المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب العارية
كتاب العارية
...
كتاب العارية
وهي هبة منفعة تجوز في كل المنافع
__________
كتاب العارية
هي بتخفيف الياء وتشديدها وأصلها من عار إذا
ذهب وجاء ومنه قيل للعيار بطال لتردده في
بطالته والعرب تقول أعاره وعاره كأطاعه وطاعه
قال الأصحاب تبعا للجوهري هي مشتقة من العار
وفيه شيء لأن الشارع عليه السلام فعلها وأصل
المادة فيما قيل العري الذي هو التجرد تسمى
عارية لتجردها عن العوض كما تسمى النخلة
الموهوبة عرية لتعريها عن العوض وقيل هو من
التعاور أي التناوب لجعله للغير نوبة في
الانتفاع وهي مستحبة إجماعا وسنده قوله تعالى:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}
[المائدة: من الآية2] وقوله تعالى:
{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:7] قال
ابن عباس وابن مسعود هي العواري وقوله عليه
السلام: "العارية مؤادة" والمعنى شاهد بذلك
فهي كهبة الأعيان وقيل تجب مع غنى ربه اختاره
الشيخ تقي الدين وقال بعضهم كانت واجبة في أول
الإسلام ثم نسخ.
"وهي هبة منفعة" أي: مع بقاء ملك الرقبة ذكره
في الوجيز وغيره ويرد عليه الوصية بالمنفعة
وفي المغني والشرح إباحة الانتفاع بعين من
أعيان المال والأولى إياحة الانتفاع بما يحل
الانتفاع به مع بقاء عينه ليردها على مالكها
ويشترط كون المعير أهلا للتبرع شرعا وأهلية
مستعير للتبرع له وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل
عليها "تجوز في كل المنافع" المباحة كالدور
والعبيد والدواب والثياب ونحوها لأن النبي صلى
الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرسا ومن
صفوان أدراعا وسئل عن حق الإبل فقال: "إعارة
ذلولها وإطراق فحلها" فثبت ذلك في المنصوص
عليه والباقي قياسا وتدخل فيه إعارة النقدين
للوزن فإن استعارهما للنفقة فقرض ذكره في
المغني والشرح وقيل لا يجوز ونقل
(5/72)
إلا منافع
البضع ولا يجوز إعارة العبد المسلم لكافر
ويكره إعارة الأمة الشابة لرجل غيرمحرمها
واستعارة والديه للخدمة وللمعير الرجوع متى
شاء
__________
صالح منحة لبن هو العارية ومنحه ينوي هو
القرض.
"إلا منافع البضع" لأن الوطء لا يجوز إلا في
نكاح أو ملك يمين وكلاهما منتف فلم يجز
إجماعا.
"ولا تجوز إعارة العبد المسلم لكافر" لأنه
لايجوز له استخدامه فكذا إعارته وقيل هو
كإجارته وقيل بالكراهة وما حرم استعماله لمحرم
وقيل كلبا لصيد وفحلا لضراب
فرع: تجب إعارة مصحف لمن احتاج إلى القراءة
فيه ولم يجد غيره ذكره القاضي وغيره. "وتكره
إعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها" لأنه لا
يؤمن عليها وقيل يحرم وصوبه بعضهم لا سيما
لشاب خصوصا الأعزب ولا بأس بشوهاء وكبيرة لأنه
لا يشتهي مثلها وظاهره أنه لا تكره إعارتها
لامرأة ولا ذي محرم لأنه مأمون عليها.
"و" تكره "استعارة والديه" إذا كانا رقيقين أو
أحدهما "للخدمة" لأنه يكره استخدامهما فكذا
استعارتهما لذلك وعلم منه أنه لا يكره استعارة
ولده لها كأم ولده.
"وللمعير الرجوع متى شاء" لأن المنافع
المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة
وسواء كانت مطلقة أو مؤقتة قبل الانتفاع أو
بعده وعنه إن عين مدة تعينت.
