المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب المجلد الثالث
كتاب الاعتكاف
كتاب الإعتكاف
...
كتاب الاعتكاف
هو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى وهو سنة إلا
أن ينذره فيجب
-----------------------------------
كتاب الاعتكاف
"هو" لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه خيرا
كان أو شرا ومنه قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ
عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يقال
عكف يعكف بضم الكاف وكسرها وقرئ يهما.
وشرعا: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى على صفة
مخصوصة من مسلم عاقل ولو مميزا طاهر مما يوجب
غسلا ولو ساعة فلا يصح من كافر ومجنون وطفل
كالصلاة بغير خلاف نعلمه.
ولا يبطل بالإغماء جزم به في "الرعاية" ولا شك
أنه قربة وطاعة لقوله تعالى :{طَهِّرَا
بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}
[البقرة: 125] ولما روى ابن عباس مرفوعا قال
في المعتكف: "وهو يعكف الذنوب ويجري له من
الحسنات كعامل الحسنات كلها" رواه ابن ماجه
وفيه فرقد السبخي قال أبو داود سألت أحمد تعرف
في فضل الاعتكاف شيئا قال: لا إلا أن شيئا
ضعيفا
"وهو سنة" كل وقت إجماعا لمداومته عليه السلام
فعله وإنما لم يجب لأنه لم يأمر به أصحابه بل
في الصحيحين: "من أحب أن يعتكف فليعتكف" وآكده
في رمضان والعشر الأخيرة آكد لطلب ليلة القدر
إلا أن ينذره فيجب الوفاء به إجماعا لقوله
عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه"
رواه البخاري ولمسلم من حديث ابن عمر أن عمر
سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال إني نذرت في
الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال:
"فأوف بنذرك" وللبخاري "فاعتكف ليلة" وظاهر
الأمر للوجوب.
فإن علقه بشرط فله شرط نحو لله علي أن أعتكف
شهر رمضان إن
(3/5)
ويصح بغير صوم
وعنه لا يصح فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة
ولا في بعض يوم.
ـــــــ
كنت مقيما أو معافي فصادفه مريضا أو مسافرا
فلا شيء عليه.
وهل يلزم بالشروع أو بالنية؟ وقاله مالك مع
الدخول فيه فإن قطعه فعليه قضاؤه وقال ابن عبد
البر لا يختلف في ذلك الفقهاء ورده في
"المغني" و"الشرح" بأنه لا يعرف هذا القول عن
أحد سواه ولم يقع الإجماع على لزوم نافلة
بالشروع فيها سوى الحج والعمرة.
ولا يصح إلا بالنية ويجب تعيين المندوب بالنية
ليتميز فإن نوى الخروج منه فقيل يبطل لأنه
يخرج منه بالفساد وقيل لا لتعلقه بمكان كالحج.
ويصح بغير صوم في ظاهر المذهب لحديث عمر ولأنه
عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصوم
كالصلاة
فعلى هذا فله ما يسمى به معتكفا لابثا فظاهره
ولو للحظة وجزم جماعة بأن أقله ساعة ولا يكفي
عبوره ويصح الاعتكاف في أيام النهي التي لا
يصح صومها ولو صام ثم أفطر عمدا لم يبطل
اعتكافه
وعنه لا يصح بغير صوم في قول ابن عمر وابن
عباس لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" ولأنه لبث في مسجد
فلم يكن بمجرده قربه كالوقوف بعرفة.
وأجيب عنه: بأنه موقوف عليها ومن رفعه فقد وهم
ثم لو صح فيحمل على نفي الكمال جمعا بين
الأدلة ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا
بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع وقياسهم يرد
عليهم بأنه لبث في مكان مخصوص فلم يشترط له
الصوم كالوقوف.
"فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا في بعض
يوم" لعدم وجود الصوم المشترط وظاهره لا فرق
بين أن يصوم اليوم الذي اعتكف بعضه أم لا.
وقطع المجد وغيره بصحته لوجود اللبث بشرطه
وأطلق في "منتهى الغاية"
(3/6)
ولا يجوز
الاعتكاف من المرأة بغير إذن زوجها، ولا من
العبد بغير إذن سيده، فإن شرعا فيه بغير إذن
فلهما تحليلهما.
ـــــــ
و "الفروع" الخلاف والمذهب البطلان نظرا إلى
أن الصوم لم يقصد له ولا يصح في أيام النهي
التي لا يصح صومها واعتكافها نذرا أو نفلا
كصومها نذرا أو نفلا.
فإذا كان الاعتكاف متتابعا فأتى في أثنائه يوم
عيد فإن قلنا بجواز اعتكافه فالأولى أن يثبت
مكانه ويجوز خروجه إلى العيد ولا يفسد اعتكافه
وإن قلنا لا يجوز خرج إلى المصلى إن شاء وإلى
أهله وعليه حرمة العكوف ثم يعود قبل غروب
الشمس في يومه لتمام أيامه قاله المجد.
تنبيه: لا يشترط أن يصوم للاعتكاف ما لم ينذر
له الصوم لظاهر الآية والخبر وكما يصح أن
يعتكف في رمضان تطوعا أو ينذر عنه به وإذا قال
لله علي أن أعتكف صائما أو بصوم لزماه معا فلو
فرقهما أو اعتكف وصام فرض رمضان و نحوه لم
يجزئه لأن الصوم صفة مقصودة فيه كالتتابع.
