المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب كتاب العتق
كتاب العتق
...
كتاب العتق
وهو من أفضل القرب.
__________
كتاب العتق
وهو لغة الخلوص ومنه عتاق الخيل والطير أي:
خالصها وسمي به البيت الحرام لخلوصه من أيدي
الجبابرة.
وفي الشرع: تحرير الرقبة وتخليصها من الرق
وخصت به الرقبة وإن تناول العتق الجميع لأن
ملك السيد له كالغل المانع له من الخروج فإذا
أعتق فكأن رقبته أطلقت من ذلك يقال عتق العبد
وأعتقته أنا فهو عتيق ومعتق وهم عتقاء وأمة
عتيق وعتيقة وإماء عتائق وعتق بمعنى فاعل لا
مفعول لأنه لا يقال عتق العبد فهو معتوق وقيل:
تسميته معتوقا لحن وقيل: لا.
والإجماع على صحته وحصول القربة به وسنده قوله
تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} النساء و
{فَكُّ رَقَبَةٍ} البلد وقوله عليه السلام:
"من أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه
عضوا منه من النار" متفق عليه من حديث أبي
هريرة.
"وهو من أفضل القرب" وأعظمها لأنه تعالى جعله
كفارة للقتل والظهار والوطء في رمضان والأيمان
وجعله عليه السلام فكاكا لمعتقه من النار ولأن
فيه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك
نفسه ومنافعه وتكميل أحكامه وتمكينه من التصرف
في نفسه ومنافعه على حسب إرادته واختياره.
وفي التبصرة هو أحبها إلى الله تعالى وأفضل
الرقاب أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا نقله
الجماعة فظاهره ولو كافرة ويثاب على عتقه.
قال في الفنون: لا يختلف الناس فيه واحتج به
وبرق الذرية على أن الرق ليس بعقوبة بل محنة
وبلوى.
فائدة : الأفضل عتق ذكر وعنه: أنثى لأنثى
وعنه: أمتين كعتقه رجلا.
(6/271)
والمستحب عتق
من له كسب فأما من لا قوة له ولا كسب فلا
يستحب عتقه ولا كتابته ويحصل العتق بالقول
والملك فأما القول فصريحه لفظ العتق والحرية
كيف صرفا،
__________
قال الشيخ تقي الدين: وتزويجه بها ويصح ممن
تصح وصيته وعنه: وهبته.
"والمستحب عتق من له كسب" فيستغني به أي: يجر
ما ينفق عليه فلا يبقى عيلة ولا محتاجا "فأما
من لا قوة له ولا كسب فلايستحب عتقه ولا
كتابته" هذا رواية وهو المذهب لأنه يتضرر
بفوات نفقته الواجبة له وصار كلا على الناس
وعنه: يستحب.
قال ابن حمدان: ويحمل بوجوب نفقته عليه وعنه:
يكره كتابته وعنه: الأنثى لخوف محرم كقطع طريق
أو جارية يخاف عليها الزنى والفساد فإن ظن
إفضاؤه إليه حرم ويصح عتقه ذكره في المغني
والشرح.
قال في الفروع: ويتوجه كمن باع واشترى بقصد
الحرام.
"ويحصل العتق بالقول" فلو قال أنت حر في هذا
الزمان أو المكان عتق مطلقا "والملك" وسيأتي
قال في الكافي والاستيلاد ولا يحصل بالنية
المجردة في ظاهر كلامه لأنه إزالة ملك فكان
كالطلاق.
" فاما القول فصريحه لفظ العتق والحرية" لأنه
إزالة ملك فانقسم إلى صريح وكناية كالطلاق
ولأنهما لفظان وردا في الكتاب والسنة فوجب
اعتبارهما "كيف صرفا" وكذا في المحرر والوجيز
والمراد به غير مضارع لأنه وعد وأمر لأنه لا
يصلح للإنشاء ولا هو خبر فيؤاخذ به.
وعنه: يعتبر مع ذلك نية وقوعه كالكناية فلو
قال لامرأة لا يعرفها تنحي يا حرة فإذا هي
أمته عتقت وعنه: لا قال السامري وأصل ذلك
الروايتان في اعتبار النية في صريح العتق وفي
المغني والشرح والفروع إن الرجل إذا قال عبدي
حر يريد عفته وكرم خلقه أنه لا يعتق في ظاهر
المذهب.
ونقل حنبل سئل أبو عبد الله عن رجل قال لعبده
أنت حر وهو يعاتبه.
(6/272)
وكناية خليتك
والحق بأهلك واذهب حيث شئت ونحوها وفي قوله لا
سبيل لي عليك ولا سلطان ولا ملك لي عليك ولا
رق لي عليك وفككت رقبتك وأنت مولاي وأنت لله
وأنت سائبة روايتان إحداهما أنه صريح و الأخرى
كناية وفي قوله لأمته أنت طالق أو أنت حرام
روايتان إحداهما أنه كناية.
__________
قال: إذا كان لا يريد أن يعتق رجوت أن لا يعتق
وأنا أهاب المسألة لأنه نوى بكلامه ما يحتمله
فانصرف إليه وإن طلب استحلافه حلف وظاهر
كلامهم أنه يعتق ولو كان هازلا لا من نائم
ونحوه.
"وكنايته: خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت
ونحوها" كقوله: أطلقتك وحبلك على غاربك فهذا
إن نوى به العتق عتق وإلا فلا لأنه يحتمل غيره
فلم يرد به كتاب ولا سنة ولا عرف استعمال وفي
التبصرة أو دلالة حال لأن فيه معنى الإزالة
فجاز أن يكنى به عن العتق كالطلاق.
"وفي قوله: لا سبيل لي عليك ولا سلطان ولا
ملك" ولا خدمة " لي عليك ولا رق لي عليك وفككت
رقبتك وأنت مولاي وأنت لله وأنت سائبة
روايتان" كذا في الكافي والمحرر والفروع.
"إحداهما: أنه صريح" جزم به في الوجيز لأنه
يتضمن العتق وقد ورد في قوله تعالى: {فَكُّ
رَقَبَةٍ} يعني العتق فكانت صريحة كالعتق
"والأخرى كناية" صححها السامري وهي الأشهر
لأنه يحتمل غير العتق وقد ذكر القاضي وأبو
الخطاب الروايتين في قوله لا سلطان لي عليك
ولا سبيل لي عليك قال المؤلف والصحيح أنهما
كناية وظاهر الواضح وهبتك لله صريح وسوى
القاضي بينهما وبين أنت لله وفي الموجز هي
ورفعت يدي عنك إلى الله كناية.
"وفي قوله لأمته أنت طالق أو أنت حرام" ليس
بصريح اتفاقا وفيه "روايتان إحداهما: أنه
كناية" جزم بها في الوجيز وصححها في الشرح
(6/273)
وإن قال لعبده
وهو أكبر منه أنت ابني لم يعتق ذكره القاضي
ويحتمل أن يعتق وإذا أعتق حاملا عتق جنينها
إلا أن يستثنيه،
__________
في: أنت حرام كقوله: لا سبيل لي عليك و الأخرى
لا يعتق به وإن نوى لأن الرق ملك لا يستدرك
بالرجعة فلم يزل بما ذكر كملك بقية المال
وحاصله أنه إذا قال: لأمته أنت طالق ينوي به
العتق أنها لا تعتق لأن الطلاق لفظ وضع لإزالة
الملك عن المنفعة فلم يزل به الملك عن الرقبة
كفسخ الإجارة وكما لو قال: أنت علي كظهر أمي
وعنه: كناية يعتق به إن نوى لأن الرق أحد
الملكين على الآدمي فيزول بلفظ الطلاق كالآخر
وكالحرية في إزالة النكاح وعنه: لا تطلق إذا
أضاف إليها الحرية.
"وإذا قال لعبده وهو أكبر منه أنت ابني لم
يعتق ذكره القاضي" كقوله لمن لا يمكن كونه منه
أنت ابني في الأصح كقوله أعتقتك أو أنت حر من
ألف سنة وفي الانتصار إن قال لأمته أنت ابني
ولعبده أنت بنتي لم يعتق.
"ويحتمل أن يعتق" هذا وجه ذكره أبو الخطاب
لأنه اعترف بما تثبت به حريته أشبه ما لو أقر
بها والأول المذهب لأنه قول يتحقق كذبه فيه
كما لو قال: لطفل هذا أبي ولطفلة هذه أمي
ولأنه لو قال: لزوجته وهي أسن منه هذه ابنتي
أو قال: لها وهو أسن منها هذه أمي لم تطلق
فكذا هنا أما إذا أمكن كونه منه ولو كان له
نسب معروف فإنه يعتق لجواز كونه من وطء شبهة
وقيل: لا لكذبه شرعا ومثله لأصغر أنت أبي وفي
الرعاية وقيل: إن كان مثله يولد لمثله مطلقا
عتق وإلا فلا.
"وإذا أعتق حاملا عتق جنينها" لأنه تابع لأمه
بدليل دخوله في البيع إلا أن يستثنيه فإنه
لايعتق وقاله ابن عمر وأبو هريرة قال أحمد:
اذهب إلى حديث ابن عمر في العتق ولا أذهب إليه
في البيع ولقوله عليه السلام: "المسلمون على
شروطهم" وفيه وجه وذكره القاضي رواية أنه
لايصح استثناؤه كالبيع وبه قال أكثرهم وكما لو
استثنى بعض أعضائها.
(6/274)
وإن أعتق ما في
بطنها دونها عتق وحده وأما الملك فمن ملك ذا
رحم محرم عتق عليه وعنه: لا يعتق إلا عمودا
النسب.
__________
وجوابه: أن الحمل معلوم فصح استثناؤه للخبر
بخلاف البيع لأنه عقد معاوضة فاعتبر فيه العلم
بصفات العوض والعتق يعتبر فيه العلم بوجوده
وقد وجد ولا يصح قياسه على بعض أعضائها لأنه
لايصح انفراده عنها بخلافه هنا.
"وإن أعتق ما في بطنها دونها عتق وحده" لا
نعلم فيه خلافا لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد
ولهذا يورث الجنين إذا ضرب بطن أمه فأسقطت
جنينا فإنه يحجب موروثه عنه كأنه سقط حيا
وكتدبير وكتابة وعنه: لا يصح حتى يوضع حيا
فيكون كمن علق عتقه بشرط وإن أعتق من حملها
لغيره كالموصى به ضمن قيمته ذكره القاضي وقدم
في المستوعب لا يعتق وجزم به في الترغيب
واختاره في المحرر.
"وأما الملك" هذا شروع في بيان القسم الثاني
"فمن ملك ذا رحم محرم" ولو حملا "عتق عليه" في
ظاهر المذهب لما روى حماد بن سلمة عن قتادة عن
الحسن عن سمرة مرفوعا قال من ملك ذا رحم محرم
فهو حر رواه الخمسة وحسنه الترمذي وقال العمل
على هذا عند أهل العلم وعن قتادة عن عمر
موقوفا مثله رواه أبو داود وقتادة لم يدرك عمر
وعن ابن عمر مرفوعا مثله رواه ابن ماجه بإسناد
جيد لكن قال أحمد لا أصل له ولأنه ذو رحم محرم
فيعتق عليه بالملك كعمودي النسب وظاهره: سواء
وافقه في دينه أو لا وسواء كانوا من الأولاد
وإن سفلوا أو من الآباء وإن علوا من عمودي
نسبه كما قلنا: أو من غيرهم كالأخ وأولاده وإن
نزلوا والأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن
علوا دون أولادهم. "وعنه: لايعتق إلا عمودا
النسب" قال في الكافي: بناء على أنه لا نفقة
لغيرهم وفي الانتصار لنا فيه خلاف واختار
الآجري لا نفقة لغيرهم.
(6/275)
وإن ملك ولده
من الزنا لم يعتق في ظاهر كلامه ويحتمل أن
يعتق وإن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث
وهو موسر عتق عليه كله وعليه قيمة نصيب شريكه.
__________
وذكر أبو يعلى الصغير أنه آكد من التعليق فلو
علق عتق عبده على ملكه عتق بملكه لا بتعليقه
ورجح ابن عقيل لا عتق بملك وعنه: إن ملكه بإرث
لم يعتق وفي إجباره على عتقه روايتان وعنه: لا
يعتق حمل حتى يولد في ملكه حيا فلو زوج ابنه
بأمته فولدت بعد موت جده فهل هو موروث عنه أو
حر فيه الروايتان.
فرع : علم مما سبق أنه لا يعتق بشراء رحم غير
محرم ولا محرم برضاع أو مصاهرة نقله الجماعة
وقال على: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من
ملك ذا رحم محرم فهو حر" فالرضاعة ليست برحم
وقال الزهري مضت السنة بأن يباع وكره أحمد بيع
أخيه لرضاع روي عن ابن مسعود.
"وإن ملك ولده من الزنى لم يعتق في ظاهر
كلامه" المذهب أن أحكام الولد غير ثابتة فيه
وهي الميراث وعدم الحجب والمحرمية ووجوب
الإنفاق وثبوت الولاية عليه ومثله لو ملك أباه
من زنى ذكره في التبصرة.
"ويحتمل أن يعتق" لأنه جزؤه حقيقة وقد ثبت فيه
حكم تحريم التزويج بدليل أنه لو ملك ولده
المخالف له في الدين عتق عليه مع انتفاء هذه
الأحكام لكن قال أبو الخطاب قياس المذهب في
تحريم نكاح بنته من الزنى أن يعتق عليه.
"وإن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو
موسر عتق عليه كليا" سواء ملكه بعوض أو بغيره
كالهبة والاغتنام والوصية باختياره أو بغيره
كالميراث لأن كل ما يعتق به الكل يعتق به
البعض كالإعتاق بالقول.
" وإن كان معسرا لم يعتق عليه إلا ما ملك"
لأنه لو أعتقه لم يعتق واستقر ذلك الجزء فيه
وإن كان موسرا وكان الملك باختياره سرى إلى
باقيه ويعتق عليه كله "وعليه قيمة نصيب شريكه"
في قول أكثرهم لأنه فوته عليه وقال: قوم لا
يعتق عليه إلا ما ملك سواء ملكه بشراء أو غيره
لأنه لم يعتقه وإنما عتق عليه بغير
(6/276)
وإن كان معسرا
لم يعتق عليه إلا ما ملك وإن ملكه بالميراث لم
يعتق منه إلا ما ملك موسرا كان أو معسرا وعنه:
إنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان موسرا وإن
مثل بعبده فجدع أنفه أو أذنه ونحو ذلك عتق نص
عليه.
__________
اختيار منه فلم يسر أشبه ما لو ملكه بالميراث
وجوابه بأنه فعل سبب العتق اختيارا منه فلم
يسر أشبه ما لو ملكه بالميراث وجوابه بأنه فعل
سبب العتق اختيارا منه فسرى ولزمه الضمان كما
لو وكل من أعتق نصيبه وفارق الإرث فإنه حصل
بغير فعله ولا قصده وكما لو جرح إنسانا.
"وإن ملكه بالميراث لم يعتق منه إلا ما ملك
موسرا كان أو معسرا " هذا هو المذهب لأنه لم
يتسبب إلى إعتاقه وإنما حصل بغير اختياره
"وعنه: أنه يعتق عليه نصيب الشريك إن كان
موسرا" لأنه عتق عليه بعضه وهو موسر فسرى إلى
باقيه كما لو وصى له به فقبله والموسر هنا
القادر حالة العتق على قيمته بشرط أن يكون ذلك
فاضلا كالفطرة فإن قلنا: لا يعتق فهل يجبر على
إعتاقه فيه روايتان وإن كان معسرا لم يعتق منه
إلا ما ملك وهل يستسعي العبد في باقيه على
روايتين.
فرع : إذا ورث صبي أو مجنون جزءا ممن يعتق
عليهما عتق ولم يسر إلى باقيه وكذا إن وهب
لهما أو وصي لهما به وهما معسران فعلى الولي
القبول وإن كانا موسرين فوجهان مبنيان على أنه
هل يقوم عليهما باقيه إذا ملكا بعضه وفيه
وجهان.
"وإن مثل" كضرب وهو بتشديد الثاء وقال أبو
السعادات مثلت بالحيوان أمثل مثلا إذا قطعت
أطرافه وبالقتل إذا جدعت أنفه أو أذنه ونحوه
"بعبده" ولو عبر برقيقه لعم "فجدع أنفه أو
أذنه ونحو ذلك" كحرق عضو منه قال ابن حمدان أو
حرقه بالنار "عتق نص عليه " أي: بلا حكم لما
روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن زنباعا
جدع عبدا فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم
فذكر ذلك له فقال: "اذهب فأنت حر" رواه أحمد
وغيره لا مكاتب قاله جماعة ولا يحصل بضربه
وخدشه وفي اعتبار القصد وثبوت الولاء وجهان
والأشهر ثبوته ولو زاد ثمنه بجب أو خصاء فقال
في الفروع يتوجه حل الزيادة.
(6/277)
و قال القاضي:
والقياس ألا يعتق وإذا أعتق السيد عبده فماله
للسيد وعنه: للعبد وإذا أعتق جزءا من عبد
معينا أو مشاعا عتق كله عليه.
__________
"وقال القاضي: القياس أنه لايعتق" كالمكاتب
لأن سيده لم يعتقه بلفظ صريح ولا كناية فلم
يزل ملكه عنه أشبه جنايته على دابته والمذهب
الأول لثبوت الحديث السابق وحينئذ يترك
القياس.
فرع : إذا وطىء جاريته المباحة له التي لا
يوطأ مثلها فأفضاها عتقت قاله ابن حمدان وإن
أكره رجلا يزني بها فأفضاها فاحتمالان.
"وإذا أعتق السيد عبده فماله للسيد" نصره في
المستوعب والشرح وغيرهما وقاله ابن مسعود وأنس
وهو قول أكثرهم واحتج جماعة بخبر ابن مسعود
أنه قال لغلامه عمير سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " أيما رجل أعتق عبده فماله
للسيد" رواه الأثرم وابن ماجه وفيه ضعف ولأن
العبد وماله كانا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما
فبقي ملكه في الآخر كما لو باعه.
" وعنه: للعبد" وهو قول النخعي لما روى نافع
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن
يشترطه السيد" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
بإسناد جيد لكن قال أحمد يرويه عبيد الله بن
جعفر من أهل مصر وهو ضعيف في الحديث وكان صاحب
فقه وحكم المدبر وأم الولد إذا مات سيدها
والمكاتب ولهم أموال حكم العبد.
"وإذا أعتق جزءا من عبده" غير شعر وسن وظفر
"معينا" كرأسه وأصبعه "أو مشاعا" كعشره أو
نصفه "عتق كله عليه" لقوله عليه السلام: "من
أعتق شقصا له في مملوك فهو حر من ماله" وفي
الصحيحين معناه من أبي هريرة ولأنه إزالة ملك
عن بعض رقيقه فزال جميعه كالطلاق ويفارق البيع
فإنه لايحتاج إلى السعاية ولا ينبني على
التغليب والسراية.
(6/278)
وإن أعتق شركا
له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله،
__________
مسائل
الأولى : إذا حفر بئرا عدوانا أو نصب سكينا
فتلف عبده أو بعضه أو داواه وهو غير صادق أو
حده وزاد سوطا أو ضربها على غسل من حيض ليطأها
فهل تعتق على وجهين.
الثانية : إذا قال لحر اشترني من سيدي بهذا
المال وأعتقني ففعل عتق وعلى المشتري لسيده
مثل ثمنه المسمى وله ولاؤه وإن اشتراه بعين
المال بطل العتق والشراء على المذهب.
الثالثة : إذا قال لأمتيه إحداكما حرة ولم ينو
حرم وطؤهما معا بدون قرعة فإن وطىء إحداهمالم
تعتق الأخرى كما لو عينها ثم نسيها على
المذهب.
الرابعة : إذا قال: لأمته إن صليت مكشوفة
الرأس فأنت حرة قبله فصلت كذلك عتقت وقيل: لا
جزم به أبو المعالي لبطلان الصفة بتقديم
المشروط وإن قال: إن أقررت بك لزيد فأنت حرة
قبله فأقر له به صح إقراره فقط وإن قال إن
أقررت بك له فأنت حرة ساعة إقراري لم يصحا.
الخامسة : إذا قال: عبدي حر أو أمتي ولم ينو
البعض عتق الكل وقيل: أحدهم بقرعة وفي المغني
إذا قال: امرأتي طالق وأمتي حرة ولم ينو شيئا
فقال أبو الخطاب: تطلق الكل ويعتقن لأن الواحد
المضاف يعم كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} الآية
[إبراهيم:34] روي ذلك عن ابن عباس وقال جماعة
يقع على واحدة مبهمة كما لو قال: إحداكن طالق
أو حرة قال المؤلف: وهو أصح إن شاء الله
تعالى.
"وإن أعتق شركا له في عبد" أي: أعتق من عبد
مشترك "وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله" بغير
خلاف نعلمه لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: "من أعتق شركا له في عبد وكان
له ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه العبد قيمة عدل
فأعطى
(6/279)
وعليه قيمة
باقيه يوم العتق لشريكه وإن اعتقه شريكه بعد
ذلك لم يثبت له فيه عتق وإن كان معسرا لم يبق
إلا نصيبه ويبقى حق شريكه فيه وعنه: يعتق كله
ويستسعى العبد في قيمة باقيه غيرمشقوق عليه.
__________
شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق
منه ما عتق" متفق عليه وفي المغني مقتضى نصه
لا يباع له أصل مال أو كاتبه فأدى إليه.
"وعليه قيمة باقيه لشريكه" أي: قيمة أنصباء
شركائه والولاء له قاله الجمهور وقال البتي لا
يعتق إلا حصة المعتق ونصيب الباقين باق على
الرق ولا شيء على المعتق وجوابه حديث ابن عمر
وحديث أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رجلا
أعتق شقصا له في مملوك فرفع إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال:
"ليس فيه شريك" رواه أحمد وفي لفظ له هو حر
كله ليس لله عز وجل فيه شريك.
تنبيه : القيمة تعتبر وقت العتق لأنه وقت
الإتلاف وفي الإرشاد وجه يوم تقويمه فإن
اختلفا فيها رجع إلى أهل الخبرة فإن تعذر
فيقبل فيها قول المعتق وقيل: يعتق بدفع قيمته
واختاره الشيخ تقي الدين فلو أعتق شريكه قبلها
فوجهان وله نصف القيمة قاله أحمد لا قيمة
النصف وهل يقوم كاملا ولا عتق فيه أو قد عتق
فيه قولان للعلماء الأول قاله الشيخ تقي الدين
لظاهر الخبر.
"وإن أعتقه شريكه بعد ذلك" وقبل أخذ القيمة
"لم يثبت له فيه عتق" في قول الجمهور لخبر ابن
عمر ولأنه قد صار حرا بعتق الأول له وقيل: لا
يعتق إلا بعد أداء القيمة كما تقدم "وإن كان
معسرا لم يعتق إلا نصيبه" في ظاهر المذهب
"ويبقى حق شريكه فيه" أي: باق على الرق فإذا
أعتقه شريكه عتق عليه نصيبه في قول الأكثر
وروي عن عروة أنه اشترى عبدا فأعتق نصفه فكان
يشاهره شهر عبد وشهر حر.
