المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الطلاق
كتاب الطلاق
...
كتاب الطلاق
وهو حل قيد النكاح ويباح عند الحاجة إليه ويكره من غير حاجة،
ـــــــ
كتاب الطلاق
والإجماع على جوازه، وسنده قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: من الآية229] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: من الآية1] وقوله عليه السلام لعمر لما سأله عن تطليق ابنه امرأته وهي حائض: "مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " متفق عليه والمعنى يدل عليه لأن الحال ربما فسد بين الزوجين فيؤدي إلى ضرر عظيم فبقاؤه إذا مفسدة محضة بلزوم الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة فائدة فشرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه.
"وهو حل قيد النكاح" أو بعضه وهو راجع إلى معناه لغة لأن من حل قيد نكاحها فقد خليت إذ أصل الطلاق التخلية يقال طلقت الناقة إذا سرحت حيث شاءت وحبس فلان في السجن طلقا بغير قيد وهو مصدر طلقت المرأة أي بانت من زوجها بفتح اللام وضمها تطلق بضم اللام فيهما طلاقا وطلقة وجمعها طلاق بفتح اللام فهي طالق وطلقها زوجها فهي مطلقة.
"ويباح عند الحاجة إليه" لضرره بالمقام على النكاح فيباح له رفع الضرر عن نفسه "ويكره من غير حاجة" وقاله الأكثر لما روى محارب ابن دثار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق" رواه أبو داود وابن ماجه ورجاله ثقات وروي مرسلا وعنه: لا يكره صححه الحلواني لما سبق.

(7/230)


وعنه أنه يحرم ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضررا ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن الصبي العاقل.
ـــــــ
"وعنه: أنه يحرم" لقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار" ولأنه يضر بنفسه وزوجته. "ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضررا" أي يندب عند تضرر المرأة بالنكاح إما لبغضه أو لغيره فيستحب إزالة الضرر عنها ولتركها صلاة وعفة ونحوهما وعنه: يجب لعفة وعنه: وغيرها فإن ترك حقا لله فهي كهو فتختلع والزنى لا يفسخ نكاحا نص عليهما ونقل المروذي فيمن يسكر زوج أخته يحولها إليه وعنه: أيضا أيفرق بينهما قال الله المستعان وبقي هنا قسمان آخران واجب هو طلاق المؤلي بعد التربص وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأياه وعنه: ولأمر أبيه وعنه: العدل وقاله أبو بكر اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمرته أمه فنصه لا يعجبني طلاقه ومنعه الشيخ تقي الدين منه ونص في بيع السرية إن خفت على نفسك فليس لها ذلك ومحظور وهو طلاق من دخل بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه ويسمى طلاق بدعة لمخالفته الشرع لأن طلاق الحائض يضر بها لتطويل عدتها والمصابة ترتاب فلا تدري أذات حمل هي فتعتد بوضعه أم حائل فتعتد بالقروء وحيث كانت حاملا فيندم على فراقها مع ولدها المدخول بها فلا يحرم لعدم العدة وكذا الصغيرة والآيسة والحامل التي استبان حملها فلا.
"ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار" بغير خلاف نعلمه لأن المصحح لوقوع الطلاق موجود وهو التكليف فظاهره يقع من كتابي وسفيه نص عليهما.
"ومن الصبي العاقل" أي إذا عقل الطلاق في الاختيار الأكثر وذكره ابن هبيرة ظاهر المذهب لقوله عليه السلام: "الطلاق لمن أخذ بالساق" وقال علي: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه" ذكره البخاري ورواه الترمذي والدارقطني مرفوعا بإسناد فيه ضعف.