وقيل يلزمه الجميع لا الجمع فله فعل كل منهما
منفردا وإن نذر أن يصوم معتكفا فالخلاف كما لو
نذر أن يعتكف مصليا ولا يلزمه أن يصلي جميع
الزمان وإن نذر أن يصلي صلاة ويقرأ فيها سورة
بعينها لزمه الجمع فلو قرأها خارج الصلاة لم
يجزئه ذكره في "الانتصار".
"ولا يجوز الاعتكاف من المرأة بغير إذن زوجها"
وفاقا "ولا من العبد بغير إذن سيده" لتفويت
منافعها المملوكة لغيرهما "فإن شرعا فيه بغير
إذن" وإن كان فرضا قاله في "الشرح" وغيره
"فلهما تحليلهما" لحديث أبي هريرة: "لا تصوم
المرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا
بإذنه" رواه الخمسة وحسنه الترمذي ولأنه شروع
غير جائز متضمن لفوات حقهما فملكا تحليلهما
منه ليعود حقهما إلي ما كان.
وخرج في "منتهى الغاية" لا يمنعان من المنذور
كرواية في المرأة في صوم
(3/7)
وإن كان بإذن
فلهما تحليلهما، إن كان تطوعا، وإلا فلا،
وللمكاتب أن يعتكف ويحج بغير إذن.
ـــــــ
وحج منذورين وفي ثالث منعهما وتحليلهما من نذر
مطلق فقط لأنه على التراخي كوجه لأصحابنا في
صوم وحج منذورين وفي رابع منعهما وتحليلهما
إلا من منذور معين قبل النكاح والملك كوجه
لأصحابنا في سقوط نفقتها.
قال في الفروع ويتوجه إن لزم بالشروع فيه
كالمنذور فعلى الأول إن لم يحللاها صح وأجزأ
وجزم في المستوعب واختاره ابن البنا يقع باطلا
كصلاة في مغصوب ونص عليه في العبد.
"وإن كان بإذن فلهما تحليلهما إن كان تطوعا"
لأنه عليه السلام أذن لعائشة وحفصة وزينب ثم
منعهن بعد أن دخلن فيه ولأن حقهما واجب
والتطوع لا يلزم بالشروع ولهما المنع ابتداء
فكذا دواما كالعارية بخلاف الحج " وإلا فلا"
أي إذا كان منذورا لم يكن لهما تحليلهما منه
لأنه يتعين بالشروع فيه ويجب إتمامه كالحج.
وظاهره لا فرق أن يكون متعينا أو مطلقا واختار
المجد في النذر المطلق الذي يجوز تفريقه كنذر
عشرة أيام متفرقة أو متتابعة إذا اختار فعله
متتابعا وأذن لهما في ذلك يجوز تحليلهما منه
عند منتهى كل يوم لجواز الخروج منه كالتطوع
وظاهر كلامهم المنع كغيره
فرع: الإذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذر
زمنا معينا بالإذن وإلا فلا لأن زمن الشروع لم
يقتضه الإذن السابق وقدم المؤلف منع تحليلهما
أيضا كالإذن في الشروع.
"وللمكاتب أن يعتكف ويحج بغير إذن" نص عليه
لأن السيد لا يستحق منافعه ولا يملك إجباره
على الكسب فهو مالك لمنافعه كحر مدين بخلاف أم
الولد والمدبر وظاهره لا فرق فيه بين الواجب
وغيره وسواء حل نجم أو لا وقال جماعة ما لم
يحل نجم ونقل الميموني له الحج من المال الذي
جمعه ما لم يأت نجمه وحمله القاضي وغيره على
إذنه له ومقتضاه أنه لا يجوز بإذنه
(3/8)
ومن بعضه حر إن
كان بينهما مهايأة، فله أن يعتكف ويحج في
نوبته وإلا فلا. ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد
يجمع فيه، إلا المرأة ؛ لها الاعتكاف في كل
مسجد إلا مسجد بيتها.
ـــــــ
نص عليه والمراد ما لم يحل نجم وعنه المنع
مطلقا.
"ومن بعضه حر إن كان بينهما مهايأة" وهو أن
يتفق هو ومالك بعضه أن يكون له مدة ولمالك
بعضه أخرى "فله أن يعتكف ويحج في نوبته" لأن
مملوكة لسيده بل هي كالحر "وإلا فلا" أي لسيده
منعه إذا لم يكن بينهما مهايأة لأن له ملكا في
منافعه في جميع الأوقات فتجويزه يتضمن إبطال
حق غيره وليس بجائز.
"ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد" لا نعلم فيه
خلافا لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
[البقرة: 187] فلو صح في غيرها لم يختص بتحريم
المباشرة إذ في الاعتكاف مطلقا ولأنه كان عليه
السلام يدخل رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله
متفق عليه وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة.
"يجمع فيه" أي تقام فيه صلاة الجماعة ولو من
معتكفين حذارا إما من ترك الجماعة الواجبة أو
تكرر الخروج المنافي له مع إمكان التحرز منه
فإذا قيل بأنها سنة فلا ويستثنى منه المعذور
والصبي ومن هو في قرية لا يصلي فيها غيره ومن
اعتكافه في مدة غير وقت الصلاة ويحتمل أن لا
يسقط عن المعذور لأنه من أهل الجماعة وقد
التزمه.
"إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد" للآية
والجماعة لا تلزمها وفي الانتصار في مسجد تقام
فيه الجماعة وهي ظاهر رواية ابن منصور والخرقي
لما روى حرب بإسناد جيد عن ابن عباس أنه سئل
عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد بيتها
فقال بدعة وأبغض الأعمال إلى الله البدع فلا
اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة
"إلا مسجد بيتها" وهو ما اتخذته لصلاتها ولو
جاز لفعلته أمهات المؤمنين ولو
(3/9)
والأفضل
الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله،
ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد، فله فعله
في غيره.