وعنه: ومع الإطلاق لا يرجع قبل إنتفاعه ولزمه
تركها مدة ينتفع بها في مثلها قال القاضي
القبض شرط في لزومها وقال يحصل بها الملك مع
عدم قبضها
(5/73)
ما لم يأذن في
شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه مثل أن
يعيره سفينة لحمل متاعه فليس له الرجوع ما
دامت في لجة البحر وإن أعاره أرضا للدفن لم
يرض حتى يبلى الميت وإن أعاره حائطا ليضع عليه
أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه وان سقط عنه
لهدم أو غيره لم يملك رده وإن أعاره أرضا
للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما
يحصد قصيلا فيحصده
__________
وأما المستعير فيجوز له الرد بغير خلاف نعلمه
"ما لم يأذن في شغله" بفتح أوله وسكون ثانيه
مصدر شغل يشغل وفيهما أربع لغات "بشيء يستضر
المستعير برجوعه فيه مثل أن يعيره سفينة"
فعيلة من السفن "لحمل متاعه" أو لوحا يرقع به
سفينة فرقعها ولجج في البحر "فليس له الرجوع
ما دامت في لجة البحر" لما فيه من الضرر.
وظاهره أنها إذا رست جاز الرجوع لانتفاء
الضرر.
"وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى
الميت" لما فيه من هتك حرمته وقال ابن البنا
لا يرجع حتى يصير رميما وقال ابن الجوزي يخرج
عظامه ويأخذ أرضه ولا أجرة لها واقتضى ذلك أنه
يرجع فيها قبل الدفن.
"وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه" جاز
كالأرض للغرس "لم يرجع ما دام عليه" لأن هذا
يراد للبقاء ولما فيه من الضرر على المستعير
فإن قال أنا أدفع إليك ما نقص بالقلع لم يلزم
المستعير ذلك وفيه احتمال "فإن سقط عنه لهدم
أو غيره لم يملك رده" لأن الإذن تناول الحائط
فلا يتعدى إلى غيره وقال القاضي والمؤلف له
إعارته وصححه الحارثي قال وهو اللائق بالمذهب
لأن السبب مستمر فكان الاستحقاق مستمرا وعلى
الأول سواء بنى الحائط بآلته أو غيرها أو زالت
الخشب بانهدام أو باختيار المستعير فإن أذن في
إعادته أو عند الضرورة إن لم يتضرر الحائط
جاز.
"وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد"
لما فيه من الضرر فإن بذل له المعير قيمة
الزرع ليملكه لم يكن له ذلك نص عليه لأن له
وقتا ينتهي إليه "إلا أن يكون مما يحصد قصيلا
فيحصد" لعدم الضرر فيه ولا أجرة عليه اختاره
المجد
(5/74)
وإن أعارها
للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت أو
عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ولا يلزمه تسوية
الأرض إلا بشرط وإن لم يشترط عليه القلع لم
يلزمه إلا أن يضمن له المعيرالنقص فإن قلع
فعليه تسوية الأرض وإن أبى القلع فللمعير أخذه
بقيمته فإن أبى ذلك بيعا لهما
__________
"وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع
في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع" مجانا
لقوله عليه السلام "المسلمون على شروطهم" ولأن
العارية مؤقتة غيرمطلقة فلم تتناول ما عدا
المقيد ولأن المستعير دخل فيها راضيا بالتزام
الضرر الداخل عليه بالقلع وظاهره ليس على صاحب
الأرض ضمان نقصه بغير خلاف نعلمه.
"ولا يلزمه تسوية الأرض" لرضاه بضرر القلع
"إلا بشرط" جزم به في الوجيز والمستوعب لما
ذكرنا وقيل يلزمه مطلقا.
"وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه" لما فيه من
ضرر "إلا أن يضمن له المعير النقص" فيلزمه
لأنه رجوع في العارية من غيرضرر وقال الحلواني
لا يلزمه "فإن قلع" المستعير وليس مشروطا عليه
"فعليه تسوية الأرض" لأن القلع باختياره
ولوامتنع منه لم يجبرعليه فلزمته التسوية
كالمشتري لما فيه شفعة إذا أخذ غرسه وقال
القاضي وجماعة لا يلزمه لأن المعير رضي بذلك
حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه الذي لا
يمكن إلا بالحفر.
