المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الصوم
باب الصيام
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصوم
يجب صوم شهر رمضان برؤية الهلال
-------------------------------------------------
كتاب الصيام
هو والصوم مصدرا صام وفي اللغة عبارة عن الإمساك ومنه {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: من الآية26] وقول الشاعر
خيل صيام وخيل غير صائمه. ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما.
لإمساكها عن الصهيل في موضعه ويقال صامت الريح إذا أمسكت عن الهبوب.
وفي الشرع إمساك جميع النهار عن المفطرات من إنسان مخصوص مع النية.
"يجب صوم شهر رمضان" لقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: من الآية183] إلى قوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: من الآية185] وقوله عليه السلام "بني الإسلام على خمس" فذكر منها "صوم رمضان" والإجماع منعقد على وجوبه.
وفرض في السنة الثانية من الهجرة فصام عليه السلام تسعا والمستحب قول شهر رمضان كما صرح به تبعا للنص ولا يكره بإسقاط شهر في قول أكثر العلماء وذكر المؤلف أنه يكره إلا مع قرنه الشهر وذكر الشيخ تقي الدين وجها يكره وفي المنتخب لا يجوز لخبر وقد ضعف وقال ابن الجوزي هو موضوع.

(2/405)


فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا وإن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب.
-------------------------------------
وسمي رمضان لحر جوف الصائم فيه ورمضه والرمضاء شدة الحر
وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة فوافق شدة الحر.
وقيل: لأنه يحرق الذنوب
وقيل: موضوع لغير معنى كبقية الشهور
وقيل: فيها معان أيضا.
"برؤية الهلال" لقوله عليه السلام "صوموا لرؤيته"
"فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا" بغير خلاف وصلوا التراويح كما لو رأوه ويستحب تراءي الهلال احتياطا للصوم وحذارا من الاختلاف وقد روت عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره ثم يصوم لرؤية رمضان رواه الدارقطني بإسناد صحيح.
"وإن حال دون منظره" أي مطلعه "غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب" اختاره الخرقي وأكثر شيوخ أصحابنا ونصوص أحمد عليه وهو مذهب عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر وقاله جمع من التابعين لما روى ابن عمر مرفوعا قال " إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له" متفق عليه
ومعنى "فاقدروا له" أي ضيقوا لقوله تعالى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: من الآية7] أي ضيق وهو أن يجعل شعبان تسعا وعشرين يوما ويجوز أن يكون معناه اقدروا زمانا يطلع في مثله الهلال وهذا الزمان يصح وجوده فيه أو

(2/406)


وعنه لا يجب
-------------------------------------------------
يكون معناه فاعلموا من طريق الحكم أنه تحت الغيم لقوله تعالى {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: من الآية57] الحجر أي علمناها مع أن بعض المحققين قالوا إن الشهر أصله تسع وعشرون.
يؤيده ما رواه أحمد عن إسماعيل عن أيوب عن نافع قال كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوما بعث من ينظر له فإن رآه فذاك وإن لم يره ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما.
ولا شك أنه راوي الخبر وأعلم بمعناه فيتعين المصير إليه كما رجع إليه في تفسير خيار المتبايعين يؤكده قول علي وأبي هريرة وعائشة لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ولأنه يحتاط له ويجب بخبر الواحد فعلى هذا يصومه حكما ظنيا بوجوبه احتياطا ويجزئه إذا بان منه.
قيل للقاضي لا يصح إلا بنية ومع الشك فيها لا يجزم بها فقال لا يمنع التردد فيها للحاجة كالأسير وصلاة من خمس.
وفي الانتصار يجزئه إن لم يعتبر نية التعيين وإلا فلا وظاهره أنها لا تصلي التراويح ليلتئذ واختاره التميميون اقتصارا على النص واختار جماعة عكسه قال المجد هو أشبه بكلام أحمد القيام قبل الصيام وعنه ينويه حكما جازما بوجوبه
وقاله بعض أصحابنا وجزم به في الوجيز فعليه يصلي التراويح إذن ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ووقوع المعلقات وانقضاء العدة وغير ذلك وذكر القاضي احتمالا يثبت كما يثبت الصوم وتوابعه من النية وتعيينها ووجوب الكفارة بالوطء فيه ونحو ذلك.
"وعنه لا يجب" صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان اختاره في التبصرة والشيخ في تقي الدين وقال هو مذهب أحمد المنصوص الصريح

(2/407)


وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا.
-------------------------------------------
عنه وقاله أكثر العلماء لما روى أبو هريرة مرفوعا "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" متفق عليه ولفظه العالمين ولأنه يوم شك وهو منهي عن صومه والأصل بقاء الشهر فلا ينتقل عنه بالشك وأجيب بأن خبر أبي هريرة يرويه محمد بن زياد وقد خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة "فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" وروايته أولى لإمامته واشتهار ثقته وعدالته وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة وموافقته لرأي أبي هريرة.
وقال الاسماعيلي ذكر شعبان فيه من تفسير ابن ابي اياس وليس هو بيوم شك كما يأتي "وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا" وإن فطر أفطروا وجوبا وهو قول الحسن وابن سيرين لقوله عليه السلام "الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون" رواه الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي هريرة فمعناه أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس واجب.
وقال أحمد: السلطان في هذا أحوط وأنظر للمسلمين وأشد تفقدا ويد الله على الجماعة فيتحرى في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها واختاره بمن لا يكتفي به وغير ذلك من القرائن.
وقال ابن عقيل يعمل بعادة غالبة لمضي شهرين كاملين والثالث ناقص وهو معنى التقدير وعنه صومه منهي عنه اختاره أبو القاسم بن مندة وأبو الخطاب وابن عقيل لأنه يوم شك وفيه نظر.
فقيل يكره وقيل يحرم وإذا لم يجب صومه وجب أداء الشهادة بالرؤية وإن لم يسأل عنها.
فرع: إذا نواه احتياطا بلا مستند شرعي فبان منه لم يجزئه في رواية وعنه بلى وعنه يجزئه ولو اعتبرت نية التعيين ولا يحكم بطلوع الهلال بنجوم أو نجاسة ولو الغرماء إصابتهما.

(2/408)


وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة وإن رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم.
---------------------------
"وإذا رئى الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة" هذا هو المشهور وقاله أكثر العلماء لما روى أبو وائل قال جاءنا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية رواه الدارقطني.
فعلى هذا لا يجب به صوم ولا يباح به فطر ورؤيته نهارا ممكنة لعارض يعرض في الجو يقل به ضوء الشمس أو يكون قوي النظر وعنه بعد الزوال للمقبلة وقبله للماضية اختاره أبو بكر والقاضي وقدمه في المحرر للقرب من كل واحدة منهما.
وعنه: بعد الزوال آخر الشهر للمقبلة احتياطا وعنه آخر الشهر للمقبلة مطلقا.
فائد: يقال من الصباح إلى الزوال رأيت الليلة وبعده يقال رأيت البارحة قاله ثعلب هذا باعتبار الحقيقة ومنع ذلك مطلقا لا وجه له.
"وإن رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم" للعموم ولأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام فكذا الصوم وظاهره لا فرق بين قرب المكان أو بعده وأنه يجب ولو اختلفت المطالع نص عليه.
وذكر الشيخ تقي الدين أنها تختلف باتفاق أهل المعرفة لكن قال أحمد الزوال في الدنيا واحد واختار في الرعاية البعد مسافة قصر ولا يلزم الصوم.
وعن كريب قال قدمت الشام واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام فرأيناه ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس فأخبرته فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى يكمل ثلاثين أو نراه فقلت ألا يكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول

(2/409)


ويقبل في هلال رمضان قول عدل.
----------------------------
الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم فدل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وخبره ونحن نقول به وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم الأول وليس هو في الحديث والفطر إنما هو إذا صيم بشهادته ليكون فطرهم مبنيا على صومهم بشهادته وهنا ليس كذلك.
فعلى المذهب واختاره في الرعاية لو سافر من بلد الرؤية ليلة الجمعة إلى بلد الرؤية ليلة السبت فبعد وتم شهره ولم يروا الهلال صام معهم وعلى المذهب يفطر خفية قاله المجد وإن شهد به وقبل قوله أفطروا معه على المذهب وإن سافر إلى بلد الرؤية ليلة الجمعة من بلد الرؤية ليلة السبت وبعد أفطر معهم وقضى يوما على المذهب ولم يفطر على الثاني.
"ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد" نص عليه وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء لأنه عليه السلام صوم الناس بقول ابن عمر رواه أبو داود والحاكم وقال على شرط مسلم ولقبوله خبر الأعرابي به رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس.
ولأنه خبر ديني وهو أحوط ولا تهمة فيه بخلاف آخر الشهر ولاختلاف حال الرائي والمرئي ولهذا لو حكم حاكم بشهادة واحد وجب العمل بها وظاهره لا فرق بين الغيم والصحو ولا بين المصر وخارجه
وقال أبو بكر إن جاء من خارج المصر أو رآه فيه لا في جماعة قبل واحد وشذ في الرعاية فقال وقيل يقبل قول واحد حتى مع غيم أو قتر وعنه يعتبر عدلان كبقية الشهور.
فعلى المذهب هو خبر فتقبل المرأة والعبد ولا يختص بحاكم فيلزمه الصوم من سمعه من عدل زاد بعضهم ولو رد الحاكم قوله.
ولا يعتبر لفظ الشهادة وقيل بلى فتنعكس الأحكام وفي المستور والمميز الخلاف وفي المستوعب لا يقبل صبي وإذا ثبت بقول الواحد ثبتت بقية.

(2/410)


ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا.
---------------------------------
الأحكام.
"ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان" حكاه الترمذي إجماعا أي رجلان لقول ابن عمر وابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين ولأنه ليس بمال ولا يقصد به المال ولا احتياط فيه أشبه الحدود وعنه يقبل فيه واحد كأبي ثور وكأوله.
وقيدها في الرعاية بوضع ليس فيه غيره وظاهره لا يقبل رجل وامرأتان ولا النساء المفردات لأنه مما يطلع عليه الرجال ولا يعتبر التواتر في العيدين مع الغيم.
"وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا" وجها واحدا قاله في الشرح لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" رواه النسائي.
وقيل لا مع صحو اختاره أبو محمد الجوزي لأن عدم الهلال يقين فيقدم على الظن وهي الشهادة.
"وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين" وقيل هما روايتان إحداهما لا يفطر قدمه في المحرر لأنه فطر لم يجز أن يستند إلى واحد كما لو شهد بشوال
والثاني وجزم به في الوجيز أنهم يفطرون لثبوته تبعا كالنسب لا يثبت بشهادة النساء ويثبت بها الولادة وقيل لا فطر مع الغيم
"وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا" وجها واحدا قاله في الشرح لأن الصوم إنما كان احتياطا فمع موافقته للأصل- وهو بقاء رمضان- أولى.

(2/411)


ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر.
-----------------------------
وقيل بلى قال في الرعاية إن صاموا جزما مع الغيم أفطروا وإلا فلا فعلى الأول إن غم هلال شعبان ورمضان فقد يصوم اثنين وثلاثين يوما حيث نقصنا رجبا وشعبان وكانا كاملين وكذا الزيادة إن غم هلال رمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان وكانا ناقصين ونقل النووي عن العلماء أنه لا يقع النقص متواليا في أكثر من أربعة أشهر.
فرع: إذا صاموا ثمانية وعشرين يوما ثم رأوا هلال شوال قضوا يوما فقط نقله حنبل واحتج بقول علي ولبعد الغلط بيومين قال في الفروع ويتوجه تخريج.
"ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته" لمانع "لزمه الصوم" وحكمه للعموم وكعلم فاسق بنجاسة ماء أو دين على موروثه ولأنه يتيقن أنه من رمضان فلزمه صومه كما تلزم الأحكام التي هي من خصائص الرمضانية بخلاف غيره من الناس.
ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم واختاره الشيخ تقي الدين وروي عن الحسن وابن سيرين لأنه محكوم أنه من شعبان أشبه التاسع والعشرين وكذا قال لا يلزمه شيء من أحكامه وعلى الأول هل يفطر يوم الثلاثين من صيام الناس فيه وجهان ويتوجه عليهما وقوع طلاقه وحل دينه المعلقين بت
"وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر" نقله الجماعة للخبر السابق وقاله عمر وعائشة ولاحتمال خطئه وتهمته فوجب الاحتياط وكما لا يعرف ولا يضحي وحده قاله الشيخ تقي الدين قال والنزاع مبني على أصل وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في السماء وإن لم يشتهر ولم يظهر أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد
وقال أبو حكيم: يتخرج أن يفطر اختاره أبو بكر قال ابن عقيل يجب أن

(2/412)


وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزئه.
------------------------------
يفطر سرا لأنه يتيقنه يوم العيد.
تنبيه: إذا رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم أو شهد أفردهما لجهله بحالهما لم يجز لأحدهما ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس المذهب لأن ردهما ليس بحكم وإنما هو توقف لعدم علمه وفي المغني والشرح الجواز لقوله "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" رواه النسائي.
"وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير" والمطمور ومن بمغارة ونحوهم "تحرى" وهو أن يجتهد في معرفة شهر رمضان لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد فلزمه كاستقبال القبلة "وصام فإن وافق الشهر أو بعده أجزأه" كالصلاة وكما لو لم ينكشف له الحال لتأدية فرضه بالاجتهاد ولا يضر التردد في النية لمكان الضرورة فلو وافق رمضان السنة القابلة فقال المجد قياس المذهب لا يجزئه عن واحد منهما إن اعتبرنا نية التعيين وإلا وقع عن الثاني وقضى الأول. ويعتبر أن يكون ما صامه بقدر أيام شهره الذي فاته سواء وافق ما بين الهلالين أو لا ذكره في المغنى والشرح وظاهر الخرقي أنه متى وافق شهرا بعده أجزأه وإن كان ناقصا ورمضان تاما قاله القاضي وصاحب التلخيص وأورده المجد مذهبا كالنذر وفرق في الشرح بأن النذر مطلق فيحمل على ما تناوله الاسم والقضاء يجب أن يكون بعذر المتروك.
"وإن وافق قبله لم يجزئه" نص عليه لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم يجزئه كالصلاة فلو وافق بعضه رمضان فما وافقه أو بعده أجزأه دون ما قبله ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية ثم علم صام ثلاثة أشهر شهرا بعد شهر كالصلاة إذا فاتته نقله مهنا وإن ظن أن الشهر لم يدخل فصام لم يجزئه.

