب من
اقتصر على الجواز، ومنهم من قال: ويكره، نص
عليه، وعنه: رواية ثالثة: يمنعون من شرائها،
اختارها الخلال وصاحبه"، انتهى. دخل في ضمن
كلام المصنف مسألتان:
المسألة الأولى - 16 : هل يجوز لأهل الذمة
شراء الأرض العشرية أم لا يجوز؟ أطلق الخلاف،
وأطلقه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب
والهادي،
(4/110)
يصح، جزم به
الأصحاب رحمهم الله وحكى أحمد رحمه الله عن
الحسن وعمر بن عبد العزيز: يمنعون من الشراء،
فإن اشتروا لم يصح، وكلام شيخنا في "اقتضاء
الصراط المستقيم" يعطي أن على المنع لا يصح "و
م ر" فعلى عدم المنع: لا عشر عليهم "و م ر ش"؛
لأنه زكاة، فلا منع، ولا زكاة السائمة وغيرها،
وذكر "القاضي في شرحه الصغير" أن
ـــــــ
إحداهما يجوز، ويصح1 وهو الصحيح، جزم به في
المقنع2 والإفادات والوجيز وغيرهم، ونصره
المجد في شرحه وغيره، وقدمه في الخلاصة
والكافي3 والمغني4 والشرح2 والرعايتين
والحاويين وشرح ابن رزين وابن منجى وإدراك
الغاية وغيرهم،
والرواية الثانية لا يجوز، اختارها الخلال
وصاحبه، وقدمها في المستوعب ومختصر ابن تميم.
المسألة الثانية 17 إذا قلنا بالجواز، فهل هو
مع الكراهة أم لا؟ قال المصنف: منهم من اقتصر
على الجواز، ومنهم من قال: ويكره، نص عليه،
انتهى. قال في الكافي3: ويجوز ويكره بيعها5
لهم. وقال في المغني4 والشرح وشرح ابن رزين:
ويكره بيعها5 لهم، واقتصر في الهداية والمذهب
والمستوعب والمقنع والهادي وشرح ابن منجى
ومختصر ابن تميم، قال في الرعايتين والحاويين:
يجوز، وعنه: ويكره، وعنه: يحرم، "6فذكر رواية
بالجواز ورواية بالكراهة6". والله أعلم.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/563.
3 2/145.
4 4/202.
5 في النسخ الخطية: "تبعا", والمثبت من "ط".
6 ليست في "ح".
(4/111)
إحدى الروايتين
أنه يجب على الذمي غير التغلبي نصف العشر،
سواء اتجر بذلك أم لم يتجر به، من ماله وثمره
وماشيته، ويأتي في أحكام الذمة1. وذكر شيخنا
في "اقتضاء الصراط المستقيم" على هذا: هل
عليهم عشران أم لا شيء عليهم؟ على روايتين،
وهذا غريب، ولعله أخذه من لفظ "المقنع"، وعلى
المنع عليهم عشران؛ لأن فيه تصحيح كلام
المتعاقدين، ودفع الضرر المؤبد عن الفقراء
بوجوب الحق فيه، وكان ضعف ما على المسلم كما
يجب في الأموال التي يمرون بها على العاشر نصف
العشر، ضعف الزكاة، وعنه: لا شيء عليهم، قدمه
بعضهم، وعنه: عشر واحد، ذكرها في الخلاف كما
كان، لتعلقه بالأرض، كبقاء الخراج إذا اشترى
مسلم أرضا خراجية من ذمي، فلا وجه لتقديم هذا
في الرعاية،
ولا تصير هذه الأرض خراجية؛ لأنها أرض عشر،
كما لو كان مشتريها مسلما، ومذهب "هـ" تصير
خراجية أبدا، ولو أسلم ربها أو ملكها مسلم؛
لأن الإسلام لا ينافي الخراج، فأما إن كان
المشتري من بني تغلب جاز، نقله ابن القاسم،
خراجية كانت أو عشرية، ولزمه العشران "و"
كالماشية،
وإن أسلم المشتري أو باعها مسلما سقط عشر وبقي
عشر الزكاة للمستقبل، لعموم الأخبار، ولأنه
أخذ بحكم2 الكفر، لحقن الدم، فأشبه
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 10/346.
2 في الأصل: "بحق".
(4/112)
الجزية، ولأنه
من حق الزرع، فأشبه بقية أموالهم، ومذهب "هـ"
الحكم كما كان، كالخراج الذي ضربه عمر رضي
الله عنه1، وكذا مذهبه إن باعها من ذمي،
وعندنا لا شيء فيها كما لو باعه ماشيته2، ولنا
وجه في الخارج منها عشران، ثم إن كان في
الحاضر في هذه الأرض ثمر صلاحه باد أو زرع
مشتد بقي العشران على بائعه، ويسقطان بالإسلام
"هـ ش" كسقوط جزية الرءوس "ش" وجزية الأرض وهو
خراجها بالإسلام "هـ" ولم يكن وقت الوجوب من
أهل الزكاة. وذكر ابن عقيل رواية: لا يسقط
أحدهما بالإسلام "و هـ ش" وإن استأجر الذمي
هذه الأرض، فقد سبق في الفصل قبله3، وظاهر
كلامهم لا يكره بيعه منقولا زكويا، ومقتضى ما
سبق في الإجارة لا سيما الكراهة أن يكون
مثلها؛ لأنه يشبهها، ويأتي في الفصل الثالث4
بيعه وإيجاره عقارا ومنقولا، وفيما ملكه الذمي
بالإحياء الروايتان في أول الفصل، ومصرف ذلك
كما يؤخذ من نصارى بني تغلب، ولا شيء على ذمي
فيما اشتراه من أرض خراجية، وألحقه ابن البنا
في شرحه5 بالأرض العشرية.
ـــــــ
1 أخرجه أبو يوسف في الخراج ص 135.
2 في "س" و "ط": "ماشية".
3 108.
4 116.
5 اسمه المقنع في شرح الخرقي وهو مطبوع محقق.
(4/113)
فصل: والأرض الخراجية
ما فتحت عنوة ولم تقسم، وما جلا عنها أهلها
خوفا،
ـــــــ
.................
(4/113)
وما صولحوا
عليها على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج؛ "1لا
أن1" غير السواد لا خراج فيه "ش"والأرض
العشرية عند أحمد والأصحاب رحمهم الله ما أسلم
عليها أهلها، نقله حرب، كالمدينة ونحوها، وما
أحياه المسلمون واختطوه، نقله أبو الصقر،
كالبصرة، وما صولح أهله على أنه لهم بخراج
يضرب عليه، نقله ابن منصور، كأرض اليمن، وما
فتح عنوة وقسم، كنصف خيبر، قسمه النبي صلى
الله عليه وسلم2. وكذا ما أقطعه الخلفاء
الراشدون رضي الله عنهم من السواد إقطاع
تمليك3، على الروايتين "و م ش" ويدل عليه حديث
العلاء بن الحضرمي، قاله في منتهى الغاية. قال
في رواية ابن منصور: والأرضون التي يملكها
أربابها ليس فيها خراج، مثل هذه القطائع التي
أقطعها عثمان رضي الله عنه في السواد لسعد
وابن مسعود وخباب4، قال القاضي: وظاهره أنه لم
يوجب في قطائع السواد خراجا، وهو محمول على
أنه أقطعهم5 منافعها وخراجها
وللإمام أن يسقط الخراج، على وجه المصلحة،
ولعل ظاهر كلام القاضي هذا أنهم لم يملكوا
الأرض بل أقطعوا المنفعة، وأسقط الخراج
للمصلحة ولم يذكر جماعة هذا القسم من أرض
العشر، منهم الشيخ، وقد قال: ما فعله عليه
الصلاة والسلام من وقف أو قسمة، أو الأئمة
بعده، فليس
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "لأن".
2 أخرجه البخاري 4235، من حديث عمر ين الخطاب.
3 أخرج أبو يوسف في الخراج صفحة 61، أن عمر
أقطع العقيق أجمع للناس.
4 أخرجه أبو يوسف في الخراج صفحة 62.
5 في النسخ الخطية: "أقطعه".
(4/114)
لأحد نقضه ولا
تغييره. وقال أيضا في البيع: إن حكم إقطاعه
حكم البيع، فيجوز بحكم حاكم أو بفعل الإمام
لمصلحة، أو بإذنه، وسيأتي ذلك.
وما سبق أنه ظاهر كلام القاضي ليس فيه نقض،
لكنه خلاف ظاهر نص أحمد، ويأتي ذلك، وحكم مكة
في حكم الأرض المغنومة من الجهاد1 إن شاء الله
تعالى، وبيان أرض الصلح وأرض العنوة.
والمراد أن2 العشرية لا يجوز أن يوضع عليها
خراج، كما ذكره القاضي وغيره، واحتج بقوله في
رواية أبي الصقر: من أحيا أرضا مواتا في غير
السواد فللسلطان عليه فيها العشر، ليس عليه
غير ذلك، وإن العشر والخراج يجتمعان في الأرض
الخراجية، كما سبق، فلهذا لا تنافي بين قوله
في المغني والرعاية: الأرض العشرية هي التي لا
خراج عليها، وقول غيره: ما يجب فيها العشر
خراجية أو غير خراجية، وجعلها أبو البركات بن
المنجى قولين، وإن قول غير الشيخ ظاهر في هذا،
والله أعلم.
ـــــــ
1 10/296.
2 بعدها في "ط": "الأرض".
(4/115)
فصل: ولا خلاف في وجوب العشر في أرض الصلح
ذكره الشيخ وغيره، ولا يجوز بقاء أرض بلا عشر
ولا خراج، بالاتفاق، ذكره شيخنا، فيخرج من
أقطع أرضا بأرض مصر أو غيرها العشر، والمراد
إلا أرض الذمي، فإنه لو جعل داره بستانا أو
مزرعة، أو رضخ الإمام له أرضا من الغنيمة، أو
أحيا مواتا، وقلنا يملكه، فإنه لا شيء فيها،
نقله جماعة، وعنه: فيها العشر ولا
ـــــــ
.................
(4/115)
خراج عليها؛
لأنه أجرة عن أرض مسلم، كخراج عمر رضي الله
عنه، أو لكفره لحقن دمه، كجزية الرءوس، فيعتبر
الشرط والالتزام، ومذهب "هـ" عليها الخراج،
لئلا تتعطل، ومتى أسلم أو ملكها مسلم فهي
عشرية عندنا، وعنده الخراج بحاله، كخراج
العنوة.
ـــــــ
(4/116)
فصل: وإن باع أو آجر مسلم داره من كافر
فنقل المروذي: لا تباع، يضرب فيها بالناقوس
وينصب فيها الصلبان؟ واستعظم ذلك وشدد فيه،
ونقل أبو الحارث: لا أرى ذلك، يبيعها من مسلم
أحب إلي، وقيل له في رواية إبراهيم بن الحارث
عن إجارتها من ذمي يعلم أنه يشرب فيها الخمر
ويشرك فيها، فقال: كان ابن عون لا يكري إلا من
أهل الذمة، يقول: نرغبهم، قيل له: كأنه أراد
إذلال أهل الذمة بهذا قال: لا، ولكنه أراد أنه
كره أن يرغب المسلمين، وجعل يعجب من ابن عون،
وكذا نقل الأثرم، وسأله مهنا: يكري المجوسي
داره أو دكانه وهو يعلم أنهم يزنون؟ فقال: كان
ابن عون لا يرى أن يكري المسلم يقول: أرغبهم
بأخذ الغلة، ويكري غير المسلمين.
قال الخلال: كل من حكى عنه في الكراء: فإنما
أجاب على فعل1 ابن عون، ولم ينفذ2 له فيه قول،
وقد رواه إبراهيم معجبا بقول ابن عون، و الذي
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ط": "قول".
2 في الأصل و "ط": "ينقل".
(4/116)
رووا عنه في
البيع أنه كرهه كراهة شديدة، فلو نقل لأبي عبد
الله قول في السكنى كان السكنى والبيع عندي
واحدا، والأمر في ظاهر قول أبي عبد الله لا
تباع منه، والأمر عندي لا تباع منه والأمر
"1عندي لا تباع منه 1" ولا تكرى؛ لأنه معنى
واحد، ثم روى الخلال أن أبا بكر2 قال لأحمد:
حدثني أبو سعيد الأشج3: سمعت أبا خالد الأحمر4
يقول: حفص5 باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد
أهل الكوفة من عون البصري6، فقال له أحمد:
حفص؟ فقال: نعم، فعجب أحمد، يعني من حفص بن
غياث، قال الخلال: وهذا تقوية لمذهب أبي عبد
الله، فإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من
كافر، فإن الذمي يقر، والفاسق لا يقر، ولكن ما
يفعله الذمي فيها أعظم.
وقال أبو بكر عبد العزيز: لا فرق بين البيع
والإجارة عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة
وإذا منع البيع منع الإجارة، قال شيخنا ووافقه
القاضي وأصحابه على ذلك: قال ابن أبي موسى:
كره أحمد أن يبيع، داره
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 يعني: المروذي.
3 هو عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي
المفسر صاحب التصانيف "ت 257هـ" سير أعلام
النبلاء 12/182.
4 هو سليمان بن حيان الأزدي الكوفي كان من
أئمة الحديث منافرا للكلام والرأي والجدال. "ت
189هـ". سير أعلام النبلاء 9/19.
5 هو أبو عمر حفص بن غياث بن طلق بن معاوية،
النخعي قاضي الكوفة وبغداد، ثقة مأمون فقيه.
"ت 194 هـ". سير أعلام النبلاء 9/22.
6 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط
المستقيم صفحة 233: عون هذا كأنه من أهل
البدع، أو من الفساق بالعمل، فقد أنكر أبو
خالد الأحمر على حفص بن غياث قاضي الكوفة أنه
باع دار الرجل الصالح من المبتدع، وعجب أحمد
أيضا من فعل القاضي.
(4/117)
من ذمي يكفر
فيها ويستبيح المحظورات، فإن فعل لم يبطل
البيع وكذا قال الآمدي وأطلق الكراهة مقتصرا
عليها، ومقتضى ما سبق من كلام الخلال وصاحبه
تحريم ذلك، قاله شيخنا. وقال القاضي: لا يجوز
أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار أو
كنيسة، أو يبيع فيه الخمر سواء شرط أن يبيع
فيه الخمر أو لم يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع
فيه الخمر وقد قال أحمد: لا أرى أن يبيع داره
من كافر يكفر فيها، يبيعها من مسلم أحب إلي.
وقال أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة: لا
يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم
فيه،
قال شيخنا: فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم
أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدا على ذلك بنص
أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يكتري وقف
الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين
الصورتين منع تحريم، قال القاضي في أثناء
المسألة: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها
من أهل الذمة مع علمه بأنهم يفعلون ذلك فيها؟
قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون
وعجب منه، وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز
إجارتها من ذمي،
وظاهر رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث جواز
ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل على جوازه عنده،
واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه
في أحد الوجهين، ذكره شيخنا. وقال: الفرق بين
البيع والإجارة أن ما في الإجارة من مفسدة
الإعانة عارضت مصلحة، وهي صرف إرعاب المطالبة
ـــــــ
.................
(4/118)
بالكراء عن
المسلم وإنزاله بالكفار، كإقراره بالجزية،
فإنه إقرار لكافر، لكن جاز لما تضمنه من
المصلحة، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة،
وهذه المصلحة منتفية في البيع، قال: فيصير في
المسألة أربعة أقوال،
وظاهر كلام من لم يخص هذه المسألة بالذكر
كالشيخ وغيره الجواز "م 18"
ـــــــ
"مسألة 18" قوله: وإن باع أو آجر مسلم داره من
كافر، فنقل المروذي: لا تباع، يضرب فيها
بالناقوس وينصب فيها الصلبان؟ واستعظم ذلك
وشدد فيه، ونقل أبو الحارث: لا أرى ذلك،
يبيعها من مسلم أحب إلي، قال الخلال: الأمر
عندي لا تباع منه ولا تكرى، لأنه معنى واحد.
وقال أبو بكر عبد العزيز: لا فرق بين البيع
والإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة،
قال شيخنا يعني الشيخ تقي الدين ووافقه القاضي
وأصحابه على ذلك: قال ابن أبي موسى: كره أحمد
أن يبيع داره من ذمي يكفر فيها ويستبيح
المحظورات، فإن فعل لم يبطل البيع، وكذا قال
الآمدي وأطلق الكراهة مقتصرا عليها، ومقتضى ما
سبق من كلام الخلال وصاحبه تحريم ذلك، قاله
شيخنا. وقال القاضي: لا يجوز أن يؤاجر داره أو
بيته ممن يتخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه
الخمر.
قال شيخنا: فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم
أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدا على ذلك بنص
أحمد، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين
الصورتين منع تحريم. وظاهر كلام من لم يخص هذه
المسألة بالذكر كالشيخ وغيره الجواز، انتهى،
قلت: هذا هو الصواب مع الكراهة، وقد استشهد
المصنف لذلك بمسائل، ومال إليه، والله أعلم.
(4/119)
كما أن ظاهر
كلام الأكثر فيما إذا ملكوا دارا عالية من
مسلم لم تنقض أنه لا يبطل البيع ونحوه، كما أن
ظاهر كلامهم في تخصيص الأرض العشرية بالذكر
جواز غيرها، ويدل عليه أن الملبوس يكفر فيه
الذمي ويعصي، فمقتضى ما سبق المنع تحريما أو
كراهة، ومن المعلوم أن من زمن النبي صلى الله
عليه وسلم وإلى اليوم يباع لهم من غير نكير
شائعا، لم يتورع منه أحد، وكالمأكول والمشروب،
فإن قيل: هذا محل حاجة وضرورة، قيل: الغرض في
غيرها، مع أن الملبوس لا بد منه، وكذا الإيواء
والسكن، وإن قيل: هو كمسألتنا، قيل هذا مع
العلم ببطلانه: لا نعلم به قائلا، والله أعلم.
وقد قال أحمد رحمه الله في المجوس: لا تبن
لهم، وقال له ابن منصور: سئل الأوزاعي عن
الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصارى، فكره
ذلك، فقال أحمد: ما أحسن ما قال؛ لأن أصل ذلك
يرجع إلى الخمر إلا أن يعلم أنه يباع لغير
الخمر فلا بأس. ويتوجه في هاتين المسألتين ما
سبق من الخلاف، ويدل عليه نصه في استئجار وقف
الكنيسة، وقوله: "إلا أن يعلم أنه يباع لغير
الخمر"، ليس هذا على ظاهره، والله أعلم.
ـــــــ
(4/120)
فصل: ويجب في العسل العشر
سواء أخذه من موات أم من ملكه، قال في الرعاية
وغيرها: أو ملك غيره، قال في رواية صالح:
العسل في أرض الخراج أو العشر حيث كان فيه
العشر، وبه قال أبو يوسف ومحمد
ـــــــ
.................
(4/120)
والشافعي في
القديم، ولو من أرض خراجية "هـ" لعدم اجتماع
العشر والخراج عنده.
ومذهب "م هـ ش" لا شيء فيه.
احتج الأصحاب رحمهم الله بخبر أبي سيارة
المتعي، رواه أحمد وابن ماجه1، رواه عنه
سليمان بن موسى الأشدق2 ولم يدركه مع أنه وإن
كان ثقة عند أهل الحديث كما قاله الترمذي فإن
عنده مناكير كما قاله البخاري وغيره.
وبخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء
هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعشور نخله، وكان سأله أن يحمي له
واديا يقال له سلبة، فحمى له ذلك الوادي، فلما
ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب إليه
سفيان بن وهب يسأله عن ذلك، فكتب إليه: إن أدى
إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم من عشور نخله فاحم له سلبه، وإلا فإنما
هو ذباب غيث يأكله من يشاء. رواه أبو داود
والنسائي3 وغيرهما، وعمرو عن أبيه عن جده فيه
كلام كثير للمحدثين. وقال أحمد: ربما احتججنا
به. وقال
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أحمد 10869، وابن ماجة 1823، ولفظه: عن أبي
سيارة المتعي قال: قلت: يا رسول الله إن لي
نحلا قال: "أد العشور" . قال: قلت: يا رسول
الله احمها لي، قال: فحماها لي.
وأبو سيارة المتعي قيل اسمه عميرة بن الأعلم،
وقيل عمير بن الأعلم، وهو قيسي كان مولى لبني
بجالة. تهذيب الكمال 33/397.
2 هو أبو أيوب ويقال أبو الربيع، وأبو هشام،
قرشي أموي فقيه أهل الشام في زمانه، "ت 119
هـ". تهذيب الكمال 12/92.
3 أبو داود 1600، والنسائي في المجتبى 5/46،
والبيهقي في السنن 4/126.
(4/121)
أيضا: له
مناكير، يكتب حديثه يعتبر به، أما أن يكون حجة
فلا، ورواه عنه عمرو بن الحارث المصري، وهو
إمام. وقال أحمد: رأيت له مناكير,. ولأبي
داود1 هذا المعنى بإسنادين آخرين إلى عمرو،
وفيهما مقال، وفيهما: "من كل عشر قرب قربة"،
ثم يتوجه منه عدم الوجوب وأن الأداء لأجل
الحمى صلحا أو عوضا لمصلحة المسلمين؛ لأن عمر
رضي الله عنه أمر بالحمى إن أدى العشر، ولم
يأمر بأخذ العشر مطلقا، ولو أخذ العشر مطلقا
لكان دفعه مع الحمى أصلح لهلال، ولم يمتنع
منه، وأنه علم أنه إنما يؤخذ منه لأجل الحمى،
والله تعالى أعلم.
وأما أحمد رضي الله عنه فإنما احتج بقول عمر
رضي الله عنه، قيل لأحمد: إنهم تطوعوا به،
قال: لا، بل أخذ منهم، وهذا منه يدل على أنه
لا حجة عنده في خبر مرفوع في ذلك، لضعف إسناده
أو دلالته، أو لهما.
وكذا قال البخاري والترمذي وابن المنذر
وغيرهم: إنه لا يصح في ذلك شيء، وقول عمر في
هذا لا بد من بيان صحته وصحة دلالته، ثم قد
بينا أنه لم يأمر بأخذ العشر مطلقا، فيتعارض
قولاه، ثم المسألة ليست إجماعا
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في سننه 1601 و 1602.
(4/122)
في الصحابة،
ولا حجة مع اختلافهم، ثم في الاحتجاج بقول
الصحابي روايتان، أشهرهما يحتج به، ومن تأمل
هذا وغيره ظهر له ضعف المسألة، وأنه يتوجه
لأحمد رواية أخرى: لا زكاة فيه، بناء على قول
الصحابي، وسبق قول القاضي في الثمر1 يأخذه من
المباح يزكيه في قياس قول أحمد في العسل، فقد
سوي بينهما عند أحمد، فدل أن على القول الآخر
لا زكاة في العسل من المباح عند أحمد، كرواية
عن أبي يوسف، وقد اعترف صاحب المحرر كما سبق
أنه القياس، لولا الأثر. فيقال: قد تبين
الكلام في الأثر، ثم إذا تساويا في المعنى
تساويا في الحكم، وترك القياس، كما تعدى في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ص 75.
(4/123)
العرايا إلى
بقية الثمار وغير ذلك، على الخلاف فيه، ولهذا
قال ابن عقيل وغيره: فما ينزل من السماء على
الشجر، كالمن1 والترنجبين2 والشيرخشك3 وشبهها،
ومنه اللاذن وهو طل وندى ينزل على نبت تأكله
المعزى، فتتعلق تلك الرطوبة بها فيؤخذ فيه
العشر، كالعسل، قال بعضهم: وهو ظاهر كلام
أحمد، وقيل: لا عشر فيه، لعدم النص، وهو ظاهر
كلام جماعة، وجزم به في المغني4 والمحرر فيما
يخرج من البحر "م 19" والله أعلم، قال صاحب
المحرر: إن قصة هلال المذكورة ترد
ـــــــ
مسألة 19" قول المصنف بعد أن تكلم على حكم
العسل وأنه هل تجب فيه الزكاة أم لا، ومال إلى
عدم وجوبها فيه، قال: وقد اعترف صاحب المحرر
أنه القياس، لولا الأثر، فيقال: قد تبين
الكلام في الأثر، ثم إذا تساويا في المعنى
تساويا في الحكم وترك القياس يعني بكلامه هذا
لأجل تخريج قول آخر بعدم الوجوب في العسل قال
كما تعدى في العرايا إلى بقية الثمار وغير
ذلك، على الخلاف فيه، ولهذا قال ابن عقيل
وغيره: فما ينزل من السماء على الشجر كالمن
والترنجبين والشيرخشك وشبهها ومنه اللاذن، وهو
طل وندى ينزل على نبت تأكله المعزى، فتتعلق
تلك الرطوبة بها، فيؤخذ منه العشر، كالعسل،
قال بعضهم: وهو ظاهر كلام أحمد، وقيل: لا عشر
فيه، لعدم النص، وهو ظاهر كلام جماعة، وجزم به
في المغني والمحرر فيما يخرج من البحر، انتهى
كلام المصنف،
ـــــــ
1 المن: كل طل ينزل من السماء على شجر أو حجر،
وبحلو، وينعقد عسلا، ويجف جفاف الصمغ. القاموس
"منن".
2 الترنجبيل، والترنتجبين: طل يقع من السماء،
وهو ندى شبيه بالعسل جامد متحبب. المعتمد في
الأدوية المفردة. ص 50.
3 الشيرخشك: أفضل أصناف المن، طل يقع من
السماء على الشجر، حلو إلى الاعتدال. المعتمد
في الأدوية المفردة. ص 279.
4 4/244.
(4/124)
هذا؛ لأنه عليه
السلام أخذه من عسل في واد مباح؛ لأن الإقطاع
إنما يكون في المباح، فيقال: الفرق إنما هو في
العسل بين أخذه من أرض مملوكة أو مباحة، وأما
إن كان النحل مملوكا، كقصة هلال، فالعسل نماؤه
تابع له، فلا فرق بين أن يجنى من أرض مملوكة
أو مباحة، أو من شيء يوضع عنده.
ولا زكاة في قليله "هـ" ويعتبر فيه نصاب قدره
عشرة أفراق، نص عليه، رواه الجوزجاني عن عمر1.
وسبق قول في نصاب الزيت خمسة أفراق، فيتوجه
منه تخريج؛ لأنه أعلى ما يقدر به فيه، فاعتبر
خمسة أمثاله كالوسق،
ـــــــ
واعلم أنه ليس في كلامه على المن والترنجبين
والشيرخشك ونحوه2 تقديم حكم على آخر، مع
حكايته الخلاف، فهو في حكم الخلاف المطلق في
كلام المصنف، إذا علمت ذلك فالصحيح مع القولين
عدم الوجوب، قدمه ابن تميم وصاحب الفائق، وهو
ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وجزم به في المغني3،
والمجد في شرحه، والشارح، وغيرهم، في مسألة
عدم الوجوب فيما يخرج من البحر، وهو ظاهر ما
مال إليه المصنف في العسل، والله أعلم.
والقول الآخر تجب فيه، كالعسل، اختاره ابن
عقيل وغيره، قال بعض الأصحاب: وهو ظاهر كلام
الإمام أحمد، وجزم به ابن عقيل في تذكرته،
وصاحب المنور، ومنتخب الآدمي، وغيرهم، واقتصر
في المستوعب على كلام ابن عقيل،
ـــــــ
1 وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 6970 عن عطاء
الخراساني، أن عمر أتاه ناس من أهل اليمن،
فسألوه واديا فأعطاهم إياه، فقالوا: يا أمير
المؤمنين إن فيه نحلا كثيرا، قال: فإن عليكم
في كل عشرة أفراق فرقا.
2 ليست في "ط".
3 4/244
(4/125)
والفرق، بفتح
الراء، وقيل: وبسكونها، ستة عشر رطلا عراقية،
وهو مكيال معروف بالمدينة، ذكره ابن قتيبة
وثعلب والجوهري وغيرهم، ويدل على ذلك خبر كعب
بن عجرة1 في الفدية، وحمل كلام عمر في
المتعارف ببلده أولى.
قال أحمد في رواية أبي داود: قال الزهري: في
عشرة أفراق فرق، والفرق ستة عشر رطلا، وهذا
ظاهر الأحكام السلطانية، واختاره صاحب المحرر
وغيره.
وفي الخلاف: الفرق ستة وثلاثون رطلا عراقية.
وقال ابن حامد: هو ستون رطلا عراقية وأما
الفرق بسكون الراء فمكيال ضخم من مكاييل أهل
العراق، قاله الخليل، قال ابن قتيبة وغيره:
يسع مائة وعشرين رطلا.
قال صاحب المحرر: لا قائل به هنا، وذكره بعضهم
قولا، وحكى قول: مائة، قال ابن تميم: وعن أحمد
نحوه، وقيل: نصابه ألف رطل عراقية، وقدمه في
الكافي2، نقل أبو داود من عشر قرب قربة.
ـــــــ
وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين. وقال في
الرعاية الكبرى: فيه وجهان، أشهرهما الوجوب،
وقيل: عدمه، انتهى. وأطلقهما في تجريد
العناية.
فهذه تسع عشرة مسألة قد صحح معظمها، فلله
الحمد.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري 1815، ومسلم 1201، 82. أن كعب
بن عجرة قال: وقف علي رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال:
"أيؤذيك هوامك؟" قلت: نعم. قال: "فاحلق رأسك
وصم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة أو انسك
بما تيسر".
2 2/146.
(4/126)
فصل:ومن زكى
ما سبق في هذا الباب من المعشرات مرة فلا زكاة
فيه بعد ذلك "و" خلافا للحسن؛ لأنه غير مرصد
للنماء، فهو كالقنية، بل أولى، لنقصه بأكل
ونحوه.
ولو استأجر أرضا ليزرعها للتجارة لم ينعقد حول
التجارة من وقت وجوب إخراج عشره "م"؛ لأن نيته
كالمعدومة؛ لأن الشرع لم يعتبرها، وأوجب
العشر، وإذا انتهى وجوب العشر فنوى به التجارة
فالروايتان في عرض قنية نوى به التجارة.
ـــــــ
(4/127)
فصل: وتضمين أموال العشر والخراج باطل
نص أحمد رحمه الله على معنى ذلك، وعلله في
الأحكام السلطانية وغيرها بأن ضمانها بقدر
معلوم يقتضي الاقتصار عليه في تملك ما زاد
وغرم ما نقص، وهذا مناف لموضوع1 العمالة وحكم
الأمانة، سئل أحمد في رواية حرب عن تفسير حديث
ابن عمر القبالات ربا2 قال: هو أن يتقبل
بالقرية وفيها العلوج3 والنخل، فسماه ربا، أي
في حكمه في البطلان، وعن ابن عباس: إياكم
والربا، ألا وهي القبالات، ألا وهي الذل
والصغار4، قال أهل اللغة: القبيل: الكفيل
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "لمعلوم".
2 أخرجه أبو عبيد في الأموال 179.
3 العلوج: أشاء النخل، والأشاء: صغار النخل،
والعلجان بالضم: جماعة العضاه. القاموس
المحيط: "علج".
4 أورده ابن الأثير في النهاية 4/10.
(4/127)
والعريف، وقد
قبل به: يقبل ويقبل قبالة، ونحن في قبالته، أي
في عرافته، والله سبحانه أعلم.
ـــــــ
.................
(4/128)
باب زكاة الذهب
والفضة
مدخل
...
باب زكاة الذهب
والفضة
وبيان حكم المصوغ، والتحلي بذلك وبغيره وما
يتعلق بذلك
تجب زكاة الذهب والفضة "ع" ويعتبر النصاب "ع"
فنصاب الذهب عشرون مثقالا "و" والمثقال درهم
وثلاثة أسباع درهم، ونصاب الفضة مائتا درهم
"ع" وفيهما ربع العشر "ع" وسبق في الفصل
الثاني من كتاب الزكاة حكم الزيادة والنقص1.
والاعتبار بالدرهم الإسلامي الذي وزنه ستة
دوانيق، والعشرة سبعة مثاقيل "و" وكانت
الدراهم في صدر الإسلام صنفين: سودا، الدرهم
منها ثمانية دوانيق، وطبرية، الدرهم منها
أربعة دوانيق، فجمعها بنو أمية وجعلوا الدرهم
ستة دوانيق، قال في رواية المروذي وذكر دراهم
باليمن صغارا الدرهم منها دانقان ونصف، فقال:
ترد إلى المثاقيل. وقال في رواية الميموني،
وقد سأله عمن عنده شيء وزنه درهم سواء، وشيء
وزنه دانقان، وهي تخرج في مواضع، ذا مع وزنه
وذا مع نقصانه، على الوزن سواء؟ فقال: يجمعها
جميعا ثم يخرجها على سبعة مثاقيل، وقال في
رواية الأثرم: قد اصطلح الناس على دراهمنا
ودنانيرنا هذه، والدنانير لا اختلاف فيها،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 3/442-444
(4/129)
فيزكي الرجل
المائتي درهم من دراهمنا هذه، فيعطي منها خمسة
دراهم
وسأله محمد بن الحكم عن الدراهم السود، فقال:
إذا حلت الزكاة في مائتين من دراهمنا هذه وجبت
فيها الزكاة، فأخذ بالاحتياط، فأما الدية
فأخاف عليه، وأعجبه في الزكاة أن يؤدي من
مائتين من هذه الدراهم. وإن كان على رجل دية
أن يعطي السود الوافية، وقال: هذا كلام لا
تحتمله العامة، قال القاضي: وظاهر هذا أنه
إنما اعتبر وزنه سبعة مثاقيل في الزكاة،
والخراج محمول عليه، واعتبر في الدية أوفى من
ذلك، وقد قال صاحب الشفاء المالكي: لا يصح أن
تكون الأوقية والدراهم مجهولة زمن النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يوجب الزكاة في أعداد
منها، وتقع بها البياعات والأنكحة، كما في
الأخبار الصحيحة1، وهو يبين أن قول من يزعم أن
الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك وأنه
جمعها برأي العلماء، وجعل وزن الدرهم ستة
دوانيق قول باطل، وإنما معنى ما نقل من ذلك
أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام، وعلى صفة
لا تختلف، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه،
فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم. وفي
شرح مسلم: قال أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول
على هذا التقدير أن الدرهم ستة دوانيق، ولم
تتغير المثاقيل في الجاهلية والإسلام.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 منها ما رواه البخاري 2718 ومسلم 715 عن
جابر من حديث الجمل قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "بعنيه بوقية" وفي رواية للبخاري
أيضا: "أخذته بأربعة دنانير".
(4/130)
وسبق كلام
شيخنا أول الحيض1، ومعناه أن الشرع والخلفاء
الراشدين رتبوا على الدرهم أحكاما، فمحال أن
ينصرف كلامهم إلى غير الموجود ببلدهم أو
زمنهم؛ لأنهم لا يعرفونه ولا يعرفه المخاطب،
فلا يقصد ولا يراد ولا يفهم، وغايته العموم،
فيعم كل بلد وزمن بحسبه وعادته وعرفه، أما
تقييد كلامهم واعتباره بأمر حادث خاصة غير
موجود ببلدهم وزمنهم من غير دليل عنهم كيف
يمكن، والله سبحانه أعلم.
ولا زكاة من مغشوشهما حتى يبلغ النقد الخالص
فيه نصابا "و م ش" نقل حنبل في دراهم مغشوشة
لو خلصت نقصت الثلث أو الربع: لا زكاة فيها؛
لأن هذه ليست بمائتين مما فرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فإذا تمت ففيها الزكاة، وحكى
ابن حامد وجها: إن بلغ مضروبه نصابا زكاه "و
هـ" وظاهره: ولو كان الغش أكثر "هـ" وقال أبو
الفرج: يقوم مضروبه كعرض، وعلى الأول إن شك
فيه خير بين سبكه فإن بلغ قدر النقد نصابا
زكاه وبين أن يستظهر ويخرج ما يجزئه بيقين.
وقيل: لا زكاة.
وإن وجبت الزكاة وشك في زيادة استظهر، فألف
ذهب وفضة، ستمائة من أحدهما، يزكي ستمائة ذهبا
وأربعمائة فضة، وإن لم يجزئ ذهب عن فضة زكى
ستمائة ذهبا وستمائة فضة، ومتى أراد أن يزكي
المغشوشة منها وعلم قدر الغش في كل دينار جاز،
وإلا لم يجزئه، إلا أن يستظهر فيخرج
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 1/358.
(4/131)
قدر الزكاة
بيقين، وإن أخرج ما لا غش فيه فهو أفضل، وإن
أسقط الغش وزكى على قدر الذهب كمن معه أربعة
وعشرون دينارا سدسها غش، فأسقطه، وأخرج نصف
دينار جاز؛ لأنه لا زكاة في غشها، إلا أن يكون
غشها فيه الزكاة، بأن يكون فضة وله من الفضة
ما يتم به نصابا، أو نقول برواية ضمه إلى
الذهب، زاد صاحب المحرر: أو يكون غشها
للتجارة، فيزكي الغش حينئذ، قال: فثلاثون
مثقالا منها اثنا عشر نحاس، والباقي ذهب،
قيمتها عشرون بغير غش، إن كانت زيادة
الدينارين كزيادة1 قيمة النحاس دون الذهب،
ففيه الزكاة كسائر عرض التجارة، وإلا فلا
زكاة؛ لأن زيادة النقد بالصناعة والضرب لا
يكمل بعض نصابه في القدر. وقال في الرعاية: من
ضم بالأجزاء لم يحتسب بقيمة الغش، قال
الأصحاب: وإن زادت قيمة المغشوش بصنعة الغش
أخرج ربع عشره2، كحلي الكراء إذا زادت قيمته
بصناعته،
ويعرف غشه بوضع ذهب وزنه في ماء، ثم فضة كذلك،
وهي أضخم،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ب": "لزيادة".
2 بعدها في "ط": "بالأجزاء".
(4/132)
ثم المغشوش،
ويعلم علو الماء، ويمسح بين كل علامتين فمع
استواء الممسوحين نصفه ذهب، ونصفه فضة، ومع
زيادة ونقص بحسابه. ويكره ضرب نقد مغشوش
واتخاذه، نص عليه، وجزم به ابن تميم، وعنه:
يحرم، قال في رواية محمد بن عبد الله المنادي:
ليس لأهل الإسلام أن يضربوا إلا جيدا، وذلك
أنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتعاملون بدراهم العجم، فكانت إذا زافت عليهم
أتوا بها السوق فقالوا: من يبيعنا بهذه1؟ وذاك
أنه لم يضربه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا
أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا معاوية
رضي الله عنهم ولعل عدم الكراهة ظاهر ما ذكره
جماعة، ويأتي حكم إنفاقه آخر باب الربا2. قال
ابن تميم: ويكره الضرب لغير السلطان، كذا قال،
وقال في رواية جعفر بن محمد: لا يصلح ضرب
الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان؛ لأن
الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم، قال القاضي
في الأحكام السلطانية: فقد منع من الضرب بغير
إذن السلطان لما فيه من الافتيات عليه.
ـــــــ
1 لم نجده.
2 6/314.
(4/133)
فصل:ويخرج عن
جيد صحيح ورديء من جنسه
ومن كل نوع بحصته وقيل وجزم به الشيخ إن شق
لكثرة الأنواع فمن الوسط، كالماشية وإن أخرج
بقدر الواجب من الأعلى كان أفضل، وإن أخرج عن
الأعلى من
ـــــــ
.................
(4/133)
الأدنى أو
الوسط، وزاد قدر القيمة جاز، نص عليه، وإلا
فلا "هـ" جزم به جماعة منهم ابن تميم،
والرعاية، وظاهر كلام جماعة، وتعليلهم أنها
كمغشوش عن جيد، وإن أخرج من الأعلى بقدر
القيمة دون الوزن لم يجزئه "و" ويجزئ قليل
القيمة عن كثيرها مع الوزن وقيل: وزيادة قدر
القيمة، ويجزئ مغشوش قيل ولو من غير جنسه عن
جيد، ومكسر عن صحيح، وسود عن بيض، مع الفصل
بينهما، نص عليه، لا مطلقا "هـ". وقيل: يجب
المثل، اختاره في الانتصار "و م ش" واختاره في
المجرد في غير مكسر عن صحيح، قال ابن عقيل في
مفرداته: قال أصحابنا: ولا ربا بين العبد وربه
كعبد وسيده؛ لأنه مالكهما حقيقة، والربا في
المعاوضات، ولا حقيقة معاوضة، فلا ربا. وقال
ابن عقيل: للمخالف أن يقول هذا إذا لم يملكه،
وإلا جرى بينهما كمكاتب وسيده، ولأنه يزكي ما
يقابل الصنعة، وهو تقويم يمنع منه في الربا،
ولأنه لا بيع بل مواساة، كجبر
ـــــــ
.................
(4/134)
نفقة الأقارب
بزيادة لأجل الرداءة في الأقوات، وكذا قال في
الخلاف: الربا فيما طريقته المعاوضات، ولا
معاوضة هنا، فجرت الزيادة مجرى زيادة على نفقة
مقدرة، ومجرى الهبة، ولأنه عليه الصلاة
والسلام علق تحريم الربا بعقد البيع فقال: "لا
تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل" 1 قال:
وأجاب أبو إسحاق بأن هذا ليس بربا؛ لأن الربا
هو الزيادة، وليس هنا زيادة في الحقيقة، وإنما
ذلك في مقابلة النقص، قال الأصحاب رحمهم الله:
ولا يلزم قبول رديء عن جيد في عقد وغيره "و"
ويثبت الفسخ "و" قال في الأحكام السلطانية: لا
يلزم أخذ المكسور في الخراج2، لالتباسه وجواز
اختلاطه.
وكذلك إن نقصت قيمتها عن المضروب الصحيح، وقد
قال في رواية ابن منصور، وذكر له قول سفيان:
إذا شهد رجل على رجل بألف درهم وبمائة دينار
فله دراهم ذلك البلد ودنانير ذلك البلد، قال
أحمد: جيد، قال القاضي: فقد اعتبر نقد البلد
ولم يتعرض لذكر الصحاح. ويأتي في الشهادة
والإقرار وغيرهما3، ولا يرجع فيما أخرجه، ذكره
القاضي، وذكره صاحب المحرر عن أصحابنا، ويأتي
في مسألة الشريك والزكاة
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 رواه البخاري 2177، ومسلم 1584، 82. عن أبي
سعيد الخدري.
2 ليست في "س"، و"ب"، و"ط".
3 11/431.
(4/135)
المعجلة خلاف1،
ولا فرق.
ـــــــ
1 ص 207، و286.
(4/136)
فصل:ويكمل نصاب
أحدهما بالآخر 1
في رواية اختارها الأكثر: الخلال والخرقي
والقاضي وأصحابه وصاحب المحرر وغيرهم "و هـ م"
حاضرا أو دينا فيه زكاة؛ لأن مقاصدهما
وزكاتهما متفقة، فهما كنوعي الجنس، وعنه: لا
يكمل، قال صاحب المحرر: يروى أن أحمد رجع
إليها أخيرا، واختارها أبو بكر، وقدمها في
الكافي2 والرعاية وابن تميم "م 1" "و ش"
للعموم.
ـــــــ
"مسألة 1" قوله: ويكمل نصاب أحدهما بالآخر في
رواية اختارها الأكثر: الخلال والخرقي والقاضي
وأصحابه وصاحب المحرر وغيرهم. وعنه: لا يكمل،
قال صاحب المحرر: يروى أنه رجع إليها أخيرا،
واختارها أبو بكر، وقدمها في الكافي والرعاية
وابن تميم، انتهى، وأطلقهما في الهداية
والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمقنع3
والتلخيص والبلاغة والنظم والزركشي وشرح
الأصفهاني على الخرقي وغيرهم:
إحداهما يضم، وهو الصحيح من المذهب، وعليها
الأكثر كما قال المصنف منهم الخلال والخرقي
والقاضي وأصحابه: الشريف، وأبو الخطاب في
خلافيهما، والشيرازي، وابن عقيل في التذكرة،
وابن البنا، والقاضي أبو الحسين، وغيرهم ونصره
ابن عقيل في الفصول أيضا، وجزم به في الإيضاح
والإفادات ونهاية ابن رزين والوجيز والمنور
وغيرهم، وصححه في التصحيح، وقدمه
ـــــــ
1ليست في الأصل.
2 2/148.
3المقنع مع الشرح الكبير والإننصاف 7/14.
(4/136)
فعلى الأولى :
يكمل بالأجزاء "و م" وأبي يوسف ومحمد ورواية
عن "هـ" وأطلق في الهداية عنه القيمة، وعن
أحمد: بالقيمة ذكرها أبو الحسين والرعاية إلى
وزن الآخر، فيقوم الأعلى بالأدنى، وعنه: يضم
الأقل منهما إلى الأكثر، ذكرها في منتهى
الغاية، فيقوم بقيمة الأكثر، نقلها أبو عبد
الله النيسابوري، وعنه: يكمل أحدهما بالآخر
بالأحظ للفقراء من الأجزاء أو القيمة، ذكرها
القاضي وغيره "و هـ" فعليها: لو بلغ أحدهما
نصابا يضم إليه ما نقص عنه من الآخر، في أصح
الوجهين، فمائة درهم وعشرة دنانير قيمتها مائة
درهم يضمان، وإن كانت قيمتها دون مائة ضما على
غير رواية الضم بالقيمة، ولو كانت الدنانير
ثمانية قيمتها مائة درهم ضما، على غير رواية
الضم بالأجزاء. وإن لم تبلغ قيمتها مائة درهم
فلا ضم.
ـــــــ
في الخلاصة والهادي والمحرر والحاويين وغيرهم،
واختاره المجد في شرحه وابن رزين فقال: هذا
أظهر، وهو الصواب ولا يسع الناس غيره.
والرواية الثانية لا يكمل، قال المجد في شرحه:
يروى أن أحمد رجع عنها أخيرا ورأيت في نسخة:
رجع إليها أخيرا واختارها أبو بكر في التنبيه
مع اختياره في الحبوب الضم، قال في الفائق:
ولا يضم أحد النقدين إلى الآخر، في أصح
الروايتين، وهو المختار، انتهى، قال ابن منجى
في شرحه: هذا أصح، وهو ظاهر ما نصره الشيخ في
المغني1، وجزم به الآدمي في منتخبه، وقدمه في
الكافي2 وابن تميم والرعايتين.
ـــــــ
1 4/210
2 2/148.
(4/137)
ويضم جيد كل
جنس ومضروبه إلى رديئه وتبره "و". وتضم قيمة
عروض التجارة إلى كل واحد "1من الذهب والفضة
1"، جزم به صاحب المستوعب والشيخ وعلله بأنه
يقوم بكل واحد منهما وقال: لا أعلم فيه خلافا،
قال: ولو كان ذهب وفضة وعروض ضم الجميع في
تكميل النصاب، وكذا في الكافي2: يكمل نصاب
التجارة بالأثمان؛ لأن زكاة التجارة تتعلق
بالقيمة فهما جنس واحد، وجعله في منتهى الغاية
أصلا للرواية الأولى، فقال: ولأنهما يضمان إلى
ما يضم إلى كل واحد منهما، فضم أحدهما إلى
الآخر كأنواع الجنس، وأجاب عن العموم بأنه
مخصوص بعروض التجارة، فنقيس عليه مسألتنا،
وهذا اعتراف منه بالتسوية، فيقال: فيلزم حينئذ
التخريج؛ لأن التسوية مقتضية لاتحاد الحكم
وعدم الفرق، ويقال: كيف يعترف بالتسوية من
يفرق بينهما في الحكم، وأما
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل: "منهما".
2 2/165.
(4/138)
التعليل بأنه
يقوم بكل واحد منهما، وأن زكاة التجارة تتعلق
بالقيمة، فليس هذا فرقا مؤثرا، وإن كان فلا
وجه لاعتبار أحدهما بالآخر، وجزم بعضهم أظنه
أبا المعالي بن المنجى بأن ما قوم به العرض
كناض عنده، ففي ضمه إلى غير ما قوم به الخلاف
السابق، وقدم في كتاب ابن تميم والرعاية هذا،
فقالا فيمن معه ذهب وفضة وعرض للتجارة: ضم
الجميع، وإن لم يكن النقد للتجارة: ضم العرض
إلى أحدهما، وقيل: إليهما، زاد في الرعاية: إن
قلنا بضم الذهب إلى الفضة، كذا قال، قالا:
ويضم العرض إلى أحد النقدين بلغ كل واحد نصابا
أو لا.
ـــــــ
(4/139)
فصل: لا زكاة في حلي مباح
قال جماعة: معتاد، ولم يذكره آخرون لرجل أو
امرأة إن أعد للبس مباح أو إعارة "و م ش" ولو
من يحرم عليه، كرجل يتخذ حلي النساء لإعارتهن،
أو امرأة تتخذ حلي الرجال لإعارتهم، ذكره
جماعة: صاحب المحرر والفصول والمستوعب
والمغني1 والمحرر "م" مع أن عنده لا زكاة فيما
يتخذه لزوجته وأمته، قال بعضهم: لا فارا من
زكاته 2، ولعله مراد غيره، وقد يتوجه احتمال،
والأول أظهر، وعنه: تجب زكاته، وعنه: إذا لم
يعر ولم يلبس، وقاله في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 4/220، 221.
2 ليست في الأصل.
(4/139)
الأحكام
السلطانية، نقل ابن هانئ: زكاته عاريته، وقال:
هو قول خمسة من الصحابة، وذكره الأثرم عن خمسة
من التابعين، وجزم به في الوسيلة، وذكره في
المغني1 ومنتهى الغاية جوابا، وكذا في الخلاف،
لكن قال: لا يمتنع أن تكون العارية مباحة
ويتوعد، على منعها، لقوله2: {وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ} الماعون:7 وحديث: وما حقها؟ قال:
"إعارة دلوها وإطراق فحلها" 3 فتوعد على ترك
هذه الأشياء وهي مباحة، كذا قال وأجاب أيضا هو
وصاحب المحرر: يحمل ذلك على وقت كان الذهب فيه
محرما على النساء، ثم نسخ بعد4 ذلك بإباحته.
وإن كان الحلي ليتيم لا يلبسه فلوليه إعارته،
فإن فعل فلا زكاة، وإن
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 4/220، 221.
2 في "س" و"ب": "كقوله".
3 تقدم تخريجه في ص 37
4 ليست في الأصل.
(4/140)
لم يعره ففيه
الزكاة، نص أحمد1 على ذلك، ذكره جماعة، ويأتي
في العارية2 أنه يعتبر كون المعير أهلا
للتبرع، فهذان قولان، أو أن هذا لمصلحة ماله،
ويقال: قد يكون هناك كذلك، فإن كان لمصلحة
الثواب توجه خلاف كالقرض.
وتجب فيما أعد للتجارة "و" كحلي الصيارف أو
قنية وادخار "و" أو3 نفقة إذا احتاج إليه أو
لم يقصد ربه شيئا، وكذا ما أعد للكراء، نص
عليه "م ش"4 حل، له لبسه أو لا "و م"؛ لأن
الأصل في جنسه الزكاة، بخلاف الثياب والعقار
يقصد نماؤها بالكراء، وقيل: ما اتخذ من ذلك
لسرف أو مباهاة كره، وزكي، وجزم به بعضهم،
والظاهر أنه قول القاضي الآتي فيمن اتخذ
خواتيم5، ومراده مع نية لبس أو إعارة، وظاهر
كلام الأكثر: لا زكاة، وإن كان مراده اتخذه
لسرف ومباهاة فقط فالمذهب قولا واحدا: تجب
الزكاة، واختار ابن عقيل في مفرداته وعمد
الأدلة: لا6 زكاة فيما أعد للكراء. وقال صاحب
التبصرة: لا زكاة في حلي مباح لم يعد للتكسب
به، وتجب في الحلي المحرم وآنية الذهب والفضة
"و" حرم استعمالها أو اتخاذها أو هما؛ لأن
الصناعة لما كانت لمحرم جعلت كالعدم، ولا يلزم
من جواز الاتخاذ جواز الصنعة، كتحريم تصوير ما
يداس مع جواز اتخاذه،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 7/197.
3 ليست في الأصل.
4 في "ط": "و".
5 ص 142
6 ليست في "ط".
(4/141)
وحكى ابن تميم
أن أبا الحسن التميمي قال: إن اتخذ رجل حلي
امرأة ففي زكاته روايتان، ولعل المراد كمذهب
مالك السابق: والله أعلم
وإن انكسر الحلي وأمكن لبسه فهو كالصحيح "و"
وإن لم يمكن لبسه فإن لم يحتج في إصلاحه إلى
سبك وتجديد صنعة فقال القاضي: إن نوى إصلاحه
فلا زكاة فيه كالصحيح، وجزم به في منتهى
الغاية، ولم يذكر نية إصلاح ولا غيرها "ق"؛
لأنه إلى حالة لبسه وإصلاحه أقرب، فألحق بها؛
لأنه أصله، وذكره ابن تميم وجها وقال: ما لم
ينو كسره، فيزكيه، والظاهر أنه مراد غيره،
وعند ابن عقيل: يزكيه ولو نوى إصلاحه، وصححه
في المستوعب، وجزم به الشيخ ولم يذكر نية
إصلاح ولا غيرها؛ لأن مجرد النية لا يسقط
الزكاة، كنية صياغة ما لا يمكن استعماله إلا
بسبك، وإن احتاج إلى تجديد صنعه زكاه "و"
وقيل: لا، إن نوى ذلك.
وقال أبو الفرج: إن لم يمنع الكسر اللبس ونوى
إصلاحه فلا زكاة وإلا وجبت، كذا حكاه ابن تميم
وإنما هو قول القاضي المذكور ولا زائدة غلط
وإن وجد الكسر المسقط من غاصب قال في منتهى
الغاية: أو
ـــــــ
تنبيهان:
الأول قوله عن كلام أبي الفرج "ولا زائده غلط"
كذا في النسخ وصوابه "ولم زائده غلطا" لأنها
في كلام أبي الفرج.
(4/142)
بأمر لم يعلمه
المالك حتى حال الحول وجبت، في الأصح، كما سبق
فيمن غصب معلوفة وسامها1، وما سقطت زكاته
فنوى2 ما يوجبها وجبت، فإن عاد ونوى ما يسقطها
سقطت.
ويعتبر نصاب الكل بوزنه، هذا المذهب3 "و"
وقيل: بقيمته، وحكى رواية بناء على أن المحرم
لا يحرم اتخاذه، ويضمن صنعته بالكسر وقيل،
بقيمة4 المباح وبوزن المحرم، فعلى هذا لو تحلى
الرجل بحلي المرأة أو بالعكس، أو اتخذ أحدهما
حلي الآخر قاصدا لبسه، أو اتخذ أحدهما ما يباح
له لما يحرم عليه أو لمن يحرم عليه، فإنه
يحرم، وتعتبر القيمة، لإباحة الصنعة في
الجملة، وجزم بعضهم في حلي الكراء باعتبار
القيمة، وذكر
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ص 9
2 ليست في الأصل و "ط".
3 في الأصل: "الذهب".
4 في "س": "كقيمة".
(4/143)
بعضهم وجهين.
وأما الحلي المباح للتجارة فتعتبر قيمته، نص
عليه، فلو كان معه نقد معد للتجارة فإنه عرض
يقوم بالآخر إن كان أحظ للفقراء، أو نقص عن
نصابه. وقال بعضهم: هو ظاهر. نقل إبراهيم بن
الحارث والأثرم، وجزم به في الكافي1 وغيره،
قال في منتهى الغاية: ونص في رواية الأثرم على
خلاف ذلك، قال: فصار في المسألة روايتان، وأظن
هذا من كلام ولده، وحمل القاضي بعض المروي عن
أحمد على الاستحباب، وجزم به بعضهم أظنه في
المغني2 مع جزمه بالأول في زكاة العروض.
وتعتبر القيمة في الإخراج إن اعتبرت في
النصاب، وإن لم تعتبر في النصاب لم تعتبر في
الإخراج، هذا ظاهر كلام أحمد، قاله أبو الخطاب
وصححه في المستوعب وغيره "و" لما فيه من سوء
المشاركة، أو تكليفه أجود ليقابل الصنعة، فجعل
الواجب ربع عشره مفردا مميزا من المضروب
الرابح، والأشهر واختاره القاضي والشيخ
وغيرهما: يعتبر في المباح خاصة "و م ر" وقال
القاضي: هو قياس قول أحمد إذا أخرج عن صحاح
مكسرة يعطي ما بينهما، فاعتبر الصنعة دون
الوزن، كزيادة القيمة لنفاسة جوهره، فإن أخرج
ربع عشره مشاعا، أو مثله وزنا مما يقابل جودته
زيادة الصنعة جاز، وإن جبر زيادة الصنعة
بزيادة في المخرج فكمكسرة عن صحاح، على ما سبق
"و" وإن أراد كسره منع، لنقص قيمته. وقال ابن
تميم:
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 2/151-152.
2 4/223.
(4/144)
إن أخرج من
غيره بقدره جاز ولو من غير جنسه، وإن لم تعتبر
القيمة لم يمنع من الكسر، ولم يخرج من غير
الجنس، وكذا حكم السبائك.
ـــــــ
.................................................
(4/145)
فصل: يحرم على الرجل لبس الذهب والفضة
...
فصل: يحرم على الرجل لبس الذهب "و" والفضة
"و" كما سبق في اللباس من ستر العورة1، وسبق
فيه حكم المنسوخ بذلك والمموه به، وما يتعلق
به،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 2/73-74.
(4/145)
ويسير ذلك
تبعا، كزر الذهب والطرز
ـــــــ
.................
(4/146)
ومسمار خاتم
وفصه1، ونحو ذلك. ويسيره في الآنية، وللشافعي
قول قديم: لا يحرم استعمال آنية ذلك، والخرقي
أطلق الكراهة، ومراده التحريم عند الأكثر،
وجزم الشيخ أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا. وفي
جامع القاضي والوسيلة: ظاهره كراهة التنزيه،
قال الأصحاب رحمهم الله: وتحريم الآنية أشد من
اللباس، لتحريمها على الرجال والنساء، ولم
أجدهم احتجوا على تحريم لباس الفضة على
الرجال، ولا أعرف التحريم نصا عن أحمد، وكلام
شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال، إلا ما دل
الشرع على تحريمه. وقال أيضا: لبس الفضة إذا
لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن
يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على
تحريمه.
فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما
في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم
يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه،
ويؤيده قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29]والتحريم
يحتاج2 إلى دليل، والأصل عدمه، ودليل التحريم
أن الصحابة رضي الله عنهم نقلوا عنه عليه
الصلاة والسلام استعمال يسير الفضة، في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ي": "وفضة".
2 في "ب": "يفتقر".
(4/147)
أخبار مشهورة،
ليكون ذلك حجة في اختصاصه بالإباحة، ولو كانت
الفضة مباحة مطلقا1 لم يكن، في نقلهم استعمال
اليسير من ذلك كبير فائدة، ويقال: قولكم كبير
فائدة دليل على أن فيه فائدة سوى المطلوب،
فنقلوه لأجلها، ولا يقال للأمرين؛ لأنا نمنع
ذلك ولا دليل عليه وهذا كما نقلوا أجناس آنيته
وملابسه وغير ذلك، وإنما كان قول أنس: انكسر
قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان
الشعب سلسلة من فضة2. حجة في إباحة اليسير في
الآنية، لعموم دليل التحريم. ولأنه صلى الله
عليه وسلم سئل عن الخاتم من أي شيء أتخذه؟
قال: "من ورق ولا تتمه مثقالا" إسناده ضعيف،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في الأصل و "س" و "ط".
2 رواه البخاري 3109.
(4/148)
رواه الخمسة1
من حديث بريدة، قال أحمد: حديث منكر، ثم أين
التحريم فيه؟ ولأنه عليه الصلاة والسلام رخص
للنساء في الفضة، ونهاهن عن الذهب، في أخبار
رواها أحمد وغيره2، وبعضها إسناده حسن، ولو
كانت إباحتها عامة لما خصهن بالذكر، ولعم،
لعموم الفائدة، بل ولصرح بذكر الرجال، لإزالة
اللبس وإيضاح الحق. ويقال إنما خصهن؛ لأنهن
السبب؛ لأنه نهاهن عن الذهب وأباح لهن الفضة،
فلا حجة إذا، بل يقال: إباحتها لهن إباحة
للرجال؛ لأن الأصل التساوي. في الأحكام إلا ما
خصه الدليل.
ولأنه يحرم استعمال الإناء منها فحرم لبسها،
كالذهب، وهذا؛ لأن تسوية الشارع بينهما في
تحريم الإناء دليل على التسوية في غيره،
ويقال: تحريم الذهب آكد بلا شك، فيمتنع
الإلحاق، وتسوية الشارع بينهما في التحريم
المؤكد وهو الآنية لا يدل على التسوية في
غيره، والله أعلم.
قال أحمد رحمه الله في خاتم الفضة للرجل: ليس
به بأس "و" واحتج بأن ابن عمر كان له خاتم،
وهذا رواه أبو داود وغيره3، وأنه كان في يده
اليسرى، ورواه4 عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال في رواية الأثرم: إنما هو شيء برواية أهل
الشام، وحدث بحديث أبي ريحانة عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه كره عشر خلال5،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 أبو داود 4223، والترمذي 1786، والنسائي في
الكبرى 5192، ولم نجده عند ابن ماجة وهو عند
أحمد 23034 بنحوه.
2 أحمد وفي المسند 26682. والطبراني في الكبير
23/614. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد
5/148.
3 رواه أبو داود 4228 وأخرجه النسائي في
الكبرى 5201.
4 أبو داود 4227
5 في "س"، و"ط": "خصال".
(4/149)
وفيها "الخاتم
إلا لذي سلطان". فلما بلغ هذا الموضع تبسم
كالمتعجب، وهذا الخبر رواه أحمد في المسند1،
حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا المفضل بن فضالة
حدثنا عياش بن عباس عن أبي الحصين الهيثم بن
شفي، أنه سمعه يقول: خرجت أنا وصاحب لي يسمى
أبا عامر، رجل من المعافر، لنصلي بإيلياء،
وكان قاضيهم رجلا من الأزد يقال له أبو ريحانة
من الصحابة، قال أبو الحصين، فسبقني صاحبي إلى
المسجد، ثم أدركته فجلست إلى جنبه، فسألني: هل
أدركت قصص أبي ريحانة؟ فقلت: لا، فقال: سمعته
يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
عشرة: عن الوشر، والوشم، والنتف، وعن مكامعة
الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة
بغير شعار، وأن يجعل الرجل في أسفل ثوبه حريرا
مثل الأعاجم، وأن يجعل على منكبيه حريرا مثل
الأعاجم، وعن النهبى وعن ركوب النمور، ولبوس
الخاتم إلا لذي سلطان. ورواه أبو داود
والنسائي2 من حديث المفضل أبو عامر روى عنه
الهيثم وعبد الملك الخولاني، وذكره البخاري في
تاريخه3، ولم أجد فيه كلاما، وباقي إسناده
جيد، فهو حديث حسن، ولم يضعفه ابن الجوزي في
جامع المسانيد، وقال: النهي عن الخاتم ليتميز
السلطان بما تختم به. وسبقت رواية الأثرم.