"وإن أبى القلع" أي في حال لا يجير عليه فيها
"فللمعير أخذه بقيمته" ويجبر المستعير على ذلك
لأن غرسه أو بناءه حصل في ملك غيره كالشفيع مع
المشتري والمؤجر مع المستأجر فإن قال المستعير
أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير
لأنهما تبع للأرض بدليل دخولهما في البيع "فإن
أبى ذلك" أي إذا امتنع من دفع القيمة وأرش
النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر
"بيعا" أي الغراس والأرض "لهما" لأن ذلك طريق
إلى تحصيل مالية كل واحد منهما ولا بد أن يكون
البيع باتفاقهما ويدفع إلى كل واحد قدر حقه
فيقال كم قيمة الأرض فارغة فيقال عشرة ومشغولة
خمسة عشر
(5/75)
فإن أبيا البيع
ترك بحاله وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا
يضر بالشجر وللمستعير الدخول للسقي والإصلاح
وأخذ الثمرة ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة من
حين الرجوع وذكروا عليه أجرة في الزرع فيخرج
فيهما وفي سائر المسائل وجهان.
__________
فيكون للمعير ثلثا الثمن، وللمستعير ثلثه، فإن
طلب أحدهما البيع أجبر الآخر عليه في الأصح
ولكل منها بيع ماله منفردا لمن شاء، ويكون
كهو، وقيل: لا يصح بيع المستعير لغير المعير.
" فإن أبيا البيع ترك بحاله" أي: يبقى فيها
مجانا في الأصح حتى يتفقا؛ لأن الحق لهما.
وقال ابن حمدان يبيعهما الحاكم
تنبيه: غرس المشتري وبناؤه كذلك إذا فسخ البيع
بعيب أو فلس وفيه وجه لايأخذه ولا يقلعه وقيل
إن أبى المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص
وأبى دفع قيمته رجع أيضا "وللمعير التصرف في
أرضه" والانتفاع بها كيف شاء ودخولها لأنها
ملكه "على وجه لا يضر بالشجر" والبناء لإذنه
فيهما ولا ينتفع بهما "وللمستعير الدخول للسقي
والإصلاح وأخذ الثمرة" لأن الإذن في الشيء إذن
فيما يعود بصلاحه واقتضى أنه ليس له الدخول
لغير حاجة كالتفرج ونحوه وصرح به في الشرح.
"ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة من حين الرجوع"
لأن بقاء الغراس والبناء بحكم العارية فوجب
كونه بلا أجرة كالخشب على الحائط "وذكروا"أي
أكثر الأصحاب "عليه أجرة في الزرع" من رجوعه
لأن مقتضى رجوع المعير منع المستعير من
الانتفاع ضرورة بطلان الإذن المبيح لذلك فوجب
بقاؤه بأجرة مثله جمعا بين الحقين "فيخرج
فيهما وفي سائر المسائل" أي في كل موضع يشبهها
"وجهان" لاستوائهما في الرجوع الموجب لذلك
فخرج بعضهم من الزرع إلى الشجر والبناء وعكس
آخرون وقيل يجري في كل ما استعير
(5/76)
وإن غرس أو بنى
بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه
وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو
لصاحبه فيبقى إلى الحصاد بأجرة مثله وقال
القاضي لا أجرة له ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه
بقيمته
__________
وجزم به "في التبصرة" في
مسألة: السفينة، واختاره أبو محمد الجوزي فيما
سوى أرض للدفن لأن الأصل جواز الرجوع وإنما
منع من القلع لما فيه من الضرر ففي دفع الأجرة
جمع بين الحقين
والثاني لا يجب في شيء من المواضع لأن حكم
العارية باق فيه لكونها صارت لازمة للضرر
اللاحق بفسخها والإعارة تقتضي الانتفاع بغير
عوض
"وإن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو
غاصب" لأنه تصرف بغير إذن المالك وعبارة
