المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الصداق
كتاب الصداق
...
كتاب الصداق
وهو مشرةع في النكاح ويستحب تخفيفه.
ـــــــ
كتاب الصداق
وهو العوض المسمى في النكاح وفيه لغات صداق بفتح الصاد وكسرها وصدقة بفتح الصاد وضم لدال وصدقة بسكون الدال فيهما مع ضم الصاد وفتحها وله أسماء الصداق والصدقة والمهر والنحلة والفريضة والأجر والعلائق والعقر والحباء وقد نظمت في بيت وهو قوله:
صداق ومهر نحلة وفريضة ... حباء وأجر ثم عقر علائق
يقال أصدقت المرأة ومهرتها ولا يقال أمهرتها قاله في "المغني" وفي "النهاية".
"وهو مشروع في النكاح" لقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: من الآية4] وقيل النحلة الهبة والصداق في معناها وقيل نحلة من الله تعالى للنساء وقوله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: من الآية24] وقوله عليه السلام: "فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها" وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: "مهيم فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال: "ما أصدقتها" قال وزن نواة من ذهب" رواه الجماعة قوله وزن نواة هو اسم لما زنته خمسة دراهم ذهبا كان أو فضة وقيل كانت قدر نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم ونصف وقيل كانت ربع دينار.
"ويستحب تخفيفه" لقوله عليه السلام: "أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة" رواه أحمد وفيه ضعف وقال عمر لا تغالوا في صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه.

(7/120)


وإلا يعرى النكاح عن تسميته وألا يزيد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم ولا يتقدر أقله ولا أكثره.
ـــــــ
"وألا يعرى النكاح عن تسميته" بل يستحب تسميته في العقد لأنه عليه السلام كان يزوج ويتزوج ولم يكن يخلي ذلك من صداق مع أنه كان عليه السلام له أن يتزوج بلا مهر وقال للذي زوجه الموهوبة: "هل من شيء تصدقها" قال: لا، قال: "التمس ولو خاتما من حديد" ولأنه أقطع للنزاع وليس ذكره شرطا وفاقا لقوله تعالى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: من الآية236] ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع وبالغ في "التبصرة" فكره تركه وذكر الطحاوي أن كثيرا من أهل المدينة يبطلون هذا النكاح إذا خوصموا فيه قبل الدخول.
"وألا يزيد على صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وهو خمسمائة درهم" وقال في "المستوعب" لما روى مسلم من حديث عائشة أن صداق النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه خمسمائة درهم وفي "الرعاية" و "الوجيز" و "الفروع" ألا يزيد على مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته من أربعمائة إلى خمسمائة وقدم في "الترغيب" لا يزاد على مهر بناته أربعمائة درهم لما روى أبو العجفاء قال سمعت عمر يقول ما أصدق النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه لكن أبو العجفاء فيه ضعف.
"ولا يتقدر أقله" وقاله الأوزاعي والليث لقوله عليه السلام: "التمس ولو خاتما من حديد" وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه" رواه الترمذي وقال حسن صحيح وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين ولأنه بدل منفعتها فجاز ما تراضيا عليه من المال كالبيع.
"ولا أكثره" بالإجماع قاله ابن عبد البر لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ

(7/121)


بل كل ماجاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا من قليل أوكثير وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة وخياطة ثوب ورد عبدها من موضع معين.
ـــــــ
اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء: من الآية20] يؤيده ما روى أبو حفص بإسناده أن عمر أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألفا وقال عمر خرجت أنا أريد أن أنهى عن كثرة الصداق فذكرت هذا {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارا} قال أبو صالح القنطار مائة رطل وقال أبو سعيد بل ملء مسك ثوب هنا وقال مجاهد سبعون ألف مثقال بل كل ما جاز أن يكون ثمنا أو أجرة جاز أن يكون صداق من قليل أو كثير لأنه أحد العوضين أشبه عوض البيع لكن قال جماعة ولنصفه قيمة قال في "المغني" و "الشرح" يشترط أن يكون له نصف يتمول عادة بحيث إذا طلقها قبل الدخول بقي لها من النصف مال حلال وفي "الروضة" له أوسط النقود ثم أدناها.
"وعين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة معلومة" لقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: من الآية27] ولأنها منفعة معلومة يجوز العوض عنها في الإجارة فجازت صداقا كمنفعة العبد وظاهره أن منفعة الحر كالمملوك لقوله عليه السلام: "أنكحوا الأيامى وأدوا العلائق قيل ما العلائق يا رسول الله قال: "ما تراضى به الأهلون ولو قضيب من أراك".
رواه الدار قطني وعنه: لا يجوز أن يكون منافع الحر صداقا لأنها ليست بمال.
"وخياطة ثوب ورد عبدها من موضع معين" لأنها منفعة معلومة وعلم منه أن كل مالا يجوز أن يكون ثمنا في المبيع كالمحرم والمعدوم والمجهول ومالا منفعة فيه مالم يتم ملكه عليه كالمبيع من المكيل والموزون قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء وما لا يتمول عادة كقشر جوزة وحبة حنطة لا يجوز

(7/122)


وإن كانت مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى زوايتين وكل موضع لا تصح التسمية وجب مهر المثل.
ـــــــ
أن يكون صداقا لأنه نقل الملك فيه بعوض فلم يجز فيه ذلك كالبيع "وإن كانت مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح" لأنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كالثمن في البيع والأجرة في الإجارة فلو تزوجها على أن يحج بها لم تصح التسمية لأن الحملان مجهول لا يوقف له على حدود.
"وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين إحداهما" لا يصح لأنها ليست مالا فلا يصح أن يكون مهرا كرقبته ومنفعة البضع والثانية وهي الأصح أنه يصح بدليل قصة موسى وقياسا على منفعة العبد وقال أبو بكر إن كانت خدمة معلومة كبناء حائط صح وإن كانت مجهولة مثل أن يأتيها بعبدها الآبق أين كان ويخدمها في أي شيء أرادت فلا يصح ولا يضر جهل يسير وغرر يرجى زواله في الأصح فلو تزوجها على شرائه لها عبد زيد صح في المنصوص فإن تعذر شراؤه بقيمته فلها قيمته وكذا على دين سلم وآبق ومغصوب يحصله ومبيع اشتراه ولم يقبضه نص عليه.
"وكل موضع لا تصح التسمية" كالخمر والمعدوم والآبق والمجهول "وجب مهر المثل" لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده بصحة النكاح فوجب قيمته وهو مهر المثل كمن اشترى بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته وعنه: يفسد اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة أشبه البيع وجوابه بأن فساد المسمى ليس بأكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد كذا هذا ويجب مهر المثل لأنها لم ترض إلا ببدل ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري.

(7/123)


وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أولحديث أوقصيدة من الشعر المباح صح فإن كان لا يحفظها لم يصح ويحتمل أن يصح ويتعلمها ثم يعلمها فإن تعلمتها من غيره لزمه أجرة تعلمها وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه نصف الأجرة.
ـــــــ
"وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه أو الحديث أو قصيدة من الشعر المباح" أو أدب أو صنعة أو كتابة وهو معين "صح" لأنه يصح أخذ الأجرة على تعليمه فجاز أن يكون صداقا كمنافع الدار حتى ولو كان لا يحفظها نص عليه ويتعلمها ثم يعلمها.
"فإن كان لا يحفظها لم يصح" على المذهب كذا قيل واختاره في "الوجيز" لأنه أصدقها شيئا لا يقدر عليه كما لو استأجر على الخياطة من لا يحسنها وكذا لو قال على أن أعلمك ويحتمل أن يصح ذكره في "المجرد" لأن هذا يكون في ذمته أشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال وعلى هذا يتعلمها ثم يعلمها أو يقيم لها من يعلمها لأنه بذلك يخرج عن عهدة ما وجب عليه.
فإن جاءت بغيرها فقالت علمهم القصيدة التي تريد تعليمي إياها أو أتاها بغيره يعلمها لم يلزم ذلك في الأشهر لأن المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها ولأن المعلمين يختلفون في التعليم.
"فإن تعلمتها من غيره لزمه أجرة تعلمها" لأنه لما تعذر الوفاء بالواجب وجب الرجوع إلى بدله وكذا إن تعذر عليه تعليمها كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر فإن ادعى أنه علمها وأنكرته قبل قولها لأن الأصل عدمه وفيه وجه لأن الظاهر معه وإن علمها ثم أنسيتها فلا شيء عليه وإن لقنها الجميع وكلما لقنها شيئا أنسيته لم يعتد بذلك في الأشهر.
"وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه نصف الأجرة" لأنها صارت أجنبية فلا يؤمن في تعليمها من الفتنة وبعد الدخول كلها.

(7/124)


ويحتمل أن يعلمها نصفها وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح وعنه: يصح ولا يحتاج إلى ذكر قراءة وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك.
ـــــــ
"ويحتمل أن يعلمها نصفها" هذا رواية لأنه موضع حاجة أشبه سماع كلامها في المعاملات وعلى هذا يعلمها من وراء حجاب من غير خلوة بها لأن ذلك حرام وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الكل الوجهان.
"وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجر" لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق والرجوع بنصف التعليم متعذر فوجب الرجوع إلى بدله وهو نصف وإن سقط مهرها رجع بالكل.
"وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح" على المذهب واختاره أبو بكر وغيره لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: من الآية24] {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} [النساء: من الآية25] والطول المال لأن تعليم القرآن قربة ولا يصح أن يكون صداقا كالصوم.
"وعنه: يصح" ذكر ابن رزين أنها الأظهر وجزم بها في "عيون المسائل" لحديث الموهوبة ولأن تعليم القرآن منفعة مباحة فجاز جعل ذلك صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح وقيل إن جاز أخذ الأجرة عليه والأول أولى وحديث الموهوبة قيل معناه زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه ويحتمل أن يكون خاصا به يؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج غلاما على سورة من القرآن ثم قال لا يكون بعدك مهرا رواه سعيد والنجاد فعلى هذا تعين السورة أو الآية لأنه إذا لم يعين يصير مجهولا مفضيا إلى المنازعة.
"ولا يحتاج إلى ذكر قراءة" من القراءات السبعة لأن الاختلاف في ذلك يسير "وقال أبو الخطاب يحتاج إلى ذلك" لأن الأغراض تختلف والقراءات تختلف فمنها ماهو صعب كقراءة حمزة وهشام ووقوفهما على

(7/125)


وإن تزوج نساء بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد صح ويقسم العوض بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين في الآخر يقسم بينهن بالسوية.
ـــــــ
المد أشبه تعيين الآيات فإن أطلق فعرف البلد فإن تعلمته من غيره لزمه الأجرة وإن علمها ثم سقط رجع بالأجرة ومع تنصفه بنصفها وإن طلقها ولم يعلمها لزمه أجرة مايلزمه لخوف الفتنة جزم به في "الفصول" وأنه يكره سماعه بلا حاجة، وعنه: يعلمها مع أمن الفتنة.
ملحق: كصوم وصلاة تخرج على الروايتين ذكره في "الواضح".
تنبيه: إذا أصدق الكتابية تعليم شيء من القرآن لم يصح نص عليه ولها مهر المثل وفي المذهب يصح بقصدها الاهتداء به ولقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: من الآية6] وجوابه أن الجنب يمنع من قراءة القرآن مع إيمانه واعتقاده فالكافر أولى والسماع غير الحفظ وكذا إذا أصدقها تعليم شيء من التوراة أو الإنجيل ولزم مهر المثل لأنه منسوخ ومبدل.
"وإن تزوج نساء بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد صح" لأن العوض في الجملة معلوم فلم تؤثر جهالة ما لكل واحدة كما لو اشترى أربعة أعبد من رجل بثمن واحد واختار ابن حمدان وهو احتمال في "الترغيب" يجب مهر المثل لأن مايجب لكل واحدة غيرمعلوم. "ويقسم العوض بينهن على قدر مهورهن" أي مهور مثلهن "في أحد الوجهين" اختاره القاضي وابن حامد وجزم به في "الوجيز" ونصره في "الشرح" وقدمه في "الفروع" لأن الصفقة إذا وقعت على شيئين مختلفي القيمة وجب تقسيط العوض بينهما بالقيمة كما لو باع شقصا وسيفا.
"وفي الآخر يقسم بينهن بالسوية" اختاره أبو بكر لأنه أضافه إليهن إضافة واحدة فكان بينهن بالسوية كما لو وهبه لهن أو أقر لهن وفي

(7/126)


ويشترط أن يكون معلوما كالثمن وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة لم يصح وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح وقال القاضي يصح.
ـــــــ
"الرعاية" وكما لو قال بينهن وقيل في الخلع يقسم على قدر مهورهن المسماة.
فرع: تزوج امرأتين إحداهما لا يصح العقد عليها بصداق واحد وقلنا يصح في الأخرى فلها حصتها من المسمى وقيل مهر المثل فإن جمع بين نكاح وبيع صح في الأشهر فعلى هذا يقسط العوض على قدر صداقهما وقيمة المبيع.
فصل
"ويشترط أن يكون معلوما كالثمن" لأن الصداق عوض في عقد معاوضة فاشترط كونه معلوما كالعوض في البيع لأن غير المعلوم مجهول لا يصلح عوضا في البيع فلم تصح تسميته كالمحرم لكن لا يضر جهل يسير وغرر يرجى زواله في الأصح.
"وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة لم يصح" لأن الصداق يشترط فيه أن يكون معلوما وهو معدوم هنا.
"وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح" للجهالة "وقال القاضي يصح" لقوله عليه السلام: "العلائق ما تراضى عليه الأهلون" ولأنه موضع ثبت فيه العوض في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال فثبت مطلقا كالدية ولأن جهالة التسمية هذه أقل من جهالة مهر المثل وحكى في "المغني" و "الشرح" عن القاضي يصح مجهولا مالم تزد جهالته على جهالة مهر المثل كعبد وفرس من جنس معلوم فإن كان دابة أو حيوانا لم يصح لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط.

(7/127)


ولها الوسط هو السندي وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ذكره أبو بكر وروي عن أحمد أنه يصح ولها أحدهم بالقرعة وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أ وقميصا من قمصانه ونحوه وإن أصدقها عبدا موصوفا صح.
ـــــــ
"ولها الوسط وهو السندي" بالعراق لأن الأعلى التركي والأسفل الزنجي والوسط السندي والمنصوري والأول أصح والخبر المراد به ما تراضى عليه الأهلون مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح والدية ثبتت بالشرع لا بالعقل وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ثم الحيوان الثابت فيها موصوف مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق وأما كون جهالة المطلق أقل من جهالة قدر مهر المثل فممنوع لأن العادة في القبائل يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف إلا بالثيوبة والبكارة فيكون إذا معلوما.
"وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ذكره أبو بكر" لأنه مجهول كما لو باع عبدا من عبيده أو دابة أو ثوبا.
"وروي عن أحمد أنه يصح" اختاره أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" كموصوف وكما لو عين ثم نسي وهذا مما لا نظير له يقاس عليه وتأويل أبو بكر نص أحمد على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه وفيه نظر فعلى هذا يعطى من عبيده وسطهم وهو رواية.
"و" الأشهر أن "لها أحدهم بالقرعة" نقله مهنا لأنه إذا صح أن يكون صداقا استحقت واحدا غير معين فشرعت القرعة مميزة كما لو أعتق أحد عبده وقيل يعطيها ما اختاره وقيل ما اختارت ذكرهما ابن عقيل.
"وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أو قميصا من قمصانه ونحوه" لأنه في معنى ما سبق "وإن أصدقها عبدا موصوفا صح" لأنه يجوز أن يكون عوضا في البيع والصفة تنزله منزلة المعين فجاز أن يكون صداقا.

(7/128)


وإن جاءها بقيمته أو أصدقها عبدا وسطا وجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمها قبوله وقال القاضي يلزمها ذلك وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح وعنه: يصح فإن فات طلاقها بموتها فلها مهرها في قياس المذهب.
ـــــــ
"وإن جاءها بقيمته أو أصدقها عبدا وسطا وجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمها قبوله" في الأشهر واختاره أبو الخطاب "وقال القاضي يلزمها ذلك" قياسا على الإبل في الدية وجوابه بأنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه وكما لو كان معينا والأثمان أصل في الدية كالإبل فيلزم الولي القبول لا على طريق القيمة ولأن الدية خارجة عن القياس ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه على غير عقود المعاوضة ثم ينتقض بالعبد المعين.
فرع: إذا تزوجها على أن يعتق أباها صح نص عليه فإن طلبت به أكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته.
"وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح" قدمه في "المحرر" و "الفروع" وهو ظاهر المذهب وقول أكثر الفقهاء لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: من الآية24] وقوله عليه السلام: "لا تسأل المرأة طلاق أختها" ولأن هذا لا يصح ثمنا في بيع ولا أجرا في إجارة فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة فعلى هذا لها مهل المثل أو نصفه قبل الدخول أو المتعة ثم من يوجبها في التسمية الفاسدة.
"وعنه: يصح" جزم به في "الوجيز" لأن لها فائدة ونفعا لما يحصل لها في الراحة بطلاقها من مقاسمتها والغيرة منها فصح جعله صداقا كخياطة ثوبها وعتق أمتها.
"فإن فات طلاقها بموتها فلها مهرها" أي مهر الضرة "في قياس المذهب" لأنه سمى لها صداقا لم يصل إليها فكان لها قيمته كما لو أصدقها عبدا فخرج

(7/129)


وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان أبوها ميتا لم تصح نص عليه وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وألفين إن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها والمنصوص أنه يصح
ـــــــ
حرا وقيل يستحق مهر مثلها لأن الطلاق لا قيمة له ولا مثل له وكذا جعله إليها إلى سنة وهل يسقط حقها من المهر فيه وجهان فإن قلنا لا يسقط فهل ترجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى فيه وجهان.
"وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان أبوها ميتا لم تصح" التسمية "نص عليه" في رواية مهنا لأن حال الأب غير معلومة فيكون مجهولا ولأنه في معنى بيعتين في بيعة وحينئذ لها صداق نسائها وعنه: يصح لأن الألف معلومة وإنما جهل الثاني وهو معلق على شرط. "وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وألفين إن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها" لأنها في معناها وكذا إن تزوجها على ألف إن لم يخرجها من دارها وعلى ألفين إن أخرجها.
"والمنصوص أنه يصح" هذه التسمية هنا وذكر القاضي فيهما روايتين إحداهما لا تصح اختاره أبو بكر لأن سبيله سبيل الشرطين فلم تصح كالبيع والثانية تصح لأن ألفا معلومة وإنما جهلت الثانية وهي معلقة على شرط فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق والزيادة فيه صحيحة والأول أولى يعني القول بالفساد فيهما.
ويجاب عنه بأنه تعليق على شرط لا يصح لوجهين أحدهما أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال إن مات أبوك فقد زدتك في صداقك ألفا لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت الأب والثاني أن الشرط يتجدد في قوله إن كان لي زوجة أو إن كان أبوك حيا ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود لتكون الألف الثانية زيادة عليه ويمكن الفرق بين نص أحمد على بطلان التسمية ونصه على صحتها بأن المرأة ليس لها غرض يصح بدل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا وخلوها عن ضرة من أكبر أغراضها وكذلك قرارها في دارها بين أهلها،