"وعنه: يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه
غير مشقوق عليه" نصره
(6/280)
وإذا كان العبد
لثلاثة لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه وللثالث سدسه
فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس معا وهما موسران
عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه نصفين وصار
ولاؤه بينهما أثلاثا ويحتمل أن يضمناه على قدر
ملكيهما فيه.
__________
في الانتصار واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ
تقي الدين وقاله الأوزاعي لما روى أبو هريرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق
شقصا له في مملوك فعليه أن يعتقه إن كان له
مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه"
متفق عليه ولأن بها إقرار حقه خرج عن يده
فيستسعي العبد في قيمته لأنها في ذمته ويصير
حكمه حكم الأحرار والأول أولى لأن الاستسعاء
إعتاق بعوض فلم يجبر عليه كالكتابة وحديث أبي
هريرة قد طعن به الأئمة قال أبو عبد الله: ليس
في الاستسعاء شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم وحديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة
وأما هشام وشعبة ومعمر فلم يذكروه وقد ذكر
همام أنه من قول أبي قتادة وفتياه.
فرع : يعتق على الموسر ببعضه بقدره في
المنصوص.
" وإذا كان العبد لثلاثة لأحدهم نصفه ولآخر
ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب النصف وصاحب
السدس معا " بأن تلفظا بالعتق معا أو علقاه
على صفة واحدة أو وكلا لشخص في عتقه "وهما
موسران " لاختصاصه بالسراية "عتق عليهما وضمنا
حق شريكهما فيه نصفين" لأن العتق بمنزلة
الإتلاف وقد وجد منهما فيتساويان في ضمانه كما
لو جرحه أحدهما جرحا والآخر أكثر منه وتفارق
الشفعة فإنها تثبت لإزالة الضرر عن نصيب
الشريك الذي لم يبع فكان استحقاقه على قدر
نصيبه ولأن الضمان ههنا لدفع الضرر منهما وفي
الشفعة لدفع الضرر عنهما.
"وصار ولاؤه بينهما أثلاثا" لأنا إذا حكمنا
بأن الثلث معتق عليهما نصفين فنصفه سدس إذا
ضممناه إلى النصف صارا ثلثين والسدس الآخر إلى
سدس المعتق صارا ثلثا "ويحتمل" هذا الاحتمال
لأبي الخطاب "أن يضمناه على قدر ملكيهما فيه"
لأن السراية حصلت بإعتاق ملكهما وما وجب بسبب
الملك
(6/281)
وإذا أعتق
الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إلى باقيه
في أحد الوجهين وإذا ادعى كل واحد من الشريكين
أن شريكه أعتق نصيبه منه وهما موسران فقد صار
العبد حرا لاعتراف كل واحد منهما بحريته،
__________
كان على قدره كالنفقة واستحقاق الشفعة فعلى
هذا يصير الولاء بينهما أرباعا لصاحب السدس
ربعه ولصاحب النصف ثلاثة أرباعه ولو كان
المعتق صاحب النصف وصاحب الثلث فعلى المذهب
لصاحب النصف الثلث والربع ولصاحب الثلث الربع
والسدس وعلى الاحتمال السدس بينهما أخماسا
لصاحب النصف ثلاثة أخماسه ولصاحب الثلث خمساه
والعبد على ثلاثين سهما لصاحب النصف ثمانية
عشر وهي نصف ونصف خمس ولصاحب الثلث اثنا عشر
وذلك خمساه ولو كان المعتق صاحب الثلث والسدس
فعلى المذهب لصاحب الثلث ثلث وربع ولصاحب
السدس ربع وسدس وعلى الاحتمال النصف مقسوم
بينهما لصاحب الثلث الثلثان ولصاحب السدس
الثلث والضمان والولاء تابعان للسراية.
"وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى
إلى باقيه في آخر الوجهين " ذكره القاضي
واختاره في المغني والشرح لعموم: "من أعتق
شركا له في عبد" ولما علل به في حديث أبي
المليح ولأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم
والكافر كتقويم المتلفات.
والثاني: لا يسري ذكره أبو الخطاب لأن فيه
تقدير الملك والكافر لا يجوز أن يتملك المسلم
ورد بأن هذا ليس بضمان تمليك إنما هو ضمان
إتلاف وليس بجيد إذ لو صح لم يكن له ولاء
والفرض أن له الولاء على ما عتق عليه فدل على
أنه يدخل في ملكه ثم يعتق والمحذور مغمور بما
حصل من مصلحة العتق.
"وإذا ادعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق
نصيبه منه وهما موسران فقد صار العبد حرا
لاعتراف كل واحد منهما بحريته" أي:
(6/282)
وصار مدعيا على
شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما
وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما فإن
اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق حينئذ ولم يسر
إلى نصيبه.
__________
معترف بحرية نصيبه شاهد على شريكه بحرية نصفه
الآخر لأنه يقول لشريكه أعتقت نصيبك فسرى
العتق إلى نصيبي فعتق كله عليك ولزمك قيمة
نصيبي فقد صار العبد حرا لاعترافهما بحريته.
"وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه " فإن كان
لأحدهما بينة حكم بها وإن لم تكن بينة حلف كل
واحد منهما لصاحبه وبرئا فإن نكل أحدهما قضى
عليه وإن نكلا جميعا سقط حقهما لتماثلهما.
"ولا ولاء عليه لواحد منهما" لأنه لا يدعيه
لأنه يقول لصاحبه أنت المعتق وولاؤه لك لا حق
لي فيه ولا فرق في هذه الحال بين المسلم
والكافر لتساوي العدل والفاسق في الاعتراف
والدعوى فإن اعترف به أحدهما ثبت له لأنه لا
يستحق له سواه ولزمه قيمة نصيب شريكه لاعترافه
بهما وله ولاؤه كله وإلا فلبيت المال.
"وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما "
لأن عتق المعسر لا يسري إلى غيره بل هو شاهد
على صاحبه بإعتاق نصيبه فإن كانا فاسقين فلا
أثر لكلامهما وإن كانا عدلين عمل بشهادتهما
لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه نفعا ولا
يدفع عنها ضررا وقبل في العتق شاهد ويمين فإن
حلف معهما عتق كله وإن حلف مع أحدهما عتق نصفه
على الرواية الأخرى ويبقى نصفه رقيقا ذكره
الخرقي.
وذكر ابن أبي موسى لا يصدق أحدهما على الآخر
وذكره في زاد المسافر وعلله بأنهما خصمان ولا
شهادة لخصم على خصمه.
"وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق حينئذ" لأنه
معترف بحريته "ولم يسر إلى نصيبه" لأن السراية
فرع الإعتاق ولم يوجد منه ذلك وإنما حكم.
(6/283)
وقال ابو
الخطاب: يعتق جميعهم وإن كان أحدهما موسرا
والآخر معسرا أعتق نصيب المعسر وحده وإذا قال
أحد الشريكين إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق
الأول وهو موسر عتق كله عليه وإن كان معسرا
عتق على كل واحد منهما نصيبه،
__________
عليه بالعتق لاعترافه أن شريكه أعتقه ولا يثبت
له عليه ولاء لأنه لا يدعي إعتاقه بل يعترف
بأن المعتق غيره وإنما هو مخلص له ممن يسترقه
فهو كالأسير من أيدي الكفار.
"وقال ابو الخطاب: يعتق جميعه" لأنه شراء حصل
به الإعتاق أشبه شراء بعض ولده وإن أكذب نفسه
في شهادته لم يقبل في الأصح وهل يثبت الولاء
عليه إن أعتقه فيه احتمالان فإن اشترى كل واحد
منهما نصيب صاحبه فقد صار العبد حرا كله ولا
ولاء عليه.
"وان كان أحدهما موسرا والآخر معسرا أعتق نصيب
المعسر وحده" لأنه قد صار حرا بإعتاق شريكه
الموسر الذي يسري عتقه ولم يعتق نصيب الموسر
لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق
نصيبه فعتق وحده ولا تقبل شهادة المعسر لأنه
يجر نفعا بها لكونه يوجب عليه بشهادته قيمة
حصته فعلى هذا إن لم يكن للعبد بينة سواه فحلف
الموسر وبرىء من القيمة والعتق معا ولا ولاء
للمعتق في نصيبه لأنه لا يدعيه ولا للموسر
كذلك فإن عاد المعسر فأعتقه وادعاه ثبت له.
"وإذا قال أحد الشريكين إذا أعتقت نصيبك
فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه"
نصيبه بالعتق ونصيب شريكه بالسراية هذا اختيار
الأصحاب ويقوم عليه نصيب شريكه ولا يقع عتقه
لأن السراية سبقت فمنعت عتق الشريك قال المؤلف
ويحتمل أن يعتق عليهما جميعا وله ولاؤه كله
وقيل: يعتق على القائل كله بالشرط ويكون ولاؤه
لهما
"وإن كان معسرا عتق على كل واحد منهما نصيبه"
لأن عتق المعسر لا يسري
(6/284)
وإن قال إذا
أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه
عتق عليهما موسرا كان أو معسرا.
__________
إلى نصيب الشريك فوقع عتق الشريك لأنه وجد
بشرط عتقه ولم يوجد ما يمنع وقوعه ويكون
الولاء لهما.
"وإن قال: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك
فأعتق نصيبه عتق عليهما " في الأصح " موسرا
كان أو معسرا" ولم يلزم المعتق شيء لأن عتق
شريكه وقع مقارنا للعتق المعلق ضرورة قوله
فنصيبي حر مع نصيبك فلم تجد السراية محلا
لأنها لا توجد إلا بعد عتق الأول لنصيبه وقيل:
يعتق كله على المعتق لأن إعتاق نصيبه شرط عتق
نصيب شريكه فيلزم أن يكون سابقا عليه والأول
أولى لأنه أمكن العمل بمقتضى شرطه فوجب العمل
به.
مسائل
الأولى : إذا قال إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر
قبل إعتاقك وقعا معا إذا أعتق نصيبه هذا مقتضى
قول أبي بكر والقاضي وقال ابن عقيل يعتق كله
على المعتق ولا يقع إعتاق شريكه لأنه إعتاق في
زمن ماض وقال السامري يعتق جميعه على القائل
ويضمن لشريكه قيمة نصيبه منه.
الثانية : إذا كان نصف عبدين متساويي القيمة
لا يملك غيرهما فأعتق أحدهما في صحته عتق وسرى
إلى نصيب شريكه فإن أعتق النصف الآخر عتق لأن
وجوب القيمة في ذمته لا تمنع صحة عتقه ولم يسر
لأنه معسر.
الثالثة : إذا قال لعبده أنت حر متى شئت أو
حيث شئت لم يعتق حتى يشاء بالقول فورا أو
تراخيا وكذا أنت حر إن شئت وقيل: يتوقف على
المجلس لأنه بمنزلة التخيير فإن قال أنت حر
كيف شئت احتمل أن يعتق في الحال واحتمل أن لا
يعتق حتى يشاء وإن قال جعلت عتقك إليك أو
خيرتك ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في
المجلس عتق ويتوجه كطلاق قاله في الفروع.
(6/285)
فصل
ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجيء
الأمطار ولا يملك إبطالها بالقول وله بيعه
وهبته ووقفه وغير ذلك فإن عاد إليه عادت الصفة
إلا أن تكون قد وجدت في حال زوال ملكه فهل
تعود بعوده على روايتين.
__________
فصل
" ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ومجيء
الأمطار " لأنه عتق بصفة فصح كالتدبير "ولا
يملك إبطالها" أي: إبطال الصفات "بالقول" لأنه
ألزم نفسه شيئا فلم يملك إبطاله بالقول كالنذر
وذكر ابن الزاغوني رواية أن له ذلك كالبيع
"وله بيعه وهبته ووقفه وغير ذلك" كإجارته لأن
ملكه باق عليه إذ العتق لا يقع إلا بعد وجود
الشرط لأن المعلق بشرط عدم عند عدم الشرط وله
وطء الأمة على الأصح كالتدبير وعنه: لا لأن
ملكه باق عليه غير تام والأول هو المذهب فمتى
جاء الوقت وهو في ملكه عتق بغير خلاف نعلمه
فإن خرج عنه ببيع أو نحوه لم يعتق في قول
الأكثر.
فإن قال: إن أعطيتني ألفا فأنت حر فهذه صفة
لازمة لا سبيل للسيد ولا للعبد إلى إبطالها مع
بقاء الملك فإن أبرأه السيد من الألف لم تصح
البراءة ولم يعتق إلا بمجيئها وما بقي في يد
العبد بعد الألف من كسبه يكون لسيده بخلاف
الكتابة.
فرع : لا يعتق قبل وجود الصفة بكاملها كالجعل
في الجعالة وذكر القاضي أن من أصلنا أن العتق
المعلق بصفة فوجد بوجود بعضها كما لو قال أنت
حر إن أكلت رغيفا فأكل نصفه ولا يصح ذلك لأمور
منها أن موضوع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام
الشريعة على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه.
" فإن عاد إليه" بعد أن خرج منه "عادت الصفة"
لأن التعليق وتحقق الشرط موجودان في ملكه فوجب
العمل به كما لو لم يزل ملكه عنه "إلا أن تكون
قد وجدت في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على
روايتين".
(6/286)
وتبطل الصفة
بموته فإن قال إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر
أو أنت حر بعد موتي بشهر فهل يصح ويعتق بذلك
على روايتين.
__________
المنصوص عن أحمد أنها لا تعود لأنها انحلت
بوجودها في ملكه ولأن العتق معلق بشرط لا
يقتضي التكرار فإذا وجد مرة انحلت اليمين و
الثانية: تعود لأنه لم توجد الصفة التي يعتق
بها أشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة
ولأن الملك مقدر في الصفة فكأنه قال إذا دخلت
الدار وأنت في ملكي فأنت حر ولم يوجد ذلك وفرق
في المغني والشرح بين الطلاق والعتق من حيث إن
النكاح الثاني ينبني على الأول والعتق بخلافه.
فرع: إذا قال: لعبده عمرو إن دخلت الدار فأنت
وعبدي زيد حران فباعه ثم دخل الدار وقال: إن
دخلت الدار فأنت طالق وعبدي زيد حر ثم أبانها
ثم دخلتها قال ابن حمدان: يحتمل عتق زيد
وعدمه.
"وتبطل الصفة بموته" لأن ملكه زال فتبطل
تصرفاته بزواله كالبيع " فإن قال: إن دخلت
الدار بعد موتي فأنت حر أو أنت حر بعد موتي
بشهر فهل يصح ويعتق بذلك؟ على روايتين" وفيه
مسألتان الأولى وهي الأصح في الشرح أن هذه
الصفة لا تنعقد لأنه علق عتقه على صفة توجد
بعد زوال ملكه فلم تصح كما لو قال: إن دخلت
الدار بعد بيعي إياك فأنت حر ولأنه إعتاق له
بعد إقرار ملك غيره فلم يعتق كالمنجز.
والثانية: يعتق ذكره القاضي وجزم به في الوجيز
لأنه صرح فحمل عليه كما لو وصى بإعتاقه وببيع
سلعته ويتصدق بثمنها ويفارق التصرف بعد البيع
فإن الله جعل للإنسان التصرف بعد موته في ثلثه
بخلاف ما بعد البيع.
الثانية: إذا قال: أنت حر بعد موتي بشهر وقال:
مهنا سألت أحمد عن هذا فقال: هذا لا يكون شيئا
بعد موته واختاره أبو بكر لما ذكرنا في التي
قبلها.
والثانية: يعتق إذا وجدت الصفة بعد الموت ذكره
القاضي وابن أبي موسى؛
(6/287)
وإن قال: إن
دخلتها فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد
صار مدبرا وإلا فلا فإن قال إن ملكت فلانا فهو
حر أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح على
روايتين وإن قاله العبد لم يصح في أصح
الوجهين،
__________
لأن صحة التعليق توجب وقوع العتق عند شرطه
ضرورة فعلى هذا يكون قبل العتق ملكا للوارث
وكسبه له كأم الولد وعلى الأولى: لا يملك
الورثة بيعه قبل فعله كموصى به قبل قبوله.
"وإن قال: إن دخلتها فأنت حر بعد موتي فدخلها
في حياة السيد صار مدبرا" لأنه وجد شرط
التدبير وهو دخول الدار "وإلا فلا" أي: إذا لم
يدخلها في حياة السيد لأنه جعل ظرفا لوقوع
الحرية وذلك يقتضي سبق دخول الدار في الحياة
وأنه للشرط إذ الشرط لا بد من سبقه الجزاء
"فإن قال" الحر "إن ملكت فلانا فهو حر أو كل
مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين"
إحداهما لا يصح ولا يعتق روي عن علي وابن عباس
وجابر وخلق وفي المغني هي ظاهر المذهب لما روى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا عتق
لابن آدم فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما
لا يملك قال الترمذي هذا حديث حسن وهو أحسن ما
روي في هذا الباب ولأنه قول من سمينا من
الصحابة ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع
ولأنه لا يملك تنجيز العتق فلم يملك تعليقه
لقوله عليه السلام: "لا عتق قبل ملك" رواه أبو
داود الطيالسي.
والثانية: يعتق إذا ملكه قدمه في الفروع ونقله
الجماعة واختاره أصحابنا قاله القاضي وغيره
لأن العتق مقصود من الملك والنكاح لا يقصد به
الطلاق وفرق أحمد بأن الطلاق ليس لله ولا فيه
قربة إلى الله تعالى ولأنه أضاف العتق إلى حال
ملك عتقه فيه أشبه ما لو كان التعليق في ملكه.
"وإن قاله العبد لم يصح في أصح الوجهين" لأن
العبد لا يصح منه العتق حين التعليق لكونه لا
يملك وإن ملك فهو ملك ضعيف غير مستقر لا يتمكن
من التصرف فيه وللسيد انتزاعه منه بخلاف الحر
والثاني: أن العبد إذا قال
(6/288)
وإن قال: آخر
مملوك أشتريه فهو حر و قلنا: بصحة الصفة فملك
عبيدا ثم مات فآخرهم حر من حين الشراء أوكسبه
له وإن قال: لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر
فولدت حيا ثم ميتا يعتق الأول،
__________
ذلك ثم عتق وملك عتق كالحر.
فرع : إذا قال الحر أول عبد أملكه فهو حر
انبني على العتق قبل الملك وفيه روايتان فإن
لم يملك بعد واحد شيئا فوجهان وإن ملك اثنين
معا فقيل بعتقهما لأن الأولية وجدت فيهما
جميعا كالمسابقة وعكسه وقيل: واحد بقرعة قدمه
في الشرح ونقله مهنا في أول غلام أو امرأة
تطلع فهو حر أو طالق وذكر المؤلف لفظها أول من
يطلع من عبيدي.
مسألة : إذا قال لعبد غيره إن كلمتك فأنت حر
ثم ملكه ثم كلمه لم يعتق.
"وإن قال: آخر مملوك أشتريه فهو حر و قلنا:
بصحة الصفة" أي: صحة التعليق لأن الحرية علقت
على الاتصاف بالآخرية وقد وجدت في الآخر "فملك
عبيدا ثم مات فآخرهم حر من حين الشراء " لأنه
قد تبينا أنه كان حرا حين ملكه ويكون "أو كسبه
له" وإن كان أمة كان أولادها أحرارا من حين
ولدتهم لأنهم أولاد حرة وإن كان وطئها فعليه
مهرها لأنه وطىء حرة أجنبية ولا يحل له وطؤها
إذا اشتراها حتى يشتري غيرها لأنه إذا لم يشتر
بعدها غيرها فهي آخر في الحال فإن ملك اثنتين
فكأول.
فرع : إذا قال لعبد غيره أنت حر من مالي أو في
مالي لم يعتق وإن رضي سيده نص عليه فلو قال:
لأمته كل مولود تلدينه فهو حر عتق كل ولد
ولدته في ملكه في قول العامة فإن باعها ثم
ولدت لم يعتق ولدها لولادتها له بعد زوال
ملكه.
"وإن قال: لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت
حيا ثم ميتا لم يعتق الأول " لأنه لم يوجد شرط
عتقه فأتى قول الشريف أنه يعتق الحي "وإن ولدت
(6/289)
وإن ولدت ميتا
ثم حيا عتق الثاني وإن ولدت توأمين فأشكل
الآخر منهما أقرع بينهما ولا يتبع ولد المعتقة
بالصفة أمه في أصح الوجهين إلا أن تكون حاملا
به حال عتقها أو حال تعليق عتقها.
__________
ميتا ثم حيا عتق الثاني" لوجود شرطه "وإن ولدت
توأمين فأشكل الآخر منهما أقرع بينهما" لأن
أحدهما استحق العتق ولم يعلم بعينه فوجه
إخراجه بالقرعة كما لو قال إحداكما حر.
تنبيه : إذا قال: لأمته أول ولد تلدينه فهو حر
فولدت ميتا ثم حيا فعنه يعتق الحي ذكره الشريف
وعنه: لا هو الصحيح قال المؤلف: لأن شرط العتق
إنما وجد من الميت وليس بمحل للعتق فانحلت
اليمين به وإن قال: آخر ولد تلدينه فهو حر
فولدت حيا ثم ميتا ثم لم تلد بعد ذلك شيئا ففي
عتق الحي روايتان وإن قال: أول ولد تلدينه فهو
حر فولدت اثنين وأشكل أولهما خروجا عتق أحدهما
بالقرعة وعنه: يعتقان جميعا واختار في الترغيب
أن معناهما أن أمد منع السيد منهما هل هو
القرعة أو الانكشاف وفي الانتصار احتمال لا
يعتق ولد حدث كتعليقه بملكه.
"ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في أصح
الوجهين" أي: إذا حملت بعد التعليق ووضعت قبل
وجود الصفة ثم وجدت بعد ذلك لم يعتق الولد لأن
الصفة لم تتعلق به حال التعليق ولا في حال
العتق والوجه الثاني أنه يتبعها في العتق
قياسا على ولد المدبرة وفرق القاضي بأن ولد
المدبرة يعتق بموت سيدها سواء كانت الأم باقية
على ملك السيد أو باعها أو ماتت قبله وولد
المعلق عتقها بصفة لا يعتق إلابعتق أمه "إلا
أن تكون حاملا به حال عتقها أو حال تعليق
عتقها" أي: إذا علق عتق أمه بصفة وهي حامل
تبعها ولدها كعضو من أعضائها فإن وضعته قبل
وجود الصفة ثم وجدت عتق لأنه تابع في الصفة
أشبه ما لو كان في البطن وإن كانت حاملا حال
التعليق ثم وجدت الصفة وهي حامل عتقت هي
وحملها لأن العتق وجد فيها وهي حامل فتبعها
ولدها كالمنجز.
(6/290)
وإن قال لعبده
أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق ولا شيء عليه
وعنه: إن لم يقبل العبد لم يعتق والصحيح في
قوله أنت حر على ألف أنه لا يعتق حتى يقبل وإن
قال أنت حر على أن تخدمني سنة فكذلك وقيل: إن
لم يقبل لم يعتق رواية واحدة.
__________
فرع : إذا بطلت الصفة ببيع أو موت لم يعتق
الولد لأنه لم يصر معتقا بصفة.
"وإن قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على ألف
عتق ولا شيء عليه" ذكرها المتأخرون من أصحابنا
لأنه أعتقه بغير شرط وجعل عليه عوضا لم يقبله
فلم يعتق به ولم يلزمه شيء ونصره القاضي
وأصحابه كقوله أنت حر وعليك مائة على الأصح.