وقال بعضهم عن النص الأول: فظاهره لا فضل
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 برقم 17214.
2 أبو داود 4049، والنسائي 8/143.
3 التاريخ الكبير الكنى 57.
(4/150)
فيه، وجزم به
في التلخيص وغيره، وقيل: يستحب، قدمه في
الرعاية، وجزم ابن تميم: يكره لقصد الزينة،
وذكره في الرعاية قولا
والأفضل جعل فصه يلي كفه؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يفعل ذلك1، وكان ابن عباس وغيره
يجعله يلي ظهر كفه، وله جعل فصه منه ومن غيره؛
لأن في البخاري2 من حديث أنس كان فصه منه.
ولمسلم3: كان فصه حبشيا. ولبسه في خنصر يد
منهما، قدمه في الرعاية؛ لأن في الصحيحين4 من
حديث أنس أن النبي لبس خاتم فضة في يمينه.
ولمسلم5: في يساره. ولمسلم6 من حديث ابن عمر
أنه لما لبس خاتم الذهب جعله في يمينه، وجزم
في المستوعب والتلخيص: في يساره "و م" وهذا نص
أحمد نقله صالح والفضل، وأنه أقر وأثبت، وضعف
في رواية الأثرم وغيره حديث التختم في
"7اليمنى. وقال الدارقطني وغيره: المحفوظ أنه
كان يتختم في يساره، ولأنه إنما كان في
الخنصر، لكونه طرفا، فهو أبعد من الامتهان
فيما تتناوله اليد، ولأنه لا يشغل اليد عما
تتناوله وقيل: في اليمنى أفضل "و ش"؛ لأنها
أحق بالإكرام، وكرهه أحمد 7" رحمه الله في
السبابة والوسطى للرجل، وللنهي
ـــــــ
الثاني" قوله في الخاتم: وله لبسه في خنصر يد
منهما، قدمه في الرعاية. وجزم في المستوعب
والتلخيص: في يساره، وهذا نص أحمد نقله صالح
والفضل، وأنه أقر وأثبت، وقيل: في اليمنى
أفضل، انتهى، فقدم المصنف أنه
ـــــــ
1 رواه البخاري 5866، ومسلم 2091، 53. عن ابن
عمر.
2 في صحيحه 5870
3 في صحيحه 2094، 61 من حديث أنس.
4 البخاري 5876 ومسلم 2094، 62.
5 في صحيحه 2095، 63.
6 في صحيحه 2091، 53.
7 ليست في "س".
(4/151)
الصحيح عن ذلك،
وجزم به في المستوعب وغيره، ولم يقيده في
الترغيب وغيره، وظاهر ذلك لا يكره في غيرهما،
وإن كان الخنصر أفضل، اقتصارا على النص. وقال
أبو المعالي: والإبهام مثلهما فالبنصر مثله،
ـــــــ
الأفضل في لبسه في خنصر أحدهما، وهو الذي قدمه
في الرعاية الكبرى، وتبعه المصنف هنا. وفي
الآداب الكبرى والوسطى: والصحيح من المذهب أن
لبسه في يساره أفضل، نص عليه في رواية صالح
والفضل بن زياد. وقال الإمام أحمد: وهو أقر
وأثبت وأحب إلي. وجزم به في المستوعب والتلخيص
والبلغة ومختصر ابن تميم والإفادات وغيرهم،
قال ابن عبد القوي في آدابه المنظومة:
ويحسن في اليسرى كأحمد وصحبه،
(4/152)
ولا فرق. قال
في الرعاية: ويسن دون مثقال، وظاهر كلام أحمد
رحمه الله تعالى والأصحاب: لا بأس بأكثر من
ذلك، لضعف خبر بريدة السابق، والمراد: ما لم
يخرج عن العادة وإلا حرم؛ لأن الأصل التحريم،
خرج المعتاد، لفعله عليه الصلاة والسلام وفعل
الصحابة رضي الله عنهم لم يخرج بصيغة لفظ
ليعم، ثم لو كان فهو بيان للواقع، ولهذا جزم
ابن تميم وغيره بما ذكره القاضي: لو اتخذ
لنفسه عدة خواتيم أو مناطق لم تسقط الزكاة
فيما خرج عن العادة، إلا أن يتخذ ذلك لولده أو
عبده، مع أن الخاتم الخارج عن العادة أولى؛
لأن كل واحد من عدة خواتيم معتاد لبسه، كحلي
المرأة الكثير، ولهذا ظاهر كلام جماعة: لا
زكاة في ذلك. وقال في المستوعب وغيره: لا زكاة
في كل حلي أعد لاستعمال مباح، قل أو كثر، لرجل
كان أو لامرأة. وكذا قال الشيخ وغيره: لا فرق
بين قليل الحلي وكثيره، ثم ذكر الخلاف الآتي
في حلي المرأة1، ولهذا لو كان له أواني: ألف
إناء فأكثر، في كل إناء ضبة
ـــــــ
قال ابن رجب في كتاب الخواتم: وقد أشار بعض
أصحابنا إلى أن التختم في اليمنى منسوخ، وأن
التختم في اليسار آخر الأمرين، انتهى. قال في
التلخيص: ضعف الإمام أحمد حديث التختم في
اليمين، قال المصنف: هنا ضعف في رواية الأثرم
وغيره حديث التختم في اليمنى. وهذه المسألة
قدم فيها المصنف خلاف المنصوص والصحيح من
المذهب فيما يظهر، والله أعلم.
وقوله: "وقيل في اليمنى أفضل" قدم هذا القول
في الرعاية الصغرى والحاويين، فلصاحب الرعاية
في هذه المسألة ثلاث اختيارات، والله أعلم.
ـــــــ
1 ص 154
(4/153)
مباحة فلا
زكاة، جزموا به، لكن إن قيل: ظاهر هذا لا فرق
بين الكبر وكثرة العدد، كحلي المرأة، قيل:
يحتمل ذلك، والظاهر أنه غير مراده، لما سبق،
وحلي المرأة أباحه الشارع بلفظه1، لم يحرم
عليها شيئا منه، وعلى هذين القولين يخرج جواز
لبس خاتمين فأكثر جميعا، والله أعلم.
ويكره أن يكتب على الخاتم ذكر الله: قرآن أو
غيره. نقل إسحاق أظنه ابن منصور لا يكتب فيه
ذكر الله، قال إسحاق بن راهويه لما يدخل
الخلاء فيه، ولعل أحمد رحمه الله كرهه لذلك،
وعنه: لا يكره دخول الخلاء بذلك، ولا كراهة
هنا، ولم أجد للكراهة دليلا سوى هذا، وهي
تفتقر إلى دليل، والأصل عدمه، وظاهر ذلك لا
يكره غيره. وقال صاحب الرعاية: أو ذكر رسوله،
ويتوجه احتمال، لا يكره ذلك "و م ش" وأكثر
العلماء، لما في الصحيحين2 عن أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى
وقيصر والنجاشي، فقيل له: إنهم لا يقبلون
كتابا إلا بخاتم
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 منها ما رواه النسائي 5145 في حديث أبي موسى
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحل
الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها".
2 البخاري 65، 5877، ومسلم 2092، 55، 58.
(4/154)
فصاغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم خاتما حلقة فضة، ونقش فيه
محمد رسول الله وقال للناس: "إني اتخذت خاتما
من فضة، ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقش
أحدكم على نقشه" . وللبخاري1: "محمد" سطر، و
"رسول" سطر، و "الله" سطر، ويأتي كلام أبي
المعالي في آخر الربا أنه يكره على الدراهم
عند الضرب2.
وتباح قبيعة السيف "و" للخبر3، وكذا حلية
المنطقة، على الأصح "و"؛ لأنها معتادة له،
بخلاف الطوق وغيره من حليها، وعلى قياسه حلية
الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل، قاله
أصحابنا، قال
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 سبق في الصفحة 154.
2 6/317.
3 تقدم ص 146.
(4/155)
صاحب المحرر
وغيره: لأنه يسير فضة في لباسه كالمنطقة، وجزم
في الكافي1، بإباحة الكل، ونص أحمد. في
الحمائل التحريم، وظاهر ذلك الاقتصار على هذه
الأشياء. وقال غير واحد: ونحو ذلك، فيؤخذ منه
ما صرح به بعضهم أن الخلاف في المغفر والنعل
ورأس الرمح وشعيرة السكين ونحو ذلك، وهذا
أظهر، لعدم الفرق، جزم ابن تميم بأنه لا يباح
تحلية السكين بالفضة. وفي الرعاية الصغرى
بالعكس، ويدخل في الخلاف تركاش2 النشاب، وقاله
شيخنا، قال: والكلاليب؛ لأنها يسير تابع وواحد
الكلاليب كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة
ويقال أيضا كلاب.
ولا يباح غير ذلك، كتحلية المراكب، ولباس
الخيل، كاللجم، وقلائد الكلاب، ونحو ذلك، نص
أحمد على تحريم حلية الركاب واللجام وقال: ما
كان على سرج ولجام زكي، وكذا تحلية الدواة
والمقلمة والكمران والمرآة والمشط والمكحلة
والميل والمروحة والشربة والمدهن، وكذلك
المسعط والمجمر والقنديل، وقيل: يكره، كذا
قيل: ولا
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 2/150.
2 بالفارسية: تركش، وتجمع على تراكيش: جعبة
كنانة. تكملة المعاجم العربية لدوزي 2/38.
(4/156)
فرق، ونقل
الأثرم: أكره رأس المكحلة وحلية المرآة فضة،
ثم قال: هذا شيء تافه، فأما الآنية فليس فيها
تحريم، قال القاضي: ظاهره لا يحرم؛ لأنه في
حكم المضبب، فيكون الحكم في حلية جميع
الأواني، كذلك قاله في المستوعب، وسبق حكم
الآنية، وسأله محمد بن الحكم عن الرجل يوصي
بفرس ولجام مفضض يوقفه في سبيل الله، قال: هو
وقف على ما أوصى به، وإن بيع الفضة من السرج
واللجام وجعل في وقف مثله فهو أحب إلي؛ لأن
الفضة لا ينتفع بها، ولعله يشتري بتلك الفضة
سرجا ولجاما فيكون أنفع للمسلمين. قيل له:
تباع الفضة وتجعل نفقة الفرس، قال: لا، الفرس
وإن لم تكن له نفقة فهو على ما أوصى به صاحبه،
قال القاضي: لم يحكم بصحة الوقف في السرج
واللجام، وصححه الآمدي مع الفرس، لا مفردا،
وقدم بعضهم عدم الصحة ثم ذكر الصحة رواية، ثم
قال: وعنه. تباع1 الفضة وتصرف في وقف مثله،
وعنه: أو تنفق عليه، وأخذ جماعة من الصحة
إباحة تحليتهما، وجزم به أبو بكر الآجري، ونقل
أبو داود: أخشى أن لا يكون السرج من الحلي،
قال أبو داود: كأنه أراد: يكره.
ويحرم تحلية مسجد ومحراب، وكذا إن وقف على
مسجد أو نحوه قنديل نقد لم يصح. وقال الشيخ:
ذلك بمنزلة الصدقة، فيكسر ويصرف في مصلحة
المسجد وعمارته، ويأتي نظير ذلك فيمن وقف
ستورا على غير الكعبة، ثم قال الشيخ: وكذلك إن
حبس الرجل2 فرسا، له لجام مفضض،
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "س": "تباح".
2 ليست في "ط".
(4/157)
وقد قال أحمد،
فذكر رواية ابن الحكم1، ثم قال: ظاهر قوله
إباحة تحلية السرج واللجام بالفضة، لولا ذلك
لما قال: هو على ما وقفه؛ لأن العادة جارية
به، كحلية المنطقة.
ويحرم تمويه سقف وحائط بنقد؛ لأنه سرف وخيلاء،
كالآنية، فدل على الخلاف السابق في إباحته
تبعا من غير تخصيص، و2 كأن الأصحاب رحمهم الله
في هذا الباب ذكروا الراجح، وإلا فلا فرق،
وحيث قلنا بالتحريم وجبت إزالته وزكاته، وإن
استهلك وعده بعضهم قولا فلم يجتمع منه شيء فله
استدامته، ولا زكاة، لعدم الفائدة، وذهاب
المالية.
ويحرم على الرجل يسير الذهب مفردا، كالخاتم
"و" وذكره بعضهم "ع" وعن بعض العلماء كراهته،
وعن بعضهم إباحته، وفي الصحيحين3 من حديث أبي
هريرة والبراء، ولمسلم4 عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 سبقت في ص 157.
2 في "ق": "أو".
3 البخاري 5864، ومسلم 2089، 51، بلفظ: أنه
نهى عن خاتم الذهب.
4 في صحيحه 2090، 52.
(4/158)
خاتما من ذهب
في يد رجل، فنزعه وطرحه، وقال: "يعمد أحدكم
إلى جمرة من نار جهنم فيجعلها في يده" فقيل
للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه
وسلم: خذ خاتمك انتفع به. فقال لا، والله لا
آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه
وسلم. ولا يباح له شيء من الذهب إلا لضرورة
"و" كجعله أنفا وشد السن والأسنان، وهل يباح
قبيعة السيف أم لا؟ "و م ر" فيه روايتان، وذكر
في الفصول أن أصحابنا جعلوا الجواز مذهب أحمد
"م 2" وقيدها باليسيرة، مع أنه ذكر أن قبيعة
سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وزنها
ثمانية مثاقيل، وذكر بعضهم الروايتين في
إباحته في السيف، وذكر أحمد أن سيف عمر كان
فيه سبائك من ذهب1 وأن سيف عثمان بن حنيف كان
فيه مسمار من
ـــــــ
"مسألة 2" قوله: وهل تباح قبيعة السيف أم لا
يعني من الذهب فيه روايتان، وذكر في الفصول أن
أصحابنا جعلوا الجواز مذهب أحمد، انتهى.
وأطلقهما في المغني2 والشرح3 والرعايتين
والحاويين وغيرهم: إحداهما يباح، وهو الصحيح.
وقال الزركشي: هذا المشهور، وجزم به في المذهب
ومسبوك الذهب والمقنع3 والنظم وشرح ابن منجا
والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم، وقدمه في
الهداية والخلاصة والمحرر ومختصر ابن تميم
والفائق وغيرهم، قال في تجريد العناية: يباح
في الأظهر.
والرواية الثانية لا يباح، وهي احتمال في
الهداية والخلاصة والمحرر، وهو ظاهر ما جزم به
في التلخيص والبلغة، لعدم ذكره له في المباح،
وقدمه في المستوعب قلت: وهو ظاهر كلام جماعة
أيضا.
ـــــــ
1 أخرج عبد الرزاق 9665 وابن أبي شيبة 8/287
عن ابن عمر أنه كان يتقلد سيف عمر وكان محلى.
2 4/227.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/43-45.
(4/159)
ذهب1، وقيل:
يباح في سلاح، واختاره شيخنا، وقيل: كل ما
أبيح بفضة أبيح بذهب، وكذا تحليته خاتم الفضة
به.
ويباح للمرأة من الذهب والفضة ما جرت به
العادة، كالطوق والخلخال والسوار والدملوج
والقرط والخاتم، وظاهره من ذهب أو فضة، خلافا
للخطابي الشافعي فيه من فضة؛ لأنه معتاد للرجل
كذا، قال، قال الأصحاب: وما في المخانق
والمقالد من حرائز وتعاويذ، وأكر2 قال في
الهداية والمستوعب والمحرر وغيرهم. والتاج وما
أشبه ذلك، قل أو كثر "و" وقال في التلخيص: إن
بلغ ألفا فهو كثير، فيحرم للسرف، ولعل مراده
من الذهب، كما صرح به بعضهم، واختاره ابن
حامد، وعنه أيضا: ألف مثقال كثير، ورواه
الشافعي وغيره3 عن جابر، ولأنه سرف وخيلاء،
ولا حاجة إليه في الاستعمال، وعنه: عشرة آلاف
درهم كثير. وأباح القاضي ألف مثقال فما دون.
وقال ابن عقيل: يباح المعتاد ولكن إن بلغ
الخلخال ونحوه خمسمائة دينار فقد خرج عن
العادة، وسبق قول أول الفصل قبله4: ما كان
لسرف كره وزكي. وفي جواز تحلية المرأة بدراهم
أو دنانير معراة أو في مرسلة وجهان، فإن جاز
سقطت الزكاة وإلا فلا "م 3".
ـــــــ
مسألة 3" قوله: وفي جواز تحلية المرأة بدراهم
أو دنانير معراة أو في مرسلة وجهان، فإن جاز
سقطت الزكاة، وإلا فلا، انتهى. وأطلقهما في
الرعايتين ومختصر ابن تميم والحاويين والفائق
وغيرهم قلت: ذكر المصنف وغيره
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة 8/287، وفيه سهل بدلا من
عثمان وهما أخوان.
2 في "ط": "وكذا".
3 الأم 2/41، وأخرجه أبو عبيد في الأموال
1275.
4 ص 139.
(4/160)
فصل: ولا زكاة في الجوهر واللؤلؤ
لأنه معد للاستعمال، كثياب البذلة، ولو كان في
حلي، إلا أن يكون لتجارة فيقوم جميعه تبعا،
ذكره الشيخ وغيره، وقال غير واحد: إلا أن يكون
لتجارة وسرف، وإن كان للكراء فوجهان "م 4 -
5". والفلوس كعروض التجارة فيها زكاة القيمة.
وقال جماعة منهم الحلواني: لا زكاة فيها وقيل:
تجب إن بلغت قيمتها نصابا، زاد ابن تميم
والرعاية: وكانت رائجة. وقال في منتهى الغاية:
فيها الزكاة إذا كانت أثمانا رائجة أو للتجارة
وبلغت قيمتها نصابا، في قياس
ـــــــ
في جامع الأيمان: إذا حلف لا يلبس حليا فلبس
دراهم أو دنانير مرسلة، في حنثه وجهان، جزم في
الوجيز ومنتخب الآدمي بعدم الحنث، وصححه في
التصحيح، وجزم في المنور بحنثه، واختاره ابن
عبدوس في تذكرته. وقال في الإرشاد1: لو لبس
ذهبا أو لؤلؤا وحده حنث، انتهى. وظاهر كلام
الأصحاب هناك الجواز، ثم اختلفوا: هل يسمى
حليا عرفا وعادة أم لا؟ والصواب في ذلك أن
يرجع إلى العرف والعادة، فإن كان ثم عادة وعرف
بلبس ذلك لبسا معتادا جاز، ولا زكاة فيه، وقد
جرت عادة كثير من النساء بالتحلي بذلك، فهو من
جملة الحلي لهن بلا شك، ومن لا عادة له بذلك
ولا عرف فعليه الزكاة، والذي يظهر لي أن عدم
جواز التحلية للنساء بذلك ضعيف جدا، وما
المانع من الجواز؟ والله أعلم.
مسألة 4-5 قوله: ولا زكاة في. إلا أن يكون
لتجارة فيقوم جميعه تبعا، ذكره الشيخ وغيره.
وقال غير واحد: إلا أن يكون لتجارة وسرف، وإن
كان للكراء فوجهان، انتهى. اشتمل كلام المصنف
على مسألتين:
ـــــــ
1 لم نجده في النسخ المطبوعة منه.
(4/161)
المذهب "و هـ"
وقال أيضا: لا زكاة إن كانت للنفقة، فإن كانت
للتجارة قومت كعرض.
ـــــــ
المسألة الأولى": هل يشترط في عدم وجوب الزكاة
في الجواهر واللؤلؤ أن لا يكون للتجارة فقط؟
أو لا يكون للتجارة والسرف؟ فيه قولان:
أحدهما أن لا يكون للتجارة فقط، فيقوم جميعه
تبعا، وهو الصحيح، اختاره الشيخ الموفق، فجزم
به في المغني1 والشرح2 والمذهب والمستوعب
وغيرهم. وقدمه في الرعاية الكبرى، وهو ظاهر ما
قدمه المصنف. والقول الثاني يشترط أن لا يكون
لتجارة ولا سرف، قاله غير واحد، منهم صاحب
الرعاية الصغرى والحاويين، وهو قول في الرعاية
الكبرى. وقال في الرعاية الصغرى: ولا زكاة في
حلي جوهر، وعنه: ولؤلؤ، انتهى.
المسألة الثانية: ما أعد للكراء من ذلك، أطلق
في وجوب الزكاة فيه وجهين، وأطلقهما الرعايتين
ومختصر ابن تميم والحاويين وغيرهم:
أحدهما لا زكاة فيه، وهو الصحيح، وهو ظاهر
كلامه في المستوعب فقال: ولا زكاة في شيء من
اللآلئ والجواهر وإن كثرت قيمتها إلا أن تكون
للتجارة، انتهى. وقال في المذهب: لا تجب
الزكاة في الحلية من اللؤلؤ والمرجان ونحو
ذلك. وقال في المغني والشرح: فإن كان الحلي
لؤلؤا وجواهر وكان للتجارة قوم جميعه، وإن كان
لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها 3
منفردة، فكذا مع غيرها، انتهى. وقد اختار ابن
عقيل في مفرداته وعمد الأدلة أنه لا زكاة فيما
أعد للكراء من الحلي.
والوجه الثاني فيه الزكاة، وهو قوي، لأنه شبيه
بالتجارة، قال في التبصرة: لا زكاة في حلي
مباح لم يعد للتكسب.
فهذه خمس مسائل قد فتح الله علينا بتصحيحها.
ـــــــ
1 4/224.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/494.
3 ليست في "ط".
(4/162)
فصل: وللرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه
وذكر أبو المعالي: يكره للرجل التشبه، ولعل
مراده غير تختمه بذلك، وهذه المسألة، وهي تشبه
الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في اللباس وغيره
يحرم وفاقا لأكثر الشافعية، قال المروذي: كنت
عند أبي عبد الله، فمرت به جارية عليها قباء،
فتكلم بشيء، فقلت: تكرهه؟ قال: كيف لا أكرهه
جدا؟ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
المتشبهات من النساء بالرجال1.
قال: وكره يعني أحمد أن يصير للمرأة مثل جيب
الرجال، وجزم به الشيخ، وجزم به الأصحاب: صاحب
الفصول والنهاية والمغني2 والمحرر وغيرهم في
لبس المرأة العمامة، وكذا قال القاضي: يجب
إنكار تشبه الرجال بالنساء، وعكسه، واحتج بما
نقله أبو داود: لا يلبس خادمته شيئا من زي
الرجال، لا يشبهها بهم، ونقل المروذي: لا يخاط
لها ما كان للرجل وعكسه. وفي المستوعب
والتلخيص وابن تميم: يكره، وقدمه في الرعاية
"و هـ" مع جزمهم بتحريم اتخاذ أحدهما حلي
الآخر ليلبسه، مع أنه داخل في المسألة، ولعله
الذي عناه أبو الحسن التميمي بكلامه السابق في
الفصل قبله3. وفي الفصول: يكره صلاة أحدهما
بلباس الآخر، للتشبه، واحتج بخبر لعنه عليه
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 إشارة إلى حديث أخرجه البخاري 5885، وأبو
داود 4097 من حديث ابن عباس.
2 1/383.
3 ص 142.
ش
(4/163)
السلام، وقد
قال ابن حزم: اتفقوا على إباحة تحلي النساء
بالجوهر والياقوت، واختلفوا في ذلك للرجال،
إلا في الخاتم فإنهم اتفقوا على أن التختم لهم
بجميع الأحجار مباح من الياقوت وغيره.
ويستحب التختم بالعقيق، ذكره في التلخيص وابن
تميم والمستوعب. وقال: قال عليه السلام:
"تختموا بالعقيق فإنه مبارك"1 كذا ذكر، قال
العقيلي: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا شيء، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات2،
فلا يستحب هذا عند ابن الجوزي. ولم يذكره
جماعة، فظاهره لا يستحب، وهذا الخبر في إسناده
يعقوب بن إبراهيم الزهري المدني، قال ابن عدي:
ليس بالمعروف وباقيه جيد، ومثل هذا لا يظهر
كونه من الموضوع. ويكره للرجل والمرأة خاتم
حديد وصفر ونحاس ورصاص، نص عليه في رواية
جماعة، ونقل مهنا: أكره خاتم الحديد؛ لأنه
حلية أهل النار، ونقل أبو طالب: كان للنبي صلى
الله عليه وسلم خاتم حديد عليه فضة. فرمى به.
فلا يصلي في الحديد والصفر. وهذا الخبر لم
يروه في مسنده، وعن إياس بن الحارث بن
المعيقيب عن جده قال: كان خاتم النبي صلى الله
عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، قال: فربما
كان في يدي، قال: وكان المعيقيب على خاتم
النبي صلى الله عليه وسلم، إسناده جيد إلى
إياس، وإياس تفرد عنه نوح بن ربيعة، ولم أجد
فيه كلاما، رواه أبو داود والنسائي3، وسأله
الأثرم عن خاتم الحديد، فذكر خبر عمرو بن
شعيب: أن
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 رواه العقيلي في الضعفاء 466، وابن عدي في
الكامل 1/356، والخطيب في تاريخ بغداد 11/351
وأورده الألباني في إرواء الغليل 426، وقال
عنه: موضوع.
2 2/253.
3 أبو داود 4224 والنسائي 5202.
(4/164)
النبي صلى الله
عليه وسلم قال لرجل: "هذه حلية أهل النار" 1
وابن مسعود قال: لبسة أهل النار وابن عمر قال:
ما طهرت كف فيها خاتم حديد وقال النبي صلى
الله عليه وسلم في حديث بريدة لرجل لبس خاتما
من صفر: "ما لي أجد منك ريح الأصنام" 2 فقد
احتج بخبر بريدة، وقال في مسنده3: حدثنا يحيى،
عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن
جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على بعض
أصحابه خاتما من ذهب، فأعرض عنه، فألقاه واتخذ
خاتما من حديد، فقال: "هذا شر، هذه حلية أهل
النار" فألقاه واتخذ خاتما من ورق، فسكت عنه.
حديث حسن، ورواه4 أيضا حدثنا عفان، حدثنا
حماد، أنبأنا عمار بن أبي عمار أن عمر بن
الخطاب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكره وفيه عن خاتم الذهب "ألق ذا" فألقاه
وقال عن خاتم الحديد: "هذا شر" لم يقل: هذا
حلية أهل النار عمار لم يدرك عمر فهذا يدل على
التحريم كرواية أبي طالب والأثرم، وقاله بعض
الحنفية. وفي فتاوى ابن الزاغوني: الدملوج5
الحديد والخاتم الحديد نهى الشارع عنهما،
فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم "من علق
عليه حديدة أو تميمة فقد أشرك" 6 كذا قال،
وأجاب أبو الخطاب: يجوز دملوج من حديد، فيتوجه
مثله الخاتم ونحوه "و ش" ونقل أبو طالب:
الرصاص لا أعلم فيه شيئا، وله رائحة والله
أعلم.
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 اخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار 6768
بلفظ: "هذه لبسة أهل النار" .
2 أبو داود 4223 والترمذي 4223.
3 برقم 6518.
4 في مسنده 132.
5 الدملوج والدملج: سوار تضعه المرأة في عضدها
المخصص 4/46.
6 أخرجه أحمد 17422 من حديث عقبة بن عامر
الجهني.
(4/165)
باب زكاة
المعدن
باب زكاة المعدن
...
باب زكاة المعدن
من أخرج من أهل الزكاة "هـ م ر" من معدن في
أرض مملوكة أو مباحة، ولو من داره، نص عليه
"هـ" أو موات حرب "هـ"1، ولأبي حنيفة: إن
أخرجه من أرضه التي للزراعة وبستانه روايتان،
وعندنا، إن أخرجه من أرض غيره، فإن كان جاريا
فكأرضه، إن قلنا هو2 على الإباحة وإنه يملكه.
وإن قلنا لا يملكه وأنه3 يملك بملك الأرض أو
كان جامدا فهو لرب الأرض، لكن لا يلزمه زكاته
حتى يصل إلى يده كمغصوب4.
ومذهب "م" أن المعدن للإمام في أرض غير
مملوكة، وأنه له في مملوكة لغير5 معين، وإلا
للمصالح.
قال الأصحاب: من أخرج نصاب نقد "و م ش" وعنه:
أو دونه "و هـ" أو أخرج من معدن غير نقد ما
قيمته نصاب خلافا للآجري وخلافا لمالك
والشافعي، وإن لم ينطبع "هـ" من غير جنس
الأرض، كجوهر وبلور وقار وكحل ونورة ومغرة
وعقيق وكبريت وزفت وزجاج وهو مثلث الزاي،
بخلاف زجاج جمع زج6 الرمح فإنه بالكسر لا غير
قال في المستوعب وغيره:
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 ليست في الأصل و "ط".
3 في "ط": "وإن".
4 في الأصل: "المغصوب".
5 في "س" و "ط": "كغير".
6 بعدها في "ط": "وهو". والزج: الحديدة في
أسفل الرمح. القاموس "زجج".
(4/166)
وملح، ذكره
الأصحاب، والقار والنفط في المعادن الجارية،
وسلم الحنفية الزجاج1 فإنه ينطبع بالنار، ولا
حق فيه عندهم، كذا ذكره القاضي وغيره.
وقال عما يروى مرفوعا "لا زكاة في حجر" 2: إن
صح محمول على الأحجار التي لا يرغب فيها عادة،
فدل على أن الرخام والبرام ونحوهما معدن، وجزم
به في الرعاية وغيرها، وهو معنى كلام جماعة 3،
ولأبي حنيفة روايتان في الزئبق، الوجوب قول
محمد؛ لأنه ماء الفضة. وعدمه قول أبي يوسف.
قال أحمد رحمه الله: كل ما وقع عليه اسم
المعدن ففيه الزكاة حيث كان في ملكه أو في
البراري.
قال الأصحاب رحمهم الله: والطين4 والماء غير
مرغوب فيه، فلا حق فيه، ولأن الطين تراب، ونقل
مهنا عنه: لم أسمع في معدن القار والنفط بكسر
النون وفتحها وسكون الفاء والكحل والزرنيخ
شيئا. قال بعضهم: فظاهره التوقف عن غير
المنطبع، ففيه الزكاة لأهلها ربع العشر "و م
ق" في
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 اخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء 5/1681،
ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى 4/146 من
طريق عمر الكلاعي، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده وعمر الكلاعي قال عنه ابن عدي": مجهول
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 2/181:
متروك.
3 ليست في الأصل.
4 ليست في "ط".
(4/167)
الحال "و" بعد
السبك والتصفية "و" فإن وقت الإخراج بعدهما،
كالحب، ووقت وجوبها إذا أحرز1، ذكره في
المستوعب وابن تميم وغيرهما، وجزم في الكافي2
ومنتهى الغاية. بظهوره، كالثمرة بصلاحها، ولعل
مراد الأولين استقرار الوجوب، ولا يحتسب
بمؤنتهما3، في الأصح "هـ" كمؤنة استخراجه
"هـ"؛ لأنه ركاز4 عنده، كالغنيمة، وإن كان ذلك
دينا عليه احتسب به في ظاهر المذهب، كما سبق
في النفقة على الزرع5، كذا جزم به بعضهم، أظنه
في المغني6، وجزم به في منتهى الغاية، وأطلق
في الكافي7 وغيره: لا يحتسب كمؤن الحصاد
والزراعة. وفي الإفصاح لابن هبيرة: في المعدن
الخمس "و هـ ق" يصرف8 مصرف الفيء "و هـ ق" فهو
فيء من الكفار عند أبي حنيفة كالركاز
والغنيمة، مع أن الشارع غاير بينهما في قوله:
"المعدن جبار، وفي الركاز الخمس" 9 قال القاضي
وغيره: وأراد بقوله: "المعدن جبار" إذا وقع
على الأجير شيء
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في الأصل و "ب": "حرز".
2 2/155.
3 في الأصل و "ط": "بمؤنتها".
4 في الأصل "زكاة".
5 ص 110.
6 4/244.
7 2/154.
8 في "ط": "صرف في".
9 أخرجه البخاري 1499، ومسلم 1710، 45. من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4/168)
وهو يعمل في
المعدن فقتله لم1 يلزم المستأجر شيء، وعند
الشافعي: زكاة واختلف عنه في مقداره، ويعمل
ولي الأمر باجتهاده إن كان مجتهدا في الجنس
الذي تجب فيه وفي القدر المأخوذ منه، قال في
الأحكام السلطانية: فإن كان من2 سبق من الأئمة
والولاة قد اجتهد رأيه في الجنس الذي تجب فيه،
وفي القدر المأخوذ منه، وحكم3 فيهما4 حكما
أنفذه وأمضاه، استقر حكمه في الأجناس التي5
يجب فيها حق المعدن، ولم يستقر حكمه في القدر
المأخوذ؛ لأن حكمه في الجنس معتبر بالمعدن
الموجود، وحكمه في القدر معتبر بالعامل
المفقود، كذا قال، وهذا يشبه تغيير ما فعله
الأئمة في أرض العنوة من وقف6 وقسمة.
وفي الجزية والخراج هل يجوز تغييره، ويأتي
ذلك7. وسواء أخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك
العمل بينهما ترك إهمال، فلا أثر لتركه لمرض
وسفر وإصلاح آلة ونحوه مما جرت به العادة،
كالاستراحة ليلا أو نهارا، أو اشتغاله بتراب
خرج بين النيلين8، أو هرب عبيده، لا أن كل عرق
يعتبر بنفسه "م ق" قال أصحابنا: إن أهمله
وتركه فلكل مرة حكم. ولا يضم
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 في "ط": "ولم".
2 ليست في "س".
3 بعدها في "س" و"ب": "به".
4 في الأصل و "ط": "فيها".
5 في الأصل و "س": "الذي".
6 في "ط": "وقفه".
7 10/297.
8 أي: الإصابتين وتحرفت في "ط" إلى "السبكين".
(4/169)
جنس إلى آخر في
تكميل النصاب، وقيل: بلى، واختاره بعضهم،
وقيل: مع تقاربهما، كقار ونفط وحديد ونحاس،
وقال الشيخ: تضم الأجناس من معدن واحد،
لتعلقها بالقيمة، كالعروض.
ومن أخرج نصابا من جنس من معادن ضم، كالزرع في
مكانين، وللمالكية والشافعية وجهان. وفي ضم
نقد إلى آخر الروايتان "*" وإن أخرج اثنان
نصابا فالروايتان، و1 يخرج من النقد وقيمة
غيره، وقال أبو الفرج: من عينه. ولا تتكرر
زكاة غير النقد2، إلا أن يقصد التجارة
فالروايتان. وإن أخرج تبرا واستظهر بزيادة
جاز، وإلا استرده أو بدله، و3 اختار صاحب
المحرر: لا ضمان بلا تعد كدافع4 مختار؛ لأنه
قبض صحيحه لا يضمن، فكذا فاسده، وإن صفاه
الآخذ فكان الواجب أجزأ، وإلا زاد أو
ـــــــ
"*" تنبيه : قوله: وفي ضم نقد إلى آخر
الروايتان، انتهى. يعني إذا استخرج ذهبا وفضة
من معدن، هل يضم أحدهما بالآخر أم لا؟ قال
المصنف، فيه الروايتان: يعني بهما اللتين في
تكميل إحداهما5 بالآخر6، اللتين ذكرهما في
الباب الذي قبل هذا7،
ـــــــ
1 بعدها في "س": "أن".
2 في "ط": "النقد".
3 ليست في الأصل.
4 في "س" و"ب": "الدافع".
5 في "ط": "إحداهما".
6 في "ط": "بالأخرى".
7 ص 136.
(4/170)
استرد، ولا
يرجع بتصفيته، ومن أخرج دون نصاب فكمستفاد،
وقد سبق في اعتبار الحول1، وذكر ابن تميم أن
أبا الفرج قال: هذا قياس قولهم، وقدم ابن
تميم: لا زكاة فيه. كذا قال، مع أنه كغيره
فيما زاد على النصاب، وأنه لا يتعين2 الإخراج
منه.
ومن لم يقدر على إخراجه بدار حرب إلا بقوم لهم
منعة فغنيمة، فيخمس أيضا بعد ربع العشر، ولا
شيء فيما أخرجه من ليس من أهل الزكاة،
كالمكاتب والذمي "هـ م ر" وقيل: يمنع الذمي من
معدن بدارنا، ويملك ما أخذه قبل منعه مجانا.
وقال في التلخيص: حفر ذلك كإحيائه الموات،
وظاهر المسألة أن الحربي المستأمن كذلك، قال
في منتهى الغاية: قياس مذهبنا له كله كبقية
المباحات، ومذهب "هـ" يؤخذ منه إلا أن يخرجه
بإذن الإمام فعليه الخمس، وإن أخرجه عبد
لمولاه،
ـــــــ
وقد أطلق الخلاف فيها3، وذكرنا الصحيح من
المذهب في ذلك، فإن قلنا يكمل ضم، وإن قلنا لا
يكمل أحدهما من الآخر لم يجز الضم، والله
أعلم.
قوله بعد ذلك: "وإن أخرج4 اثنان نصابا
فالروايتان" انتهى. يعني بهما اللتين في
الخلطة، والصحيح من المذهب أنه لا تأثير
للخلطة في غير السائمة، وقد5 قدمه المصنف
هناك, وقوله بعد ذلك "ولا تكرر زكاة غير
النقد، إلا أن يقصد التجارة فالروايتان"،
انتهى. يعني بهما اللتين في عروض التجارة فيما
إذا نوى التجارة بها، والصحيح من المذهب أنها
لا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية
التجارة. والرواية الأخرى تصير للتجارة بمجرد
النية، وهذه المسألة كذلك.
ـــــــ
1 3/470.
2 في الأصل: "يعتبر".
3 في "ط": "فيهما".
4 في النسخ الخطية و"ط": "أخرى"، والمثبت من
"الفروع".
5 ليست في "ص".
(4/171)
زكاه مولاه،
وإن كان لنفسه انبنى على ملك العبد.
ويجوز بيع تراب معدن وصاغة بغير جنسه. نص
عليه، كعرض1 "و" لأنه مستور بما هو من أصل
الخلقة فهو كالباقلاء في قشريه والجوز،
وكاللبن في الضرع تبعا للشاة، لا منفردا، كبيع
التبر منفردا عن التراب، ولأن تراب الصاغة لا
يمكن تمييزه إلا في ثاني الحال بكلفة ومشقة،
وعنه: لا، نقله أبو الحارث "و ش" كجنسه "و"1
ونقل مهنا: لا في تراب صاغة، وأن غيره أهون "و
م" وزكاته على البائع، لوجوبها عليه، كبيع حب
بعد صلاحه.
ولا شيء فيما يخرج من البحر من لؤلؤ وعنبر
وغيرهما، نص عليه، اختاره الخرقي وأبو بكر
والشيخ وغيرهم "و" وعنه: فيه الزكاة كالمعدن،
نصره القاضي وأصحابه، وقيل: غير حيوان، جزم به
بعضهم، كصيد البر، ونص
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "كعروض".
(4/172)
أحمد التسوية1
"و" مثله2 في الهداية والمستوعب والمحرر
وغيرهما بالمسك والسمك، فيكون المسك من
البحري، وذكر أبو يعلى الصغير أنه بري3، فيه
الزكاة، كذا قال، وكذا ذكره4 القاضي في
الخلاف، يؤيده من كلام أحمد أن في الخلاف بعد
ذكر الروايتين قال: وكذلك السمك والمسك، نص
عليه في رواية الميموني وقال: كان الحسن يقول:
في المسك إذا أصابه صاحبه الزكاة، شبهه بالسمك
إذا صاده وصار في يده منه مائتا درهم، وما
أشبهه به، وظاهر كلامهم على هذا لا زكاة فيه
ولعله أولى، وسبق في أول5 الفصل في إزالة
النجاسة6، ولو كان ما خرج من لؤلؤ وعنبر ونحوه
مملوكا فيتوجه، كمن أخذ دابة بمضيعة عجزا "و
م"5 والله أعلم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "س" و"ب": "مثل".
3 في الأصل و"ط": "يرى".
4 في الأصل و"ب" و"ط": "ذكر".
5 ليست في "ط".
6 1/337.
(4/173)
باب حكم الركاز
باب حكم الركاز
...
باب حكم الركاز
في الركاز وهو الكنز الخمس "و" ولو كان غير
نقد "م ش" في الحال "و" ولو قل "ش" ويتوجه فيه
تخريج على أنه زكاة، فلا يعتبر فيه حول ولا
نصاب، ولا كونه ثمنا وقال القاضي في موضع:
يتعين أن يخرج منه، فعلى هذا لا يجوز بيعه قبل
إخراج خمسه، وهل هو زكاة يصرف1 لأهل الزكاة؟
"و ش" لقول علي2، وكالمعدن أو فيء يصرف لأهل
الفيء؟ "و هـ م" لفعل عمر3، ولأنه مال مخموس
كخمس الغنيمة؛ فيه روايتان "م 1".
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وهل هو زكاة يصرف4 لأهل
الزكاة أو فيء يصرف لأهل الفيء؟ فيه روايتان،
انتهى. وأطلقهما في الإيضاح والمذهب والمستوعب
والتلخيص والزركشي وغيرهم:
إحداهما: هو زكاة، جزم به الخرقي وصاحب المنور
وغيرهما، وقدمه في مسبوك الذهب والبلغة
والمحرر ومختصر ابن تميم والفائق وشرح ابن
رزين وغيرهم.
ـــــــ
1 ف "ط": "يخرج".
2 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 4/156 -
157، عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من
قومه يقال له: ابن حممة، قال: سقطت علي جرة من
دير قديم بالكوفة فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت
بها إلى علي رضي الله عنه، فقال: اقسمها خمسة
أخماس، فقسمتها، فأخذ منها علي رضي الله عنه
خمسا وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني
فقال: في جيرانيك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم.
قال: خذها فاقسمها بينهم.
3 أخرج أبو عبيد في "الأمول" "875" عن الشعبي:
أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارجا من
المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها
الخمس مئتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها وجعل
عمر يقسم المئتين بين من حضره من المسلمين إلى
أن أفضل منها فضلة، فقال عمر: أين صاحب
الدنانير؟ فقام إليه، فقال له عمر: خذ هذه
الدنانير فهي لك.
4 في "ط": "تخرج".
(4/174)
ولا يختص بمصرف
خمس الغنيمة بل الفيء المطلق للمصالح كلها1
"هـ"2 فإن قلنا: هو زكاة لم تجب على من ليس من
أهلها "و ش"3 لكن إن وجده عبد، فلسيده،
ككسبه4، ويملكه المكاتب، ويملكه صبي ومجنون
ويخرجه عنهما الولي، وصحح بعضهم على أنه زكاة،
وجوبه على كل واجد، وإن قلنا هو فيء وجب على
كل واجد "و هـ م" وعلى هذا يجوز لمن وجده
تفريقه بنفسه، كما أنه لو قلنا زكاة، نص عليه
"و هـ م" واحتج بقول علي5، وجزم به في الكافي6
وغيره؛ لأنه أدى الحق إلى مستحقه، كالزكاة.
وقاله القاضي وغيره، وعلله بأنه بمنزلة الواجد
إذا غنم شيئا، فإن تمييز الخمس إليه، قال:
وكذلك يجوز7 دفع الخمس من غيره، كما يجوز في
غنيمة الواجد، كذا قال: ويأتي في غنيمة الواجد
أن الإمام
ـــــــ
والرواية الثانية: هو فيء، وهو الصحيح، اختاره
ابن أبي موسى، والقاضي في التعليق، والجامع
وابن عقيل والشيرازي والشيخ الموفق والشارح،
وابن منجى في شرحه، وقال: هذا المذهب، وصححه
المجد في شرحه، وجزم به ابن عبدوس في تذكرته،
والآدمي في منتخبه، وقدمه في الهداية والخلاصة
والكافي6 والمقنع8، والنظم والرعايتين
والحاويين وإدراك الغاية وتجريد العناية
وغيرهم، وقال في الإفادات: لأهل الزكاة أو
الفيء.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 ليست في "ب" و"ط".
3 ليست في "ب".
4 في "س": "كسبه".
5 تقدم آنفا.
6 2/158.
7 بعدها في "س" و"ب": "وله".
8 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/587.
(4/175)
يخمسه1، فدل
على التسوية بينهما في دفع الخمس من غيره،
وعنه: لا يجوز، قدمه في منتهى الغاية وغيرها،
كخمس الغنيمة والفيء. فعلى هذا هل يضمن؟ ذكر
في المغني2 عن أبي ثور: يضمن، وظاهره: لا يضمن
عندنا، ويتوجه الخلاف في أجنبي فرق وصية لغير
معين في جهته، وعلى الجواز تعتبر نيته فيه،
جعله القاضي كغنيمة الواجد، ولم يذكره بعضهم،
وقد يتوجه فيه تخريج من الخراج.
واختار ابن حامد يؤخذ الركاز من الذمي لبيت
المال، ولا خمس فيه، وهل يجوز رده3 الزكاة على
من أخذت منه إن كان من أهلها؟ اختاره القاضي
وغيره؛ لأنه أخذها بسبب متجدد، كإرثها أو
قبضها من دين، بخلاف ما لو تركها له؛ لأنه لم
يبرأ منها، نص عليه، أم لا يجوز؟ اختاره أبو
بكر وذكره المذهب، فيه روايتان "م 2" وكذا صرف
الخمس إلى واجده،
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: هل يجوز رده3 الزكاة على من
أخذت منه إن كان من أهلها؟ اختاره القاضي
وغيره أم لا يجوز؟ اختاره أبو بكر وذكره
المذهب، فيه روايتان، انتهى. وأطلقهما ابن
تميم، والفائق:
إحداهما يجوز، وهو الصحيح، اختاره القاضي
وغيره، وقدمه المجد في شرحه ونصره، وقدمه أيضا
في الرعايتين والحاويين وغيرها، وجزم به في
التلخيص والبلغة وغيره.
والرواية الثانية: لا يجوز، اختاره أبو بكر
وغيره، وذكر أنه المذهب، واختاره القاضي في
موضع من المجرد في الركاز والعشر، نقله المجد
في شرحه، ويأتي
ـــــــ
1 ص 178.
2 4/238.
3 في "ط": "رد".
(4/176)
فيقبضه منه ثم
يرده إليه، وقيل: يجوز رد خمس الركاز فقط
"م3"، وإن قلنا خمس الركاز فيء جاز تركه قبل
قبضه منه، كالخراج، على ما يأتي1.
وللإمام رد خمس فيء وغنيمة، في الأصح، وذكر
بعضهم الغنيمة أصلا للمنع في الفيء، وذكر
الخراج أصلا للجواز فيه ويأتي في آخر ذكر أهل
الزكاة1.
ـــــــ
قريب من هذا في آخر زكاة الفطر وقبيل باب2
صدقة التطوع أيضا3.
مسألة 3: قوله: وكذا صرف الخمس إلى واجده،
فيقبضه4 منه ثم يرده إليه يعني أنه فيه
الروايتان المتقدمتان وقيل يجوز رد خمس الركاز
فقط، انتهى. قال ابن تميم في مختصره: وفي جواز
دفع خمس الفيء والغنيمة إلى من أخذ منه وجهان،
وفيه وجه: يجوز رد خمس الركاز دون غيره من
الزكاة، انتهى. وكذا قال في الرعاية الكبرى،
وقال قبل ذلك: ولا يخمس ما وجده حر مسلم مكلف
إن جاز دفع خمسه إليه في الأصح بعد قبضه منه،
إن قلنا هو زكاة، وإن قلنا هو فيء خمس، ويجوز
تركه له قبل قبضه على الأقيس إن قاله هو فيء،
وإلا فلا. وقال في الرعاية الصغرى على القول
بأنه فيء وما وجده مسلم جاز دفع خمسه إليه، في
الأصح، ويجوز تركه له قبل قبضه، على الأقيس.
وقال في الحاويين: وما وجده مسلم جاز دفع خمسه
إليه، في أصح الوجهين، ويجوز تركه له قبل قبضه
منه، وجزم به فيهما، وقد قال المصنف: وإن قلنا
خمس الركاز فيء جاز تركه قبل قبضه منه
كالخراج. وقال في المغني5، والشرح6: قال
ـــــــ
1 4/378.
2 ليست في الأصل و"ط".
3 240 و378.
4 في "ح": "ليقبضه".
5 4/238.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/592.
(4/177)
ولا يجوز لواجد
الركاز والمعدن أن يمسك الخمس لنفسه لحاجة
"هـ" والباقي بعد الخمس لواجده ولو كان
مستأمنا بدارنا "هـ" إلا1 أنه في عنوة أو صلح
لهم "م"، وقولنا "باقيه لواجده" إن لم يكن
أجيرا لطالبه "و" وهذا إذا وجده في موات أو
أرض لا يعلم لها مالك.
وإن وجده فيما انتقل إليه عن غيره فلواجده، في
رواية، وهي أشهر، سواء ادعاه أو لا، وعنه:
للمالك قبله إن اعترف به وإلا فلمن قبله إن
اعترف به كذلك "م 4"، إلى أول مالك، فيكون له
وإن لم يعترف به "و هـ ش م ر" كما لو
ـــــــ
القاضي: وليس للإمام رد خمس الركاز على واجده،
كالزكاة وخمس الغنيمة. وقال ابن عقيل: يجوز،
انتهى. وقدم ابن رزين قول القاضي، انتهى: إذا
علم ذلك فالصحيح والصواب الجواز كالزكاة، وجزم
به في التلخيص والبلغة وقدمه المجد في شرحه
ونصره.
مسألة - 4 قوله: وإن وجده فيما انتقل إليه عن
غيره فلواجده2، في رواية، وهي أشهر وعنه لمالك
قبله إن اعترف به، وإلا فلمن قبله إن اعترف به
كذلك، انتهى:
الرواية الأولى هي الصحيحة التي قال3: هي
أشهر، قال الزركشي: هي أنصهما، واختاره القاضي
في التعليق وغيره، وصححه الشيخ والشارح
وغيرهما، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في
الخلاصة ومختصر ابن تميم والرعايتين والحاويين
وغيرهم.
والرواية الثانية: لم أر من اختارها، فعليها
إن ادعاه واجده4، فهو له: على الصحيح وعلى
الأولى إن ادعاه المالك قبله بلا بينة5 ولا
وصف فله مع يمينه،
ـــــــ
1 في الأصل و"ب" و"ط": "لا".
2 في "ح": "فلو أخذه".
3 بعدها في "ط": "عنها".
4 في "ح": "وأخذه".
5 في "ط": "نيه".
(4/178)
ادعاه بصفة. لا
لأول مالك فقط "هـ" ثم لورثته، ثم لبيت المال،
فعلى هذه إن ادعاه واجده فهو له، جزم به
بعضهم، وظاهر كلام جماعة: لا، وعلى الأول1: إن
ادعاه المالك قبله بلا بينة ولا وصف، فله2 مع
يمينه، جزم به أبو الخطاب والشيخ وغيرهما،
وعنه: بلى لواجده، وأطلق بعضهم وجهين، ومتى
دفع إلى مدعيه بعد إخراج خمسه غرم واجده بدله
إن كان أخرج باختياره، فإن كان الإمام أخذه
منه قهرا غرمه. لكن هل هو من ماله أو من بيت
المال؟ فيه الخلاف "*" وذكر أبو المعالي أنه
إذا خمس
ـــــــ
على الصحيح، جزم به من قاله المصنف، وعنه3:
بل4 لواجده، وظاهر كلام المصنف أنه قدم فيها
حكما.
"*" تنبيه : قوله: فإن كان الإمام أخذه منه
قهرا غرمه، لكن هل هو من ماله أو من بيت
المال، فيه الخلاف5، الظاهر: أنه أراد بالخلاف
الخلاف6 الذي في خطئه، وفيه روايتان، والمذهب:
أنه في بيت المال.
ـــــــ
1 في "س" و"ب": "الأولى".
2 في "ط": "فهو له".
3 في "ط": "وغيره".
4 في النسخ الخطية: "بلى"، والمثبت من "ط".
5 بعدها في "ط": "انتهى".
6 بعدها في "ط": "الخلاف".
(4/179)
ركازا فادعى
ببينة، هل لواجده الرجوع؟ كزكاة معجلة، وعنه،
رواية ثالثة: يكون للمالك قبله إن اعترف، فإن
لم يعترف به أو لم يعرف الأول فلواجده. وقيل
لبيت المال، فعلى هذه الرواية إن انتقل إليه
الملك إرثا فهو ميراث، فإن أنكر الورثة أنه
لموروثهم1، فلمن قبله، كما سبق، وإن أنكر
واحد2 سقط حقه فقط. وكذا الكلام إن وجد الركاز
في ملك آدمي: معصوم فلواجده فلو ادعاه صاحب
الملك ففي دفعه إليه بقوله الخلاف، وعنه: هو
لصاحب الملك، وعنه: إن اعترف به، وإلا فعلى ما
سبق.
وإن وجد لقطة فروايتان، ذكرهما جماعة، منهم
القاضي والشيخ "م 5":
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: وإن وجد لقطة فروايتان،
ذكرهما جماعة منهم القاضي والشيخ، انتهى.
يعني3: إذا وجدها في ملك آدمي معصوم:
إحداهما: هي لواجدها، قدمها4 بعضهم، لأن
الظاهر معرفته بماله، وهو الصحيح، قدمه في
الرعايتين والحاويين ومختصر ابن تميم والفائق
والمجد في شرحه وقال: نص عليه في رواية
الأثرم، وهو الذي نصره القاضي في خلافه، ولذلك
ذكره في المجرد في اللقطة، ولم يذكر فيه
خلافا، انتهى.
والرواية الثانية: يكون لصاحب الملك بدعواه
بلا صفة لأنها تبع5 للملك، قدمها
ـــــــ
1 في "ط": "لمورثهم".
2 في "ط" "واجده".
3 بعدها في "ط": "أنه".
4 في "ح" و"ط": "قدمه".
5 في "ط": "تتبع".
(4/180)
إحداهما هي
لصاحب الملك بدعواه بلا صفة؛ لأنها تبع للملك.
والثانية: لواجدها، قدمها بعضهم؛ لأن الظاهر
معرفته بماله. وكذا حكم المستأجر يجد في الدار
المؤجرة1 ركازا أو لقطة "م 6" وعنه: صاحب
الكراء أحق باللقطة.
ـــــــ
ابن رزين في شرحه، وأطلقهما في المحرر2،
وحكاهما روايتين. وقال في الكافي3: وإن وجد ما
عليه علامة الإسلام فادعاه من انتقل عنه ففيه
روايتان:
إحداهما: يدفع إليه من غير تعريف ولا صفة،
لأنه كان تحت يده، فالظاهر أنه ملكه كما لو لم
ينتقل عنه.
والثانية: لا يدفعه إليه إلا بصفة4، لأن
الظاهر أنه لو كان له لعرفه، انتهى.
تنبيه: ظهر لي من تعليل الشيخ في الكافي5
للرواية الثانية أن في كلام المصنف في تعليله
للراوية الثانية التي جعلتها6 هنا أولى نقصا،
وتقديره: 7"إحداهما هي لواجدها"7، إن لم يصفها
صاحب الملك، قدمها بعضهم، لأن الظاهر معرفته
بماله. فالنقص هو "إن لم يصفها صاحب الملك"
حتى يوافق ما علل المصنف الرواية به، والله
أعلم.
مسألة - 6: قوله: وكذا حكم المستأجر يجد في
الدار المؤجرة ركازا أو لقطة. يعني أن حكم هذه
المسألة حكم المسائل التي قبلها، وقد علمت
الصحيح من المذهب من ذلك من كلام المصنف ومن
كلامنا على اللقطة، وصحح القاضي أيضا هنا أنه
ـــــــ
1 في "ط": "المستأجرة".
2 في "ط": "المجرد".
3 2/159.
4 في "ص" و"ط": "بصفته".
5 2/159.
6 في "ط": "جعلها".
7 في "ح": "والثانية لو أخذها".
(4/181)
وإن وجده من
استؤجر لحفر شيء أو هدمه فقيل: هو على ما سبق
من الخلاف؛ جزم به الشيخ، وقيل هو لمن
استأجره، جزم به القاضي في موضع، قال: لأن
عمله لغيره، وذكر القاضي في موضع آخر أنه
لواجده، في أصح الروايتين، والثانية للمالك،
كالمعدن فإنه لصاحب الدار، فكذا الركاز، قال
في منتهى الغاية: وفيه نظر "م 7"؛ لأنه يوهم
أن
ـــــــ
لواجده، وأطلقهما في المغني1 والشرح2 أيضا في
الركاز وقال: بناء على الروايتين فيمن وجد
ركازا في ملك انتقل إليه.
مسألة - 7: قوله: وإن وجده من استؤجر لحفر شيء
أو هدمه فقيل: هو على ما سبق من الخلاف، جزم
به الشيخ، وقيل: هو لمن استأجره، جزم به
القاضي في موضع، قال: لأن عمله لغيره، وذكر
القاضي في موضع آخر أنه لواجده، في أصح
الروايتين، والثانية للمالك، كالمعدن فإنه
لصاحب الدار، فكذا الركاز، قال في منتهى
الغاية: وفيه نظر، انتهى كلام المصنف، قال
المجد في شرحه: في كلام القاضي نظر، لأنه يوهم
أن الركاز المدفون يدخل في البيع كالمعدن،
انتهى. إذا علم3 ذلك، فطريقة الشيخ الموفق هي
الصحيحة، وجزم بها الشارح أيضا. وقال ابن رزين
في شرحه: هو للأجير، نص عليه، قال ابن تميم:
ومن استؤجر لحفر بئر أو غيرها فوجد كنزا أو
لقطة، فطريقان4، أحدهما لمن 5"استأجره، كما
لو"5 استؤجر لطلب كنز، والثاني هو على ما تقدم
من الخلاف انتهى6. وقال في الرعاية الكبرى:
وإن وجده من استؤجر لحفر بئر أو غيرها أو هدم
مكان فهو لقطة، وعنه: بل هو ركاز، فيأخذه
ـــــــ
1 4/234.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/599.
3 في "ص": "علمت".
4 في "ط": "فوجهان".
5 ليست في "ط".
6 ليست في "ط".
(4/182)
الركاز المدفون
يدخل في البيع كالمعدن. ولو ادعى كل واحد من
مكري الدار ومكتريها أنه وجده أولا، أو أنه
دفنه، فوجهان "8 م" ومن وصفه حلف وأخذه: نقله
الفضل، لا أنه يصدق الساكن مطلقا "ش" وإن كانت
الدار عادت إلى المكري فقال: دفنته قبل
الإجارة، وقال المكتري أنا وجدته ودفنته،
فالوجهان في التلخيص "م 9". ومن دخل دار غيره
بلا إذنه، فحفر لنفسه، فقال في الخلاف: لا
يمتنع أن1 يكون له، كالطائر
ـــــــ
واجده إن كان فيه علامة كفر، وعنه: بل هو لرب
الأرض، انتهى. وكذا قال في الرعاية الصغرى
والحاويين، وقدم المجد في شرحه أنه للمستأجر.
مسألة - 8: قوله: لو2 ادعى كل واحد من مكري
الدار ومكتريها أنه وجده أولا، أو أنه دفنه،
فوجهان، انتهى، وأطلقهما في المغني3 والتلخيص،
والمجد في شرحه، والشرح4 ومختصر ابن تميم
والرعايتين والحاويين:
أحدهما: القول قول المكري، قدمه ابن رزين
وقال: لأن الدفن تابع للأرض.
والوجه الثاني: القول قول المكتري قلت: وهو
الصواب، لزيادة اليد عليه.
مسألة - 9: قوله: فإن كانت الدار عادت إلى
المكري، فقال: دفنته قبل الإجارة، وقال
المكتري: أنا وجدته ودفنته، فالوجهان في
التلخيص، انتهى، وتبعه ابن تميم، وأطلقهما في
الرعاية الكبرى.
إحداهما القول قول المكري. والوجه الثاني:
القول قول المكتري، قلت: الصواب أن القول قول
من هي5 في يده منهما6.
ـــــــ
1 بعدها في "س": "نفول".
2 في النسخ الخطية: "إن"، والمثبت من "ط".
3 4/235.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 6/599.
5 ليست في "ط".
6 في "ح": "منها".
(4/183)
والظبي1 "م
10". ومعير ومستعير كمكر ومكتر "م 11"، وجزم
في الرعاية بأنهما كبائع مع مشتر، يقدم قول
صاحب اليد، كذا قال، وذكر القاضي إن كان لقطة
الروايتين السابقتين. نقل الأثرم: لا يدفع إلى
البائع بلا صفة، وجزم به في "المجرد"2، ونصره
في الخلاف، وعنه: بلى، لسبق يده، قال: وبهذا
قالت الجماعة.
والركاز ما وجد من دفن الجاهلية، أو من تقدم
من الكفار في الجملة،
ـــــــ
مسألة - 10: قوله: ومن دخل دار غيره بلا إذنه
فحفر لنفسه، فقال في الخلاف: لا يمتنع أن يكون
له كالطائر والظبي، انتهى. قلت: ويحتمل أن
يكون لرب الدار، بل هو أولى من الذي قبله، وقد
حكى المصنف الخلاف 3"فيما إذا"3 فيمن وجد
المستأجر4 ركازا في المأجور5، أو استؤجر لحفر
شيء، كما تقدم، فها هنا6 أولى؛ لأنه دخل بغير
إذن شرعي، ولعل القاضي أراد أنه لا يمتنع
القول بأنه لواجده، مقابلة لمن قال: أنه لرب
الدار، وإن منعناه7 منه في المسائل التي
قبلها، وهو ظاهر، والله أعلم.
مسألة - 11: قوله ومعير4 ومستعير كمكر ومكتر
وكذا قال ابن تميم وغيره، وذكر المصنف بعد ذلك
خلافا، لكن الذي قدمه هذا، فيأتي الخلاف الذي
في المكري والمكتري، وقد علمت الصحيح من ذلك
هناك، فكذا يكون هنا.
8"فهذه إحدى عشرة مسألة في هذا الباب"8.
ـــــــ
1 في الأصل و"س": "الصبي".
2 في "ط": "المحرر".
3 في "ط": "فيمن".
4 ليست في "ط".
5 بعدها في "ط": "له".
6 في "ح" و"ط": "فهنا".
7 في "ط": "معناه".
8 ليست في "ط".
(4/184)
في دار إسلام
أو عهد عليه، أو على بعضه علامة كفر فقط، نص
عليه وفاقا، فإن كان عليه أو على بعضه علامة
الإسلام "ع" أو لا علامة عليه كالحلي والسبائك
والآنية فلقطة. ونقل أبو طالب في إناء نقد: إن
كان يشبه متاع العجم فهو كنز، وما كان مثل
العرق1، فمعدن، وإلا فلقطة، وكذا حكم دار
الحرب إن قدر عليه بلا منعة2. نص عليه، وقيل:
غنيمة "و هـ ش" خرجه في منتهى الغاية 3"من
قولنا"3: الركاز في دار الإسلام للمالك، كما
لو قدر عليه بمنعة "و" قال في منتهى الغاية
وغيرها: المدفون في دار الحرب كسائر مالهم
المأخوذ منهم وإن كانت عليه علامة الإسلام.