(7/130)


وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شيء وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح في ظاهر كلامه ومحله الفرقة عند أصحابنا وعند أبي الخطاب لا تصح
ـــــــ
وفي وطئها فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الأخرى وما وردت من المسائل الحق بما يشبهها ولا يكون في كل مسألة: إلا رواية واحدة.
"وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق" لأن سيدته أعتقته "ولم يلزمه شيء" لأن النكاح يحصل به الملك للزوج فلم يلزمه ذلك كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا وكذا إن قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك ويعتق ولا يلزمه قيمة نفسه لأنها اشترطت عليه شرطا هو حق له فلم يلزمه كما لو شرطت عليه أن تهبه دينارا ليقبلها ولأن النكاح من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة.
"وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الأجل صح في ظاهر كلامه" لأن لذلك عرفا فوجب أن يصح ويحمل عليه وعلم منه أنه يجوز أن يكون مؤجلا وحالا وبعضه كذلك لأنه عقد معاوضة فجاز فيه ذلك كالثمن ومتى أطلق اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله.
"ومحله الفرقة عند أصحابنا" لأن المطلق يحمل على العرف والعرف ترك المطالبة بالصداق إلى حين الفرقة بموت أو طلاق فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما.
"وعند أبي الخطاب لا تصح" التسمية وهو رواية وحينئذ لها مهر المثل كثمن المبيع وعلى الأول لو جعل الأجل مدة مجهولة كقدوم زيد ونحوه لم يصح وقال ابن أبي موسى يحتمل إذا كان الأجل مجهولا أن يكون حالا فإن طلقها قبل الدخول كان لها نصفه في رواية وفي أخرى منعه كما لو تزوجها

(7/131)


فصل
وإن أصدقها أو خنزيرا أو مالا مغصوبا صح النكاح ووجب مهر المثل وعنه: أنه يعجبه استقبال النكاح اختاره أبو بكر والمذهب صحته.
ـــــــ
على محرم كخمر.
فصل
"وإن أصدقها خمرا أو خنزيرا أو مالا مغصوبا صح النكاح" نص عليه وقاله عامة الفقهاء لأنه عقد لا يبطل بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه "ووجب مهر المثل" في قولهم؛ لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض فوجب رد قيمته وهو مهر المثل كمن اشترى ثوبا بثمن فاسد فتلف المبيع في يده بالغا ما بلغ لأن ما تضمنه بالعقد الفاسد اعتبر قيمته بالغا ما بلغ كالمبيع لا يقال إنما وجب لحق الله لأنه لو كان كذلك لوجب أقل المهر.
"وعنه: أنه يعجبه استقبال النكاح اختاره أبو بكر" وشيخه الخلال لأنه جعل عوضه محرما أشبه نكاح الشغار وخرج عليها في "الواضح" فساده بتعويض كمبيع وهو رواية في "الإيضاح" وعند ابن أبي موسى مثل مغصوب أو قيمته وفي "الواضح" إن باعه ربه قبله بثمن لزمه وعنه: مثل خمر خلا.
"والمذهب صحته" وكلام أحمد محمول على الاستحباب فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فالنكاح ثابت بغير خلاف نعلمه فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف مهر المثل وذكر القاضي في "الجامع" أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا وبين من سمى لها محرما كالخمر أو مجهولا كالثوب وفي روايتان إحداهما لها المتعة لأنه يرتفع مهر المثل بها والثانية تجب لها نصف مهر المثل لأنه قد وجب فينتصف به كالمسمى.

(7/132)


وأن تزوجها على عبد فخرج حرا أو مغصوبا أو عصيرا فبان خمرا فلها قيمته وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخد أرشه أو رده وأخذ قيمته.
فصل
وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها، صح.
ـــــــ
"وإن تزوجها على عبد فخرج حرا أو مغصوبا أو عصير فبان خمرا فلها قيمته" لأنها رضيت بما سمى لها وتسليمه ممتنع قابل لجعله صداقا فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد لأنها بدل ولا تستحق مهر المثل لعدم رضاها به ولا بد أن يلحظ أن المغصوب لو كان مثليا لكان لها مثله لا قيمته كما لو استحق عليه مثلي بغير الصداق والعصير محمول على عصير عدم مثله إذ المذهب أنه يلزمه عصير مثله قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" وقدم في "الإيضاح" مهر مثلها.
"وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته" لأنه عوض في عقد معاوضة فثبتت الخيرة فيه بين أخذ الأرش أو البدل وأخذ القيمة كالمبيع المعيب وكذا عوض الخلع المنجز وعنه: إن أمسكه فلا أرش وما عقد عليه في الذمة وجب بذله فقط.
فرع: إذا تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرا أو مغصوبا صح الصداق في ملكه ولها قيمة الآخر نص عليه وعنه: قيمتها وإن بان نصفه مستحقا أو أصدقها ألف ذراع فبانت تسعمائة خيرت بين أخذه وقيمة الفائت وبين قيمة الكل
فصل
"وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح" لأنه لو شرط الكل لنفسه لصح فكذا إذا شرط البعض بل هو من باب أولى يؤيده أن شعيبا زوج

(7/133)


وكانا جميع مهرها فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها ولم يكن على الأب شيء مما أخذ.
ـــــــ
ابنته على رعاية غنمه وذلك اشتراط لنفسه لأن للوالد الأخذ من مال ولده لقوله عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك" ولقوله عليه السلام: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه فإذا شرط شيئا لنفسه من مهر ابنته كان ذلك أخذا من مالها.
"وكانا جميعا مهرها" وهذا في أب يصح تملكه أو شرطه له وحكى أبو عبد الله ابن تيمية رواية يبطل الشرط وتصح التسمية وقيل يبطلان ويجب مهر المثل وعلى الأول شرطه مالم يجحف بابنته فإن أجحف بها لم يصح الشرط وكان الجميع لها ذكره القاضي وابن عقيل والمؤلف وضعفه الشيخ تقي الدين لأنه لا يتصور الإجحاف لعدم ملكها له وظاهر كلام أحمد والقاضي في "تعليقه" وأبي الخطاب أنه لا يشترط.
"فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضهما رجع عليها بألف" لأنه نصف الصداق "ولم يكن على الأب شيء مما أخذ" لأنه أخذ من مال ابنته ألفا فلا يجوز الرجوع عليه بشيء وقيل إلا في شرط جميعه له وهذا ظاهر فيما إذا قبضت الألفين فإن طلقها قبل قبضهما سقط عن الزوج ألف وبقي عليه ألف للزوجة يأخذ الأب منها ما شاء وقال القاضي يكون بينهما نصفين ونقله مهنا عن أحمد لأنه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق إلا النصف قال في "المغني" و "الشرح" هذا على سبيل الاستحباب فلو شرط لنفسه الجميع ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق رجع في نصف ما أعطى الأب لأنه الذي فرضه لها فيرجع في نصفه وقيل يرجع عليها بنصفه ولا شيء على الأب فيما أخذ لأنا قدرنا أن الجميع صار لها ولو ارتدت قبل الدخول فهل ترجع في الألف الذي قبضها الأب له أو عليها فيه وجهان.

(7/134)


وإن فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت وإن فعل غيره بإذنها صح ولم يكن لغيره الاعتراض وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل.
ـــــــ
"وإن فعل الأب ذلك غير الأب" كالجد والأخ "فالكل لها دونه" وكان الشرط باطلا نص عليه لأن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وليس للغير أن يأخذ شيئا بغير إذن فيقع الاشتراط لغوا وفي "الترغيب" في الأب رواية كذلك.
"وللأب تزويج ابنته البكر والثيب" صغيرة كانت أو كبيرة بدون صداق مثلها وإن كرهت لأن عمر خطب الناس فقال: "لا تغالوا في صدق النساء فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية" وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون صداق مثلها ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض وإنما المقصود السكن والازدواج ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعاني المقصودة فلا يمنع منه وعقود المعاوضات المقصود منها العوض لا يقال كيف يملك الأب تزويج البنت الكبيرة بدون صداق مثلها لأن الأشهر أنه يتصور بأن يأذن في أصل النكاح دون قدر المهر.
وقيل: عليه تتميمه كبيعه بعض مالها بدون ثمنه لسلطان يظن به حفظ الباقي ذكره في "الانتصار" وقيل لبنت كبيرة لصحة تصرفها وفي "الروضة" إلا أن ترضى بما وقع عليه العقد قبل لزومه.
"وإن فعل غيره بإذنها" وكانت رشيدة "صح" لأن الحق لها فإذا رضيت بإسقاطه سقط كبيع سلعتها "ولم يكن لغيره الاعتراض" لأن الحق في ذلك تمحض لها دون غيرها بخلاف تزويجها بغير كفء "وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل" لأنه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه والنكاح صحيح لا يؤثر فيه

(7/135)


ويحتمل ألا يلزم الزوج إلا المسمى والباقي على الولي كالوكيل في البيع وإن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن فإن كان معسرا فهل يضمنه الأب يحتمل وجهين.
ـــــــ
فساد التسمية وعدمها "ويحتمل ألا يلزم الزوج إلا المسمى" هذا رواية لأنه ما التزم غيره وكمن زوج بدون ما عينته له.
"والباقي على الولي" لأنه مفرط "كالوكيل في البيع" وفي "الشرح" وقدمه في "الفروع" تمام المهر على الزوج لأن التسمية فاسدة ويضمنه الولي لأنه مفرط كما لو باع مالها بدون ثمن مثله ويحتمل في تزويج الأب الثيب الكبيرة وجوب التمام.
"وإن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح" لأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة فكما يصح أن يزوج ابنته بدون مهر المثل للمصلحة فكذا يصح هنا تحصيله لها "ولزم ذمة الابن" لأن العقد له فكان بدله عليه كثمن المبيع ونقل ابن هانئ مع رضاه.
"فإن كان معسرا فهل يضمنه الأب يحتمل وجهين" وحكاهما في "المغني" روايتين أشهرهما لا يضمنه كثمن مبيعه وقدمه في "الفروع" قال القاضي وهذا أصح والثانية يضمنه الأب نص عليه وجزم به في "الوجيز" كما لو نطق بالضمان وللعرف وقيل يضمن الزيادة وفي النوادر نقل صالح كالنفقة فلا شيء على ابن كذا قال ونقل المروذي النفقة على الصغير من ماله قلت فإن كانت صغيرة لا توطأ قال إن كان لها مال أنفق عليها منه والنفقة تجب مع المنع من قبله لا من قبلهم.
فرع: إذا طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فإن كان بعد دفع الأب الصداق رجع نصفه إلى الابن وليس للأب الرجوع فيه في الأشهر وكذا الحكم فيما لو قضى الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول فإن ارتدت قبل الدخول فالرجوع في جميعه كالرجوع في نصفه بالطلاق.

(7/136)


وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها ولا يقبض صداق البنت الكبيرة إلا بإذنها وفي البكر البالغة روايتان.
فصل
وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين.
ـــــــ
"وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة" أي المحجور عليها "بغير إذنها" لأنه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها والسفيهة والمجنونة كذلك.
"ولا يقبض صداق البنت الكبيرة إلا بإذنها" إذا كانت رشيدة لأنها المتصرفة في مالها فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها "وفي البكر البالغة" العاقلة "روايتان" الأصح أنه لايقبضه إلا بإذنها إذا كانت رشيدة كالثيب والثانية بلى لأنه العادة بدليل أنه يملك إجبارها على النكاح أشبهت الصغير زاد في "المحرر" مالم يمنعه فعليها يبرأ الزوج بقبضه ويرجع على أبيها بما بقي لا بما أنفق.
فصل
"وإن تزوج العبد بإذن سيده على صداق مسمى صح" لأن الحجر عليه لحق سيده فإذا أسقط حقه سقط بغير خلاف وله نكاح أمة ولو أمكنه حرة ويملك نكاح واحدة إذا طلق نص عليه وفي تناول النكاح الفاسد احتمالان.
"وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين" الأصح أنه يتعلق بذمة سيده نقله الجماعة لأنه حق تعلق بالعبد برضى السيد فتعلق بذمته كالدين وكذا النفقة والكسوة والمسكن نص عليه.
والثانية: تتعلق برقبته لأنه وجب بفعله أشبه جنايته وعنه: يتعلق بهما وعنه: بذمتيهما بذمة العبد أصالة وذمة سيده ضمانا وعنه: بكسبه وفائدة الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وإن لم يكن للعبد كسب،

(7/137)


وإن تزوج بغير إذنه لم يصح النكاح فإن دخل بها وجب في رقبته مهر المثل.
وعنه: يحب خمسا المسمى اختارها الخرقي.
ـــــــ
وليس للمرأة الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه من الاكتساب ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إن لم يكن له كسب وليس لسيده منعه من التكسب وعلى الأول إن باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه فأما النفقة فإنها تتجدد فيكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا أعتق.
"وإن تزوج بغير إذنه لم يصح النكاح" نقله الجماعة وهو قول عثمان وابن عمر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وإسناده جيد لكن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام ورواه الخلال من حديث ابن عمر مرفوعا وأنكره أحمد ورواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر موقوفا ولأنه نكاح فقد شرطه فكان باطلا كما لو تزوج بغير شهود ونقل حنبل هو كفضولي وقاله الأصحاب ولأنه عقد يقف على الفسخ فوقف على الإجازة كالوصية.
"فإن دخل بها" ووطئها "وجب في رقبته مهر المثل" في قول أكثرهم كسائر الأنكحة الفاسدة فعلى هذا يباع فيه إلا أن يفديه السيد وقيل يتعلق بذمة العبد والأول أظهر لأن الوطء أجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير إذن الولي.
"وعنه: يجب خمسا المسمى" نقله الجماعة "اختارها الخرقي" والقاضي وأصحابه لما روى خلاس بن عمرو أن غلاما لأبي موسى تزوج بغير إذنه.
فكتب في ذلك إلى عثمان فكتب إليه أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة رواه أحمد.

(7/138)


وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر ذكره أبو بكر وقيل يجب ويسقط وإن زوج عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول إلى ثمنه.
ـــــــ
ولأن المهر أحد موجبي الوطء فجاز أن ينقص فيه العبد عن الحر كالحد قال الشيخ تقي الدين المهر يجب في نكاح العبد بخمسة أشياء عقد النكاح وعقد الصداق وإذن السيد في النكاح وإذنه في الصداق والدخول فبطل ثلاثة من قبل السيد فبقي من قبله اثنان وهو التسمية والدخول.
وعنه: إن علمت أنه عبد فلها خمسا المهر وإلا فلها المهر في رقبة العبد وقيل يجب خمسا مهر المثل وعنه: المسمى قدمه في "الرعاية" ونقل المروذي يعطي شيئا قلت تذهب إلى حديث عثمان قال أذهب أن يعطي شيئا قال أبو بكر هو القياس.
تنبيه: السيد مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو مهر واجب كأرش جنايته ونقل حنبل لا مهر لأنه بمنزلة العاهر ويروى عن ابن عمر وهو رواية في "المحرر" إن علما التحريم وظاهر كلام جماعة أو علمته هي.
"وإن زوج السيد عبده أمته لم يجب مهر ذكره أبو بكر" والقاضي لأنه لا يجب للسيد على عبده مال. "وقيل يجب ويسقط" قدمه في "الكافي" و "المستوعب" و "الرعاية" وهو رواية في "التبصرة" لأن النكاح لا يخلو من مهر ثم يسقط لتعذر إتيانه وقال أبو الخطاب يجب المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى والمذهب أنه يجب مهر المثل ويتبع به بعد عتقه نص عليه في رواية سندي وجزم به في "الوجيز".
"وإن زوج عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه إن كان قبل الدخول إلى ثمنه" لأن ذلك متعلق برقبة العبد فوجب أن ينتقل إلى بدله وهو الثمن وحاصله أنه إذا باعه لها بثمن في ذمتها فعلى حكم مقاصصة الدينين وإن تعلق برقبته تحول مهرها إلى ثمنه كشراء غريم عبدا مدينا وإن تعلق

(7/139)


وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده ويحتمل ألا يصح قبل الدخول.
فصل
وتملك الصداق المسمى بالعقد.
ـــــــ
بذمتيهما سقط المهر لملكها العبد والسيد تبع له لأنه ضامنه ويبقى الثمن للسيد عليها وقيل لا يسقط بناء على من ثبت له دين على عبد ثم ملكه ففي سقوطه وجهان والنصف قبل الدخول كالجميع إن لم يسقط في رواية قال في "الشرح" المذهب أنه لا يسقط بعد الدخول بحال.
"وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده" نص عليه لأن الصداق يصلح أن يكون ثمنا لغير العبد فكذا له وفي رجوعه قبل الدخول بنصفه أو جميعه الروايتان وبطل النكاح إذن.
"ويحتمل ألا يصح قبل الدخول" هذا رواية لأنه يلزم من صحته فسخ النكاح ومن سقوط المهر بطلان البيع لأنه عوضه ولا يصح بغير عوض واختار ولد صاحب "الترغيب" إن تعلق برقبته أو ذمته وسقط ما في الذمة بملك طارئ برئت ذمة السيد فيلزم الدور فيكون في الصحة بعد الدخول الروايتان قبله وإن جعله مهرها بطل العقد كمن زوج ابنه على رقبة من يعتق على الابن لو ملكه إذ نقدره له قبلها بخلاف إصداق الخمر لأنه لو ثبت لم ينفسخ ذكره جماعة.
فصل
"وتملك الصداق المسمى بالعقد" في قول عامتهم لقوله عليه السلام: "إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك" فيدل على أن الصداق كله للمرأة ولا يبقى للرجل فيه شيء ولأنه عقد يملك به العوض فملك به العوض كاملا كالبيع وعنه: تملك نصفه قال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف، وسقوط

(7/140)