"وعنه: إن لم يقبل العبد لم يعتق" نقله محمد
بن جعفر لأن السيد قصد المعاوضة فإذا لم يقبل
العبد وجب أن يبقى المال على ما كان عليه.
"والصحيح في قوله أنت حر على ألف أنه لا يعتق
حتى يقبل" فإن لم يقبل لم يعتق في قول الأكثر
لأنه أعتقه بعوض فلم يعتق بدون قبوله كقوله
أنت حر بمائة أو بعتك نفسك بمائة لأن "على"
تستعمل للشرط والعوض {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ
أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا
عُلِّمْتَ رُشْداً} الكهف و {قَالَ إِنِّي
أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ
هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ
حِجَجٍ} القصص ولو قال في النكاح: زوجتك فلانة
ابنتي على خمسمائة فقبل الآخر صح ووجب الصداق
وقوله لأمته أعتقتك على أن تزوجيني نفسك كقوله
على مائة وإن أباه لزمته القيمة وقيل: يعتق
بقبولها مجانا واختار ابن عقيل لا يعتق إلا
بالأداء فإن باعه نفسه بمال في يده صح على
الأصح وعتق في الحال وفي الولاء روايتان.
"وإن قال: أنت حر على أن تخدمني سنة فكذلك"
أي: يعتق بلا قبول وتلزمه الخدمة نص عليه
"وقيل: إن لم يقبل لم يعتق رواية واحدة" لأن
قصد
(6/291)
.....................................
__________
المعاوضة فيها ظاهر فعلى هذا إذا قبل عتق في
الحال ولزمته خدمته سنة فإن مات السيد قبل
كمال السنة رجع على العبد بقيمة ما بقي من
الخدمة لأنه إذا تعذر استيفاء العوض رجع إلى
قيمته كالخلع والصلح عن دم العبد وهل للسيد
بيعها فيه روايتان نقل حرب لا بأس ببيعها من
العبد أو ممن شاء ولم يذكروا لو استثنى خدمته
مدة حياته وذكروا صحته في الوقف وهذا مثله
بخلاف شرط البائع خدمة المبيع مدة حياته لأنه
عقد معاوضة يختلف الثمن لأجله.
فروع
إذا قال: إن خدمتني سنة فأنت حر لم يعتق حتى
يخدمه فإن مات سيده فيها لم يعتق.
وإن قال: أنت حر بشرط أن تخدم زيدا بعد موتي
سنة صح على الأصح وعتق بذلك فإن أبرأه زيد من
الخدمة عتق في الحال وقيل: بعد سنة فإن كانت
الخدمة لبيعة وهما نصرانيان فأسلم العبد قبل
تمامها عتق في الحال وهل تلزمه القيمة لبقية
الخدمة على روايتين.
إذا قال لجارية: إن خدمت ابني حتى يستغني فأنت
حرة لم تعتق حتى تخدمه إلى أن يكبر ويستغني عن
الرضاع.
إذا قال: إن أعطيتني مائة فأنت حر فتعليق محض
لا يبطله ما دام ملكه ولا يعتق بإبراء بل
يدفعها نص عليه وما فضل عنها لسيده ولا يكفيه
أن يعطيه من ملكه إذ لا ملك له على الأصح وهو
كقوله لامرأته إن أعطيتني مائة فأنت طالق فأتت
بمائة مغصوبة ففي وقوعهما احتمالان قاله في
الترغيب والعتق مثله.
إذا قال: اشترني من سيدي بهذا المال وأعتقني
ففعل عتق ولزم مشتريه المسمى وكذا إن اشتراه
بعينه إن لم تتعين النقود وإلا بطلا وعنه:
أجبن عنه.
(6/292)
فصل
وإذا قال كل مملوك لي حر عتق عليه مدبروه
ومكاتبوه وأمهات أولاده وشقص يملكه وإن قال
أحد عبدي حر أقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة
فهو حر من حين أعتقه وإن مات أقرع الورثة وإن
مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي.
__________
فصل
"وإذا قال: كل مملوك لي حر عتق عليه مدبروه
ومكاتبوه وأمهات أولاده وشقص يملكه " وعبد
عبده المأذون نص عليه وإن استوعبهم دين
المأذون لأن لفظه عام فيهم فيعتقوا كما لو
عينهم ونقل مهنا لا يعتق شقص حتى ينويه ذكره
ابن عقيل وغيره لأنه لا يملكه كله. فرع: إذا
علق بشرط قدمه أو أخره فسواء إن صح تعليقه
بالملك ذكره المؤلف في فتاويه. "وإن قال: أحد
عبدي حر أقرع بينهما" لأن أحدهما استحق العتق
ولم يعلم عينه أشبه ما لو أعتق المريض الجميع
ولم يخرجوا من ثلثه "فمن تقع له القرعة فهو حر
من حين أعتقه" لأنه تعين وظاهره: أنه ليس
للسيد التعيين وهو الأصح ولا للوارث بعده فإن
قال: أردت هذا بعينه قبل منه وعتق لأن ذلك
إنما يعرف من جهته وقوله من حين أعتقه يريد أن
العبد إن كان اكتسب مالا بعد العتق فهو له دون
سيده لأنا تبينا أنه اكتسب في حال الحرية "وإن
مات أقرع الورثة" لأنهم يقومون مقام موروثهم
"وإن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي"
فإن وقعت على الميت حسبناه من التركة وقومناه
حين الإعتاق سواء مات في حياة سيده أو بعده
قبل القرعة فعليه إن وقعت على الحي نظر في
الميت فإن كان موته قبل موت سيده أو بعده قبل
قبض الوارث لم يحسب من التركة فتكون التركة
للحي وحده فيعتق ثلثه وتعتبر قيمة
(6/293)
وإن أعتق عبدا
ثم أنسيه أخرج بالقرعة فإن علم بعدها أن
المعتق غيره عتق وهل يبطل عتق الأول على
وجهين.
فصل
وإذا أعتق في مرض موته ولم يجز الورثة اعتبر
من ثلثه وإن أعتق جزءا من عبده في مرضه أو
دبره،
__________
الإعتاق لأنه حين الإتلاف ويعتبر قيمة التركة
بأقل الأمرين من حين الموت إلى حين قبض الوارث
وقيل: يحسب الميت من التركة وإن كان موته بعد
قبض الوارث له حسب من التركة لأنه وصل إليهم
وجعلناه كالحي في تقويمه معه.
"وإن أعتق عبدا ثم أنسيه أخرج بالقرعة" في
قياس قول أحمد وقاله الليث لأن مستحق العتق
غير معين أشبه ما لو عتق جميعهم في مرض موته
فإن لم يقرع فإنه يقبل قوله في عتق من عينه
دون غيره فإذا قال: أعتقت هذا عتق ورق الباقون
وإن قال: أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعا وكذا
إقرار وارث.
"فإن علم بعدها" أي: بعد القرعة " أن المعتق
غيره عتق" لتبين أمره "وهل يبطل عتق الأول؟
على وجهين" أصحهما أنه يبطل ويرد إلى الرق
لأنه تبين له المعتق فيعتق دون غيره كما لو لم
يقرع والثاني: وهو مقتضى قول ابن حامد أنهما
يعتقان لأن الأول تبينت الحرية فيه بالقرعة
فلا تزول كسائر الأحرار وكما لو كانت القرعة
بحكم حاكم.
فصل
"وإن أعتق في مرض موته" المخوف "ولم يجز
الورثة اعتبر من ثلثه" لأنه عليه السلام لم
يجز عتق الذي أعتق ستة مملوكين في مرض موته
إلا ثلثهم ولأنه تبرع بمال أشبه الهبة
وكالتدبير والوصية بالعتق فعلى هذا ما زاد على
الثلث إن أجازه الوارث جاز وإن رده بطل لأن
الحق له.
"وإن أعتق جزءا من عبده في مرضه أو دبره" بأن
قال: إذا مت فنصف
(6/294)
وثلثه يحتمل
جميعه فيعتق جميعه وعنه: لا يعتق إلا ما أعتق
وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره
وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك ولو كان جميعه
حرا في إحدى الروايتين و الأخرى لا يعتق إلا
ما ملك منه ولو أعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم
سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم
بيعوا في دينه،
__________
عبدي حر ثم مات "وثلثه يحتمل جميعه" على
المذهب وهو قول أكثر الفقهاء لأنه يزول
التدبير كالعتق بالسراية لأنه إعتاق لبعض عبده
"فيعتق جميعه" كما لو أعتقه في حياته وشرطه
كما ذكره أن يكون ثلث المريض يحتمله لأن تصرف
المريض بالمباشرة في الزائد عن الثلث لا يصح
فلأن لايسري فيه بطريق الأولى: فلو مات العبد
قبل سيده عتق بقدر ثلثه " وعنه: لا يعتق إلا
ما أعتق " لأنه لا يمنع جواز البيع فلم يسر
كتعليقه بالصفة في الحياة.
فرع : إذا دبر أحد الشريكين نصيبه صح ولم
يلزمه لشريكه في الحال شيء فإذا مات عتق الجزء
المدبر إذا خرج من ثلثه وفي سرايته في نصيب
الشريك الخلاف.
"وإن أعتق في مرضه شركا له في عبد أو دبره
وثلثه يحتمل باقيه أعطي الشريك" أي: قيمة
باقيه بنقدير الحكم بالحرية لقوله عليه
السلام: "وأعطي شركاءه حصصهم". "ولو كان جميعه
حرا في إحدى الروايتين" ويعطى الشريك قيمة
نصيبه من الثلث لأن ملك المعتق لثلث المال تام
التصرف فيه بالتبرع فهو كمال الصحيح الموسر
"والأخرى لا يعتق إلا ما ملك منه" أي: حصته
فقط لأن ملكه يزول إلى ورثته بموته فلا يبقى
شيء يقضي منه الشريك لكن قال القاضي: ما أعتقه
في مرض موته سرى وما دبره أو أوصى بعتقه فلا
فالرواية في سراية العتق في حال الحياة أصح
والرواية في وقوفه في التدبير أصح لأن العتق
في الحياة ينفذ حال ملك المعتق وصحة تصرفه
وتصرفه في ثلثه كتصرف الصحيح في ماله كله وأما
التدبير والوصية فإنما يحصل العتق به في حال
زوال ملك المعتق وتصرفاته "ولو أعتق في مرضه
ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر
عليه دين يستغرقهم بيعوا في
(6/295)
ويحتمل أن يعتق
ثلثهم وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال
يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم.
__________
دينه" وجملته أن المريض إذا أعتق عبيده أو
دبرهم وهم يخرجون من ثلثه في الظاهر فأعتقناهم
ثم مات فظهر عليه دين يستغرقهم تبينا بطلان
عتقهم فيباعون في الدين ويكون عتقهم مقدم على
الوصية ولأن الدين يقدم على الميراث بالاتفاق
ولهذا يباع في قضاء الدين لقوله تعالى: {مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
الآية ورد ابن أبي ليلى عبدا أعتقه سيده عند
الموت وعليه دين فاستحسن ذلك أحمد رضي الله
عنه.
"ويحتمل أن يعتق ثلثهم" هذا رواية ذكرها أبو
الخطاب فعلى هذا يعتق منه بقدر الثلث ويرد
الباقي لأن تصرف المريض في ثلثه كتصرف الصحيح
في ماله وكما لو لم يكن عليه دين ولأنه تبرع
في مرض موته بما يعتبر خروجه من الثلث فقدم
عليه الدين كالهبة فإن قال الورثة نحن نمضي
العتق ونقضي الدين لم ينفذ في وجه لأن الدين
كان مانعا منه فيكون باطلا ولا يصح بزوال
المانع بعده وفي آخر ينفذ العتق لأنه إذا سقط
الدين وجب نفوذه وقيل: أصلهما إذا تصرف الورثة
في التركة ببيع وغيره وعلى الميت دين وقضي
الدين هل ينفذ فيه وجهان.
فرع : إذا أعتق المريض ثلاثة أعبد لا مال له
غيرهم فأقرع الورثة فأعتقوا واحدا وأرقوا
اثنين ثم ظهر عليه دين يستغرق نصفهم فوجهان
أحدهما: تبطل القرعة والثاني: لا فيقال للورثة
اقضوا ثلثي الدين وهو بقدر قيمة نصف العبدين
اللذين بقيا إما من العبيد أو من غيرهم ويجب
رد نصف العبد الذي عتق فإن كان الذي أعتق
العبدين أقرع بينهما فإذا خرجت لأحدهما وكان
بقدر السدس من التركة عتق وبيع الآخر في الدين
وإن كان أكثر منه عتق بقدر السدس فإن كان أقل
عتق وعتق من الآخر تمام السدس.
"وإن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال
يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم" أي: إذا أعتق
عبيده في مرضه لم يعتق منهم إلا الثلث ويرق
الثلثان إذا
(6/296)
وإن لم يظهر له
مال جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءا
وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خرج له
سهم الحرية عتق ورق الباقون،
__________
لم يجز الورثة فإذا فعل ذلك ثم ظهر له مال
بقدر ثلثيهم تبينا أنهم عتقوا حين أعتقهم لأن
تصرف المريض في ثلث ماله نافذ وقد بان أنهم
ثلث ماله وخفاء ذلك علينا لا يمنع كونه موجودا
فلا يمنع كون العتق واقعا فعلى هذا يكونون
أحرارا من حين أعتقهم وكسبهم لهم وإن كان تصرف
فيهم ببيع ونحوه كان باطلا وإن كانوا قد
تصرفوا فحكمهم كالأحرار فلو تزوج منهم عبد
بغير إذن سيده كان نكاحه صحيحا ووجب عليه
المهر وإن ظهر له بقدر قيمتهم عتق ثلثاهم لأنه
ثلث جميع المال وإن ظهر له مال بقدر نصفهم عتق
نصفهم وإن كان بقدر ثلثهم عتق أربعة أتساعهم
وعلى هذا الحساب "وإن لم يظهر له مال جزأناهم
ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءا وأقرعنا بينهم بسهم
حرية وسهمي رق فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق
الباقون" في قول أكثر العلماء لقوله تعالى:
{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ
أَقْلامَهُمْ} [آل عمران:44] وقوله تعالى:
{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}
[الصافات141] وعن عمران بن حصين أن رجلا من
الأنصار اعتق ستة مملوكين في مرضه لا مال له
غيرهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة
أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا
شديدا رواه الجماعة إلا البخاري قال أحمد في
القرعة خمس سنن وأجمعوا على استعمالها في
القسمة.
وإذا أراد الرجل السفر بإحدى نسائه وكذا إذا
تشاح الأولياء في التزويج أو من يتولى القصاص
ولأنه حق في تفريقه ضرر فوجب كم بالقرعة كقسمة
الإجبار مع الطلب وبذلك يبطل قول الخصم إنه
مخالف للقياس ثم لو سلم فالحجة الحديث مطلقا
فعلى هذا لا بد من تساوي القيمة والعدد فيهم
كثلاثة أو ستة أو تسعة قيمة كل واحد منهم مثل
قيمة الآخر فإن كانوا متساوي العدد دون القيمة
كستة أعبد قيمة اثنين ثلاثمئة واثنين مائتان
مائتان واثنين مائة مائة جعلت الاثنين اللذين
قيمتهما اربعمئة جزءا وكل
(6/297)
..............................................
__________
واحد من اللذين قيمتهما مائة مائة مع كل واحد
من الأوليين جزءاً وظاهر المتن أنه لا فرق بين
أن يعتقهم في دفعة واحدة أو دفعات وأن العطايا
يساوي بين متقدمها ومتأخرها.
(6/298)
فصل في كيفية القرعة
وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي
حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر وإن شاء
جزأهم أربعة أجزاء وأقرع بينهم بسهم حرية
وثلاثة رق ثم أعاد القرعة بينهم لإخراج من
ثلثاه حر وإن فعل غير ذلك جاز.
__________
فصل في كيفية القرعة.
قال أحمد: قال سعيد ابن جبير: يقرع بينهم
بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب فأخرج خاتم
هذا وخاتم هذا ثم قال: يخرجونهما ثم يدفع إلى
رجل فيخرج منهما واحدا ثم قال أحمد: بأي شيء
خرجت مما يتفقان عليه وقع الحكم به سواء كان
رقاعا أو خواتيم وقال أصحابنا المتأخرون
الأولى: أن يقطع رقاعا صغارا مستوية ثم تجعل
في بنادق شمع أو غيره متساوية القدر ثم تلقى
في حجر واحد لم يحضر ويغطى عليها بثوب ثم يقال
له أدخل يدك فأخرج بندقة فيفضها ويعلم ما فيها
وفي كيفيتها طرق ستأتي في القسمة إن شاء الله
تعالى.
"وإن كانوا ثمانية فإن شاء أقرع بينهم بسهمي
حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر" لأن الغرض
خروج الثلث بالقرعة فكيف اتفق حصل ذلك الغرض
"وإن شاء جزأهم أربعة أجزاء وأقرع بينهم بسهم
حرية وثلاثة رق ثم بينهم لإخراج من ثلثاه حر"
لأنه يجعل كل اثنين جزءاً ويقرع بينهم بما ذكر
ليظهر التفريق المعتق من غيره ويعيد القرعة
ليظهر من ثلثاه حر "وإن فعل غير ذلك جاز" بأن
يجعل ثلاثة جزءاً وثلاثة جزءاً واثنين جزءاً
فإن خرجت القرعة على الاثنين عتقا ويكمل الثلث
بالقرعة من الباقين وإن
(6/298)
وإن أعتق عبدين
قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمئة جمعت
قيمتهما وهي خمسمئة فجعلتها الثلث ثم أقرعت
بينهما فإن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربته
في ثلاثة تكن ستمائة ثم نسبت منه خمس المائة
يكن العتق فيه خمسة أسداسه وإن وقعت على الآخر
عتق منه خمسة اتساعه وكل شيء يأتي من هذا
فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر وإن
أعتق واحدا من ثلاثة عبيد فمات أحدهم في حياة
سيده أقرع بينه وبين الحيين ويسقط فإن وقعت
القرعة على الميت رق الآخران،
__________
خرجت لثلاثة أقرع بينهم بسهمي حرية وسهم رق ثم
أعيدت القرعة بينهم فمن وقع له سهم العتق عتق
ثلثاه فإن كان جميع ماله عبدين أقرعنا بينهما
بسهم حرية وسهم رق على كل حال.
" وإن أعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر
ثلاثمئة جمعت قيمتهما وهي خمسمائة فجعلتها
الثلث" هذا إذا لم يجز الورثة عتقهما عتق
ثلثهما وكمل الثلث في أحدهما فتجمع قيمتهما
فتكون خمسمائة "ثم أقرعت بينهما فإن وقعت على
الذي قيمته مائتان ضربته في ثلاثة" أي: تضرب
قيمته في ثلاثة ونسبنا قيمتها إلى المرتفع
بالضرب فما خرج من النسبة عتق من العبد بقدره
"تكن ستمائة ثم نسبت منه خمسمائة" لأنها الثلث
تقديرا "يكن العتق فيه خمسة أسداسه" لأن
خمسمائة من ستمائة خمسة أسداسها.
"وإن وقعت على الآخر" وهو الذي قيمته ثلاثمئة
"عتق منه خمسة أتساعه" لأنك إذا ضربت قيمته
وهي ثلاثمائة في ثلاثة كانت تسعمائة فإذا نسبت
خمسمائة كانت خمسة اتساعها.
"وكل شيء ياتي من هذا فسبيله أن يضرب في ثلاثة
ليخرج بلا كسر" هذا قول من يرى جمع العتق في
بعض العبد بالقرعة.
"وإن اعتق واحداً" أي: غيرمعين "من ثلاثة أعبد
فمات أحدهم في حياة سيده أقرع بينه وبين
الحيين" هذا هو الأصح وقيل: يقرع بينهما دون
الميت وعلى الاول "فإن على الميت رق الآخران"
كما لو كانوا أحياء
(6/299)
وإن وقعت على
أحد الحيين عتق إذا خرج من الثلث وإن أعتق
الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في حياة السيد
فكذلك في قول أبي بكر و الأولى: أن يقرع بين
الحيين ويسقط حكم الميت.
__________
"وإن وقعت على أحد الحيين عتق إذا خرج من
الثلث" لأن تصرف المريض معتبر من الثلث بخلاف
الأولى: فإنه لم يشرط فيها لأن الميت إن كان
وقف الثلث فلا إشكال فيه وإن كان أكثر فالزائد
عن الثلث هلك على ماله وإن كان فلا يعتق من
الآخرين شيئا لأنه لم يعتق إلا واحدا.
" وإن أعتق الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في
حياة السيد فكذلك في قول أبي بكر" أي: يقرع
بينه وبين الحيين لأن الحرية إنما تنفذ في
الثلث أشبه ما لو أعتق واحدا منهم لا يقال ليس
حكم عتق الثلاثة ليس كحكمه عتق أحدهم في بعض
الصور لأن الميت لو كانت قيمته أقل من الآخرين
فمع وقوع القرعة عليه تكمل من الآخرين والمراد
به التشبيه في نفس القرعة من غير تعرض للقيمة.
"والأولى: أن يقرع بين الحيين لبعض حكم الميت"
لأن الاعتبار في خروجه من الثلث بحالة الموت
وحالة الموت إنما كان له العبدان وهما كل ماله
وصار بمنزلة ما لو أعتق العبدين في مرضه ولم
يكن له مال غيرهم.
فرع : لو وكل أحد الشريكين الآخر في عتق نصيبه
فقال الوكيل نصيبي حر عتق وسرى إلى نصيب شريكه
والولاء له وإن أعتق نصيب شريكه عتق وسرى إلى
نصيبه إن كان موسرا والولاء للموكل وإن أعتق
نصف العبد ولم ينو شيئا احتمل أن ينصرف لى
نصيبه لأنه لا يحتاج إلى نية واحتمل أن ينصرف
إلى نصيب شريكه لأنه أمره بالإعتاق ويحتمل أن
ينصرف إليهما لتساويهما وأيهما حكمنا بالعتق
عليه ضمن نصيب شريكه وقيل: لا يضمن لأن الوكيل
إذا أعتق نصيبه فسرى إلى الآخر لم يضمنه لأنه
مأذون له في العتق.
(6/300)
باب التدبير
وهو تعليق العتق بالموت ويعتبر من الثلث.
__________
باب التدبير
سمي تدبيرا لأن الوفاة دبر الحياة يقال دبره
تدبيرا إذا علق عتقه بموته يقال أعتقه عن دبر
أي: بعد الموت وقال ابن عقيل هو مشتق من
إدباره من الدنيا ولا يستعمل في كل شيء بعد
الموت من وصية ووقف وغيره فهو لفظ يخص به
العتق بعد الموت.
والأصل فيه حديث جابر أن رجلا من الأنصار أعتق
غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من يشتريه
مني؟" فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمئة درهم
فدفعها إليه متفق عليه.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل
العلم على أن من دبر عبده أو أمته ولم يرجع عن
ذلك حتى مات والمدبر يخرج من ثلث ماله بعد
قضاء الدين وإنفاذ وصاياه وكان السيد بالغا
جائز التصرف أنه يعتق.
