المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الخلع
كتاب الخلع
...
كتاب الخلع
وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى ألا تقيم حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه،
ـــــــ
كتاب الخلع
يقال خلع امرأته خلعا وخالعها مخالعة واختلعت هي منه فهي خالع وأصله من خلع الثوب لأن المرأة تنخلع من لباس زوجها قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: من الآية187] وهو عبارة عن فراق امرأته بعوض بألفاظ مخصوصة وفائدته تخليصها من الزوج على وجه لا رجعة له عليها إلا برضاها.
"وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل" لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك "وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه" لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: من الآية229] ولقول ابن عباس جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تردين عليه حديقته؟" قالت نعم فأمرها بردها وأمره ففارقها" رواه البخاري وبه قال جميع الفقهاء في الأمصار إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه وزعم أن آية الخلع منسوخة بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: من الآية20]
وقال ابن سيرين وأبو قلابة لا يحل الخلع حتى يجد رجلا لقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: من الآية19] والجواب عن ذلك بأنه قول عمر وعلي ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف فكان كالإجماع ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وان الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت ذلك وظاهره أنه يباح لها أن تفتدي نفسها منه وصرح به في "الوجيز" و "الفروع" والمذهب أنه يسن إجابتها إليه لأن حاجتها داعية إلى فرقته إلا

(7/202)


وإن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه: لا يجوز فإن عضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا،
ـــــــ
أن يكون له إليها ميل ومحبة فيسن صبرها وعدم افتدائها نص عليه واختلف كلام الشيخ تقي الدين في وجوبه وألزم بعض حكام المقادسة الفضلاء به نقل أبو طالب إذا كرهته حل أن يأخذ منها ما أعطاها.
"وإن خالعته لغير ذلك" أي لغير سبب مع استقامة الحال "كره ووقع الخلع" عند أصحابنا والأكثر لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء: من الآية4] "وعنه: لا يجوز" ولا يصح وقاله ابن عباس وخلق لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} [البقرة: من الآية229] وقوله عليه السلام: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود من حديث ثوبان وقوله عليه السلام: "المختلعات هن المنافقات" رواه أحمد واحتج من حديث أبي هريرة قال المؤلف والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها على عموم آية الجواز مع ما عضدها من الأخبار.
فرع: لا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه ورواه البخاري عن عمر وعثمان لأنه معاوضة فلم يفتقر إلى سلطان كالبيع والنكاح وقال الحسن وابن سيرين لا يجوز إلا عند السلطان وجوابه ما سبق مع أنه قطع عقد بالتراضي أشبه الإقالة "فإن عضلها" بأن ضار رها بالضرب والتضييق عليها ظلما أو منعها حقها من النفقة والقسم ونحوه "لتفتدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود" في قول الجمهور لقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: من الآية19] ولأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق فكان باطلا كالثمن في البيع "والزوجية بحالها" لأن المقتضي للفرقة الخلع الصحيح ولم يوجد "إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا" أي إذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق وقع الطلاق بغير عوض، فإن

(7/203)


ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه وإن كان عبدا دفع إلى سيده وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه،
ـــــــ
كان أقل من ثلاث فله رجعتها لأن الرخصة إنما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة إن كان بلفظ طلاق أو نيته وإلا فهو لغو وقيل يقع بائنا إن صح بلا عوض وإن قلنا هو فسخ ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء لأن الخلع بغير عوض لا يقع على الأشهر ويتخرج أنه إن أخذ منها شيئا على الوجه المذكور رده ووقع الخلع عليه إذا قلنا يقع بغير وعوض على كلامه يستثنى صور منها إذا ضربها لتركها فرضا أو على نشوزها أو منعها حقها من أجله لم يحرم خلعها ومنها إذا ضربها لسوء خلقه لا يريد بذلك الفداء لم يحرم خلعها لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها وهو آثم بالظلم ومنها إذا زنت فعضلها لتفتدي نفسها منه جاز وصح الخلع نص عليه لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: من الآية19] والاستثناء من النهي إباحة.
فرع: إذا قالت بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وبسطت الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد على الأشهر.
"ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا" لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض فبالعوض أولى وفي المميز وجه وجزم ابن المنجا أنه يصح منه ومن السفيه والعبد لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه فصح خلعه قياسا ويصح من أب صبي ومجنون إن صح طلاقه عليهما "فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه" كسائر حقوقه "وإن كان عبدا دفع إلى سيده" لأنه للسيد لكونه من أكساب عبده وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لأنه يملك أكسابه وهو الذي يتصرف لنفسه.
"وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه" لأنه يصح منه أحد ركني المعاوضة وهو العقد فيصح منه قبض العوض الذي هو الركن الآخر،

(7/204)


وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها على روايتين وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها ويصح الخلع مع الزوجة،
ـــــــ
قياسا عليه فعلى هذا يصح قبض العبد والمحجور عليه لأن من صح خلعه صح قبضه العوض كالمحجور عليه لفلس ونص عليه أحمد في العبد قال في "الشرح" والأولى أنه لا يجوز فإن سلمت العوض إلى المحجور عليه لم يبرأ فإن أخذه الولي منه برئت وإن سلمت العبد برئت مطلقا قال صاحب النهاية فيها والأول أصح لأن النظر له في صحة العقد دون قبض.ه
"وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها على روايتين" إحداهما له ذلك نصره القاضي وأصحابه لأنه يصح أن يزوجه بعوض فلأن يصح أن يطلق عليه بطريق الأولى لا يقال التزويج إدخال ملك والخلع عكسه لأن الأب كامل الشفقة فلا يفعله إلا لمصلحة ولده فيه وكالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون بالإعسار.
والثانية: وهي الأشهر لا يملكه وفاقا للأكثر لقوله عليه السلام: "الطلاق لمن أخذ بالساق" رواه ابن ماجه والدار قطني بإسناد فيه ضعف ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه كالإبراء وإسقاط القصاص ولأن طريق الشهوة لا مدخل لها في الولاية وحكم المجنون كذلك وكذا سيد صغير ومجنون والأظهر جوازه إن رآه مصلحة.
"وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها" على المذهب لأن فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبدل مالها ولا حظ لها في ذلك وقيل له ذلك إذا رأى الحظ فيه كتخليصها ممن يتلف مالها ويخاف منه على نفسها وعقلها والأب وغيره في ذلك سواء إذا خالعوا في حق المجنونة والمحجور عليه لسفه أو صغر.
وظاهره أنه إذا خالع بشيء من ماله أنه يجوز صرح به في "الشرح" وغيره لأنه يجوز مع الأجنبي فمن الولي أولى.
"ويصح الخلع مع الزوجة" إذا كانت رشيدة "ومع الأجنبي" بغير رضى المرأة