فإن كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه وعنه: فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه إن كان قد قبضته فهو لها وإلا فهو على الزوج لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه وإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه كالمبيع.
ـــــــ
نصفه بالطلاق لايمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت سقط جميعه وإن كانت ملكت نصفه.
"فإن كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه" لأنه ملكها فكان لها ذلك كسائر أملاكها "ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها" سواء قبضته أو لم تقبضه متصلا كان النماء أو منفصلا وعليها زكاته إذا تم عليه الحول نص عليه لأن ذلك كله من توابع الملك وإن تلف فهو من ضمانها ولو زكت ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة عليها لأنها قد ملكته أشبه ما لو ملكته بالبيع "إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه" لأنه غاصب أو بمنزلته وإن زاد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه وهو بالخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض لأنه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه إلا أن تكون الزيادة لتغير الأسعار.
"وعنه: فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه إن كان قد قبضته فهو لها وإلا فهو على الزوج" هذه الرواية نقلها مهنا فعلى هذا لا يدخل في ضمانها إلا بقبضه مقبوض فلم يضمنه قياسا على البيع في رواية وظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من ضمان الزوج بكل حال سواء كان معينا أو لم يكن وإن تلف قبل قبضه ضمنه الزوج بمثله إن كان له مثل وإلا قيمته يوم العقد ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يضمنه بقيمته يوم التلف،
"وإن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه كالمبيع" نقول حكم الصداق حكم المبيع في أن ما

(7/141)


وإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إن كان باقيا ويدخل في ملكه حكما كالميراث ويحتمل ألا يدخل حتى يطالب به ويختار فما ينمي قبل ذلك فهو لها.
ـــــــ
كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه إلا بقبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض وقال القاضي وأصحابه ما كان متعينا فله التصرف فيه وما لم يكن متعينا كقفيز من صبرة ورطل زيت من دن لا يملك التصرف فيه حتى يقبضه كالمبيع وعنه: لا يملك التصرف في شيء منه قبل قبضه وقيل ما لا ينقص العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه لأنه بدل لا ينفسخ للسبب الذي ملك بهلاكه كالوصية وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف وقياس المذهب أن كلما جاز التصرف فيه فهو من ضمانها وما لا يتصرف فيه فهو من ضمان الزوج إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه كما نص على العبد إذا فقئت عينه وحيث قبل فضمانه عليه قبل القبض إذا تلف لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله أو قيمته.
"وإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إن كان باقيا" بحاله لم يتغير ولم يتعلق به حق غيره بغير خلاف لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] الآية.
"ويدخل في ملكه حكما كالميراث" نص عليه لأن قوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: من الآية237] يدل عليه لأن التقدير فنصف ما فرضتم لكم أو لهن وذلك يقتضي كينونة النصف له أو لها بمجرد الطلاق وأن الطلاق سبب تملك به بغير عوض فلم يفتقر إلى اختياره كالإرث فعلى هذا ما يحدث من النماء يكون بينهما.
"ويحتمل ألا يدخل" في ملكه "حتى يطالب به ويختار" لأن الإنسان لا يملك شيئا بغير اختياره إلا بالميراث وكالشفيع.
"فما ينمي قبل ذلك فهو لها" لأنه نماء ملكها لأن التقدير أنه لا يملك إلا

(7/142)


فإن زاد زيادة متصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها وإن كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائدا وبين دفع نصف القيمة وقت العقد وإن كان ناقصا خير الزوج بين أخذه ناقصا وبين نصف القيمة.
ـــــــ
باختياره فهو قبل الاختيار على ملك الزوجة وفي "الترغيب" أصلها اختلاف الرواية فيمن بيده عقدة النكاح وعلى المنصوص لو طلقها على أن المهر لها لم يصح الشرط وعلى الثاني وجهان.
"فإن" كان الصداق "زاد زيادة متصلة" كالولد والثمرة "رجع في نصف الأصل" لأن الطلاق قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف الصداق وقد أمكن الرجوع فيه من غير ضرر على أحد فوجب أن يثبت حكمه "والزيادة لها" لأنه نماء ملكها وعنه: يرجع بنصفهما "وإن كانت متصلة" كالسمن وتعلم صناعة وبهيمة حملت "فهي مخيرة بين دفع نصفه زائدا" ويلزمه القبول "وبين دفع نصف القيمة وقت العقد" لأنها إن اختارت دفع نصف الأصل زائدا كان لها ذلك إسقاطا لحقها من الزيادة وإن اختارت دفع نصف قيمته كان لها ذلك لأنه لا يلزمها دفع نصف الأصل زائدا لاشتماله على الزيادة التي لا يمكن فصلها عنه وحينئذ تعينت القيمة كالإتلاف ويتخرج أن يجب دفعه بزيادته كالمنفصلة وأولى وفي "التبصرة" لها نماؤه بتعيينه وعنه: بقبضه فعلى المذهب له قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفة من وقت العقد إلى وقت قبضه وفي "الكافي" أو التمكين منه فإن قلنا يضمن المهر بالعقد اعتبرت صفة وقته وفي "الترغيب" المهر المعين قبل قبضه هل هو بيده أمانة فمئونة دفن العبد عليه فيه روايتان.
فرع: إذا كانت محجورا عليها لم يكن له الرجوع إلا في نصف القيمة "وإن كان ناقصا" بغير جناية عليه "خير الزوج بين أخذه" أي أخذ نصفه "ناقصا" لأنه إذا اختار ذلك فقد رضي بإسقاط حقه "وبين نصف القيمة" لأن قبوله ناقصا ضرر عليه وهو منفي شرعا فعلى الأول هل له أرش النقص كما هو مختار القاضي في "تعليقه" كالمبيع المعيب أو لا أرش كواجد

(7/143)


وقت العقد وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف قيمته وقت العقد إلا أن يكون مثليا فيرجع بنصف مثله وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض.
ـــــــ
متاعه عند المفلس وهو اختيار الأكثرين فيه قولان وتعتبر القيمة وقت العقد ذكره الخرقي والمؤلف وابن حمدان وحرر المجد ذلك فجعله في المتميز إذا قلنا على المذهب يضمنه بالعقد وعلى هذا يحمل قولهم إذ الزيادة في غير المتميز صورة نادرة وفي "الشرح" إذا كان ناقصا متميزا كعبدين تلف أحدهما رجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف وإن لم يكن متميزا كشاب صار شيخا فنصف قيمته أو نسي صناعة فإن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لأن ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لأنه دون حقه وإن شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر المرأة على ذلك.
فرع: إذا زاد من وجه ونقص من وجه كعبد صغير كبر ومصوغ كسرته وأعادته صناعة أخرى فلكل منهما الخيار وكذا حمل أمة وفي البهيمة زيادة مالم يفسد اللحم وزرع وغرس بعض الأرض "وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف قيمته" إذا لم يكن مثليا لأنه تعذر الرجوع في عينه فوجب الرجوع في نصف القيمة كالإتلاف "وقت العقد" لأن الزيادة بعد ذلك تكون ملكا للزوجة لكونها نماء ملكها فلا يجوز تقويمها بعد العقد لكونه تقويما لملك الغير "إلا أن يكون مثليا فيرجع بنصف مثله" لأن المثلي يضمن في الإتلاف بالمثل لأنه أقرب مشابهة ومماثلة لحقه "وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض" لأنه لو نقص في يده كان ضمانه عليه قال المؤلف هذا مبني على أن الصداق لا يدخل في ضمان المرأة إلا بقبضه وإن كان معينا في رواية فعلى هذا إن كانت القيمة وقت العقد أقل لم يلزمها إلا نصفها لأن الزيادة بعد العقد لها لأنه نماء ملكها أشبهت الزيادة بعد القبض وإن كانت القيمة وقت القبض أقل لم يلزمها أكثر من نصفها لأن ما نقص من القيمة من ضمانه لم يلزمه غرامة لها فكيف تجب

(7/144)


--------------------------------------
ـــــــ
له عليها؟ قال صاحب النهاية فيها والأول أصح لأن المعين لا يفتقر الملك فيه إلى قبض ولا يضمن باليد.
مسائل:
الأولى: إذا خرج عن ملكها ثم عاد إليها ثم طلقها وهو في يدها كان له الرجوع في نصفه لعدم المانع منه ولا يلزم إذ لو وهب لولده شيئا فخرج عن ملكه ثم عاد حيث لا يملك الرجوع وإن أسلم فلان حق الولد سقط بخروجه عن ملكه بدليل أنه لا يطالبه ببدله بخلاف الزوج.
الثانية: إذا تصرف تصرفا لا ينقل الملك كوصية لم يمنع الرجوع كعارية وكذا إذا دبرته في ظاهر المذهب ولا يجبر على الرجوع في نصفه وإن قلنا لا يباع لم يجز الرجوع فإن كان التصرف لازما لا ينقل الملك كنكاح وإجارة خير بين الرجوع في نصفه ناقصا وبين نصف قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الإجارة.
الثالثة: إذا أصدقها نخلا فاطلعت أبر أو لم يؤبر ثم طلق قبل الدخول فزيادة متصلة وفي "الترغيب" وجهان فيما أبر.
الرابعة: إذا أصدقها أرضا فزرعتها فحكمها حكم الشجر إذا أثمر سواء قاله القاضي وقال غيره يفارق الزرع الثمرة في أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله فلو أصدقها ثوبا فصبغه أو أرضا فبنتها فبذل قيمة زيادته لتملكه فله ذلك خلافا.
الخامسة: أصدقها صيدا ثم طلق وهو محرم فإن لم يملكه بإرث فنصف قيمته وإلا فهل يقدم حق الله فيرسله ويغرم لها قيمة النصف أم حق الآدمي فيمسكه ويبقى ملك المحرم ضرورة أم هما سواء فيخيران فإن أرسله برضاها غرم لها وإلا بقي مشتركا قال في "الترغيب" مبني على حكم الصيد المملوك بين محل ومحرم وفيه أوجه.

(7/145)


وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تصمن نقصه يحتمل وجهين وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق وقالت بعده فالقول قولها والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح.
ـــــــ
"وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن نقصه يحتمل وجهين" أما إذ منعته منه بعد طلبه وتلف فعليها الضمان لأنها غاصبة وإن تلف قبل مطالبته فوجهان أصلهما الزوج إذا تلف الصداق المعين في يده قبل مطالبتها وقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لأنه دخل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة وإن اختلفا في المطالبة قبل قولها لأنها منكرة والثاني عليها الضمان أشبه المبيع إذا ارتفع العقد بالفسخ وقيل لا يضمن المتميز كما لو تلف بآفة سماوية.
"وإن قال الزوج نقص قبل الطلاق وقالت بعده فالقول قولها" لأنه يدعي عليها ما يوجب الضمان والقول قول المنكر "مع يمينها" لأن الأصل براءة ذمتها وفهم منه أن النقص في الصداق في يد الزوجة بعد الطلاق أنها لا تضمنه لأنه إذا كان مضمونا بعده كما يضمن قبله فلا فائدة في الاختلاف.
تنبيه: إذا فات النصف مشاعا فله النصف الباقي وكذا معينا من النصف وفي "المغني" له نصف البقية ونصف قيمة التالف أو مثله وإن قبضت المسمى في الذمة فكالمعين إلا أنه لا يرجع بنمائه مطلقا ويعتبر في تقويمه صفته يوم قبضه وفي وجوب رده بعينه وجهان،
"والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح" في ظاهر المذهب لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولي العقدة الزوج" رواه الدارقطني عن ابن لهيعة ورواه أيضا بإسناد جيد عن علي ورواه بإسناد حسن عن جبير بن مطعم عن ابن عباس ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: من الآية237] والعفو الذي هو أقرب للتقوى هو عفو الزوج عن حقه أما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو أقرب للتقوى ولأن المهر للزوجة فلا يملك الولي إسقاطه كسائر الأولياء،

(7/146)


فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله بريء منه صاحبه وعنه: أنه الأب فله أن يعفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة.
ـــــــ
ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى الغائب لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: من الآية22] وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا ولأن الصغير لو رجع إليه صداق زوجته أو نصفه لانفساخ النكاح برضاع أو نحوه لم يكن لوليه العفو عنه رواية واحدة فكذا ولي الصغير "فإذا طلق قبل الدخول" فإنه يتنصف المهر بينهما "فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه" أي سواء كان العافي الزوج أو الزوجة إذا كان جائز التصرف في ماله فإن كان صغيرا أو سفيها لم يصح لأنه ليس من أهل التصرف في ماله ولا يصح عفو الولي عن الصداق أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه "وعنه: أنه الأب" نقله ابن منصور وقدمه ابن رزين واختاره الشيخ تقي الدين قال ومثله سيد الأمة رواه الدارقطني بإسناد حسن عن ابن عباس ولأن عقدة النكاح بعد الطلاق إلى الولي لأن الله تعالى خاطب الأزواج بخطاب المواجهة ثم خاطب الأولياء فقال: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: من الآية237] وهو خطاب غيبة ومعناه أنه يعفو للمطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر وشرطه أن يكون أبا لأنه هو الذي يلي مالها لكن قال أبو حفص ما أرى ما نقله ابن منصور إلا قولا قديما فظاهره أن المسألة: رواية واحدة وأن أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح لأن مذهبه أنه لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ولا إعتاق عبيده ولا تصرفه إلا بما فيه مصلحتهم.
"فله" أي للأب "أن يعفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة" والمجنونة لأنه يكون وليا على مالها فإن الكبيرة العاقلة تلي مال نفسها وفي "المغني" و "الكافي" بشرط البكارة واختار جمع وقدمه في "المحرر" وجزم به في

(7/147)


إذا طلقت قبل الدخول.
فصل
إذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه وعنه: لا يرجع بشيء.
ـــــــ
"الموجز" وبكر بالغة وفي "الترغيب" أصله هل ينفك الحجر بالبلوغ "إذا طلقت" لأنه قبل الطلاق معرضة لا تلاف البضع "قبل الدخول" لأن ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف وسواء فيه عفوه أو عفوها ولم يقيد في "عيون المسائل" بصغر وكبر وبكارة وثيوبة وذكر ابن عقيل رواية الولي في حق الصغيرة وذكر ابن حمدان قولا للأب العفو بعد الدخول مالم تلد أو تبقى في بيتها سنة بناء على بقاء الحجر عليها وقدم اعتبار كونه دينا فلا يعفو عن عين فيصح بلفظ الهبة.
فصل
"إذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه" على المذهب لأن الطلاق قبل الدخول يقتضي الرجوع في نصف الصداق وقد وجد ولا أثر لكونها أبرأته أو وهبته له لأن ذلك حصل مستأنفا فلم يمنع استحقاق النصف كما لو وهبته لأجنبي فوهبه الأجنبي للزوج.
"وعنه: لا يرجع بشيء" لأن نصف الصداق يعجل له بالهبة لأن عقد الهبة لا يقتضي ضمانا وعنه: يرجع مع الهبة دون الإبراء صححه في "المحرر" لأن الإبراء إسقاط لا تمليك وفي "الترغيب" أصل الخلاف في الإبراء أيهما يلزمه زكاته إذا مضى أحوال وهو دين فيه روايتان وفي "المغني" هل هو إسقاط أو تمليك وإن وهبته بعضه ثم تنصف رجع بنصف غير الموهوب ونصف الموهوب استقر ملكها له فلا ترجع به ونصفه الذي لم يستقر ترجع به على الأولى والثانية.

(7/148)


وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه على روايتين وكل فرقة جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته أو من أجتبي كالرضاع ونحوه قبل الدخول يتنصف بها المهر بينهما.
ـــــــ
فرع: إذا خالعته بنصف صداقها قبل الدخول صح وكان الصداق كله له ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه فإن خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ورجع عليها بنصفه فإن خالعته بصداقها كله فكذا في وجه وفي الآخر لا يرجع عليها بشيء.
مسألة: باع عبدا ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه منه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيبا فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه على روايتين بناء على الخلاف في الصداق وإن كانت بحالها فوهب المشتري العبد البائع ثم أفلس المشتري وهو في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا لأن الثمن ما عاد إلى البائع منه شيء.
فرع: تبرع أجنبي بأداء المهر ثم سقط أو تنصف فالراجع للزوج وقيل للأجنبي ومثله أداء ثمن ثم يفسخ بعيب ورجوع مكاتب أبرئ من كتابته بالإيتاء واختار المؤلف فيه لا رجوع.
"وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه على روايتين" مأخذهما ما سبق والمذهب أنه يرجع بجميعه.
"وكل فرقة جاءت من الزوج كطلاقه وخلعه" سواء سألته أو سأله أجنبي،
"وإسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه قبل الدخول يتنصف بها المهر بينهما" لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] ثبت في الطلاق والباقي قياسا عليه لأنه في معناه وعنه: إذا أسلم فلا مهر عليه والأول المذهب وإنما تنصف المهر بالخلع لأن المغلب فيه جانب الزوج بدليل أنه يصح منها ومن غيرها وهو خلعه مع الأجنبي فصار كالمنفرد به وذكر ابن أبي موسى أن المختلعة لا متعة لها وأن

(7/149)


وكل فرقة جاءت من قبلها كإسلامها وردتها ورضاعها من ينفسخ به نكاحها وفسخها لعيبه أو إعساره وفسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها وفرقة اللعان تخرج على روايتين وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان.
ـــــــ
المخالعة في المرض لا ترث وعلل بأن الفرقة حصلت من جهتها وفي "الرعاية" وإن تخالعا وقلنا هو فسخ وقيل أو طلاق وجهان وإن جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لأنها بائنة عنه وفي رواية وإن علقه على فعل منها لم يسقط مهرها لأن السبب وجد منه وإن طلق الحاكم على الزوج في الإيلاء فهو كطلاقه وأما فرقة الأجنبي كالرضاع ونحوه فإنه يجب نصف المهر لأنه لا جناية منها يسقط مهرها ويرجع الزوج بما لزمه على الفاعل لأنه قرره عليه.
"وكل فرقة جاءت من قبلها كإسلامها وردتها ورضاعها من ينفسخ به نكاحها وفسخها لعيبه أو إعساره وفسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها" لأنها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه وكذا إن فسخت لعتقها تحت عبد أو لفوات شرط وعنه: يتنصف بفسخها لشرط فيتوجه في فسخها لعيبه الخلاف وفي "الرعاية" إن فسخت قبل الدخول فروايتان وإن كان لها مهر مسمى فهل يتنصف أو يسقط على روايتين.
وذكر أبو بكر أنه إذا تزوجها بشرط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يخرجها من دارها فلم يف لها ففسخت ولم يكن سمى لها مهرا فلها المتعة.
"وفرقة اللعان تخرج على روايتين" لأن النظر إلى كون الفسخ عقيب لعانها فهو كفسخها لعيبه أو إلى أن سبب اللعان القذف من الزوج فهو كفسخه لطلاقه وقال القاضي يخرج على روايتين أصلهما إذا لاعنها في مرض موته هل ترثه على روايتين إحداهما هو كطلاقه لأن سبب اللعان قذفه الصادر منه أشبه الخلع والثانية يسقط به مهرها لأن الفسخ عقيب لعانها هو كفسخها لعيبه.
"وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان" أحدهما: يتنصف