(7/231)


وعنه: لا يصح حتى يبلغ ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه.
ـــــــ
"وعنه: لا يصح حتى يبلغ" نقلها أبو طالب وقدمها في "المحرر" وجزم بها الآدمي وابن أبي موسى وهو قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم" مكلف فلا يقع طلاقه كالمجنون وعنه: لا يقع لدون عشر اختاره أبو بكر وعنه: اثنتي عشرة سنة وقاله إسحاق وعنه: لأب صغير ومجنون فقط الطلاق نصره القاضي وأصحابه ومن أجاز مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره أومأ إليه ونصره في "الشرح" كالبالغ وقال أبو بكر وحكاه عن أحمد لا يصح أن يوكل حتى يبلغ وجوابه بأنه على الرواية التي لا تجيز طلاقه.
فرع: تعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه فلا طلاق لفقيه يكرره وحاك عن نفسه حكاه ابن عقيل كغيره.
"ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه" إجماعا لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن المجنون حتى يفيق" وعن أبي هريرة مرفوعا أنه قال: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله" رواه النجاد قال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان وهو ذاهب الحديث ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال بجنون أو إغماء أو شرب دواء أو أكره على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله أو لم يعلم أنه مزيل العقل لكن لو ذكر المغمي عليه أو المجنون لما أفاق أنه طلق وقع نص عليه قال المؤلف هذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية فأما المبرسم ومن به نشاف فلا يقع وفي "الروضة" أن المبرسم والموسوس إن عقل الطلاق لزمه ويدخل في كلامهم من غضب حتى أغمي أو غشي عليه قال الشيخ تقي الدين بلا ريب ويقع من غيره في ظاهر كلامهم لأن أبا موسى أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله فوجده غضبان وحلف لا يحملهم وكفر الحديث ولأنه قول ابن عباس ولأنه من باطن كالمحبة الحاملة على الزنى،

(7/232)


وإن زال بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان.
ـــــــ
وقال الشيخ تقي الدين إن غيره ولم يزل عقله لم يقع لأنه ألجأه وحمله عليه فأوقعه وهو يكرهه ليستريح منه فلم يبق له قصد صحيح فهو كالمكره ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله ولا يلزمه نذر الطاعة فيه وفي صحة حكمه الخلاف وإنما انعقدت يمينه لأن ضررها يزول بالكفارة ولهذا إتلاف.
فرع: لو ادعى أنه طلق وهو زائل العقل ينبني على ما إذا أقر وهو مجنون هل يقبل وفيه ثلاثة أقوال ثالثها يقبل إن كان ممن غلب وجوده منه.
"وإن زال بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان" إحداهما يقع قال ابن هبيرة هي أظهرهما اختارها الخلال والقاضي والأكثر لما تقدم من قوله كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه وقال معاوية كل أحد طلق امرأته جائز إلا طلاق المجنون رواه البيهقي بإسناد حسن ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف وقال علي بمحضر من عمر وغيره نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون رواه مالك بإسناد جيد ولأنه مكلف فوقع طلاقه كالصاحي بدليل القتل والقطع في السرقة.
والثانية: لا يقع اختارها أبو بكر والمؤلف ورجحه في "الشرح" والشيخ تقي الدين وقال المكره لم يأثم في الأصح ونقل الميموني كنت أقول يقع حتى تبينته فغلب علي أنه لا يقع ونقل أبو طالب الذي لا يأمر بالطلاق أتى خصلة والذي يأمر به أتى خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره وذكره البخاري عن عثمان وابن عباس وهو قول جمع قال ابن المنذر لا نعلم أحدا من الصحابة خالف عثمان وقال أحمد حديث عثمان أرفع شيء فيه ولأن العقل شرط للتكليف وكالمجنون وعنه: أنه توقف في الجواب ويقال اختلف الصحابة فيه وذكر الشيخ تقي الدين أن الخلاف فيمن يفهم وإلا لم يقع قال وزعم طائفة من العلماء أن الخلاف إنما هو في النشوان الذي يفهم

(7/233)