ـــــــ
مرة تبيينا للجواز وهذا ليس بمسجد حقيقة ولا
حكما وظاهر "المحرر" صحته فيه قال وإنما كره
في مسجد الجماعة حيث لم يحتفظ بخباء نقل أبو
داود يعتكفن في المساجد ويضربن لهن فيها
الخيم. قلت ولا بأس أن يستتر الرجل كهي ذكره
في "المغني" و"الشرح" لأنه أخفي لعمله ونقل
ابن إبراهيم لا إلا لبرد شديد.
مسألة: رحبة المسجد ليست منه في رواية وهي
ظاهر "الخرقي" وعنه بلى جزم به جماعة منهم
القاضي كظهره وجمع بينهما في موضع فقال إن كان
عليها حائط وباب فهي منه وإلا فلا ومنارته إن
كانت فيه أو بابها فيه فهي منه بدليل منع
الجنب وإن كانت خارجة عنه قال بعضهم وهي قريبة
فخرج للأذان بطل اعتكافه واختار ابن البنا
والمجد خلافه.
"والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة
تتخلله" لئلا يحتاج إلى الخروج إليها فيترك
الاعتكاف ومع إمكان التحرز منه ولا يلزم ذلك
وقاله أكثر العلماء ولأنه خرج لما لا بد منه
فكأنه استثنى الجمعة بلفظه ولا يتكرر بخلاف
الجماعة وفي "الانتصار" وجه يلزم فإن اعتكف في
غيره بطل بخروجه إليها لأنه أمكنه التحرز منه
لكن إن عين بنذره المسجد الجامع تعين موضع
الجمعة فلو اعتكف فيما تقام فيه الجمعة فقط لم
يصح إن وجبت الجماعة وظاهره أن الجمعة إذا لم
يتخلل اعتكافه لم يكن الجامع أفضل من غيره
لأنه لا يحتاج إلى الخروج ولو اعتكف من لا
تلزمه الجمعة في مسجد لا يصلى فيه بطل خروجه
إليها إلا أن يشترطه كعيادة المريض.
"ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعله
في غيره" لأن الله تعالى لم يعين لعبادته
موضعا فلم يتعين بالنذر ويبطل ببقاع الحج وفيه
نظر ولو تعين احتاج إلى شد رحل ذكره الأصحاب
ولعل مرادهم إلا مسجد قباء.
(3/10)
إلا المساجد
الثلاثة. وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد
المدينة.
ـــــــ
لأنه عليه السلام كان يأتيه كل سبت راكبا أو
ماشيا ويصلي فيه ركعتين وكان ابن عمر يفعله
متفق عليه .
فإن لم يحتج إلى شد رحال فظاهر "الانتصار"
و"المغني" و"الشرح" يلزم وذكر أبو الحسين
احتمالا في تعيين المسجد العتيق للصلاة لأنه
أفضل.
قال المجد ونذر الاعتكاف مثله فعلى المذهب
يعتكف في غير المسجد الذي عينه وظاهره لا
كفارة وجزم به في "الشرح" وظاهر كلام جماعة
يصلي في غير مسجد وإن أراد الذهاب إلى ما عينه
واحتاج إلى شد رحل فجزم بعضهم بإباحته واختاره
المؤلف في القصر ومنع منه ابن عقيل والشيخ تقي
الدين وخيره القاضي وغيره وأما ما لم يحتج إلى
شد رحل فالمذهب يخير وفي "الواضح" الأفضل
الوفاء قال في "الفروع" وهذا أظهر.
"إلا المساجد الثلاثة" فإنها تتعين لفضل
العبادة فيها على غيرها لما روى أبو هريرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال
إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد
الأقصى ومسجدي" هذا متفق عليه. ولمسلم في
رواية: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد". "وأفضل
ها المسجد الحرام" لما روى أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "صلاة في المسجد الحرام
أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" رواه ابن
ماجه من رواية أبي الخطاب الدمشقي وهو مجهول
وفي رواية لأحمد: "وصلاة في المسجد الحرام
أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة".
"ثم مسجد المدينة" لما روى أبو هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا
خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"
متفق عليه وقال عمر بن الخطاب وجمع المدينة
أفضل فدل أن مسجدها أفضل وقال في رواية ابن
أشهب إن معنى الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول
أفضل من سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد
الحرام فإن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من
الصلاة فيه بدون الألف وجوابه رواية أحمد
(3/11)
ثم الأقصى،
فإذا نذره في الأفضل، لم يجزئه في غيره. وإن
نذره في غيره، فله فعله فيه وإن نذر اعتكاف
شهر بعينه، لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته.
ـــــــ
السابقة ويستثنى منه موضع قبره عليه الصلاة
والسلام فإنه أفضل بقاع الأرض "ثم الأقصى" لما
روى أبو الدرداء مرفوعا قال: "صلاة في المسجد
الأقصى بخمسمئة صلاة". وفي حديث أبي المهاجر
نحوه.
"فإذا نذره في الأفضل" كالمسجد الحرام "لم
يجزئه" في "غيره" لأنه أفضل ها احتج به الإمام
والأصحاب "وإن نذره في غيره، فله فعله فيه" أي
إذا نذره في مسجد الرسول أو الأقصى فله فعله
في المسجد الحرام ل أفضل يته وإن نذره في مسجد
الرسول لم يجزئه غيره إلا المسجد الحرام وإذا
عين الأقصى أجزأه المسجدان فقط نص عليه ل أفضل
يتهما عليه ويستثنى منه ما إذا نذر الاعتكاف
في هذه المساجد فدخل فيه ثم انهدم معتكفه
والعياذ بالله تعالى ولم يمكنه المقام فيه
أتمه في غيره لزوما ولم يبطل اعتكافه ذكره في
"الشرح".