قال في المغني4: إن وجد بدارهم لقطة من متاعنا
فكدارنا، ومن متاعهم غنيمة، ومع الاحتمال تعرف
حولا بدارنا، ثم تجعل في الغنيمة، نص عليه،
احتياطا. وقال ابن الجوزي في المذهب في
اللقطة: في دفن موات عليه علامة الإسلام لقطة،
وإلا ركاز "و هـ ق" ولم يفرق بين دار ودار،
ونقل إسحاق بن إبراهيم: إذا لم يكن سكة
للمسلمين فالخمس، وكذا جزم5 به في عيون
المسائل: ما لا علامة عليه ركاز، وألحق شيخنا
بالمدفون حكما الموجود ظاهرا بخراب جاهلي أو
طريق غير مسلوك،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 العرق: أصل كل شيء. "القاموس المحيط":
"عرق".
2 بعدها في "ط": "وكذا ما أخذ من دار الحرب
بلا منعة فهو كالركاز".
3 في "ط": "في قوله".
4 4/235.
5 بعدها في "ط": "به".
(4/185)
واحتج بخبر
عمرو بن شعيب، 1"رواه أبو داود2: حدثنا
قتيبة3، حدثنا الليث4، عن ابن عجلان5. عن عمرو
بن شعيب"1، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو
بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: "من أصاب بفيه
من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن
خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن
سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن
المجن فعليه القطع" ، قال: وسئل عن اللقطة
فقال: "ما كان منها في الطريق الميتاء6، أو
القرية الجامعة، فعرفها سنة، فإن جاء طالبها
فادفعها إليه وإن لم يأت فهي لك، وما كان من
الخراب يعني ففيها وفي الركاز الخمس".
ورواه أبو داود7 أيضا عن أبي كريب8 عن أبي
أسامة9 عن الوليد بن كثير10 عن عمرو بهذا.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في سننه "1710".
3 هو: أبو رجاء، قتيبة بن سعيد بن جميل
البلخي، الثقفي، روى له الجماعة سوى ابن ماجه.
"ت 420 هـ". "تهذيب الكمال" 23/523.
4 هو: أبو الحارث، ليث بن سعد بن عبد الرحمن
الفهمي، المصري، قال الشافعي عنه: الليث أفقه
من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به. "ت 175
هـ". "تهذيب الكمال" 24/255.
5 هو: أبو عبد الله، محمد بن عجلان القرشي،
المدني، كان عابدا ناسكا فقيها. "ت 148 هـ".
"تهذيب الكمال" 26/101.
6 الطريق الميتاء: هي المسلوكة التي يأتيها
الناس. انظر: "معالم السنن" 2/91.
7 في سننه "1711".
8 هو: محمد بن العلاء بن كريب الهمداني،
الكوفي، روى له الجماعة. "ت 248 هـ" "تهذيب
الكمال" 26/243.
9 هو: حماد بن أسامة القرشي، الكوفي، مولى بني
هاشم. "ت 201 هـ". "تهذيب الكمال" 7/217.
10 هو: أبو محمد، الوليد بن كثير القرشي،
المخزومي، روى له الجماعة. "ت 151هـ" "تهذيب
الكمال" 31/73.
(4/186)
وعن مسدد1 عن
أبي عوانة2 عن عبيد الله بن الأخنس3 عن عمرو4
بهذا. وعن موسى5 عن حماد6 وعن محمد بن العلاء
عن ابن إدريس7 جميعا عن محمد بن إسحاق عن
عمرو8 بهذا. ورواه النسائي9. وروى الترمذي10
أوله وقال: حسن.
وفي رواية قال: سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي تؤخذ
من مراتعها؟ قال: "فيها ثمنها مرتين وضرب
نكال، وما أخذ من عطنه11، ففيه القطع إذا بلغ
ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن". فقال: يا رسول
الله، فالثمار وما أخذ منها من أكمامها 12؟
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو الحسن، مسدد بن مسرهد بن مسربل
البصري، الثقة. "ت 228 هـ". "تهذيب الكمال"
31/73.
2 هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، الواسطي،
البزاز. "ت 176 هـ". "تهذيب الكمال" 30/488.
3 هو: أبو مالك، عبيد الله بن الأخنس النخعي،
الكوفي، الخزاز، روى له الجماعة. "ت 191هـ".
"تهذيب الكمال" 19/5، "الأنساب" 5/65.
4 سنن أبي دواد "1712".
5 هو: أبو سلمة، موسى بن إسماعيل المنقري،
التبوذكي، البصري. "ت 223 هـ" "تهذيب الكمال"
29/21.
6 هو: أبو سلمة، حماد بن سلمة بن دينار
البصري، مولى ربيعة بن مالك. "ت 167 هـ".
"تهذيب الكمال" 7/253.
7 هو: أبو محمد، عبد الله بن إدريس بن زيد
الزعافري، الكوفي، روى له الجماعة. "ت 192
هـ". "تهذيب الكمال". 14/293.
8 سنن أبي داود "1713".
9 في المجتبى 8/85 - 86.
10 في سننه "1289".
11 العطن: مبرك الإبل حول الماء. "القاموس
المحيط": "عطن".
12 الكم: وعاء الطلع. "القاموس المحيط":
"كمم".
(4/187)
فقال: "من أخذ
بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل
فعليه ثمنه مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من
أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن
المجن". رواه أحمد1: ثنا يعلى2، ثنا محمد بن
إسحاق عن عمرو بن شعيب.
ولابن ماجه3 معناه: ثنا علي بن محمد حدثنا أبو
أسامة عن الوليد بن كثير عن عمرو. وللنسائي4
معناه، وزاد في آخره: "ما لم يبلغ ثمن المجن
ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال ". عن الحارث بن
مسكين5، عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث6 وهشام
بن سعد7، عن عمرو بن شعيب.
ورواه الدارقطني8 عن أبي بكر النيسابوري9، عن
يونس عن ابن عبد الأعلى عن ابن وهب، وهذا
الخبر ثابت إلى عمرو بن شعيب وعمرو
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في مسنده "6683".
2 هو: أبو يوسف، يعلى بن عبيد بن أمية
الإيادي، الطنافسي، روى له الجماعة. "ت 209
هـ". "تهذيب الكمال" 32/389.
3 في سننه "2596".
4 في المجتبى 8/85 - 86.
5 هو: أبو عمرو، الحارث بن مسكين بن محمد
الأموي، المصري، الثقة. "ت 250 هـ". "تهذيب
الكمال" 5/281.
6 هو: أبو أمية، عمرو بن الحارث بن يعقوب
الأنصاري، المصري، روى له الجماعة. "ت 147
هـ". "تهذيب الكمال" 21/570.
7 هو: أبو عباد، هشام بن سعد المدني، استشهد
به البخاري في "الصحيح"، روى له في "الأدب"
وروى له الباقون. "ت 159 هـ". "تهذيب الكمال"
30/204.
8 في سننه 4/236.
9 هو: أبو بكر، عبد الله بن محمد بن زياد
النيسابوري، إمام الشافعيين في عصره بالعراق.
"ت 324 هـ". "سير أعلام النبلاء" 15/65.
(4/188)
مختلف فيه.
وسبق قول أحمد فيه في زكاة العسل1، وأخذ بخبره
هذا في غير اللقطة، واحتج غير شيخنا به كصاحب
المغني والمحرر على أنه في الخراب الجاهلي
والطريق غير المسلوك كالمدفون لكن بالعلامة،
وهو مذهب "ش" لكن قال: إن كان ظهوره لسبب،
كسيل، وإلا فلا. وقال في الخلاف والانتصار
وغيرهما: المراد بالوجود بخرب عادي في خبر
عمرو بن شعيب ما تركه الكفار وهربوا، وهو
ظاهر، فإنه فيء فيه الخمس، كالركاز، ذكر صاحب
المحرر أنه احتج به من أوجب الخمس في المعدن؛
لأنه فرق فيه بين المدفون، في العادي وبين
الركاز. قال: فدل على أنه أراد بالركاز
المعدن، ثم أجاب صاحب المحرر بما سبق في
الانتصار، ولأن الشارع قال: "المعدن جبار، وفي
الركاز الخمس" 2. فغاير بينهما، وذكر مسلم
صاحب الصحيح هذا الخبر في الأخبار التي
استنكرها أهل العلم على عمرو بن شعيب وقال:
الصحيح المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه أوجب الخمس في الركاز فقط، ولا علمنا أحدا
من علماء الأمصار صار إلى القول في اللقطة على
حديث عمرو بن شعيب أنها على ضربين، وقال:
غرامة المثلين لم تنقل عن النبي صلى الله عليه
وسلم في خبر أحد علمناه غير عمرو بن شعيب،
ورواه البيهقي3 وقال: ليس بالقوي، والله
سبحانه أعلم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 121.
2 تقدم تخريجه ص 168.
3 في سننه 4/152.
(4/189)
باب زكاة
التجارة
مدخل
...
باب زكاة التجارة
وهي واجبة "و"1 واحتج الأصحاب رحمهم الله بما
روي عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب2، حدثني
حبيب بن سليمان بن سمرة3 عن أبيه 4"سليمان
عن"4 سمرة، قال: أما بعد، فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من
الذي نعد5 للبيع، رواه أبو داود6. وروي أيضا
بهذا السند نحو ستة أخبار، منها: "من جامع
المشرك وسكن معه فهو مثله" 7. ومنها: "من كتم
غالا فإنه مثله" 8. وهذا الإسناد لا ينهض مثله
لشغل الذمة، لعدم شهرة رجاله ومعرفة عدالتهم،
وحبيب تفرد عنه جعفر، ووثقه ابن حبان. وقال
ابن حزم: جعفر وحبيب مجهولان، وقال الحافظ عبد
الحق9: خبيب ضعيف، وليس جعفر ممن يعتمد عليه.
وقال ابن القطان10: ما من هؤلاء
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "و".
2 هو: أبو محمد، جعفر بن سعد، والد مروان بن
جعفر. روى له أبو داود. "تهذيب الكمال" 5/41.
3 هو أبو سليمان، خبيب بن سليمان الكوفي. روى
له أبو داود. "تهذيب الكمال"، 8/222.
4 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من مصادر
التخريج، وفي "ط": "سليمان بن".
5 في الأصل: "نعده".
6 في سننه "1562".
7 أخرجه أبو داود "2787".
8 أخرجه أبو داود "2716".
9 هو: أبو محمد، عبد الحق بن عبد الرحمن
الإشبيلي، المعروف بابن الخراط. من مصنفاته:
"المعتل من الحديث"، و"الرقاق"، و"العقابة".
"ت 581 هـ". "تذكرة الحفاظ" 4/1350، و "سير
أعلام النبلاء" 21/198.
10 هو: أبو الحسين، علي بن محمد بن عبد الملك
الفاسي، المعروف بابن القطان. من مصنفاته:
"الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام".
"ت 628 هـ". "تذكرة الحفاظ" 4/407. و"سير
أعلام النبلاء" 22/306.
(4/190)
من يعرف حاله.
وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، وانفرد الحافظ
عبد الغني المقدسي1 بقوله: إسناده مقارب. عن
أبي ذر مرفوعا: "وفي البز صدقة" رواه أحمد،
ورواه الحاكم عن طريقين، وصحح إسنادهما وأنه
على شرطهما، ورواه الدارقطني2، وعنده قاله
بالزاي.
وذكر بعضهم أن جميع الرواة رووه بالزاي، وفي
صحة هذا الخبر نظر، ويدل على ضعفهما أن أحمد
إنما احتج بقول عمر رضي الله عنه لحماس3: أد
زكاة مالك، فقال: ما لي إلا جعاب وأدم. فقال:
قومها ثم أد زكاتها. رواه أحمد4: ثنا يحيى بن
سعيد: ثنا عبد الله بن أبي سلمة5، عن أبي عمرو
بن حماس6، عن أبيه. ورواه سعيد ثنا عبد الرحمن
بن أبي الزناد7 عن أبيه8، أخبرني أبو عمرو بن
حماس أن أباه أخبره. ورواه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو محمد، عبد الغني بن عبد الواحد
المقدسي. من مصنفاته: "الأحكام الكبرى"،
و"الأحكام الصغرى" و"المصباح في عيون الأحاديث
الصحاح"، و"نهاية المراد"، و"الكمال في معرفة
رجال الكتب الستة". "ت 600 هـ". "ذيل الطبقات"
2/50. و"سير أعلام النبلاء" 21/443.
2 أحمد "21557"، والحاكم في "المستدرك" 1/388،
والدارقطني في "سننه" 2/201.
3 هو: أبو عمر، حماس الليثي، روى عن عمر، وكان
شيخا قليل الحديث. "طبقات ابن سعد" 5/62، "أسد
الغابة" 2/50.
4 كذا قال. وعزاه أيضا إلى الإمام أحمد في
"التلخيص الحبير" 2/180، ولم نعثر عليه في
المسند، ولم يورده ابن حجر في "المسند
المعتلي" في مسند عمر أو حماس.
5 هو: أبو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون،
التميمي، مولى آل المكندر. قال النسائي: ثقة.
"ت 106 هـ". "تهذيب الكمال" 15/55، "وتهذيب
التهذيب" 2/348.
6 هو: أبو عمرو بن حماس بن عمرو الليثي. قال
الواقدي: لم أسمع له باسم. روى له أبو داود "ت
39 هـ". "تهذيب الكمال" 34/119.
7 هو: أبو محمد، عبد الرحمن بن أبي الزناد.
صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها،
ولي خراج المدينة. "ت 74 هـ". "تهذيب الكمال"
17/95.
8 هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن ذكوان
القرشي، عرف بأبي الزناد. ثقة فقيه. وأصح
أسانيد أبي هريرة: أبو الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة. "ت 30 هـ" وقيل: بعدها. "تهذيب
الكمال" 14/476.
(4/191)
أبو عبيد وأبو
بكر بن أبي شيبة وغيرهما1، وهو مشهور. وسأل
الميموني أبا عبد الله عن قول ابن عباس في
الذي يحول عنده المتاع للتجارة قال: يزكيه
بالثمن الذي اشتراه، فقلت: ما أحسنه، فقال2:
أحسن منه حديث عمر3: قومه. وروى ابن أبي
شيبة4: ثنا أبو أسامة: ثنا عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا عرضا
في تجارة، ورواه سعيد5 بمعناه في طريق آخر،
وهذا صحيح عن ابن عمر، وأما أبو عمرو6 عن
أبيه، فحماس لا تعرف عدالته، واحتج صاحب
المحرر بأنه إجماع متقدم، واعتمد على قول ابن
المنذر، وإنما قال: أجمع عامة أهل العلم على
أن في العروض التي تراد للتجارة الزكاة، وذكر
الشافعي في القديم أن الناس اختلفوا في ذلك،
فقال بعضهم: لا زكاة. وقال بعضهم: تجب، قال:
وهو أحب إلينا، ومن أصحابه من أثبت له قولا في
القديم: لا تجب، وحكى أحمد هذا عن مالك، وهو
قول داود، واحتج بظواهر العفو عن صدقة الخيل
والرقيق والحمر7. ولأن الأصل عدم الوجوب.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو عبيد في "الأموال" "1179"، وابن
أبي شيبة 3/183، والشافعي في "مسنده" 1/229،
وعبد الرزاق في "المصنف" "7099" والدارقطني
2/125، والبيهقي في "الكبرى" 4/174.
2 في "س": "قال".
3 ليست في "ط".
4 في مصنفه 3/183.
5 في الأصل: "سعد".
6 ليست في النسخ الخطية، وأثبتت من "ط".
7 أخرجه أبو داود "1574"، والترمذي "620"،
والنسائي في "المجتبى" 5/37، وابن ماجه
"1790"، من حديث علي.
(4/192)
ويتوجه هنا ما
سبق في زكاة العسل1، وقد يتوجه تخريج من نية
الأضحية مع الشراء لا تصير أضحية، فلم تؤثر
النية مع الفعل في نقل حكم الأصل، وفرق القاضي
من وجهين:
أحدهما: أنه يمكن أن ينوي بها أضحية بعد حصول
الملك، فلهذا لم يصح مع الملك، وهنا لا تصح
نية التجارة بعد حصول الملك، فلهذا صح أن ينوي
مع الملك.
والثاني: أن الشراء يملك به. ونية2 الأضحية
سبب يزيل الملك، فلم يقع الملك وسبب زواله
بمعنى واحد، والزكاة لا تزيل الملك، ولا هي
سبب في إزالته، والشراء يملك به، فلهذا صح أن
ينوي بها الزكاة حين الشراء، كذا قال، وفيهما3
نظر.
ـــــــ
1 ص 123.
2 في "س": "بينة".
3 في "ب": "فيها".
(4/193)
فصل: وإنما تجب في قيمة العروض
"و م ش"؛ لأنها محل الوجوب، كالدين، لا في نفس
العرض، بشرط أن تبلغ نصاب1 القيمة "هـ" فلو
نقصت قيمة النصاب بعد الوجوب فكالتلف عندنا،
وعنده: لا يؤثر، ويؤخذ منها ربع العشر؛ لأنها
كالأثمان، لتعلقها بالقيمة، لا من العرض
عندنا، إلا أن نقول بإخراج القيمة فيجوز
بقدرها وقت الإخراج، وعنده: يخير بين ربع عشر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "نصابا".
(4/193)
القيمة، أو
ربع1 عشر العروض مطلقا؛ لأنهما أصلان، وعند
صاحبيه والشافعي في القديم: ربع عشر2 العرض؛
لأنه الأصل، ويجزئ نقد بقدر قيمته وقت
الإخراج.
وتتكرر الزكاة كل حول، نص عليه، ومذهب "م":
يزكي من تربص نفاقا ولو بقي عنده سنين لعام
واحد، وأما المدين3 فهل يقوم ويزكي؟ أم لا
يلزمه حتى ينض له ولو درهم واحد؟ فيه عن "م"
روايتان.
ولا يصير العرض للتجارة إلا أن يملكه بفعله
وينوي أنه للتجارة عند تملكه، فإن ملكه بفعله
ولم ينو التجارة، أو ملكه بإرث، أو كان عنده
عرض للقنية فنواه للتجارة، لم يصر للتجارة.
وهذا ظاهر المذهب "و"؛ لأن مجرد النية لا ينقل
عن الأصل، كنية إسامة المعلوفة، ونية الحاضر
للسفر. ونقل صالح وابن إبراهيم وابن منصور أن
العرض يصير للتجارة بمجرد النية، اختاره أبو
بكر وابن عقيل، وجزم به في التبصرة والروضة،
لخبر سمرة4، ولا يعتبر فيما ملكه بفعله
المعاوضة، هذا الأشهر، واختاره في الخلاف،
لخبر سمرة، ولأنه يفعله كغيره واختار في
المجرد: يعتبر المعاوضة "و ش" تمحضت كبيع
وإجارة أو لا، كنكاح وخلع وصلح عن دم عمد، قال
صاحب المحرر وهو نصه في رواية ابن منصور؛ لأن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في "ط": "العشر من".
3 في "ط": "الدين".
4 تقدم تخريجه. ص 190.
(4/194)
الغنيمة
والاحتشاش والهبة ليس من جهات التجارة
كالموروث، وعن الحنفية كهذا والذي قبله، وعنه:
يعتبر كون العرض1 نقدا "و م" ذكره أبو
المعالي، لاعتبار النصاب بهما، فيعتبر أصل
وجودهما، وذكر ابن عقيل رواية فيما إذا ملك
عرضا للتجارة بعرض قنية لا زكاة، 2"فهي هذه"2
الرواية. وقال بعضهم: يخرج منها اعتبار كون
بدله نقدا أو عرض تجارة. وفي الرعاية: إن ملكه
بلا عوض كوصية ونكاح وخلع وغنيمة واحتطاب
فوجهان، وإن لم يكن ما ملكه بفعله عين مال بل
منفعة عين وجبت الزكاة، وقيل: لا، كما لو
نواها بدين حال.
وإن باع عرض قنية ثم استرده ناويا به التجارة
صار للتجارة ولو استرده لعيب ثمنه المعين
"هـ"3 لأنه تملكه باختياره، بخلاف ما لو رده
عليه لعيب فيه4، ومثله عرض تجارة باعه بعرض
قنية ثم رده عليه لعيب فيه؛ لأنه كموروث. وذكر
بعضهم خلافا أظنه أبو المعالي فيما ملكه بفسخ،
هل يصير للتجارة بنية التجارة؟ فإن الفسخ في
عرض تجارة يصير للتجارة. وقال: إن المضارب إذا
اشترى طعاما لعبيد التجارة ولا نية صار
للتجارة، للقرينة، لا لرب المال كذا قال. قال:
وإن ملك بفعله بلا نية بعرض تجارة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س" و"ط": "العرض".
2 ليست في "ط".
3 ليست في "ط".
4 في "س": "عنه".
(4/195)
عرضا صار
للتجارة، وقيل: ليس قنية عند بائعه، والقول
الذي قبل هذا أظهر، وأظنه المذهب؛ لأن نية
التجارة لم يقطعها، وسبق كلام الأصحاب، والله
أعلم، لكن لو قتل1 عبد تجارة خطأ، فصالح عن
مال، صار2 للتجارة. وكذا لو كان عمدا وقلنا
الواجب أحد شيئين، وإلا لم يصر للتجارة إلا
بنية، ولو تخمر عصير التجارة ثم تخلل عاد حكم
التجارة، ولو ماتت ماشية التجارة فدبغ جلودها
وقلنا تطهر فهي عرض تجارة، وتقطع نية القنية
وقيل: المميزة – 3"حول التجارة"3 وتصير للقنية
"و" خلافا لمالك في4 رواية ضعيفة؛ لأنها
الأصل، كالإقامة مع السفر وحلي5 استعمال نوى
به النفقة6 أو التجارة ينعقد عليه الحول "و"
وقيل: لا نية محرمة، كناو معصية فلم يفعلها،
في بطلان أهليته للشهادة خلاف، ذكره أبو
المعالي، ولنا خلاف، هل يأثم على قصد المعصية
بدون فعل ما يقدر عليه؟ مذكور في فصول التوبة
من الآداب الشرعية.
ـــــــ
1 في "ط": "قبل".
2 ليست في "ط".
3 في "ب": "حولا لتجارة".
4 ليست في الأصل.
5 في "س": "حكى".
6 في "ط": "القنية".
(4/196)
فصل: قد سبق في كتاب الزكاة
1
أنه يعتبر الحول والنصاب في قيمة العرض في
جميع الحول وحكم المستفاد والربح، وإن اشترى
أو باع عرض تجارة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 3/468.
(4/196)
بنصاب نقد أو
بعرض تجارة بنى على حول1 الأول "و" ويبني حول
النقد2 على حول العرض من قطع نية التجارة؛
لأن3 وضع التجارة على التقلب والاستبدال بثمن
وعرض، فلو لم يبن بطلت زكاة التجارة، ولأنها
تتعلق بالقيمة، والقيمة فيهما واحدة انتقلت من
عرض إلى عرض، فهو كنقد نقل من بيت إلى بيت،
والقيمة هي النقد استقر في العرض.
وإن لم يكن النقد نصابا فحوله منذ كملت4 قيمته
نصابا، لا من شرائه "و هـ" وإن اشتراه أو باعه
بنصاب سائمة لم يبن "و" لاختلافهما في النصاب
والواجب، إلا أن يشتري نصاب سائمة للتجارة
بمثله للقنية، في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "الحكم".
2 في "ط": "التقدير".
3 في "ط": "لأنه".
4 في "ب" و"ط": "كمل".
(4/197)
الأصح، وجزم به
جماعة؛ لأن السوم سبب الزكاة، قدم عليه زكاة
التجارة، لقوته، فبزوال، المعارض ثبت حكم
السوم، لظهوره، وتقوم العروض عند الحول بما
هو1 أحظ للفقراء من ذهب أو فضة "و هـ"؛ لأن
تقويمه لحظ الفقراء، فيقوم بالأحظ لهم، كما لو
اشتراه بعرض قنية وفي البلد نقدان تساويا في
الغلبة2 يبلغ بأحدهما نصابا بخلاف3 المتلفات،
وخيره أبو حنيفة في رواية الأصل4؛ لأن الثمنين
سواء في قيمة الأشياء، وذكر ابن عبد البر:
بالنقد الغالب. وقاله محمد بن الحسن، كالمتلف،
وكذا ذكر الحلواني: بنقد البلد، فإن تعدد
فالأحظ، وكذا مذهب "ش" وأبي يوسف: يقوم بالنقد
الغالب إن كان اشتراه بعرض، وإن كان اشتراه
بنقد، قوم بجنس 5"ما اشتراه به؛ لأنه الذي
وجبت الزكاة بحوله، فوجب جنسه"5، كالماشية،
ولأن أصله أقرب إليه، وعن أحمد: لا يقوم نقد
بآخر، بناء على قولنا: لا يبنى حول نقد على
حول نقد آخر، فيقوم بما اشترى به، وما قوم به
لا عبرة بتلفه، إلا قبل التمكن، فعلى ما سبق
في كتاب الزكاة6 "و" ولا بنقصه بعد ذلك ولا
زيادته إلا قبل التمكن، فإنه كتلفه، وفاقا،
وإنما لم تؤثر الزيادة كنتاج ماشية، وللشافعية
وجهان، كسمن ماشيته بعد الحول، وعندنا: تجزئه
صفة الواجب قبل السمن، وإن بلغت قيمة العرض
بكل نقد نصابا خير بينهما، ذكره أبو الخطاب
وغيره
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "الغلة".
3 في "س": "خلاف".
4 في الأصل: "للأصل".
5 ليست في "ط".
6 3/482.
(4/198)
"و هـ" وذكر
القاضي والشيخ وغيرهما: بالأنفع للفقراء،
وصححه صاحب المحرر وغيره كأصل الوجوب، وقيل
بفضة، وللشافعية كهذه الوجوه، وتقوم المغنية
ساذجة، ويقوم المخصي بصفته، ولا عبرة بقيمة
آنية ذهب وفضة، وسبق في ضم الذهب إلى الفضة
حكم ضم العرض إلى أحدهما وإليهما1، وسبق في
الحلي النقد المعد للتجارة2. وتضم بعض العروض
إلى بعض وإن اختلفت قيمة مشترى "و"3، وسبق حكم
المستفاد.
ـــــــ
................................................
ـــــــ
1 ص 138.
2 ص 144.
3 ليست في "ط".
(4/199)
فصل: من ملك نصاب سائمة
للتجارة فعليه زكاة التجارة "و هـ"؛ لأن وضعها
على التقلب، فهي تزيل سبب زكاة السوم، وهو
الاقتناء لطلب النماء معه، واقتصر الشيخ على
التعليل بالأحظ، وقيل: زكاة السوم "و م ش"؛
لأنها أقوى للإجماع1 وتعلقها بالعين، وقيل:
الأحظ منهما للفقراء، اختاره
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": للاجتماع".
(4/199)
صاحب المحرر،
ففي أربعين أو خمسين حقة أو جذعة أو ثنية، أو
إحدى وستين جذعة أو ثنية، أو مائة من الغنم،
زكاة التجارة، أحظ، لزيادتها بزيادة القيمة من
غير وقص. وفي ست وثلاثين بنت مخاض أو بنت
لبون، أو خمس وعشرين بنت مخاض، أو ثلاثين
تبيعا، زكاة السوم1 أحظ. وفي إحدى وستين دون
الجذعة، أو خمسين بنت مخاض أو بنت لبون، أو
خمس وعشرين حقة، أو خمس من الإبل، يجب الأحظ
من زكاة التجارة أو السوم. وفي الروضة: يزكي
النصاب للعين والوقص للقيمة، وهذا كله سواء2
اتفق3 حولاهما أو لا، في وجه، وهو ظاهر كلام
أحمد، وجزم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في الأصل: "و".
2 ليست في "ب".
3 في "س": "أنفق".
(4/200)
به الشيخ، لما
سبق، وقيل: يقدم السابق، واختاره صاحب المحرر
"م 1"؛ لأنه وجد سبب زكاته بلا معارض1. وإن
وجد نصاب أحدهما كثلاثين شاة قيمتها2 مائتا
درهم، أو أربعين قيمتها دونها قدم ما وجد
نصابه ولم نعتبر3 غيره "و" قال الشيخ: بغير
خلاف، لوجود4 سبب الزكاة فيه بلا معارض، وقيل:
يغلب ما يغلب إذا اجتمع النصابان ولو سقطت،
ذكره صاحب المحرر، وهو قول للشافعي، وجزم غير
واحد بأنه إن نقص نصاب السوم وجبت زكاة
التجارة.
وأما إن سبق حول السوم بأن كانت قيمته دون
نصاب في بعض الحول فلا زكاة حتى يتم الحول من
بلوغ النصاب، في وجه، وهو ظاهر كلام الإمام5
أحمد؛ لأن الزكاة إنما تتأخر، وفي وجه: تجب
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: من ملك نصاب سائمة للتجارة
فعليه زكاة التجارة. وقيل: زكاة السوم، وقيل:
الأحظ منهما للفقراء وهذا كله سواء اتفق
حولاهما أو لا، في وجه، وهو ظاهر كلام أحمد،
وجزم به الشيخ، لما سبق، وقيل: يقدم السابق،
واختاره صاحب المحرر، انتهى. قلت: الصواب ما
قطع به الشيخ الموفق6، وتابعه الشارح، وابن
رزين في شرحه وغيرهم، وهو ظاهر كلام الإمام
أحمد قلت: بل هو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
ـــــــ
1 في "ط": "معاوض".
2 في "س": "قيمها"، وفي "ط": "قسمتها".
3 في "ط": "يعتبره".
4 في الأصل: "لوجوب".
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
6 ليست في "ط".
(4/201)
زكاة السوم عند
حوله "2 م".
وإذا حال حول التجارة زكى الزائد على النصاب،
وكذا حكى الشيخ إذا سبق حول السوم، وإن نقص عن
نصاب جميع الحول وجبت زكاة السوم في الأصح،
لئلا تسقط بالكلية.
ومن ملك سائمة للتجارة نصف حول ثم قطع نية
التجارة استأنف السوم حولا؛ لأنه لا يبني حوله
على حول التجارة، واختار الشيخ: يبني؛
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: وأما إن سبق حول السوم، بأن
كانت قيمته دون نصاب في بعض الحول، فلا زكاة
حتى يتم الحول من بلوغ النصاب، في وجه، وهو
ظاهر كلام الإمام أحمد وفي وجه: تجب زكاة
السوم عند حوله، انتهى. وأطلقهما ابن تميم:
الوجه الأول: اختاره القاضي في المجرد، قاله
ابن تميم وغيره، وقال: عن أحمد ما يدل عليه،
وقدمه في الرعاية الكبرى، واقتصر عليه المجد.
والوجه الثاني: احتمال في المغني1، والشرح2،
ومالا إليه. قلت: وهو الصواب، مراعاة 3"لحق
للفقراء"3، وظاهر المغني1 والشرح2 إطلاق
الخلاف4، فإنهما قالا: فقال القاضي كذا،
ويحتمل كذا.
ـــــــ
1 4/255.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/65.
3 في "ط": "للفقراء".
4 ليست في "ح".
(4/202)
لوجود سبب
الزكاة بلا معارض، كما لو لم ينو التجارة أو
لم تبلغ نصاب القيمة. وبناه صاحب المحرر على
تقديم ما وجد نصابه في المسألة السابقة، قال:
جعلا لانقطاع حول1 التجارة بقطع النية
كانقطاعه بنقص قيمة النصاب، وأطلق ابن تميم
وجهين.
ـــــــ
1 في "ب" و"س" و"ط": "حكم".
(4/203)
فصل: وإن اشترى للتجارة أرضا
يزرعها أو زرعها ببذر للتجارة أو نخلا فأثمرت
زكى قيمة الكل، نص عليه "و ق" وقيل: يزكي
الأصل للتجارة، والثمرة والزرع للعشر "و هـ م
ق" إلا أنه لا شيء1 عند "هـ" في الأرض؛ لأن
العشر حق الشجر ومغرسه، فهو تابع، للثمرة،
وتعليل المسألة كمسألة السائمة للتجارة التي
قبلها، وقيل بزكاة العشر هنا "و هـ" لكثرة2
الواجب، لعدم الوقص، والخلف في اعتبار النصاب،
ويستأنف حول التجارة على زرع وثمرة من حصاد
وجذاذ "و ش"؛ لأنه به ينتهي وجوب العشر الذي
لولاه لجريا في حول التجارة، وقيل: لا يستأنفه
إلا بثمنهما إن بيعا "و هـ م" كمال3 القنية
وجزم ابن تميم بأنه يخرج على مال القنية، وإن
اختلف وقت الوجوب أو وجد نصاب أحدهما فكمسألة
سائمة التجارة التي قبلها في تقديم الأسبق
وتقديم ما تم نصابه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "عليه".
2 في الأصل: "للكثرة".
3 في "ط": "الكمال".
(4/203)
وإن زرع بذر
تجارة في أرض قنية فهل يزكي الزرع زكاة عشر؟
"و هـ م ق" أو قيمة1؟ فيه الخلاف"*" المذكور،
وفي بذر قنية العشر "و" وفي أرضه للتجارة
القيمة "هـ" وإن كان الثمر والزرع لا زكاة
فيه، أو كان لعقار للتجارة2 وعبيدها أجرة، ضم
قيمة الثمرة والأجرة إلى قيمة الأصل في
الحول3، كربح ونتاج، وقيل: لا "و م" وكذا عند4
"م" ثمن صوف ولبن غنم رقابها للتجارة.
ـــــــ
1 في "س": "قيمته".
2 في الأصل و"ط": "لتجارة".
3 في الأصل: "الربح".
4 في الأصل: "عبد".
(4/204)
فصل: وإن اشترى صباغ ما يصبغ به ويبقى
كزعفران ونيل وعصفر ونحوه فهو عرض تجارة يقوم
عند حوله "و هـ ش" لاعتياضه عن صبغ قائم
بالثوب، ففيه معنى التجارة، وكذا ما يشتريه
دباغ ليدبغ به، كعفص وقرظ1، وما يدهن به، كسمن
وملح، ذكره ابن البنا، وجزم في منتهى الغاية
بأنه لا زكاة فيه، وعلل بأنه لا يبقى له أثر،
كما يشتريه قصار من قلي2 ونورة،
ـــــــ
"*" تنبيه : قوله: وإن زرع بذر تجارة في أرض
قينة فهل يزكي قيمة الزرع زكاة عشر أو قيمة؟
فيه الخلاف المذكور في أول الفصل3: والمذهب
يزكي قيمة الكل، نص عليه.
ـــــــ
1 في "ب": "قزع"، والقرظ: ورق السلم يدبغ به
الأديم. "المصباح": "قرظ".
2 القلي: هو شبه العصفر، وهو يتخذ من الحمض،
منافعه كمنافع الملح إلا أنه أحد منه.
"المعتمد في الأدوية المفردة" ص 396.
3 ص 203.
(4/204)
وصابون وأشنان
ونحوه. ولا شيء في آلات الصناع وأمتعة
التجار1، وقوارير عطار وسمان ونحوهم "و" إلا
إن كان بيعها مع ما فيها، وكذلك آلات الدواب
إن كانت لحفظها، وإن كان يبيعها معها فهي مال
تجارة، ولا زكاة لغير تجارة2 في عرض وحيوان
وعقار وشجر ونبات "و" سوى ما سبق، ولا في قيمة
ما أعد للكراء من عقار وحيوان وغيرهما "و"
ونقل مهنا: إن اتخذ سفينة أو أرحية3 للغلة فلا
زكاة، يروى عن علي4 وجابر5 ومعاذ6 رضي الله
عنهم: ليس في العوامل صدقة.
وذكر ابن عقيل في ذلك تخريجا من الحلي المعد
للكراء، وهذا المعنى7 هو الذي حمل ابن عقيل
على أنه لا زكاة في حلي الكراء، قال: لأن
الشارع لم يجعل للكراء حكما، فلا وجه لجعله في
النقد، وفرق القاضي وغيره بأن الأصل زكاة
الحلي، فلا يخرج عنه إلا بمعنى يخرجه عن طلب
النماء ويقصد به الابتذال المخصوص، وهنا الأصل
عدمها، فلا يخرج عنه إلا بالنماء المقصود، وهو
نية التجارة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س" و"ط": "التجارة".
2 في "س": "تجارته".
3 واحد الرحى: الطاحون. "المصباح المنير":
"رحى".
4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "6828"، وأبو
عبيد في "الأموال" "1001"، وابن أبي شيبة في
"مصنفه" 3/130، وابن زنجويه في "الأموال"
"1473"، والدارقطني في "سننه" 2/103، والبيهقي
في "السنن الكبرى" 4/116.
5 أخرجه ابن زنجويه في "الأموال" "1476"، وابن
خزيمة في "صحيحه" 4/20، والبيهقي في "السنن
الكبرى" 4/116.
6 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "6830"، وابن
أبي شيبة في "مصنفه" 3/130.
7 ليست في "ط".
(4/205)
ومن أكثر من1
شراء عقار فارا من الزكاة فقيل: يزكي قيمته،
قدمه بعضهم، وقيل: لا، وهو ظاهر كلام الأكثر
أو صريحه "م 3" وقد سبق في كتاب الزكاة حكم
الفار2.
ومن اشترى شقصا للتجارة بألف، فصار عند الحول
بألفين، زكاهما، وأخذه3 الشفيع بألف. ولو
اشتراه بألفين فصار عند حوله بألف زكى4 ألفا
وأخذه الشفيع بألفين؛ لأنه يأخذ5 بما وقع عليه
العقد، وكذا يرده المشتري به6 بالعيب ويزكيه،
لوجوبها في ملكه. وإذا أذن كل شريك لصاحبه في
إخراج الزكاة فأخرجاها معا ضمن كل واحد حق
الآخر؛ لأنه انعزل حكما؛ لأنه لم يبق على
الموكل زكاة، كما لو علم ثم نسي، والعزل حكما
العلم وعدمه فيه سواء، بدليل ما لو وكله في
بيع عبد فباعه الموكل أو
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: ومن أكثر من شراء عقار فارا
من الزكاة، فقيل: يزكي7، قيمته. قدمه بعضهم،
وقيل: لا، وهو ظاهر كلام الأكثر أو صريحه،
انتهى. وأطلقهما في الحاويين.
أحدهما: يزكي قيمته، قدمه في الرعايتين
والفائق قلت: وهو الصواب، معاملة له بضد
مقصوده، كالفار من الزكاة8"ببيع أو غيره"8.
والقول الثاني: لا زكاة فيه، وهو ظاهر كلام
الأكثر أو صريحه كما قال المصنف.
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 3/475.
3 في الأصل: "وأخذ".
4 في "س": "زكاة".
5 في "س" و"ط": "يأخذه".
6 ليست في "ط".
7 في "ط": "له".
8 في "ط": "يبيع أو غيره".
(4/206)
أعتقه، وإن
تأخر أحدهما ضمن حق الأول، وقيل: لا يضمن من
لم يعلم بإخراج صاحبه، بناء على أن الوكيل لا
ينعزل قبل العلم، وقيل: لا يضمن وإن قلنا
ينعزل، واختاره الشيخ؛ لأنه غره1 كما لو وكله
في قضاء دين فقضاه بعد قضاء الموكل ولم يعلم،
وفرق بينهما في "منتهى الغاية" بأنه لم يفوت
حق المالك بدفعه، إذ له الرجوع على القابض،
فنظيره لو كان القابض منهما الساعي ثم علم
الحال لم يضمن المخرج للمخرج عنه شيئا، لما
كان له الرجوع على الساعي به، ومراده ما ذكره
جماعة مع2 بقائها بيد الساعي، وهذا بناء على
ما ذكره متابعة للقاضي أنه لا يرجع على الفقير
بشيء، ويقع تطوعا، كمن دفع زكاة يعتقدها عليه
فلم تكن، كذا قالا3، وفيه خلاف، ويأتي الأصل
في تعجيل الزكاة4. وفي الرعاية: ضمن كل واحد
حق الآخر، وقيل: لا، كالجاهل منهما، والفقير
الذي أخذها منهما، في الأقيس فيهما. كذا قال:
وإن أذن غير شريكين كل واحد منهما5 للآخر في
إخراج زكاته فعلى ما سبق، وهل يبدأ بزكاته؟
فيه روايتان، وجزم القاضي بجواز إخراج زكاة
غيره قبل زكاته، وفرق بينها وبين الحج "م 4"
بأنه تختص النيابة فيه بالعجز عنه، فلما اختص
بحال دون حال لمن وجب عليه،
ـــــــ
مسألة - 4: قوله: فإن أذن غير شريكين كل واحد
منهما للآخر في إخراج زكاته فعلى ما سبق، وهل
يبدأ بزكاته؟ فيه روايتان6، وجزم القاضي بجواز
إخراج زكاة غيره
ـــــــ
1 في "ط": "غيره".
2 في "ط": "من".
3 في "ط": "قال".
4 ص 287.
5 ليست في النسخ الخطية، والمثبت من "ط".
6 في "ح": "وجهان".
(4/207)
جاز أن يختص
بحال النائب دون حال، ولأنه لو أحرم مطلقا من
عليه فرضه انصرف إليه، بخلاف من تصدق مطلقا،
ولأن بقاء بعض الحج يمنع أداءه عن غيره كذلك
بقاء جميعه، بخلاف الزكاة، واقتصر الشيخ وغيره
على الفرق الأخير.
ومن لزمه نذر وزكاة قدم الزكاة، فإن قدم النذر
لم يصرف إلى الزكاة، وعنه: يبدأ بما شاء،
ويأتي مثله في قضاء رمضان قبل صوم النذر1. وقد
دلت هذه المسألة والتي قبلها على أن نفل2
الصدقة قبل أداء الزكاة في جوازه وصحته ما في
نفل2 بقية3 العبادات قبل أدائها.
ومن وكل في إخراج زكاته ثم أخرجها هو ثم وكيله
قبل علمه فيتوجه أن في ضمانه الخلاف السابق،
ولهذا لم يذكرها الأكثر، اكتفاء بما سبق،
وأطلق بعضهم أوجها، ثالثها لا يضمن إن قلنا لا
ينعزل، وإلا ضمن، وصححه في "الرعاية".
ـــــــ
قبل زكاته، وفرق بينهما وبين الحج، انتهى.
وأطلقهما في الرعايتين والحاويين ومختصر ابن
تميم:
أحدهما: يجوز، وهو الذي جزم به القاضي قلت:
وهو الصواب، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب في
مسألة الشركاء والوقت اليسير يعفى عنه على
القول بالفورية، والله أعلم.
والرواية الثانية: لا يجوز.
فهذه أربع مسائل.
ـــــــ
1 5/80.
2 في "ب": "نقل".
3 ليست في "ط".
(4/208)
ويقبل قول
الموكل: إنه أخرج قبل دفع وكيله إلى الساعي
وقول من دفع زكاة ماله إليه ثم ادعى أنه كان
أخرجها، ويؤخذ من الساعي إن كان بيده، فإن تلف
أو كان دفعه إلى الفقراء أو كانا دفعا إليه
فلا، وسبق حكم رب المال والمضارب في الفصل
الرابع من كتاب الزكاة1.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 3/466.
(4/209)
باب زكاة الفطر
مدخل
...
باب زكاة الفطر
وهي: واجبة "و" خلافا للأصم وابن علية وبعض
المالكية وبعض الشافعية وداود، ولا حجة لهم في
خبر قيس السابق1 في أول كتاب الزكاة؛ لأنه يجب
استصحاب الأمر السابق مع عدم المعارض، ثم قد
فرضها الشارع وأمر بها في الصحيحين2، وغيرهما.
وهل تسمى فرضا كقول3 جمهور الصحابة وغيرهم؟
قاله صاحب المحرر، أم لا؟ "و هـ" فيه روايتا
المضمضة "م 1".
وتجب على كل مسلم حر ومكاتب "خ" لا على سيده
"م ر" ذكر وأنثى كبير
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وهل تسمى فرضا كقول جمهور
الصحابة وغيرهم؟ قاله صاحب المحرر، أم لا؟ فيه
روايتا المضمضة، انتهى. وأطلقهما ابن تميم
وغيره، والذي قدمه المجد في شرحه أنها واجبة
مفروضة. وقال: وحكى ابن عقيل عن إمامنا في
تسميتها فرضا مع كونها واجبة روايتين:
إحداهما تسمى فرضا، وهو قول الجمهور من
الصحابة وغيرهم.
والأخرى: لا تسمى فرضا، انتهى.
وقال في المغني4 والشرح5: وقال بعض أصحابنا:
هل تسمى فرضا مع القول بوجوبها؟ على روايتين،
قالا: والصحيح أنها فرض، واستدلا لذلك بأدلة،
وهذا هو الصحيح، والمصنف رحمه الله قد جعلها
كالمضمضة والاستنشاق في باب الوضوء6، فإن
المصنف أطلق الخلاف هناك أيضا، وذكرنا فائدة
الخلاف، فليعاود.
ـــــــ
1 3/438.
2 أخرج البخاري "1503"، ومسلم "984" "12"، من
حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال: فرض رسول
الله صلى الله عليه وسلم زكاة لبفطر، صاعا من
تمر أو صاعا... الحديث.
3 في الأصل: "لقول".
4 4/283.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/81.
6 1/173.
(4/210)
وصغير "و" ولو
في مال صغير، نص أحمد رحمه الله على ذلك كله
"و" وحكي وجه، وقيل: لا تجب على غير مخاطب
بالصوم، وعنه رواية مخرجة: تجب على مرتد، وعن
عطاء والزهري وربيعة والليث: لا تلزم أهل
البوادي.
ولا فطرة على من لم يفضل عن قوته وقوت عياله
يوم العيد وليلته صاع "و" وفي بعضه روايتان،
الترجيح مختلف "*" "م 2". وللشافعية وجهان،
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: ولا فطرة على من لم يفضل عن
قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع، وفي
بعضه روايتان، الترجيح مختلف، انتهى، وأطلقهما
في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والمغني1 والكافي2 والمقنع3 والهادي
والتلخيص والبلغة والشرح3 وشرح المجد وشرح ابن
منجى وغيرهم:
أحدهما: يلزمه إخراجه، وهو الصحيح، كبعض نفقة
الغريب، جزم به في الإفادات والمنور ومنتخب
الآدمي وغيرهم، وصححه في التصحيح والنظم
وقواعد ابن رجب، وفرق بينه وبين الكفارة، قال
في الرعايتين والحاويين والفائق: أخرجه في أصح
الروايتين، واختاره ابن عبدوس في تذكرته
وغيره، وقدمه في المحرر وغيره.
والرواية الثانية: لا يلزمه إخراجه الكفارة،
وجزم به ابن أبي موسى في الإرشاد4، وابن عقيل
في التذكرة. وقال في الفصول: هذا الصحيح من
المذهب، وقدمه ابن تميم، وابن رزين في شرحه،
وصاحب إدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم،
وهو ظاهر كلامه في المبهج والعمدة والوجيز
وغيرهم، وظاهر ما قدمه ابن رزين في نهايته.
"*" تنبيه: قوله: "الترجيح مختلف" تحصيل
الحاصل، لأنه ذكر في الخطبة: إذا
ـــــــ
1 4/310.
2 2/169.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/88.
4 ص 141.
(4/211)
الوجوب لقوله
عليه السلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما
استطعتم" 1. وكبعض نفقة القريب. وعدم الوجوب،
كالكفارة. ويعتبر كون ذلك بعدما يحتاجه لنفسه
أو لمن تلزمه مؤنته من مسكن وعبد ودابة وثياب
بذلة ونحو ذلك "و" وذكر بعضهم هذا قولا، كذا
قال، وجزم به الشيخ، أو له كتب يحتاجها للنظر
والحفظ أو للمرأة حلي للبس أو للكراء تحتاج
إليه، ولم أجد هذا في كلام أحد قبله، ولم
يستدل عليه، ووجهه أنه يحتاج إلى ذلك كغيره،
كما سبق، وذكره في الهداية للحنفية في كتب
العلم لأهلها، وظاهر ما ذكره الأكثر من الوجوب
واقتصارهم على ما سبق من المانع أن هذا لا
يمنع، ولهذا لم أجد أحدا استثنى ذلك في حق
المفلس، مع أن الأصحاب أحالوا الاستطاعة في
الحج على المفلس، وذكر في الفصول في الفلس2:
أن الاستطاعة في الحج نظيره، فهذان قولان على
هذا، ووجهه التسوية بين حق الله وحق الآدمي
وأن حق الآدمي آكد. ويتوجه احتمال ثالث أن
الكتب تمنع بخلاف الحلي للبس، الحاجة إلى
العلم وتحصيله، ولهذا ذكر الشيخ أن الكتب تمنع
في الحج والكفارة، ولم يذكر الحلي، فعلى
الأولى هل يمنع ذلك من أخذ الزكاة؟ يتوجه
احتمالان أحدهما يمنع، وهو الذي نص عليه أحمد
والقاضي في الحلي كما
ـــــــ
اختلف الترجيح أطلقت الخلاف، وتقدم الجواب عن
ذلك في المقدمة3. ويأتي نظير ذلك في باب
الإحرام4، فإنه وقع له هذان المكانان بهذه
العبارة لا غير.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "7288" ومسلم "1337" "412"،
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2 في الأصل و "س": "المفلس".
3 1/6 و38.
4 5/364.
(4/212)
سبق، لكن قد
يقال: لم يصرح أحمد والقاضي بأنه للبس، فلا
تعارض، وقد يقال: الظاهر من اتخاذه اللبس،
فيحمل على الظاهر، كالمصرح به، ووجهه أن ذلك
مما منه بد، فمنع كغيره، وأخذ الزكاة أضيق،
ولهذا تمنع القدرة على الكسب فيه، ولا توجب في
غيره.
والثاني: لا يمنع، لحاجة إليه، كما لا بد منه،
ولهذا سوى الشيخ هنا في الحلي بين اللبس
والحاجة أي كرائه "م 3" لكن يلزم من هنا جواز
أخذ الفقيرة ما تشتري به حليا، كما تأخذ لما
لا بد منه، وسبق كلام شيخنا أخذ الفقير لشراء
كتب يحتاجها "*". ولم أجد ذلك في كلام
الأصحاب، وعلى
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: ويعتبر كون ذلك فاضلا عما
يحتاجه لنفسه أو لمن تلزمه مؤنته من مسكن
وخادم1، وعبد ودابة وثياب بذلة ونحو ذلك وجزم
الشيخ: أو له كتب يحتاجها للنظر والحفظ، أو
للمرأة 2"حلي للبس أو للكراء تحتاج"3. إليه،
ولم أجد هذا في كلام أحد قبله 3"وذكر بعد هذا
أقوالا ثم قال"3: فعلى الأول، هل يمنع ذلك من
أخذ الزكاة؟ يتوجه احتمالان، إحداهما يمنع،
وهو الذي نص عليه أحمد والقاضي في الحلي، كما
سبق، لكن قد يقال: لم يصرح أحمد والقاضي بأنه
للبس، فلا تعارض والثاني لا يمنع، للحاجة
إليه، كما لا بد منه، ولهذا سوى الشيخ هنا في
الحلي بين اللبس والحاجة إلى كرائه انتهى.
قلت: الصواب أن ذلك لا يمنع من أخذ الزكاة،
والله أعلم.
"*" تنبيه: قوله: "وسبق كلام شيخنا أخذ الفقير
لشراء كتب يحتاجها" لم يسبق هذا، وإنما يأتي
في أول باب ذكر أصناف الزكاة4.
ـــــــ
1 ليست في "الفروع".
2 في "الفروع": "حلي للبس، أو الكراء محتاج".
3 ليست في "الفروع".
4 ص 297.
(4/213)
القول الثاني:
الذي هو ظاهر ما ذكره الأكثر يمنع ذلك أخذ
الزكاة، وعلى الاحتمال الأول الذي يوافقه نص
أحمد في الحلي هل يلزم من كون ذلك يمنع من أخذ
الزكاة أن يكون كالدراهم والدنانير في بقية
الأبواب تسوية بينهما1 أم لا؟ لما سبق من أن
الزكاة أضيق، يتوجه الخلاف، وعلى الاحتمال
الثاني هو كسائر ما لا بد منه، والله أعلم.
وتلف الصاع قبل التمكن من إخراجه كتلف مال
الزكاة، وما فضل عنه لزمه بيعه أو رهنه أو
كراه في الفطرة إذا لم يكن له غيره.
ولا يعتبر أن يملك نصاب نقد أو قيمته فاضلا
عما لا بد منه "هـ".
ويمنع الدين وجوبها إن كان مطالبا، وإلا فلا،
في ظاهر المذهب، نص عليه، واختاره الأكثر "و م
ر"؛ لأنه لا فضل عنده، وعنه: يمنع مطلقا.
وقاله أبو الخطاب "و م ر" كزكاة المال، وقال
ابن عقيل عكسه، "و ش هـ ر"2 لتأكدها، كالنفقة
وكالخراج والجزية.
ولا تجب إلا بغروب شمس ليلة الفطر، فلو أسلم
بعد الغروب أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبدا
فلا فطرة عليه، نقل ذلك الجماعة، وهو المذهب
"و ش م ر" وعنه: يمتد وقت الوجوب إلى طلوع
الفجر الثاني من يوم الفطر، واختار الآجري
معناه، وعنه: تجب بطلوع الفجر منه "و هـ م ر
ق" وعنه: ويمتد إلى أن يصلي العيد، ذكرها في
"منتهى الغاية"
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"ط": "بينها".
2 في الأصل: "و ش".
(4/214)
واحتج بقول
أحمد فيمن أيسر.
وإن كان معسرا وقت الوجوب ثم أيسر فلا فطرة
"و" وعنه: يخرج متى قدر، وعنه: إن أيسر أيام
العيد، وإلا فلا.
ومتى وجد قبل الوجوب، موت ونحوه فلا فطرة "و"
ولا تسقط بعد وجوبها بموت ولا غيره "و" ذكره
صاحب المحرر "ع" في عتق عبد.
والفطرة في عبد موهوب وموص به على المالك وقت
الوجوب، وكذا المبيع في مدة الخيار، ولو زال
ملكه، كمقبوض بعد الوجوب ولم يفسخ فيه العقد،
"و" وكما لو رده المشتري بعيب بعد قبضه "و"
ومن ملك عبدا دون نفعه فهل عليه فطرته؟ أو على
مالك نفعه؟ أو في كسبه؟ فيه الأوجه في نفقته
"م 4" وقدم جماعة أنها على مالك الرقبة،
لوجوبها على
ـــــــ
مسألة - 4 : قوله: ومن ملك عبدا دون نفعه فهل
فطرته عليه؟ أو على مالك نفعه؟ أو في كسبه؟
فيه الأوجه في نفقته، انتهى. وقد أطلق المصنف
أيضا الخلاف في نفقته في باب الموصى به1،
والصحيح وجوبها على مالك المنفعة، على ما يأتي
هناك إن شاء الله تعالى، صححه في التصحيح،
واختاره الشيخ الموفق والشارح، وجزم به
ـــــــ
1 7/472.
(4/215)
من لا نفع فيه،
وقيل: هي كنفقته.
ـــــــ
(4/216)
فصل: من لزمه فطرة نفسه
لزمه فطرة من تلزمه مؤنته إن قدر "و" فيؤدي عن
عبده، للأخبار1، خلافا لداود، وحكاه ابن عبد
البر عن عطاء وأبي ثور، حتى المرهون، وعن داود
أيضا: تلزمه، ويلزم السيد تمكينه من كسبها،
وإن كان بيد المضارب عبد للتجارة وجبت فطرته،
نص عليه "هـ" كزكاة التجارة، وهي من مال
المضاربة، كنفقته، لا على رب المال "م ش"؛
لأنهم عبيده، وإن تعذر بيع منها بقدر الفطرة،
كما سبق2. ويؤدي عن زوجته، نص عليه "هـ" وعن
خادمها إن لزمته نفقته "هـ" وقيل: لا تلزمه
فطرة زوجته الأمة: ويؤدي عن عبد3 عبده إن لم
يملك بالتمليك، وإن ملك فلا فطرة له "و م ق"
لعدم ملك السيد الأعلى ونقص ملك العبد؛ لأنه
ـــــــ
في المنور ومنتخب الآدمي، وقدمه في الخلاصة
والمحرر والنظم وتجريد العناية وغيرهم، فكذا
الصحيح هنا وجوبها على مالك المنفعة، وهذه
الطريقة هي الصحيحة، أعني أن هذه المسألة
مبنية على وجوب النفقة، قدمه المصنف وغيره،
وقدم جماعة من الأصحاب أن الفطرة تجب على مالك
الرقبة، لوجوبها على من لا نفع فيه، وحكوا
الأول قوم، منهم الشيخ الموفق وابن تميم وابن
حمدان وغيرهم.
ـــــــ
1 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 4/161 من
حديث علي رضي الله عنه قال: فرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم على كل صغير أو كبير حر أو عبد
ممن يمونون صاعا من شعير...
2 ص 214.
3 ليست في "س" و"ط".
(4/216)
لا يلزمه عن
نفسه فعن1 غيره أولى، وقيل: يلزم السيد الحر،
كنفقته، وهو ظاهر الخرقي، واختاره الشيخ،
وقيل: لا يلزم المكاتب فطرة زوجته ورقيقه،
وحكى عن أحمد.
ومن استأجر أجيرا أو ظئرا بطعامه لم تلزمه2.
فطرته، نص عليه "و"؛ لأن الواجب أجرة بالشرط،
كالأثمان، وقيل: تلزمه، كنفقته، وكذا الضيف
"و" ونقل عبد الله: تجب عليه عمن تجب عليه
نفقته وكل من تجري عليه نفقته، ونقل أبو داود:
كل من في عياله يؤدي عنه.
وتلزمه فطرة أبويه "هـ" وإن علوا "م" وولده
الكبير "هـ" كالصغير "و".
ولا يلزم المسلم فطرة كافر ولو كان عبده "هـ"
نص عليه.
ولا يلزم الكافر عن عبده المسلم "و" لظاهر
قوله في الخبر "من المسلمين" متفق عليه3،
وعنه: تلزمه، اختاره في المجرد. وصححها ابن
تميم، وكل كافر لزمه نفقة مسلم ففي فطرته
الخلاف.
والترتيب في الفطرة كالنفقة، فيلزمه أن يبدأ
بنفسه، ثم بزوجته ثم برقيقه، وقيل: يقدم
عليها، لئلا تسقط بالكلية؛ لأن الزوجة تخرج مع
القدرة، ثم بأمه، ثم بأبيه، وقيل: عكسه، وحكاه
ابن أبي موسى، وقيل بتساويهما، ثم بولده،
وقيل: يقدم عليهما، جزم به جماعة، وقدمه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل "وب" و"ط".
2 بعدها في "ط": "فطرته".
3 تقدم تخريجه ص 210.
(4/217)
آخرون، وذكره
في منتهى الغاية ظاهر المذهب، وقيل: مع صغره،
جزم به ابن شهاب، وقيل: يقدم الولد على
الزوجة، وقيل: الصغير عليها وعلى عبد، ثم على
ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب، وإن استوى
اثنان فأكثر أقرع بينهم، وقيل: توزع بينهم،
وقيل: يخير.
ومن تبرع بمؤنة شخص شهر رمضان لزمه فطرته، نص
عليه، لقوله عليه السلام: "عمن تمونون" رواه
أبو بكر في الشافي من حديث أبي هريرة،
والدارقطني1 من حديث ابن عمر وإسنادهما ضعيف.
ورواه الدارقطني2 أيضا من حديث علي بن موسى
الرضا3، عن أبيه عن جده عن آبائه مرفوعا. وكمن
تلزمه نفقته، واعتبر جميع الشهر تقوية لنفقة
التبرع. وقال ابن عقيل: قياس المذهب تلزمه إذا
مانه آخر ليلة من الشهر كمن ملك عبدا أو زوجة
قبل الغروب، ومعناه في الانتصار والروضة،
وعنه: لا تلزمه "و" اختاره أبو الخطاب والشيخ
وقال: يحمل كلام أحمد على الاستحباب، لعدم
الدليل، ولأن سبب الوجوب وجوب النفقة، بدليل
وجوبها لمن تجب نفقته، وقد تعذرت بعذر أو
غيره.
وعلى الأول: لو مانه جماعة احتمل أن لا تجب،
لعدم مؤنة الشهر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في السنن 2/141.
2 في السنن 2/140.
3 هو: أبو الحسن، علي الرضى بن موسى الكاظم،
الهاشمي، العلوي، المدني. "ت 203 هـ". "سير
أعلام النبلاء" 9/387.
(4/218)
من واحد.
واحتمل أن تجب فطرته بالحصص كعبد مشترك "م 5".
ومن عجز عن فطرة زوجته أخرجت الحرة عن نفسها،
وسيد الأمة عنها؛ لأنه كالمعدوم، وقيل: لا
تجب، كالنفقة، فعلى هذا هل تبقى في ذمته
كالنفقة؟ أم لا كفطرة نفسه؟ يتوجه احتمالان "م
6".
ـــــــ
مسألة - 5: قوله: ومن تبرع بمؤنة شخص شهر
رمضان لزمته1 فطرته. نص عليه... 2"وعلى
الأول"2: لو مانه جماعة احتمل أن لا تجب، لعدم
مؤنة الشهر من واحد، واحتمل أن تجب فطرته
بالحصص، كعبد مشترك، انتهى. وأطلقهما في
المغني3 والشرح4 ومختصر ابن تميم والزركشي
وغيرهم، وحكاهما ابن تميم وجهين:
أحدهما: لا تجب قلت: وهو الصواب، وهو ظاهر
كلام كثير من الأصحاب، وجزم به في الفائق،
وقدمه في الرعاية الكبرى.
والقول الثاني تجب عليهم بالحصص.
مسألة - 6: قوله: ومن عجز عن فطرة زوجته أخرجت
الحرة عن نفسها، وسيد الأمة عنها، كالمعدوم،
وقيل: لا تجب، كالنفقة، فعلى هذا هل تبقى في
ذمته كالنفقة؟ أم لا كفطرة نفسه؟ يتوجه
احتمالان، انتهى. قلت: الصواب السقوط، وهو
كالصريح في كلامه في المغني5 والشرح وشرح ابن
رزين، لأن فطرة نفسه آكد، وقد سقطت، والله
أعلم.
ـــــــ
1 في الأصول الخطية و "ط": "لزمه"، والمثبت من
"الفروع".
2 في الأصول الخطية و"ط": "فعلى هذا"، والمثبت
من "الفروع".
3 4/306.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/99.
5 4/310.
(4/219)
وعلى الأول: هل
ترجع الحرة والسيد على الزوج كالنفقة؟ أم لا
كفطرة القريب؟ فيه وجهان "م 7".
وفطرة زوجة العبد قيل: عليها إن كانت حرة،
وعلى سيد الأمة؛ لأن من لا تلزمه فطرة نفسه
فغيره أولى، وقيل: تجب على سيد العبد، كمن زوج
عبده بأمته، قال الشيخ: هذا قياس المذهب،
كالنفقة. وقال صاحب المحرر وغيره: الأول مبني
على تعليق نفقة الزوجة برقبة العبد، أو أن
سيده معسر، فإن كان موسرا وقلنا نفقة زوجة
عبده عليه ففطرتها عليه "م 8".