(7/150)


وفرقة الموت يستقر بها المهر كله كالدخول ولو قتلت نفسها لاستقر مهرها كاملا.
فصل
وإذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع يمينه وعنه: القول قول من يدعي مهر المثل منهما.
ـــــــ
المهر بشرائها زوجها لأن البيع الموجب للفسخ تم بالسيد وبالمرأة أشبه الخلع والثاني يسقط به المهر لأن الفسخ وجد عقيب قبولها أشبه فسخها لعيبه وكذا إذا اشترى الزوج امرأته وفي "المغني" في شرائها له روايتان وفي شرائه لها وجهان مخرجان على الروايتين وقيل هما إن اشتراها من مستحق مهرها وإن اشترته فروايتان.
"وفرقة الموت يستقر بها المهر كله كالدخول" حرة كانت أو أمة لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق رواه معقل بن سنان ولأنه عقد ينتهي بموت أحدهما فاستقر به العوض كانتهاء الإجارة.
"ولو قتلت نفسها" أو قتلها غيرها "لاستقر مهرها كاملا" كالموت حتف أنفها لأنها فرقة حصلت بانقضاء الأجل وانتهاء النكاح فهو كموتها حتف أنفها وفي رواية وفي "الوجيز" يتقرر إن قتل نفسه أو قتله غيرهما فظاهره لا يتقرر إن قتل أحدهما الآخر قال في "الفروع" وهو متجه إن قتلته.
فصل
"وإذا اختلف الزوجان" أو ورثتهما "في قدر الصداق" ولا نية على مبلغه فالقول قول الزوج قدمه في "المحرر" و "الفروع" لأنه منكر للزيادة "مع يمينه" لأنه مدعى عليه فيدخل في قوله عليه السلام: "ولكن اليمين على المدعى عليه".
"وعنه: القول قول من يدعي مهر المثل منهما" نصره القاضي وأصحابه،

(7/151)


فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها وعند أبي الخطاب يجب اليمين وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين.
ـــــــ
وجزم به في "الوجيز" لأن الظاهر صدق من يدعيه فيقدم قوله أشبه المنكر في سائر الدعاوى فلو ادعت المرأة مهر المثل أو أقل منه قبل قولها وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر منه قبل قوله لأن الظاهر صدق المدعي ولا فرق بين أن يكون هذا الاختلاف قبل الدخول أو بعده قبل الطلاق أو بعده وعنه: ثالثة يتحالفان ذكرها في "المبهج" فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله الآخر وإن حلفا وجب مهر المثل والأصح لا تحالف لأنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلم يشرع فيه كالعفو عن دم العمد.
"فإن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه" أي إلى مهر المثل لأن ذلك فائدة قبول قول من يدعيه "بلا يمين عند القاضي" لأنها دعوى في نكاح أشبهت الدعوى في أصل النكاح "في الأحوال كلها" سواء وافق قول الزوج أو قولها.
"وعند أبي الخطاب يجب اليمين" لأنه اختلاف فيما يجوز بدله فوجب أن تجب فيه اليمين كسائر الدعاوى في الأموال وفي "المغني" إذا ادعى أقل من مهر المثل وادعت أكثر منه رد إلى مهر المثل ولم يذكر أصحابنا يمينا والأولى أن يتحالفا فإن ما يقوله كل واحد منهما محتمل للصحة فلا يعدل عنه إلا بيمين كالمنكر في سائر الدعاوى ولأنهما متساويان في عدم الظهور فشرع التحالف كاختلاف المتبايعين وفيه نظر لأنه نفى أن يكون الأصحاب ذكروا يمينا والحال أنه ذكره عن القاضي نفيا وعن أبي الخطاب إثباتا وقوله فشرع التحالف يقتضي أنه ليس بواجب وليس كذلك فيقول هو ما أصدقتها كذا وإنما أصدقتها كذا أو تقول هي ما أصدقني كذا وإنما أصدقني كذا كاختلاف المتبايعين.
"وإن قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الأمة خرج على الروايتين" أي إذا اختلفا في عينه أو صفته فإن كان قيمة العبد مهر المثل أو

(7/152)


فإن اختلفا في قبض المهر فالقول قولها وإن اختلفا فيما يستقر به المهر فالقول قوله.
ـــــــ
أكثر منه وقيمة الأمة دون ذلك حلف الزوج ولها قيمة العبد وإن كان قيمة الأمة مهر المثل أو أقل وقيمة العبد دون ذلك فالقول قولها مع يمينها وهل تجب الأمة أو قيمتها فيه وجهان إحداهما تجب عين الأمة لأنه يقبل قولها في القدر فكذا في العين.
والثاني: تجب لها قيمتها لأن قولها إنما وافق الظاهر في القدر لا في العين وفي فتاوى المؤلف إن عينت أمها وعين أباها فينبغي أن يعتق أبوها لأنه مقر بملكها له وإعتاقه عليها ثم يتحالفان ولها الأقل من قيمة أمها أو مهر مثلها وفي "الواضح" يتحالفان كبيع ولها الأقل مما ادعته أو مهر مثلها وفي "الترغيب" يقبل قول مدع جنس مهر المثل في أشهر الروايتين والثانية قيمة ما يدعيه هو.
فرع: اختلف الزوج وأبو الصغيرة أو المجنونة قام الأب مقامها في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه كالوكيل ذكره في "الكافي" و "الشرح" وفي "الواضح" توقف اليمين إلى حين بلوغها ويجب على الزوج دفع ما أقر به وعلى الأول إن لم يحلف حتى بلغت الصغيرة وعقلت المجنونة فاليمين عليها لأنه إنما حلف لتعذر اليمين منهما فإذا أمكن لزمهما كالوصي إذا بلغ الطفل فأما أبو البكر البالغة العاقلة فلا تسمع مخالفة الأب لأن قولها مقبول والحق لها وأما سائر الأولياء فليس لهن أن يزوجوا بدون مهر المثل فإن فعلوا ثبت لها مهر المثل بغير يمين فإن ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على الزوج لأن قوله مقبول في قدر مهر المثل.
"فإن اختلفا في قبض المهر فالقول قولها" مع يمينها لأن الأصل عدمه وذكر ابن الزاغوني رواية أنه يقبل قول الزوج مع يمينه بناء على "كان له علي وقضيته".
"وإن اختلفا فيما يستقر به المهر" من المسيس والخلوة "فالقول قوله"؛ لأنه

(7/153)


وإن زوجها على صداقين سرا وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان قد انعقد بالسر ذكره الخرقي وقال القاضي إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها.
ـــــــ
منكر والأصل عدمه.
"وإن تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وإن كان انعقد بالسر ذكره الخرقي" ونص عليه أحمد لأن الزوج وجد منه بذل الزائد على مهر السر فلزمه كما لو زادها في صداقها فأتى ذلك أنه يؤخذ بأزيدهما وقدمه في "الفروع".
"وقال القاضي إن تصادقا على السر لم يكن لها غيره" أي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية لأنه هو الذي ثبت به النكاح والعلانية ليس بعقد حقيقة وإنما هو عقد صورة والزيادة فيه غير مقصودة وحمل كلام أحمد والخرقي على أن المرأة لم تقر بنكاح السر وإذا القول قولها لأن الأصل عدم نكاح السر على أن المهر ألف وأنهما عقدا بألفين تجملا فالمهر ألفان أي ما عقد به في الأصح كعقده هزلا وتلجئه نص عليه ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون السر من جنس العلانية أو يكونا من جنسين وذكر الحلواني في بيع مثله.
"وإن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها" لأن الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالأول ولها المهران وإن أصر على الإنكار سئلت المرأة فإن ادعت أنه دخل بها ثم طلقها ثم نكحها حلفت واستحقت وإن أقرت بما يسقط جميعه أو نصفه لزمها ما أقرت به.
فرع: يلحق الزيادة بعد العقد بالمهر على الأصح فيما يقرره وينصفه وتملك الزيادة من حينها نقله مهنا في أمة عتقت فزيد مهرها وجعلها القاضي لمن الأصل له فأما هديته فليست من المهر نص عليه فإن كانت قبل العقد وقد وعد به

(7/154)


ـــــــ
فزوجوا غيره رجع قاله الشيخ تقي الدين وقال ما قبض بسبب نكاح فكمهر وقال فيما كتب فيه المهر لا يخرج منها بطلاقها إذا كان منه.

(7/155)


فصل قي المفوضة
...
فصل في المفوضة
والتفويض على ضربين تفويض البضع وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك.
ـــــــ
فصل في المفوضة
يجوز فيه فتح الواو وكسرها والتفويض معناه الإهمال كأنها أهملت المهر حيث لم يسمه قال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
"على ضربين تفويض البضع" وهو الذي ينصرف إطلاق التفويض إليه "وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بلا مهر" أو مطلقا قاله في "الرعاية" فعلم منه أن النكاح صحيح تسمية صداق في قول عامتهم لقوله تعالى: { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: من الآية236] ولقول ابن مسعود وسيأتي ولأن القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة وسواء شرطا نفي المهر أو تركا ذكره فلو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح.
"وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك" لأنها لم تزوج نفسها إلا بصداق وهو مجهول فسقط لجهالته فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد لقول ابن مسعود وقد سئل عن امرأة تزوجت برجل لم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود لها صداق نسائها

(7/155)


فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد ولها المطالبة بفرضه فإن فرضه الحاكم لم يجز إلا بمقداره وإن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير.
ـــــــ
لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا بمثل ما قضيت به ففرح بها ابن مسعود رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه له ولأنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى ولأنه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كالعقد الفاسد وإنما لم يتنصف لأن الله تعالى مسمى لها بالطلاق إلى المتعة فعلى هذا لو فرض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها كان لمعتقها أو بائعها وإن طلقت عند المشتري فالمتعة لها "ولها المطالبة بفرضه" قبل الدخول فإن امتنع أجبر عليه لأن النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره لا نعلم فيه خلافا إذ القول بعدم وجوبه بالعقد يفضي إلى خلوه منه مع أنه يقع صحيحا قال جماعة ولها المطالبة بمهر المثل وقيل لا لأنه لم يستقر ويصح ابراؤها منه قبل فرضه وعنه: لا لجهالته وإن وقف وجوبه على الدخول فكالعفو عما انعقد سبب وجوبه "فإن" امتنع من بيان قدره "فرضه الحاكم" لأنه معد لذلك فدل على أنه لو فرضه أجنبي لها لم يصح وإن رضيته وفيه وجه بالصحة فإن سلم إليها ما فرض لها فرضيته فهل يصح فيه احتمالان فإن قلنا يصح فطلقت قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج "ولم يجز إلا بمقداره" لأن الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها والعدل المثل ولأنه إنما يفرض بدل البضع فوجب أن يتقدر به كالسلعة إذا تلفت وحينئذ يلزمها فرضه بحكمه فدل أن ثبوت سبب المطالبة كتقديره أجرة المثل والنفقة ونحوه حكم فلا يغير حاكم آخر ما لم يتغير السبب كيسره في النفقة أو عسره.
"وإن تراضيا على فرضه جاز عليه من قليل وكثير" سوءا كانا عالمين بمهر المثل أو لا لأن الحق لهما لا يعدوهما لأنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها

(7/156)


وإن مات أحدهما قبل الإصابة ورثه صاحبه ولها مهر نسائها وعنه: أنه يتنصف بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها وإن طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها عليه إلا المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
ـــــــ
من ماله فوق ما يلزمه وإن رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها ويصير ما فرضاه كالمسمى في العقد في أنه يتنصف بالطلاق ولا تجب لها المتعة.
تنبيه: يجوز الدخول بالمرأة قبل إعطائها شيئا للخبر وعن ابن عباس وابن عمر لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا للخبر وجوابه بأنه محمول على الاستحباب ويجب المسمى بوطء أو خلوة من يطأ مثله بمن يوطأ مثلها بدون مانع عرفا وفي المانع حسا أو شرعا روايتان.
"وإن مات أحدهما قبل الإصابة" وقبل الفرض "ورثه صاحبه" بغير خلاف نعلمه لأن عقد الزوجية صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص "ولها مهر نسائها" في ظاهر المذهب لحديث ابن مسعود ولأن الموت يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل كالدخول "وعنه: أنه يتنصف بالموت" لأن المفروض لها يخالف التي لم يفرض لها في الطلاق فجاز أن يخالفها بعد الموت ولأنها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب لها مهر المثل كفرقة الطلاق "إلا أن يكون قد فرضه لها" الحاكم فإنه لا يتنصف لأن الفرض يجعله كالمسمى ولو سمى ثم مات لوجب كله فكذا إذا فرضه.
"وإن طلقها قبل الدخول بها لم يكن لها عليه إلا المتعة" هذا المذهب ونص عليه في رواية جماعة وهو قول ابن عباس وابن عمر لقوله تعالى: {إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: من الآية49] ولقوله تعالى : {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: من الآية241] والأمر يقتضي الوجوب ولأنه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن ذكر العوض كما لو سمى مهرا على الموسع قدره وعلى المقتر قدره أي المتعة معتبرة بحال الزوج؛ لقوله

(7/157)


فأعلاها خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها وعنه: يرجع في تقديرها إلى الحاكم وعنه: يجب لها نصف مهر المثل فإن دخل بها استقر مهر المثل فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة على روايتين أصحهما لا تجب.
ـــــــ
تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية236] وقيل بحالها وقيل بحالهما وعلى الأول "فأعلاها خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها" لقول ابن عباس أعلا المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة وقيدت بما يجزئها في صلاتها لأن ذلك أقل الكسوة.
"وعنه: يرجع في تقديرها إلى الحاكم" لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره "وعنه: يجب لها نصف مهر المثل" لأنها بدل عنه فيجب أن يتقدر به وعنه: يجب للمطلقة قبل الدخول نصف مهر مثلها لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فوجب نصفه بالطلاق كالتي سمى لها وكما لو سمى لها محرما.
فإن دخل بها استقر مهر المثل لأن الدخول يوجب استقرار المسمى فكذا مهر المثل لاشتراكهما في المهر في المعنى الموجب للاستقرار "فإن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة على روايتين أصحهما لا تجب" وجزم به في "الوجيز" لأن كل من وجب لها نصف المهر لم يجب لها متعة سواء كانت ممن سمى لها صداقا أو لا ولأنه وجب لها مهر المثل فلم يجب لها المتعة لأنه كالبدل مع مهر المثل والثانية لكل مطلقة متاع روى عن علي والحسن وسعيد بن جبير وغيرهم للآية والمذهب أن المتعة لا تجب إلا لحرة أو سيد أمة على زوج بطلاق قبل الدخول كمن لا مهر لها لأنه تعالى قسم المطلقات قسمين وأوجب المتعة لغير المفروض لهن ونصف المسمى لغير المفروض لهن وذلك يدل على اختصاص كل قسم بحكمه مع أن أبا بكر قال العمل عندي على الثانية لتواتر الروايات عنه بخلافها فإنه لم يرو

(7/158)


فصل
ومهر المثل معتبر بمن يساويها من نساء عصبتها كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها وعنه: يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد فإن لم يكن في نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها وإن لم يوجد فوقها،
ـــــــ
عنه هذا إلا حنبل وعنه: تجب المتعة إلا لمن دخل بها وسمى لها.
فرع: لا متعة للمتوفى عنها بغير خلاف لأن النص لم يتناولها وإنما يتناول المطلقات ولأنها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود. فصل
"ومهر المثل معتبر بمن يساويها من نساء عصبتها" من جهة أبيها وجدها "كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها" قال في "الشرح" هو الأولى لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق بمثل مهر قومها ولأن شرف المرأة معتبر في مهرها وشرفها بعصباتها لأنهم نسباؤها وأمها وخالتها لا يساويانها في شرفها وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة وبالعكس وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب من نساء عصباتها كأختها لأبيها ثم عماتها "وعنه: يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها" جزم بها في "الوجيز" وقدمها في "المحرر" و "المستوعب" و "الفروع" لأن مطلق القرابة له أثر له في الجملة وأمها وخالتها يشملهما حديث ابن مسعود لها مهر نسائها وحينئذ يعتبر بمن يساويها في الصفات الحسنة والمال والبلد بالأقرب فالأقرب منهن.
"وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد" لأن مهر المثل بدل متلف المفقودة فإن لم يكن في نسائها من هو مثل حالها فمن نساء أرحامها "فإن لم يكن في نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها" لأن زيادة فضيلتها تقتضي زيادة المهر "وإن لم يوجد إلا فوقها

(7/159)


نقصت بقدر نقصها" وإن كانت عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك وإن كان من عادتهم التأجيل فرض مؤجلا في أحد الوجهين فإن لم يكن لها أقارب اعتبرت بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها وأما النكاح الفاسد فإذا افترقا قبل الدخول بطلاق أوغيره فلا مهر فيه فإن دخل بها استقر عليه المسمى.
ـــــــ
"نقصت بقدر نقصها" كأرش العيب مقدر بقدر نقص المبيع ولأن له أثرا في تنقيص المهر فوجب أن يترتب بحسبه "وإن كان عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك" لأن العادة لها أثر في المقدار فكذا في التخفيف لا يقال مهر المثل بدل متلف فوجب أن لا يختلف كسائر المتلفات لأن النكاح يخالف سائر المتلفات باعتبار أن المقصود منه أعيان الزوجين بخلاف بقية المتلفات فإن المقصود منه المالية خاصة فلذلك لم يختلف باختلاف العوائد. والمهر يختلف باختلاف العوائد.
"وإن كان عادتهم التأجيل فرض مؤجلا في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأنه مهر نسائها والثاني يفرض حالا لأنه بدل متلف فوجب الحلول كقيم المتلفات وكما لو لم يكن لهم عادة بالتأجيل فلو اختلفت مهورهن أخذ بالوسط الحال.
"فإن لم يكن لها أقارب اعتبرت بنساء بلدها" لأن ذلك لا أثر له في الجملة ثم بأقرب النساء شبها بها لأنه لما تعذر الأقارب اعتبر أقرب النساء شبها بها من غيرهن كما اعتبر قرابتها البعيد إذا لم يوجد القريب.
"وأما النكاح الفاسد فإذا افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر فيه" لأن المهر يجب بالعقد والعقد فاسد فوجوده كعدمه كالبيع الفاسد وظاهره ولو لموت قال في "الفروع" ويتوجه أنه على الخلاف في وجوب العدة به وتقرره بالخلوة وفي مختصر ابن رزين يستقر به وفي "الرعاية" إذا طلق قبل الدخول فلا يقع ففي سقوط المهر وإيجابه احتمالان.
"فإن دخل بها ووطئها استقر عليه المسمى" في المنصوص وقدمه في