"وإن نذر اعتكاف شهر بعينه" تعين عليه و"لزمه
الشروع فيه قبل دخول ليلته" أي قبل غروب الشمس
نص عليه إذ الشهر يدخل بدخول الليلة بدليل
ترتب الأحكام المعلقة به من حلول الدين ووقوع
الطلاق والعتاق المعلقين به وما لا يتم الواجب
إلا به واجب.
وعنه يدخل قبل فجرها الثاني روي عن الليث
واستدل له بقول عائشة كان إذا أراد أن يعتكف
صلى الفجر ثم دخل معتكفه متفق عليه ولأن الصوم
شرط فيه فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه وليس بظاهر
لأنه عليه السلام لم يدخل إلا بعد الصبح وهم
يوجبون الدخول قبل ذلك مع أن اعتكافه كان
تطوعا والتطوع متى شاء شرع على أن ابن عبد
البر قال لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا
الحديث وفيه نظر لأنه قول الأوزاعي والليث
وإسحاق ورواية عن أحمد فيما إذا أراد أن يعتكف
العشر الأخير تطوعا فإنه يدخل بعد
(3/12)
إلى انقضائه.
وإن نذر شهرا مطلقا، لزمه شهر متتابع. وإن نذر
أياما معدودة، فله تفريقها، إلا عند القاضي.
ـــــــ
صلاة الفجر أول يوم منه وحمل على الجواز وقال
القاضي يحتمل أنه كان يفعل يوم العشرين
ليستظهر ببياض يوم زيادة.
والمنصوص أنه يدخل قبل ليلته الأولى إلى
"انقضائه" لدخوله في مسمى نذره وفيه إشارة أنه
لا يلزمه سوى الشهر وإن كان ناقصا لأن ذلك
مقتضى نذره لكن إذا اعتكف رمضان أو العشر
الأخير استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه
ويخرج منه إلى المصلى نص عليه ليصل طاعة
بطاعة.
"وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع" نص عليه
وذكره القاضي وجها واحدا لأنه معنى يصح ليلا
ونهارا فإذا أطلقه لزمه التتابع وكقوله لا
كلمت زيدا شهرا وكمدة العدة والإيلاء وصرح به
في الكفارة تأكيدا وعنه لا اختارها الآجري
وصححها ابن شهاب وغيره لصحة إطلاقه على ذلك
ولهذا لا يصح تقييده بالتتابع بخلاف اليمين
ويدخل معتكفه قبل الغروب من أول ليلة منه على
الأصح ولا يخرج إلا بعد غروب الشمس آخر أيامه
ويكفيه شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثين يوما
بلياليهن وثلاثين ليلة فإن ابتدأه في أثناء
النهار تممه إلى مثل تلك الساعة في اليوم
الحادي والثلاثين وكذلك إن ابتدأه في أثناء
الليل تممه إلى ما ذكرنا إن لم يعتبر الصوم
وإن اعتبر فثلاثين ليلة صحاحا بأيامها
الكاملة.
"ومن نذر أياما معدودة" كقوله لله علي أن
أعتكف عشرين يوما "فله تفريقها" ولم يلزمه
التتابع إلا أن ينويه لأن الأيام المطلقة تؤخذ
بدون التتابع فلم يلزمه كنذر صومها واحتجاج
ابن عباس في قضاء رمضان ب الآية يدل عليه "إلا
عند القاضي" فيلزمه التتابع كلفظ الشهر فعلى
هذا تلزمه الليالي الداخلة في الأيام المنذورة
وعلى الأول لا إلا أن ينوي التتابع أو يشرطه
وقيل يلزمه إلا في ثلاثين يوما للقرينة لأن
العبادة فيه لفظ الشهر وهو ظاهر.
(3/13)
وإن نذر أياما
أو ليالي متتابعة، لزمه ما يتخللها من ليل أو
نهار.
فصل:
ولا يجوز للمعتكف الخروج إلا لما لا بد منه
كحاجة الإنسان,
ـــــــ
"وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة" بشرطه أو
نيته "لزمه ما يتخللها من ليل" إذا نذر الأيام
"أو نهار" إذا نذر الليالي نص عليه لأن اليوم
اسم لبياض النهار. والليلة اسم لسواد الليل
والتثنية والجمع تكرار الواحد وإنما يدخل ما
تخلله للزوم التتابع ضمنا وخرج ابن عقيل لا
يلزمه واختاره أبو حكيم لعدم تناول اللفظ له
وفي ثالث لا يلزمه الليل فإن نذر اعتكاف يومين
لزمه يومان وليلة بينهما.
تنبيه إذا نذر اعتكاف يوم معينا أو مطلقا دخل
معتكفه قبل فجره الثاني وخرج بعد غروب شمسه
لأنه اسم لليوم ولا تلزمه الليلة التي قبله
لأنها ليست من اليوم وإذا نذر ليلة لزمته فقط
فيدخل قبل الغروب ويخرج بعد فجرها الثاني وإن
اعتبرنا الصوم لم يلزمه شيء وإذا نذر اعتكاف
يوم لم يجز تفريقه بساعات من أيام لأنه يفهم
منه التتابع أشبه ما لو قيده به وإذا قال في
وسط النهار لله علي أن أعتكف يوما من وقتي
تعين منه إلى مثله وفي دخول الليل الخلاف وإذا
نذر شهرا متفرقا فله تتابعه قال المجد لأنه
أفضل كاعتكافه في المسجد الحرام إذا نذر غيره
وإذا نذر اعتكاف يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم
يلزمه شيء وإن قدم في بعض النهار لزمه اعتكاف
الباقي ولم يلزمه قضاء ما مضى منه.