(2/413)


ولا يجب الصوم إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم ولا يجب على كافر ولا مجنون ولا صبي لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك والقضاء
-----------------------
"ولا يجب الصوم إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم" إجماعا "ولا يجب على كافر" مطلقا لأنه عبادة محضة تفتقر إلى النية فكان من شرطها الإسلام كالصلاة "ولا مجنون ولا صبي" لعدم تكليفهما ورفع القلم عنهما "لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده" كذا قاله الأكثر أي يجب على الولي ذلك ذكره جماعة.
عنه: يجب عليه إذا أطاقه اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وقاله عطاء والأوزاعي والمراد به المميز وحد ابن أبي موسى طاقته بصيام ثلاثة أيام متوالية ضرر لقوله عليه السلام "إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام رمضان" رواه ابن جريج عن محمد بن عبد الرحمن ولأنها عبادة بدنية أشبهت الصلاة
وعنه: يلزم من بلغ عشر سنين وأطاقه قال الخرقي يؤخذ به إذن والمذهب الأول قال القاضي هو عندي رواية واحدة وحمل ما روي عن أحمد على الاستحباب وكالحج وحديثهم مرسل ويحمل على الندب وسماه واجبا تأكيدا وفيه جمع بين الأدلة وأما كون القدرة من شروطه فلأن العاجز عن الشيء لا يكلف به للنص.
"وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك" لتعذر إمساك الجميع فوجب أن يأتوا بما يقدرون عليه وكما لو تعمدوا الأكل في يوم آخر منه "والقضاء" فلثبوته من رمضان ولم يأتوا فيه بصوم صحيح فلزمهم قضاؤه للنص وذكر أبو الخطاب رواية لا يلزم الإمساك كالمسافر إذا قدم وغلط المؤلف بأقلها وخرج في المغني على قول عطاء من ظن أن

(2/414)


وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك وعنه لا يلزمهم شيء وإن بلغ الصبي صائما ولا قضاء عليه عند القاضي وعند أبي الخطاب عليه القضاء.
----------------------------------
الفجر لم يطلع وقد طلع وقال الشيخ تقي الدين يمسك ولا يقضي وكما لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب.
"وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك" أي إذا صار في أثناء يوم منه أهلا للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه في ظاهر المذهب وجزم به في الوجيز لأمره عليه السلام بإمساك يوم عاشوراء ولحرمة الوقت ولقيام البينة فيه بالرؤية ولإدراكه جزءا من وقته كالصلاة.
"وعنه: لا يلزمهم شيء" أي لا إمساك لقول ابن مسعود من أكل أول النهار فليأكل آخره ولأنه أبيح لهم فطر أوله ظاهرا وباطنا فكان لهم الاستدامة كما لو دام العذر ولا قضاء لعدم إدراكهم من الوقت ما يسع العبادة أشبه ما لو زال عذرهم بعد خروج الوقت.
وإن قلنا يجب على الصبي عصى بالفطر وأمسك وقضى كالبالغ وعلم أنهم يستقبلون من الشهر ما عدا اليوم وأنه لا يلزمهم قضاء ما مضى "وإن بلغ الصبي" بالسن أو الاحتلام "صائما" بأن نواه من الليل "أتم" صومه بغير خلاف "ولا قضاء عليه عند القاضي" لأنه نواه من الليل فأجزأه كالبالغ ولا يمتنع أن يكون أوله نفلا وباقيه فرضا كنذره إتمام النفل "وعند أبي الخطاب" وهو ظاهر الوجيز "عليه القضاء" أي قضاء ذلك اليوم لقيام البينة يوم الثلاثين وهو في نفل معتاد وكبلوغه في صلاة أو حج ولأن ما مضى منه نفل فلم يجز عن الفرض كما لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم فإنه يلزمه القضاء والخلاف مبني على وجوب القضاء عليه إذا بلغ مفطرا وأما إذا لم يجب فلا قضاء هنا وجها واحدا.

(2/415)


وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر مفطرا فعليهم القضاء وفي الإمساك روايتان ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا.
-------------------------------
"وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر" أو أقام "مفطرا فعليهم القضاء" إجماعا وكمريض إذا صح في أثناء النهار مفطرا "وفي الإمساك روايتان" كذا أطلقهما جماعة والأصح لزومه وكمقيم تعمد الفطر سافر أو حاضت المرأة أو لا نقله ابن القاسم وحنبل ويعايا بها.
والثانية: لا إمساك عليهم لقول ابن مسعود لأن كل من ذكر يباح له الأكل أول النهار ظاهرا وباطنا ويتوجه لا إمساك مع حيض ومع السفر الخلاف وإذا لم يجب الإمساك فقدم مسافر مفطرا فوجد امرأته طهرت من حيضها له أن يطأها ولو علم مسافر أنه يقدم غدا لزمه الصوم كمن نذر صوم يوم يقدم فلان وعلم قدومه في غد بخلاف الصبي يعلم أنه يبلغ في غد لأنه غير مكلف.
مسألة: إذا برئ مريض أو قدم مسافر أو أقام صائما لزمه الإتمام وأجزأ كمقيم صائم مرض ثم لم يفطر حتى عوفي ولو وطئا فيه كفرا نص عليه كمقيم وطئ ثم سافر ذكره في الفروع.
"ومن عجز عن الصوم لكبر" وهو الهم والهمة "أو مرض لا يرجى برؤه أفطر" أي له ذلك إجماعا "وأطعم عن كل يوم مسكينا" لقول ابن عباس في قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم يطعمان مكان كل يوم مسكينا رواه البخاري ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يدركه رواه أحمد والمراد بالإطعام ما يجزئ في الكفارة فلو كان الكبير مسافرا ومريضا فأفطر فلا فدية عليه ذكره في الخلاف ولا قضاء للعجز عنه ويعايا بها وإن أطعم ثم قدر على القضاء فكمعضوب حج عنه ثم عوفي ذكره.

(2/416)


والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر وإن صاما أجزأهما ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره.
---------------------------------
المجد وظاهره أنه لا يجب القضاء بل يتعين الإطعام.
"والمريض إذا خاف الضرر والمسافر" وهو من له القصر "استحب لهما الفطر" لقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فأفطر وقد روى الترمذي مرفوعا "إن الله وضع عن المسافر الصوم" وقال حديث حسن ولأن فيه قبول الرخصة مع التلبس بالأخف لقوله عليه السلام "ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما" ويشترط له أن يخاف زيادة المرض أو بطء برئه فإن لم يتضرر به لم يفطر.
وجزم به في الرعاية في وجع رأس وحمى ثم قال إلا أن ينضر قيل لأحمد متى يفطر المريض قال إذا لم يستطع قيل مثل الحمى قال وأي مرض أشد من الحمى.
فلو خاف تلفا بصومه كره وجزم جماعة بأنه يحرم ولم يذكروا خلافا في الإجزاء "وإن صاما أجزأهما" نقله الجماعة ونقل حنبل في المسافر لا يعجبني واحتج بقوله عليه السلام "ليس من البر الصوم في السفر" وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة والسنة الصحيحة ترد هذا القول وحملها على رواية الجماعة أولى من عدم الإجزاء وظاهره أنه يجزئ من غير كراهة.
وقد سأله إسحاق بن إبراهيم عن الصوم فيه لمن قوي فقال لا يصوم وحكاه المجد عن الأصحاب قال وعندي لا يكره لمن قوي واختاره الآجري وليس الصوم فيه أفضل وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها تبرأ بها الذمة ورد بصوم المريض.
"ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره" من قضاء وفدية وغيرهما لأن الفطر أبيح تخفيفا ورخصة فإذا لم يرده لزمه الإتيان بالأصل كالجمعة وكالمقيم

(2/417)


ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر وعنه لا يجوز
----------------------------------
الصحيح ولأنه لو قبل صوما من المعذور لقبله من غيره كسائر الزمان المتضيق للعبادة فلو نوى صوما غير رمضان فهل يقع باطلا أم يقع ما نواه هي مسألة تعيين النية.
تنبيه: إذا خاف من به شبق تشقق أنثييه أو به مرض ينتفع فيه بوطء ساغ له الوطء وقضى بلا كفارة نقله الشالنجي إن لم تندفع شهوته بغيره وإلا لم يجز وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم يجز وإلا جاز للضرورة فوطء صائمة أولى من حائض وقيل يتخير وإن تعذر قضاؤه لدوام شبقه فككبير عجز عنه.
"ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر" لفطره عليه السلام كما روي في الأخبار الصحيحة وظاهره ولو بالجماع لأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو وذكر جماعة أنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعده وعنه لا يجوز بالجماع لأنه لا يقوى على السفر فعليها إن جامع كفر والمذهب لا.
قال في الفروع وهو أظهر "وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر" لظاهر الآية والأخبار الصريحة منها ما روى عبيد بن جبير قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط في شهر رمضان ثم قرب غداءه فقال اقترب قلت الست ترى البيوت قال أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل رواه أبو داود.
ولأن السفر يبيح الفطر فأباحه في أثناء النهار كالمرض الطارئ ولو بفعله والصلاة لا يشق إتمامها وهي آكد لأنها متى وجب إتمامها لم يقصر بحال وترك الفطر أفضل سواء سافر طوعا أو كرها ذكره جماعة فيعايا بها
وليس له الفطر قبل خروجه لأنه ليس مسافرا.
"وعنه: لا لايباح" وقاله أكثر العلماء لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر

(2/418)


والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا لكل يوم مسكينا.
------------------------
والحضر فإذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة وعنه لا يجوز بجماع لآكديته فعلى المنع يكفر من وطئ وجعلها بعضهم كمن نوى الصوم في سفره ثم جامع.
"والحامل والمرضع إذا خافتا" الضرر "على أنفسهما" كره لهما الصوم ويجزئ فإن "أفطرتا وقضتا" بغير خلاف نعلمه كالمريض إذا خاف على نفسه ولقدرتهما عليه بخلاف الكبير قال أحمد: أقول بقول أبي هريرة لا بقول ابن عمر وابن عباس في منع القضاء وظاهره أنه لا إطعام معه لأنه فطر أبيح لعذر فلم يجب به كفارة كالمريض.
وذكر بعضهم رواية "وإن خافتا على ولديهما أفطرتا" لأن خوفهما خوف على آدمي أشبه خوفهما على أنفسهما "وقضتا" لعموم قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وكسائر المرضى "وأطعمتا لكل يوم مسكينا" ما يجزئ في الكفارة لظاهر قوله {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} الآية وهو قول ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهم مخالف.
ولأنه إفطار بسبب نفس عاجزة عن الصوم من طريق الخلقة كالشيخ الهم ويلحق بهذا الظئر التي ترضع ولد غيرها ذكره الأصحاب لأن السبب المبيح يستوي فيه كالسفر لحاجته وحاجة غيره وفي الرعاية قول لا تفطر الظئر إذا خافت على رضيعها والإطعام على الأم جزم به في الوجيز لأنه تبع لها ولهذا وجب كفارة واحدة ويحتمل أنه بينها وبين من تلزمه نفقته من قريب أو من ماله لأن الإرفاق لهما والمذهب أن الإطعام على من يمونه ويصرف إلى مسكين واحد جملة واحدة وظاهره أنه على الفور لوجوبه وهو أقيس وذكر المجد أنه إن أتى به مع القضاء جاز لأنه كالتكملة له.

(2/419)


ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وإن أفاق جزءا منه صح صومه وإن نام جميع النهار صح صومه ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون.
-----------------------------
تنبيه: لا يسقط الإطعام بالعجز ذكره في المستوعب وهو ظاهر كلام أحمد اختاره المجد كالدين وذكر ابن عقيل والمؤلف أنه يسقط وذكر القاضي وجماعة أنها تسقط في الحامل والمرضع ككفارة الوطء بل أولى للعذر هنا ولا يسقط عن الكبير والمأيوس لأنها بدل عن نفس الصوم الواجب الذي لا يسقط بالعجز فكذا بدله وكذا إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره غير كفارة الجماع.
"ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه" لأن الصوم عبارة عن الإمساك مع النية فلم يوجد الإمساك المضاف إليه دل عليه قوله "إنه ترك طعامه وشرابه من أجلي" فلم تعتبر النية منفردة عنه "وإن أفاق" أي المغمى عليه "جزءا منه صح صومه" لقصده الإمساك في جزء من النهار فأجزأ كما لو نام بقية يومه وظاهره أنه لا يتعين جزء للإدراك ولا يفسد قليل الإغماء الصوم والجنون كالإغماء وقيل يفسد الصوم بقليله كالحيض بل أولى لعدم تكليفه.
وأجيب بأنه زوال عقل من بعض اليوم فلم يمنع صحته كالإغماء ويفارق الحيض فإنه لا يمنع الوجوب وإنما يمنع صحته ويحرم فعله.
"وإن نام جميع النهار صح صومه" لأنه معتاد ولا يزيل الإحساس بالكلية وخالف فيه الاصطخري وهو شاذ.
"ويلزم المغمى عليه" إذا لم يصح صومه "القضاء" في الأصح لأنه مرض وهو مغط على العقل غير رافع للتكليف ولا تطول مدته ولا تثبت الولاية على صاحبه ويدخل على الأنبياء عليهم السلام وعنه لا يقضي كالجنون "دون المجنون" فلا يلزمه قضاء لعدم تكليفه سواء فات.