(7/160)


وعنه يجب مهر المثل وهي أصح ولا يستقر بالخلوة وقال أصحابنا يستقر ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنى.
ـــــــ
"الفروع" لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة ولها الذي أعطاها بما أصاب منها رواه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال بإسنادهما "وعنه: يجب مهر المثل وهي أصح" جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر الخرقي لقوله عليه السلام: "فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها" فجعل لها المهر بالإصابة والإصابة إنما توجب مهر المثل لأن العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسيسها لم يكن لها عليه شيء وإذا لم يكن موجبا كان وجوده كعدمه وكوطء الشبهة ولأن التسمية لو فسدت لوجب مهر المثل فكذا إذا فسد العقد.
"ولا يستقر بالخلوة" وهو رواية وقاله أكثر العلماء كمن منعته الوطء أو افترقا بلا وطء ولا خلوة "وقال أصحابنا: يستقر" نص عليه قياسا على العقد الصحيح وفي "المغني" الأول أولى لأن الصداق إنما أوجبه الوطء ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول أشبه الخلوة بالأجنبية ولأنه عليه السلام جعل المهر بما استحل من فرجها ولم يوجد وقيل لا يكمل بها.
فرع: لا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل الطلاق أو فسخ فإن أبى الزوج فسخه الحاكم نص عليه وظاهره لو زوجها قبل فسخه لم يصح مطلقا فإن زوجت نفسها بلا شهود ففي تزويجها قبل فرقة روايتان في "الإرشاد" وهما في "الرعاية" بلا ولي أو بدونهما.
"ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة" بغير خلاف علمناه كبدل متلف،
"والمكرهة على الزنى" أي يجب لها مهر المثل بوطء في قبل ولو من مجنون في ظاهر المذهب ولا يلحقه نسبه وعنه: المهر للبكر اختاره أبو بكر وعنه: لا يجب لمكرهة اختاره الشيخ تقي الدين لأنه خبيث وظاهره لا يجب لمطاوعة وصرح به في "الكافي" لأنها باذلة فلم يجب لها شيء كما لو أذنت في قطع طرفها ويستثنى منه الأمة وفي وطء دبر وأمة

(7/161)


ولا يجب معه أرش البكارة ويحتمل أن يجب للمكرهة وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أرش بكارتها.
ـــــــ
أذنت وجهان وفي "الانتصار" لمطاوعة ويسقط وعنه: لا مهر لذات رحم وعنه: تحرم بنتها كلواط قال بعضهم بخلاف مصاهرة لأنه طارئ قال المؤلف ورضاع.
"ولا يجب معه أرش البكارة" كالوطء في نكاح صحيح "ويحتمل أن يجب للمكرهة" وهو رواية لأنه إتلاف جزء فوجب عوضه كما لو جرحها ثم وطئها والأولى أولى لأن المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطء لأن الأرش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر على مهر الثيب ببكارتها وكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة ولا يجب عوضهما مرة ثانية.
تنبيه: يتعدد المهر بتعدد الشبهة والزنى لا بتكرر الوطء في الشبهة قاله في "الترغيب" وغيره وذكر أبو يعلى الصغير يتعدد بتعدد الوطء في الشبهة لا في نكاح فاسد وفي "المغني" و"النهاية" يتعدد في نكاح فاسد ووطئه مكاتبته إن استوفت مهرا عن الوطء الأول وإلا فلا ومن نكاحها باطل بالإجماع كالمزوجة والمعتدة فهي كالمكرهة جزم به الجماعة وعنه: يلزم المسمى وعنه: لا مهر لمحرمة بنسب ذكرها ابن عقيل.
"وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها" أو أزالها بأصبع أو غيرها "فعليه أرش بكارتها" هذا هو المذهب لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير ديته فرجح فيها إلى الحكومة كسائر مالم يقدر ولأنه إذا لم يكمل الصداق به في حق زوج ففي حق الأجنبي أولى وقال القاضي يجب مهر المثل هذا رواية عن أحمد لما روى سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن إبراهيم أن رجلا كانت عنده يتيمة فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت بنسوة فأذهبتن عذرتها وقالت لزوجها فجرت فأخبر علي بذلك فأرسل إلى امرأته والنسوة فلما أتين لم يلبثن أن اعترفن بما صنعن فقال للحسن بن علي اقض فيها فقال:

(7/162)


وقال القاضي يجب مهر المثل وإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال.
ـــــــ
الحد على من قذفها والعقر عليها وعلى الممسكات.
ولأنه إتلاف يستحق به مهر المثل في العقد فإذا أتلفه أجنبي وجب مهر المثل كمنفعة البضع ونقل مهنا فيمن تزوج بكرا فدفعها هو وأخوه فأذهبا عذرتها ثم طلقها قبل الدخول إن على الزوج نصف الصداق وعلى الأخ نصف العقر روى عن علي والحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان وهذه قصص مشتهرة ولم تنكر فكانت كالإجماع والأول هو القياس لولا ماروي عن الصحابة وأرش البكارة ما بين مهر البكر والثيب.
"وإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى" في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] الآية لأنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد فلم يضمنه كغيره كما لو أتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا فإن أحمد قال إذا فعل ذلك أجنبي فعليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى وظاهره أنه لا يجب أرش البكارة وقيل بلى إن قيل يجب على الأجنبي أرشها فيعطي حكمه من حين الإتلاف ويمتاز عليه بنصف المسمى لكونه قبل الدخول.
فرع: لو وطئ ميتة لزمه المهر في ظاهر كلامهم قال في "الفروع" وهو متجه وفي كلام القاضي ما يدل على خلافه وإن مات أو طلق من دخل بها فوضعت في يومها ثم تزوجت فيه وطلق قبل دخوله بها ثم تزوجت في يومها من دخل بها فقد استحقت في يوم واحد بالنكاح مهرين ونصفا ذكره المؤلف في فتاويه.
"وللمرأة" سمي لها أو مفوضة "منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال" حكاه ابن المنذر إجماعا لأن في إجبارها أولا على تسليم نفسها خطرا بإتلاف البضع،

(7/163)


فإن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع فهل لها ذلك على وجهين.
ـــــــ
ولا يمكن الرجوع فيه بخلاف المبيع وقيل أو حل قبل التسليم وسافر بلا إذنه في أصح الروايتين ولها النفقة إذا امتنعت ولو كان معسرا والسفر بغير إذنه لأنه امتناع بحق أشبه ما لو امتنعت للإحرام بحجة الإسلام وعلل أحمد وجوب النفقة بأن الحبس من قبله وظاهر كلام جماعة لا نفقة قال في "الفروع" وهو متجه وظاهره أنه إذا كان مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بتأجيله رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه كتأجيل الثمن فأما إذا كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل ولا فرق بين حلوله بعد تأجيله وعدمه صرح به في "المغني" لأن التسليم قد وجب عليها فاستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه.
فرع: إذا كانت محبوسة أو لها عذر يمنع التسليم وجب تسليم الصداق كمهر الصغيرة في الأصح.
"فإن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع فهل لها ذلك على وجهين" إذا سلمت نفسها تبرعا فدخل أو خلا ثم أرادت المنع فقد توقف أحمد في الجواب عنها وفيه وجهان أحدهما لا يملكه واختاره الأكثر منهم صاحب "الوجيز" لأن التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمتنع منه كتسليم البائع المبيع وفيه تنبيه: على الفرق بين المتبرع بالتسليم وعدمه وهو قادح في صحة القياس والثاني واختاره ابن حامد على أن لها المنع لأنه تسليم يوجبه العقد فكان لها أن تمتنع منه قبل صداقها كما لو لم تتبرع بتسليم نفسها فأما إن وطئها مكرهة لم يسقط حقها من الامتناع صرح به في "المغني" و "الشرح" كالبائع المكره على التسليم والأصح أنه إذا أظهر معيبا بعد قبضه وتسليم نفسها أن لها المنع.
فرع: إذا أبى كل من الزوجين التسليم الواجب أجبر زوج ثم زوجة وإن بادر به أحدهما أجبر الآخر عليه فلو أبت التسليم بغير عذر فله استرجاع الصداق.

(7/164)


وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ وإن أعسر بعده فعلى وجهين ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم.
ـــــــ
"وإن أعسر بالمهر" الحال "قبل الدخول فلها الفسخ" اختاره أبو بكر وجزم به في "الوجيز" كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وقيل لا يفسخ اختاره ابن حامد وصححه في "المغني" لأنه دين فلم ينفسخ بالإعسار كالنفقة الماضية والثمن كل مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة والعادة تأخيره.
"وإن أعسر بعده" أي بعد الدخول "فعلى وجهين" هما مبنيان على منع نفسها إن قلنا لها منع نفسها بعد الدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين آخر والأشهر أن الحرة مكلفة الفسخ بعده مالم تكن عالمة بعسرته ونقل ابن منصور إن تزوج مفلسا ولم تعلم المرأة لا يفرق بينهما إلا أن يكون قال عندي عوض ومال وغيره فإن رضيت بالمقام فلا فسخ في الأصح لكن لها منع نفسها.
فرع: المنع والفسخ لسيد الأمة وقيل لا وهو أولى كولي الصغيرة والمجنونة.
"ولا يجوز الفسخ إلا بحكم" حاكم في الأصح لأنه فسخ مختلف فيه كالفسخ للعنة والإعسار بالنفقة ولأنه يفضي أن يكون للمرأة زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر والثاني يجوز بغير حكم كخيار المعتقة تحت عبد والأول أصح إذ القياس على المعتقة غير صحيح لأنه متفق عليه وهذا مختلف فيه والله أعلم.

(7/165)


باب الوليمة
ـــــــ
باب الوليمة
قال في "المستوعب" وليمة الشيء كماله وجمعه وسميت دعوة العرس

(7/165)


وهي اسم لدعوة العرس خاصة وهي مستحبة والإجابة إليها واجبة.
ـــــــ
وليمة لاجتماع الزوجين يقال أولم إذا صنع وليمة.
"وهي اسم لدعوة العرس خاصة" لا تقع على غيره حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أئمة اللغة وقال بعض أصحابنا تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل الشأن وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب.
والأطعمة التي يدعى إليها الناس عشرة الأولى وليمة العرس والثانية عذرة وإعذار للختان والثالثة خرسة وخرس للولادة والرابعة وكيرة لدعوة البناء والخامسة نقيعة لقدوم الغائب والسادسة عقيقة الذبح لأجل الولد والسابعة حذاق لأجل حذاق الصبي والثامنة مأدبة وهي كل دعوة بسبب كانت أو غيره ذكر ذلك في "المغني" وغيره والتاسعة وضيمة وهي طعام المأتم نقله الجوهري عن الفراء والعاشرة تحفة لقدوم الغائب ذكره أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي وشدخية لطعام أملاك على زوجة وشداخ لمأكول في ختمة القارئ.
"وهي مستحبة" بالعقد قاله ابن الجوزي ولا خلاف بين أهل العلم في أن وليمة العرس سنة مشروعة لأنه عليه السلام أمر بها وفعلها قال لعبد الرحمن بن عوف تزوجت قال نعم قال أولم متفق عليه فعلى هذا يستحب بشاة فأقل وعنه: أنها واجبة ذكرها ابن عقيل وكونها للأمر وقال السنة أن يكثر للبكر وجوابه بأنه طعام لسرور حادث أشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب وقوله ولو بشاة للتقليل أي ولو بشيء قليل كشاة فيستفاد منه أن الوليمة جائزة بدونها لما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بمدين من شعير.
"والإجابة إليها واجبة" في الأشهر عنه قاله في الإفصاح وذكر ابن عبد البر أنه لا خلاف فيها إذا لم يكن فيها لهو لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(7/166)


إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول فإن دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام.
ـــــــ
"إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" متفق عليه، وقال عليه السلام: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك لها الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله" رواه البخاري من حديث أبي هريرة وليس المراد به كل طعام الولائم فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها واستحب في "الغنية"إجابة وليمة العرس وكره حضور غيرها على الوجه الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم وقيل فرض كفاية لأنها إكرام وموالاة أشبه رد السلام وقيل مستحبة لفعلها وعنه: إن دعاه من يثق به فإجابته أفضل "إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول" فيشترط لوجوب الإجابة إليها شروط منها أن يعين الداعي المدعو بالدعوى فلو لم يعينه كقوله يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة لم يجب لعدم كسر القلب ومنها أن يكون الداعي مسلما فلا تجب بدعوى الذمي لأنها تراد للإكرام والموالاة وذلك منتف في حقه.
وعنه: في جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان وكذا يخرج في إجابتهم ويشترط فيه ألا يجوز هجره فإن جاز كمبتدع ونحوه لم تجب ومنع في "المنهاج"من فاسق ومبتدع ومفاخر بها أو فيها مبتدع يتكلم ببدعته إلا لراد عليه وكذا مضحك بفحش أو كذب وإلا أبيح القليل وفي "الترغيب" إن علم حضور الأراذل ومن مجالستهم تزري بمثله لم يجب ومنها أن يكون في اليوم الأول فإن كان في الثاني لم يجب لما روى ابن مسعود مرفوعا قال: "طعام أول يوم حق والثاني سنة والثالث سمعة ومن سمع سمع الله به" رواه الترمذي وقال: لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله وهو كثير الغرائب وروى له مسلم وكذا البخاري مقرونا بغيره ويشترط أن يكون مكسبه طيبا في المنصوص ومنها أن لا يكون فيها منكر وسيأتي.
"فإن دعى الجفلى كقوله أيها الناس تعالوا إلى الطعام" أو يقول الرسول:

(7/167)


أو دعاه فيما بعد اليوم الأول أو دعاه ذمي لم تجب الإجابة وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة.
ـــــــ
أمرت أن أدعو من لقيت أو شئت فهذه دعوة عامة لا يخص فيها أحدا "أو دعاه فيما بعد اليوم الأول" أي إذا تكرر فعل الوليمة أكثر من يوم جاز لما روى الخلال بإسناده عن أبي أنه عرس الأنصار ثمانية أيام لكن إن كان في الثاني فيستحب قاله أحمد ويكره في الثالث لأنه قصد الرياء والسمعة وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة مرتين فأجاب فلما دعي الثالثة حصب الرسول رواه الخلال.
"أو دعاه ذمي لم تجب الإجابة" لأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة ودعواه الجفلى وإجابة الذمي قيل بجوازها وقيل يكره وقيل له في رواية أبي داود ويجيب دعوة الذمي قال نعم قيل يأكل عند المجوسي قال لا بأس مالم يأكل من قدورهم.
"وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة" قطع به المؤلف في كتبه واختاره أبو حفص العكبري لما فيه من إطعام الطعام وجبر القلوب ولأن في فعلها شكرا لنعمة الله تعالى وإظهارا لإحسانه وظاهر رواية ابن منصور ومثنى يجب لما روى ابن عمر مرفوعا قال: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان إوغير عرس" رواه مسلم وأبو داود وجوابه بحمله على الاستحباب مع أن أحمد نص على إباحة بقية الدعوات اختاره الأكثر ويستثنى منه العقيقة فإنها تسن وعنه: تكره دعوة الختان لقول عفان بن أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه رواه أحمد وفيه ضعف وكالمأتم وظاهر "الخرقي" أن الإجابة إلى دعوة الختان مباحة ونص عليه أحمد وقاله القاضي وعامة أصحابه كعملها وظاهر كلام الأكثر على استحباب الإجابة مطلقا نص عليه وفي "الغنية"يكره لأهل الفضل والعلم المسارعة إلى إجابة الطعام والتسامح لأن فيه دناءة وشرها لا سيما الحاكم.