الوجيز وفعله بعد المنع أو المدة غصب وهي أعم
"يأتي حكمه" في الغصب
مسألة: استعار دابة إلى موضع فجاوزه فقد تعدى
وعليه أجر المثل للزائد خاصة فإن قال مالكها
أعرتكها إلى فرسخ فقال إلى فرسخين قدم قول
المالك
"وإن حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو
لصاحبه" لأنه نماء ملكه ولا يجبر على قلعه فإن
أحب قلعه فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما نقصت
لأنه أدخل النقص على ملك غيره لاستصلاح ملكه
"فيبقى إلى الحصاد بأجرة مثله" جزم به في
الوجيز وهو الأولى لأن إلزامه تبقية زرع ما
أذن فيه في أرضه بغير أجرة إضرار به فوجب عليه
أجر المثل كما لو انقضت مدة الإجارة وفيها زرع
لم يفرط في زرعه "وقال القاضي لاأجرة له" لأنه
حصل فيها بغيرتفريطه أشبه بيتوتة الدابة في
ملك غيره بغيرتفريطه
"ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته"كزرع
الغاصب فقيل بذرا وقيل بقيمته إذن ورد بأنه
حصل فيها بغير عدوان وقد أمكن جبر حق المالك
(5/77)
وإن حمل غرس
رجل فنبت في أرض غيره فهل يكون كغرس الشفيع أو
كغرس الغاصب على وجهين
فصل
وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم
المستأجر
__________
يدفع الأجر إليه والساقط لرب الأرض إذا نبت
فيها سواء كان مالكا أو مستعيرا أو مستأجرا
وقيل له حكم العارية وفي أجرتها وجهان
"وإن حمل غرس رجل" أو نواة أو لوزا "فنبت في
أرض غيره" فهو لصاحبه لأنه نماء ملكه كالزرع
لكن "فهل يكون كغرس الشفيع" قدمه في الفروع
وغيره" لأنه ساواه في عدم التعدي قال ابن
المنجا وفي التشبيه نظر لأنه يوهم أن الغرس
ملك الشفيع وليس كذلك بل الشفيع إذا أخذ
بالشفعة وكان المشتري قد غرس لا يملك الشفيع
قلع الغرس من غير ضمان النقص والأولى أن يقال
كغرس المشتري لما فيه شفعة "أوكغرس الغاصب؟"
جزم به في الوجيز لأنه ساواه في عدم الإذن
"على وجهين" والفرق بين الغراسين أن قلع
الثاني مجانا مستحق بخلاف غرس الشفيع
فرع: لو حمل السيل أرضا بشجرها فنبت في أرض
آخر كما كانت فهي لمالكها يجبر على إزالتها
وفي كل ذلك لو ترك صاحب الأرض المنتقلة أو
الشجر أو الزرع لصاحب الأرض المنتقل إليها لم
يلزمه نقله ولا أجرة لأنه حصل بغير تفريط ولا
عدوانه وكانت الخيرة لصاحب الأرض المشغولة به
إن شاء أخذه وإن شاء قلعة ذكره في الشرح
فصل
"وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم
المستأجر" لأنه ملك التصرف بإذن المالك أشبه
المستأجر فعلى هذا إن أعاره للغرس أو البناء
فله أن يزرع ما شاء ولا عكس وإن أذن له في زرع
مرة لم يملك أخرى وله استيفاء المنفعة بنفسه
(5/78)
والعارية
مضمونة بقيمتها يوم تلفها وإن شرط نفي ضمانها
وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه وما
كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه
__________
وبوكيله لأنه نائب عنه "والعارية" المقبوضة
"مضمونة "نص عليه روي عن ابن عباس وأبي هريرة
لما روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه"
رواه الخمسة وصحح الحاكم إسناده
وعن صفوان أنه عليه السلام استعار منه يوم
حنين أدراعا فقال أغصبا يا محمد قال "بل عارية
مضمونة" رواه أحمد وأبو داود ولأنه أخذ ملك
غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غيراستحقاق
ولا إذن في إتلاف فكان مضمونا كالغصب وقاسه في