وكذلك يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه.
ـــــــ
ويغلط، فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقول فلا يقع منه قولا واحدا والأئمة الكبار جعلوا النزاع في الكل وهو من يخلط في كلامه أو لم يعرف ثوبه أو هذى ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض لأن ذلك كان لا يخفى إلا على المجنون.
"وكذلك يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإيلائه" وإقراره وإسلامه وكل قول أو فعل يعتبر له العقل لأن المعنى في الجميع واحد وعنه: كالمجنون في أقواله وكالصاحي في أفعاله وعنه: في الحد كالصاحي وفي غيره كالمجنون وعنه: أنه فيما يستقل به كعتقه وقتله بالصاحي وفيما لا يستقل به كبيعه ونكاحه كالمجنون قال جماعة ولا تصح عبادته وقال أحمد ولا تقبل صلاته أربعين يوما حتى يتوب للخبر.
فرع: البنج ونحوه كجنون لأنه لا لذة به نص عليه وذكر جماعة يقع لتحريمه ولهذا يعزر قال الشيخ تقي الدين قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرم وفي "الواضح" إن تداوي ببنج فسكر لم يقع وهو ظاهر كلام جماعة.
"ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه" رواه سعيد وأبو عبيد عن عمر وهو قول جماعة من الصحابة قال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشيء ذكره البخاري ولقوله عليه السلام: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه والدارقطني قال عبد الحق إسناد متصل صحيح وعن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طلاق ولا عتاق في غلاق" رواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد وابن ماجه ولفظهما "في إغلاق" قال المنذري: هو المحفوظ قال أبو عبيد والقتيبي معناه في إكراه لكن فسره في رواية حنبل بالغضب ذكره أبو بكر في الشافي ولأنه قول حمل عليه بغير حق أشبه الإكراه على كلمة الكفر وعنه: لا يكون إلا من سلطان ذكرها ابن هبيرة والحلواني،

(7/234)


وإن هدده بالقتل أو أخذ المال ونحوه قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إكراه.
ـــــــ
وظاهره أنه لا يلزمه شيء ولو نوى به الطلاق في أحد القولين نظرا إلى أن اللفظ مرفوع عنه بالإكراه فيبقى بنية مجردة والثاني أنه بمنزلة الكناية إن نوى به الطلاق وقع وإلا فلا حكاهما أبو الخطاب في "الانتصار" وحكى شيخه عن أحمد روايتين وجعل الأشبه الوقوع وهو الذي أورده المؤلف مذهبا ولا خلاف في أنه إذا لم ينو به طلاقا ولم يتأول بلا عذر أنه لا يقع وفيه احتمال قوله بغير حق يحترز بذلك عن الإكراه بحق كإكراه الحاكم المؤلي على الطلاق بغير التربص إذا لم يف وإكراه من زوجها وليان ولم يعلم السابق منهما لأنه قول حمل عليه بحق فصح كإسلام المرتد.
"وإن هدده بالقتل ونحوه وأخذ المال قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إكراه" اختاره ابن عقيل وجزم به المؤلف وفي "الوجيز" لقول عمر في الذي قالت طلقني ثلاثا وإلا قطعته فطلقها ثلاثا فرده إليها رواه سعيد وهذا كان وعيدا ولأن الإكراه إنما يتحقق بالوعيد فإن الماضي لا يندفع بفعل ما أكره وإنما يباح الفعل المكره دفعا لما يتوعد به فيما بعد فعلى هذا يشترط له أمور:
أحدها: أن يكون ما هدده فيه ضرر كثير كالقتل والضرب الشديد فأما السب والشتم فليس بإكراه رواية واحدة وكذا أخذ المال اليسير والضرب في حق من لا يبالي به.
الثاني: أن يكون التهديد من قادر لأن غيره لم يخف وقوع المحذور به لأنه يمكن دفعه.
الثالث: أن يغلب على الظن وقوع ما هدده به.
فرع: ضرب ولده وحبسه ونحوهما إكراه لوالده وإكراه على عتق ويمين ونحوهما كطلاق.

