المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب الغصب
باب الغصب
...
كتاب الغصب
وهو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق
وتضمن أم الولد والعقار.
__________
كتاب الغصب
هو مصدر غصب الشيء يغصبه بكسر الصاد غصبا
واغتصبه يغتصبه اغتصابا والشيء مغصوب وغصب وهو
في اللغة أخذ الشيء ظلما قاله الجوهري وابن
سيده وفي الشرع تبعا لأبي الخطاب: "وهو
الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق"
فـ"قهرا" زيادة في الحد؛ لأن الاستيلاء يدل
عليه وفيه نظر لأنه لا يستلزمه مع أنه يخرج
بقيد القهر المال المسروق والمنتهب والمختلس
وبغير حق يخرج استيلاء الولي على مال الصغير
والحاكم على مال المفلس وكذا في المغني وأسقط
لفظة قهرا وليس بجامع لخروج ما عدا ذلك من
الحقوق كالكلب وخمر الذمي والسرجين فإنها
قابلة للغصب وليست بمال وفيه باللام والأشهر
إسقاطها فيها.
وأحسنها الاستيلاء على حق غيره قهرا ظلما. وهو
محرم بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَلا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ} [البقرة: من الآية188] وقوله
عليه السلام: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم
عليكم حرام" وقوله عليه السلام: "لايحل مال
امرىء مسلم إلا عن طيب نفسه" رواه ابن ماجه
والدارقطني.
"وتضمن أم الولد" بالغصب في قول جماهير
العلماء لأنها تجري مجرى المال بدليل أنها
تضمن بالقيمة في الإتلاف لكونها مملوكة
كالمدبرة بخلاف الحرة فإنها ليست مملوكة فلا
تضمن بالقيمة لكن لا تثبت يدوالعقار بالغصب
وعنه ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغضب وإن
غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه رده على بضع
فيصح تزويجهما ولا يضمن نفعه "والعقار" بفتح
العين الضيعة والنخل والأرض قاله أبو السعادات
"بالغصب" في ظاهر المذهب لما روى سعيد ابن زيد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع
من الأرض شبرا ظلما طوقه يوم القيامة من
(5/85)
وعنه ما يدل
على أن العقار لا يضمن بالغصب وإن غصب كلبا
فيه نفع أو خمر ذمي لزمه رده وإن أتلفه لم
تلزمه قيمته
__________
سبع أرضين" متفق عليه ولأن ما يضمن في الإتلاف
يجب أن يضمن في الغصب كالمنقول. "وعنه ما يدل
على أن العقار لا يضمن بالغصب" روى عنه ابن
منصور فيمن غصب أرضا فزرعها ثم أصابها غرق من
الغاصب غرم قيمة الأرض وإن كان سببا من السماء
لم يكن عليه شيء فظاهر هذا أنها لا تضمن
بالغصب لأنه لا يوجد فيها النقل والتحويل فلم
يضمن كما لو حال بينه وبين متاعه فتلف ولأن
الغصب إثبات اليد على المال عدوانا على وجه
ينعقد به يد المالك ولا يمكن ذلك في العقار.
وجوابه بأنه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول
بينه وبين مالكه مثل أن يسكن دارا ويمنع
مالكها من دخولها أشبه أخذ الدابة والمتاع
وعلى الثانية إن أتلفه ضمنه بالإتلاف
مسألة: لو دخل دارا قهرا وأخرجه فغاصب وإن
أخرجه قهرا ولم يدخل أو دخل مع حضور ربها
وقوته فلا وإن دخل قهرا ولم يخرجه فقد غصب ما
استولى عليه وقيل بل النصف وإن لم يرد الغصب
فلا وإن دخلها قهرا في غيبة ربها فغاصب ولو
كان فيها قماشه وهل يشترط في غصب ما ينتقل
نقله فيه وجهان الأصح أنه لايشترط.
"وإن غصب كلبا فيه نفع" أي يقتنى "أو خمر ذمي
لزمه رده" لان الكلب يجور الانتفاع به
واقتناؤه أشبه سائر الأبدال المنتفع بها وفي
رده صيده أو أجرته أو هما أوجه وأما الخمر
فلأن الذمي يقر على شربها لكونها مالا عنده
ومحله ما إذا كانت مستورة قاله في الرعاية و
الفروع.
"وإن أتلفه لم تلزمه قيمته" لأن الكلب ليس له
عوض شرعي لأنه لا يجوز بيعه وفي الإفصاح يضمنه
والخمر للخبر ولأن ما حرم بيعه لا لحرمته لم
(5/86)
وإن غصب جلد
ميتة فهل يلزمه رده على وجهين فإن دبغه وقلنا
بطهارته لزمه رده
__________
لم تجب قيمته كالميتة ولا فرق في المتلف بين
أن يكون مسلما أو ذميا نص عليه لأن ما لم يكن
مضمونا في حق المسلم لا يكون مضمونا في حق
الذمي كالمرتد ولأنها غيرمتقومة وعنه يلزمه
قيمتها وقيل يغرم قيمتها الذمي دون المسلم
فعليه لا يكون حكم بقية الكفار كذلك وإن كانوا
يعتقدون ماليتها وفي الانتصار لا يردها وأنه
يلزم إراقتها إن حد وإلا لزم تركه وعليها يخرج
تعزير مريقه.
وفي عيون المسائل لا نسلم أنهم يقرون على شربه
واقتنائه لأن في رواية يجب الحد عليهم بالشرب
ولا يقرون وإن سلمنا فإنا لا نتعرض لهم وأما
أن نقرهم فلا نسلم يبطل بالمجوس يقرون على
نكاح المحارم ولا يقضى عليهم بمهر ونفقة
وميراث وقاله هو والترغيب يرد الخمر المحترمه
ويرد ما تخلل بيده لا ما أريق فجمعه آخر لزوال
يده والأشهر أن لنا خمرا محترمة وهي التي عصرت
من غيرقصد الخمرية أو بقصد الخلية فهي على
الأول محترمة دون الثاني وظاهره لو كانت لمسلم
لأن اتخاذ الخل جائز إجماعا ولا يصير خلا إلا
بعد التخمر فلو أرقناها لتعذر اتخاذ الخل.
فرع: تجب إراقة خمر المسلم ولا غرم وإن تخللت
ردها لأنها صارت خلا على حكم ملكه فإن تلفت
ضمنها.
"وإن غصب جلد ميتة فهل يلزمه رده على وجهين"
هما مبنيان على الروايتين في طهارته بالدباغ
والأشهر لا يرده مطلقا فعليه لو أتلفه أو أتلف
ميته بجلدها لم يضمن لأنه لا قيمة له بدليل
أنه لا يجوز بيعه.
"فإن دبغه" أي غاصبه "وقلنا بطهارته لزمه رده"
كاالخمر إذا تخلل وقيل لا يلزمه رده لأنه صار
مالا بفعله بخلاف الخمر وظاهره أنه إذا قلنا
لا يطهر لم يجب رده لكونه لا يباح الانتفاع به
وقيل يلزمه إذا قيل ينتفع به في يابس
(5/87)
وإن استولى على
حر لم يضمنه بذلك إلا أن يكون صغيرا ففيه
وجهان وإن قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحليه
على وجهين وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته
وإن حبسه مدة فهل تلزمه أجرته على وجهين
__________
"وإن استولى على حر" كبير "لم يضمنه بذلك"
لأنه ليس بمال فعلم أنه لا يثبت الغصب فيما
ليس بمال وقيل بلى "إلا ان يكون صغيرا ففيه
وجهان" أحدهما لا ضمان وهو الأصح كالكبير
والثاني بلى لأنه يمكن الاستيلاء عليه من غير
ممانعة منه أشبه العبد الصغير.
"وإن قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحلية" أي
التي لم ينزعها عنه "على وجهين" أحدهما لا
يضمنه جزم به في الوجيز لأنه تبع له وهو تحت
يده أشبه ثياب الكبير والثاني بلى لأنه مال
أشبه ما لو كان منفردا.
"وإن استعمل الحر كرها فعليه أجرته" لأنه
استوفى منافعه وهي متقومة فلزمه ضمانها كمنافع
العبد "وإن حبسه مدة" أي لمثلها أجرة "فهل
تلزمه أجرته على وجهين" أحدهما تلزمه جزم به
في الوجيز لأنه فوت منفعته وهي مال يجوز أخذ
العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد والثاني
لا لأنها تابعة لما لا يصح غصبه أشبه ثيابه
إذا بليت عليه وأطرافه فإن منعه العمل من
غيرحبس ولو عبدا لم يضمن منافعه وجها واحدا
ويتوجه بلى فيهما قاله في الفروع وإن مات في
حبسه فهدر وإن صح غصبه صح أن يؤجره مستأجره
وإلا فلا.
فائدة: في صحةالبيع في الأرض المغصوبة روايتان
اختار ابن عقيل الصحة وحمل رواية المنع على
الورع
(5/88)
فصل
ويلزمه رد المغصوب إن قدر على رده وإن غرم
عليه أضعاف قيمته وإن خلطه بما يتميز منه لزمه
تخليصه وإن بنى عليه لزمه رده إلا أن يكون قد
بلي
__________
فصل
"ويلزمه رد المغصوب" إن كان باقيا لما روى عبد
الله بن السائب عن أبيه عن جده أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه
لاعبا ولا جادا ومن أخذ عصا أخيه فليردها"
رواه أبو داود وقد أجمع العلماء على وجوب رده
إن كان بحاله لم يتغير ولم يشتغل بغيره ولأنه
أزال يد المالك عن ملكه بغير حق فلزمته إعادته
"إن قدر على رده وإن غرم عليه أضعاف قيمته"
لأنه هو المتعدي فلم ينظر إلى مصلحته فكان
أولى بالغرامة وظاهره ولو بعدت المسافة لأنه
جنى بتعديه فكان ضرر ذلك عليه.
فإن قال الغاصب خذ مني أجر رده وتسلمه مني ها
هنا أو بذل له أكثر من قيمته ولا يسترد لم
يلزم المالك قبوله لأنها معاوضة فلم يجبر
عليها كالبيع وإن قال المالك دعه لي في مكانه
الذي نقلته إليه لم يملك الغاصب رده وإن قال
رده إلى بعض الطريق لزمه وإن قال دعه في مكانه
وأعطني أجرة رده أو طلب منه حمله إلى مكان آخر
في غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ولو كان أقرب
لأنه معاوضة ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز لأن
الحق لهما. "وإن خلطه بما يتميز منه" كحنطة
بشعير وتمر بزبيب "لزمه تخليصه" أي تخليص
المتميز "ورده" لأنه أمكنه رد مال غيره فلزمه
كما لو لم يخلطه بغيره وأجرة ذلك عليه كأجر
رده فإن امكن تمييز بعضه وجب تمييز ما أمكن.
"وإن بنى عليه لزمه رده" يعني إذا غصب شيئا
فشغله بملكه كحجر أو خشبة بنى عليها أو خيط
خاط به ثوبا لزمه رده وإن انتقض البناء وتفصل
الثوب لأنه مغصوب أمكن رده فوجب كما لو لم يبن
عليه "إلا أن يكون قد بلي" لأنه صار
(5/89)
وإن سمر
بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها وإن زرع
الأرض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها وإن
أدركها ربها والزرع قائم خير بين تركه إلى
الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه
__________
هالكا فوجب قيمته كما لو أتلفه "وإن سمر
بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها" للخبر ولا
أثر لضرره لأنه حصل بتعديه
مسائل: إذا غصب فصيلا ونحوه فأدخله داره وتعذر
خروجه نقض بابه مجانا فإن دخل الفصيل بنفسه أو
أدخله ربه دارا غصبها غرم مالكه أرش نقص
البناء وإصلاحه وإن بذل له ربه عوضه لزمه
قبوله وقيل لا وقيل يذبح إن أدخله ربه ولو عمل
فيها غاصبها تابوتا ولم يخرج فك التابوت ولم
ينقض البناء وإن سقط في محبرته مال بتفريطه
أخرج فإن لم يمكن كسرت له مجانا وإن لم يفرط
وضمن رب المال كسرها فإن بذل ربها بدل ماله
وجب قبوله في الأصح
فرع: إذا باع داره وله فيها أسرة وتعذر
الإخراج والتفكيك غرم أرش نقص البناء وقيل كما
لو قلع أحجارا له فيها مدفونة وفصل في الشرح.
"وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع" فهو
للغاصب بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ماله "فعليه
أجرتها" أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم لأنه
استوفى نفعها فوجب عليه عوضه كما لو استوفاه
بالإجارة ولأن المنفعة وهل ذلك قيمته أو نفقته
على وجهين مال فوجب أن يضمن بالعين وعليه ضمان
النقص ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة كأرض
البصرة ضمن ذلك وروى عنه حرب أن له تملكه أيضا
بناء على أن الزرع ينبت على ملك مالك الأرض
ابتداء وقرر بعض أصحابنا موافقته للقياس بأن
المتولد بين أبوين مملوكين من الآدميين يكون
مملوكا لمالك الأم بالاتفاق مع كونه مخلوقا من
مائهما وبطون الأمهات بمنزلة الأرض وماء
الفحول بمنزلة البذر والمذهب هو الأول.
"وإن أدركها ربها والزرع قائم" فيها "خير بين
تركه إلى الحصاد بأجرته" أي بأجرة مثله وأرش
نقص الأرض "وبين أخذه بعوضه" هذا قول القاضي
وعامة أصحابه
(5/90)
وهل ذلك قيمته
أو نفقته على وجهين ويحتمل أن يكون الزرع
للغاصب وعليه الأجرة
__________
والشيخين وجزم به في الوجيز لأن كل واحد منهما
يحصل به غرضه فملك الخيرة بينهما تحصيلا لغرضه
وظاهره أنه لا يملك اجبار الغاصب على قلعه
خلافا لأكثرهم لقوله عليه السلام: "ليس لعرق
ظالم حق" ولأنه زرع في أرض غيره ظلما أشبه
الغرس لنا ما روى رافع بن خديج أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "من زرع في أرض قوم بغير
إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته" رواه
أحمد وأبو داوود والترمزي وحسنه ولأنه أمكن رد
المغصوب إلى مالكه من غيرإتلاف مال الغاصب على
قرب من الزمان فلم يجز إتلافه كما لو غصب
سفينة فحمل فيها متاعه فأدخلها لجة البحر لا
يجبر على إلقائه فكذا هنا صيانة للمال عن
التلف وفارق الشجر لطول مدنه وحديثهم محمول
عليه وحديثنا على الزرع وبه يجمع بينهما ولأنه
زرع حصل في ملك غيره فلم يجبر على قلعه على
وجه يضر به كما لو كانت الأرض مستعارة أو
مشفوعة.
"وهل ذلك قيمته أو نفقته على وجهين" أحدهما أن
ذلك قيمته صححه القاضي في تعليقه لأنه بدل عن
الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه وعليه يجب
على الغاصب أجر الأرض إلى حين تسليم ذلك وذكر
أبو يعلى الصغير لا نقله إبراهيم بن الحارث
والثاني هي نفقته فعلى هذا يرد على الغاصب ما
أنفق من البذر ومؤنة لواحقه من الحرث والسقي
ونحوهما وهذا هو المذهب قال ابن الزاغوني
أصلهما هل يضمن ولد المغرور بمثله أو قيمته
وقال أبو الحسين فيه ثالثة خرجها أبو القاسم
أن صاحب الأرض يخير إن شاء دفع القيمة وإن شاء
النفقة نقل مهنا ويزكيه إن أخذه قبل وجوبها
وإلا فوجهان "ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب"
لأنه نماء ملكه "وعليه الأجرة" أي أجرة المثل
وذكر بعض أصحابنا ان احمد نص على مثل ذلك وقيل
له قلعه إن ضمنه وقال الشيخ تقي الدين فيمن
زرع بلا إذن شريكه والعادة بأن من زرع فيها له
نصيب معلوم ولربها نصيب قسم ما زرعه في نصيب
شريكه كذلك
(5/91)
وإن غرسها أو
بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض
وأرش نقصها وأجرتها
__________
تنبيه: وهل الرطبة وغيرها كزرع أو غرس فيه
احتمالان فلو غصب أرضا فغرسها فأثمرت فسيأتي.
"وإن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه"
أي إذا طالب مالك الأرض لزم الغاصب ذلك بغير
خلاف نعلمه للأثر الحسن ذكره في الشرح وفي
الرعاية أنه الأصح وفي رواية أبي داود
والدارقطني من حديث عروة بن الزبير قال ولقد
أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما
نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه
وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها فلقد
رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس و إنها
لنخل عم.
قال أحمد العم الطوال ولأنه شغل ملك غيره
بملكه الذي لا حرمة له في نفسه فلزمه تفريغه
كما لو جعل فيها قماشا وظاهر كلامهم لا فرق في
ذلك بين الشريك وغيره و صرح به الحارثي قال
جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل
غرس نخلا بينه وبين قوم مشاعا قال إن كان بغير
إذنهم قلع نخلة "وتسوية الأرض وأرش نقصها"
لأنه ضرر حصل بفعله فلزمه إزالته كغيره
"وأجرتها" أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم وإن
بذل ربها قيمة الغراس والبناء ليملكه لم يلزم
الغاصب قبوله وله قلعهما ويضمن الأرش والأجرة
وإن وهبهما لمالك الأرض وفي الإزالة غرض صحيح
لم يجبر وإلا فوجهان وشمل ذلك ما إذا غرسها
بغراس مالكها وحكم البناء كالغرس إلا أنه
يتخرج إذا بذل مالك الأرض القيمة لصاحب البناء
فإنه يجبر على قبولها إذا لم يكن في النقص غرض
صحيح سفه والأول أصح
فرع: إذا غصبها فغرسها فأثمرت فأدركها ربها
بعد أخذ الغاصب فهي له وكذا لو أدركها والثمرة
عليها لأنها ثمرة شجره فكانت له كأغصانها وقال
القاضي هي لمالك الأرض قال أحمد في رواية علي
بن سعيد إذا غصب أرضا
(5/92)
وإن غصب لوحا
فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسى وإن غصب خيطا
فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه
قيمته
__________
فغرسها فالنماء لمالك الأرض فعلى هذا عليه من
النفقة ما أنفقه الغارس فلو غصب شجرا فأثمر
فالثمر لمالك الشجر بغير خلاف نعلمه ذكره في
الشرح
فرع: إذا أخذ تراب الأرض فضربه لبنا رده ولا
شيء له إلا أن يجعل فيه تبنا فله أن يحله
ويأخذ تبنه فإن كان لا يحصل منه شيء فوجهان
وإن طالبه المالك بحله لزمه إذا كان فيه غرض
صحيح وإلا فوجهان وإن جعله آجّرا لزمه رده ولا
أجرة لعمله وليس له كسره ولا للمالك إجباره
عليه لأنه سفه وإتلاف للمال فلو غصب أرضا وكشط
ترابها لزمه رده وفرشه كما كان وإن لم يكن فيه
غرض فهل يجبر على فرشه يحتمل وجهين
فرع: القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس أو
بنى فللمالك تملكه بالقيمة كغرس المستعير ولا
يقلع إلا مضمونا لاستناده إلى الإذن ذكره
القاضي وابن عقيل.
"وإن غصب لوحا فرقع به سفينة" خيف من قلعه "لم
يقلع حتى ترسى" لأن في قلعه إفسادا لمال الغير
مع إمكان رد الحق إلى مستحقه بعذر من يسير ولا
فرق بين أن يكون المال للغاصب أو غيره حيوانا
محترما أولا وقال أبو الخطاب إن كان فيها
حيوان محترم أو مال لغير الغاصب لم يقلع
كالخيط والأول أولى لأنه أمكن رد المغصوب من
غير إتلاف كما لو كان فيها مال غيره واقتضى ما
سبق أنها لو كانت على الساحل أو كانت في اللجة
واللوح في اعلاها بحيث لا تغرق لزمه القلع.
"وإن غصب خيطا فخاط به جرح حيوان" محترم "وخيف
عليه من قلعه" الضرر وقيل التلف جزم به في
الوجيز "فعليه قيمته" لأنه تعذر رد الحق إلى
مستحقه فوجب رد بدله وهو القيمة وظاهره لا
يلزمه القلع صرح به في المغني وغيره لأن
الحيوان آكد حرمة من بقية المال بدليل أنه لا
يجوز منع نمائه منه وعلم منه أن الحيوان إذا
كان غير محترم كالمرتد والخنزير
(5/93)
إلا أن يكون
الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح
الحيوان على وجهين وإن مات الحيوان لزمه رده
إلا أن يكون آدميا
فصل
وإن زاد لزمه رده بزيادته سواء كانت متصلة
كالسمن وتعلم صنعة أو منفصلة كالولد والكسب
وإن غصب جارحا فصاد به أو شبكة أو شركا فأمسك
شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه
__________
ونحوه وجب رده لأنه لا يتضمن تفويت ذي حرمة
أشبه ما لو خاط به ثوبا.
"إلا أن يكون الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه
رده ويذبح الحيوان على وجهين" أشهرهما أنه
يلزمه رده لأنه يمكنه ذبح الحيوان والانتفاع
بلحمه وذلك جائز وإن حصل نقص على الغاصب فليس
بمانع من وجوب رد المغصوب كنقص البناء والثاني
لا يجب قلعه لنهيه عليه السلام عن ذبح الحيوان
لغير مأكلة ولأن له حرمة في نفسه وللمؤلف
احتمال يذبح المعد له كبهيمة الأنعام دون غيره
كالخيل لأنه إتلاف له فجرى مجرى ما لا يؤكل
وظاهره أنه لا يلزمه الرد إذا كان مأكولا لغير
الغاصب صرح به في المغني والشرح لأن فيه
إضرارا بصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر.
"وإن مات الحيوان لزمه رده" لأن عدم الرد في
الحياة إنما كان خشية التلف وقد أمن بالموت
"إلا أن يكون آدميا" فلا يلزمه الرد لأن حرمة
الآدمي باقية وغيره لا يساويه فيها فعلى هذا
تجب قيمته وقيل يلزمه الرد للعموم
فصل
"وإن زاد لزمه رده بزيادته سواء كانت متصلة
كالسمن وتعلم صنعة أو منفصلة كالولد والكسب"
لأنه من نماء المغصوب وهو لمالكه فلزمه رده
كالأصل.
"وإن غصب جارحا فصاد به أو شبكة أو شركا فأمسك
شيئا أو فرسا فصاد عليه أو غنم فهو لمالكه"
لأن ذلك كله بسبب ملكه فكان له كما لو
(5/94)
وإن غصب ثوبا
فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا فضربه أو
خشبا فنجره أو شاة فذبحها وشواها رد ذلك
بزيادته وأرش نقصه ولا شيء له وعنه يكون شريكا
بالزيادة
__________
غصب عبدا فصاد وقيل هو للغاصب في الكل لأنه هو
الصائد والجارح آلة فعلى ذلك عليه أجرة ذلك
كله مدة مقامه في يده إن كان له أجرة وعلى
الأول لا أجرة له في وجه وفي آخر عليه أجرة
المثل لأنه استوفى منافعه أشبه ما لو لم يصد
ولو غصب عبدا فصاد أو كسب فهو لسيده وفي وجوب
أجرة العبد على الغاصب في مدة كسبه وصيده
وجهان والمختار أنه لا أجرة له لأن منافعه في
هذه المدة مصروفة إلى مالكه فلم يستحق عوضها
على غيره لكن لو غصب منجلا فقطع به شجرا أو
حشيشا فهو للغاصب لأن هذه آلة فهو كالحبل يربط
به.
"وإن غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو
حديدا فضربه أو خشبا فنجره أو شاة فذبحها
وشواها رد ذلك" إلى مالكه في ظاهر المذهب لأنه
عين ماله أشبه ما لو ذبح الشاة فقط ولأنه لو
فعله بملكه لم يزل عنه فكذا إذا فعله بملك
غيره "بزيادته" إن زاد "وأرش نقصه" إن نقص
لكونه حصل بفعله ولا فرق بين نقص العين أو
القيمة أو هما.
"ولا شيء له" أي للغاصب بعمله المؤدي إلى
الزيادة لأنه تبرع في ملك غيره فلم يستحق لذلك
عوضا كما لو غلى زيتا فزادت قيمته لكن إن أمكن
الرد إلى الحالة الأولى كحلي وأوان ودراهم
ونحوها فللمالك إجباره على الإعادة.
"وعنه يكون شريكا بالزيادة" ذكره في المستوعب
والمذهب لأن الزيادة حصلت بمنافعه والمنافع
تجري مجرى الأعيان أشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه
وفرق في المغني والشرح بأن الصبغ عين مال لا
يزول ملك مالكه عنه بجعله مع ملك غيره بخلاف
ما ذكر
(5/95)
وقال أبو بكر
يملكه وعليه قيمته وإن غصب أرضا فحفر فيها
بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها
إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد
الوجهين وإن غصب حبا فزرعه أو بيضا فصار فرخا
أو نوى فصار غرسا
__________
"وقال أبو بكر يملكه" الغاصب "وعليه قيمته"
قبل تغييره هذا رواية عن أحمد نقلها عنه محمد
بن عبد الحكم فيمن جعل حديدا سيوفا تقوم
فيعطيه الثمن على القيمة لحديث النبي صلى الله
عليه وسلم في الزرع "أعطوه ثمن بذره" ورد بأنه
قول قديم مرجوع عنه وعنه يخير المالك بينهما
فلو وهبه الغاصب عمله لزمه قبوله قاله في
الرعاية.
"وإن غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في
أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من
ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين" لأنه إتلاف
لا نفع فيه فلم يكن له فعله كما لو غصب نقرة
فطبعها دراهم ثم أراد ردها نقرة ومقتضاه أنه
إذا طالبه المالك بطمها أنه يلزمه لأنه يضر
بالأرض والثاني له طمها لغرض صحيح لأنه لا
يبرأ من الضمان بإبراء المالك له لأنه إبراء
مما لم يجب بعد مع أنه إبراء من حق غيره وهو
الواقع فيها ونصر في المغني والشرح الأول بأن
الضمان إنما يلزمه لوجود التعدي فإذا رضي صاحب
الأرض زال التعدي فيزول الضمان وليس هذا إبراء
مما يجب وإنما هو إسقاط التعدي برضاه به وهذا
الخلاف جار فيما ذكره فلو وضع التراب في
غيرأرض مالكها أو لم يبرئه من الضمان فلا وحكم
ما إذا منعه من طمها كذلك
تنبيه: إذا غصب بقرة وأنزى عليها فحله أو
بالعكس فالولد لرب الأم ولا أجرة لفعله ولا
أرش وعليه أرش فحل غيره إن ضره ضرابه وأجرته
إن صح إيجاره لذلك وإذا أفرخت طيرة زيد عند
عمرو من طيره ففرخها لزيد نص عليه وعليه ما
أنفقه عمرو إن نوى الرجوع به وإلا فلا.
"وإن غصب حبا فزرعه أو بيضا فصار فرخا أو نوى
فصار غرسا" وفي
(5/96)
رده ولا شيء له
ويخرج فيه مثل الذي قبله
فصل
وإن نقص لزمه ضمان نقصه رقيقا كان أو غيره
وعنه ان الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف
ويتخرج أن يضمنه باكثر الأمرين منهما وإن غصبه
وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين
__________
الانتصار أو غصنا فصار شجرة "رده" لأنه عين
مال مالكه ونقصه "ولا شيء له" لأنه تبرع بفعله
"ويتخرج فيه مثل الذي قبله" فيرده ونقصه أو
يملكه الغاصب أو يكون شريكا بالزيادة على ما
مر لأنه إذا قصر الثوب ونحوه ساوى ذلك حكما
فرع: إذا صار الرطب تمرا أو السمسم شيرجا أو
العنب عصيرا أخذ ربه مثل أيهما شاء
فصل
"وإن نقص لزمه ضمان نقصه" ولو بنبات لحية أمرد
وقطع ذنب حمار القاضي "بقيمته" على المذهب
لأنه ضمان مال من غيرجناية فكان الواجب ما نقص
كالبهيمة إذ القصد بالضمان جبر حق المالك
بإيجاب قدر ما فوت عليه ولأنه لو فات الجميع
لوجبت قيمته فإذا فات منه شيء وجب قدره من
القيمة لغير الحيوان "رقيقا كان أو غيره"
لاشتراكهما في التلف.
"وعنه ان الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف"
فيجب في يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر
قيمته لأنه ضمان لأبعاضه فكان مقدرا من قيمته
كأرش الجناية والمذهب يضمنه مطلقا بقيمته
بالغة ما بلغت ونقل حنبل لا يبلغ بها دية حر
"ويتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين" لأن سبب كل
واحد منهما قد وجد فوجب أن يضمنه بأكثرهما كما
لو غصبه وجنى عليه
تنبيه: إذا كان النقص في الرقيق مما لا مقدر
فيه كنقصه لكبر أو مرض فعليه
(5/97)
وإن جنى عليه
غير الغاصب فله تضمين الغاصب بأكثر الأمرين
ويرجع الغاصب على الجاني بارش الجناية وله
تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما
بقي من النقص وإن غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد
قيمته
__________
ما نقص مع الرد بغير خلاف نعلمه فإن نقص
المغصوب بغير انتفاع واستعمال أو عاب وجب أرشه
وفي أجرته وجهان فإن نقص باستعماله فكذلك وقيل
يجب الأكثر من أجرته وأرش نقصه وإن غصب ثوبا
فلبسه وأبلاه فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب
فعادت قيمته رده وأرش نقصه.
"وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين" هذا
على القول بأن ضمان الغصب غير ضمان الجناية
وهو الصحيح لأن سبب كل واحد منهما وجد فوجب
أكثرهما ودخل الآخر فيه وإن قلنا ضمان الغصب
ضمان الجناية كان الواجب أرش الجناية كما لو
جنى عليه من غيرغصب.
"وإن جنى عليه غير الغاصب" بأن قطع يده مثلا
"فله" أي للمالك تضمين من شاء منهما لأن
الجاني قطع يده والغاصب حصل النقص في يده
"تضمين الغاصب بأكثر الأمرين" إذا قلنا إن
ضمان الغصب ما نقص "ويرجع الغاصب على الجاني
بأرش الجناية" وهو نصف القيمة هنا لأنها أرش
جناية فلا يجب عليه أكثر منها وله تضمين
الجاني أرش الجناية وهو نصف القيمة لاغير ولم
يرجع على أحد لأنه لم يضمنه أكثر مما وجب عليه
"وتضمين الغاصب ما بقي من النقص" أي إذا كان
أكثر من نصف القيمة ولا يرجع على أحد وإن قلنا
ضمان الغصب ضمان الجناية أو لم تنقص أكثر من
قيمته لم يضمن الغاصب ها هنا شيئا وإن اختار
تضمين الغاصب وقلنا إن ضمان الغصب كضمان
الجناية ضمنه نصف القيمة ورجع بها الغاصب على
الجاني لأن التلف حصل بفعله.
"وإن غصب عبدا فخصاه" أو قطع يديه أو ذكره أو
ما تجب فيه الدية من الحر "لزمه رده ورد
قيمته" نص عليه لأن المتلف البعض فلا يقف
ضمانه على زوال الملك كقطع خصيتي ذكر المدبر
ولأن الخصيتين يجب فيهما كمال الدية
(5/98)
وعنه في عين
الدابة من الخيل والبغال والحمير ربع قيمتها
والأول أصح وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم
يضمن نص عليه وإن نقصت القيمة لمرض أو نحوه ثم
عادت ببرئه لم يلزمه شيء
__________
كما تجب فيهما كمال الدية من الحر.
"وعنه في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير
ربع قيمتها" نصره القاضي وأصحابه لماروي زيد
بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في
عين الدابة بربع قيمتها وعن عمر أنه كتب إلى
شريح لما كتب يسأله عن عين الدابة إنا كنا
ننزلها منزلة الآدمي إلا أنه أجمع رأينا أن
قيمتها ربع الثمن وهذا إجماع فقدم على القياس
وخص في الروضة هذه الرواية بعين الفرس وإن عين
غيرها بما نقص لكن قال أحمد قاله في عين
الدابة كقول عمر "والأول أصح" أي يضمن نقصه
بالقيمة رقيقا كان أو غيره وحديث زيد لا نعرف
صحته بدليل احتجاج أحمد بقول عمر دونه مع أن
قول عمر محمول على أن ذلك كان قدر نقصها كما
روي عنه أنه قضى في العين القائمة بخمسين
دينارا ولو كان تقدير الواجب في العين نصف
الدية كعين الآدمي.
"وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن نص
عليه" وهو قول جمهور العلماء لأنه رد العين
بحالها لم ينقص منها عين ولا صفة فلم يلزمه
شيء كسمين هزل فزادت وعنه بلى ذكرها ابن أبي
موسى وقاله أبو ثور كعبد خصاه فزادت قيمته
وقيل مع تلفه.
"وإن نقصت القيمة لمرض أو نحوه ثم عادت ببرئه
لم يلزمه شيء" إلا رده لأنه لم يذهب ماله قيمة
والعيب الذي أوجب الضمان زال في يده وكما لو
انقلع سنه ثم عاد ونصه يضمن النقص كزيادة في
يده على الأصح فعلى الأول لو رد المغصوب معيبا
وزال عيبه في يد مالكه وكان أخذ الأرش لم
يلزمه رده لأنه استقر ضمانه برد المغصوب وإن
لم يأخذه لم يسقط ضمانه لذلك
(5/99)
وإن زاد من جهة
أخرى مثل أن تعلم صنعة فعادت القيمة ضمن النقص
وإن زادت القيمة لسمن أونحوه ثم نقصت ضمن
الزيادة وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها
لم يضمنها في أحد الوجهين وإن كانت من غيرجنس
الأولى لم يسقط ضمانها وإن غصب عبدا مفرطا في
السمن فهزل فزادت قيمته رده ولا شيء عليه
__________
"وإن زاد من جهة أخرى مثل أن تعلم صنعة فعادت
القيمة ضمن النقص" لأن الزيادة الثانية من
غيرجنس الأولى فلم ينجبر بها "وإن زادت القيمة
لسمن أو نحوه" من تعلم صنعة كغصبه عبدا قيمته
مائة فزادت قيمته بما ذكر حتى صارت مائتين "ثم
نقصت" القيمة بنقصان بدنه أو نسيان ما تعلمه
حتى صارت قيمته مائة "ضمن الزيادة" مع رده
لأنها زيادة في نفس المغصوب فلزم الغاصب
ضمانها كما لو طالبه بردها فلم يفعل وكما لو
كانت موجودة حال الغصب وعنه لا يضمنها ذكرها
ابن أبي موسى لأنه رد العين كما أخذها.
"وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم
يضمنها في أحد الوجهين" ذكر في الشرح أنه أقيس
لأن ما ذهب عاد فهو كما لو مرض فنقصت قيمته ثم
برأ فعادت والثاني يضمنها صححه ابن حمدان كما
لو كانا من جنسين ولأن الزيادة الثانية غير
الأولى فعلى هذا لو هزلت مرة ثانية بأن كان
قيمتها مائة يوم الغصب فسمنت فبلغت ألفا ثم
هزلت فعادت إلى مائة ثم سمنت فعادت إلى ألف ثم
هزلت فعادت إلى مائة ضمن النقصين بألف
وثمانمائة وقيل يضمن أكثر السمنين قيمة جزم به
في الوجيز.
"وإن كان من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها"
جزم به أكثر الأصحاب لأن الثانية غيرالأولى
وقال أبو الخطاب متى زادت ثم نقصت ثم زاد مثل
الزيادة الأولى فوجهان سواء كانا من جنسين
كالسمن والتعلم أو من جنس كسمن مرتين "وإن غصب
عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته" أو لم
تنقص القيمة "رده" لأنه عين ملك غيره "ولا شيء
عليه" لأن القيمة لم تنقص فلم يجب شيء
(5/100)
وإن نقص
المغصوب نقصاً غيرمستقر كحنطة ابتلت وعفنت خير
بين أخذ مثلها وبين تركها حتى يستقر فسادها
ويأخذها وأرش نقصها وإن جنى المغصوب فعليه أرش
جنايته سواء جنى على سيده أو غيره
__________
فرع: إذا غصب دارا فنقضها ولم يبنها فعليه
أجرتها إلى حين نقضها وأجرها مهدومة من حين
نقضها إلى حين ردها وإن بناها بآلة من عنده
فالحكم كذلك وإن كان بآلتها أو آلة من ترابها
أو ملك المغصوب منه فعليه أجرتها عرصة منذ
نقضها إلى أن بناها وأجرتها دارا فيما قبل ذلك
وبعده.
"وإن نقص المغصوب نقصاً غيرمستقر كحنطة ابتلت
وعفنت خير بين أخذ مثلها" أي أخذ بدلها "وبين
تركها حتى يستقر فسادها ويأخذها وأرش نقصها"
كذا قاله في الهداية والوجيز وفي المغني أن
هذا القول لا بأس به لأنه لا يجب المثل لوجود
عين ماله ولا يجب أرش العيب لعدم استقراره
لأنه لا يمكن معرفته ولا ضبطه وحيث كان الخيرة
إليه بين أخذ البدل لما في التأخير من الضرر
وبين الصبر حتى يستقر الفساد لأنه إذا رضي
بالتأخير سقط فيأخذ العين لأنها ملكه ويأخذ
أرش النقص من الغاصب لأنه حصل بجنايته أشبه
تلف الحر المغصوب وقيل يجب الأرش مطلقا وقال
القاضي عليه بدله لأنه لا يعلم قدر نقصه ولم
يرجح في الفروع شيئا
فرع: إذا استعمل عبدا بغير إذن سيده فهو كغصبه
وكل مغصوب زكاه مالكه حال غصبه رجع بما غرم
على غاصبه قال ابن حمدان إن ضمن منفعة المغصوب
ضمن وإلا فلا.
"وإن جنى المغصوب فعليه" أي الغاصب "أرش
جنايته" لأنه نقص في العبد الجاني فكان عليه
كسائر نقصه "سواء جنى على سيده" لأنها من جملة
جناياته فكان مضمونا على الغاصب كالجناية على
الأجنبي وقيل لا يضمن جنايته على سيده لتعلقها
برقبته "أو غيره" وسواء في ذلك ما يوجب القصاص
أو المال ولا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق
العبد
(5/101)
وجنايته على
الغاصب وعلى ماله هدر وتضمن زوائد الغصب
كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالأصل
فصل
وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز مثل
أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله منه في
أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء
__________
"وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر" لأنه إذا
جنى على أجنبي وجب أرشه على الغاصب فلو وجب له
شيء لوجب على نفسه ومحله في غير قود جزم به في
المحرر والوجيز والفروع فلو قتل عبدا لأحدهما
عمدا فله قتله به ثم يرجع السيد بقيمته على
الغاصب فيهما.
"وتضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت
أو نقصت كالأصل" سواء تلف منفردا أو مع أصله
لأنه مال مغصوب حصل في يده فيضمنه بالتلف
كالأصل
فصل
"وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز مثل
أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله قولا
واحدا" لأنه مثلي فيجب مثل مكيله "منه في أحد
الوجهين" هو ظاهر كلام أحمد ونصره في المغني
والشرح و جزم به المجد وقدمه في الفروع لأنه
قدر على دفع ماله إليه مع رد المثل في الباقي
فلم بنتقل إلى بدله في الجميع كما لو غصب صاعا
فتلف بعضه "وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء"
قال القاضي هو قياس المذهب لأنه تعذر رد عين
ماله بالخلط فوجب مطلق المثل وفي الوسيلة
والموجز قسم بينهما بقدر قيمتهما أما لو خلطه
بما لا قيمة له كزيت خلط بماء فإن أمكن تخليصه
خلصه ورده ورد نقصه وإن لم يمكن تخليصه أو كان
ذلك يفسده لزمه مثله وإن لم يفسده رده ورد
نقصه وإن احتيج في تخليصه إلى غرامة فعلى
الغاصب
(5/102)
وإن خلطه بدونه
أو خير منه أو بغير جنسه لزمه مثله في قياس
التي قبلها وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر
ملكيهما
__________
"وإن خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه" على
وجه لا يتميز "لزمه مثله في قياس التي قبلها"
قال القاضي هذا قياس المذهب لأنه صار بالخلط
مستهلكا وكذا لو اشترى زيتا فخلطه بزيته ثم
أفلس صار البائع كبعض الغرماء لأنه تعذر عليه
الوصول إلى عين ماله فكان له بدله كما لو كان
بالغا إلا أنه إذا خلطه بخير منه وبذل الغاصب
مثل حقه منه لزمه قبوله وإن كان بأدنى منه
فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه لزم الغاصب بدله
وقيل لا لأن حقه انتقل إلى الذمة فلم يجبر على
عين مال وإن اتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من
الرديء أو دون حقه من الجيد لم يجز لأنه ربا
وإن كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه من الرديء
أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد جاز
لأنه لا مقابل للزيادة وإن خلطه بغير جنسه
فتراضيا على أن يأخذ دون حقه أو أكثر جاز لأن
بدله من غيرجنسه فلا تحرم الزيادة بينهما.
"وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما" هذا
هو المذهب عند المحققين قال في رواية أبي
الحارث في رجل له رطل شيرج وآخر له رطل زيت
واختلطا يباع الدهن كله ويعطى كل واحد قدر
حصته لأنه إذا فعل ذلك وصل كل واحد إلى عين
ماله فإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا فعلى
الغاصب ضمان النقص لأنه حصل بفعله فلو اختلط
درهم باثنين لآخر فتلف اثنان فما بقي بينهما
على ثلاثة أو نصفين فيه وجهان
مسألة: إذا اختلط نقد حرام بمثله أو أكثر دفع
قدر الحرام إلى مالكه أو من يقوم مقامه أو
تصدق به عن ربه إن جهله وما بقي حلال وإن عبر
الحرام الثلث وقيل أو أبلغه حرم الكل وتصدق به
وقيل كالأول يخرج قدر الحرام قال أحمد في الذي
يعامل في الربا يأخذ رأس ماله ويرد الفضل إن
عرف ربه وإلا تصدق به ولا يؤكل عنده شيء وإن
شك في قدر الحرام تصدق بما يعلم أنه
(5/103)
وإن غصب ثوبا
فصبغه أو سويقا فلته بزيت فنقصت قيمتهما أو
قيمه أحدهما ضمن النقص وإن لم تنقص و لم تزد
أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ماليهما وإن
زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه فإن أراد
أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل
أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص
__________
أكثر منه نص على ذلك كله.
"وإن غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت فنقصت
قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن النقص" لأنه حصل
بتعديه فيضمنه كما لو أتلف بعضه فإن كان النقص
بسبب تغير الأسعار لم يضمنه على المذهب "وإن
لم تنقص" القيمة "ولم تزد" كما لو كانت قيمة
كل واحد منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرة "أو
زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ماليهما" لأن
عين الصبغ ملك الغاصب واجتماع الملكين يقتضي
الاشتراك.
"وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه" أي
لصاحب الملك الذي زادت قيمته لأنها تبع للأصل
فعلى هذا إن كانت لزيادة الثياب في السوق كانت
الزيادة لمالك الثوب وإن كانت لزيادة الصبغ
فهي لمالك الصبغ.
"فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر
عليه" أي يمنع طالب قلع الصبغ منهما كذا في
المحرر والوجيز والفروع لأن المريد للقلع اما
الغاصب لم يجبر المغصوب منه لأن ماله ينقص
بسبب أخذه أو المغصوب منه لم يجبر الغاصب عليه
لأن الصبغ يهلك بالإخراج وقد امكن وصول الحق
إلى صاحبه بدونه وهوالبيع.
"ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص" لأن
المانع لما يلحقه من الضرر فإذا ضمنه الغاصب
انتفى فوجب أن يجبر عملا بالمقتضى السالم عن
المعارض وظاهره يقتضي اختصاص هذا بمن ذكر وليس
كذلك فإن الحكم في الآخر كذلك وعبارة المحرر
والفروع أولى.
ويحتمل أن يمكن إذا ضمن نقص حق الآخر وعنه لا
يضمن رب المال
(5/104)
وإن وهب الصبغ
للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزم
المالك قبولها على وجهين وإن غصب صبغا فصبغ به
ثوبا أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك
واحتمل أن تلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا
وإن غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده وأرش نقصه
ولا شيء له في زيادته
__________
كبناء ونقل في الشرح عن الأصحاب أن الغاصب إذا
أراد قلع الصبغ فله ذلك سواء أضر بالثوب أولا
ويضمن نقص الثوب لأنه عين ماله وظاهر الخرقي
أنه لا يملك القلع حيث تضرر الثوب ولم يفرق
أصحابنا بين ما يهلك صبغة بالقلع وبين ما لا
يهلك قال في المغني وينبغي أنه لا يملكه إذا
هلك بالقلع لأنه سفه وإن أراده المغصوب منه
فوجهان وظاهر كلام أحمد أنه لا يملك إجباره
عليه ولا يمكن من قلعه وحكى في الرعاية
احتمالا أن له قلعه بأرشه مع بقاء قيمة الثوب
قبله وليس للغاصب أخذ الثوب يقيمته فلو بذل رب
الثوب قيمة الصبغ لمالكه لم يجبر على قبوله
كما لو بذل قيمة الغراس وقيل بلى إذا لم يقلعه
كالغرس في الأرض المشفوعة.
"وإن وهب الصبغ للمالك أو وهبة تزويق الدار
ونحوها فهل يلزم المالك قبولها على وجهين"
أصحهما أنه يلزمه قبول ذلك لأن الصبغ صار من
صفات العين فهو كزيادة الصفة في المسلم به
وكنسج الغزل لا هبة مسامير سمر بها الباب
المغصوب والثاني لا لأنه عين يمكن إفرادها
كالغراس فإن أراد مالك الثوب بيعه فله ذلك
لأنه ملكه وإن أراد الغاصب بيعه لم يجب إليه
لتعديه "وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا
فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك" أي أنهما
شريكان حيث كان الصبغ والثوب ملكا للغاصب لأنه
خلط المغصوب بماله "واحتمل أن تلزمه قيمته أو
مثله إن كان مثليا" لأن الصبغ قد تفرق في
الثوب والزيت مستهلك في السويق أشبه ما لو
أتلفهما.
"وإن غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده" لأنه عين
ملك غيره "و" يرد "أرش نقصه" لأنه حصل بفعله
"ولا شيء له في زيادته" لأنه متبرع وظاهره لا
فرق بين أن يكونا لاثنين أو لواحد وفي الرعاية
إذا كان من واحد وزادا فزيادتهما لغو
(5/105)
فصل
وإن وطىء الجارية فعليه الحد والمهر وإن كانت
مطاوعة وأرش البكارة وعنه لا يلزمه مهر الثيب
وإن ولدت فالولد رقيق للسيد
__________
ويحتمل الشركة وإن كانا من اثنين اشتركا في
الأصل والزيادة بالقيمة وما نقص أحدهما غرمه
الغاصب وقيل زيادة أحدهما لربه وفي الشرح هما
شريكان بقدر ملكيهما فإن زادت فالزيادة لهما
وإن نقص فالضمان على الغاصب ويكون النقص من
صاحب الصبغ لأنه تبدد في الثوب ويرجع بها على
الغاصب وإن نقص السعر لنقص سعر الثياب أو
الصبغ أوهما لم يضمنه الغاصب وكان نقص كل واحد
من صاحبه.
فرع: إذا دفع ثوبا إلى غير مالكه فلبسه ولم
يعلم ضمنه دافعه وقيل لابسه وقيل يجب أكثرهما
إن كان له أجرة وإلا فأرشه فقط.
فصل
"وإن وطىء الجارية" بعد غصبها فهو زان لأنها
ليست زوجة ولا ملك يمين "فعليه الحد" أي حد
الزنى إذا كان عالما بالتحريم لأنه لا ملك له
عليها ولا شبهة ملك "والمهر" أي مهر مثلها
لأنه يجب بالوطء في غير ما ذكرنا "وإن كانت
مطاوعة" لأن المهر حق للسيد فلم يسقط
بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع طرفها وعنه لا
مهر لمطاوعة لأنه عليه السلام نهى عن مهر
البغي وجوابه بانه محمول على الحرة ولأنه حق
للسيد مع الإكراه فيجب مع الطواعية كأجر
منافعها.
"وأرش البكارة" لأنه بدل جزء منها وقيل لا يجب
لدخوله في مهر البكر ولهذا تزيد على مهر الثيب
عادة لأجل ما يتضمنه من تفويت البكارة "وعنه:
لا يلزمه مهر الثيب "لأنه لم ينقصها ولم
يؤلمها أشبه ما لو قبلها والأول أولى .
"إن ولدت فالولد رقيق للسيد" لأنه من نمائها
واجزائها ولأنه يتبع أمه في
(5/106)
ويضمن نقص
الولادة وإن باعها أو وهبها لعالم بالغصب
فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها
وأجرتها وقيمة ولدها فإن ضمن الغاصب رجع على
الآخر
__________
الرق في النكاح الحلال فهنا أولى ولا يلحق
نسبه بالواطىء لأنه من زنى ويجب رده معها
كزوائد الغصب
وإن سقط ميتا لم يضمنه ذكره القاضي لأنه لا
تعلم حياته قبل هذا وقال أبو الحسين يجب ضمانه
بقيمته لو كان حيا وفي المغني يضمنه بعشر قيمة
أمه لأنه الذي يضمنه في الجناية فلو وضعته حيا
ثم مات ضمنه بقيمته يوم انفصاله "ويضمن نقص
الولادة" لأنه نقص حصل بفعله كنقصها بقطع
أطرافها ولا ينجبر بزيادتها بالولد وإن ضرب
فألقت الجنين ميتا فعليه عشر قيمة أمه
كالأجنبي وللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر
الضمان علىالضارب لأن الإتلاف وجد منه وإن
ماتت الجارية فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل
فيه أرش بكارتها ونقص الولادة دون ولد ومهر
فأما إن كان الغاصب جاهلا بالتحريم لم يحد
وعليه المهر وأرش البكارة والولد حر يلحقه
نسبه لمكان الشبهة وهي إن كانت مطاوعة عالمة
بالتحريم فعليها الحد إن كانت من أهله وإلا
فلا
فرع: ضرب بهيمة فألقت جنينا ميتا ضمن نقص
القيمة نص عليه وقيل بل عشر قيمة أمه وقيل بل
قيمته لو كان حيا وإن تلف لا بجناية فهدر وقيل
يضمن لأن التلف كالإتلاف "وإن باعها أو وهبها
لعالم بالغصب" فهو فاسد على المذهب "ف"إن
"وطئهافللمالك تضمين أيهما شاء" أما الغاصب
فلأنه السبب في إيصالها إلى الغير وأما
المشتري والمتهب لأنه المتلف ولما فيه من
تحصيل حقه وزجر من يشتريه من غاصبه أو متهبه
لأن كل واحد منها غاصب "نقصها ومهرها وأجرتها
وقيمة ولدها". أي التالف لأن ذلك جميعه يضمنها
الغاصب لو انفرد فكذا هنا "فإن ضمن الغاصب رجع
على الآخر" لأن النقص حصل في يده والمنفعة
حصلت له
(5/107)
ولا يرجع الآخر
عليه وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على
الغاصب وإن ولدت من أحدهما فالولد حر ويفديه
بمثله في صفاته تقريبا ويحتمل أن يعتبر مثله
في القيمة وعنه يضمنه بقيمته ويرجع به على
الغاصب وإن تلفت فعليه قيمتها ولا يرجع بها إن
كان مشتريا
__________
"ولا يرجع الآخر" وهو المشتري والمتهب حيث
ضمنه "عليه" لأنه المتلف فاستقر الضمان عليه
"وإن لم يعلما بالغصب فضمنهما" المالك المهر
وأرش البكارة ونقص الولادة رجعا على الغاصب
لأنهما دخلا في العقد على أن يتلفا ذلك بغير
عوض فوجب أن يرجعا عليه لكونه غرهما "وإن ولدت
من أحدهما فالولد حر" لاعتقاده أنه وطىء
مملوكته ويلحقه النسب لمكان الشبهة ويفديه على
الصحيح لأنه فوت رقه على سيده باعتقاده حل
الوطء أشبه ولد المغرور وعنه لا فداء عليه
لانعقاده حرا والمذهب الأول فيكون الفداء يوم
الوضع وهو مختار القاضيين والشيخيين وغيرهم
لأنه أول أوقات الإمكان وظاهر أطلاق أحمد في
رواية ابن منصور أنه يوم المحاكمة "بمثله في
صفاته تقريبا" في ظاهر كلام أحمد والخرقي
والقاضي وعامة أصحابه لأن الولد حر والحر لا
يضمن بالقيمة "ويحتمل أن يعتبر مثله في
القيمة" هذا رواية عن أحمد واختاره أبو بكر
لأنه أقرب من نفس القيمة "وعنه: يضمنه بقيمته"
اختاره في التلخيص وصححه في المغني والشرح
وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن
الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر
المتقومات وعنه بأيهما شاء اختاره أبو بكر في
المقنع "ويرجع به" بالمهر وما فدي به الولد
"على الغاصب" لانه قد غره وقضى به عمر في
المهر وعن أحمد لا رجوع له بالمهر قضى به علي
ثم إن كانت الجارية باقية ردها إلى سيدها ولا
يرجع ببدلها لأنها ملك المغصوب منه لكن يرجع
بالثمن الذي أخذه منه
"وإن تلفت فعليه قيمتها" لمالكها كما يلزمها
نقصها فلو قتلها الغاصب بوطئه فالدية نقله
مهنا "ولا يرجع بها" على الغاصب "إن كان
مشتريا" لأن المشتري
(5/108)
ويرجع بها
المتهب وعنه ان ما حصلت له به منفعة كالأجرة
والمهر وأرش البكارة لا يرجع به وإن ضمن
الغاصب رجع على المشتري بمالا يرجع به المشتري
عليه
__________
دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك الثمن
فإذا ضمنه القيمة لم يرجع بها لكن يرجع بالثمن
لأن البيع باطل فلا يدخل الثمن في ملك الغاصب
كما لو وجد العين باقية "ويرجع بها" أي بقيمة
العين "المتهب" في الأصح لأنه دخل مع الغاصب
على أن يسلم له العين فيرجع بما غرم من قيمتها
على الغاصب كقيمة الأولاد
"وعنه: أن ما حصلت له به منفعة كالأجرة والمهر
وأرش البكارة لا يرجع به" اختاره أبو بكر لأنه
غرم ما استوفى بدله فلا يرجع به كقيمة الجارية
وبدل اجزائها وجملته أن المالك إذا رجع على
المشتري فأراد المشتري الرجوع على الغاصب فهو
على أقسام الأول لا يرجع به وهو قيمتها إن
تلفت في يده وأرش بكارتها وعنه بلى كالمهر
وبدل أجزائها لانه دخل مع الغاصب على أن يكون
ضامنا لذلك الثمن فإذا ضمنه لم يرجع به
الثاني: يرجع به وهو بدل الولد ونقص الولادة
لأنه دخل في العقد على أن لا يكون الولد
مضمونا عليه ولم يحصل منه إتلاف وإنما الشرع
أتلفه بحكم منع الغاصب منه
الثالث: مهر المثل واجرة نفعها وفيه روايتان
أشهرهما أنه يرجع به لأنه دخل في العقد على أن
يتلفه بغير عوض فإذا غرم رجع به كبدل الولد
"وإن ضمن الغاصب رجع على المشتري" لأن التلف
حصل على يده فهو كالمباشر والغاصب كالمتسبب
"بما لا يرجع به المشتري عليه" أي على الغاصب
لأنه لا فائدة فيه وضابطه أن كل ما رجع به على
المشتري لا يرجع به المشتري على الغاصب إذا
رجع به المالك على الغاصب ورجع به الغاصب على
المشتري وكل ما لو رجع به على المشتري رجع به
المشتري على
(5/109)
وإن ولدت من
زوج فمات الولد ضمنه بقيمته وهل يرجع بها على
الغاصب على روايتين إن أعارها فتلفت عند
المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجرة
على الغاصب
__________
الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على
المشتري لأن الضمان استقرّ على الغاصب فإن
ردها حاملا فماتت من الوضع فهي مضمونة على
الواطىء لأن التلف بسبب من جهته "وإن ولدت من
زوج" أي إذا اشترى المغصوبة من لا يعلم بالغصب
فزوجها لغير عالم به فولدت من الزوج فهو مملوك
لأنه من نمائها "فمات الولد ضمنه بقيمته" لأنه
مال وليس بمثلي لكونه ينعقد رقيقا لأن الواطىء
لا يعتقد أنها مملوكته بخلاف المشتري الجاهل
بالغصب "وهل يرجع بها" أي بقيمةالولد "على
الغاصب على روايتين" أشهرهما أنه يرجع على
الغاصب لأنه غره لكونه دخل على أن الولد إن
تلف فهو من ضمان مالك الجارية لأنها مملوكته
والثانية لا رجوع لأن التلف حصل في يده أشبه
تلف الجارية
"وإن أعارها فتلفت عند المستعير" فللمالك
تضمين أيهما شاء اجرها وقيمتها فإن ضمن
المستعير مع علمه بالغصب لم يرجع به على أحد
وإن ضمن الغاصب رجع على المستعير وإن لم يكن
علم بالغصب فضمنه "استقر ضمان قيمتها عليه"
لأنه قبضها على أنها مضمونة عليه "وضمان
الأجرة على الغاصب" لأنه دخل على أن المنافع
غيرمضمونة عليه وفي المغني والشرح أنه لا يرجع
عليه لأنه انتفع بها قد استوفى بدل ما غرم فإن
ردها على الغاصب لم يبرأ لأنه دفع العين إلى
غيرمستحقها وهو ظاهر مع العلم ويستقر الضمان
على الغاصب إن حصل التلف في يده
تنبيه: جعل في الشرح المودع كالمستعير والمذهب
أنه يرجع مودع ونحوه بقيمته ومنفعته كمرتهن في
الأصح ويرجع مستأجر بقيمته وعكسه مشتر ومستعير
ويأخذ مستأجر ومشتر من غاصب ما دفعا إليه
ويأخذ مشتر نفقته
(5/110)
وإذا اشترى
أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة وقلع
غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه
ذكره القاضي في القسمة وإن أطعم المغصوب لعالم
بالغصب استقر الضمان عليه وإن لم يعلم وقال له
الغاصب كله فإنه طعامي استقر الضمان على
الغاصب وإن لم يقل ففي أيهما يستقر الضمان
عليه وجهان
__________
وعمله من بائع غار ذكره الشيخ تقي الدين
"وإذا اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت
مستحقة" وهو لا يعلم بالحال "وقلع غرسه وبناءه
رجع المشتري على البائع بما غرمه ذكره القاضي
في القسمة" ووافقه المتأخرون لانه ببيعه إياها
غره وأوهمه أنها ملكه والمنصوص عنه أنه يتملك
بالقيمة ولا يقلع مجانا ليس هذا مثل من غرس في
أرض غيره فيقلع غرسه وحمل القاضي على أن له
القيمة على من غره كما في المغرور بنكاح أمة
فأما مالك الأرض فلا ضمان عليه لأنه لم يحصل
منه إذن وفي القواعد أن هذا مخالف لمدلول
المنصوص وكونه لم يحصل منه إذن لا ينفي كون
الغراس محترما كالسيل إذا حمل نوى إلى أرض
غيره فنبت فيها أنه كغرس المستعير في وجه
وظاهر الأول ان للمالك قلعه وعنه ليس للمستحق
ذلك الا أن يضمن نقصه ثم يرجع بها على الغاصب
"وإن أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان
عليه" لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما من
غيرتغرير وللمالك تضمين الغاصب لأنه حال بينه
وبين ماله والآكل لأن التلف حصل في يده فإن
ضمن الغاصب رجع على الآكل وإن ضمن الآكل فهدر
"وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإنه طعامي
استقر الضمان على الغاصب" لأنه غره ولاعترافه
بأن الضمان باق عليه وعنه على آكل كآكله بلا
إذنه قال جماعة وكذا إذا أطعمه لعبده أو دابته
غيرعالم به وإن لم يقل هو طعامي أولى "ففي
ايهما يستقر عليه الضمان وجهان" هما روايتان
(5/111)
وإن أطعمه
لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه في رجل له
عند رجل تبعة فأوصلها إليه على أنها صلة أو
هدية ولم يعلم كيف هذا يعني أنه لا يبرأ وإن
رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره
واستأجره على قصارته وخياطته لم يبرا إلا أن
يعلم وإن اعاره إياه برىء علم أو لم يعلم
__________
في المغني أحدهما يستقر على آكله لأنه ضمن ما
أتلف فلم يرجع به على أحد كآكله بلا إذن
والثاني على الغاصب وهو ظاهر الخرقي والفروع
لأنه غر الآكل وأطعمه على أن لا يضمنه
مسألة: لو أباحه للغاصب فأكل قبل علمه ضمن
ذكره في الانتصار والشرح .
"إن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه في
رجل له عند رجل تبعة فأوصلها إليه على أنها
صلة أو هدية ولم يعلم كيف هذا يعني أنه لا
يبرأ" لأنه بالغصب أزال يد المالك وسلطنته
وبالتقديم إليه لم يعد لأنه لا يملك التصرف
فيه بكل ما يريد من الأخذ والصدقة ونحوهما فلم
يزل عنه الضمان كما لو علفه لدوائه وقيل يبرأ
بناء على ما إذا أطعمه لأجنبي فإنه يستقر
الضمان على الآكل وهذا رواية قال في التلخيص
فيكون في المالك روايتا المغرور كالأجنبي
وأولى وظاهره أنه إذا علم فإنه يبرأ الغاصب
لأنه أتلف ماله برضاه عالما به فلو وهبه
المغصوب لمالكه أو أهداه إليه لم يبرأ وعنه
بلى جزم به بعضهم وصححه في الشرح لأنه سلمه
إليه تسليما تاما زالت به يد الغاصب .
"إن رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره
واستأجره على قصارته أو خياطته لم يبرأ" من
الضمان لأنه لم يعد إليه سلطانه إنما قبضه على
أنه أمانة "إلا أن يعلم" لأنه يتمكن من التصرف
فيه على حسب اختياره وقال جماعة من أصحابنا
يبرأ مطلقا لعوده إلى مالكه .
"إن أعاره إياه برىء علم أو لم يعلم" لأنه دخل
على أنه مضمون عليه فلا يتأتى وجوب الضمان على
الغاصب لعدم الفائدة في الرجوع فلو باعه إياه
وسلمه
(5/112)
ومن اشترى عبدا
فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدقه
أحدهما لم يقبل على الآخر وإن صدقاه مع العبد
لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري
ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم
__________
إليه أو أقرضه برىء جزم به في الشرح لأنه قبضه
على وجه يوجب الضمان والأشهر خلافه
فرع: ظاهر كلامهم أن غير الطعام كهو في ذلك
قال في الفروع ولا فرق فلو زوجه الأمة برىء من
الغصب وقيل إن علم ربه وإلا فلا .
"من اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل أن البائع
غصبه منه فصدقه أحدهما" أي البائع أو المشتري
"لم يقبل على الآخر" لأنه لا يقبل إقراره في
حق غيره لكن إن أقام المدعي بينة بما إدعاه
بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على البائع
بالثمن
" وإن صدقاه مع العبد لم يبطل العتق" على
المذهب لأنه حق لله تعالى بدليل أنه لو شهد به
شاهدان وأنكره العبد لم يقبل منه وكذا إن
صدقاه جميعا دون العبد كان حرا لأنه قد تعلق
به حق لغيرهما .
"يستقر الضمان على المشتري" لأن التلف حصل في
يده وللمالك تضمين من شاء منهما قيمته يوم
العتق فإن ضمن البائع رجع على المشتري لما
ذكرنا وإن ضمن المشتري لم يرجع على البائع إلا
بالثمن وإن مات العبد وخلف مالا فهو لوارثه
فإن لم يكن فهو للمدعي لاتفاقهم علىانه له ولا
ولاء عليه لأن أحدا لا يدعيه وإن صدق المشتري
البائع وحده رجع عليه بقيمته ولم يرجع المشتري
بالثمن .
"يحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم" ويعود
العبد إلى المدعي لأنه مجهول النسب أقر بالرق
لمن يدعيه فصح كما لو لم يعتقه المشتري
(5/113)
فصل
وإن تلف المغصوب ضمنه بمثله إن كان مكيلا أو
موزونا وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم
إعوازه وقال القاضي يضمنه بقيمته يوم القبض
__________
فصل
"وإن تلف المغصوب" أو أتلفه "ضمنه" لقوله
تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ} "بمثله إن كان مكيلا أو موزونا"
لأنه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم
مقامها وقد حكاه ابن عبد البر إجماعا في كل
مأكول ومشروب أنه يجب على مستهلكه مثله لا
قيمته لأن المثل أقرب إليه من القيمة فهو
مماثل له من طريق الصورة والمشاهدة والمعنى
والقيمة مماثلة له من طريق الظن والاجتهاد
والأول مقدم كالنص مع القياس ومقتضاه أنه لو
قدر على المثل بأكثر من قيمته لزمه شراؤه صرح
به في الكافي وعنه يضمنه بقيمته ذكره القاضي
وذكر أيضا القيمة في نقرة وسبيكة وعنب ورطب
كما فيه صناعة مباحة لا محرمة وينبغي أن
يستثنى من الأول الماء في المفازة فإنه يضمن
بقيمته في البرية
مسألة: ظاهره أن المثلي ما حصره كيل أو وزن
والأولى وجاز السلم فيه كماء وتراب "وإن أعوز
المثل" في البلد أو حوله "فعليه قيمة مثله يوم
إعوازه" أي يوم تعذره لأنه يستحق المطالبة
بقيمة المثل يوم الإعواز فوجب أن تعتبر القيمة
حينئذ لأنه يوم وجوبها "وقال القاضي يضمنه
بقيمته يوم القبض" أي قبض بدله وهذا رواية عن
أحمد لأن الواجب المثل إلى حين قبض البدل
بدليل أنه لو وجد المثل بعد إعوازه لكان
الواجب هو دون القيمة
(5/114)
وعنه تلزمه
قيمته يوم تلفه وإن لم يكن مثليا ضمنه بقيمته
يوم تلفه في بلده من نقده ويتخرج أن يضمنه
بقيمته يوم غصبه
__________
"وعنه: يلزمه قيمته يوم تلفه" لأن القيمة تثبت
في الذمة يوم التلف فاعتبرت تلك الحالة كما لو
لم تختلف القيمة وعنه يلزمه يوم المحاكمة
وقاله أكثر العلماء لأن القيمة لم تنتقل إلى
ذمته إلا حين حكم بها الحاكم وعنه يوم غصبه
وقيل أكثرهما من يوم الغصب إلى يوم تعذر المثل
فإن غرمها ثم قدر على المثل لم ترد القيمة على
الأصح فلو قدر عليه قبل غرمها عاد وجوبه لأنه
الاصل قدر عليه قبل أداء البدل أشبه القدرة
على الماء بعد التيمم ولهذا لو قدر عليه بعد
المحاكمة وقبل الاستيفاء استحق المالك طلبه
وأخذه .
"إن لم يكن مثليا" كالثوب والعبد "ضمنه
بقيمته" في قول الجماعة لقوله عليه السلام :
"من أعتق شركا له في عبد قوم عليه" فأمر
بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق
ولم يأمر بالمثل لأن هذه الأشياء لا تتساوى
أجزاؤها وتختلف صفاتها فالقيمة فيها أعدل
وأقرب إليها فكانت أولى "يوم تلفه في بلده"
الذي غصبه فيه لأن ذلك زمن الضمان وموضعه وعنه
تعتبر القيمة ببلد تلفه جزم به في الكافي "من
نقده" فإن كان فيه نقود اعتبر أن يكون من
غالبه .
"يتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه" هذا رواية
عن أحمد نقلها الثقات منهم ابن مشيش وكذا ابن
منصور إلا أنه عاوده في ذلك فجبن عنه لأنه
الوقت الذي أزال يده فيه فلزمته القيمة كما لو
أتلفه و عنه أكثرهما أي من يوم غصبه إلى يوم
تلفه اختاره الخرقي كإتلافه في الأصح لكن
القاضي حمل كلام الخرقي على ما إذا اختلفت
القيمة لتغير الأسعار وقد علمت أن المذهب عدم
الضمان حتى قال القاضي لم اجد رواية عن أحمد
بأنها تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار ونقل
ابن أبي موسى خلافه و عنه يضمن المغصوب بمثله
مطلقا و قاله ابن أبي موسى واختاره الشيخ تقي
الدين واحتج بعموم قوله تعالى {فَآتُوا
الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا
أَنْفَقُوا}
(5/115)
وإن كان مصوغا
أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه فإن
كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما
للحاجة وأعطاه بالقيمة عرضا وإن تلف بعض
المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف تلف أحدهما
فعليه رد الباقي وقيمة التلف
__________
ولخبر القصعة وعنه مع قيمته وعنه غيرحيوان
بمثله ذكره جماعة وفي الواضح والموجز فينقص
عنه عشرة دراهم
فرع: لو حكم حاكم بغير المثلي في المثلى وبغير
القيمة في المتقوم لم ينفذ حكمه ولم يلزمه
قبوله ذكره في الانتصار والمفردات ولو أخذ
حوائج من بقال ونحوه في أيام ثم يحاسبه فإنه
يعطيه بسعر يوم أخذه نص عليه
"وإن كان مصوغا" مباحا "أو تبرا تخالف قيمته
وزنه قومه بغير جنسه" إذا كانت الصناعة فيه
مباحة كحلي النساء لئلا يؤدي إلى الربا وعلم
منه أنه يجب ضمانه بقيمته وذكر القاضي فيه أنه
يضمن بأكثر من وزنه لأن الزيادة في مقابلة
الصنعة فلا يؤدي إلى الربا ومقتضاه أن الصناعة
إذا أنه لم يجز ضمانه بأكثر من جنسه وجها
واحدا لأنه لا قيمة لها شرعا بل يضمنه بوزنه
وفيه وجه وقيل إن جاز اتخاذه ضمن كالمباح فاما
إن كانت قيمته كوزنه وجبت لأن تضمينه بها لا
يؤدي إلى الربا أشبه غيرالأثمان.
"إن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما
للحاجة" أي إلى تقويمها بأحدهما لأن كلا منهما
ثمن في قيم المتلفات وأروش الجنايات وليس
أحدهما أولى من الآخر فكانت الخيرة إليه
"وأعطاه بالقيمة عرضا" لئلا يفضي إلى الربا
وقيل من أتلف خلخالا أو سوارا فهل يضمن بوزنه
من جنسه ويضمن الصنعة من غيره أو يضمن الوزن
والصنعة بغير جنسه أو يضمنهما بجنسه فيه أوجه
وإن كسرها ضمن النقص من غالب نقد البلد وإن
كان من غيرجنسه.
"إن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي
خف" أو مصراعي باب "تلف أحدهما فعليه رد
الباقي" لأنه ملك غيره "وقيمة التالف" لأنه
تلف تحت يده
(5/116)
وأرش نقصه وقيل
لا يلزمه أرش النقص وإن غصب عبدا فأبق أوفرسا
فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فإن
قدر عليه بعد رده وأخذ القيمة وإن غصب عصيرا
فتخمر فعليه قيمته فإن انقلب خلا رده وما نقص
من قيمة العصير
__________
العادية "وأرش نقصه" إن نقص نصره الأصحاب لأنه
نقص حصل بجنايته فلزمه ضمانه كما لو غصب ثوبا
ينقصه الشق فشقه ثم تلف .
"وقيل لا يلزمه أرش النقص" لأن الباقي نقص
قيمته فلا يضمنه كالنقص لتغير الأسعار وجوابه
بالفرق بينهما فإن نقص السعر لم يذهب من
المغصوب عين ولا معنى وها هنا فوت عليه إمكان
الانتفاع به فوجب ضمان نقص قيمته فلو كانت
قيمتهما عشرين والباقي بعد التلف يساوي خمسة
فعلى الأول عليه خمسة عشر وعلى الثاني عشرة .
"إن غصب عبدا فأبق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر
رده مع بقائه ضمن قيمته" للمالك للحيلولة لا
أنه على سبيل العوض ويملكها وفي عيون المسائل
وغيرها خلافه لأنه إنما حصل بها الانتفاع في
مقابلة ما فوته الغاصب "فإن قدر عليه بعد رده"
لا يملكه الغاصب بأداء القيمة بل يرده إذا قدر
مع نمائه المنفصل وأجر مثله إلى حين دفع بدله
"وأخذ القيمة" أي الذي أخذها المالك بدلا عنه
لأنه أخذه بالحيلولة وقد زالت فيجب رد ما أخذ
من أجلها إن كان باقيا بعينه بزيادته المتصلة
لأنها تتبع في الفسوخ وهذا فسخ دون المنفصلة
لأنها نماء ملكه وإن كان البدل تالفا فعليه
مثله أو قيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال وفي
حبسه ليرد القيمة وجهان ولا يصح الإبراء منها
مع بقائها .
"إن غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته" لأن ماليته
زالت تحت يده أشبه ما لو أتلفها وقيل مثله من
العصير جزم به في الشرح والوجيز لأن ذلك يلزمه
بانقلابه خمرا "فإن انقلب خلا رده" لأنه عين
ملكه "وما نقص من قيمة العصير" إن نقص لأنه
نقص تحت يده أشبه ما لو نقص منه جزء وفي عيون
المسائل لا
(5/117)
فصل
وإن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله
مدة مقامه في يده وعنه التوقف في ذلك
__________
يلزمه قيمة العصير لأن الخل عينه كحمل صار
كبشا ويسترجع الغاصب ما أداه بدلا عنه وإن
غلاه غرم أرش نقصه وكذا نقصه وقيل لا لأنه ماء
فرع: لو غصب جماعة مشاعا فرد واحد منهم سهم
آخر إليه لم يجز له حتى يعطى شركاؤه نص عليه
وكذا إن صالحوه بمال عنه نقله حرب ويتوجه أنه
بيع المشاع ذكره في الفروع ولو شق ثوبه فلا
قصاص فيه ويضمن نقصه ونقل جماعة يخير اختاره
الشيخ تقي الدين
فصل
"وإن كانت للمغصوب أجرة" أي مما تصح إجارته
طفعلى الغاصب أجرة مثله مدة بقائه في يده" نص
عليه في رواية الأثرم وسواء استوفى المنافع أو
تركها تذهب لأن كل ما ضمن بالإتلاف في العقد
الفاسد جاز أن يضمنه بمجرد التلف في يده
كالأعيان لكن نص في قضايا فيها انتفاع يؤيده
ما نقله ابن منصور إن زرع بلا إذن عليه أجرة
الأرض بقدر ما إستغلها فظاهره أنه لا شيء عليه
إذا لم يستغلها وعنه لا يضمن المنافع مطلقا
لقوله عليه السلام "الخراج بالضمان" وضمانها
على الغاصب وكغنم أشبه ما لو زانى بامرأة
مطاوعة ورد بأنه أتلف مالا متقوما فوجب ضمانه
كالعين والخبر وارد في البيع والمرأة رضيت
بإتلاف منافعها بغير عوض ولا عقد فكان
كالإعارة والغنم ونحوها لا منافع لها تستحق
بعوض وعلى الأول لو غصب جارية ومضى زمن لم
يمكن وطؤها لم يضمن مهرها لأن منافع البعض لا
تتلف إلا بالاستيفاء بخلاف غيرها ولو أطرق
الفحل لم يضمن منفعته لكن عليه ضمان نقصه ولو
أخذ مالك الأرض الزرع لم يكن على الغاصب أجرة
إلا أن يأخذه بقيمته فتكون له الأجرة إلى وقت
أخذه "وعنه: التوقف عن ذلك" نقلها عنه محمد
عبد الحكم فيمن غصب دارا فسكنها عشرين سنة لا
(5/118)
وقال أبو بكر
هذا قول قديم رجع عنه وإن تلف المغصوب فعليه
أجرته إلى وقت تلفه وإن غصب شيئا فعجز عن رده
فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة
وفيما بعده وجهان
فصل
وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات
والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في إحدى
الروايتين
__________
أجترى أن أقول عليه أجرة ما سكن فدل على توقفه
عن إيجاب الأجر قال في المغني والشرح والأول
هو المذهب المعروف يؤكده ما "قال أبو بكر هذا
قول قديم رجع عنه" لأن محمد بن عبد الحكم مات
قبل أحمد بعشرين سنة .
"إن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه"
لأنه بعد التلف لم يبق له منفعة فلم يجب
ضمانها كما لو أتلفه من غير غصب .
"إن غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه
أجرته إلى وقت أداء القيمة" لأن منافعها إلى
وقت أدائها مملوكة لصاحبها فلزمه ضمانها
"وفيما بعده" أي بعد أداء القيمة إلى رده
"وجهان" أصحهما لا يلزمه لأنه استحق الانتفاع
ببدله الذي أقيم مقامه فلم يستحق الانتفاع به
وبما قام مقامه والثاني بلى لأن العين باقية
على ملكه والمنفعة له وظاهر كلامهم يضمن رائحة
مسك ونحوه خلافا للانتصار لا نقدا لتجارة
فصل
"وتصرفات الغاصب الحكمية" هي بالرفع صفة
لتصرفات والحكمية ما كان لها حكم في الصحة
والفساد فالصحيح من العبادة ما أجزأ فاعله أو
أسقط عنه القضاء وفي العقود ما ترتب أثره عليه
من الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح
والفاسد وهو الباطل ما ليس كذلك .
"الحج وسائر العبادات" كالطهارة والصلاة
والزكاة "والعقود كالبيع والنكاح ونحوها"
كالإجارة "باطلة في إحدى الروايتين" وهي ظاهر
المذهب
(5/119)
والأخرى صحيحة
فإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها وإن اشترى
في ذمته ثم نقدها فكذلك وعنه الربح للمشتري
__________
لأن ذلك التصرف تصرف الفضولي والصحيح من
المذهب أنه باطل وقد تقدم .
"والأخرى صحيحة" مطلقا ذكره ابو الخطاب لأن
الغاصب تطول مدته غالبا وتكثر تصرفاته ففي
إبطالها ضرر كبير وربما عاد بعض الضرر على
المالك فإن الحكم بصحتها يكون الربح للمالك
والعوض بنمائه وزيادته له والحكم ببطلانها
يمنع من ذلك وقال في الشرح وينبغي أن يتقيد في
العقود بما لم يبطله المالك فأما إن اختار
إبطاله باخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا
.
"وإن اتجر بالدراهم" بأن غصبها واتجر بها أو
عروضا فباعها واتجر بثمنها ولو قال بالنقد لعم
"فالربح لمالكها" نقله الجماعة واحتج بخبر
عروة بن الجعد وهذا حيث تعذر رد المغصوب إلى
مالكه ورد الثمن إلى المشتري قال جماعة منهم
صاحب الفنون والترغيب إن صح الشراء وقال
الشريف وابو الخطاب إن كان الشراء بعين المال
فعلى الأول هو له سواء قلنا يصح الشراء أو لا
وسواء اشتراه بعين المال أو في الذمة ونقل حرب
في خبر عروة إنما جاز لأن النبي صلى الله عليه
وسلم جوزه له وحيث تعين جعل الربح للغاصب أو
المغصوب منه فجعله للمالك أولى لأنه في مقابلة
ماله الذي فاته بمنعه ولم يجعل للغاصب شيء
منعا للغصب وعنه يتصدق به نقلها الشريف لوقوع
الخلاف فيه.
"وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك" أي فالربح
لربه هذا هو المشهور لأنه نماء ملكه أشبه ما
لو اشتراه بعينه وفي المحرر والمستوعب بنية
نقده الثمن من مال الغصب.
"وعنه: الربح للمشتري" لأنه اشترى لنفسه في
ذمته فكان الشراء له والربح له وعليه بدل
المغصوب وهذا قياس قول الخرقي وله الوطء نقله
المروذي فعلى هذا إن أراد التخلص من شبهة بيده
اشترى في ذمته ثم ينقد من مال الشبهة ولا
يشتري بعين المال قاله القاضي وابن عقيل وذكره
عن أحمد
(5/120)
وإن اختلفا في
قيمة المغصوب أو قدره أوصناعة فيه فالقول قول
الغاصب وإن اختلفا في رده أو عيب فالقول قول
المالك وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها
تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة
__________
فرع: لو دفع المال مضاربة فربحه على ما ذكرنا
وليس على المالك شيء من أجر العامل لأنه لم
يأذن فيه ثم إن كان المضارب عالما بالغصب فلا
أجر له لتعديه بالعمل و إن لم يعلم فعلى
الغاصب أجر مثله لأنه استعمله بعوض لم يسلم له
فلزمته أجرته كالعقد الفاسد.
"وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره" بأن قال
غصبتك ثوبا قال بل ثوبين "أو صناعة فيه" بان
قال المالك كان كاتبا أو ذا صنعة "فالقول قول
الغاصب" لأن الأصل براءة الذمة فلا يلزمه ما
لم تقم عليه حجة كما لو ادعى عليه دينا فأقر
بعضه "وإن اختلفا في رده أو عيب" بأن قال كانت
فيه أصبع زائدة أو نحوها "فالقول قول المالك"
لأن الأصل عدم الرد والعيب فلو زادت قيمة
المغصوب واختلفا في وقت الزيادة قدم قول
الغاصب لأن الأصل براءة ذمته وإن شاهدت البينة
المغصوب معيبا فقال الغاصب كان معيبا قبل غصبه
وقال المالك تعيب عندك قدم قول الغاصب لأنه
غارم والظاهر أن صفة العبد لم تتغير وقبل قول
المالك كاختلاف المتبايعين في حدوث العيب
مسألة: لو اختلفا في الثياب التي على العبد
فهي للغاصب لأنها في يده ولم تثبت أنها لمالك
العبد.
"وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها"
فسلمها إلى حاكم برىء من عهدتها ويلزمه قبولها
وله أن "يتصدق بها عنهم" على الأصح "بشرط
الضمان كاللقطة" لأنه عاجز عن ردها إلى مالكها
فإذا تصدق بها عنهم كان ثوابها لأربابها فيسقط
عنه إثم غصبها ففي ذلك جمع بين مصلحته ومصلحة
المالك لكن بشرط الضمان لأن الصدقة بدون ما
ذكر إضاعة لمال المالك لا على وجه بدل وهو غير
جائز وفي الغنية عليه ذلك ونقل أيضا على فقراء
مكانه إن عرفه لأن دية قتيل تؤخذ عليهم ولم
يذكر
(5/121)
فصل
ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه
__________
أصحابنا غير الصدقة لكن نقل إبراهيم بن هانىء
يتصدق أو يشتري به كراعا أو سلاحا يوقف هو
مصلحة للمسلمين وسأله جعفر عمن بيده أرض أو
كرم ليس أصله طيبا و لايعرف ربه قال يوقفه على
المساكين وذكر في الفروع توجيها على أفضل البر
وقال الشيخ تقي الدين يصرفه في المصالح وقاله
في وديعة ونقله عن العلماء وعنه لا يجوز
التصدق بالمغصوب كالرواية في اللقطة فعلى هذا
له دفعه إلى نائب الإمام كالضوال ونقل الأثرم
وغيره إذا علم ربه وشق دفعه وهو يسير كحبة
فسلمه إلى حاكم برىء
فائدة: رهن وديعة كغصب قاله الحارثي وغيره
وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها ولو كان فقيرا
نص عليه
فصل
"ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه" إذا كان
بغير إذنه بغير خلاف نعلمه لأنه فوته عليه
بالإتلاف فضمنه كما لو غصبه فتلف عنده وشرطه
أن يكون مالا احتراز عن الكلب والسرجين النجس
محترما احتراز عما ليس بمحترم وإن كان مالا
كآلة اللهو لغيره يحترز به عن نفسه لأنه لا
يجب الضمان على من هوله ويشترط فيه أن يكون
معصوما صرح به في الوجيز والفروع لأن ما ليس
بمعصوم لا يضمن ماله وزاد أو مثله يضمنه يحترز
به عن الأب إذا أتلف مال ولده والصي والمجنون
إذا أتلفا مالا دفعه مالكه إليهما بشرطه وما
تلف بين أهل العدل والبغاة وظاهره لا فرق فيه
بين الكبير والصغير والمختار والمكره لعموم من
وهو وجه في المكره وفي آخر يضمنه مكرهه كدفعه
مكرها لأنه ليس إتلافا وقيل المكره كمضطر
ويرجع في الأصح على من أكرهه إن جهل تحريمه
وقيل وعلمه لإباحة
(5/122)
وإن فتح قفصا
عن طائره أو حل قيد عبده أو رباط فرسه أو وكاء
زق مائع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله
قاعدا فألقته الريح فاندفق ضمنه وقال القاضي
لا يضمن ما ألقته الريح
__________
إتلافه وهل لربه مطالبة مكرهه فيه وجهان فإن
طالبه رجع على المتلف إن علم تحريمه وإن قلنا
لا لم يرجع عليه وقيل الضمان بينهما وكالعامد
والساهي وعلم منه أنه لا ضمان مع إذنه وعين
ابن عقيل الوجه المأذون فيه مع غرض صحيح "وإن
فتح قفصا عن طائره" فطار "أو حل قيد عبده"
فهرب "أو رباط فرسه" فشرد ضمنه لأنه تلف بسبب
فعله فلزمه الضمان كما لو نفره فلو بقي الطائر
في محله وكذا الآخرين فتلف بآفة سماوية لم يجب
الضمان لأن التلف لم يحصل بفعله وحذفه المؤلف
اعتمادا على ظهوره فلو بقي الطائر والفرس
بحالهما حتى نفرهما آخر وذهبا فالضمان على
المنفر لأن سببه أخص فاختص الضمان به كالدافع
مع الحافر وفي الفنون إن كان الطائر متألفا
فلا كذكاة مستأنس ومتوحش لأن المستأنس في مظنة
القدرة عليه فالقفص وعدمه سواء
تنبيه: لو دفع مبردا إلى مقيد فبرد قيده ففي
تضمين دافعه وجهان ولا يضمن دافع مفتاح إلى لص
لأن الدافع سبب واللص مباشر فأحيل الحكم عليه
قال الشيخ تقي الدين من غرم بسبب كذب عليه عند
ولي أمر فله تغريم الكاذب وهوالمشهور عن
المالكية لأن السبب يحال عليه الحكم إذا لم
يمكن إحالة الحكم على المباشر كمن ألقى شخصا
في زبية أسد فقتله الأسد أو في بحر فابتلعه
حوت "أو" حل "وكاء" بكسر الواو ممدودا ما يسد
به رأس القربة "زق مائع أو جامد فأذابته الشمس
أو بقي بعد حله قاعدا فألقته الريح فاندفق
ضمنه" لأن فعله سبب تلفه لم يتخلل بينهما ما
يمكن إحالة الحكم عليه فلزمه كما لو جرح
إنسانا فأفضى إلى تلفه بخلاف ما لو دفعه إنسان
بعد ذلك فإنه مباشر يمكن إحالة الحكم عليه
"وقال القاضي لا يضمن ما ألقته الريح" وزلزلة
الأرض لأن فعله غير ملجىء فلم يتعلق به ضمان
كما لو دفعه إنسان وفيه وجه لا يضمن فيما
أذابته الشمس لأن
(5/123)
وإن ربط دابة
في طريق فأتلفت أو أقتنى كلبا عقورا فعقر أو
خرق ثوبا ضمن إلا أن يكون دخل منزله بغير إذنه
وقيل في الكلب روايتان في الجملة
__________
فعله غيرملجىء مع أن قول القاضي منقوض بما إذا
أذابته الشمس لأنه لا يقول فيه بعدم الضمان
فرع: لو حبس مالك دواب فتلفت لم يضمن الحابس
وقيل بلى وينبغي أن يفرق بين الحبس بحق أو
غيره.
"وإن ربط دابة في طريق فأتلفت" ضمن لأنه متعد
بالربط وظاهره لا فرق فيه بين الواسع وغيره
لكن في الواسع إذا لم تكن يد صاحبها عليها
روايتان وفي الضيق يضمن ولو برجلها نص عليه
ومن ضربها إذن فرفسته فمات ضمنه ذكره في
الفنون ومثله لو ترك فيه طينا أو خشبة أو حجرا
أو كيس دراهم نص عليه وبإسناد خشبة إلى حائط
"أو اقتنى كلبا عقورا فعقر أو خرق ثوبا ضمن"
نص عليه لأنه متعد باقتنائه "إلا أن يكون دخل
منزله بغير إذنه" في رواية لأنه متعد بالدخول
فلم يضمنه المقتني وظاهره أنه لو دخل بإذنه
فإنه يضمنه الآذن لأنه تسبب إلى تلفه ونقل
حنبل إذا كان الكلب موثقا لم يضمن ما عقر
وظاهره أنه إذا أتلف شيئا بغير العقر كما لو
ولع أو بال في إناء إنسان أنه لا ضمان لأنه
هذا لا يختص الكلب العقور "وقيل في الكلب
روايتان" إحداهما يضمن لأن اقتناءه سبب للعقر
وأذى للناس فلزمه الضمان لما فيه من المبالغة
في الزجر والثانية لا لأنه لم يحصل منه جناية
وكسائر البهائم وجوابه بأنه متسبب وفي الرعاية
يضمن ما عقر خارج الدار إن لم يكفه ربه أو
يحذر منه "في الجملة" سواء كان صاحبه أو خارجا
عنه دخل بإذن صاحب المنزل أولا
فرع: حكم اسد ونمر وذئب وهر تأكل الطيور وتقلب
القدور في العادة حكم الكلب العقور وله قتل
الهر بأكل لحم ونحوه كالفواسق وفي الفصول حين
أكلها وفي الترغيب إن لم يندفع إلا به كصائل
(5/124)
وإن أجج نارا
في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره
وأتلفه ضمن إذا كان أسرف فيه أو فرط وإلا فلا
وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها
وإن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن ما
تلف بها في أصح الروايتين
__________
"وإن أجج نارا في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى
ملك غيره فأتلفه ضمن إذا كان أسرف فيه أو فرط"
بأن أججها بما تسري في العادة لكثرتها أو في
ريح شديدة تحملها أو فتح ماء كثيرا يتعدى
لأنها سراية عدوان فلزمه الضمان كما لو باشر
ذلك بالإتلاف فلو أججها ثم طرأت ريح لم يضمن
قال في عيون المسائل لو أججها على سطح داره
فهبت الريح فأطارت الشرر لم يضمن لأنه في ملكه
وهبوب الريح ليس من فعله بخلاف ما لو رمى قشر
بطيخ في طريق وظاهر الوجيز والفروع أنه يضمن
حيث لم يكن ذلك في ملكه صرح به في الشرح
لتعديه "وإلا فلا" ضمان حيث لم يوجد إفراط ولا
تفريط لأنه غيرمتعد لأنها سراية فعل مباح فلم
يضمن كسراية القود وفارق ما إذا حل زقا فاندفق
ما فيه لأنه متعد بحله.
"وإن حفر في فنائه" وهو ما كان خارج الدار
قريبا منها "بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها" لأنه
متسبب إلى إتلاف غيره فلزمه الضمان كواضع
السكين وسواء حفرها بإذن الإمام أوغيرإذنه
فيها ضرر أولا وقال بعض أصحابنا له حفرها
لنفسه بإذن الإمام ذكره القاضي فعليه لا ضمان
لأن اللإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر
فيه وجوابه بأنه حفر في مكان مشترك بغير إذن
أهله لغير مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن الإمام
فيه ولا نسلم أن للإمام الإذن فيه فدل أنه لا
يجوز لوكيل بيت المال وغيره بيع شيء من طريق
المسلمين النافذ وأنه ليس لحاكم الحكم بصحته
وقاله الشيخ تقي الدين وفي الفروع يتوجه جوازه
للمصلحة.
"وإن حفرها في سابلة" وهي الطريق المسلوكة
السبيل الطريق يذكر ويؤنث "لنفع المسلمين"
لينزل فيها ماء المطر أو ليشرب منها المارة
"لم يضمن ما تلف بها في أصح الروايتين" لأنه
محسن بفعله غير متعد أشبه باسط الحصير في
المسجد
(5/125)
__________
وعلله أحمد بأنه نفع للمسلمين ومحله ما لم يكن
فيه ضرر بالعمل في الوجيز بان حفرها في سابلة
واسعة لمصلحة عامة
والثانية يضمن واقتصر القاضي على حكايتها لأنه
مأذون له في ذلك بشرط سلامة العاقبة ولم توجد
وعنه: يضمن إلا أن يكون بإذن حاكم والأول أشهر
لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استئذان
الإمام وتعم البلوى به ومثله لو حفرها في موات
لتملك أو ارتفاق أو انتفاع عام نص عليه أو بنى
فيها مسجدا أو خانا ونحوهما لنفع المسلمين
فرع: فعل عبده بأمره كفعله أعتقه أولا ويضمن
سلطان آمر وحده وإن حفرها حر بأجرة أولا وثبت
علمه أنها في ملك غيره نص عليه ضمن الحافر
ونصه هما وإن جهل فالآمر وقيل الحافر ويرجع
على الآمر
تنبيه: حكم البناء في الطريق كالحفر فيه مسجدا
كان أو غيره نقل إسماعيل بن سعيد في المسجد لا
بأس به إذا لم يضر الطريق ونقل عبد الله أكره
الصلاة فيه إلا أن يكون بإذن الإمام ونقل
المروذي ان هده المساجد التي بنيت في الطريق
تهدم وسأله محمد بن يحيى الكحال يزيد في
المسجد من الطريق قال لا تصلي فيه
وفي المغني يحتمل أن يعتبر إذن الإمام في
البناء لنفع المسلمين دون الحفر لدعوى الحاجة
إليه لنفع الطريق وإصلاحها وإزالة الطين ظاهرا
منها فهو كتنقيتها وحفر هدفه فيها وقلع حجر
يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها ليملأها
وتسقيف ساقية فيها ووضع حجر في طين ليطأ الناس
عليه فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا نعلم
فيه خلافا وكذا بناء القناطر ويحتمل ان يعتبر
فيها اذن الإمام لأن مصلحته لا تعم قال بعض
أصحابنا في حفر البئر ينبغي ان يتقيد سقوط
الضمان اذا حفرها في مكان مائل
(5/126)
وان بسط في
مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا لم يضمن ما تلف
به وان جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به
حيوان فتلف لم يضمن في احد الوجهين وان اخرج
جناحا أو ميزابا الى الطريق فسقط على شيء
فأتلفه ضمن
__________
عن القارعة وجعل عليه حاجزا يعلم به لتوقّي
"وان بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا" أو
فعل فيه شيئا ينفع الناس "لم يضمن ما تلف به"
لأنه مأذون في ذلك شرعا فلم يضمن ما تولد منه
كسراية القود وقيل بل يضمن المال وعاقلته
والدية وقال ابن حمدان ان فعله بإذن الإمام أو
لحاجة فهدر والأول أولى وقاله الأكثر كوضع حصى
فيه لأنه أحسن بفعله من غيرتعد منه فلم يضمن
ما تلف كما لو أذن الإمام والجيران.
"وان جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان
فتلف لم يضمن في أحد الوجهين" وهو الأصح لأنه
جلس في مكان له الجلوس فيه من غيرتعد على احد
وتقييده بالواسع يخرج الضيق والثاني يضمن لأن
الطريق جعلت للمرور فيها لا الجلوس والمسجد
للصلاة وذكر الله تعالى وما ذكره المؤلف اولى
لأنه فعل فعلا مباحا والطريق الواسع يجلس فيه
عادة والمسجد جعل للصلاة وانتظارها والاعتكاف
في جميع الأوقات وبعضها لا تباح الصلاة فيه.
"وان أخرج جناحا أو ميزابا الى طريق فسقط" أو
شيء منه "على شيء فأتلفه ضمن" المخرج لأنه
متعد بذلك فوجب عليه ضمان ما تولد منه كما لو
جرح انسانا فتعدى الى قتله وأطلق المؤلف
الطريق ويستثنى منه ما اذاكان غير نافذ وأخرج
ذلك بإذن أهله فإنه لا ضمان عليه لعدم تعديه
مسألة: اذا تلفت حامل أو حملها من ريح طبيخ
علم أصحابه ذلك فلو كان ميله الى درب غيرنافذ
فالحق لأهل الدرب والمطالبة لهم فإن تشقق
الحائط ولم يمل فإن كان طولا فهو كالصحيح وان
كان عرضا فهو كالمائل
(5/127)
وما اتلفت
البهيمة فلا ضمان على صاحبها وان مال حائطة
ولم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه نص عليه
__________
تنبيه: اذا بنى حائطا في ملكه مستويا أو مائلا
الى ملكه فسقط فأتلف شيئا فهدر وان بناه مائلا
الى ملك غيره أو الطريق وخيف ضرره نقضه فإن
تركه فسقط فأتلف نفسا أو مالا ضمن المال
والعاقلة الدية وقيل هو كما لو مال بقى و ما
من حائطه الساقط في فنائه أو طريق فهلك به احد
فهل يضمن على وجهين
أصل: اذا تقدم الى مالك الحائط المائل فباعه
ثم سقط فأتلف شيئا فلا ضمان على البائع لأنه
ليس بملكه ولا على المشترى لأنه لم يطالب
بنقضه واذا قيل بالضمان والمتلف آدمي فالدية
على عاقلته فإن انكرت ان الحائط لصاحبهم لم
يلزمهم الا أن يثبت ذلك ببينه لأن الأصل عدم
الوجوب وان أبرأه والحق له فلا ضمان.
"وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها" اذا
لم تكن يد أحد عليها لقوله عليه السلام
"العجماء جبار" اى هدر وسواء كان المتلف صيد
حرم أو غيره أطلقه أصحابنا ومرادهم الا
الضارية والجوارح وشبهها قال الشيخ تقى الدين
فيمن امر رجلا بإمساكها ضمنه اذا لم يعلمه بها
وفي الفصول من أطلق كلبا عقورا أو دابة رفوسا
أو عضوضا على الناس وخلاه في طرقهم ورحابهم
فأتلف شيئا ضمنه لتفريط وظاهر كلامهم ولو كانت
مغصوبة عادة ضمنوا في الأشهر
وان أطارت الريح الى داره ثوبا لزمه حفظه فإن
لم يعرف صاحبه فلقطة وان عرفه لزمه اعلامه فإن
لم يفعل ضمن وان دخلها طائر غيره لم يلزمه
حفظه ولا اعلامه به وقيل الا ان يكون غير
ممتنع فيكون كالثوب وان أغلق عليه بابه ليمسكه
لنفسه ضمنه والا فلا
"وان مال حائطه" إلى غيرملكه وعلم به وأسقطه
في الترغيب "ولم يهدمه حتى اتلف شيئا لم يضمنه
نص عليه" لأن الميل حادث والسقوط بغير فعله
(5/128)
وأوما في موضع
أنه ان تقدم اليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل
ضمن الا ان تكون في يد انسان كالراكب والسائق
والقائد فيضمن ما جنت يدها وفمها دون ما جنت
رجلها
__________
أشبه ما لو وقع قبل ميله وسواء أمكته نقضه أو
طولب به أو لا
"وأوما في موضع أنه ان تقدم اليه بنقضه وأشهد
عليه فلم يفعل ضمن" لأنه مفرط أشبه ما لو باشر
الإتلاف وفيه روايتان عنه ففي رواية إن طالبه
مستحق بنقصه و أمكنه ضمن اختاره جماعة و في
رواية ابن منصور اذا كان أشهد عليه ضمن وقال
بعض اصحابنا يضمن مطلقا وهو قول ابن ابي ليلى
واسحاق كبنائه مائل
وأما إن طولب بالنقض فلم يفعل فقد توقف أحمد
في الجواب فيها وحكى في الشرح الضمان عن
الأصحاب
فعلى هذا المطالبة من كل مسلم وذمي يوجب
الضمان بشرطه أن كل واحد له حق المرور بخلاف
مستأجر ومستعير لكن ان كان المالك محجورا عليه
لسفه ونحوه فطولب لم يلزمه لعدم أهليته وان
طولب وليه أو الوصي فلم يفعل فالضمان على
المالك وان طولب احد الشريكين ففي حصته وجهان:
أحدهما لا شيء عليه لأنه لا يمكنه النقض بدون
اذن فهو كالعاجز والثاني يلزمه بحصته لأنه
يتمكن بمطالبة شريكه وإلزامه فصار مفرطا لأنه
لا تفريط من المالك ولا ذمة لها فيتعلق بها
ولا قصد فيتعلق برقبتها بخلاف العبد والطفل.
"الا ان تكون في يد انسان كالراكب والسائق
والقائد فيضمن ما جنت يدها وفمها دون ما جنت
رجلها" لما روى سعيد مرفوعا "الرجل جبار" وفي
رواية أبي هريرة "رجل العجماء جبار" فدل على
وجوب الضمان في جناية غيرها ولأنه يمكنه حفظها
من الجناية بها بخلاف الرجل وعنه يضمن ما جنت
برجلها ككبحها ونحوه ولو لمصلحة وكوطئه بها
وظاهر نقل ابن هانيء
(5/129)
ويضمن ما أفسدت
من الزرع والشجر ليلا ولا يضمن ما أفسدت من
ذلك نهارا
__________
فيه لا ونقل ابو طالب لا يضمن ما أصابت برجلها
أو نفحت بها لأنه لا يقدر على حبسها وهو ظاهر
كلام جماعة وعنه يضمن سائق جناية رجلها وعلى
المذهب لو كان السبب من غيرهم ضمن فاعل كنخسها
وتنفيرها ويعتبر في الراكب ان يكون متصرفا
فيها فلو كان عليها اثنان فالضمان على الأول
لأنه قادر على كفها الا أن يكون صغيرا أو
مريضا وإن كان الثاني متوليا تدبيرها فعليه
الضمان وإن اشتركا في التصرف أو كان معها سائق
وقائد اشتركا في الضمان وإن كان معمها أو مع
أحدهما راكب شارك وقيل راكب لأنه اقوى وقيل
قائد لأنه لاحكم للراكب معه ولا ضمان بذنبها
في الأصح ويضمن جناية ولدها
فرع: الإبل والبغال المقطرة كالوحدة على
قائدها الضمان وإن كان معه سائق شاركه في ضمان
الاخير فقط إن كان في آخرها فإن كان في أولها
شارك في الكل وإن كان فيما عدا الأول شارك في
ضمان ما باشر سوقه دون ما قبله وشارك فيما بعد
وان انفرد راكب بالقطار وكان على أوله ضمن
جناية الجميع قاله الحارثي.
"ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ولا
يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا" في قول أكثرهم
لما روي مالك عن الزهري عن حرام بن سعد "أن
ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال
حفظها بالنهار وماأفسدت بالليل فهو مضمون
عليهم" قال ابن عبد البر هذا وإن كان مرسلا
فهو مشهور وحدث به الإئمة الثقات وتلقاه فقهاء
الحجاز بالقبول ولأن العادة من أهل المواشي
إرسالها نهارا للرعي وحفظها ليلا عكس أهل
الحوائط ولهذا فرق بينهما وقضى على كل ما يحفظ
في وقت عادته وهذا رواية واقتصر في الوجيز على
الزرع فقط وظاهره أنها إذا أتلفت غيرالزرع
والشجر ليلا أنه لا ضمان على مالكها صرح به في
(5/130)
ومن صال عليه
آدمي أو غيره فقتله دفعا عن نفسه لم يضمنه وإن
اصطدمت سفينتان فغرقنا ضمن كل واحد منهما
سفينة الآخر وما فيها وإن كانت إحداهما منحدرة
فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون غلبه
ريح فلم يقدر على ضبطها
__________
المغني والشرح والمنصوص أنه يضمن ما أتلفت
ليلا وجزم به جماعة ولو انفلتت بغير اختياره
وقيل لا لعدم تفريطه ولا يضمن نهارا قال
القاضي هذه المسألة محمولة على المواضع التي
فيها مزارع ومراعي فأما القرى العامرة التي لا
مرعى فيها إلا بين فراجين كساقية وطرف زرع
فليس له إرسالها بغير حافظ فإن فعل لزمه
الضمان لتفريطه فأما الغاصب فيضمن ما أفسدت
مطلقا
فرع: إذا طرد دابة من زرعه لم يضمن إلا أن
يدخلها مزرعة غيره فإن اتصلت المزارع صبر
لترجع على ربها ولو قدر أن يخرجها وله منصرف
غير المزارع فتركها فهدر
"ومن صال عليه آدمي" مكلف "أو غيره" كبهيمة
ولم يمكنه دفعها إلا به ذكره في الشرح "فقتله
دفعا عن نفسه لم يضمنه" لأنه قتله بدفع جائز
فلم يضمنه لما فيه من صيانة النفس عن القتل.
"وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد
منهما" أي القيمين "سفينة الآخر وما فيها" لأن
التلف حصل بسبب فعليهما فوجب على كل منهما
ضمان ما تلف بسبب فعله كالفارسين إذا اصطدما
وهذا إذا كانا مفرطين فإن لم يكن فلا ضمان
عليهما لكن قطع في المغني والشرح وغيرهما بأن
كل واحد ضامن إذا فرط وعزاه الحارثي إلى
الأصحاب فإن اختلفا في التفريط ولا بينة قدم
قول القيم مع يمينه.
"وإن كانت إحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان
المصعدة" لأنها تنحط عليها من علو فيكون سببا
لغرقها فتنزل المنحدرة منزلة السائرة والصاعدة
بمنزلة الواقفة "إلا أن يكون غلبه ريح" أو
الماء شديد الجرية "فلم يقدر على ضبطها" فلا
ضمان عليه لأنه لا يعد مفرطا ولأن التلف يمكن
استناده إلى
(5/131)
ومن أتلف
مزمارا أو طنبورا أو صليبا أو كسر إناء ذهب أو
فضة أو إناء خمر لم يضمنه وعنه أنه يضمن آنية
الخمر إن كان ينتفع بها في غيره
__________
الريح فإن فرط صاحب المصعدة بأن كان يمكنه
العدول بسفينة ضمن وإن كان إحداهما سائرة
والأخرى واقفة فلا شيء عليهما وعلى السائر
ضمان الواقفة إن كان القيم مفرطا وإلا فلا
فرع: إذا كانت دابة عليها حطب فخرق ثوب آدمي
بصير عاقل يجد منحرفا فهدر وكذا لو كان
مستدبراً فصاح به منبها له وإلا ضمن ذكره في
الترغيب.
"ومن أتلف مزمارا" ويقال مزمور بضم الميم
الأولى "أو طنبورا" وهو بضم الطاء وهو فارسي
معرب والطنبار لغة فيه بوزن سنجار "أو صليبا"
لم يضمنه في قول الجماهير ولو مع صبي نص عليه
لأنه لا يحل بيعه فلم يضمن كالميتة وللخبر "إن
الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير
والأصنام" متفق عليه ولو عبر بالملهي لعم كعود
وطبل ودف بصنوج أو حلق نص عليهما ونرد وشطرنج
أو آلة سحر أو تنجيم ونحوه.
"أو كسر إناء ذهب أو فضة" لم يضمنه نص عليه
لأنه أتلف ما ليس بمباح فلم يضمنه كالميتة
وعنه بلى حكاها أبو الخطاب نقل مهنا فيمن هشم
على غيره إبريق فضة عليه قيمته يصوغه كما كان
فقيل له أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن اتخاذها فسكت فهذا يدل على أنه رجع عن قوله
ذلك.
"أو إناء خمر لم يضمنه" على الأصح لما روى ابن
عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن
يأخذ مدية ثم خرج إلى أسواق المدينة وفيها
زقاق الخمر قد جلبت من الشام فشقت بحضرته وأمر
أصحابه بذلك" رواه أحمد وهذا إذا كان الخمر
الذي فيها يؤمر بإراقته قدر يريقها بدونه أو
عجز نقله المروذي ونقل الأثرم وغيره إن لم
يقدر لم يضمن على الأصح فيهن كخنزير.
"وعنه: أنه يضمن آنية الخمر إن كان ينتفع بها
في غيره" لأنه مال يمكن الإنتفاع به ويحل بيعه
فيضمنها كما لو لم يكن فيها خمر ولأن جعل
(5/132)
__________
الخمر فيها لا يقتضي سقوط ضمانها كمخزن الخمر
لكن نقل ابن منصور أنه لا يضمن مخزنا للخمر
واختاره ابن بطة وغيره ونقل حنبل بلى وجزم به
المؤلف ولا يضمن كتابا فيه أحاديث رديئة نقله
المروذي فجعله كآلة لهو ولا حليا محرما على
الرجال لم يستعملوه يصلح للنساء
مسألة: إذا وقع في محبرته مال غيره بتفريطه
فلم يخرج كسرت مجانا وإن لم يفرط ضمن رب المال
كسرها فإن بذل ربها بدله ففي وجوب قبوله وجهان
(5/133)
باب الشفعة
وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد
مشتريها ولا يحل الإحتيال لإسقاطها
__________
باب الشفعة
هي بإسكان الفاء مأخوذة من الشفاعة أو الزيادة
أو التقوية أو من الشفع وهو أحسنها لأن الشفع
هو الزوج فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه
فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه وبالثاني جزم به
بعض أهل اللغة لأن نصيبه كان وترا فصار شفعا
والشافع هو الجاعل الوتر شفعا والشفيع فعيل
بمعنى فاعل وهي ثابتة بالسنة فروى جابر "أن
النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل
ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا
شفعة" رواه أحمد والبخاري وبالإجماع حكاه ابن
المنذر قال في المغني ولا نعلم أحدا خالف فيها
إلا الأصم فإنه قال لا يثبت لما فيه من
الإضرار بأرباب الأملاك لتقاعس الناس عن
الشراء حيث علموا انتزاع ما يشترونه وجوابه
بأنه يندفع ذلك بالمقاسمة وأعقب الشفعة للغصب
فإنها تؤخذ قهرا فكأنها مستثناة من تحريم أخذ
مال الغير قهرا.
"وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد
مشتريها" هذا بيان لمعناها ولا يخفى ما فيه من
الإحتراز لكنه غيرجامع لخروج الصلح بمعنى
البيع والهبة بشرط الثواب ولا مانع لأنه يرد
عليه الكافر ولا شفعة له وفي المغني استحقاق
الشريك انتزاع حصة شريكة المنتقلة عنه من يد
من انتقلت إليه وهو غيرمانع لدخول ما انتقل
بغير عوض كالإرث والوصية والهبة بغير ثواب أو
بعوض غيرمالي على المشهور كالخلع ونحوه
والأحسن أن يقال هي استحقاق الشريك أخذ حصة
شريكه من يد من انتقلت عنه بعوض مالي مستقر.
"ولا يحل الإحتيال لإسقاطها" قال الإمام أحمد
لا يجوز شيء من الحيل في
(5/134)
ولا تثبت إلا
بشروط خمسة أحدها أن يكون مبيعا ولا شفعة فيما
انتقل بغير عوض بحال ولا فيما عوضه غيرالمال
كالصداق وعوض الخلع والصلح عن دم العمد في أحد
الوجهين
__________
إبطالها ولا إبطال حق مسلم استدل الأصحاب بما
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا
محارم الله" وقد حرم الله الحيل في مواضع من
كتابه ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر فلو سقطت
بالحيل للحق الضرر فلم تسقط كما لو أسقطها
المشتري عنه بوقف أو بيع فعلى هذا لو احتال لم
يسقط ومعنى الحيلة أن يظهر المتعاقدان في
البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه ويتواطؤون في
الباطن على خلافه مثل أن يشتري بدنانير ويقضيه
عنها بدراهم أو يشتري شقصا بثمن ثم يبرئه من
بعضه أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثم يهب
البائع باقيه ويأخذ الجزء المبيع من الشقص
بقسطه من الثمن ويحتمل أن يأخذ الشقص كله
بجميع الثمن.
"ولا تثبت إلا بشروط خمسة أحدها ان يكون
مبيعا" وهو محل وفاق والخبر وارد فيه ولأن
غيرالمبيع ليس منصوصا عليه ولا هو في معنى
المنصوص وشرطه أن يكون ثابتا وقيل ولو مع خيار
مجلس وشرط وقيل شرط كمشتر.
"ولا شفعة فيما انتقل بغير عوض" كالهبة بغير
ثواب والصدقة والوصية والإرث"بحال" في قول
أكثر العلماء لأن ذلك ليس في معنى البيع
والأخذ يقتضي دفع العوض ولم يقصد فيها
المعاوضة ويلحق به المردود بالعيب أو الفسح
"ولا فيما عوضه غيرالمال كالصداق وعوض الخلع
والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين" هذا ظاهر
الخرقي واختاره أبو بكر وذكر القاضي أنه قياس
المذهب وجزم به في الوجيز لأنه مملوك بغير
المال أشبه الإرث والثاني يجب اختاره ابن حامد
وقاله ابن شبرمة وابن أبي ليلى لأنه مملوك
بعقد معاوضة أشبه البيع وأطلق في الفروع
الخلاف ثم قال وعلى قياسه ما أخذ أجرة أو ثمنا
في سلم أو عوضا في كتابة فإن وجبت
(5/135)
فصل
الثاني أن يكون شقصا مشاعا من عقار ينقسم فأما
المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه
__________
فقيل يأخذه بقيمته وقيل بقيمة مقابله وعلى
الأخذ لو طلق الزوج بعد الدخول بعد عفو الشفيع
رجع بنصف ماأصدقها لأنه موجود في يدها نصفه
وإن طلقها بعد أخذ الشفيع رجع بنصف قيمته لأن
ملكها زال عنه وإن طلق قبل علم الشفيع ثم علم
فوجهان: أحدهما يقدم حق الشفيع لأنه ثبت
بالنكاح السابق والثاني يقدم حق الزوج لأنه
ثبت بالنص والإجماع وهما معدومان في الشفعة
هنا وفهم منه أن ما انتقل بعوض مالي كالصلح
بمعنى البيع والصلح عن الجناية الموجبة للمال
والهبة المشروط فيها ثواب معلوم فإنها تثبت
فيها لأن ذلك يثبت فيه أحكام البيع.
فزع: إذا جنى جنايتين عمدا أو خطأ فصالحه
منهما على شقص فالشفعة في نصفه فقط إن قلنا
موجب العمد القصاص عينا وإلا وجب في الجميع
فصل
"الثاني أن يكون" المبيع "شقصا" بكسر أوله قال
أهل اللغة هو من الأرض والطائفة من الشيء
"مشاعا من عقار" مرادهم بالعقار هنا الأرض دون
الغراس والبناء لما يأتي وظاهر كلام أهل اللغة
بل صريحه أن النخل عقار "ينقسم" أي تجب قسمته
وعنه مطلقا اختاره ابن عقيل وأبو محمد الجوزي
والشيخ تقي الدين وعنه وغيره إلا في منقول
ينقسم فالشقص يحترز به عن الكل لأن الأخذ به
أخذ بالجوار وبالإشاعة عن المقسوم وبالعقار عن
غيره لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص.
"فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه" في
قول عمر وعثمان وخلق لحديث جابر ولقوله
"الشفعة فيما لم يقسم" معناه أن الشفعة حاصلة
أو ثابتة أو مستقرة في كل ما لم يقسم فما قسم
لا تحصل فيه ولا تثبت ويؤكده هذا رواية الحصر
والراوي ثقة عالم باللغة فينقل اللفظ بمعناه
وعنه أنها تثبت للجار حكاه القاضي يعقوب في
التبصرة وصححها ابن الصيرفي والحارثي وكذا
اختاره
(5/136)
ولا شفعة فيما
لا تجب قسمته كالحمام الصغير والبئر والطرق
والعراص الضيقة
__________
الشيخ تقي الدين مع الشركة في الطريق لما روى
جابر مرفوعا أنه قال "الجار أحق بشفعة جاره
ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما
واحدا" رواه الخمسة وحسنه الترمذي وروى أبو
رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الجار
أحق بصقبه" رواه النسائي ولأنه اتصال ملك يدوم
ويتأبد فتثبت فيه كالشركة والأول أولى لأن
حديث أبي رافع ليس بصريح فيها فإن الصقب القرب
فيحتمل أنه أحق بإحسان جاره وصلته مع أن خبرنا
صريح فيقدم على غيره وأحاديثهم فيها مقال
ويحتمل أنه أراد بالجار الشريك كما تسمى
الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج ولأن
الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل
لمعنى معدوم في محل النزاع فلا تثبت فيه فعلى
هذا لا فرق بين كون الطريق مفردة أو مشتركة
وسأله أبو طالب الشفعة لمن هي قال إذا كان
طريقهما واحدا مشتركا لم يقتسموا فإذا صرفت
الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة وإن بيعت دار لها
طريق في درب لا ينفذ فوجهان والأشهر يجب إن
كان للمشتري طريق غيره أو أمكن فتح بابه إلى
شارع وإن كان نصيب مشتر فوق حاجته ففي زائد
وجهان وكذا دهليز جاره وصحنه
فرع: إذا قدم من لا يراها لجار إلى حاكم فأنكر
لم يحلف وإن أخرجه خرج نص عليه وقال لا يعجبني
الحلف على أمر اختلف فيه قال القاضي لأن يمينه
هنا على القطع والبت ومسائل الإجتهاد ظنية فلا
يقطع ببطلان مذهب المخالف وحمل في المغني
والشرح على الورع وإن حكم حنفي لشافعي بها فله
الأخذ عند ابن عقيل ومنعه القاضي.
"ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير
والبئر والطرق والعراص الضيقة" في ظاهر المذهب
لقوله عليه السلام "لا شفعة في فناء ولا طريق
ولا منقبة" رواه أبو عبيد في الغريب المنقبة
الطريق الضيق بين
(5/137)
وما ليس بعقار
كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إحدى
الروايتين إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا
للأرض ولا تؤخذ الثمرة تبعا في أحد الوجهين
الثالث المطالبة بها على الفور
__________
دارين لا يمكن أن يسلكه أحد والثانية بلى لما
روى ابن عباس مرفوعا "الشريك شفيع والشفعة في
كل شيء" رواه الترمذي والنسائي متصلا ومرسلا
وهو أصح قاله الدارقطني والذي وصله أبو حمزة
السكري وهو مخرج عنه في الصحيحين ولأنها وضعت
لإزالة الضرر ووجوده فيما لا يقسم أبلغ منه
فيما يقسم والأول أشهر لأن إثبات الشفعة في
هذا تضر بالبائع لأنه لا يمكنه أن يتخلص من
إثبات الشفعة في نصيبه بالقيمة وقد يمنع
المشتري لأجل الشفيع فيتضرر البائع وقد يمنع
البيع فيسقط فيؤدي إثباتها إلى نفيها وظاهره
أن الحمام الكبير حيث قسم وانتفع به حماما
والبئر والعضائد متى أمكن أن يحصل من ذلك
شيئان ثبت فيه كالرحا.
"وما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء
المفرد في إحدى الروايتين" هي ظاهر المذهب لأن
من شرط وجوبها أن يكون المبيع أرضا لأنها هي
التي تبقى على الدوام ويدوم ضررها والثانية
بلى وقد سبق "إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا
للأرض" إذا بيع مع الأرض بغير خلاف في المذهب
ولا نعرف فيه خلافا بين من أثبت الشفعة قاله
في الشرح.
"ولا تؤخذ الثمرة "وقيدها في المغني والشرح
بالظاهر "والزرع تبعا" أي إذا بيع مع الأرض
"في أحد الوجهين" وهو المذهب لأن ذلك لا يدخل
في البيع فلا يدخل في الشفعة كقماش الدار
والثاني بلى يؤخذ تبعا كالغراس ومقتضاه أن
غيرهما مما يدخل مع أنه ذكر في المغني إن
اشتراه وفيه طلع لم يؤبر فأبره لم يأخذ الثمرة
بل الارض والنخل بحصته كشقص وسيف وكذا ذكر
غيره إذا لم يدخل أخذ الأصل بحصته
" الثالث: المطالبة بها على الفور" لقوله عليه
السلام "الشفعة لمن واثبها" في رواية "الشفعة
كحل العقال" رواه ابن ماجة ولأن ثبوتها على
التراخي ربما
(5/138)
ساعة يعلم نص
عليه وقال القاضي له طلبها في المجلس وإن طال
فإن أخره سقطت شفعته إلا أن يعلم وهو غائب
فيشهد على الطلب بها ثم إن أخر الطلب بعد
الإشهاد عند إمكانه
__________
أضر بالمشتري لعدم استقرار ملكه وحينئذ يشهد
"ساعة يعلم نص عليه" وهو المختار لعامة
الاصحاب لظاهر ما سبق واحترز بالعلم عما إذا
لم يعلم فإنه على شفعته ولو مضى عليه سنوات.
"وقال القاضي" وأصحابه واختاره ابن حامد وحكاه
ابن الزاغوني رواية "له طلبها في المجلس و إن
طال" لأن المجلس في حكم حالة العقد بدليل صحته
بوجود القبض فيما يشترط قبضه فيه وعنه
واختارها القاضي يعقوب أنها على التراخي لأنها
خيار لدفع ضرر محقق فكانت على التراخي كخيار
العيب ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى كقوله
بعني أو صالحني أو قاسمني لأنه حق لا ضرر في
تأخيره أشبه القصاص.
"فإن أخره" عن ساعة العلم أو المجلس على
الخلاف بلا عذر "سقطت شفعته" فلو أخره لعذر
مثل أن يعلم ليلا فيؤخره إلى الصباح أو لحاجة
أكل أو شرب أو طهارة أو إغلاق باب أو خروج من
حمام أو ليأتي بالصلاة وسنتها فهو على شفعته
في الأصح ونقل ابن منصور لا بد من طلبه ثم له
أن يخاصم ولو بعد أيام "إلا أن يعلم وهوغائب
فيشهد على الطلب بها" إذا قدر عليه فيعلم منه
أنه مطالب غير تارك.
"ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه"
وفيه وجهان: أحدهما تبطل لأنه تارك للطلب أشبه
ما لو كان حاضرا ولم يشهد والثاني لا يسقط لأن
عليه في السفر عقيب الإشهاد ضررا لالتزامه
كلفته وانقطاع حوائجه وفي المغني إن أخر
القدوم بعد الإشهاد والطلب وهو صحيح لأنه لا
وجه لإسقاط الشفعة بتأخير الطلب بعد الإشهاد
وهو غائب لأن الطلب حينئذ لايمكن بخلاف القدوم
فإنه ممكن وتأخير ما يمكن لإسقاطه وجه بخلاف
تأخير ما لا يمكن
(5/139)
أو لم يشهد
ولكن سار في طلبها فعلى وجهين وإن ترك الطلب
والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ومن لا
يجد من يشهده أو لإظهارهم زيادة في الثمن أو
نقصا في المبيع
__________
"أو لم يشهد ولكن سار في طلبها فعلى وجهين"
أحدهما تبطل وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي لأن
السير قد يكون لطلبها أو لغيره فوجب بيان ذلك
بالإشهاد كما لو لم يسر والثاني لا تسقط لأن
سيره عقيب علمه ظاهر في طلبها فاكتفى به كالذي
في البلد قال الزركشي وينبغي أن يكون حكم سير
وكيله حكم سيره وكذلك الوجهان إن أخر الطلب
بعد القدوم والإشهاد أو نسي المطالبة أو البيع
أو جلهلها أو ظن المشتري زيدا فبان غيره ولفظ
الطلب أنا طالب أو مطالب أو آخذ بالشفعة أو
قائم عليها ونحوه
"وإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض"
فهو على شفعته لأنه معذور أشبه ما لو لم يعلم
لكن إن كان المرض لا يمنع المطالبة كالمرض
اليسير والألم القليل فهو كالصحيح فإن كان له
عذر وقدر على التوكيل فلم يفعل فوجهان: أحدهما
يبطل لأنه تارك للطلب مع إمكانه فهو كالحاضر
والثاني لا يسقط لأنه إن كان بجعل ففيه غرم
وإن كان بغيره ففيه منة وقد لا يثق به
"والمحبوس" لكن إن كان حبسه بحق يمكنه أداؤه
فأبى سقطت شفعته "ومن لا يجد من يشهده" بأن لا
يجد شاهدي عدل ولا مستوري الحال فإن وجد واحدا
حرا عدلا فوجهان: أحدهما هو على شفعته إذ لا
يثبت البيع بقول واحد
والثاني يسقط لأنه حجة مع اليمين كالعدلين أو
رجل وامرأتين أو لم يجد من يشهده فهو على
شفعته للعذر.
"أو لإظهارهم زيادة في الثمن" ليس ذلك شرطا
فيه بل لو أظهر المشتري زيادة في الثمن لم
تبطل وعكسه لو أظهر أن الثمن قليل فترك الشفعة
وكان الثمن كثيرا سقطت لأن من لا يرضى بالقليل
لا يرضى بأكثر منه قاله في الكافي "أو نقصا في
المبيع" أو أنهما تبايعا بدنانير فبانت دراهم
أو بالعكس
(5/140)
أو أنه موهوب
له أو أن المشتري غيره أو أخبره من لا يقبل
خبره فلم يصدقه فهو على شفعته
__________
لأنهما جنسان "أو أنه موهوب له" لأن من شرطه
العوض "أو أن المشتري غيره" أو كان كاذبا "أو
أخبره من لا يقبل خبره" كالفاسق "فلم يصدقه
فهو على شفعته" في الصور السابقة لأنه لم يعلم
الحال على وجهه كما لو لم يعلم ولأن خبر من لا
يقبل خبره مع عدم تصديق الشفيع له يكون وجوده
كعدمه ومقتضاه أنه إذا صدقه تسقط شفعنه لأن
تصديقه اعتراف بوقوع وهو غيرمطالب بها فوجب
سقوطها كما لو أخبره ثقة.
"وإن أخبره من يقبل خبره" كعدلين "فلم يصدقه"
بطلت لأن ذلك يوجب ثبوت البيع صدق الشفيع أولا
وكذا إن أخبره عدل أو مستوري الحال في الأصح
والمرأة والعبد كضدهما وقال القاضي هما
كالفاسق والصبي
"أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني
سقطت شفعته" لأنه يدل على رضاه فوجب أن يسقط
لتأجير الطلب عن ثبوت البيع وكذا قوله هبه لي
أو ائتمني عليه ممن شئت ونحوه.
"وإن دل في البيع" أي عمل دلالا بينهما أو رضي
به أو ضمن ثمنه "أو توكل لأحد المتابعين" فله
الشفعة في الأصح وقال القاضي إن كان وكيل
البائع فلا شفعة له وقيل عكسه ومثله وصي وحاكم
وقيل إن باع شقصا ليتيم في شركته أو أشترى له
شقصا في شركته فلهما الشفعة كما لو تولى العقد
غيرهما وقيل لهما الشفعة إذا اشترياه فقط "أو
جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على
شفعته" لأن ذلك سبب ثبوت الشفعة فلم تسقط به
كما لو أذن في البيع أو عفا عنها قبل تمام
البيع ولأن المسقط لها الرضى بتركها ولم يوجد
فرع: لو عليه لم تسقط وكذا إن قال له بارك
الله لك في صفقتك أودعا له بالمغفرة في الأصح
(5/141)
وإن أخبره من
يقبل خبره فلم يصدقه أو قال المشتري يعني ما
اشتريت أو صالحني سقطت شفعته وإن دل في البيع
أو توكل لأحد المتبايعين أو جعل له الخيار
فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته وإن أسقط
شفعته قبل البيع لم تسقط ويحتمل أن تسقط وإن
ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط وله
الأخذ بها إذا كبر وإن تركها لعدم الحظ فيها
سقطت ذكره ابن حامد وقال القاضي يحتمل أن لا
تسقط
__________
"وإن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط" في ظاهر
المذهب وهو قول الجمهور لأنه إسقاط حق قبل
وجوبه فلم يسقط كما لو أبرأه مما يجب له
"ويحتمل أن تسقط" حكاه في المغني والمحرر
وأطلقهما فيه لمفهوم قوله عليه السلام "فإن
باع ولم يؤذنه فهو أحق به" لأنه إذا باع بإذنه
لاحق له فيه وأجاب في المغني بأنه يحتمل أنه
أراد العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد لتخف عليه
المؤنة ويكفي أخذ المشتري الشقص لا أنه يسقط
حقه بإذنه.
"وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط"
وقاله جماعة لأنها وجبت بالبيع وإسقاط الولي
لها لا يصح لأنه إسقاط حق للمولى عليه ولا حظ
له في إسقاطه فلم يصح كالإبراء وإذا ثبت أنه
لا يملك الإسقاط فتركه أولى وعلم منه أن
الشفعة تثبت للصغير كالبائع وقال ابن أبي ليلى
وجمع لا شفعة له ورد بأن ضرر المال فاستويا
وكخيار العيب.
"وله الأخذ بها إذا كبر" أي بلغ ورشد نص عليه
لأنه الوقت الذي يتمكن فيه من الأخذ "وإن
تركها لعدم الحظ فيها" أو لإعسار الصغير "سقطت
ذكره ابن حامد" وتبعه القاضي وعامة أصحابه
لأنه فعل ما له فعله فلم يكن للصغير نقضه
كالرد بالعيب "وقال القاضي يحتمل أن لا تسقط"
هذا ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور
والخرقي وقدمه في المحرر والفروع لأن حق الأخذ
ثبت فلا يسقط بترك غيره كوكيل الغائب فعلى هذا
هي له سواء عفا عنها الولي أولا وسواء كان
فيها حظ أولا وللولي الأخذ بها إذا كان فيها
حظ وقال في المغني يجب لأنه مصلحة من غيرمفسدة
والولي عليه رعاية مصالح
(5/142)
فصل
الرابع أن يأخذ جميع المبيع فإن طلب أخذ البعض
سقطت شفعته فإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما
على قدر ملكيهما وعنه على عدد الرؤوس فإذا ترك
أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل
أو يترك
__________
موليه وإن لم يكن فيها حظ فلا فإن فعل لم يصح
على الأصح كمنعه من الشراء أشبه مالو اشترى
معيبا يعلم عيبه وقال ابن بطة يسقط لأنه يملك
الأخذ فملك الترك كالمالك
فائدة: حكم المجنون المطبق والسفيه كالصغير
والمغمى عليه كالغائب والمفلس له الأخذ بها
والعفو عنها وليس لغرمائه إجباره على الأخذ
بها وأما المكاتب فله الأخذ والترك وليس لسيده
الإعتراض
فصل
"الرابع أن يأخذ جميع المبيع" لأن في أخذه
بعضه إضرارا بالمشتري بتبعيض الصفقة عليه
والضرر لا يزال بمثله مع أنها تثبت على خلاف
الأصل دفعا لضرر الشريك فإذا أخذ البعض لم
يندفع الضرر "فإن طلب أخذ البعض سقطت شفعته"
لأنه إذا سقط بعضها سقط كلها كالقصاص "فإن
كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكيهما"
في ظاهر المذهب لأن ذلك حق يستفاد بسبب الملك
فكان على قدر الأملاك كالغلة فدار بين ثلاثة
نصف وثلث وسدس فباع رب الثلث فالمسألة من ستة
والثلث يقسم على أربعة لصاحب النصف ثلاثة
ولصاحب السدس واحد.
"وعنه على عدد الرؤوس" اختارهاابن عقيل لأن كل
واحد منهما لو انفرد استحق الجميع فإذا اجتمعا
تساويا كالبنين وسراية العتق وهو ينتقض
بالفرسان والرجالة في الغنيمة فإن من انفرد
منهم أخذ الكل فإذا اجتمعوا تفاضلوا كأصحاب
الديوان والجمع كالإثنين من غيرفرق "فإذا ترك
أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل
أو يترك" إجماعا حكاه ابن المنذر لأن في
(5/143)
فإن كان
المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الآخر فإن
ترك شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك
وإذا كانت دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه
لأجنبي صفقتين ثم علم شريكه فله أن يأخذ
بالبيعين وله أن يأخذ بأحدهما فإن أخذ بالثاني
شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين
__________
أخذ البعض إضرارا بالمشتري ولو وهبا لشريكه أو
لغيره لم يصح فإن كان أحدهما غائبا فليس
للحاضر أن يأخذ إلا الكل أو يترك كالعفو نص
عليه لكن إن ترك الطلب منتظرا لشريكه فوجهان:
أحدهما تسقط لتركه طلبها مع إمكانه والثاني لا
لأن له عذرا وهو الضرر الذي يلزمه بأخذ شريكه
منه فإن أخذ الجميع ثم حضر الثاني قاسمه فإذا
حضر ثالث قاسمهما وما حدث من نماء منفصل في يد
الأول فهو له لأنه حدث في ملكه.
"فإن كان المشتري شريكاا فالشفعة بينه وبين
الآخر" لكل واحد قدر نصيبه لأنهما تساويا في
الشركة فوجب تساويهما في الشفعة كما لو كان
المشتري أجنبيا "فإن ترك" المشتري "شفعته
ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك" أي لم
يلزمه ذلك ولم يصح الإسقاط لأن ملكه قد استقر
على قدر حقه وجرى مجرى الشفيعين إذا حضر
أحدهما فأخذ الجميع ثم حضر الآخر وطلب حقه
منهما فقال الآخر خذ الكل أو دعه "وإذا كانت
دار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجني صفقين"
بأن باعه ربعا منها وصحح ثم باعه الربع الآخر
فقد تعدد العقد "ثم علم شريكه فله أن يأخذ
بالبيعين" لأنه شفيع فيهما "وله أن يأخذ
بأحدهما" لأن كل واحد منهما عقد مستقل بنفسه
وهو يستحقهما فإذا أسقط البعض كان له ذلك كما
لو أسقط حقه من الكل "فإن أخذ بالثاني شاركه
المشتري في شفعته" بنصيبه الأول "في أحد
الوجهين" لأن الشفيع بإسقاطه حقه من البيع
الأول استقر ملك المشتري فصار شريكه فيشاركه
في البيع الثاني والآخر لا يشاركه لأن ملك
المشتري لم يستقر على المبيع بدليل أن للشفيع
أخذه بعد البيع الثاني فلم يستحق به شفعة وفي
ثالث إن عفا الشفيع عن أولهما شاركه وهو ظاهر
وأطلق الخلاف في
(5/144)
وإن أخذ بالأول
لم يشاركه وأن أخذ بهما لم يشاركه في شفعة
الأول وهل يشاركه في شفعة الثاني على وجهين
وإن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق
أحدهما و إن اشترى واحد حق أثنين أو أشترى
واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة فللشفيع أخذ
أحدهما على أصح الوجهين
__________
الفروع
"وإن أخذ بالأول لم يشاركه" لأنه لم يسبق له
شركة "وإن أخذ بهما لم يشاركه في شفعة الأول"
ما تقدم من عدم الشركة "وهل يشاركه في شفعة
الثاني على وجهين" وقد عرف وجههما
فرع: إذا كانت أرض بين ثلاثة فوكل أحدهم شريكه
في بيع نصيبه مع نصيبه فباعهما لرجل آخر
فلشريكه الشفعة فيهما وهل له أخذ أحد النصيبين
دون الآخر فيه وجهان وإن وكل في شراء نصف نصيب
أحد الشركاء فاشترى الشقص كله لنفسه ولموكله
فلشريكه أخذ نصيب أحدهما لأنهما مشتريان ولا
يفضي إلى تبعيض الصفقة علىالمشتري.
"وإن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق
أحدهما" في قول أكثر العلماء لأن العقد مع
الأثنين بمنزلة عقدين ودل على أنه يأخذهما وهو
ظاهر وقيل بل عقد واحد يأخذ به الكل أو يتركه
قاله في الرعاية.
"وإن اشترى واحد حق اثنين" أي صفقة واحدة
فللشفيع أخذ أحدهما وهو المذهب لأن تعدد
البائع كتعدد المشتري وقال القاضي لا يملك ذلك
لأن فيه تبعيضا للصفقة على المشتري وذلك ضرر
عليه "أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة
واحدة فللشفيع أخذ أحدهما على أصح الوجهين"
وجزم به في الوجيز وغيره لأن الضرر قد يلحقه
بأرض دون أرض والثاني ليس له ذلك لما فيه من
التبعيض على المشتري والأول أصح لأن كلا منهما
يستحق بسبب غيرالآخر فجرى مجرى الشريكين وقيل
بتعدد البائع جزم به في الفنون وقاسه على تعدد
المشتري بما يقتضي أنه محل وفاق وأطلق
(5/145)
وإن باع شقصا
وسيفا فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن
ويحتمل أن لا يجوز وإن تلف بعض المبيع فله أخذ
الباقي بحصته من الثمن وقال ابن حامد إن كان
تلفه بفعل الله تعالى فليس له أخذه إلا بجميع
الثمن
فصل
الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق
__________
في المحرر والفروع الخلاف
فرع: اشترى اثنان من اثنين شقصيهما في عقد
فعقدان وقيل بل أربعة اشترى وكيل اثنين من زيد
شقصا في عقد فهل يعتبر به أو بهما أو بوكيل
المشتري فقط يحتمل أوجها ذكره في الرعاية.
"وإن باع شقصا وسيفا" في عقد واحد "فللشفيع
أخذ الشقص" لأنه تجب فيه الشفعة إذا بيع
منفردا فكذا إذا بيع مع غيره ويأخذه "بحصته من
الثمن" أي فيقسم الثمن على قدر قيمتهما نص
عليه "ويحتمل أن لا يجوز" حكاه في الفروع قولا
لأصحابنا لأن في ذلك تبعيضا للصفقة على
المشتري وذلك ضرر به.
"وإن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من
الثمن" في ظاهر المذهب لأنه تعذر اخذ الكل
فجاز له أخذ الباقي كما لو أتلفه آدمي فلو
اشترى دارا بألف تساوي ألفين فباع بابها أو
هدمها فبقيت بألف أخذها بخمسمائة بالقيمة من
الثمن نص عليه.
"وقال ابن حامد إن كان تلفها بفعل الله تعالى
فليس له أخذه إلا بجميع الثمن" لأن في أخذه
بالبعض إضرارا بالمشتري فلم يكن له ذلك كما لو
أخذ البعض مع بقاء الجميع
فصل
"الخامس أن يكون للشفيع ملك سابق" أي ملك
للرقبة لا المنفعة كنصف
(5/146)
فإن اشتري
اثنان دارا واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه
وإن ادعى كل واحد منهما السبق فتحالفا أو
تعارضت بينتاهما فلا شفعة لهما ولا شفعة بشركة
الوقف في أحد الوجهين
__________
دار موصي بنفعها فباع الورثة نصفها فلا شفعة
للموصي له واشترط سبقه لأن الشفعة ثبتت لدفع
الضرر عن الشريك فإذا لم يكن له ملك سابق فلا
ضرر عليه فلا شفعة.
"فإن اشترى اثنان داراصفقة واحدة فلا شفعة
لاحدهما على صاحبه" لأنه لا مزية لأحدهما على
صاحبه لاستوائهما لأن شرطها سبق الملك وهو
معدوم هنا "وإن ادعى كل واحد منهما السبق" ولا
بينة "فتحالفا أو تعارضت ينتاهما" بأن شهدت
بينة كل منهما بسبق ملكه وتجدد ملك صاحبه "فلا
شفعه لهما" لعدم سبق الملك على الشراء وعلم
منه لو كان لأحدهما بينة عمل بها وإن أقاما
بينتين قدم أسبقهما تاريخا فإن لم يكن لواحد
منهما بينة سمعت دعوى السابق وسئل خصمه فإن
انكر قبل قوله مع يمينه وإن نكل عنها قضي عليه
ولم تسمع دعواه لأن خصمه قد استحق ملكه "ولا
شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين" ذكره
القاضيان ابن أبي موسى وأبو يعلى لأنه لا يؤخذ
بالشفعة فلا يجب به كالمجاور وما لا ينقسم
ولأن مستحقه إما غيرمالك والشفعة لا تثبت إلا
في ملك وإما مالك فملكه غيرتام لكونه لا
يستفيد به تصرفا في الرقبة
والثاني تثبت كالملك المطلق وقال أبو الخطاب
ينبني هذا على الروايتين في مللك الوقف واختار
في الترغيب إن قلنا القسمة إفراز وجبت هي
القسمة بينهما فعلى هذا الأصح يؤخذ بها موقوف
جاز بيعه قال ابن حمدان ولا تثبت فيما فتح
عنوة إذا قلنا يصير وقفا ولا في عوض الكتابة
في الأقيس
(5/147)
فصل
وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو
هبة سقطت الشفعة نص عليه وقال أبو بكر لا تسقط
وإن باع فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء
__________
فصل
"وإن تصرف المشتري قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت
الشفعة نص عليه" في رواية علي بن سعيد وبكر بن
محمد لأن الشفعة إنما تثبت في الملك وقد خرج
هذا عن كونه مملوكا ولأن فيها هاهنا إضرار
بالموقوف عليه والموهوب له لان ملكه قد زال
عنه بغير عوض والضرر لا يزال بالضرر قال ابن
أبي موسى من اشترى دارا فجعلها مسجدا فقد
استهلكها ولا شفعة فيها وكذا إذا تصرف فيها
برهن أو صدقة أو إجارة لما ذكرنا "وقال أبو
بكر لا تسقط" بل للشفيع فسخ ذلك وأخذه بالثمن
الذي وقع به البيع حتى لو جعله مسجدا.
وفي الفصول عنه لا لأنه شفيع ولأن الشفيع يملك
فسخ البيع الثاني والثالث مع إمكان الأخذ بهما
فلأن يملك فسخ عقد الأخذ به أولى ولأن حق
الشفيع أسبق وجنبته أقوى فلم يملك المشتري
تصرفا يبطل حقه وفي الفروع توجيه أن المستأجر
إذا وقف ما غرسه أو بناه لم يبطل الوقف وهو
ظاهر وقد يفرق بينهما من حيث إن رب الارض
يأخذه من الموقوف عليه ولا يفسخ عقد الوقف
فيصير بمنزلة بيع الوقف بشرطه فيشتري بثمنه ما
يقوم مقامه وهنا يؤخذ من المشتري الذي وجبت له
الشفعة فيفسخ عقد الوقف ويؤخذ الأخذ بها كما
لو وجد به عيبا وقفا فصار كأنه لم يوجد ويكون
الثمن لمن وجبت عليه الشفعة وعلم منه أنه إذا
تصرف المشتري بعد الطلب أنه لا يصح لأنه يملكه
بمطالبة وقيل وقبضه "وإن باع" المشتري
"فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء" لأن سبب
الشفعة
(5/148)
فإن أخذ بالأول
رجع الثاني على الأول وإن فسخ البيع بعيب أو
إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه ويأخذه في
التحالف بما حلف عليه البائع
__________
الشراء وقد وجد من كل واحد منهما ولأنه شفيع
في العقدين واقتضى ذلك صحة تصرف المشتري لأنه
ملكه وصح قبضه وإن كان الشفيع له أن يتملكه لا
يمنع من تصرفه كما لو كان أحد العوضين في
المبيع معيبا فإنه لا يمنع التصرف في الآخر
وكالابن يتصرف في العين الموهوبة له وإن جاز
لأبيه الرجوع فيها.
"فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول" لأنه
لم يسلم له العوض فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة
أو أكثر فله أن يأخذ بالأول وينفسخ العقدان
الآخران وله أن يأخذ بالثاني وينفسخ الثالث
وله أن يأخذ بالثالث ولا ينفسخ بشيء من العقود
وجعل ابن أبي موسى هذا الحكم إذا لم يكن الشقص
في يد واحد منهم بعينه أما إذا كان في يد
أحدهم فالمطالبة له وحده
"وإن فسخ البيع بعيب" أي في الشقص المشفوع "أو
إقالة أو تحالف فللشفيع أخذه" لأن حقه سابق
على ذلك كله لأنه ثبت بالبيع وعنه إن استقاله
قبل المطالبة بها لم تكن له شفعة وكذا إن
ترادا بعيب وظاهره أنها تثبت في صورة الإقالة
مطلقا لأن الأخذ بالبيع لا بالإقالة وصورته أن
شخصا حصل له نصيب في عقار بعد أن باع بعض
الشركة نصيبه ثم تقايل هو والمشتري بعد أن ملك
الشخص النصيب فهنا يملك الشخص الشفعة وأما
الشريك فملكه سابق على البيع فبنفس البيع
استحق الشفعة لكن إذا فسخ البائع لعيب في ثمنه
المعين فإن كان قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة
وإلا استقرت وللبائع إلزام المشتري بقيمة شقصه
ويتراجع المشتري والشفيع في الأصح بما بين
القيمة والثمن فيرجع دافع الاكثر منهما بالفضل
"ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع" لأن
البائع مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه ومقر
للشفيع باستحقاق الشفعة بذلك فإذا بطل حق
المشتري بإنكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك وله
أن يبطل فسخهما ويأخذ لأن حقه أسبق
فرع: إذا وجبت له الشفعة وقضى الحاكم بها
والشقص في يد البائع ودفع
(5/149)
وإن أجره أخذه
الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه وإن استغله
فالغلة له وإن أخذه وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة
فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجداد وإن
قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع
لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه
__________
الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع أقلني
فأقاله لم يصح لأنها تكون بين المتبايعين وليس
بينهما بيع وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه
إياه صح لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه.
"وإن أجره أخذه الشفيع" لأن إجارة المشتري لا
تمنع نقل الملك بدليل أنه يصح بيع المؤجر
وانفسخت الإجارة من حين أخذها "وله الأجرة من
يوم أخذه" لأنه صار ملكه بأخذه وفيها في
الكافي الخلاف في هبة "وإن استغله" المشتري
"فالغلة له" لأنها نماء ملكه إذ الخراج
بالضمان بدليل أنه لو تلف كان من ضمانه فكذا
إذا استغله "وإن أخذه" الشفيع "وفيه زرع أو
ثمرة ظاهرة" أو أبرت وما في معناه "فهي
للمشتري" لأنه ملكه "مبقاة إلى الحصاد
والجداد" لأن ضرره لا يبقى ولا أجرة عليه لأنه
زرعه في ملكه ولأن أخذه بمنزلة شراء ثان وقيل
يجب في الزرع إلى حصاده فيخرج في الثمرة مثله
وعلم أن النماء المتصل كالشجر إذا كبر والطلع
إذا لم يؤبر فإنه يتبعه في العقد والفسخ كما
لورد بعيب لا يقال فلم لا يكون حكمه حكم الزوج
إذا طلق قبل الدخول لأن الزوج يقدر على الرجوع
بالقيمة إذا فاته الرجوع في العين وهنا يسقط
حقه منها إذا لم يرجع في الشقص فافترقا.
"إن قاسم المشتري وكيل الشفيع" في القسمة أو
رفع الأمر إلى الحاكم فقاسمه لغيبة الشفيع فله
ذلك في وجه جزم به في الكافي وغيره "أو قاسم
الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه"
بأن الشقص موهوب أو أن الشراء لفلان فترك
الشفعة لذلك وكذا إن جهل الشفيع ثبوت الشفعة
له قاله ابن الزاغوني "وغرس أو بني" ثم أخذ
الشفيع بها فله ذلك للعمومات وعلم منه أنه لا
يتصور بناء المشتري وغرسه على القول بالفورية
إلافيما ذكر
(5/150)
وغرس أو بني
فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء
فيملكه أو يقلعه ويضمن النقص فإن اختار أخذه
فأراد المشتري قلعه فله ذلك إذ لم يكن فيه ضرر
__________
"فللشفيع" الخيار بين "أن يدفع إليه قيمة
الغراس والبناء فيملكه" مع الأرض نص عليه دفعا
للضرر المنفي شرعا أو يقلعه ويضمن النقص أي
نقصه من القيمة قاله القاضي وأصحابه وهو
المذهب لزوال الضرر به وهذا التخيير هو قول
أكثرالعلماء زاد في الإنتصار أو أقره بأجرة
فإن أبي فلا شفعة ونقل الجماعة له قيمة البناء
ولا يقلعه ونقل سندي أله قيمة البناء أم قيمة
النقض قال لا قيمة البناء قال إنهم يقولون
فأنكره ورده وقال ليس هذا كغاصب.
أصل في كيفية التقويم ذكر في المغني والشرح أن
الظاهر أن الأرض تقوم مغروسة أو مبنية ثم تقوم
خالية منهما فما بينهما فهو قيمة الغراس أو
البناء يدفع إلى المشتري إن أحب الشفيع أو ما
نقص منه إن اختار القلع لا قيمته مستحقا
للبقاء لأنه لا يستحق ذلك ولا قيمته مقلوعا
ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك
بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.
"فإن اختار أخذه فأراد المشتري قلعه فله" أي
المشتري "ذلك" لأنه ملكه فإذا قلعه فليس عليه
تسوية الحفرولا نقص الأرض قاله الأكثر لأن
النقص حدث في ملكه فلا يقابل بعوض فعلى هذا
يخير الشفيع بين أخذه ناقصا بكل الثمن أو
تركه.
وظاهر الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل
بالقلع فأما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء
فلا يضمنه ذكره في المغني.
"إذا لم يكن فيه ضرر" هذا اختيار الخرقي وابن
عقيل والآدمي وجزم به في الوجيز لأن الضرر لا
يزال بمثله واقتصر الأكثر على القلع أضر
بالأرض أو لم يضر لأنه عين ماله
فرع: إذا حفر فيها بئرا أخذها ولزمه أجرة
مثلها
(5/151)
وإن باع الشفيع
ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين
وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح
الوجهين وإن مات الشفيع بطلت شفعته إلا أن
يموت بعد طلبها فتكون لوارثة
__________
"وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم" ببيع نصيب
شريكه "لم تسقط شفعته في أحد الوجهين" اختاره
أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنها ثبتت له
ولم يوجد منه رضى بتركها والأصل بقاؤها
والثاني تسقط قاله القاضي لأنه زال السبب الذي
يستحق به الشفعة وهوالملك الذي يخاف الضرر
بسببه أشبه ما لو اشترى معيبا لم يعلم عيبه
حتى باعه ومقتضاه أنه إذا باعه بعد العلم
بالحال فإنها تسقط
وإن باع بعضه فوجهان:
أحدهما: تسقط لكونها لا تتبعض.
والثاني: بقاؤها لأنه قد بقي من نصيبه مايستحق
به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد.
"وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح
الوجهين" لأن له ملكا سابقا على بيع الشفيع
فملك الأخذ به والثاني تسقط لأن ملكه ضعيف
لكونه بعرضية الأخذ بالشفعة "وإن مات الشفيع
بطلت شفعته" نص عليه لأنه نوع خيار للتمليك
أشبه خيار القبول ولأنا لا نعلم بقاءه على
الشفعة لاحتمال رغبته عنها ولا ينتقل إلى
الورثة ما يشك في ثبوته وخرج أبو الخطاب أنها
لا تبطل وتورث عنه بناء على رواية إرث الأجل.
واجيب بأنه حق فسخ ثبت لا لفوات جزء فلم يورث
كالرجوع في الهبة "إلا أن يموت بعد طلبها
فتكون لوارثه" نص عليه وهو المذهب وحكاه أبو
الخطاب قولا واحدا لأن الحق قد تقرر بالطلب
ولذلك لا تسقط بتأخير الأخذ بعده أما على قول
القاضي فلأن الشقص صار ملكا له بالمطالبة وفيه
نظر لأنه لو كان كذلك لما صح العفو عنها بعد
طلبها كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ
(5/152)
فصل
ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع العقد عليه
__________
بها وأما على رأي ابن عقيل والمؤلف فلأنه قد
علم بمطالبة بقاءه على شفعته وهو ظاهر وقال في
رواية أبي طالب الشفعة لا تورث لعله لم يكن
يطلبها فجعل العلة في إبطالها بالموت عدم
العلم برغبة الميت.
قال القاضي في التعليق فعلى هذا لو علم الوارث
أنه راغب فيها كان له المطالبة وإن لم يطالب
الميت قال الزركشي وينبغي أن يكون القول قول
الوارث مع يمينه فإذا تقرر ذلك انتقل الحق إلى
جميع الورثة على قدر إرثهم مطلقا فإذا ترك
بعضهم حقه توفر على الباقي ولم يكن لهم إلا
أخذ الكل أو الترك كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن
حقه وقيل من عفا عن بعض حقه أولم يطلبه لم
تسقط شفعته
فصل
"وياخذ الشفيع بالثمن الذي وقع العقد عليه"
لحديث جابر "فهو أحق به بالثمن" رواه أبو
إسحاق الجوزجاني في المترجم ولأن الشفيع إنما
يستحق الشقص بالبيع فكان مستحقا له بالثمن
كالمشتري ولو عبر بما استقر عليه العقد وقت
لزومه لكان أولى لا يقال كان ينبغي أن يأخذه
بقيمة كالمضطر إلى طعام غيره لأن المضطر
استحقه بسبب حاجته فكان المرجع في بدله إلى
قيمته والشفيع استحقه بالبيع فوجب أن يكون
بالعوض الثابت به فإن وقع حيلة دفع إليه ما
أعطاه أو قيمة الشقص وإن كان مجهولا كصبرة نقد
فقد تقدم وظاهره أنه يأخذه بغير حكم حاكم لأنه
حق ثبت بالإجماع فلم يفتقر إلى حكم كالرد
بالعيب ولا تعتبر رؤيته إن صح بيع غائب وإلا
اعتبرت واعتبر ابن عقيل الحكم تارة ودفع ثمنه
ما لم يضر مشتريه.
فإن دفع مكيلا بوزن أخذ مثل كيله كقرض وقيل
يكفي وزنه إذ المبذول
(5/153)
وإن عجز عنه أو
عن بعضه سقطت شفعته وما يحط من الثمن أو يزاد
فيه في مدة الخيار يلحق به وما كان بعد ذلك لا
يلحق به وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن
كان مليا وإلا أقام كفيلا مليا وأخذ به
__________
في مقابلة الشقص وقدر الثمن معياره لاعوضه.
"وإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته ولو اكتفى
بالثاني كالوجيز لكان أولى لأن في أخذه بدون
دفع كل الثمن إضرارا بالمشتري والضرر لا يزال
بمثله فإن أحضر رهنا أو ضمينا لم يلزم المشتري
قبوله لأن عليه ضررا في تأخير الثمن وكذا لا
يلزمه قبول عوض عن الثمن لأنها معاوضة فلم
يجبر عليها وللمشتري حبسه على ثمنه قاله في
الترغيب وغيره لأن الشفعة قهري والبيع عن رضى
فإن تعذر في الحال فقال في رواية حرب يمهل
الشفيع يوما أو يومين والأشهر عنه ثلاثا لأنها
حد جمع القلة وعنه ما رأى الحاكم
فرع: لو أفلس الشفيع بعد أخذ الشقص خير
المشتري بين الفسخ وبين أن يضرب مع الغرماء
بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري.
"ما يحط من الثمن أو يزاد فيه في مدة الخيار
يلحق به" لأن زمن الخيار كحالة العقد نقل صالح
للماء حصة من الثمن وفي رجوع شفيع بأرش على
مشتر عفا عنه بائع وجهان "وما كان بعد ذلك لا
يلحق به" لأن الزيادة حينئذ هبة يشترط لها
شروطها والنقصان إبراء فلا يثبت شيء منهما في
حق الشفيع لكونه وجد بعد استقرار العقد أشبه
مالو وهب أحدهما للآخر عينا أخرى.
"وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان
مليا وإلا" فإن كان معسرا "أقام" الشفيع
"كفيلا مليا وأخذ به" نص عليه لأن الشفيع
يستحق الأخذ بقدر الثمن وصفته والتأجيل من
صفته وفي كلام القاضي وأبي الخطاب والمؤلف
اشتراط الملاءة لأنه لو أخذ بدونها لتضرر
المشتري والضرر لا يزال
(5/154)
وإن كان الثمن
عرضا أعطاه مثله إن كان ذا مثل وإلا قيمته وإن
اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا
أن يكون للشفيع بينة
__________
بمثله ومتى أخذه الشفيع بالأجل فمات أو
المشتري وقلنا يحل الدين بالموت حل على الميت
منهما دون صاحبه فلو لم يعلم حتى حل فهو
كالحال.
"وإن كان الثمن عرضا أعطاه مثله إن كان ذا
مثل" كالحبوب والأدهان ونحوهما لأنهما
كالأثمان ولأنه مثل من طريق الصورة والقيمة
فكان أولى من المماثل في احدهما إذ الواجب بدل
الثمن فكان مثله كبدل العرض "وإلا" أي إن لم
يكن له مثل كالثياب والحيوان فتعتبر "قيمته"
في قول أكثر أهل العلم لتعذر المثل ولأن ذلك
بدله في الإتلاف وذكر الأصحاب أنه لو باعه
بصبرة نقدا وجوهرة دفع مثله أو قيمته فإن تعذر
فقيمة الشقص لأن الأغلب وقوع العقد على
الأشياء بقيمتها فإن اختلفا في القيمة رجع إلى
أهل الخبرة إن كان موجودا وإن كان معدوما قبل
قول المشتري فيها.
"وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري"
مع يمينه ذكره المعظم لأنه العاقد فهو أعلم
بالثمن ولأن المبيع ملكه فلا ينزع عنه بدعوى
مختلف فيها إلا ببينة وكما يقبل قوله في الغرس
والبناء في الشقص أنه أحدثه والشفيع ليس بغارم
لأنه لا شيء عليه وإنما يريد تملك الشقص بثمنه
بخلاف غاصب ومتلف "إلا أن تكون للشفيع بينة"
فيعمل بها لأنها تكذب المشتري فإن أقام كل
منهما بينة احتمل تعارضهما والقرعة وقيل تقدم
بينة شفيع ولا تقبل شهادة البائع للشفيع لأنه
متهم لكونه يطلب تقليل الثمن خوفا من الدرك
عليه ويقبل عدل وامرأتان وشاهد ويمين فإن قال
المشتري لا أعرف قدر الثمن قدم قوله لأنه أعلم
بنفسه فإذا حلف سقطت لأنه لا يمكن الأخذ بغير
ثمن ولا يمكن أن يدفع إليه مالا يدعيه إلا أن
يفعل ذلك تحيلا فإن ادعى أنك فعلته تحيلا على
إسقاطها قبل قوله مع يمينه لأنه منكر وإن ادعى
جهل قيمته فهو كما لو ادعى جهل ثمنه قاله في
المغني والشرح
(5/155)
وإن قال
المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه
باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف فإن قال
المشتري غلطت فهل يقبل قوله مع يمينه على
وجهين وإن ادعى أنك اشتريته بألف فقال بل
اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه فإن نكل
عنها أو قامت بينة للشفيع فله أخذه ويقال
للمشتري إما أن تقبل
__________
"وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع
بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف" لأن
المشتري مقر له باستحقاقه بألف فلم يستحق
الرجوع بأكثر "فإن قال المشتري غلطت" أو كذبت
أو نسيت والبينة صادقة "فهل يقبل قوله مع
يمينه على وجهين" أشهرهما أنه لا يقبل جزم به
في الكافي لأنه رجوع عن إقراره فلا يقبل كما
لو أقر له بدين والثاني يقبل قال القاضي وهو
قياس المذهب عندي كالمرابحة بل هنا أولى لأن
البينة قامت لكذبه فقبل رجوعه عنه فإن لم يكن
للبائع بينة فتحالفا فللشفيع أخذه بما حلف
عليه البائع وإن رضي المشتري أخذه بما قال
البائع جاز وملك بشفيع أخذه بالثمن الذي حلف
عليه المشتري لأن حق البائع في الفسخ زال
فرع: إذا ادعى على انسان شفعة في شقص اشتراه
فقال ليس لك ملك في شركتي فعلى الشفيع إقامة
البينة بالشركة في قول الجماهير وقال أبو يوسف
إذا كان في يده استحق الشفعة به.
"وإن ادعى أنك اشتريته بألف" فلي الشفعة احتاج
إلى تحرير الدعوى فيحدد المكان الذي فيه الشقص
ويذكر قدر الشقص وثمنه فإن اعترف لزمه وإن كان
أنكر "فقال: بل اتهبته أو ورثته" فلا شفعة
"فالقول قوله" أي مدعي الهبة والإرث لأن الأصل
معه والمثبت للشفعة البيع ولم يتحقق "مع
يمينه" لاحتمال صدق خصمه وحينئذ يبرأ فإن قال
لا تستحق على شفعة فالقول قوله مع يمينه وهي
على حسب جوابه "فإن نكل عنها" قضي عليه لأن
النكول قائم مقام الإقرار "أو قامت بينة
للشفيع فله أخذه" لأن البيع ثبت بحقوقه والأخذ
بها من حقوقه "و" حينئذ يعرض عليه الثمن فإن
أخذه دفع إليه فإن قال لا أستحقه فثلاثة أوجه
أحدها: "يقال للمشتري إما أن تقبل
(5/156)
الثمن وإما أن
تبريء منه وإن كان عوضا في الخلع أو النكاح أو
عن دم عمد فقال القاضي يأخذه بقيمته وقال غيره
يأخذه بالدية ومهر المثل
__________
الثمن وأما أن نبريء منه" اختاره القاضي لأن
الثمن صار مستحقا له فيقال له ذلك لتحصل براءة
الشفيع وكسيد المكاتب إذا جاءه المكاتب بمال
الكتابة فادعى أنه حرام.
والثاني يقر في يد الشفيع إلى أن يدعيه
المشتري فيدفع إليه قال في الشرح وهو أولى إن
شاء الله تعالى.
والثالث يأخذه حاكم فيحفظه لصاحبه حتى يدعيه
فمتى ادعاه المشتري دفع إليه وفرق في الشرح
بين المكاتب والشفيع لأن سيده يطالبه بالوفاء
من غير هذا الذي أتاه به فلا يلزمه ذلك بمجرد
دعوى سيده وتحريمه وهذا لا يطالب الشفيع بشيء
فلا ينبغي أن يكلف الإبراء مما لا يدعيه
تنبيه: إذا ادعى عليه الشراء فقال اشتريته
لفلان سئل فإن صدقة فهو له وإن كذبه فهو
للمشتري ويؤخذ بالشفعة في الحالتين وإن كان
المقر له غائبا أخذه الشفيع بإذن الحاكم
والغائب على حجته إذا قدم فإن قال اشتريته
لابني الطفل فهو كالغائب في وجه وفي الآخر لا
شفعة لأن الملك ثبت للطفل ولا يثبت في ماله حق
بإقرار وليه عليه فأما إن ادعى عليه الشفعة في
شقص فقال هو لفلان الغائب أو الطفل فلا شفعة
فيه لأنه قد ثبت لهما فإقراره بعد ذلك إقرار
على غيره فلا يقبل.