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: وعلى الأول هل ترجع الحرة
والسيد على الزوج؟ كالنفقة، أم لا كفطرة
القريب؟ فيه وجهان، انتهى، وأطلقهما المجد في
شرحه، وابن تميم وصاحب الحاويين:
أحدهما يرجعان عليه، قال في الرعايتين. ترجع
عليه الحرة في الأقيس إن أيسر بالنفقة، وقال
في مسألة السيد: يرجع على الزوج الحر، في وجه،
انتهى.
والوجه الثاني لا يرجعان عليه إذا أيسر، وهو
ظاهر بحثه في المغني1 والشرح2. قلت: وهو
الصواب.
مسألة - 8: قوله: وفطرة زوجة العبد قيل: عليها
إن كانت حرة، وعلى سيد الأمة وقيل: تجب على
سيد العبد، كمن زوج عبده بأمته، قال الشيخ:
هذا قياس المذهب، كالنفقة، قال صاحب المحرر
وغيره: الأول مبني على تعلق نفقة الزوجة برقبة
العبد، أو أن السيد معسر، فإن كان موسرا وقلنا
نفقة زوجة عبده وعليه ففطرتها عليه، انتهى،
وتبعه ابن تميم:
القول الأول: قدمه ابن تميم، وابن رزين في
شرحه، قال في المغني3
ـــــــ
1 4/310.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/99.
3 4/305.
(4/220)
ومن تسلم زوجته
الأمة ليلا فقط، فقيل: فطرتها على سيدها، لقوة
ملك اليمين في تحمل الفطرة، للإجماع عليه،
وقيل: بينهما، كالنفقة "م 9".
ومن زوج قريبه ولزمه نفقة امرأته فعليه
فطرتها.
ويستحب أن يخرج عن الجنين، في ظاهر المذهب
"و"؛ لأن ظاهر الخبر1، أن الصاع يجزئ عن
الأنثى مطلقا، وكأجنة السائمة، ونقل يعقوب:
تجب، اختاره أبو بكر، لفعل عثمان2. قال أحمد:
ما أحسنه، صار ولدا، وللعموم.
وتلزمه فطرة البائن الحامل إن قلنا النفقة
لها، وإن قلنا للحمل، لم
ـــــــ
والشارح: قاله أصحابنا المتأخرون، قال في
الحاويين: ويزكي السيد عن أمته تحت أحدهما، في
أصح الوجهين، قال في الرعاية الصغرى: ويخرج
السيد عن أمته تحت أحدهما، يعني العبد
والمعسر، في الأشهر.
والقول الثاني: هو الصحيح، قال الشيخ في
المغني3 ومن تبعه: هذا قياس المذهب، قال ابن
تميم: هذا أصح، وقدمه في الرعاية الكبرى.
مسألة - 9: قوله: ومن تسلم زوجته الأمة ليلا
فقط، فقيل: فطرتها على سيدها، لقوة ملك اليمين
في تحمل الفطرة، للإجماع عليه، وقيل: بينهما،
كالنفقة، وانتهى، وأطلقهما المجد في شرحه.
القول الأول: مال إليه في شرحه، وجزم به في
المنور، وقدمه في الرعايتين والحاويين.
ـــــــ
1 أي: خبر ابن عمر رضي الله عنه المتقدم ص
210.
2 أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/219 أن
عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الحبل...
3 4/305.
(4/221)
تجب، على
الأصح، بناء على وجوبها عن الجنين. وفي
الرعاية: إن وجبت نفقته وجبت فطرته، وفي أمه
وجهان، كذا قال.
وتجب فطرة عبد مشترك "هـ" أو عبدين هـ" ومن
بعضه حر "هـ" ومن ورثه اثنان فأكثر، ونحو ذلك،
فيجب صاع بقدر النفقة، اختاره جماعة، منهم
صاحب المغني ومنتهى الغاية "و م ش"؛ لأن
الشارع إنما أوجب على الواحد صاعا، فأجزأه،
لظاهر الخبر1، كغيره، وكماء طهارته2، وعنه:
على كل واحد منهما صاع، اختاره الخرقي وأكثر
الأصحاب؛ لأنها طهرة، ككفارة القتل، وعن أحمد:
إنه رجع عنها، واختار أبو بكر فيمن بعضه حر
يلزم السيد بقدر ملكه فيه ولا شيء على العبد،
وعن مالك كهذا، وعنه أيضا: كلها على مالك
باقيه؛ لأن ميراثه عنده له، فهو كمكاتب.
ولا تدخل الفطرة في المهايأة، ذكره القاضي
وجماعة؛ لأنها حق لله، كالصلاة، ومن عجز عما
عليه لم يلزم الآخر قسطه، كشريك ذمي، لا يلزم
المسلم قسطه، فإن كان يوم العيد نوبة العبد
المعتق نصفه مثلا اعتبر أن يفضل عن قوته نصف
صاع، وإن كان نوبة سيده لزم العبد نصف صاع،
ولو لم يملك غيره؛ لأن مؤنته على غيره وقيل:
تدخل الفطرة في المهايأة، بناء على دخول كسب
نادر فيها، كالنفقة فلو كان يوم العيد نوبة
العبد وعجز عنها لم يلزم السيد شيء؛ لأنه لا
تلزمه نفقته كمكاتب عجز عنها. وقال
ـــــــ
والقول الثاني: لم أر من اختاره.
ـــــــ
1 أي: خبر ابن عمر رضي الله عنه المتقدم ص
210.
2 أي: كماء غسله من الجنابة إذا احتيج إليه.
المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/101.
(4/222)
صاحب الرعاية:
تلزمه إن وجبت بالغروب في نوبته، وهذا متوجه،
وإن كان نوبة السيد وعجز عنها أدى العبد قسط
حريته، في الأصح، بناء على أنها عليه بطريق
التحمل، كموسرة تحت معسر.
وإن ألحقت القافة ولدا باثنين فكالعبد
المشترك، جزم به الأصحاب منهم صاحب المغني
والمحرر، وتبع ابن تميم قول بعضهم: يلزم كل
واحد صاع، وجها واحدا، وفاقا لأبي يوسف، وتبعه
في الرعاية، ثم خرج خلافه من عنده، وفاقا
لمحمد بن الحسن، ولا نص فيها لأبي حنيفة، قال
صاحب المحرر: كمن قال: النسب لا يتبعض، فيصير
ابنا لكل واحد منهما، ولهذا يرث كلا منهما،
قال: افتراق النسب والملك في هذا لا يوجب فرقا
بينهما في مسألتنا، كما لم يوجبه في النفقة،
ثم إن لم يتبعض النسب تبعضت أحكامه، بدليل
أنهما يرثانه ميراث أب واحد، ولو لزمته
فطرتهما أخرج عن كل واحد صاعا.
ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بإذن من
لزمته جاز، وإن كان بلا إذنه زاد في الانتصار:
ونيته فوجهان، بناء على أن من لزمته فطرة غيره
هل يكون متحملا عن الغير لكونها طهرة له؟ أو
أصيلا؛ لأنه المخاطب بها؟ فيه وجهان "م 10"
"*". ولو لم يخرج مع قدرته لم يلزم الغير
شيئا: وله مطالبته بالإخراج جزم به الأصحاب
منهم أبو الخطاب في
ـــــــ
مسألة - 10: قوله: ومن لزم غيره فطرته فأخرج
عن نفسه بإذن من لزمته جاز وإن كان بلا إذنه
زاد في الانتصار: ونيته فوجهان، بناء على أن
من لزمته فطرة غيره هل يكون متحملا عن الغير
لكونها طهرة له؟ أو أصيلا؛ لأنه المخاطب بها؟
فيه وجهان، انتهى. وأطلق الوجهين في المسألة
الأولى في الهداية والمذهب،
(4/223)
الانتصار
كنفقته، وهل تعتبر نيته؟ فيه وجهان "م 11"
وقال أبو المعالي:
ـــــــ
والمستوعب والخلاصة والمغني1 والكافي2
والمقنع3 والهادي والتلخيص والشرح ومختصر ابن
تميم والحاويين والفائق وإدراك الغاية وغيرهم:
أحدهما يجزئه، وهو الصحيح، جزم به في الإفادات
والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم، قال في
تجريد العناية: أجزأه في الأظهر، واختاره ابن
عبدوس في تذكرته، وصححه في التصحيح والنظم،
وقدمه في المحرر والرعايتين، فعلى هذا يكون
متحملا لا أصيلا، قال ابن منجى في شرحه: هذا
ظاهر المذهب.
والوجه الثاني: لا يجزئه، قدمه ابن رزين في
شرحه، فعلى هذا يكون أصيلا لا متحملا.
"*" تنبيه: قوله: بناء على أن من لزمته فطرة
غيره هل يكون متحملا عن الغير لكونها طهرة له؟
أو أصيلا؛ لأنه المخاطب بها؟ فيه وجهان، وكذا
قال في التلخيص والمجد في شرحه وابن تميم وابن
منجى في شرحه، وغيرهم، وهو الصواب، وذكر ابن
حمدان المسألة فقال: إن أخرج عن نفسه جاز،
وقيل: لا، وقيل: إن قلنا القريب والزوج
متحملان جاز، وإن قلنا هما أصيلان فلا، انتهى.
فظاهره أن المقدم عنده عدم البناء. قلت: وهو
ظاهر كلام كثير من الأصحاب، لعدم بنائهم.
مسألة - 11: قوله: ولو لم يخرج مع قدرته لم
يلزم الغير شيئا وله مطالبته بالإخراج، جزم به
الأصحاب وهل تعتبر نيته؟ فيه وجهان، انتهى.
وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان:
ـــــــ
1 4/310.
2 2/173.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/109.
(4/224)
ليس له مطالبته
بها ولا اقتراضه عليه كذا قال. ولو أخرج العبد
بلا إذن سيده لم يجزئه، وقيل: إن ملكه السيد
مالا وقلنا يملكه، ففطرته عليه مما في يده.
فيخرج العبد عن عبده منه.
ومن أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ، وإلا
فلا، قال أبو بكر الآجري: هذا قول فقهاء
المسلمين.
وإن شك في حياة من لزمته فطرته لم يلزمه
إخراجها، نص عليه؛ لأن الأصل براءة الذمة،
والظاهر موته، وكالنفقة، وذكر ابن شهاب تلزمه
"و ش" لئلا تسقط بالشك، والكفارة ثابتة بيقين،
فلا تسقط مع الشك في حياته، وعلى الأول إن علم
حياته أخرج، لما مضى، كمال غائب بانت سلامته،
وقيل: لا، وقيل: عن القريب، كالنفقة، ورد
بوجوبها، وإنما تعذر إيصالها كتعذره بحبس
ومرض، وسقطت لعدم ثبوتها في الذمة.
وتجب فطرة الآبق والمغصوب والضال، للعموم،
ولوجوب نفقته؛
ـــــــ
أحدهما: لا تعتبر نيته. قلت: وهو الصواب،
وظاهر كلام أكثر الأصحاب.
والوجه الثاني: تعتبر نيته. قلت: يحتمل أن
الخلاف هنا مبني على أنه هل هو أصيل أو متحمل؟
فإن قلنا هو أصيل لم تعتبر نيته، وإلا اعتبرت،
والله أعلم.
(4/225)
بدليل رجوع من
رد الآبق بنفقته عليه، بخلاف زكاة المال؛ لأن
النماء يحتمل، وهو سبب الوجوب1، وعنه رواية
مخرجة من زكاة المال: لا تجب "و هـ م" ولو
ارتجى عود الآبق "م" وإنها إن وجبت لم يلزمه
إخراجها حتى يعود إليه، زاد بعضهم: أو يعلم
مكان الآبق.
ولا يلزم الزوج فطرة من لا نفقة لها، كنشوز
وصغر وغيره "و م ش" خلافا لأبي الخطاب، واحتج
عليه صاحب المحرر بأنها كالأجنبية والممتنعة
من تسليم نفسها ابتداء. وتلزمه فطرة مريضة
ونحوها لا تحتاج نفقة.
ومن لزمته فطرة حر أو عبد فقيل يخرجها
مكانهما، قدمه بعضهم وفاقا لأبي يوسف، وحكى عن
أبي حنيفة؛ لأنهما كمال مزكى في غير بلد
مالكه، وقيل: مكانه، وهو ظاهر كلامه. وفي
منتهى الغاية نص عليه "م 12" "و هـ م" كفطرة
نفسه "و" لأنه السبب، لتعدد الواجب بتعدده،
واعتبر لها المال كشرط القدرة، ولهذا لا تزداد
بزيادته.
ـــــــ
مسألة - 1 2: قوله: ومن لزمته فطرة حر أو عبد
فقيل: يخرجها مكانهما، قدمه بعضهم وقيل:
مكانه، وهو ظاهر كلامه. وفي منتهى الغاية نص
عليه، انتهى، وأطلقهما ابن تميم:
أحدهما: يخرجها مكانه، أعني مكان المخرج بكسر
الراء وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، وهو
الصواب، وقد عزاه المجد إلى النص.
والقول الآخر: يخرجها مكانهما، قلت: وفيه عسر
ومشقة في بعض الصور، وقدمه في الرعايتين
والحاويين.
ـــــــ
1 في "س": "الرجوع".
(4/226)
ولا تلزم
الفطرة من نفقته في بيت المال؛ لأن ذلك ليس
بإنفاق، وإنما هو إيصال المال في حقه، قاله
القاضي وغيره، أو لا مالك له والمراد: معين،
كعبيد الغنيمة قبل القسمة، والفيء، ونحو ذلك.
ـــــــ
(4/227)
فصل: والأفضل أن يخرجها قبل صلاة العيد
أو قدرها "و" قال أحمد: يخرج قبلها. وقال غير
واحد: الأفضل أن تخرج إذا خرج إلى المصلى، وفي
الكراهة بعدها وجهان، والقول بها أظهر،
لمخالفة الأمر "م 13" وقد روى سعيد والدارقطني
من رواية أبي معشر1 وليس بحجة عندهم، لا سيما
عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: "أغنوهم عن الطلب
هذا اليوم" 2، وقيل: تحرم بعد الصلاة، وذكر
صاحب المحرر أن أحمد رحمه الله أومأ إليه،
ويكون قضاء، وجزم به ابن الجوزي في كتاب
"أسباب الهداية" "خ"3.
ـــــــ
مسألة - 13 : قوله: والأفضل أن تخرج إذا خرج
إلى المصلى، وفي الكراهة بعدها وجهان، والقول
بها أظهر، لمخالفة الأثر4، انتهى. وأطلقهما
ابن تميم:
أحدهما: يكره، وهو الصحيح، قال المصنف: وهو
أظهر. قال الشيخ في الكافي5، والمجد في شرحه:
كان تاركا للاختيار، وقدمه في المغني6
والشرح7، وشرح ابن رزين والرعايتين والحاويين
وغيرهم.
ـــــــ
1 هو: نجيح بن عبد الرحمن السندي، ثم المدني،
مولى بني هاشم، قال فيه البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو داود، والنسائي: ضعيف. "ت 170 هـ".
"سير أعلام النبلاء" 7/435.
2 الدارقطني في "سننه" 2/153.
3 ليست في "ب".
4 في الفروع: "الأمر".
5 2/170.
6 4/297.
7 7/117.
(4/227)
قال الأصحاب
رحمهم الله وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث،
وذكروا قول ابن عباس: فرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو
والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة
فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي
صدقة من الصدقات حديث حسن رواه أبو داود وابن
ماجه والدارقطني1.
ويجوز تقديمها قبل العيد بيومين فقط، نص عليه،
لقول ابن عمر: كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو
بيومين. رواه البخاري2. والظاهر بقاؤها أو
بقاء بعضها إليه، وإنما لم تجز بأكثر لفوات
الإغناء المأمور به في اليوم، بخلاف الزكاة،
ولأن الفطر سببها وأقوى جزأي سببها، كمنع
التقديم على النصاب، كذا ذكروا، والأولى
الاقتصار على الأمر بالإخراج في الوقت الخاص،
خرج منه التقديم، باليومين لفعلهم وإلا
فالمعروف منع التقديم على السبب الواحد،
وجوازه على أحد السببين، وهذا مذهب "م" على ما
جزم به في التهذيب، وقول الكرخي الحنفي، ومذهب
"م" المنع
ـــــــ
والوجه الثاني: لا يكره، اختاره القاضي.
ـــــــ
1 أبو داود "1609"، وابن ماجه "1827"
والدارقطني 2/138.
2 ذكره البخاري تعلقيا إثر حديث "1511".
(4/228)
قبل وجوبها إلا
إلى نائب الإمام ليقسمها في وقتها بغير مشقة،
وعن أحمد: يجوز تقديمها بثلاثة أيام، جزم به
في المستوعب، وتجوز بأيام، وقيل: بخمسة عشر
يوما، وحكى رواية جعلا للأكثر كالكل، وقيل:
بشهر "و ش" لا أكثر "هـ"؛ لأن سببها الصوم
والفطر منه، كزكاة المال.
وإن أخرها عن يوم العيد أثم، ولزمه القضاء لما
سبق "و" وعنه، لا يأثم، نقل الأثرم: أرجو أن
لا بأس، وقيل له في رواية الكحال: فإن أخرها؟
قال: إذا أعدها لقوم.
(4/229)
فصل: يجب صاع عراقي من بر
ومثله مكيل ذلك من غيره، وهو التمر "ع"
ـــــــ
...............................
(4/229)
والزبيب "و"
والشعير "ع" والأقط، نص على ذلك، كما سبق في
كتاب الطهارة1 وفي آخر الغسل2، وفي زكاة
المعشرات3.
ولا عبرة بوزن التمر، ويحتاط في الثقيل، ليسقط
الفرض بيقين.
ولا يجزئ نصف صاع من بر، نص عليه "و م ش" لخبر
أبي هريرة، وفيه: "أو صاع من قمح " وهو من
رواية سفيان بن حسين4، عن الزهري، وليس بالقوي
عندهم، لا سيما في الزهري، رواه الدارقطني
وغيره5. وروي أيضا6 من رواية النعمان بن
راشد7، عن ابن صعير8، عن أبيه مرفوعا: "أدوا
صاعا من بر عن كل إنسان، صغير أو كبير، حر أو
مملوك، غني أو
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/87.
2 1/268.
3 4/77.
4 هو: أبو محمد، سفيان بن حسين بن الحسن
الواسطي، قال ابن حبان: الإنصاف في أمره تنكب
ما روى عن الزهري، والاحتجاج بما روى عن غيره،
وذاك أن صحيفة الزهري اختلطت عليه، فكان يأتي
بها على التوهم. توفي سنة نيف وخمسين ومئة.
"سير أعلام النبلاء" 7/302.
5 الدارقطني في "سننه" 2/144، وابن الجوزي في
"التحقيق" 2/50.
6 أي الدارقطني في "سننه" 2/148.
7 هو: أبو إسحاق، النعمان بن راشد الجزري،
الرقي. استشهد به البخاري، وروى له الباقون.
"تهذيب الكمال" 29/445.
8 هو: ثعلبة بن صعير، ويقال: ثعلبة بن عبد
الله بن صعير، ويقال: عبد الله بن ثعلبة بن
صعير العذري. عداده في الصحابة. "تهذيب
الكمال" 4/394.
(4/230)
فقير، ذكر أو
أنثى".
ورواه أحمد وأبو داود1 وقالا: "صاعا من بر عن
كل اثنين" والنعمان ضعيف عندهم، قال أحمد: ليس
بصحيح إنما هو مرسل يرويه معمر2 وابن جريج عن
الزهري مرسلا. مع أنه رواه في مسنده3 أيضا، عن
عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عبد
الله بن ثعلبة وهو ابن صعير مرفوعا، وهذا
إسناد جيد، واختار شيخنا: يجزئ نصف صاع من بر،
وقال: وهو قياس المذهب في الكفارة، وإنه
يقتضيه ما نفله الأثرم "و هـ" كذا قال، مع أن
القاضي قال عن الصاع: نص عليه في رواية
الأثرم، فقال: صاع من كل شيء.
ولأحمد وأبي داود والنسائي4، من حديث الحسن عن
ابن عباس: نصف صاع من بر ولم يسمع الحسن منه،
قال ابن معين وابن المديني، لكن عنده مرسلات
الحسن التي رواها عنه الثقات صحاح، وهذا إسناد
جيد إليه، وكذا نقل مهنا: هي صحيحة، ما نكاد
نجدها إلا صحيحة، والأشهر لا يحتج بها، وذكره
ابن سعد عن العلماء، وهو الذي رأيته في كلام
الأصحاب، ومذهب الحسن صاع، ولأحمد5 من حديث
أسماء: مدين من قمح. وفيه ابن لهيعة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد "23664"، وأبو داود "1619".
2 هو: أبو عروة، معمر بن راشد الأزدي،
الحداني، سكن اليمن، وهو من أقران سفيان بن
عيينة. "ت 153 هـ". "تهذيب الكمال" 28/303.
3 أحمد "23664".
4 أحمد "2018"، أبو داود "1622"، والنسائي في
"المجتبى" 5/50.
5 في مسنده "26936".
(4/231)
وللترمذي1 وقال
حسن غريب من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده: "مدان من قمح أو سواه صاع من طعام".
وفيه: سالم بن نوح2، ضعفه ابن معين وأبو حاتم
وغيرهما، ووثقه أبو زرعة وغيره. وقال أحمد: ما
بحديثه بأس، وروى له مسلم.
ولأبي داود في المراسيل3 بإسناد جيد عن سعيد
بن المسيب قال: فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم زكاة الفطر مدين من حنطة. وهو مذهب ابن
المسيب، وقد ذكر الجوزجاني وابن المنذر
وغيرهما: أن أخبار نصف صاع لم تثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم كذا ذكروا.
وفي الصحيحين4 عن أبي سعيد قال: كنا نخرج إذ
كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا
من طعام، أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير، أو
صاعا من زبيب أو صاعا من أقط، حتى قدم معاوية
المدينة فقال: إني لأرى مدين من سمراء الشام
تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك.
وللنسائي5 عنه: فرض رسول الله صلى الله عليه
وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا
من تمر، أو صاعا من أقط.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في سننه "674".
2 هو: سالم بن نوح، البصري، العطار، محدث
صدوق. قال البخاري: توفي بعد المئتين. "سير
أعلام النبلاء" 9/325.
3 برقم "120".
4 البخاري "1508"، ومسلم "985" "18".
5 في المجتبى 5/51.
(4/232)
ولأبي داود1 من
حديث ابن عمر أن عمر جعل نصف صاع حنطة مكان
صاع. والله أعلم، وعن "هـ" رواية يجزئ نصف صاع
زبيب.
ومن أخرج فوق صاع فأجره أكثر، وحكى لأحمد عن
خالد بن خداش2: سمعت مالكا يقول: لا يزيد فيه؛
لأنه ليس له أن يصلي الظهر خمسا، فغضب أحمد
واستبعد ذلك.
ويجزئ أحد هذه الأجناس وإن لم تكن قوته "ق".
وعن "ش" قول ثالث: يجزئ من قوته الشعير إخراج
البر، لا العكس، ومذهب "م": يعتبر الإخراج من
جل قوت البلد.
ويجزئ دقيق البر والشعير وسويقهما، نص عليه،
واحتج بزيادة انفرد بها ابن عيينة من حديث أبي
سعيد: "أو صاعا من دقيق" قيل لابن عيينة: إن
أحدا لا يذكره فيه، قال: بلى، هو فيه، رواه
الدارقطني3، ورواه أبو داود4 قال: قال ابن
حامد: أنكروه على سفيان فتركه سفيان، قال أبو
داود وهي وهم من ابن عيينة، قال صاحب المحرر:
بل أولى بالإجزاء؛ لأنه كفى مؤنته كتمر5 نزع
حبه. وقال غيره: يجزئ كما يجزئ
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في سننه "1614".
2 هو: أبو الهيثم، خالد بن خداش بن عجلان،
الإمام، الحافظ، الصدوق، نزيل بغداد. "ت 223
هـ". "سير أعلام النبلاء" 10/488.
3 في سننه 2/146.
4 في سننه "1618".
5 في الأصل: "كثمر".
(4/233)
تمر1 وزبيب،
نزع حبه، وعنه: لا يجزئ ذلك "و م ش" واختاره
صاحب الإرشاد والمحرر في السويق، وصاعه بوزن
حبه، نص عليه، لتفرق الأجزاء بالطحن، ويجزئ
بلا نخل، وقيل: لا كما لا يكمل تمر بنواه
المنزوع.
ويجزئ أقط، نقله الجماعة، وهو الأصح للشافعية،
وعنه: يجزئ لمن يقتاته، اختاره الخرقي "و م ش"
وعنه: لا يجزئ اختاره أبو بكر "و ق".
فعلى الأول: في اللبن غير المخيض والجبن أوجه،
الثالث يجزئ اللبن لا الجبن، قال بعضهم: وهو
ظاهر كلامه، والذي وجدته عنه يروى عن الحسن:
صاع لبن؛ لأن الأقط ربما ضاق، فلم يتعرض
للجبن، والرابع يجزئ ذلك عند عدم الأقط،
ويحتمل أن يجزئ الجبن، لا اللبن "م 14".
ـــــــ
مسألة - 14: قوله: ويجزئ أقط... نقله
الجماعة... 2"فعلى الأول"2: في اللبن غير
المخيض والجبن أوجه، الثالث يجزئ اللبن لا
الجبن، قال بعضهم: وهو ظاهر كلامه والرابع
يجزئ ذلك عند عدم الأقط، ويحتمل أن يجزئ الجبن
لا اللبن، انتهى. وأطلقهما في الرعاية الكبرى
وابن تميم، وأطلق الثلاثة الأول في الرعاية
الصغرى الحاويين والفائق وغيرهم، 3"وأطلق
الأوليين في الزركشي"3 قال ابن تميم وابن
حمدان: ظاهر كلام الإمام أحمد: أجزأ اللبن لا
الجبن:
أحدها: لا يجزئ ذلك مطلقا، اختاره ابن أبي
موسى، قاله في المستوعب،
ـــــــ
1 في الأصل: "ثمر".
2 في النسخ الخطية و"ط": "فعليه" والمثبت من
"الفروع".
3 في النسخ الخطية: "وأطلق الأولانِ في
الزركشي"، وفي "ط": "وأطلق الأولان في
الزركشي"، والمثبت من "المقنع مع الشرح الكبير
والإنصاف" 7/127.
(4/234)
ولا يجزئ غير
الأصناف المذكورة مع قدرته على تحصيلها،
كالدبس و" والمصل "و" وكذا الخبز، نص عليه "و"
وقال: أكرهه، وعند ابن عقيل: يجزئ، وقاله
الشافعية إن جاز الأقط.
ـــــــ
وهو ظاهر كلام الخرقي، قاله الشيخ في المغني1.
قلت: وهو الصحيح، واختاره الشيخ الموفق
والشارح وغيرهما، وهو ظاهر كلام كثير من
الأصحاب.
والوجه الثاني: يجزئ مطلقا.
والوجه الثالث: يجزئ اللبن لا الجبن. قال ابن
تميم وابن حمدان: ظاهر كلام الإمام أحمد: أجزأ
إخراج اللبن دون الجبن كما تقدم، وهما المراد
بقول المصنف قال بعضهم: وهو ظاهر كلامه.
والوجه الرابع: يجزئ ذلك عند عدم الأقط وهو
قوي، قال في المذهب ومسبوك الذهب: إذا قلنا
يجوز إخراج الأقط مطلقا، فإذا عدمه أخرج عنه
اللبن، قال القاضي: إذا عدم الأقط وقلنا له
إخراجه جاز له إخراج اللبن، قال ابن عقيل في
الفصول: إذا لم يجد الأقط على الرواية التي
تقول يجزئ وأخرج عنه اللبن أجزأه، لأن الأقط
من اللبن، لأنه مجمد مجفف بالمصل، وجزم به ابن
رزين في شرحه، وقال: أنه أكمل، وهو ظاهر ما
قدمه في المستوعب، ورد الشيخ في المغني1
والشارح قول القاضي، ومن تبعه، فقالا: وما
ذكره القاضي لا يصح؛ لأنه لو كان أكمل من
الأقط لجاز إخراجه مع وجوده، ولأن الأقط أكمل
من اللبن من وجه، لأنه أبلغ حالة الإدخار، لكن
يكون حكم اللبن والجبن حكم اللحم يجزئ إخراجه
عند عدم الأصناف المنصوص عليها، على قول ابن
حامد ومن وافقه، القول الخامس إجزاء إخراج
الجبن لا اللبن، وهو احتمال ذكره ابن تميم
وابن حمدان وتبعهما المصنف. قلت: وهو أقوى من
عكسه، وأقرب إلى الأقط من اللبن.
ـــــــ
1 4/290.
(4/235)
وإلا القيمة.
نص عليه، وعنه رواية مخرجة "و هـ".
وقيل: يجزئ كل مكيل مطعوم، قال بعضهم: وقد
أومئ إليه، لقوله عليه السلام: "صاعا من طعام"
1. وقوت بلده وغيره سواء في المنع، واختار
شيخنا: يجزئ قوت بلده، مثل الأرز وغيره، وذكره
رواية، وأنه قول أكثر العلماء، واحتج بقوله
تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، وجزم به ابن
رزين، وقاله "م ش" في كل حب يجب فيه العشر.
ويخرج مع عدم الأصناف صاع حب أو ثمر يقتات،
عند الخرقي، قال صاحب المحرر: ومعناه قول أبي
بكر، وهو الأشبه بكلام أحمد، نقل حنبل: ما
يقوم مقامهما صاع، وكذا قال الشيخ عن قول أبي
بكر: إنه ظاهر الخرقي، وقدمه في الكافي2
وغيره. زاد بعضهم: بالبلد غالبا، وقيل: يجزئ
ما يقوم مقامهما، وإن لم يكن مكيلا، وعند ابن
حامد: يخرج ما يقتاته، كلحم ولبن، وقيل: لا
يعدل عنهما بحال "م 15" والأصح للشافعية:
يتعين غالب قوت بلده إلا أن ينتقل إلى أعلى
منه.
ـــــــ
مسألة - 15: قوله: ويخرج مع عدم الأصناف صاع
حب أو ثمر3 يقتات، عند الخرقي، قال صاحب
المحرر: ومعناه قول أبي بكر وهو أشبه بكلام
أحمد... وكذا قال الشيخ عن كلام أبي بكر: إنه
ظاهر الخرقي، وقدمه في الكافي وغيره، زاد
بعضهم: بالبلد غالبا، وقيل: يجزئ ما يقوم
مقامهما وإن لم يكن مكيلا وعند ابن حامد: يخرج
ما يقتاته، كلحم ولبن، وقيل: لا يعدل عنهما
بحال، انتهى. قول الخرقي هو الصحيح، جزم به في
الإفادات والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي،
ـــــــ
1 تقدم تخريجه ص 232.
2 2/176.
3 في النسخ: "وتمر"، والمثبت من "الفروع"، كما
في "الكافي" 2/176، و"المبدع" 2/396.
(4/236)
ولا يجزئ معيب،
كحب مسوس ومبلول وقديم تغير طعمه، للآية "و".
فإن خالطه ما لا يجزئ فإن كثر لم يجزئه، وإن
قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعا؛ لأنه ليس
عيبا، لقلة مشقة تنقيته، قال أحمد: واجب تنقية
الطعام.
ويجزئ صاع من الأجناس المذكورة، نص عليه،
لتقارب1 مقصودها، أو اتحاده، وقاس الشيخ على
فطرة عبد مشترك. وقال 2"صاحب الرعاية"2 فيها:
يحتمل وجهين. ويتوجه احتمال وتخرج من الكفارة:
لا
ـــــــ
وغيرهم، وقدمه في الكافي3، والمحرر ومختصر ابن
تميم والرعايتين والحاويين والنظم والفائق
وغيرهم، قال ابن منجى في شرحه: وهو أقيس، وفي
كلام المصنف إيماء إلى ذلك، زاد في التلخيص
والبلغة وابن تميم وابن حمدان وغيرهم: ما
يقتات غالبا، وهو معنى كلام المصنف، زاد
بعضهم: بالبلد غالبا، وقول ابن حامد جزم به في
الخلاصة والعمدة والتلخيص والبلغة، قال في
التلخيص: هذا المذهب، وأطلقهما في الهداية
والمذهب والمستوعب والمغني4 والمقنع5،
والشرح6، وغيرهم.
ـــــــ
1 في "ب": "لتفاوت".
2 ليست في "س".
3 2/176.
4 4/289.
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/129.
6 2/175 - 176.
(4/237)
يجزئ، لظاهر
الأخبار "و" إلا أن نقول بالقيمة "و هـ".
والتمر أفضل، مطلقا، نص عليه "و م" لفعل ابن
عمر، رواه البخاري1 وقال له أبو مجلز2: إن
الله قد أوسع، والبر أفضل، فقال: إن أصحابي
سلكوا طريقا، فأنا أحب أن أسلكه. رواه أحمد3،
واحتج به، ولأنه قوت وحلاوة، وأقرب تناولا،
وأقل كلفة.
ثم قيل: الزبيب، جزم به أبو الخطاب وغيره،
وقيل: البر، جزم به في "الكافي"4 "و م" لا
مطلقا "ش" وقيل: الأنفع، لا مطلقا "هـ" وعنه:
الأقط أفضل لأهل البادية إن كان قوتهم، وقيل:
قوت بلده غالبا وقت الوجوب "م 16".
ـــــــ
مسألة - 16: قوله: والتمر أفضل مطلقا، نص عليه
ثم قيل: الزبيب، جزم به أبو الخطاب وغيره،
وقيل: البر، جزم به في الكافي وقيل: الأنفع
وعنه: الأقط أفضل لأهل البادية إن كان قوتهم،
وقيل: قوت بلده غالبا وقت الوجوب، انتهى القول
بتقديم الزبيب على غيره بعد التمر في الأفضلية
هو الصحيح، جزم به في الهداية وعقود ابن البنا
والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة
والتلخيص والبلغة والمحرر والمنور وإدراك
الغاية وغيرهم، وقدمه في الرعايتين ومختصر ابن
تميم والحاويين والفائق وشرح ابن رزين وغيرهم،
واختاره ابن عبدوس في تذكرته، قال ابن منجا في
ـــــــ
1 أورده البخاري تعليقا إثر حديث "1511".
2 هو: أبو مجلز، لاحق بن حميد بن سعيد، ويقال:
شعبة بن خالد، البصري، الأعور، تابعي، ثقة. "ت
100 هـ". "تهذيب الكمال" 31 176.
3 لم نجده في "مسنده"، وقد أورد هذا الأثر ابن
حجر في "الفتح" 3/376، وعزا تخريجه إلى جعفر
الفريابي.
4 2/176.
(4/238)
وتصرف في أصناف
الزكاة، لا يجوز غيرهم. وفي الفنون عن بعض
أصحابنا: يدفع إلى من لا يجد ما يلزمه. وقال
شيخنا: لا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة
وهو من يأخذ لحاجة، لا في المؤلفة والرقاب
وغير ذلك.
ويجوز صرف صاع إلى جماعة، وآصع إلى واحد، نص
على ذلك، على ما يأتي في استيعاب الأصناف1.
والأفضل أن لا ينقص الواحد عن مدبر أو نصف صاع
من غيره.
وعنه: الأفضل تفرقة الصاع، وهو ظاهر ما جزم به
جماعة، للخروج من الخلاف، وعنه: الأفضل أن لا
ينقص الواحد عن صاع، وهو ظاهر كلام جماعة،
للمشقة،...................................
ـــــــ
شرح المقنع: والأفضل بعد التمر عند الأصحاب
الزبيب، قال الزركشي: هو قول الأكثرين، انتهى.
قلت: وهو الصواب، لأنه قد شابه التمر بحيث إنه
يساويه في جميع صفاته ومنافعه، بل ربما زاد
عليه، وقيل: البر أفضل، جزم به في الكافي
والوجيز، وقدمه في المغني2 والشرح3، ونصراه.
وحمل ابن منجى كلامه في المقنع3 عليه، وهو
خلاف ظاهر كلامه، وقيل: الأنفع للفقراء أفضل،
اختاره الشيخ في المقنع3، فجزم به في التسهيل.
وقدمه في النظم. قلت: لو قيل: إن كل واحد
منهما أفضل في بلده ومحلته لكان له وجه، كما
قالوا في المفاضل بين تمر النخيل والعنب،
وأطلق الخلاف في تجريد العناية، وأطلق الثالث
المجد في شرحه.
ـــــــ
1 ص 350.
2 4/292.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/134.
(4/239)
وعدم نقله،
وعمله، وفي عيون المسائل: لو فرق فطرة رجل
واحد على جماعة لم تجزئه، كذا قال.
ويأتي هل إخراج فطرته أفضل أم دفعها إلى
الإمام1؟
ومن أعطاها فقيرا فردها إليه عن نفسه، أو حصلت
عند الإمام فقسمها فعادت إلى إنسان فطرته، جاز
عند القاضي. وقال أبو بكر: مذهب أحمد لا،
كشرائها "م 17" وسبقت في الركاز2.
ـــــــ
مسألة - 17: قوله: ومن أعطى فقيرا فردها إليه
عن نفسه، أو حصلت عند الإمام فقسمها فعاد إلى
إنسان فطرته، جاز عند القاضي. وقال أبو بكر:
مذهب أحمد لا، كشرائها، انتهى. الصحيح قول
القاضي، قال في التلخيص: من رد الفقير إليه
فطرته جاز في أصح الوجهين، وقدمه في الفائق
قلت: وهو الصواب إن لم يكن حيلة، وصحح المجد
في شرحه مع تقديمه له جواز إعطاء الإمام
الفقير زكاته التي دفعها إليه، وجزم به في
التلخيص والبلغة، ذكروه في باب زكاة الركاز،
وتقدم الكلام على هذه هناك على كلام المصنف
أيضا1، ويأتي أيضا هذا قبيل باب صدقة التطوع،
ففي كلام المصنف بعض تكرار، وأطلق الخلاف في
هاتين المسألتين في
ـــــــ
1 ص 259.
2 ص 177.
(4/240)
قال أحمد:
ورواية الفضل بن زياد: ما أحسن ما كان عطاء
يفعل، يعطي عن أبويه صدقة الفطر حتى مات، وهذا
تبرع.
ـــــــ
الرعايتين والحاويين، وأطلقهما في الأخيرة في
الفائق أيضا، قال في الرعايتين: الخلاف في
الإجزاء، وقيل في التحريم، انتهى.
فهذه سبع عشرة مسألة قد فتح الله علينا
بتصحيحها.
(4/241)
باب إخراج
الزكاة
مدخل
...
باب إخراج الزكاة
لا يجوز لمن لزمته تأخير إخراجها عنه مع
القدرة، نص عليه "و م ش" بناء على أن الأمر
المطلق للفور، ولأنها للفور بطلب الساعي "و"
فكذا بطلب الله تعالى، كعين مغصوبة، قال صاحب
المحرر: بل أولى، ولئلا يختل المقصود من شرع
الزكاة، ولهذا قاله الشافعية، مع أن الأمر
عندهم ليس على الفور، وكذا قال الشيخ وغيره:
لو لم يكن الأمر للفور قلنا به هنا.
وقيل: لا يلزمه على الفور "و هـ" لإطلاق الأمر
كالمكان.
فعلى الأول يجوز التأخير إذا خشى ضررا من عود
الساعي، وكذا إن خاف على نفسه أو ماله ونحوه،
كما يجوز لدين الآدمي.
وللإمام والساعي التأخير لعذر قحط ونحوه، احتج
أحمد بفعل عمر رضي الله عنه1. واحتج بعضهم
بقوله صلى الله عليه وسلم عن العباس: "فهي
عليه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج أبو عبيد في "الأموال" "981": عن أبي
ذباب: أن عمر أخر الصدقة عام الرمادة... وأخرج
ابن سعد في "طبقاته" 3/323 عن يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب مثله. وعن بشر الفزاري قال:
رأيتنا عام الرمادة وحصت السنة أموالنا... فلم
يبعث عمر تلك السنة السعادة.
(4/242)
ومثلها معها".
رواه البخاري1: وكذا أوله أبو عبيد.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "صحيح" "1468" من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه.
(4/243)
وللمالك
تأخيره؛ للحاجة1 إليها. نص عليه، وكذا لتعذر
إخراجها من النصاب لغيبة وغيرها إلى القدرة،
قدمه في "منتهى الغاية" ويحتمل: لا إن وجبت في
الذمة ولم تسقط بالتلف.
ويجوز لمن حاجته أشد. نقل يعقوب: لا أحب
تأخيرها إلا أن لا يجد قوما مثلهم في الحاجة
فيؤخرها لهم، وجزم به بعضهم. وقال جماعة: يجوز
بزمن يسير؛ لأن الحاجة تدعو إليه ولا يفوت
المقصود، وإلا لم يجز ترك واجب لمندوب، وظاهر
كلام جماعة: المنع.
وكذا قريب2. جزم به جماعة، وقدم بعضهم المنع،
وجاز مثله، ولم يذكره الأكثر، وعنه: له أن
يعطي قريبه كل شهر شيئا، وعنه: لا. وحمل أبو
بكر الأولى3 على تعجيلها، قال صاحب المحرر:
وهو خلاف الظاهر، وأطلق القاضي وابن عقيل
الروايتين.
ويلزم الولي إخراج زكاة عن صبي ومجنون "و ش"
كنفقة وغرامة، وعنه: إن خاف أن يطالب بذلك
فلا، كمن يخشى رجوع الساعي، لكن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"ط": "لحاجته".
2 يعني: يجوز أيضا التأخير لقريب. ينظر:
المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/142.
3 وهي: أن يعطي قريبه كل شهر شيئا. ينظر:
المصدر السابق.
(4/244)
يعلمه إذا بلغ.
(4/245)
فصل:ومن منعها
جحدا لوجوبها
فإن كان جاهلا ومثله يجهله كقريب العهد
بالإسلام، والناشئ ببادية بعيدة يخفى عليه ذلك
عرف، فإن أصر، أو كان عالما به كفر "ع" ولو
أخرجها "ع" وقتل مرتدا "ع" وأخذت منه إن كان
وجبت.
وإن منعها بخلا أو تهاونا أخذت منه "و م ش"
كما يؤخذ منه1 العشر "و" ولأن للإمام طلبه به،
فهو كالخراج، بخلاف الاستنابة في الحج
والتكفير بالمال، وسبق في منع دين الله
الزكاة2.
ولا يحبس ليؤدي "هـ" لعدم النية والعبادة من
الممتنع.
ويعزر من علم تحريم ذلك إمام أو عامل زكاة،
وقيل: إن كان ماله باطنا عزره إمام أو محتسب
فقط، كذا أطلق جماعة التعزير، وذكر القاضي
وابن عقيل: إن فعله لفسق الإمام لكونه لا
يضعها مواضعها لم يعزره، وجزم به غير واحد "و
ش".
وإن كتم ماله أمر بإخراجها واستتيب ثلاثة أيام
فإن لم يخرج قتل حدا، على الأصح
فيهما..........
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "و".
2 ليست في "ط".
(4/245)
"خ"؛ لظاهر
الكتاب والسنة، ولا أثر لكون أخذها منه في
حياته أظهر لإظهار المال وتؤخذ من تركته.
وإن لم يمكن أخذها إلا بالقتال وجب على الإمام
قتاله إن وضعها مواضعها، نص عليه، وذكر ابن
أبي موسى رواية: لا يجب إلا من جحد وجوبها.
ولا يكفر بمقاتلة الإمام، في ظاهر المذهب "و"
وعنه: بلى، بخلاف ما إذا لم يقاتله، وجزم به
بعضهم، وأطلق آخرون الروايتين وسبق ذلك وحكم
الصوم والحج في آخر كتاب الصلاة1.
ولا تؤخذ من الممتنع مطلقا زيادة على الزكاة
"و"؛ لأن الصديق مع الصحابة رضي الله عنهم لم
ينقل عنهم ذلك، ولأنه لا يزاد على أخذ الحق من
الظالم، كسائر الحقوق، وعن أنس مرفوعا:
"المعتدي في الصدقة كمانعها" فيه سعد بن
سنان2، ضعفه الأكثر. رواه أبو داود وابن ماجه،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 1/421 - 422.
2 هو: أبو معاذ، سعد بن عبد الحميد بن جعفر،
الأنصاري، الحكمي، المدني، سكن بغداد في ربض
الأنصار. "ت 219 هـ". "تهذيب الكمال" 10/285.
(4/246)
والترمذي1
وقال: حسن غريب. وعن جرير2 مرفوعا مثله.
إسناده ثقات رواه الطبراني3.
وعنه: تؤخذ منه ومثلها. ذكرها ابن عقيل، وقاله
في "زاد المسافر"4. وقال ابن عقيل في موضع:
إذا منع الزكاة فرأى الإمام التغليظ عليه بأخذ
زيادة عليها اختلفت الرواية في ذلك، وقدم
الحلواني في التبصرة: يؤخذ معها شطر ماله.
وقال إبراهيم الحربي: يؤخذ من خيار ماله
زيادة، وقاله في زاد المسافر أيضا، وذكره صاحب
المحرر رواية. وقاله الشافعي في القديم.
وعن إسحاق كهذا ومثلها معها، وقال أبو بكر
أيضا: شطر ماله الزكوي. وقال إبراهيم الحربي:
يؤخذ من خيار ماله زيادة القيمة بشطرها من غير
زيادة عدد ولا سن، قال صاحب المحرر: وهذا
تكليف ضعيف.
وجه ذلك: ما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
مرفوعا: "في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة
لبون لا تفرق الإبل عن حسابها، من أعطاها
مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها
وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد
منها شيء". ورواه أحمد والنسائي وأبو داود5
وقال: "شطر ماله". وهذا ثابت من طرق إلى بهز.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أبو داود "1585"، وابن ماجه "1808"،
والترمذي "646".
2 هو: أبو عمرو، جرير بن عبد الله بن جابر،
البجلي، القسري، من أعيان الصحابة، بايع النبي
صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وكان
بديع الحسن، كامل الجمال، وكان النبي صلى الله
عليه وسلم يعجبه عقل جرير وجماله "ت 51 هـ".
"سير أعلام النبلاء" 2/530.
3 في "المعجم الكبير" 2275".
4 لأبي بكر بن عبد العزيز بن جعفر المعروف
بـ"غلام الخلال".
5 أحمد "20016"، والنسائي في "المجتبى" 5/17،
أبو داود "1575".
(4/247)
وبهز: وثقه ابن
معين وابن المديني والنسائي. وقال أبو زرعة:
صالح، وقال أبو داود: هو حجة، وقال، البخاري:
مختلفون فيه. وقال أبو حاتم لا يحتج به، وقال
صالح جزرة إسناد إعرابي. وقال ابن عدي: لم أر
له حديثا منكرا، ولم أر أحدا من الثقات يختلف
في الرواية عنه، وقال ابن حبان: يخطئ كثيرا،
فأما أحمد وإسحاق فاحتجا به، وتركه جماعة من
أئمتنا، ولولا حديثه: "إنا آخذوها وشطر ماله"
لأدخلناه في "الثقات". قال أحمد: هو عندي صالح
الإسناد، ولا أدري ما وجهه؟.
وقيل: هو منسوخ؛ لأن ظاهره إيجاب بنت لبون في
كل أربعين مطلقا، وإنما استقر الأمر في النصب
والأسنان على حديث الصديق، وفيه: "من سئل فوق
ذلك فلا يعطه" 1. وفي كلام بعضهم أنه لم يعمل
به في المانع غير الغال "ع" وليس كذلك، قال
جماعة: وإن أخذها غير عدل فيها لم يأخذ من
الممتنع زيادة، وأطلق آخرون كمسألة التعزير
السابقة.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1454".
(4/248)
فصل: ومن طولب بالزكاة
فادعى أداءها أو بقاء الحول أو نقص النصاب أو
زوال ملكه أو تجدده قريبا أو أن ما بيده لغيره
أو أنه منفرد أو مختلط أو نحو ذلك قبل قوله
"و" بلا يمين. نص عليه، قاله بعضهم.
وظاهر كلامه: لا يشرع. نقل حنبل: لا يسأل
المتصدق "*" عن شيء، ولا يبحث، إنما يأخذ ما
أصابه مجتمعا، قال في عيون المسائل: ظاهر
قوله: لا يستحلف الناس على صدقاتهم لا يجب ولا
يستحب؛ لأنه
ـــــــ
"*" تنبيه : قوله: نقل حنبل: لا يسأل المتصدق.
صوابه المصدق، بحذف التاء وهو الساعي، وقد
كشطها بعضهم.
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "1454".
(4/248)
عبادة مؤتمن
عليها، كالصلاة والكفارة، بخلاف الوصية
للفقراء بمال، ويأتي ما يتعلق بهذا في آخر باب
الدعاوى1.
وقال ابن حامد: يستحلف في الزكاة في ذلك كله
"و هـ ش" ويتوجه احتمال إن اتهم "و م" وفي
الأحكام السلطانية: إن رأى العامل أن يستحلفه
فعل، وإن نكل لم يقض عليه بنكوله. وقيل: بلى.
وكذلك الحكم فيمن مر بعاشر وادعى أنه عشره
آخر، قال أحمد رحمه الله: إذا أخذ منه المصدق
كتب له براءة، فإذا جاء آخر أخرج إليه براءته،
قال القاضي: وإنما قال ذلك لنفي التهمة عنه،
وهل يلزمه الكتابة؟ يأتي في من سأل الحاكم أن
يكتب له ما ثبت عنده2.
وإن ادعى التلف بجائحة فسبق في زكاة الثمر3،
وإن أقر بقدر زكاته ولم يذكر قدر ماله صدق،
والمراد وفي اليمين الخلاف.
ـــــــ
1 11/277.
2 11/234.
3 ص 103.
(4/249)
فصل: والنية شرط في إخراج الزكاة
"و" فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة
المال، أو الفطر.
ولو نوى صدقة مطلقة لم يجزئه ولو تصدق بجميع
ماله، كصدقته بغير النصاب من جنسه "و"؛ لأن
صرف المال إلى الفقير له جهات، فلا تتعين
الزكاة إلا بتعيين، وظاهره: لا تكفي نية
الصدقة الواجبة أو صدقة المال،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 11/277.
2 11/234.
3 ص 103.
(4/249)
وهو ظاهر ما
جزم به جماعة من أنه ينوي الزكاة، وهذا متجه،
والأول جزم به جماعة.
وفي تعليق القاضي: إن تصدق بماله المعين
أجزأه، وكذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، لئلا
يلزمه بإحسانه ضمان، فإن تصدق ببعضه أجزأه عن
زكاة ذلك البعض، عند محمد، لإشاعة المؤدى في
الجميع، لا عند أبي يوسف، لعدم تعيين البعض؛
لأن الباقي محل للوجوب.
ولا تعتبر نية الفرض، ولا تعيين المال المزكى
عنه، وفي تعليق القاضي وجه: تعتبر نية التعيين
وإذا اختلف المال، مثل شاة عن خمس من الإبل،
وأخرى عن أربعين من الغنم، ودينار عن نصاب
تالف، وآخر عن نصاب قائم، وصاع عن فطرة، وآخر
عن عشر.
فعلى الأول: إن نوى زكاة ماله الغائب فإن كان
تالفا فعن الحاضر أجزأ عنه إن كان الغائب
تالفا، بخلاف الصلاة، لاعتبار التعيين فيها،
وإن أدى قدر زكاة أحدهما جعلها لأيهما شاء،
كتعينه ابتداء، وإن لم يعينه أجزأ عن أحدهما.
ولو نوى عن الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه
إذا إلى غيره "و" كعتق في كفارة معينة فلم
تكن؛ لأن النية لم تتناوله.
وإن نوى: عن الغائب إن كان سالما، أو نوى وإلا
فنفل، أجزأ؛
ـــــــ
...............................
(4/250)
لأنه حكم
الإطلاق فلم يضر تقييده به. وقال أبو بكر: لا
يجزئه؛ لأنه لم يخلص النية للفرض، كمن قال:
هذه زكاة مالي أو نفل أو إن كان مات مورثي
فهذه زكاة إرثي منه؛ لأنه لم يبن على أصل، قال
الشيخ وغيره: كقوله ليلة الشك: إن كان غدا من
رمضان فهو فرضي وإلا فنفل. وقال صاحب المحرر:
كقوله: إن كان وقت الظهر دخل فصلاتي هذه عنها،
وقال غير واحد: لو قال في الصلاة: إن كان
الوقت دخل ففرض وإلا فنفل فعلى الوجهين. وقال
أبو البقاء1 فيمن بلغ في الوقت: التردد في
العبادة يفسدها، ولهذا لو صلى ونوى إن كان
الوقت قد دخل فهي فريضة وإن لم يكن قد دخل فهي
نافلة لم يصح له فرضا ولا نفلا.
وإن نوى عن الغائب إن كان سالما وإلا فارجع به
فذكر أبو المعالي: له الرجوع على قول الرجوع
في التلف. قال: ولو أعتق عبده عن كفارته فلم
يجزئه لعيبه عتق، ولزمه بدله، فإن قال: أعتقته
عن كفارتي وإلا رددته إلى الرق إن لم يكن
مجزئا فله رده إلى الرق، ثم فرق بينه وبين
مسألة الصوم المذكورة على الأصح فيها بأن
الأصل عدم دخول وقت الصوم، وهنا الأصل بقاء
المال ووجوب الزكاة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: محب الدين، أبو البقاء عبد الله بن
الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري ثم
البغدادي، الأزجي، له: "تفسير القرآن"،
و"إعراب القرآن" "ت 616 هـ". "سير أعلام
النبلاء" 22/91.
(4/251)
ومن شك في بقاء
ماله الغائب، لم يلزمه الإخراج عنه، وكذا إن
علم بقاءه وقلنا الزكاة في العين، وإن قلنا في
الذمة فوجهان، وظاهر اختياره في المستوعب في
فائدة تعلقه بالعين1 أو الذمة أنه يلزمه "م
1".
والأولى مقارنة النية للدفع، ويجوز تقديمها
عليه بزمن يسير، كالصلاة، وسبق فيها خلاف،
ويأتي آخر الباب2 اعتباره في "الروضة" النية
عند الدفع "و م ش" ولو عزل الزكاة لم تكف
النية عنده عنها حالة الدفع مع طول الزمن
"هـ".
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ومن شك في بقاء ماله الغائب
لم يلزمه الإخراج عنه، وكذا إن علم بقاءه
وقلنا الزكاة في العين، فإن قلنا في الذمة
فوجهان، وظاهر اختياره في المستوعب في فائدة
تعلقه بالعين أو الذمة أنه يلزمه، انتهى.
وأطلقهما في الرعايتين والحاويين وابن تميم.
قال ابن رجب في الفائدة الثانية: لو كان
النصاب غائبا لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن
من الأداء منه، نص عليه في رواية مهنا، وصرح
به المجد في شرحه في موضع؛ لأن الزكاة مواساة،
فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع
بالمال، ونص في رواية ابن نواب فيمن وجب عليه
زكاة مال فأقرضه أنه لا يلزمه أداء زكاته حتى
يقبضه، وهذا لعله يرجع إلى أن الزكاة لا تجب
على الفور. وقال القاضي وابن عقيل: يلزمه أداء
زكاته قبل قبضه؛ لأنه في يده حكما، وكذا ذكر
المجد في شرحه في موضع آخر، وأشار في موضع إلى
بناء ذلك على محل الزكاة، فإن قلنا في الذمة
لزمه الإخراج عنه من غيره، وإن قلنا في العين
لم يلزمه الإخراج حتى يتمكن من قبضه، والصحيح
الأول، انتهى كلام ابن رجب ونقله.
وما قدمه من عدم لزوم إخراجه عنه هو الصحيح،
ونص عليه.
ـــــــ
1 من هنا بداية السقط في الأصل إلى ص 265.
2 ص 258.
(4/252)
ويجوز التوكيل
في إخراج الزكاة "و" ولا بد من كون الوكيل
ثقة، نص عليه، وقال في التعليق في الاستئجار
على الحج: لو استناب كافرا يفرق زكاة ماله على
الفقراء أجزأ، على اختلاف في المذهب، كما إذا
استناب الذمي في ذبح أضحيته، على اختلاف
الروايتين، وجزم في منتهى الغاية بجوازه،
كالمسلم.
وفي صحة توكيل مميز فيها وجهان "م 2" ذكره ابن
الجوزي.
فإن نوى الموكل وحده جاز، فإن بعد دفع الوكيل
عن نية المالك فعند القاضي وغيره لا بد من نية
لوكيل، وعند أبي الخطاب وغيره تجزئ بدونها "م
3" "و" ولا تجزئ نية الوكيل وحده "و"؛ لأن
نيته لم يؤذن له فيها،
ـــــــ
والقول الآخر: يلزمه إخراجه عنه، اختاره
القاضي وابن عقيل والمجد في موضع، وظاهر ما
اختاره في المستوعب مخالف للقولين، وما قدمه
في القواعد مخالف أيضا للوجهين ولصاحب
المستوعب، فتلخص مما تقدم ثلاثة طرق أو أربعة،
والله أعلم.
مسألة - 2: قوله: وفي صحة توكيل مميز وجهان،
يعني في إخراج الزكاة، ذكره ابن الجوزي في
المذهب و"مسبوك الذهب":
أحدهما: لا تصح. قلت: وهو الصواب؛ لأنه ليس
أهلا لأداء العبادة الواجبة، ثم وجدت المجد في
شرحه علل بهذا، لكن في غير هذه المسألة.
والوجه الثاني: يصح.
مسألة - 3: قوله: فإن نوى الموكل وحده جاز،
فإن بعد دفع الوكيل عن نية المالك فعند القاضي
وغيره لا بد من نية الوكيل، وعند أبي الخطاب
وغيره تجزئ بدونها، انتهى. وأطلقهما ابن تميم
وابن حمدان في الكبرى:
أحدهما: لا بد من نية الوكيل، والحالة ما ذكر
وهو الصحيح، جزم به
(4/253)
فتقع نفلا ولو
أجازها.
وكذا من أخرج من ماله زكاة عن حي بلا إذنه لم
تجزئه ولو أجازها؛ لأنها ملك المتصدق فوقعت
عنه، بخلاف من أخرجها من مال المخرج عنه بلا
إذنه وأجازها رب النصاب، وصح تصرف الفضولي
موقوفا، فإنها تجزئ؛ لأنها لا تقع عن المخرج.
وإن وكله في إخراج زكاته ودفع إليه مالا وقال:
تصدق به، ولم ينو الزكاة، فنواها الوكيل،
فقيل: لا تجزئه؛ لأنه خصه بما يقتضي النفل،
وقيل تجزئه؛ لأن الزكاة صدقة "م 4"، كقوله:
تصدق به نفلا أو عن كفارتي ثم نوى الزكاة به
قبل أن يتصدق أجزأ عنها؛ لأن دفع وكيله كدفعه،
فكأنه نوى الزكاة ثم دفع بنفسه، كذا علله في
منتهى الغاية "و هـ".
ـــــــ
المستوعب والمغني1 والتلخيص وشرح ابن رزين
وغيرهم، وصححه الشارح وغيره، وقدمه في الرعاية
الصغرى والحاويين، واختاره القاضي وغيره.
والقول الثاني: تكفي نية الموكل، اختاره أبو
الخطاب، والمجد في شرحه، وهو ظاهر ما جزم به
في الخلاصة والمقنع2، وقدمه في المذهب والمحرر
والنظم والفائق وغيرهم.
مسألة - 4: قوله: وإن وكله في إخراج زكاته
ودفع إليه مالا وقال: تصدق به ولم ينو الزكاة
فنواها الوكيل، فقيل: لا تجزئه، لأنه خصه بما
يقتضي النفل، وقيل: تجزئه؛ لأن الزكاة صدقة،
انتهى. وأطلقهما ابن تميم وابن حمدان:
أحدهما: لا تجزئه قلت: وهو الصواب؛ لأنه
الظاهر من لفظ الصدقة، وأيضا الزكاة واجبة
عليه يقينا، فلا تسقط بمحتمل، وأيضا لا بد من
نية الموكل، وهنا لم ينو
ـــــــ
1 4/89.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/165.
(4/254)
وظاهر كلام
غيره: لا يجزئ، لاعتبارهم النية عند التوكيل.
ومن قال لآخر: أخرج عني زكاتي من مالك، ففعل،
أجزأ عن الآمر، نص عليه في الكفارة، وجزم به
جماعة، منهم الشيخ في الزكاة.
ومن أخرج زكاته من مال غصب لم تجزئه، وفيه
خلاف يأتي في تصرف الغاصب1.
ومن دفعها إلى الإمام ونواها دون الإمام جاز؛
لأنه لا تعتبر نية المستحق فكذا نائبه.
وإن نوى الإمام دون رب المال أجزأ عند القاضي
وغيره؛ لأن أخذه كالقسم بين الشركاء، ولأن له
ولاية أخذها، ولا يدفع إليه غالبا إلا الزكاة،
فكفى الظاهر عن النية في الطائع. والإمام ينوب
عن الممتنع فيما تدخله النيابة.
وعند أبي الخطاب وابن عقيل: لا تجزئ؛ لأن
الإمام إما وكيله أو وكيل الفقراء أو وكيلهما،
فتعتبر نية رب المال، وكالصلاة، فعلى هذا تقع
نفلا من الطائع ويطالب بها، وتجزئ من المكره
ظاهرا لا باطنا، كالمصلي كرها، وعند الخرقي
والشيخ: لا تجزئ الطائع، كدفعه إلى الفقير بلا
نية "م 5" ولا ولاية عليه، بخلاف الممتنع
كبيعه ماله في دينه،
ـــــــ
الزكاة في هذا المال، وقد ذكر المصنف وغيره من
الأصحاب أن الموكل إذا لم ينو ونوى الوكيل
أنها لا تجزئه، فكذا هنا، والله أعلم.
والوجه الثاني: تجزئ، لما علله المصنف، وهو
ضعيف، لاشتراط نية الموكل في الإخراج، وهنا لم
توجد، وما علل به المصنف بعد ذلك فيه نظر.
قوله: ومن دفعها إلى الإمام ونواها دون الإمام
جاز، لأنه نائب
ـــــــ
1 6/163 - 164.
(4/255)
وتزويجه
موليته، ولأن الممتنع لو لم تجزئه لم يجز
الأخذ منه، وذكر في منتهى الغاية أن هذا ظاهر
كلام أحمد. وقال القاضي في موضع: لا يحتاج
الإمام إلى نية منه ولا من رب المال.
ولو غاب المالك أو تعذر الوصول إليه بحبس
ونحوه فأخذ الساعي من ماله أجزأ ظاهرا وباطنا؛
لأن له ولاية أخذها إذن، ونية المالك متعذرة
بما يعذر فيه، كصرف الولي زكاة مال موليه.
ـــــــ
(4/256)
فصل: يستحب أن يقول عند دفعها
اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما، لخبر
أبي هريرة: "إذ أعطيتم الزكاة فلا تنسوا
ثوابها أن تقولوا ذلك..." رواه ابن ماجه1 من
رواية البختري بن عبيد، وهو ضعيف.