(2/420)


فصل
ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل.
-------------------------
بالجنون الشهر أو بعضه.
وعنه يقضي لأنه معنى يزيل العقل فلم يمنع وجوب الصوم كالإغماء وعنه إن أفاق في الشهر قضى ما مضى وإن أفاق بعده فلا كما لو جن في أثنائه وكما لو أفاق في جزء من اليوم لكن إذا جن في صوم قضاء وكفارة فإنه يقضيه بالوجوب السابق.
فصل:
"ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل" لما روى ابن عمر عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" رواه الخمسة قال الترمذي والخطابي رفعه عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه وعمرو من الثقات ووافقه على رفعه ابن جريج عن الزهري رواه النسائي ولم يثبت أحمد رفعه وصحح الترمذي أنه موقوف على ابن عمر.
وعن عائشة مرفوعا "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" رواه الدارقطني وفي لفظ للزهري "من م يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" لا يقال قد ورد في صوم عاشوراء بنية من النهار لأن وجوبه كان نهارا لمن صام تطوعا ثم نذره على أن جماعة ذكروا أنه ليس بواجب ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة.
وظاهره: أنه في أي وقت من الليل نوى أجزأه لإطلاق الخبر وسواء وجد بعدها ما يبطل الصوم كالجماع والأكل أو لا نص عليه فلو بطلت فات محلها وقال ابن حامد تبطل إذا أتى بالمنافي كما لو فسخ النية أو نسيها أو أغمى عليه حتى طلع الفجر وإن نوت الحائض صوم الغد وقد عرفت الطهر

(2/421)


معينا وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان ولا يحتاج إلى نية الفرضية.
--------------------------
ليلا فوجهان.
وظاهره أنه لا يصح في نهار يوم كصوم غد وكنيته من الليل صوم بعد غد وعنه يصح ما لم يفسخها وحملها القاضي على أنه استصحبها إلى الليل وهو ظاهر ويعتبر لكل يوم نية مفردة لأنها عبادات بدليل أنه لا يفسد يوم بفساد آخر وكالقضاء.
وعنه: بجزئ في أول رمضان نية واحدة لكله نصرها أبو يعلى الصغير وعلى قياسه النذر المعين ونحوه فلو أفطر يوما بعذر أو غيره لم يصح صيام الباقي بتلك النية جزم به في المستوعب وغيره وقيل يصح مع بقاء التتابع قدمه في الرعاية.
"معينا" أي لا بد أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته نص عليه واختاره الأصحاب لقوله "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى" وكالقضاء والكفارة ولأن التعيين مقصود في نفسه فلو خطر بقلبه ليلا أنه صائم غدا فقد برئ قال بعض أصحابنا الأكل والشرب بنية الصوم عندنا نية قال الشيخ تقي الدين هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم بدليل ليلة العيد من غيرها.
"وعنه: لا يجب تعيين النية لرمضان" لأن التعيين يراد للتمييز وهذا الزمان يتعين وكالحج فعليها يصح بنية مطلقة لتعذر صرفه رمضان واختار حفيده يصح مطلقا مع الجهل فإن كان عالما فلا كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التبرع ثم تبين أنه كان حقه فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان.
"ولا يحتاج" مع التعيين "إلى نية الفرضية" لأن الواجب لا يكون إلا فرضا فأجزأ التعيين عنه.

(2/422)


وقال ابن حامد يجب ذلك ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزئه ومن نوى الإفطار أفطر.
----------------------------
"وقال ابن حامد يجب ذلك" كالصلاة "ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي" أي الذي فرضه الله علي "وإلا فهو العربي لم يجزئه" على المشهور في المذهب لأنه لم يعين الصوم من رمضان جزما وعلى الثانية يجزئه.
ونقل صالح أنه يصح بالنية المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو لوجوب صومه فلو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه وإلا فهو عن واجب عينه بنيته لم يجزئه عن ذلك الواجب وفي إجزائه عن رمضان الروايتان إذا بان منه وإن قال وإلا فأنا مفطر لم يصح وإن نوى الرمضانية بلا مستند شرعي فعلى الخلاف إذا بان منه وإن كان عن مستند شرعي أجزأه كالمجتهد في الوقت.
فرع: إذا قال أنا صائم غدا إن شاء الله تعالى فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد فسدت نيته وإلا لم تفسد ذكره في التعليق و الفنون لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره كما لا يفسد الإيمان به غير متردد في الحال وطرده القاضي في سائر العبادات بأنها لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها.
"ومن نوى الإفطار أفطر" نص عليه وفي الشرح هو ظاهر المذهب لأنه عبادة من شرطه النية ففسد بنية الخروج كالصلاة ولأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة لكن لما شق اعتبار حقيقتها اعتبر بناء حكمها وهو أن لا ينوي قطعها فإذا نواه زالت حقيقة وحكما.
وقال ابن حامد لا تبطل كالحج مع بطلان الصلاة عنده وأجيب بأن الحج يصح بنية مطلقة -ومبهمة وقوله أفطر أي صار كمن لم ينو لا كمن أكل فلو كان في نفل يقطعه ثم نواه جاز نص عليه.

(2/423)


ويصح صوم النفل بنية من النهار وقبل الزوال وبعده وقال القاضي: لا يجزئ بعد الزوال.
---------------------------------------
وكذا لو كان في نذر أو كفارة أو قضاء فقطع بنيته ثم نوى نفلا جاز ولو قلت نية نذر وقضاء إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاة إلى نفلها وعلى المذهب لو تردد في الفطر أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى أو إن وجدت طعاما أكلت وإلا أتممت فكالخلاف في الصلاة.
"ويصح صوم النفل بنية من النهار وقبل الزوال وبعده" نص عليه واختاره أكثر الأصحاب منهم القاضي في أكثر تصانيفه لما روت عائشة قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال "هل عندكم شيء" قلنا لا قال "فإني إذا صائم" رواه مسلم.
ويدل عليه حديث عاشوراء ولأن الصلاة خفف نفلها عن فرضها فكذا الصوم ولما فيه من تكثيره لكونه يعن له من النهار فعفي عنه.
"وقال القاضي" في ابن عقيل "لا يجزئ بعد الزوال" لأن فعله عليه السلام إنما هو في الغداء وهو قبل الزوال ولأن النية لم تصحب العبادة في معظمها أشبه ما لو نوى مع الغروب وأجيب بأنه نوى في جزء منه يصح كأوله وجميع الليل وقت لنية الفرض فكذا النهار. وشرطه أن لا يكون فعل ما يفطره قبل النية فإن فعل فلا يجزئه الصوم بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح وخالف فيه أبو زيد الشافعي ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية في الأظهر وفي المجرد والهداية من أول النهار وقاله حماد وإسحاق إن نواه قبل الزوال فعلى الأول تطوع حائض طهرت وكافر أسلم في يوم ولم يأكلا يصوم بقية اليوم.
وعلى الثاني: لا لامتناع تبعيض صوم اليوم قال في الفروع ويتوجه يحتمل أن لا يصح عليهما لأنه لا يصح منهما صوم.

(2/424)


باب مايفسد الصوم
...
باب ما يفسد الصوم
ويوجب الكفارة
ومن أكل أوشرب أو استعط أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه أو اكتحل بما يصل إلى حلقه.
----------------------------------
باب ما يفسد الصوم
المفسد للصوم كل ما ينافيه من أكل أو شرب ونحوهما "ويوجب الكفارة ومن أكل أوشرب" فقد أفطر لقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية فأباحهما إلى غاية وهي تبين الفجر ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل لأن حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها وقول النبي صلى الله عليه وسلم "كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك طعامه وشرابه من أجلي" متفق عليه وظاهره لا فرق بين مغذ وغيره ولا بين القليل والكثير
"أو استعط" في أنفه بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه قال في الكافي أو خياشيمه لنهيه عليه السلام الصائم عن المبالغة في الاستنشاق
"أو احتقن" في دبره لأنه يصل إلى الجوف ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل ولأنه أبلغ وأولى من الاستعاط.
"أو داوي الجائفة بما يصل إلى جوفه" لأنه أوصل إلى جوفه شيئا باختياره أشبه ما لو أكل "أو اكتحل" بكحل أو صبر أو ذرور أو إثمد مطيب "بما يصل إلى حلقه" نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال "ليتقه الصائم" رواه أبو داود والبخاري في تاريخه من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد ابن هوذة عن أبيه عن جده.
قال ابن معين حديث منكر وعبد الرحمن ضعيف وقال أبو حاتم:

(2/425)


أو داوى المأمومة أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان أو استقاء.
-----------------------------
صدوق ووثقه ابن حبان واختار الشيخ تقي الدين لا يفطر لأنها ليست منفذا فلم يفطر به كما لو دهن رأسه وأجيب بأن العين منفذ لكنه ليس بمعتاد وكالواصل من الأنف
"أو داوى المأمومة أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه" لأن الدماغ أحد الجوفين فالواصل إليه يغذيه فأفسد الصوم كالآخر.
"أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان" وهو من عطف العام على الخاص وهو شامل إذا طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بشيء في جوفه فغاب هو أو بعضه فيه أو ابتلع خيطا ويعتبر العلم بالواصل وجزم في منتهى الغاية بأنه يكفي الظن واختار الشيخ تقي الدين لا يفطر بمداواة جائفة ومأمومة ولا بحقنة.
"أو استقاء" أي استدعى القيء فقاء لخبر أبي هريرة المرفوع "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض" روا ه الخمسة وقال الترمذي حسن غريب ورواه الدارقطني وقال إسناده كلهم ثقات وظاهره لا فرق بين القليل والكثير.
قال المؤلف هو ظاهر المذهب وذكر المجد أنه أصح الروايات كسائر المفطرات وعنه يفطر بملء الفم اختاره ابن عقيل ويقدر بما لا يمكنه الكلام معه وعنه أو نصفه كنقض الوضوء وعنه إن فحش وقاله القاضي وذكر ابن هبيرة أنه الأشهر.
وبالغ ابن عقيل فقال إذا قاء بنظره إلى ما يقيئه فإنه يفطر كالنظر والفكر وفيه احتمال لا يفطر مطلقا وذكره البخاري عن أبي هريرة ويروى عن ابن مسعود وابن عباس وخبر أبي هريرة السابق ضعفه أحمد والبخاري.

(2/426)


أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو مذى أو كرر النظر فأنزل
---------------------------------------
"أو استمنى" أي استدعى خروج المني لأنه إذا فسد بالقبلة المقترنة بالإنزال فلأن يفسد به بطريق أولى لكن لو استمنى بيده ولم ينزل فقد أتى محرما ولا يفسد به فأما إن أنزل لغير شهوة فلا كالبول.
"أو قبل أو لمس فأمنى" لما روى أبو داود عن عمر أنه قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله إني فعلت أمرا عظيما فقبلت وأنا صائم قال "أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم" قلت لا بأس به قال "فمه" فشبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الفطر فإن المضمضة إذا كان معها نزول أفطر وإلا فلا ذكره في المغني والشرح وفيه نظر لأن غايته أنما قد تكون وسيلة وذريعة إلى الجماع وفيه احتمال لا يفطر وقاله داود وضعف الخبر السابق وقال هو ريح.
"أو مذى" نص عليه لأنه إنزال بمباشرة أشبه المني واختار الآجري وأبو محمد تقي الدين لا يفطر قال في الفروع وهو أظهر عملا بالأصل وقياسه على المني لا يصح لظهور الفرق. وقيل يبطل بالمباشرة دون الفرج فقط وإن استمنى فأمنى أو مذى فكذلك على الخلاف وقوله فأمنى أو مذى راجع إلى الاستمناء وما بعده وعلم منه أنه لا فطر بدون الإنزال لقول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه رواه البخاري روي بتحريك الراء وسكونها ومعناه حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالتحريك الحاجة.
"أو كرر النظر فأنزل" أي منيا لأنه إنزال بفعل يلتذ به ويمكن التحرز منه أشبه الإنزال باللمس وقال الآجري لا يفطر كالإنزال بالفكر فلو أنزل مذيا لم يفطر على المذهب لأنه لا نص فيه والقياس لا يصح وقيل يفطر به.
قال في الفروع وهو أقيس على المذهب كاللمس وكلام المؤلف

(2/427)


أو حجم أو احتجم.
---------------------------------------
يحتمله كالخرقي لأنه خارج بسبب الشهوة كالمني ولأن الضعيف إذا تكرر قوي كتكرار الضرب بصغير في القود لكن في الكافي وسواء في هذا كله إنزال المني أو المذي إلا في تكرار النظر فلا يفطر إلا بإنزال المني.
وظاهره لا فطر بعدم الإنزال بغير خلاف و لا إذا لم يكرر النظر لعدم إمكان التحرز منه وقيل يفطر ونص أحمد أنه يفطر بالمني لا المذي ويلحق به ما ذكره في الإرشاد احتمالا فيمن هاجت شهوته فأمنى أو مذى أنه يفطر.
فرع: يفطر بالموت فيطعم من تركته في نذر وكفارة وبالردة لأن الصوم عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة.
"أو حجم أو احتجم" نص عليه وقاله الأصحاب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد والترمذي من حديث رافع بن خديج ورواه أحمد أيضا من حديث ثوبان وشداد بن أوس وعائشة وأسامة بن زيد وأبى هريرة ومعقل بن سنان وهو لأبي داوود من حديث ثوبان.
ولابن ماجه من حديث شداد وأبي هريرة وهذا يزيد على رتبة المستفيض قال ابن خزيمة ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال أحمد فيه غير حديث ثابت وأصحها حديث رافع
وقال ابن المديني أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد وصححهما أحمد والبخاري وعنه إن علما النهي وقد كان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقاله أكثر العلماء لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم رواه البخاري.
ولأنه دم خارج من البدن أشبه الفصد وجوابه أن أحمد ضعف رواية ابن عباس من رواية الأثرم لأن الأنصاري ذهبت كتبه في فتنة فكان يحدث من