"وإن كان عوضا في الخلع أو النكاح أو عن دم
عمد" وقلنا بوجوب الشفعة فيه "فقال القاضي"
وهو قياس قول ابن حامد "يأخذه بقيمته" لأنه
ملك الشقص القابل للشفعة ببدل ليس بمثلي فوجب
الرجوع إلى القيمة كما لو باعه سلعة لامثل لها
"وقال غيره" وهو ابن حامد وأبو الخطاب في
الإنتصار "يأخذه بالدية ومهر المثل" لأن ذلك
بدل المشفوع فوجب أن يؤخذ به كالثمن مع أنه
تقدم أن الأشهر لا شفعة في ذلك لأن ما يقابل
المبيع ليس بمال ولأن
(5/157)
فصل
ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه
ويحتمل أن يجب وإن أقر البائع وأنكر المشتري
فهل يجب الشفعة على وجهين
__________
الأخذ إما بالقيمة وهو ممتنع لأنه ليس بعوض
للمبيع وإما بالمهر وفيه تقويم البضع وإضرار
بالشفيع لأن مهر المثل يتفاوت مع المسمى لأن
المهر يسامح به في العادة بخلاف البيع وفيه
شيء ولا يتوهم أن القاضي يثبت الشفعة في ذلك
وإنما كلامه في صفة الأخذ مع أن المسألة فيها
روايتان وعلى قياسه ما أخذ أجرة أو ثمنا في
سلم أو عوضا في كتابة
فصل
"ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضاؤه نص عليه"
لأن في الأخذ إلزام المشتري بالعقد قبل رضاه
بالتزامه وإيجاب العهدة عليه وتفويت حقه من
الرجوع في عين الثمن ولا فرق فيه بين خيار
المجلس أو الشرط وسواء كان الخيار لهما أو
لأحدهما.
"ويحتمل أن يجب" وحكاه أبو الخطاب تخريجا لأن
الملك انتقل فثبت فيه الشفعة في مدة الخيار
كما بعد انقضائه ولإزالة ضرر الشركة وقيل تثبت
إن قلنا الملك للمشتري وقيل إن شرط للبائع فقط
وقلنا الملك للمشتري لم يجب قبل فراغه وإن شرط
للمشتري وحده وقلنا الملك له وجبت لأن الملك
انتقل إليه ولا حق لغيره فيه والشفيع يملك
الأخذ بعد استقرار الملك فكان له وغاية ما
تقدم ثبوت الخيار له وذلك لا يمنع الأخذ بها
كما لو وجد به عيبا
"وإن أقر البائع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة
على وجهين" كذا في الكافي أحدهما لا شفعة نصره
الشريف في مسائله ولا نص فيها للإمام أحمد لأن
الشفعة فرع البيع فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت
فرعه والثاني وهو المذهب أنها تجب لأن البائع
أقر بحقين حق للشفيع وحق للمشتري فإذا سقط حقه
بإنكاره ثبت حق الآخر كما لو أقر بدار لرجلين
فأنكر
(5/158)
وعهدة الشفيع
على المشتري وعهدة المشتري على البائع فإن أبي
المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم وقال أبو
الخطاب قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد
البائع وإذا ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع
أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه ولا
شفعة لكافر على مسلم
__________
أحدهما فعليه يقبض الشفيع من البائع ويسلم
إليه الثمن ويكون درك الشفيع على البائع وليس
له ولا للشفيع محاكمة المشتري فإن كان البائع
مقرا بقبض الثمن من المشتري بقي الثمن الذي
على الشفيع لا يدعيه أحد لأن البائع يقول هو
للمشتري والمشتري يقول لا أستحقه فالأوجه
الثلاثة.
"وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على
البائع" العهدة في الأصل كتاب الشراء والمراد
هنا أن الشقص إذا ظهر مستحقا أو معيبا فإن
الشفيع يرجع على المشتري بالثمن أو بأرش العيب
لأن الشفيع ملكه من جهته فرجع عليه لكونه
بائعه ثم يرجع المشتري على البائع لما ذكرنا
ويستثنى منه المسألة السابقة فإن عهدة الشفيع
على البائع لحصول الملك له من جهته.
"فإن أبي المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم"
قاله القاضي وقدمه في الفروع لأن القبض واجب
ليحصل حق المشتري في تسليمه ومن شأن الحاكم أن
يجبر الممتنع "وقال أبو الخطاب قياس المذهب أن
يأخذه الشفيع من يد البائع" لأن العقد يلزم في
العقار من غير قبض ويدخل في ملك المشتري بنفسه
بدليل صحة التصرف فيه قبل قبضه.
"وإذا ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع أحدهما
نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه" لأنهما
شريكان حال ثبوت الشفعة فكانت بينهما كما لو
تملكاها بسبب واحد ولأنها ثبتت لدفع ضرر
الشريك الداخل على شركائه بسبب شركته وهو
موجود في حق الكل "ولا شفعة لكافر على مسلم"
نص عليه وقاله الحسن والشعبي والنخعي
(5/159)
وهل تجب الشفعة
للمضارب على رب المال أو لرب المال على
المضارب فيما يشتريه للمضاربة على وجهين
__________
لقوله عليه السلام "لا شفعة لنصراني" رواه
الدارقطني في كتاب العلل وأبو بكر وفي
إسنادهما نائل بن نجيح عن سفيان الثوري عن
حميد عن أنس ونائل ضعفه الدارقطني وابن عدي
ولأنه معنى يختص به العقار أشبه الإستعلاء في
البنيان وقال أكثر العلماء تثبت لأنها خيار
ثبت لدفع الضرر بالشراء فاستوى فيه المسلم
والكافر كالرد بالعيب.
وجوابه بأنها تثبت في محل الإجماع على خلاف
الأصل رعاية لحق الشريك المسلم وليس الذمي في
معنى المسلم فيبقى فيه على مقتضى الأصل وظاهره
أنها تثبت للمسلم على الكافر لعموم الأدلة
ولأنها إذا ثبتت على المسلم مع عظم حرمته فلأن
تثبت على الذمي مع دناءته أولى وأنها تثبت
لكافر على مثله لاستوائهما كالمسلمين قال في
الشرح لا نعلم فيه خلافا وقيل لا تثبت لهما
إذا كان البائع مسلما فإن تبايع كافران بخمر
شقصا فلا شفعة في الأصح كخنزير بناء على قولنا
هل هي مال لهم فأما أهل البدع فتثبت الشفعة
لمن حكم بإسلامه وروى حرب عن أحمد أنه سئل عن
أصحاب البدع هل لهم شفعة وذكر له عن الشافعي
أنه قال ليس للرافضة شفعة فضحك وقال أراد أن
يخرجهم من الإسلام فظاهره أنه أثبتها لهم وهو
محمول على غيرالغلاة منهم فأما الغلاة كمعتقد
غلط جبريل في الرسالة ومن حكم بكفره من الدعاة
بخلق القرآن فلا شفعة لهم وهو مقتضى كلام
الأصحاب لأنها إذا لم تثبت للذمي الذي يقرعلى
كفره فغيره أولى "وهل تجب الشفعة للمضارب على
رب المال أو لرب المال على المضارب فيما
يشتريه للمضاربة على وجهين" وفيه مسألتان
الأولى هل تجب الشفعة للمضارب على رب المال
وفيه وجهان: أحدهما تجب وصورتها بأن يكون
المضارب له شقص في عقار فاشترى بمال المضاربة
بقيته لما في ذلك من دفع ضرر الشركة والثاني
لا شفعة لأن له في مال المضاربة تعلقا في
الجملة أشبه رب المال والمذهب
(5/160)
__________
كما صرح به في المغني والشرح أنها لا تجب إن
ظهر ربح وإلا وجبت نص عليه قال صاحب النهاية
وعندي أنه لا شفعة للعامل فيما اشتراه كالوكيل
والوصي
الثانية: المذهب أنها لا تجب لرب المال على
المضارب لأن الملك وقع له فلا يستحق الشفعة
على نفسه والثاني تجب لأن مال المضاربة
كالمنفرد بنفسه أشبه ما إذا كان المشتري شريكا
فلأن الشفعة بينه وبين شريكه وهذه شفعة في
الحقيقة لم تجلب ملكا وإنما قررته قال في
المغني والشرح والوجهان مبنيان على شراء رب
المال من مال المضاربة ولا شفعة لمضارب فيما
باعه من مالها وله فيه ملك وله الشفعة فيما
بيع شركة لمال المضاربة إن كان فيها حظ فإن
أبي أخذ بها رب المال
تذنيب: قال أحمد في رواية حنبل لا يرى الشفعة
في أرض السواد لأن عمر وقفها وكذا كل أرض
وقفها كالشام ومصر قال في المغني والشرح إلا
أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه
فتثبت لأنه مختلف فيه وحكم الحاكم ينفذ فيه
(5/161)
باب الوديعة
__________
باب الوديعة
الوديعة وهي فعيلة من ودع الشيء إذا تركه أي
هي متروكة عند المودع وقيل هي مشتقة من الدعة
فكأنها عند المودع غيرمبتذلة للإنتفاع وقيل من
ودع الشيء يدع إذا سكن فكأنها ساكنة عند
المودع
وهي في الشرع اسم لعين توضع عند آخر ليحفظها
فهي وكالة في الحفظ فيعتبر أركانها والأحسن
أنها توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على
وجه مخصوص والإجماع في كل عصر على جوازها
وسنده قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا} (النساء: من الآية58) مع السنة
الشهيرة منها قوله عليه السلام "أد الأمانة
إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" رواه أبو داود
(5/161)
وهي أمانة ولا
ضمان عليه فيها إلا ان يتعدى وإن تلفت من بين
ماله لم يضمن في أصح الروايتين ويلزمه حفظها
في حرز مثلها
__________
والترمذي وحسنه والمعني يقتضيها لحاجة الناس
إليها لأنه يتعذر عليهم حفظ جميع أموالهم
بأنفسهم ويستحب أخذها لمن علم أنه ثقة قادر
على حفظها وتكره لغيره إلا برضى ربه وتنفسخ
بموت وجنون وعزل مع علمه فإن بطلت بقي المال
في يده أمانة يؤديه إلى مالكه فإن تلف قبل
التمكن فهدر وإن تلف بعده فوجهان ولا يصح
الإيداع والإستيداع إلا من جائر التصرف في
ماله وتبرعه بت
"وهي امانة" لقوله تعالى {فَإِنْ أَمِنَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (البقرة: من الآية283)
"ولا ضمان عليه فيها" لما روى عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"من أودع وديعة فلا ضمان عليه" رواه ابن ماجه
ولأن المستودع يحفظها لمالكها فلو ضمنت لامتنع
الناس من الدخول فيها وذلك مضر لما فيه من
مسيس الحاجة إليها "إلا أن يتعدى" فيضمنها
بغير خلاف علمناه لأنه متلف لمال غيره فضمنه
كما لو أتلفه من غيراستيداع.
"وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح
الروايتين" وهي قول أكثر العلماء لما ذكرنا
ولأن المستودع مؤتمن فلم يضمن ما تلف من
غيرتعديه ولا تفريطه وسواء ذهب معها من ماله
شيء أولا والثانية يضمن إذا تلفت من بين ماله
لما روى سعيد حدثنا هشيم أنا حميد الطويل عن
أنس أن عمر بن الخطاب ضمنه وديعة ذهبت من بين
ماله والأولى أصح قاله القاضي لأن الضمان
ينافي الأمانة وحديث عمر محمول على التفريط من
أنس في حفظها فلا منافاة.
"ويلزمه حفظها في حرز مثلها" عرفا كسرقة وكما
يحفظ ماله ولأنه تعالى أمر بأدائها ولا يمكن
ذلك إلا بالحفظ وفي الرعاية من استودع شيئا
حفظه في حرز مثله عاجلا مع القدرة وإلا ضمن
وظاهره أنه إذا لم يحفظها في حرز مثلها أنه
يضمن لأنه مفرط وإن وضعها في حرز ثم نقلها عنه
إلى حرز مثلها لم يضمنها
(5/162)
وإن عين صاحبها
حرزا فجعلها في دونه ضمن وإن أحرزها بمثله أو
فوقه لم يضمن وقيل يضمن إلا أن يفعله لحاجة
فإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء
الغالب منه التوى لم يضمن
__________
لأن صاحبها رد حفظها إلى اجتهاده فلو كانت
العين في بيت مالكها فقال الآخر احفظها في
موضعها فنقلها عنه لغير خوف ضمن لأنه ليس
بمودع وإنما هو وكيل في حفظها في موضعها.
"وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن"
سواء ردها إليه أو لا لأنه خالفه في حفظ ماله
ومقتضاه أنه إذا حفظها فيما عينه ولم يخش
عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف لأنه ممتثل
غيرمفرط.
"وإن أحرزها بمثله أو فوقه" بلا حاجة كلبس
خاتم في خنصر فلبسه في بنصر لا عكسه "لم يضمن"
على المذهب لأن تقييده بهذاالحرز يقتضي ما هو
مثله كمن اكترى لزرع حنطة فله زرعها وزرع
مثلها في الضرر فما فوقه من باب أولى.
"وقيل يضمن" وهو ظاهر الخرقي وحكاه في التبصرة
رواية قال في رواية حرب إذا خالف في الوديعة
فهو ضامن لأنه خالف أمر صاحبها من غيرحاجة
أشبه ما لو نهاه "إلا أن يفعله لحاجة" كما لو
خاف عليها من سيل أو حريق لأنه لا يعد مفرطا
والأولى إن نقلها إلى الأعلى لم يضمن لأنه
زاده خيرا لا إن نقلها إلى المساوي لعدم
الفائدة قال في التلخيص أصحابنا لم يفرقوا بين
تلفها بسبب النقل وبين تلفها بغيره قال وعندي
أنه إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت
المنقول إليه ضمن
"فإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء
الغالب منه التوى" أي الهلاك ل"م يضمن" لأن
حفظها نقلها وتركها تضييع لها وهذا إذا وضعها
في حرز مثلها أو فوقه فإن تعذر وأحرزها في
دونه فلا ضمان ذكره في المغني والشرح والحارثي
ومقتضاه أنه يلزمه إخراجها عند الخوف لأن
النهي للإحتياط
(5/163)
وإن تركها
فتلفت ضمن وإن أخرجها لغير خوف ضمن فإن قال لا
تخرجها ولو خفت عليها فأخرجها عند الخوف أو
تركها لم يضمن وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى
ماتت ضمن إلا أن ينهاه المالك عن علفها
__________
عليها وهو إذن نقلها "وإن تركها فتلفت ضمن"
سواء تلفت بالأمر المخوف أو بعيره لأنه مفرط
وقيل لا يضمن لامتثاله أمر صاحبها.
"إن أخرجها لغير خوف ضمن" لأنه خالف نص صاحبها
لغير فائدة ولو أخرجها إلى مثله أو فوقه صرح
به في الشرح وغيره وقيل لا يضمن كما لو تعين
له حرزا "فإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها
فأخرجها عند الخوف أوتركها لم يضمن" لأنه إذا
أخرجها فقد زاده خيرا بحفظها إذ المقصود
المبالغة في حفظها وإن تركها فلا شيء عليه لأن
صاحبها صرح له بتركها مع الخوف فكأنه رضي
بإتلافها وقيل إن وافقه أو خالفه ضمن كإخراجها
لغير خوف وهذا جار فيما إذا قال لا تقفل عليها
قفلين أو لاتنم فوقه صرح به في الرعاية
فرع: إذا أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها
فتلفت فادعى أنه أخرجها لغشيان شيء الغالب منه
الهلاك وأنكر صاحبها وجوده فعلى المستودع
البينة إن كان مما لا تتعذر إقامة البينة عليه
لظهوره ويقبل قوله في التلف مع يمينه.
"وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن"
لأن العلف من كمال الحفظ بل هو الحفظ بعينه
لأن العرف يقتضي علفها وسقيها فكأنه مأمور به
عرفا وقيل لا يضمن كلا تعلفها والأول هو
المشهور "إلا أن ينهاه المالك عن علفها" لأن
مالكها أذن في إتلافها أشبه ما لو أمره بقتلها
لكن إذا نهاه عن علفها فتركه أثم لحرمة
الحيوان فإن أمره به لزمه وقيل يلزمه بقبوله
ويعتبر حاكم وفي المنتخب لا
فرع: إذا علف الدابة أو سقاها في داره أو
غيرها بنفسه أو غلامه على ما جرت به العادة
فلا ضمان عليه لأنه مأذون فيه عرفا والحكم في
النفقة والرجوع
(5/164)
فإن قال أترك
الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن وإن قال
أتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن وإن
تركها في يده احتمل وجهين وإن دفع الوديعة إلى
من يحفظ ماله كزوجته وعبده لم يضمن
__________
كالحكم في نفقة البهيمة المرهونة لأنها أمانة
مثلها.
"فإن قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه"
أويده "ضمن" لأن الجيب أحرز وربما نسي فسقط
منه "وإن قال اتركها في كمك" أو يدك "فتركها
في جيبه" لم يضمن لأنه أحرز "وإن تركها في يده
احتمل وجهين" كذا في الفروع أظهرهما يضمن لأن
اليد يسقط منها الشيء بالنسيان بخلاف الكم
والثاني لا يضمن لأن اليد أحرز من الكم لأنه
يتطرق إليه البط وكذا الخلاف إذا عين يده
فتركها في كمه وقال القاضي اليد أحرز عند
المغالبة والكم أحرز عند غيرها فإن تركها في
يده عند المغالبة فلا ضمان عليه لأنه زاده
خيرا وإلا ضمنها لنقلها إلى أدنى مما أمر به
فإن أمره بحفظها مطلقا فتركها في جيبه أو يده
أو شدها في كمه أو عضده وقيل من جانب الجيب أو
ترك في كمه ثقيلا بغير شد أو تركها في وسطه لم
يضمن وفي الفصول إن تركها في رأسه أو غرزها في
عمامته أو تحت قلنسوته احتمل أنه أحرز
تنبيه: إذا قال اتركها في بيتك فشدها في ثيابه
وأخرجها معه ضمن لأن البيت أحرز وإن قال لا
تدخل بيت الوديعة أحدا فخالفه وسرقها الداخل
ضمن لأنه ربما شاهدها في دخول البيت وإن سرقها
غيرالداخل فلا في الأصح لأن فعله لم يكن سببا
لإتلافها وقيل بلى جزم به في الكافي وغيره
لأنه ربما دل السارق عليها.
"وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله" أو مال
ربها عادة "كزوجته وعبده لم يضمن" نص عليه
لأنه مودع فله أن يحفظها بنفسه وبمن جرت
العادة بحفظ ماله وكوكيل ربها وألحق بهما في
الروضة الولد وهو ظاهر وكما لو دفع الماشية
إلى الراعي أو البهيمة إلى غلامه ليسقيها وقيل
يضمن كما لو دفعها إلى
(5/165)
وإن دفعها إلى
أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي
وقال القاضي له ذلك وإن أراد سفرا أو خاف
عليها عنده ردها إلى مالكها فإن لم يجد حملها
معه إن كان أحفظ لها وإلا دفعها إلى الحاكم
__________
أجنبي وعلى الأول يصدق في دعوى الرد أو التلف
كالمودع.
"وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم" لعذر لم يضمن
وإلا "ضمن" لأنه مودع وليس له أن يودع من
غيرعذر ولعله غيرظاهر في الحاكم "وليس للمالك"
إذا تلفت "مطالبة الأجنبي" لأن المودع ضمن
بنفس الدفع والإعراض عن الحفظ فلا يجب على
الثاني لأن دفعا واحدا لا يوجب ضمانين بخلاف
غاصب الغاصب لأن يده ضامنة فترتب عليه الضمان
"وقال القاضي له ذلك" وهو أقرب إلى الصواب
لأنه قبض ما ليس له قبضة أشبه المودع من
الغاصب وكما لو دفعها إلى أنسان هبة وعليه
للمالك مطالبة من شاء منهما ويستقر الضمان على
الثاني إن علم وإلا فعلى الأول وجزم في الوجيز
أنهما لا يطالبان إن جهلا ويتخرج من رواية
توكيل الوكيل له الإيداع بلا عذر وهو مقيد بما
إذا لم ينهه
"وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده ردها إلى
مالكها" أو وكيله فيها لأن في ذلك تخليصا له
من دركها ومقتضاه أنه إذا دفعها إلى الحاكم
يضمن لأنه لا ولاية له على الحاضر الرد رد من
بعد خلاف.
"فإن لم يجده حملها معه" في السفر نص عليه
سواء كان لضرورة أو لغيرها "إن كان أحفظ لها"
لأن المقصود الحفظ وهو موجود هنا وزيادة وشرطه
إذا لم ينه عنه ولا خوف وفي المبهج والموجز
والغالب السلامة زاد في عيون المسائل
والإنتصار كأب ووصى وله ما أنفق بنية الرجوع
قاله القاضي ويتوجه كنظائره وقيل مع غيبة ربها
أو وكيله إن كان أحرز وإن استويا فوجهان.
"وإلا" أي وإن لم يكن أحفظ لها ولم ينه عنه
"دفعها إلى الحاكم" لأن في
(5/166)
فإن تعذر ذلك
أودعها ثقة أو دفنها واعلم بها ثقة يسكن تلك
الدار فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا أو أعلم
بها من لا يسكن الدار ضمنها وإن تعدى فيها
فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب وأخرج
الدراهم لينفقها ثم ردها
__________
السفر بها غررا لأنه بعرضية النهب وغيره إذ
الحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته وفي لزومه
قبولها وجهان وظاهره أنه إذا أودعها مع قدرته
على الحاكم أنه يضمنها لأنها لا ولاية له وقيل
لا يضمن إذا أودعها ثقة وذكره الحلواني رواية
لأنه قد يكون أحفظ لها وأحب إلى مالكها وكتعذر
حاكم في الأصح.
"فإن تعذر ذلك" أي لم يقدر على الحاكم "أودعها
ثقة" لفعله عليه السلام لما أراد أن يهاجر
أودع الودائع التي كانت عنده لأم أيمن رضي
الله عنها ولأنه موضع حاجة وأطلق أحمد الإيداع
عند غيره لخوفه عليها وحملها القاضي على
المقيم لا المسافر
فرع: حكم من حضره الموت حكم من أراد سفرا في
دفعها إلى حاكم أو ثقة.
"أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار" لأن
الحفظ يحصل به "فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا"
ضمن لأنه فرط في الحفظ فإنه قد يموت في سفره
فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي موضعها أو
أصابها آفة وكذا إن أعلم بها غيرثقة لأنه ربما
أخذها ولم يصرح به المؤلف اكتفاء بمفهوم الأول
"أو أعلم بها من لا يسكن الدار" أي من لا يدله
على المكان "ضمنها" لأنه لم يودعها إياه ولا
يقدر على الإحتفاظ بها.
"وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس
الثوب وأخرج الدراهم لينفقها ثم ردها" بنية
الأمانة ضمنها لتصرفه في مال غيره بغير إذنه
وفيه وجه لأنه ممسك لها بإذن مالكها أشبه ما
قبل التعدي
وجوابه أنه ضمنها بعدوان فبطل الإستئمان كما
لو جحدها ثم أقر بها
(5/167)
أو جحدها ثم
أقر بها أو كسر ختم كيسها أو خلطها بما لا
تتميز منه ضمنها وإن خلطها بمتميز
__________
ويخرج منه ما إذا استعملها لنفعها كلبس صوف
ونحوه خوفا من عث ونحوه.
"أو جحدها ثم أقر بها" لأنه بجحدها خرج عن
الإستئمان عنها فلم يزل عنه الضمان بالإقرار
بها لأن يده صارت يد عدوان "أو كسر ختم كيسها"
أو كانت مشدودة فأزال الشد أو مقفولة فأزاله
وسواء أخرج منها شيئا أولا لهتكه الحرز بفعل
تعدي فيه وفيه رواية لا يضمن فإن خرق الكيس
فوق الشد فعليه ضمان ما خرق فقط لأنه لم يهتك
الحرز.
"أو خلطها بما لا تتميز منه" كزيت بزيت ودراهم
بدراهم "ضمنها" لأنه صيرها في حكم التالف وفوت
على نفسه ردها أشبه ما لو ألقاها في لجة بحر
وسواء خلطها بماله أو مال غيره بمثلها أو
دونها أو أجود ونقل عبدالله بن محمد البغوي عن
أحمد في رجل أعطي آخر درهما يشتري له به شيئا
فخلطه مع دراهمه فضاعا قال ليس عليه شيء وذكره
القاضي ولم يتأوله في النوارد وذكره الحلواني
ظاهر كلام الخرقي وجزم به في المنثور عن أحمد
قال لأنه خلطه بماله فإن لم يدر ايهما ضاع ضمن
نقله البغوي وفي الرعاية إذا خلط إحدى وديعتي
زيد بالأخرى بلا إذن وتعذرالتمييز فوجهان
فرع: إذا نوى التعدي فيها ولم يتعد لم يضمن
وحكى القاضي قولا بلى كملتقط في وجه "وإن
خلطها بتميز" كدراهم بدنانير لم يضمن على
الأصح وحكاه في الشرح بغير خلاف نعلمه لأنه لا
يعجز بذلك عن ردها أشبه مالو تركها في صندوق
فيه أكياس له والثانية يضمن للتصرف فيها وكذا
الخلاف إن خلط بيضا بسود وصحاحا بمكسرة
والثالثة يضمن إن خلط بيضا بسود وحمله في
المغني والشرح على أنها تكتسب منها سوادا
ويتغير لونها
(5/168)
أو ركب الدابة
ليسقيها وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه
وحده وعنه يضمن الجميع وإن رد بدله متميزا
فكذلك وإن كان غيرمتميز ضمن الجميع ويحتمل أن
لا يضمن غيره وإن أودعه صبي وديعة ضمنها
__________
"أو ركب الدابة ليسقيها" أو ليعلفها لم يضمن
لأنه مأذون فيه شرعا وعرفا ولهذا يضمن إذا
تلفت بتركه.
"وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده"
في الأصح لأن الضمان تعلق بالأخذ فلم يضمن
غيرما أخذه بدليل ما لو تلف في يده قبل رده
"وعنه يضمن الجميع" حكاها في التلخيص وغيره
لأنها وديعة قد تعدي فيها فضمنها كما لو أخذ
الجميع.
"وإن رد بدله متميزا فكذلك" أي يجري فيه
الخلاف السابق.
"وإن كان غيرمتميز ضمن الجميع" على المذهب
وقاله القاضي لخلظه الوديعة بما لا تتميز
"ويحتمل أن لا يضمن غيره" وهو مقتضى كلام
الخرقي وقطع به القاضي في التعليق وحكى عنه في
رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع
قال وإنه قول سوء لأن الضمان منوط بالتعدي
وهومختص بالمأخوذ وكذا إن أذن في أخذه منها
فرد بدله بلا إذنه وشرطها كما جزم به في
المغني والشرح إذا كانت غيرمختومة ولا مشدودة
فإن كانت كذلك ضمن الجميع لهتك الحرز وهذا هو
الصحيح عند القاضي وقياس قول الأصحاب
فرع: إذا منعها بعد طلب طالبها شرعا والتمكن
ولو كان مستأجرا لها ضمن فإن ضمنها فجدد له
صاحبها استئمانا أو أبرأه بريء في الأصح كرده
إليه أو إن جئت ثم تركت فأنت أميني ذكره في
الإنتصار فإن ردها فهو ابتداء استئمان .
"إن أودعه صبي وديعة ضمنها لأنه أخذ مال غيره
بغير إذن شرعي أشبه ما
(5/169)
ولم يبرأ إلا
بالتسليم إلى وليه وإن أودع الصبي وديعة فتلفت
بتفريطه لم يضمن وقال القاضي يضمن وإن أودع
عبدا وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته
فصل
والمودع أمين والقول قوله فيها يدعيه من رد
__________
لو غصبه ما لم يكن مأذونا له في التصرف "ولم
يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه" أي الناظر في
ماله كما لو كان عليه دين في ذمته وظاهره أنه
لا يزول عنه الضمان يردها إلى المودع لكن إن
خاف عليها التلف إن لم يأخذها لم يضمن لأنه
قصد تخليصها من الهلاك جزم به في الشرح
والوجيز "وإن أودع الصبي" أوالمعتوه أو السفيه
"وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن" لأن مالكها قد
فرط في تسليمها إليه وإن أتلفها لم يضمن سواء
أتلفها بأكل أو غيره لأنه سلطه على إتلافها
بدفعها إليه وقال القاضي يضمن نصره في الشرح
وغيره لأن ما ضمن بالإتلاف قبل الإيداع ضمن به
بعده وقولهم أنه سلطه عليها ليس كذلك وإنما
استحفظه إياها.
"وإن أودع عبدا وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته"
لأن العبد مكلف فصح استحفاظه وبه تحصل التفرقة
بينه وبين الصبي وكونها في رقبته لأن إتلافه
من جنايته وحكى في النهاية أن القاضي قال فيه
وجهان كوديعة الصبي إذا أتلفها فإن قلنا لا
يضمن الصبي كان في ذمته وإن قلنا يضمن كانت في
رقبته ثم قال صاحب النهاية والصحيح الفرق
فصل
"والمودع أمين" لأن الله تعالى سماها أمانة
بقوله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}
(النساء: من الآية58) "والقول قوله فيما يدعيه
من رد" مع يمينه وهو قول الثوري لأنه لا منفعة
له في قبضها فقبل قوله بغير بينة وعنه يقبل
(5/170)
وتلف وإذن
دفعها إلى إنسان
__________
قوله إن كان دفعها إليه بغير بينة وإلا وجب
عليه إقامتها وعلى القبول ولو على يد عبده أو
زوجته أو خازنه "وتلف" قال ابن المنذر أجمع كل
من نحفظ عنه أن المستودع إذا أحرز الوديعة ثم
ذكر أنها ضاعت قبل قوله مع يمينه قاله الأكثر
وعنه يصدق في تلفها بغير يمين والمذهب إن
ادعاه بأمر خفي صدق مع يمينه وإن كان بأمر
ظاهر كحريق فلا يقبل إلابينة تشهد بوجود السبب
ولو باستفاضة
كل مال تلف في يد أمين من غيرتعد لا ضمان فيه
إلا في مسألة: واحدة وهي ما إذا استسلف
السلطان للمساكين زكاة قبل حولها فتلفت في يده
ضمنها للمساكين نص عليه قاله ابن القاص
الشافعي.
"وإذن في دفعها إلى إنسان" بأن قال دفعتها إلى
فلان بأمرك فأنكر مالكها الإذن في دفعها قبل
قول المودع نص عليه في رواية ابن منصور أشبه
ما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف بالإذن
وأنكر الدفع قبل قول المستودع في المنصوص ثم
ينظر في المدفوع إليه أن أقر بالقبض وكان
الدفع في دين بريء الكل فإن أنكر قبل قوله مع
يمينه وذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى
الدين بغير بينة ولا تجب اليمين على المالك
لأن المودع مفرط لكونه أذن له في قضاء يبرئه
من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سواء صدقة
أو كذبة وذكر الأزجي أن الرد إلى رسول موكل
ومودع فأنكر الموكل ضمن لتعلق الدفع بثالث
ويحتمل لا وإن أقر وقال قصرت لترك الإشهاد
احتمل وجهين
تنبيه: إذا أخر ردها بعد طلبها بلا عذر ضمن
ويمهل لأكل ونوم وهضم طعام بقدره وفي الترغيب
إن أخر لكونه في البغوي أو على طعام إلى قضاء
غرض ضمن وإن لم كالذي على وجه واختاره الازجي
وإن أمره بالدفع إلى وكيله فتمكن وأبي ضمن
والأصح ولو لم يطلبها وكيله
(5/171)
وإن قال لم
تودعني ثم أقر بها أو ثبت ببينة فادعى الرد أو
التلف لم يقبل وإن أقام به بينة ويحتمل أن
تقبل بينته وإن قال مالك عندي شيء قبل قوله في
الرد والتلف وإن مات المودع فادعى وارثه الرد
لم يقبل إلا ببينة
__________
"وإن قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبت ببينة
فادعى الرد أو التلف لم يقبل" في قوله أكثرهم
لأنه صار ضامنا بالجحود ومعترفا على نفسه
بالكذب المنافي للأمانة "وإن أقام به بينة"
لأنه مكذب لها "ويحتمل أن تقبل بينته" لأن
صاحبها لو أقر بذلك سقط عنه الضمان ولعدم
التهمة والكذب الصادر منه لا يمنع من إظهار
الحق والمذهب أنه إذا أقام بينة بهما متقدما
جحوده لم تسمع في المنصوص وبعده تسمع برد لأن
قصاراه أن يكون عاصيا وليس عليه أكثر من الرد
والأصح وبتلف فلو شهدت به ولم يعين وقتا لم
يسقط الضمان لأن الأصل وجوبه فلا ينبغي بأمر
متردد.
"وإن قال مالك عندي شيء قبل قوله" مع يمينه
"في الرد والتلف" لان قوله لا ينافي ما شهدت
به البينة ولا يكذبها فإن من تلفت الوديعة من
حرزه بغير تفريطه أو ردها لا شيء لمالكها عنده
ولا يستحق عليه شيئا ولو قال لك وديعة ثم ادعى
ظن البقاء ثم علم تلفها فوجهان
"وإن مات المودع" فهي دين في تركته على الأصح
وفي المغني أنه المذهب اعتمادا على أصل وجوب
الرد ما لم يعلم ما يزيله والثانية لا ضمان
لأن الأصل عدم إتلافها والتعذر فيها فينتفي
الضمان وعلى الأول لا فرق أن يوجد جنس الوديعة
في ماله أولا "فادعى وارثه الرد لم يقبل إلا
ببينة" لأن صاحبها لم يأمنه عليها بخلاف
المودع فإنه ائتمنه فقبل قوله بغير بينة وكذا
لو ادعى الرد إلى الورثة فإن ادعى الرد إلى
ربها فأنكره ورثته فوجهان وعلم منه أن الوديعة
لا تثبت إلابإقرار من الميت أو ورثته أو ببينة
فلو وجد عليها مكتوبا وديعة لم يكن حجة عليهم
لجواز أن يكون الوعاء كانت فيه وديعة قبل هذه
وكذا لو وجد في برنامج أبيه لفلان عندي وديعة
(5/172)
وإن تلفت عنده
قبل إمكان ردها لم يضمنها وبعده يضمنها في أحد
الوجهين وإن ادعى الوديعة اثنان فأقربها
لاحدهما فهي له مع يمينه ويحلف المودع أيضا
وإن أقر بها لهما فهي لهما
__________
لم يلزمه ذكره في المغني والشرح وصححه في
الفروع وذكر أبو الحسين أنه يعمل بخط أبيه على
كيس لفلان كخطة بدين له فيحلف على استحقاقه
وفي عليه وجهان واسناد الدار والكاتب ودفتره
ونحوهما وكلاء كالأمير في هذا
غريبة: لو أودع كيسا مختوما من عشر سنين ثم
استرده وادعى أنه فض ختمه وأنه المطلوب صدق
المودع فلو فتح فوجد فيه دراهم من ضرب خمس
سنين فكذلك قاله البغوي في فتاويه
فائدة: إذا استعمل كاتبا خائنا أو عاجزا أثم
بما أذهب من حقوق الناس لتفريطه ذكره الشيخ
تقي الدين .
"إن تلفت عنده" أي عند الوارث "قبل إمكان ردها
لم يضمنها" لأنه معذور ولا تفريط منه "وبعده
يضمنها في احد الوجهين" جزم به في الوجيز
وغيره لتأخر ردها مع إمكانه لحصوله في يده من
غير إيداع أشبه ما لو أطارت الريح ثوبا إلى
سطح آخر وأمكنه رده فلم يفعل والثاني لا
يضمنها لأنه غير متعد في إثبات يده عليها
لكونها حصلت في يده بغير فعله وفي ثالث إن
جهلها ربها ضمن قطع به في المحرر لأنه
غيرمعذور.
"وإن ادعى الوديعة اثنان" أي ادعى كل منهما
أنه الذي أودعها ولا بينة "فأقر بها لأحدهما
فهي له مع يمينه" لأن اليد كانت للمودع وقد
نقلها إلى المدعي فصارت اليد له ومن كانت اليد
له قبل قوله مع يمينه.
"ويحلف المودع أيضا" لأنه منكر لحقه ويكون على
نفي العلم فإن حلف بريء وإن نكل لزمه أن يغرم
له قيمتها لأنه فوتها عليه وكذا لو أقر له بها
للأول فأنها تسلم للأول ويغرم قيمتها للثاني
نص عليه.
"وإن أقر به فهي لهما" أي بينهما كما لو كانت
بأيديهما وتداعيا معا
(5/173)
ويحلف لكل واحد
منهما فإن قال لا أعرف صاحبها حلف أنه لا يعلم
ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها وإن
أودعه اثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما
نصيبه سلمه إليه وإن غصبت الوديعة فهل للمودع
المطالبة بها على وجهين
__________
"ويحلف لكل واحد منهما" في نصفها فإن نكل لزمه
عوضها يقتسمانه أيضا "فإن قال لا أعرف صاحبها
حلف أنه لا يعلم" يمينا واحدة إذا أكذباه أو
أحدهما وقيل لا يحلف إلا أن يكون متهما قال
الحارثي هذا المذهب.
"ويقرع بينهما" وجوبا لتساويهما في الحق فيما
ليس بأيديهما كالعتق والسفر بإحدى نسائه "فمن
قرع صاحبه حلف" لأنه يحتمل أنها ليست له
"وأخذها" لأن ذلك فائدة القرعة فإن قال ليست
لواحد منهما فعن أحمد أنه يقرع بينهما قياسا
على ما إذا قال هي لأحد هؤلاء أولا أعرفه عينا
وحكى بعض أصحابنا أنه لا يقرع بينهما وتقر بيد
من هي بيده إلى أن يظهر صاحبها ذكره في الواضح
"وإن اودعه اثنان مكيلا أو موزونا" ينقسم وهو
معنى قول بعضهم لا ينقص بتفرقته "فطلب أحدهما
نصيبه سلمه إليه" اختاره أبو الخطاب وجزم به
في الوجيز وقدمه في الفروع لأن قسمته ممكنة
بغير غبن ولا ضرر وقيده في المحرر بما إذا كان
الشريك غائبا وقال القاضي لا يجوز إلا بإذنه
أو إذن حاكم وظاهره أنه لا يجوز إلا في المثلى
صرح به في النهاية وغيرها لأن قسمة غيرذلك بيع
وليس للمودع أن يبيع على المودع لأن قسمة ذلك
لا يؤمن فيها الحيف لأنه يفتقر إلي التقويم
وذلك ظن وتخمين.
"وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها
على وجهين" أحدهما وجزم به في الوجيز وقدمه في
الفروع له المطالبة بها لأنه مأمور بحفظها
وذلك منه وعبر في الفروع بأنه يلزمه والثاني
لا لأنه لم يؤمر به لكونه ليس وكيلا للمالك
ومثله مرتهن ومستأجر ومضارب وذكر المؤلف مع
حضور المالك لا يلزمه
(5/174)
__________
وعلى الثاني لا ضمان عليه سواء أخذت منه قهرا
أو أكره على تسليمها لأن الإكراه عذر يبيح
دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت منه قهرا وإن
صادره سلطان لم يضمن قاله أبو الخطاب وضمنه
أبو الوفاء إن فرط وإن أخذها منه قهرا لم يضمن
عند أبي الخطاب وقال أبو الوفاء أن ظن أخذها
منه بإقراره كان دالا ويضمن
أحكام: إذا استودع فضة وأمر بصرفها بذهب ففعل
وتلف الذهب لم يضمنه وإن قال اصرف مالي عليك
من قرض ففعل وتلف ضمنه ولم يبرأ من القرض
وإن استودع جارية فولدت عنده أمسك ولدها وقيل
بإذن ربها وهو أمانة فلو سأله عن الوديعة
السهو وري عنها فإن ضاق النطق عنها جحدها
وتأول وكذا أن أحلف عليها وإن نوى جحدها أو
امساكها لنفسه أو التعدي فيها لم يضمن قاله في
الرعاية
(5/175)
باب إحياء
الموات
وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت فإن
كان فيها آثار الملك أو لا يعلم لها مالك فعلى
روايتين
__________
باب إحياء الموات
الموات كسحاب والميتة والموتان بفتح الميم
والواو الأرض الدارسة الخراب قاله في المغني
والشرح وعرفها الأزهري بأنها الأرض التي ليس
لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها
والموات مشتق من الموت وهو عدم الحياة
والموتان بضم الميم وسكون الواو الموت الذريع
ورجل موتان القلب بفتح الميم وسكون الواو يعني
أعمى القلب لا يفهم والأصل في جوازه قبل
الإجماع حديث جابر مرفوعا "من أحيا أرضا ميتة
فهي له" رواه أحمد والترمذي وصححه وعن سعيد بن
زيد مرفوعا مثله رواه أبو داوود والترمذي
وحسنه وعن عائشة مثله رواه مالك وأبو داوود
قال ابن عبد البر هو مسند صحيح متلقى بالقبول
عند فقهاء المدينة وغيرهم وروى أبو عبيد في
الأموال عن عائشة مرفوعا "من أحيا أرضا ميتة
ليست لأحد فهو أحق بها" قال عروة قضى به عمر
في خلافته وفي الزركشي رواه البخاري وهو وهم
وعن عائشة مرفوعا "العباد عباد الله والبلاد
بلاد الله فمن أحيى من موات الأرض شيئا فهو
له" رواه أبو داود الطيالسي.