فصل
"ولا يجوز للمعتكف الخروج" فيما إذا عين مدة
أو شرط التتابع في عدد "إلا لما لا بد منه"
لما روت عائشة أنها قالت السنة للمعتكف أن لا
يخرج إلا لما لا بد منه رواه أبو داود "كحاجة
الإنسان" كالبول والغائط إجماعا وسنده قول
عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل
البيت إلا لحاجة الإنسان متفق عليه.
(3/14)
والطهارة
والجمعة
ـــــــ
ولو بطل بالخروج إليهما لم يصح لأحد اعتكاف
وكنى بها عنهما لأن كل إنسان يحتاج إلى فعلهما
ويلحق بهما قيء بغتة وغسل متنجس يحتاجه وله
المشي على عادته وقصد منزله إن لم يجد مكانا
يليق به من غير ضرر عليه فيه ولا منه كسقاية
لا يحتشم مثله منها ولا نقص عليه قالوا ولا
مخالفة لعادته وفيه نظر قاله في الفروع ويلزمه
قصد أقرب منزليه لدفع حاجته وإن بذل له صديقه
أو غيره منزله القريب لقضاء حاجته لم يلزمه
للمشقة بترك المروءة والاحتشام فلو بال في
المسجد حرم لقوله عليه السلام "إن المساجد لم
تبن لهذا" وفيه احتمال لفعل أبي وائل ويحتمل
أن يجوز لكبر ومرض وكذا يخرج لفصد وحجامة
وفيهما احتمال يجوز في إناء كالمستحاضه والفرق
أن لا يمكنها التحرز إلا بترك الاعتكاف وقيل
الجواز لضرورة فإن بال خارجا وجسده فيه لا ذكر
كره وعنه يحرم.
تنبيه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن
له من يأتيه به في معنى ما سبق نص عليه ولا
يجوز خروجه لهما في بيته في ظاهر كلامه
واختاره الشيخان لعدم الحاجة لإباحته ولا نقص
فيه وذكر القاضي أنه يتوجه الجواز واختاره أبو
حكيم لما فيه ترك المروءة ويستحيي أن يأكل
وحده ويريد أن يخفي جنس قوته وجوز ابن حامد
اليسير كلقمة ولقمتين لا كل أكله وله غسل يده
في إناء من وسخ وزفر ونحوهما.
والطهارة كغسل جنابة ووضوء لحدث نص عليه وقدما
على الاعتكاف لأن الجنب يحرم عليه اللبث فيه
والمحدث لا تصح صلاته بدون وضوء فإن قلنا لا
يكره وضوؤه فيه فعله بلا ضرر وكذا غسل كم إن
وجب وإلا لم يجز كتجديد الوضوء
"والجمعة" لأنه خروج لواجب فلم يبطل اعتكافه
كالمعتدة وله التبكير إليها نص عليه وفي
"منتهى الغاية" احتمال فهو أفضل وهو ظاهر كلام
أبي
(3/15)
والنفير
المتعين والشهادة الواجبة والخوف من فتنة أو
مرض والحيض والنفاس.
ـــــــ
الخطاب وله إطالة المقام بعدها ولا يكره
لصلاحية الموضع له ويستحب عكسه في ظاهر كلام
أحمد ونقل أبو داود التبكير أرجو وأنه يرجع
بعدها عادته ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب
وظاهر ما سبق كقضاء الحاجة قال بعض أصحابنا
الأفضل خروجه لذلك وعوده في أقصر طريق لاسيما
في النذور والأفضل سلوك الأبعد إن خرج لجمعة
وعيادة وغيرها.
"والنفير المتعين" لأنه واجب كالجمعة وكذا إن
تعين خروجه لإطفاء حريق أو إنقاذ غريق ونحوه
"والشهادة الواجبة" لظاهر الآيات وظاهره ولو
لم يتعين عليه التحمل واختار بن حمدان إن تعين
عليه تحملها وأداؤها خرج لها وإلا فلا وإذا لم
يتعين عليه أداؤها لم يجز الخروج.
"والخوف" على نفسه أو حرمته أو ماله "من فتنة"
لأنه عذر من ترك الواجب بأصل الشرع كالجمعة
فها هنا أولى
"أو مرض" يتعذر معه المقام فيه كالقيام
المتدارك أو لا يمكنه إلا بمشقة شديدة بأن
يحتاج إلى خدمة وفراش وإن كان خفيفا كالصداع
ووجع الضرس لم يجز إلا أن يباح به الفطر فيفطر
فإنه يخرج إن قيل باشتراط الصوم وإلا فلا
"والحيض والنفاس" لأن اللبث معهما في المسجد
حرام فإن لم يكن له رحبة رجعت إلى بيتها فإذا
طهرت عادت إلى المسجد وإن كان له رحبة يمكنها
ضرب خباء فيها بلا ضرر فعلت ذلك استحبابا في
قول الأكثر فيشترط الأمن على نفسها ولهذا قيل
مع سلامة الزمان فإذا طهرت دخلته فأتت بما بقي
منه واختار ابن حمدان يسن جلوسها في الرحبة
غير المحوطة وإن خافت تلويثه فأين شاءت
(3/16)
وعدة الوفاة
ونحوه، ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن
يشترطه، فيجوز.