(2/428)


عامدا ذاكرا لصومه فسد صومه وإن كان مكرها أوناسيا لم يفسد.
----------------------------------
كتب غلامه أبي حكيم ثم لو صح فيجوز أن يكون صومه تطوعا ويحتمل أن يكون لعذر ويعضده ما روى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس قال "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم من شيء كان وجده" فهذه تسقط الاستدلال.
ولو سلم التساوي فأحاديثنا أكثر واعتضدت بعمل الصحابة ولو سلم فحديثهم فعل وتلك قول وهو مقدم لعدم عموم الفعل واحتمال أنه خاص به ونسخ حديثهم أولى لأنه موافق لحكم الأصل فنسخه يلزم منه مخالفة الأصل مرة واحدة بخلاف نسخ حديثنا لأنه يلزم مخالفة الأصل مرتين.
وذكر الخرقي احتجم ولم يذكر حجم والمذهب التسوية للخبر ولعل مراده أنه يفطر الحاجم إن مص القارورة.
والحجم في الساق كالحجم في القفا نص عليه وظاهر كلام أحمد ومعظم الأصحاب لا فطر إن لم يظهر دم واختار ابن عقيل وجمع أنه يفطر.
ولو جرح نفسه لا للتداوي بدل الحجامة لم يفطر وظاهره لا يفطر بالفصد لأن القياس لا يقتضيه والثاني بلى وصححه الشيخ تقي الدين فعلى هذا في الشرط احتمالان ولا فطر بغير ذلك.
واختار الشيخ تقي الدين أنه يفطر إذا أخرج دمه برعاف وغيره وقاله الأوزاعي في الرعاف.
"عامدا" أي قاصدا للفعل لأن من لم يقصد فهو غافل غير مكلف وإلا يلزم تكليف ما لا يطاق "ذاكرا" أي غير ناس "لصومه فسد صومه" في الصور السابقة كلها ويجب القضاء إن كان واجبا "وإن كان مكرها أو ناسيا لم يفسد" صومه وأجزأه لقوله عليه السلام "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولحديث أبي هريرة مرفوعا "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب ,

(2/429)


وإن طار إلى حلقه ذباب أوغبار أو قطر في إحليله أو فكر فأنزل
--------------------------------------
فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه وللدار قطني معناه وزاد "ولا قضاء" وللحاكم وقال على شرط مسلم "من أكل في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة" .
وظاهره: أنه لا فرق بين الوعيد والإلجاء نص عليه كالناسي بل أولى بدليل الإتلاف ويدخل فيه النائم إذا فعل به شيء بل هو كالناسي لعدم قصده.
وقال ابن عقيل يحتمل عندي أنه يفطر بالوعيد لأنه فعل دفعا للضرر عن نفسه فيه كالمريض ولو أوجر المغمى عليه معالجة لم يفطر وقيل بلى لرضاه ظاهرا فكأنه قصده وكالجاهل بالتحريم نص عليه في الحجامة وكالجهل بالوقت والنسيان يكثر.
وفي الهداية والتبصرة لا فطر لعدم تعمده المفسد كالناسي وجمع بينهما في الكافي بعدم التأثيم.
فرع: من أراد الفطر فيه بأكل أو شرب وهو ناس أو جاهل فهل يجب إعلامه فيه وجهان قال في الفروع ويتوجه ثالث إعلام جاهل لا ناس وفيه شيء.
"وإن طار إلى حلقه ذباب" لم يفطر خلافا للحسن بن صالح "أو غبار" من طريق أو دقيق أو دخان فكالنائم وقيل في حق الماشي وقيل في حق النخال والوقاد "أو قطر في إحليله" هنا نص عليه لعدم المنفذ وإنما يخرج البول رشحا لمداواة جرح عميق لم ينفذ إلى الجوف وقيل بينهما منفذ كمن وضع في فيه ما لم يتحقق نزوله في حلقه.
وقيل يفطر إن وصل مثانة وهي العضو الذي يجتمع فيه البول
"أو فكر" فأنزل لقوله عليه السلام "عفي لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به" ولأنه لا نص فيه ولا إجماع.

(2/430)


أوذرعه القيء أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه أو اغتسل.
-------------------------------------
وقياسه على تكرار النظر لا يصح لأنه دونه في استدعاء الشهوة وإفضائه إلى الإنزال وسواء أنزل منيا أو مذيا واختار أبو حفص العكبري وابن عقيل أنه يفسد لأن الفكرة تستحضر فيدخل تحت الاختيار أما لو خطر بقلبه صورة في مباشرته نهارا لم يفطر وظاهره ولو وطئ قرب الفجر ويشبهه من اكتحل إذن.
"أو ذرعه القيء" للخبر ولخروجه بغير اختيار أشبه المكره ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره ولو أعاد عمدا ولم يملأ الفم أو قاء ما لا يفطر به ثم أعاده أفطر كتلفه بعد انفصاله عن الفم.
"أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه" أي رماه لعدم إمكان التحرز منه ولا يخلو منه صائم غالبا فإن شق رميه فبلعه مع ريقه بغير قصد أو جرى ريقه ببقية طعام تعذر رميه أو بلع ريقه عادة لم يفطر وإن أمكنه لفظه بأن تميز عن ريقه فبلعه عمدا أفطر ولو دون الحمصة.
"أو اغتسل" لأنه عليه السلام كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم متفق عليه من حديث عائشة وأم سلمة ولأن الله أباح الجماع وغيره إلى طلوع الفجر فيلزم جواز الإصباح جنبا احتج به ربيعة والشافعي لكن يسن له أن يغتسل قبل الفجر وعليه يحمل نهيه عليه السلام أو أنه منسوخ ولهذا لما أخبر بقول عائشة وأم سلمة فقال هما أعلم بذلك إنما حدثنيه الفضل بن عباس متفق عليه.
قال سعيد بن المسيب رجع أبو هريرة عن فتياه.
فإن أخره يوما صح وأثم والحائض كالجنب إذا انقطع دمها ليلا ونوته ونقل صالح في الحائض تؤخره بعد الفجر قال تقضي وهو قريب من قول عروة وطاووس في الجنب
فائد: لا يكره للصائم أن يغتسل قال المجد لأن فيه إزالة الضجر من

(2/431)


أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه وإن زاد على الثلاث أو بالغ فيهما فعلى وجهين ومن أكل شاكا في طلوع الفجر فلا قضاء عليه وإن أكل شاكا في غروب الشمس فعليه القضاء
---------------------------------
العبادة كالجلوس في الظل البارد وغوصه في الماء كصبه عليه ونقل حنبل لا بأس به إذا لم يخف أن يدخل الماء حلقه أو مسامعه.
"أو تمضمض أو استنشق" في الوضوء ف"دخل الماء حلقه" لأنه واصل بغير قصد أشبه الذباب فإن كان لنجاسة فكالوضوء "لم يفسد صومه" لما ذكرنا "وإن زاد على الثلاث" في أحدهما "أوبالغ فيهما" فدخل الماء حلقه "فعلى وجهين" كذا في الكافي والمحرر والفروع أحدهما: لا يفطر جزم به في الوجيز لأنه واصل بغير اختياره.
والثاني: بلى لأنه فعل مكروها تعرض به إلى إيصال الماء إلى حلقه أشبه الإنزال بالمباشرة واختار المجد يبطل بالمبالغة للنهي الخاص وعدم ندرة الوصول فيها بخلاف المجاوزة وأنه ظاهر كلام أحمد في المجاوزة يعجبني أن يعيد فإن تمضمض أو استنشق عبثا أو لحر أو عطش كره نص عليه.
وفي الفطر به الخلاف في الزائد على الثلاث وكذا إن غاص في الماء من غير غسل مشروع أو إسراف أو كان عابثا حكمه حكم الداخل من الحلق من المبالغة والمجاوزة وقال المجد إن فعله لغرض صحيح فكالمضمضة المشروعة وإن كان عبثا فكالمجاوزة.
"ومن أكل شاكا في طلوع الفجر" ولم يتبين له الحال "فلا قضاء عليه" لظاهر الآية ولأن الأصل بقاء الليل فيكون زمان الشك منه وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر نص عليه فلو أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلا ولم يجدد نية صومه الواجب قضى جزم به بعضهم
"وإن أكل شاكا في غروب الشمس" ودام شكه أو أكل فظن بقاء النهار "فعليه القضاء" لأن الأصل بقاء النهار فإن بان ليلا لم يقض وكذا إن أكل

(2/432)


وإن أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا فعليه القضاء.
فصل:
وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبرا فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا
---------------------------------
فظن الغروب ثم شك بعد الأكل ولم يتبين لأنه لم يوجد يقين أزال الظن الذي بني عليه كالصلاة.
"وإن أكل معتقدا" أو ظانا "أنه ليل فبان نهارا" في أوله أو آخره كمن يعتقد أن الشمس غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع "فعليه القضاء" وفاقا لأن الله تعالى أمر بإتمام الصوم ولم يتمه وقالت أسماء أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام بن عروة وهو راوي الحديث أمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء رواه أحمد والبخاري ولأنه جهل وقت الصوم كالجهل بأول رمضان وعنه لا قضاء على من جامع جاهلا بالوقت واختاره الشيخ تقي الدين وقال هو قياس أصول أحمد وغيره فيتوجه هنا مثله.
فرع: إذا أكل ناسيا وظن أنه قد أفطر فأكل عمدا فيتوجه أنها مسألة: الجاهل بالحكم فيه الخلاف السابق فلو جامع بعده نسيانا واعتقد الفطر به فكالناسي والمخطئ إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر في الأشهر.
فصل:
"وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبرا فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا" وفيه أمور.
الأولى: أن الجماع في نهار رمضان بلا عذر مفسد له لقوله تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية فدلت أن الصيام المأمور بإتمامه ترك الوطء والأكل فإذا وجد فيه الجماع لم يتم فيكون باطلا.

(2/433)


وعنه لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان.
---------------------------------
والمكره كالمختار في ظاهر المذهب.
وشرطه أن يكون بذكر أصلي في فرج أصلي قبلا كان أو دبرا من ذكر أو أنثى حر أو ميت أنزل أو لا لأنه في مظنة الإنزال أو لأنه باطن كالدبر فلو أولج خنثى مشكل ذكره في قبل خنثى مشكل أو قبل امرأة أو أولج رجل ذكره في قبل خنثى مشكل لم يفسد صوم واحد منهما إلا أن ينزل كالغسل وكذا إذا أنزل مجبوب أو امرأتان بمساحقة
الثانية: أنه يجب عليه القضاء عن كل يوم مثله في قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام للمجامع "وصم يوما مكانه" رواه أبو داود والأثرم وكما لو أفسده بالأكل.
الثالثة: عليه الكفارة لحديث الأعرابي وقال النخعي وغيره لا كفارة عليه لأنها عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها فلم تجب بإفساد أدائها كالصلاة.
وجوابه بأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به والقضاء محله الذمة والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلافه هنا.
الرابعة: الساهي كالعامد في وجوب ذلك نقله الجماعة وهو اختيار أكثر الأصحاب لأنه عليه السلام لم يستفصل الأعرابي بين أن يكون ساهيا أو عامدا ولو اختلف الحكم لاستفصله وبذلك استدل أحمد ولأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والسؤال معاد في الجواب كأنه قال إذا واقعت في صوم رمضان فكفر ولأنه عبادة يحرم الوطء فيها فاستوى عمده وسهوه كالحج.
"وعنه: لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان" اختاره ابن بطه للخبر في العفو عن ذلك ولأن الكفارة لرفع الإثم وهي منحطة عنهما وعنه ولا يقضي اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين وحكاه في شرح مسلم

(2/434)


ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه؟ على روايتين.
---------------------------
قول جمهور العلماء كالأكل.
تنبيه: إذا جامع يعتقده ليلا فبان نهارا فجزم الأكثر بوجوب القضاء وعنه عكسه اختاره الشيخ تقي الدين ويأتي رواية ابن القاسم واختار الأصحاب أنه يكفر قال المجد وأنه قياس من أوجبها على الناسي وأولى.
والثانية: لا يكفر وقالها أكثر العلماء وعليها إن علم في الجماع أنه نهار ودام عالما بالتحريم لزمته الكفارة فلو جامع ليلا وطلع عليه الفجر وهو مجامع واستدام فعليه القضاء والكفارة وإن نزع في الحال مع أول طلوعه وكذلك اختاره ابن حامد والقاضي لأن النزع جماع يلتذ به كالجماع واختار أبو حفص عكسه.
وقال ابن أبي موسى يقضي قولا واحدا وفي الكفارة خلاف.
"ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر" كالإكراه والنسيان لأنها معذورة ولعموم ما سبق وذكر القاضي وغيره أنها إذا جامعت ناسية أن حكمها حكم الرجل وعنه أنها تكفر وخرجها القاضي من الحج.
وعنه: يرجع بها على الزوج لأنه الملجئ لها إلى ذلك وعلم منه أنه يفسد صومها ويجب عليها القضاء قال في الشرح بغير خلاف نعلمه من المذهب لأنه نوع من المفطرات فاستوى فيه الرجل والمرأة كالأكل نص عليه في المكرهة.
وعنه: لا وقيل يفسد إن فعلت إلا المقهورة والنائمة وأفسد ابن أبي موسى صوم غير النائمة لحصول مقصود الوطء لها قال في الفروع ويتخرج أن لا يفسد صومها مع النسيان وإن فسد صومه وكذا الجاهلة ونحوها.
"وهل يلزمها مع عدمه على روايتين" كذا في المحرر إحداهما: يلزمها الكفارة اختارها أبو بكر وقدمها في الفروع وهي أصح لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع فلزمتها الكفارة كالرجل والثانية: لا وجزم بها في الوجيز ,