"وهي الارض الداثرة" أي الدارسة "التي لا يعلم
أنها ملكت" هذا بيان لمعنى الموات شرعا وكذا
إن ملكها من لا حرمة له وباد كحربي وآثار
الروم على الأصح وحاصله أن الموات إذا لم يجر
عليه ملك أحد ولم يوجد فيه اثر عمارة فإنه
يملك بالإحياء فإن علم أنه جرى عليه ملك بشراء
أو عطية فلا بغير خلاف نعلمه.
"فإن كان فيها آثار الملك" وباد أهله "ولا
يعلم لها مالك فعلى روايتين" كذا أطلقهما في
الكافي إحداهما يملك بالإحياء للخبر ولأنه في
دار الإسلام
(5/176)
ومن أحيا أرضا
ميتة فهي له مسلما كان أو كافرا وبإذن الإمام
أو غيرإذنه
__________
فيملك به كاللقطة والثانية لا تملك به كما لو
تعين مالكه لكن إن لم يعرف لها يومئذ مالك
وكان ملكها متقدما مسلم أو ذمي أو مشكوك في
عصمته ولم يعقبوا ورثة فالأشهر أنه لا تملك
بالإحياء لظاهر خبر عائشة ولأنها فيء فعليها
للإمام إقطاعه لمن شاء وعنه يملك به عملا
بعموم أكثر الأحاديث وعنه يملك مع الشك في
سابق العصمة دون المتيقن لأن المقتضي قد وجد
وشك في المانع اختاره في التلخيص واستثنى في
المغني والشرح من هذا ما به آثار ملك قديم
جاهلي كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوهم فإنه
يملك بالإحياء في الأظهر لما روى طاووس مرفوعا
قال "عادي الأرض لله ولرسوله ثم من بعد لكم"
رواه سعيد في سننه وأبو عبيد في الأموال
مسألة: نقل أبو الصقر في أرض بين قريتين ليس
فيها مزارع ولا عيون وأنهار وتزعم كل قرية
انها لهم فإنها ليست لهؤلاء ولا لهؤلاء حتى
يعلم أنهم احيوها فمن أحياها فله نقل ابن
القاسم
"ومن أحيا أرضا ميتة فهي له" أي للمحيي
للاخبار "مسلما كان" اتفاقا سواء كان مكلفا
أولا لكن شرطه أن يكون ممن يملك المال لأنه
يملكه بفعله كالأصطياد
"أو كافرا" أي ذميا في المنصوص وعليه الجمهور
للعموم وقال ابن حامد لا يملك الذمي بالإحياء
وحمل أبو الخطاب قوله على دار الإسلام قال
القاضي هو مذهب جماعة من أصحابنا لقوله عليه
السلام "موتان الأرض لله ورسوله ثم هي لكم"
وجوابه بعد تسليم صحته أنها لكم أي لأهل داركم
والذمي من أهل دارنا فعلى المنصوص إذا أحيا
موات عنوة لزمه عنه الخراج وإن أحيا غيره فلا
شيء عليه في الأشهر ونقل عنه حرب عليه عشر
ثمره وزرعه.
"بإذن الإمام أوغيرإذنه" قاله الأصحاب ونص
عليه أحمد مستدلا بعموم
(5/177)
في دار الإسلام
وغيرها إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي
صولحوا عليها وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه
لم يملك بالإحياء وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى
روايتين
__________
الحديث ولأنها عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى
إذن كأخذ المباح وهو مبني على أن عموم الاشخاص
يستلزم عموم الأحوال وقيل لا يجوز إلا بإذنه
وحكاه في الواضح رواية لأن به مدخلا في النظر
في ذلك.
"في دار الإسلام وغيرها" يعني أن جميع البلاد
سواء في ذلك فتحت عنوة كأرض الشام والعراق وما
أسلم أهله عليه كالمدينة وما صولح أهله على أن
الأرض للمسلمين كخيبر ويستثنى من ذلك موات
الحرم وعرفات وعنه ليس في أرض السواد موات
معللا بأنها لجماعة فلا يختص بها أحدهم وحمله
القاضي على العام وأن أحمد قاله حين كان
السواد عامرا في زمن عمر.
"إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا
عليها" أي لا يملك مسلم بالإحياء موات بلدة
كفار صولحوا على أنها لهم ولنا خراجها لأنهم
صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشيء منها
لان الموات تابع للبلد ويفارق دار الحرب لأنها
على أصل الإباحة وقيل يملك به لعموم الخبر
ولأنها من مباحات دارهم فملك به كالمباح.
"وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه" كطرقه
وفنائه ومسيل مائه ومرعاه ومختطبه وحريمه "لم
يملك بالإحياء" بغير خلاف نعلمه لمفهوم قوله
عليه السلام "من أحيا أرضا ميتة في غير حق
مسلم فهي له" ولأن ذلك من مصالح الملك فأعطي
حكمه وذكر القاضي أن منافع المرافق لا يملكها
المحيي بالإحياء لكن هو أحق بها من غيره وعلى
الأول لا يقطعه إمام لتعلق حقه به.
"وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين" أنصهما
وأشهرهما عند الأصحاب أنه يملك بالإحياء
للعموم مع انتفاء المانع وهوالتعلق بمصالح
العامر والثانية لا يملك به تنزيلا للضرر في
المآل منزلة الضرر في الحال إذ هو بصدد أن
يحتاج
(5/178)
ولا تملك
المعادن الظاهرة كالملح والقار والنفط والكحل
والجص بالإحياء وليس للإمام إقطاعه
__________
إليه في المآل والأولى أولى لأنه عليه السلام
أقطع بلال بن الحارث العقيق وهو يعلم أنه من
عمارة المدينة ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة
فجاز إحياؤه كالبعيد والمرجع في القرب والبعد
إلى العرف وعليها للإمام إقطاعه
فائدة: اذا وقع في الطريق نزاع وقت الإحياء
فلها سبعة أذرع للخبر ولا تغير بعد وضعها
لأنها للمسلمين نص عليه وقال فيمن أخذ منها
شيئا توبته أن يرد ماأخذ
"ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار" وهو
شيء اسود تطلى به السفن "والنفط" بفتح النون
وكسرها وهوأفصح "والكحل والجص بالإحياء" لما
روى عمرو بن عوف المزني عن أبيض بن حمال أنه
"وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقطعه
الملح فقطع له فلما ولى قال رجل أتدري ما قطعت
له إنما قطعت له الماء العد قال فانتزعه منه
قال وسأله عما يحمى من الاراك قال ما لم تنله
أخفاف الإبل" رواه الترمذي ولأن هذا مما تتعلق
به مصالح المسلمين العامة فلم يخر إحياؤه
كطرقات المسلمين قال ابن عقيل هذا من موارد
الله الكريم وفيض جوده العميم فلو ملك
بالإحتجار ملك منعه فضاق على الناس.
"وليس للإمام إقطاعه" بغير خلاف علمناه لما
ذكرنا فأما المعادن الباطنة وهي التي لا يوصل
إليها الا بالعمل والمؤنة فإن كانت ظاهرة فهي
كالأول وإن لم تكن ظاهرة فظاهر المذهب أنها
كدلك وقيل يملك به لأنه موات لا ينتفع به إلا
بالعمل والمؤنة فملك بالإحياء كالأرض وعلى
الأول ليس للإمام إقطاعها وصحح في المغني
والشرح خلافه لأنه عليه السلام أقطع بلال بن
الحارث معادن القبلية
فرع: ما نصب عنه الماء في الجزائر فالأشهر أنه
لا يملك به لأن البناء فيها يرد الماء إلى
الجانب الآخر فيضر بأهله
(5/179)
وإذا كان بقرب
الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك
بالإحياء وللإمام إقطاعه وإذا ملك المحيا ملكه
بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب
والفضة وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو
كلا أو شجر فهو أحق به وهل يملكه على روايتين
وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره
__________
"وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء
صار ملحا ملك بالإحياء" في الأصح لأنه لم يضيق
على أحد فلم يمنع منه كبقية الموات وإحياؤه
بعمل ما يصلح له من حفر ترابه وتمهيده وفتح
قناة إليه "وللإمام إقطاعه" كبقية الموات.
"وإذا ملك المحيا" أي إذا ملك الارض بالإحياء
"ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن
الذهب والفضة" والحديد لأنه ملك الارض بجميع
أجزائها وطبقاتها وهذا منها بخلاف الكنز فإنه
مودع فيها ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل
إحيائها لأنه قطع عن الناس نفعا كان واصلا
اليهم وظاهره أنه يملك المعادن الظاهرة ولو
تحجر الأرض أو اقطعها فظهر فيها المعدن قبل
احيائها كان له احياؤها ويملكها بما فيها لأنه
صار أحق بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه
"وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلا أو
شجر فهو أحق بت" لقوله عليه السلام "من سبق
إلى من لم يسبق إليه مسلم فهو له" رواه أبو
داود وفي لفظ فهو أحق به ولأنه لو سبق إلى
المباح الذي لا يملك أرضه فهوأحق به فهنا أولى
"وهل يملكه؟ على روايتين" أصحهما لا يملكه
لقوله عليه السلام "الناس شركاء في ثلاث في
الماء والكلأ والنار" رواه ابن ماجه ولأنها
ليست من أجزاء الأرض فلم يملكها بملك الأرض
كالكنز والثانية بلى لأنها خارجة من أرضه أشبه
المعادن الجامدة والزرع.
"وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره" لما
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به
الكلأ" متفق عليه وعن عمرو ابن
(5/180)
وهل يلزمه بذله
لزرع غيره على روايتين
فصل
وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري بها ماء
__________
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا من منع فضل مائه
أو فضل كلثه منعه الله فضله يوم القيامة رواه
أحمد ومحله إذا لم يجد ماء مباحا ولم ينضر بها
واعتبر القاضي اتصاله بمرعى ولا يلزمه الحبل
والدلو لأنه يتلف بالإستعمال اشبه بقية ماله
قاله في الكافي.
"وهل يلزمه بذله لزرع غيره على روايتين"
أصحهما يلزمه لما روى إياس "أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء" رواه أبو
داود والترمذي وصححه قال أحمد إلا أن يؤذيه
بالدخول أو له فيه ماء السماء فيخاف عطشا فلا
بأس أن يمنعه والثانية لا يلزمه جزم بها في
الوجيز لأن الزرع لا حرمة له في نفسه فعليها
يبيعه بكيل أو وزن ويحرم مقدرا بمدة معلومة أو
بالري أو جزافا قاله القاضي وغيره قال وإن باع
آصعا معلومة من سائح جاز كماء عين لا بيع كل
الماء لاختلاطه بغيره
فصل
"وإحياء الأرض أن يجوزها بحائط" منيع نص عليه
جزم به القاضي وأكثر اصحابه واقتصر عليه
الخرقي لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "من أحاط حائطا على أرض فهي له" رواه
أحمد وأبو داود ويشترط فيه أن يكون بما جرت
العادة بمثله ويختلف باختلاف البلدان وعنه
يشترط معه إجراء ماء وهو مقتضى كلام المؤلف
ومقتضاه أن الإحياء يحصل بالتحويط عليها سواء
أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للدواب.
"أو يجري لها ماء" من عين ونحوه نص عليه لأن
نفع الأرض بالماء أكثر من الحائط ويملكه بغرس
أو منع ماء ليزرع لا بحرث وزرع
(5/181)
وإن حفر بئرا
عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن
عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعا وعند القاضي
حريمها قدر مد رشائها من كل جانب وقيل قدر ما
يحتاج إليه في ترقية مائها
__________
"وإن حفر بئرا عادية" بتشديد الياء القديمة
منسوبة إلى عاد ولم يرد عادا بعينه "ملك
حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية" أي
قديمة "فحريمها خمسة وعشرون ذراعا" من كل جانب
منها وعلم منه أنه يملك البئر مع الحريم وهو
ما ذكره نص عليه واختاره القاضي في التعليق
واكثر أصحابه والشيخان لما روى أبو عبيد في
الأموال عن سعيد بن المسيب قال السنة في حريم
القليب العادي خمسون ذراعا والبديء خمسة
وعشرون ذراعا وروى الخلال والدارقطني نحوه
مرفوعا
ولا بد أن يكون البئر فيها ماء فإن لم يصل إلى
الماء فهو كالمتحجر الشارع وقوله حفر بئرا
عادية محمول على البئر التي انطمت وذهب ماؤها
فجدد حفرها وعمارتها أو انقطع ماؤها فاستخرجه
ليكون ذلك إحياء لها فأما البئر التي لها ماء
ينتفع به الناس فليس لأحد احتجاره كالمعادن
الظاهرة
فرع: إذا حفر بئرا بموات للسابلة فهوكغيره في
شرب وسقي ويقدم آدمي ثم حيوان وإن حفرها فيه
لارتفاقه كعادة من انتجع أرضا فهو أحق ما أقام
وقال جماعة يلزمه بذل فاضله لشاربه فقط وإن
رحل فسابلة فإن عاد ففي اختصاصه وجهان وإن
حفرها تملكا أو يملكه الحي ملكها وفي الأحكام
السلطانية لو احتاجت طيافبعده وتبعه في
المستوعب والبلغة وكره أحمد الشرب من الآبار
التي في الطريق قال ابن حمدان إن كره حفرها.
"وعند القاضي" وجماعة من الأصحاب "حريمها قدر
مد رشائها من كل جانب" لما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال "حريم البئر مد رشائها"
رواه ابن ماجة لأن ذلك ثبت لدفع الضرر فقدر
بمد الرشاء من كل جانب لأن الحاجة تندفع به.
"وقيل قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها" وهو
محكى عن القاضي اختاره أبو الخطاب في الهداية
فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور وإن كان
بسانيه
(5/182)
وقيل إحياء
الأرض ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به
لما يراد منها من زرع أو بناء وقيل ما يتكرر
كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء
__________
فبقدر طول البئر وإن كان يستقي منها بيده
فبقدر ما يحتاج إليه الواقف لأنه ثبت للحاجة
فتقدر بقدرها ولهذا قال القاضي وأبو الخطاب
التحديد الوارد في الخبر وكلام أحمد محمول على
المجاز وفيه نظر لأنه خلاف الظاهر فإنه قد
يحتاج إلى حريمها لغير ترقية الماء لموقف
الماشية وعطن الإبل ونحوه
وقال في الأحكام السلطانية له أبعد الامرين من
الحاجة أو قدر الأذرع مع أن أحمد توقف في
التقدير في رواية حرب فأما حريم العين
المستخرجة فهو خمسمائة ذراع نص عليه وظاهر
كلامه في الكافي واختاره القاضي وابو الخطاب
قدر الحاجة وحريم النهر ما يحتاج إليه لطرح
كرايته وطريق شاويه وما يستضر صاحبه بتملكه
عليه وإن كثر.
"وقيل إحياء الأرض ما عدّ إحياء" وحكاه القاضي
رواية لأن الشارع أطلق الإحياء ولم يبين صفته
فوجب أن يرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز
"وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من
زرع أو بناء" هذا بيان لما يعد إحياء في العرف
فإن الأرض تحيى دارا للسكنى وحظيرة ومزرعة
فإحياء كل منها بما يناسبه فإن كانت للكسنى
فإحياؤها ببناء حيطانها وتسقيف بعضها بما يليق
به وعنه وقسم بيوته وعلو أبوابه
وفي المغني والشرح لا يعتبر نصب أبواب على
البيوت وإن كانت حظيرة جرت العادة به وإن كانت
للزرع فبأن يسوق إليها ماء إن كانت تسقى ويقلع
ما بها من الأحجار إن احتاجت إلى ذلك ويقلع ما
بها من الأشجار كأرض الشعرى ويزيل عروقها
المانعة من الزرع أو يحبس الماء عنها كأرض
البطائح لأن بذلك يتمكن من الإنتفاع بها ولا
يعتبر أن يزرعها ويسقيها ولا أن يحرثها في
الأصح وجمع بينهما في المحرر فقال أن يحوطها
بحائط أو يعمرها العمارة العرفية.
"وقيل ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس
بإحياء
(5/183)
وما لا يتكرر
فهو إحياء ومن تحجر مواتا لم يملكه وهو أحق به
ووارثه بعده ومن ينقله إليه وليس له بيعه وقيل
له ذلك فإن لم يتم إحياؤه قيل له إما أن تحييه
أو تتركه فإن طلب الإمهال أمهل الشهرين
والثلاثة
__________
ومالا يتكرر فهو إحياء" لأن العرف جار بذلك
لكن إن كانت الأرض كثيرة الدغل والحشيش التي
لا يمكن زرعها إلا بتكرار حرثها وتنقية دغلها
وخشيشها المانع من زرعها كان إحياء
تنبيه: حريم شجر قدر مد أغصانها فإن غرسها في
موات فهي له وحريمها وإن سبق إلى شجر مباح
كزيتون وخروب فسقاه وأصلحه فهو له كالمتحجر
الشارع فإن ركبه ملكه بذلك وحريمه وحريم دار
من موات حولها مطرح تراب وكناسة وثلج وماء
ميزاب ولا حريم لدار محفوفة بملك ويتصرف كل
منهم بحسب العادة
"ومن تحجر مواتا" تحجر الموات الشروع في
إحيائه من غيرأن يتمه مثل أن يحيط حول الأرض
ترابا أو بجدار صغير أو يحفر بئرا ولم يصل
ماؤها نقله حرب لم يملكه لأن الملك بالإحياء
ولم يوجد "وهو أحق به" من سائر الناس لقوله
"من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو احق به"
.
"وارثه بعده" لقوله "من ترك حقا فلورثته" "ومن
ينقله إليه" أي إذا نقله إلى غيره بالهبة صار
الثاني أحق به لأن صاحبه أقامه مقام نفسه
"وليس له بيعه" لأنه لم يملكه فلم يملك بيعه
كحق الشفعة قبل الأخذ وكمن سبق إلى مباح قبل
أخذه "وقيل له ذلك" أي بيعه لأنه أحق به.
"فإن لم يتم إحياؤه قيل له" أي يقول له
السلطان ونحوه إذا طالت المدة "إما أن تحييه
أو تتركه" ليحييه غيرك لأنه ضيق على الناس في
حق مشترك بينهم فلم يمكن منه كما لو وقف في
طريق ضيق.
" فإن طلب الإمهال أمهل الشهرين والثلاثة" كذا
في الفروع لأنه يسير
(5/184)
فإن أحياه غيره
فهل يملكه على وجهين
__________
واقتصر في الكافي وقدمه في الرعاية على
الشهرين وفي الوجيز يمهل مدة قريبة بسؤاله
"فإن" بادر "وأحياه غيره" قبل فراغ تلك المدة
وفي المغني والشرح أو قبل ذلك "فهل يملكه على
وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع أحدهما
لا يمكله وهو الأظهر لمفهوم "من أحيا أرضا
ميتة في غير حق مسلم فهي له" إنها لا تكون له
إذا كان لمسلم فيها حق ولأنه إحياء في حق غيره
فلم يملكه كما لو أحيا ما يتعلق به مصالح ملك
غيره ولأن حق المتحجر أسبق فكان أولى كحق
الشفيع يقدم على شراء المشتري والثاني يملكه
لعموم الخبر السابق ولأن الإحياء يملك به فقدم
على المتحجر الذي لا يملك قال في الفروع
ويتوجه مثله في نزول مستحق عن وظيفة لزيد هل
يتقرر فيها غيره
قال شيخنا فيمن نزل عن وظيفة الإمامة لا يتعين
المنزول له ويولى من له الولاية من يستحق
التولية شرعا اعترضه ابن أبي المجد لأنه لا
يخلو إما أن يكون نزوله بعوض أولا وعلى كل
تقدير لم يحصل منه رغبة مطلقة عن وظيفة ثم قال
وكلام الشيخ قضية في عين فيحتمل أن المنزول له
ليس أهلا ويحتمل عدمه وفيه نظر فإن النزول
يفيد الشغور وقد سقط حقه بنزوله إذ الساقط لا
يعود وقوله قضية في عين الأصل عدمه ومما يشبه
النزول عن الوظائف النزول عن الإقطاع فإنه
نزول عن استحقاق يختص به لتخصيص الإمام له
استغلاله أشبه مستحق الوظيفة ومتحجر الموات
وقد يستدل بجواز أخذ العوض في ذلك كله بالخلع
فإنه يجوز أخذ العوض مع أن الزوج لم يملك
البضع وإنما ملك الإستمتاع به فأشبه المتحجر
(5/185)
فصل
وللإمام إقطاع موات لمن يحييه ولا يملكه
بالإقطاع بل يصير كالمحتجر الشارع في الإحياء
وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب
المسجد ما لم يضيق على الناس ولا يملكه
بالإقطاع ويكون المقطع أحق بالجلوس فيها
__________
فصل
"وللإمام إقطاع موات لمن يحييه" لأنه عليه
السلام أقطع بلال بن الحارث العتيق وأقطع وائل
بن حجر أرضا وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان وجمع
من الصحابة وينبغي أن يقطع مقدار ما عينه فإن
فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه كما
استرجع عمر من بلال ما عجز عن عمارته بالعقيق
الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
"ولا يملكه بالإقطاع" لأنه لو ملكه به لما جاز
استرجاعه "بل يصير كالمحتجر الشارع في
الإحياء" لأنه ترجح بالإقطاع على غيره ويسمى
تملكا لمآله إليه وكذا للإمام إقطاع غيرموات
تمليكا وانتفاعا للمصلحة نقل حرب القطائع
جائزة وقال له المروذي قال مالك لا بأس بقطائع
الأمراء فانكره شديدا ونقل يعقوب قطائع الشام
والجزيرة من المكرومه كانت لبني أمية فاخذها
هؤلاء ونقل محمد بن داود ما أدري ما هذه
القطائع يخرجونها ممن شاؤوا الى من شاؤوا قال
أبو بكر لأنه يملكها من أقطعها فكيف يخرج عنه
ولهذا عوض عمر جريرا البجلى لما رجع فيما
اقطعه.
"وله إقطاع الجلوس" للبيع والشراء "في الطرق
الواسعة ورحاب المسجد" ان قيل انها ليست منه
اذا كانت واسعة لأن ذلك يباح الجلوس فيه
والإنتفاع به فجاز إقطاعه كالأرض الدارسة
وتسمى اقطاع ارفاق "ما لم يضيق على الناس"
لأنه ليس للإمام أن ياذن فيما لا مصلحة فيه
فضلا عما فيه مضرة.
"ولا يملكه بالإقطاع" لما ذكر في إقطاع الأرض
"ويكون المقطع احق بالجلوس فيها" بمنزلة
السابق إليها من غير إقطاع والفرق بينهما أن
السابق إذا نقل متاعه عنها
(5/186)
فإن لم يقطعها
فلمن سبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها
مالم ينقل قماشه عنها فإن أطال الجلوس فيها
فهل يزال على وجهين وإن سبق اثنان أقرع بينهما
وقيل يقدم الإمام من يرى منهما ومن سبق إلى
معدن فهو أحق بما ينال منه
__________
فلغيره الجلوس فيها وهذا قد استحق بإقطاع
الإمام فلا يزول حقه بنقل متاعه ولا لغيره
الجلوس فيه وشرطه ما لم يعد فيه ويحرم ما يضيق
على المارة ولو بعوض وحكمه في التظليل على
نفسه بما ليس ببناء ومنعه من المقام إذا أطال
مقامه حكم السابق
"فإن لم يقطعها فلمن سبق إليها الجلوس فيها"
على الأصح على وجه لها لا يضيق على أحد ولا
يضر بالمارة لا تفاق أهل الأمصار في سائر
الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غيرإنكار
ولأنه ارتفاق بمباح من غيرإضرار فلم يمنع منه
كالاحتياز.
"ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها" لسبقه
إلى مباح كمار وظاهره أنه إذا قام وترك متاعه
لم يجز لغيره إزالته وأنه إذا نقل متاعه كان
لغيره الجلوس فيه وقيل إن فارق ليعود قريبا
فعاد فهو أحق به وعنه يكون أحق به إلى الليل
وفي افتقاره إلى إذن فيه وجهان لكن قال أحمد
ما كان ينبغي لنا أن نشتري من هؤلاء الذين
يبيعون على الطريق وحمله القاضي على ضيقه أو
كونه يؤذي المارة.
"فإن أطال الجلوس فيها" من غير إقطاع "فهل
يزال؟ على وجهين" كذا في الفروع أشهرهما أنه
يزال لأنه يصير كالتملك ويختص بنفع يساويه
غيره في استحقاقه والثاني لايزال جزم به في
الوجيز لأنه سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فلم
يمنع من الاستدامة كالإبتداء "وإن سبق اثنان"
فاكثر وضاق المكان "أقرع بينهما" على المذهب
لأنهما استويا في السبق والقرعة مميزة.
"وقيل يقدم الإمام من يرى منهما" لأنه أعلم
بالمصلحة في ذلك "ومن سبق إلى معدن فهو أحق
بما ينال منه" للخبر وسواء كان المعدن ظاهرا
أو باطنا إذا كان
(5/187)
وهل يمنع إذا
طال مقامه على وجهين ومن سبق إلى مباح كصيد
وعنبر وحطب وثمر وما ينبذه الناس رغبة عنه فهو
أحق به وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما وإذا
كان الماء في نهر غيرمملوك كمياه الأمطار فلمن
في أعلاه أن يسقى
__________
في موات "وهل يمنع إذا طال مقامه على وجهين"
كذا في الفروع أحدهما وجزم به في الوجيز لا
يمنع للخبر والثاني بلى لأنه يصير كالمتملك
وفي الشرح إن اخذ قدر حاجته وأراد الإقامة
ليمنع غيره منع منه لأنه تضيق على الناس بما
لا نفع فيه وقيل إن أخذه لتجارة هايأ الإمام
بينهما وإن أخذه لحاجة فأوجه القرعة والمهايأة
وتقديم من يرى الإمام وينصب من يأخذه ويقسمه
بينهم وإن سبق إليه اثنان فأكثر وضاق الوقت عن
أخذهم جملة أقرع.
"ومن سبق إلى مباح كصيد وعنبر وحطب وثمر وما
ينبذه الناس رغبة عنه" كالذي ينثر من الثمر
والزرع و ما ينبع من المياه في الموات "فهو
أحق بت" لقوله عليه السلام "من سبق إلى ما لم
يسبق إليه مسلم فهو له" مع قوله لما رأى ثمرة
ساقطة "لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة
لاكلتها" رواه البخاري ويملكه الآخذ مسلما كان
أو ذميا.
"وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما" جزم به
الآدمي وصاحب الوجيز البغداديان لأنهما استويا
في السبب والقمسة ممكنة وحذارا من تأخير الحق
وهذا إذا ضاق الوقت عن أخذهم جملة والأشهر
القرعة وقيل يقدم الإمام من شاء بالإجتهاد
وظهور الأحقية كأموال بيت المال ولا فرق بين
الحاجة وعدمها
فرع: الأسباب المقتضية للتمليك الإحياء
والميراث والمعاوضات والهبات والوصايا والوقف
والصدقات والغنيمة والإصطياد ووقوع الثلج في
المكان الذي أعده وانقلاب الخمر والبيضة
المذرة فرخا.
"وإذا كان الماء في نهر غبرمملوك كمياه
الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي
(5/188)
ويحبس الماء
حتى يصل إلى كعبه ثم يرسل إلى من يليه
__________
ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه ثم يرسل إلى من
يليه" نص عليه وجملته أن الماء لا يخلو إما أن
يكون نهرا جاريا أو واقفا والجاري قسمان إما
أن يكون في نهر غيرمملوك وهو ضربان أحدهما: أن
يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات الذي لا يستضر
أحد بالسقي منه فهذا لا تزاحم فيه
الثاني: أن يكون نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه
ويتشاحون في مائه كنهر الشام أو مسيل يتشاح
فيه أهل الأرضين الشاربة منه فيبدأ بمن في أول
النهر فيسقى ويحبس الماء حتى يصل إلى الكعبين
ثم يرسل إلى الثاني فيفعل كذلك حتى تنتهي
الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن
الثاني أو عن من يليهما فلا شيء للباقين لأنه
ليس لهم إلا ما فضل فهم العصبة ولا نعلم فيه
خلافا لما روى عبد الله بن الزبير أن رجلا
خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله
عليه وسلم "إسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى
جارك" فغضب الأنصاري وقال أن كان ابن عمتك
فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
قال "إسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى
الجدر" فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية
نزلت في ذلك {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ} (النساء: من الآية65) الآية متفق
عليه
وذكر عبدالرزاق عن معمر عن الزهري قال نظرنا
في قول النبي صلى الله عليه وسلم "ثم احبس
الماء حتى يرجع إلى الجدر" فكان ذلك إلى
الكعبين وشراج الحرة مسايل الماء جمع شرج وهو
النهر الصغير والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود
ولأن السابق في أول النهر كالسابق إلى اول
المشرعة وإن كانت أرضه مستقلة سدها حتى يصعد
إلى الثاني قاله في الترغيب
فإن كانت أرض الإعلى مختلفة منها عالية ومنها
مستفلة سقى كل واحدة على
(5/189)
فإن أراد إنسان
إحياء أرض يسقيها منه جاز مالم يضر بأهل الأرض
الشاربة منه
__________
حدتها
فإن استوى اثنان في القرب اقتسما الماء على
قدر الأرض إن أمكن وإلا أقرع فإن كان الماء لا
يفضل عن أحدهما سقى من تقع بقدر حقه.
"فإن أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه جاز ما
لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه" أي إذا كان
لجماعة رسم شرب من نهر غيرمملوك فجاء إنسان
ليحيي مواتا أقرب من رأس النهر من أرضهم لم
يكن له أن يسقى قبلهم لأنهم أسبق إلى النهر
منه وظاهره أنهم لا يملكون منعه من الإحياء
وفيه وجه فعلى الأول لو سبق إلى مسيل ماء أو
نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ثم آخر
فوقه ثم ثالث سقي المحيي أولا ثم الثاني ثم
الثالث لأن العبرة تقدم السبق إلى الإحياء لا
إلى أول النهر
القسم الثاني الجاري في نهر مملوك وهو ضربان
أحدهما أن يكون الماء مباح الأصل مثل أن يحفر
إنسان نهرا صغيرا يتصل بنهر كبير مباح فما لم
يتصل لا يملكه وهو كالمتحجر فإذا اتصل الحفر
ملكه وإن لم يجر فيه إذ الإحياء يحصل بتهيئته
للإنتفاع دون حصول المنفعة فيصير مالكا لقراره
وحافتيه وحريمه وهو ملقى الطين من جوانبه وقال
القاضي هو حق من حقوق الملك وحينئذ إذا كان
لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقة فإن
لم يكفهم وتراضوا على قسمته جاز وإلا قسمه
حاكم عند التشاح على قدر ملكهم
فإن احتاج المشترك إلى كري أو عمارة كان ذلك
بينهم على حسب ملكهم فإن كان بعضهم أدنى إلى
أوله من بعض اشترك الكل إلى أن يصلوا إلى
الاول ثم لا شيء عليه إلى الثاني ثم يشترك من
بعده كذلك كلما انتهى العمل فإذا حصل نصيب
إنسان في ساقيته سقى به ماشاء وقال القاضي ليس
له سقي أرض ليس لها رسم شرب من هذا النهر ولكل
منهم أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب
من إجراء ماء أو رحى أو دولاب بخلاف المشترك
فإن أراد أحد الشركاء أن
(5/190)
وللإمام أن أن
يحمى أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين
التي يقوم بحفظها ما لم يضيق على الناس وليس
ذلك لغيره
__________
يأخذ من النهر قبل قسمته شيئا يسقى به أرضا في
أول النهر أو غيره لم يجز لأن الآخذ منه ربما
احتاج إلى تصرف في أول حافة النهر المملوك
لغيره ولو فاض ماء هذا النهر إلى أرض أنسان
فهو مباح كالطائر
الضرب الثاني: أن يكون منبع الماء مملوكا بأن
يشترك جمع في استنباط عين وإجرائها فإنهم
يملكونها ويشتركون فيها وفي ساقيتها على حسب
النفقة والعمل فيها
"وللإمام أن يحمى" بفتح أوله وضمه أي يمنع
"أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي
يقوم بحفظها" كخيل المجاهدين وإبل الصدقة
وضوال الناس لما روى عمر "أن النبي صلى الله
عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين" رواه أبو
عبيد النقيع بالنون موضع ينتقع فيه ماء فيكثر
فيه الخصب
وروى أبو عبيد أن أعرابيا أتى عمر فقال يا
أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في
الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام علام
نحميها قال فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربيه
فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك فقال
عمر المال مال الله والعباد عبادالله والله
لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من
الأرض شبرا في شبر قال مالك بلغني أنه كان
يحمل كل عام على أربعين ألفا من الظهر ولأن في
ذلك مصلحة فجاز للإمام فعلها كسائر المصالح.
"ما لم يضيق على الناس" لأن الجاهلية كانوا
يحمون لأنفسهم فكان منهم من إذا انتجع بلدا
أقام كلبا على نشز ثم استعواه ووقف له من كل
ناحية من يسمع صوته بالعواء فحيث انتهى صوته
حماه من كل ناحية لنفسه ويرعى مع الناس فيما
سواه فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لما
فيه من الضيق على الناس ومنعهم من الإنتفاع
بشيء لهم فيه حق.
"وليس ذلك لغيره" أي لغير الإمام فأما النبي
صلى الله عليه وسلم فقد كان يحمى لنفسه
(5/191)
وما حماه النبي
صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه وما حماه
غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه على وجهين
__________
وللمسلمين ولم يحم لنفسه شيئا وإنما حمى
للمسلمين وسائر أئمة المسلمين ليس لهم أن
يحموا لأنفسهم شيئا إلا قدرا لا يضيق به على
المسلمين ويضرهم.
"ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد
نقضه" أي مع الحاجة إليه لأن ما حكم به النبي
صلى الله عليه وسلم نص فلا يجوز نقضه
بالإجتهاد فعليه من أحيا منه شيئا لم يملكه.
"وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه على
وجهين" أصحهما لإمام غيره نقضه كهو لأن حمى
الأئمة اجتهاد وملك الأرض بالإحياء نص والنص
مقدم والثاني لايجوز نقضه كما لا يجوز نقض
حكمه وينبني عليهما لو أحياه إنسان هل يملكه
مسألة: قال في الأحكام السلطانية إذا كان
الحمى لكافة الناس تساوي فيه جميعهم فإن خص به
المسلمون اشترك فيه غنيهم وفقيرهم ومنع منه
أهل الذمة وإن خص به الفقراء منع منه الأغنياء
وأهل الذمة ولا يجوز أن يخص به الأغنياء دون
الفقراء ولا أهل الذمة فلو اتسع الحمى المخصوص
لعموم الناس جاز أن يشتركوا فيه لارتفاع الضرر
على من يخص به ولو ضاق الحمى العام عن جميع
الناس لم يجز أن يختص به أغنياؤهم وفي فقرائهم
قول ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب
عوضا من مرعى موات أو حمى لأنه عليه السلام
شرك الناس فيه
تذنيب: من جلس في مسجد أو جامع لفتوى أو
لإقراء الناس فهو أحق به ما دام فيه أو غاب
لعذر وعاد قريبا وإن جلس فيه لصلاة فهو أحق به
فيها وإن غاب لعذر وعاد قريبا فوجهان ومن سبق
إلى رباط أو نزل فقيه بمدرسة أو صوفي بخانقاه
رجح به في الأقيس ولا يبطل حقه بخروجه منه
لحاجة
(5/192)
باب الجعالة
وهي أن يقول من رد عبدي أو لقطتي أو بني لي
هذا الحائط فله كذا فمن فعله بعد أن بلغه
الجعل استحقه وإن فعله جماعة فهو بينهم
__________
باب الجعالة
هي بتثليث الجيم كماأفاده ابن مالك يقال جعلت
له جعلا أوجبت وقال ابن فارس الجعل والجعالة
والجعلية ما يعطاه الإنسان على أمر بفعله
وأصلها قوله تعالى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ
حِمْلُ بَعِيرٍ} (يوسف: من الآية72) يوسف وكان
معلوما عندهم كالوسق وشرع من قبلنا شرع لنا ما
لم يكن في شرعنا ما يخالفه وحديث اللديغ شاهد
بذلك مع أن الحكمة تقتضيه والحاجة تدعو إليه
فإنه قد لا يوجد متبرع فاقتضت جواز ذلك
"وهي أن يقول" المطلق التصرف "من رد عبدي أو
لقطتي أو بني لي هذا الحائط" وكذا سائر ما
يستأجر عليه من الأعمال "فله كذا" وهو أكثر من
دينار أو اثني عشر درهما وإلا فله ما قدره
الشارع لأنه في معنى المعاوضة وتكون عقدا
جائزا لكل منهما الرجوع فيه قبل العمل واقتضى
ذلك أن لا يكون في يده فلو كانت اللقطة في يده
فجعل له مالكها جعلا ليردها لم يبح له أخذه.
"فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه" لان
العقد استقر بتمام العمل فاستحق الجعل كالربح
في المضاربة وفي أثنائه يستحق حصة تمامه.
"وإن فعله جماعة فهو بينهم" بالسوية لأنهم
اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض
فاشتركوا فيه كالأجر في الإجارة بخلاف مالو
قال من دخل هذا النقب فله دينار فدخله جماعة
استحق كل واحد منهم دينارا كاملا لأنه قد دخل
كل منهم دخولا كاملا وهنا لم يرده واحد منهم
كاملا ومثله من نقب السور فله دينار فنقب
ثلاثة نقبا واحدا فلو جعل لواحد في رده دينار
ولآخر دينارين والثالث ثلاثة فلكل واحد منهم
ثلث ما جعل له في رده فلو جعل لواحد دينار
والآخرين عوضا مجهولا فردوه فلصاحب الدينار
ثلثه
(5/193)
ومن فعله قبل
ذلك لم يستحقه سواء أرده قبل بلوغ الجعل أو
بعده وتصح على مدة مجهولة وعمل مجهول إذا كان
العوض معلوما
__________
وللآخرين أجرة عملهما فإن جعل له جعلا في رده
فرده هو وآخران معه وقالا رددناه معاونة له
استحق جميع الجعل وإن قالا رددناه لنأخذ العوض
فلا شيء لهما وله ثلث الجعل.
فرع: إذا قال من رد عبدي من موضع كذا فرده من
نصف الطريق أو قال من رد عبيدي فرد أحدهما
فنصفه وإن رده من أبعد فله المسمى ذكره في
التلخيص وإن رده من غير الموضع لم يستحق شيئا
في المغني والشرح كهروبه منه في نصف الطريق أو
موته
"ومن فعله قبل ذلك" أي قبل بلوغ الجعل "لم
يستحقه" لأن فعله وقع غيرمأذون فيه فلم يستحقه
ولأنه بدل منافعه جعل له فيكون عاملا في مال
غيره بغير إذنه وفارق الملتقط بعد بلوغ الجعل
فإنما بدل منافعه بعوض جعل له فاستحقه كالأجير
إذا عمل بعد العقد ولا يستحق أخذ الجعل بردها
لأن الرد واجب عليه.
"سواء أرده قبل بلوغ الجعل أو بعده" لما سبق
من أن الجعل بدل عن الفعل والرد فإن قال غير
صاحب الضالة من ردها فله دينار فهو ضامن له
وإن أسنده إلى مالكها فلا.
"وتصح على مدة مجهولة وعمل مجهول" لأنها عقد
جائز فجاز ان يكون العمل والمدة مجهولين
كالشركة ولان الحاجة تدعو إلى ذلك لكونه لا
يعلم موضع الضالة والآبق "إذا كان العوض
معلوما" لأنه يصير لازما بتمام العمل وكالأجرة
لأنه في معنى المعاوضة لا تعليقا محضا فلو قال
أنت بريء من المائة صح لأن تعليق الإسقاط أقوى
وفي المغني تخريج بجواز جهالة الجعل إن لم
يمنع التسليم كقوله من رد ضالتي فله ثلثها
بخلاف فله شيء أخذا من قول الإمام في الغزو من
جاء بعشرة أرؤس فله رأس فعليه
(5/194)
وهي عقد جائز
لكل واحد منهما فسخها فمتى فسخها العامل لم
يستحق شيئا وإن فسخها الجاعل بعد الشروع فعليه
للعامل أجرة عمله وإن اختلفا في أصل الجعل أو
قدره فالقول قول الجاعل.
__________
لو كانت الجهالة تمنع من التسليم لم تصح
الجعالة وجها واحدا وحينئذ فيستحق العامل أجر
المثل لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر
المثل كالإجارة وقد تضمن كلامه أمورا
منها: أنه لا يشترط العلم بالعمل والمدة بخلاف
الإجارة
ومنها: أنه لو قدر المدة بأن قال إن وجدتها في
شهر صح لأنها إذا جازت مجهولة فمع التقدير
أولى
ومنها: لا يشترط تعيين العامل للحاجة
ومنها: أن العمل قائم مقام القبول لأنه يدل
عليه كالوكالة
ومنها: أن كل ما جاز أن يكون عوضا في الإجارة
جاز أن يكون عوضا في الجعالة وكل ما جاز أخذ
العوض عليه في الإجارة جاز أخذه في الجعالة
"وهي عقد جائز" من الطرفين بغير خلاف نعلمه
كالمضاربة "لكل واحد منهما فسخها فمتى فسخها
العامل" قبل تمام العمل "لم يستحق شيئا" لأنه
أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه كعامل
المضاربة.