المغني والشرح على المقبوض على وجه السوم
قال في "الفروع" فدل على رواية مخرجة وهو متجه
وذكر الحارثي لا يضمن وذكره الشيخ تقي الدين
عن بعض أصحابنا واختاره صاحب الهدي فيه لما
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال
"ليس على المستعير ضمان" ولأنه قبضها بإذن
مالكها فكانت أمانة ورد بأنه يرويه عمرو بن
عبد الجبار عن عبيد بن حسان وهما ضعيفان قاله
الدارقطني مع أنه يحتمل أنه أراد ضمان المنافع
والأجرة وعلى المذهب لا فرق بين أن يتعدى فيها
أولا
ويستثنى منه ما إذا تلفت في يد مستعير من
مستأجرها أو يكون المعار وقفا ككتب العلم
ونحوها فلا يضمن فيهما إذا لم يفرط "بقيمتها"
لأنها بدل عنها في الإتلاف فوجب عند تلفها
كالإتلاف وإذا قلنا بضمان الأجزاء التالفة
بالانتفاع فإنه يضمنها بقيمتها قبل تلف
أجزائها إن كانت قيمتها أكثر وإن كانت مثلية
ضمنها بمثلها "يوم تلفها" لأنه حينئذ يتحقق
فوات العارية فوجب إعتبار الضمان به "وإن شرط
نفي ضمانها" أي لم يسقط لأن كل الضمان لم
يغيره الشرط كالمقبوض ببيع "وكل ما كان أمانة"
كالوديعة "لايصير مضمونا بشرطه وما كان مضمونا
لا ينتفي ضمانه بشرطه" لأن العقد إذا اقتضى
شيئا فشرط غيره يكون شرطا لشيء ينافي مقتضى
العقد فلم يصح
(5/79)
وعن أحمد أنه
ذكر له ذلك فقال المسلمون على شروطهم فيدل على
نفي الضمان بشرطه وإن تلفت أجزاؤها بالإستعمال
كحمل المنشفة فعلى وجهين وليس للمستعير أن
يعير
__________
كما لو شرط في المبيع أن لا يبيعه
"وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال المسلمون على
شروطهم فيدل على نفي الضمان بشرطه" قال أبو
الخطاب أومأ إليه أحمد واختاره أبو حفص والشيخ
تقي الدين لأنه لو أذن في إتلافها لم يجب
ضمانها فكذا إذا سقط عنه ضمانها وعنه إن لم
يشرط نفيه جزم به في التبصرة "وإن تلفت
أجزاؤها بالاستعمال" أي بانتفاع معروف "كحمل
المنشفة فعلى وجهين" أصحهما لا يضمن لأن الإذن
في الاستعمال تضمن الإذن في الإتلاف وما أذن
في إتلافه لا يضمن كالمنافع والثاني بلى لأنها
أجزاء مضمونة لو تلفت العين قبل استعمالها
فوجب أن يضمن بتلفها بالاستعمال كسائر الأجزاء
ورد بالفرق فإنها لا تتميز من العين ومقتضى
ذلك أنه إذا تلف شيء من أجزائها الذي لا يذهب
بالاستعمال أنه يضمنه لأن ما ضمنت جملته ضمنت
أجزاؤه كالمغصوب وكذا لو تلف جزؤها باستعمال
غيرمأذون فيه كاستعارة ثوب في لبس فحمل فيه
ترابا لأنه تلف يتعديه أما ما تلف بطول الزمان
فهوكالذي تلف بالاستعمال لأنه تلف بالإمساك
المأذون فيه أشبه تلفه بالفعل المأذون فيه
تنبيه: الخلاف جار في ولد العارية وزيادتها
والأصح أنه لا يضمن لأنه لم يدخل فيها ولا
فائدة للمستعير فيه وكذا تجري في ولد مؤجرة
ووديعة ويصدق المستعير في عدم التعدي حيث لا
بينة
"وليس للمستعير أن يعير" لأنها إباحة المنفعة
فلم يجز أن يبيحها غيره كإباحة الطعام قاله في
المغني والشرح وليس بظاهر على القول بأنها هبة
منفعة بل الانتفاع بها مستفاد بالإذن لا بطريق
المعاوضة وهو يختلف وقيل له ذلك
(5/80)
فإن فعل فتلف
عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر
الضمان على الثاني وعلى رد العارية فإن رد
الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من
الضمان إلا أن يردها إلى من جرت العادة بجريان