"وهو تعليق العتق بالموت" هذا بيان لمعنى
التدبير شرعا ولا تصح وصيته به "ويعتبر من
الثلث" أي: إنما يعتق إذا خرج من ثلث المال في
قول أكثر العلماء وروي عن ابن مسعود وغيره أنه
من رأس المال ونقله حنبل عن الإمام قياسا على
أم الولد.
وجوابه: بأنه تبرع بعد الموت فكان من الثلث
كالوصية وما نقله حنبل لا عمل عليه قال أبو
بكر: هو قول قديم رجع عنه إلى ما قاله الجماعة
فعلى هذا إذا لم يخرج منه وأجاز الورثة عتق
جميعه وإلا عتق منه مقدار الثلث وهل يستسعى في
قيمة باقيه على روايتين وعنه: في الصحة مطلقا.
فرع : إذا اجتمع العتق في المرض والتدبير قدم
العتق وإن اجتمع هو والوصية
(6/301)
ويصح من كل من
تصح وصيته وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين
بالموت ولفظ التدبير وما تصرف منها ويصح مطلقا
ومقيدا بإن يقول إن مت في مرضي هذا أو عامي
هذا فأنت حر أو مدبر،
__________
بعتقه تساويا لوجودهما بعد الموت وقيل: يقدم
التدبير لحصوله بلا مهلة.
"ويصح من كل من تصح وصيته" لأنه تبرع بالمال
بعد الموت أشبه الوصية وقال الخرقي إذا جاوز
العشر وكان يعرفه والجارية اذا جاوزت التسع
وجوابه بأنه يؤمر بالصلاة والجارية بقول عائشة
إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة ولأنه سن
يمكن بلوغها فيه.
ويصح تدبير المحجور عليه بسفه ولا يصح من
المجنون ويصح من الكافر ولو حربيا ومرتدا إن
تبينا ملكه له فأسلم فإن مات مرتدا بطل في
الأصح.
"وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت"
كقوله: أنت حر أو عتيق أو معتق أو محرر بعد
موتي فيصير بذلك مدبرا بغير خلاف نعلمه "ولفظ
التدبير وما تصرف منها" غير أمر ومضارع فإذا
قال أنت مدبر أو دبرتك فإنه يصير مدبرا بمجرد
اللفظ وإن لم ينوه. وكنايات العتق المنجز تكون
للتدبير إذا أضاف إليه ذكر الموت "ويصح مطلقا"
أي: من غير شرط آخر نحو إن مت فأنت حر أو مدبر
"ومقيدا" لأنه تعليق للعتق على شرط فصح مطلقا
ومقيدا كتعليق العتق بغير الموت "بأن يقول إن
مت فمن مرضي هذا أو عامي هذا" أو في بلدي هذا
"فأنت حر أو مدبر" لأنه تقييد خاص وقد يكون
غير خاص مثل أن يعلقه على صفة كإن دخلت الدار
فأنت حر أو إن قدم زيد أو شفى الله مريضي فأنت
مدبر فهذا لا يصير مدبرا في الحال لأنه علق
التدبير بشرط فإذا وجد صار مدبرا وعتق بموت
سيده وإن لم يوجد في حياة السيد ووجد بعد موته
لم يعتق لأن إطلاق الشرط يقتضي وجوده في
الحياة بدليل ما لو علق عليه عتقا منجزا.
(6/302)
وإن قال متى
شئت فأنت مدبر فمتى شاء في حياة السيد صار
مدبرا وإن قال إن شئت فأنت مدبر فقياس المذهب
أنه كذلك وقال ابو الخطاب: إن شاء في المجلس
صار مدبرا وإلا فلا،
__________
فرعان
الأول: إذا قال إذا قرأت القرآن فأنت حر بعد
موتي فقرأه جميعه صار مدبرا بخلاف قراءة بعضه
فإن قال إذا قرأت قرآنا فأنت حر بعد موتي فقرأ
بعضه صار مدبرا لأنه في الأولى: عرفه باللام
المقتضية للاستغراق بخلاف الثانية.
الثاني : إذا قالا لعبدهما: إن متنا فأنت حر
فهو تعليق للحرية بموتهما جميعا ذكره القاضي
وغيره ولا يعتق بموت أحدهما شيء ولا ببيع
وارثه حقه وقال أحمد واختاره المؤلف: إذا مات
أحدهما فنصيبه حر فإن أراد أنه حر بعد آخرهما
موتا فإن جاز تعليق الحرية على صفة بعد الموت
عتق بعد موت الآخر منهما عليهما وإلا عتق نصيب
الآخر منهما بالتدبير وفي سرايته إن احتمله
ثلثه الروايتان.
" وإن قال: متى شئت فأنت مدبر فمتى شاء في
حياة السيد صار مدبرا" بعتق بموته لأن المشيئة
على التراخي فمتى وجدت المشيئة وجد الشرط
كقوله إذا شئت أو أي: وقت شئت فإن مات السيد
قبل المشيئة بطلت فإن قال متى شئت بعد موتي أو
أي: وقت شئت بعد موتي فهو تعليق للعتق على
صفة.
وقال القاضي: يصح فعليه يكون على التراخي وما
كسبه قبل مشيئته فهو لورثة سيده بخلاف الموصى
به فإن في كسبه قبل القبول وجهين "وإن قال: إن
شئت فأنت مدبر فقياس المذهب أنه كذلك" أي: أنه
على التراخي كمتى شئت
"وقال ابو الخطاب: إن شاء في المجلس صار مدبرا
وإلا فلا" لأن المشيئة
(6/303)
وإذا قال: قد
رجعت عن تدبيري أو قد أبطلته لم يبطل لأنه
تعليق للعتق بصفة وعنه: يبطل كالوصية وله بيع
المدبر وهبته وإن عاد إليه عاد التدبير وعنه:
لا يباع إلا في الدين،
__________
كالاختيار "وإذا قال: قد رجعت في تدبيري أو قد
أبطلته لم يبطل" في الصحيح من المذهب " لأنه
تعليق للعتق بصفة" وكما لو قال إن دخلت الدار
فأنت حر.
" وعنه: يبطل كالوصية" لأنه جعل له نفسه بعد
موته فكان ذلك وصية فجاز الرجوع فيها بالقول
كما لو وصى له بعبد آخر فلا يصح رجوعه في حمل
لم يوجد وإن رجع في حامل ففي حملها وجهان لا
بعد وضعه والروايتان إذا لم يأت بصريح التعليق
أو صريح الوصية قاله في الترغيب وغيره وعنه:
لا يصح في الأمة وإن أنكره لم يرجع إن قلنا:
تعليق وإلا فوجهان.
تنبيه : إذا قال إذا أديت إلى ورثتي ألفا فأنت
حر فقد رجع عن تدبيره قال ابن حمدان: كما لو
رد الوصية ولم يقبلها وإن دبره كله ثم رجع في
نصفه صح إذا قلنا: بصحة الرجوع في جميعه فإن
غيّرالتدبير فكان مطلقا فجعله مقيدا صار مقيدا
إن قلنا: بصحة الرجوع وإن كان مقيدا فأطلقه صح
على كل حال لأنه زيادة فلا يمنع منه.
"وله بيع المدبر وهبته" نقله الجماعة عنه لأنه
عتق معلق بصفة فلم يمنع من بيعه وظاهره: مطلقا
في الدين وغيره مع الحاجة وعدمها وإن لم يوص
به وإن عاد إليه بعد البيع عاد التدبير لأنه
معلق عتقه بصفة وبناه القاضي على أصل وهو أن
التدبير هل هو تعليق للعتق بصفة أو وصية فعلى
الأول يعود بخلاف الوصية وهذا رواية عن أحمد.
"وعنه: لا يباع إلا في الدين" لأن الدين يقدم
على العتق المحقق في بعض المواضع فلأن يقدم
على ما انعقد فيه سبب الحرية بطريق الأولى
وعنه: لحاجة اختارها الخرقي وجزم بها في
الكافي لأنه عليه السلام إنما باعه لحاجة
صاحبه.
(6/304)
وعنه: لا تباع
الأمة خاصة وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فهو
بمنزلتها ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير.
__________
"وعنه لا تباع الأمة خاصة" لأن في جواز بيعها
إباحة لفرجها وتسليط مشتريها على وطئها مع
وقوع الخلاف في بيعها وحلها بخلاف المدبر.
قال المؤلف: لا نعلم التفريق بينهما عن غير
إمامنا والصحيح ألاول.
قال الجوزجاني: صحت أحاديث بيع المدبر
باستقامة الطرق والخبر إذا صح استغني به عن
غيره ولأنه عتق بصفة فلم يمنع البيع كقوله إن
دخلت الدار فأنت حر وخبرهم ليس بصحيح وإنما هو
عن ابن عمر.
ويحتمل أنه أراد بعد الموت أو على الاستحباب
ولا يصح قياسه على أم الولد لأن عتقها ثبت
بغير اختيار سيدها وإذا لم يصح أو دبر الحمل
ثم باع أمته فكاستثنائه في البيع قاله في
الترغيب وفي الروضة له بيع العبد في الدين وفي
بيعها فيه روايتان.
" وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فهو بمنزلتها
" الولد الحادث بعد التدبير لا يخلو من حالين
أحدهما أن يكون موجودا حال تدبيرها ويعلم ذلك
بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من حينه فيدخل
معها بغير خلاف نعلمه كعضو من أعضائها فإن بطل
التدبير في الأم لم يبطل في ولدها لأنه ثبت
أصلا.
الثاني: أن تحمل به بعد التدبير فهو يتبع أمه
مطلقا في قول أكثر أهل العلم.
ونقل حنبل عنه: أن ولدها عبد إذا لم يشرط
الولي فظاهره أنه لا يتبعها ولا تعتق بموت
سيدها ولأن عتقها معلق بصفة أشبه من علق عتقها
بدخول الدار والأول أصح لقول عمر وابنه وجابر
إن ولدها بمنزلتها ولم يعرف لهم مخالف في
الصحابة فكان كالإجماع ولأن الأم استحقت
الحرية بموت سيدها فيتبعها ولدها كأم الولد.
فعلى هذا إن بطل التدبير في الأم لمعنى اختص
بها فقط فإن لم يتبع الثلث لهما جميعا أقرع
بينهما "ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير" على
المذهب لأنه لا
(6/305)
وله وطء مدبرته
فإن أولدها بطل تدبيرها وإذا دبر المكاتب أو
كاتب المدبر جاز فإن أدى عتق وإن مات سيده قبل
الأداء عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابته،
__________
يتبعها في العتق ولا في الاستيلاد ففي التدبير
أولى.
وذكر أبو الخطاب: أن حنبلا نقل عن عمه في
الرجل يدبر الجارية ولها ولد قال ولدها معها
وحملها المؤلف على الولد بعد التدبير توفيقا
بين كلاميه وعلم أن ولد المدبر لا يتبع أباه
مطلقا على المذهب لأن الولد إنما يتبع أمه في
الحرية والرق.
وعنه: وهي ظاهر المغني والشرح الجزم بها في
ولده من أمته المأذون له في التسري بها يكون
مدبرا لأنه ولده من أمته فتبعه كالحر.
وفي الرعاية لا يكون ولد المدبر من أمته مثله
في الأصح بل يتبع أمه "وله وطء مدبرته " روي
عن ابن عمر وابن عباس كمملوكته فيدخل تحت قوله
تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
[النساء:2] قال أحمد: لا أعلم أحدا كره ذلك
غيرالزهري.
وعنه: لايجوز وطء بنت مدبرته وهو محمول على
أنه وطىء أمها "فإن أولدها بطل تدبيرها" لأن
الاستيلاد أقوى من التدبير فأبطله كالنكاح مع
الملك.
"وإذا دبر المكاتب" جاز بغير خلاف نعلمه لأنه
تعليق لعتقه بصفة وهو يملك إعتاقه فيملك
التعليق وإن قيل هو وصية "أوكاتب المدبر جاز"
وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة لأن التدبير إن
كان عتقا بصفة لم يمنع الكتابة وكذا إن كان
وصية كما لو وصى بعتقه ثم كاتبه.
وذكر القاضي أنه يبطل بها إذا قلنا: هو وصية
كما لو وصى به لرجل ثم كاتبه "فإن أدى عتق"
لأن ذلك شأن المكاتب "وإن مات سيده قبل الأداء
عتق " لأن ذلك شأن المدبر "إن حمل الثلث ما
بقي من كتابته" لأن المدبر يعتبر في عتقه
بالتدبير خروجه من الثلث وبطلت الكتابة.
(6/306)
وإلا عتق منه
بقدر الثلث وسقط من الكتابة بقدر ما أعتق وهو
على الكتابة فيما بقي وإذا دبر شريكا له في
عبد لم يسر إلى نصيب شريكه فإن أعتق شريكه سرى
إلى المدبر وغرم قيمته لسيده ويحتمل أن يسري
في الأول دون الثاني.
__________
"وإلا عتق منه بقدر الثلث" حيث لم يخرج كله من
الثلث لأن ذلك لا مانع له "وسقط من الكتابة
بقدر ما عتق" لانتفاء محلها بالعتق "وهو على
الكتابة فيما بقي" لأن محلها لم يعارضه شيء.
فعلى هذا لو خرج نصفه من الثلث عتق نصفه وسقط
نصف الكتابة وبقي نصفه والذي يحسب من الثلث
إنما هو قيمة المدبر وقت موت سيده لأن المدبر
لو لم يكن مكاتبا لاعتبرت قيمته ومن عتق
بالتدبير كان ما في يده لسيده لأنه كان له قبل
العتق فكذا بعده ذكره الأصحاب.
قال المؤلف: وعندي أن يعتق ويتبعه ولده
وأكسابه لأن السيد لا يملك إبطال كتابته
لكونها عقدا لازما من جهته وإنما يملك إسقاط
حقه عليه وعنه: له كسبه ونقل ابن هانىء ما لا
بد من كسبه وكما لو ادعى المدبر أنه كسبه بعد
موته وأمكن لثبوت يده عليه بخلاف ولده. "وإذا
دبر" وهو موسر "شركا له في عبد لم يسر إلى
نصيب شريكه" لأنه تعليق للعتق بصفة فلم يسر
كتعليقه بدخول الدار ويفارق الاستيلاد فإنه
آكد بدليل أنه يعتق من جميع المال ولو قتلت
سيدها لم يبطل استيلادها والمدبر بخلافه.
وإن مات المدبر عتق نصيبه إن خرج من الثلث وفي
سرايته إلى نصيب شريكه روايتان "فإن أعتق
شريكه" نصيبه "سرى إلى المدبر وغرم قيمته
لسيده" إن كان موسرا لخبر ابن عمر ولأنه إذا
سرى إلى إبطال الملك الذي هو آكد من الولاء
والولاء أولى ما ذكر فيه لا أصل له ويبطل بما
إذا علق عتق نصيبه بصفة "ويحتمل أن يسري في
الأول" ويضمن قيمته لأن المدبر استحق العبد
بموت سيده فسرى كأم الولد "دون الثاني" أي: لا
يسري لأنه قد انعقد له
(6/307)
وإذا أسلم مدبر
الكافر لم يقر في يده وترك في يد عدل ينفق
عليه من كسبه وما فضل لسيده وإن أعوز فعليه
تمامه إلا أن يرجع في التدبير ونقول بصحة
الرجوع فيجبر على بيعه ومن أنكر التدبير لم
يحكم عليه إلا بشاهدين،
__________
سبب استحق الولاء على العبد فلم يكن للآخر
إبطاله.
تنبيه : إذا دبرا عبدهما معا صح ولا يعتق بموت
أحدهما ولا ببيع وارثه حقه ثم إن أعتق أحدهما
حقه ففي وجوب ضمان حق الآخر وجهان وفي الشرح
إذا دبر كل واحد من الشريكين حقه فمات أحدهما
عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير إن لم
يف ثلثه بقيمة حصة شريكه وإن كان يفي فهل يسري
على روايتين وإن قال: كل واحد منهما إذا متنا
فأنت حر فإذا مات أحدهما فنصفه حر.
وقال القاضي: هذا تعليق للحرية بموتهما جميعا
فإن عتق بالتدبير فما معه إذن إرث وعنه: بل هو
له اختاره المؤلف كما لو بقي مدة فادعاه كسبا
بعد موته حلف له فإن أقام بينة قدمت على بينة
الورثة وعنه: تقدم بينة الداخل.
وإن أعتق عبده القن أو كاتبه أو أعتق مكاتبه
فما بيده لسيده وعنه: له وعتقه مكاتبه قيل
إبراء مما بقي وقيل: فسخ كعتقه في كفارة.
"وإذا أسلم مدبر الكافر لم يقر في يده" أي:
أمرناه بإزالة ملكه عنه لئلا يبقى الكافر
مالكا لمسلم كغير المدبر وكما لو أسلم مكاتبه
وعجز وقيل: لا يلزمه إن استدام تدبيره ويحال
بينهما وتلزمه نفقته حتى يعتق بموته "وترك في
يد عدل حتى ينفق عليه من كسبه" لأنه أولى
الناس به "وما فضل لسيده" لأنه مملوكه "وإن
أعوز فعليه تمامه" لأن نفقة المملوك على السيد
إن لم يكن له كسب " إلا أن يرجع في التدبير
ونقول بصحة الرجوع فيجبر على بيعه" ولا يترك
في يد عدل لأن الكافر لا يقر على استقرار ملكه
على المسلم.
وفي المغني والشرح إن المدبر إذا كان لم يكن
له كسب أنه يجبر سيده على الإنفاق عليه لأنه
ملكه " ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إلا
بشاهدين"
(6/308)
وهل يحكم عليه
بشاهد وامرأتين أو بشاهد ويمين العبد على
روايتين وإذا قتل المدبر سيده بطل تدبيره.
__________
أي إذا ادعى العبد على سيده أنه دبره صحت
دعواه لأنه يدعي استحقاق العتق فإن أنكر ولم
يكن للمدبر بينة قبل قول السيد مع يمينه لأن
الأصل عدمه وجحده التدبير ليس رجوعا إن جعل
عتقا بصفة وإلا فوجهان فإن جعل رجوعا لم تسمع
دعواه ولا بينته.
قال ابن حمدان: إن جوزنا الرجوع وحلف عليه صح
وإلا فلا وإن كان الاختلاف بين العبد وورثة
سيده فكالخلاف مع السيد إلا أن الدعوى صحيحة
بغير خلاف وأيمانهم على نفي العلم.
ويجب اليمين على كل واحد من الورثة فمن نكل
منهم عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه ويشترط في
الشاهدين العدالة بغير خلاف لأن ذلك شرط
فيهما.
"وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين أو بشاهد ويمين
العبد على روايتين" إحداهما: وجزم بها في
الوجيز أنه يحكم به قياسا على البيع.
والثانية : لا يحكم عليه بذلك لأن الغرض إثبات
الحرية وتكميل الأحكام فلا يثبت ذلك إلا
بشهادة عدلين كالنكاح والطلاق "وإذا قتل
المدبر سيده بطل تدبيره" لأنه قصد استعجال
العتق بالقتل المحرم فعوقب بنقيض قصده كمنع
الميراث بقتل المورث ولأن التدبير وصية فيبطل
بالقتل كالوصية بالمال ولا يلزم على هذا عتق
أم الولد لكونها آكد وحينئذ فلا فرق بين كون
القتل عمدا أو خطأ كما لا فرق بين حرمان الإرث
وإبطال وصية القاتل وإن قيل لا تبطل الوصية
بالموت فالتدبير أولى نظرا للعتق.
فرع: إذا جنى المدبر لم يبطل تدبيره ويباع في
الجناية وسيده بالخيار ومن لم يجوز بيعه أوجب
فداءه على سيده كأم الولد فإن مات سيده قبل
بيعه عتق وأرش جنايته في تركة سيده وإن فداه
سيده بقي تدبيره وإن باع بعضه بها فباقيه مدبر
وإن جنى على المدبر فأرش الجناية لسيده فإن
كانت الجناية على نفسه
(6/309)
.......................................
__________
وجبت قيمته لسيده وبطل التدبير بهلاكه لا يقال
قيمته قائمة مقامه كالعبد المرهون والموقوف
لأن كل واحد منهما لازم فتعلق الحق ببدله
والتدبير غير لازم لأنه يمكنه إبطاله بالبيع
وغيره فلم يتعلق الحق ببدله.
(6/310)
باب الكتابة
وهي بيع العبد نفسه بمال في ذمته وهي مستحبة
لمن يعلم فيه خيراً وهو الكسب والأمانة.
__________
باب الكتابة
سميت به لأن السيد يكتب بينه وبينه كتابا
بمااتفقا عليه وقيل: سميت به من الكتب وهو
الضم لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ومنه
سمي الحرز كتبا والكتيبة كتيبة لانضمام بعضها
إلى بعض وهو في الاصطلاح عتق على مال منجم
نجمين فصاعدا إلى أوقات معلومة لأن النجوم هي
الأوقات المختلفة إذا العرب كانت لا تعرف
الحساب وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم فسميت
الأوقات نجوما كما قال بعضهم:
إذا سهيل أول الليل طلع ... فابن اللبون الحق
والحق الجذع
" وهي بيع العبد" لو قال الرقيق لعم "نفسه
بمال في ذمته" هذا بيان لمعنى الكتابة شرعا
ويشترط فيه أن يكون مباحا معلوما يصح السلم
فيه منجما يعلم قسط كل نجم ومدته أو منفعته
مؤجلة والإجماع على مشروعيتها وسنده قوله
تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ
مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ
إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور:33]
وقوله عليه السلام: "من أعان غارما أو غازيا
أو مكاتبا في كتابته أظله الله في ظله يوم لا
ظل إلا ظله" رواه سهل بن حنيف فإذا كاتب رقيقه
وله مال فهو لسيده إلا أن يشترطه المكاتب في
قول أكثر العلماء وعنه: للرقيق.
"وهي مستحبة لمن يعلم فيه خيرا" للنص "وهو
الكسب والأمانة" في ظاهر .
(6/310)
وعنه أنها
واجبة إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها وهل
تكره كتابة من لا كسب له؟ على روايتين. ولا
تصح إلا من جائز التصرف.
__________
المذهب وأسقط الأمانة في الواضح والموجز
والتبصرة.
"وعنه: أنها واجبة إذا ابتغاها بقيمته من سيده
أجبر عليها " اختاره أبو بكر ذكره الحلواني
لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ
فِيهِمْ خَيْراً} والأمر للوجوب وقد روى محمد
بن سيرين أن أباه سيرين كان عبدا لأنس بن مالك
فسأله أن يكاتبه فأبى عليه فأخبر سيرين عمر بن
الخطاب فرفع الدرة عليه وقرأ الآية فكاتبه أنس
وقدم في الروضة الإباحة والمشهور الأول لأنه
إعتاق بعوض فلم يجب عليه كالاستسعاء والآية
محمولة على الندب وقول عمر يخالفه فعل أنس قال
أحمد: الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة
ونحو هذا قول جماعة. وقال الشافعي: هو قوة على
الكسب والأمانة وفسره به المؤلف وغيره وهو
بمعنى الأول. وقال ابن عباس: غناء وإعطاء
للمال ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا
تجب إجابته.
"وهل تكره كتابة من لا كسب له على روايتين" :
إحداهما وهي ظاهر كلام أحمد والمذهب أنها تكره
وهو قول ابن عمر ومسروق والأوزاعي لأن فيها
إضرارا بالمسلمين وجعله كلا وعيالا عليهم مع
تفويت نفقته الواجبة على سيده.