(7/235)


وعنه لا يكون مكرها حتى يناله شيء من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق اختاره الخرقي ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا،
ـــــــ
"وعنه: لا يكون مكرها حتى يناله شيء من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق اختاره الخرقي" والقاضي والشريف وأبو الخطاب والشيرازي ونص عليه أحمد في رواية الجماعة وقال كما فعل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه يشير إلى قصة عمار حين أخذه المشركون وأرادوه على الشرك فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلت فإن أمروك مرة أخرى فافعل ذلك بهم رواه أبو حفص فعلى هذا يشترط في الضرب أن يكون شديدا أو يسيرا في حق ذي مروءة.
ومما يشبه الضرب وعصر الساق القيد والحبس الطويلان وأخذ المال الكثير زاد في "الكافي" والإخراج من الديار لا السب ونحوه رواية واحدة قاله في "المغني" و "الشرح" وعنه: إن هدد بقتل وعنه: أو قطع طرف وقيل أو إحراق من يؤلمه فإكراه قال القاضي الإكراه يختلف قال ابن عقيل وهو قول حسن وإن سحره ليطلق فإكراه قاله الشيخ تقي الدين.
تنبيه: إذا أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها أو على طلقة فطلق ثلاثا أو على لفظ صريح فأتى بكناية أو على تعليقه فنجزه وقع وإن ترك التأويل بلا عذر أو أكره على مبهمة فطلق معينة فوجهان لا يقال لو كان الوعيد إكراها لكنا مكرهين على العبادات فلا ثواب مع أنه يجوز أن يقال إننا مكرهون عليها والثواب بقضله لا مستحقا عليه عندنا ثم العبادات تفعل للرغبة ذكره في "الانتصار".
"ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا" لأنه عقد يسقط الحد ويثبت النسب والعدة والمهر أشبه الصحيح أو لأنه إزالة ملك فكان كالعتق ينفذ في الكتابة الفاسدة بالأداء كالصحيحة ويقع بائنا؛

(7/236)


واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحد له حدا ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليه.
ـــــــ
نص عليه كحكم بصحة العقد وهو إنما يكشف خافيا أو ينفذ واقعا ويجوز في حيض ولا يكون بدعة "واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته" هذا رواية واختارها أيضا في "المذهب" و "التلخيص"لأن الطلاق يفيد تحريم الحل أو حل العقد ولم يوجد في الفاسد واحد منهما ولأنه نكاح فاسد فلم يقع فيه كالجمع عليه وفي "المستوعب" من طلق في نكاح متفق على بطلانه كمن نكحها وهو في عدة غيره أو نكحها أختها لم يصح طلاقه وعنه: أنه قال أحتاط وأجيز طلاقه اختاره أبو بكر والأول عنه أظهر ولا يقع في نكاح فضولي قبل إجازته في الأصح ونقل حنبل إن تزوج عبد بلا إذن فطلق سيد جاز طلاقه، وفرق بينهما.
"وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه" لأنه إزالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق وقوله من يصح توكيله يحترز به عن الطفل والمجنون فلو وكل عبدا أو كافرا صح وإن جعل أمر الصغيرة أو المجنونة في يدها لم تملكه نص عليه وظاهر كلام أحمد أنها إذا عقلت الطلاق وقع وإن لم تبلغ كالصبي.
"وله أن يطلق متى شاء" لأن لفظ التوكيل يقتضي ذلك لكونه توكيلا مطلقا أشبه التوكيل في البيع إلا وقت بدعة ولا يملك بالإطلاق تعليقا "إلا أن يحد له حدا" لأن الأمر على ما أذن له لأن الأمر إلى الموكل في ذلك "ولا يطلق أكثر من واحدة" لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم "إلا أن يجعل إليه" أكثر من واحدة بلفظه أو نيته نص عليه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله ويقبل قوله في نيته لأنه أعلم بها زاد في "الرعاية" أو يفسخ أو يطأ وقيل لا يملك فوق طلقة بلا إذن ولا ينعزل بالوطء.
فرع: إذا أوقعه الوكيل ثم ادعى الزوج أنه رجع قبل إيقاع الوكيل قبل قوله،

(7/237)