(7/205)


ومع الأجنبي ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف،
ـــــــ
في قول أكثرهم وقال أبو ثور لا يصح فانه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه. وجوابه بأنه بذل مال في إسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال أعتق عبدك وعلي ثمنه ولأنه لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع أنه لا يسقط حقا عن أحد فهنا أولى ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وقيل إن قلنا هو فسخ فلا.
فرع: إذا قالت امرأته طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع بهما بائنا واستحق الألف على ما ذكرته وإن طلق أحداهما فقال القاضي تطلق بائنا ويلزم الباذلة بحصتها من الألف قياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أن لا يلزم الباذلة هنا شيء لأنه لم يجبها إلى ما سألت وإن قالت طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على أن لا تطلق ضرتي فالخلع صحيح طاعة والبدل لازم.
مسألة: يجوز في الحيض وطهر أصابها فيه لأن تحريم الطلاق فيه ثبت دفعا لضرر تطويل العدة والخلغ يندفع به ضرر سوء العشرة وهو أعظم وأدوم فكان رفعه أولى وقيل لا يجوز وفي "الواضح" فيه روايتان.
"ويصح بذلك العوض فيه من كل جائز التصرف" لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع.
فرع: إذا قال طلق بنتي وأنت بريء من صداقها فطلق بانت ولم يبرأ ويرجع على الأب نص عليها لأنه غره وحمله القاضي على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب صحيح.
فإن علم أن إبراء الأب غير صحيح لم يرجع وطلاقه رجعي وقاله في "الشرح" وقدمه في "الرعاية".

(7/206)


فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها يتبع به بعد العتق وإن خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع،
ـــــــ
وإن قال إن أبرأتني أنت منه فهي طالق فقال قد أبرأتك منه طلقت نص عليه وحمله القاضي على أنه اعتقد أن إبراء الأب صحيح، فأما إن علم أنه لا يصح فقولان.
فلو قال طلقتها بألف من مالها وعلي دركه فطلقها بانت وغرمه الأب ولم يرجع به عليها. "فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها" فالخلع صحيح قطع به المؤلف في كتبه وهو قول الخرقي والقاضي وعامة أصحابه لأنه يصح مع الأجنبي فمع الزوجة أولى.
والثاني: لا يصح وقاله القاضي في "المجرد" والمجد لأن الخلع عقد معاوضة فلم يصح منها كالبيع والأول أولى.
والخلع يفارق البيع بدليل صحته على المجهول وعلى غير عوض على قول وقيل يصح إن خالعته على شيء في ذمتها لا على عين في يدها كالبيع "على شيء معلوم كان في ذمتها" لأنه رضي بذلك "يتبع به بعد العتق" وهو اختيار الخرقي جزم به في "الهداية" لأنه الوقت الذي يملك فيه ويرجع بقيمته أو مثله إن كان مثليا فإن كان على عين في يدها فكذلك وقياس المذهب كما قاله المؤلف أنه لا شيء له لأنه يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين كما لو قال خالعتك على هذا الحر فيكون راضيا بغير عوض ومقتضاه بطلان الخلع على المشهور فأما إن كان بإذن السيد فهو صحيح كاستدانتها فإن أذن لها في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وإن أطلق الإذن اقتضى الخلع بالمسمى.
فرع: المكاتبة كالأمة القن سواء فيما ذكرنا.
"وإن خالعته المحجور عليها" لسفه أو صغر أو جنون لم يصح الخلع لأنه

(7/207)


ووقع طلاقه رجعيا والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو لفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين.
ـــــــ
تصرف في المال وليست من أهله فلم يصح كالهبة ونحوها وظاهره ولو أذن فيه الولي لأنه لا إذن له في التبرعات والأظهر الصحة مع الإذن لمصلحة على ما ذكره "ووقع طلاقه رجعيا" لأنه طلاق لا عوض له فوجب وقوعه رجعيا لسلامته عما ينافيه وهذا إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق أو نواه به.
فأما إن وقع بلفظ الفسخ أو المفاداة ولم ينو به طلاقا فهو كالخلع بغير عوض وفي "المغني" و "الشرح" يحتمل أن لا يقع الخلع هنا لأنه إنما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع ببذله وهذا إذا كان الطلاق بغير الثلاث فإن كان بها لم يقع رجعيا لأن الثلاث لا رجعة معها فأما المحجور عليها لفلس فلا يصح بغير إذن غرمائها لأنها ممنوعة من التبرع ويصح بإذنهم لأنها من أهل التصرف ولهذا يصح تصرفها في ذمتها بخلاف المحجور عليها لحظ نفسها.
"والخلع" له صريح وهو لفظ الخلع والمفاداة وكذا الفسخ في الأشهر وكناية وهو الإبانة والتبرئة وفي "الروضة" صريحه الخلع أو الفسخ أو الفداء أو بارئتك "طلاق" أي إذا وقع بغير الألفاظ المذكورة بغير خلاف لوجود صريحه أو كنايته مقترنة بالنية بائن لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: من الآية229] وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه ولو لم يكن بائنا لكانت له الرجعة وكانت تحت حكمه وقبضته لأن القصد إزالة الضرر. عنها فلو جازت الرجعة لعاد الضرر.
"إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين" اختارها أبو بكر وقال ابن هبيرة وهي أظهرهما وصححها في "المحرر" وجزم بها في "الوجيز" وروي عن ابن عباس وطاووس وعكرمة وإسحاق واحتج ابن عباس بقوله

(7/208)


وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال،
ـــــــ
تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ} [البقرة: من الآية230] فذكر طلقتين والخلع وتطليقه بعدهما فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخا كسائر الفسوخ قال الشيخ تقي الدين وعليه دل كلام أحمد وقدماء أصحابه ومراده ما قال عبد الله رأيت أبي كان يذهب إلى قول ابن عباس وابن عباس صح عنه ما أجازه المال فليس بطلاق وصح عنه أن الخلع تفريق وليس بطلاق.
"وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال" رواه الشافعي عن عثمان وروي عن علي وابن مسعود وقاله سعيد بن المسيب وعطاء والأكثر لكن ضعف أحمد الحديث عنهم وقال ليس في الباب أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ ولأنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها فكان طلاقا كغير الخلع وفائدة الخلاف أنه إذا قلنا بأنه طلاق حسب ونقص به عدد طلاقه وإن قيل هو فسخ لم تحرم عليه وإن خالعها بمائة مرة وتعتبر الصيغة منهما فيقول خلعتك على كذا وتقول هي قبلت أو رضيت وتصح ترجمة خلع بكل لفظ طلاق من أهلها.
فرع: لا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله لفظ الزوج قال القاضي ذهب إليه شيوخنا البغداديون وأومأ إليه أحمد وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج العوض وأفتى به ابن شهاب بعكبرا واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز نقل إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد كيف الخلع قال إذا أخذ المال فهي فرقة وعن علي من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة وجوابه بأنه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولأن أخذ المال قبض لعوض فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولعل

(7/209)


ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الأخر يصح الشرط ويبطل العوض.
ـــــــ
أحمد وغيره استغنى عن ذكر اللفظ لأنه معلوم.
"ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به" بأن يقول أنت طالق قال الشافعي أنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة فكان كالإجماع ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلا يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول وفي "الترغيب" إلا إن قلنا هو طلقة ويكون بلا عوض وهو ظاهر.
"وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" كشرط الخيار ولأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح "وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض" أي فيقع رجعيا بلا عوض لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان فيسقطان ويبقى مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط.
وعلى الأول قال القاضي يسقط المسمى في العوض لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع لأنهما تراضيا به عوضا فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة.
فرع: إذا شرط الخيار في الخلع بطل الشرط وصح الخلع لأن الخيار في البيع لا يمنع وقوعه ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه.

(7/210)


فصل
ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين فإن خالعها بغير عوض لم يقع إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي،
ـــــــ
فصل
"ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين" جزم به الأصحاب وقدمه في "الفروع" لأن العوض ركن فيه فلم يصح تركه كالثمن في المبيع "فإن خالعها بغير عوض لم يقع" لأن الشيء إذا لم يكن صحيحا لم يترتب عليه دليله للبيع "إلا أن يكون طلاقا" دون الثلاث "فيقع رجعيا" لأنه طلاق لا عوض فيه فكان رجعيا كغيره ولأنه يصح كناية عن الطلاق وإن لم ينو به طلاقا لم يكن شيئا لأن الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ولذلك لو قال فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه معاوضة ولا يجتمع العوض والمعوض.
"والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي" وابن عقيل في التذكرة لأنه قطع للنكاح فصح عوض كالطلاق ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها فإذا سألته الفراق فأجابها إليه حصل المقصود من الخلع أشبه ما لو كان بعوض.
قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة ولا يكون فسخاً وظاهره أنه لابد فيه من سؤال المرأة أو من يقوم مقامها وصرح به في "الكافي" والأصفهاني في شرح الخرقي لأن خالع من باب المفاعلة وهي للمشاركة وفي "الترغيب" أنها تبين بقوله فسخت أو خلعت إذا قلنا هو فسخ بمجرده فظاهره أنه لايحتاج فيه إلى سؤال لكنه مخالف لما ذكره الجماعة.
فرع: تبين بالخلع على كلتا الروايتين فلا يملك رجعتها إلا بشرط كالبيع.

(7/211)


ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح وقال أبو بكر لا يجوز ويرد الزيادة وإن خالعها بمحرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض.
__________
"ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر ثابت بن قيس أن يأخذ من زوجته حديقته ولا يزداد" رواه ابن ماجه ولأنه بذل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالإقالة "فإن فعل كره وصح" في قول أكثر العلماء روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان جائزا.
ودليل الكراهة قوله عليه السلام في حديث رواه أبو حفص بإسناده أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها وفي قول المؤلف نظر لأنه لا يلزم من الكراهة عدم الاستحباب وفيه شيء وأما الصحة فلقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: من الآية229] ولأنه قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم قالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي واشتهر ولم ينكر فكان كالإجماع "وقال أبو بكر لا يجوز" هو رواية عن أحمد روي عن علي بإسناد منقطع ولأمره عليه السلام ثابتا أن لا يزداد وأمره للوجوب.
"ويرد الزيادة" لعدم جوازها "وإن خالعها بمحرم" يعلمانه "كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض" في قول أكثر العلماء لأن الخلع على ذلك مع العلم بتحريمه يدل على رضى فاعله بغير شيء لا يقال هلا يصح الخلع ويجب مهر المثل لزوجها عليه لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شيء كما لو طلقها أو علقه على فعل فعلته وفارق النكاح فإن وصول البضع في ملك الزوج متقوم وقدم في "الرعاية" أنه إذا خالعها بمحرم يعلمانه فإنه يصح مجانا واقتضى أنهما إذا لم يعلما المحرم أن له قيمته كما ذكره في "الروضة" وغيرها.
فرع: إذا تخالع كافران بمحرم يعلمانه ثم أسلما أو أحدهما قبل قبضه؛

(7/212)


وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها فإن بان معيبا فله أرشه أو قيمته ويرده وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة
ـــــــ
لغا وقيل له قيمته وقيل مهر مثلها.
"وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها" لأن ذلك عين يجب تسليمها مع سلامتها فوجب بدلها مع تعذرها كالمغصوب وهذا بخلاف ما سبق لأنه هنا لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور ويجب مثله إن كان مثليا فلو خالعها على دن خل فبان خمرا رجع عليها بمثله خلا لأن الخل من ذوات الأمثال وقيل ترجع بقيمة مثله خلا لأن الخمر من ذوات الأمثال والأول أصح وقيل يجب مهر المثل لأنه على البضع بعوض فاسد أشبه النكاح بخمر وجوابه بأنها عين يجب تسليمها مع سلامتها وبقاء سبب الاستحقاق فوجب بدلها مقدرا بقيمتها أو مثلها كالمغصوب.
"فإن بان معيبا فله أرشه أو قيمته ويرده" لأنه عوض في معاوضة فكان له ذلك كالبيع والصداق فإن كان على معين كقولها اخلعني على هذا العبد فيقول خلعتك ثم يجد به عيبا لم يكن علم به فهذا يخير فيه بين أخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته وإن قال إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وملكه قال أصحابنا والحكم فيه كما لو خالعها عليه.
"وإن خالعها على رضاع ولده عامين" أو مدة معلومة صح قل أو أكثر لأن هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ففيه أولى فلو خالعها من إرضاع ولده مطلقا صح وانصرف إلى ما بقي من الحولين أو هما نص عليه.
"أو سكنى دار" معينة ويشترط تعيين المدة كالإجارة "صح" وكذا إذا خالعها على نفقة الطفل أو كفالته "فإن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة"