ذلك على يده كالسائس ونحوه
__________
لأنه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كإيجار
المستأجر قال في الشرح وحكاه صاحب المحرر قولا
لأحمد قال ويحتمل أن يكون مذهبا لأحمد في
العارية المؤقتة بناء على أنه إذا أعاره أرضه
سنة ليبني فيها لم يحل له الرجوع قبل السنة
لأنه قدر المنفعة كالمستأجر وأطلق في الفروع
الخلاف أصلهما هل هي هبة ومنفعة أو إباحة
ويتوجه عليهما تعليقها بشرط وفي المنتخب يصح
قال في الترغيب يكفي ما دل على الرضى من قول
أو فعل
"فإن فعل" فلمالكها الرجوع بأجرة مثلها على من
شاء منهما لأن الأول سلط غيره على أخذ مال
غيره بغير إذنه والثاني استوفاه بغير إذنه فإن
ضمن الأول رجع على الثاني لأن الاستيفاء حصل
منه وإن ضمن الثاني لم يرجع على الأول إلا أن
لا يعلم بالحال "فتلف عند الثاني فللمالك
تضمين أيهما شاء" لتعدي كل منهما "ويستقر
الضمان على الثاني" إذا كان عالما بالحال لأن
التلف حصل في يده وإلا ضمن العين دون المنفعة
ويستقر ضمان المنفعة على الأول "وعلى المستعير
مؤنة رد العارية" لما تقدم من قوله "على اليد
ما أخذت حتى تؤديه" وإذا كانت واجبة الرد وجب
أن تكون مؤنة الرد على من يجب عليه الرد ومؤنة
عينها على المعير قاله في شرح الهداية
والرعاية وذكر الحلواني أن نفقتها على
المستعير وإليه ميل الشيخ تقي الدين وقال لا
أعرف فيها نقلا وخرجها على الخلاف في نفقة
الجارية الموصى بنفعها فقط وحينئذ يجب ردها
إلى المعير أو وكيله في قبضها.
"فإن رد الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم
يبرأ من الضمان" لأنه لم يردها إلى مالكها ولا
نائبه فيها فلم يبرأ كالأجنبي واختار ابن
حمدان أنه يبرأ بردها إلى غلامه "إلا أن يردها
إلى من جرت العادة بجريان ذلك على يد كالسائس"
لأنه ماذون فيه عرفا أشبه صريح الإذن وخالف
الحلواني فيه كالغلام "ونحوه"
(5/81)
فصل
إذا اختلفا فقال أجرتك فقال بل أعرتني عقب
العقد فالقول قول الراكب وإن كان بعد مضي مدة
لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة
دون ما
__________
كزوجته وخازن ووكيل عام في قبض حقوقه قاله في
المجرد
مسألة: إذا قال ما أركبها إلا بأجرة فقال ربها
ما آخذ لها أجرة ولا عقد بينهما فعارية ولو
أركب دابته منقطعا لم يضمن في الأشهر وكذا
رديف وقيل يضمن نصف القيمة ولو سلم شريك شريكه
الدابة فتلفت بلا تفريط ولا تعد لم يضمن فإن
ساقها فوق العادة ضمن قاله شيخنا ويتوجه
كعارية إن كان عارية وإلا لم يضمن ذكره في
الفروع فعليه إن سلمها إليه ليعلفها ويقوم
بمصلحتها ونحوه لم يضمن وإن سلمها إليه
لركوبها لمصالحة وقضاء حوائجه عليها فعارية
فصل
"إذا اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتني عقب
العقد فالقول قول الراكب" مع يمينه لأن الأصل
عدم عقد الإجارة وحينئذ ترد العين إلى مالكها
إن كانت باقية لأن الأصل براءة ذمته منها فلو
عكس في الدعوى قدم قول المالك وإن كان بعد مضي
مدة لها أجرة فالقول قول المالك مع يمينه
لأنهما اختلفا في كيفية انتقال المنافع إلى
ملك الراكب فقدم قول المالك كما لو اختلفا في
عين فادعى المالك بيعها والآخر هبتها إذ
المنافع تجري مجرى الأعيان وقيل يقدم قول
الراكب على تلف المنافع على ملك الراكب وادعى
المالك عوضا لها والأصل عدم وجوبه وبراءة ذمته
منه.