(2/435)


وعنه كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان وإن جامع دون الفرج فأنزل.
---------------------------
لأن الشارع لم يأمرها بها وكفطرها بتغييب بعض الحشفة بعد سبق جماعها المعتبر.
وأجيب بأن في لفظ الدارقطني "هلكت وأهلكت" فيدل على أنها كانت مكرهة وبأن ذلك البعض ليس له حكم الباطن والخوف وعنه كفارة واحدة خرجها أبو الخطاب من الحج وضعفه جماعة بأن الأصل عدم التداخل فلو كانت من أهل العتق وهو من أهل الإطعام وقلنا بالتحمل خير بينهما وقيل يطعم عن نفسه ويبقى العتق في ذمته حتى يقدر عليه فيعتق عنها.
فرع: إذا أكرهها على الوطء فيه دفعته بالأسهل فالأسهل ولو أفضى إلى نفسه كالمار بين يدي المصلي ذكره ابن عقيل.
"وعنه: كل أمر غلب عليه الصائم" كما لو غصبها نفسها فجامعها أو انتشر ذكره وهو نائم فاستدخلته "فليس عليه قضاء ولا كفارة" نقلها ابن القاسم عنه لأنه لم يوجد منه فعل فلم يجبا كما لو صب في حلقه ماء أو طار إلى حلقه ذباب.
"و" قال المؤلف والأصحاب "هذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان" قال ابن عقيل في مفرداته الصحيح في الأكل و الوطء إذا غلب عليهما لا يفسدان فأنا أخرج من الوطء رواية من الأكل وعكسه.
"وقيل: يقضي من فعل لا من فعل به من نائم وغيره وقيل لا قضاء مع النوم فقط لعدم حصول مقصوده.
"وإن جامع دون الفرج" كمن وطئ امرأته في فخذها أو صرتها عامدا وقيل أو ناسيا اختاره الأكثر "فأنزل" وفي الفروع فأمنى وهى أولى فسد صومه لأنه إذا فسد باللمس مع الإنزال ففي المجامعة بطريق الأولى ,

(2/436)


أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر وفي الكفارة وجهان وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل تلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين.
-----------------------------
وظاهره أنه إذا لم ينزل لا يفسد كاللمس "أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر" لأنه وطئ في فرج أشبه وطء الآدمية في فرجها ولم يقيده بالإنزال لإقامة المظنة مقام الحقيقة.
"وفي الكفارة وجهان" ذكرهما أبو الخطاب في وطء البهيمة بناء على الحد وقال ابن شهاب لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة.
أحدهما: يجب اختاره الخرقي وأبو بكر والأكثر كالوطء في الفرج والفرق واضح والناسي كالعامد صرح به جماعة وفي المغني والشرح والروضة عامدا وظاهره لا فرق بين الميتة والحية في الأشهر.
والثاني: لا كفارة عليه اختاره صاحب النصيحة والمغني والشرح والفروع لأنه فطر بغير جماع تام أشبه القبلة.
"وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة" لأنه أفطر يوما من رمضان بجماع فلزمته كما لو قبلت شهادته.
"وإن جامع في ويومين و لم يكفر فهل تلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين".
أحدهما: تجزئه واحدة وهو ظاهر الخرقي واختاره أبو بكر وابن أبي موسى كما لو كانا في يوم واحد كالحدود.
والثاني: تعدد الكفارة بتعدد الأيام اختاره الأكثر وهو المذهب وحكاه ابن عبد البر عن أحمد لأن كل يوم عبادة وكيومين من رمضانين وكالحجتين وظاهره أنه إذا كفر عن الأول كفر عن الثاني وذكره ابن عبد البر إجماعا قال المجد فعلى قولنا بالتداخل لو كفر بالعتق في اليوم الأول عنه ثم في اليوم الثاني

(2/437)


وإن جامع ثم كفر ثم جامع فعليه كفارة ثانية نص عليه وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع.
------------------------------
عنه ثم استحقت الرقبة الأولى لم يلزمه بدلها وأجزأته الثانية عنهما.
ولو استحقت الثانية وحدها لزمه بدلها ولو استحقتا جميعا أجزأه بدلها رقبة واحدة لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجب الأول ونية التعيين لا تعتبر فتلغو وتصير كنية مطلقة هذا قياس مذهبنا.
"وإن جامع ثم كفر ثم جامع" في يومه "فعليه كفارة ثانية نص عليه" في رواية حنبل والميموني لأنه وطء محرم وقد تكرر فتكرر هي كالحج بخلاف الوطء ليلا فإنه مباح لا يقال الوطء الأول تضمن هتك الصوم وهو مؤثر في الإيجاب فلا يصح القياس لأنه ملغى بمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام فإنها تلزمه مع عدم الهتك له وذكر الحلواني رواية لا كفارة.
وخرجه ابن عقيل من أن الشهر عبادة واحدة وعلم منه أنه إذا لم يكفر عن الأول فإنه تكفيه واحدة بغير خلاف قاله في المغني والشرح وفي الفروع على الأصح فعلى الأول تعدد الواجب وتداخل موجبه ذكره صاحب الفصول وغيره وعلى الثاني لم يجب بغير الوطء الأول شيء.
"وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع" أي كذا حكم كل مفطر يلزمه الإمساك كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النية أو أكل عامدا ثم جامع فتجب عليه الكفارة لهتكه حرمة الزمن به ولأنها تجب على المستديم للوطء ولا صوم هناك فكذا هنا. فمراده بالتشبيه وجوب الكفارة لا التكرار لكن نص أحمد في مسافر قدم مفطرا ثم جامع لا كفارة عليه وحمله القاضي وأبو الخطاب على رواية لا يلزمه الإمساك وحمله المجد على ظاهره وهو وجه لضعف هذا الإمساك لأنه سنة عند أكثر العلماء وفي تعليق القاضي وجه فيمن ترك النية وجامع لا

(2/438)


ولو جامع وهو صحيح ثم مرض أو جن أو سافر لم تسقط عنه وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع لا كفارة عليه وعنه عليه الكفارة ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان
---------------------------------
كفارة عليه وإن أكل ناسيا واعتقد الفطر به ثم جامع فكالناسي والمخطئ إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر في الأشهر.
"ولو جامع وهو صحيح ثم مرض أو جن أو سافر لم تسقط عنه" نص عليه فيما إذا مرض لأمره عليه السلام الأعرابي بالكفارة ولم يسأله ولأنه أفسد صوما واجبا من رمضان بجماع تام فاستقرت عليه الكفارة كما لو لم يطرأ العذر.
لا يقال تبينا أن الصوم غير مستحق عند الجماع لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض أو يموت لم يجز الفطر والصوم لا تتحرى صحته بل لزومه كصائم صح أو أقام وحكم المرأة كذلك إذا حاضت أو نفست وفي الانتصار وجه يسقط بهما لمنعهما الصحة ومثلهما موت وكذا جنون إن منع طريانه الصحة.
"وإن نوى الصوم في سفره" فله الفطر بما شاء لفطره عليه السلام في الأخبار الصحيحة ولأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو "ثم جامع لا كفارة عليه" اختاره القاضي وأكثر أصحابه والمؤلف لأنه صوم لا يلزم المضي فيه فلم يجب كالتطوع لكن ذكر المؤلف وغيره أنه يفطر بنيته الفطر فيقع الجماع بعده.
"وعنه: عليه الكفارة" جزم بها بعضهم لأنه أفطر بجماع فلزمته كالحاظر وعنه لا يجوز له الفطر بالجماع لأنه لا يقوى على السفر وفي الكفارة روايتان لكن له الجماع بعد فطره بغيره كفطره بسبب مباح ونقل مهنا في المريض يفطر بأكل فقلت يجامع قال لا أدري. "ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان" لأنه لم يرد به نص ,

(2/439)


والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
---------------------------
وغيره لا يساويه وحكى في الرعاية قولا في قضائه إذا أفسده لأنها عبادة تجب الكفارة في أدائها فوجبت في قضائها كالحج وجوابه بأنه جامع في غير رمضان فلم يلزمه كالكفارة والقضاء يفارق الأداء لأنه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له.
وقيل: تجب الكفارة على من أكل أو شرب عمدا كالجماع وعنه في المحتجم إذا كان عالما بالنهي عليه الكفارة وهل هي كفارة الوطء أو مرضع فيه روايتان.
وفي القبلة وتكرار النظر إذا أنزل رواية أنها تجب الكفارة واختارها القاضي في تعليقه وحكم الاستمناء كالقبلة قاله في التلخيص واللمس كالوطء دون الفرج.
"والكفارة عتق رقبة" ويأتي سلامتها وكونها مؤمنة.
"فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا" هذا هو المذهب لما روى أبو هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله قال "ما أهلكك" قال وقعت على امرأتي في رمضان قال "هل تجد ما تعتق رقبة؟" قال لا قال "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال لا قال "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال لا ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال "تصدق بهذا" فقال على أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال "اذهب فأطعمه أهلك" متفق عليه ولفظه لمسلم.
وهو ظاهر في الترتيب ولم يأمره بالانتقال إلا عند العجز وككفارة الظهار لكن لا يحرم هنا الوطء قبل التكفير ولا في ليالي صوم الكفارة ,

(2/440)


فإن لم يجد سقطت عنه وعنه لا تسقط وعنه : أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأ
--------------------------------
ذكره في الرعاية والتلخيص ككفارة القتل وحرمه ابن الحنبلي عقوبة.
وإن قدر على العتق وهو في الصيام لم يلزمه الانتقال عنه نص عليه "فإن لم يجد" شيئا "سقطت" الكفارة "عنه" نص عليه وقاله الأوزاعي لأنه عليه السلام لم يأمر الأعرابي بها أخيرا ولم يذكر له بقاءها في ذمته كصدقة الفطر زاد بعضهم "بالمال".
وقيل والصوم "وعنه: لا تسقط" وهو قول النووي والزهري لأنه عليه السلام أمر بها الأعرابي لما جاء العرق بعد ما أخبره بعسرته ولأنها واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات قال في الفروع ولعل هذه الرواية أظهر قال بعضهم فلو كفر عنه غيره بإذنه وقيل أو دونها فله أخذها على الأصح وأطلق ابن أبي موسى هل يجوز له أكلها أم كان خاصا بالأعرابي على روايتين.
ويتوجه أنه عليه السلام رخص للأعرابي لحاجته ولم تكن كفارة وظاهره أن كفارة الظهار واليمين وكفارات الحج لا تسقط بالعجز عنها نص عليه لعموم الأدلة ولأنه القياس خولف في رمضان للأخبار وعنه تسقط كرمضان.
"وعنه: أن الكفارة على التخيير" بين العتق والصيام والإطعام "فبأيها كفر أجزأه" لما في الصحيحين من رواية مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر يوما من رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو بصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا.
وفيهما من حديث ابن جريح عن الزهري نحوه وتابعهما أكثر من عشرة وفطره كان بجماع ولأنها تجب بالمخالفة فكانت على التخيير ككفارة اليمين والأولى أصح فرواه معمر ويونس والأوزاعي والليث وموسى بن عقبة

(2/441)


--------------------------------
وغيرهم قريب من ثلاثين رجلا رووه عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال لا قال "هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال لا قال "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال لا.
ذكر سائره وهذا لفظ الترتيب فالأخذ به أولى لأنها زيادة واحتمال الغلط منهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه مع أن حديثنا لفظه عليه السلام وحديثهم لفظ الراوي فلعله توهم أن لا فرق بين اللفظين فرواه ب "أو".