والثانية : وهي قول أكثر العلماء لا تكره لأن
بريرة كاتبت ولا حرفة لها ولم ينكر ذلك رسول
الله صلى الله عليه وسلم احتج به ابن المنذر
وقال المؤلف: إن كان يجد من يكفيه مؤونته لم
تكره وإلا كرهت لكن ذكر ابن هبيرة أن الأمة
إذا كانت لا كسب لها فإنها تكره لها إجماعا
"ولا تصح إلا من جائز التصرف" لأنها عقد
معاوضة فلم يصح من غير جائز التصرف كالبيع.
(6/311)
وإن كاتب
المميز عبده بإذن وليه صح ويحتمل أن لا يصح
وإن كاتب السيد عبده المميز صح ولا تصح إلا
بالقول وتنعقد بقوله كاتبتك على كذا وإن لم
يقل :فإذا أديت إليّ فأنت حر.
__________
"وإن كاتب المميز عبده بإذن وليه صح" لأن تصرف
المميز بإذن وليه صحيح في غيرالكتابة فكذا
فيها "ويحتمل ألا يصح" لأنه غيرمكلف كالمجنون
وبناه في الشرح على أنه لا يصح بيعه بإذن وليه
ولأنه عقد إعتاق فلم يصح منه كالعتق بغير مال
وكما لو كان بغير إذن وليه وإن كاتب المكلف
عبده الطفل أو المجنون لم يصح لكن إذا قال إذا
أديتما الي فأنتما حران عتقا بالأداء صفة لا
كتابة وما في أيديهما لسيدهما وإن لم يقل
فوجهان واختار القاضي العتق "وإن كاتب السيد
عبده المميز صح" لأنه مميز والمصلحة له في
العتق بخلاصه من الرق كالبالغ.
فرع : وإذا كاتب الذمي عبده ثم أسلما صح لأنه
عقد معاوضة أو عتق بصفة وكلاهما صحيح وإن أسلم
مكاتب الذمي لم تنفسخ الكتابة ولا يجبر على
إزالة ملكه فإن عجز أجبر فإن اشترى مسلما
وكاتبه لم تصح الكتابة لأنها لا تزيل الملك
وقال القاضي: تصح وإن دبره لم يصح وإن كاتب
الذمي عبده الذي أسلم في يده صح وإن كاتب
الحربي عبده صح سواء كان في دار الحرب أو دار
الإسلام وقال بعض الأئمة لا لأن ملكه ناقص
وجوابه قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ
أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} [الأحزاب:27] وهذه
الإضافة تقتضي صحة أملاكهم فتقتضي صحة
تصرفاتهم.
"ولا تصح إلا بالقول" لأنها إما بيع وإما
تعليق للعتق على الأداء وكلاهما يشترط له
القول "وتنعقد بقوله: كاتبتك على كذا" لأنه
لفظها الموضوع لها فانعقدت به كلفظ النكاح
ويشترط معه قبوله ذكره في الموجز والتبصرة
والترغيب وغيرها.
"وإن لم يقل" ذلك بل قال: "فإذا أديت إلي فأنت
حر" لأنه صريح في
(6/312)
ويحتمل أن
يشترط قوله أو نيته ولا تصح إلا على عوض معلوم
منجم نجمين فصاعدا يعلم قدر ما يؤدي في كل نجم
وقيل: تصح على نجم واحد.
__________
الكتابة فانعقد به كصريح البيع ونحوه "ويحتمل
أن يشترط قوله" هذا وجه في الترغيب وهو رواية
في الموجز والتبصرة وقيل: أو نيته لأن الكتابة
في المعنى تعليق العتق على الأداء فلا بد من
التلفظ به أو نيته ويشترط أن تكون في الصحة
فإن كاتبه في مرضه المخوف اعتبر من ثلثه وقال
ابو الخطاب: في رؤوس المسائل من الكل لأنه عقد
معاوضة كالبيع والأول أولى "ولا تصح إلا على
عوض" مباح "معلوم منجم نجمين" لأنها عقد
معاوضة كالبيع ومن شرطه أن يكون مؤجلا لأن
جعله حالا يفضي إلى العجز عن أدائه وفسخ العقد
مع أن جماعة الصحابة عقدوها كذلك ولو جازت
حالة لفعل.
"فصاعدا" قال الإمام أحمد: من الناس من يقول:
نجم واحد ومنهم من يقول: نجمان ونجمان أحب إلي
فظاهره أنه لا يجوز أقل من نجمين لأن الكتابة
مشتقة من الضم فوجب افتقارها إلى نجمين ليحصل
الضم وروي عن عثمان وعلي وفي الشرح إنه قياس
المذهب. "يعلم قدر ما يؤدي في كل نجم" لئلا
يؤدي إلى المنازعة وسواء ساوت المدة أو اختلفت
وعليه في توقيتها بساعتين أم يعتبر ما له وقع
في القدرة على الكسب فيه خلاف في الانتصار.
"وقيل: تصح على نجم واحد" قال ابن أبي موسى
لأنه عقد يشترط فيه التأجيل فجاز إلى أجل واحد
كالسلم ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم
عنده ويحصل ذلك بالنجم الواحد وفي الترغيب في
كتابة من نصفه حر كتابة حالة وجهان وفي الكافي
والأحوط نجمان فصاعدا انتهى فإن قال يؤدي إلي
في كل عام مائة جاز ويكون أجل كل مائة عند
انقضاء السنة وظاهر قول القاضي أنه لا يصح ورد
بقول بريرة كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام
أوقية فإن الأجل إذا تعلق بمدة تعلق بأحد
طرفيها فإن كان بحرف إلى تعلق بأولها كقوله
إلى شهر رمضان وإن كان
(6/313)
و قال القاضي:
تصح على عبد مطلق وله الوسط وتصح على مال
وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت وإذا أدى ما
كوتب عليه أو أبرىء منه عتق،
__________
بحرف في كان إلى آخرها لأنه وقتا لأدائها.
"وقال القاضي" وأصحابه "تصح على عبد مطلق"
صححه ابن حمدان كمهر لأن العتق لا يلحقه الفسخ
فجاز أن يكون الحيوان المطلق فيه عوضا كالعقل
وذكر أبو بكر أنه لايصح لأن ما لا يجوز أن
يكون عوضا في البيع والإجارة لا يجوز أن يكون
عوضا في الكتابة كالثواب المطلق ويفارق العقل
لأنه بدل متلف مقدر في الشرع وهنا عوض مقدر في
عقد أشبه البيع ولأن الحيوان المطلق لا تجوز
الكتابة عليه بغير خلاف نعلمه إنما الخلاف في
العبد المطلق.
"وله الوسط" وهو السندي لأنه كذلك عقده في
النكاح والخلع فكذا هنا "وتصح على مال وخدمة"
لأن كلا منهما يصح أن يكون عوضا في غيرالكتابة
فليكن فيها كذلك "سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت"
لأن تقدمها وتأخرها لا يخرجها عن كونها صالحة
للعوض وظاهره: أنها تصح على الخدمة الحالة لا
المال فإن المنع منه في المال إنما كان لئلا
يتحقق عجزه عن أداء العوض وهو مفقود في الخدمة
فإن كاتبه في الشهر القابل صح كالمحرم في ذي
الحجة ولو قدمها فأولها عقيب العقد مع الإطلاق
ولو كاتبه على خدمة شهر ودينار ومحله سلخ
الشهر أو في أثنائه أو عيناه وجهان لاتحاد
المدة وإن شرطه بعد الشهر بيوم أو أكثر صح وإن
شرطه حالا فلا.
"وإذا أدى ما كوتب عليه" فقبضه هو أو ولي
مجنون ولو من مجنون قاله في الترغيب "أو أبرىء
منه" والأصح أو بعض ورثته الموسر من حقه "عتق"
لأنه لم يبق لسيده عليه شيء ولا يعتق قبل أداء
جميع الكتابة في ظاهر كلام الخرقي لما روى
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال:
"المكاتب عبد ما بقي عليه
(6/314)
وما فضل في يده
فهو له وعنه: أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا
ويجبر على أدائه فلو مات قبل الأداء كان ما في
يده لسيده في الصحيح عنه وعلى الرواية الأخرى
لسيده بقية كتابته والباقي لورثته.
__________
درهم" رواه أبو داود دل بمنطوقه أنه لا يعتق
حتى يؤدي جميع كتابته وبمفهومه أنه إذا أداها
لايبقى عبدا.
"وما فضل في يده فهو له" لأنه مالك له بدليل
صحة تصرفه فيه قبل العتق "وعنه: أنه إذا ملك
ما يؤدي صار حرا" لما روت أم سلمة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لإحداكن
مكاتب له ما يؤدي فلتحتجب منه" رواه الخمسة
وصححه الترمذي وهو من رواية نبهان مولى أم
سلمة وثقه ابن حبان وتكلم فيه ابن عبد البر
فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ولأنه
مالك لمال الكتابة أشبه ما لو أداه.
"ويجبر على أدائه" أي: إذا امتنع من الأداء
أجبره الحاكم كسائر الديون الحالة القادر
عليها فإن هلك ما في يده قبل أدائه صار دينا
في ذمته مع حريته والصحيح الأول هو قول أكثر
أهل العلم ولأنه علق عتقه بعوض فلم يعتق قبل
الأداء كما لو قال إذا أديت إلي ألفا فعليها
إن أدى عتق وقيمته لسيده على قاتله وإن لم يؤد
لم يعتق وإن امتنع من الأداء فقال أبو بكر
يؤديه الإمام عنه ولا يكون ذلك عجزاولا يملك
السيد الفسخ في الاصح ويملك تعجيزه نفسه مع
قدرته على الكسب ولا يملكه إن ملك وفاء على
الأصح.
" فلو مات قبل الأداء " مات رقيقا وانفسخت
الكتابة "كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه"
أي: إذا مات عن وفاء و قلنا: لا يعتق بملكه
انفسخت الكتابة في الصحيح عنه وإن أعتق وارث
موسر حقه سرى في الأصح وضمن حق بقية الورثة
وإن أبرىء من بعض النجوم لم يعتق منه شيء في
الأصح.
"وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته
والباقي لورثته" أي: يعتق ويموت
(6/315)
وإذا عجلت
الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق
ويحتمل أن لا يلزمه إذا كان في قبضه ضرر.
__________
حرا فتكون لسيده بقية كتابته والباقي لورثته
روي عن علي وابن مسعود ومعاوية وهو قول أكثر
أهل العلم و قال القاضي: يكون حرا في آخر جزء
من حياته لأنها عقد معاوضة فلم تنفسخ بالموت
كالبيع والأول أولى وتفارق الكتابة البيع لأن
كل واحد من غيرمعقود عليه ولا يتعلق بعينه فلم
ينفسخ بتلفه بخلاف الكتابة فإن مات ولم يخلف
وفاء فلا خلاف في المذهب بين أنها تنفسخ ويموت
رقيقا وما في يده لسيده وهو قول أكثر أهل
الفتوى إلا أن يموت بعد أداء ثلاثة أرباع مال
الكتابة ففيه خلاف يأتي.
"وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ
وعتق" هذا هو المنصوص عن أحمد " ويحتمل أن لا
يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر" هذا رواية أنه
لايلزمه قبول المال إلا عند نجومه لأن بقاء
المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ولم يرض
بزواله فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم
يعتق قبل وجوده والصحيح في المذهب الأول وأطلق
أحمد والخرقي قولهما فيه وهو مقيد بما لاضرر
في قبضه قبل محله كالذي لا يختلف قديمه ولا
حديثه ولا يحتاج إلى مؤنة و قال القاضي:
المذهب عندي أن فيه تفصيلا ذكرناه في السلم
واختار أبو بكر أنه يلزمه قبوله من غير تفصيل
اعتمادا على إطلاق أحمد والخرقي رواه سعيد عن
عمر وعثمان ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فإذا
قدمه فقد رضي بإسقاط حقه فسقط كسائر الحقوق لا
يقال إذا علق عتق رقيقه على فعل في وقت ففعله
في غيره لا يعتق لأنه ملك صفة مجردة لا يعتق
إلا بوجودها والكتابة معاوضة يبرأ فيها بأداء
العوض فافترقا.
فرع : لو أحضر مال الكتابة أو بعضه ليسلمه
فقال السيد هو حرام وأنكره المكاتب قبل قوله
ووجب قبضه ويعتق وإن أقام السيد بينة بتحريمه
لم يجز له أخذه وإلا فله تحليف عبده أنه حلال
فإن نكل حلف سيده وله قبضه من دين آخر عليه
وتعجيزه وفي تعجيزه قبل أخذ ذلك عن
(6/316)
ولا بأس أن
يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته وإذا
أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيبا فله أرشه أو
قيمته ولا يرتفع العتق.
__________
جهة الدين وجهان وإن حلف العبد قيل لسيده إما
أن تأخذه أو تبرىء منه فإن أبى أخذه الحاكم.
"ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض
كتابته" مثل أن يكاتبه على نجمين إلى سنة ثم
قال عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي أو قال
صالحني على خمسمائة معجلة جاز ذلك وهو قول
طاووس والزهري لأن مال الكتابة غير مستقر ولا
هو من الديون الصحيحة لأنه لا يجبر على أدائه
ولا تصح الكفالة به وإنما جعل الشرع هذا العقد
وسيلة إلى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في
تحصيل العتق وتخفيفا عن المكاتب وإذا أمكنه
التعجيل على وجه يسقط عنه بعض ما عليه كان
أبلغ في حصول العتق وإن اتفقا على الزيادة في
الدين والأجل لم يجز وفيه احتمال فعلى هذا لو
اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما قبل التعجيل صح
رجوعه.
فرع : إذا صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير
جنسه صح إلا أنه لا يجوز أن يصالحه على كل شيء
مؤجل لأنه يكون بيع دين بدين وإن صالحه عن أحد
النقدين بالآخر أو عن الحنطة بشعير لم يجز
التفرق قبل القبض لأنه بيع في الحقيقة و قال
القاضي: لا تصح هذه المصالحة مطلقا لأن هذا
دين من شرطه التأجيل وقال ابن أبي موسى: لا
يجري الربا بين المكاتب وسيده فعلى قوله تجوز
المصالحة كيف ما كانت كعبده القن وسيده والأول
أولى. "وإذا أدى وعتق فوجد السيد بالعوض عيبا
فله أرشه أو قيمته ولا يرتفع العتق" إذا بان
بالعوض عيب فأمسكه استقر العتق لأن إمساكه
المعيب راضيا به رضى منه بإسقاط حقه فجرى مجرى
إبرائه إن اختار إمساكه وأخذ أرش العيب فله
ذلك وإن رده أخذ عوضه وهو المراد بقوله أو
قيمته قال أبو بكر وقياس قول أحمد إنه لا يبطل
العتق لأنه إتلاف فإذا حكم بوقوعه لم
(6/317)
فصل
ويملك المكاتب أكسابه ومنافعه والبيع والشراء
والإجارة والاستئجار والسفر وأخذ الصدقة
والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه
صلاح المال.
__________
يبطل أشبه الخلع.
وقال القاضي: يتوجه أن له الرد ويحكم بارتفاع
العتق لأن الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ
بالتراضي كالمبيع أما إذا دفع مال الكتابة
فبان مستحقا تبينا أن العتق لم يقع لأن وجود
هذا الدفع كعدمه لأنه لم يؤد الواجب عليه.
فصل
"ويملك المكاتب أكسابه ومنافعه والبيع
والشراء" بالإجماع لأن عقد الكتابة لتحصيل
العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه وهو متعذر إلا
بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات
الاكتساب فإنه قد جاء في الأثر أن تسعة أعشار
الرزق في التجارة.
"والإجارة والاستئجار" كالبيع "والسفر" قريبا
كان أو بعيدا لأنه من أسباب الكسب وقد أطلق
القول فيه وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل
نجوم كتابته قبل قدومه كالغريم الذي يحل الدين
عليه قبل مدة سفره.
"وأخذ الصدقة" واجبة كانت أو مستحبة لأن الله
تعالى أذن للمكاتبين الأخذ من الواجبة
فالمستحبة أولى.
"والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه" لأن ذلك مما
لا غنى عنه والمراد بالولد أي: التابع له
كولده من أمته فإن عجز ولم يفسخ سيده كتابته
فتلزم النفقة لسيده وللمكاتب النفقة على ولده
من أمه لسيده وفيه من مكاتبه لسيده احتمالان.
"وكل ما فيه صلاح المال" أي: يملك كل تصرف فيه
صلاح المال كأداء أرش
(6/318)
وإن شرط عليه
أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط
على وجهين وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا
يتبرع ولا يقرض ولا يحابي ولا يقتص من عبده
الجاني على بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا
بإذن سيده.
__________
الجناية وجريان الربا بينهما لأنه صار لما
بذله من العوض كالحر وله المطالبة بالشفعة
والأخذ بها من سيده ومن غيره وعكسه لو اشترى
المكاتب شقصا لسيده فيه شركة فله الأخذ
بالشفعة من المكاتب.
"وإن شرط أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح
الشرط على وجهين" أحدهما : إذا شرط عليه أن لا
يسافر فهو شرط باطل قاله القاضي وجمع لأنه
ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك
الاكتساب والثاني : وقاله أبو الخطاب وهو
الأصح انه يصح شرطه لأن له فيه فائدة: فلزم
كما لو شرط نقدا معلوما فعليه لسيده منعه منه
فإن سافر فله رده إن أمكنه وإلا ملك تعجيزه
ورده إلى الرق لأنه لم يف بشرطه وقيل: لا يملك
ذلك كإمكانه رده.
وأما إذا شرط عليه أن لا يسأل الناس فقال أحمد
قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم فظاهره أن
الشرط لازم وهو الأصح وأنه إن خالف مرة لم
يعجزه بخلاف المرتين فأكثر قال أبو بكر إذا
رآه يسأل الناس مرة في مرة عجزه كما إذا حل
نجم في نجم ولأن فيه غرضا صحيحا وهو أن لا
يكون كلا على الناس ولا يطعمه من صدقتهم
وأوساخهم وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط
لأنه تعالى جعل لهم سهما من الصدقة فلا يصح
الاشتراط حينئذ كما لا يصح شرط نوع من
التجارة.
فرع: إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب
والدين صحيح لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به
ويتعلق دينه بذمته لأنه في يد نفسه فليس من
السيد غرور بخلاف المأذون له.
" وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا يتبرع ولا
يقرض ولا يحابي ولايقتص من عبده الجاني على
بعض رقيقه ولا يعتق ولا يكاتب إلا بإذن سيده"
وفيه
(6/319)
....................................
__________
مسائل
الأولى: ليس للمكاتب أن يتزوج إلا بإذن السيد
في قول عامتهم وقيل: له ذلك بخلاف المكاتبة
لأنه عقد معاوضة كالبيع ورد بأنه يدخل في قوله
عليه السلام أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو
عاهر ولأن على السيد في ذلك ضررا لأنه يحتاج
أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه وربما عجز فيرق
ويرجع إليه ناقص القيمة أما إذا أذن سيده جاز
لمفهوم الخبر ولأن المنع لحقه فإذا أذن فقد
أسقط حقه مع أنه لو أذن للقن لصح فالمكاتب
أولى وعلم منه أنه لا يزوج عبده ولا أمته إلا
بإذن سيده على الأصح وعن القاضي له تزويج
الأمة فقط لأنه يأخذ عوضا في تزويجها ولنا أن
على السيد فيه ضررا وتلزمه نفقة امرأته ومهرها
وهي تملك الزوج بضعها وينقص قيمتها وتسلم
نفسها ليلا وكسبها لسيدها.
الثانية : إذا أذن له في التسري جاز لأن ملكه
ناقص قال الزهري لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من
التسري وعن أحمد المنع وعنه: عكسه ورد بأن على
السيد ضررا فمنع منه كالتزويج لكن لا يعتق
عليه لأن ملكه غيرتام وليس له بيعه لأنه ولده
ويكون موقوفا على كتابته فإن أدى عتق وعتق
الولد لأنه يملك أشبه الجزء وإن عجز عاد إلى
الرق.
الثالثة : ليس له استهلاك ماله ولا هبته بغير
خلاف نعلمه لأن حق السيد لم ينقطع عنه لأنه قد
يعجز فيعود إليه ويجوز بإذن سيده دفعا لضرره.
الرابعة : أنه لا يقرض إلا بإذن سيده لأنه
بفرضية أن لا يعود إليه بفلس أو موت المقترض
ولا شيء معه ولم يذكروا قرضه برهن.
الخامسة : أن لا يحابي بالمال إلا بإذن سيده
لأنه تبرع فمنع منه كالهبة ولأن في ذلك ضررا
على السيد.
السادسة ليس له أن يقتص من عبده الجاني على
بعض رقيقه إلا بإذن سيده؛
(6/320)
وولاء من يعتقه
ويكاتبه لسيده ولا يكفر بالمال وعنه: له ذلك
بإذن سيده وهل له أن يرهن أو يضارب بماله
يحتمل وجهين.
__________
لأنه إتلاف لماله باختياره ولما في ذلك من
الضرر و قال القاضي: له ذلك لأنه من مصالح
ملكه لأنه إذا لم يستوف منه صار وسيلة إلى
إقدام بعضهم على بعض.
السابعة : ليس له أن يكاتب بعض رقيقه إلا بإذن
سيده لأنه ليس له أن يعتق فلم يكن له أن يكاتب
كالمأذون له في التجارة.
"وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده" لأنه إذا ثبت
له الولاء على المكاتب فلأن يثبت على من أنعم
عليه المكاتب بطريق الأولى: وقيل: له إن عتق
"ولا يكفر بالمال" لأنه عبد لا تلزمه زكاة ولا
نفقة قريبه "وعنه: له ذلك بإذن السيد" صححها
في المغني وقدمها في الفروع لأن الحق للسيد
وقد أذن فيه قال ابن المنجا: وهذا الخلاف في
الجواز لا الوجوب لأنه لو وجب عليه التكفير
بالمال لكان عليه في ذلك ضرر لما فيه من
إفضائه إلى تفويت الحرية فلم يجب التكفير
بالمال كالتبرع "وهل له أن يرهن أو يضارب
بماله" أو يبيع نساء ولو برهن وهبته بعوض
وقوده من بعض رقيقه الجاني على بعضه إذا كفل
بعض بعضا وحده وعتقه بمال في ذمته وقوده لنفسه
ممن جنى على طرفه بلا إذن "يحتمل وجهين" كذا
في المحرر والفروع أحدهما لايجوز وجزم به في
الوجيز لما في ذلك من الضرر على السيد وربما
فيه غرر من حيث إنه أسلم ماله لغيره والثاني:
بلى لأن ذلك قد يكون سببا للربح أشبه
الاستدانة من غير رهن.
مسائل
الأولى: ليس له أن يحج إن احتاج إلى إنفاق
ماله فيه ونقل الميموني له أن يحج ما لم يحل
نجم وهو محمول على أنه لا يحج إلا بإذن سيده
قاله في المغني فإن أمكنه الحج من غير إنفاق
ماله فيجوز إذا لم يأت نجمه.