ـــــــ
وعدة الوفاة في منزلها لوجوبها شرعا كالجمعة
وهو حق لله ولآدمي لا يستدرك إذا ترك بخلاف
الاعتكاف ولا يبطل به.
"ونحوه" كما إذا تعينت عليه صلاة جنازة خارجة
ودفن ميت ونحوه وكذا لو أكرهه سلطان أو غيره
على الخروج فهو باق على اعتكافه كمن خاف من
سلطان أن يأخذه ظلما وإن أخرجه لاستيفاء حق
عليه فإن أمكنه الخروج منه بلا عذر بطل وإلا
فلا لأنه خروج لواجب وإن خرج ناسيا لم يبطل
كالصوم وفي "الخلاف" و"الفصول" تبطل لمنافاته
الاعتكاف كالجماع.
فرع: إذا زال العذر رجع وقت إمكانه فإن أخره
بطل ما مضى ولا يبطل بخروجه تحت سقف خلافا
لقوم
"ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة"، نص عليه
واختاره الأصحاب لقول عائشة كان النبي صلى
الله عليه وسلم لا يعرج للسؤال عن المريض رواه
أبو داود وفي معناهما كل قربة لا تتعين كتحمل
الشهادة وأدائها ولأنه خروج منه بد فلم يجز
ترك فريضة لفضيلة.
"إلا أن يشترطه فيجوز" نص عليه وهو قول جماعه
من الصحابة ومن بعدهم ولأن الاشتراط يصيره
كالمستثني وذكر الترمذي وابن المنذر عن أحمد
المنع لما سبق ولا فرق في الاشتراط بين ما كان
قربة كزيارة أهله وعالم وبين ما كان مباحا
ويحتاجه كالعشاء في بيته والمبيت فيه جزم به
في "المغني" و"الشرح" وهو رواية لأنه يجب
بعقده كالوقف ولتأكد الحاجة إليهما وامتناع
النيابة فيهما.
وعنه المنع جزم به القاضي وابن عقيل واختاره
المجد لمنافاته الاعتكاف بخلاف القربة فإن شرط
الخروج للبيع والشراء والتكسب بالصنعة لم يجز.
(3/17)
وعنه: له ذلك
من غير شرط، وله السؤال عن المريض في طريقه ما
لم يعرج والدخول إلى مسجد آخر يتم اعتكافه
فيه. فإن خرج لما لا بد له خروجا معتادا كحاجة
الإنسان والطهارة فلا شيء فيه، وإن خرج لغير
المعتاد
ـــــــ
فلو قال متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله
شرطه ك الإحرام وجعل المجد فائدة الشرط هنا
سقوط القضاء في المدة المعينة
"وعنه له ذلك من غير شرط" نقلها عنه الأثرم
ومحمد بن الحكم لما روى أحمد عن أبي بكر بن
عياش عن أبي إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن علي
قال المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة
والجمعة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم
وقول ابن المنجا إنه ليس بثابت فيه نظر فإن
إسناده صحيح قال أحمد عاصم عندي حجة وهو محمول
على التطوع جمعا بينهما وهذا الخلاف فيه إذا
كان واجبا فأما إن كان تطوعا فله تركه رأسا
لكن الأفضل مقامه على اعتكافه لفعله عليه
السلام.
"وله السؤال عن المريض في طريقه مالم يعرج"،
لقول عائشة قالت كنت أدخل البيت للحاجة
والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة متفق
عليه وليس له الوقوف لأن فيه تركا للاعتكاف
"و"له "الدخول إلى مسجد آخر يتم اعتكافه فيه"،
لأنه محل للاعتكاف والمكان لا يتعين بالنذر
والتعيين فمع عدمه أولى ومحله إذا كان أقرب
إلى مكان حاجته من الأول فإن كان أبعد أو خرج
إليه ابتداء بلا عذر بطل لتركه لبثا مستحقا
"فإن خرج لما لا بد منه خروجا معتادا كحاجة
الإنسان والطهارة" عن حدث و الطعام والشراب
والجمعة وكذا للحيض وللنفاس "فلا شيء فيه" أي
لا قضاء لأن الخروج له كالمستثنى لكونه معتادا
ولا كفارة إذ لو وجب فيه شيء لامتنع معظم
الناس منه بل هو باق على اعتكافه ولم تنقض به
مدته
"وإن خرج لغير المعتاد" كالنفير المتعين
التعين والشهادة الواجبة ونحوهما فله
(3/18)
في المتتابع
وتطاول, خير بين استئنافه وإتمامه مع كفارة
يمين. وإن فعله في متعين قضى وفي الكفارة
وجهان.
ـــــــ
أحوال أحدها الخروج "في" الاعتكاف المنذور
"المتتابع" غير المعين كعشرة أيام متتابعة
"وتطاول" أي زمنه "خير" إذا زال عذره "بين
استئنافه" ولا كفارة عليه لأنه أتى بالمنذور
على وجهه فلم يلزمه كما لو نذر صوم شهر غير
معين فشرع ثم أفطر لعذر "وإتمامه" أي يبني
ويقضي "مع كفارة يمين" لأنها تجبر ما حصل من
فوات التتابع.
وقد نبه الخرقي على هذا في النذر وذكر أبو
الخطاب رواية أنه إذا ترك الصيام المنذور لعذر
أنه لا كفارة كما لو أفطر في رمضان لعذر
واختار في المجرد أن كل خروج لواجب كشهادة
وجهاد متعينين لا كفارة فيه فمقتضاه أن ما كان
مباحا كخوف من فتنة ونحوه أنها تجب لأنه خرج
لحاجة نفسه خروجا غير معتاد.