ـــــــ
المستحق. وإن نوى الإمام دون رب المال أجزأ
عند القاضي وغيره وعند أبي الخطاب وابن عقيل:
لا تجزئ، لأن الإمام إما وكيله أو وكيل
الفقراء أو وكيلهما، فتعتبر نية رب المال،
فعلى هذا تقع نفلا عن الطائع، ويطالب بها،
وتجزئ للمكره ظاهرا لا باطنا، كالمصلي كرها،
وعند الخرقي والشيخ لا تجزئ الطائع، كدفعه إلى
الفقير، بلا نية، انتهى.
إذا أخذ الإمام الزكاة من ربها فلا يخلو، إما
أن يأخذها كرها أو طوعا، فإن أخذها قهرا و2
أخرجها ناويا للزكاة ولم ينوها ربها أجزأت عن
ربها، على الصحيح، قال المجد في شرحه: هذا
ظاهر كلام الإمام أحمد والخرقي لمن تأمله، قال
ابن منجى في شرحه: هذا المذهب. قال في
القواعد: هذا أصح الوجهين، وجزم به في المذهب
ومسبوك الذهب والوجيز وغيرهم، وقدمه في
المغني3،
ـــــــ
1 في "سننه" "1797" وتمامه: "... أن تقولوا
اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما".
2 في "ح": "أو".
3 4/90.
(4/256)
قال بعضهم:
ويحمد الله على توفيقه لأدائها.
ويستحب قول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت،
وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورا. ولم
يأمر عليه السلام سعاته بالدعاء، والأمر في
الآية1؛ للندب. وأجاب بعض العلماء بأن دعاءه
عليه السلام2 سكن لهم، بخلاف غيره. وفي أحكام
القاضي: على العامل إذا أخذ الزكاة أن
ـــــــ
والمقنع3 والتلخيص والشرح3 والحاويين
والرعايتين وصححه، وشرح ابن رزين وغيرهم،
واختاره القاضي في المجرد وغيره من الأصحاب.
وقال أبو الخطاب وابن عقيل: لا تجزئه من غير
نية، واختاره صاحب المستوعب، والشيخ تقي الدين
في فتاويه، قاله الزركشي، قال في القواعد
الأصولية: وهذا أصوب، وصححه في تصحيح المحرر،
وأطلقهما المجد في شرحه ومحرره، وابن تميم
والزركشي وصاحب الفائق وغيرهم.
فعلى الصحيح: تجزئ ظاهرا لا باطنا، وإن أخذها
منه طوعا ونواها الإمام دون ربها لم يجزئه،
على الصحيح من المذهب، قال: هو ظاهر كلام
الإمام أحمد والخرقي لمن تأمله، قال المصنف
هنا: هو قول الخرقي والشيخ، واختاره أيضا أبو
الخطاب وابن عقيل وابن البنا والشارح والشيخ
تقي الدين في فتاويه، وقدمه ابن تميم وابن
رزين في شرحه وصاحب الفائق وغيرهم.
والقول الثاني: تجزئه، اختاره ابن حامد
والقاضي وغيرهما، قال في المستوعب: هو ظاهر
كلام الخرقي.
ـــــــ
1 وهي: قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ
لَهُمْ} [التوبة: 103].
2 أخرج البخاري "1497"، ومسلم "1078" "176" من
حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: "
اللهم صل على آل فلان".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/159.
(4/257)
يدعو لأهلها.
وعلى ظاهرة في الوجوب، وأوجبه الظاهرية وبعض
الشافعية، وقد ذكره صاحب المحرر في قوله: وعلى
الغاسل ستر ما رآه وفي باب الحروف من العدة
والتمهيد: أن على للإيجاب، وفي الصحيحين1 من
حديث أبي موسى: "على كل مسلم صدقة". وفيهما2
من حديث أبي هريرة: "كل سلامى من الناس عليه
صدقة". قال في شرح مسلم: قال العلماء: صدقة
ندب لا إيجاب.
ويستحب إظهار إخراجها، في الأصح والوجه الثالث
إن منعها أهل بلده استحب وإلا فلا.
وإن علمه أهلا للزكاة كره إعلامه بها، نص
عليه، قال أحمد: لم يبكته، يعطيه ويسكت، ما
حاجته إلى أن يقرعه، وذكر بعضهم: تركه أفضل.
وقال بعضهم: لا يستحب، نص عليه، وقيل: يستحب،
وفي الروضة: لا بد من إعلامه. وقال بعضهم: وعن
أحمد نحوه.
وإن علمه أهلا ويعلم من عادته لا يأخذ زكاة
فأعطاه ولم يعلمه لم تجزئه، في قياس المذهب؛
لأنه لم يقبل زكاة ظاهرا، ولهذا لو دفع
المغصوب لمالكه ولم يعلمه أنه له لم يبرأ،
ذكره في منتهى الغاية، كذا قال، ومقتضى هذا
الاعتبار يجب إعلامه مطلقا، ولهذا قال ابن
تميم: وفيه بعد، واختار صاحب الرعاية يجزئه،
وفرض المسألة فيما إذا جهل أنه يأخذ، ويأتي في
الأصل المذكور خلاف متقارب، وقد اعتبره صاحب
المحرر به.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "1445"، ومسلم "1008" "55".
2 البخاري "2707"، ومسلم "1009" "56".
(4/258)
فصل: يجوز لمن وجبت عليه الزكاة
تفرقتها بنفسه "و ش" لقول الله تعالى: {إِنْ
تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} الآية [البقرة: 271]،
وكالدين. ولأن القابض رشيد قبض ما يستحقه،
والإمام وكيله ونائبه، فجاز الدفع إليه،
كالموكل، ويحمل ما خالف ذلك على الجواز، أو أن
الإمام أخذها، أو على من لا يعرف مصارفها، أو
على من تركها جحودا أو بخلا.
وقيل: يجب دفع زكاة المال الظاهر إلى الإمام،
ولا يجزئ دونه "و هـ م" وزاد: وزكاة المال
الباطن، قال أبو حنيفة: وأموال التجار التي
تسافر بها كالظاهرة، فيأخذ العاشر زكاتها إن
بلغت نصابا، للحاجة إلى حمايتها من قطاع
الطريق، إلا أن يكون مما يسرع إليه الفساد،
كالفاكهة، فلا تعشر؛ لأن قطاع الطريق لا
يقصدونه غالبا إلا اليسير منه للأكل، وعند أبي
يوسف ومحمد: يعشر أيضا.
وله دفع الزكاة إلى إمام فاسق "و هـ" قال أحمد
رحمه الله تعالى: الصحابة رضي الله عنهم
يأمرون بدفعها1، وقد علموا فيما ينفقونها. وفي
الأحكام السلطانية: يحرم إن وضعها في غير
أهلها، ويجب كتمها عنه إذن "و م ش".
وتجزئ مطلقا "م ش" لما رواه ابن ماجه،
والترمذي2 وحسنه عن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" 4/115 من
حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه أتى سعد بن
أبي وقاص فقال: إنه قد أدرك لي مال، وأنا أحب
أن أؤدي زكاته، وأنا أجد لها موضعا، وهؤلاء
يصنعون فيها ما قد رأيت؟ فقال: أدها إليهم.
قال: وسألت أبا سعيد مثل ذلك، فقال: أدها
إليهم. قال: وسألت ابن عمر مثل ذلك، فقال:
أدها إليهم.
2 ابن ماجه "1788"، والترمذي "618".
(4/259)
أبي هريرة
مرفوعا: "إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما
عليك" ولأحمد1 عن أنس مرفوعا: "إذا أديتها إلى
رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فلك
أجرها، وإثمها على من بدلها".
وللإمام طلب الزكاة من المال الظاهر والباطن
إن وضعها في أهلها "و" ولو من بلد غلب عليه
الخوارج فلم يؤد أهله الزكاة ثم غلب عليهم
الإمام، "هـ"؛ لأنهم وقت الوجوب ليسوا تحت
حمايته. وفي الأحكام السلطانية: لا نظر له في
زكاة الباطن إلا أن تبذل. وذكر ابن تميم فيما
تجب فيه الزكاة: قال القاضي إذا مر المضارب أو
المأذون له بالمال على عاشر المسلمين أخذ منه
الزكاة، قال: وقيل: لا تؤخذ منه حتى يحضر
المالك.
وإذا طلب2 الزكاة، لم يجب دفعها إليه، وليس له
أن يقاتل على ذلك إذا لم يمنع إخراجها
بالكلية، نص عليه، وجزم به ابن شهاب وغيره،
قال في الخلاف: نص عليه في رواية أحمد بن
سعيد3 في صدقة الماشية والعين: إذا أبى الناس
أن يعطوها الإمام قاتلهم عليها إلا أن يقولوا
نحن نخرجها، وقيل: يجب دفعها إليه إذا طلبها
"و" ولا يقاتل لأجله؛ لأنه مختلف فيه، جزم به
في منتهى الغاية، وجمع به بين الأدلة وصححه
غير واحد، قال في الخلاف: لأنه مما يسوغ فيه
الاجتهاد، كالحكم بشفعة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "المسند" "12394". وأوله: أن رجلا قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أديت
الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله
ورسوله؟ قال: "نعم إذا...".
2 يعني: الإمام. ينظر: المقنع مع الشرح الكبير
والإنصاف 7/157.
3 هو: أبو إبراهيم، أحمد بن سعيد بن إبراهيم
بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري. "ت 273 هـ". "المنهج الأحمد" 1/244.
(4/260)
الجوار على من
لا يراها، وقيل: لا يجب دفع الباطن بطلبه.
وقال بعضهم: وجها واحدا، وذكر شيخنا أن من
أداها لم تجز مقاتلته، للخلف في إجزائها، ثم
ذكر نص أحمد في من قال: أنا أؤديها ولا أعطيها
للإمام: لم يكن له قتاله، ثم قال: من جوز
القتال على ترك طاعة ولي الأمر جوزه، ومن لم
يجوزه إلا على ترك طاعة الله ورسوله لم يجوزه.
ويستحب تفرقة زكاته بنفسه، قال بعضهم: مع
أمانته، وهو مراد غيره، أي من حيث الجملة، نص
عليه. وقال أيضا: أحب إلي أن يقسمها هو. وقيل:
دفعها إلى إمام عادل أفضل، للخروج من الخلاف،
وزوال التهمة، اختاره ابن أبي موسى وأبو
الخطاب "و ش" وقاله "هـ م" حيث جاز الدفع
بنفسه، وعنه: دفع الظاهر أفضل، وعنه: يختص
بالعشر، وعنه: بصدقة الفطر، نقله المروذي.
ويجوز الدفع إلى الخوارج والبغاة، نص عليه في
الخوارج: إذا غلبوا على بلد وأخذوا منه العشر
وقع موقعه. وقال القاضي في موضع: هذا محمول
على أنهم خرجوا بتأويل. وقال في موضع آخر:
إنما يجزئ أخذهم إذا نصبوا لهم إماما، وظاهر
كلامه في موضع من الأحكام السلطانية: لا يجزئ
الدفع إليهم اختيارا، وعنه: التوقف فيما أخذه
الخوارج من الزكاة. وقال القاضي: وقد قيل:
تجوز الصلاة خلف الأئمة الفساق، ولا يجوز دفع
عشر وصدقة إليهم ولا إقامة حد. وعن أحمد نحوه،
والظاهر أن المراد بجواز الدفع الإجزاء: لأنه
لا يجوز الدفع إليهم في المنصوص، وإن أجزأ في
المنصوص.
ـــــــ
...............................
(4/261)
وهل للإمام طلب
النذر والكفارة؟ على وجهين م 6" أحدهما له
ذلك، نص عليه في كفارة الظهار.
وقال الحنفية: إذا أخذ الخوارج زكاة السائمة
فقيل: تجزئ؛ لأن الإمام لم يحمهم، والجباية
بالحماية، وقيل: لا؛ لأن مصرفها للفقراء ولا
يصرفونها إليهم، ولهم قول ثالث: إن نوى التصدق
عليهم أجزأ، وكذلك الدفع إلى كل1؛ جائر؛ لأنهم
بما عليهم من التبعات فقراء.
ـــــــ
1 بعدها في "ط": "جائز".
(4/262)
فصل: يحرم نقل الزكاة مسافة قصر لساع وغيره
سواء كان لرحم وشدة حاجة أو لا، نص على ذلك "و
ش" وفي تعليق القاضي وابن البنا: يكره، ونقل
بكر بن محمد1: لا يعجبني، فإن فعل ففي الإجزاء
روايتان "م 7".
ـــــــ
مسألة - 6 : قوله: وهل للإمام طلب النذر
والكفارة؟ على وجهين، انتهى. وأطلقهما ابن
تميم وابن حمدان في الرعايتين، وصاحب
الحاويين:
إحداهما: له ذلك، نص عليه في الكفارة والظهار،
قاله المصنف2. قلت: وهو الصواب، قال ابن تميم
وهو المنصوص في كفارة الظهار، قال في الرعاية
الكبرى: وله طلب كفارة الظهار، نص عليه، وفي
النذر وبقية الكفارات، وقيل: مطلقا وجهان،
انتهى. والوجه الثاني ليس له ذلك.
مسألة - 7: قوله: يحرم نقل الزكاة مسافة قصر
فإن فعل ففي الإجزاء روايتان، انتهى، وأطلقهما
في الهداية وعقود ابن البناء والفصول،
ـــــــ
1 هو: أبو محمد بكر بن محمد، النسائي الأصل،
البغدادي المنشأ، وكان أحمد يقدمه، وعنده عن
أحمد مسائل كثيرة. "تسهيل السابلة" 1/209".
2 الذي في قول المصنف: كفارة الظهار،
بالإضافة. فلعل "و" محرفة عن "في".
(4/262)
واختار الخرقي
وابن حامد والقاضي وجماعة: لا تجزئ "و هـ م ق"
كصرفها في غير الأصناف، والعمومات لا تتناوله،
لتحريمه. وفي "منتهى الغاية": لأنه مكروه،
واختار أبو الخطاب والشيخ وغيرهما: تجزئ.
وعنه: يجوز نقلها إلى الثغر1. وعلله القاضي
بأن مرابطة الغازي به قد تطول ولا يمكنه
المفارقة2. ثم إن حاجة الأخذ فيه لا تعتبر،
فكذا المكان، وعنه: يجوز إلى غير الثغر أيضا
"و م" مع رجحان الحاجة، وكرهه "هـ" إلا لقرابة
أو رجحان حاجة، واختار الآجري جوازه لقرابة،
ويجوز النقل دون مسافة قصر، نص عليه؛ لأنه في
حكم بلد واحد، بدليل أحكام رخص السفر،
وللشافعية وجهان، ويتوجه احتمال، وقد علل صاحب
ـــــــ
والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة
والكافي3، والمقنع4، والهادي، والتلخيص
والبلغة وشرح المجد وابن منجا والشرح4
والرعايتين والحاويين والفائق وتجريد العناية
والزركشي وغيرهم:
إحداهما: تجزئه، وهو الصحيح من المذهب، جزم به
في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم،
وصححه في التصحيح، واختاره أبو الخطاب وصاحب
المغني5، وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم، قال
القاضي: ظاهر كلام الإمام أحمد يقتضي ذلك، ولم
أجد فيه نصا في هذه المسألة، وقدمه في
المغني5، وشرح ابن رزين
ـــــــ
1 الثغر: بالسكون ويحرك: ما يلي دار الحرب،
وموضع المخافة من فروج البلدان. "القاموس
المحيط" "ثغر".
2 في "ب": "المغارة".
3 2/190.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/171.
5 4/131.
(4/263)
المحرر عدم
النقل في الجملة بأن فقراء كل مكان لا يعلم
بهم غالبا إلا أهله. وكذلك تجب نفقة الفقير
على من علم بحاله، وبذل الطعام للمضطر، ويحرم
نقله عنه إلى مضطر أو محتاج في مكان آخر، قال:
ويؤيد ذلك ما رواه أحمد1 عن ابن عمر مرفوعا:
"أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت
عنهم ذمة الله".
وإن كان ببادية أو خلا بلده من مستحق لها
فرقها في أقرب البلاد منه، عند كل من لم ير
نقلها؛ لأنه كمن عنده المال بالنسبة إلى غيره،
وأطلق في الروضة، ونقلها عليه "م ر" كوزن
وكيل. والسفار بالمال يزكي في موضع أكثر إقامة
المال فيه، نقله الأكثر، لتعلق الأطماع به
غالبا، وظاهر نقل محمد بن الحكم: يفرقه في
البلدان التي كان بها في الحول، وعند القاضي:
هو كغيره اعتبارا بمكان الوجوب، لئلا يفضي إلى
تأخير الزكاة.
ولا يجوز نقل الزكاة لاستيعاب الأصناف إن تعذر
بدونه ووجب، ذكره في منتهى الغاية، ويتوجه
احتمال2. وللشافعية وجهان.
ـــــــ
والرواية الثانية: لا تجزئه، اختارها الخرقي
وابن حامد والقاضي وجماعة، قاله المصنف، وصححه
الناظم، وهو ظاهر ما في الإيضاح والعمدة
والمحرر والتسهيل وغيرهم، لاقتصارهم على عدم
الجواز، والله أعلم.
ـــــــ
1 في "المسند" "4880".
2 يعني: بالجواز. قال المرداوي: وما هو ببعيد.
المقنع معه الشرح الكبير والإنصاف 7/175.
(4/264)
ومن لزمه زكاة
المال في بلد وماله في بلد آخر فرقها في بلد
المال، نص عليه "و" فإن كان متفرقا زكى كل مال
حيث هو، فإن كان النصاب من السائمة فقيل:
يلزمه1 في كل بلد بقدر ما فيه من المال، لئلا
ينقل الزكاة إلى غير بلده، وقيل: يجوز الإخراج
في بعضها، لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان.
وفي منتهى الغاية: هو ظاهر كلام أحمد "م 8".
وسبقت زكاة الفطر في بابها في آخر الفصل
الثاني2، وأنها تجب في بلد البدن.
ويجوز نقل النذر والكفارة والوصية في الأصح
"و".
ـــــــ
مسألة - 8: قوله: ومن لزمته زكاة المال في بلد
وماله في بلد آخر فرقها في بلد المال، نص
عليه، فإن كان متفرقا زكى كل مال حيث هو، فإن
كان نصابا من السائمة فقيل: يلزمه في كل بلد
بقدر ما فيه من المال، لئلا ينقل الزكاة إلى
غير بلده وقيل: يجوز الإخراج في بعضها، لئلا
يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان. وفي منتهى
الغاية: هو ظاهر كلام أحمد، انتهى. وأطلقهما
المجد في شرحه، والشيخ في الكافي3:
القول الأول: ظاهر كلام كثير من الأصحاب،
وقدمه في الرعاية الكبرى.
والقول الثاني: هو الصواب، لما علله به
المصنف، ويغتفر مثل ذلك لأجل التشقيص.
ـــــــ
1 هنا نهاية السقط في الأصل.
2 ص 226.
3 2/191.
(4/265)
وإذا حصل عند
الإمام ماشية استحب له "هـ" أن يسم1 الإبل
والبقر في أفخاذها، والغنم في آذانها، للأخبار
في الوسم2، ولخفة الشعر في ذلك فيظهر، ولأنه
يتميز، فإن كانت زكاة كتب: "لله" أو "زكاة"
وإن كانت جزية كتب: "صغار" أو "جزية"؛ لأنه
أقل ما يتميز به، وذكر أبو المعالي أن الوسم
بحناء أو بقير3 أفضل.
ـــــــ
1 قال في "المطلع" "ص 140" نقلا عن "المطالع":
الميسم: حديدة يوسم بها الإبل، والسيمة:
العلامة، والوسم: الفعل.
2 من ذلك ما أخرج البخاري "1502"، ومسلم
"2119" "109" بنحوه عن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال: غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعبد الله بن أبي طلحة؛ ليحنكه، فوافيته
في يده الميسم، يسم إبل الصدقة.
3 القير: بالكسر، والقار: شيء أسود يطلى به
السفن، والإبل، أو هما الزفت "القاموس
المحيط": "القير".
(4/266)
فصل: لا يجزئ إخراج قيمة الزكاة طائعا
"و م ش" أو مكرها "م" لقوله عليه السلام
لمعاذ1: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم،
والبعير من الإبل، والبقر من البقر" رواه أبو
داود وابن ماجه2. وفيه انقطاع. والجبرانات
المقدرة في خبر الصديق رضي الله عنه الذي رواه
البخاري وغيره3، تدل على أن القيمة لا تشرع،
وإلا كانت عبثا.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو عبد الرحمن، معاذ بن جبل بن عمرو،
الأنصاري، الخزرجي، المدني، البدري، شهد
العقبة شابا أمرد. وهو أحد من جمع القرآن على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم
الأمة بالحلال والحرام. "ت 17 هـ". "سير أعلام
النبلاء" 1/443.
2 أبو داود "1599"، وابن ماجه "1814".
3 تقد تخريجه في ص 16.
(4/266)
وكسمينة عن
مهزولتين، وكالمنفعة، وكنصف صاع جيد عن صاع
رديء أو نصف صاع تمر عن، صاع شعير مثله في
القيمة، "و" مع تجويز المخالف ثوبا عن الإطعام
في الكفارة بطريق القيمة، وكعدوله عن السجود
الواجب إلى وضع الخد، أو عن الركوع إليه، وإن
كان أبلغ في الخضوع، أو عن الأضحية إلى أضعاف
قيمتها.
وعنه: تجزئ القيمة "و هـ" وعنه: في غير زكاة
الفطر، وعنه: تجزئ للحاجة، من تعذر الفرض
ونحوه، نقلها وصححها جماعة، وقيل: ولمصلحة،
وذكر بعضهم رواية: تجزئ للحاجة إلى البيع، قال
ابن البنا في شرح المجرد: إذا كانت الزكاة
جزءا لا يمكن قسمته جاز صرف ثمنه إلى الفقراء
قال وكذا كل ما يحتاج إلى بيعه، مثل أن يكون
بعيرا لا يقدر على المشي.
وهل يجزئ نقد عن آخر "و م" أم لا؟ فيه
الروايتان، وقدم بعضهم أنه لا يجزئ مطلقا، وعن
ابن حامد: أنه يخرج ما فيه حظ الفقراء "م 9".
ـــــــ
مسألة - 9: قوله: وهل يجزئ نقد عن آخر؟ فيه
الروايتان، وقدم بعضهم أنه لا يجزئ مطلقا، وعن
ابن حامد ما فيه حظ للفقراء، انتهى.
الظاهر: أنه أراد بالروايتين اللتين ذكرهما
قبل ذلك في جواز إخراج القيمة، فإن كان أراد
ذلك فقد قدم أنه لا يجزئ إخراجها، فلا يجزئ
إخراج نقد عن آخر، على الصحيح، بناء على هذا.
ويحتمل أنه أراد روايتي تكميل أحدهما من الآخر
اللتين ذكرهما في باب زكاة الذهب والفضة، وهو
الصواب.
(4/267)
وإن أجزأ، ففي
فلوس عنه وجهان "م 10". وعنه يجزئ عما يضم
إليه.
ـــــــ
إذا علمت ذلك فالمصنف قد أطلق الخلاف هناك في
التكميل، وذكرنا الصحيح من الروايتين، وقد
أطلق الخلاف في هذه المسألة أعني إجزاء إخراج
نقد عن آخر صاحب الهداية والفصول والمذهب
ومسبوك الذهب والمستوعب والمقنع1، والتلخيص،
والشرح1، والنظم والحاوي الصغير وغيرهم:
إحداهما: يجوز ويجزئ، وهو الصحيح، قال في
الفائق: ويجوز في أصح الروايتين، قال الشيخ في
المغني2: وهي أصح، ونصرها الشريف أبو جعفر في
رءوس المسائل، والشارح وصححها في التصحيح
والحاوي الكبير، وجزم بها في الإفادات، وقدمها
ابن تميم وغيره. قلت: وهو الصواب.
والرواية الثانية: لا يجزئه، جزم به الآدمي في
منتخبه، وقدمه في الخلاصة والمحرر والرعايتين،
قال ابن منجى في شرحه: وهي أصح، واختارها أبو
بكر، كما اختار عدم الضم، ووافقه أبو الخطاب
وصاحب الخلاصة هنا، وخالفاه في الضم، فاختارا
جوازه، وصحح الشيخ والشارح جواز الإخراج، ولم
يصححا شيئا في الضم، وصحح في الفائق عدم الضم،
وصحح جوازا3 إخراج أحدهما عن الآخر، كما تقدم
عنه، قال ابن تميم: وعنه4: لا يجوز، واختلف
أصحابنا في ذلك، فمنهم من بناه على الضم،
ومنهم من أطلق، انتهى. قلت: بناهما على الضم
في المستوعب والكافي5. قال في الحاويين: وهل
يجزئ مطلقا إخراج أحد النقدين عن الآخر إذا
قلنا بالضم؟ على وجهين.
مسألة - 10: قوله: وإن أجزأ ففي الفلوس عنه
وجهان، انتهى، وأطلقهما المجد في شرحه، وابن
تميم وصاحب الفائق والحاويين والرعايتين.
وقال: قلت:
ـــــــ
1 المقنع مع شرح الكبير والإنصاف 7/15 - 17.
2 4/136.
3 ليست في "ط".
4 في "ح": "وغيره".
5 2/149.
(4/268)
وعنه: تجزئ
القيمة، وهي الثمن لمشتري ثمرته التي لا تصير
تمرا وزبيبا من الساعي قبل جذاذه "و م ش"
والأشهر أنه لا يصح شراؤه، فلا تجزئ القيمة.
وإن باع النصاب قبل إخراج زكاته وصح في
المنصوص "و" فعنه: له أن يخرج من ثمنه وأن
يخرج من جنس النصاب، ونقل عنه صالح وابن
منصور: إذا باع ثمره أو زرعه وقد بلغ ففي ثمنه
العشر أو نصفه، ونقل أبو طالب: يتصدق بعشر
الثمن، قال القاضي: أطلق القول هنا أن الزكاة
في الثمن، وخير في رواية أبي داود، وعنه: لا
يجوز أن يخرج من الثمن. قال القاضي: الروايتان
هنا بناء على روايتي إخراج القيمة. وقال: هذا
المعنى قبله أبو إسحاق1 وغيره، وقاله بعده
آخرون. وقال أبو حفص البرمكي: إذا باع فالزكاة
في الثمن، وإن لم يبع فالزكاة فيه. وقال
القاضي أيضا: يمكن أن يقال ذلك وقال كالمهر
إذا طلقها فإنه يرجع فيه مع بقائه، وإلا إلى
قيمته عند تلفه، ولم تكلف المرأة الدفع إليه
من جنس ماله. وذكر
ـــــــ
إن جعلت ثمنا جاز، وإلا فلا، وقد قدم هنا أنها
أثمان. وقال في الحاويين بعد أن حكى الخلاف في
إجزاء إخراج أحد النقدين عن الآخر: إما مطلقا
أو إذا قلنا بالضم وعليهما 2"يجرى إجزاء"2
الفلوس. وقال في الرعايتين: وعنه: يجوز إخراج
أحدهما عن الآخر بالحساب مع الضم، وقيل: وعدمه
مطلقا، وفي إجزاء الفلوس عنها مع الإخراج
المذكور وجهان، انتهى.
قلت: ظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم الإجزاء،
والصواب الإجزاء إذا كانت نافعة، والله أعلم.
ـــــــ
1 هو أبو إسحاق ابن شاقلا.
2 في "ح": "يجزئ إخراج".
(4/269)
ابن أبي موسى
الروايتين في إخراج ثمن الزكاة بعد البيع إذا
تعذر إخراج المثل، وعن أبي بكر: إذا لم يقدر
على تمر وزبيب ووجد رطبا وعنبا، أخرجه وزاد
بقدر ما بينهما "م 11"، وقد سبق معناه وسبق
شرط زكاته على المشتري في الفصل السابع في
زكاة الثمر1.
ـــــــ
مسألة - 11: قوله: وإن بلغ النصاب قبل إخراج
زكاته وصح في المنصوص فعنه: له أن يخرج من جنس
النصاب، ونقل صالح وابن منصور إن باع ثمره أو
زرعه وقد بلغ ففي ثمنه العشر أو نصفه، ونقل
أبو طالب: يتصدق بعشر الثمن وعنه لا يجوز أن
يخرج من الثمن، قال القاضي: الروايتان هنا
بناء على روايتي إخراج القيمة، وقال هذا
المعنى قبله أبو إسحاق، وقاله بعده آخرون، قال
أبو حفص البرمكي: إذا باع فالزكاة في الثمن،
وإن لم يبع فالزكاة فيه. وقال القاضي أيضا:
يمكن أن يقال ذلك وذكر ابن أبي موسى الروايتين
في إخراج ثمن الزكاة بعد البيع إذا تعذر إخراج
المثل، وعن أبي بكر: إن لم يقدر على تمر وزبيب
ووجد رطبا وعنبا أخرجه وزاد بقدر ما بينهما،
انتهى.
وأطلق الإجزاء وعدمه ابن تميم وابن حمدان في
الكبرى:
إحداهما: لا يجزئ الإخراج من ثمنه. قلت: وهو
الصواب، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وبناء
القاضي وأبي إسحاق ومن بعدهما يدل على ذلك،
وقد قال المجد في شرحه: وإذا تصرف في الثمرة
أو الزرع وقد بدا الصلاح واشتد الحب ببيع أو
هبة أو غيرهما صح تصرفه قبل الخرص وبعده،
وتبقى الزكاة على البائع والواهب تمرا، وعنه:
يجزئه عشر الثمن، والأول أصح، لعموم الخبر
بإيجاب التمر والزبيب2. انتهى
ـــــــ
1 ص 91.
2 أخرج أبو داود "1603"، والترمذي "644"،
والنسائي في "المجتبى" 5/109 عن عتاب بن أسيد،
قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته
زبيبا، كما تؤخذ زكاة النخل تمرا
(4/270)
فصل: ويجب على الإمام
أن يبعث السعاة عند قرب الوجوب لقبض زكاة
المال الظاهر، وأطلق الشيخ، لأن النبي صلى
الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم كانوا
يفعلونه1، ومن الناس من لا يزكي ولا يعلم ما
عليه، ففي إهمال ذلك ترك للزكاة، ولم يذكر
جماعة هذه المسألة، فيؤخذ منه: لا يجب، ولعله
أظهر.
ويجعل حول الماشية المحرم؛ لأنه أول السنة،
وتوقف أحمد في ذلك، وميله إلى شهر رمضان.
ويستحب أن يعد الماشية على أهلها على الماء أو
في أفنيتهم، للخبر2. وإن أخبره صاحب المال
بعدده قبل منه ولا يحلفه، كما سبق.
ـــــــ
فصحح3 ما قلنا، والله أعلم.
والرواية الثانية: يجوز، ويجزئ عشر ثمنه.
ـــــــ
1 أخرج البخاري "1395"، ومسلم "19" "21" من
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى
الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن. فذكر
الحديث. وفيه: "فإياك وكرائم أموالهم". وهو
دليل على أمره إياه بجمع الصدقات. وأخرج
البخاري "1454" عن ثمامة بن عبد الله بن أنس،
أن أنسا حدثه، أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له
هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: هذه فريضة
الصدقة. وذكر الحديث بطوله. وفيه بيان أنصبة
الزكاة ومقاديرها والأمر بجمعها.
2 أخرج أحمد "6730" من حديث عبد الله بن عمرو،
أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "تؤخذ
صدقات المسلمين عند مياههم". وله "6692" ولأبي
داود "1591" من حديثه أيضا، قال: لما دخل رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكة... الحديث. وفيه:
"لا جلب، ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في
ديارهم".
3 يعني: المجد في "شرحه" المذكور.
(4/271)
وإن وجد مالا
لم يحل حوله فإن عجل ربه زكاته وإلا وكل ثقة
يقبضها ثم يصرفها في مصرفها، وله جعل ذلك إلى
رب المال إن كان ثقة، وإن لم يجد ثقة فقال
القاضي: يؤخرها إلى العام الثاني. وقال
الآمدي: لرب المال أن يخرجها. وقال في
الكافي1: إن لم يعجلها فإما أن يوكل من يقبضها
منه عند حولها وإما أن يؤخرها إلى الحول
الثاني "م 12".
وإذا قبض الساعي الزكاة فرقها في مكانه وما
قاربه، فإن فضل شيء حمله، وإلا فلا، كما سبق2.
وللساعي بيع مال الزكاة من ماشية وغيرها لحاجة
أو مصلحة، وصرفه في الأحظ للفقراء أو حاجتهم،
حتى في إجارة مسكن. وإن باع
ـــــــ
مسألة - 12: قوله فيما إذا لم يجد الساعي ثقة
يوكله في قبض ما تأخر وجوبه: فقال القاضي:
يؤخرها إلى العام الثاني. وقال الآمدي: لرب
المال أن يخرجها. وقال في الكافي: إن لم
يعجلها فإما أن يوكل من يقبضها منه عند حولها،
وإما أن يؤخرها إلى الحول الثاني، انتهى
وأطلقهما ابن تميم:
قول القاضي: هو الصحيح، حيث وجدت تهمة، وهو
ظاهر كلامه في الكافي، وقطع به في الرعاية
الكبرى.
وقول الآمدي: لم أر من اختاره، وهو قوي إن طلع
على إخراج رب المال.
ـــــــ
1 1/182.
2 ص 265.
(4/272)
لغير حاجة
ومصلحة فذكر القاضي: لا يصح؛ لأنه لم يؤذن له،
فيضمن قيمة ما تعذر رده، وقيل: يصح، قدمه
بعضهم "م 13"، لما روى أبو عبيد في "الأموال"1
عن قيس بن أبي حازم2، أن النبي صلى الله عليه
وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها
المصدق، فقال: إني ارتجعتها بإبل، فسكت. ومعنى
الرجعة، أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها.
واقتصر الشيخ على البيع إذا خاف تلفه، قال:
لأنه موضع ضرورة، ثم ذكر الخلاف في غير ذلك،
ومال إلى الصحة، وكذا جزم ابن تميم أنه لا
يبيع لغير حاجة، كخوف تلف ومؤنة نقل، فإن فعل
ففي الصحة وجهان.
ـــــــ
مسألة - 13: قوله: وإن باع يعني الساعي لغير
حاجة ومصلحة، فذكر القاضي: لا يصح. وقيل: يصح،
قدمه بعضهم، انتهى، وأطلقهما ابن تميم وصاحب
الحاويين، و3"ظاهر الشرح4 إطلاق الخلاف"3:
أحدهما: لا يصح البيع قلت: وهو ظاهر كلام كثير
من الأصحاب، حيث قيدوا الجواز بما إذا رآه
مصلحة، قال في المغني5: له بيعها لمصلحة وكلفة
في نقلها أو مرضها أو غيرها.
والقول الثاني: يصح، قدمه في الرعايتين، فقال
في آخر الباب: وإن باع شيئا لغير حاجة ومصلحة
صح، وقيل: لا، فيضمن قيمة ما تعذر رده، انتهى.
ومال في الكافي6 إلى الصحة، 3"وهو احتمال
للشيخ في المغني، ومال إليه"3.
ـــــــ
1 بل في "غريب الحديث" 1/222. وأخرجه ابن
زنجويه في "الأموال" "1555".
2 هو: أبو عبد الله، قيس بن أبي حازم، البجلي،
الأحمسي، الكوفي، أسلم وأتى النبي صلى الله
عليه وسلم، ليبايعه، فقبض نبي الله. وقيس في
الطريق ولأبيه أبي حازم صحبة. "ت 84 هـ"
"تهذيب الكمال" 24/10، "سير أعلام النبلاء"
4/198.
3 ليست في "ح".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/177.
5 4/134.
6 2/192.
(4/273)
وإن أخر الساعي
قسمة زكاة عنده بلا عذر، كاجتماع الفقراء أو
الزكوات، لم يجز، ويضمن، لتفريطه، وكذا إن
طالب أهل الغنيمة بقسمتها فأخر بلا عذر، وإنما
لم يضمن الوكيل مال موكله الذي تلف بيده قبل
طلبه؛ لأن للموكل طلبه، فتركه رضا ببقائه
بيده، وليس للفقراء طلب الساعي بما بيده ليكون
ترك الطلب دليل الرضا به، ذكر ذلك أبو
المعالي، وذكر ابن تميم وغيره: إن تلفت بيد
إمام أو ساع بتفريط ضمنها. وتأخيرها ليحضر
المستحق ويعرف قدر حاجته ليس بتفريط.
وإن أخر الوكيل تفرقة مال، فيأتي في آخر
الوديعة1 أنه يضمن، في الأصح، خلافا للشافعية؛
لأنه لا يلزمه، بخلاف الإمام. كذا قالوا. .
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 7/211.
(4/274)
فصل: ومن أخرج زكاة فتلفت قبل أن يقبضها
الفقير
لزمه بدلها
"هـ" كما قبل العزل، لعدم تعيينها به، بدليل
جواز العود فيها إلى غيرها ولم يملكها
المستحق، كمال معزول لو قارب الدين، بخلاف
الأمانة، ولو كان تعيين المخرج إليه ثم المخرج
والمعزول إن كان من مال الزكاة سقط قدر زكاته
إن قلنا بالسقوط بالتلف، وفي سقوطها عن الباقي
إن نقص عن نصاب الخلاف.
ويشترط لملك الفقير لها، وإجزائها قبضه، ولا
يصح تصرفه قبله.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
(4/274)
نص عليه.
وخرج صاحب المحرر في المعينة المقبولة:
كالمقبوضة، كالهبة وصدقة التطوع والرهن، قال:
والأول أصح، للأمر بها بلفظ الإيتاء والأداء
والأخذ والإعطاء، وعن محمد بن إبراهيم1 - وهو
مجهول - عن محمد بن زيد العبدي وليس بالقوي عن
شهر بن حوشب وهو مختلف فيه عن أبي سعيد قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء
الصدقات حتى تقبض رواه أحمد وابن ماجه2.
ولو قال الفقير لرب المال اشتر لي بها ثوبا
ولم يقبضه منه لم يجزئه. ولو اشتراه كان له،
وإن تلف فمن ضمانه، ويتوجه تخريج من إذنه
لغريمه في الصدقة بدينه عنه أو صرفه أو
المضاربة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: محمد بن إبراهيم، الباهلي، البصري، قال
عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال:
مجهول. روى له الترمذي وابن ماجه حديثا واحدا.
"تهذيب الكمال" 24/335.
2 أحمد "11377"، وابن ماجه "2196".
(4/275)
فصل: يجوز تعجيل الزكاة
قبل الحول إذا تم النصاب، جزم به الأصحاب "م"
لقصة العباس1، ولأنه حق مال أجل للرفق، فجاز
تعجيله قبل أجله، كالدين المؤجل ودية الخطأ،
نقل الجماعة: لا بأس به، زاد الأثرم: هو مثل
الكفارة قبل الحنث، والظهار أصله، فظاهره
أنهما على حد واحد فيهما
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1أخرجه أبو داود "1624"، وابن ماجه "1795"،
والترمذي "678" عن علي رضي الله عنه؛ أن
العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل
صدقته قبل أن يحل فرخص له في ذلك.
(4/275)
الخلاف في
الجواز والفضيلة، وظاهر كلام الأصحاب أن ترك
التعجيل أفضل، ويتوجه احتمال: تعتبر المصلحة،
ونص في المغني1 أن تأخير الكفارة بعد الحنث
ليس بأفضل قال: كتعجيل الزكاة وكفارة القتل،
وأن الخلاف المخالف لا يوجب تفضيل المجمع
عليه، كترك الجمع بين الصلاتين، مع أنه حكى
روايتين: هل الجمع أفضل؟ وفي كلام القاضي
وغيره منهم صاحب المحرر أنهما سببان2، فقدم
على أحدهما وفي كلام الشيخ وغيره: شرطان، وفي
كلام بعضهم: سبب وشرط.
وجوزه أصحاب "م" سوى أشهب3 بالزمن اليسير،
ونقله ابن القاسم عن مالك، وكذا ابن عبد الحكم
وقال: كالشهر ونحوه4.
وهل لولي رب المال أن يعجل زكاته؟ فيه وجهان
"م 14".
ـــــــ
مسألة - 14: قوله: وهل لولي رب المال أن يعجل
زكاته؟ فيه وجهان، انتهى، وأطلقهما في
الرعايتين ومختصر ابن تميم والحاوي الكبير
والفائق:
أحدهما: يجوز، قدمه في تجريد العناية، وهو
ظاهر كلام كثير من الأصحاب هنا، قال ابن تميم:
وهو ظاهر كلامه.
والوجه الثاني: لا يجوز. 5"وهو الصواب"5،
وصححه ابن نصر الله في حواشيه، وهو ظاهر كلام
جماعة في باب الحجر، حيث قالوا: يجب عليه أن
يعمل ما فيه الأحظ له
ـــــــ
1 13/483.
2 أي: النصاب والحول. ينظر: المقنع مع الشرح
الكبير والإنصاف 7/180.
3 هو: أبو عمر، أشهب بن عبد العزيز بن داود
القيسي العامري، انتهت إليه رئاسة الفقه في
مصر بعد موت ابن القاسم، خرج له أصحاب السنن.
"ت 204 هـ". "شجرة النور الزكية" 1/59.
4 انظر: "النوادر والزيادات" لابن أبي زيد
القيرواني 2/190 - 191.
5 ليست في "ص".
(4/276)
ولا يصح
التعجيل قبل تمام النصاب "و" بلا خلاف نعلمه،
قاله في المغني1، ومنتهى الغاية، وزاد:
فيسترجع إن أعلم الفقير بالتعجيل وإلا كانت
تطوعا ولم يسترد منه، وسواء عجل زكاته أو زكاة
نصاب.
ويجوز لعامين، لقصة العباس2، ولأنه عجلها بعد
سببها وعنه: لا؛ لأن حولها لم ينعقد، كتعجيلها
قبل تمام نصابها. والنصاب سبب لزكاة واحدة لا
لزكوات، للإجحاف برب المال.
فعلى الأولى: لا يجوز له لثلاثة أعوام فأكثر.
قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية فيه، اقتصارا
على ما ورد. وعنه يجوز "و هـ ق" لما سبق
وكتقديم الكفارة قبل مدة الحنث، بأعوام.
وإذا قلنا تعجل لعامين فعجل عن أربعين شاة
شاتين من غيرها جاز، ومنها: لا يجوز عنهما،
وينقطع الحول، وكذا لو كان التعجيل لشاة واحدة
عن الحول الثاني وحده؛ لأن ما عجله منه للحول
الثاني زال ملكه عنه فنقص به. ولو قلنا: يرتجع
ما عجله؛ لأنه تجديد ملك، فإن ملك شيئا استأنف
الحول من الكمال. وقيل: إن عجل شاتين3 من
الأربعين، أجزأ
ـــــــ
في ماله. قلت: ويحتمل قول ثالث، وهو ما إذا
حصل فائدة أو قحط وحاجة شديدة فإنه يجوز وإلا
فلا، وهو أقوى4 من الوجه الأول والله أعلم.
ـــــــ
1 4/80.
2 أخرج أبو عبيد في "الأموال" "1886" عن علي
رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
تعجل من العباس صدقة سنتين. وفي معناه ما
أخرجه البخاري "1468"، ومسلم "983" "11" من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة...
وفيه: "وأما العباس: فهي علي ومثلها معها".
وتراجع ص 243 من "حاشية ابن قندس".
3 في الأصل: "شاة".
4 في "ح": "قول".
(4/277)
عن الحول الأول
إن قلنا يرجع، وإن عجل واحدة منها وأخرى من
غيرها جاز، جزم به في منتهى الغاية، لأن نقص
النصاب بتعجيل قدر ما يجب عند الحول لا يمنع.
وقال الشيخ: تجزئ واحدة عن الحول الأول فقط.
وإن ملك نصابا فعجل زكاة نصابين من جنسه أو
أكثر من نصاب أجزأ عن النصاب دون الزيادة، نص
عليه "و ش"؛ لأنه عجل زكاة مال لم يملكه، فلم
يوجد السبب كما في النصاب الأول، أو من غير
جنسه، وعنه: يجزئ عن الزيادة أيضا، لوجود سبب
الزكاة في الجملة، ويتوجه منها احتمال تخريج:
يضمه إلى الأصل في حول الوجوب، فكذا في
التعجيل "و هـ" وصاحبيه، ولهذا اختار في
الانتصار: يجزئ عن المستفاد من النصاب
فقط،.................
ـــــــ
...............................
(4/278)
وقيل به إن لم
يبلغ المستفاد نصابا؛ لأنه يتبعه في الوجوب
والحول، كموجود، وإذا بلغه استقل بالوجوب في
الجملة لو لم يوجد الأصل.
ولو عجل عن خمس عشرة وعن نتاجها بنت مخاض
فنتجت مثلها فالأشهر لا تجزئه، ويلزمه بنت
مخاض.
وهل له أن يرتجع المعجلة؟ على وجهين "م 15".
فإن جاز فأخذها، ثم
ـــــــ
مسألة - 15: قوله: ولو عجل عن خمس عشرة وعن
نتاجها بنت مخاض فنجت مثلها فالأشهر لا تجزئه
ويلزمه بنت مخاض، وهل له أن يرتجع المعجلة؟
على وجهين، انتهى، وأطلقهما المجد في شرحه،
وابن تميم، وابن حمدان في
(4/279)
دفعها إلى
الفقير جاز، وإن اعتد بها قبل أخذها فلا؛
لأنها على ملك الفقير.
ولو عجل مسنة عن ثلاثين بقرة ونتاجها فالأشهر
لا تجزئه عن الجميع، بل عن ثلاثين، وليس له
ارتجاعها، ويخرج للعشر ربع مسنة. وعلى قول ابن
حامد يخير بين ذلك وبين ارتجاع المسنة ويخرجها
أو غيرها عن الجميع.
ولو عجل عن أربعين شاة شاة، ثم أبدلها بمثلها،
أو نتجت أربعين سخلة، ثم ماتت الأمات1، أجزأ
المعجل عن البدل والسخال؛ لأنها تجزئ مع بقاء
الأمات1 عن الكل، فعن أحدهما أولى. وذكر أبو
الفرج وجها: لا تجزئ؛ لأن التعجيل كان لغيرها.
فعلى الأول؛ لو عجل شاة عن مائة شاة أو تبيعا
عن ثلاثين بقرة ثم نتجت الأمات1 مثلها وماتت
أجزأ المعجل عن النتاج؛ لأنه يتبع في الحول.
وقيل: لا؛ لأنه لا يجزئ مع بقاء الأمات1.
فعلى الأول لو نتجت نصف الشاة مثلها ثم ماتت
أمات الأولاد أجزأ المعجل عنها، وعلى الثاني
تجب شاة، جزم به الشيخ؛ لأنه نصاب
ـــــــ
"الرعاية الكبرى":
إحداهما: له أن يرتجعها قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: ليس له ذلك.
ـــــــ
1 هي لغة في جمع "الأم"، وحكى في "القاموس
المحيط" عن بعض أهل اللغة أنها تختص بمن لا
يعقل، كما تختص "أمهات" بمن يعقل.
(4/280)
لم يزكه. وجزم
في منتهى الغاية بنصف شاة؛ لأنه قسط السخال من
واجب المجموع، ولم يصح التعجيل عنها. وقال أبو
الفرج: لا يجب شيء، قال ابن تميم: وهو أشبه
بالمذهب.
ولو نتجت نصف البقر مثلها ثم ماتت الأمات أجزأ
التعجيل، جزم به الشيخ؛ لأن الزكاة وجبت في
العجول تبعا لأماتها، وجزم في منتهى الغاية:
على الثاني نصف تبيع بقدر قيمتها، قسطها من
الواجب.
ولو عجل عن أحد نصابيه وتلف لم يصرفه إلى
الآخر "و" كما لو عجل شاة عن خمس من الإبل
فتلفت وله أربعون شاة لم يجزئه عنها.
وفي تخريج القاضي: من له ذهب وفضة وعروض فعجل
عن جنس منها ثم تلف صرفه إلى الآخر، ومن له
ألف درهم، وقلنا يجوز التعجيل لعامين، وعن
الزيادة قبل حصولها، فعجل خمسين وقال: إن ربحت
ألفا قبل الحول فهي عنها وإلا كانت للحول
الثاني، جاز،
ـــــــ
...............................
(4/281)
كإخراجه عن مال
غائب إن كان سالما وإلا فعن الحاضر؛ لأنه لا
يشترط تعيين المخرج عنه.
ومن عجل عن ألف يظنها له فبانت خمسمائة أجزأ
عن عامين.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
(4/282)
فصل: إن أخذ الساعي فوق حقه
اعتد بالزيادة من سنة ثانية، نص عليه. وقال
أحمد رحمه الله: يحتسب ما أهداه للعامل من
الزكاة أيضا، وعنه: لا يعتد بذلك، قدم هذا
الإطلاق غير واحد، وجمع الشيخ بين الروايتين
فقال: إن كان نوى المالك التعجيل اعتد وإلا
فلا، وحملها1 على ذلك، وحمل صاحب المحرر رواية
الجواز على أن الساعي أخذ الزيادة بنية الزكاة
إذا نوى التعجيل وإن علم أنها ليست عليه
وأخذها لم يعتد بها على الأصح؛ لأنه أخذها
غصبا قال: ولنا رواية: إن من ظلم في خراجه
يحتسبه من العشر أو من خراج آخر، فهذا أولى.
ونقل عنه حرب في أرض صلح يأخذ السلطان منها
نصف الغلة: ليس له ذلك، قيل له: فيزكي المالك
عما بقي في يده؟ قال: يجزئ ما أخذه السلطان عن
الزكاة، يعني إذا نوى به المالك. وقال ابن
عقيل وغيره: إن زاد في الخرص هل يحتسب
بالزيادة من الزكاة؟ فيه روايتان، قال: وحمل
القاضي المسألة أنه يحتسب بنية المالك وقت
الأخذ، وإلا لم يجزئه. وقال شيخنا: ما أخذه
باسم الزكاة ولو فوق الواجب بلا تأويل اعتد به
وإلا فلا. وفي الرعاية: يعتد بما أخذ، وعنه:
بوجه سائغ، وعنه: لا، وكذا ذكره
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب": "حملهما".
(4/282)
ابن تميم في
آخر فصل شراء الذمي لأرض عشرية، وقدم: لا يعتد
به.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو أبو حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني
الرزاز أحد أئمة بغداد من الحنابل، له "شرح
الهداية" "ت 556 هـ". "سير أعلام النبلاء"
20/396.
(4/283)
فصل: وإذا تم الحول
ونصابه ناقص قدر ما عجله أجزأه
وكان حكم ما عجله كالموجود في ملكه يتم به
النصاب؛ لأنه كموجود في ملكه وقت الحول في
إجزائه عن ماله، كما لو عجله إلى الساعي وحال
الحول وهو بيده مع زوال ملكه؛ لأنه لا يملك
ارتجاعه، وللساعي صرفه بلا ضمان، بخلاف زوال
ملكه ببيع وغيره. وقال أبو حكيم1: لا يجزئ
ويكون نفلا ويكون كتالف "و هـ".
فعلى الأول؛ لو ملك مائة وعشرين شاة ثم نتجت
قبل الحول واحدة لزمه شاة ثانية، وعلى الثاني
لا، ولو عجل عن ثلاثمائة درهم خمسة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو أبو حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني
الرزاز أحد أئمة بغداد من الحنابل، له "شرح
الهداية" "ت 556 هـ". "سير أعلام النبلاء"
20/396.
(4/283)
دراهم، ثم حال
الحول لزمه زكاة مائة، درهمان ونصف، ونقله
مهنا.
ـــــــ
...............................
(4/284)
وعلى الثاني:
يلزمه زكاة اثنين وتسعين درهما ونصف درهم "*".
ولو عجل عن ألف خمسة وعشرين منها ثم ربحت خمسة
وعشرين لزمه زكاتها.
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: وإذا تم الحول ونصابه ناقص
قدر ما عجله أجزأه، وكان حكم ما عجله كالموجود
في ملكه يتم به النصاب. وقال أبو حكيم: لا
يجزئ ويكون نفلا، ويكون كتالف، فعلى الأول لو
عجل عن ثلاثمائة درهم خمسة دراهم ثم حال الحول
لزمه زكاة مائة، درهمان ونصف، ونقله مهنا،
وعلى الثاني يلزمه زكاة اثنين وتسعين درهما
ونصف درهم، انتهى.
تابع المصنف المجد في هذا البناء على القول
الثاني وهو خطأ، وإنما يلزمه زكاة خمسة وتسعين
درهما لا زكاة اثنين وتسعين درهما ونصف، كما
قالا، لأن التعجيل إنما هو خمسة لا غير،
فالباقي من غير تعجيل خمسة وتسعون، فيلزمه
زكاتها، وهو واضح جدا، فالظاهر أنه سبقه قلم،
فلذلك حصل الخلل، والله أعلم.
(4/285)
وعلى الثاني
لا.
ولو تغير بالمعجل قدر الفرض قدر كذلك، وعلى
الثاني لا.
وإن نتج المال ما يغير الفرض "*"، كتعجيل تبيع
عن ثلاثين بقرة، فنتجت عشرا، فقيل: لا يجزئه
المعجل عن شيء، لتبين أن الواجب غيره، وهل له
ارتجاعه؟ فيه وجهان، وقيل يجزئه عما عجله عنه،
ويلزمه للنتاج ربع مسنة، لئلا يمتنع المالك من
التعجيل غالبا "م 16، 17".
ـــــــ
مسألة - 16 - 17: قوله: وإن نتج المال ما يغير
الفرض، كتبيع عن ثلاثين بقرة، فنتجت عشرا،
فقيل: لا يجزئه المعجل عن شيء، لتبين أن
الواجب غيره، وهل له استرجاعه؟ فيه وجهان،
وقيل: يجزئه عما عجله عنه، ويلزمه للنتاج ربع
مسنة؟ لئلا يمتنع المالك من التعجيل غالبا،
انتهى، اشتمل كلامه على مسألتين:
المسألة الأولى - 16: إذا نتج المال ما يغير
الفرض، كتعجيل تبيع عن ثلاثين من البقر، فنتجت
عشرا، فهل يجزئه المعجل عما عجله، ويلزمه
للنتاج ربع مسنة؟ أو لا يجزئه عن شيء لتبين أن
الواجب غيره؟ أطلق الخلاف، وأطلقه المجد في
شرحه وابن تميم:
أحدهما: لا يجزئه عن شيء، لما علله به المصنف،
قدمه ابن حمدان في الرعاية الكبرى.
والوجه الثاني: يجزئه عما عجله، ويلزمه للنتاج
ربع مسنة، وهو أولى، لتحصل فائدة التعجيل.
المسألة الثانية - 17: إذا قلنا لا يجزئه ما
عجله، فهل له استرجاع المعجل أم لا؟ أطلق
الخلاف، وأطلقه المجد في شرحه وابن تميم وابن
حمدان.
أحدهما: له استرجاعه. قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: ليس له ذلك.
"*" تنبيه: قوله: "وإن نتج المال ما يغير
الفرض" قال شيخنا: لو قال المصنف: ما
(4/286)
وإن عجل عشر
الزرع والثمرة بعد ظهوره أجزأه، ذكره في
الهداية وغيرها؛ لأن ذلك كالنصاب، والإدراك
كالحول "و هـ" وقيل: يجوز بعد ملك الشجر ووضع
البذر في الأرض؛ لأنه لم يبق للوجوب إلا مضي
الوقت عادة، كالنصاب الحولي، وقد نقل صالح
وابن منصور: للمالك أن يحتسب في العشر مما زاد
عليه الساعي لسنة أخرى. وقيل: لا يجوز حتى
يشتد الحب ويبدو صلاح الثمرة؛ لأنه السبب،
اختاره في الانتصار ومنتهى الغاية "و ش" وجزم
ابن تميم أن سبب الوجوب بظهور ذلك.
ـــــــ
يغير صفة الفرض كما قال المجد في شرحه، بزيادة
لفظة: صفة لكان أولى.
ـــــــ
(4/287)
فصل: وإن عجل الزكاة
فمات قابضها أو ارتد أو استغنى من غيرها قبل
الحول أجزأت، في الأصح "ش"1، كما لو استغنى
منها أو عدمت عند الحول؛ لأنه يعتبر وقت القبض
"و" ولهذا لو عجلها إلى غير مستحقها، ثم وجبت
وقد استحقها، أو صرفها بعد وجوبها بمدة إلى
مستحق كان عند وجوبها غير مستحق، أجزأته،
ولئلا يمتنع التعجيل، وكما لو عجل الكفارة
بعتق ما يجزئ فصار عند الوجوب لا يجزئ.
وإن مات المالك أو ارتد أو تلف النصاب أو نقص
فقد بان أن المخرج غير زكاة "و" لانقطاع
الوجوب بذلك. وقيل: إن مات بعد أن عجل وقعت
الموقع وأجزأت عن الوارث. وللشافعية وجهان؛
لأن غايته وقوع التعجيل قبل الحول المزكى عنه،
فهو كتعجيلها لحولين، والفرق: أن
ـــــــ
يغير صفة الفرض كما قال المجد في شرحه، بزيادة
لفظة: صفة لكان أولى.
ـــــــ
1 ليست في "س".
(4/287)
التعجيل وجد
منه من نفسه مع حول ملكه، لكن إن قلنا: له
ارتجاعها فله فعله، لينقطع ملك الفقير عنها ثم
يعيدها إليه معجلة إن شاء، كدين على فقير لا
يحتسبه من الزكاة، فلو استوفاه منه جاز صرفها
إليه.
وإذا بان المعجل غير زكاة فوجهان، وذكر أبو
الحسين روايتين:
إحداهما: لا يملك الرجوع فيه مطلقا "و هـ"
اختاره أبو بكر وغيره، قال القاضي وغيره: وهو
المذهب، لوقوعه نفلا، بدليل ملك الفقير لها،
وكصلاة يظن دخول وقتها فبان لم يدخل، قال في
"منتهى الغاية": هو ظاهر المذهب، قال: كما لو
أداها يظنها عليه فلم تكن، وذكره القاضي، وذكر
بعضهم فيها: يرجع، في الأصح، كعتقه عن كفارة
لم تجب فلم تجب.
والثانية: يملك الرجوع فيه "و ش" وذكرها في
الوسيلة أيضا، وفي الخلاف أومأ إليه في رواية
مهنا فيمن دفع إلى رجل من زكاة ماله ثم علم
غناه يأخذها منه، اختاره ابن حامد وابن
شهاب،..................
ـــــــ
...............................
(4/288)
وأبو الخطاب "م
18". واحتج في الانتصار برواية مهنا المذكورة،
كما لو عجل الأجرة ثم تلف المأجور، والفرق
وقوعها نفلا، بخلاف الأجرة1، وكما لو كانت بيد
الساعي عند التلف فإن له ارتجاعها، بالاتفاق،
قاله صاحب الفصول، وكذا في منتهى الغاية قال:
لأن قبضه للفقراء إنما هو في الصدقة الواجبة،
فأما النافلة فلرب المال ويكون وكيله في
إخراجها؛ لأنه ليس له ولاية أخذها، وقبضه
للمعجلة
ـــــــ
مسألة - 18: قوله: وإذا بان المعجل غير زكاة
فوجهان، وذكر أبو الحسين روايتين:
إحداهما: لا يملك الرجوع فيه مطلقا، اختاره
أبو بكر وغيره، قال القاضي وغيره: هو المذهب.
لوقوعه نفلا... قال في منتهى الغاية: هو ظاهر
المذهب.
والثانية: يملك الرجوع فيه، وذكرها في الوسيلة
أيضا، وفي الخلاف أومأ إليه في رواية مهنا
اختاره ابن حامد وابن شهاب وأبو الخطاب، انتهى
كلام المصنف، وأطلقهما في الهداية والمذهب
والمستوعب والمغني2 والكافي3، والشرح4،
والحاوي الكبير وغيرهم:
أحدهما: لا يرجع، وهو الصحيح، قال في
الرعايتين: لم يرجع، في الأصح، وجزم به في
الخلاصة والوجيز ومنتخب الآدمي والمنور
وغيرهم، وقدمه في المقنع4، والمحرر والحاوي
الصغير وغيرهم، قال المجد في شرحه: هذا ظاهر
المذهب، قال القاضي وغيره: هذا المذهب،
واختاره أبو بكر وغيره، قال في الهداية وغيره:
اختاره أبو بكر والقاضي.
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 4/84.
3 2/183.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/194.
(4/289)
موقوف إن بان
الوجوب1، فيده للفقراء، وإلا فيده للمالك،
وذكر ابن تميم: أن بعض الأصحاب قطع به. وقال
غير واحد على هذه الرواية: إن كان الدافع ولي
رب المال رجع مطلقا، وإن كان رب المال ودفع
إلى الساعي مطلقا رجع فيها ما لم يدفعها إلى
الفقير، وإن دفعها إليه فهو كما لو دفعها إليه
رب المال، وجزم غير واحد عن ابن حامد: إن كان
الدافع لها الساعي رجع مطلقا، وإن أعلم رب
المال للساعي بالتعجيل ودفع إلى الفقير رجع
عليه، أعلمه الساعي به أم لا، وقيل: لا يرجع
عليه ما لم يعلم به، وإن دفع إلى الفقير
وأعلمه بأنها زكاة معجلة رجع عليه، وقيل: يرجع
وإن لم يعلمه، وقيل: إن علم أنها زكاة رجع
عليه، وإلا فلا، وقيل في الولي أوجه، الثالث
يرجع إن أعلمه، وكذا من دفع إلى الساعي، وقيل:
يرجع إن أعلمه وكانت بيده.
ومتى كان رب المال صادقا فله الرجوع باطنا،
أعلمه بالتعجيل أو لا، لا ظاهرا، مع الإطلاق؛
لأنه خلاف الظاهر. وإن اختلفا في ذكر التعجيل،
صدق الآخذ؛ عملا بالأصل، ويحلف. جزم به في
المغني2، ومنتهى الغاية وأطلق بعضهم وجهين.
ولو مات، وادعى3 علم وارثه، ففي يمينه على نفي
العلم هذا
ـــــــ
والرواية الثانية: يملك الرجوع، اختاره ابن
حامد وابن شهاب وأبو الخطاب، كما قال المصنف.
ـــــــ
1 ليست في "ب".
2 4/87.
3 أي: إذا مات الآخذ واختلف وارثه والمخرج.
ينظر: المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/200.
(4/290)
الخلاف، وقيل:
يصدق المالك، وجزم به أبو المعالي؛ لأنه
المملك له، فهو كقوله دفعته قرضا وقال الآخر
هبة.
ومتى رجع فإن كانت العين باقية أخذها بزيادتها
المتصلة لا المنفصلة، لحدوثها في ملك الفقير،
كنظائره، وأشار أبو المعالي إلى تردد الأمر
بين الزكاة والقرض، فإذا تبينا أنها ليست
بزكاة بقي كونها قرضا، وقيل: يرجع بالمنفصلة،
كرجوع بائع المفلس المسترد عين ماله بها.