(7/213)


وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت.
ـــــــ
لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فوجب الرجوع بباقي أجرة المدة كما لو أجره دابة شهرا بعشرة ثم مات في نصفه وفي الكفالة بقيمة مثلها لمثله وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم فيه وجهان أحدهما يستحقه دفعة واحدة ذكره القاضي في "الجامع" واحتج بقول أحمد يرجع عليها ببقية ذلك.
والثاني: يستحقه يوما بعد يوم وهو الأصح لأنه ثبت منجما فلا يستحقه معجلا كما لو أسلم إليه في خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة فمات وقيل يرجع بأجرة المثل لباقي المدة في الكل فإن أراد أن يقيم بدله من يرضعه أو يكفله فأبت أو أرادته هي فأبى لم يلزما وكذا نفقته مدة معينة إذا مات والأشهر أنه لا يعتبر قدر نفقتها وصفتها بل يرجع إلى العرف والعادة وكذا موت مرضعة أو جفاف لبنها في أثنائها.
"وإن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت" نص عليه لأن نفقة الحامل مقدرة واجبة بالشرع فهو كالخلع على الرضاع ولأنها تسقط لأنها صارت مستحقة له فان لم تكن حاملا فلا نفقة لها عليه وقيل لها ومن مهر المثل لأن النفقة لم تجب فلم يصح الخلع وجوابه بأنها إحدى النفقتين فصحت المخالعة كنفقة الصبي وقيل إن وجبت النفقة بالعقد وإلا فهو خلع بمعدوم.
فرع: إذا خالع حاملا منه فأبرأته من نفقة حملها فلا نفقة لها ولا للولد حتى تفطمه نقل المروذي إذا أبرأته من مهرها ونفقتها ولها ولد فلها النفقة عليه إذا فطمته لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته وكذا السكنى.
مسألة: العوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع فإن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في ضمان الزوج ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه.

(7/214)


فصل
ويصح الخلع بالمجهول وقال أبو بكر لا يصح والتفريع على الأول فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع فله ما فيهما فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم وأقل ما سمي متاعا وقال القاضي يرجع عليها بصداقها في مسألة: المتاع،
ـــــــ
فصل
"ويصح الخلع بالمجهول" في ظاهر المذهب لأن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع وليس فيه تمليك شيء والإسقاط تدخله المسامحة ولذلك جاز بغير عوض على رواية.
"وقال أبو بكر لا يصح" وإنه قياس قول أحمد وجزم به أبو محمد الجوزي لأنه معاوضة فلم يصح بالمجهول كالبيع.
"والتفريع على الأول" لأنه المذهب والفرق بينه وبين البيع أن البيع لا يصح إلا بثمن قولا واحدا بخلاف الخلع على قول وحينئذ يجب في ظاهر نصه المسمى.
"فإذا خالعها على ما في يدها من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع فله ما فيهما" إذا كان فيهما شيء لأن ذلك هو المخالع عليه وجهالته لا تضر لأن التفريع على صحة الخلع بالمجهول وظاهره أنه يستحق ما في يدها وإن كان أقل من ثلاثة دراهم وهو احتمال حكاه في "المغني" و "الشرح" لأنه الذي في اليد والثاني له ثلاثة دراهم لأن لفظه يقتضيها.
"فإن لم يكن فيهما شيء فله ثلاثة دراهم وأقل ما سمي متاعا" لأن ذلك أقل ما يقع عليه اسم الدراهم والمتاع حقيقة.
"وقال القاضي" وأصحابه "يرجع عليها بصداقها في مسألة: المتاع" لأنها فوتت عليه البضع ولم يحصل له العوض لجهالته فوجب عليها قيمة ما

(7/215)


وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشيء وقال القاضي لا شيء له.
ـــــــ
فوتت عليه وهو الصداق وأما على الرواية الأولى ففيه خمسة أوجه:
أحدها: وهو ظاهر كلامه صحة الخلع بالمسمى لكن يجب أدنى ما يتناوله الاسم لما تبين عدمه وإن لم يكن غرته كحمل الأمة.
الثاني: صحته بمهرها فيما يجهل حالا ومآلا فإن تبين عدمه رجع إلى مهرها وقيل إذا لم تغره فلا شيء عليها.
الثالث: فساد المسمى وصحة الخلع بمهرها.
الرابع: بطلان الخلع قاله أبو بكر.
الخامس: بطلانه بالمعدوم وقت العقد كما تحمل شجرته وصحته مع الوجود يقينا أو ظنا. ثم هل يجب المسمى أو مهر أو الفرق قاله في "المحرر".
"وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها فله ذلك" أي ما تحملانه لأنه المخالع عليه ولو كان معدوما إذ لا أثر له والمراد بحمل الأمة ما تحمله بدليل قوله بعد "فإن لم تحملا وهكذا ذكره في "المغني" ولا فرق بين مسألة: حمل الأمة وحمل الشجرة فإن لم تحملا فقال أحمد ترضيه بشيء" لئلا يخلو الخلع عن عوض وفي "المغني" قول أحمد ترضيه بشيء إن له أقل ما يقع عليه اسم الحمل والثمرة فهو كمسألة: المتاع لأنه بمعناه.
"وقال القاضي لا شيء له" لأنه رضي بالحمل ولا حمل وتأويل قول أحمد على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لقدره بتقدير يرجع إليه.
وعليه الفرق بينهما وبين مسألة: الدراهم والمتاع أن المرأة في مسألة: الدراهم والمتاع أوهمته أن معها دراهم وفي بيتها متاع لأنها خاطبته بلفظ يقتضي

(7/216)


وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا وإن قال عن أعطيتني عبدا فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا وملك العبد نص عليه وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما وإن قال إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته
ـــــــ
الوجود مع إمكان علمها به فكان له مادل عليه لفظها كما لو خالعته على عبد فوجد حرا وفي هاتين فاذا دخل معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ورضاهما بما فيه من الاحتمال فلم يكن لها شيء غيره كما لو قال خالعتك على هذا الحر وقال ابن عقيل له مهر المثل وقال أبو الخطاب له المسمى.
"وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا" أي يصح تمليكه نص عليه لأنه خالعها على مسمى مجهول فكان له أقل ما يقع عليه الاسم كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم فإن خالعته على عبيد فله ثلاثة في ظاهر كلام أحمد والخرقي كمسألة: الدراهم. "وإن قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا وملك العبد نص عليه" لأن الشرط عطية عبد وقد وجد ويقع الطلاق بائنا لأنه على عوض ويملك العبد لأنه عوض خروج البضع من ملكه.
"وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما" كالصداق وتأول كلام أحمد على أنها تعطيه عبدا وسطا وعلى قوله إن أعطته معيبا أو دون الوسط فله رده وأخذ بدله.
تتمة: لو أعطته مدبرا أو معتقا بعضه وقع الطلاق لأنهما كالقن في التمليك وإن أعطته حرا أو مغصوبا أو مرهونا لم تطلق لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وفي "الرعاية" لو بان حرا أو مغصوبا أو مكاتبا بانت وله القيمة وقيل لا تطلق.
"وإن قال إن أعطيتني هذا العبد" أو الثوب الهروي "فأنت طالق فأعطته

(7/217)


إياه طلقت فإن خرج معيبا فلا شيء له وإن خرج مغصوبا لم يقع الطلاق عليها وعنه: يقع وله قيمته وكذلك في التي قبلها وإن قال إن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق،
ـــــــ
إياه طلقت" لتحقق وجود الشرط ويقع بائنا "وإن خرج معيبا" أو مرويا "فلا شيء" له ذكره أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" لأنه شرط لوقوع الطلاق أشبه ما لو قال إن ملكته فأنت طالق ثم ملكه وقال القاضي له رده وأخذ قيمته بالصفة سليما أو أخذ أرشه كما لو قالت اخلعني على هذا العبد فخلعها وفي "الترغيب" في رجوعه بأرشه وجهان وأنه لو بان مباح الدم بقصاص أو غيره فقتل فذكر القاضي وهو المذهب أنه يرجع بأرش عيبه وذكر ابن البنا يرجع بقيمته.
"وإن خرج مغصوبا" أو حرا "لم يقع الطلاق عليها" على المذهب لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه لأنه لا يكون عطية له فإذا لم يوجد شرط الطلاق.
"وعنه: يقع وله قيمته" جزم به في "الروضة" وغيرها لأنه معاوضة بالبضع فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح فعلى هذا يرجع عليها بقيمته لأنه لم يرض بغير عوض والصحيح أنها لا تطلق ولا يستحق القيمة لأنها لا تطلق بعطية المغصوب والحر لأن العطية هنا التمليك بدليل حصوله فيما إذا كان العبد مملوكا لها.
"وكذلك في التي قبلها" لأنهما سواء معنى فكذا يجب أن يكونا حكما.
فرع: إذا خالعها على عبد موصوف في الذمة فأعطته إياه معيبا بانت وله طلب عبد سليم بتلك الصفة وإن أعطته قيمته لزمه قبولها وقال ابن حمدان له مهر المثل فإن خالعها على عبد بعينه ثم أعتقته لم يصح وقيل بلى وعليها قيمته فإن باعته ولم يعلم فعليها قيمته وقيل يبطل البيع.
"وإن قال إن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق" لأن

(7/218)


وإن خالعته على هروي بأن قالت اخلعني على هذا الثوب الهروي فبان مرويا فله الخيار بين رده وإمساكه وعند أبي الخطاب ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه.
ـــــــ
الصفة التي علق عليها الطلاق لم توجد وإن خالعته على مروي في الذمة فأتته بهروي صح وخير وإن خالعها على ثوب على أنه قطن فبان كتانا رده ولم يكن له إمساكه لأنه جنس آخر وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق سواء قبضه منها أو لا فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت يضمنه لك زيد أو أجعله قصاصا بما لي عليك أو أحالته به لم يقع الطلاق وكذلك كل موضع تعذر العطية فيه سواء كان التعذر من جهتها أو من جهته أو من جهة غيرهما لانتفاء الشرط ولو قالت طلقني بألف فطلقها استحق الألف وبانت وإن لم تقبض نص عليه لأن هذا ليس تعليقا على شرط بخلاف الأول.
فرع: إذا تخالعا على حكم أحدهما أو غيرهما أو بمثل ما خالع به زيد زوجته صح بالمسمى وقيل بل بمهرها وقيل بل بمهر مثلها.
"وإن خالعته على هروي فبان مرويا فله الخيار بين رده" لأنه غير المعقود عليه "وإمساكه" لأنه من الجنس ولأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد "وعند أبي الخطاب ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه" لأن الخلع واقع على عينه وقوله الأول مشعر بأن الخلع واقع على غير العين وفي اشتراط وقوع الخلع على عينه عند أبي الخطاب ينفيه ويؤذن بأن الكلام الأول عام إذ لو كان الموطأ بالخلع على عين الثوب لم يكن في اشتراط وقوع الخلع على العين عند أبي الخطاب فائدة.

(7/219)


فصل
إذا قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق كان على التراخي أي وقت أعطته ألفا طلقت وإن قالت له اخلعني بألف أو على ألف أو طلقني بألف أو على ألف ففعل،
ـــــــ
فصل
"إذا قال إن أعطيتني أو إذا أعطيتني أو متى أعطيتني ألفا فأنت طالق كان على التراخي أي وقت أعطته ألفا طلقت" بائنا وملكه وإن لم يقبضه لأنه علق الطلاق بشرط فكان على التراخي كسائر التعاليق فلو نويا صنفا منها حمل العقد عليها وإن أطلقا حمل على نقد البلد كالبيع فإن لم يكن فعل ما يقع عليه ولا يقع بدفعها عددا ناقصة الوزن كدفع نقرة زنتها ألف لأن الدراهم في عرف الشرع المضروبة الوازنة وقيل يكفي عدد متفق عليه بلا وزن لحصول المقصود وتطلق إذا أعطته وازنة بإحضاره ولو كانت ناقصة في العدد وإذنها في قبضه وإن دفعت إليه مغشوشة تبلغ فضتها ألفا طلقت وإلا فلا وتقدم أنه يمكنه قبضه كما في "المنتخب" و "المغني" وغيرهما وفي "الترغيب" وجهان في إن اقبضتني فأحضرته ولم تقبضه فلو قبضه فهل يملكه فيقع بائنا أولا فيقع رجعيا فيه احتمالان ظاهره أنها إذا وضعته بين يديه أنها تطلق وإن لم يأخذه إذا كان متمكنا من أخذه لأنه إعطاء عرفا بدليل أعطته فلم يأخذ واستشكله بعض المحققين لأنه إن حمل الإعطاء على الإقباض من غير تمليك فينبغي أن تطلق ولا يستحق شيئا وإن حمل عليه مع التمليك فلا يصح التمليك بمجرد فعلها والتعليق لازم من جهة الزوج لزوما لا سبيل إلى دفعه خلافا للشيخ تقي الدين كالكتابة عنده ووافق على شرط محض كإن قدم زيد.
"وإن قالت له اخلعني بألف أو على ألف أو طلقني بألف أو على ألف" أو طلقني ولك ألف "ففعل" على الفور وقيل أو التراخي جزم به في