(6/321)
وليس له شراء
ذوي رحمه إلا بإذن سيده وقال القاضي: له ذلك
وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصى له بهم إذا
لم يكن فيه ضرر بماله ومتى ملكهم لم يكن له
بيعهم وله كسبهم وحكمهم حكمه فإن عتق عتقوا
وإن رق صاروا رقيقا للسيد،
__________
الثانية : لا يجوز هديه للمأكول وإعارة دوابه
والتوسعة عليه في النفقة ويحتمل الجواز ولا
يضمن قال الحلواني له إطعام الطعام لضيفانه
وإعارة أواني منزله مطلقا.
الثالثة : إذا شرط الخدمة فله ذلك وإلا فلا
نقله الميموني وفي الانتصار يستمتع بجاريته
ويستخدمها ويتصرف بمشيئته إلا بتبرع.
"وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده" اختاره
أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنه تصرف يؤدي
إلى إتلاف ماله فإنه يخرج من ثلثه فلم يجز
كالهبة " وقال القاضي: له ذلك " رجحه في الشرح
وصححه ابن حمدان كتملكهم بالوصية والهبة إذ لا
ضرر في ذلك فإنه إن عجز فهم عبيد وإن عتق لم
يضر السيد عتقهم ومثله الفداء قاله في المنتخب
وفيه في الترغيب يفديه بقيمته ويصح شراء من
يعتق على سيده ذكره في الانتصار والترغيب فإن
عجز عتقوا.
"وله أن يقبلهم إذا وهبوا له أو وصى له بهم
إذا لم يكن فيه ضرر بماله" لأنه ليس في القبول
إتلاف مال ولا ضرر مع أنه سبب لتحصيل الحرية
بتقدير الأداء وذلك مطلوب شرعا "ومتى ملكهم لم
يكن له بيعهم" ولا إخراجهم عن ملكه لأن من
يعتق عليه ينزل منزله جزئه فلم يجز ذلك كبعضه
" وله كسبهم" لأنهم مماليكه "وحكمهم حكمه"
لأنهم تبع له "فإن عتق عتقوا" أي: لأنه إذا
أدى عتق وكمل ملكه فيهم فعتقوا حينئذ وولاؤهم
له دون سيده واختار في المغني انهم يعتقون
بإعتاق سيده لهم وإن أعتقهم المكاتب بإذن سيده
عتقوا.
"وإن رق صاروا رقيقا للسيد" ونفقتهم على
المكاتب لأنهم عبيده فإن
(6/322)
وكذا الحكم في
ولده من أمته وولد المكاتبة الذي ولدته في
الكتابة يتبعها وإن اشترى المكاتب زوجته انفسخ
نكاحها وإن استولد أمته فهل تصير أم ولد على
وجهين.
فصل
ولا يملك السيد شيئا من كسبه،
__________
أعتقهم السيد لم يعتقوا لأنهم ليسوا عبيدا له
"وكذا الحكم في ولده من أمته" لأنه من ذوي
رحمه فكان حكمه حكمه.
"وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها"
لأن الكتابة سبب للعتق فسرى إلى الولد
كالاستيلاد فإن عتقت بالأداء أو الإبراء عتق
وسواء كان حملا حال الكتابة أو حدث بعدها فأما
قبل الكتابة فلا يتبعها لأنه لو باشرها بالعتق
لم يتبعها ولدها فلأن لا يتبعها في الكتابة
بطريق الأولى.
فرع : قيمة الولد إن تلف وكسبه وأرش الجناية
عليه لأمه ونفقته عليها وإن ماتت أمه عاد
رقيقا فإن خلف وفاء انبنى على فسخ الكتابة وإن
عتقت بغير الأداء أو الإبراء لم يعتق ولدها في
الأصح وإن أعتق السيد ولدها دونها صح نص عليه
و قال القاضي: لا وولد بنتها كبنتها وولد
ابنها حكمه حكم أمه.
"وإن اشترى المكاتب زوجته" أو المكاتبة زوجها
صح لأنه يملك التصرف فيه وإذا ملك أحدهما
صاحبه "انفسخ نكاحها" لأنه لايجتمع ملك اليمين
وملك النكاح ولو زوج ابنته من مكاتبه فمات
السيد قبل عتقه انفسخ النكاح "وإن استولد أمته
فهل تصيرأم ولد يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين"
المذهب أنها تصير أم ولد له يمتنع عليه بيعها
لأنها مستولدته أشبهت مستولدة الحر والثاني:
لا لأنها حملت بمملوك في غير ملك تام.
فصل
"ولا يملك السيد شيئا من كسبه" لأنه اشترى
نفسه ولا يبقى ذلك لبائعه
(6/323)
ولا يبيعه
درهما بدرهمين وإن جنى فعليه أرش جنايته وإن
حبسه مدة فعليه أرفق الأمرين به من إنظاره مثل
تلك المدة أو أجرة مثله وليس له أن يطأ
مكاتبته إلا أن يشترط وإن وطئها ولم يشترط أو
وطىء أمها فلها عليه المهر ويؤدب ولايبلغ به
الحد وإن شرط وطأها فلا مهر لها عليه،
__________
كسائر المبيعات ولأن الملك الواحد لا يتوارد
عليه ملكان في وقت واحد "ولا يبيعه درهما
بدرهمين" لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي فيحرم
الربا بينهما في الأصح إلا في مال الكتابة
"وإن جنى فعليه" فلا قصاص لكن يجب عليه "أرش
جنايته" لأنه معه كالأجنبي ولا يجب إلا
باندمال الجرح فإن قتل فهدر "وإن حبسه مدة"
وظاهر كلام المؤلف أو منعه مدة "فعليه" أي:
على السيد "أرفق الأمرين به من إنظاره مثل تلك
المدة" لأن ذلك نظير ما فاته مثل "أوأجرة
مثله" لأنه فوت منافعه فلزمه عوضها كالعبد
وقيل: يلزمه أرفقهما بمكاتبه لأنه وجد سببها
فكان له أنفعهما فإن قهره أجنبي لزمه أجرة
مثله وإن قهره أهل الحرب لم يلزم السيد إنظاره
لأن الحبس ليس من جهته.
"وليس له أن يطأ مكاتبته" لأنه زال ملكه عن
استخدامها وأرش الجناية عليها فمنع من وطئها
كالمعتقة "إلا أن يشترط" فله ذلك نص عليه
ونصره في الشرح لبقاء أصل الملك كراهن يطأ
بشرط ذكره في عيون المسائل والمنتخب وعنه: لا
اختاره أبو الخطاب واختاره ابن عقيل وفي الشرح
وقيل: له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها عن
الكسب "وإن وطئها ولم يشترط أو وطىء أمها فلها
عليه المهر" ولأنه عوض شيء مستحق للكتابة فكان
لها كبقية منافعها وسواء أكرهها عليه أو
طاوعته لأنه عوض منفعتها فوجب لها كأجرة
خدمتها وقيل: إن طاوعته فلا "ويؤدب" لأنه وطىء
وطئا محرما "ولا يبلغ به الحد" لأن الحد يدرأ
بالشبهات والمكاتبة مملوكة في قول عامتهم وإن
كان أحدهما عالما تحريم ذلك والآخر جاهلا عزر
العالم وعذر الجاهل.
"وإن شرط وطأها فلا مهر لها عليه" لما تقدم من
صحة اشتراط وكذا لا
(6/324)
ومتى ولدت منه
صارت أم ولد له وولده حر فإن أدت عتقت فإن مات
قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابها وما في
يدها لها إلا أن يكون بعد عجزها وقال أصحابنا
هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إذا أعتق
المكاتب سيده.
__________
تعزير عليه لأنه وطىء ملكه فإن أولدها بشرط
صارت أم ولد له وهو حر يلحقه نسبه ولايلزمه
قيمته لأنها وضعته في ملكه ولاتبطل كتابتها
بذلك.
أصل
ليس له وطء بنت مكاتبته فإن وطئها عزر ومهرها
حكمه حكم كسبها يكون لأمها تستعين به في
كتابتها فإن أحبلها "ومتى ولدت منه صارت أم
ولد له " والولد حر يلحقه نسبه ولا تجب عليه
قيمتها ولا قيمة ولدها على الأشهر وليس له وطء
جارية مكاتبته ولا مكاتبه اتفاقا فإن فعل عزر
"وولده حر" يلحقه نسبه وتصير أم ولد له وعليه
قيمتها ومهرها لسيدها ولا تجب قيمة ولدها على
الأصح "ومتى ولدت منه صارت أم ولد له وولده حر
فإن أدت عتقت" بالكتابة لأنها عقد لازم من جهة
سيدها وما فضل من كسبها فهو لها وإن عجزت وردت
إلى الرق بطل حكم كتابتها وبقي حكم الاستيلاد
منفردا وما في يدها لورثة سيدها "فإن مات"
السيد قبل عجزها "قبل أدائها عتقت" لأنها أم
ولده وقد اجتمع لها شيئا يقتضيان العتق فأيهما
سبق عتقت به "وسقط ما بقي من كتابتها" لأنها
عتقت بغير الكتابة "وما في يدها لها" ذكره
القاضي وابن عقيل لأن العتق إذا وقع في
الكتابة لا يبطل حكمها ولأن الملك كان ثابتا
لها والعتق لايقتضي زواله عنها أشبه ما لو
عتقت بالإبراء من مال الكتابة.
"إلا أن يكون بعد عجزها" فيكون للسيد لأنها قد
عادت إلى ملكه بالعجز "وقال أصحابنا" أي: أكثر
"هم هو لورثة سيدها" لأنها عتقت بحكم
الاستيلاد فأشبه غير الكتابة "وكذلك الحكم
فيما إذا أعتق المكاتب سيده" لأن عتقه
بالمباشرة
(6/325)
وإن كاتب اثنان
جاريتهما ثم وطئاها فلها المهر على كل واحد
منهما وإن ولدت من أحدهما صارت أم ولد له
ويغرم لشريكه نصف قيمتها وهل يغرم نصف قيمة
ولدها على روايتين.
__________
كعتقها بالاستيلاد فوجب استواؤهما في الحكم
لكن في المغني والكافي يحتمل أن يفرق بينهما
من حيث أن الإعتاق عنه يكون برضى في العتق
فيكون رضى منه بإعطائها مالها والعتق
بالاستيلاد يحصل بغير رضى الورثة واختيارهم
فلا يتبع المكاتب شيئا من ماله.
"وإن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئاها فلها
المهر على كل واحد منهما" لأن الوطء يوجب
المهر وقد وجد ذلك منهما فإن كانت بكرا حين
وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب
فإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها
وقيل: يلزمه قدر نقصها و قال القاضي: يلزمه
قيمتها وهذا مبني على الواجب في إفضاء الحر.
"وإن ولدت من أحدهما" أدب ولا حد عليه لشبهة
الملك ثم إن ولدت منه " صارت أم ولد له" لأنها
علقت بحر في شيء يملك بعضه وذلك موجب للسراية
لأن الاستيلاد أقوى من العتق بدليل صحته من
المجنون وينفذ من جارية ابنه ومن رأس المال في
المرض.
"ويغرم لشريكه نصف قيمتها" قنا لأنه فوت عليه
رقها بصيرورتها أم ولد فإن كان موسرا أداه وإن
كان معسرا ففي ذمته هذا ظاهر الخرقي لأن
الإحبال أقوى من العتق وفي ضمان نصف مهرها
وجهان والوجه الثاني عليه نصفها مكاتبا ولها
كل المهر.
"وهل يغرم نصف قيمة ولدها على روايتين"
أظهرهما: لايلزمه لأنها وضعته في ملكه والولد
حر و الثانية: وصححها القاضي على المذهب لأنه
كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكا لشريكه
فقد أتلف رقه عليه واختار أبو بكر أنها إن
وضعته بعد التقويم فلا شيء على
(6/326)
وإن أتت بولد
فألحق بهما صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت
أحدهما وباقيها بموت الآخر وعند القاضي لا
يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن
يعجز فينظر حينئذ فإن كان موسرا قوم على نصيب
شريكه وإلا فلا.
فصل
ويجوز بيع المكاتب،
__________
الواطيء وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته
"وإن أتت بولد فألحق بهما صارت أم ولد لهما"
لأن الولد منسوب إليهما "يعتق نصفها بموت
أحدهما وباقيها بموت الآخر" لأنه الذي يملكه
كل منهما " وعند القاضي: لا يسري استيلاد
أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن يعجز" لأن
المكاتبة انعقد فيها سبب الحرية ولمكاتبها
عليها الولاء وفي السراية إبطال لذلك " فينظر
حينئذ" لأن له حالة يسري فيها وحالة لا يسري
فيها.
"فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه" لأن
استيلاد الموسر موجب للسراية في الرقيق وحينئذ
فنصفها أم ولد ونصفها موقوف فإن أدت عتقت وإن
عجزت فسخت الكتابة وقومت على الواطىء وصار
جميعها أم ولد "وإلا فلا" أي: إذا كان الواطىء
معسرا لم يسر إحباله إلى نصيب شريكه لأنه
إعتاق فلم يسر مع الإعسار كالقول ويصير نصفها
أم ولد فإن عجزت استقر الرق في نصفها وثبت حكم
الاستيلاد لنصفها.
فصل
"ويجوز بيع المكاتب" نصره في الشرح وقدمه في
الفروع وجزم به في الوجيز لما روت عائشة قالت
جاءت بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق
في كل عام أوقية فأعينيني قالت عائشة إن أحب
أهلك أن أعدها لهم عدة ويكون ولاؤك لي فعلت
فعرضت ذلك عليهم فأبوا فذكرت عائشة ذلك
(6/327)
ومشتريه يقوم
مقام المكاتب فإن أدى إليه عتق وولاؤه له وإن
عجز عاد قنا له وإن لم يعلم أنه مكاتب فله
الرد أو الأرش وعنه: لا يجوز بيعه،
__________
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا
يمنعك ذلك ابتاعي وأعتقي" متفق عليه.
قال ابن المنذر: بيعت بريرة بعلم النبي صلى
الله عليه وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ولا
وجه لمن أنكره ولا أعلم خبرا يعارضه ولا أعلم
في شيء من الأخبار دليلا على عجزها وتأوله
الشافعي على أنها كانت قد عجزت وليس في الخبر
ما يدل عليه بل قولها أعينيني دليل على بقائها
على الكتابة.
"ومشتريه يقوم مقام المكاتب" لأنه بدل عنه
وفيه إشعار بأن الكتابة لا تنفسخ بالبيع وهو
كذلك بغير خلاف نعلمه لأنها عقد لازم فلم
تنفسخ به كالنكاح وحكاه ابن المنذر إجماعا إذا
كان ماضيا فيها مؤديا ما يجب عليه من نجومه في
أوقاتها "فإن أدى إليه عتق" دون ولده "وولاؤه
له وإن عجز عاد قنا له" لأن حكمه مع بائعه
كذلك "وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد " وأخذ
الثمن أو الإمساك مع "الأرش" لأن الكتابة نقص
لأنه لايقدر على التصرف فيه وقد انعقد سبب
الحرية فيه أشبه الأمة المزوجة "وعنه: لا
يجوز" بيعه لأنه عقد يمنع استحقاق الكسب فمنع
البيع كالذي لا نفع فيه وعنه: المنع بأكثر من
كتابته لا بقدرها حكاها ابن أبي موسى وفي
الواضح في مدبر كذلك أي: على الخلاف كعبد أوصى
بمنفعته وحكم الوصية به وهبته كبيعه وعنه:
المنع من هبته قصرا على المورد فأما وقفه فلا
يجوز لانتفاء الاستقرار.
فرع : لايصح بيع الدين على المكاتب من نجومه
لدين السلم فإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه
فقيل يعتق ويبرأ المكاتب من مال الكتابة ويرجع
السيد على المشتري بما قبضه وقيل: لا يعتق
رجحه في الشرح ومال الكتابة باق في ذمة
المكاتب ويرجع المكاتب على المشتري بما دفعه
إليه ويرجع المشتري على البائع فإن سلم
المشتري إلى البائع لم يصح تسليمه لأنه قبضه
بغير إذن المكاتب أشبه ما لو أخذه من ماله
بغير إذنه.
(6/328)
وإن اشترى كل
واحد من المكاتبين الآخر صح شراء الأول وبطل
شراء الثاني سواء كانا لواحد أو لاثنين وإن
جهل الأول منهما فسد البيعان وإن أسر العدو
المكاتب فاشتراه رجل فاحب سيده أخذه بما
اشتراه وإلا فهو عند المشتري مبقي على ما بقي
من كتابته،
__________
"وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر صح
شراء الأول" لأن التصرف صدر من أهله في محله
"وبطل شراء الثاني" لأن العبد لا يملك سيده
لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام لأن كل واحد يقول
لصاحبه أنا مولاك ولي ولاؤك وإن عجزت صرت لي
رقيقا "سواء كانا لواحد أو لاثنين" لأن العلة
كون العبد لا يملك سيده وهي موجودة هنا.
"وإن جهل الأول منهما فسد البيعان" اختاره
أكثر الأصحاب كنكاح الوليين إذا أشكل الأول
منهما ولا يحتاج ذلك إلى فسخ ولا إلى قرعة
وأجراه القاضي مجرى الوليين فعلى هذا يفسخ
الحاكم البيعين في رواية ويقرع بينهما في
أخرى.
"وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل فأحب سيده
أخذه بما اشتراه" أي: يأخذه سيده بما اشتراه
الغير وهو مبني على ما إذا استولى الكفار على
مال مسلم ثم استولى عليه المسلمون ثم وجده
صاحبه بعد القسمة وفيه خلاف سبق وهل يحتسب على
المكاتب بالمدة التي كان فيها عند الكافر فيها
وجهان رجح في الشرح أنه يحتسب بها "وإلا" أي:
وإن لم يحب سيده أخذه "فهو عند المشتري مبقي
على ما بقي من كتابته" لأن الكتابة عقد لازم
لا تبطل بالبيع فلأن لا تبطل بطريق الكسر أولى
يعتق بالأداء لأنه مكاتب قد أدى كتابته وولاؤه
له لأنه معتقه.
فرع : إذا قال لسيده أعتق مكاتبك على كذا ففعل
عتق ولزمه ما التزم به وفي الرعاية إذا أدى
حربي عن مكاتب دين الكتابة بلا إذنه لم يرجع
وإن قضى دينا آخر رجع به إن نواه.
(6/329)
فصل
وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه
مقدما على الكتابة وقال أبو بكر يتحاصان وإن
عتق فعليه فداء نفسه وإن عجز فلسيده تعجيزه إن
كانت الجناية عليه وإن كانت على أجنبي ففداه
سيده وإلا فسخت الكتابة وبيع في الجناية وإن
أعتقه السيد فعليه فداؤه،
__________
فصل
"وإن جنى على سيده أو أجنبي فعليه فداء نفسه"
أي: إذا جنى المكاتب جناية موجبة للمال تعلق
أرشها برقبته وقال قوم جنايته على سيده وقال
آخرون يرجع بها سيده فعلى الأول يبدأ بأداء
الجناية.
"مقدما على الكتابة" سواء حل نجم أو لا نص
عليه لأن جنايته تقدم على حق الملك إذا كان
قنا فعلى حقه في المكاتب أولى.
"وقال أبو بكر: يتحاصان" لأنهما اشتركا في
الاستحقاق فتساويا وكذا إن أقر بجناية "وإن
عتق فعليه فداء نفسه " أي: إذا أدى مبادرا
وليس محجورا عليه عتق واستقرالفداء ويكون
الأرش في ذمته فيضمن ما كان عليه قبل العتق
ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته
وإن عتقه السيد فعليه فداؤه لأنه أتلف محل
الاستحقاق أشبه ما لو قتله.
"وإن عجز فلسيده تعجيزه إن كانت الجناية عليه
" لأن الأرش حق له فكان له تعجيزه إذا عجز عنه
كمال الكتابة "وإن كانت على أجنبي ففداه سيده"
لأنه لو كان عبدا لملك فداه فكذا هنا "وإلا"
أي: وإن لم يفده " فسخت الكتابة وبيع في
الجناية" قنا نقله ابن منصور لأن حق المجني
عليه مقدم على حق السيد لأن أرش الجناية يتعلق
بعتق المكاتب بخلاف السيد فإن حقه متعلق
بالذمة ونقل الأثرم جنايته في رقبته يفديه إن
شاء قال أبو بكر وبه أقول.
"وإن أعتقه السيد فعليه فداؤه" أي: على السيد
فداء الجاني لأنه فوت
(6/330)
والواجب في
الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته
وقيل: يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة وإن
لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته يتبع بعد
العتق.
__________
تسليم الرقبة إلى المجني عليه فكان عليه فداؤه
كما لو قتله "والواجب في الفداء أقل الأمرين
من قيمته أو أرش جنايته" لأن الأقل إن كان
القيمة فهو لايستحق إلا الرقبة والقيمة بدل
عنها لأن حقه في المالية لا العين وإن كان
الأقل أرش الجناية فهو لايستحق أكثر منها لأن
الإنسان لايستحق أكثر مما جني عليه وعنه:
جنايته على أجنبي وعنه: وسيده بالأرش كله
"وقيل: يلزمه فداؤه بأرش الجناية كاملة" لأنه
تعذر تسليمه إلى المجني عليه أشبه ما لو جنى
الجاني وامتنع من تسليمه.
مسائل
الأولى : إذا جنى على سيده فيما دون النفس
عمدا فلسيده القصاص فإن عفي على مال أو كانت
موجبة له وجب لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي
ويفدي نفسه بما ذكرنا فإن اختار السيد تأخير
الأرش وتقديم مال الكتابة جاز ويعتق إذا أدى
خلافا لأبي بكر وحكم ورثة السيد مع المكاتب
حكم سيده معه فإن جنى جنايات استوفيت كلها فإن
كان بعضها موجبا للقصاص فلوليه الاستيفاء
ويبطل حقوق الآخرين فإن عفي إلى مال فكجناية
المال فإن أعتقه السيد أو فداه لزمه الأقل من
قيمته أو أرشها مجتمعة على الأشهر.
"وإن لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته" لا رقبته
ومقدمها محجور عليه لعدم تعلقها برقبته فلهذا
إن لم يكن بيده مال فليس لغريمه تعجيزه بخلاف
الأرش ودين الكتابة "يتبع بها بعد العتق" أي:
إذا عجز عنها لأن ذلك حال يساره وعنه: ويتعلق
برقبته قال في المحرر وهو أصح عندي فيتساوى
الإقدام ويملك تعجيزه ويشترك رب الدين والأرش
بعد موته لفوت الرقبة،
(6/331)
فصل
والكتابة عقد لازم من الطرفين لا يدخلها
الخيار ولا يملك أحدهما فسخها ولا يجوز
تعليقها على شرط مستقبل ولا تنفسخ بموت السيد
ولا جنونه ولا الحجر عليه ويعتق بالأداء إلى
سيده أو من يقوم مقامه من الورثة وغيرهم،
__________
وقيل: يقدم دين المعاملة ولغير المحجور تقديم
أي: دين شاء وذكر ابن عقيل وغيره أنه بعد موته
هل يقدم دين الأجنبي على السيد كحالة الحياة
أم يتحاصان فيه روايتان وهل تصرف سيده بدين
معاملة مع غريم فيه وجهان.