"وإن فسخها الجاعل بعد الشروع فعليه للعامل
أجرة عمله"أي أجرة مثله لأنه عمل بعوض فلم
يسلم له ولو قيل تسقط الأجرة لم يبعد وظاهره
أنه اذا فسخ قبل التلبس بالعمل لا شيء للعامل
فإن زاد أو نقص في الجعل قبل الشروع في العمل
جاز لأنه عقد جائز فجاز فيه ذلك كالمضاربة.
"وإن اختلفا في أصل الجعل أو قدره فالقول قول
الجاعل" لأنه منكر والأصل براءة ذمته وكذا
الحكم إذا اختلفا في المسافة وقيل يتحالفان
إذا اختلفا في قدره والمسافة كالأجير فإذا
تحالفا فسخ العقد ووجب أجر المثل
(5/195)
ومن عمل لغيره
عملا بغير جعل فلا شيء له إلا في رد الأبق فإن
له بالشرع دينارا أو اثنى عشر درهما وعنه إن
رده من خارج المصر فله أربعون درهما
__________
لأنها عقد يجب المسمى في صحيحه فوجبت أجرة
المثل في فاسده كالإجارة وقيل في آبق المقدر
شرعا ولا يستحق شيئا بلا شرط ذكره القاضي
"ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له"
بغير خلاف نعلمه لأنه بذل منفعته من غيرعوض
فلم يستحقه ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلزمه
ولم تطب نفسه به وهذا إذا لم يكن معدا لأخذ
الأجرة فإن كان معدا لها وأذن له فله الاجرة
لكن نص أحمد على أن من خلص متاعا لغيره يستحق
أجرة مثله بخلاف اللقطة "إلا في رد الآبق"
فإنه سيتحق الجعل بلا شرط روي ذلك عن عمر وعلي
وابن مسعود وقاله شريح وعمر بن عبدالعزيز لئلا
يلحق بدار الحرب أو يشتغل بالفساد.
"فإن له بالشرع" أي بشرع الشارع للخبر الوارد
فيه "دينارا أو اثني عشر درهما" جزم به في
الوجيز وقدمه واختاره الأكثر لما روى ابن أبي
مليكة وعمرو بن دينار "أن النبي صلى الله عليه
وسلم جعل في رد الآبق إذا جاء به خارجا من
الحرم دينارا" وهو قول من سمينا ولم نعرف لهم
مخالفا فكان كالإجماع بخلاف الشارد فإنه لا
يفضي إلى ذلك وظاهره أنه يستحقه برده سواء كان
من المصر أو خارجه وسواء كان الراد إماما أو
غيره وهو مقتضى كلام جماعة ونقل حرب لا يستحقه
إمام لأنه ينبغي له رده على مالكه ونقل ابن
منصور أن أحمد سئل عن جعل الآبق فقال لا أدري
قد تكلم الناس فيه لم يكن عنده فيه حديث صحيح
فظاهره أنه لا شيء له في رده واختاره المؤلف
تبعا لظاهر الخرقي وروى عن النخعي وابن المنذر
والحديث الاول مرسل وفيه مقال وكما لو رد جمله
الشارد ولأن الأصل عدم الوجوب
"وعنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما"
روي عن ابن مسعود واختاره الخلال قال أبو
اسحاق أعطيت الجعل في زمن معاوية أربعين درهما
(5/196)
ويأخذ منه ما
أنفق عليه في قوته وإن هرب منه في طريقه وإن
مات السيد استحق ذلك في تركته
__________
وهذا يدل على أنه مستفيض في العصر الأول وعنه
إن رده من المصر فعشرة قال الخلال استقرت عليه
الرواية وجزم به في عيون المسائل وأن الرواية
الصحيحة من خارج المصر دينار أو عشرة دراهم
وفي الخصال لابن البنا وكتاب الروايتين أنه
عشرة دراهم مطلقا وبالغ القاضي في ذلك فقال إن
الرواية لا تختلف فيه ونقل ابن هانيء عن أحمد
فيمن عمر قناة دون قوم أنه يرجع عليهم ذكره
القاضي في التعليق وعلله بأن الآبار بمنزلة
الأعيان فكما يرجع بالأعيان يرجع بها قاله
الزركشي وهذا التعليل يقتضي الرجوع فيما عمله
بأن يزيله كما يرجع في الأعيان لا أنه يرجع
ببدل ذلك على مالك العين
"ويأخذ منه ما أنفق عليه في قوته" أي يرجع
بنفقته لأنه مأذون في الإنفاق شرعا لحرمة
النفس بخلاف قضاء الدين بغير إذنه فإنه محل
خلاف وظاهره أنه يرجع ولو لم يستحق جعلا كرده
من غيربلد سماه
"وإن هرب منه في طريقه" فإنها لا تسقط نص عليه
لأنها وقعت مأذونا فيها شرعا أشبه ما لو وقعت
بإذن المالك ثم هرب وقيل إن نوى الرجوع وفي
جواز استخدامه بها روايتان في الموجز والتبصرة
وظاهره يقتضي أنه لا يستحق الجعل إلا برده لا
بوجدانه وظاهر كلام جماعة أنه في مقابلة
الوجدان فعليه هي بعد الوجدان كغيرها من
اللقطات لصاحبها أخذها ولا يجب على الملتقط
مؤنة ردها
وجوابه أن المراد بالوجدان الوجدان المقصود لا
مجرد الوجدان حتى لو ضاعت بعد أو تلفت استحق
الجعل لأن هذا غيرمقصود قطعا فإذن يرتفع
الخلاف
"وإن مات السيد استحق ذلك في تركته" والمراد
به الجعل قاله قي الشرح وعلله بأنه عوض عن
عمله فلا يسقط بالموت كالأجرة وسواء كان
معروفا برد الآبق أو لا
(5/197)
__________
والظاهر من كلام المؤلف شموله للجعل والنفقة
إذ لا مقتضى للتخصيص لأنه حق وجب في تركته
كسائر الحقوق الثابتة وعلم منه جواز أخذ الآبق
لمن وجده بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها وهو
أمانة ومن ادعاه فصدقة العبد أخذه فإن لم يجد
سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه ليحفظه لصاحبه
وله بيعه لمصلحة بغير خلاف نعلمه فإن قال كنت
أعتقته فوجهان فإن قلنا لا يقبل فليس لسيده
أخذ ثمنه ويصرف لبيت المال لأنه لا مستحق له
فإن عاد السيد فأنكر العتق وطلب المال دفع
إليه لأنه لامنازع له وليس للملتقط بيعه ولا
يملكه بعد تعريفه لأنه يحتفظ بنفسه فهو كضوال
الإبل فإن باعه فهو فاسد في قول عامة العلماء
(5/198)
باب اللقطة
وهي المال الضائع من ربه
__________
باب اللقطة
حكى عن الخليل اللقطة بضم اللام وفتح القاف
الكثير الإلتقاط وحكى عنه في الشرح أنها اسم
للملتقط لأن ما جاء على فعلة فهو اسم الفاعل
كالضحكة والهمزة واللمزة وبسكون القاف ما
يلتقط وقال الأصمعي والفراء هي بفتح القاف اسم
للمال الملتقط ويقال فيه أيضا لقاطة بضم اللام
ولقط بفتح اللام والقاف
"وهي المال الضائع من ربه" هذا بيان لمعنى
اللقطة شرعا قال بعضهم وهي مختصة بغير الحيوان
وتسمى ضالة والأصل فيها ما روى زيد بن خالد
الجهني قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن
لقطة الذهب والورق فقال "اعرف وكاءها وعفاصها
ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن
وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر
فادفعها إليه" وسأله عن ضالة الإبل فقال :
"مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء
وتأكل الشجر حتى يجدها ربها" وسأله عن الشاة
فقال
(5/198)
وتنقسم إلى
ثلاثة أقسام أحدها مالا تتبعه الهمة كالسوط
والشسع والرغيف فيملك بأخذه بلا تعريف الثاني
الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل
والبقر
__________
"خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب" متفق
عليه
ولها أركان ثلاثة
أحدها: المال الضائع الثاني الالتقاط الثالث
الملتقط وهو كل من يصح اكتسابه بالفعل من
اصطياد ونحوه
"وتنقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها ما لا تتبعه
الهمة" أي همة أوساط الناس ولو كثر "كالسوط"
وهو الذي يضرب به كذا أطلقوا وفي شرح الهذب هو
فوق القضيب ودون العصا وفي المختار هو سوط لا
ثمرة له "والشسع" أحد سيور النعل الذي يدخل
بين الأصبعين "والرغيف فيملك بأخذه بلا تعريف"
ويباح الإنتفاع به لما روي جابر قال "رخص
النبي صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط
والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به" رواه أبو داود
وكذا التمرة والخرقة وما لا خطر له
وفي التبصرة صدقته به أولى فإن التقطه وانتفع
به وتلف فلا ضمان عليه ذكره في المستوعب وغيره
وفي المغني ليس عن أحمد تحديد اليسير الذي
يباح والمعروف في المذهب تقييده بما لا تتبعه
همة أوساط الناس ولو كثر ونص في رواية أبي بكر
بن صدقة أنه يعرف الدرهم وقال ابن عقيل لا يجب
تعريف الدانق وحمله في التلخيص على دانق الذهب
نظرا لعرف العراق وعنه يلزمه تعريف اليسير
وقيل مدة يظن طلب ربه له ولا يلزمه دفع بدله
خلافا ل التبصرة وقيل حصول في الثمرة يجدها أو
يلقيها عصفور أيأكلها قال لا قال يتصدق قال لا
يعرض لها نقله أبو طالب واختاره عبدالوهاب
الوراق
"الثاني الضوال" مفرده ضالة وهي اسم للحيوان
خاصة ويقال لها الهوامي والهوامل "التي تمتنع
من صغار السباع" وترد الماء "كالإبل والبقر"
نص
(5/199)
والخيل والبغال
والظباء والطير والفهود ونحوها فلا يجوز
التقاطها ومن أخذها ضمنها فإن دفعها إلى نائب
الإمام زال عنه الضمان
__________
عليهما "والخيل والبغال والظباء والطير
والفهود ونحوها" كالكلب وجملته أن كل حيوان
تقوى على الإمتناع من صغار السباع وورود الماء
سواء كان لكبر جثته كالإبل أو لطيرانه كالطيور
كلها أو لعدوه كالظباء أو بنابه كالفهد والكلب
"فلا يجوز التقاطها" لقول عمر من أخذ الضالة
فهو ضال أي مخطيء وهي تفارق الغنم لضعفها وقلة
صبرها عن الماء والخوف عليها من الذئب ونحوه
والحمر الأهلية كذلك قاله الأصحاب وفي المغني
الأولى إلحاقها بالشاة لمساواتها لها في العلة
لكن إن كانت الصيود مستوحشة بحيث اذا تركت
رجعت إلى الصحراء وعجز عنها مالكها جاز
التقاطها لأجل حفظها لصاحبها ويستثنى من كلامه
ما إذا وجدها في موضع يخاف عليها به كأرض
مسبعة أو قريبا من دار الحرب أو بموضع يستحل
أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء بها
ولا مرعى فالأولى أخذها للحفظ ولا ضمان عليه
لأن فيه إنقاذها من الهلاك أشبه تخليصها من
حريق.
"ومن أخذها ضمنها" لأنه أخذ ملك غيره بغير
إذنه ولا إذن الشارع فهو كالغاضب ولا فرق بين
زمن الأمن والفساد أو غيره وسواء كان إماما أو
لا فإن ردها إلى موضعها لم يبرأ منه لكن إذا
التقط ذلك غيرالإمام وكتمه ضمنه بقيمة مرتين
نص عليه للخبر.
"فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان"
لأن الإمام له نظر في ضوال الناس فكان نائبا
عن أصحابها وعلم منه أن للإمام ونائبه أخذها
للحفظ لقول عمر ولا يلزمه تعريفها ولا تؤخذ
منه بوصفها فإن أخذها غيرهما ليحفظها على
أصحابها لم يجز ولزمه ضمانها لأنه لا ولاية له
على صاحبها
فائدة: يسم الإمام ما يحصل عنده من الضوال
بأنها ضالة ويشهد عليها قال في الرعاية سمة
الصدقة
(5/200)
الثالث سائر
الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان
والعجول والأفلاء فمن لا يأمن نفسه عليها ليس
له أخذها
__________
فرع: ما يحتفظ بنفسه من الأحجار الكبار كحجر
الطاحون والخشب الكبير وقدور النحاس فهو
كالإبل بل أولى قاله في المغني والشرح وقدم في
الفروع خلافه ومن أخذ متاعه وترك بدله فلقطة
نص عليه ونقل ابن منصور ويأخذ حقه منه بعد
تعريفه.
أصل: إذا وجد في حيوان نقدا أو درة فهو لقطة
لواجده نص عليه ونقل ابن منصور لبائع ادعاه
إلا أن يدعي مشتر أنه أكله عنده فهو له وإن
وجد درة غير مثقوبة في سمكه فهي لصياد لأن
الظاهرابتلاعها من معدنها
فلو ترك دابة بمهلكة أو فلاة لعجزه أو
انقطاعها ملكها آخذها نص عليه وقيل لا بل هي
لمالكها كعبد وترك متاع عجزا فيرجع بنفقته
وأجرة متاع نص عليه وقيل لا نفقة ولاأجرة وقيل
في نفقة العبد روايتان وكذا ما يلقى في البحر
خوفا من الغرق فإنه يملكه آخذه
وفي الشرح لا أعلم لأصحابنا فيه قولا وقيل لا
وله أجرة رد متاعه في الأصح فإن انكسرت
السفينة وأخرجه قوم فقياس قول أحمد لمستخرجه
أجرة المثل كجعل رد الآبق وقال القاضي يأخذ
أصحاب المتاع متاعهم ولا شيء للذين أصابوه
والأول أولى "الثالث سائر الأموال كالأثمان
والمتاع والغنم والفصلان" بضم الفاء جمع فصيل
وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه "والعجول" جمع
عجل وهو ولد البقرة قال ابن مالك حين يوضع
والجمع العجاجيل "والأفلاء" قال الجوهري الفلو
بتشديد الواو المهر والأنثى فلوة والجمع أفلاء
كأعداء قال أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت وإذا
كسرت خففت فقلت فلو كجرو "فمن لا يأمن نفسه
عليها ليس له أخذها" لما في ذلك من تضييع مال
غيره
(5/201)
فإن فعل ضمنها
ولم يملكها وإن عرفها ومن أمن نفسه عليها وقوي
على تعريفها فله أخذها والأفضل تركها وعند أبي
الخطاب إن وجدها بمضيعة فالأفضل أخذها
__________
فحرم كإتلافه وكما لو نوى تملكها في الحال أو
كتمانها "فإن فعل ضمنها" كغاضب سواء تلفت
بتفريطه أولا "ولم يملكها وإن عرفها" لأن
السبب المحرم لا يفيد الملك بدليل السرقة
والتقاط هذه محرم فلا يستفاد به الملك وقيل
تملك لأن الملك بالتعريف والإلتقاط وقد وجدوا
كالأصطياد من أرض غيره.
"ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله
أخذها" لحديث زيد ثبت في النقدين وقسنا عليهما
المتاع وعلى الشاة قسنا كل حيوان لا يمتنع
بنفسه من صغار السباع كابن آوى والذئب وعن
أحمد ليس لغير الإمام التقاط الشاة ونحوها
وعنه وعرض ذكرها أبو الفرج والأول أولى لأن
الشارع علل في عدم التقاط الإبل ما هو معدوم
في الغنم وفرق بينهما في خبر واحد فلا يجوز
الجمع بين ما فرق الشارع بينهما ولا قياس ما
أمرنا بالتقاطه على ما منع منه وحينئذ لا فرق
بين أن يجدها في مصر أو مهلكه لأنه عليه
السلام لم يستفصل ولو افترق الحال لا ستفصل
وذكر القاضي وأبو الخطاب عن أحمد أنه لا
يملكها قال في المغني والشرح ولعلها الرواية
التي منع من التقاطها فيها
"والأفضل تركها" قاله أحمد وروى عن ابن عباس
وابن عمر ولم يعرف لهما مخالف فكان كالإجماع
لأنه يعرض نفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب في
التعريف وأداء الأمانة فيها فكان تركها أولى
كولاية مال اليتيم.
"وعند أبي الخطاب إن وجدها بمضيعة" وأمن نفسه
عليها "فالأفضل أخذها" لما فيه من الحفظ
المطلوب شرعا كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه
لأنه أمانة كالوديعة وخرج وجوبه إذن لأن حرمة
مال المسلم دمه
فرع: إذا وجد عنبرة على الساحل فهي له والقن
الصغير كالشاة وكذا كل
(5/202)
ومتى أخذها ثم
ردها إلى موضعها أو فرط فيها ضمنها وهي على
ثلاثة أضرب حيوان فيتخير بين أكله وعليه قيمته
__________
جارية تحرم على الملتقط وذكر القاضي أن قياس
المذهب أنه لا يملك بالتعريف.
"ومتى أخذها ثم ردها إلى مواضعها أو فرط فيها
ضمنها" لأنها حصلت في يده فلزمه حفظها
كالوديعة إلا أن يأمره إمام أو نائبه بردها
كممتنع ودل على أنها إذا ضاعت عنده في حول
التعريف بلا تفريط لا ضمان عليه وإن التقطها
آخر لزمه ردها إلى الأول مع علمه فإن لم يعلم
حتى عرفها حولا ملكها لأن سبب الملك وجد منه
من غير عدوان فثبت الملك له كالأول ولا يملك
الأول انتزاعها منه فإن جاء صاحبها أخذها من
الثاني وليس له مطالبة الأول فإن علم الثاني
بالأول فردها وأبى أخذها وقال عرفها أنت
فعرفها ملكها وإن قال عرفها وتكون ملكا لي أو
بيننا صح وإن قصد الثاني بالتعريف تملكها
لنفسه دون الأول فوجهان وكذا الحكم إذا علم
الثاني بالأول فعرفا ولم يعلمه بها
فرع: إذا غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم
يملكها وجها واحدا لأنه تعدى بأخذها ولم يوجد
منه سبب تملكها
"وهي" أي الأموال المذكورة "على ثلاثة أضرب
حيوان فيتخير بين" ذبحه و"أكله" وفاقا لقوله
عليه السلام "هي لك أو لأخيك أو للذئب" جعلها
له في الحال وسوى بينه وبين الذئب والذئب لا
يؤخر أكلها ولأن في أكلها في الحال إغناء عن
الإنفاق عليها وحفظا لماليتها على صاحبها ولا
فرق بين أن يجدها في المصر أو الصحراء.
"وعليه قيمته" قاله أصحابنا وعليه أكثر
العلماء لأنه إذا كان عليه قيمة ما يضطر إليه
إذا أكله فلأن يكون عليه قيمة ما ذكر بطريق
الأولى وتصير في ذمته ولا يلزمه عزلها وقال
مالك له أكل ضالة الغنم ولا غرامة عليه
لصاحبها ولا تعريف لها قال ابن عبد البر لم
يوافق مالكا أحد العلماء وأفتى أبو الخطاب
وابن الزاغوني بأكله بمضيعة بشرط ضمانه وإلا
لم يجز تعجيل ذبحه لأنه
(5/203)
وبين بيعه وحفظ
ثمنه وبين حفظه لمالكه والإنفاق عليه من ماله
وهل يرجع بذلك على وجهين الثاني ما يخشى فساده
فيتخير بين بيعه وأكله
__________
يطلب وقال ابن عقيل وأبو الحسين لا يتصرف قبل
الحول في شاة ونحوها بأكل ونحوه رواية واحدة.
"وبين بيعه وحفظ ثمنه" لأنه إذا جاز أكلها
بغير إذن فبيعها أولى وظاهره أنه يتولى ذلك
بنفسه ويلزمه حفظ صفتها ولم يذكر أصحابنا هنا
تعريفا لأنه عليه السلام لم يأمر بتعريفها
ونصر في الشرح لزوم ذلك لأنها لقطة لها خطر
فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير وإنما لم يذكره
هنا لأنه ذكره بعد.
"وبين حفظه لمالكه" ولم يتملكها "والإنفاق
عليه من ماله" لما في ذلك من حفظه على مالكه
عينا ومالا فلو تركها بلا نفقة ضمنها لأنه فرط
فيها "وهل يرجع بذلك" إذا نوى الرجوع به "على
وجهين" هما رويتان الأصح أنه يرجع قضى به عمر
بن عبد العزيز قال في المغني والشرح نص عليه
في رواية المروزي في طيرة أفرخت عند قوم فقضى
أن الفراخ لصاحب الطيرة ويرجع بالعلف ما لم
يكن متطوعا قال أبو بكر هذا مع ترك التعدي فإن
تعدى لم يحتسب له ولأنه أنفق عليه لحفظه فكان
من مال صاحبه كمؤنة التجفيف والثاني لا يرجع
لأنه أنفق على مال غيره بلا إذنه فلم يرجع كما
لو بنى داره وفارق التجفيف لأنه لا تتكرر
نفقته بخلاف الحيوان فربما استغرقت ثمنه مع أن
الشعبي عجب من قضاء عمر وقيل إن أنفق بإذن
حاكم رجع وإلا فلا
"الثاني ما يخشى فساده" ممالا يمكن تجفيفه
كالطبيخ والبطيخ والخضروات "فيتخير بين بيعه"
وحفظ ثمنه لأن فيه إبقاء لماليته ويتولى ذلك
بنفسه "واكله" وتثبت القيمة في ذمته فإن تركه
حتى تلف ضمنه لأنه فرط في حفظه كالوديعة ويحفظ
صفاته ثم يعرفه عاما ولم يذكره الأكثر فإن تلف
الثمن قبل تملكه من غير تفريط أو نقص أو تلفت
العين أو نقصت من غير تفريط فلا ضمان عليه
(5/204)
إلا أن يمكن
تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه
وغرامة التجفيف منه وعنه يبيع اليسير ويرفع
الكثير إلى الحاكم الثالث سائر المال فيلزمه
حفظها ويعرف الجميع بالنداء عليه في مجامع
الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات
الصلوات
__________
"إلا أن يمكن تجفيفه كالعنب" والرطب "فيفعل ما
يرى فيه الحظ لمالكه" لأن ذلك أمانة في يد
وفعل الاحظ في الأمانة متعين وكولي اليتيم
وهذا بخلاف الحيوان لأن في تركه ضررا وهو
النفقة عليه وخوف موته قال في المغني ومقتضى
قول أصحابنا أن العروض لا تملك بالتعريف وأنه
لا يجوز له أكله لكن يخير بين الصدقة به وبين
بيعه "وغرامة التجفيف منه" لأنه من مصلحته
فكان منه كما لو كان ليتيم وله بيع بعضه فإن
أنفق من ماله رجع به في الأصح فإن تعذر بيعه
ولم يمكن تجفيفه تعين أكله.
"وعنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم"
لأن اليسير يتسامح به بخلاف الكثير لأنه مال
لغيره ولم يأذن فيه فكان أمره إلى الحاكم وعنه
مع وجوده
"الثالث سائر المال" كالأثمان والمتاع "فيلزمه
حفظها" لأنها أمانة "ويعرف الجميع" وجوبا لأنه
عليه السلام أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب
ولأنه طريق إلى وصولها إلى صاحبها فوجب ذلك
لحفظها وظاهره ولو وجدها في دار حرب فإن كان
في جيش فقال أحمد يعرفها سنة دار الإسلام ثم
يطرحها في المغنم "بالنداء عليه" لأنه طريق
إلى ايصال المال إلى مستحقه وقد تضمن ذلك
وجوبه وقدره وزمانه ومكانه ومن يتولاه أما
وجوبه فهو واجب على كل ملتقط سواء أراد تملكها
أو حفظها لصاحبها إلا في اليسير الذي لا تتبعه
الهمة.
"في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في
أوقات الصلوات" هذا مكانه لأن المقصود إشاعة
ذكرها وإظهارها ليظهر عليها صاحبها وذلك طريق
إليه وروي عن عمر أنه أمر واجد اللقطة
بتعريفها على باب المسجد وعلم منه أنه لا يفعل
ذلك في المسجد وإن كان مجمع الناس بل يكره وفي
(5/205)
حولا كاملا من
ضاع منه شيء أو نفقة وأجرة المنادي عليه وقال
أبو الخطاب مالا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه
لمالكه يرجع بالأجرة عليه
__________
عيون المسائل لا يجوز وقاله ابن بطة لقوله
للرجل "لا ردها الله عليك" .
ووقته النهار وقد يفهم هذا من قوله كالاسواق.
"حولا كاملا" روي عن عمر وعلي وابن عباس وقاله
أكثر العلماء ويكون متواليا يلي الإلتقاط
لظاهر الأمر إذ مقتضاه الفور عندنا ولأن
صاحبها يطلبها عقيب ضياعها فإذا عرفت إذا كان
أقرب إلى وصولها إليه بخلاف ما لو تأخر ولأن
السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها
الزمان الذي يقصد فيها البلاد من البر والبحر
فصلحت قدرا كأجل العنين فيكون نهارا متواليا
في اسبوع وفي الترغيب ثم مرة كل اسبوع في شهر
ثم مرة في كل شهر ثم العادة ولا تعرف كلاب بل
ينتفع بالمباح منها.
"من ضاع" هذا بيان من يتولاه "منه شيء أو
نفقة" ولا يصفه فإنه لا يؤمن أن يسمعه أحد
فيصفه فيأخذه فيفوت على المالك وفي المغني
والشرح يذكر جنسها فيقول من ضاع منه ذهب أو
فضة ومقتضاه أنه إذا أطنب في الصفات فهو ضامن
وظاهره أنه يلزمه تعريفها ولو مع خوفه من
سلطان جائر ليأخذها أو يطالبه بأكثر فإن أخر
لم يملكها إلا بعده ذكره جماعة.
"وأجرة المنادي عليه" أي على الملتقط نص عليه
لأنه سبب فكانت الأجرة عليه كما لو اكترى شخصا
يقطع له مباحا فلو تولى ذلك بنفسه فلا شيء له.
"وقال أبو الخطاب مالا يملك بالتعريف وما يقصد
حفظه لمالكه يرجع بالأجرة عليه" لأنه من مؤنة
إيصالها إليه فكان على مالكها كأجرة مخزنها
وراعيها ونسب في المغني والشرح ما لا يملك
بالتعريف إلى ابن عقيل وما يقصد حفظه إلى أبي
الخطاب وعند الحلواني وابنه منها كمؤنة
التجفيف وقيل منها إن لم يملك وذكره في الفنون
ظاهر كلام أصحابنا
(5/206)
فإن لم يعرف
دخلت في ملكه بعد الحول حكما كالميراث وعند
أبي الخطاب لا يملكه حتى يختار ذلك وعن أحمد
لا تملك إلا الأثمان وهي ظاهر المذهب
__________
مسألة: إذا اخر التعريف عن الحول الأول مع
إمكانه أثم للأمر به وهو مقتضى الوجوب ولأن
الظاهر أنه بعد الحول يسلو عنها ويترك طلبها
ويسقط بتأخيره عن الحول الأول نص عليه فإن
تركه في بعض الحول عرف بقيته وقيل لا يسقط
بتأخيره لأنه واجب فلا يسقط بتأخيره عن وقته
كسائر الواجبات وعليهما لا يملكها بالتعريف
فيما عدا الحول الأول لأن شرط الملك التعريف
فيه ولم يوجد نعم لو تركه لمرض ونسيان ملكها
بالتعريف في ثاني الحول في وجه وفي آخر حكمه
حكم من تركه لغير عذر فلا يملكها إذ الحكم
ينتفي بانتفاء سببه مطلقا
"فإن لم يعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما" أي
من غير اختيار "كالميراث" نص عليه وذكره في
عيون المسائل الصحيح من المذهب غنيا كان أو
فقيرا لظاهر الأحاديث "فإن لم تعرف فاستنفقها"
وفي لفظ "فهي كسبيل مالك" وفي لفظ "ثم كلها"
وفي لفظ "فانتفع بها" وفي لفظ "فشأنك بها" وفي
لفظ "فاستمتع بها" ولو وقف ملكها على تملكها
لبينه له ولم يجوز له التصرف قبله ولأن
الألتقاط والتعريف سبب للملك فإذا تم وجب أن
يثبت به الملك حكما كالإحياء والإصطياد.
"وعند أبي الخطاب لا يملكه حتى يختار ذلك" وهو
رواية في الواضح لأن هذا يملك بعوض فلم يحصل
إلا باختيار المالك كالقرض فعليه لا بد من لفظ
فلو التقطها اثنان فعرفاها حولا ملكاها فإن
قلنا تقف على الإختيار فاختار أحدهما دون
الآخر ملك المختار نصفها وإن قال أحدهما
لصاحبه هاتها فأخذها لنفسه فهي له دون الآمر
وإن أخذها للآمر فهي له كما لو وكله في
الإصطياد وفي الكافي لرافعها لأنه لا يصح
التوكيل فيه.
"وعن أحمد لا تملك إلا الأثمان وهي ظاهر
المذهب" نقلها واختارها
(5/207)
وهل له الصدقة
بغيرها على روايتين وعنه لاتملك لقطة الحرم
بحال
__________
الأكثر لأن الخبر ورد فيها وغيرها لا يساويها
لعدم الغرض المتعلق بها فمثلها يقوم مقامها من
كل وجه بخلاف غيرها فدل أن العروض لا تملك نص
عليه في رواية الجماعة وقاله أكثر الاصحاب مع
أنه ذكر في المغني ولا أعلم بين أكثر أهل
العلم فرقا بين الأثمان والقروض وعنه ولا
الشاة والمذهب عند العامة أن الشاة تملك دون
العروض قاله الزركشي "وهل له الصدقة بغيرها"
أي بعد التعريف المعتبر تباع ويتصدق بثمنها
على روايتين أظهرهما له الصدقة به بشرط ضمانه
روي عن ابن مسعود ولأن الإنسان ينتفع بماله
تارة لمعاشه وتارة لمعاده فإذا انتفى الأول
تعين الثاني والثاني لا يتصدق به لأنه تصرف في
مال غيره بغير إذنه ولأنه يحتمل أن يظهر
صاحبها فيأخذها قال الخلال هذا قول قديم رجع
عنه فعليه يعرفها أبدا اختاره أبو بكر وابن
عقيل وقال القاضي في الخصال يخير بين تعريفها
أبدا وبين دفعها إلى الحاكم ليرى رأيه فيها
وقال ابن عقيل في البداية يدفعها إلى الحاكم
وظاهر كلام جماعة خلافة قال في الفروع وتتوجه
الروايتان فيما يأخذه السلطان من اللصوص إذا
لم يعرف ربه ونقل صالح في اللقطة يبيعه ويتصدق
بثمنه بشرط ضمانه.
"وعنه لا تملك لقطة الحرم بحال" بل يجوز اخذها
للحفظ اختاره الشيخ تقي الدين وغيره من
المتأخرين لقوله عليه السلام في مكة "لا تحل
ساقطتها إلا لمنشد" متفق عليه قال أبو عبيد
المنشد المعرف والناشد الطالب فيكون معناه
لاتحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها لأنها خصت بهذا
من بين سائر البلدان فتعرف أبدا أو يدفعها إلى
حاكم والمذهب أنه كالحل لحديث زيد وبأن عموم
الأشخاص يتناول عموم الأحوال إذ قوله "من وجد
لقطة" عام في كل واجد وعموم الواجدين يستلزم
عموم أحوالهم وعن أحمد أن اللقطة لا تملك بحال
نقلها حنبل والبغوي ذكره السامري
(5/208)
فصل
ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها
ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها ويستحب ذلك عند
وجدانها والإشهاد عليها
__________
فصل
"ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف
وعاءها" وهو العفاص الذي تكون فيه من خرقة أو
غيرها وقيل هو صفة شده وعقده "ووكاءها" وهو ما
شد به الوعاء وهما ممدودان "وقدرها" بالعدد أو
الكيل أو الوزن أو الذرع "وجنسها وصفتها"
لحديث زيد وفيه "فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها
وعددها ووكاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك" رواه
مسلم وفي حديث أبي بن كعب "فإن جاء أحد يخبرك
بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه" ولأن
دفعها إلى ربها يجب بما ذكر فلا بد من معرفته
نظرا إلى ما لا يتم الواجب إلا به واجب ولأنه
إذا عدم ذلك لم يبق سبيل إلى معرفتها قال
القاضي ينبغي أن يعرف جنسها ونوعها وإن كانت
ثيابا عرف لفافتها وجنسها ويعرف العقد عليها
هل هو واحد أو أكثر.
"ويستحب ذلك عند وجدانها" لأن فيه تحصيلا
للعلم بذلك "والإشهاد عليها" لأنه عليه السلام
لم يأمر به قال أحمد لا أحب أن يمسها حتى يشهد
عليها فظاهره أنه مستحب وأوجبه ابن أبي موسى
وأبو بكر لقوله عليه السلام "من وجد لقطة
فليشهد ذوي عدل" رواه أبو داود فعليها يضمن
بتركه وجوابه ما سبق ولو وجب لبينه فإنه لا
يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة سيما وقد سئل
عن حكم اللقطة ولأنه أخذ على وجه الأمانة فلم
يفتقر إلى الإشهاد كما لو دفعه والشهود عدلان
فصاعدا ولا يشهد نص عليه لاحتمال تنوعه
فيعتمده المدعي الكاذب ويستحب كتب صفاتها
ليكون أثبت لها مخافة نسيانها
(5/209)
فمتى جاء
طالبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل
وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول ولواجدها
بعده في أصح الوجهين
__________
"فمتى جاء طالبها" ولو بعد الحول "فوصفها"
بالصفات السابقة "لزم دفعها إليه" بلا بينة
ولا يمين وإن لم يغلب على ظنه صدقة لقوله "فإن
جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه" وفي
الرعاية يأخذها تامة مع ظن صدقة وفي كلام أبي
الفرج والتبصرة جاز الدفع إليه وقال أبو حنيفة
والشافعي لا يجبر على ذلك إلا ببينة والأول
أولى لأن عليه السلام لم يذكر بينة ولو كانت
شرطا لذكرها كغيرها ولا ينافيه قوله عليه
السلام "البينة على المدعي واليمين على من
أنكر" إذ هو مع وجود منكر وهو مفقود في صورة
اللقطة فالخبر لا يشملها ولو سلم فالتخصيص
ويتعذر إقامة البينة عليها غالبا لسقوطها حال
الغفلة والسهو فلو لم يجب دفعها بالصفة لما
جاز التقاطها ومثله وصفه مغضوبا ومسروقا ذكره
في عيون المسائل والقاضي وأصحابه.
"بنمائها المتصل" لأنها نماء ملكه ولا يمكن
انفصالها ولأنه يتبع في العقود والفسوخ
"وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول" لأنها
نماء ملكه "ولواجدها بعده" أي بعد مضي حول
التعريف "في أصح الوجهين" وهو ظاهر الوجيز
وصححه ابن حمدان لأنه ملكها بانفصال الحول
فالنماء إذن نماء ملكه والثاني يأخذها ربها
بها كالمتصلة وكالمفلس والولد والصحيح منهما
أن الزيادة إن حدثت في ملكه ثم الفرق أنه في
مسألتنا يضمن الملتقط النقص فتكون الزيادة له
ليكون الخراج بالضمان ذكره في المغني والشرح
فرع: إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن في
الدار من وصفه فهو له وقيل لا كوديعة وعارية
ورهن وغيره لأن اليد دليل الملك ولا تتعذر
البينة
مسألة: مؤونة الرد على ربها ذكره في التعليق
والإنتصار لتبرعه وفي الترغيب والرعاية على
الملتقط
(5/210)
وإن تلفت أو
نقصت قبل الحول لم يضمنها وإن كان بعده ضمنها
__________
"وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها" لأنها
أمانة في يده فلم تضمن بغير تفريط كالوديعة
"وإن كان بعده ضمنها" لأنها دخلت في ملكه
بانقضاء الحول وتلفت من ماله ولا فرق بين
التفريط وعدمه لكن اختار في المغني أن اللقطة
بعد الحول تملك بغير عوض يثبت في ملكه وإنما
يتجدد العوض بمجيء صاحبها وعند القاضي وغيره
أنه لا يملكها إلا بعوض في ذمته لصاحبها
وعليهما يزول ملك الملتقط عنها بوجود ربها إن
كانت باقية ويرد بدلها وهو مثلها أو قيمتها إن
كانت تالفة لأخبار ولأنه مال معصوم فلم يخبر
إسقاط حقه منه مطلقا كما لو اضطر إلى مال غيره
وعنه لا يضمن لحديث عياض المرفوع "فإن جاء
ربها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء" .
وتعتبر القيمة وقت التملك قاله في التلخيص وهو
ظاهر على رأي القاضي وقال الشيخان حين وجود
ربها وقيل يوم تصرفه وقيل يوم غرم بدلها وعنه
لا يضمن قيمتها بعد ملكها وقيل ولا يردها
والخلاف السابق على القول بملكها بمضي الحول
فأما من قال لا يملكها إلا بالاختيار لم
يضمنها إلا به ومن قال لا يملكها بحال لم
يضمنها وهو قول الحسن والنخعي وغيرهما.
تنبيه: إذا تصرف فيها الملتقط بعد الحول ببيع
أو هبة أو نحوهما صح فإن جاء ربها بعد خروجها
عنه فليس له أخذها وله أخذ بدلها فإن عادت إلى
الملتقط فله أخذها كالزوج إذا طلق قبل الدخول
فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة فإن كان بيع
خيار فله أخذه فإن مات الملتقط بعد أن صارت
ملكا له ثم جاء ربها فهو غريم بها يرجع ببدلها
إن اتسعت التركة وإلا تحاص الغرماء أي مع
التلف ولا فرق بين أن يعلم تلفها بعد الحول
أولا وفي المغني احتمال لا يلزم عوضها إن لم
يعلم تلفها بعد الحول لاحتمال تلفها في الحول
وهي أمانة
(5/211)
وإن وصفها
اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين وفي الآخر
يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها وإن
أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف وإن
تلفت فله تضمين أيهما شاء إلا أن يدفعها بحكم
حاكم فلا ضمان عليه ومتى ضمن الدافع رجع على
الواصف
__________
"وإن وصفها اثنان" معا أو وصفها الثاني قبل
دفعها للأول "قسمت بينهما في أحد الوجهين"
ذكره أبو الخطاب وقدمه في المحرر لأنهما
استويا في السبب الموجب للدفع أشبه مالو كانت
في أيديهما.
"وفي الآخر يقرع بينهما" ذكره القاضي وجزم به
في الوجيز وفي المغني والشرح أنه أشبه بأصولنا
فيما إذا تداعيا في يد غيرهما ولأنه مزية
لأحدهما على الآخر "فمن قرع صاحبه حلف وأخذها"
لأن ويحلف لاحتمال أنها ليست له وكذا إن أقاما
ببينتين فلو وصفها إنسان فأخذها ثم جاء آخر
فوصفها لم يستحق شيئا وقال أبو يعلى الصغير إن
زاد في الصفة احتمل تخريجه على بينة التشاح.
"وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف"
لأن البينة أقوى من الوصف "وإن تلفت فله تضمين
أيهما شاء" من الواصف والدافع إليه أما الأول
فلأنه أخذ مال غيره بغير إذنه وتلف عنده وأما
الثاني فلأنه دفع المال إلى غير مالكه اختيارا
منه فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها
إذا على ظنه أنه مالكها وقيل لا ضمان عليه إذا
قلنا بوجوب الدفع عليه لأنه فعل ما أمر به ولم
يفرط وكما لو أخذت منه كرها "إلا أن يدفعها
بحكم حاكم فلا ضمان عليه" لأنها مأخوذة منه
على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصب منه.
"ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف" لأنه كان
سبب تغريمه والتلف حصل في يده قال في المغني
والشرح إلا أن يكون الملتقط قد أقر الواصف
أنها ملكه لأنه قد اعترف بأن الواصف هو المحق
وصاحب البينة قد ظلمه
وظاهره أن صاحب البينة إذا ضمن الواصف لا يرجع
هو على الدافع وصرح
(5/212)
فصل
ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما
أو كافرا عدلاً أو فاسقاً
__________
به في المغني والشرح لأن التلف حصل في يده
والعدوان منه
فرع: إذا مات الملتقط قام وارثه مقامه في
التعريف أو إتمامه ويملكها بعد تمام التعريف
فإن لم يعلم تلفها ولا وجدت في تركته فهو غريم
بها وقيل لا يلزم الملتقط شيء وقيل يلزمه إن
مات بعد الحول لا قبله
فصل
" ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا" روي
عن عمر وعلي وابن مسعود وعائشة وخلق للعموم
وعنه لا يملكها إلا فقيرا من غير ذوي القربى
لحديث عياض ولأنه أضاف المال فيه إلى الله
تعالى وما يضاف إليه إنما يتملكه من يستحق
الصدقة وجوابه بأن من ملك بالقرض ملك اللقطة
كالفقير ودعواهم لا دليل عليها بل بطلانه ظاهر
فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله خلقا وملكا
قال الله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ
اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (النور: من
الآية33).