(2/442)


باب مايكره للصائم فعله وما يحتسب
...
باب ما يكره للصائم فعله وما يستحب
وحكم القضاء
يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه وأن يبلع النخامة وهل يفطر بهما على روايتين.
--------------------------------
باب ما يكره للصائم فعله وما يستحب
وحكم القضاء
"يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه" لأنه اختلف في الفطر به وأقل أحواله أن يكون مكروها وظاهره ولو قصدا وبأنه إذا ابتلعه من غير جمع أنه لا يكره بغير خلاف لأنه لا يمكن التحرز منه كغبار الطريق
"و" يكره "أن يبلع النخامة" إذا حصلت في فيه للاختلاف في الفطر بها "وهل يفطر بهما؟" أي بكل من الريق المجموع و النخامة على روايتين لأنه غير واصل من خارج أشبه إذا لم يجمعه والثاني يفطر لأنه يمكن التحرز منه كغبار الدقيق فعليها يحرم فعله كما لو خرج إلى بين أصابعه أو شفتيه وفي منتهى الغاية ظاهر شفتيه ثم عاد فابتلعه فإنه يفطر كبلع ريق غيره.
لا يقال روى أبو داوود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها لضعف إسناده بل قال أبو داوود ليس بصحيح ويجوز أن

(2/442)


ويكره ذوق الطعام وإن وجد طعمه في حلقه أفطر ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء
----------------------------------
يكون مصه في غير حالة الصوم ولو سلم فيحمل على عدم ابتلاع ما عليه فلو أخرج من فيه حصاة أو درهما أو خيطا ثم أعاده فإن كثر ما عليه أفطر وإلا فلا في الأصح لعدم تحقق انفصاله ودخوله إلى حلقه كالمضمضة.
ولو أخرج لسانه ثم أعاده لم يفطر لان الريق لم ينفصل: عن محله واختار ابن عقيل خلافه "وأما النخامة" فكثير من أصحابنا أطلق الخلاف والمذهب أنه يفطر بها سواء كانت من جوفه أو صدره أو دماغه إذا وصلت إلى فيه وصرح في الفروع بالفطر بالتي من جوفه لأنها من غير الفم كالقيء والثانية لا يفطر نقلها المروذي لاعتيادها في الفم كالريق وعليهما ينبني التحريم.
فرع: إذا تجنس فمه بدم أو قيء ونحوه فبلعه أفطر نص عليه وإن قل لإمكان التحرز منه ولأن الفم في حكم الظاهر يقتضي حصر الفطر بكل واصل إليه لكن عفي عن الريق للمشقة وإن بصقه وبقي فمه نجسا فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من النجس أفطر به وإلا فلا.
"ويكره ذوق الطعام" لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه فيفطره وظاهره لا فرق بين أن يكون لحاجة أو غيرها قال أحمد أحب أن يجتنب ذوق الطعام فإن فعل فلا بأس والمنصوص عنه أنه لا بأس به لحاجة أو مصلحة وحكاه هو والبخاري عن ابن عباس
"إن وجد طعمه في حلقه أفطر" لأن وجود طعمه في حلقه دليل على وصول شيء من أجزائه وعلى المنصوص عليه أن يستقصي بالبصق ثم إن وجد طعمه في حلقه لم يفطر كالمضمضة وإلا فيفطر لتفريطه.
"ويكره مضغ العلك" القوي الذي كلما مضغته صلب وقوي الذي لا يتحلل منه أجزاء نص عليه لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش قال في الفروع ويتوجه احتمال لأنه روي عن عائشة وعطاء وكوضع الحصاة

(2/443)


ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء إلا أن لا يبلع ريقه ومتى وجد طعمه في حلقه أفطر وتكره القبلة إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته على إحدى الروايتين.
------------------------------
في فيه وهو أظهر
قال أحمد من وضع في فيه درهما أو دينارا لابأس به ما لم يجد طعمه في حلقه وإلا فلا يعجبني وقال عبد الله سألت أبي عن الصائم يفتل الخيط يعجبني أن يبزق.
"ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء" مطلقا إجماعا لأنه يكون قاصدا لإيصال شيء من خارج إلى جوفه مع الصوم وهو حرام "إلا أن لا يبلع ريقه" ذكره في المغني والشرح وهو ظاهر الوجيز لأن المحرم إدخال ذلك إلى جوفه ولم يوجد "ومتى وجد طعمه في حلقه أفطر" لأنه أوصله إلى جوفه أشبه ما لو تعمد أكله وهذا وجه.
والثاني: لا يفطر لأنه لم ينزل منه شيء ومجرد الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن قدمه بحنظل بخلاف الكحل فإن أجزاءه تصل إلى الحلق وقيل في تحريم ما لا يتحلل غالبا وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه وجهان وقيل يكره بلا حاجة.
"وتكره القبلة" لمن تحرك شهوته فقط لقول عائشة كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه متفق عليه ولفظه لمسلم وإذا منع الوطء منع دواعيه كالإحرام وعنه يحرم جزم به في المستوعب وغيره كما لو ظن الإنزال معها لفرط شهوته ذكره المجد بغير خلاف واقتصر عليه في الشرح أيضا فإن خرج منه شيء فقد سبق وإن لم يخرج منه شيء لم يفسد صومه إجماعا.
"إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته" كالشيخ الكبير فإنه لا يكره "على إحدى الروايتين" لأنها مباشرة لغير شهوة أشبهت لمس اليد لحاجة.

(2/444)


ويجب عليه اجتناب الكذب والغيبة والشتم.
----------------------------
والثانية: تكره لاحتمال حدوث الشهوة وكالإحرام وألحق في الكافي بالقبلة اللمس وتكرار النظر لأنهما في معناها وظاهره إن لمسها لغير شهوة لا يكره وفاقا كما إذا لمس يدها ليعرف موضعها ونحوه وكحالة الإحرام أشبه لمس ثوبها.
فرع: يكره أن يدع بقية طعام بين أسنانه وشم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوه وقاله في المستوعب وغيره.
"يجب عليه اجتناب الكذب" وهو الإخبار بما لا يطابق المخبر عنه بخلاف الصدق "والغيبة" وهو ذكر الإنسان بما يكره بهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رواه مسلم "والشتم" وهو السب وما في معنى ذلك من النميمة والفحش إجماعا وفي رمضان ومكان فاضل آكد لقوله عليه السلام "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري من حديث أبي هريرة ومعناه الزجر والتحذير. وظاهره: أنه لا يفطر بذلك.
قال أحمد: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم.
وذكره المؤلف إجماعا وذكر الشيخ تقي الدين وجها يفطر بغيبة ونميمة ونحوهما قال في الفروع فيتوجه منه احتمال يفطر بكل محرم.
وقال أنس إذا اغتاب الصائم أفطر.
وعن إبراهيم قال كانوا يقولون الكذب يفطر الصائم.
وعن الأوزاعي أن من شاتم فسد صومه لظاهر النهي.
وذكر بعض أصحابنا رواية يفطر بسماع الغيبة وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة ومراد المؤلف بالاجتناب عما يحرم من ذلك فإنهم نصوا على إباحة

(2/445)


فإن شتم استحب أن يقول إني صائم.
فصل:
ويستحب تعجيل الإفطار.
--------------------------------
الكذب لغرض صحيح شرعي في مواضع وعلى إباحة الغيبة كالتظلم والاستفتاء والاستعانة على تغيير منكر والتحذير والتعريف والجرح.
وبالجملة فينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري به لأنهم كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا ولا نعمل عملا يجرح به صومه قاله أحمد.
ويسن له تلاوة القرآن وكان مالك يترك أصحاب الحديث في شهر رمضان ويقبل على تلاوة القرآن.
وكان الشافعي يقرأ ستين ختمة.
والذكر قال إبراهيم تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة فيما سواه والصدقة للأخبار الواردة فيها.
"فإن شتم استحب أن يقول إني صائم" لما في الصحيح "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وظاهره: أنه يجهر بذلك واختاره الشيخ تقي الدين لأن القول المطلق باللسان وفي الرعاية يقوله مع نفسه ولا يطلع الناس عليه للرياء واختاره المجد إن كان في غير رمضان وإلا جهر به للأمن من الرياء وفيه زجر عن مشاتمته لأجل حرمة الوقت.
فصل:
"ويستحب تعجيل الإفطار" لما روى سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(2/446)


وتأخير السحور.
--------------------------------
"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه والمراد إذا تحقق غروب الشمس إجماعا والمذهب أن له الفطر بغلبة الظن لأنهم أفطروا في عهده عليه السلام ثم طلعت الشمس. ولأن ما عليه أمارة يدخله الاجتهاد ويقبل فيه قول واحد كالقبلة خلافا لصاحب التلخيص فلم يجوزه إلا باليقين بخلاف أوله وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر حكما وإن لم يطعم وفي الخبر ما يدل على أنه يفطر شرعا فلا يثاب على الوصال ويحتمل أنه يجوز له الفطر وهو قبل الصلاة أفضل لفعله عليه السلام.
"وتأخير السحور" ما لم يخش طلوع الفجر الثاني قاله الأصحاب لأخبار منها:.
ما روى زيد بن ثابت قال تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان بينهما قال قدر خمسين آية متفق عليه.
ولأنه أقوى على الصوم والتحفظ من الخطأ والخروج من الخلاف وظاهره أنه يستحب ولو شك في الفجر ونقله أبو داوود عن الإمام أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه وجزم به ابن الجوزي يؤيده ما قال الآجري لو قال لعالمين ارقبا الفجر فقال أحدهما طلع وقال الآخر لا أكل حتى يتفقا وقاله جمع من الصحابة وغيرهم.
وتحصل الفضيلة بأكل أو شرب لحديث أبي سعيد "ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء" رواه أحمد وفيه ضعف وكمال فضيلته بالأكل لقوله عليه السلام "بيننا وبينهم أكلة السحر" رواه مسلم من حديث عمرو بن العاص.
وظاهر ما سبق: أنه لا يجب إمساك جزء من الليل من أوله وآخره وهو ظاهر كلام جماعة وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين وقطع آخرون بوجوبه لأنه

(2/447)


وأن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء وأن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم.
---------------------------------
مما لا يتم الواجب إلا به.
ولا يستحب تأخير الجماع وفاقا لأنه لا يتقوى به بل يكره مع الشك بخلاف الأكل والشرب نص على ذلك.
فائد: السحور بفتح السين ما يؤكل في السحر وبالضم اسم الفعل على الأشهر وقيل بالفتح والمراد في كلامه الفعل فيكون بالضم على الأصح.
"و" يستحب "أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء" لما روى سلمان بن عامر مرفوعا "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور" رواه أبو داوود والترمذي.
والمذهب أنه يقدم عليهما الرطب لحديث أنس المرفوع رواه الترمذي وقال حسن غريب واعتذر عنه ابن المنجا فقال إن الرطب لا يوجد في بلاد الشام.
وفي الوجيز أنه مخير بينها من غير تقديم لبعضها على بعض.
"وأن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم" اقتصر عليه جماعة رواه الدار قطني من حديث أنس وابن عباس وفيهما تقبل منا وذكره أبو الخطاب وهو أولى.
وذكر بعضهم قول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داوود والدار قطني وحسن إسناده والحاكم وقال على شرط البخاري والعمل بهذا الخبر أولى ويدعو بما أحب لما روى أبو هريرة "ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل ,

(2/448)


ويستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب
--------------------------
والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم" رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه.
وله من حديث عبد الله بن عمر "وللصائم عند فطره دعوة ما ترد" .
"ويستحب التتابع في قضاء رمضان" وفاقا لأن القضاء يحكي الأداء وفيه خروج من الخلاف وأنجز لبراءة الذمة وظاهره لا فرق بين أن يكون أفطر بسبب محرم أو لا ويجب العزم على الفعل في قول الجمهور وفي الفروع يتوجه الخلاف كالصلاة.
"ولا يجب" في قول الأكثر قال البخاري قال ابن عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
وعن ابن عمر مرفوعا "قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع" رواه الدار قطني وقال لم يسنده غير سفيان بن بشر قال المجد لا نعلم أحدا طعن فيه والزيادة من الثقة مقبولة ولأنه لا يتعلق بزمان معين فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق.
ويستثنى منه ما إذا لم يبق من شعبان إلا بقدره فيتعين ويقضي من فاته رمضان تاما أو ناقصا لعذر أو غيره عدد أيامه مطلقا في اختيار الأكثر كأعداد الصلوات.
وقال القاضي إن قضى شهرا هلاليا أجزأه مطلقا وإلا تمم ثلاثين يوما وهو ظاهر كلام أحمد ورده في المغني بأن القضاء يجب أن يكون بعدة ما فاته كالمريض والمسافر فعلى الأول من صام من أول شهر كامل أومن أثناء شهر تسعة وعشرين يوما وكان رمضان الفائت ناقصا أجزأه اعتبارا بعدد الأيام وعلى الثاني يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال أو العدد ثلاثين.

(2/449)


فصل:
ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر لغير عذر فإن فعل فعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم وإن أخره لعذر فلا شيء عليه.
------------------------------
فصل:
"ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر لغير عذر" نص عليه واحتج بقول عائشة كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وكما لا يؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية فلا يجوز التطوع قبله ولا يصح وعنه بلى إن اتسع الوقت.
"فإن فعل" أي أخره بلا عذر حرم عليه لأن مقتضاه وجوب القضاء على الفور كالصلاة خولف في المعذور فيبقى ما عداه على الأصل.
وحينئذ "فعليه القضاء وإطعام مسكين" ما يجزئ في الكفارة "لكل يوم" رواه سعيد بإسناد جيد عن ابن عباس والدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة ورواه مرفوعا بإسناد ضعيف قال في الفروع ويتوجه احتمال لا يلزمه إطعام لظاهر قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} وكتأخير أداء رمضان عن وقته عمدا.
وذكر الطحاوي عن ابن عمر بإسناد فيه ضعف أنه يطعم بلا قضاء
وعلى الأول يجوز قبل القضاء ومعه وبعده لقول ابن عباس وقال المجد الأفضل عندنا تقديمه مسارعة إلى الخير وتخلصا من آفات التأخير وإذا تكرر رمضان لا يلزمه أكثر من فدية واحدة لأن كثرة التأخير لا يزاد بها الواجب كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله.
"وإن أخره" أي القضاء "لعذر" من مرض أو سفر أو عجز عنه "فلا شيء عليه" نص عليه وهو فول أكثر العلماء لأنه حق لله تعالى وجب

(2/450)


وإن مات وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين.
------------------------------
بالشرع فسقط بموت من يجب عليه قبل إمكان فعله إلى غير بدل كالحج.
وفي التلخيص رواية يطعم عنه كالشيخ الكبير وقاله طاووس وقتادة.
والفرق أنه يجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت وقال في الانتصار يحتمل أن يجب الصوم عنه أو التكفير كمن نذر صوما.
"وإن مات" أبي إذا أخر القضاء لعذر ثم مات كمن أخر القضاء لعذر وهو حي أنه لا يجب عليه شيء لكن الميت يسقط عنه القضاء والكفارة والحي تسقط عنه الكفارة دون القضاء لإمكانه.
فلو دام عذره بين الرمضانين فلم يقض ثم زال صام الشهر الذي أدركه ثم قضى ما فاته من غير إطعام نص عليه.
"وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين" قاله أكثرهم رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعا بإسناد ضعيف والصحيح وقفه عليه.
وسئلت عائشة عن القضاء فقالت لا بل يطعم رواه سعيد بإسناد جيد ولأنه لا يدخله النيابة في الحياة فكذا بعد الموت كالصلاة.
"وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر" فأكثر "فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين" أحدهما: وهو المذهب نص عليه في رواية أبي داوود وجزم به في الوجيز أنه يطعم عنه بكل يوم مسكين لأنه بإخراج كفارة واحدة زال تفريطه بالتأخير أشبه ما لو مات من غير تفريط.
والثاني - وهو لأبي الخطاب- يطعم عنه لكل يوم فقيران لاجتماع التأخير والموت بعد التفريط.