فصل
"والكتابة عقد لازم من الطرفين لا يدخلها
الخيار" ولأنها عقد معاوضة أشبه البيع "ولا
يملك أحدهما فسخها" كسائر العقود اللازمة "ولا
يجوز تعليقها على شرط مستقبل" كسائر عقود
المعاوضات وقيل: يصح العقد دون الشرط وكذا كل
شرط فاسد فيها "ولا تنفسخ بموت السيد" لا نعلم
فيه خلافا "ولا جنونه ولا الحجر عليه" لأنها
عقد لازم فلم تنفسخ بشيء من ذلك كالبيع ونقل
ابن هانىء إن أدى بعض كتابته ثم مات السيد
يحتسب من ثلثه ما بقي من العبد ويعتق.
"ويعتق بالأداء إلى سيده أو من يقوم مقامه من
الورثة وغيرهم" لأن الكتابة موضوعها العتق
بتقدير الأداء فإذا وجد وجب أن يترتب عليه ما
يقتضيه ولأنه انتقل إلى الورثة مع بقاء
الكتابة فهو كالأداء إلى مورثهم ويكون مقسوما
بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه وإذا عتق
بالأداء إلى الورثة فولاؤه لسيده اختاره
الخرقي وأبو بكر وهو قول أكثر الفقهاء ثم يختص
به عصبته وعنه: للورثة فعلى الأول إن باعه
الورثة أو وهبوه فاحتمالان وكذا يعتق بالإبراء
وفي الاعتياض وجهان قاله في الرعاية.
(6/332)
وإن حل نجم ولم
يؤده فللسيد الفسخ وعنه: لا يعجز حتى يحل عليه
نجمان وعنه: لا يعجز حتى يقول قد عجزت وليس
للعبد فسخها بحال وعنه: له ذلك.
ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح.
__________
"وإن حل نجم ولم يؤده فللسيد الفسخ" أي: فسخ
الكتابة قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز
لأنه حق له فكان له الفسخ كما لو أعسر المشتري
ببعض ثمن المبيع قبل قبضه "وعنه: لايعجز حتى
يحل عليه نجمان" هذا ظاهر الخرقي وكلام كثير
من الأصحاب لما روي عن علي قال لا يرد المكاتب
إلى الرق حتى يتوالى عليه نجمان ولأنه عقد
اعتبر فيه التنجيم لإرقاق العبد فيعتبر فيه ما
هو أرفق له وإذا قلنا: للسيد الفسخ لم تنفسخ
الكتابة بالعجز بل له مطالبة المكاتب بما حل
من نجومه والصبر عليه فإن اختار الصبر عليه لم
يملك العبد الفسخ بغير خلاف وإن اختار الفسخ
فله ذلك بغير حضور حاكم ولا تلزمه الاستنابة
لفعل ابن عمر رواه سعيد.
"وعنه: لا يعجز حتى يقول قد عجزت" حكاها ابن
أبي موسى لأن فوات العوض لا يتحقق بذلك وعنه:
إن أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق
ويتبع بما بقي ويلزمه إنظاره ثلاثا كبيع عوض
ومثله مال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه ودين
حال على مليء ومودع وأطلق جمع لا يلزم السيد
استيفاؤه قال في الفروع فيتوجه مثله في غيره.
"وليس للعبد فسخها بحال" بغير خلاف نعلمه قاله
في المغني لأنها سبب الحرية وفيها حق لله
تعالى وفي فسخها إبطال لذلك الحق "وعنه: له
ذلك" لأن العقد لحظه فملك فسخه كمرتهن
وكاتفاقهما وعلله ابن المنجا بأن معظم المقصود
له فإذا رضي بإسقاط حقه سقط وليس بظاهر.
"ولو زوج ابنته من مكاتبه" برضاها "ثم مات"
السيد أو ورث زوجته المكاتبة "انفسخ النكاح"
على المذهب فيعايا بها لأن زوجته تملكه أو
تملك سهما منه،
(6/333)
ويحتمل أن لا
ينفسخ حتى يعجز ويجب على سيده أن يؤتيه بربع
مال الكتابة إن شاء وضعه منه وإن شاء قبضه
فدفعه إليه،
__________
فانفسخ نكاحها كما لو اشترته.
ولا بد فيها من امور:
أحدها : أن الحرية ليست من شروط صحة النكاح.
وثانيها : أن يزوجها بإذنها
وثالثها: أن يكون وارثه فلو كان بينهما اختلاف
دين أو كاتب قاتله فالنكاح بحاله لأنها ما
ملكته ولا شيئا منه.
"ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز " لأنها لا ترثه
وإنما تملك نصيبها من الدين الذي في ذمته وفي
الانتصار نص في رواية ابن منصور أن الدين يمنع
انتقال ما يقابله إلى الورثة فعلى هذه الوصية
بمعين والكتابة تمنع الانتقال فلا فسخ وعلى
رواية أنه لا يمنع فتنعكس الأحكام والحكم في
سائر النساء كالحكم في البنت.
" ويجب على سيده أن يؤتيه" شيئا مما كوتب عليه
روي عن علي وابن عباس لقوله تعالى:
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي
آتَاكُمْ} [النور:33] قال ابن عباس المراد
إعطاؤه من الصدقة واختلف موجبه فقدرها إمامنا
"بربع مال الكتابة" رواه أبو بكر عن علي
مرفوعا وروي موقوفا وأوجبه الشافعي من
غيرتقدير واختلف أصحابه فمنهم من أوجب ما
اختاره السيد ومنهم من قال يقدره الحاكم
باجتهاده كالمتعة "إن شاء وضعه عنه وإن شاء
قبضه فدفعه إليه" لأن الغرض التخفيف عن
المكاتب ولأنه أبلغ في النصح وأعون على حصول
العتق فيكون أفضل من الإيتاء والآية تدل عليه
بطريق ال تنبيه: وفي الروضة رواية وقدمها لا
يجب إيتاء الربع والأمر في الآية للاستحباب
فعلى ما ذكره المؤلف إن أعطاه من جنس مال
الكتابة من غيره جاز ويلزمه قبولها وقيل: لا
وإن أعطاه من غير جنسه جاز له أخذه ولا.
(6/334)
فإن أدى إليه
ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع عتق ولم
تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه وظاهر
كلام الخرقي أنه لايعتق حتى يؤدي جميع
الكتابة.
__________
يلزمه في الأشهر ووقت الوجوب حين العتق وإن
مات السيد قبل إيتائه فهو دين في تركته.
" فإن أدى ثلاثة أرباع المال" وعنه: أو أكثر
"وعجز عن الربع عتق" ولسيده الفسخ في أنص
الروايتين فيهما وفي الترغيب في عتقه بالتقاص
روايتان ولم يذكر العجز وقال لو أبرأه من بعض
النجوم أو أداه لم يعتق منه على الأصح وأنه لو
كان على سيده بمثل النجوم عتق على الأصح.
"ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه"
ونسبه في الكافي إلى الأصحاب لعجزه عن ماوجب
دفعه إليه فوجب أن يعتق ولا تنفسخ الكتابة كما
لو لم يبق عليه شيء أصلا ولأنه عجز عن حق له
فلم تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية سيده
عليه وحينئذ يتبع بما بقي عليه اختاره ابو
بكر.
" وظاهر كلام الخرقي انه لايعتق حتى يؤدي جميع
الكتابة" اختاره ابن أبي موسى ورجحه في الشرح
وروى الأثرم عن عمر وابنه وزيد وعائشة أنهم
قالوا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ورواه أبو
داود مرفوعا ويجوز أن يتوقف العتق على أداء
الجميع وإن وجب رد البعض إليه كما لو قال إذا
أديت إلي ألفا فأنت حر ولله علي رد ربعها فإنه
لا يعتق حتى يؤديها وإن وجب عليه رد بعضها
وروي عن علي أنه قال يعتق بقدر ما أدى لحديث
ابن عباس رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
تنبيه : إذا عجز المكاتب أو رد في الكتابة
وكان في يده مال فهو لسيده إلا أن يكون من
صدقة مفروضة ففيه روايتان إحداهما هو لسيده و
الأخرى يجعل في المكاتبين واختار أبو بكر
والقاضي يرد إلى أربابه وهو قول إسحاق ولو قال
لمكاتبه متى عجزت بعد موتي فأنت حر فهذا تعليق
للحرية على صفة تحدث
(6/335)
فصل
وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد صح
ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم ويكون كل
واحد منهم مكاتبا بقدر حصته يعتق بأدائها
ويعجز بالعجز عنها وحده.
__________
بعد الموت وفيه خلاف فعلى الصحة إن ادعى العجز
قبل حلول النجوم لم يعتق لأنه لم يجب عليه شيء
يعجز عنه.
فرع : إذا كاتبه ثم أسقط عنه مال الكتابة برىء
وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب
عليه إيتاؤه وكذا لو أسقط عنه القدر الذي
يلزمه إيتاؤه واستوفي الباقي لم يلزمه شيء
وخرجه بعض أصحابنا على الخلاف في الصداق ولا
يصح بدليل ما لو قبضه السيد منه ثم أتاه ولم
يرجع عليه بشيء بخلاف الصداق.
مسألة : إذا كاتب ثلاثة عبدا فادعى الأداء
إليهم فصدقه اثنان وأنكره الثالث شاركهما فيما
أقرا بقبضه ونصه تقبل شهادتهما عليه وفي
المغني والمحرر قياس المذهب لا واختاره ابن
أبي موسى وغيره.
فصل
"وإذا كاتب عبيدا له كتابة واحدة بعوض واحد صح
" في قول أكثر أهل العلم لأن الكتابة بيع فصح
عقدها على جماعة جملة واحدة بعوض واحد كالبيع
وهذا بخلاف قول ثلاثة لبائع اشتريت أنا زيدا
وهذا عمروا وهذا بكرا بمائة درهم "ويقسط العوض
بينهم على قدر قيمتهم" يوم العقد لأنه حين
المعاوضة ولأنه عوض فيقسط على المعوض كما لو
اشترى شقصا وسيفا وكما لو اشترى عبيدا فرد
واحد بعيب.
"ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته يعتق
بأدائها ويعجز بالعجز عنها وحده" لأن الحصة
بمنزلة الثمن المنقود فإن شرط عليهم في العقد
أن كل واحد.
(6/336)
وقال أبو بكر:
العوض بينهم على عددهم ولا يعتق واحد منهم حتى
يؤدي جميع الكتابة فلو اختلفوا بعد الأداء في
قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي
أداء قدر الواجب عليه ويجوز أن يكاتب بعض عبده
فإن أدى عتق كله وتجوز كتابة حصته من العبد
المشترك بغير إذن شريكه،
__________
منهم ضامن عن الباقين فسد الشرط وصح العقد
وعنه: صحة الشرط.
وفي الرعاية غلبت فيها الصفة فتكون جائزة فإن
مات أحدهم أو عتق سقط قدر حصته نص عليه فإن
قال الأعلون قيمة أدينا على قدر قيمتنا وقال
الأدنون قيمة بل على عددنا فالقول قول من يدعي
التسوية إن جعل العوض بينهم على عددهم وإلا
فوجهان.
"وقال أبو بكر: العوض بينهم على عددهم" وقال
أبو بكر يتوجه لأبي عبد الله أن العوض بينهم
على عدد رؤوسهم لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة
كما لو أقر لهم بشيء "ولا يعتق واحد منهم حتى
يؤدي جميع الكتابة" واختاره ابن أبي موسى لأن
الكتابة مقدر فيها قول السيد متى أديتم فأنتم
أحرار وفي المغني "لم يعتق واحد منهم حتى تؤدى
الكتابة كلها" الأول أصح والإقرار ليس بعوض "
فلو اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحد
منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب
عليه" لأن الظاهر من حاله أداء ما وجب عليه
فوجب قبول قوله فيه لاعتضاده بالظاهر ونقل ابن
منصور إذا كاتب على نفسه وولده ولم يعلم عدتهم
ولم يسمهم فقد دخلوا في الكتابة أيضا.
"ويجوز أن يكاتب بعض عبده" لأنها معاوضة فصحت
في بعضه كالبيع ويملك من كسبه بقدر ما كوتب
عليه وفي الترغيب يقسم كسبه بين سيده وبين
مالك باقيه نصفين في إحدى الروايتين وفي
الأخرى يوما له ويوما لمالك باقيه يعني إذا
كاتب نصفه.
"فإن أدى عتق كله" لأنه إذا سرى فيه العتق إلى
ملك غيره فإلى ملكه أولى "وتجوز كتابة حصته من
العبد المشترك بغير إذن شريكه" لأنها عقد
معاوضة فجاز
(6/337)
فإذا أدى ما
كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إن كان
الذي كاتبه موسرا وعليه قيمة حصة شريكه فإن
أعتق الشريك قبل أدائه عتق عليه كله إن كان
موسرا وعليه قيمة نصيب المكاتب و قال القاضي:
لا يسري إلى نصيب المكاتب إلا أن يعجز فيقوم
عليه حينئذ وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على
التساوي أو التفاضل ولا يجوز أن يؤدي إليهما
إلا على التساوي.
__________
بغير إذن الشريك كالبيع وقال ابن حمدان: إن
كان معسرا فلا بد من إذن شريكه.
"فإذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق
كله إن كان الذي كاتبه موسرا" لأن بعضه يعتق
بأداء الكتابة فيسري إلى نصيب الشريك كما لو
باشر نصيبه بالعتق "وعليه قيمة حصة شريكه"
لأنه فوت الحصة على مالكها لإتلافها بالعتق
كما لو قتله "فإن أعتق الشريك قبل أدائه عتق
عليه كله إن كان موسرا وعليه قيمة نصيب
المكاتب" لقوله عليه السلام: "من أعتق شركا له
في عبد " وهذا داخل في عمومه ولأنه عتق لجزء
من العبد من موسر غير محجور عليه فسرى إلى
باقيه كالقن وفي كلام المؤلف أنه يجب عليه
قيمة حصة شريكه مكاتبا لأنه أتلفه وظاهره: أنه
إذا كان معسرا عتق نصيبه وباقيه على الكتابة
فإن عجز عاد الجزء المكاتب رقيقا إلا على
رواية الاستسعاء.
"وقال القاضي" وأبو بكر "لا يسري إلى نصيب
المكاتب" لأنه قد انعقد للمكاتب سبب الولاء
فلا يجوز إبطاله "إلا أن يعجز فيقوم عليه
حينئذ" لأنه عاد قنا فلا يفضي إلى المحذور
المذكور "وإن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على
التساوي أو التفاضل" لأنها عقد معاوضة فجاز من
الشريكين متساويا ومتفاضلا كالبيع.
"ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي"
يعني على قدر الملك فيتساويان في الأداء بغير
خلاف نعلمه فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا لم
يصح وللآخر أن يأخذ حصته إذا لم يكن إذن في
القبض فإن أذن فيه
(6/338)
فإذا كمل أداؤه
إلى أحدهما قبل الآخر عتق كله عليه وإن أدى
إلى أحدهما دون صاحبه لم يعتق إلا أن يكون
بإذن الآخر فيعتق ويحتمل أن لا يعتق.
فصل
وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها
وإن اختلفا في قدر عوضها فالقول قول السيد في
إحدى الروايتين،
__________
فوجهان أصحهما يصح لأن المنع لحقه فجاز بإذنه
والثاني: لا اختاره أبو بكر لأن حقه في ذمته
فلم يقع إذنه فيه.
"فإذا كمل أداؤه إلى أحدهما قبل الآخر عتق كله
عليه" لأن نصيبه يعتق بالأداء فيسري إلى نصيب
شريكه "وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه لم يعتق"
لأن العتق لا يحصل بأداء مال الغير "إلا أن
يكون بإذن الآخر فيعتق" لأن المكاتب محجور
عليه لحق السيد فإذا أذن له صح الأداء وحينئذ
يقع العتق لحصول الأداء الصحيح "ويحتمل أن لا
يعتق" لأن حق السيد في ذمة المكاتب وما في يد
المكاتب ملك له فإذا أذن السيد فيه لم ينفذ.
فصل
"وإن اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها
" لأن الأصل معه " وإن اختلفا في قدر عوضها"
أو جنسه أو أجله "فالقول قول السيد في إحدى
الروايتين" أي: مع يمينه ذكره الخرقي وذكر
القاضي أنها المذهب لأنه اختلاف في الكتابة
فكان القول قول السيد كما لو اختلفا في العقد.
والثانية: يقبل فيه قول المكاتب نصرها الشريف
وأبو الخطاب في خلافيهما وصححها ابن عقيل في
التذكرة لأنه منكر والقول قوله ومدعى عليه
فيدخل في العموم وكما لو أعتقه بمال وأجاب
المؤلف بأنه إنما قدم لأن الأصل هنا مع
(6/339)
وإن اختلفا في
وفاء ما لها فالقول قول السيد فإن أقام العبد
شاهدا وصله معه أو شاهدا وامرأتين ثبت الأداء
وعتق.
فصل
والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو
خنزير يغلب فيها،
__________
السيد إذ الأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده
وجوابه بأن الاختلاف في المكاتب وكسبه وإنما
وقع فيما حصل العقد عليه.
والثالثة: يتحالفان ويترادان اختاره أبو بكر
لأنهما اختلفا في عوض بينهما فوجب التحالف إذا
لم تكن بينة كالبيع وفرق بينهما في المغني بأن
الأصل عدم ملك كل واحد منهما لما صار إليه
والأصل في المكاتب وكسبه أنه لسيده فلذلك قبل
قوله فيه لأن التحالف في البيع مقيد بخلاف
الكتابة إذ الحاصل بالتحالف فسخ الكتابة ورد
الرقيق إلى رقه وهذا حاصل من جعل القول قول
السيد فإن تحالفا قبل العتق فسخ العقد إلا أن
يرضى أحدهما بقول صاحبه وإن كان بعده رجع
السيد بقيمته ورجع العبد بما أداه.
"وإن اختلفا في وفاء مالها فالقول قول السيد"
أي: مع يمينه لأنه منكر ويمهل المكاتب ثلاثا
"فإن أقام العبد شاهدا" ذكرا "وحلف معه أو
شاهدا وامرأتين ثبت الأداء وعتق" لأن النزاع
بينهما في أداء المال والمال يقبل فيه ذلك
وقيل: في غير النجم الأخير وإن ادعى كل واحد
من مكاتبيه الوفاء عتق من عينه وخلف لغيره وإن
قال لا أعلم عينه حلف على ذلك وعين بقرعة من
بقي منهما مكاتبا وإن مات السيد ولم يعين
فوارثه كهو.
فرع : إذا أقر السيد بقبض مال الكتابة عتق
العبد إذا كان ممن يصح إقراره ولو كان في مرض
موته ولو قال استوفيت كتابتي كلها إن شاء الله
تعالى أو زيد عتق ولم يؤيد الاستثناء ولو في
مرضه ذكره المؤلف.
فصل
"والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو
خنزير" أو مجهول "يغلب فيها
(6/340)
حكم الصفة في
أنه إذا أدى عتق ولا يعتق بالإبراء وتنفسخ
بموت السيد وجنونه والحجر للسفه ويملك السيد
أخذ ما في يده وإن فضل عن الأداء فضل فهو
لسيده وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها على
وجهين.
__________
حكم الصفة في أنه إذا عتق اختاره القاضي وغيره
كسائر الكتابات الفاسدة واختار في الانتصار:
إن أتى بالتعليق كقوله: إذا أديت إلي فأنت حر
فإنه يعتق بالصفة المجردة لا بالكتابة فأما
الكتابة التي لا يكون عوضها محرما فإنها تساوي
الصحيحة في أربعة أحكام:
أحدها : أنه يعتق بأداء ما كوتب عليه سواء صرح
بالصفة بأن يقول: إذا أديت إلي فأنت حر أو لم
يقل.
الثاني : انه اذا أ عتقه بالأداء لم يلزمه
قيمة نفسه ولم يرجع على سيده بما أعطاه.
الثالث : أن المكاتب يملك التصرف في كتبه.
الرابع : إذا كاتب جماعة كتابة فاسدة فأدى
أحدهم حصته عتق على القول بأنه يعتق بها في
الصحيحة وعنه: بطلانها بعوض محرم اختاره أبو
بكر.
"ولا يعتق بالإبراء" لأن المال غير ثابت في
العقد بخلاف الصحيحة ولكل واحد منهما فسخها
سواء كان ثم صفة أولا وأن السيد لا يلزمه أن
يؤدي إليه شيئا من الكتابة "وتنفسخ بموت
السيد" لأن الفاسدة عقد جائز لا يؤول إلى
اللزوم فانفسخت بذلك كالوكالة "وجنونه والحجر
للسفه" لأن المقصود فيها المعاوضة والصفة
مبنية عليها بخلاف الصفة المجردة قال المؤلف
والأولى: أنها لا تبطل هنا لأن الصفة المجردة
لا تبطل بذلك وليغلب في هذه الكتابة حكم الصفة
المجردة "ويملك السيد أخذ ما في يده" لأنه
ملكه وماله "وإن فضل عن الأداء فضل فهو لسيده"
قاله أبو الخطاب لأنه عتق بالصفة لا بالمعاوضة
وقال في المغني ما فضل في يده بعد الأداء فهو
له والأول أصح.
"وهل يتبع المكاتبة ولدها فيها على وجهين"
أحدهما وهو أقيس وأصح: لا
(6/341)
وقال أبو بكر:
لا تنفسخ بالموت ولا الجنون ولا الحجر ويعتق
بالأداء إلى الوارث.
__________
يتبعها لأنه إنما تبع في الصحيحة بحكم العقد
وهو مفقود هنا والثاني: يتبع كالصحيحة ورجحه
بعضهم وكذا الخلاف في وجوب الإيتاء فيه وكذا
جعل من أولدها أم ولده وفيه وجه في الصحة ذكره
القاضي.
"وقال أبو بكر: لا تنفسخ بالموت ولا الجنون
ولا الحجر" لأن الفاسدة كالصحيحة في وقوع
العتق وفي تبعية الولد وذوي رحمه فكذلك في
الفسخ ولأن الشارع متشوف إلى العتق وما ذكر
وسيلة إليه فوجب الحكم به تحصيلا للمطلوب
الشرعي "ويعتق بالأداء إلى الوارث" على قوله
لكونها لا تنفسخ لتشوف الشارع إلى العتق ولأنه
قائم مقام مورثه.
(6/342)
باب أحكام
أمهات الأولاد
وإذا علقت من سيدها فوضعت ما تبين فيه بعض خلق
إنسان صارت بذلك أم ولد له،
__________
باب أحكام أمهات
الأولاد
الأحكام جمع حكم وهو في اللغة: القضاء والحكمة
وفي الاصطلاح: خطاب الله المفيد فائدة: شرعية
وأحكامهن ما ذكره من تحريم بيعهن وجواز
الانتفاع بهن ونحوه وأمهات جمع أم باعتبار
الأصل وأمات باعتبار اللفظ وقيل: الأمهات
للناس والأمات للبهائم وقد أشعر كلامه بجواز
التسري وهو إجماع بلا شك لقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5] واشتهر أن النبي
صلى الله عليه وسلم استولد مارية القبطية
وعملت الصحابة علىذلك منهم عمر وعلي وكان علي
بن الحسين والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله
أمهاتهم أم أولاد.
"وإذا علقت من سيدها فوضعت ما تبين فيه بعض
خلق إنسان صارت بذلك أم ولد له" نقول: يشترط
لكونها أم ولد شرطان:
(6/342)
فإذا مات عتقت
وإن لم يملك غيرها وإن وضعت جسما لا تخطيط فيه
فعلى روايتين.