(7/168)


وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر وإن كان نفلا أو كان مفطرا أستحب له الأكل فإن أحب دعا وانصرف وإن دعاه اثنان أجاب أولهما.
ـــــــ
"وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر" يعني أن الصائم إذا دعي تسقط الإجابة فإذا حضر وكان الصوم واجبا لم يفطر لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم" رواه أبو داود ورواه مسلم أيضا ولفظه: "إن كان صائما فليصل" ولأن الصوم واجب عليه فلم يجز تركه ولأن صاحب الطعام يعذره فلا يؤدي إلى كسر قلبه.
"وإن كان نفلا أفطر" لأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه المسلم وقيل إن جبر قلب داعيه وقيل يدعو أو ينصرف نص عليه ويستحب له إعلامهم بصومه وهو قول عثمان وابن عمر لأن التهمة تزول ويتمهد عذره.
"أو كان مفطرا استحب له الأكل" إن شاء قاله أحمد وفي "الواضح" ظاهر الحديث وجوبه وفي مناظرات ابن عقيل لو غمس أصبعه في ماء ومصها حصل به إرضاء الشرع وإزالة المأثم بإجماعنا ومثله لا يعد إجابة عرفا بل استخفافا بالداعي "فإن أحب دعا وانصرف" لدخوله في قوله عليه السلام: "وإن كان صائما فليدع" ولأن الأكل غير واجب نصا لقوله عليه السلام: "إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك" رواه مسلم من حديث جابر وقوله: "فليطعم" محمول على الاستحباب ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم بل المقصود الإجابة.
"وإن دعاه اثنان أجاب أولهما" لقوله عليه السلام: "فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق" رواه أبو داود ولأن إجابته وجبت بدعوته فلم تزل بدعوة الثاني والسبق بالقول وقيل بالباب وظاهره أنه لا يجيب الثاني وهو صحيح لكن بشرط أن لا يتسع الوقت لإجابتهما لأنه لو وجب عليه إجابة الثاني مع عدم اتساع الوقت لأوجبنا عليه ما لا يمكنه فعله إلا بترك واجب مثله

(7/169)


فإن استويا أجاب أدينهما ثم أقربهما جوارا وإن علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا لم يحضر وإن حضر فشاهد المنكر أزاله وجلس فإن لم يقدر انصرف وإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس.
ـــــــ
بل أرجح فإن اتسع الوقت لهما وجبا للأخبار.
"فإن استويا أجاب أدينهما" لأن كثرة الدين لها أثر في التقديم بدليل الأمانة "ثم أقربهما جوارا" وكذا في "المستوعب" لقوله عليه السلام: "إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا" رواه أبو داود وفي "الفروع" يقدم أسبقهما ثم أقربهما وفي "المغني" و "الكافي" يقدم أقربهما جوارا ثم رحما وفي "المحرر" و "الرعاية" و "الوجيز" عكسه ثم القرعة بعد الكل.
"وإن علم أن في الدعوة منكر كالزمر والخمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر" لأنه يؤدي فرضين إجابة الدعوة وإزالة المنكر "وإلا" إذا لم يمكنه الإنكار "لم يحضر" لأن عليه ضررا في الحضور ولأنه يحرم عليه مشاهدة ذلك لقوله عليه السلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها خمر" رواه الترمذي وقال حسن غريب ولأنه يشاهد المنكر من غير حاجة إليه فمنع منه كما لو شاهده مع القدرة على إزالته.
"وإن حضر فشاهد المنكر أزاله وجلس" لأن في ذلك جمعا بين مصلحتي الإنكار ومقصود الإجابة الشرعية "فإن لم يقدر انصرف" لأن الجلوس مع مشاهدة التحريم حرام وقد خرج أحمد من وليمة فيها آنية فضة فقال الداعي نحولها فلم يرجع نقله حنبل.
"وإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس" لأن المحرم رؤية المنكر وسماعه ولم يوجد واحد منهما وله الأكل نص عليه وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه كإسقاط الداعي حرمة نفسه باتخاذ المنكر قال

(7/170)


وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوانات لم يجلس إلا أن تزال فإن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها وإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل يباح على روايتين.
ـــــــ
أحمد لا بأس وفي المذهب و "المستوعب" لا ينصرف وقاله أحمد وإن وجب الإنكار على رواية أو قول.
"وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلا أن تزال" أي إذا كانت صورة الحيوان على الستور والحيطان وما لا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رأسها فعل ذلك وجلس وإن لم يمكنه ذلك انصرف وعليه أكثر العلماء قال ابن عبد البر وهذا أعدل المذاهب لأن عائشة نصبت سترا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه قالت فقطعته وسادتين يرتفق عليهما متفق عليه.
وأما دخول منزل فيه تصاوير فليس بمحرم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة الداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره فلا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد ذكره في "المغني" وفيه وجه.
فائدة: إذا قطع رأس الصورة أو ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه أو جعل له رأس منفصل عن البدن لم يدخل تحت النهي وإن كان الذاهب تبقى الحياة بعده كاليد فتكون فهو صورة وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها للأخبار والأمر بعملها محرم كعملها.
"فإن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها" لأن فيه إهانة لها ولأن تحريم تعليقها إنما كان لما فيه من التعظيم والاغرار والتشبه بالأصنام التي تعبد وذلك مفقود في البسط لقول عائشة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على نمرقة فيها تصاوير رواه ابن عبد البر ولأن فيه إهانة كالبسط.
"وإن سترت الحيطان بستور" غير حرير "لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل يباح على روايتين" إحداهما يكره وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة قال أحمد قد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأى

(7/171)


ولا يباح الأكل بغير إذن والدعاء إلى الوليمة إذن فيها والنثار والتقاطه مكروه وعنه: لا يكره.
ـــــــ
البيت قد ستر رواه الأثرم وابن عمر أقر على ذلك وقال أحمد دعي حذيفة فخرج وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم وكراهته لما فيه من السرف في ذلك لا يبلغ به التحريم والأخرى يحرم لما روى الخلال عن علي بن الحسين قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وكما لو كانت الستر حريرا واختار في "المغني" الأول لأنه لم يثبت في تحريمه حديث ولو ثبت حمل على الكراهة فإن كان ضرورة من حر أو برد فلا بأس لأنه يستعمله لحاجة أشبه الستر على الباب وفي جواز خروجه لأجله وجهان فلو كان فيها آنية ذهب أو فضة فهو منكر يخرج من أجله وكذا ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة.
"ولا يباح الأكل بغير إذن" صريح أو قرينة كدعائه إليه نص عليه لأن أكل مال غيره بغير إذنه محرم كلبس ثوبه وركوب دابته "والدعاء إلى الوليمة إذن فيها" جزم به في "المغني" وغيره لقوله عليه السلام: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" رواه أبو داود بإسناد جيد وعن ابن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك رواه أحمد وظاهره ولو من بيت قريبه وصديقه ولم يجوزه عنه نقله ابن القاسم وجزم به جماعة أنه يجوز واختاره الشيخ تقي الدين وهو أظهر وفي "الفروع" ليس الدعاء إذنا للدخول في ظاهر كلامهم وجزم القاضي في "المجرد" وابن عقيل فيمن كتب من محبرة غيره يجوز في حق من تنبسط إليه ويأذن له عرفا.
"والنثار والتقاطه مكروه" على المذهب لأنه عليه السلام نهى عن النهي والمثلة رواه أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري ولأن فيه تزاحما وقتالا وقد يأخذه من غيره أحب إلى صاحبه وربما دل على دناءة نفس المنتهب لا يقال ظاهره التحريم لأنه مردود بالإجماع انه للإباحة ذكره في "المغني" ولأنه نوع إباحة لمال فلم يكن محرما كسائر الإباحات.
"وعنه: لا يكره" اختارها أبو بكر وقاله الحسن وقتادة لما روى عبد الله بن

(7/172)


ومن حصل في حجره شيء فهو له ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف.
ـــــــ
قرط قال: قرب للنبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فقال: "من شاء اقتطع" رواه أبو داود وقال هذا جار مجرى النثار وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الأنصار وجعل يزاحم الناس على النهبة قالوا يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة قال إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ولم أنهكم عن نهبة الولائم رواه العقيلي ولأنه نوع إباحة أشبه إباحة الطعام للضيفان وعنه: لا يعجبني هذه نهبة لا تؤكل وفرق ابن شهاب وغيره بأنه بذبحه زال ملكه والمساكين عنده سواء والنثر لا يزيل الملك.
"ومن حصل في حجره فهو له" لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو ثبت إليه سمكة وليس لأحد أخذه وفي لمحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان.
فرع: إذا قسم على الحاضرين فلا بأس لقول أبي هريرة قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمرا وقد روى عن أحمد أنه حذق بعض ولده فقسم الجوز لكل واحد خمسة ولأن بذلك تنتفي المفسدة مع أن فيه إطعام الطعام وجبر القلوب وانبساطها وهو مصلحة محضة.
"ويستحب إعلان النكاح والضرب عليه بالدف" لما روى محمد بن حاطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح" رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه قال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشهر ويعرف قيل ما الدف قال هذا الدف قيل له في رواية جعفر يكون فيه جرس قال لا قال أحمد يستحب ضرب الدف والصوت في الأملاك فقيل له ما الصوت قال يتكلم ويتحدث ويظهر ولا بأس بالغزل فيه كقوله عليه السلام للأنصار:
"أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم"

(7/173)


......................................
ـــــــ
وإنما يستحب الضرب به للنساء وجزم به في "الوجيز" وظاهر نصه وكلام الأصحاب يدل على التسوية قيل له في رواية المروذي ما ترى للناس اليوم تحرك الدف في أملاك أو بناء بلا غناء فلم يكره ذلك وختان وقدوم غائب مثله نص عليه وعلم منه تحريم كل ملهاة سواه كمزمار وطنبور ورباب وجنك سواء استعمل لحزن أو سرور وسأله ابن الحكم عن النفخ في القصبة كالمزمار قال أكرهه وفي القصص وجهان وفي "المغني" لا يكره إلا مع تصفيق أو غناء أو رقص ونحوه وكره أحمد الطبل لغير حرب واستحبه ابن عقيل لتنهيض طباع الأولياء وكشف صدور الأعداء وليس عبثا.
فصل يتعلق بآداب الأكل وغيره
الأول: يستحب غسل يديه قبل الطعام وبعده نص عليه وإن كان على وضوء وعنه: يكره قبله اختاره القاضي واستحبه في المذهب بعد، قاله عمر ويكره بطعام ولا بأس بنخالة وغسله في الإناء الذي أكل فيه نص عليهما قال بعضهم ويكره بدقيق حمص وعدس وباقلا ونحوه.
الثاني: إنه إذا قدم إليه الطعام فإنه يحرم أخذه فإن علم به بقرينة رضى مالكه وفي "الترغيب" يكره وقيل يباح وانه يكره مع ظنه رضاه ولا يملكه بتقديمه إليه بل يهلك على ملك صاحبه.
الثالث: يلعق أصابعه قبل غسلها أو يلعقها ويعرض الماء لغسلهما ويقدمه بقرب الطعام وبعده نص عليه وإن كان على وضوء وعنه: يكره ولا يعرضه ذكره في "التبصرة"
الرابع: يستحب له التسمية في ابتدائه ويأكل بيمينه ويحمد إذا فرغ وقيل يجب ذلك قال الأصحاب يقول بسم الله وفي الخبر المشهور يقول: "بسم الله أوله وآخره" قال الشيخ تقي الدين لو زاد الرحمن الرحيم

(7/174)


.......................................
ـــــــ
كان حسنا بخلاف الذبح ونقل ابن هانئ أنه جعل عند كل لقمة يسمى ويحمد قال أحمد يأكل بالسرور مع الإخوان وبالإيثار مع الفقراء وبالمروءة مع أبناء الدنيا وأكل وحمد خير من أكل وصمت.
الخامس: يستحب الأكل بثلاث أصابع مما يليه قال جماعة والطعام نوع واحد قال الآمدي لا بأس وهو وحده وقال ابن حامد ويخلع نعليه.
السادس: يكره عيب الطعام وحرمه في "الغنية"ونفخه فيه وقال الآمدي لا يكره وهو حار وأكله حارا أو فعل ما يستقذره من غيره ورفع قبلهم بلا قرينة ومدح طعامه وتقويمه وحرمهما في "الغنية"وتنفسه في إنائه وأكله من وسطه وأعلاه قال أحمد ومتكئا وعلى الطريق قاله في "الغنية".
السابع: يكره قرانه في التمر وقيل مع شريك لم يأذن قال بعضهم وكذا قران ما العادة جارية بتناوله مفردا ونقل مهنا أكره أن يستعمل الخبز على المائدة ولا بأس بتكسيره قال أحمد لئلا يعرف ما يأكلون.
الثامن: له قطع لحم بسكين والنهي عنه لا يصح قاله أحمد واحتجوا بنهي ضعيف على الكراهة ولو على قول قال في "الفروع" فيتوجه هنا مثله بلا حاجة.
التاسع: يجوز أكله كثيرا حيث لا يؤذيه وفي "الغنية"يكره مع خوف تخمة وحرمه الشيخ تقي الدين وكذا الإسراف فيه إلى مجاوزة الحد ولا بأس بإطعام ما جرت به العادة كسائل وسنور وتلقيم وفي تقديم الأظهر جوازه.
العاشر: لا يكره شربه قائما نقله الجماعة وعنه: بلى وسأله صالح عن شربه قائما في نفس قال أرجو وفي "الفروع" ويتوجه كأكل وظاهر كلامهم لا يكره أكله قائما ويتوجه كشرب قاله شيخنا وكره أحمد الشرب من في السقاء والجلوس بين ظل وشمس والنوم بعد العصر وعلى

(7/175)


ـــــــ
سطح غير محجر واستحب القائلة نصف النهار والنوم إذن.
الحادي عشر: لا بأس بالتخليل قال في رواية عبد الله عن ابن عمر ترك الخلال يوهن الأسنان قال الأطباء هو نافع للثة وتغير للنكهة.
الثاني عشر: لا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا لأنه فعل السلف نقل أبو داود لا بأس أن يتناهد في الطعام ويتصدق منه لم يزل الناس يفعلونه ويتوجه رواية لا يتصدق منه إلا بإذن.
مسألة: له دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما وعنه: يكره وعنه: مع صورة وظاهر كلام جماعة تحريم دخوله معها ويحرم شهود عيد ليهود أو نصارى نقله مهنا وكرهه الخلال وفيه تنبيه: على المنع أن يفعل كفعلهم قاله الشيخ تقي الدين لا البيع لهم فيها نقله مهنا وحرمه الشيخ تقي الدين وخرجه على الروايتين في حمل التجارة إلى دار الحرب وإن مثله مهاداتهم لعيدهم والله أعلم.

(7/176)


باب عشرة النساء
يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف وأن لا يمطله بحقه ولا يظهر الكراهة لبذله.
ـــــــ
باب عشرة النساء
وهي ما يكون بينه وبين أهله من الألفة والانضمام.
"يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف" والمراد هنا النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وأن لا يمطله هو بضم الطاء والمطل الدفع عن الحق بوعد "بحقه ولا يظهر الكراهة لبذله" لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19] {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية228] قال أبو زيد يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين فيكم وقال ابن

(7/176)


وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها.
ـــــــ
الجوزي وغيره: هو المعاشرة الحسنة والصحبة الجميلة قال ابن عباس إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لهذه الآية فعلى هذا يلزم تحسين الخلق والرفق واستحبهما في "المغني" و "الشرح" كاحتمال أذاه لقوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: من الآية36] قيل هو كل واحد من الزوجين ولقوله تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء: من الآية19] قال ابن عباس: "ربما رزق منها ولد فجعل الله فيه خيرا كثيرا" وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء" متفق عليه ولفظه لمسلم وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة باتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة" رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب فدل على أن حق الزوج عليها آكد من حقها عليه.
"وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة" لأن بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض وكالإجارة "في بيت الزوج" لأن الحق له فملك تعيين موضعه وله شروط "إذا طلبها" لأن الحق له فلا يجب بدون الطلب "وكانت حرة" لأن الأمة لا يجب تسليمها مطلقا بل ليلا لأن النهار تكون في خدمة سيدها "يمكن الاستمتاع بها" لأن التسليم إنما وجب ضرورة استيفاء الاستمتاع الواجب فإذا لم يمكن الاستمتاع بها لم يكن واجبا وظاهره ولو كانت نضوة الخلقة وهو جسيم فإنه يجب تسليمها كما لو كانت مريضة مرضا مزمنا ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها وعبالة ذكره ونحوه وتنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة ولو أنكر أن وطأه يؤذيها لزمها البينة ونص على أنها تكون بنت تسع قال القاضي ليس هذا عندي على سبيل التحديد وإنما ذكره لأنه الغالب ولا يلزم ابتداء تسليم محرمة

(7/177)


ولم تشترط دارها وإن سألت الإنظار وأنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها.
ـــــــ
ومريضة وصغيرة وحائض ولو قال لا أطأ وفيه احتمال، "ولم يشترط دارها" فإن شرطته لزم الوفاء به ويجب عليها تسليم نفسها في دارها، "وإن سألت الإنظار وأنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها" لأن ذلك يسير جرت العادة بمثله يدل عليه قوله عليه السلام: "لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة" فمنع من الطروق وأمر بإمهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فهنا أولى وقيده في "المغني" و "الكافي" و "الشرح" باليومين والثلاثة لأن ما يحتاج إليه يمكن فعله في ذلك لا لعمل جهازها وكذا لو سأل هو الإنظار وفي "الغنية" إن استمهلت هي أو أهلها استحب له إجابتهم ما يعلم به التهيؤ من شراء جهاز وتزين وولي من به صغر أو جنون مثله.
"وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل" مع الإطلاق نص عليه لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتها فلم يجب تسليمها في غير وقتها كما لو آجرها لخدمة النهار فلو شرطه نهارا أو بذله سيد وجب حتى ولو شرطها كونها عند السيد فإن بذله وقد شرطه لنفسه فوجهان.
"وله الاستمتاع بها مالم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها" لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19] ولقوله عليه السلام: "من باتت مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه من حديث أبي هريرة ولأن المقصود من النكاح الاستمتاع فإذا لم يشغلها عن الفرائض ولم يضر بها وجب عليها التمكين منه وظاهره له الاستمتاع بها في قبل ولو من جهة العجز قال ابن الجوزي كره العلماء الوطء بين الآليتين لأنه يدعو إلى الوطء في الدبر ولو كانت على تنور أو ظهر قتب رواه أحمد مرفوعا ولا تطوع بصلاة وصوم إلا بإذنه نقله حنبل وأنها تطيعه في كل ما أمرها به من

(7/178)


وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا الدبر
ـــــــ
الطاعة "وله السفر بها" حتى لو كان عبدا لأنه عليه السلام كان يسافر بنسائه ولأنه تدعو الحاجة إلى الاستمتاع وهو حق عليها فكان له ذلك بلا إذن بشرط أمن الطريق "إلا أن تشترط بلدها" لقوله عليه السلام: "إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج" أو تكون أمة قال في "الشرح" إن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك وفي ملك السيد له بلا إذن زوج صحبه أم لا وجهان وينبني عليها لو بوأها مسكنا ليأتيها الزوج فيه هل يلزمه قاله في "الترغيب".
فرع: له السفر بعبده المزوج بدون إذن زوجته نص عليه واستخدامه نهارا وإن قلنا النفقة والمهر من كسبه لم يمنعه منه.
مسألة: لو قال سيد بعتكها قال زوجتنيها وجب تسليمها للزوج لاتفاقهما على استحقاقه لها ويلزمه الأقل من ثمنها أو مهرها ويحلف لثمن زائد فإن نكل لزمه وعند القاضي لا مهر ولا ثمن ولا يمين عنده على البائع لأنه لا يراها في نكاح وذكر الأزجي كذلك إلا في اليمين قال ولا ترد الأمة إليه لاعترافه بأنها أم ولد ونفقته على أبيه ونفقتها على الزوج وقال الأزجي إن قلنا لا يحل له فهل هي على مالكها السابق أم في كسبها فيه احتمالان.
"ولا يجوز وطؤها في الحيض" إجماعا وسنده الآية "ولا الدبر" في قول أكثر العلماء لما روى أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها" رواه ابن ماجه وقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: من الآية223] أي كيف شئتم إلا الدبر لما روى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزلت هذه الآية أي من بين يديها ومن أنه لا يأتيها إلا في المأتى فإن تطاوعا عليه فرق

(7/179)


ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها ولا عن الأمة إلا بإذن سيدها وله إجبارها على غسل الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات.
ـــــــ
بينهما ويعزر عالم بتحريمه بخلاف وطء الأجنبية وليس لها استدخال ذكره وهو نائم بلا إذنه بل القبلة واللمس لشهوة ذكره في "الرعاية".
"ولا يعزل" أي ينزع قرب الإنزال فينزل خارج الفرج "عن الحرة إلا بإذنها" لما روى ابن عمر قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" رواه أحمد وابن ماجه ولأنه يقطع اللذة عن الموطوءة ولها حق في الولد عليها ضرر فلم يجز إلا بإذنها إلا بدار حرب فيسن عزله مطلقا ذكره في "الفصول" وهو ظاهر الخرقي "ولا عن الأمة" المعقود عليها "إلا بإذن سيدها" لأن الولد حق للسيد فاشترط إذنه وهذا إذا لم يشترط حريته وقيل وإذنها لأنها زوجة تملك المطالبة بالوطء في الفيأة والفسخ عند تعذره بالعنة وترك العزل من تمامه فلم يجز إلا بإذنها كالحرة وقيل يباح العزل مطلقا روى عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس استدلالا بمفهوم حديث الحرة ولأن حقها في الوطء دون الإنزال بدليل أنه يخرج من الفيئة والعنة وقيل عكسه وظاهره أنه يجوز من أمته نص عليه لأنه لا حق لها في الوطء ولا في الولد فلم يملك المطالبة بالقسم والفيئة فلأن لا يملك المنع من العزل أولى وفي أم الولد وجهان.
"وله إجبارها على غسل الحيض" والنفاس مسلمة كانت أم ذمية حرة أو أمة لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فإن احتاجت إلى شراء ماء فثمنه عليه في الأشهر.
"والجنابة" أي له إجبار المسلمة عليه لأنه واجب عليها وفي "الواضح" ظاهر المذهب لا وفي "المحرر" روايتان والنجاسة فإن كانت في فيها فله إجبارها على غسله ليتمكن من الاستمتاع بفيها وكذا لو تزوج مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ "واجتناب المحرمات"

(7/180)


وأخذ الشعر التي تعافه النفس إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض وفي سائر الأشياء روايتان.
فصل
ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من أربع.
ـــــــ
كالسكر لأنه واجب عليها لا ما دونه نص عليه وتمنع من دخول كنيسة وبيعة لاشد الزنار ولا يشتريه لها نص عليه.
"وأخذ الشعر الذي تعافه النفس" كشعر العانة إذا طال رواية واحدة ذكره القاضي وكذا الأظفار فإن طالا قليلا بحيث لا تعافه النفس فوجهان وهل له منعها من أكل ذي رائحة كريهة كبصل وكراث فيه وجهان والصحيح تمنع.
"إلا الذمية فله إجبارها على الغسل من الحيض" والنفاس على الأصح لأن إباحة الوطء تقف عليه والثانية لا تجبر على ذلك فعلى ذلك يطأ بدونه.
"وفي سائر" أي باقي "الأشياء روايتان" أصحهما أنها تجبر لأن كمال الاستمتاع يقف عليه إذ النفس تعاف وطء من عليها غسل أو شربت مسكرا أو لها شعرة والثانية لا تجبر لأن غسل الجنابة والنجاسة واجتناب المحرم عندنا غير واجب عليها وإزالة الشعر غير مشروع عندنا إلا شعر العانة إذا خرج عن العادة فله إجبارها عليه رواية واحدة ذكره في "المغني" و "الشرح" وفي التنظيف والاستحداد وتقليم الأظفار وجهان قال القاضي له إجبارها على الاستحداد إذا طال الشعر.
فصل
"ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من أربع" إذا كانت حرة بطلبها لما روى كعب بن سور أنه كان جالسا ثم عمر بن الخطاب فجاءته امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله إنه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت

(7/181)


وإن كانت أمة فمن كل ثمان وقال أصحابنا من كل سبع وله الإنفراد بنفسه فيما بقي.
ـــــــ
راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فقال وما ذاك فقال إنها جاءت تشكوه إذا كان هذا حاله في العبادة فمتى يتفرغ لها فبعث عمر إلى زوجها وقال لكعب اقض بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهمه قال فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض على البصرة وفي لفظ قال عمر القاضي أنت رواه سعيد ثنا خالد بن عبد الله عن حصين عن عامر الشعبي وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت كالإجماع يؤيده قوله عليه السلام لعبد الله بن عمرو بن العاص: "فإن لجسدك عليك حقا ولزوجك عليك حقا" متفق عليه ولأنه لو لم يجب لها حق لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته به كالزيادة في النفقة على قدر الواجب.
"وإن كانت أمة فمن كل ثمان" اختاره المؤلف وجزم به في "التبصرة" لأنها على النصف من الحرة لأن زيادتها على ذلك تحل بالتنصيف وزيادة الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب فتعين ما ذكرناه "وقال أصحابنا" منهم صاحب "المحرر" و "الوجيز" وقدمه في "الفروع" "من كل سبع" لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر لهن ست ولها السابعة قال في "المغني" و "الشرح" والأول أولى أي لها ليلة من ثمان لتكون على النصف من الحرة فإن حقها من كل ثمان ليلتان فلو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان ولها ليلة ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة ولم يرد أن يزيد لهن على الواجب فقسم بينهن سبعا فما يصنع في الليلة الثامنة إن أوجبنا عليه مبيتهاعند الحرة فقد زاد على الواجب وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره تكون هذه الليلة الثامنة له إن أحب انفرد بها فيها وإن أحب بات ثم الأولى ستا إبقاء للقسم.
"وله الانفراد بنفسه فيما بقي" فإن كان تحته حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال

(7/182)


وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر وإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك.
ـــــــ
من ثمان وله الانفراد في خمس وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وإن كان تحته حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وإن كانت أمة فلها ليلة وله سبع وعلى قول الأصحاب لها ليلة وله ست ولكن قال أحمد ما أحب أن يبيت وحده إلا أن يضطر وقاله في سفره وحده وعنه: لا يعجبني وعن أبي هريرة مرفوعا أنه لعن راكب الفلاة وحده والبائت وحده رواه أحمد وفيه طيب بن محمد قيل لا يكاد يعرف وله مناكير وذكره ابن حبان في الثقات.
"و" يجب عليه "أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر" على المذهب لأنه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب ولأن النكاح شرعه لمصلحة الزوجين ورفع الضرر عنهما وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى رفعه عن الرجل ويكون الوطء حقا لهما جميعا ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالأمة وشرط المدة ثلث سنة لأن الله قدر في حق المؤلي ذلك فكذا في حق غيره وأن لا يكون عذر فإن لم يكن لمرض ونحوه لم يجب عليه من أجل عذره.
"وإن سافر عنها" لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء وإن طال سفره بدليل أنه لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وإن لم يكن عذر مانع من الرجوع فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر ونبه عليه بقوله: "أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك" لما روى أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه
... وطال علي أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا خشية الله والحيا ...
لحرك من هذا السرير جوانبه

(7/183)


إن لم يكن عذر فإن أبى شيئا من ذلك ولم يكن عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما لأنه لو ضربت المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر وعنه: ما يدل على أن الوطأ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب.
ـــــــ
فسأل عنها فقيل له فلانة زوجها غائب عنها في سبيل الله فأرسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك فقالت خمسة أشهر ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة أشهر ويرجعون في شهر وسئل أحمد كم للرجل أن يغيب عن أهله قال يروى ستة أشهر وقد يغيب أكثر من ذلك لأمر لا بد له منه ويلحق بذلك الحج وطلب رزق محتاج إليه نص عليه.
"إن لم يكن عذر" يعني إذا كان له عذر لا يلزمه القدوم لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره.
"فإن أبى شيئا من ذلك ولم يكن عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما" ولو قبل الدخول نص عليه لأنه في معنى مؤل.
قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج بامرأة ولم يدخل بها هل يجبر عليه قال اذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما وعنه: لا يفرق وفي "المغني" هو ظاهر قول أصحابنا وقاله أكثر الفقهاء "لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر" وقيل إن غاب أكثر من ذلك لغير عذر راسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه ولا يجوز الفسخ إلا بحكم الحاكم لأنه مختلف فيه.
"وعنه: ما يدل على أن واجب فيكون هذا كله غير واجب" لأنه حق له فلم يجب عليه كسائر حقوقه والأولى خلافها وفي "الترغيب" ذكر

(7/184)


ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ولا يكثر الكلام حال الوطء ولا ينزع إذافرع: حتى تفرغ.
ـــــــ
القاضي وابن عقيل أنه يلزم من البيتوتة يما يزول معه ضرر الوحشة ويحصل معه الأنس المقصود بالزوجية فلا توقيت فيجتهد الحاكم وفي "المغني" في امرأة من علم خبره كأسير ومحبوس لها الفسخ بتعذر النفقة من ماله إجماعا وإلا فلا وإن تعذر الوطء لعجز كالنفقة وأولى للفسخ يتعذر الإيلاء وقاله أبو يعلى الصغير.
"ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" لقوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: من الآية223] قال عطاء هو التسمية عند الجماع ولما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان" متفق عليه ويستحب تغطية رأسه عنده وعند تخليه ذكره جماعة وأن لايستقبل القبلة وقيل يكره استقبالها قال في رواية عبد الله إن عطاء كره ذلك.
"ولا يكثر الكلام حال الوطء" لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فإنه يكون منه الخرس والفأفاء" رواه أبو حفص وبأنه يكره الكلام حالة البول والجماع في معناه بل أولى منه.
"ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ" لما روى أنس بن مالك مرفوعا قال: "إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" رواه أبو حفص العكبري ولأن في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها وكما يكره متجردين وفي "المستوعب" لا سترة بينهما.
فائدة: يستحب له أن يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله وأن تناوله خرقة بعد فراغه ليتمسح بها وهو مروي عن عائشة.

(7/185)


وله الجمع بين وطء نسائه وإمائه بغسل واحد ويستحب الوضوء عند معاودة الوطء ولا يجوز له الجمع بين زوجتيه في مسكن واحد إلا برضاهما ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرها ولا يحدثهما بما جرى بينهما.
ـــــــ
"وله الجمع بين وطء نسائه وإمائه بغسل واحد" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم "طاف على نسائه في ليلة بغسل" واحد رواه أحمد والنسائي ولأن حدث الجنابة لا يمنع الوطء بدليل إتمام الجماع "ويستحب الوضوء عند معاودة الوطء" نص عليه لما روى أبو سعيد مرفوعا: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" رواه مسلم ورواه ابن خزيمة والحاكم وزادا "فإنه أنشط للعود" فإن اغتسل بين الوطأين فهو أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هو أزكى وأطيب وأطهر" رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي رافع.
"ولا يجوز له الجمع بين زوجتيه في مسكن واحد" صغيرا كان أو كبيرا لأن اجتماعهما يثير العداوة والغيرة وينشر الخصومة والمقاتلة "إلا برضاهما" لأن الحق لهما فلهما حق المسامحة بتركه كبيتوتته بينهما في لحاف واحد وجوز في "المغني" و "الترغيب" جعل كل واحدة في بيت مسكن مثلها وفي "الرعاية" وقيل يحرم مع اتحاد المرافق وأما جمع زوجته وسريته فيه فيمنع منه إلا برضى الزوجة فقط لثبوت حقها كالجماع والسرية لا حق لها في الاستمتاع.
مسألة: يجوز نوم الرجل مع زوجته بلا جماع بحضرة محرمها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
"ولا يجامع إحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرها" طفل لا يعقل أو يسمع حسهما ولو رضيتا وذكر المؤلف أن ذلك حرام لأن فيه دناءة وسقوط مروءة وربما كان وسيلة إلى وقوع الرائية في الفاحشة لأنها قد تثور شهوتها بذلك قال أحمد في الذي يجامع امرأته والأخرى تسمع قال كانوا يكرهون الرجس وهو الصوت الخفي.
"ولا يحدثهما بما جرى بينهما" لأنه سبب لإثارة الغيرة وبغض إحداهما

(7/186)


وله منعها من الخروج عن منزله فإن مرض بعض محارمها أومات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه.
ـــــــ
الأخرى وحرمه في "الغنية"والآدمي قال في "الفروع" وهو أظهر وحرم في "أسباب الهداية" إفشاء السر وقيده في "الرعاية" بالمضر ولأحمد ومسلم من حديث أبي سعيد "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه".
"وله منعها من الخروج عن منزله" إلى مالها منه بد. سواء أرادت زيارة والدتها أو حضور جنازة أحدهما لما روى أنس أن رجلا منع زوجته الخروج فمرض أبوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "اتقي الله ولا تخالفي زوجك" فمات أبوها فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في حضور جنازته فقال لها كالأول فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني قد غفرت لها بطاعة زوجها" رواه ابن بطة ولأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب فلو خرجت بلا إذنه حرم ولا تستحق نفقة ونقل أبو طالب إذا قام بحوائجها وإلا لابد لها قال الشيخ تقي الدين فيمن حبسته بحقها إن خاف خروجها بلا إذنه أسكنها حيث لا يمكنها فإن لم يكن له من يحفظها غير نفسه حبست معه فإن عجز عن حفظها أو خيف حدوث شر أسكنت في رباط ونحوه ومتى كان خروجها مظنة للفاحشة صار حقا لله يجب على ولي الأمر رعايته.
"فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه" لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها قطيعة الرحم وحمل لها على مخالفته وأوجبه ابن عقيل للعيادة وقيل أو نسيب وقيل لها زيارة أبويها ككلامهما ولا يملك منعها من زيارتها في الأصح ولا يلزمها طاعة أبويها في فراق وزيارة ونحوه بل طاعة زوجها أحق.
فرع: ليس عليها طحن وعجن وخبز نص عليه خلافا للجوزجاني وقاله أبو بكر بن أبي شيبه لأنه عليه السلام قضى على فاطمة ابنته بخدمة البيت وعلى

(7/187)


ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها وتخشى عليه.
ـــــــ
علي ما كان خارج البيت رواه الجوزجاني من طرق وأجيب بأن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وأوجب الشيخ تقي الدين المعروف مثلها لمثله وقال ابن حبيب في الواضحة إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على فاطمة بخدمة البيت وقال أبو ثور عليها أن تخدمه في كل شيء.
"ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها" لأنه يملك الاستمتاع بها وكونها تملك ذلك يؤدي إلى فوات حقه فلم يملكه كما لا تملك منعه من الوطء فلو فعله بإذنه جاز فإن أجرت نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة لأن منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه أشبه بيع المستأجرة وقيل له الفسخ إن جهله وله الوطء وقيل لا إن ضر بلبن "وله أن يمنعها من رضاع ولدها" لأن إرضاعه ليس بواجب عليها وحق الزوج واجب لأن عقد النكاح يقتضي ملكه للاستمتاع في كل زمان سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوته عليه وظاهره سواء كان منه أو من غيره وهو أحد الوجهين فيما إذا كان منه وهو ظاهر كلام القاضي لأنه يخل باستمتاعه والثاني ليس له منعها منه وصرح به المؤلف في النفقات لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: من الآية223] وهو خبر بمعنى الأمر وهو عام في كل والدة وحكم ولد غيرها كذلك "إلا أن يضطر إليها وتخشى عليه" بأن لا يوجد من ترضعه أو لا يقبله من غيرها لأنها حالة ضرورة وحفظ لنفس الولد فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك حيث لم يكن به مثل ضرورته.

(7/188)


فصل في القسم
وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم وعماد القسم الليل إلا لمن معيشته بالليل كالحارس وليس له البداءة بإحداهن ولا السهر بها إلا بقرعة.
ـــــــ
فصل في القسم
القسم بفتح القاف مصدر قسمت الشيء وأما بالكسر فهو النصيب "و" واجب "على الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم" لا نعلم فيه خلافا لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: من الآية19] وليس مع الميل معروف لقوله تعالى: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: من الآية129] وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل" وعن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب رواهما الخمسة ولفظهما لأبي داود وخرج منه الطفل "وعماد القسم الليل" لقوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [الأنعام: من الآية96] ولقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: من الآية73] لأن الليل للسكن والنهار للمعاش "إلا لمن معيشته بالليل كالحارس" فإنه يقسم بين نسائه النهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره لأن النهار يدخل في القسم تبعا بدليل أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه.
فرع: له أن يأتيهن وأن يدعوهن إلى منزله لبعض حق ممتنعه وله دعاء البعض وقيل يدعو الكل أو يأتي الكل فعلى هذا ليست الممتنعة ناشزة والحبس همام إلا أنه إن دعاهن لم يلزم ما لم يكن سكن مثلهن.
"وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر بها إلا بقرعة" لأن البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة لأنهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير لأنه عليه السلام كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فمن خرج سهمها خرج بها معه متفق عليه وظاهره لا يشترط كونه مباحا بل يشترط

(7/189)


فإذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية وليس عليه التسوية بينهن في الوطء بل يستحب ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية.
ـــــــ
كونه مرخصا وقال أكثر العلماء لا يجوز إلا برضاهن أو قرعة.
"فإذا بات عندها بقرعة أو غيرها أتم وقضى" واختار المؤلف لا زمن سيره لزمه المبيت عند الثانية لتعين حقها فإن كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لأنه حقها.
"وليس عليه التسوية بينهن في الوطء بل يستحب" لا نعلم خلافا أنه لا يجب التسوية بينهن في الجماع لأن طريقه الشهوة والميل وإن قلبه قد يميل إلى إحداهن قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: من الآية129] وكالتسوية بين دوابه وكالنفقة والكسوة والسكنى إذا قام بالواجب عليه نصا قال الشيخ تقي الدين يقسم في النفقة والكسوة ونصه لا بأس وقال في الجماع لاينبغي أن يدعه عمدا يبقى لنفسه لتلك ليلة وليلة وقال القاضي وغيره أو ثلاثا ثلاثا.
"ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين" لقول علي: "إذا تزوج الحرة على الأمة قسم للأمة ليلة وللحرة ليلتين" رواه الدار قطني واحتج به أحمد لأن الحرة حظها في الإيواء أكثر وتخالف النفقة والكسوة فإنه مقدر بالحاجة وقسم الابتداء شرع ليزول الاحتشام من كل منهما.
"وإن كانت كتابية" يعني أن الحرة الكتابية كالحرة المسلمة وصرح به في "المغني" و "الشرح" وحكاه ابن المنذر إجماعا لأن القسم من حقوق الزوجية فاستويا فيه كالنفقة وتفارق الأمة لأنه لايتم تسليمها ولا يحصل لها الإيواء التام بخلاف الحرة والمعتق بعضها بالحساب.
فرع: عتقت أمة في نوبتها أو نوبة حرة مسبوقة فلها قسم حرة وفي نوبة حرة سابقة قيل يتم للحرة على حكم الرق وقيل يستويان بقطع أو استدراك،

(7/190)


ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والرتقاء فإن دخل في ليلتها إلى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فإن لم يلبث عندها لم يقض وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي مثل ذلك من حق الأخرى.
ـــــــ
وفي "المغني" و "الترغيب" وإن عتقت بعد نوبتها اقتصرت على يومها زاد في "الترغيب" بدأ بها أو بالحرة ويطوف بمجنون مأمون وله وجوبا لا بطفل ويحرم تخصيص بإفاقته وإن أفاق في نوبة واحدة ففي قضاء يوم جنونه للأخرى وجهان.
"ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والرتقاء" ومظاهر منها وصغيرة ممكن وطؤها لأن القصد السكن والإيواء والأنس وحاجتهن داعية إلى ذلك فأما المجنونة فإن خيف منها فلا قسم لها وإلا فهي كالعاقلة ذكره في "الشرح" وظاهره أن المريض والمجبوب والعنين والخصي يقسم لأنه للأنس وذلك حاصل ممن لا يطأ فإن شق ذلك عليه استأذنهن في الكون ثم إحداهن فإن لم يأذن له أقام ثم إحداهن بقرعة أو اعتزلهن جميعا.
"فإن دخل في ليلتها إلى غيرها لم يجز" لأنه ترك الواجب عليه إلا لحاجة داعية ككون ضرتها منزولا بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه مما لا بد منه عرفا لأن ذلك حالة ضرورية وحاجة فأبيح به ترك الواجب إلى قضائه في وقت آخر وظاهره أنه يدخل إليها نهارا وإن لم يكن حاجة داعية وفي "المغني" و "الشرح" أنه يجوز لحاجة كدفع نفقة وعيادة وفي "الترغيب" فيهما لحاجة ماسة أو لمرض فيداويها وفي قبلة ونحوها نهارا وجهان.
"فإن لم يلبث عندها لم يقض" لأنه لا فائدة فيه لقلته "وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي مثل ذلك من حق الأخرى" لأن التسوية واجبة ولا يحصل إلا بذلك وظاهره أنه يلزمه القضاء ولو جامعها في الزمن اليسير وهو الأصح فيدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما والثاني لا يلزمه القضاء لأن الوطء لا يستحق في القسم ولا يقضي ليلة صيف عن شتاء وله قضاء أول الليل عن آخره وعكسه وقيل يتعين زمنه وهو ظاهر كلامه.