(7/220)


بانت واستحق الألف وإن قالت له طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا استحقها وإن قالت له طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئا ويحتمل أن يستحق ثلث الألف،
ـــــــ
"المنتخب" وفي "المحرر" وغيره في المجلس بانت لأن الباء للمقابلة وعلى في معناها ويكفي قوله خلعتك أو طلقتك وإن لم يذكر الألف في الأصح واستحق المجيب الألف لأنه فعل ما جعل الألف في مقابلته وكذا قولها إن طلقتني فلك علي ألف ولها أن ترجع قبل أن يجيبها.
فرع: إذا قالت اخلعني بألف فقال أنت طالق فإن قلنا الخلع طلقة بائنة وقع واستحق الألف وإن قلنا هو فسخ فهل يستحق العوض فيه وجهان وإن لم يستحق ففي وقوعه رجعيا احتمالان وإن قالت طلقني بها فقال خلعتك فإن كان طلاقا استحقه وإلا لم يصح وقيل خلع بلا عوض وفي "الروضة" يصح وله العوض لأن القصد أن تملك نفسها بالطلقة وحصل بالخلع.
"وإن قالت له طلقني واحدة بألف" أو على ألف أو ولك ألف "فطلقها ثلاثا" وفي "الروضة" أو اثنتين "استحقها" لأنه حصل لها ما طلبته وزيادة.
"وإن قالت له طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة" وقعت الواحدة بغير خلاف لأنه أتى بلفظه الصريح و "لم يستحق شيئا" على المنصوص والمجزوم به عند أصحابنا لأنها إنما بذلتها في مقابلة الثلاث ولم تحصل وصار كما لو قال بعني عبديك بألف فقال بعتك أحدهما بنصفها والجواب ما إذا قال من رد عبيدي فله كذا فرد بعضهم فإنه يستحق القسط لأن غرضه يتعلق بكل واحد من العبيد وهنا غرضها يتعلق ببينونة كبرى ولم تحصل.
"ويحتمل أن يستحق ثلث الألف" وهو لأبي الخطاب في "الهداية" كما لو قال من رد عبيدي الثلاثة فله ألف فعلى هذا يقع الطلاق بائنا وعلى الأول يكون رجعيا إذا كان في يده الثلاث لأنها استدعت فرقة تحرم بها قبل زوج

(7/221)


وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل بانت واستحق الألف علمت أولم تعلم ويحتمل أن لا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم وإن كانت له امرأتان مكلفة وغير مكلفة فقال أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف
ـــــــ
آخر فلم يجبها إليه.
فرع: لو وصف طلقة ببينونة وقلنا به لعدم التحريم التام فإن لم يصفها فواحدة رجعية وقيل بائن بثلاثة وهو رواية في "التبصرة".
"وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل بانت واستحق الألف" لأن الواحدة التي فعلها كملت الثلاث وحصلت ما يحصل من الثلاث من البينونة وتحريم العقد فوجب العوض كما لو طلقها ثلاثا "علمت أو لم تعلم" لأن القصد تحريمها قبل زوج آخر وقد حصل ذلك ويحتمل ألا يستحق إلا ثلثه إذا لم تعلم وهو قول ابن سريج لأنها بذلت العوض في مقابلة الثلاث ولم يوجد بخلاف ما إذا كانت عالمة فإن معنى كلامها كمل لي الثلاث وقد فعل.
مسائل: إذا قال أنت طالق وطالق وطالق بألف بانت بالأولى ولم يقع ما بعدها في الأصح وهذه المسألة: في جواب قولها طلقني واحدة بألف ويدل عليه كلام بعضهم ولو قال أنت طالق وطالق بألف وطالق بانت بالثانية ولغت الثالثة وإن قال أنت طالق وطالق وطالق بألف بانت بالثالثة وما قبلها رجعي وقال ابن حمدان تطلق ثلاثا ولو قالت طلقني عشرا بألف فطلقها ثلاثا استحقها لأنه حصل المقصود وإن طلقها أقل من ذلك لم يستحق شيئا وإن قالت طلقني بألف إلى شهر فطلقها قبله طلقت ولا شيء له نص عليه وإن قالت من الآن إلى شهر فطلقها قبله استحقها لأنه أجابها إلى ما سألت وقال القاضي تبطل التسمية وله صداقها لأن زمن الطلاق مجهول.
"وإن كان له امرأتان مكلفة أي رشيدة وغير مكلفة أي مميزة فقال أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا قد شئنا لزم المكلفة نصف

(7/222)


الألف وطلقت بائنا ووقع الطلاق بالأخرى رجعيا ولا شيء عليهما وإن قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها وإن قال على ألف أو بألف فكذلك،
ـــــــ
الألف وطلقت بائنا ووقع الطلاق بالأخرى رجعيا ولا شيء عليهما" كذا ذكره في "الوجيز" وغيره وحاصله أن المكلفة إذا كانت رشيدة فمشيئتها صحيحة وتصرفها في مالها صحيح فيقع عليهما الطلاق فتبين المكلفة بنصف الألف عند أبي بكر ورجحه في "المغني" وجزم به في "الوجيز" وعند ابن حامد يسقط بقدر مهريهما ذكره في "المغني" و "الشرح" ظاهر المذهب وتطلق الأخرى رجعيا مجانا فإن بذلها للعوض غير صحيح وكذا المحجور عليها لسفه لأن لها مشيئة وتصرفها في المال غير صحيح بدليل أنه يرجع إلى مشيئة المحجور عليه في النكاح فإن كانت مجنونة أو صغيرة لم تصح المشيئة منها ولم يقع الطلاق وعنه: لا مشيئة لمميزة كدونها فلا طلاق فإن كانتا رشيدتين وقع بهما الطلاق بائنا فإن قبلته إحداهما لم تطلق واحدة منهما ذكره في "المغني" و "الشرح" لأنه جعل مشيئتهما شرطا في طلاق كل واحدة منهما والأصح أنها تطلق وحدها بقسطها فلو قال الزوج ما شئتما وإنما قلتما ذلك بألسنتكما أو قالتا ما شئنا بقلوبنا لم يقبل.
"وإن قال لامرأته" ابتداء "أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها" لأنه لم يجعل الألف عوضا للمطلقة ولا شرطا فيها وإنما عطفه على الطلاق الذي أوقعه فوقع ما يملكه دون مالا يملكه كقوله أنت طالق وعليك الحج فإن أعطته المرأة عوضا عن ذلك كان هبة مبتدأة تعتبر فيها شروط الهبة.
"وإن قال على ألف أو بألف فكذلك" أي يطلق بغير شيء على المذهب لأنه أوقع الطلاق غير معلق بشرط وجعل عليه عوضا لم يبذله فوقع رجعيا لأن على ليست للشرط ولا للمعاوضة بدليل أنه لا يصح بعتك ثوبي على دينار وقيل لا تطلق كنظيرتهن في العتق وقيل تطلق إلا في وعليك والمختار أنها إذا قبلته في المجلس بانت واستحقه وإلا وقع رجعيا وله الرجوع قبل قبولها ولا