وإن وكل اثنين فيه فليس لأحدهما الانفراد به إلا بإذن وإن وكله في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر وقع ما اجتمعا عليه ولو قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل وإن قال لها اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تطلق أكثر من اثنتين.
ـــــــ
ذكره أصحابنا "وإن وكل اثنين فيه فليس لأحدهما الانفراد به" لأنه إنما رضي بتصرفهما جميعا "إلا بإذن" لأنه راض بتصرف كل واحد منهما فملك الانفراد كما لو وكله وحده "وإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر وقع ما اجتمعا عليه" لأنه مأذون لهما في ذلك فلو طلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا وقع واحدة كما لو طلق ثنتين والآخر ثلاثا فيقع ثنتان "ولو قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك" لأنه يصح توكيلها في طلاق غيرها فكذا في طلاق نفسها كالوكيل لأنها متصرفة بالإذن فتملك ما ملكه الوكيل فعليه لها أن تطلق متى شاءت إلا أن يحد لها حدا ولا تملك أكثر من واحدة إلا أن يأذن قال أحمد إذا نوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فواحدة لأن الطلاق يكون ثلاثا وواحدة فأيهما نواه صح ولو وكل معها غيرها لم يكن لها الانفراد إلا أن يجعل ذلك إليها ولو اختلفا في العدد وقع ما اتفقا عليه فإن طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع لأنه توكيل وقال القاضي وقدمه في "الرعاية" يتقيد لها بالمجلس كاختاري وجوابه بأنه توكيل فكان على التراخي كالأجنبي ولو قال طلقي ثلاثا فطلقت واحدة وقع نص عليه لأنها تملك إيقاع ثلاثا فتملك إيقاع واحدة كالوكيل ولا تملك تعليقا فلو قال طلقي نفسك فقالت أنا طالق إن قدم زيد لم يصح لأن إذنه انصرف إلى المنجز فلم تتناول المعلق على شرط ولو قال طلقي نفسك طلاق السنة فطلقت نفسها ثلاثا فهي واحدة وهو أحق برجعتها "وإن قال: اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تطلق أكثر من اثنتين" لأن من للتبعيض فلم يكن لها أن تختار الثلاث لأنها كل الطلاق.

(7/238)


ـــــــ
فرع: يحرم تطليق وكيل مطلق وقت بدعة وفي وقوعه وجهان وفي "المغني" الزوج يملكه بملك محله ولم يعلل الأزجي عدم الوقوع إلا لمخالفة أمر الشارع فإن أوقعه ثلاثا فوجهان ولو قال التابعين بيدك أو طلاقك بيدك أو وكلتك في الطلاق فهل تملك به الثلاث على روايتين وفي "الرعاية" لو قال طلقي نفسك بألف فقالت في الحال طلقتك وقع بائنا بالألف وله الرجوع قبل أن تطلقه وهو بعيد.

(7/239)


باب سنة الطلاق وبدعته
السنة في الطلاق أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها،
ـــــــ
باب سنة الطلاق وبدعته
طلاق السنة: ما أذن فيه الشارع والبدعة ما نهى عنه ولا خلاف أن المطلقة على الصفة الأولى مطلق للسنة قاله ابن المنذر وابن عبد البر والأصل فيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: من الآية1] قال ابن مسعود وابن عباس طاهرا من غير جماع وحديث ابن عمر لما طلق امرأته وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن تمس" وهو في "الصحيحين"
"السنة في الطلاق أن يطلقها واحدة" لقول علي رواه البخاري "في طهر لم يصبها فيه" لما تقدم من قول ابن مسعود وغيره إلا في طهر متعقب لرجعة من طلاق في حيض فبدعة في ظاهر المذهب اختاره الأكثر "ثم يدعها حتى تنقضي عدتها" أي: لا يتبعها طلاقا آخر قبل انقضاء العدة لقول علي لا يطلق أحد للسنة

(7/239)


وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع ويستحب رجعتها وعنه: أنها واجبة.
ـــــــ
فيندم رواه الأثرم.
"وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع" في قول عامتهم لأنه عليه السلام أمر ابن عمر بالمراجعة وهي لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق وفي لفظ للدار قطني قال: قلت: يا رسول الله أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا قال: "كانت تبين منك وتكون معصية" وذكر في "الشرح" هذا الحديث مع غيره وقال كلها أحاديث صحاح ولأنه طلاق من مكلف في محله فوقع كطلاق الحامل ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له وفي "المحرر" وكذا أنت طالق في آخر طهرك ولم يطأ فيه وكلام الأكثر أنه مباح إلا على رواية القروء الأطهار وفي "الترغيب" تحملها ماءه في معنى وطء.
واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يقع وهو قول ابن علية وهشام بن الحكم والسبعة لأن الله تعالى أمر به قبل العدة فإذا طلق في غيره. لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بإيقاعه في غيره.
"ويستحب رجعتها" في ظاهر المذهب وهو قول الأكثر لأنه عليه السلام أمر به ابن عمر وأدنى أحواله الاستحباب ولأنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلم تجب الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه فإنهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب فيه حكاه ابن عبد البر عن الجميع. "وعنه: أنها واجبة" ذكرها في "الموجز" و "التبصرة" و "الترغيب" واختارها ابن أبي موسى لظاهر أمره عليه السلام بها ولأن الرجعة تجري مجرى استبقاء النكاح وهو واجب بدليل تحريم الطلاق وعنه: تجب في حيض اختاره في "الإرشاد" و"المبهج" وظاهر كلامه أن الخلاف راجع إلى الصورتين وليس

(7/240)


وإن طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان.
ـــــــ
كذلك فإن الطاهر المصابة فيه لا تجب رجعتها رواية واحدة وتقدم حكاية الإجماع قبله ولكن يستحب لأنه طلاق بدعة فاستحب قطعه بها كطلاق الحائض.
فرع: إذا علقه بقيام فقامت حائضا ففي "الانتصار" مباح وفي "الترغيب" بدعي وفي "الرعاية" يحتمل وجهين وذكر المؤلف إن علقه بقدومه فقدم في حيضها فبدعة ولا إثم وكذا طلاقها في الطهر المتعقب الرجعة بدعي في ظاهر المذهب وعنه: يجوز واختار في "الترغيب" ويلزمه وطؤها.
"وإن طلقها ثلاثا" وقيل أو اثنتين بكلمة أو كلمات "في طهر" لم يقيده في "الفروع" "لم يصبها فيه كره" للاختلاف في تحريمه "وفي تحريمه روايتان" إحداهما لا يحرم ويكون تاركا للاختيار واختاره الخرقي وهو قول عبد الرحمن بن عوف والحسن بن علي لأن الملاعن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية داود " فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه" ولم ينقل أنه عليه السلام أنكره ولو لم يكن للسنة لأنكره فعليها يكره ذكره جماعة ونقل أبو طالب هو طلاق السنة والثانية يحرم وهو بدعة ويقع اختاره الأكثر لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: من الآية1] الآية ثم قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق: 2] ومن طلق ثلاثا لم يبق له أمر يحدث ولم يجعل له مخرجا وقد روى النسائي عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله ولأنه تحريم للبضع من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لأن الظهاريرتفع تحريمه بالتكفير والثالثة يحرم في الطهر لا الأطهار وظاهره أنه إذا طلق اثنتين فهو للسنة وإن كان الجمع بدعة وقال المجد هو كما لو جمع بين الثلاث.

(7/241)