"مسلما" اتفاقا "أو كافرا" في قول الجماهير
لأنه نوع اكتساب فكان من أهله كالإحتطاب وقيده
في الشرح و الفروع بالذمي ولعله مراد وفي
الرعاية بالكافر العدل في دارنا وقال بعض
العلماء ليس له ذلك في دار الإسلام لأنه ليس
من أهل الأمانة وينتقض بالصبي قال في الشرح
وإن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليها
عدلا في الحفظ والتعريف ويحتمل أن تنتزع من
يده وتوضع على يد عدل لأنه غير مأمون عليها.
"عدلا" اتفاقا "أو فاسقا" على المذهب لأنها من
جهات الكسب وهو من أهله فصح التقاطه كالعدل
وإذا صح التقاط الذمي فالمسلم أولى والأولى له
(5/213)
وقيل يضم إلى
الفاسق أمين في تعريفها وحفظها وإن وجدها صبي
أو سفيه قام وليه بتعريفها وإذا عرفها فهي
لواجدها وإن وجدها فلسيده أخذها منه وتركها
معه يتولى تعريفها إذا كان عدلا
__________
تركها لانه يعرض نفسه للأمانة وهو ليس من
أهلها
"وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها"
قدمه في المحرر وجزم به في الشرح لأنه لا يؤمن
عليها فافتقر إلى مشاركة الأمين في الحفط
وظاهره أنها لا تنتزع منه لأن له حق التملك
نعم إن لم يمكن المسرف حفظها منه انتزعت من
يده وتركت في يد عدل فإذا عرفها ملكها الملتقط
لوجود سبب الملك منه.
"وإن وجدها صبي أو سفيه" أو مجنون قاله جماعة
"قام وليه بتعريفها" لأن واجدها ليس من أهل
التعريف وهو مقوم في ماله فكذا في لقطته
وحينئذ يلزم الولي أخذها منه فإن تركها في يده
فتلفت ضمنها "فإذا عرفها" ولم تعرف "فهي
لواجدها" لأن سبب الملك تم شرطه فثبت الملك له
كالصيد وعلم منه صحة التقاطهما لعموم الأخبار
ولأنه نوع كسب فصح منه كالاحتشاش فإن تلفت بيد
أحدهم وفرط نص عليه في صبي كإتلافه
"وإن وجدها عبد" عدل "فلسيده أخذها منه" لأنها
من كسبه وهو لسيده فكان له انتزاعها منه
"وتركها معه يتولى تعريفها إذا كان عدلا" لأنه
واجد فإن عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه
وإن عرفها حولا صح في الأصح لأن له قولا صحيحا
فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها
سيده بشرطه لأنها من جملة أكسابه وظهر منه صحة
التقاطه بغير اذن سيده لأن من جاز له قبول
الوديعة بغير إذن سيده جاز له الإلتقاط كالحر
وهذا إذا لم ينه عنها فإن نهاه عنها لم يصح
قطعا لا يقال هي قبل الحول أمانة وولاية وبعده
تملك وليس من أهله لأنه يبطل بالصبي والعبد من
أهل التملك في الجملة بدليل الاصطياد فإن عتق
أخذه سيده وقيل إن عتق بعد الحول والتعريف
وقلنا
(5/214)
فإن لم يأمن
العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فإن أتلفها
قبل الحول فهي في رقبته وإن أتلفها بعده فهي
في ذمته والمكاتب كالحر ومن بعضه حر فهي بينه
وبين سيده إلا أن تكون بينهما مهايأة فهل يدخل
في المهايأة على وجهين
__________
يملك فلا
"فإن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها
عنه" لأنه يلزمه حفظها وذلك وسيلة إليه
ويسلمها إلى الحاكم ثم يدفعها إلى سيده بشرط
الضمان
"إن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته"أي تتعلق
قيمتها برقبته كالجناية وكذا إذا تلفت بتفريطه
فلو تلفت بلا تفريط فلا ضمان عليه كالحر
"وإن أتلفها بعده فهي في ذمته" لأنه غير متعد
في إتلافها بعد الحول بالنسبة إلى صاحبها قال
في الشرح هذا إذا قلنا يملكها العبد بعد
التعريف وإن قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها
في حول التعريف ويصلح أن ينبني ذلك على
استدانة العبد
فائدة: المدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد
كالقن
"والمكاتب كالحر" لأن المال له في الحال
وأكسابه له وهو شامل لأكسابه الصحيحة والفاسدة
فإن عجز صار عبدا وحكم لقطته كالعبد "ومن بعضه
حر فهي بينه وبين سيده" لأنها من كسبه وهي
بينهما فيعرفان ويملكان بالقسط كسائر الاكساب
"إلا أن تكون بينهما مهايأة" بأن يتفق هو
والسيد على أن المنافع يوما لهذا ويوما للآخر
"فهل يدخل في المهايأة على وجهين" أصحهما لا
يدخل لأنها من الاكساب النادرة أشبهت الميراث
فعلى هذا يكون بينهما كالعبد المشترك والثاني
يدخل لأنها من كسبه أشبهت سائر الأكساب فيكون
لمن وجد في يومه وكذا حكم نادر من كسبه كهدية
وهبة ووصية ونحوها قاله في المغني والشرح
(5/215)
باب اللقيط
وهو الطفل المنبوذ وهو حر ينفق عليه من بيت
المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه
__________
باب اللقيط
هو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح والتقاطه فرض
كفاية لقوله تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة: من الآية2)
ولأن فيه إحياء نفس فكان واجبا كإطعامه إذا
اضطر وإنجائه من الغرق وروى سعيد عن سفيان عن
الزهري عن سنين أبي جميلة قال وجدت ملقوطا
فأتيت عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير
المؤمنين أنه رجل صالح فقال عمر أكذلك هو قال
نعم قال فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته
وفي لفظ علينا رضاعه "وهوالطفل المنبوذ" من
نبذ أي طرح سواء كان في شارع أو غيره وليس
هناك من يدعيه وقيل والمميز إلى البلوغ وعليه
الاكثر قال الحلواني يستحب لمن رآه أن يأخذه
ويربيه إن كان أمينا وإن كان سفيها فللحاكم
رفع يده عنه وتسليمه إلي أمين ليربيه وله
ثلاثة أركان اللقيط وقد عرف والإلتقاط وفي
وجوب الإشهاد عليه ما في اللقطة وقيل يجب قولا
واحدا لئلا يسترقه والملتقط وهو كل حر مكلف
رشيد وفي اعتبار العدالة وجهان وهو حر
في جميع الأحكام إجماعا حكاه ابن المنذر وقال
النخعي إن التقطه للحسبة فهو حر وإن التقطه
للاسترقاق فهو له وهذا قول لا يعرج على مثله
ولا يصح في النظر فإن الاصل في الآدميين
الحرية فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا
وإنما الرق لعارض كوجدانه في دار حرب .
"ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما
ينفق عليه" لقول عمر ولأنه
(5/216)
ويحكم بإسلامه
إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون
كافرا فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين
__________
مصرف ميراثه ولا يجب على الملتقط إجماعا فإن
تعذر الإنفاق من بيت المال فعلى من علم حاله
من المسلمين فإن تركوه أثموا ويسقط بفعل البعض
ثم إن كان متبرعا فلا شيء له وإن كان بنية
الرجوع بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت
قصدا بالمعروف وإن كان بغير أمر من الحاكم
فقولان وما حكى أنه لا يرجع مع إذن الحاكم سهو
"ويحكم بإسلامه" أي هو محكوم بإسلامه إذا وجد
في دار الإسلام وإن كان فيها أهل ذمة تغلبيا
للإسلام والدار ولأن الإسلام يعلو ولا يعلى ثم
دار الإسلام قسمان ما اختطه المسلمون كبغداد
والبصرة لقيطها محكوم بإسلامه قطعا الثاني دار
فتحها المسلمون كمدائن الشام فإن كان فيها
مسلم حكم بإسلام لقيطها وإن لم يكن فيها مسلم
حكم بكفره وهو داخل في قوله "إلا أن يوجد في
بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا" لأن
الدار لهم وأهلها منهم
ثم بلاد الكفار قسمان أيضا بلد يغلب المسلمون
الكفار عليه كالساحل فإن كان فيه مسلم حكم
بإسلام لقيطه قاله في الشرح وقال القاضي يحكم
بإسلامه لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه
وبلاد لم تكن للمسلمين كالهند والروم فلقيطها
كافر وكلام المؤلف محمول عليه.
"فإن كان فيه مسلم" كتاجر وغيره "فعلى وجهين"
أحدهما وجزم به في الوجيز أنه محكوم بإسلامه
تغليبا للإسلام وهذا بالنسبة إلى الظاهر بدليل
أنه لو أقام كافر بينة أنه ولده ولد على فراشه
حكم له به والثاني يحكم بكفره تغليبا للدار
والأكثر
وقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن الطفل إذا
وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد أنه
يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا
أن يدفن أطفال المشركين في مقابر المسلمين
وإذا وجد في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على
ظاهر
(5/217)
وما وجد معه من
فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت
فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له وإن كان
مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين
وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا وله
الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم
__________
ما حكموا به أنه كافر
"وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب" فوقه "أو
مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود
بثيابه فهو له" لأن الطفل يملك وله يد صحيحة
بدليل أنه يرث ويورث ويصح أن يشتري له وليه
ويبيع ومن له ملك صحيح فله يد صحيحة كالبالغ
فعلى هذا كلما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعة
فهو تحت يده ويثبت له الملك في الظاهر وينفق
عليه منه وجعل في المغني والشرح من ذلك ما جعل
فيه كخيمة ودار وكلام المجد يخالفه "وإن كان
مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين"
أما المدفون تحته فهو كالمتصل ولأنه يحكم به
للبالغ فكذا للطفل والثاني ليس له لأنه موضع
لا يستحقه لأن الظاهر أنه لو كان له لشده
واضعه في ثيابه ليعلم به وتوسط ابن عقيل
والمجد فجعلاه له بشرط طراوة الدفن اعتمادا
على القرينة
وأما المطروح قريبا منه فقطع المجد والمؤلف في
الكافي وصححه في المغني والشرح أنه له عملا
بالظاهر والثاني وأورده أبو الخطاب مذهبا لا
يكون له كالبعيد ويرجع به إلى العرف وحيث لم
يحكم له به فهو لقطة أو ركاز قاله في المغني
والشرح
وفي ثالث إن وجد رقعة فيها أنه له فهو له
"وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا" لأن
عمر أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له
عريفه أنه رجل صالح ولأنه سبق إليه فكان أولى
به للخبر.
"وله الإنفاق عليه مما وجد معه" من عين أو
غيره "بغير إذن حاكم" لأنه
(5/218)
وعنه ما يدل
على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه فإن كان فاسقا
أو رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم أو بدويا
ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله
إلى البادية لم يقر في يده
__________
وليه فلم يفتقر إلى إذن حاكم كولي اليتيم
"وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إلا بإذنه"
لأنه إنفاق على طفل فلم يجز بغير إذن الحاكم
كما لو أنفق على صغير مودع وأصلها ما نقله عنه
أبو الحارث في رجل أودع آخر مالا وغاب وطالت
غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليه هذا
المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى
الحاكم حتى يأمره بالإنفاق فلم يجعل له
الإنفاق من غير إذن الحاكم وهذا مثله
وقال في المغني و الشرح والصحيح أنه مخالف له
من وجهين أحدهما أن الملتقط له ولاية على
اللقيط وعلى ماله والثاني أنه ينفق على اللقيط
من ماله وهذا بخلافه لأنه يشترط عنده إثبات
حاجته لعدم ماله وعدم نفقة متروكة برسمه ومتى
لم يجدها حاكما فله الإنفاق عليه بكل حال لأنه
حال ضرورة وبالجملة فالمستحب استئذانه في موضع
يجد حاكما لأنه أبعد من التهمة والخروج من
الخلاف فإن بلغ واختلفا في قدرها والتفريط قبل
قول المنفق لأنه أمين "فإن كان فاسقا أو رقيقا
أو كافر واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في
المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى
البادية لم يقر في يده"
وفيه مسائل الأولى: أنه لا يقر في يد الفاسق
لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ولا ولاية لفاسق
وفارق اللقطة من حيث إنها في معنى التكسب
وإنها إذا انتزعت منه فترد إليه بعد الحول
وظاهر الخرقي أنه تقر في يده في الحضر وهو أحد
الوجهين لكونه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم
فيكون أحق فإن أراد السفر به منع لأنه يبعده
ممن يعرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه
قال في المغني فعلى قوله ينبغي أن يجب الإشهاد
عليه ويضم إليه أمين يشارفه ليؤمن التفريط فيه
وفيه وجه يقر في يده مطلقا كاللقطة ويجاب عما
ذكر بأن اللقيط ظاهر ومكشوف لا تخفى الخيانة
فيه بخلافها ولأنه يمكن أخذ بعضها وإبدالها
(5/219)
وإن التقطه في
البادية مقيم في حلة
__________
بخلاف اللقيط ولان المال محل الخيانة والنفوس
إلى أخذها داعية بخلاف النفوس فإن كان مستور
الحال فوجهان
فرع: لا يقر في يد مبذر وإن لم يكن فاسقا قاله
في التلخيص فإن اراد السفر به لم يمنع للأمن
عليه وقال ابن حمدان السفية كالفاسق
الثانية: أنه لا يقر في يد العبد لأنه لا
ولاية له إلا أن يأذن له سيده لأن منافعه
مملوكة له فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه
فيصير كما لو التقطه سيده وسلمه إليه فإذا أذن
له فليس له الرجوع قاله ابن عقيل والأمة
كالعبد لكن إن لم يجد أحدا يلتقطه سواه تعين
عليه كتخليصه من الغرق ذكره في المغني والشرح
فائدة: المدبر والمكاتب وأم الولد والمعلق
عتقه بصفة كالقن
الثالثة: أنه لا يقر في يد كافر إذا كان
اللقيط مسلما لأنه لا ولاية لكافر ولأنه لا
يؤمن أن يعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على
دينه نعم حيث حكم بكفر اللقيط فإنه يقر في يده
لأن بعضهم أولياء بعض
الرابعة أنه لا يقر في يد البدوي الذي ينتقل
في المواضع لأن فيه إتعابا للطفل بتنقله فعليه
يؤخذ منه ويدفع إلى صاحب قرية لأنه أرفه له
وأخف عليه وفي آخر أنه يقر في يد لأن الظاهر
أنه ولد بدويين وإقرار في يد ملتقطه أرجى لكشف
نسبه وأطلقهما في الفروع
الخامسة أنه لا يقر في يد من وجده في الحضر
وأراد نقله إلى البادية لأن مقامه في الحضر
أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له والظاهر أنه
ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله
واعترافهم به.
"وإن التقطه في البادية مقيم في حله" بكسر
الحاء المهملة البيوت المجتمعة وحينئذ يقر في
يد لأن الحلة كالقرية في كونه لا يرحل لطلب
الماء والكلأ
(5/220)
أو من يريد
نقله إلى الحضر أقر معه وإن التقطه في الحضر
من يريد نقله إلى بلد آخر فهل يقر في يده على
وجهين وإن التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر
والمقيم على المسافر فإن تساويا وتشاحا أقرع
بينهما
__________
"أو من يريد نقله إلى الحضر أقر معه" لأنه
ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية
والدّعة والدين.
"وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد
آخر فهل يقر في يده على وجهين" أحدهما لا يقر
في يده لأن بقاءه ببلد أرجى لكشف نسبه والثاني
يقر لأن ولايته ثابتة والبلد الثاني كالأول في
الرفاهية أشبه المنتقل من أحد جانبي البلد إلى
الجانب الآخر وكذا الخلاف لو أراد نقله من
قرية إلى قرية أو من حلة إلى حلة وعلى المنع
ما لم يكن البلد الذي كان فيه وبيئا كغور
بيسان قاله الخرقي وقيل إن نوى الإقامة فيما
انتقل به إليه من حلة وقرية وبلد جاز وفي
الترغيب من وجده بفضاء خال نقله حيث شاء.
"وإن التقطه اثنان" بحيث إنهما تناولاه جميعا
"قدم الموسر على المعسر" لأن ذلك أحفظ للطفل
"والمقيم على المسافر" لأنه أرفق بالطفل وعلم
منه أنهما لو كانا غير متصفين بما ذكرنا فإنه
ينزع من أيديهما ويقدم الأمين على غيره
والمسلم على الكافر ولو كان المسلم فقيرا لأن
النفع الحاصل بإسلامه أعظم من النفع الحاصل
بيساره وعلى قياس قولهم يقدم الجواد على
البخيل وفي الترغيب يقدم بلدي على غيره وظاهر
العدالة على مستور الحال وقيل سواء لأن احتمال
وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في
الترجيح.
"فإن تساويا" في الصفات "وتشاحا أقرع بينهما"
لقوله تعالى {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ
يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ
مَرْيَمَ} (آل عمران: من الآية44) لأنه لا
يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وكالقرعة في
الشركة والقسم والعتق وظاهره ولو كان بينهما
مهايأة لاختلاف الأغذية والأنس والإلف والمرأة
كالرجل وقيل يسلمه الحاكم إلى أحدهما أو
غيرهما فلو رضي أحدهما بتسليمه إلى
(5/221)
وإن اختلفا في
الملتقط منهما قدم من له بينة فإن لم تكن لهما
بينة قدم صاحب اليد فإن كان في أيديهما أقرع
بينهما فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم
وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أومن
غيرهما
__________
الآخر جاز لأن الحق له فلا يمنع من الإيثار به
"وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة"
لأنها أقوى فإن كان لكل منهما بينه قدم
أسبقهما تاريخا فإن استوى تاريخهما أو أطلقتا
أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وسقطتا
في وجه فيصير كمن لا بينة لهما وفي الآخر يقرع
بينهما فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم
بينته أو بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على
الخلاف في دعوى المال.
"فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد" لأن
اليد دليل استحقاق الإمساك وظاهره أنه لا يحلف
قال القاضي هو قياس المذهب كالطلاق وقال أبو
الخطاب ونصره في الشرح يحلف أنه التقطه.
"فإن كان في أيديهما أقرع بينهما" لاستوائهما
في السبب ولم يمكن تسليمه إليهما فتثبت القرعة
وحينئذ يسلم إلى من تقع القرعة له مع يمينه
وعلى قول القاضي لا يمين فإن ادعى أنه أخذه
منه قهرا وسأل يمينه حلف وفي المنتخب لا
كطلاق.
"فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما" بان يقول
في ظهره شامة أو بخده علامة قدم ذكر معظم
الاصحاب كلقطة المال ولأن الوصف يدل على القوة
فقدم به
وذكر القاضي وصاحب المبهج والمنتخب والوسيلة
لا يقدم واصفه وذكره في الفنون عن أصحابنا
لتأكده لكونه دعوى نسب وللغني بالقافة وكما لو
وصف المدعي المدعي
"وإلا" إذا انتفى الوصف "سلمه الحاكم إلى من
يرى منهما أو من غيرهما" ذكره القاضي وأبو
الخطاب لأنه لاحق لهما وقيل لا يسلمه الحاكم
بل يقرع
(5/222)
فصل
وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال وإن
قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء
أخذ الدية وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه
__________
بينهما وفي المغني هو الأولى كما لو كان في
أيديهما ولأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما أشبه
ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما وظاهره أنه لا
تخيير للصبي صرح به في الفروع
فصل
"وميراث اللقيط وديته" دية حر "إن قتل لبيت
المال" إن لم يخلف وارثا لأنه مسلم ولا وارث
له فكان ماله وديته لبيت المال كغير اللقيط
وعنه إن قتل خطأ فديته لملتقطه ذكره في
الرعاية وإن جنى خطأ عقل عنه بيت المال ولا
ولاء عليه وقال شريح وإسحاق ولاءه لملتقطه
لقول عمر لأبي جميلة فهو حر ولك ولاؤه ولما
روى واثلة بن الأسقع مرفوعا تحوز المرأة ثلاثة
مواريث عتيقها ولقيطها وميراث ولدها الذي
لاعنت عليه رواه أبو داود وحسنه الترمذي
وجوابه بأنه لم يثبت عليه رق ولا على أبائه
فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب وحديث واثلة
لا يثبث قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو
جميلة رجل مجهول لا يقوم بحديثه حجة ولو سلم
فمعنى قوله لك ولاؤه أي لك ولاية القيام به
وحفظه.
"وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن
شاء أخذ الدية" نص عليه أي ذلك فعل جاز إذا
رآه أصلح لقوله "السلطان ولي من لا ولي له"
ومتى عفي على مال أو صالح عليه كان لبيت المال
كجنابة الخطأ الموجبة للمال.
"وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه" ورشده في
الأشهر ليقتص أو يعفو لأن مستحق الإستيفاء
المجني عليه وهو حينئذ لا يصلح فانتظر أهليته
ليستوفي حقه ويحبس الجاني إلى بلوغه حتى
يستوفي حقه وعنه للإمام القصاص قبل
(5/223)
إلا أن يكون
اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام العفو على مال
ينفق عليه وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه
وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط وإن
ادعى إنسان أنه مملوه لم يقبل
__________
ذلك لأنه أحد نوعي القصاص فكان له استيفاؤه عن
اللقيط كالنفس
وجوابه أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على
مستحقه كما لو كان بالغا غائبا وفارق القصاص
في النفس لأن القصاص ليس له بل لوارثه والإمام
هو المتولي عليه
"إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام"
أي يجب عليه "العفو على مال ينفق عليه" لأنه
ليست له حالة معلومة تنتظر لأن ذلك قد يدوم
بخلاف العاقل ولا بد من اجتماع الوصفين فإن
فقد أحدهما فوجهان.
"إن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه
اللقيط بعد بلوعه فالقول قول اللقيط" لأنه
محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر بدليل أنه
يجب عليه حد الحر إذا كان قاذفا في الأصح
وحينئذ يجب القصاص وإن كان الجاني حرا وقيل
يقبل قول القاذف لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون
ابن أمة فيكون ذلك شبهة في إسقاط الحر وعلم
منه أنه إذا صدقه اللقيط أنه رقيق سقط الحد
لإقرار المستحق بسقوطه ووجب على القاذف
التعزير لقذفه من ليس بمحصن والقصاص ليس بحد
وإنما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه
وأخذ بدله وإن مات البالغ ممسكا عنهما فكسائر
المسلمين في سائر أحكامه.
"وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل" لأن مجرد
الدعوى لا تكفي في انتزاع المدعي للخبر وفي
الشرح أنها تسمع الدعوى لأنها ممكنة وإن كانت
مخالفة لظاهر الدار وإن لم تكن له بينة فلا
شيء له لأنها تخالف الظاهر وتفارق دعوى النسب
من وجهين أحدهما أن دعوى النسب لا تخالف
الظاهر بخلاف دعوى الرق الثاني أن دعوى النسب
يثبت بها حقا للقيط ودعوى
(5/224)
إلا ببينة تشهد
أن امته ولدته في ملكه ويحتمل ألا يعتبر قولها
في ملكه وإن أقر بالرق بعد بلوغه لمس يقبل
وعنه يقبل رواية واحدة قال القاضي يقبل فيما
عليه رواية واحدة.
__________
الرق يثبت بها حقا عليه فلم تقبل بمجردها
"إلا ببينة تشهد أن امته ولدته في ملكه" لأنها
لا تلد في ملكه إلا ملكه يحترز به عما ولدته
قبل ملكه وهذا ليس بشرط فإنها لو شهدت بأنه
عبده أو مملوكه حكم له به وإن لم يذكر سبب
الملك كما لو شهدت بملك دار ذكره في المغني
والشرح.
"ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه" لأن أمته
ملكه فنماؤها ملكه كسمنها ومتى شهدت البينة
باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك وإن
كانت لأجنبي حكم له باليد والقول قوله مع
يمينه في الملك وفي الفروع وإن ادعى رقه وهو
طفل أو مجنون وليس بيد غيره بل بيده وليس
واجده فهو له وإن أنكر بعد بلوغه وفي الشرح إن
كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فإن
أنكر وثم بينة حكم بها فإن كان اللقيط تصرف
قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته.
"وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل" على المذهب
لأنه يبطل حق الله من الحرية المحكوم بها وهذا
ظاهر فيما إذا كان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل
ذلك وكذا إذا لم يعترف في الأصح "وعنه: يقبل"
لأنه مجهول الحال فيقبل إقراره كالحد والقصاص
وإن تضمن فوات نفسه وشرط في المغني عليها ألا
يكون أقر بالحرية فإن كان قد أقر بها لم يقبل
لأنه يكون مكذبا لقوله كما لو أقر بدين ثم
جحده.
"وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة" وهو
قول المزني لأنه أقر بما يوجب حقا عليه وحقا
له فوجب أن يثبت ما عليه فقط كما لو قال لفلان
عندي ألف ولي عنده رهن
(5/225)
وهل يقبل في
غيره على روايتين وإن قال أنه كافر لم يقبل
قوله وحكمه حكم المرتد وقيل يقبل قوله إلا أن
يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله
__________
"وهل يقبل في غيره على روايتين" إحداهما يقبل
إقراره في الجميع لأن هذه الأحكام تتبع الرق
فإذا ثبت الأصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت
امرأة بالولادة فإنها تثبت ويثبت النسب تبعا
فإذا قلنا يقبل إقراره بالرق بعد نكاحه وهو
ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه ولها
عليه نصف المهر وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه
وعليه المهر وولده حر تابع لأمه فإن كان
متزوجا بأمة فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته
وإذا قلنا يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح
فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها قبل الدخول
وبعده على الخلاف وإن كان أنثى وقلنا يقبل
فيما عليه فالنكاح صحيح في حقه ولا مهر قبل
الدخول وبعده لا يسقط مهرها ولسيدها الأقل من
المسمى أو مهر المثل والولد حر
فرع: إذا أقر بالرق ابتداء ابتداء لإنسان
فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل
إقراره فإن أقر به بعد ذلك لآخر جاز وقيل لا
يسمع إقراره الثاني لان إقراره الأول يتضمن
الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له وكما لو
اعترف بالحرية ثم أقر بالرق.
"وإن قال أنه كافر" بعد البلوغ "لم يقبل قوله"
وهو مسلم سواء كان حكم بإسلامه أو كفره فلا
يقبل إقراره بالكفر بعد ذلك لأنه إنكار بعد
إقرار فلا يقبل كغيره وإن وصف الكفر وهو ممن
حكم بإسلامه بالدار لم يقر على كفره "وحكمه
حكم المرتد" أي إذا بلغ استتيب ثلاثا فإن تاب
وإلا قتل
"وقيل يقبل قوله" حكاه القاضي أي يقر على كفره
لأن قوله أقوى من الظاهر فيقر بجزية ورد بأن
دليل الإسلام وجد من غير معارض فثبت حكمه
واستقر فلا تجوز إزالة حكمه كما لو كان ولد
مسلم
"إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله" لأن
إسلامه ثبت يقينا فلا يقبل
(5/226)
وإن أقر إنسان
أنه ولده الحق به مسلما كان أو كافرا رجلا كان
أو امرأة حيا كان الملتقط أو ميتا
__________
إقراره بمنافيه وقال القاضي إن وصف كفرا يقر
عليه بالجزية عقدت له الذمة فإن امتنع من
التزامها أو وصف كفرا لا يقر عليه ألحق بمأمنه
وبعده في المغني لأنه لا يخلو إما أن يكون ابن
حربي فهو حاصل في أيدي المسلمين بغير عهد ولا
عقد فيكون لواجده ويكون مسلما تبعا لسابيه أو
يكون ولد ذميين أو أحدهما فلا يقر على
الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب أو يكون ولد
مسلم أو مسلمين فيكون مسلما قال أحمد في
نصرانية ولدت من فجور ولدها مسلم لأن أبويه
يهودانه أو ينصرانه وهذا ليس معه إلا أمه
فصل
"وإن أقر إنسان أنه ولده ألحق به" لأن الإقرار
به محض مصلحة الطفل لاتصال نسبه ولا مضرة على
غيره فيه فقبل كما لو أقر له بمال وشرطه أن
ينفرد بدعوته وأن يمكن كونه منه ثم إن كان
المقر به ملتقطه أقر في يده وإن كان غيره فله
أن ينتزعه من الملتقط لأنه قد ثبت أنه أبوه
فيكون أحق به كما لو قامت به بينة.
"مسلما كان" المدعي "أو كافرا" لأن الكافر
يثبت له النكاح والفراش فيلحق به كالمسلم حرا
كان أو عبدا لأن له حرمة فيلحق به كالحر لكن
لا تثبت له حضانة ولا تجب نفقته عليه ولا على
سيده لأن الطفل محكوم بحريته فعلى هذا تجب في
بيت المال "رجلا كان أو امرأة" على المذهب لأن
المرأة أحد الأبوين فيثبت النسب بدعواها كالأب
وإذن يلحقها نسبه دون زوجها وكذا إذا ادعى
الرجل نسبه لم يلحق بزوجته وقيل لا يثبت النسب
بدعوتها بحال وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ
عنه من أهل العلم وجوابه بأنها تدعى حقا لا
منازع فيه ولا مضرة على احد فقبل كدعوى المال
"حيا كان الملتقط أو ميتا" لأنهما سواء معنى
فوجب استواؤهما حكما
(5/227)
ولا يتبع
الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة تشهد أنه ولد
على فراشه وعنه لا يلحق بامراة ذات زوج وعنه
إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق بها
وإلا لحق وإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهم بينة
قدم بها فإن تساووا في البينة.
__________
"ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة
تشهد أنه ولد على فراشه" ذكره بعض أصحابنا لأن
اللقيط محكوم بإسلامه بظاهر الدار فلا يقبل
قول الكافر في كفره بغير بينة كما لو كان
معروف النسب ولأنها دعوى تخالف الظاهر فلم
تقبل بمجردها كدعوى الرق وإذا قبل في النسب
لعدم الضرر والكفر بخلافه فإن فيه ضررا عظيما
لأنه سبب الخزي في الدنيا والآخرة فإذا أقام
بينة بما ذكر لحقه نسبا ودينا لتحقق الولادة
والولد المحقق يتبع مطلقا وقياس المذهب أنه لا
يلحقه في الدين إلا أن تشهد البينة أنه ولد
كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام
أحد أبويه أو موته.
"وعنه لا يلحق بامراة ذات زوج" لإفضائه إلى
إلحاق النسب بزوجها بغير إقراره ولا رضاه
وظاهره أنها إذا لم تكن ذات زوج أنه يلحقها
لعدم الضرر.
"وعنه إن كان لها إخوة أو نسب معروف لم يلحق
بها" نقلها الكوسج لأنه يلزم من لحوق النسب
بها لحوق النسب بالأخوة والنسب المعروف ولأنه
إذا كان لها أهل ونسب معروف لم تخف ولادتها
عليهم ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من
تعييرهم بولادتها من غير زوجها "وإلا" أي إذا
لم يكن كذلك "لحق" لعدم الضرر.
"وإن ادعاه اثنان أو أكثر" سمعت لأن كل واحد
لو انفرد صحت دعوته فإذا تنازعوا تساووا في
الدعوى ولا فرق بين المسلم والكافر والحر
والعبد "لأحدهم بينة قدم بها" لأنها تظهر الحق
وتثبته "فإن تساووا في البينة" أي أقام كل
منهما بينة تعارضتا وسقطتا لأنه لا يمكن
استعمالهما هنا بخلاف المال فإنه يقسم بينهما
أو بالقرعة والقرعة لا تثبت النسب لا يقال
إنما يثبت هنا بالبينة لا بالقرعة وإنما هي
مرجحة لأنه يلزم إذا اشترك رجلان في وطء
(5/228)
أو عدمها عرض
معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا فإن
ألحقته بإحداهما لحق به وإن ألحقته بهما لحق
بهما .
__________
امرأة وأتت بولد أن يقرع بينهما ويكون لحوقه
بالوطء لا بالقرعة "أو عدمها" أي لم يكن لهما
بينة "عرض معهما" أي مع المدعيين "على القافة"
وهم قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك
بقبيلة معينة بل من عرفت منه المعرفة بذلك
وتكررت منه الإصابة فهو قائف وقيل أكثر ما
يكون في بني مدلج رهط مجزز وكان إياس بن
معاوية قائفا وكذا شريح.
"أو مع أقاربهما وفي الكافي والشرح عصبتهما
"إن ماتا فإن ألحقته بأحدهما لحق به" في قول
الجماهير وقال أصحاب الرأي لا حكم للقافة
ويلحق بالمدعيين جميعا لأن الحكم بها مبني على
الشبه والظن فإن الشبه يوجد بين الأجانب
وينتفي بين الأقارب وبدليل الرجل الذي ولد له
غلام أسود وقوله عليه السلام لعله نزعه عرق
ولو كان الشبه كافيا لاكتفى به في ولد
الملاعنة وحجتنا ما رواه الشيخان عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها تبرق
أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا المدلجي
نظر آنفا إلى زيد وأسامة وقد غطيا رؤوسهما
وبدت أقدامهما فقال إن هذه الأقدام بعضها من
بعض وقضى به عمر بحضرة الصحابة فكان إجماعا
ولأنه يرجع لقولها كالبينة ويدل عليه قوله
عليه السلام في ولد الملاعنة "لولا الإيمان
لكان لي ولها شأن" فحكم عليه السلام به للذي
أشبهه منهما وحينئذ فإن انتفى المانع وجب
العمل به لوجود مقتضيه.
"وإن ألحقته بهما" لحق بهما لما روى سعيد ثنا
سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن
عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف
قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما وبإسناده عن
الشعبي قال وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه
يرثهما ويرثانه ورواه الزبير ابن بكار عن عمر
فعلى هذا يرثهما ميراث ابن ويرثانه جميعا
ميراث أب واحد وإن مات أحدهما فله إرث أب كامل
ونسبه من الأول قائم نص عليه كما أن الجدة إذا
انفردت
(5/229)
ولا يلحق بأكثر
من أم واحدة وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق
بهم لحق بهم وإن كثروا وقال ابن حامد لا يلحق
بأكثر من اثنين وإن نفته القافة عنهم أو أشكل
عليهم أو لم توجد قافة ضاع نسبه في احد
الوجهين
__________
أخذت ما تأخذه الجدات والزوجة كالزوجات
فرع: إذا ألحقته القافة بكافر أو أمة لم يحكم
برقه ولا كفره لأنه ثبت إسلامه وحريته بظاهر
الدار فلا يزول ذلك بظن ولا شبهة.
"لا يلحق بأكثر من أم واحدة" يعني إذا ادعت
امرأتان نسب اللقيط فهو مبني على قبول الدعوى
منهما فإن كانت إحداهما ممن تقبل دعواها دون
الأخرى فهو ابنها كالمنفردة وإن كانتا ممن لا
تقبل دعواهما فوجودهما كعدمهما وإن كانتا
جميعا ممن تسمع دعواهما فهما كالرجلين لكن لا
يلحق بأكثر من أم واحدة فإن ألحقته بأمين سقط
قولها
فرع: إذا ادعى نسبه رجل وامرأة فلا تنافي
بينهما لإمكان كونه منهما بنكاح أو وطء شبهة
فيلحق بهما جميعا ويكون ابنهما بمجرد دعواهما
كالإنفراد.
"وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم
وإن كثروا" نص عليه في رواية مهنا أنه يلحق
بثلاثة لأن المعنى الذي لأجله الحق باثنين
موجود فيما زاد عليه قياسا وقولهم إن إلحاقه
باثنين على خلاف الأصل ممنوع وإن سلمناه لكن
ثبت لمعنى موجود في غيره فيجب تعدية الحكم به
كإباحة الميتة في المخمصة أبيح على خلاف الأصل
ويقاس عليه مال الغير وقال القاضي لا يلحق
بأكثر من ثلاثة ورد بأنه تحكم فإنه لم يقتصر
على المنصوص ولا عدي الحكم إلى ما في معناه
"وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين" للأثر
فيقتصر عليه فعلى هذا يكون كمن ادعاه اثنان
ولا قافة.
"وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم
توجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين" وهو قول
الوجهين وهو قول أبي بكر وجزم به في الوجيز
وفي المغني أنه أقرب لأنه لا دليل لأحدهم أشبه
من لم يدع نسبه فعلى هذا لا يرجح أحدهم بذكر
(5/230)
وفي الآخر يترك
حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما أو ما إليه
أحمد وكذلك الحكم إن وطيء اثنان امرأة بشبهته
أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت
زوجة رجل أو أم ولده اليسرى وأتت بولد يمكن أن
يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطيء أري
القافة معهما
__________
علامة في جسده لأنه لا يرجح به في سائر
الدعاوى سوى الإلتقاط في المال وكذا إذا اختلف
قائفان أو اثنان وثلاثة وإن اتفق اثنان وخالفا
ثالثا أخذ بقولهما نص عليه ومثله بيطاران
وطبيبان في عيب ولو رجعا.
"وفي الآخر" وهو قول ابن حامد "يترك حتى يبلغ
فينتسب إلى من شاء منهما" لأن الإنسان يميل
طبعه إلى قريبه دون غيره ولأنه مجهول النسب
أقر به من هو أهل الإقرار فيثبت نسبه كما لو
انفرد "أومأ إليه أحمد" حكاه القاضي عنه في
رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد فعلى قوله
لو انتسب إلى أحدهما ثم عاد فانتسب إلى الآخر
أو نفى نسبه من الأول ولم ينتسب إلى الآخر لم
يقبل منه لأنه قد ثبت نسبه فلا يقبل رجوعه عنه
فلو الحقته القافة بغير من انتسب اليه بطل
انتسابه لأنها اقوى كالبينة مع القافة.
"وكذلك الحكم إن وطيء اثنان امرأة بشبهة أو
جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة
رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون
منه فادعى الزوج أنه من الواطيء أري القافة
معهما" كاللقيط فألحق بمن ألحقوه به منهما
سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت
الفراش ذكره القاضي وشرط أبو الخطاب في وطء
الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة فعلى قوله
إن ادعاه لنفسه اختص به لقوة جانبه ذكره في
المحرر وفي ثالث يكون صاحب الفراش أولى به عند
عدم القافة لثبوت فراشه ذكره في الواضح وكذلك
إن تزوجها كل منهما تزويجا فاسدا أو كان
أحدهما صحيحا والآخر فاسدا أو بيع أمته فوطئها
المشتري قبل الإستبراء لكن متى ألحق بالقافة
أو الإنتساب وهو ينكره فهل له نفيه باللعان
على روايتين
(5/231)
ولا يقبل قول
القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في
الإصابة
__________
"ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا
مجريا في الإصابة" كذا في المحرر والوجيز لأن
قوله حكم فاعتبرت له هذه الشروط وظاهره أنه لا
تعتبر الحرية وهو وجه واعتبرها في الشرح وغيره
ولا الإسلام وفي المستوعب لم أجد أحدا من
أصحابنا اشترط إسلام القائف وعندي أنه يشترط
ويكفي قائف واحد نص عليه كحاكم فيكفي مجرد
خبره لقصة مجزز وعنه يعتبر اثنان ولفظ الشهادة
منهما اختاره جمع فإن ألحقته بواحد ثم جاءت
أخرى فألحقته بآخر كان للأول لأن قول القائف
جرى مجرى الحكم فلم ينقض بمخالفة غيره وكذا لو
ألحقته بواحد ثم عادت فألحقته بغيره فإن أقام
الآخر بينة أنه ولده حكم به وسقط قول القائف
وقوله مجربا في الإصابة أي كثير الإصابة فمن
عرف مولودا بين نسوة ليس فيهن أمه ثم وهي فيهن
فأصاب كل مرة فقائف وقال القاضي يترك الصبي
بين عشرة رجال غير مدعية فإن ألحقه بأحدهم سقط
قوله وإن نفاه عنهم ترك مع عشرين منهم مدعية
فإن ألحقه به علمت أصابته وإلا فلا وقضية إياس
بن معاوية في ولد الشريف من جارية شاهدة بذلك
ملحق: إذا كان لامرأتين ابن وبنت فادعت كل
واحدة منهما أنها أم الابن عرض معهما على
القافة وذهب بعضهم أنه يعرض لبنهما على أهل
الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى
في طبعه ووزنه وقيل لبنها خفيف دون لبنه لأنه
ثقيل وعلى الأول إن لم توجد قافة اعتبر باللبن
خاصة
(5/232)
|