وإن نقصت عنده ضمن نقصها كجملتها وأبعاضها،
كمبيع ومهر، وقيل: لا يضمن.
وإن كانت تالفة ضمن مثلها أو قيمتها يوم
التعجيل، والمراد والله أعلم ما قاله صاحب
المحرر: يوم التلف على صفتها يوم التعجيل؛ لأن
ما زاد بعد القبض حدث في ملك الفقير فلا
يضمنه، وما نقص يضمنه.
وإن استسلف الساعي الزكاة فتلفت بيده لم
يضمنها وكانت من ضمان الفقراء. 1"سواء سأله
الفقراء"1 ذلك أو سأله رب المال أو لم يسأله
أحد؛ لأن له قبضها، كولي اليتيم، ولهذا لا
يملك المالك العود فيها، وإنها 2"بيده
للفقراء"2 أمانة، وله الولاية عليهم، لعدم
حصرهم، وكما لو سأله الفقراء قبضها أو قبضها
لحاجة صغارهم، وكما بعد الوجوب، وإنما ضمن
وكيل قبض مؤجلا قبل أجله لتعديه، ذكره في
الانتصار، ويتوجه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "س": "بيد الفقير".
(4/291)
تخريج واحتمال.
وقدم ابن تميم: إن تلفت بيد الساعي ضمنت من
مال الزكاة، وقيل: لا، وذكر ابن حامد أن
الإمام يدفع إلى الفقير عوضها من مال الصدقات،
ومذهب الشافعي: إن قبضها لنفع الفقراء لا
بسؤالهم ضمنها؛ لأنهم أهل رشد، وإن كان بسؤال
المالك فمن ضمانه، كوكيله، وإن كان بسؤال
الفريقين فلأصحابه وجهان: هل هي من ضمان
المالك، أو الفقراء؟
وإن لم يتم شرط الوجوب في المعجلة كنقص النصاب
أو غيره فمن ضمان المالك؛ لأنه أمينه؛ لأن
أمانته للفقراء تختص الواجب. وتعمد المالك
إتلاف النصاب أو بعضه بعد التعجيل لا فارا من
الزكاة كتلفه بغير فعله في الرجوع، وقيل: لا
يرجع. وقيل: فيما إذا تلف1 دون الزكاة،
للتهمة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ب" و"ر": "أتلف".
(4/292)
فصل :وإن أعطى من ظنه مستحقا فبان كافرا
أو عبدا أو شريفا لم يجز، في الأشهر "هـ" وجزم
به جماعة، وجزم به بعضهم في الكفر، لتقصيره،
ولظهوره غالبا، فيسترد في ذلك بزيادة مطلقا،
ذكره أبو المعالي، وكذا ذكر الآجري وغيره أنه
يستردها، وكذا إن بان قريبا لا يجوز الدفع
إليه، عند
ـــــــ
...............................
ـــــــ
(4/292)
أصحابنا. وسوى
في الرعاية بينها وبين مسألة الغنى، وأطلق
روايتين، ونص أحمد: يجزئه، اختاره صاحب
المحرر، قال: لخروجها عن ملكه، بخلاف ما إذا
صرفها وكيل المالك إليه وهو فقير فلم يعلمها
لا تجزئ، لعدم خروجها عن ملكه، وإن بان الآخذ
غنيا أجزأته، نص عليه. قال صاحب المحرر:
اختاره أصحابنا، للمشقة، لخفاء ذلك عادة، فلا
يملكها الآخذ، لتحريم الأخذ، وعنه: لا يجزئه،
اختاره الآجري،
ـــــــ
...............................
(4/293)
وصاحب المحرر
وغيرهما "و م ش" كما لو بان عبده، وكحق
الآدمي، ولبقاء ملكه، لتحريم الأخذ، ويرجع على
الغني بها وبقيمتها إن تلفت يوم تلفها إذا علم
أنها زكاة، رواية واحدة، ذكره القاضي وغيره.
قال ابن شهاب: ولا يلزم إذا دفع صدقة التطوع
إلى فقير فبان غنيا؛ لأن مقصده في الزكاة
إبراء الذمة، وقد بطل ذلك، فيملك الرجوع
والسبب الذي أخرج لأجله في التطوع الثواب، ولم
يفت، فلم يملك الرجوع وسبق رواية مهنا في
الزكاة المعجلة وكلام أبي الخطاب وغيره. وذكر
ابن تميم كما ذكره القاضي، وذكر أيضا ما ذكره
بعضهم: أن كل زكاة لا تجزئ أو إن بان الآخذ
غنيا فالحكم في الرجوع كالمعجلة.
وإن دفع الإمام أو الساعي الزكاة إلى من ظنه
أهلا فلم يكن فروايات، الثالثة: لا يضمن إذا
بان غنيا، ويضمن في غيره، وهو أشهر، وجزم صاحب
المحرر وغيره: لا يضمن مع الغنى، وفي غيره
روايتان، وقدم في الرعاية الصغرى الضمان، ولم
يذكر التفرقة كذا قال "م 19" وكذا الكفارة.
ـــــــ
مسألة - 19: قوله: وإن دفع الإمام أو الساعي
الزكاة إلى من ظنه أهلا فلم يكن فروايات،
الثالثة: لا يضمن إذا بان غنيا، ويضمن في
غيره، وهو أشهر، وجزم صاحب المحرر وغيره: لا
يضمن مع الغنى، وأطلق في غيره روايتين، وقدم
في الرعاية الصغرى الضمان ولم يذكر التفرقة،
كذا قال، انتهى. وتبع صاحب
(4/294)
ومن ملك الرجوع
ملكه وارثه.
ولا يدفع الزكاة إلا إلى من يظنه من أهلها،
فلو لم يظنه من أهلها ثم بان منهم لم تجزئه،
خلافا للأصح للحنفية، ويتوجه تخريج من الصلاة
إذا أصاب القبلة. ويأتي في الغارمين أنه يشترط
في الزكاة تمليك المعطي1. وسبق نحوه قبل فصول
التعجيل2، والله أعلم.
ـــــــ
الحاويين صاحب الرعاية الصغرى في ذلك، وأطلق
الروايات ابن تميم:
إحداهن: رواية التفرقة، وهي أنه لا يضمن إذا
بان غنيا ويضمن في غيره، وهو الصحيح من
المذهب، قال المصنف، هذا أشهر، قال المجد في
شرحه: لا يضمن مع الغني، وجزم به، قال القاضي
في المجرد: لا يضمن الإمام إذا بان غنيا، بغير
خلاف، وصححه في الأحكام السلطانية.
والرواية الثانية: يضمن مطلقا، قدمه في
الرعاية الكبرى فقال: وإن ظنه الساعي أو
الإمام أهلا فلم يكن ضمنها، وعنه: لا يضمن،
وعنه: إن بان من أخذها غنيا وإلا ضمن، وقيل:
إن بان غنيا أجزأت ولم يملكها، وعنه: لا تجزئ
ويرجع بها على الغني إذا علم أنها زكاة، رواية
واحدة، وقيل: إن ظنه الإمام فقيرا فبان غنيا
لم يضمن، وإن ظنه حرا مسلما فبان عبدا أو
كافرا ضمن. انتهى.
وذكره الأقوال الثلاثة الآخرة ليس فيه كبير
فائدة، فإن قوله في القول الأول منهما "ولم
يملكها" الذي يظهر أن هذا ليس فيه نزاع، وأنه
لا يملكها ألبتة، وقوله في القول الثاني:
"ويرجع بها على الغني إذا علم، رواية واحدة"
وهذا أيضا مما لا نزاع فيه فيما يظهر.
3"والقول الثالث من جملة الروايات الثلاث
الأول، ولكنه فرق بين الإمام، وغيره. والذي
يظهر"3 أنه لا فرق بين الإمام والساعي،
والمسألة فيهما، فحكايته لهذه
ـــــــ
1 ص 340.
2 ص 274.
3 ليست في "ص".
(4/295)
...............................
ـــــــ
الأقوال1 دليل على أنها غير الروايات الأول2.
وليس الأمر كذلك، وإنما هي حكايات عبارات
الأصحاب، والله أعلم.
فهذه تسع عشرة مسألة قد فتح الله بتصحيحها.
ـــــــ
1 ليست في "ص".
2 ليست في "ح".
(4/296)
باب ذكر أصناف أهل الزكاة وما يتعلق بذلك
مدخل
...
1باب ذكر أصناف أهل2 الزكاة وما يتعلق بذلك
وهم ثمانية3 "ع" في قوله تعالى: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]
الآية. قال أحمد: إنما هي لمن سماه الله
تعالى. قال الأصحاب: "إنما" تفيد الحصر، قال
في منتهى الغاية: وكذلك تعريف الصدقات بالألف
واللام يستغرقها كلها، فلو جاز صرف شيء منها
إلى غير الثمانية لكان لهم بعضها لا كلها،
وسبق حكم الصدقة المطلقة في كفارة وطء
الحائض4، وسئل5 شيخنا عمن ليس معه ما يشتري
كتبا يشتغل فيها فقال: يجوز أخذه منها ما
يشتري له به6 منها ما يحتاج إليه من كتب العلم
التي لا بد لمصلحة دينه ودنياه. وسبق أول زكاة
الفطر7.
وصح عن أنس والحسن أنهما قالا: ما أعطيت من
الجسور والطرق فهي صدقة قاضية8، أي: مجزئة.
ومعناه لمن9 بالجسور والطرق من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 من هنا بدأ السقط في "ب"، وينتهي بانتهاء
كتاب الزكاة.
2 ليست في الأصل و"س".
3 بعدها في الأصل: "اصناف".
4 1/360.
5 من هنا بدأ السقط في الأصل، وينتهي في الباب
نفسه ص 412 قبل قوله: "استكثارا كان عنده".
6 ليست في "س".
7 ص 213.
8 أخرجه أبو عبيد في "الأموال" "1819".
9 في "س": "كمن".
(4/297)
العشارين
وغيرهم ممن يقيمه السلطان لأخذ ذلك، كذا ذكره
أبو عبيد وغيره. وذكر عن ميمون بن مهران1:
2"لا يعتد"2 بما3 أخذه العاشر4 "خ" وعن ربعي
بن حراش5 أنه مر بالعاشر، فأخفى كيسا معه حتى
جاوزه6. وكذلك7 في كتاب أبي عبيد8، وكتاب صاحب
"الوهم": من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو أيوب، ميمون بن مهران. أصله كوفي،
ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز. "ت 117 هـ".
"تقريب التهذيب" ص 488.
2 في "س": "أن لا يعتد".
3 في "ط": "بنا".
4 أخرجه أبو عبيد في "الأموال" "1825".
5 هو: أبو مريم، ربعي بن حراش، تابعي ثقة. "ت
100 هـ". "تقريب التهذيب" ص 145.
6 أخرجه أبو عبيد في "الأموال" "1826".
7 في "ط": "ولذلك".
8 في "س": "عبيدة".
(4/298)
الجسور والطرق،
ولم يقولا: في الجسور والطرق. وفي المغني1:
"في"2. واحتج عليهما بالآية، كذا قال، ورده في
منتهى الغاية.
فالفقير: من وجد يسيرا من كفايته أولا "و ش"
والمسكين من وجد أكثرها أو نصفها، وعنه أنه
فقير، والأول مسكين، وأن المسكين أشد حاجة،
اختاره ثعلب "و هـ م" وهو من أصحابنا، وليسا
سواه "ق" وابن القاسم المالكي وغيره منهم.
ومن ملك 3"من غير نقد"3 ما لا يقوم بكفايته
فليس بغني ولو كثرت قيمته، قال أحمد: إذا كان
له عقار أو ضيعة يستغلها عشرة آلاف أو أكثر لا
يقيمه يعني لا يكفيه يأخذ من الزكاة، وقال
فيمن له أخت لا ينفق عليها زوجها: يعطيها، فإن
كان لها4 حلي قيمته خمسون درهما فلا، قيل له:
الرجل يكون له الزرع القائم وليس عنده ما
يحصده5، أيأخذ من الزكاة؟
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 4/125.
2 ليست في "ط".
3 تكررت في "س".
4 في "ط": "عندها".
5 بعدها في "ط": "به".
(4/299)
قال: نعم يأخذ،
قال شيخنا: وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة
مؤنته وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة.
قال في الخلاف: نص على أن الحلي كالدراهم في
المنع، وسبق ذلك ومن له كتب يحتاجها للحفظ
والمطالعة أول زكاة الفطر1. وقال عيسى بن جعفر
لأبي عبد الله: الرجل له الضيعة2 يغل منها ما
يقوته ثلاثة أشهر من أول السنة يأخذ من
الصدقة؟ قال: إذا نفدت ويأخذ من الزكاة تمام
كفايته سنة. وعنه: يأخذ تمام كفايته دائما
بمتجر أو آلة صنعة ونحو ذلك، ولا يأخذ ما يصير
به غنيا وإن كثر "خ" للآجري وشيخنا، لمقارنة
ـــــــ
.................
ـــــــ
1 ص 212.
2 في "ط": "الصنعة".
(4/300)
المانع، كزيادة
المدين والمكاتب على قضاء دينهما، وإن ملك من
النقد
ـــــــ
...............................
(4/301)
ما لا يقوم
بكفايته فكغيره، نقله مهنا، واختاره ابن شهاب
وأبو الخطاب وقالا: يأخذ كفايته دائما، ونقل
الجماعة: لا يأخذ من ملك خمسين درهما أو
قيمتها ذهبا وإن كان محتاجا، ويأخذ من لم
يملكها وإن لم يكن محتاجا "*" واختاره الأكثر
"خ".
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله فيمن ملك مالا يقوم بكفايته:
ونقل جماعة لا يأخذ من ملك خمسين درهما أو
قيمتها ذهبا وإن كان محتاجا، ويأخذ من لم
يملكها وإن لم يكن محتاجا، انتهى، فقوله في
الرواية: "ويأخذ من لم يملكها وإن لم يكن
محتاجا" فيه شيء، إذ قد قال الأصحاب: لا يأخذ
مع عدم الحاجة، بلا خلاف، وصرح به هنا في
المغني1، والشرح2 وغيرهما. قال الزركشي: وقد
يقال: ظاهر الخرقي أن من له حرفة ولا يملك
خمسين أو من ملك دونها ولا حرفة له أن له أخذ
الزكاة وإن كان ذلك يقوم بكفايته، وليس كذلك،
إذ من حصلت له الكفاية بصناعة وغيرها ليس له
أخذها وإن لم يملك شيئا. وفي كلام الخرقي
إيماء إليه، إذ3 لفظ الفقير والمسكين يشعر
بالحاجة، ومن له كفاية ليس بمحتاج، انتهى.
قلت: وكلام المصنف في حد المسكين يدل عليه،
والله أعلم، نبه على ذلك شيخنا في حواشيه.
ـــــــ
1 4/120.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 218 - 219.
3 في "ح": "و".
(4/302)
قال ابن شهاب:
اختاره أصحابنا، ولا وجه له في المغني1، وإنما
ذهب إليه أحمد رحمه الله، لخبر ابن مسعود2 رضي
الله عنه، ولعله لما بان له ضعفه رجع عنه، أو
قال ذلك3 لقوم بأعيانهم كانوا يتجرون بالخمسين
فتقوم بكفايتهم، وأجاب غير ابن شهاب بضعف
الخبر، ثم حمله الشيخ وغيره على المسألة،
فتحرم المسألة ولا يحرم الأخذ، وحمله صاحب
المحرر على أنه عليه السلام قاله في وقت كانت
الكفاية الغالبة فيه بخمسين درهما4، ولذلك جاء
التقدير عنه3 بأربعين وبخمس أواق وهي مائتان،
ووجه الجمع بين الكل ما ذكرنا.
وهل يعتبر الذهب بقيمة الوقت؛ لأن الشرع لم
يحده؟ أو يقدر بخمسة دنانير،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 4/118 - 120.
2 هو قوله صلى الله عليه وسلم: "من سأل وله ما
يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خموشا، أو
خدوشا، أو كدوما في وجهه" ، فقيل يا رسول
الله: ما الغنى؟ قال : "خمسون درهما أو قيمتها
من الذهب" . أخرجه أبو داود "1626"، والترمذي
"651"، والنسائي في "المجتبى" 5/97، وابن ماجه
"1840".
3 ليست في "ط".
4 ليست في "س".
(4/303)
لتعلقه
بالزكاة؟ فيه وجهان "م 1"، ونص أحمد فيمن معه
خمسمائة وعليه ألف: لا يأخذ، وحمل على أنه
مؤجل أو على ما نقله الجماعة، وليس المانع من
أخذ1 الزكاة ملكه نصابا أو قيمته فاضلا عما
يحتاجه فقط "هـ" أو ملكه كفايته "م ش"، وعياله
مثله، فيأخذ لكل واحد منهم خمسين أو قدر
كفايته، على الخلاف، وإن ادعاهم قلد وأعطى،
اختاره القاضي والأكثر؛ لأن الظاهر صدقة؛ لأنه
لا2 يتبين كذبه غالبا، وتشق إقامة البينة لا
سيما على الغريب، واعتبر ابن عقيل البينة "و
ش" عملا بالأصل، وإن ادعى الفقر من عرف غناه
لم يقبل إلا بثلاثة شهود، نص عليه، لخبر
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: ونقل جماعة: لا يأخذ من ملك
خمسين درهما أو قيمتها ذهبا.. وهل يعتبر الذهب
بقيمة الوقت، لأن الشرع لم يحده؟ أو يقدر
بخمسة دنانير لتعلقها بالزكاة؟ فيه وجهان،
انتهى. وأطلقهما المجد في شرحه، وقال: ذكرهما
القاضي فيما وجدته بخطه على تعليقه، واختار في
الأحكام السلطانية الوجه الثاني، انتهى، الوجه
الأول ظاهر كلام كثير من الأصحاب قلت: وهو
الصواب، والوجه الثاني اختاره القاضي في
الأحكام السلطانية كما قال المجد.
ـــــــ
1 في "ط": "أخذه".
2 ليست في "س".
(4/304)
قبيصة1. وقيل:
يقبل باثنين "و" كدين الآدمي؛ لأن خبر قبيصة
في حل المسألة، فيقتصر عليه، أجاب به جماعة
منهم الشيخ، وعنه2: يعتبر في الإعسار ثلاثة،
واستحسنه شيخنا؛ لأن حق الآدمي آكد، ولخفائه،
فاستظهر بالثالث، والمذهب الأول، ذكره جماعة،
ولا يكفي في الإعسار شاهد ويمين. وقال شيخنا:
فيه نظر، ومن جهل حاله وقال لا كسب لي ولو كان
جلدا يخبره أنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب
"هـ م" ويعطيه بلا يمين "و" للخبر الصحيح3،
وإخباره بذلك يتوجه وجوبه، وهو ظاهر كلامهم:
أعطاه بعد أن يخبره، وقولهم: أخبره وأعطاه،
لفعله عليه السلام، واحتياطا للعبادة، والأصل
عدم العلم، وفي السؤال المحتاج وغيره، والأصل
عدم الترجيح، فلا تبرأ الذمة بالشك، وعن
الحسين بن علي رضي الله عنهما، مرفوعا:
"للسائل حق وإن جاء على فرس" . رواه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "1044" "109" بلفظ: "يا قبيصة! إن
المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل
حمالة، فحلت له المسألة حتى يمسك، ورجل أصابته
جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب
قواما من عيش - أو قال: سداد من عيش - ورجل
أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من
قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، وحلت له المسألة،
حتى يصيب قواما من عيش..." وقبيصة: هو أبو
بشر، قبيصة بن المخارق الهلالي. له صحبة، سكن
البصرة. "أسد الغابة" 4/383، والإصابة" 7/132.
2 بعدها في "س": "و".
3 تقدم تخريجه ص 303.
(4/305)
أحمد1 وقال:
ليس له أصل، وأبو داود2 من رواية يعلى بن أبي
يحيى، وهو مجهول، واختلف في سماع الحسين، قال
في المنتقى: وهو حجة في قبول قول السائل من
غير تحليف وإحسان الظن به وليست المسألة
بحرفه، وإن تفرغ قادر على الكسب للعلم وتعذر
الجمع وقيل: لعلم يلزمه أعطي، وإن تفرغ
للعبادة فلا.
ولو سأله من ظاهره الفقر أن يعطيه شيئا فأعطاه
فقيل: يقبل قول الدافع في كونه قرضا3، كسؤاله
مقدرا كعشرة دراهم، وقيل: لا يقبل، كقوله:
شيئا، إني فقير، ذكر هذه المسألة أبو المعالي
"م 2". قال شيخنا: وإعطاء السؤال فرض كفاية إن
صدقوا، ولهذا جاء في الحديث: "لو صدق لما أفلح
من رده" 4. وقد استدل الإمام أحمد بهذا، وأجاب
بأن السائل إذا قال: أنا جائع، وظهر صدقه، وجب
إطعامه، وهذا من تأويل قوله تعالى:
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: ولو سأله من ظاهره الفقر أن
يعطيه شيئا فأعطاه فقيل: يقبل قول الدافع في
كونه قرضا3، كسؤاله مقدرا كعشرة دراهم، وقيل:
لا يقبل، كقوله5: شيئا، إني فقير، ذكر هذه
المسألة أبو المعالي، انتهى. قلت: ظاهر كلام
الأصحاب قبول قول الدافع.
ـــــــ
1 في مسنده "1730".
2 في سننه "1665".
3 في "ط": "فرضا".
4 أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" 5/297، من
حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، وانظر:
"كشف الخفاء" 2/203.
5 في "ح" و"ص": "لقوله".
(4/306)
{وَفِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ
وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] وإن ظهر كذبهم
لم يجب إعطاؤهم، ولو سألوا مطلقا لغير معين لم
يجب إعطاؤهم ولو أقسموا؛ لأن إبرار القسم إنما
هو إذا أقسم على معين، وما ذكر1 شيخنا من
الخبر هو من حديث أبي أمامة: "لولا أن
المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم" 2. ولم أجده
في المسند والسنن الأربعة، وإسناده ضعيف، قال
أحمد في رواية مهنا: ليس بصحيح.
وإطعام الجائع ونحوه واجب "ع" مع أنه ليس في
المال حق سوى الزكاة. وعن ابن عباس مرفوعا:
"إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما
بقي من أموالكم" 3. وعن أبي هريرة مرفوعا:
"إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك". رواه
ابن ماجه والترمذي4، وقال: حسن غريب. وعن ابن
عمر في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] إنما
كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها
الله طهرا للأموال. رواه البخاري تعليقا5،
ولمالك6 هذا المعنى، وكذا عن ابن عباس رواه
سعيد. وفي الصحيحين7 من حديث أبي هريرة: "ما
من صاحب كنز لا يؤدي زكاته". وذكر عقابه.
وفيهما8 أيضا من حديثه: "من آتاه الله مالا،
ـــــــ
.................
1 في "ط": "ذكره".
2 أخرجه الطبراني في "الكبير" "8/246" حديث
"7967".
3 أخرجه أبو داود "1664".
4 الترمذي "618"، وابن ماجه "1688".
5 في صحيحه "1404".
6 في موطئه 1/256.
7 البخاري "1403" بلفظ: "من آتاه الله
مالا...." ، وسلم 987 "26".
8 البخاري "1403"، ولم نجده عند مسلم بهذا
اللفظ.
(4/307)
فلم يؤد
زكاته". وذكر عقابه وأنه يقول له: "أنا مالك
أنا كنزك" قال القرطبي: اتفق العلماء على أنه
إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه
يجب صرف المال إليها، قال "م" يجب على الناس
فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا "ع"
أيضا، قاله القرطبي، واختار الآجري أن في
المال حقا سوى الزكاة، وهو قول جماعة من
العلماء، قال: نحو مواساة قرابة وصلة إخوان
وإعطاء سائل وإعارة محتاج دلوها، وركوب ظهرها،
وإطراق فحلها وسقي منقطع حضر حلابها حتى يروى.
وسبق حديث جابر آخر زكاة السائمة1، فالعمل به
مقتصرا عليه أولى. وقد قيل: 2"إنه في موضع"2:
إنه يتعين فيه المواساة، وهذا يبطل فائدة
التخصيص، وقد قيل: إنه يحتمل أنه قبل وجوب
الزكاة، وهذا ضعيف إن كانت الزكاة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدم ص 37.
2 في "ط": "في موضع إنه".
(4/308)
مكية، وإن كانت
مدنية ففي الصحيحين1 من حديث أبي هريرة: "ومن
حقها حلبها يوم ورودها" ، والزكاة وجبت قبل
إسلام أبي هريرة بسنتين، بلا شك، وهذا أخص من
حديثه إن صح: "إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما
عليك" 2، والله أعلم. وسبق كلام القاضي في
زكاة الحلي3.
وذكر القاضي عياض المالكي أن الجمهور قالوا:
إن الحق في4 الآية المراد به5 الزكاة، وأنه
ليس في المال حق سوى الزكاة، وما جاء غيره6،
على الندب ومكارم الأخلاق، وقيل: هي منسوخة،
قال: وذهب جماعة منهم الشعبي والحسن وطاوس
وعطاء ومسروق وغيرهم إلى أنها محكمة، وأن في
المال حقا سوى الزكاة، من فك الأسير وإطعام
المضطر والمواساة في العسر وصلة القرابة، كذا
قال، واقتصر عليه في شرح مسلم، وهذا عجيب، وهو
غريب.
ولو جهل حال السائل، فالأصل عدم الوجوب، قال
في الفنون في قوله عليه السلام: "كيتان7" لمن
خلف دينارين قال: لعل ذلك إلى من كان يظهر
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "1402"، ومسلم "987" "24".
2 تقدم تخريجه ص 307.
3 ص 139.
4 في "ط": "أن".
5 في "ط": "بها".
6 في "ط": "غير ذلك حمل".
7 أخرجه أحمد "788"، عن علي قال: مات رجل من
أهل الصفة، وترك دينارين، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "كيتان، صلوا على صاحبكم".
(4/309)
التجرد والفقر
لحاله، فكان ذلك لمكان التزوير لا لتحريم
الادخار، ولعل مراد ابن عقيل: أظهر ذلك ليتصدق
عليه أو ليطعم1 ونحوه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "ليعظم".
(4/310)
فصل: من أبيح له أخذ شيء
أبيح له سؤاله، نص عليه "و م ش" فالغني في باب
الزكاة نوعان: نوع يوجبها، ونوع يمنعها؛ لأنه
عليه السلام لم ينكر على السؤال إذا كانوا من
أهلها، ولكثرة التأذي بتكرار السؤال. وعنه:
يحرم السؤال لا الأخذ على من له قوت يومه غداء
وعشاء، ذكر ابن عقيل أنه اختاره جماعة "و هـ"
فيكون غني ثالثا يمنع السؤال، وعنه: غداء أو
عشاء، لاختلاف لفظ الخبر2. وعنه: خمسون درهما،
لخبر ابن مسعود3، وذكر هذه الروايات الخلال،
وذكر ابن الجوزي في المنهاج: إن علم أنه يجد
من يسأله كل يوم لم يجز أن يسأل أكثر من قوت
يوم وليلة، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه أو خاف
أن يعجز عن السؤال، أبيح له السؤال أكثر4 من
ذلك، ولا يجوز له في الجملة أن يسأل فوق ما
يكفيه لسنته، وعلى هذا ينزل الحديث في الغني
بخمسين درهما، فإنها تكفي المنفرد المقتصد
لسنته.
وفي الرعاية رواية: تحرم المسألة على من له
أخذ الصدقة مطلقا، وقد قال ابن حزم: اتفقوا أن
المسألة حرام على كل قوي على الكسب أو غني،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
2 أخرجه أحمد في "مسنده" "1725" من حديث سهل
بن الحنظلية، بلفظ: "يغذيه أو يعشيه" ، وأبو
داود "1629، بلفظ: "قدر ما يغديه ويعشيه" .
3 تقدم تخريجه ص 303.
4 ليست في النسخ الخطية وهي من "ط".
(4/310)
إلا من تحمل
حمالة أو سأل سلطانا أو ما لا بد منه، واتفقوا
على أن ما كان أقل من مقدار قوت اليوم فليس
غني، كذا قال، نقل الجماعة عن أحمد في الرجل
له الأخ من أبيه وأمه ويرى1 عنده الشيء يعجبه
فيقول: هب هذا لي، وقد كان ذلك يجري بينهما،
ولعل المسئول يحب أن يسأله أخوه ذلك، قال:
أكره المسألة كلها، ولم يرخص فيه إلا أنه بين
الأب والولد أيسر، وذلك أن فاطمة رضي الله
عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته2.
وإن اشترى شيئا، وقال: قد أخذته بكذا فهب لي
فيه كذا، فنقل محمد بن الحكم: لا تعجبني هذه
المسألة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تحل المسألة إلا لثلاث" . ونقل إسحاق بن
إبراهيم في الرجل يشتري الحاجة فيستوهب عليها:
لا يعجبني، وسأله محمد بن موسى ربما اشتريت
الشيء: وأقول له أرجح لي، فقال: هذه مسألة لا
تعجبني، ونقل حرب: إن استوضعه أو استوهبه لا
يجوز، ونقل ابن منصور: يكره، قال القاضي: كرهه
أحمد وإن كان يلحق بالبيع؛ لأنه في معنى
المسألة من جهة أنه لا يلزمه بذل3 ما سأله،
واختار صاحب المحرر: لا يكره؛ لأنه لا يلزم
السائل إمضاء العقد بدونها، فيصير ثمنا لا
هبة. وسؤال الشيء اليسير كشسع النعل أو الحذاء
هل هو كغيره في المنع أم يرخص فيه؟ فيه
روايتان "م 3" ولا بأس بمسألة شرب
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: وسؤال الشيء اليسير كشسع
النعل أو الحذاء هل هو كغيره في المنع أم يرخص
فيه؟ فيه روايتان، انتهى، إحداهما يرخص فيه.
قلت: وهو
ـــــــ
..............................................
ـــــــ
1 في "س": "يروى".
2 أخرج البخاري "3113"، ومسلم "27 27" "80" عن
علي: أن فاطمة - عليها السلام - اشتكت ما تلقى
من الرحى، مما تطحن، فبلغها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أتى بسبي، فأتته تسأله
خادما....
3 في "ط": "بدل".
(4/311)
الماء. نص
عليه، واحتج بفعله عليه السلام1، وقال في
العطشان لا يستسقى: يكون أحمق. ولا بأس
بالاستعارة والاقتراض، نص عليهما.
قال الآجري: يجب أن يعلم حل المسألة ومتى تحل،
وما قاله معنى قول أحمد في أن تعلم ما يحتاج
إليه من العلم لدينه فرض، ومعنى قول الأصحاب
السابق في آخر الإمامة2: لا يجوز أن يقدم على
ما لا يعلم جوازه، قال الآجري: ولما علم عمر
رضي الله عنه أن مسألة ذلك السائل كانت3
استكثارا كان عنده أنه غير مستحق فنثر ذلك
لإبل الصدقة4، المراد: لأنه5 لا يعرف أربابه
فيصرف في المصالح.
قال ابن الجوزي في المنهاج: وإن أخذ ممن يعلم
أنه إنما أعطاه حياء لم يجز الأخذ ويجب رده
إلى صاحبه، فدل أن الملك لا ينتقل. وعموم
كلامهم خلافه6، ولنا خلاف في بيع الهازل، وهذا
أولى7 أو مثله، وقد أعطى النبي صلى الله عليه
وسلم من السؤال من لا يريد إعطاءه. وعدم
البركة فيه لا تمنع نقل الملك، كأخذه بإشراف
نفس، كما في الصحيحين8 من حديث
ـــــــ
الصواب؛ لأن العادة جارية بذلك، والرواية
الثانية يمنع من طلبه كغيره. وهي بعيدة فيما
يظهر.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
1 أخرج مسلم "1102" "94" عن جابر بن عبد الله
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله، ألا نسقيك
نبيذا؟ فقال: "بلى" .
2 3/35.
3 هنا نهاية السقط في الأصل، والذي ابتدأ في
الباب نفسه بعد قوله: "وسئل شيخنا عمن...".
4 لم نقف عليه.
5 في "س": "أنه".
6 في "س": "خلاف".
7 بعدها في الأصل: "منه".
8 البخاري "1472"، ومسلم "1035" "96".
(4/312)
حكيم لما سأل
النبي صلى الله عليه وسلم مرارا فأعطاه ثم
قال: "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب
نفس بورك له فيه، ومن أخذ بإشراف نفس لم يبارك
له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع" . وفي شرح
مسلم: إن طيب النفس يحتمل أنه من الدافع،
والأظهر أنه من الآخذ وفي كشف المشكل: عن ابن
عقيل قال: ما جاء بمسألتك فإنك اكتسبت فيه
السؤال، ولعل المسئول استحى أو خاف ردك. ولا
خير في مال خرج لا عن طيب نفس، وذكر ابن
الجوزي أيضا في كتابه السر المصون: أن الشبلي
طلب شيئا من بعض أرباب الدنيا، فقال له: يا
شبلي، اطلب من لله، فقال له1: أنا أطلب من
الله الآخرة2، وأطلب الدنيا من خسيس مثلك،
فبعث إليه مائة دينار، قال ابن عقيل: إن كان
بعث إليه اتقاء ذمه فقد أكل الشبلي الحرام.
وقد ذكر صاحب النظم القول بتحريم الجلوس عند
من يتحدث سرا، قال: ويكره إن كان إذنه
استحياء، وعن معاوية مرفوعا: "إنما أنا خازن
فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه، ومن
أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل لا يشبع"
. وفي لفظ: "لا تلحفوا3 في المسألة، فوالله لا
يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني
شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته" .
رواهما مسلم4. وقد ذكر بعض5 العلماء هذا في
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 ليست في "ط".
3 في "س": "لا تلعقوا".
4 في صحيحه "1037" "98" و"1038" "99".
5 في "س": "مسلم".
(4/313)
المسألة،
المحرمة مع ذكرهم ما سبق من إشراف النفس على
ظاهره، مع أن كلام الشارع فيهما واحد، فقد
يحتمل ذلك، ولا منافاة، وقد يكون في المسألة
المباحة. وكره عليه السلام كثرة المسألة مع
إمكان الصبر والتعفف، فكان ذلك سببا لعدم
البركة، كإشراف النفس، ويؤيد هذا أن ظاهر
الخبر نقل الملك، ولا ينتقل مع تحريم المسألة.
على ما سيأتي، وعن أبي سعيد مرفوعا: "فمن يأخذ
مالا بحقه فيبارك له فيه، ومن يأخذ مالا بغير
حقه فمثله 1"كمثل الذي"1 يأكل ولا يشبع". وفي
لفظ: "إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه
ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير
حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع". وفي لفظ "إن
هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو لمن
أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإنه من
يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون
عليه شهيدا يوم القيامة". متفق 2"على ذلك"2
ويتوجه عدول من أبيح له السؤال إلى رفع قصة أو
مراسلة، قال مطرف بن الشخير3 فيمن له إليه
حاجة: ليرفعها في رقعة ولا يواجهني فإني أكره
أن أرى في وجه أحدكم ذل المسألة. وكذا روي عن
يحيى بن خالد بن برمك4، وتمثل فقال:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "كالذي".
2 في "ط": "عليه". وأخرج ألفاظ هذا الحديث
البخاري "1921"، "1465"، "2842"، "6427"،
ومسلم "1052" "121" "122" "123".
3 هو: أبو عبد الله، مطرف بن الشخير. ثقة
عابد. "ت95 هـ". "تهذيب الكمال" 28/67.
4 هو: أبو الفضل بحبى بن خالد بن برمك، مؤدب
هارون الرشيد ومعلمه. "ت 190 هـ". "الأعلام
8/144".
(4/314)
ما اعتاض باذل
وجهه بسؤاله ... عوضا ولو نال الغنى بسؤال
1"وإذا بليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله
للمتكرم المفضال"1
وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال
وخف كل نوال
وما جاءه من مال بلا مسألة ولا استشراف نفس
وجب أخذه، نقل2 الأثرم: عليه أن يأخذه، لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: "خذه" 3. وينبغي أن
يأخذه 4"إن كان يضيق"4 عليه أن يرده، وذكر
أحمد أيضا هذا الخبر وقال: هذا إذا كان من مال
طيب. ونقل5 جماعة: أخاف أن يضيق عليه رده،
وقاله في التنبيه، واقتصر عليه في المستوعب،
ونقل إسحاق بن إبراهيم: لا بأس إذا كان عن غير
استشراف أن يرد أو يأخذ، هو بالخيار، كذا ترجم
الخلال أن القبول مباح من غير استشراف، وعن
أحمد أنه رد ذلك وقال: دعنا نكون أعزاء، ورد
في رواية المروذي فقال له إسحاق6: أي شيء تكون
الحجة أو كيف يجوز؟ فقال: لا أعلم فيه شيئا
إلا أن الرجل يجوز إذا تعود لم يصبر عنه. وذكر
أبو الحسين في كراهة الرد روايتين، وعلل عدم
الكراهة بما في رواية المروذي، وكذا ذكر صاحب
المحرر رواية بجواز الرد وقال: قد بين العلة
في جواز الرد وأن على7 هذا يحمل النصوص
المذكورة للوجوب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1ليست في الأصل و"ط".
2 في الأصل: "نقله".
3 أخرجه البخاري "1473"، من حديث عمر.
4 في الأصل و"س": "ويضيق".
5 في "س": "ذكر".
6 ليست في الأصل و"س".
7 ليست في "س" و"ط".
(4/315)
على الاستحباب،
وذكر ابن الجوزي في المنهاج أنه لا يأخذه إلا
مع حاجته إليه إذا سلم من الشبهة والآفات، فإن
الأفضل أخذه، وما ذكره من سلامته من الشبهة
يؤخذ من كلام غيره؛ لأنه مكروه، ولا يجب قبول
المكروه.
وهذا معنى المنقول عن أحمد في جائزة السلطان،
مع قوله: هي خير1 من صلة الإخوان، وظاهر كلام
غير واحد: يجب ما لم يحرم، وقاله ابن حزم
الظاهري، قال: لأنه داخل في وجوب النصيحة، فإن
طابت نفسه عليه فحسن، وإن أبقاه2، فليتصدق به
فيؤجر على كل حال، ثم من الجهل استسهال3 المرء
أخذ مال زيد في بيع أو أجرة ثم يتجنبه إذا
أعطاه إياه بطيب نفس، ثم احتج بقوله عليه
السلام: "من رغب عن سنتي فليس مني" 4. قال:
وكان مالك والشافعي لا يردان ما أعطيا، وظاهر
كلام أصحابنا أن جائزة السلطان كغيره، وحصول
الخلاف فيها، وتشديد أحمد لأجل الشبهة، على ما
يأتي في صدقة التطوع5، وقال في شرح مسلم:
الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور: يستحب
القبول في غير عطية السلطان وأما عطية السلطان
فحرمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، قال:
والصحيح إن غلب الحرام فيما في يد السلطان
حرمت، وإلا أبيح إن لم يكن في القابض مانع من
الاستحقاق، وأوجبت طائفة الأخذ من
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "اتقاه".
3 في الأصل: "استشهاد".
4 أخرجه البخاري "5063"، مسلم "1401" "5"، من
حديث أنس.
5 ص 395.
(4/316)
السلطان وغيره،
واستحبه آخرون في عطية السلطان دون غيره.
وإن استشرفت نفسه إليه بأن قال: سيبعث لي فلان
أو لعله يبعث لي وإن لم يتعرض أو تعرض بقلبه
عسى أن يفعل نص على ذلك أحمد فنقل جماعة: لا
بأس بالرد، وزاد أبو داود: وكأنه اختار الرد،
ونقل المروذي ردها، وقال له الأثرم: فليس عليه
أن يرده كما يرد المسألة؟ قال: ليس عليه،
وسأله جعفر: يحرم أخذه؟ قال: لا، ونقل إسحاق
بن إبراهيم: لا يأخذه. قال صاحب المحرر1: هذا
للاستحباب2. وكذا ذكر أبو الحسين أنه لا تختلف
الرواية أنه لا يحرم، لعدم المسألة. وفي
الرعاية: يكره أخذه، وقيل: رده أولى "م 4"،
وقد دلت رواية الأثرم
ـــــــ
مسألة - 4 : قوله: وإن استشرفت نفسه إلى الأخذ
بأن قال سيبعث لي فلان أو لعله يبعث لي وإن لم
يتعرض أو تعرض بقلبه عسى أن يفعل نص على ذلك
أحمد فنقل جماعة لا بأس بالرد، زاد أبو داود:
وكأنه اختار الرد، ونقل المروذي ردها، وقال له
الأثرم: فليس عليه أن يرده كما يرد المسألة؟
قال: ليس عليه، وسأله جعفر: يحرم أخذه؟ قال:
لا، ونقل إسحاق بن إبراهيم: لا يأخذه، قال
صاحب المحرر: هذا للاستحباب. وكذا ذكر3 أبو
الحسين أنه لا تختلف الروية أنه لا يحرم، لعدم
المسألة. وفي الرعاية: يكره أخذه، وقيل: رده
أولى، انتهى كلام المصنف. قلت: قواعد الإمام
أحمد4 وما عرف من عادته وفعله مع الناس كراهة
قبول ذلك، والله أعلم، وهو الصواب، وقول النبي
صلى الله عليه وسلم لعمر5 رضي الله عنه يدل
على ذلك، وقدم المجد في
ـــــــ
..................................
ـــــــ
1 في الأصل: "لمجرد".
2 في الأصل: "الاستحباب".
3 في النسخ الخطية: "ذكره"، والمثبت من "ط".
4 ليست في "ط".
5 تقدم تخريج ص 315.
(4/317)
وكلام أبي
الحسين وغيرهما أنه يحرم بالمسألة، لتحريم
سببه وهو السؤال، وفاقا للشافعية وغيرهم، ولهم
وجه ضعيف: لا يحرمان، قال في شرح مسلم: بشرط
أن لا يذل ولا يلح ولا يؤذى المسئول، وإلا حرم
اتفاقا.
وإن سأل لرجل1 محتاج في صدقة أو حج أو غزو،
فنقل محمد بن داود: لا يعجبني أن يتكلم لنفسه
فكيف لغيره؟ التعريض أعجب إلي، ونقل المروذي
وجماعة لا، ولكن يعرض، ثم ذكر حديث الذين
قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وحث على
الصدقة ولم يسأل2، زاد في رواية محمد بن حرب:
ربما سأل رجلا فمنعه فيكون في نفسه عليه، ونقل
المروذي أنه قال لسائل: ليس هذا عليك. ولم
يرخص له أن يسأل، ونقل حرب وغير واحد أنه رخص
في ذلك. وقال صاحب المحرر: هل يكره أن يسأل
للمحتاج أم لا؟ على روايتين "م 5". ومن3 أعطي
شيئا ليفرقه فهل الأولى أخذه أو
ـــــــ
"شرحه"، أن له الرد، والقبول مباح، وحمل ما
ورد عن الإمام أحمد من4 منع الأخذ على
الاستحباب.
مسألة - 5: قوله: وإن سأل لرجل محتاج في صدقة
أو حج أو غزو، فنقل محمد بن داود: لا يعجبني
أن يتكلم لنفسه فكيف لغيره؟ التعريض أعجب إلي،
ونقل المروذي وجماعة: لا، ولكن يعرض5... وقال
صاحب المحرر: هل يكره أن يسأل للمحتاج أم لا؟
على روايتين، انتهى كلامهما، إحداهما لا يكره.
قلت: الصواب
ـــــــ
......................................
ـــــــ
1في "س": "الرجل".
2 تقدم تخريجه ص 314.
3 في النسخ الخطية: "لأن"، والمثبت من "ط".
4 في "ص" "فمن".
5 في "ح": "لا يعرض".
(4/318)
عدمه؟ حسن أحمد
رحمه الله عدم الأخذ، في رواية، وأخذ هو وفرق،
في رواية "م 6".
ـــــــ
.........................................
ـــــــ
(4/319)
فصل: ومن سأل غيره الدعاء لنفعه أو نفعهما
أثيب1، وإن قصد نفع نفسه فقط نهى عنه، كالمال،
وإن كان قد لا يأثم2. كذا ذكره شيخنا، وظاهر
كلام غيره خلافه، كما هو ظاهر الأخبار، ويأتي
قوله في المستوعب: كانوا يغتنمون أدعية الحاج
قبل أن يتلطخوا بالذنوب. وفي الصحيحين3 أن أم
أنس قالت: يا رسول الله ادع الله له، قال:
فدعا لي بكل خير، وكان من آخره: "اللهم أكثر
ماله وولده وبارك له فيه" 4. قال في شرح مسلم:
فيه طلب الدعاء من أهل الخير، وجواز الدعاء
بكثرة المال والولد مع البركة فيهما، وفي
"مسلم"5 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن
أويس القرني6: "فمن لقيه
ـــــــ
إن علم حاجة من طلب لأجله أو غلب على ظنه ذلك
لم يكره السؤال له، والتعريض لا يكفي، خصوصا
في هذه الأزمنة، لا سيما إن كان المحتاج لا
يقدر على الطلب من الحياء أو غيره، والله
أعلم، والرواية الثانية يكره ولكن يعرض.
مسألة - 6: قوله: ومن أعطى شيئا ليفرقه، فهل
الأولى أخذه أم عدمه؟ حسن أحمد عدم الأخذ، في
رواية، وأخذ هو وفرق في رواية، انتهى، قلت:
طريقة الإمام أحمد في أغلب أحواله عدم الأخذ،
ولكن في هذه الأزمنة إن كان يحصل بالأخذ إعطاء
من يستحق ممن لا يحصل له ذلك بعدم أخذه توجه
رجحان الأخذ، والله أعلم.
ـــــــ
.........................................
ـــــــ
1 في "ط": "أثبت".
2 بعدها في "ط": "كذا".
3 البخاري "1982"، مسلم "2480" "141".
4 في "ط": "فيهما".
5 في صحيحه "2542" "223" "225".
6 هو: أويس بن عامر القرني، سيد التابعين.
مخضرم، قتل بصفين. "تقريب التهذيب" ص 55.
(4/319)
منكم فليستغفر
لكم". وله في1 رواية: قال لعمر: "إن استطعت أن
يستغفر لك فافعل" قال في شرح مسلم: فيه
استحباب طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح
وإن كان الطالب أفضل منهم. وقال شيخنا أيضا في
"الفتاوى المصرية": لا بأس بطلب الدعاء بعضهم
من بعض، لكن أهل الفضل ينوون بذلك أن الذي
يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من
الأجر على دعائه لهم أعظم من أجره لو دعا
لنفسه وحدها، ثم ذكر قوله عليه السلام: "ما من
مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله ملكا
كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك2 الموكل به:
آمين ولك بمثل" 3. وقوله عليه السلام لعلي رضي
الله عنه: "يا علي، عم، فإن فضل العموم على
الخصوص كفضل السماء على الأرض" 4. وقوله لعمر
رضي الله عنه: "لا تنسنا يا أخي من دعائك" 5.
قال: وما زال المسلمون يسألونه الدعاء لهم1.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 ليست في "س" و"ط".
3 أخرجه مسلم "2732" "86"، من حديث أبي
الدرداء.
4 تقدم تخريجه 2/239.
5 أخرجه أبو داود "1498"، والترمذي "3562"،
وابن ماجه "2894"، من حديث عمر.
(4/320)
فصل: الثالث: العامل عليها
كالجابي والكاتب والقاسم والحاشر والحافظ
والكيال والوزان والعداد ومن يحتاج إليه فيها،
وقيل لأحمد في رواية المروذي: الكتبة من
العاملين؟ قال: ما سمعت. وأجرة كيل الزكاة
ووزنها ومؤنة دفعها على المالك. ويشترط كون
العامل مكلفا "و" أمينا "و" وكذا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
(4/320)
إسلامه في
رواية. اختارها جماعة "و" لأنها ولاية،
ولاشتراط الأمانة، فأشبه الشهادة؛ لأنه ليس
بأمين، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: لا
تأمنوهم وقد خونهم الله1.
وعنه: لا يشترط إسلامه، اختاره الأكثر "م 7".
قال ابن عقيل وأبو يعلى
ـــــــ
مسألة - 7: قوله: ويشترط كون العامل مكلفا
أمينا، وكذا إسلامه في رواية، اختاره جماعة.
وعنه. لا يشترط إسلامه، اختاره الأكثر، انتهى،
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمغني2
والتلخيص والبلغة وشرح المجد ومختصر ابن تميم
والزركشي وغيرهم، قال في الرعاية: وفي الكافر
وقيل الذمي روايتان، إحداهما يشترط إسلامه،
وهو الصحيح اختاره القاضي، قاله في الهداية
وغيره، قال الزركشي: أظنه في المجرد، واختاره
الشيخ الموفق والمجد والشارح والناظم وغيرهم،
قال ابن منجى في شرحه: هذا المذهب، وقدمه في
المقنع3 والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق
وغيرهم4. وجزم به في الإفادات والوجيز وتذكرة
ابن عبدوس ونهاية ابن رزين والمنور ومنتخب
الآدمي وغيرهم، وهو الصواب، والرواية الثانية
لا يشترط إسلامه. قال المجد في شرحه وتبعه
المصنف اختاره الأكثر، انتهى قلت منهم القاضي
في التعليق والجامع الصغير، وجزم به الخرقي
وصاحب الفصول والتذكرة والمبهج وعقود ابن
البناء وغيرهم، وقدمه في الهداية والمستوعب
والخلاصة وشرح ابن رزين وإدراك الغاية ونظم
المفردات وغيرهم4. وقال القاضي في الأحكام
السلطانية: يجوز أن يكون الكافر عاملا في زكاة
خاصة عرف قدرها وإلا فلا، انتهى.
تنبيه: بنى بعض الأصحاب الخلاف4 هنا على ما
يأخذه العامل: إن قلنا ما يأخذه
ـــــــ
1 أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 10/127.
2 4/107.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/223.
4 ليست في "ح".
(4/321)
الصغير: ولهذا
يصح أن يوكله الوصي في مال اليتيم بيعا
وابتياعا، كذا قالا1، ويأتي في أول الرهن2.
قال القاضي وغيره: إنما هي إجارة أو وكالة،
بدليل أن الإمام إذا ولى لم يأخذ بحق عمالته؛
لأنه يأخذ حقه من بيت المال، وإنما يأخذ
الساعي بحق جبايته، كذا قال، ويتوجه من هذا في
المميز العاقل الأمين تخريج.
وكذا ذكر الأصحاب أنه إذا عمل الإمام أو نائبه
على الزكاة، لم يكن له3 أخذ شيء؛ لأنه يأخذ
رزقه من بيت المال، قال ابن تميم: ونقل صالح
عن أبيه: العامل هو السلطان الذي جعل الله
تعالى له الثمن في كتابه. ونقل عبد الله نحوه،
كذا ذكر، ومراد أحمد: إذا لم يأخذ من بيت
المال شيئا فلا اختلاف، أو أنه على ظاهره.
وفي اشتراط كونه من غير ذوي القربى وجهان،
الأشهر لا. قال صاحب المحرر وغيره: هو ظاهر
المذهب، كقرابة رب المال من والد وولد،
والأظهر بلى "ش". وقال الشيخ: إن أخذ أجرته من
غيرها جاز، وقيل: إن منع من الخمس جاز "م 8"
ولا يشترط حريته "هـ ش" ولا فقره
ـــــــ
أجرة لم يشترط إسلامه، وإن قلنا هو زكاة اشترط
إسلامه، والصحيح من المذهب المنصوص عن الإمام
أحمد4 أن ما يأخذه أجرة.
مسألة - 8: قوله: وفي اشتراط كونه من غير ذوي
القربى وجهان، الأشهر لا، قال صاحب المحرر
وغيره: وهو ظاهر المذهب، كقرابة رب المال من
والد وولد،
ـــــــ
1 في "ط": "قال".
2 6/362.
3 ليست في "س".
4 ليست في "ص".
(4/322)
"و" وذكره صاحب
المحرر "ع" فيه، وفيهما وجه، وقيل: يشترط
إسلامه وحريته في عمالة تفويض لا تنفيذ وقال
في الأحكام السلطانية: يجوز
ـــــــ
والأظهر: بلى. وقال الشيخ: إن أخذ1 أجرته من
غيرها جاز، وقيل: إن منع من الخمس جاز. انتهى.
وأطلقهما في الفائق، إحدهما2: يشترط كونه من
غير ذوي القربى، وهو الصحيح، على ما اصطلحته
في الخطبة، وجزم به في الوجيز وغيره، وقدمه في
المغني3 والشرح4 ونصراه، وابن تميم في مختصره،
وغيرهم، واختاره الشيخ الموفق والمجد المسدد
والشارح والناظم وغيرهم، قال المصنف هنا: وهو
الأظهر، قال ابن منجى في شرحه هذا المذهب،
والوجه الثاني لا يشترط، وعليه الأكثر، قال
المصنف: وهو الأشهر، قال الشيخ في المغني3
وتبعه الشارح: قاله أصحابنا، قال الزركشي: هذا
المشهور والمختار لجمهور الأصحاب، قال المجد
في شرحه: هذا ظاهر المذهب، قال في تجريد
العناية: هذا الأظهر5، وجزم به في الهداية
وعقود ابن البناء والمذهب ومسبوك الذهب
والمستوعب والتلخيص والبلغة وغيرهم، وهو ظاهر
كلامه في الخلاصة والهادي والمحرر والإفادات
وإدراك الغاية وشرح ابن رزين وغيرهم، لعدم
ذكرهم له في الشروط، وقدمه في الرعايتين
والحاويين ونظم المفردات وغيرهم. وقال الشيخ
الموفق أيضا: إن أخذ أجرته من غيرها جاز وإلا
فلا، وتابعه الشارح وابن تميم على ذلك.
ـــــــ
1 في "ط": "أعطي".
2 في "ط": "إحداهما".
3 4/112.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/223.
5 ليست في "ح".
(4/323)
أن يكون الكافر
عاملا في زكاة خاصة عرف قدرها، وإلا فلا. وقيل
للقاضي في تعليقه: من شرط العامل الفقه؟ فقال:
من شرطه معرفة ما تجب فيه الزكاة وجنسه، كما
يحتاج الشاهد معرفة كيف يتحمل الشهادة. وفي
الأحكام السلطانية: يشترط علمه بأحكام الزكاة
إن كان من عمال التفويض، وإن كان منفذا فقد
عين له الإمام ما يأخذه جاز أن لا يكون عالما،
وأطلق غيره أنه لا يشترط إذا كتب له ما يأخذه،
كسعاة النبي صلى الله عليه وسلم. والظاهر أن
مرادهم والله أعلم بالأمانة العدالة، وجزم
باشتراطها في الأحكام السلطانية، وسبق قولهم
إنها ولاية. وذكر الشيخ وغيره أن الوكيل لا
يوكل إلا أمينا، وأن الفسق ينافي ذلك، ويتوجه
من جواز كونه كافرا كونه فاسقا 1"مع
الأمانة"1، ولعله مرادهم، وإلا 2"فلا يتوجه"
اعتبار العدالة مع الأمانة دون الإسلام، ويجوز
أن يكون الراعي والحمال ونحوهما كافرا أو عبدا
وغيرهما؛ لأن ما يأخذه أجرة لعمله لا لعمالته.
وذكر أبو المعالي أنه يشترط كونه كافيا وهو
مراد غيره، وظاهر ما سبق لا:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 في "س": "فيتوجه".
(4/324)
تعتبر1
ذكوريته، وهذا متوجه، ومن وكل من يفرق زكاته
لم يدفع إليه من سهم العامل، وما يأخذه العامل
أجرة في المنصوص "و" وذكره ابن عبد البر "ع"
وعنه: الثمن مما يجيه.
قال صاحب المحرر: فعليها إن جاوزت أجرته الثمن
أعطي2 من مال المصالح "ش" ويقدم بأجرته على
غيره، وله الأخذ وإن تطوع بعمله،؛ لأنه عليه
السلام أمر لعمر رضي الله عنه بعمالة فقال:
إنما عملت لله. فقال: "إذا أعطيت شيئا من غير
تسآل فكل وتصدق" متفق عليه3. وعن بريدة
مرفوعا: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا
فما أخذ بعد ذلك فهو غلول". إسناده جيد رواه
أبو داود4.
قال صاحب المحرر: فيه تنبيه على جواز أخذ
العامل حقه من تحت يده، فيقبض من نفسه لنفسه5،
وما قاله متوجه، ولا يعارض ما رواه مسلم6 عن
عدي بن عميرة7 مرفوعا: "من استعملناه منكم على
عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ،
وما نهي عنه انتهى".
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "يشترط".
2 في الأصل: "أعطته"، وفي "ط": "أعطيه".
3 البخاري "7163"، ومسلم "1045" "112".
4 في سننه "2943".
5 ليست في "ط".
6 في صحيحه "1833" "30".
7 هو: أبو زرارة، عدي بن عميرة الكندي. له
صحبة. مات في خلافة معاوية سنة "40 هـ".
"الإصابة في تمييز الصحابة" 6/405، و"تهذيب
التهذيب" ص 328.
(4/325)
وعن رافع بن
خديج1 مرفوعا: "العامل على الصدقة بالحق
كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته" .
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والترمذي2
وحسنه، وإسناده جيد. وفيه ابن إسحاق وقد صرح
بالسماع. وعن أبي موسى3 مرفوعا: "إن الخازن
المسلم الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا
موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له
أحد المتصدقين". متفق عليه4، وسبق في مانع
الزكاة: "المتعدي في الصدقة كمانعها"5 . وعن
جرير6: أن ناسا من الأعراب قالوا للنبي صلى
الله عليه وسلم: إن ناسا من المصدقين يأتونا
فيظلموننا، فقال: "أرضوا مصدقيكم". رواه مسلم
وأبو داود7، وزاد: قالوا: يا رسول الله: وإن
ظلمونا؟ قال: "وإن ظلمتم". وهذا يدل أن بعض
الظلم لا يفسق به8، وإلا لانعزل ولم يجزئ
الدفع إليه8.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: أبو عبد الله، رافع بن خديج. له صحبة.
"ت 74 هـ". "أسد الغابة" 2/190.
2 أحمد "17284"، أبو داود "2936"، والترمذي
"645"، وابن ماجه "1809".
3 هو: أبو موسى، عبد الله بن قيس. له صحبة.
أمره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين. "ت
50 هـ". "تقريب التهذيب" ص 260.
4 البخاري "1438"، ومسلم "1023" "79".
5 تقدم تخريجه ص 246.
6 هو: أبو عمرو، جرير بن عبد الله البجلي،
أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بأربعين يوما. "ت 51 هـ". "أسد الغابة" 1/333.
7 مسلم "989" "29"، وأبو داود "1589".
8 ليست في "ط".
(4/326)
وفي شرح مسلم:
قد يكون الظلم بغير معصية، كذا قال، ولأبي
داود1 بإسناد جيد عن بشير بن الخصاصية قلنا:
يا رسول الله، إن قوما من أصحاب الصدقة
يعتدون، علينا، أفنتكتم من أموالنا بقدر ما
يعتدون علينا؟ فقال: "لا". وتأتي مسألة الظفر
آخر طريق الحكم2.
وإذا تلفت الزكاة3 بيده بلا تفريط لم يضمن،
ويعطى أجرته من بيت المال، وقيل: لا يعطى شيئا
"و هـ" قال ابن تميم: اختاره صاحب المحرر،
والأصح "*" أنه إذا جعل له جعل على عمله فلا
شيء له قبل تكميله، وإن عقد له إجارة وعين
أجرته مما يأخذه فلا شيء له عند تلف ما أخذه،
وإن لم يعين أو بعثه الإمام ولم يسم له شيئا
أعطي من بيت المال. ويخير الإمام إن شاء 4"نفل
العامل"4 من غير عقد ولا تسمية شيء، وإن شاء
عقد له إجارة.
ـــــــ
تنبيهان:
"*" الأول: قوله: وإذا تلفت الزكاة بيده بلا
تفريط لم يضمن، ويعطى أجرته من بيت المال،
وقيل: لا يعطى شيئا، قال ابن تميم: واختاره
صاحب المحرر، والأصح إلى آخره هذا الكلام
الأخير غير محرر، وصوابه: وقال ابن تميم:
واختار صاحب المحرر وهو الأصح إلى آخره،
بزيادة واو قبل، قال ابن تميم لأن هذا القول
غير القولين الأولين، فهو مغاير لهما، لأنه
مفصل، وحذف الهاء من قوله، واختاره، لأنه لم
يذكر ما اختاره إلا بعد ذلك، وزيادة هو قبل
قوله والأصح كما قررناه أولا،أنه الصواب والله
أعلم.
ـــــــ
1 في سننه "1586".
2 11/226.
3 ليست في "س".
4 في "س": "تفد المال".
(4/327)
وللعامل تفرقة
الزكاة إن أذن له1 في ذلك أو أطلق، لخبر عمران
بن حصين، وإلا فلا، وإذا تأخر العامل بعد وجوب
الزكاة تشاغلا2 بأخذها من ناحية اقتصر على هذا
في الأحكام السلطانية، وجزم بعضهم: أو عذر
غيره انتظر3 أرباب الأموال ولم يخرجوا، وإلا
أخرجوا بأنفسهم باجتهاد أو تقليد، ثم إذا حضر
العامل وقد أخرجوا، وكان اجتهاده مؤديا إلى
إيجاب ما أسقط رب المال أو الزيادة على ما
أخرجه نظر: فإن كان وقت مجيئه باقيا فاجتهاد
العامل أمضى، وإن كان فائتا4، فاجتهاد رب
المال أنفذ5. وأبدل في الأحكام السلطانية "وقت
مجيئه": وقت الإمكان. وإن أسقط العامل أو أخذ
دون ما يعتقد المالك وجوبه6، لزمه الإخراج،
زاد في الأحكام السلطانية: فيما بينه وبين
الله تعالى، وسبق ما يتعلق بهذا آخر الخلطة7،
ولا وجه لتعلق القاضي بما نقله حرب: إذا لم
يأخذ السلطان منه تمام العشر يخرج تمام العشر
يتصدق به.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 في "س": "فتشاغلا".
3 في "س": "انتظره".
4 في "ط": "فانيا".
5 في النسخ الخطية: "أنفد"، والمثبت من "ط".
6 ليست في "س".
7 ص 68.
(4/328)
وإن ادعى رب
المال دفع زكاته إلى العامل فأنكره صدق بلا
يمين، وحلف العامل وبرئ، وإن1 ادعى العامل
الدفع إلى فقير صدق العامل في الدفع، والفقير
في عدمه، ويقبل إقراره بقبضها ولو عزل، ويأتي
حكم هديته في الهدية للقاضي2. وتقبل شهادة
أرباب الأموال عليه في وضعها غير موضعها لا في
أخذها منهم، وإن شهد به بعضهم لبعض قبل
التناكر والتخاصم قبل وغرم العامل، وإلا فلا.