وإن كانت المرأة صغيرة أوآيسة أو غير مدخول بها أو حاملا قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إلا في العدد.
ـــــــ
مسألة: إذا أوقع ثلاثا في كلمة واحدة وقع الثلاث روي عن جماعة من الصحابة وهو قول أكثر العلماء وقال جماعة من طلق البكر ثلاثا فهو واحدة وحكى المحب الطبري عن الحجاج بن أرطاة وابن مقاتل أن طلاق الثلاث واحدة وأنكر النووي حكايته عن الحجاج وأن المشهور عنه أنه لا يقع شيء وأوقع الشيخ تقي الدين من ثلاث مجموعة أو مفرقة قبل رجعة واحدة وقال إنه لا يعلم أحدا فرق بين الصورتين ولم يوقعه على حائض وفاقا لابن عقيل في "الواضح" لأن النهي للفساد ولا في طهر وطىء فيه وقال عن قول عمر في إيقاع الثلاث إنما جعله لإكثارهم منه فعاقبهم على الإكثار لما عصوا بجمع الثلاث فيكون عقوبة من لم يتق الله من التعزير الذي يرجع إلى اجتهاد الأئمة كالزيادة على الأربعين في حد الخمر لما أكثر الناس منه وأظهروه ساغت الزيادة عقوبة ثم إن كانت لازمة مؤبدة كانت حدا وإن كان المرجع إلى اجتهاد الإمام كان تعزيزا "وإن كانت المرأة صغيرة أو آيسة أو غير مدخول بها أو حاملا قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة" هذا هو المذهب وقاله في "المحرر" و "الوجيز" وقدمه في "الفروع" أي من حيث الوقت وقوله: "إلا في العدد" أي يثبتان من جهة العدد هذا رواية عن أحمد وحاصله أن طلاق السنة إنما هو للمدخول بها المدخول بها لا عدة عليها وكذا الصغيرة والآيسة عدتها بالأشهر فلا تحصل الريبة والحامل التي استبان حملها عدتها بوضع الحمل ولا ريبة لأن حملها قد استبان وإنما شرطه لأنها لو كانت حاملا ولم يستبن حملها فطلقها ظنا أنها حائل ثم ظهر حملها ربما ندم على ذلك وحكى في "المغني" أن ابن عبد البر قال لا خلاف بين أهل العلم أن الحامل طلاقها للسنة قال ابن المنجا وفيما قاله المؤلف نظر من حيث إن السنة ما وافق أمر الله ورسوله ومن طلق أحد هؤلاء فقد وافق طلاقه ذلك لأن في حديث

(7/242)


وإن قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة طلقت في الحال وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق للسنة في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال واحدة وإن كانت حائضا طلقت إذا طهرت وإن كانت في طهر أصابها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة.
ـــــــ
ابن عمر: "ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا" رواه مسلم. والطلاق في الطهر سنة فكذا في الحمل لكن الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم وليست بمرتابة لعدم اشتباه الأمر ونقل ابن منصور لا يعجبني أن يطلق حائضا لم يدخل بها وعنه: سنة الوقت تثبت لحامل اختاره الخرقي فلو قال لها أنت طالق للبدعة طلقت بالوضع وعلى الأولى لو قال لإحداهن أنت طالق للسنة طلقة وللبدعة طلقة وقعتا ويدين في غير آيسة إذا صارت من أهل ذلك وفي الحكم وجهان.
تنبيه: إذا قال لصغيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها دين والأشبه بالمذهب أنه يقبل في الحكم فإن قال في طهر جامع فيه أنت طالق للسنة فيئست من المحيض لم تطلق وكذا إن استبان حملها إلا على قول من جعل طلاق الحائض طلاق سنة فيقع.
"وإن قال لها: أنت طالق للسنة أو قال للبدعة طلقت في الحال" لأنه وصفها بما لا تتصف به فلغت الصفة وبقي قوله أنت طالق وذلك يوجب وقوع الطلاق في الحال وأن يكون واحدة لأن ما زاد عليها غير ملفوظ به ولا منوي وكذا قوله أنت طالق للسنة والبدعة أو أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة.
"وان قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق للسنة في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال واحدة" لأن معنى السنة في وقت السنة وذلك وقتها "وإن كانت حائضا طلقت إذا طهرت" لأن الصفة قد وجدت "وإن كانت في طهر أصابها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة" بغير خلاف نعلمه؛ لأن

(7/243)