__________
أحدهما : أن تحمل به في ملكه سواء كان من وطء
مباح أو محرم فأما إن علقت منه في غيرملكه لم
تصر أم ولد وظاهر الأول ولو كان محجورا عليه.
الثاني : أن تضع ما يتبين فيه شيء من خلق
الإنسان حيا كان أو ميتا أسقطته أو كان تاما
روى الأثرم عن ابن عمر قال: أعتقها ولدها وإن
كان سقطا وروى الدارقطني بإسناد ضعيف عن ابن
عباس مرفوعا نحوه لا نعلم فيه خلافا بين
القائلين بثبوت الاستيلاد.
ونقل حنبل وأبو الحارث يغسل السقط ويصلى عليه
بعد أربعة أشهر وإن كان أقل من ذلك فلا واحتج
بحديث ابن مسعود في عشرين ومائة يوم ينفخ فيه
الروح وتنقضي به العدة وتعتق الأمة إذا دخل في
الخلق الرابع وقدم في الإيضاح ستة أشهر وذكر
الخرقي شرطا ثالثا وهو أن تحمل بحر.
"فإذا مات عتقت وإن لم يملك غيرها" في قول من
رأى عتقهن لأنها تعتق من رأس المال لأن ذلك
إتلاف حصل بسبب حاجة أصلية أشبه ما لو أتلفه
في أكل ونحوه وقيل: إن جاز بيعها لم تعتق
بموته ونقل الميموني إن لم تضع وتبين حملها
عتقت وإنه يمنع من نقل الملك لما في بطنها حتى
يعلم.
فرع : إذا عتقت بموت سيدها فما في يدها فهو
لورثة سيدها وقال ابن حمدان: بل لها وذكر
السامري روايتين ولا فرق بين المسلمة والكافرة
والعفيفة والفاجرة والمسلم والفاجر وضدهما في
قول الجماهير وروى سعيد عن عمر وعمر بن عبد
العزيز كلاما قال المؤلف عقبه فعلى هذا يحصل
العتق بالمسلمة والعفيفة دون ضدهما.
"وإن وضعت جسما لا تخطيط فيه" مثل المضغة
ونحوها وعلم منه أنه مبتدأ خلق آدمي "فعلى
روايتين" إحداهما لا تصير أم ولد له وهو
ظاهرالخرقي وهو المذهب لأن ذلك ليس بولد
وعتقها مشروط بصيرورتها أم ولد فعلى
(6/343)
وإن أصابها في
ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملا عتق
الجنين ولم تصر أم ولده وعنه: تصير وأحكام أم
الولد أحكام الأمة في الإجارة والاستخدام
والوطء وسائر أمورها،
__________
هذا لا تنقضي به عدة الحرة ولا يجب على الضارب
المتلف له غرة ولا كفارة.
والثانية : بلى فتتعلق به الأحكام الأربعة
أشبه ما لو تبين وعنه: أنها تصير أم ولد ولا
تنقضي به عدة الحرة فعلى ذلك لا بد من شهادة
ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي لأنها إذا
وضعت نطفة لم تصر أم ولد وكذا إذا ألقت علقة
قطع به المجد والمؤلف في الكافي ونص أحمد في
رواية يوسف بن موسى أنها تعتق وإن لم تتم
أربعة أشهر بعد أن يرى خلقه ويعلم أنه ولد.
"وإن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره" كشبهة
" ثم ملكها حاملا عتق الجنين" لأنه ابنه وقد
دخل في ملكه "ولم تصر أم ولد" على المذهب سواء
ملكها حاملا فولدت في ملكه أو ملكها بعد
ولادتها لأنها لم تعلق في ملكه أشبه لو
اشتراها بعد الوضع.
"وعنه: تصير" أم ولد في الحالين لأن لحرمة
البعض أثرا في تحرير الجميع بدليل ما لو أعتق
بعضها قال أحمد: ما سمعنا فيه أنها لا تصير أم
ولد حتى تلد في ملكه وعنه: إن ملكها حاملا
صارت أم ولد وقال في ابن حمدان أو وطئها في
أثناء حملها أو وسطه لأن الماء يزيد في سمعه
وبصره وظاهر المذهب أنها لا تكون أم ولد حتى
تحبل منه في ملكه ويحرم بيع الولد ويعتقه نصا.
"وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الإجارة
والاستخدام والوطء" لأنها مملوكة أشبهت القن
لما روى ابن عباس قال من وطئ أمته فولدت له
فهي معتقة عن دبر منه أو قال من بعده رواه
أحمد وابن ماجه فدل على أنها باقية على الرق
فعلى هذا لسيدها كسبها.
"وسائر أمورها" كالتزويج والعتق ونحوه من
أحكام الإماء ولا يرد عليه كونها
(6/344)
إلا فيما ينقل
الملك في رقبتها كالبيع والهبة والوقوف أو ما
يراد له كالرهن وعنه: ما يدل على جواز بيعها
مع الكراهة،
__________
لا ترث بل تعتق بموت سيدها ويحد قاذفها وتستر
ستر الحرة على رواية نعم يرد عليه أنه لا يصح
تدبيرها لانتفاء فائدته ولهذا لو طرأ الا
ستيلاد على التدبير أبطله قال ابن حمدان قلت
يصح إن جاز بيعها و قلنا: التدبير عتق بصفة
وقد يرد ما أشعر به كلام أحمد في رواية أبي
طالب انه لا يطؤها لأنه لا يقدر على بيعها
فجعل العلة عدم البيع والمذهب خلاف هذه
الرواية أنه يجوز وطؤها.
"إلا فيما ينقل الملك في رقبتها كالبيع" لما
روى ابن عمر مرفوعا أنه نهى عن بيع أمهات
الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن
يستمتع بها السيد ما دام حيا فإذا مات فهي حرة
رواه الدارقطني ورواه مالك في الموطأ
والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر من
قوله قال المجد" وهو أصح وعن ابن عباس قال"
ذكرت أم إبراهيم عند النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: "أعتقها ولدها" رواه ابن ماجه
والدارقطني.
وروى سعيد: حدثنا أبو معاوية عن المغيرة عن
الشعبي عن عبيدة قال: خطب علي الناس فقال:
شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر
أن أعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته
فلما وليت رأيت فيهن رأيا قال: عبيدة فرأي عمر
وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده
وهذا دليل على الإجماع.
"والهبة والوقف أو ما يراد له" أي: للبيع
"كالرهن" لأن ذلك ينافي انعقاد سبب الحرية
ويبطله "وعنه: ما يدل على جواز بيعها مع
الكراهة" أخذا من قول أحمد في رواية صالح
وسأله إلى أي: شيء تذهب في بيع أمهات الأولاد؟
قال: أكرهه وقال في رواية ابن منصور: لا
يعجبني فجعل أبو الخطاب ذلك رواية وهي قول ابن
عباس وابن مسعود وابن الزبير وقاله داود وعن،
(6/345)
ولا عمل عليه
ثم إن ولدت من غير سيدها فلولدها حكمها في
العتق بموت سيدها سواء عتقت او ماتت قبله.
__________
عطاء بن جابر قال: بعنا على عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا
فانتهينا رواه أبو داود وإنما كره ذلك أحمد
للاختلاف فيه فقيل لاتعتق بموته.
وهل هذا الخلاف شبهة؟ فيه نزاع والأقوى شبهة
قاله الشيخ تقي الدين وإنه ينبني عليه لو وطئ
هل يلحقه نسبه أو يرجم المحصن؟ أما التعزير
فواجب قال ابن عقيل في الفنون يجوز البيع لأنه
قول علي وغيره وأجماع التابعين لا يرفعه وحكاه
بعضهم إجماع الصحابة.
"ولا عمل عليه" وليس هذا رواية مخالفة لما نص
عليه في رواية الجماعة لأن السلف يطلقون
الكراهة على التحريم كثيرا ومتى كان التحريم
مصرحا به وجب الحمل عليه وقول جابر ليس بصريح
في ذلك وأجاب جماعة بأنه كان مباحا ثم نهى عنه
ولم يظهر النهي لمن باع لأن أبا بكر لم تطل
مدته وكان مشتغلا بما هو أهم من أمر الدين ثم
ظهر ذلك زمن عمر فأظهر المنع اعتمادا على
النهي لتعذر النسخ حينئذ وحكى ابن عبد البر
والإسفراييني والباجي وابن بطال والبغوي
الإجماع على أنه لا يجوز.
"ثم إن ولدت" أم الولد بعد ثبوت حكم الاستيلاد
"من غير سيدها" من زوج أو غيره "فلولدها
حكمها" أي: في جميع الأحكام إلا أنه لا يجوز
للسيد أن يستمتع ببناتها لأنه دخل بأمهن قال
أحمد قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما ولدها
بمنزلتها ولا نعلم في هذا خلافا بين القائلين
بثبوت حكم الاستيلاد إلا أن عمر بن عبد العزيز
قال: هم عبيد "في العتق بموت سيدها" لأن الولد
تبع لأمه في الحرية والرق فتبعها في سبب
الحرية "سواء عتقت" الام "أو ماتت قبله" لأن
سبب الحرية قد انعقد وهو شبيه بنفس العتق فكما
لا يرتفع العتق بعد وقوعه فكذلك لا يرتفع
النسب بعد وقوعه وكذلك ولد
(6/346)
وإن مات سيدها
وهي حامل منه فهل تستحق النفقة لمدة حملها على
روايتين وإذا جنت أم الولد فداها سيدها
بقيمتها أو دونها وعنه: عليه فداؤها بارش
الجناية كله وإن عادت فجنت فداها أيضا وعنه:
يتعلق ذلك بذمتها.
__________
المدبرة بخلاف ولد المكاتبة فإن أعتق أم الولد
أو المدبرة لم يعتق ولدها وإن أعتق ولدها لم
يعتقا بعتقه وإن أعتق المكاتب عتق ولدها نص
عليه.
"وإن مات سيدها وهي حامل منه فهل تستحق النفقة
لمدة حملها؟ على روايتين" هذا مبني على الخلاف
في نفقة الحامل فإن قلنا: هي للحمل فلا نفقة
لها لأن الحمل له نصيب في الميراث فتجب نفقته
في نصيبه وإن قلنا: للحامل فلها النفقة جزم به
في الوجيز لأنه شغلها بحمله فكان عوض ذلك عليه
كما لو استأجر دارا كانت أجرتها عليه وفي
الرعاية هل تجب نفقتها في الكل أو في حصة
ولدها؟ على روايتين.
"وإذا جنت أم الولد" تعلق أرش جنايتها برقبتها
كالقن "فداها سيدها" لأنه امتنع عليه بيعها
"بقيمتها أو دونها" أي: بالأقل منهما فإن ماتت
قبل فدائها فلا شيء على سيدها وإن نقصت قيمتها
قبله أيضا وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء وإن
زادت قيمتها زاد فداؤها وإن كسبت بعد جنايتها
شيئا فهو لسيدها وكذلك ولدها وإن فداها حال
حملها فعليه قيمتها حاملا وإن أتلفها سيدها
فعليه قيمتها وإن نقصها فعليه نقصها.
"وعنه: عليه فداؤها بأرش الجناية كله" كالقن
في رواية بالغة ما بلغت لمنعه من تسليمها بسبب
من جهته والفرق ظاهر لأنه لا يمكنه تسليمها
للبيع بخلاف القن "فإن عادت فجنت فداها أيضا"
نقله ابن منصور واختاره الأصحاب حتى قال أبو
بكر: ولو ألف مرة لأنها أم ولد جانية فلزمه
فداؤها كالأول "وعنه: يتعلق ذلك بذمتها" أي:
يتبع به بعد العتق قدمه في الترغيب حذارا من
إصرار السيد بتكرار الفداء مع منعه من بيعها
ولانها جانية فلم يلزم السيد أكثر من قيمتها
كما لو لم يكن فداها وعلى هذه
(6/347)
وإن قتلت سيدها
عمدا فعليها القصاص فإن عفوا على مال أو كانت
الجناية خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في
الموضعين،
__________
قال ابن حمدان: قلت: برجع الثاني على الأول
بما يخصه مما أخذه كذا أطلقهما في الأكثر
وقيدها القاضي في روايتيه والمؤلف في المغني
حاكيا له عن أبي الخطاب بما إذا فداها أولا
بقيمتها ويقتضي هذا أنه لو فداها أولا بالأرش
لزمه فداؤها ثانيا بما بقي من قيمتها بلا
خلاف.
فرع : إذا جنت جنايات قبل الفداء تعلق أرش
الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا
الأقل من قيمتها أو أرش جميعها ويشترك الجميع
في الواجب لهم فإن أبرأ بعضهم من حقه توفر
الواجب على الباقين إذا كانت كلها قبل الفداء
وإن كان العفو عنها بعد فدائه توفر أرشها على
سيدها.
"وإن قتلت سيدها عمدا فعليها القصاص" إن لم
يكن له منها ولد وإن كان له منها ولد وهو
الوارث وحده فلا قصاص وكذا إن كان معه غيره
على الأصح لأنه ورث بعض الدم وحينئذ إذا لم
يجب القصاص فعليها قيمة نفسها وقد توقف أحمد
في هذه المسالة في رواية مهنا وعنه: يقتلها
أولاده من غيرها.
"فإن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها
قيمة نفسها" كذا أطلقه الخرقي والقاضي وأصحابه
وهو رواية لأن الجناية وجدت منها وهي مملوكة
فوجب عليها قيمة نفسها وقال ابو الخطاب:
والمجد وابن حمدان عليها الأقل من قيمتها أو
أرش جنايتها ولعل إطلاق الأولى: محمول على
الغالب إذ الغالب أن قيمة الأمة لا تزيد على
دية الحر وفي الروضة في قتل الخطأ الدية على
العاقلة لأن عند آخر جزئيات المقتول عتقت ووجب
الضمان.
" وتعتق في الموضعين" لأن المقتضي في عتقها قد
زال إذ لا يقال ينبغي أن لا تعتق كالقاتل لا
يرث لأنه يلزم نقل الملك فيها وإنه يمتنع وفيه
نظر لأن الاستيلاد كما هو سبب للعتق بعد الموت
كذلك النسب سبب للازمه فكما.
(6/348)
ولا حد على
قاذفها وعنه: عليه الحد.
فصل
وإذا أسلمت أم ولد الكافر أو مدبرته منع من
غشيانها وحيل بينه وبينها وأجبر على نفقتها إن
لم يكن لها كسب فإن أسلم حلت له وإن مات قبل
أدائها عتقت،
__________
جاز تخلف الإرث مع قيام السبب بالنص فكذلك
ينبغي أن يتخلف العتق مع قيام سببه لأنه مثله
قال السامري إذا قتلت أم الولد سيدها عتقت
قولا واحدا بخلاف المدبرة في أحد الوجهين "ولا
حد على قاذفها" على المذهب كالمدبرة لأن الحد
يحتاط لإسقاطه ويدرأ بالشبهة "وعنه: عليه
الحد" نقلها أبو طالب قال: إذا كان لها ابن
واحتج بحديث ابن عمر ولأن لها يعني منع بيعها
وإرثها أشبهت الحرة وأكثر الأصحاب كالمؤلف
أطلقوا هذه الرواية وظاهرها التقييد فيكون
المذهب عدم حده رواية واحدة ولعل الخلاف بما
إذا كان لها ابن حر لأنها لا تصير أم ولد إلا
بذلك وينبغي إجراء الخلاف بما إذا كان لها زوج
حر ونظيره لو قذف أمة أو ذمية لها ابن أو زوج
مسلمان فهل يحد على روايتين ذكرهما المجد
وغيره.
فصل
"وإذا أسلمت أم ولد الكافر" وظاهره: ولو كان
حربيا لأنه يصح عتقهم "أو مدبرته منع من
غشيانها" حذارا من أن يطأ مشرك مسلمة لقوله
تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى
الْكُفَّارِ} الآية وظاهره: إن ملكه يقر عليها
وهو المختار لأن عتقها مجانا فيه إضرار بالسيد
وبالسعاية فيه إضرار بها لإلزامها الكسب بغير
رضاها وهو منفي شرعا.
"وحيل بينه وبينها" لئلا يتلذذ بها ولا يخلو
بها لأن ذلك يفضي إلى الوطء المحرم "وأجبر على
نفقتها إن لم يكن لها كسب" لأنه مالك لها "فإن
أسلم حلت له" لما ذكرنا "وإن مات قبل أدائها
عتقت" نصره في الشرح وغيره وتسلم إلى
(6/349)
وعنه: أنها
تستسعي في حياته وتعتق وإذا وطئ أحد الشريكين
الجارية فإن أولدها صارت أم ولد له وولده حر.
__________
امرأة ثقة تكون عندها وتقوم بأمرها وإن احتاجت
إلى أجر أو أجرة مسكن فعلى سيدها وذكر القاضي
أن نفقتها في كسبها والفاضل منه لسيدها وإن
عجز كسبها عن نفقتها فهل يلزم السيد نفقتها
على روايتين قال المؤلف والصحيح أن نفقتها على
سيدها وكسبها له ونقل مهنا أنها تعتق بمجرد
الإسلام لأنه لا سبيل إلى بيعها ولا إقرار
ملكه عليها قال الزركشي: ولا أعلم له سلفا في
ذلك على أن أبا بكر لم يثبت الثاني أيضا فقال
أظن أن أبا عبد الله أطلق ذلك لمهنا على سبيل
المناظرة.
"وعنه: أنها تستسعى في حياته وتعتق" نقلها
مهنا قاله القاضي لأن بيعها وعتقها مجانا
منفيان وكذلك إقرار الملك عليها لما فيه من
إقرار الكافر على المسلم فسلك بها طريقه وهو
الاستسعاء.
"وإذا وطئ أحد الشريكين الجارية" حرم بغير
خلاف نعلمه وأدب قال الشيخ تقي الدين وقدح في
عدالته ولا حد عليه في قول أكثرهم فإن لم تحمل
منه فهي باقية على ملكهما وعليه نصف مهر مثلها
لشريكه طالما طاوعته أولاً. ونقل حرب إن كاتب
بكرا فقد نقص منها فعليه العقر والثيب لم تنقص
وفيه اختلاف.
"فإن أولدها صارت ام ولد له" أي: إذا وضعت ما
يتبين فيه بعض خلق الإنسان كما لو كانت خالصة
له ويخرج بذلك من ملك الشريك موسرا كان الواطئ
أو معسرا لأن الإيلاد أقوى من الإعتاق بدليل
نفوذه من رأس مال المريض والمجنون "وولده حر"
يلحق نسبه بوالده لأنه وطء في محل له فيه ملك
أشبه ما لو وطئها في الإحرام و قال القاضي:
وأبو الخطاب يحتمل أن يكون الولد حرا ويحتمل
أن يكون نصفه حرا ونصفه رقيقا كأمه وكولد
المعتق بعضها وبهذا تبين أنه لم يستحل انعقاد
الولد من حر وقن.
(6/350)
وعليه قيمة
نصيب شريكه وإن كان معسرا كان في ذمته فإن
وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها فإن
كان عالما فولده رقيق وإن جهل إيلاد شريكه أو
أنها صارت أم ولد له فولده حر وعليه فداؤه يوم
الولادة ذكره الخرقي وعند القاضي وأبي الخطاب
إن كان الأول معسرا لم يسر استيلاده وتصير أم
ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وإن أعتق
أحدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسر فهل يقوم عليه
نصيب شريكه على وجهين.
__________
"وعليه قيمة نصيب شريكه" لأنه أتلفه عليه
بدفعه إليه إن كان موسرا "وإن كان معسرا كان
في ذمته" كما لو أتلفها وعنه: ونصف مهرها
وعنه: ونصف قيمة الولد.
" فإن وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه
مهرها" لأنه وطئ أمة غيره لأن نصفه انتقل إلى
الواطئ الأول بالاستيلاد "فإن كان عالما فولده
رقيق" كوطء الأمة الأجنبية لأن الوطء حرام
والولد تبع لأمه.
"وإن جهل إيلاد شريكه أو أنها صارت أم ولد له
فولده حر" لأنه من وطء شبهة "وعليه فداؤه يوم
الولادة ذكره الخرقي" لأنه فوت رقه على مالك
أمه وقبل الولادة لا يمكن تقويمه وإلا فهم
رقيق وظاهره: لا فرق بين أن يكون موسرا أو
معسرا.
"وعند القاضي وأبي الخطاب: إن كان الأول معسرا
لم يسر استيلاده" كالعتق ولما فيه من الضرر
اللاحق بالمالك ولأنه لو أعتق نصفه من العبد
المشترك لم يسر مع الإعسار فكذلك الاستيلاد
"وتصير أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما"
لأن ذلك نصيبه وقد ثبت له حكم الاستيلاد ويكمل
عتقها بموت الآخر ولم يذكره المؤلف لظهوره
"وإن أعتق أحدهما نصيبة بعد ذلك وهو موسر فهل
يقوم عليه نصيب شريكه؟ على وجهين" أحدهما: لا
يسري عتقه لأنه يبطل حق صاحبه الذي انعقد سببه
بالاستيلاد والثاني: يقوم عليه لحديث ابن عمر
وهو أولى وأصح كما لو أعتق أحد الشريكين
(6/351)
...........................................
__________
نصيبه من الأمة القن ولأن الاستيلاد أقوى من
الإعتاق وظاهره: ولو قل ملكه منها.
خاتمة
إذا وطئ حرا ووالده أمة لأهل الغنيمة وهو منهم
أو لمكاتبه فالمهر فإن أحبلها فأم ولده وولده
حر وتلزمه قيمتها وعنه: ومهرها وعنه: قيمة
الولد وكذا الأب يولد جارية ابنه وذكر جماعة
هنا لا يثبت له في ذمته شيء وهو ظاهر كلامه
وتقدم حكم التعزير والحد فإن كان الابن وطئها
لم تصر أم ولد في المنصوص ويحد في الأصح بوطء
أمة أبيه وأمه عالماً تحريمه ولايلحقه الولد
نقله حنبل وغيره ونقل الميموني خلافه فإن وطىء
أمته وهي مزوجة عزر ولم يحد فإن أولدها صارت
أم ولد وولده حر ولا يلحقه النسب خلافا للقاضي
فإن كانت حاملا من غيره حرم بيع الولد ويعتقه
ونقل الأثرم يعتق عليه وجزم به في الروضة قال
الشيخ تقي الدين: ويستحب وفي وجوبه خلاف.
ونقل ابن منصور: إذا تزوج بكرا فدخل بها فإذا
هي حبلى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لها
الصداق بما استحللت منها والولد عبد لك فإذا
ولدت فاجلدوها ولها الصداق ولا حد لعلها
استكرهت" رواه أبوداود بمعناه من طرق قال
الخطابي: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وهو
مرسل وفي الهدي قيل: لما كان ولد زنى وقد غرته
من نفسها وغرم صداقها أخدمه ولدها وجعله له
كالعبد ويحتمل أنه أرقه عقوبة لأمه على زناها
وغرورها ويكون خاصاً بالنبي صلى الله عليه
وسلم ويحتمل أنه منسوخ وقيل: كان في أول
الإسلام يسترق الحر في الدين. والله أعلم.
انتهي بحمد الله المجلد السادسويليه بعون الله
تعالى المجلد السابع
(6/352)
|