(7/223)


ويحتمل ألا تطلق حتى تختار فلزمها الألف.
فصل
وإذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو من ميراثه منها،
ـــــــ
ينقلب بائنا ببذلها العوض في المجلس بعد عدم قبولها.
"ويحتمل ألا تطلق حتى تختار فلزمها الألف" هذا قول القاضي في "المجرد" لأن تقديره إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق ولأن "على" تستعمل للشرط بدليل قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: من الآية27] الآية وقيل تطلق بألف فقط والأولى أنها لا تطلق في بألف حتى تختار فيلزمها الألف لأنها إن لم تكن حرف شرط فهي للمعاوضة في بعتك بكذا وزوجتك بكذا.
فرع: إذا قال أنت طالق ثلاثا بألف أو على ألف فقالت قبلت واحدة بثلث الألف لم يقع وإن قالت قبلت واحدة بألف وقع الثلث واستحق الألف وإن قالت قبلت بألفين وقع ولزمها الألف فقط وإن قال أنت طالق ثلاثا واحدة منها بألف طلقت اثنتين ووقعت الثالثة على قبولها ولو لم يبق من طلاقها إلا واحدة فقال أنت طالق اثنتين الأولى بغير شيء والثانية بألف بانت بالثلاث ولم يستحق شيئا.
فصل
"وإذا خالعته في مرض موتها" المخالعة في المرض صحيحة سواء كانا مريضين أو أحدهما بغير خلاف نعلمه لأنها معاوضة كالبيع ثم إذا خالعته في مرض موتها بميراثه منها فما دون صح ولا رجوع وان خالعته بزيادة بطلت الزيادة.
"فله الأقل من المسمى أو من ميراثه منها" لأن ذلك لا تهمة فيه بخلاف الأكثر منها فإن الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه أشبه ما لو أوصت أو أقرت له وإن وقع بأقل من الميراث فالباقي هو أسقط حقه منه، فلم

(7/224)


وإن طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر لم تستحق أكثر من ميراثها وإن خالعها في مرضه وحاباها فهو من رأس المال وإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقا فخالع بمهرها فما زاد صح وإن نقص عن المهر رجع على الوكيل بالنقص ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصا وبين رده وله الرجعة،
ـــــــ
يستحقه فتعين استحقاق الأقل منهما وقيل إن كان ميراثه منها بقدر ما ساق إليها من الصداق أو أقل صح وإن كان ما خالعته أكثر بطلت الزيادة.
"وإن طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها" لم تستحق أكثر من ميراثها أي للورثة منعها من ذلك لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها كالوصية لوارث وعلم منه أنه إذا أوصى لها بمهر مثلها أو أقل أنه يصح لأنه لا تهمة في ذلك "وإن خالعها في مرضه وحاباها فهو من رأس المال" مثل أن يخالعها بأقل من مهر مثلها مثل أن يكون قادرا على خلعها بشيء فخالعها بدونه لم يحسب ما حاباها من الثلث في مرض موته لأنه لو طلق بغير عوض لصح فلأن يصح بعوض أولى فلو خالعها في مرضها بأكثر من مهرها فللورثة أن لا يعطوه أكثر من ميراثه منها لأنه متهم.
"وإذا وكل في خلع امرأته مطلقا فخالع بمهرها فما زاد صح" ولزم المسمى لأنه زاده خيرا وعلم منه صحة التوكيل في الخلع لكل من يصح تصرفه في الخلع لنفسه كالعبد والأنثى والكافر والمحجور عليه لا نعلم فيه خلافا ويجوز التوكيل من غير تقدير عوض كالبيع والنكاح والمستحب التقدير لأنه أسلم من الغرر وأسهل على الوكيل.
"وإن نقص عن المهر رجع على الوكيل بالنقص" على المذهب لأن الخلع عقد معاوضة أشبه البيع "ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصا" لأن الحق له فإذا رضي بدونه وجب أن يصح "وبين رده وله الرجعة" لأن الطلاق قد وقع والعوض مردود.

(7/225)


وإن عين له العوض فنقص لم يصح الخلع عند ابن حامد وصح عند أبي بكر ويرجع على الوكيل بالنقص وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح وإن زاد لم يصح ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة،
ـــــــ
"وإن عين له العوض فنقص لم يصح الخلع ثم ابن حامد" وهو أولى وأصح لأنه خالف موكله أشبه ما لو وكله في خلع امرأة فخالع غيرها "وصح عند أبي بكر" لأن المخالعة في قدر العوض وهو لا يبطله كحالة الإطلاق "ويرجع على الوكيل بالنقص" لأنه أمكن الجمع بين تصحيح التصرف ودفع الضرر فوجب كما لو لم يخالف وصحح ابن المنجا هذا القول لأن الفرق ثابت بين المخالفة وبين المعقود عليه وبين المخالفة في تعيين العوض لأنه لو وكله في عبده من زيد فباعه من غيره لم يصح ولو وكله في بيعه بعشرة فباعه بأقل منها أنه يصح ويضمن الوكيل النقص.
فرع: إذا خالف بالجنس أو أمره بالخلع حالا فخالع عن عوض نسيئة فالقياس أنه لا يصح وقال القاضي إنه يلزم الوكيل القدر الذي أذن فيه ويكون له ما خالع به كالمخالفة في القدر وهذا يبطل بالوكيل في البيع وفارق المخالفة في القدر لأنه أمكن جبره بالرجوع بالنقص على الوكيل وكذا الحكم لو خالع بغير نقد البلد وإن خالع بما ليس بمال فلغو وقيل يصح إن صح بلا عوض وإلا رجعيا.
"وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح" لأنه امتثل وزاد خيرا "وإن زاد لم يصح" على المذهب لأنه خالفها في تعيينها أو فيما اقتضاه الإطلاق فلم يصح كما لو وكلته في الخلع بدراهم فخالع بعروض "ويحتمل أن يصح" لأن المخالفة في القدر لا توجب الضمان "وتبطل الزيادة" لأن الموكلة ما التزمتها ولا أذنت فيها وقاله في "الشرح" ولزم الوكيل لأنه ألزمه للزوج فلزمه الضمان كالمضارب إذا اشترى من