(7/191)


وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى.
ـــــــ
فرع: إذا خرج في ليلة إحداهن أول الليل وآخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز وإن خرج لغير ذلك ولم يلبث لم يقض وإن لبث قضى مطلقا ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت فإن قضاه في غيره من الليل جاز في الأصح لأنه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والثاني لا لعدم المماثلة.
"وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ إحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة" وجملته أن الزوج إذا أراد النقلة بنسائه إلى بلد آخر وأمكنه استصحاب الكل في سفره فعلى ذلك ليس له إفراد إحداهن به لأن هذا السفر لا يختص بواحدة فإن خص بعضهن قضى للباقيات كالحاضر وإن شق عليه صحبة الجميع وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز بغير قرعة فإن أفرد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة وهي مسألة: المتن ومتى سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كالحضر فإذا وصل البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لأنه صار مقيما.
"ومتى سافر بها بقرعة لم يقض" أي للحاضرات بعد قدومه في قول أكثرهم لحديث عائشة ولم يذكر قضاء ولأن المسافرة اختصت بمشقة السفر فاختصت بالقسم.
"وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأخرى" لأنه خص بعضهن بمدة على وجه يلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا وعلى هذا يقضي مدة غيبته ما لم تكن الضرة رضيت بسفرها وينبغي أن يقضي منها ما أقام منها لمبيت ونحوه ويقضي مع قرعة ما تعقبه السفر أو تخلله من إقامة.

(7/192)


وإن امتنعت من السفر معه أو المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه سقط حقها من القسم وإن أشخصها هو فهي على حقها من ذلك وإن سافرت لحاجتها بإذنه فعلى وجهين وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها.
ـــــــ
تنبيه: إذا خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لأن القرعة إنما تعين من يستحق التقديم ولهذا يمنع من السفر بغيرها وإن أبت السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج وإن أبى فله إكراهها على السفر معه فإن رضي الزوجات بسفر واحدة من غير قرعة جاز ولا فرق بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى ذكره في "الشرح" وغيره وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير وجوابه بأنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل.
"وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه سقط حقها من القسم" بغير خلاف نعلمه لأنها عاصية بمنع نفسها منه فيسقط حقها كالناشزة وكذا لا نفقة لها قاله في "الرعاية" و "الفروع" وقيل يجب لها النفقة بالوطء "وإن أشخصها هو" بأن بعثها في حاجة أو أمرها بالنقلة من بلدها ذكره في "المغني" و "الشرح" "فهي على حقها من ذلك" أي من القسم والنفقة لأنه ما فات بسبب من جهتها وإنما فات بتفويته فلم يسقط حقها كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها وإن سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا. "وإن سافرت لحاجتها" كسفرها لزيارة أو حج تطوع أو عمرة "بإذنه فعلى وجهين" أحدهما: يسقطان ذكره الخرقي والقاضي لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها والثاني لا يسقطان ذكره أبو الخطاب لأنها سافرت بإذنه أشبه ما لو سافرت معه وقيل يسقط القسم وجها واحدا لأنه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها كان أولى.
"وللمرأة أن تهب حقها من القسم" بلا مال "لبعض ضرائرها" لفعل سودة

(7/193)


بإذنه وله الرجوع فيجعله لمن شاء منهن فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولا قسم عليه في ملك يمينه وتستحب التسوية بينهن.
ـــــــ
بأنها وهبت لعائشة يومها فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة متفق عليه "بإذنه" لأن حقه على الواهبة ثابت فلا ينتقل إلى غيرها إلا برضاه وظاهره ولو أبت الموهوب لها أي لا يشترط رضاها وليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهله للقبول إلا هذه ثم إن كانت ليلة الواهبة لا تلي ليلة الموهوبة لم تجز الموالاة بينهما لأن الموهوبة قائمة مقام الواهبة فلم يجز تغييرها عن موضعها وذكر جماعة وإذن سيد أمة لأن ولدها له.
"وله" أي للزوج "الرجوع" لأن الحق لها فلمن نقلته إليه انتقل "فيجعله لمن شاء منهن" لأنه قائم مقام الواهبة فالخيرة له كهي وفي "الترغيب" لو قالت خص بها من شئت الأشبه أنه لا يملكه لأنه يورث الغيظ بخلاف تخصيصها واحدة "فمتى رجعت في الهبة عاد حقها" لأنها هبة لم تقبض والمراد به العود في المستقبل لا فيما مضى لأنه قد اتصل به القبض فعلى هذا إذا رجعت في أثناء ليلتها لزم الزوج الانتقال إليها وإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لأن التفريط منها.
فرع: إذا بذلت ليلتها بمال لم يصح لأنها ليست مالا ولا منفعة يستحق بها المال فإن كان العوض غير المال كإرضاء زوجها عنها أو غيره جاز ولها بذل قسم ونفقة وغيرهما ليمسكها والرجوع ليجدد الحق وفي "الهدي" يلزم ولا مطالبة لأنها معاوضة كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق.
"ولا قسم عليه في ملك يمينه" بل يطأ من شاء منهن متى شاء لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3] وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وريحانة فلم يكن يقسم لهما ولأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بكون السيد مجبوبا أو عنينا ولا عملا لها مدة الإيلاء وظاهره وإن أخذ من زمن زوجاته وفي "المحرر" لكن يسوي في حرمانهن "وتستحب التسوية بينهن" لأنه أطيب لقلوبهن،

(7/194)


وألا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن.
فصل
إذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا فإن أحبت أن يقيم عندها سبعا فعل وقضاهن للبواقي.
ـــــــ
وأبعد من النفرة والبغضة "و" عليه "أن لا يعضلهن إن لم يرد الاستمتاع بهن" أي إذا احتاجت الأمة إلى النكاح وجب عليه اعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها لأن اعفافهن وصونهن عن احتمال الوقوع في المحظور واجب.
فصل
وإذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا لما روى أبو قلابة عن أنس قال: "من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم" قال أبو قلابة: لو شئت لقلت إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولفظه العالمين وخصت البكر بزيادة لأن حياءها أكثر والثلاث مدة مغتفرة في الشرع والسبع لأنها أيام الدنيا وما زاد عليها يتكرر وحينئذ يقطع الدور.
"فإن أحبت" وقيل أو هو "أن يقيم عندها سبعا فعل وقضاهن للبواقي" لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال: "إنه ليس بك هوان على أهلك وإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي" رواه مسلم قال ابن عبد البر: والأحاديث المرفوعة على ذلك وليس مع من خالف حديث مرفوع والحجة مع من أدلى بالسنة وفي "الروضة" الفاضل للبقية والمذهب أن يقضي السبع لأنها اختارتها فسقط حقها وظاهره أن الأمة كالحرة ونصره في "الشرح" وغيره لعموم الأحاديث ولأنها تراد للأنس وإزالة الاحتشام فاستويا فيه كالنفقة وقيل هي على نصف الحرة كسائر القسم.

(7/195)


وإن زفت إليه امرأتان قدم السابقة منهما ثم أقام عند الأخرى ثم دار فإن زفتا معا قدم إحداهن بالقرعة ثم أقام عند الأخرى وإن أراد السفر فخرجت القرعة لإحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد وإذا طلق إحدى نسائه في ليلتها أثم وإن تزوجها بعد قضى لها ليلتها.
ـــــــ
"وإن زفت إليه امرأتان" في ليلة واحدة أو في حق عقد واحدة كره ذلك لأنه لا يمكن الجمع بينهما في إيفاء حقهما وتستضر التي يؤخر حقها وتستوحش "قدم السابقة منهما" دخولا لأن حقها سابق "ثم أقام عند الأخرى" لأن حقها واجب عليه ترك العمل به في المدة الأولى لأنه عارضه ورجح عليه فإذا زال العارض وجب العمل بالمقتضى "ثم دار" ليأتي بالواجب عليه من حق الدور "فإن زفتا معا قدم إحداهما بالقرعة" لأنهما استويا في سبب الاستحقاق والقرعة مرجحة ثم التساوي وفي "التبصرة" يبدأ بالسابقة بالعقد وإلا أقرع "ثم أقام عند الأخرى" لما ذكرنا "وإن أراد السفر لإحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر" لأنه نوع قسم يختص بها "فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد" في الأصح لأنه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه والثاني لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي سافر بها ولأن الإيواء في الحضر أكثر فيتعذر قضاؤه وقيل يستأنف قضاء العقد لكل منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد قال في "المغني" و "الشرح" وهذا أقرب إلى الصواب من إسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط فإن قدم من سفره قبل مدة تنقضي فيها حق عقد الأولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجها واحدا.
"وإذا طلق إحدى نسائه في ليلتها أتم" لأنه فوت حقها الواجب لها "فإن تزوجها بعد" أي عادت إليه برجعة أو نكاح "قضى لها ليلتها" لأنه قدر على إيفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين.

(7/196)


وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس.
فصل في النشوز
وهو معصيتها إياه مما يجب عليها وإذا ظهر منها أمارات النشوز بألا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة وعظها.
ـــــــ
فائدة: يجوز بناء الرجل بامرأته في السفر وركوبها معه على دابة بين الجيش لفعله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي قاله بعض أصحابنا.
"وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس" لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} [النبأ:10-11] وحكم الثلاثة والسبعة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج إلى صلاة الجماعة وإلى ما لا بد لهما منه فإن أطال قضاه ولا يقضي اليسير.
فرع: قسم لاثنتين من ثلاث ثم يجدد حق رابعة فإن رجعت في هبة أو عن نشوز أو نكاح وفاها حق عقده ثم ربع الزمن المستقبل للرابعة وبقيته للثالثة فإذا كمل الحق استأنف التسوية ولو بات ليلة عند إحدى امرأتيه ثم نكح وفاها حق عقده ثم ليلة للمظلومة ثم نصف ليلة للثالثة ثم يبتدئ واختار المؤلف لا يبيت نصفها بل ليلة لأنه حرج وفي "الترغيب" لو أبان المظلومة ثم نكحها وقد نكح جديدات تعذر القضاء.
فصل في النشوز
وهو كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه وسوء عشرته يقال نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة وناشز ونشز عليها زوجها إذا جفاها وأضر بها وهو معصيتها إياه مما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما يجب عليها من طاعته.
"وإذا ظهر منها أمارات النشوز بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة وعظها" بأن يذكر لها ما أوجب الله تعالى عليها من الحق، وما

(7/197)


فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء وفي الكلام مادون ثلاثة أيام.
ـــــــ
يلحقها من الإثم بالمخالفة وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها وضربها لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: من الآية34] "فإن أصرت" ناشزة بأن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج بغير إذنه "هجرها في المضجع" بفتح الجيم والمراد أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه ما شاء لقوله تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: من الآية34] وقال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك لأن القرآن مطلق فلا يقيد بغير دليل وفي "التبصرة" و "الغنية"و "المحرر" ثلاثة أيام لأن الهجران فوق ذلك حرام "وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فلم يدخل عليهن شهرا " متفق عليه وفي "الواضح" يهجرها في الفراش فإن أضاف إليه الهجر في الكلام ودخوله وخروجه عليها جاز مع الكراهة "فإن أصرت فله أن يضربها ضربا غير مبرح" أي غير شديد لقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} ولا يبرح بالضرب للخبر الصحيح قال الخلال سألت أحمد بن يحيى ثعلبا عن قوله: "ضربا غير مبرح" أي غير شديد وهو عشرة أسواط فأقل قاله الأصحاب وهو حسبه ذكره في "الانتصار" لكن يمنع منها من علم بمنعه حقها حتى يؤديه وعليه اجتناب المواضع المخوفة والمستحسنة لأن المقصود التأديب وعنه: له ضربها بأول النشوز للآية والخبر وظاهر المذهب لا لأن المقصود بهذه العقوبات زجرها عن المعصية في المستقبل فيبدأ بالأسهل فالأسهل كإخراج من هجم بمنزله وظاهره أن ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا والعبد يمتنع من حق سيده ولا يملك تعزيرها في حق الله نقل مهنا هل يضربها على ترك زكاة قال لا أدري وفيه ضعف لأنه نقل عنه يضربها على فرائض الله تعالى قاله في "الانتصار" وذكر غيره يملكه ولا ينبغي سؤاله لم ضربها قاله أحمد لنهيه عليه السلام عن ذلك رواه أبو داود وفي "الترغيب" وغيره والأولى تركه إبقاء

(7/198)


فإن أصرت فله أن يضربها ضربا غير مبرح فإن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف فأن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما.
ـــــــ
للمودة والأولى أن لا يتركه عن الصبي لإصلاحه.
" فإن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمها الإنصاف" لأن ذلك طريق إلى الإنصاف فتعين فعله كالحكم بالحق ويلزمه أن يكشف عنه كما يكشف عن عدالة وإفلاس من خبرة باطنة قاله في "الترغيب".
"فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين" مكلفين لأن هذه شروط العدالة سواء قلنا هما حكمان أو وكيلان لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز إلا أن يكون عدلا كما لو نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويشترط ذكوريتهما ذكره في "المغني" وغيره لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر وصريحه يقتضي اشتراط الحرية وهو الأصح لأن العبودية نقص وفي "المغني" الأولى إن كانا وكيلين لم يعتبر لأن توكيل العبد جائز بخلاف الحكم وظاهره أنه لا يشترط فيه الفقه وهو وجه وفي "الكافي" متى كانا حكمين اشترط كونهما فقيهين وإن كانا وكيلين جازا أن يكونا عاميين وفي "الترغيب" لا يعتبر اجتهاد وهو ظاهر وإن مثله ما يفوضه الحاكم من معين جرى كقسمة. "والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما" وتوكيلهما لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ} الآية ولأنهما أشفق وأعلم بالحال ويجوز أن يكونا أهلهما لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة وظاهره بأن الحاكم ليس له أن يبعثهما بغير رضاهما على المذهب لأنه حق لهما فلم يجز لغيرهما التصرف إلا بالوكالة.

(7/199)


فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع وتفريق بينهما بطلاق أو خلع فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا وعنه: أن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو غيره ووكلت المرأة في بدل العوض برضاهما وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الأولى.
ـــــــ
"فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من جمع وتفريق بينهما بطلاق أو خلع" فما فعلا من ذلك لزمهما والأصل فيه الآية الكريمة لكن لا يصح منهما إبراء لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق وإن أبرأه وكيلهما برئ في الخلع فقط وإن شرطا ما لا ينافي نكاحا لزم وإلا فلا كترك قسم أو نفقة ولمن رضي العود.
"فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا" على المشهور حتى إن القاضي في "الجامع" الصغير والشريف وغيرهما لم يذكروا خلافا لأنهما رشيدان والبضع حق الزوج والمال حق الزوجية فلم يجبرا على التوكيل منهما كغيرهما من الحقوق.
"وعنه: أن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو غيره ووكلت المرأة في بدل العوض برضاهما وإلا" إن أبيا ذلك "جعل الحاكم إليهما ذلك" اختاره ابن هبيرة والشيخ تقي الدين وهو ظاهر الخرقي وحينئذ لهما فعل ما رأياه بغير رضى الزوجين وروي عن علي وابن عباس لأن الله تعالى سماهما حكمين وعن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأته أتيا عليا مع كل منهما فئام من الناس فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فبعثوا حكمين ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به رواه أبو بكر وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كالمدين الممتنع وطلاق الحاكم على المؤلي.
"فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الأولى"

(7/200)


وتنقطع على الثانية وإن جنا انقطع نظرهما على الأولى ولم ينقطع على الثانية.
ـــــــ
لأن الوكالة لا تبطل بالغيبة "وتنقطع على الثانية" لأنه لا يجوز الحكم للغائب وكل منهما محكوم عليه وقيل لا ينقطع عليها حكاه في "المستوعب" و "المحرر" "وإن جنا" أو أحدهما "انقطع نظرهما على الأولى" لأن الوكالة تبطل بالجنون "ولم ينقطع على الثانية" لأن الحاكم يحكم على المجنون وقيل ينقطع عليها أيضا حكاه في "المغني" و "المحرر" لأنه لا يتحقق معه بقاء الشقاق وحضور المتداعيين وهو شرط.

(7/201)