وعلى الأول إذا حلف المالك استحق الأجرة "فيما
مضى من المدة دون ما
(5/82)
بقي منها وهل
يستحق أجرة المثل أو المدعي إن زاد عليها على
وجهين وإن قال أعرتك قال بل أجرتني والبهيمة
تالفة فالقول قول المالك وإن قال أعرتني أو
أجرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقيل
قول الغاصب
__________
بقي منها" فإنه يقدم قول المستعير فيها لأنه
بمنزلة مالو اختلفا عقب العقد "وهل يستحق أجرة
المثل أو المدعى إن زاد عليها على وجهين"
الأصح أنه يستحق أجرة المثل لأنهما لو اتفقا
على وجوبه واختلفا في قدره وجب أجر االمثل فمع
الاختلاف في أصله أولى.
والثاني: يستحق المسمى إن زاد على أجر المثل
لأنه وجب بقول المالك ويمينه فوجب ما حلف عليه
كالأصل ولم يقيده في الشرح ولا غيره بالزيادة
عليها وقيل يستحق أقلهما وهو اختيار المجد
لأنه إن كان المسمى فقد رضي به وإن كان أكثر
فليس له إلا أجر المثل لأن الإجارة لم تثبت
ومثله لو ادعى أنه زرعها عارية وقال ربها
إجارة ذكره الشيخ تقي الدين.
"وإن قال أعرتك قال بل آجرتني والبهيمة تالفة
فالقول قول المالك" إذا كان مضى مدة لها أجرة
سواء ادعى الإجارة أو الإعارة لأنه إن ادعى
الإجارة فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من
ضمانها فقبل على نفسه.
وإن ادعى الإعارة فهو يدعي قيمتها والقول قوله
لأنهما اختلفا في صفة القبض والأصل فيما يقبضه
الانسان من مال غيره الضمان للأثر ويقبل قول
الراكب في قيمتها وإن كان بعد مضي مدة لها
أجرة والأجر بقدر قيمتها فالقول قول المالك
بغير يمين في الأصح وإن كان ما يدعيه المالك
أكثر فالقول قوله فإذا حلف استحق ما حلف عليه.
"وإن قال أعرتني أو آجرتني قال بل غصبتني
فالقول قول المالك" كما لو اختلفا في ردها
"وقيل قول الغاصب" لأن المالك يدعي عليه عوضا
الأصل براءة ذمته منه ولأن الظاهر في اليد
أنها بحق فقبل قوله وفي الشرح أن الدابة إذا
(5/83)
__________
كانت قائمة لم تنقص فلا معنى للاختلاف ويأخذ
المالك دابته وكذا إن كانت تالفة فادعى الراكب
العارية لأن القيمة تجب على المستعير كوجوبها
على الغاصب وإن كان بعد مضي مدة لها أجرة
فالاختلاف في وجوبه والقول قول المالك
فرع: إذا قال أودعتني قال بل غصبتني فوجهان
وإن قال أودعتك قال بل أعرتني صدق المالك إن
حلف وعليه أجرة ما انتفع به
(5/84)
|