وإن شهد أهل السهمان عليه أو له لم يقبل، ولا
يلزمه رفع حساب ما تولاه إذا طلب منه، جزم به
ابن تميم. وقال صاحب الرعاية: يحتمل ضده،
واختاره شيخنا. وفي الصحيحين3 من حديث أبي
حميد4: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل
ابن اللتبية على الصدقة، فلما جاء حاسبه، قال
في شرح مسلم: فيه محاسبة العمال5؛ ليعلم ما
قبضوه وما صرفوه، وكالخراج، وقاله "هـ" في
العشر، ويتوجه قول ثالث: يلزمه مع التهمة،
ويأتي حكم ناظر الوقف6.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "إذا".
2 11/139.
3 تقدم تخريجه ص 64.
4 هو: أبو حميد الساعدي، قيل: اسمه المنذر بن
سعيد، وقيل: اسمه عبد الرحمن. له صحبة. روى له
الجماعة. قال الواقدي: توفي آخر خلافة معاوية،
أو أول خلافة يزيد. "تهذيب الكمال" 33/264.
5 في الأصل: "العامل".
6 7/356.
(4/329)
فصل:الخامس:
الرقاب
وهم المكاتبون. قال جماعة: ومن علق عتقه بمجيء
المال فيأخذون ما يؤدون لعجزهم ولو مع القوة
والكسب، نص
ـــــــ
..................................................
ـــــــ
(4/330)
عليه، وقيل:
إذا حل نجم، وأطلق بعضهم وجهين في المؤجل.
ولا يقبل قوله إنه مكاتب بلا بينة، وكذا إن
صدقه سيده للتهمة وفيه وجه، لبعد احتمال
المواطأة مع وجوده مع البينة. وأطلق بعضهم
وجهين "*".
ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه، نص عليه،
وعنه: لا "و هـ ش" اختاره القاضي.
قال صاحب المحرر: وهي أقيس؛ لأن تعلق حقه
بماله أشد من تعلق حق الوالد بمال الولد، وإن
عتق1 بأداء أو إبراء، فما فضل
ـــــــ
"*" الثاني : قوله: ولا يقبل قوله إنه مكاتب
بلا بينة وكذا إن صدقه سيده، للتهمة، وفيه وجه
وأطلق بعضهم وجهين، انتهى الوجه الأول قدمه
المصنف: عدم قبول قوله ولو صدقه سيده، ولم أر
من تابعه على ذلك. والوجه الثاني يقبل قوله
إذا صدقه سيده، وبه قطع في الوجيز، والآدمي في
منتخبه ومنوره وتذكرة ابن عبدوس، والإفادات،
وغيرهم، قال المجد في شرحه، وهو الأصح، وقدمه
في محرره قلت: وهو الصحيح، وأطلق الوجهين في
الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني2
والكافي3 والمقنع4 والهادي5 والتلخيص والبلغة
والشرح4 وشرح ابن منجى ومختصر ابن تميم
والرعايتين والحاويين والنظم والفائق وتجريد
العناية وغيرهم.
ـــــــ
1 في "ط": "عتق".
2 9/319.
3 2/119.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/269.
5 ليست في "ص".
(4/331)
معه 1"فهل هو"1
له، وكما لو فضل معه شيء من صدقة تطوع، أو
للمعطي؟ كما لو أعطي شيئا لفك رقبته2، فيه
وجهان، وقيل: روايتان "م 9" وقيل: للمكاتبين
غيره، ولو استدان ما عتق به وبيده من الزكاة
بقدر الدين فله صرفه فيه، لبقاء حاجته إليه
بسبب الكتابة. وإن عجز أو مات ونحو ذلك ولم
يعتق بملكه، فعنه: ما بيده لسيده "و هـ" وعنه:
للمكاتبين، وقيل:
ـــــــ
مسألة - 9: قوله وإن أعتق يعني المكاتب بأداء
أو إبراء، فما فضل معه فهل هو له؟ كما لو فضل
معه شيء من صدقة تطوع، أو للمعطي؟ كما لو أعطي
شيئا لفك رقبته، فيه وجهان، وقيل: روايتان،
انتهى. وأطلقهما المجد في شرحه وابن تميم
وصاحب الفائق، أحدهما: يرد ما فضل، وهو
الصحيح، جزم به في الكافي3 والمقنع4 والإفادات
والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وإدراك الغاية
وغيرهم، قال ابن منجى في شرح المقنع. هذا
المذهب، وصححه في الرعايتين والحاوي الكبير،
وقدمه في المغني5 والمحرر والشرح6 وشرح ابن
رزين والنظم وغيرهم، والوجه الثاني لا يرد بل
يأخذ أخذا مستقرا، وهو ظاهر كلام الخرقي،
وقدمه في الرعايتين والحاوي الكبير.
ـــــــ
1 في الأصل: "فهو".
2 في الأصل: "رقبة".
3 2/203.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/238.
5 4/130 - 131.
6 بعدها في "ق": "له".
(4/332)
للمعطي، قال
أبو بكر والقاضي: ولو كان دفعها إلى سيده
استرجعه المعطي "و م ش" وقيل: لا يسترجع منه،
كما لو قبضها منه ثم أعتقه "م 10".
وإن اشترى بالزكاة شيئا ثم عجز والعوض بيده
فهو لسيده، على الأولى.
وفيه على الثانية وجهان "م 11".
ـــــــ
مسألة - 10: قوله: وإن عجز أو مات ونحو ذلك
ولم يعتق بملكه، فعنه: ما بيده لسيده، وعنه:
للمكاتبين، وقيل: للمعطي، قال أبو بكر
والقاضي: ولو كان دفعها إلى سيده استرجعه
المعطي، وقيل: لا يسترجع منه، كما لو قبضها
منه ثم أعتقه، انتهى. إحداهما ما بيده لسيده،
وهو الصحيح من المذهب، قال في الرعايتين
والحاوي الكبير: هذا أصح، زاد في الكبرى:
وأشهر، واختاره الشيخ الموفق والشارح، وقاله
الخرقي فيما إذا عجز، وقدمه في المستوعب، وقدم
في المحرر أنها تسترد إذا عجز، انتهى،
والرواية الثانية يرد للمكاتبين، نقلها حنبل،
وقدمه في الرعاية الكبرى، ويحتمله تقديمه في
المحرر، وجزم به في المذهب فيما إذا عجز حتى
لو قبضها سيده، وأطلقهما في الشرح1 في باب
الكتابة، ومال إلى الرواية الأولى فيما إذا
كان ما معه من صدقة مفروضة، وقطع بما إذا كان
من صدقة تطوع أو وصية أنه لسيده، وقيل: هو
للمعطي، حتى قال أبو بكر والقاضي: ولو دفعها
إلى سيده، وقيل: لا تؤخذ من سيده، كما لو
قبضها منه ثم أعتقه، جزم به الزركشي وغيره.
مسألة - 11: قوله: وإن اشترى بالزكاة شيئا ثم
عجز والعوض بيده فهو لسيده على الأولى، وفيه
على الثانية وجهان، انتهى. وأطلقهما ابن تميم
وابن حمدان في الرعاية الكبرى، أحدهما يكون
للمكاتبين، كالرواية الثانية في المسألة التي
قبلها، وهو
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 19/218.
(4/333)
ويجوز الدفع
إلى سيد المكاتب بلا إذنه، قال أصحابنا: وهو
الأولى، كما يجوز ذلك للإمام، فإن رق لعجزه
أخذت من سيده. وقال صاحب المحرر: إنما يجوز
بلا إذنه إن جاز العتق منها؛ لأنه لم يدفع
إليه ولا إلى نائبه، كقضاء دين الغريم بلا
إذنه.
ولو تلفت الزكاة بيد المكاتب أجزأت ولم
يغرمها، عتق أو رد رقيقا.
ويجوز أن يفدي من الزكاة أسيرا مسلما، نص
عليه، اختاره جماعة، وجزم به آخرون. وعنه: لا.
قدمه بعضهم "و" وأطلق بعضهم روايتين. وقال أبو
المعالي: وكذا لو دفع إلى فقير مسلم غرمه
سلطان مالا ليدفع جوره.
وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها بغير رحم؟
"و م" لظاهر الآية،
ـــــــ
الصواب، ثم رأيت الشيخ في المغني1، والشارح
وابن رزين قطعوا بذلك في باب الكتابة وقالوا:
حكمه حكم ما إذا وجد المأخوذ بعينه.
والوجه الثاني: لا يصرف للمكاتبين.
ـــــــ
1 14/562.
(4/334)
وكما ذكره
البخاري1 عن ابن عباس، وكون العتق إسقاطا لا
يمنع سقوط الفرض به وإن اعتبر التمليك في غيره
كخصال الكفارة أم لا يجوز؛ "و هـ ش" لظاهر
الآية، ولعدم التمليك المستحق، فيه روايتان "م
12".
ـــــــ
مسألة - 12: قوله: وهل يجوز أن يشتري منها
رقبة تعتق بغير رحم أم لا يجوز؟ لعدم التمليك
المستحق، فيه روايتان، انتهى. وأطلقهما في
الهداية والمغني2 والشرح3 والمقنع3 والتلخيص
والمحرر ومختصر ابن تميم والفائق وغيرهم،
إحداهما يجوز، وهو الصحيح، جزم به في المبهج
والعمدة والإفادات والوجيز وتذكرة ابن عبدوس
والمنور ومنتخب الآدمي ونظم نهاية ابن رزين
وغيرهم، واختاره القاضي في التعليق وغيره،
والمجد في شرحه، وغيرهما، وقدمه ابن رزين في
شرحه وغيره.
ـــــــ
1 في صحيحه قبل الحديث "1468" في باب: قول
الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} فقال:
ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعتق من
زكاة ماله.
2 9/320.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/240.
(4/335)
فإن جاز فأعتق
عبده أو مكاتبه عن زكاته ففي الجواز وجهان "م
13".
ولو علق العتق بشرط ثم نواه من الزكاة عند
الشرط لم يجزئه "و". جعله صاحب المحرر أصلا
للعتق بالرحم "و" خلافا للحسن، وعنه: الرقاب
عبيد يشترون من الزكاة ويعتقون خاصة "و م" ما
لم يعط المكاتب منها في آخر نجم، ومن عتق من
الزكاة قال بعضهم: حتى المكاتب، وذكره بعضهم
وجها رد ما رجع من ولائه في عتق مثله، في ظاهر
المذهب.
وقيل: وفي الصدقات، قدمه ابن تميم، وهل يعقل
عنه؟ فيه
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يجوز، اختاره الخلال،
وقدمه الخرقي وصاحب المستوعب والخلاصة والبلغة
والنظم والرعايتين والحاويين وإدراك الغاية
وغيرهم، قال الزركشي: رجع أحمد عن القول
بالعتق، حكاه من رواية صالح ومحمد بن موسى
وابن القاسم، وسندي ورده في المغني1 وغيره،
وعنه: لا يعتق من زكاته رقبة، لكن يعين في
ثمنها، قال أبو بكر: لا يعتق رقبة كاملة، قال
في الرعاية: وعنه: لا يعتق منها رقبة تامة،
وعنه، ولا بعضها، بل يعين في ثمنها، انتهى.
ولم يذكرهما المصنف هنا.
مسألة - 13: قوله: "فإن جاز، فأعتق عبده، أو
مكاتبه عن زكاته، ففي الجواز وجهان". انتهى.
وأطلقهما في الرعايتين والحاويين ومختصر ابن
تميم والفائق وغيرهم. أحدهما: لا يجوز، ولا
يجزئ. وهو الصحيح، جزم في المغني1 والشرح2.
والوجه الثاني: يجوز ويجزئ. اختاره القاضي في
التعليق.
ـــــــ
1 7/321.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/242.
(4/336)
روايتان "م 13"
وعنه: ولاؤه لمن أعتقه.
وما أعتقه الساعي من الزكاة فولاؤه للمسلمين.
وعنه: لا يعتق من زكاته رقبة لكن يعين في
ثمنها وكذا قال أبو بكر: لا يعتق رقبة كاملة.
ولا يعطي المكاتب لجهة الفقر؛ لأنه عبد، ذكره
جماعة.
ـــــــ
(4/337)
فصل:السادس: الغارمون
إما لإصلاح ذات البين قال في العمدة وابن تميم
وفي الرعاية الكبرى: من المسلمين، فيأخذ ما
غرم ولو كان غنيا،
ـــــــ
مسألة - 14: قوله: ومن عتق من الزكاة قال
بعضهم: حتى المكاتب وذكره بعضهم وجها رد ما
رجع من ولائه في عتق مثله، في ظاهر المذهب،
وقيل: وفي الصدقات، قدمه ابن تميم، وهل يعقل
عنه؟ فيه روايتان، انتهى، إحداهما لا يعقل عنه
قلت وهو الصواب، ثم وجدت الشيخ قدمه1 في
المغني ونصره وقال: اختاره الخلال ذكره في باب
قسمة الفيء والصدقة، فقال: فصل: ولا يعقل عنه،
اختاره الخلال، وعنه: أنه يعقل عنه، اختاره
أبو بكر؛ لأنه معتق فيعقل عنه، كالذي أعتقه من
ماله، وإنما لم يأخذ من ميراثه بالولاء لئلا
ينتفع بزكاته، والعقل عنه ليس بانتفاع فيبقى
على الأصل، ثم قال: ولنا أنه لا ولاء له عليه،
فلم يعقل عنه، كما لو كان وكيلا في العتق،
ولأنه لا يرثه، فلم يعقل عنه، كما لو اختلف
دينهما، وما ذكروه يبطل بالوكيل والساعي إذا
أعتق من الزكاة. انتهى، ويأتي قريبا من ذلك في
أول باب الولاء2، من كلام أبي المعالي.
ـــــــ
1 9/322.
2 8/77.
(4/337)
خلافا لابن
عقيل وإما غارم لنفسه في مباح، أو اشترى نفسه
من الكفار، فيعطى قدره مع فقره، فلو فضل عن
الكفاية بقدر بعضه أعطي بقدر بقيته وقيل:
وغناه "و ق" ونقله محمد بن الحكم، وتأوله
القاضي على أنه بقدر كفايته.
وإذا قلنا الغني من له خمسون درهما لم يمنع
ذلك الأخذ بالغرم، في أصح الروايتين.
فعلى هذا: من له مائة وعليه مثلها أعطي خمسين،
وإن كان عليه أكثر ترك له مما معه خمسون وأعطي
تمام دينه.
والثانية: يمنع، فلا يعطى حتى يصرف ما في يده،
ولا يزاد على خمسين، فإذا صرفها في دينه أعطي
مثلها حتى يقضي دينه ومذهب "م" من عليه دين
ومعه بقدره أو قدر بعضه أعطي بقدر كمال وفاء
الدين، ومن له ألف وعليه ألفان وله دار أو
خادم يساوي ألفين لم يعط شيئا، فإن
ـــــــ
...............................
(4/338)
أدى الألف في
دينه، ولم يكن في الدار أو الخادم فضل يغنيه
أعطي وكان من الفقراء والغارمين، هذا مذهبه
والله أعلم. ولا يقبل قوله إنه غارم، بلا
بينة، ويقبل إن صدقه غريمه، في الأصح.
ومن غرم في معصية لم يدفع إليه شيء، فإن تاب
دفع إليه، في الأصح. ولو أتلف ماله في المعاصي
حتى افتقر دفع إليه من سهم الفقراء، وإن دفع
إلى الغارم ما يقضي به دينه لم يجز صرفه في
غيره وإن كان فقيرا، وكذا المكاتب والغازي لا
يصرف ما يأخذه إلا لجهة واحدة، وإن دفع إلى
الغارم لفقره جاز أن1 يقضي به دينه، وحكي وجه،
وإن أبرئ الغريم أو قضى دينه من غير الزكاة
استرد منه، على الأصح، ذكره جماعة، وجزم به
آخرون، وذكره صاحب المحرر ظاهر المذهب "و ش"
ثم قال: وقال القاضي في تعليقه: هو على
الروايتين في المكاتب، فإن قلنا أخذه هناك
مستقر فكذا هنا، قدمه ابن تميم وغيره، قال:
فإن كان فقيرا فله إمساكها ولا تؤخذ منه، ذكره
القاضي. وقال القاضي في موضع وقاله غيره: إذا
اجتمع الغرم والفقر في موضع واحد أخذ بهما،
فإن أعطي للفقر فله صرفه في الدين، وإن أعطي
للغرم لم يصرفه في غيره، فالمذهب أن من أخذ
بسبب يستقر الأخذ به وهو الفقر والمسكنة
والعمالة2، والتألف صرفه فيما شاء كسائر ماله،
وإن لم يستقر صرفه فيما أخذه له خاصة، لعدم
ثبوت ملكه عليه من كل وجه.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "أو".
2 ليست في الأصل.
(4/339)
ولهذا يسترد
منه إذا أبرئ، أو لم يغز.
ومن تحمل بسبب إتلاف مال أو نهب أخذ من
الزكاة، وكذا إن ضمن عن غيره مالا وهما معسران
جاز الدفع إلى كل واحد منهما. وقيل: يجوز
الدفع أيضا إن كان الأصيل معسرا والحميل
موسرا. وفي الترغيب: يجوز إن ضمن معسر موسرا
بلا أمره، ويأخذ الغارم لذات البين قبل حلول
دينه، وفي الغارم لنفسه الوجهان. "*"، ولو وكل
الغارم من عليه زكاة قبل قبضها منه بنفسه أو
لوكيله في دفعها إلى الغريم عن دينه جاز، نص
عليه. وقال صاحب الرعاية: ويحتمل ضده وسبق في
فصول تعجيل الزكاة1: أنه يشترط لإجزائها قبض
الفقير.
فإن قيل: قد وكل المالك، قيل: فلو قال اشتر لي
بها شيئا ولم يقبضها منه فيصير قد وكله أيضا،
ولا يجزئ لعدم قبضها، ولا فرق، فيتوجه فيهما
التسوية وتخريجهما على قوله لغريمه: تصدق
بديني عليك أو
ـــــــ
تنبيهان:
"*" أحدهما: قوله: "يأخذ الغريم لذات البين
قبل حلول دينه، وفي الغارم لنفسه الوجهان".
لعله أراد بالوجهين: الوجهين اللذين في
المكاتب قبل أن يحل النجم، فإن كان أراد ذلك
فالصحيح من المذهب جواز الأخذ قبل حله، نص
عليه، وقدمه المصنف وغيره.
ـــــــ
1 ص 274.
(4/340)
ضارب به، لا
يصح، لعدم قبضه، وفيه تخريج: يصح، بناء على
أنه هل يصح قبضه من نفسه لموكله؟ وفيه
روايتان، ويأتي في التصرف في الدين "*"1: وإن
دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير، فعنه:
يصح، صححها غير واحد، كدفعها إلى الفقير،
والفرق واضح وعنه: لا "م 15" "و هـ" لما سبق،
وعلله بعضهم بأن الدين على الغارم، ولا يصح
قضاؤه إلا بتوكيله، وأظن
ـــــــ
"*" الثاني: قوله: "فيه تخريج يصح، بناء على
أنه هل يصح قبضه من نفسه لموكله؟ وفيه
روايتان، ويأتي في التصرف في الدين" انتهى.
يأتي هذا في التصرف في الدين في أواخر باب
السلم2، وقد أطلق الخلاف هناك، وقدم المصنف
الصحة في باب التصرف في المبيع3، وقال: إن
أحمد نص عليه.
مسألة - 15: قوله: وإن دفع المالك إلى الغريم
بلا إذن الفقير، فعنه: يصح، صححها غير واحد،
كدفعها إلى الفقير، والفرق واضح، وعنه: لا،
انتهى.
إحداهما: يصح، قال في الرعايتين والحاويين:
جاز، على الأصح، وهو ظاهر ما اختاره الشيخ تقي
الدين.
والرواية الثانية: لا يصح، وهو ظاهر كلام
الأكثر، وفي كلام المصنف إشعار بميله إليه.
ـــــــ
1 6/283.
2 في النسخ: "لو وكله"، والمثبت من "ط".
3 6/336.
(4/341)
الشيخ ذكر هذا
أيضا، وهذا خلاف المذهب، وللإمام قضاء الدين
من الزكاة بلا وكالة، لولايته عليه في إيفائه،
ولهذا يجبره عليه إذا امتنع، ويشترط في إخراج
الزكاة تمليك المعطى "و" فلا يجوز أن يغدي
الفقراء، والمساكين، ويعشيهم، ولا يقضي منها
دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره، حكاه أبو
عبيد وابن عبد البر "ع" لعدم أهليته لقبولها،
كما لو كفنه منها "ع" وحكى ابن المنذر عن أبي
ثور: يجوز. وعن مالك أو بعض أصحابه مثله.
وأطلق صاحب التبيان الشافعي وجهين، واختاره
شيخنا، وذكره إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن
الغارم لا يشترط تمليكه؛ لأن الله تعالى قال:
{وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] ولم يقل:
وللغارمين.
وإن أبرأ رب الدين غريمه من دينه بنية الزكاة
لم يجزئه، نص عليه، سواء كان المخرج عنه عينا
أو دينا "و م ش" خلافا للحسن وعطاء، ويتوجه
لنا احتمال وتخريج كقولهما، بناء على أنه هل
هو تمليك أم لا؟ وقيل: تجزئه من زكاة دينه،
حكاه شيخنا، واختاره أيضا؛ لأن الزكاة مواساة.
ـــــــ
..............................
ـــــــ
(1) هو: ابوالخير يحي بن ابي الخيير بن سالم
العمراني، اليماني، شيخ الشافعية ببلاد اليمن،
له: "البيان"، "الزوائد" وغيرهما. (ت558هـ).
"طبقات الشافعية" لأسنوي
1/212_213.
(4/342)
وعند الحنفية:
تسقط زكاة الدين بالإبراء منه ولو بلا نية.
ولا تكفي الحوالة بها، جزم به ابن تميم وغيره،
وسبق في تمام الملك من كتاب الزكاة1: هل
الحوالة وفاء؟ وذكر الشيخ في انتقال الحق
بالحوالة أن الحوالة بمنزلة القبض وإلا كان
بيع دين بدين.
وذكر أيضا أنه إذا حلف لا فارقه حتى يقضيه حقه
فأحاله به ففارقه ظنا منه أنه بريء أنه
كالناسي.
ويجوز دفع زكاته إلى غريمه ليقضي بها دينه،
سواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع
إليه ليقضي به دين المقرض، نص على ذلك، قال
أحمد: إذا أراد إحياء ماله لم يجز. وقال أيضا:
إن كان حيلة فلا يعجبني. وقال أيضا: أخاف أن
يكون حيلة فلا أراه.
ونقل ابن القاسم: إذا أراد الحيلة لم يصلح ولا
يجوز قال القاضي وغيره: يعني بالحيلة أن يعطيه
بشرط أن يردها عليه من دينه، فلا تجزئه؛ لأن
من شرطها تمليكا صحيحا، فإذا شرط لرجوع لم
يوجد فلم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 3/447 - 448.
(4/343)
تجزئه. وذكر
الشيخ أنه حصل من كلام الإمام أحمد أنه إذا
قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لم يجز؛
لأنها لله، فلا يصرفها إلى نفعه. وفي الرعاية
الصغرى: إن قضاه بلا شرط صح، كما لو قضى دينه
بشيء ثم دفعه إليه زكاة، ويكره حيلة، كذا قال،
وذكر أبو المعالي الصحة وفاقا، إلا بشرط؛ لأنه
تمليك كذا قال، واختار في النهاية الإجزاء؛
لأن اشتراط الرد لا يمنع التمليك التام؛ لأن
له الرد من غير جنسه، فليس مستحقا وقال: وكذا
الكلام إن أبرأ المدين محتسبا من الزكاة، كذا
قال، وذكر ابن تميم كلام القاضي ثم قال:
والأصح أنه إذا دفع لجهة الغرم لم يمنع الشرط
الإجزاء، ثم ذكر كلام الشيخ ثم قال: وإن رد
الغريم إليه ما قبضه وفاء عن دينه فله أخذه،
نص عليه، وعنه فيمن دفع إلى غريمه عشرة دراهم
من الزكاة ثم قبضها منه وفاء عن دينه: لا
أراه، أخاف أن تكون حيلة. ودين الله في الأخذ
لقضائه كدين الآدمي لعموم الآية ولأمره عليه
السلام
ـــــــ
...............................
(4/344)
لسلمة بن صخر1
بصدقة بني زريق لتكفر كفارة الظهار2.
ـــــــ
1 هو: سلمة بن صخر بن سلمان الصمة، الأنصاري،
الخزرجي، المدني، يقال: سلمان بن صخر، وسلمة
أصح. له صحبة، وهو أحد البكائين، وهو الذي
ظاهر من امرأته. "تهذيب الكمال" 11/288.
2 أخرجه أحمد في "مسنده" "16421"، وأبو داود
"2213"، والترمذي "1200"، وابن ماجه "2026".
وفال الترمذي: هذا حديث حسن.
(4/345)
فصل: السابع: في سبيل الله
وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان؛ لأن
من له رزق راتب يكفيه مستغن بذلك "و" فيدفع
إليهم كفاية غزوهم وعودهم، ولو مع غناهم "هـ"
نقل صالح: إذا أوصى بفرس تدفع إلى من ليس له
فرس أحب إلي إذا كان ثقة.
وفي جواز شراء رب المال ما يحتاج إليه الغازي
ثم يصرفه إليه روايتان، ذكرهما أبو حفص،
وللشافعية وجهان، الأشهر المنع؛ لأنه قيمة،
اختاره القاضي وغيره، ونقله صالح وعبد الله،
وكذا نقله ابن الحكم، ونقل أيضا: يجوز "م 16"؛
لأنه لما لم يعتبر صفة المدفوع إليه وهو فقره
ـــــــ
مسألة - 16: قوله: وفي جواز شراء رب المال ما
يحتاج إليه الغازي ثم يصرفه إليه روايتان،
ذكرهما أبو حفص الأشهر المنع، لأنه قيمة،
اختاره القاضي وغيره، ونقله صالح وعبد الله
وكذا نقله ابن الحكم، ونقل أيضا: يجوز، انتهى،
وأطلقهما المجد في شرحه، الصحيح من المذهب
المنع، كما قال المصنف أنه أشهر، قال الزركشي:
هذا أشهر الروايتين. وهو ظاهر ما قدمه في
المغني1، والشرح2.
ـــــــ
1 9/327.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/247 -
248.
(4/345)
لم يعتبر صفة
المال، وغير الغازي بخلافه.
ولا يجوز أن يشتري من الزكاة فرسا يكون حبيسا
في الجهاد، 1"ولا دارا"1، أو ضيعة الرباط أو
يقفها على الغزاة، ولا غزوه على فرس أخرجه من
زكاته، نص على ذلك "و"؛ لأنه لم يعطها لأحد.
ويجعل نفسه مصرفا، ولا يغزى بها عنه، وكذا لا
يحج هو بها ولا يحج بها عنه "و" وإن اشترى
الإمام بزكاة رجل فرسا فله دفعها إليه يغزو
عليها، كما له أن يرد عليه زكاته لفقره أو
غرمه، وإن لم يغز رده "و"؛ لأنه أعطي على عمل
لم يعمله، نقل عبد الله: إذا خرج في سبيل الله
أكل من الصدقة، وهل يردون ما فضل بعد غزوهم
وعودهم لزوال الحاجة؟ جزم به جماعة.
أم لا؟ جزم به في منتهى الغاية في المسألة
قبلها؛ لأنه جعل عمل ما أخذه عليه، ولأنه أخذ
كفايته، وإنما ضيق على نفسه، فيه وجهان "م
17".
ـــــــ
والرواية الثانية: يجوز كما نقله ابن الحكم
أيضا، وقدمه في الرعاية الكبرى فقال: ويجوز أن
يشتري كل أحد من زكاته خيلا وسلاحا ويجعله في
سبيل الله، وعنه: المنع منه2. انتهى.
مسألة - 17: قوله: وهل يردون ما فضل بعد غزوهم
وعودهم لزوال الحاجة؟ جزم به جماعة، أم لا؟
جزم به في منتهى الغاية فيه وجهان، انتهى،
وأطلقهما في المحرر والحاويين، أحدهما يلزمه
رده، وهو الصحيح، جزم به في المذهب والكافي3
والمقنع4 وشرح ابن منجى والإفادات والوجيز
ـــــــ
1 ليست في "س".
2 ليست في "ح".
3 2/203.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/264 -
265.
(4/346)
وهل يقبل قوله
إنه غاز؟ جزم به الشيخ؛ لأنه لا يمكن إقامة
البينة، أم ببينة؟ فيه وجهان "م 18".
ـــــــ
وتذكرة ابن عبدوس وإدراك الغاية والمنور
ومنتخب الآدمي ونهاية ابن رزين وغيرهم، وقدمه
في الشرح1 وغيره2، وصححه في تصحيح المحرر.
والوجه الثاني: لا يرده، جزم به المجد في شرحه
وابن رزين أيضا في شرحه وصححه الناظم، وهو
ظاهر ما جزم به في المغني3، فإنه قال في باب
زكاة الغنم: وإن قضى الغارمون والرقاب وفي
سبيل الله حاجتهم بها وفضل معهم فضل ردوا
الفضل، إلا الغازي فإن ما فضل معه بعد غزوه
فهو له، وذكره الخرقي في غير هذا الموضع،
انتهى. وقال في باب قسم الفيء والغنيمة
والصدقة: ويدفع إلى الغازي دفعا مراعا، فإن لم
يغز رده، وإن غزا وعاد فقد ملك ما أخذه؛ لأنا
دفعنا إليه قدر الكفاية، وإنما ضيق على نفسه،
انتهى.
وقال في القاعدة الثانية والسبعين: قال الخرقي
والأكثرون: لا يسترد، انتهى.
وحمل الزركشي كلام الخرقي في الجهاد على غير
الزكاة. انتهى.
قلت: كلامه محتمل الأمرين فإنه قال: ومن أعطى
شيئا يستعين به في غزاته فما فضل فهو له،
انتهى. يحتمل أنه أراد الزكاة وغيرها، وهو
ظاهر عبادته، ويحتمل أنه أراد غير الزكاة،
واحتماله إرادة الزكاة فقط بعيد، ولم يتعرض
الشيخ في المغني4 في الجهاد إلى ما أراد بذلك،
بل أجراه على ظاهره، وكذلك ابن رزين في شرحه.
مسألة - 18: قوله: وهل يقبل قوله إنه غاز؟ جزم
به الشيخ، أم بنيته؟ فيه وجهان، انتهى.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/264 -
265.
2 ليست في "ص".
3 4/130.
4 المغني 9/337.
(4/347)
ويتوجه أن
الرباط كالغزو، وذكر بعضهم: يأخذ نفقة ذهابه
وما أمكن من نفقة إقامته.
والحج من السبيل، نص عليه، وهو المذهب عند
الأصحاب، وعنه: لا، اختاره الشيخ "و" فعلى
الأولى يأخذ الفقير، وقيل: والغني، كوصيته
بثلثه في السبيل، ذكره أبو المعالي، ويأتي في
آخر الوقف1 ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه،
جزم به غير واحد، وعنه: والنفل وهو ظاهر كلام
أحمد والخرقي، وصححه بعضهم، والعمرة كالحج في
ذلك، نقل جعفر: العمرة من سبيل الله. وعنه: هي
سنة.
ـــــــ
1 7/381.
(4/348)
فصل:الثامن ابن
السبيل
وهو المسافر المنقطع به في سفر مباح.
ـــــــ
أحدهما يقبل، وهو الصحيح، جزم به الشيخ في
المغني1 والشارح وصاحب التلخيص والبلغة
والزركشي وغيرهم.
قال في الرعايتين والحاويين والفائق يقبل:
قوله، في أصح الوجهين، وهو ظاهر كلامه في
المقنع2 والوجيز وغيرهما.
والوجه الثاني: لا يقبل إلا ببينة.
قلت: الصواب الرجوع في ذلك إلى القرائن فإن
دلت على قبول قوله قبلناه من
ـــــــ
1 9/327.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/258.
(4/348)
وفي نزهة وجهان
"م 19"، وعلله غير واحد بأنه ليس بمعصية، فدل
أنه يعطى في سفر مكروه، وهو نظير إباحة الترخص
فيه، لا سفر معصية، فإن تاب منه دفع إليه، في
الأصح، وقيل: بل سفر طاعة، جزم به في الرعاية
الصغرى، كذا قال، وعنه: ومن أنشأ السفر من
بلده "و ش" فيأخذ ما يوصله إلى بلده ولو مع
غناه ببلده، ويأخذ أيضا لمنتهى قصده وعوده إلى
بلده، فيما روي عن أحمد رحمه الله واختاره
أصحابنا، حكاه الشيخ عنهم؛ لأن الظاهر أنه
إنما فارق وطنه لقصد صحيح، فلو قطعناه عليه
أضررنا به، بخلاف المنشئ للسفر.
واختار الشيخ: لا يأخذ، وذكره صاحب المحرر
ظاهر رواية صالح وغيره، وظاهر كلام أبي
الخطاب.
ـــــــ
غير بينة وإلا فلا بد من بينة، والله أعلم.
مسألة - 19: قوله: وهو المسافر المنقطع به في
سفر مباح، وفي نزهة وجهان، انتهى. وأطلقهما في
المغني1، والشرح2، والفائق والزركشي:
أحدهما: يجوز له الأخذ، وهو ظاهر كلام كثير من
الأصحاب، قال في التلخيص: فيعطى بشرط أن لا
يكون سفر معصية. وقال في الرعاية: وهو من
انقطع به في سفر مباح، قال ابن نصر الله في
حواشي الفروع، الأصح أنه يعطى، لأنه من أقسام
المباح، في الأصح.
والوجه الثاني: لا يجوز ولا يعطى، قدمه ابن
رزين في شرحه. وقال المجد في شرحه بعد أن أطلق
الخلاف: والصحيح والجواز في سفر التجارة دون
التنزه قلت:
ـــــــ
1 7/254.
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 9/331.
(4/349)
ويقبل قوله:
إنه ابن سبيل، في وجه قدمه بعضهم، وجزم جماعة
منهم أبو الخطاب والشيخ: ببينة، عملا بالأصل
"م 20".
وتعتبر بينة في أنه فقير إن كان عرف بمال وإلا
فلا، ويصدق في إرادة السفر بلا يمين، ويرد ما
فضل بعد وصوله "و ش"؛ لأن الأخذ قارنه يسار
سابق يقتضي التحريم لولا الحاجة المعارضة،
فيظهر عمل المقتضي لولا المعارض، وعنه: هو له.
ويكون أخذه مستقرا كالمكاتب والغارم، على ما
سبق. وقال أبو بكر الآجري: يلزمه صرفه
للمساكين، كذا قال، ولعل مراده: مع جهل
أربابه.
ـــــــ
(4/350)
فصل: يجوز دفع الزكاة
إلى مستحق 1"واحد "و هـ م"1 2"ويستحب"2
استيعاب الأصناف الثمانية بها، لكل صنف ثمنها
إن وجد، حيث وجب
ـــــــ
والنفس تميل إلى ذلك.
مسألة - 20: قوله: "ويقبل قوله إنه ابن سبيل،
في وجه قدمه بعضهم، وجزم جماعة منهم أبو
الخطاب والشيخ: ببينة، عملا بالأصل، انتهى:
أحدهما: لا يقبل إلا ببينة، وهو الصحيح، جزم
به في الهداية والمذهب والخلاصة والمقنع3 وشرح
المجد وابن منجى والنظم وغيرهم.
والوجه الثاني: يقبل قوله من غير بينة، جزم به
في التلخيص والبلغة، وقدمه في الرعايتين
والحاويين.
ـــــــ
1 في "س": "و هـ" واحد.
2 في "س": "يسن" ، وفي "ط": "ويسن".
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/268.
(4/350)
الإخراج، ولا
يجب الاستيعاب، نص عليه، واختاره الخرقي
والقاضي والأصحاب، وهو المذهب "و هـ م" كما لو
فرقها الساعي "و" وذكره صاحب المحرر فيه "ع"
وكوصية لجماعة لا يمكن حصرهم "و" ويخرج على
هذا والذي قبله خمس الغنيمة، وكقوله، إن شفى
الله مريضي فمالي صدقة، فشفي مريضه.
وعنه: يجب الاستيعاب، اختاره أبو بكر وأبو
الخطاب "و ش" فلا يجزئ من كل صنف دون ثلاثة "و
ش" فعلى هذا إن دفع إلى اثنين ضمن نصيب
الثالث، وهل يضمن بالثلث؛ لأنه القدر المستحب؟
أو بأقل جزء من السهم؛ لأنه المجزئ؟ يتخرج
وجهان "ق"1 كالأضحية "*"، إذا أكلها، وعنه:
يجزئ واحد، اختاره في الانتصار وصاحب المحرر؛
لأنه لما لم يمكن الاستغراق حمل على
الجنس،.........
ـــــــ
"*" تنبيه: قوله: ولا يجب الاستيعاب، نص عليه،
وعنه: يجب، فعلى هذا إن دفع إلى اثنين ضمن
نصيب الثالث، وهل يضمنه بالثلث؛ لأنه القدر
المستحب؟ أو بأقل جزء من السهم؛ لأنه المجزئ؟
يتخرج وجهان، كالأضحية، انتهى. وهذا التخريج
للمجد في "شرحه"، 2وحكاهما ابن رجب في قواعده
من غير تخريج2. والصحيح من المذهب في الأضحية
أنه يضمن أقل جزء يجزئ منها، فكذا هنا، وليس
من الخلاف المطلق، كما نبهنا عليه في الخطبة3،
والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل "ش و".
2 ليست في "ح".
3 1/15.
(4/351)
كقوله لا تزوجت
النساء، وكالعامل "و" مع أنه بلفظ الجمع، وفي
سبيل الله وابن السبيل لا جمع فيه.
وقال في الانتصار في خمس الغنيمة: إذا وجب
الاستيعاب فيه لم لا نقول به في الزكاة "خ"
ولا تجب التسوية بين الأصناف إن وجب
الاستيعاب، كتفضيل بعض صنف على بعض، وكالوصية
للفقراء، بخلاف المعين. وقال صاحب المحرر:
وظاهر كلام أبي بكر بإعطاء العامل الثمن وقد
نص 1"أحمد على"1 وجوبه "و ش" وقال صاحب
الرعاية: إن قلنا ما يأخذه العامل أجرة أجزأ
واحد، وإلا فلا "خ" ويسقط سهمه إن أخرجها ربها
بنفسه "و"، وإن حرم نقل الزكاة كفى الموجود
ببلده، في الأصح، ومن فيه
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "عليه أحمد".
(4/352)
سببان أخذ بهما
"و" وقال صاحب المحرر: على الروايتين،؛ لأنه
عليه السلام أعطى سلمة بن صخر لفقره ودين
الكفارة1، وللعموم، كشخصين، كالميراث وتعليق
طلاق بصفات تجتمع في عين واحدة.
ولا يجوز أن يعطي بأحدهما لا2 بعينه، لاختلاف
أحكامهما في الاستقرار وغيره، وقد يتعذر
الاستيعاب فلا يعلم المجمع عليه من المختلف
فيه، وإن أعطى بهما وعين لكل سبب قدرا وإلا
كان بينهما نصفين. تظهر فائدته لو وجد ما يوجب
الرد.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 تقدم تخريجه صفحة 345.
2 في "س": "إلا".
(4/353)
فصل: ويسن صرف زكاته إلى قريب لا يرثه
ولا تلزمه نفقته، بقدر حاجته، "و" وفي مذهب
"م" أيضا الكراهة والجواز، وإذا أحضر رب المال
إلى العامل من أهله من لا تلزمه نفقته ليدفع
إليهم زكاته دفعها قبل خلطها بغيرها، وبعده هم
كغيرهم، ولا يخرجهم منها؛ لأن فيها ما هم به
أخص، ذكره القاضي، ويقدم الأقرب "و" والأحوج
"و" وإن كان الأجنبي أحوج أعطي الكل ولم يحاب
بها قريبه، والجار أولى من غير الجار "و".
ـــــــ
...............................
ـــــــ
(4/353)
والقريب أولى
منه. نص عليه "ش" كذا ذكره صاحب المحرر، والذي
وجدته في كلام الشافعية كمذهبنا، ويقدم العالم
والدين على ضدهما، ولا يجوز دفعها إلى
الوالدين وإن علوا والولد وإن سفل في حال تجب
نفقتهما "ع" وكذا إن لم تجب، حتى ولد البنت،
نص عليه "و هـ م" لاتصال منافع الملك بينهما
عادة، فيكون صارفا لنفسه، ولهذا لم تقبل شهادة
أحدهما للآخر، وكقرابة النبي صلى الله عليه
وسلم وإن منعوا الخمس، احتج بهذا جماعة منهم
القاضي، وقيل: يجوز، اختاره القاضي في المجرد
وشيخنا، وذكره صاحب المحرر، وظاهر كلام أبي
الخطاب "و ش" ومذهب "م": لا نفقة لجد وولد
ولد.
وأطلق في الواضح في جد وابن ابن محجوبين
وجهين، ومذهب "ش" لا نفقة لغير عمودي نسبه،
ولا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه أو كتابة نص
عليه، وقيل: يجوز "و ش" واختاره شيخنا، وذكر
صاحب المحرر ابن سبيل كذلك، واختاره شيخنا،
وسبق كلامهم في كونه عاملا، وفي جواز دفعها
إلى من يرثه بفرض أو تعصيب نسب أو ولاء كالأخ
وابن العم.
وقال ابن الزاغوني في الواضح: وبنت الابن وابن
البنت فيه روايات، الجواز نقله الجماعة "و هـ"
كما لو تعذرت النفقة، وإذا قبل زكاة دفعها
إليه قريبه فلا نفقة له، وإن لم يقبل وطالبه
بنفقته الواجبة أجبر،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
(4/354)
ولا يجزئه في
هذه الحال جعلها زكاة، والثانية المنع،
والثالثة المنع إن كان يرثه وإلا فلا،
والرابعة المنع إن كانت نفقته واجبة وإلا فلا
"*". اختارها الأكثر منهم الخرقي والقاضي
وصاحب المحرر "م 21".
ـــــــ
مسألة - 21: قوله: وفي جواز دفعها إلى من يرثه
بفرض أو تعصيب نسب أو ولاء كالأخ وابن العم.
وقال ابن الزاغوني في الواضح: وبنت الابن وابن
البنت فيه روايات، الجواز نقله الجماعة، كما
لو تعذرت النفقة، والثانية المنع، والثالثة
المنع إن كان يرثه وإلا فلا، والرابعة المنع
إن كانت نفقته واجبة وإلا فلا، اختاره الأكثر،
منهم الخرقي والقاضي وصاحب المحرر، انتهى. إذا
كانت نفقته واجبة عليه1، لم يجز دفعها إليه
على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية
الجماعة، قاله القاضي في التعليق وسردها، وجزم
به الخرقي وصاحب المبهج والإيضاح وعقود ابن
البنا والعمدة والإفادات ومنتخب الآدمي
والتسهيل، ونظم المفردات وقد قال:
بنيتها على الصحيح الأشهر.
وغيرهم. واختاره القاضي في التعليق والأحكام
السلطانية وقال: هذه الرواية أشهر، قال
الزركشي، هي أشهر وأنص، قال ابن هبيرة: هي
الأظهر، واختارها المجد في شرحه، وصححها في
التلخيص والبلغة وتصحيح المحرر وغيرهم، وقدمها
في المستوعب والخلاصة والرعايتين وشرح ابن
رزين وغيرهم، قال المصنف هنا: اختاره الأكثر،
والرواية الثانية يجوز دفعها إليهم، نقلها
الجماعة عن الإمام أحمد، قال في المغني2،
والشرح3: هي الظاهر عنه، رواها عنه الجماعة،
وهو عكس ما قاله القاضي في التعليق، فيكون قد
نص على كل من الروايتين في رواية الجماعة،
وجزم به في الوجيز والمنور وصححه في التصحيح،
قال القاضي في
ـــــــ
1 ليست في "ح".
2 4/99.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف. 7/299.
(4/355)
...............................
ـــــــ
في التعليق: يمكن حملها على اختلاف حالين،
فالمنع إذا كانت النفقة واجبة، والجواز إذا
كانت غير واجبة، انتهى. وأطلقهما في الهداية
والمذهب ومسبوك الذهب والمغني1 والكافي2
والمقنع3 والهادي والمحرر وشرح المجد والشرح3،
والنظم والمذهب الأحمد والفائق والزركشي
وغيرهم.
تنبيهات:
"*" الأول: الذي يظهر أن في كلام المصنف نظرا
من وجهين أحدهما: أنه جعل محل الخلاف فيمن
يرثه بفرض أو تعصيب، ثم فرق في الرواية
الثالثة بين من يرث ومن لا يرث، فقال: الثالثة
المنع إن كان يرثه وإلا فلا، فأدخل في هذه
الرواية من لا يرث، وهو مناقض لما صدر به
المصنف المسألة، ويلزم من هذه أيضا أن
الروايتين الأولتين مشتملتان على من يرث ومن
لا يرث، فيحصل التناقض أيضا بهما لما صدر به
المسألة، ويعكر على هذا كون المصنف ذكر في أول
الفصل استحباب صرفها إلى أقاربه الذين لا
يرثونه، وفاقا، وحكاه المجد إجماعا. وقال
الزركشي: بلا نزاع، ويمكن الجواب بأن المراد
بما صدر به المسألة من يرثه حالا أو مآلا،
وبما قبله في أول الفصل من لا يرث حالا ومآلا،
لبعده ونحوه، ويكون مراده بصدر الرواية
الثالثة من يرثه حالا، وبعجزها من يرثه مآلا،
لكونه محجوبا، وقد ذكر هذه الرواية في الفائق
على ما يأتي في التنبيه الثاني، فعلى هذا يكون
في كلام المصنف نقص، وتقديره الثالثة المنع إن
كان يرثه حالا وإلا فلا، فلفظة: "حالا" ساقطة
من الكاتب، ويشكل على هذا الجواب ما يأتي في
التنبيه الثالث من قوله: "وعكسه الآخر" وبما
مثل به في أصل المسألة فإنه مثل بالأخ والعم،
فإن ظاهره أن كل واحد منهما يرث الآخر، ويدل
ـــــــ
1 4/99.
2 3/209.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف. 7/299.
(4/356)
...............................
ـــــــ
عليه ما قال بعد هذا "وإن ورث أحدهما الآخر.
كأخوين لأحدهما ابن". ويشكل أيضا كلام المصنف
من وجه آخر، وهو كونه أطلق الروايتين الأولتين
على تقدير ثبوتهما في حمله ما أطلق من
الروايات، وقد التزم في الخطبة أنه لا يطلق
الخلاف إلا إذا اختلف الترجيح، والرواية
الثانية وهي رواية المنع مطلقا تشمل من لا يرث
حالا.
والحاصل أن المذهب جواز دفعها إليه، قطع به
الشيخ في المغني1، والمجد في شرحه، والشارح،
وابن رزين في شرحه، وغيرهم، وهو ظاهر كلام من
لم يصرح بذلك، بل لا نعلم أحدا اختار ذلك،
فعلى هذا يكون في إطلاقه الخلاف نظر أيضا.
الوجه الثاني من النظر: كونه حكى رواية رابعة
بالفرق بين من تجب نفقته ومن لا تجب، فقال:
الرابعة المنع إن كانت نفقته واجبة وإلا فلا.
فيلزم من هذا على مصطلحه أن تكون الروايتان
الأولتان مشتملتين2 على من نفقته واجبة أو غير
واجبة، مع إطلاقه لهما في جملة 3"الروايات
المطلقة، ورواية المنع منهما ضعيفة فيمن نفقته
غير واجبة، لتعذر النفقة لكون ماله لا يتسع
لها، وإن كانت الزكاة واجبة عليه فإن القاضي
في التعليق والمجد في شرحه قطعا بجواز الدفع
إليه بما يقتضي أنه محل وفاق بين الأصحاب، وهو
ظاهر كلام غيرهما من الأصحاب، لتقييدهم الخلاف
بمن تجب نفقته، وفي كلام المصنف ما يدل على
أنه ليس فيه نزاع، لقوله في الرواية الأولى
"الجواز نقله الجماعة، كما لو تعذرت النفقة"
ومن جملة تعذر النفقة إذا كان المال لا يتسع
لنفقته وتجب الزكاة في ماله، بل الظاهر أنه
مراده؛ لأنه تابع المجد، والمجد مثل بذلك،
والله أعلم، وإن حملنا الرواية على إطلاقها،
أعني رواية المنع، ناقض ما قاله في أول الفصل،
كما تقدم، فإطلاق المصنف لهذه الرواية في جملة
الروايات فيه نظر على مصطلحه، والله أعلم،
ويمكن الجواب عن هذا وعن الذي قبله من هذه
الحيثية بأنه لم يفرد الرواية بما اعترض عليه
به، بل أضافه إلى صورة أخرى، الخلاف فيها قوي،
والله أعلم"3.
ـــــــ
1 4/99.
2 في النسخ الخطية "مشتملتان"، والمثبت من
"ط".
3 ليست في "ط".
(4/357)
...............................
ـــــــ
"*" 1"التنبيه الثاني" اعلم أن الأصحاب ممن
اطلعنا على كلامه لم يحك في هذه المسألة هنا
إلا روايتين فيمن تجب نفقته، منهم صاحب
الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب
والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والهادي
والتلخيص والبلغة والمحرر وشرح المجد
والرعايتين والحاويين والنظم والشرح4، وشرح
ابن منجى وابن رزين والزركشي وغيرهم إلا صاحب
الفائق فإنه حكى الرواية الثالثة فقال: وفيمن
يجب الإنفاق عليهم من الأقارب روايات، الثالثة
إن وجب حالا منع وإلا فلا، الرابعة إن كان
يمونهم عادة منع وإلا فلا، ذكرها ابن
الزاغوني، انتهى، ولكن ليس من مصطلح صاحب
الفائق أنه لا يطلق الخلاف إلا إذا اختلف
الترجيح، بخلاف المصنف، ولم يذكر الرواية
الرابعة التي ذكرها المصنف قلت: تؤخذ الرواية
الثالثة من كلام الأصحاب في نفقات الأقارب،
فإنهم حكوا رواية بوجوب نفقة من يرثه في
المآل، لكونه محجوبا وهو موسر. لكن إذا أوجبنا
النفقة على من يرث في المآل فهو داخل في كلام
من أوجبها على من تلزمه نفقته لم يخرج عنه،
والله أعلم، وأما الرواية الرابعة فتؤخذ من
كلام القاضي في التعليق، فإنه لما ذكر النصوص
عن الإمام أحمد العامة في المنع والجواز قال:
يمكن حملها على اختلاف حالين، فالمنع إذا كانت
النفقة واجبة، والجواز إذا كانت غير واجبة،
انتهى. فظاهر هذا أن غيره من الأصحاب أجرى
النصوص على عمومها، فشملت من تجب نفقته ومن لا
تجب، لكون ماله لا يسع، والله أعلم، إذا علم
ذلك فالكلام مع المصنف في إطلاقه الخلاف"1.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
2 4/99.
3 2/209.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/229.
(4/358)
وإن ورث أحدهما
الآخر كعمة وابن أخيها، وعتيق ومعتقه وأخوين
لأحدهما ابن فالوارث منهما تلزمه النفقة، على
الأصح "*"، وفي دفع الزكاة إليه الخلاف، وعكسه
الآخر. ويجوز دفعها إلى ذوي الأرحام ولو
ورثوا، على الأصح، لضعف قرابتهم "*"، وفي
الإرث بالرد الخلاف.
وفي الرعاية: يجوز، وفيه رواية، وسبق كون
القريب عاملا. وقال صاحب المحرر: لا تختلف
الرواية أنه يعطي لغير النفقة الواجبة،
ـــــــ
"*" 1"التنبيه الثالث: قوله: "وإن ورث أحدهما
الآخر كعمة وابن أخيها، وعتيق ومعتقه، وأخوين
لأحدهما ابن فالوارث منهما تلزمه النفقة، على
الأصح" فتلزم النفقة ابن أخيها لها والمعتق
لعتيقه وأبا الابن لأخيه، على الصحيح من
الروايتين، وقوله: "وفي دفع الزكاة إليهم
الخلاف" يعني به الخلاف الذي تكلمنا عليه،
ولكن لا تتأتى الروايات الأربع هنا، فلا تأتي
الرواية الثالثة ولا الرابعة أيضا، فيما يظهر،
وقوله: "وعكسه الآخر" يعني أن العمة والعتيق
والأخ الذي ليس له ولد لا تلزمه النفقة لا
لابن أخيها ولا للمعتق ولا للأخ الذي له ابن،
على الصحيح، لكون بعضهم لا يرث ألبتة وبعضهم
محجوبا، ويجوز دفع الزكاة إليهم من غير خلاف
هذا العكس الذي عناه المصنف، وهذا الأخير وهو
جواز الدفع إليهم من غير خلاف ينافي ما أجبنا
به عن الرواية الأولى في حق الأخ الذي له ابن،
والله أعلم، وهذا مما فتح الله الكريم به.
"*" التنبيه الرابع: قوله: "ويجوز دفعها إلى
ذوي الأرحام ولو ورثوا، على الأصح، لضعف
قرابتهم" مراده غير عمودي النسب، وقوله: "وفي
الإرث بالرد الخلاف" مراده بالخلاف: الخلاف"1
الذي ذكرناه أيضا، فإن الأصحاب قالوا: لو كان
للمعسر أم وأخت إن النفقة واجبة عليهما
أخماسا. ففي جواز الدفع إلى المعسر الخلاف،
والله أعلم، لكون نفقته واجبة عليهما وهما
يرثانه بالفرض والرد.
ـــــــ
1 ليست في "ط".
(4/359)
نحو كونه غارما
أو مكاتبا أو ابن السبيل، بخلاف عمودي النسب،
لقوة القرابة، وجعلها في الرعاية كعمودي نسبه
في الإعطاء لغرم وكتابة "*"، في قول، وجزم
الشيخ وغيره أنه يعطي قرابته لعمالة وتأليف
وغرم لذات البين وغزو، ولا يعطي لغير ذلك.
وإن تبرع بنفقة قريب أو يتيم أو غيره ضمه إلى
عياله فعنه: يجوز دفعها إليه، اختاره الأكثر
"و هـ ش" ونقل الأكثر: لا، اختاره في التنبيه
والإرشاد1 "م 21" "و م". روي عن ابن عباس،
ولأنه يذم على تركه فيكون
ـــــــ
"*" التنبيه الخامس: قوله: "وجعلها في الرعاية
كعمودي نسبه في الإعطاء لغرم وكتابة" كذا في
النسخ، ورأيت في نسخة معتمدة: لغزو وكتابة
ورأيتها في نسخة أخرى كذلك، إلا أنهم أصلحوها
لغرم والله أعلم.
مسألة - 22: قوله وإن تبرع بنفقة قريب أو يتيم
أو غيره ضمه إلى عياله، فعنه: يجوز دفعها
إليه، اختاره الأكثر، ونقل الأكثر: لا، اختاره
في التنبيه والإرشاد، انتهى. وأطلقهما المجد
في شرحه وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير:
إحداهما: يجوز دفعهما إليه، وهو الصحيح، قال
المجد في شرحه: هو ظاهر كلام الخرقي والقاضي
وأكثر الأصحاب. انتهى، والمصنف قال اختاره
الأكثر قلت: اختاره صاحب المغني2 والشارح
والشيخ تقي الدين وغيرهم، وهو الصواب.
ـــــــ
1 ص 137.
2 4/102.
(4/360)
قد وقى بها
ماله أو عرضه، ولهذا لو دفع إليه شيئا في غير
مؤنته التي عوده إياها تبرعا جاز، نص عليه "و"
وقد قال أحمد: كانت العلماء تقول في الزكاة:
لا يدفع بها مذمة ولا يحابي بها قريبا، احتج
صاحب المحرر هنا، ورد الشيخ المعنى المذكور
بأنه نفع لا يسقط به واجبا عليه ولا يجتلب به
مالا إليه كما لم يكن في عائلته. وفي المستوعب
وغيره: لا يجوز إن بقي ماله بزكاته، قال أحمد:
هو أن يكون قد عود قوما برا من ماله فيعطيهم
من الزكاة ليدفع ما عودهم، هذا واجب وذاك
تطوع، وهذا إذا كان المعطي غير مستحق للزكاة،
قالوا: وقال أحمد: سمعت ابن عيينة يقول: لا
يدفع بها مذمة ولا يحابي بها قريبا ولا يمنع
منها بعيدا، قال أحمد: دفع المذمة أن يكون
لبعض قرابته عليه حق فيكافئه من الزكاة، وإذا
كان له قريب محتاج وغيره أحوج منه فلا يعطي
القريب ويمنع البعيد، بل يعطي الجميع.
ولا يجوز دفع زكاته إلى زوجته "ع" وفي
الرعاية: وقيل: بلى، والناشز كغيرها، ذكره في
الانتصار وغيره. وهل يجوز للمرأة دفع زكاتها
إلى
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يجوز، اختارها أبو بكر
في التنبيه، وابن أبي موسى في الإرشاد1، وجزم
به في المستوعب، وقدمه في الحاوي الكبير وشرح
ابن رزين، ونقلها الأكثر عن الإمام أحمد.
ـــــــ
1 ص 137.
(4/361)
زوجها؟ اختاره
القاضي وأصحابه والشيخ وغيرهم "و ش" أم لا؟
اختاره جماعة، منهم الخرقي، وأبو بكر، وصاحب
المحرر وحكاه عن أبي الخطاب "و هـ م" فيه
روايتان "م 23" ولم يستثن جماعة شيئا، وذكر
صاحب المحرر ظاهر المذهب، وقيل في الزوجين:
يجوز لغرم لنفسه وكتابة؛ لأنه لا يدفع عنه
نفقة واجبة "و ش" كعمودي1 نسبه.
ـــــــ
مسألة - 22: قوله: وهل يجوز للمرأة دفع زكاتها
إلى زوجها؟ اختاره القاضي وأصحابه والشيخ
وغيرهم، أم لا؟ اختاره جماعة، منهم الخرقي،
وأبو بكر، وصاحب المحرر وحكاه عن أبي الخطاب،
فيه روايتان، انتهى. وأطلقهما في الهداية
والمبهج والإيضاح وعقود ابن البنا والمستوعب
والخلاصة والمغني2 والكافي3 والمقنع4 والهادي
والتلخيص والبلغة والمحرر والشرح والرعايتين
والحاويين والنظم والفائق ونهاية ابن رزين
والزركشي وتجريد العناية وغيرهم:
إحداهما: لا يجوز، وهو الصحيح، قال ابن منجى
في شرحه: وهي الصحيحة، وصححه في تصحيح المحرر
وقال: اختاره القاضي في التعليق، انتهى. وجزم
به الخرقي والعمدة والمنور والتسهيل وغيرهم،
وقدمه ابن رزين في شرحه، واختاره، وقاله 5"أبو
بكر والمجد في "شرحه" وقال: اختاره"5 أبو
الخطاب. انتهى. واختاره الخلال أيضا وقال: هذا
القول الذي عليه أحمد، ورواية الجواز قول قديم
رجع عنه، فاختار الشيخان هذا، والله أعلم،
والرواية الثانية يجوز، اختاره القاضي
وأصحابه، والشيخ الموفق، على ما زعمه المصنف،
وغيرهم، واختاره أبو بكر. قاله في
ـــــــ
1 في "س": "لعمودي".
2 4/100، 101.
3 2/209.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/299.
5 ليست في "ط".
(4/362)
ولا يجوز دفعها
إلى فقيرة لها زوج غني "هـ" كغناها بدينها
عليه "و" وكولد صغير فقير1 أبوه موسر "و" بل
أولى، للمعاوضة وثبوتها في الذمة، وكذا لا
يجوز دفعها إلى غني بنفقة لازمة اختاره
الأكثر. وأطلق في الترغيب وجهين، وجوزه في
الكافي2؛ لأن استحقاقه للنفقة3 مشروط بفقره،
فيلزم من وجوبها له وجود الفقر، بخلاف الزوجة،
قال صاحب المحرر: ولا أحسب ما قاله إلا مخالفا
للإجماع في الولد الصغير، وقيل: وفي غني
ـــــــ
تصحيح المحرر، قال ابن رزين في شرحه: هذا
أظهر، وصححه في المذهب ومسبوك الذهب والتصحيح،
وجزم به في الوجيز، وقدمه في إدراك الغاية.
"*" تنبيه: قول المصنف عن الرواية الثانية
اختاره الشيخ فيه نظر، فإنه أطلق الخلاف في
المغني4 والكافي5 والمقنع6 والهادي، كما تقدم،
ولكن في 4المغني، نوع إيماء ما7؛ لكونه لما
اعترض على رواية حمل عدم7 الجواز أجاب عنه،
ولا يلزم من ذلك أنه اختاره، لأنه أطلق
الروايتين أولا، وعلل كل رواية بعللها، ولم
أجد أحدا نسب هذه الرواية إلى اختيار الشيخ
غير المصنف، والمصرح به في العمدة خلاف ذلك،
والله أعلم.
ـــــــ
1 في الأصل: "وفقر".
2 2/208.
3 في الأصل: "للفقر".
4 4/100، 101.
5 2/209.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/299.
7 ليست في "ط".
(4/363)
بنفقة تبرع بها
قريبه أو غيره1 وجهان، وإن تعذرت النفقة من
زوج أو قريب بغيبة2 أو امتناع أو غيره جاز
الأخذ، نص عليه "و" كمن غصب ماله أو تعطلت
منفعة عقاره.
ولا يجوز دفعها إلى كافر إلا ما سبق من كونه
عاملا أو مؤلفا، لم يستثن صاحب المغني3
والمحرر وغيرهما سوى هذين.
وفي المستوعب: لا يجوز دفعها إلى مملوك ولا
كافر ذمي أو حربي إلا أن يكون عاملا أو مؤلفا
أو غارما لذات البين أو غازيا، وكل من حرمنا
الزكاة عليه من ذوي القربى وغيرهم إذا كان أحد
هؤلاء الأربعة جاز له أخذها، كذا قال، وجزم به
في الرعاية، زاد شيخنا: وفي الحج الخلاف، وجزم
ابن تميم: لا يدفع إلى غارم لنفسه كافر،
فظاهره يجوز لذات البين، ولعله ظاهر كلام
الشيخ، فإنه ذكر المنع في الغارم لنفسه، وذكر
ابن المنذر: لا يدفع إلى كافر "ع" وعن الزهري
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "س": "غيرها".
2 في الأصل: "بغنية".
3 4/106 - 108.
(4/364)
وابن شبرمة1
وزفر: يجوز، وكذا زكاة الفطر، نص عليه لو كان
ذميا "هـ" لا إلى عبد، نص عليه "و" إلا ما سبق
من كونه عاملا، لم يستثن صاحب المغني2 والمحرر
وغيرهما سوى هذا، ولا يجوز ولو كان السيد
فقيرا "هـ" قال صاحب المحرر: لأن الدفع إليه
دفع إلى سيده؛ لأنه إن قلنا يملك فله تملكه
عليه، والزكاة دين أو أمانة، فلا يدفعها إلى
من لم3 يأذن له المستحق، وإن كان عبده، كسائر
الحقوق، وفي الكتابة من تعليق القاضي في العبد
بين اثنين يكاتبه أحدهما يجوز، وما قبضه من
الصدقات فنصفه يلاقي نصفه المكاتب فيجوز، وما
يلاقي نصف السيد الآخر إن كان فقيرا جاز في
حصته، وإن كان غنيا لم يجز.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 هو: عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن حسان
الضبي الإمام، فقيه العراق، قاضي الكوفة، حدث
عن أنس بن مالك وأبي الطفيل عامر بن واثلة،
وغيرهم كثير. كان من أئمة الفروع، وأما الحديث
فما هو بالمكثر منه، له نحو من ستين أو سبعين
حديثا. "ت 144 هـ". "السير" 6/347.