وفي "المغني" تجب الكفارة إلا لعذر حيض أو
نفاس لأنه معتاد كحاجة الإنسان وضعفهما المجد
بأنا سوينا قي نذر الصوم بين الأعذار وبأن زمن
الحيض يجب قضاؤه لا زمن حاجة الإنسان وفيه نظر
وظاهر "المغني": لا يقضي وهو أظهر وظاهره أنه
إذا لم يتطاول أنه باق على اعتكافه وأنه لا
يقضي صرح به في "المغني" و"الشرح" كحاجة
الإنسان وظاهر "الخرقي" وغيره أنه يقضي
واختاره المجد كما لو طالت والفرق ظاهر.
وقد أشار إلى الحال الثاني بقوله: "وإن فعله
في متعين" كشهر رمضان ونحوه "قضى" ما ترك
ليأتي بالواجب "وفي الكفارة وجهان" أحدهما
يكفر ونص عليها أحمد في الخروج لفتنه وذكره
الخرقي فيها والخروج لنفير وعدة لتركه المنذور
في وقته إذا النذر كاليمين والثاني لا كفارة
عليه وهو رواية وظاهر "الوجيز" لأنه خروج لا
يبطل الاعتكاف أشبه الخروج
(3/19)
وإن خرج لما له
منه بد في المتتابع، لزمه استئنافه. وإن فعله
في متعين فعليه كفارة، وفي الاستئناف وجهان.
وإن وطئ المعتكف في الفرج فسد اعتكافه.
ـــــــ
لحاجة الإنسان وكرمضان والفرق أن فطره لا
كفارة فيه لعذر أو غيره
الحالة الثالثة إذا نذر أياما مطلقة فإن قلنا
يجب التتابع على قول القاضي فكالأولى وإن قلنا
لا يجب وهو المذهب تمم ما بقي منها ولا شيء
عليه لإتيانه بالمنذور على وجهه لكنه يبتدئ
اليوم الذي خرج فيه من أوله ليكون متتابعا
وقال المجد: قياس المذهب يخير بين ذلك وبين
البناء على بعض اليوم ويكفر وهو ظاهر.
"وإن خرج لما له منه بد في المتتابع" المنذور
"لزمه استئنافه" لأنه لا يمكنه فعل المنذور
على وجهه إلا به أشبه حالة الابتداء وظاهره
أنه يبطل بالخروج وإن قل كالجماع فإن كان
مختارا عامدا فلا إشكال وإن كان مكرها أو
ناسيا فقد سبق فلو أخرج بعض جسده لم يبطل وإن
كان عمدا في المنصوص لحديث عائشة المتفق عليه.
فرع إذا خرج في متتابع متعين كنذره شعبان
متتابعا استأنف كالقسم قبله ويكفر "وإن فعله
في متعين" ولم يقيده بالتتابع كنذره اعتكاف
رجب لزمته "الكفارة" رواية واحدة لتركه
المنذور في وقته المعين بلا عذر. "وفي
الاستئناف وجهان" أحدهما يلزمه ذكر المجد أنه
أصح في المذهب وأنه قياس قول الخرقي لتضمن
نذره التتابع ولأنه أولى من المدة المطلقة
والثاني يبنى لأن التتابع هنا حصل ضرورة
التعين فسقط بفواته كقضاء رمضان وأصلها من نذر
صوم شهر بعينه فأفطر في بعضه.
فرع إذا نذر اعتكاف أيام متتابعة بصوم فأفطر
يوما أفسد تتابعه ولزمه الاستئناف لتركه
الإتيان بما نذره على صفته ذكره في "الشرح".
"وإن وطئ المعتكف في الفرج" فهو حرام للنص
"فسد اعتكافه" لقول ابن
(3/20)
ولا كفارة عليه
إلا لترك نذره، فقال أبو بكر: عليه كفارة
يمين. وقال القاضي: عليه كفارة ظهار. وإن باشر
دون الفرج فأنزل، فسد اعتكافه، وإلا فلا.
ـــــــ
عباس إذا جاء المعتكف بطل اعتكافه رواه حرب
بإسناد صحيح وكالحج والصوم وإطلاق المؤلف يشمل
العمد وغيره صحيح لأن ما حرم استوى عمده وسهوه
وكالحج وخرج المجد في الصوم عدم البطلان مع
عدم النسيان وقال الصحيح عندي أنه يبني
"ولا كفارة عليه" لأجل الوطء في ظاهر المذهب
إذ الوجوب من الشرع ولم يرد وكالصلاة.
والثانية واختارها القاضي والشريف و أبو
الخطاب في خلافيهما وجوب الكفارة كرمضان
وكالحج والفرق ظاهر "إلا لترك نذره" كذا خص
القاضي وجماعة الوجوب وفي "الفصول" يجب في
التطوع في أصح الروايتين وبعدها المجد
واختلفوا في موجبها "فقال أبو بكر" والشريف
أبو جعفر "عليه كفارة يمين" لأنها كفارة نذر
وهي كفارة يمين ولكونه أفسد المنذور بالوطء
قاله الشيخان وغيرهما "وقال القاضي" في
"الخلاف" وهو ظاهر كلام أحمد "عليه كفارة
ظهار" لأنها كفارة وطء أشبه المظاهر وذكر
بعضهم أن هذا الخلاف في نذر وقيل معين فلهذا
تجب فيه الكفارتان كما لو نذر أن يحج في عام
بعينه فأحرم ثم أفسد حجه بالوطء يلزمه كفارة
للوطء وكفارة يمين للنذر
"وإن باشر دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه" على
المذهب المجزوم به عند الأكثر وفيه احتمال
لابن عبدوس "وإلا فلا" كالصوم فإذا فسد خرج في
الكفارة الخلاف ذكره ابن عقيل وقال المجد
يتخرج وجه ثالث تجب بالإنزال عن وطء لا عن لمس
وقبلة والناسي كالعامد في إطلاق أصحابنا
واختار المجد لا يبطل كالصوم ولا تحرم
المباشرة في غير الفرج بلا شهوة كتغسيل رأسه
وذكر القاضي احتمالا تحرم كشهوة في المنصوص
مسألة يسن أن يصان المسجد عن الجماع فيه أو
فوقه ذكره في "الرعاية".