(7/226)


وإذا تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه: أنها تسقط.
فصل
وإذا قال: خالعتك بألف فأنكرته أو قالت إنما خالعت غيري بانت والقول قولها مع يمينها في العوض وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله أو صفته فالقول قولها
ـــــــ
يعتق على رب المال وقال القاضي في "المجرد" عليها مهر مثلها ولا شيء على وكيلها لأنه لا يقبل العقد لنفسه وإنما يقبله لغيره بخلاف الشراء.
"وإذا تخالعا" بغير لفظ الطلاق "تراجعا بما بينهما من الحقوق" أي حقوق النكاح لأنه أحد نوعي الخلع فلم يسقط به شيء كالطلاق.
"وعنه: أنها تسقط" بالسكوت عنها إلا نفقة عدة الحامل وما خولع ببعضه لأن الخلع يقتضي انخلاع كل واحد من صاحبه ولو بقيت الحقوق كما كانت لبقي بينهما علقة وذلك ينافي الانخلاع فعليه إن كان خلعها قبل الدخول ولم تكن قبضت منه شيئا لم ترجع عليه وإن كانت قبضته لم يرجع وعلى الأول يرجع كل واحد بما يستحقه وهو الأصح وهذا الخلاف في حقوق النكاح وأما الديون فلا تعلق للخلع بها.
فصل
"وإذا قال خالعتك بألف فأنكرته أو قالت إنما خالعت غيري بانت" بإقراره "والقول قولها مع يمينها في العوض" لأنها منكرة لبذله "وإن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف" لأنها أقرت بها ولا يلزم الغير شيء إلا أن يقر به فإن ادعته المرأة وأنكره الزوج قبل قوله ولا شيء عليها لأنها لا تدعيه وإن قالت سألتك طلاقا ثلاثا بألف فأجبت فقال بل طلقة فأجبت قبل قوله وبانت بألف وقيل يتحالفان ولها المهر المسمى.
"وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله أو صفته فالقول قولها

(7/227)


مع يمينها ويتخرج أن القول قول الزوج ويحتمل أن يتحالفا ويرجعا إلى المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى وإن علق طلاقها على صفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج ألا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي،
ـــــــ
مع يمينها" نص عليه لأنه يقبل قولها في أجله فكذا في قدره وصفته ولا ينكر الزائد والحلول والقول قول المنكر مع يمينه "ويتخرج أن القول قول الزوج" هذا رواية حكاها القاضي لأن البضع يخرج عن ملكه فقبل قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه "ويحتمل أن يتحالفا" إن لم يكن يلفظ طلاق لأنه اختلاف في عوض العقد فيتحالفان فيه كالمتبايعين.
"ويرجعا إلى المسمى أو مهر المثل إن لم يكن مسمى" لأن البضع تلف بالخلع فوجب الرجوع إلى البدل كما لو تلف المبيع ووقع التحالف فإنه يجب بدله وهو المثل أو القيمة. وجوابه بأن التحالف في البيع يحتاج إليه في فسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا يفسخ وقيل إن اختلفا في قدر العوض فلا يمين وأيهما يصدق فيه وجهان.
"وإن علق طلاقها على صفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه" لأن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فوقع الطلاق كما لو لم يتخلله بينونة لا يقال الصفة انحلت بفعلها حال البينونة ضرورة ألا تقتضي التكرار لأنها إنما تنحل على وجه تحنث به لأن اليمين حل وعقد والعقد يفتقر إلى الملك فكذا الحل والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال البينونة ولا تنحل اليمين.
"ويتخرج ألا تطلق بناء على الرواية في العتق" وهو أن الصفة لا تنحل لأن الملك الثاني لا ينبني على الأول في شيء من أحكامه "واختاره أبو الحسن التميمي" وأكثر العلماء لأن العتق يتشوف الشارع إليه بخلاف الطلاق قال صاحب

(7/228)


وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة.
ـــــــ
"النهاية" وغيره: والأول أصح والفرق بين الطلاق والعتاق من حيث إن الأصل في الأبضاع الحرمة وفي الأموال العصمة فإذا تعارض دليل الطلاق وجب وقوعه لأن الأصل حرمة الوطء وإذا تعارض دليل العتق وجب عدم وقوعه لأن الأصل عصمة الملك فإن قيل لو طلقت بذلك لوقع الطلاق بشرط سابق على النكاح ولا خلاف أنه لو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق فتزوجها ثم دخلت لم تطلق والفرق أن النكاح الثاني مبني على الأول في عدد الطلقات وسقوط اعتبار العدد وبهذا فرق صاحب "المغني" فيه بين الطلاق والملك "وإن لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة" لأن اليمين لم تنحل لكون الصفة في حال البينونة لم توجد فإذا وجدت الصفة بعد التزويج وجب أن تعمل عملها كما لو لم يكن بينونة فإن كانت الصفة لا توجد بعد النكاح الثاني كقوله إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثا ثم أبانها فأكلته لم يحنث.
أصل: يحرم الخلع حيلة لإسقاط يمين الطلاق ولا يقع في اختيار الأكثر واحتج القاضي بما روي عن عمر أنه قال الحلف حنث أو ندم رواه ابن بطة وفي "المغني" هذا يفعل حيلة على إبطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فلو اعتقد البينونة ففعل ما حلف فكمطلق معتقد أجنبية فتبين امرأته ذكره الشيخ تقي الدين وقيل يقع وصححه ابن حمدان وصاحب "الحاوي" وعمل غالب الناس عليه وفي واضح ابن عقيل يستحب إعلام المستفتي بمذهب غيره إن كان أهلا للرخصة كطالب التخلص من الربا فيدله على من يرى التحيل للخلاص منه والخلع بعدم وقوع الطلاق والله أعلم.

(7/229)