2 4/106، 107.
3 ليست في "ط".
(4/365)
قال صاحب
المحرر: وكذا إن كاتب بعض عبده فما أخذه من
الصدقة يكون للحصة المكاتبة منه بقدرها،
والباقي لحصة السيد مع فقره، ويتوجه أن ذلك
يشبه دفع الزكاة بغير إذن المدين إلى غريمه،
هل يجوز؟ وجزم غير القاضي بصرفه جميع ما يأخذه
في كتابته؛ لأنه استحقه بجزئه المكاتب، ولا حق
للسيد فيه، كما يرث بجزئه الحر، وكذا المدبر
وأم الولد والمعلق عتقه بصفة، ويأخذ من بعضه
حر بقدر نسبته من خمسين أو من كفايته1، على
الخلاف، فمن نصفه حر يأخذ خمسة وعشرين أو نصف
كفايته.
وسبق: لا يجوز دفع الزكاة إلى غني إلا ما سبق،
وعن عائشة مرفوعا: "ما خالطت الزكاة مالا إلا
أهلكته" - فيه محمد بن عثمان بن صفوان2، ضعفه
أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، رواه الشافعي،
والبخاري في تاريخه، والحميدي3 وزاد: قال:
يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها
فيهلك الحرام الحلال: وقال ابن معين: كنا ننكر
هذا الحديث على محمد بن عثمان، ومحمد مكي لا
بأس به. وقال أحمد في رواية أبي
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في الأصل: "كتابته".
2 هو: محمد بن عثمان بن صفوان بن أمية الجمحي،
القرشي، معدود من أهل الحجاز، من الطبقة
الثامنة. ضعيف. روى له ابن ماجه. "تهذيب
الكمال" 26/84.
3 الشافعي في "المسند" 1/220، والبخاري في
"تاريخه": 1/180، والحميدي في "مسنده" "237".
(4/366)
داود: حديث
منكر، ورواه أحمد في رواية عبد الله وقال:
تفسيره أن الرجل يأخذ الزكاة وهو غني وإنما هي
للفقراء. وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: لا
تدخل الصدقة في مال إلا محقته.
ولا يجوز دفع الزكاة إلى بني هاشم، نص عليه
"و" كالنبي صلى الله عليه وسلم "ع" لقوله عليه
السلام: "إنا لا تحل لنا الصدقة" . رواه أحمد
ومسلم1،2"وفي مذهب "م" أيضا الجواز"2، ومال
شيخنا إلى أنهم إن منعوا الخمس أخذوا الزكاة،
وربما مال إليه أبو البقاء. وقال: إنه قول
القاضي يعقوب من أصحابنا، ذكره ابن الصيرفي في
منتخب الفنون، واختاره الآجري في كتاب
النصيحة؛ لأنه محل حاجة وضرورة وقاله أبو
يوسف. وقاله الإصطخري3 من الشافعية.
وقد روى ابن أبي حاتم4: حدثنا أبي، حدثنا
إبراهيم بن مهدي المصيصي5، حدثنا المعتمر بن
سليمان6، عن أبيه، عن حنش7، عن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أحمد "9728"، ومسلم "1069" "161".
2 ليست في الأصل.
3 هو: أبو سعيد، الحسن بن أحمد بن يزيد
الإصطخري الشافعي، فقيه العراق، له: "أدب
القضاء". "ت 328 هـ". "سير أعلام النبلاء"
15/250.
4 هو: أبو محمد، عبد الرحمن بن الإمام الحافظ
أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، له: "الجرح
والتعديل". "ت 327 هـ". "سير أعلام النبلاء"
13/263.
5 هو: إبراهيم بن مهدي المصيصي، البغدادي،
صاحب حديث ومرابط، وثقه أبو حاتم. "ت 225 هـ".
"سير أعلام النبلاء" 10/556.
6 هو: أبو محمد، معتمر بن سليمان بن طرخان
التيمي البصري. "ت 187 هـ". "سير أعلام
النبلاء" 8/477.
7 هو: أبو علي، الحسين بن قيس الرحبي الواسطي
ولقبه: حنش، قال عنه البخاري: أحاديثه منكرة
جدا لا يكتب حديثه. وقال النسائي: متروك
الحديث من الطبقة السادسة. "تهذيب الكمال"
6/465.
(4/367)
عكرمة عن ابن
عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رغبت لكم عن غسالة الأيدي؛ لأن لكم في خمس
الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم" 1. حنش اسمه حسين
بن قيس، لا يحتج به اتفاقا، قال أحمد وغيره:
متروك، وفي كتاب المرتضى في الفقه أن مذهب
الإمامية يجوز لبني هاشم الفقراء أخذ زكاة بني
هاشم، وسبق كون الهاشمي عاملا، ولم يستثن
جماعة سواه. وقال الشيخ: يعطى لغزو أو حمالة،
وأن الأصحاب قالوا: يعطى لغرم لنفسه، ثم ذكر
احتمالا: لا يجوز، وذكر بعضهم أنه الأظهر.
وبنو هاشم من كان من سلالته، وذكره القاضي
وأصحابه وصاحب المحرر وغيرهم، قال في رواية
المروذي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا
تحل الصدقة لبني هاشم" 2. وذكر حديث أبي رافع،
وفي مذهب "م": فيما بين غالب وهاشم قولان،
وجزم في الرعاية بقول بعضهم: هم آل عباس وآل
علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد
المطلب، وروي عن أبي حنيفة، وجزم به في
الهداية وغيرها من كتب الحنفية، ولا يجوز
دفعها إلى مواليهم، نص عليه "و هـ" وأكثر
الشافعية، وفي مذهب "م" قولان، لحديث أبي
رافع: "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم
من أنفسهم" . حديث صحيح، رواه أحمد وأبو داود
والنسائي، والترمذي3
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أورده ابن كثير في تفسير سورة الأنفال وقال:
هذا حديث حسن الإسناد. "تفسير القرآن العظيم"
4/64. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 3/186
إلى أبن حاتم عن ابن عباس.
2 رواه عبد الرزاق في "المصنف" "6946".
3 أحمد "19059"، وأبو داود "1650"، والنسائي
في "المجتبى" 5/107 والترمذي "657".
(4/368)
وصححه، ويأتي
في الولاء: "الولاء لحمة كلحمة النسب" 1.
ولأنه بمنزلة النسب في أحكام، فغلب الحظر،
وأومأ أحمد في رواية يعقوب إلى الجواز "و م"؛
لأنهم ليسوا من آل محمد، وكموالي مواليهم،
ويجوز إلى ولد هاشمية من غير هاشمي، في ظاهر
كلامهم، وقاله القاضي اعتبارا بالأب "و" وذكر
أبو بكر: 2"في التنبيه"2 لا يجوز، واحتج بحديث
أنس: "ابن أخت القوم منهم". متفق عليه3. ولا
تحرم الزكاة على أزواجه عليه السلام، في ظاهر
كلام أحمد والأصحاب "و" كمواليهن "ع" للأخبار
فيهم. وفي المغني4 أن خالد بن سعيد بن العاص
بعث إلى عائشة بسفرة من الصدقة،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" "6149"،
والحاكم في "المستدرك" 4/341، والبيهقي في
"السنن الكبرى" 6/240، 10/292، من حديث ابن
عمر.
2 ليست في الأصل و"س".
3 البخاري "3147"، ومسلم "1059" "133".
4 4/112.
(4/369)
فردتها، وقالت:
إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة1. قال: وهذا
يدل على تحريمها على أزواجه عليه السلام، ولم
يذكر ما يخالفه، مع أنهم لم يذكروا هذا في
الوصية والوقف، وهذا يدل على أنهن من أهل بيته
في تحريم الزكاة.
ولهذا قال صاحب المحرر: أزواجه عليه السلام من
أهل بيته المحرم عليهم الزكاة، في إحدى
الروايتين، ثم احتج بقول عائشة المذكور، رواه
الخلال وصاحبه، وكالدفع إليه عليه السلام،
فإنهن في حبسه ونفقته حيا وميتا، ولهذا كن
يعطين من سهمه من الفيء من بعده، وعن أبي
هريرة مرفوعا: "لا يقسم ورثتي دينارا، ما تركت
بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة". متفق
عليه2، والثاني: لا يحرم عليهن، وهو قول زيد
بن أرقم، ورواه مسلم3. وقال شيخنا في تحريم
الصدقة عليهن: وكونهن من أهل بيته روايتان،
أصحهما التحريم، وكونهن من أهل بيته، كذا قال.
وهل يجوز دفعها إلى بني المطلب؟ اختاره الخرقي
والشيخ وصاحب المحرر وغيرهم، أم لا؟ اختاره
القاضي وأصحابه "و ش" فيه روايتان "م 23".
ـــــــ
مسألة - 23: قوله: وهل يجوز دفعها إلى بني
المطلب، اختاره الخرقي والشيخ وصاحب المحرر
وغيرهم، أم لا؟ اختاره القاضي وأصحابه، فيه
روايتان، انتهى، وأطلقهما في الهداية والمذهب
و4"مسبوك الذهب"4 والمستوعب والخلاصة
والمغني5، والكافي6 والمقنع7 والهادي
والتلخيص،
ـــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف". 3/214.
2 البخاري "2776"، ومسلم "1760" "55".
3 في صحيحه "2408".
4 ليست في "ط".
5 4/111.
6 2/206.
7 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/229.
(4/370)
ولم يذكروا
مواليهم، ويتوجه أن مراد أحمد والأصحاب أن
حكمهم كموالي بني هاشم، وهو ظاهر الخبر،
والقياس "*". وذكر ابن بطال المالكي الجواز
"ع". وسئل في رواية الميموني عن مولى قريش
يأخذ الصدقة؟ قال: ما يعجبني.
ـــــــ
والبلغة والمحرر والشرح1 والرعايتين والحاويين
ونهاية ابن رزين والفائق والزركشي وتجريد
العناية وغيرهم:
إحداهما: يجوز، وهو الصحيح، اختاره الخرقي
والشيخ أعني موفق الدين وصاحب المحرر في شرحه،
وجزم به ابن البنا في عقوده، وصاحب المنور،
قال في العمدة: وآل محمد بنو هاشم ومواليهم،
فظاهره جواز الدفع لبني المطلب، وقدمه ابن
رزين في شرحه، والرواية الثانية لا يجوز،
اختاره القاضي وأصحابه وصححه في التصحيح، وابن
منجى في شرحه، وجزم به في الإفادات والوجيز
والتسهيل، وإليه مال الزركشي، قال في
الإرشاد2: لا يعطى من الزكاة بنو المطلب الذين
لا تحل لهم الصدقات، والله أعلم.
"*" تنبيه: قوله: ولم يذكروا مواليهم، ويتوجه
أن مراد أحمد والأصحاب أن حكمهم كموالي بني
هاشم، وهو ظاهر الخبر والقياس، انتهى.
3"الظاهر أن المصنف تابع القاضي، فإنه قال في
بعض كلامه: لا نعرف فيهم رواية، ولا يمتنع أن
نقول فيهم ما نقول في بني هاشم، انتهى"3. قلت:
لم يطلع المصنف على كلام القاضي وغيره من
الأصحاب في ذلك، فقد قال في الجامع الصغير
والإشارة والخصال له: تحرم الصدقة المفروضة
على بني هاشم وبني المطلب ومواليهم، وكذا قال
في المبهج والإيضاح. وقال في الوجيز: ولا تدفع
إلى هاشمي ومطلبي ومواليهما، انتهى.
ـــــــ
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 7/306،
307.
2 ص 137.
3 ليست في "ص".
(4/371)
قيل له: فإن
كان مولى مولى؟ قال: هذا أبعد، فيحتمل
التحريم. وفاقا للأصح عند الشافعية ويجوز أن
يعطوا من صدقة التطوع والوصايا للفقراء نص
عليهما "ع" ونقل الميموني: لا يجوز التطوع
أيضا، فالوصية للفقراء أولى. وفي مذهب "م"
المنع أيضا، والمنع مع جواز الفرض، والعكس،
وروى أحمد بإسناده في الورع1، عن المسور أنه
كان لا يشرب من الماء الذي يسقى في المسجد
ويكرهه، يرى أنه صدقة.
والكفارة كزكاة في هذا، لوجوبها بالشرع، وقيل:
هي كالتطوع، والنذر كالوصية، وجزم في الروضة
بتحريم النفل على بني هاشم ومواليهم، وأن
النذر والكفارة كالزكاة، وإن حرمت صدقة التطوع
على بني هاشم فالنبي صلى الله عليه وسلم أولى،
ونقل الميموني: وكذا إن لم تحرم، اختاره
جماعة، وللشافعي قولان؛ لأن ذلك من دلائل
نبوته، ونقل جماعة: لا تحرم، اختاره القاضي،
كاصطناع أنواع المعروف إليه عليه السلام "ع"
واحتج أحمد والأصحاب بقوله عليه السلام: "كل
معروف صدقة" 2. وأطلق ابن البنا في تحريم صدقة
التطوع على النبي صلى الله عليه وسلم وجهين،
ومرادهم بجواز المعروف الاستحباب، ولهذا
احتجوا بقوله: "كل معروف صدقة" . ومعلوم أن
هذا للاستحباب "ع" وإنما عبروا بالجواز؛ لأنه
أصل لما اختلف في تحريمه، وهذا واضح، فلا وجه
لقول صاحب الرعاية: قلت: يستحب.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ص 71.
2 أخرجه البخاري "6021"، من حديث جابر، ومسلم
"1005" "52" من حديث حذيف.
(4/372)
ومن حرمت عليه
الزكاة بما سبق فله أخذها هدية ممن أخذها وهو
من أهلها "و" لأكله عليه السلام مما تصدق به
على أم عطية وقال: "إنها قد بلغت محلها". متفق
عليه1.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 البخاري "1446"، ومسلم "1076" "174".
(4/373)
فصل: والذكر والأنثى في أخذ الزكاة
وعدمه سواء، والصغير كالكبير، وعنه: إن أكل
الطعام وإلا لم يجز، ذكرها صاحب المحرر،
ونقلها صالح وغيره، والأول المذهب، للعموم،
فيصرف ذلك في أجرة رضاعته وكسوته وما لا بد
منه.
ويقبل ويقبض للمولى عليه الزكاة والهبة
والكفارة من يلي ماله، وهو وليه ووكيله
الأمين، ويأتي ذلك1. قال ابن منصور: قلت
لأحمد: قال سفيان: ولا يقبض للصبي إلا الأب أو
وصي أو قاض، قال أحمد: جيد، وقيل له في رواية
صالح قبضت الأم وأبوه حاضر، فقال: لا أعرف
للأم قبضا، ولا يكون إلا للأب، ولم أجد عن
أحمد تصريحا بأنه لا يصح قبض غير الولي مع
عدمه، مع أنه المشهور في المذهب. وذكر الشيخ
أنه لا يعلم فيه خلافا، ثم ذكر أنه يحتمل أنه
يصح قبض من يليه من أم وقريب وغيرهما عند عدم
الولي؛ لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من
مراعاة الولاية، وذكر صاحب المحرر أن هذا
منصوص أحمد، نقل هارون الحمال في الصغار يعطى
أولياؤهم فقلت: ليس لهم ولي، قال: يعطى
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 6/126.
(4/373)
من يعنى
بأمرهم. ونقل مهنا في الصبي والمجنون يقبض له
وليه قلت: ليس له ولي. قال: الذي يقوم عليه.
وذكر صاحب المحرر نصا ثالثا بصحة القبض مطلقا،
قال بكر بن محمد: سئل أحمد: يعطى من الزكاة
الصبي الصغير؟ قال: نعم، يعطى أباه أو من يقوم
بشأنه، وذكر في 1"الرعاية هذه الرواية ثم قال:
قلت. إن تعذر وإلا فلا، والمميز كغيره، وذكر
صاحب"1 المحرر في عدم صحة قبضه أنه ظاهر رواية
صالح وابن منصور، وأنه ظاهر كلام أصحابنا،
وصرح به القاضي في تعليقه في باب المكاتب، وأن
ظاهر المروذي يجوز، قال المروذي: قلت لأحمد:
يعطى غلاما يتيما من الزكاة؟ قال: نعم يدفعها
إلى الغلام، قلت: فإني أخاف أن يضيعه، قال:
يدفعه إلى من يقوم بأمره، وأشار صاحب المحرر
إلى قول أبي جحيفة2: قدم علينا مصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فأخذ الصدقة من أغنيائنا،
فجعلها في فقرائنا، فكنت غلاما، فأعطاني منها
قلوصا3. فيه أشعث هو ابن سوار، مختلف فيه،
رواه الترمذي4 وحسنه. وجزم في المغني5 بصحة
قبوله بلا إذن، وكذا قبضه، ككسبه مباحا من
حشيش وصيد، ويحتمل صحته بإذن وليه لئلا يضيع
المال.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 ليست في الأصل.
2 في "ط": "حنيفة".
3 القلوص من الأبل: الشابة، أو الباقية على
السير، أو أول ما يركب من إناثها إلى أن تثنى
ثم هي ناقة. "القاموس": "قلص".
4 في "سننه" "649".
5 5/97.
(4/374)
فصل: يحرم
شراء. زكاته
نص عليه، وهو أشهر، قال صاحب المحرر: صرح
جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر بأن البيع باطل،
واحتج أحمد رحمه الله بقوله عليه السلام: "لا
تشتره ولا تعد في صدقتك" 1. ولأنه وسيلة إلى
استرجاع شيء منها؛ لأنه يسامحه رغبة أو رهبة،
وعنه: يكره اختاره القاضي وغيره "و م ش" لشراء
ابن عمر، وهو راوي الحديث.
وعنه: يباح "و هـ" كما لو ورثها، نص عليه "و"
للخبر، وعلله جماعة بأنه بغير فعله، فيؤخذ
منه: أن ما كان بفعله كالبيع "و ش" ونصوص أحمد
إنما هي في الشراء، وصرح في رواية علي بن سعيد
أن الهبة كالميراث، ونقل حنبل: ما أراد أن
يشتريه فلا، إذا كان شيء جعله لله فلا يرجع
فيه وتأتي رواية أبي طالب وغيره، واحتج صاحب
المحرر لصحة الشراء بأنه يصح أن يأخذها من
دينه وبهبة ووصية، فبعوض أولى.
وظاهر كلام أحمد: سواء اشتراها ممن أخذها منه
أو من غيره، وهو ظاهر الخبر، وقاله الشافعية،
ونقله أبو داود في فرس جميل.
وظاهر التعليل بأنه يسامحه يقتضي الفرق، ولهذا
قال في الرعاية: وقيل ممن أخذها منه، وكذا
ظاهر كلامهم أن النهي يختص بها، ونقل حنبل:
وما أراد أن يشتريه أو شيئا من نتاجه فلا، قال
النبي صلى الله عليه وسلم:
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 رواه البخاري "2636"، ومسلم "1620" "1" عن
عبد الله بن عمر.
(4/375)
"لا تشترها ولا
شيئا من نسلها" 1. نهى عمر عن ذلك، ولم أجد في
حديث عمر النهي عن شراء نسلها.
وروى أحمد2: حدثنا يزيد بن هارون3، أخبرنا
سليمان يعني التيمي4 عن أبي عثمان، عن عبد
الله بن عامر5، عن الزبير بن العوام أن رجلا
حمل على فرس يقال له غمرة أو غمراء6 قال. فوجد
فرسا أو مهرا يباع، فنسب إلى تلك الفرس، فنهى
عنها. أبو عثمان هو النهدي الإمام، فالظاهر
روايته عن معروف، قال بعضهم: لعله ابن عامر بن
ربيعة الثقة المشهور، ورواه ابن ماجه7 من حديث
يزيد، والصدقة كالزكاة، وجزم به جماعة، نقل
أبو طالب وغيره: إذا تصدق بصدقة لا يرجع فيها،
إنما يرجع بالميراث، ونقل حنبل: لا يجوز أن
يعود في صدقته. واحتج بقوله عليه السلام: "لا
ترجع ولا تشترها، كل ما كان من صدقة فهذا
سبيله" 8. فإن رجع بإرث جاز.
وظاهر كلامهم له الأكل منه، ونقل ابن الحكم
فيمن يتصدق على
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 4/79.
2 في مسنده "1410".
3 هو: أبو خالد بن هارون بن زاذي السلمي. "ت
206 هـ". "سير أعلام النبلاء" 9/358.
4 هو: أبو المعتمر، سليمان بن طرخان التيمي
البصري. "ت 143 هـ". "سير أعلام النبلاء"
6/195.
5 هو: أبو محمد، عبد الله بن عامر بن ربيعة
العنزي المدني ولد عام الحديبية. "ت 85 هـ".
"سير أعلام النبلاء" 3/521.
6 في الأصل و"س" "و"ط": "عمر" أو "غمز"
والمثبت من المسند.
7 في سننه "2393".
8 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(4/376)
قريبه بدار أو
غلام أو شيء: إن أكل منه قبل أن يرثه فلا، قال
عمران بن حصين: لا أجيزه له. وهل يجوز للإمام
رد الزكاة على من قبضها منه؟ أو يخرجها الفقير
عن نفسه إلى من قبضها منه؟ كما هو الأشهر في
كلام القاضي ونصره صاحب المحرر وغيره، أم لا
يجوز؟ "و ش" لئلا يصير المالك صارفا لنفسه،
كما لو تركت له، ولأنها طهرة فلا يجوز أن
يتطهر بما قد تطهر به، فيه روايتان "25" وسبق
هذا ونحوه في أول الزكاة1،
ـــــــ
مسألة - 24: قوله: وهل يجوز للإمام رد الزكاة
على من قبضها منه؟ أو يخرجها الفقير عن نفسه
إلى من قبضها منه؟ كما هو الأشهر في كلام
القاضي ونصره صاحب المحرر وغيره، أم لا يجوز؟
لئلا يصير المالك صارفا لنفسه كما لو تركت له،
لأنها طهرة فلا يجوز أن يتطهر بما قد تطهر به،
فيه روايتان انتهى، ذكر مسألتين:
المسألة الأولى: هل يجوز للإمام رد الزكاة على
من قبضها منه أم لا؟ أطلق الخلاف:
إحداهما: يجوز، وهو الصحيح، جزم به في التلخيص
والبلغة فقال في الركاز: ويجوز صرفه إلى
واجده، وكذا زكاة المعدن وغيرهما من الزكوات،
وقدمه في الرعايتين والحاويين فقال: ويجوز
للساعي أن يعطيه عين زكاته، وعنه: المنع،
كإسقاطها عنه، انتهى. واختاره القاضي وغيره،
وقدمه المجد في شرحه ونصره، فقال: ويجوز
للإمام صرف الركاز إلى واجده، وكذا صرف العشر
وسائر الزكوات إلى من وجبت عليه، ونص عليه
أحمد، وهو أصح، ونصره. وقاله القاضي في المجرد
والخلاف. وقال في موضع من المجرد: لا يجوز
ذلك، ذكره في الركاز والعشر، وحكى أبو بكر ذلك
عن أحمد في زكاة الفطر، ذكره في المجرد.
ـــــــ
1 ص 98.
(4/377)
ومذهب "هـ".
يجوز في حق الركاز والمعدن؛ لأنه عنده فيء،
ولم يدخل في ملكه، كوضع الخراج، ولا يجوز في
العشر وسائر الزكوات؛ لأنه ملكه، وقد أمر
بالتقرب ببعضه ولا يتحقق إذا كان هو المصروف
إليه وسبق في أول الباب1: هل في المال حق سوى
الزكاة؟.
ومن له عبد للتجارة فأعتقه بعد الحول قبل
إخراج زكاة قيمته وقيمته نصاب فله دفع زكاة
قيمته إليه إذا لم يكن فيه مانع، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
ـــــــ
والرواية الثانية: لا يجوز، اختاره أبو بكر،
وذكره المذهب، وتقدم في كلام المصنف في باب
الركاز2 ما يوهم دخول جميع الزكوات، وكذلك في
أواخر زكاة الفطر3، ففي كلامه نوع تكرار،
والله أعلم.
المسألة الثانية: هل يجوز للفقير أن يخرجها عن
نفسه إلى من قبضها منه أم لا؟ أطلق الخلاف،
والحكم كالتي قبلها قلت: الصواب الجواز، إن لم
يكن حيلة، كما تقدم في الفطرة، فهذه ست وعشرون
مسألة، قد فتح الله الكريم بتصحيحها.
ـــــــ
1 ص 307.
2 ص 177.
3 ص 240.
(4/378)
فصل: الرابع: المؤلفة قلوبهم
وفاقا للأصح للمالكية.
وهم: رؤساء قومهم ممن يرجى إسلامه أو كف شره،
ومسلم يرجى
(4/329)
باب صدقة
التطوع
مدخل
...
باب صدقة التطوع
تستحب في كل وقت "ع" وهي أفضل سرا "و" بطيب
نفس "و" في الصحة "و" وفي رمضان وأوقات
الحاجات، وفي كل زمان أو مكان فاضل، كالعشرة
والحرمين، وذوو رحمه والجار أفضل، لا سيما مع
عداوته، لقوله عليه السلام: " الصدقة على
المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة"
. وقوله: "أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم
الكاشح" رواهما أحمد وغيره1، وسبق في أول فصل
من تدفع إليه الزكاة ما يتعلق بهذا2، وقد قال
تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:
92]، وقال: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، وقال عليه
السلام: "لا تحقرن من المعروف شيئا" 3، وقال:
"اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فكلمة
طيبة" 4. وقال: "أفضل الصدقة جهد المقل ودرهم
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 الأول: أخرجه أحمد "17871"، والترمذي "658"،
والنسائي في "المجتبى" 5/92، وابن ماجه
"1844"، من حديث سلمان بن عامر. والثاني:
أخرجه أحمد "15320"، والدارمي في "سننه"
1/397، من حديث حكيم بن حزام، وابن خزيمة في
"صحيحه" "2386"، من حديث أم كلثوم بنت عقبة.
2 ص 353.
3 أخرجه مسلم "2626" "144"، من حديث أبي ذر.
4 أخرجه البخاري "6563"، ومسلم "1016" "68"،
من حديث عدي بن حاتم.
(4/379)
سبق مائة ألف"
1.
وتستحب الصدقة مما فضل عن كفايته وكفاية من
يمونه، أطلقه جماعة، والمراد والله أعلم
دائما، كما ذكره جماعة، بمتجر أو غلة ملك أو
وقف أو صنعة، وفي الاكتفاء بالصنعة نظر، و2
معنى كلام ابن الجوزي في كتابه المذكور: لا
يكفي، وقاله في غلة الوقف أيضا وللشافعية
أوجه: الاستحباب، وعدمه، والثالث وهو أصح إن
صبر على الضيق استحب له وإلا فلا، وقد ذكر ابن
عقيل في مواضع: أقسم بالله لو عبس الزمان في
وجهك مرة لعبس في وجهك أهلك وجيرانك. ثم حث
على إمساك المال. وذكر ابن الجوزي في كتابه
السر المصون أن الأولى أن يدخر لحاجة تعرض
وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده فينقطع
مرفقه فيلاقي من الضراء ومن الذل ما يكون
الموت دونه، فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى
الحال الحاضرة، بل يصور كل ما يجوز وقوعه،
وأكثر الناس
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1677"، من حديث أبي هريرة.
2 بعدها في "ط": "في".
(4/380)
لا ينظرون في
العواقب، وقد تزهد خلق كثير فأخرجوا ما
بأيديهم ثم احتاجوا فدخلوا في مكروهات.
والحازم من يحفظ ما في يده، والإمساك في حق
الكريم جهاد، كما أن إخراج ما في يد البخيل
جهاد، والحاجة تحوج إلى كل محنة، قال بشر
الحافي: لو أن لي دجاجة أعولها خفت أن أكون
عشارا1 على الجسر. وقال الثوري: من كان بيده
مال فليجعله في قرن ثور، فإنه زمان من احتاج
فيه كان أول ما يبذل دينه، قال ابن الجوزي:
وبعد فإذا صدقت نية العبد وقصده رزقه الله
وحفظه من الذل، ودخل في قوله: {وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ} [الطلاق: 2]، الآية، قال أصحابنا:
وإن أضر ذلك بنفسه أو بمن تلزمه نفقته أو
بغريمه أو بكفالته أثم "و هـ م" وللشافعية
أوجه، ثالثها يأثم فيمن يمونه لا في نفسه،
وظاهر كلام جماعة من أصحابنا إن لم يضر فالأصل
الاستحباب، وجزم في الرعاية بما ذكره بعضهم
أنه يكره التصدق قبل الوفاء والإنفاق الواجب،
وقد قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
[الحشر: 9].
ومن أراد الصدقة بماله كله فإن كان وحده وعلم
من نفسه حسن التوكل والصبر على المسألة جاز
ودليلهم يقتضي الاستحباب، وجزم به في منتهى
الغاية وغيرها، وفاقا للشافعية، وذكر القاضي
عياض المالكي أنه جوزه جمهور العلماء وأئمة
الأمصار، وعن عمر رد جميع صدقته، ومذهب أهل
الشام ينفذ في الثلث، وعن مكحول في النصف.
وقال الطبري: المستحب الثلث. قال أصحابنا وإن
لم يعلم لم يجز. ذكره
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 العشار: من يأخذ على السلع مكسا. "المعجم
الوسيط": "عشر".
(4/381)
أبو الخطاب
وغيره، ويمنع من ذلك ويحجر عليه، وذكر الشيخ
وغيره: يكره، وفاقا للشافعية، وإن كان له
عائلة ولهم كفاية أو يكفيهم بمكسبه جاز، لقصة
الصديق1 رضي الله عنه، وإلا فلا.
ويكره لمن لا صبر له على الضيق ولا عادة له به
أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة، نص عليه،
وظهر مما سبق أن الفقير لا يقترض ويتصدق، ونص
أحمد في فقير لقريبه وليمة: يستقرض ويهدي له،
ذكره أبو الحسين في الطبقات، قال شيخنا: فيه
صلة الرحم بالقرض، ويتوجه أن مراده أنه يظن
وفاء.
ويستحب التعفف فلا يأخذ الغني صدقة ولا يتعرض
لها، فإن أخذها مظهرا للفاقة فيتوجه التحريم.
ويحرم المن بالصدقة وغيرها، وهو كبيرة، على نص
أحمد: الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في
الآخرة ويبطل الثواب بذلك، للآية2، ولأصحابنا
خلاف فيه وفي بطلان طاعة بمعصية، واختار شيخنا
الإحباط بمعنى الموازنة، وذكره أنه قول أكثر
السلف.
وفي "الصحيحين"3 من حديث عبد الله بن زيد بن
عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى
المؤلفة ولم يعط الأنصار، فكأنهم وجدوا فقال:
"يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم
الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه أبو داود "1678"، والترمذي "3675"، من
حديث عمر بن الخطاب، وفيه: وأتى أبو بكر رضي
الله عنه بكل ما عنده، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت
لهم الله ورسوله.
2 هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ
بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].
3 البخاري "4330"، ومسلم "1061" "139".
(4/382)
بي؟ وعالة
فأغناكم الله بي؟ فقالوا: الله ورسوله أمن،
فقال: ألا تجيبون؟ لو شئتم لقلتم: جئتنا كذا
وكذا". الحديث، متفق عليه، فيحتمل أن يقال في
هذا كما قاله ابن حزم: لا يحل أن يمن إلا من
كفر إحسانه وأسيء إليه، فله أن يعدد إحسانه،
ويحتمل أن يقال كما قاله شارح "الأحكام
الصغرى"1 إن هذا دليل على إقامة الحجة عند
الحاجة إليها على الخصم، ولما كانت نعمة
الإيمان أعظم قدمها، ثم نعمة الألفة أعظم من
نعمة المال؛ لأن المال يبذل في تحصيلها، والله
أعلم.
ومن أخرج شيئا يتصدق به أو وكل في ذلك ثم بدا
له استحب أن يمضيه، ولا يجب "و"2 وسبق في
إخراج الزكاة قبل تعجيلها3. نقل محمد بن
داود4، أن أبا عبد الله سئل عن رجل بعث دراهم
إلى رجل يتصدق بها عليه فلم يجده الرسول فبدا
للمرسل أن يمسكها، قال: ما أحسنه أن يمضيه
وكذا نقل الأثرم: ما أحسنه أن يمضيه وقال ابن
منصور لأبي عبد الله: سئل سفيان عن رجل دفع
إلى رجل ما لا يتصدق به فمات المعطي. قال:
ميراث قال أحمد: أقول: إنه ليس بميراث إذا كان
من الزكاة أو شيء أخرجه للحج، وإن كان غير ذلك
فهو ميراث. قاله إسحاق كما قال أحمد، وكذا نقل
صالح عن أبيه، ولم يرد أحمد رحمه الله أن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 لعله الأحكام الصغرى لعبد الغني بن سرور
المقدسي توفي سنة "600 هـ".
2 ليست في "ب" و"ط".
3 288.
4 أبو جعفر محمد بن داود بن صبيح المصيصي، كان
من خواص تلامذة أحمد، فاضلا، ورعا ينظر:
"تهذيب التهذيب". 3/557.
(4/383)
الوكيل يخرجه،
بل يتعين ما عينه الميت، أو يكون على ظاهره
ويكون رواية بالتفرقة، وعن أحمد رحمه الله
رواية أخرى، قال حبيش1: إن أبا عبد الله قيل
له: رجل دفع إلى رجل دراهم فقال له تصدق بهذه
الدراهم، ثم إن الدافع جاء إلى صاحبه فقال له:
رد علي هذه الدراهم، ما يصنع المدفوع إليه؟
فقال: لا يردها عليه، يمضيها فيما أمره به،
ونقل جعفر أن أبا عبد الله سئل عن رجل أخرج
صدقة من ماله، فأمر بها أن توضع في أهل السكة،
أله أن يرجع؟ قال: مضى، فراجعه صاحب المسألة
فأبى أن يرخص في ذلك. وترجم الخلال: الرجل
يخرج الصدقة فلا يردها إلى ماله بعد أن سماها
صدقة، فإن كان مراده أنه تكلم بأنه صدقة
فالروايتان، وكان وجهه أنه هل يتعين بذلك
كالنذر أم لا؟ وإن لم يتكلم فقد نوى خيرا
فيستحب أن يمضيه، وقد صح عن عمرو بن العاص أنه
كان يقول: إذا أخرج الطعام للسائل فوجده قد
ذهب عزله حتى يجيء سائل آخر2، وصح هذا عن
الحسن3، ورواه ليث عن طاوس3.
وصح عن حميد وبكر بن عبد الله المزني قالا: لا
يعطيه سائلا آخر4.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 حبيش بن سندي، وحبيش بن مبشر، كلاهما من
رواة أحمد، ويغلب على الظن أن المراد حبيش بن
سندي؛ لأنه أكثر رواية من حبيش بن مبشر.
"طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى 1/146 - 147.
2 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/165.
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/166 وجاء
فيه "عن الحسن قال: يصنع بها ما شاء".
4 المصدر السابق وجاء فيه "وعن حميد عن بكر
قالا: يحسبها حتى يعطيها غيره".
(4/384)
روى ذلك
الأثرم، ويأتي إن شاء الله تعالى1: إذا مات
الواهب أو الموهوب2 قبل القبض. ومن سأل فأعطى
فقبضه فسخطه لم يعط لغيره، في ظاهر كلام
العلماء رضي الله عنهم، وعن علي بن الحسين أنه
كان يفعله، رواه الخلال، وفيه جابر الجعفي
ضعيف، فإن صح فيحتمل أنه فعله عقوبة، ويحتمل
أن سخطه دليل على أنه لا يختار تملكه، فيتوجه
مثله على أصلنا، كبيع التلجئة، ويتوجه في
الأظهر أن أخذ صدقة التطوع أولى من الزكاة،
وأن أخذها سرا أولى، وفيهما قولان للعلماء أظن
علماء الصوفية وتجوز صدقة التطوع على كافر
وغني وغيرهما. نص عليه، ولهم أخذها، والله
سبحانه أعلم.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 7/396.
2 بعدها في "س": "له".
(4/385)
فصل: والصدقة المستحبة على القرابة والرحم
أفضل من العتق، نقله حرب، لقوله عليه السلام
لميمونة وقد عتقت الجارية: "لو1 كنت أعطيتها
أخوالك كان أعظم لأجرك". متفق عليه2. والعتق
أفضل من الصدقة على الأجانب إلا زمن الغلاء
والحاجة، نقله بكر بن محمد وأبو داود، ويأتي
كلام الحلواني أول العتق3. وهل حج التطوع أفضل
من صدقة التطوع؟ سأل حرب لأحمد أيحج نفلا أم
يصل قرابته؟ قال: إن كانوا محتاجين يصلهم أحب
ـــــــ
...............................
ـــــــ
11 بعدها في "ب" و"ط": "كنت".
2 البخاري "2592"، ومسلم "999" "44".
3 8/97.
(4/385)
إلي، قيل: فإن
لم يكونوا قرابة؟ قال: الحج. وذكر أبو بكر بعد
هذه الرواية رواية أخرى عن أحمد أنه سئل عن
هذه المسألة فقال: من الناس من يقول لا أعدل
بالمشاهد شيئا. وترجم أبو بكر: فضل صلة
القرابة بعد فرض الحج. ونقل ابن هانئ في هذه
المسألة: وإن قرابته فقراء؟ فقال أحمد: يضعها
في أكباد جائعة أحب إلي. فظاهره العموم، وذكر
شيخنا أن الحج أفضل، وأنه مذهب أحمد، فظهر من
هذا هل الحج أفضل؟ أم الصدقة مع الحاجة؟ أم مع
الحاجة على القريب؟ أم على القريب مطلقا؟ فيه
روايات أربع وفي المستوعب: وصيته بالصدقة أفضل
من وصيته بحج التطوع فيؤخذ منه أن الصدقة أفضل
بلا حاجة "م 1". وليس المراد الضرورة؛ لأن
ـــــــ
مسألة - 1: قوله: وهل حج التطوع أفضل من
الصدقة مطلقا؟ أم الصدقة مع الحاجة؟ أم مع
الحاجة على القريب؟ أم على القريب مطلقا؟
روايات أربع. وفي المستوعب: وصيته بالصدقة
أفضل من وصيته بحج التطوع، فيؤخذ منه أن
الصدقة أفضل بلا حاجة.
قال الشيخ تقي الدين: الحج أفضل من الصدقة،
وإنه مذهب أحمد. وقال ابن الجوزي في كتاب
الصفوة: الصدقة أفضل من الحج ومن الجهاد،
انتهى قلت الصواب: أن الصدقة زمن المجاعة على
المحاويج أفضل، لا سيما الجار خصوصا صاحب
العائلة، وأخص من ذلك القرابة، فهذا فيما يظهر
لا يعد له الحج التطوع، بل النفس تقطع بهذا،
وهذا نفع عام، وهو متعد، وهو قاصر، وهو ظاهر
كلام المجد في شرحه وغيره. وأما الصدقة مطلقا
أو على القريب غير المحتاج فالحج التطوع أفضل
منه، والله أعلم، وقد حكى المصنف في باب صلاة
التطوع1، قولا: إن الحج أفضل
ـــــــ
1 2/348.
(4/386)
الفرض أنها
تطوع، وفي الزهد1 للإمام أحمد عن الحسن قال،
يقول أحدهم: أحج أحج2، قد حججت، صل رحما، تصدق
على مغموم، أحسن إلى جار. وفي كتاب الصفوة
لابن الجوزي أن الصدقة أفضل من الحج ومن
الجهاد، وعلل بأنها سر لا يطلع عليها إلا الله
تعالى، والله أعلم، وسبق أول صلاة التطوع3: أن
الحج أفضل من العتق، فحيث قدمت الصدقة على
الحج فعلى العتق أولى، وحيث قدم العتق على
الصدقة فالحج أولى، وروى ابن أبي شيبة وغيره4،
عن التابعين قولين: هل الحج أفضل من الصدقة؟
وروى أيضا5: حدثنا وكيع عن سفيان عن6 أبي
مسكين قال: كانوا يرون أنه إذا حج مرارا أن
الصدقة أفضل
ـــــــ
1 ص 320، لكن جاء فيه: نفسه عنه مغموم. بدل:
تصدق على مغموم.
2 بدها في "ب" و"ط": "و".
3 2/348.
4 ابن أبي شيبة في "مصنفه" الجزء المفقود، نشر
العموري. ص 151 - 152.
5 في "مصنفه" الجزء المفقود. نشرة العموري ص
151. لكن عن أبي مسكين عن إبراهيم قال:...".
6 بعدها في "س": "ابن".
(4/387)
فصل: قد سبق في ذكر
الفقر والمسكنة في الباب قبله1 مسائل تتعلق
بالمسألة ومسألة من جاءه مال بسؤال أو إشراف
نفس أو بهما، وهل يجب أخذه بدونهما؟ فأما إن
شك في تحريم المال، فإن كان أصله التحريم
كالذبيحة في
ـــــــ
تطوعات البدن، وذكر أدلة ذلك، ثم قال: فظهر من
هذا أن نفل الحج أفضل من صدقة التطوع ومن
العتق ومن الأضحية، ويأتي ذلك في صدقة التطوع
والأضحية، انتهى. قلت: ما قال مسلم إذا لم يكن
حاجة، فأما مع الحاجة فلا، والله أعلم.
ـــــــ
1 ص 310 وما بعدها.
(4/387)
غير بلد1
الإسلام ولو كان فيهم مسلمون فمحرم، لحديث عدي
بن حاتم: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، فإن
وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك
لا تدري أيهما قتله". متفق عليه2. وإن كان
أصله الإباحة كما لو شك في الماء المتغير هل
هو بنجاسة أو لا عمل بالأصل، لقول عبد الله بن
زيد: شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل
يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة قال: "لا
ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا". متفق
عليه3. وإن لم يعرف له أصل فإن علم أن فيه
حراما وحلالا كمن في ماله هذا وهذا فقيل
بالتحريم، قطع به شرف الإسلام عبد الوهاب بن
أبي الفرج في كتابه المنتخب، ذكره قبيل باب
الصيد وعلل القاضي وجوب الهجرة من دار الحرب
بتحريم الكسب عليه هناك، لاختلاط الأموال
لأخذهم من غير جهته ووضعه في غير حقه. وقال
الأزجي في نهايته: هذا قياس المذهب كما قلنا
في اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة، وقدمه أبو
الخطاب في الانتصار في مسألة اشتباه الأواني،
وقد قال أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه، وسأل
المروذي أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا
يؤكل عنده؟ قال: لا، قد لعن رسول الله صلى
الله عليه وسلم آكل الربا وموكله4، وقد أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف عند
الشبهة، ومراده حديث النعمان بن بشير، متفق
عليه5،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "ط": "بدل".
2 البخاري "5483"، ومسلم "1929".
3 البخاري "137"، ومسلم "361".
4 أخرجه مسلم "1597" "105"، عن عبد الله بن
مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
آكل الربا ومؤكله.
5 البخاري "2051"، ومسلم "1599" "107" ولفظه:
"الحلال بين، والحرام بين".
(4/388)
وقال أنس: إذا
دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه، واشرب من
شرابه. ذكره البخاري1. وعن الحسن بن علي
مرفوعا: "دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك" .
رواه أحمد والنسائي والترمذي2 وصححه.
والثاني: إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل
وإلا فلا، قدمه في الرعاية؛ لأن الثلث ضابط في
مواضع.
والثالث: إن كان الأكثر الحرام حرم وإلا فلا،
إقامة للأكثر مقام الكل؛ لأن القليل تابع، قطع
به ابن الجوزي في المنهاج، وذكر شيخنا: إن غلب
الحرام هل تحرم معاملته؟ أو تكره؟ على وجهين،
وقد نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد فيمن
ورث مالا: إن عرف شيئا بعينه رده، وإذا كان
الغالب على ماله الفساد تنزه عنه، أو نحو ذلك.
ونقل عنه حرب في الرجل يخلف مالا: إن كان
غالبه نهبا أو ربا ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه،
إلا أن يكون يسيرا لا يعرف، ونقل عنه أيضا: هل
للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالا مضاربة
ينفعهم وينتفع؟ قال: إن كان غالبه الحرام فلا.
والرابع: عدم التحريم مطلقا، قل الحرام أو
كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة
الحرام وقلته، وجزم به في المغني3 وغيره،
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 في "صحيحه"، كتاب الأطعمة، باب الرجل يدعى
إلى طعام فيقول: وهذا معي. قبل حديث "5461".
2 أحمد في "مسنده" "1723"، والترمذي "2518"،
والنسائي في "المجتبى" 8/327.
3 6/372.
(4/389)
وقدمه الأزجي
وغيره "م 2"، لما رواه أحمد1 عن أبي هريرة
مرفوعا: "إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم
فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه،
وإن سقاه شرابا فليشرب من شرابه ولا يسأله
عنه". وروى جماعة من حديث الثوري، عن سلمة بن
كهيل2 عن ذر بن عبد الله3، عن ابن مسعود، أن
رجلا سأله فقال: لي جار يأكل الربا ولا يزال
يدعوني، فقال:
ـــــــ
مسألة - 2: قوله: إن4 شك في تحريم المال وعلم
أن فيه حراما وحلالا كمن في ماله هذا وهذا،
فقيل بالتحريم، قطع به شرف الإسلام عبد الوهاب
بن أبي الفرج في كتاب المنتخب، ذكره قبيل باب
الصيد وقال الأزجي في نهايته: هذا قياس المذهب
وقدمه أبو الخطاب في الانتصار في مسألة اشتباه
الأواني، والثاني إن زاد الحرام على الثلث حرم
الكل وإلا فلا، قدمه في الرعاية والثالث إن
كان الأكثر الحرام حرم وإلا فلا، قطع به ابن
الجوزي في المنهاج، وذكر شيخنا: إن غلب الحرام
هل تحرم معاملته؟ أم تكره، على وجهين. والرابع
عدم التحريم مطلقا، قل الحرام أو كثر، لكن
يكره، وتقوى الكراهية وتضعف بحسب كثرة الحرام
وقلته، جزم به في المغني وغيره، وقدمه الأزجي
وغيره، انتهى، وأطلقها في الآداب الكبرى
والقواعد الأصولية قلت: الصحيح الأخير، على ما
اصطلحناه، وجزم به الشارح. وقاله ابن عقيل في
الفصول، وغيره، قال في الآداب الكبرى بعد أن
ذكر ما ذكره المصنف هنا عن هذا القول: وهو
ظاهر ما قطع به، وقدمه غير واحد، ثم قال: قدمه
الأزجي وغيره، وجزم به في المغني وغيره،
انتهى، والصواب القول الأول، لقوله عليه أفضل
الصلاة والسلام: "دع ما يريبك إلى ما لا
يريبك" 5. وقد
ـــــــ
1 في المسند "9184".
2 هو: أبو يحيى، سلمة بن كهيل بن حصين
الحضرمي. "ت 121 هـ". "سير أعلام النبلاء".
5/298.
3 هو: أبو عمر، ذر بن عبد الله بن زرارة
الهمداني، المرهبي، الكوفي، كان مرجئا. "تهذيب
الكمال" 8/511.
4 في النسخ الخطية و"ط": "إذا"، والمثبت من
"الفروع".
5 تقدم تخريجه ص 389.
(4/390)
مهنؤه1 لك
وإثمه عليه2. قال الثوري: إن عرفته بعينه فلا
تأكله2، ومراد ابن مسعود وكلامه لا يخالف هذا.
وروى جماعة أيضا من حديث معمر3، عن أبي
إسحاق4، عن الزبير بن الخريت عن سلمان قال:
إذا كان لك صديق عامل فدعاك إلى طعام فاقبله،
فإن مهنأه لك، وإثمه عليه5. قال معمر: وكان
عدي بن أرطاة6 عامل البصرة يبعث إلى الحسن كل
يوم بجفان ثريد، فيأكل منها ويطعم أصحابه7،
ويبعث عدي إلى الشعبي وابن سيرين والحسن، فقبل
الحسن والشعبي ورد ابن سيرين8. قال: وسئل
الحسن عن طعام الصيارفة فقال: قد أخبركم الله
عن اليهود والنصارى أنهم يأكلون الربا وأحل
لكم طعامهم9. وقال منصور: قلت لإبراهيم
اللخمي: عريف لنا يصيب من الظلم فيدعوني فلا
أجيبه، فقال إبراهيم: للشيطان غرض بهذا ليوقع
عداوة، وقد كان العمال يهمطون ويصيبون ثم
يدعون فيجابون. قلت: نزلت بعامل فنزلني وأجاز
لي قال اقبل قلت: فصاحب ربا، قال: اقبل ما لم
تره بعينه. قال الجوهري: الهمط الظلم
ـــــــ
قال في آداب الرعاية الكبرى: ولا يأكل مختلطا
بحرام بلا ضرورة، والله أعلم، ولا يسعنا إلا
حلم الله وعفوه.
ـــــــ
1 المهنأ: ما أتاك بلا مشقة. "القاموس
المحيط": "هنأ".
2 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "14675".
3 هو: أبو عروة: معمر بن راشد بن أبي عمر
الأزدي. "ت 53 هـ". "سير أعلام النبلاء" 7/5.
4 هو: أبو إسحاق، عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد
السبيعي، الهمداني. "127 هـ". "سير أعلام
النبلاء" 5/392.
5 أخرجه عبد الرزاق "14677".
6 هو: عدي بن أرطاة الفزاري، الدمشقي. "ت 102
هـ". "سير أعلام النبلاء". 5/53.
7 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "14678".
8 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف". "14682".
9 أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" "14679".
(4/391)
والخلط ويقال:
همط الناس فلان يهمطهم إذا ظلمهم حقهم، والهمط
أيضا الأخذ بغير تقدير: وينبني على هذا الخلاف
حكم معاملته وقبول صدقته وهبته وإجابة دعوته
ونحو ذلك "*".
قال ابن الجوزي: بناء على ما ذكره إذا كان
الأكثر الحرام يجب السؤال، وإن لم يكن أكثر
فالورع التفتيش ولا يجب، فإن كان هو المسئول
وعلمت إن له غرضا في حضورك وقبول هديته فلا
ثقة بقوله والله أعلم.
وإن لم يعلم أن في المال حراما فالأصل
الإباحة، ولا تحريم بالاحتمال، وإن كان تركه
أولى للشك فيه، وإن قوي سبب التحريم فظنه
فيتوجه فيه كآنية أهل الكتاب وطعامهم.
ـــــــ
(4/392)
فصل: ومال بيت المال إن علمه حلالا أو حراما
أو علمهما فيه، أو شك في الحرام فيه، فالحكم
على ما سبق، فلا يتجه إطلاق الحكم فيه، لكن
خرج الكلام على الغالب، والغالب أن فيه حلالا
وحراما، وفيه الخلاف المشهور السابق، فلهذا
كثر الاختلاف فيه، قال جماعة من أصحابنا: يجوز
العمل
ـــــــ
تنبيه: قوله: وينبني على هذا حكم معاملته
وقبول صدقته وإجابة دعوته ونحو ذلك، انتهى. قد
علمت الصحيح من المذهب من ذلك، وقوله في أول
الفصل بعده: ومال بيت المال إن شك في الحرام
فيه فالحكم على ما سبق، انتهى، يعني بالحكم
هذا الذي تكلمنا عليه، والله أعلم.
(4/392)
مع السلطان
وقبول جوائزه، وقيده في الترغيب بالعادل،
وقيده في التبصرة بمن غلب عدله، وأنها تكره،
في رواية، وقيل للإمام أحمد في جائزته
ومعاملته، فقال: أكرههما، وجائزته أحب1 إلي من
الصدقة، وقال: هي خير من صلة الإخوان، وأجرة
التعليم خير منهما، ذكره شيخنا. وقال أيضا:
ليس بحرام. وقال أيضا: يموت بدينه ولا يعمل
معهم.
وقال بهجرانه، ويخرجه إن لم ينته، وهجر أحمد
أولاده وعمه وابن عمه لما أخذوها، قال القاضي:
وهو يقتضي جواز الهجر بأخذ الشبهة، وإنما
أجازه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم هجرت بما في
معناه، كهجر ابن مسعود من ضحك في جنازة2،
وحذيفة بشد الخيط للحمى3، وعمر أمر بهجر صبيغ
بسؤاله عن الذاريات والمرسلات والنازعات4.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 بعدها في الأصل: "إلى وقال هي أحب".
2 أورده المؤلف في "الآداب الشرعية" 1/250.
وقال: القاضي: وروى الخلال عن أبن مسعود أنه
رأى رجلا يضحك في جنازة، فقال: أتضحك مع
الجنازة؟! لا أكلمك أبدا".
3 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 8/15 حيث دخل
حذيفة على رجل يعوده، فوجد في عضده خيطا،
فقال: ما هذا؟ قال: خيط رقى لي، فيه، فقطعه ثم
قال: لو مت ما صليت عليك.
4 أخرجه البزار في "كشف الأستار" "2259".
(4/393)
وقال ابن
الزبير: لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها.
فهجرته1. وقال الخلال: كأن أحمد توسع على من
أخذها لحاجة، فلما أخذوها مع الاستغناء هجرهم
ثم كلمهم، وهو عندي على غير قطع المصارمة؛
لأنهم وإن استغنوا فلهم حجة قوية.
وقيل لأحمد: ترى أن يعيد من حج من الديوان؟
قال: نعم، وكذا كره معاملة الجندي وإجابة
دعوته، ومراده من يتناول الحرام الظالم. ونقل
عبد الله بن محمد فوران2 عن أحمد في المال
الحلال والحرام، فالزهري ومكحول قالا: كل،
فهذا عندي من مال السلطان، كما قال علي عليه
السلام: بيت المال يدخله الخبيث والطيب فيصل
إلى الرجل فيأكل منه، فإما حلال وحرام من
ميراث أو أفاد ذلك رجل مالا فإنه يرد على
أصحابه، فإن لم يعرفهم ولم يقدر عليهم تصدق
به، قال بعضهم: لأن بيت المال لا مستحق له
معين حتى يرد عليه، ولعموم البلوى به، وامتنع
جماعة من التابعين فمن
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أخرجه البخاري "6073" - "6075".
2 هو: عبد الله بن محمد بن المهاجر، يعرف
بفوران، كان الإمام أحمد يجله، وكان يقدمه
ويأنس به. "ت 256 هـ". "طبقات الحنابلة".
(4/394)
بعدهم من بيت
المال، وعلله بعض السلف بأن باقي المستحقين لم
يأخذ، قاله ابن الجوزي، قال: وليس بشيء؛ لأنه
يأخذ حقه ويبقى حق أولئك، مقام معلوم في مقام
مظلوم، وليس المال مشتركا، وقبل منه ابن عمر
وابن عباس وعائشة والحسن والحسين وعبد الله بن
جعفر رضي الله عنهم، وجماعة من التابعين
وغيرهم، ومالك والشافعي، وسئل عثمان عن جوائز
السلطان، فقال: لحم ظبي ذكي، قال ابن عبد
البر: وكان الشعبي والنخعي والحسن وأبو سلمة
بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان1 والفقهاء
السبعة سوى سعيد بن المسيب يقبلون جوائز
السلطان، وكان الثوري مع ورعه وفضله يقول: هي
أحب إلي من صلة الإخوان.
ومن دفع جائزته إلى آخر فعند أحمد لا يكره
للثاني؛ لأنه إنما كره للأول للمحاباة، ولا
فرق عند عبد الوهاب، وتتوجه تخريجه عن أحمد
لأجل الشبهة.
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 أبان بن عثمان بن عفان الأموي، ثقة من كبار
التابعين. "ت: 105 هـ" "تهذيب التهذيب" "1/54،
55".
(4/395)
فصل: وإن أراد من معه
مال حلال وحرام أن يخرج من إثم الحرام أو
يتصرف، فنقل جماعة التحريم إلا أن يكثر
الحلال، واحتج بخبر عدي بن حاتم في الصيد
السابق2، كذا قال، مع أنه لا فرق عنده في
الصيد بين القلة والكثرة، وعنه أيضا: إنما
قلته في درهم حرام مع آخر، وعنه أيضا: في عشرة
فأقل لا تجحف به. وقال في الخلاف في مسألة
اشتباه الأواني الطاهرة
ـــــــ
...............................
ـــــــ
2 ص 388.
(4/395)
بالنجسة: ظاهر
مقالة أصحابنا يعني أبا بكر وأبا علي النجاد
وأبا إسحاق: يتحرى في عشرة طاهرة فيها إناء
نجس؛ لأنه قد نص على ذلك في الدراهم فيها درهم
حرام، فإن كانت عشرة أخرج قدر الحرام منها،
وإن كانت أقل امتنع من جميعها، قال: ويجب أن
لا يكون هذا حدا، وإنما يكون الاعتبار بما كثر
عادة، وقيل له بعد ذلك: قد قلتم: إذا اختلط
درهم حرام بدراهم يعزل قدر الحرام ويتصرف في
الباقي. فقال: إن كان للدراهم مالك معين لم
يجز أن يتصرف في شيء منها منفردا، وإلا عزل
قدر الحرام وتصرف في الباقي، وكان الفرق
بينهما أنه إذا كان معروفا فهو شريك معه، فهو
يتوصل إلى مقاسمته، وإذا لم يكن معروفا فأكثر
ما فيه أنه مال للفقراء، فيجوز له أن يتصدق
به، واختار القاضي في موضع آخر والأصحاب
والشيخ أن كلام أحمد ليس للتحديد، وأن الواجب
إخراج قدر الحرام "م 3"؛ لأنه لم يحرم لعينه،
وإنما حرم لتعلق حق غيره به، فإذا أخرج عوضه
زال التحريم عنه، كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي
بعوضه، وظاهره: ولو علم صاحبه، وليس بمراد،
وقد سبق1 كلام أحمد
ـــــــ
مسألة - 3: قوله: وإن أراد من معه مال حلال
وحرام أن يخرج من إثم الحرام أو يتصرف فنقل
جماعة التحريم إلا أن يكثر الحلال وعنه أيضا:
إنما قلته في درهم حرام مع آخر، وعنه أيضا: في
عشرة فأقل لا تجحف به. وقال القاضي في الخلاف
الاعتبار بما كثر عادة واختار القاضي في موضع
آخر والأصحاب والشيخ أن كلام أحمد ليس
للتحديد، وأن الواجب إخراج قدر الحرام، انتهى.
قلت: هذا هو الصواب، وهو المذهب، فإذا فعل ذلك
وتصرف خرج من الإثم وجاز له التصرف، والله
أعلم.
ـــــــ
1 في الصفحة السابقة.
(4/396)
والقاضي، ويأتي
إن شاء الله تعالى في الغصب1 الخلاف في
المغصوب إذا خلطه بما لا يتميز، كدراهم وزيت،
هل يلزم مثله منه أو من حيث شاء؟ وذكر ابن
عقيل2 في النوادر عن أحمد: إذا اختلط زيت حرام
بمباح تصدق به.
هذا مستهلك، والنقد يتحرى، وذكر الخلال عن أبي
طالب عن أحمد في الزيت: أعجب إلي أن يتصدق به،
هذا غير الدراهم، وذكر الأصحاب في الدراهم أن
الورع ترك الجميع. وقال شيخنا: لا يتبين لي أن
ذلك من الورع، ومتى جهل قدر الحرام تصدق بما
يراه حراما، نقله فوران فدل هذا أنه
ـــــــ
3 "تنبيه: حصل في كلام المصنف تكرار، فإنه ذكر
ما هنا بعينه في أول باب الشركة4، وحصل في
كلامه في الموضعين نظر من وجوه، منها قوله هنا
نقل جماعة التحريم إلا أن يكثر الحلال وقال
هناك نقل الجماعة بالتعريف و جماعة غير
الجماعة في مصطلحه ومصطلح غيره، ومنها قوله
هنا وذكر ابن عقيل في النوادر وذكر هناك وذكر
ابن عقيل والنوادر وهو الصواب، إذ ابن عقيل
ليس له نوادر، ولا ذكرها أحد في مصنفاته،
وإنما هي لابن الصيرفي، ومنها أن ظاهر كلامه
هنا إطلاق الخلاف، وهناك قدم حكما، ومنها قوله
هنا واختار القاضي والأصحاب والشيخ أن كلام
أحمد ليس للتحديد، وأن الواجب إخراج قدر
الحرام وقال هناك واختار الأصحاب: لا يخرج قدر
الحرام وقال أيضا هنا وذكر الأصحاب في الدراهم
أن الورع ترك الجميع"3.
فهذه ثلاث مسائل في هذا الباب قد صححت بحمد
الله تعالى.
ـــــــ
1 7/238.
2 في "ط": "ابن الصيرفي، وسيأتي في الشركة:
"ابن عقيل والنوادر" كما ذكر في "التصحيح".
3 ليست في "ح".
4 7/81.
(4/397)
يكفي الظن،
وقاله ابن الجوزي، ويتوجه أنها كصلاة من خمس،
وقد يفرق بكثرة المشقة، لكثرة اختلاط الأموال،
فتعم البلوى، قال أحمد: لا يبحث عن شيء ما لم
يعلم، فهو خير، وبأكل الحلال تطمئن القلوب
وتلين.
(4/398)
فصل: والواجب في المال الحرام التوبة
وإخراجه على الفور، يدفعه إلى صاحبه أو وارثه،
فإن لم يعرفه أو عجز دفعه إلى الحاكم، وهل له
الصدقة به؟ تأتي المسألة في الغصب1. ومتى
تمادى ببقائه بيده تصرف فيه أولا عظم إثمه.
وإذا لم تكن له صدقة به لم تقبل صدقته ويأثم،
وإن وهبه لإنسان فيتوجه أن يلزمه قبوله، لما
فيه من المعاونة على البر والتقوى، وفي رده
إعانة الظالم على الإثم والعدوان، فيدفعه إلى
صاحبه أو وارثه، وإلا دفعه إلى الحاكم أو تصدق
به، على الخلاف، وهذا نحو ما ذكره ابن حزم،
وزاد: إن رده فسق، فإن عرف صاحبه فقد زاد فسقه
وأتى كبيرة، كذا قال، والله أعلم. وقد نقل عبد
الله عن أبيه أنه قرأ بعد آية غض البصر:
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ
الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، يتقي الأشياء،
لا يقع فيما لا يحل له، وحكاه ابن الجوزي عن
ابن عباس، والمراد أنه يتقي الكفر والربا2
والمعاصي، فتحبط الطاعة بالمعصية مثلها، فيكون
كما لم تقبل، وذكره القرطبي3 عن أكثر
المفسرين: المراد الموحدين، قال شيخنا وغيره:
إلا
ـــــــ
...............................
ـــــــ
1 7/248.
2 في "ط": "الرياء".
3 في "تفسيره" 6/134.
(4/398)
|