(2/451)


ومن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور فعله عنه وليه.
-----------------------------
تنبيه: الإطعام من رأس المال أوصى به أولا وفي القضاء عن كل يوم يوم.
وقال الشيخ تقي الدين لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة وليس في الأدلة ما يخالفه وفيه نظر.
وإذا مات وعليه صوم شهر كفارة أطعم عنه وكذا لو مات وعليه صوم المتعة نص عليه لأن هذا الصوم وجب بأصل الشرع كقضاء رمضان فلو صام عن كفارة ميت لم يجزئه وإن أوصى به نص عليه.
وإن كان موته بعد قدرته عليه وقلنا الاعتبار بحالة الوجوب أطعم عنه ثلاثة مساكين لكل يوم مسكين ذكره القاضي.
"ومن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور" هو راجع إلى الكل ولو قال بنذر ك الوجيز لكان أظهر "فعله عنه وليه" وفيه أمور:.
الأولى: صوم النذر عن الميت هو كقضاء رمضان لما في الصحيحين أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال "نعم"
ولأن النيابة تدخل في العبادة بحسب خفتها وهو أخف حكما من الواجب بأصل الشرع لإيجابه من نفسه.
ويفعله الولي نص عليه وعليه الأصحاب فإن صام غيره جاز مطلقا جزم به الأكثر لأنه تبرع وقد شبهه عليه السلام بالدين وظاهر نصه في رواية حرب أنه لا يصح إلا بإذنه لأنه خلاف القياس فيقتصر على النص.
وإن صام عنه جماعة في يوم فنقل أبو طالب يصوم واحد فمنع الاشتراك كالحجة المنذورة وعن الحسن وطاووس جوازه وهو أظهر وكما لو أوصى بثلاث حجج جاز صرفها إلى ثلاثة في عام يحجون عنه وجزم ابن عقيل بمنعه لأن

(2/452)


----------------------------
نائبه مثله وظاهر كلامهم أنه يستحب للولي فعله لتفريغ ذمته.
وليس بواجب كالدين لا يلزمه إذا لم يخلف تركة ويفعله أقرب الناس إليه كابنه فإن خلف تركة فإن شاء صام وإن شاء دفع إلى من يصوم عنه عن كل يوم مسكينا.
وذكر المؤلف أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت بخلاف رمضان ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام وهذا كله فيمن أمكنه صوم نذره فلم يصمه فلو أمكنه صوم بعضه قضى عنه ما أمكنه صومه فقط ذكره القاضي وغيره لأن رمضان يعتبر فيه إمكان الأداء والنذر يحمل على أصله في الفرض.
الثانية: إذا مات وعليه حج منذور فعل عنه نص عليه لما روى ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال "نعم حجي عنها" رواه البخاري ولأنه منذور فكان للولي فعله كالصوم.
وعليه: لا يعتبر تمكنه منه قبل موته لظاهر الخبر وكنذر الصدقة والعتق وقيل يعتبر كحجة الإسلام وهل لغيره فعله بإذنه أو مطلقا على الخلاف.
فرع: العمرة في ذلك كالحج.
الثالثة: إذا مات وعليه اعتكاف منذور فعل عنه نقله الجماعة لقول سعد ابن عبادة إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اقضه عنها" رواه أبو داوود وغيره بإسناد صحيح من حديث ابن عباس ومعناه متفق عليه وروي عن عائشة وابن عمر وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة وكالصوم.
وقيل: لا تصح فيهما ذكره في الرعاية فيخرج عنه كفارة يمين ويحتمل أن يطعم عنه لكل يوم مسكين ولو لم يوص به ولا يكون من ثلثه.

(2/453)


وإن مات وعليه صلاة منذورة فعلى روايتين.
-------------------------------
وعلى الأول إن لم يمكنه فعله حتى مات فالخلاف كالصوم قيل يقضي وقيل لا.
"وإن مات وعليه صلاة منذورة فعلى روايتين" كذا في المحرر و المستوعب إحداهما: ونقلها الجماعة وصححها ابن المنجا وقدمها في الفروع أنها لا تفعل عنه لأنها عبادة بدنية محضة لا يخلفها مال ولا تجب بإفساده.
والثانية: نقلها حرب واختارها الأكثر وصححها القاضي وجزم بها في الوجيز أنها تفعل عنه كالصوم وعلى هذا تصح وصيته بها وحيث جاز فعل الصوم فلا كفارة مع فعله لظاهر النصوص وإلا أخرج عنه كفارة يمين لترك النذر
قال المجد إن كان قد فرط وإلا ففيها الروايتان فيمن نذر صوم شهر بعينه فلم يصمه لأن فوات أيام الحياة فيما إذا أطلق كفوات الوقت المعين إذا عين فلو نذر الطواف فقال في الفروع ظاهر كلامهم أنه كالصلاة وظاهره أن صلاة الفرض لا تفعل وذكره القاضي عياض إجماعا أنه لا يصلى عنه فائتة.

(2/454)


باب صوم التطوع
وأفضله صيام داوود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما.
-------------------------------
باب صوم التطوع
وفيه فضل عظيم وفي الحديث الصحيح "كل من عمل ابن ادم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فيقول الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وهذه الإضافة للتشريف والتعظيم.
"وأفضله صيام داوود كان يصوم يوما ويفطر يوما" لأمره عليه السلام

(2/454)


ويستحب صيام أيام البيض وصوم الاثنين والخميس ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر.
----------------------------
عبد الله بن عمرو قال "هو أفضل الصيام" قال فإني أطيق أفضل من ذلك فقال "لا أفضل من ذلك" متفق عليه وشرطه أن لا يضعف البدن حتى يعجز عما هو أفضل من القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده اللازمة فإن أضعف عن شيء من ذلك كان تركه أفضل ولهذا أشار الصادق في حق داوود عليهما السلام "ولا يفر إذا لاقى" فمن حق النفس اللطف بها حتى توصل صاحبها إلى المنزل.
"ويستحب صيام" ثلاثة أيام من كل شهر بغير خلاف نعلمه والأفضل أن يجعلها "أيام البيض" نص عليه لما روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" رواه الترمذي وحسنه سميت بيضا لابيضاض ليلها كله بالقمر وقيل لأن الله تعالى تاب على آدم وبيض فيها صحيفته وحكى الماوردي الثاني عشر بدل الخامس عشر.
وقيل: هي أول الشهر وعاشره و عشرونه ولم يتعرض أصحابنا باستحباب السود وهي الثامن والعشرون وتالياه وصرح الماوردي باستحبابه.
"وصوم الاثنين والخميس" نص عليه لما روى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "هما يومان تعرض الأعمال فيهما على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" رواه أحمد والنسائي وسميا به لأن الأول ثاني الأسبوع والآخر خامسه.
"ومن صام رمضان واتبعه بست من شوال" كذا في النسخ بغير تاء والمراد الأيام لأن العرب تغلب في التاريخ الليالي على الأيام كان "كصيام الدهر" كذا أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعا من رواية سعد بن سعيد ضعفه أحمد وقواه آخرون.

(2/455)


وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة
--------------------------
وقال ابن عيينة وإليه مال أحمد إنه موقوف ورواه أحمد من حديث جابر مرفوعا وكذا من حديث ثوبان وفيه "ستة أيام بعد الفطر" ولا شك أن الفضل حصل به بخلاف يوم الشك لا يقال لا دلالة في الخبر على فضيلتها لكونه شبه صيامها بصيام الدهر وهو مكروه لأنه إنما كره صومه لما فيه من الضعف والتشبه بالتبتل ولولا ذلك لكان من أعظم الطاعات لاستغراقه الزمن بالعبادة.
والمراد بالخبر التشبيه في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه كما في أيام البيض وتحصل فضيلتها بالتتابع والتفرق عند أحمد وظاهر الخرقي وغيره استحباب تتابعهما وبعضهم استحبها عقب العيد واستحبها جماعة وهو أظهر قال في الفروع ولعله مراد أحمد والأصحاب لما فيه من المسارعة إلى الخير.
وروى الطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعا "من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة" وفي الفروع احتمال أن الفضيلة تحصل بصومها في غير شوال وذكره القرطبي قال لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم فيه لاعتياده وفيه نظر.
وظاهره: أنه لا يستحب صيامها إلا لمن صام رمضان وقاله أحمد والأصحاب لكن ذكر في الفروع أن فضيلتها تحصل لمن صامها وقضاء رمضان وقد أفطر لعذر ولعله مراد الأصحاب وفيه شيء.
"وصيام يوم عاشوراء" بالمد في الأشهر وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية قاله ابن دريد وهو اليوم العاشر من المحرم في قول أكثر العلماء ورواه الترمذي مرفوعا وصححه وقال ابن عباس هو التاسع.
"كفارة سنة" ماضية للخبر ويستحب معه صوم التاسع لما روى الخلال بإسناد جيد عن ابن عباس مرفوعا "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع

(2/456)


ويوم عرفة كفارة سنتين ولا يستحب لمن كان بعرفة.
---------------------------
والعاشر" واحتج به أحمد وقال إن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ليتيقن صومهما. وظاهره: أنه لا يكره إفراد العاشر بالصوم وهو المذهب وقال الشيخ تقي الدين مقتضى كلام أحمد الكراهة وهي قول ابن عباس ولم يجب صومه في وقول أصحابنا وعنه وجب ثم نسخ اختاره الشيخ تقي الدين ومال إليه المؤلف وقاله الأصوليون.
فائد: ينبغي فيه التوسعة على العيال سأل ابن منصور أحمد عنه قال نعم رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر وكان من أفضل زمانه أنه بلغه أن من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال ابن عيينة قد جربنا منذ خمسين سنة أو ستين فما رأينا إلا خيرا.
"ويوم عرفة" وهو التاسع من ذي الحجة سمي به للوقوف بعرفة وتعارفهم فيها وقيل لأن جبريل عرف إبراهيم الحج وقيل للرؤيا التي رآها وقيل لتعارف آدم وحواء بها.
"كفارة سنتين" لما روى أبو قتادة مرفوعا قال "صيام عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" وقال في صيام عاشوراء "إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم ولعل مضاعفة التكفير على عاشوراء لأن نبينا عليه السلام أعطيه.
والمراد به تكفير الصغائر حكاه في شرح مسلم عن العلماء فإن لم يكن له صغائر رجي التخفيف من الكبائر فإن لم يكن رفعت له درجات.
"ولا يستحب" صومه "لمن كان بعرفة" لما روت أم الفضل أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه متفق عليه وأخبر ابن عمر

(2/457)


ويستحب صوم عشر ذي الحجة
وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ويكره إفراد رجب بالصوم.
-----------------------------
أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان فلم يصمه أحد منهم ولأنه يضعف عن الدعاء فكان تركه أفضل.
وقيل: لأنهم أضياف الله وزواره وكرهه جماعة للنهي عنه في حديث أبي هريرة رواه أحمد وابن ماجه واختار الآجري أنه يستحب إلا أن يضعفه عن الدعاء وحكاه الخطابي عن إمامنا نحوه.
قال المجد: وهذا المتمتع والقارن إذا عدما الهدي وسيأتي.
"ويستحب صوم عشر ذي الحجة" لما روى ابن عباس مرفوعا قال "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه" لأيام العشرة قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري والمراد به تسعة وإطلاق العشر عليها تغليبا وآكده التاسع ثم الثامن ووهم بعضهم فعكس وظاهر المحرر أنهما سواء.
"وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأضافه إلى الله تعالى تفخيما وتعظيما ك {نَاقَة اللَّه} ولم يكثر عليه السلام الصوم فيه إما لعذر أو لم يعلم فضله إلا أخيرا.
والمراد أفضل شهر تطوع به كاملا بعد رمضان شهر الله المحرم لأن بعض التطوع قد يكون أفضل من أيامه كعرفة وعشر ذي الحجة فالتطوع المطلق أفضله المحرم كما أن أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل وآكده عاشوراء ثم تاسوعاء ثم العشر الأول وهو أفضل الأشهر قاله الحسن ورجحه بعض الفقهاء.
"ويكره إفراد رجب بالصوم" لما روى ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامه وفيه داوود بن عطاء وقد ضعفه أحمد وغيره ولأن فيه

(2/458)