(3/21)
ويستحب للمعتكف
التشاغل بفعل القرب واجتناب مالا يعنيه ولا
يستحب له إقراء القرآن والعلم والمناظرة فيه
إلا عند أبي الخطاب إذا قصد به الطاعة.
ـــــــ
وقال ابن تميم يكره الجماع فوقه والتمسح
بحائطه والبول عليه نص عليه وفي "الفروع" وجزم
به في "عيون المسائل" أنه يحرم، وهو ظاهر.
فرع إذا سكر في اعتكافه فسد ولو سكر ليلا
لخروجه عن كونه من أهل المسجد كالحيض ولا يبنى
معذور وإن ارتد فيه فسد كالصوم
"ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب" كالصلاة
وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى "واجتناب مالا
يعنيه" من الجدال والمراء وكثرة الكلام
والسباب والفحش لقوله عليه السلام "من حسن
إسلام المرء تركه مالا يعنيه"، ولأنه مكروه في
غير الاعتكاف ففيه أولى.
وليس الصمت من شريعة الإسلام وظاهر الأخبار
تحريمه جزم به في "الكافي"، وقال ابن عقيل
يكره الصمت إلى الليل فإن نذره لم يف به.
ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام ذكره
الأكثر لأنه استعمال له في غير ما هو له كتوسد
المصحف وجزم به في "التلخيص" و"الرعاية"
بالكراهة وذكر الشيخ تقي الدين إن قال عند ما
أهمه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي
إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، فحسن.
"ولا يستحب له إقراء القرآن والعلم والمناظرة
فيه" نص عليه لفعله عليه السلام فإنه كان
يحتجب فيه واعتكف في قبة وكالطواف قال أبو بكر
لا يقرأ ولا يكتب الحديث ولا يجالس العلماء
"إلا عند أبي الخطاب" واختاره المجد فإنه
يستحب "إذا قصد به الطاعة" لا المباهاة لظاهر
الأدلة وكالصلاة والذكر ولأن الطواف لا يتسع
لمقصود الإقراء بخلاف الاعتكاف فعلى الأول فعل
ذلك أفضل من الاعتكاف جزم به في "الوجيز"
و"الفروع" لتعدي نفعه.
(3/22)
ـــــــ
قال المجد ويتخرج في كراهة القضاء وجهان بناء
على الإقراء فإنه في معناه
مسائل:
الأولى: لا بأس أن تزوره زوجته في المسجد
وتتحدث معه وتصلح شأنه مالم يلتذ بشيء منها
ويتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر ولا بأس أن
يأمر بما يريد خفيفا بحيث لا يشغله نص عليه.
الثانية: لا بأس أن يتزوج ويشهد النكاح لنفسه
ولغيره ويصلح بين القوم ويعود المريض ويصلي
على الجنازة ويهنئ ويعزي ويؤذن ويقيم كل ذلك
في المسجد ويستحب له ترك لبس رفيع الثياب وأن
لا ينام إلا عن غلبة ولو مع قرب الماء وأن
ينام متربعا مستندا ولا يكره شيء من ذلك خلافا
لابن الجوزي في رفيع الثياب ولا بأس بأخذ شعره
وأظفاره في قياس المذهب وترجيل شعره وكره ابن
عقيل ذلك في المسجد صيانة له وذكر غيره يسن
ويكره له أن يتطيب ونقل ابن تميم عكسه
كالتنظيف قال في "الفروع" وهو أظهر.
الثالثة: ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة وغيرها
أن ينوي الاعتكاف مدة مقامه فيه لا سيما إذا
كان صائما ذكره ابن الجوزي في "المنهاج"،
ومعناه في "الغنية" خلافا للشيخ تقي الدين.
تنبيه لا يجوز البيع والشراء في المسجد
للمعتكف وغيره نص عليه في رواية حنبل وجزم به
الأكثر وفي "الفصول" و"المستوعب" يكره فإن حرم
ففي صحته وجهان ويكره إحضار السلعة فيه على
القول بالثاني ويكره للمعتكف فيه اليسير
كالكثير لكن نقل حنبل أنه يجوز له بيع وشراء
ما لا بد له منه طعام وغيره فأما التجارة
والأخذ والعطاء، فلا.
ولا يجوز أن يتكسب بالصنعة فيه كالخياطة
ونحوها والقليل والكثير والمحتاج وغيره سواء
قاله القاضي وغيره ونقل حرب التوقف في اشتراطه
فقيل له يشترط أن يخيط قال لا ادري وفي
"الروضة" لا يجوز له
(3/23)
ـــــــ
فعل غيرما هو فيه من العبادة فإن احتاج للبسه
خياطة لا للتكسب فقال ابن البنا لا يجوز
واختار في "المغني" و"منتهي الغاية" يجوز وهو
ظاهر "الخرقي"، كلف عمامته والتنظيف ولا يعمل
الصنعة للتكسب ولا بالبيع لأنه إنما ينافي
حرمة المسجد بدليل إباحته في ممره.
(3/24)
|