وإفراد يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الشك
------------------------------
إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه ولهذا صح عن عمر أنه كان يضرب فيه ويقول كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية فلو أفطر منه أو صام معه غيره زالت الكراهة
وظاهره: أنه لا يكره إفراد شهر غيره اتفاقا لأنه عليه السلام كان يصوم شعبان ورمضان والمراد أحيانا ولم يداوم كاملا على غير رمضان فدل أنه لا يستحب صوم رجب وشعبان في قول الأكثر واستحبه في الإرشاد.
"وإفراد يوم الجمعة" نص عليه لحديث أبي هريرة "لا تصوموا يوم الجمعة وإلا وقبله يوم وبعده يوم" متفق عليه ولمسلم "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"
قال الداوودي لم يبلغ مالكا الحديث ويحمل ما روي من صومه والترغيب فيه على صومه مع غيره فلا تعارض.
"ويوم السبت" ذكره أصحابنا لحديث عبد الله ابن بشر عن أخته الصماء "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" رواه أحمد حدثنا أبو عاصم حدثنا ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله فذكره وإسناده جيد والحاكم وقال على شرط البخاري ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم.
واختار الشيخ تقي الدين وهو ظاهر كلام الآجري أنه لا يكره وهو قول أكثر العلماء وحملوا الحديث على الشذوذ أو أنه منسوخ.
"ويوم الشك" لقول عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه أبو داوود و الترمذي وصححه وهو للبخاري تعليقا وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يكن في السماء علة ولم يتراء الناس الهلال
وقال القاضي و الأكثر أو شهد به من ردت شهادته قال أو كان في

(2/459)


ويوم النيروز والمهرجان إلا أن يوافق عادة ولا يجوز صوم يومي العيدين عن فرض ولا تطوع
---------------------
السماء علة وقلنا لا يجب صومه وقيل يحرم صومه ولا يصح اختاره ابن البنا وأبو الخطاب والمجد وغيرهم للنهي وحكى الخطابي عن أحمد لا يكره حملا للنهي على صومه من رمضان ولا يكره مع عادة أوصلته بما قبل النصف وفاقا وبعده الخلاف السابق.
ولا عن واجب لجواز النفل المعتاد فيه همام كغيره وعنه يكره صومه قضاء جزم به جماعة فيتوجه طرده في كل واجب للشك في براءة الذمة.
"و"يكره "يوم النيروز والمهرجان" هما عيدان للكفار قال الزمخشري النيروز اليوم الرابع من شهر الربيع والمهرجان اليوم التاسع عشر من الخريف لما فيه من موافقة الكفار من تعظيمهما واختار المجد عدمها لأنهم لا يعظمونه بالصوم كالأحد وعلى الأول يكره صوم كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم ذكره الشيخان.
"إلا أن يوافق عادة" هو راجع إلى صوم يوم الجمعة لأن العادة لها أثر في ذلك لقوله عليه السلام "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه" متفق عليه.
مسألة: يكره الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين أو الأيام في قول أكثر العلماء إلا من النبي صلى الله عليه وسلم فمباح له ولا يكره إلى السحر نص عليه وتركه أولى.
"ولا يجوز صوم يومي العيدين" إجماعا للنهي المتفق عليه من حديث عمر وأبي هريرة "عن فرض ولا تطوع" لما ذكرنا لأنه ظاهر في التحريم وعنه يصح مع التحريم لأنه إنما نهى عنه لأنهم أضياف الله وقد دعاهم فالصوم ترك إجابة الداعي ومثله لا يمنع الصحة بخلاف النفل لأن الغرض به الثواب فنافته المعصية .

(2/460)


وإن قصد صيامهما كان عاصيا ولم يجزئه عن فرض ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا وفي وصومها عن فرض روايتان.
--------------------------
ولهذا لم يصح النفل في غصب وفي الواضح رواية يصح عن نذره المعين والأول أصح لما روى مسلم من حديث أبي سعيد "لا يصلح الصيام في يومين" .
"وإن قصد صيامهما كان عاصيا" لأنه تعمد فعل الحرام وظاهره أنه لا يعصي حيث فقد القصد لأنه لم يتعمد المخالفة فلم يوصف به "ولم يجزئه عن فرض" لأن النهي يقتضي الفساد وهو لا يجامع إلا الإجزاء وحكم التطوع كذلك.
"ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا" لما روى مسلم عن نبيشة الهذلي مرفوعا "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" ولأحمد النهي عن صومها من حديث أبي هريرة وسعد بإسنادين ضعيفين.
ومن صامها أو رخص فيه فلم يبلغه النهي قال المجد أو تأوله على إفرادها كيوم الشك. "وفي وصومها عن فرض روايتان" إحداهما لا يصح اختارها الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وجزم بها في الوجيز للعموم.
والثانية: يصح قدمها في المحرر لقول ابن عمر وعائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري والباقي في معناه فيلحق به.
وأجاب القاضي: بأنه خاص مختلف فيه والأول عام متفق عليه فيقدم على المختلف فيه وعنه يجوز صومها عن دم المتعة خاصة ذكرها الترمذي وهو ظاهر كلام ابن عقيل والعمدة واختاره المجد.
تنبيه: لا يجوز ولا يصح نفل الصوم ممن عليه فرضه لما روى أحمد من

(2/461)


ومن دخل في صوم أو صلاة تطوعا استحب له إتمامه ولم يجب وإن أفسده فلا قضاء عليه.
-----------------------------
رواية ابن لهيعة من حديث أبي هريرة "من صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يصمه لم يتقبل منه حتى يصومه" ولأنه عبادة جاز تأخيرها تخفيفا فإذا لم يؤده لزمه الأصل وكالحج. وعنه: يجوز للعموم وكذا يخرج في التطوع بالصلاة ممن عليه القضاء اختار جماعة منهم الشيخان أنه لا يصح لوجوبها على الفور والمذهب أنه يبدأ بفرض الصوم قبل نذر لا يخاف فوته.
وعنه: بالنذر ويحمل على أنه كان معينا بوقت يخاف فوته فعلى الأول لا يكره قضاء رمضان في عشر ذي الحجة بل يستحب إذا لم يكن قضاه قبله وعلى الجواز يكره في رواية روي عن علي ولا يصح لينال فضيلتهما ولا يكره في أخرى روي عن عمر للآية وكعشر المحرم.
"ومن دخل في صوم أو صلاة تطوعا استحب له إتمامه" لأن به تكمل العبادة وذلك مطلوب "ولم يجب" لقول عائشة يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال "أرينيه فلقد أصبحت صائما" فأكل رواه مسلم والخمسة وزاد النسائي بإسناد جيد "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" ولقوله عليه السلام "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر" رواه أحمد وصححه من حديث أم هانيء وضعفه البخاري.
وغيره من التطوعات كهو وكالوضوء "وإن أفسده فلا قضاء عليه" لأن القضاء يتبع المقضي عنه فإذا لم يكن واجبا لم يكن قضاء واجبا بل يستحب
وقوله "تطوعا" يحترز به عما إذا دخل في واجب كقضاء رمضان والمكتوبة في أول وقتها وكنذر معين أو مطلق أو كفارة.
إن قلنا: يجوز تأخيرهما فإنه يحرم خروجه منه بلا عذر ولأن الخروج من

(2/462)


-------------------------------
عهدة الواجب متعين ودخلت التوسعة في وقته رفقا ومظنة للحاجة فإذا شرع تعينت المصلحة في إتمامها
وعنه يجب إتمام الصوم فإن أفسده وجب القضاء ذكره ابن البنا والمؤلف في الكافي لقوله تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولقوله عليه السلام لعائشة وحفصة وقد أفطرتا "لا عليكما صوما يوما مكانه" رواه أبو داوود وكالحج.
وأجيب بأنهم ضعفوه ثم هو للاستحباب لقوله "لا عليكما" وبأن نفل الحج كفرضه في الكفارة وتقرير المهر بالخلوة معه بخلاف الصوم.
ونقل حنبل إن أوجبه على نفسه فأفطر بلا عذر أعاد قال القاضي أي نذره وخالفه ابن عقيل وعلى المذهب لا يكره خروجه منه لعذر وإلا كره في الأصح.
وهل يفطر لضيفه يتوجه كصائم دعي.
وعنه: تلزم الصلاة بخلاف الصوم ومال إليه أبو إسحاق الجوزجاني لأنها ذات إحرام وإحلال كالحج وإذا شرع فيها قائما لم يلزمه إتمامها قائما بغير خلاف في المذهب واقتصر المؤلف على ذكرهما كأكثر الأصحاب.
وقيل الاعتكاف كالصوم على الخلاف يعني إذا دخل فيه وقد نواه مدة لزمته ويقضيها ذكره ابن عبد البر إجماعا لا بالنية وإن لم يدخل خلافا لبعض العلماء.
وفي الكافي سائر التطوعات من الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم وذكر القاضي أن الطواف كالصلاة إلا ما خصه الدليل قال عبد الرزاق رأيت سفيان إذا كثر عليه أصحاب الحديث تركهم ودخل في الطواف فطاف شوطا أو شوطين ثم يخرج ويدعهم علم منه أنه لا يلزم الصدقة والقراءة والأذكار بالشروع وفاقا وأما الحج والعمرة فيلزم إتمامهما ,

(2/463)


وتطلب ليلة القدر
------------------------------
لانعقاد الإحرام لازما فإن أفسدهما أو فسدا لزمه القضاء
وعنه لا يلزم القضاء حكاها في الهداية والانتصار وقال المجد لا أحسبها إلا سهوا.
فرع: إذا قطع الصوم ونحوه فهل انعقد الجزء المؤدى وحصل به قربة أم لا وعلى الأول هل يبطل حكما أو لا يبطل اختلف كلام أبي الخطاب وقطع جماعة ببطلانه وعدم الصحة وفي كلام الشيخ تقي الدين أن الإبطال في الآية هو بطلان الثواب قال ولا نسلم بطلان جميعه بل قد يثاب على ما فعله فلا يكون مبطلا لعمله.
"وتطلب ليلة القدر" لشرفها وعظمها وبركتها وسورتها مكية نقله الماوردي عن الأكثرين وقيل مدنية نقله الثعالبي عن الأكثرين وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة.
قال المفسرون في قوله تعالى {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" زاد أحمد "وما تأخر" وسميت به لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وما روى عن عكرمة أنها ليلة النصف من شعبان ضعيف وقال ابن عباس يقضي الله الأقضية ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر وقيل سميت به لعظم قدرها عند الله وقيل لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها.
وقيل لأن للطاعات فيها قدرا عظيما وهي أفضل الليالي ذكرها الخطابي إجماعا وذكر ابن عقيل رواية أن ليلة الجمعة أفضل لأنها تكرر وبأنها تابعة لما هو أفضل واختاره جماعة وقال الحسن التميمي ليلة القدر التي أنزل فيها

(2/464)


في العشر الأخير من رمضان وليالي الوتر آكدها وأرجاها ليلة سبع وعشرين
------------------------------------
القران أفضل من ليلة الجمعة فأما أمثالها من ليالي القدر فليلة الجمعة أفضل
وظاهره: أنها باقية وأنها لم ترفع للأخبار في طلبها وقيامها خلافا لبعضهم في رفعها.
"في العشر الأخير من رمضان" عند أحمد وأكثر العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه من حديث عائشة وفي المغني والكافي تطلب في جميع رمضان.
وقال ابن مسعود هي في كل السنة.
"وليالي الوتر آكدها" لقوله عليه الصلاة السلام "اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين" .
وروى سالم عن أبيه مرفوعا "أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها" متفق عليه واختار المجد كل العشر سواء وللعلماء فيها أقوال كثيرة والمذهب أنها لا تختص بل ليالي الوتر أبلغ من ليالي الشفع. وقال الشيخ تقي الدين الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى وثلاث إلى أخره ويكون باعتبار الباقي فإذا كان تاما كان ذلك ليالي الإشفاع فليلة الثانية تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى وإن كان ناقصا كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي.
"وأرجأها ليلة سبع وعشرين" نص عليه وهو قول أبي بن كعب وكان يحلف على ذلك ولا يستثني وابن عباس وزر بن حبيش.
قال أبي بن كعب والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان وأنها ليلة سبع وعشرين ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا رواه الترمذي وصححه.

(2/465)


ويدعو فيها بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو قال "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
----------------------------------
وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة القدر ليلة سبع وعشرين" رواه أبو داود ويرجحه قول ابن عباس سورة القدر ثلاثون كلمة السابعة والعشرون منها هي.
وقد استنبط بعض المتأخرين بأن الله تعالى كرر ليلة القدر في سورتها ثلاث مرات وحروفها تسع والناشيء من ضرب أحدهما في الآخر سبع وعشرون.
وحكي عن مالك والشافعي وأحمد أنها تنتقل في العشر الأخير وظاهر ما نقله حنبل أنها ليلة متعينة فعلى هذا لو قال أنت طالق ليلة القدر قبل مضي ليلة العشر وقع في الليلة الأخيرة ومع مضي ليلة منه تقع في السنة الثانية ليلة قوله فيها.
وحكم العتق واليمين كالطلاق ذكره المجد تخريجا.
ومن نذر قيام ليلة القدر قام العشر ونذره في أثنائه كطلاق ذكره القاضي.
فائد: الحكمة في إخفائها ليجتهدوا في طلبها ويجدوا في العبادة طمعا في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة واسمه الأعظم من أسمائه ورضاه في الحسنات إلى غير ذلك "ويدعو فيها" فإن الدعاء مستجاب فيها قاله في المستوعب وغيره "بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله إن وافقتها فيم أدعو قال "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي معناه وصححه.
ومعنى العفو الترك ويكون بمعنى الستر والتغطية فمعنى اللهم إنك عفو

(2/466)


--------------------------------
تحب العفو فاعف عني أي اترك مؤاخذتي بجرمي واستر على ذنبي وأذهب عني عذابك واصرف عني عقابك.
وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا "سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة" فالشر الماضي يزول بالعفو والحاضر بالعافية والمستقبل بالمعافاة لتضمنها دوام العافية.
تم بحمد الله تعالى الجزء الثاني من المبدع ويليه الجزء الثالث.
وأوله
كتاب الاعتكاف

(2/467)