وإن قال أنت طالق للبدعة وهي حائض أوفي طهر أصابها فيه طلقت في الحال وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين وفي الأخرى تطلق فيه واحدة وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين إن أمكن.
ـــــــ
ذلك هو وقت السنة في حقها لا سنة لها قبلها.
فرع: إذا قال لها أنت طالق ثلاثا نصفها للسنة ونصفها للبدعة طلقت في الحال طلقتين والثالثة في ضد حالها الراهنة قال القاضي وإن نوى تأخير اثنتين ففي الحكم وجهان وقال ابن أبي موسى تطلق ثلاثا في الحال لتبعيض كل طلقة فإن قال لطاهر أنت طالق للبدعة فقيل تلغو الصفة ويقع الطلاق فإن قال لحائض أنت طالق للسنة في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق وإن قال أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال.
"وإن قال أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحال" لأن ذلك هو وقت البدعة وينزع في الحال إن كان ثلاثا فإن بقي حد عالم وعزر جاهل.
"وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت" لأن كل واحد منهما وقت للبدعة فأيهما سبق وقع الطلاق فيه عملا بقوله للبدعة.
"وإن قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في أول طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين" هذا هو المنصوص لأن جمع الثلاث سنة على رواية ويقع فيما ذكرنا لأن ذلك حينئذ سنة وإن كانت حائضا طلقت ثلاثا إذا طهرت "وفي الأخرى تطلق فيه" أي في طهر لم يصبها فيه "واحدة وتطلق في الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين" أو بعد رجعتين إن عادت إليه "إن أمكن" لأنها لو بانت منه ولم تعد إليه لم يمكن إيقاع الطلاق في النكاح لعدمه وعنه: تطلق ثلاثا في ثلاثة أطهار لم يصبها فيها، فإن

(7/244)


وإن قال أنت طالق في كل قرء وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة وإن قلنا القروء الأطهار فهل تطلق طلقة الحال يحتمل وجهين ويقع بها الباقي في الأطهار الباقية وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق وأجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة،
ـــــــ
قال: أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه وإن قال أردت أن يقع في كل قرء طلقة دين وفي الحكم وجهان.
فرع: من نكاحها فاسد جاز طلاقها في الحيض وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وهي حائض فهل هو للسنة أو البدعة قال ابن حمدان يحتمل وجهين.
"وإن قال أنت طالق في كل قرء طلقة هي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة" الأشهر عندنا أن القروء الحيض فإن كانت من ذوات القروء وقع بها واحدة في الحال ويقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القروء الحيض أو الأطهار وسواء كانت مدخولا بها أو لا إلا أن غير المدخول بها تبين بالأولى فإن تزوج بها وقع في القرء الثاني طلقة أخرى وكذا الحكم في الثالثة.
"وإن قلنا القروء الأطهار فهل تطلق طلقة في الحال يحتمل وجهين" أشهرهما تطلق طلقة في الحال لأن الطهر قبل الحيض كله قرء واحد فعلى هذا لا فرق بين كونها من اللائي لم يحضن أولا والثاني لا لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين ولذلك لم يحنث بالطهر قبل الحيض من عدة الصغيرة في وجه وإن لم يكن قرءا لم يطلق فيه فعلى هذا يحصل الفرق بين من حاضت ومن لم تحض.
"ويقع بها الباقي في الأطهار الباقية" لأن الطهر قبل الحيض كله قرء واحد.
"وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق وأجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة" لأن الطلاق السني أحسن الطلاق وأجمله كقوله: أعدله وأكمله

(7/245)


وإن قال أقبح الطلاق وأسمجه فهو كقوله للبدعة إلا أن ينوي أخس أحوالك وأقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال.
وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال.
ـــــــ
وأفضله "وإن قال أقبح الطلاق وأسمجه فهو كقوله للبدعة" لأن الطلاق البدعي أقبح الطلاق وأسمجه أي تطلق في الموضع الذي تطلق فيه إذا قال أنت طالق للبدعة وظاهره أنها تطلق في الحيض أو في طهر أصابها فيه لأن ذلك زمن البدعة وفيه شيء لأنها لا تطلق إلا في الحيض فقط وصرح به في الخلاصة كقوله أفحش الطلاق أو أردأه أو أنتنه فإن كان في وقت بدعة وإلا وقت إلى زمانها وفي "المحرر" فهو ثلاث إن قلنا كم بدعة وحكاه في "الشرح" عن أبي بكر ثم قال وينبغي أن تقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعي الطلاق.
وفي "الفصول" وعندي يجب أن تقع الثلاث في الحيض أو الطهر المجامع فيه لأنه أفحش لما فيه من اجتماع الضيق على النفس وقطع الرجعة والعود بنكاح جديد وفيه تطويل العدة فمتى أوقعتا ثلاثا في طهر كان فاحشا لكن هناك ما هو أفحش فما أعطينا اللفظة حقها ألا ترى أنه لو قال عندي أجود نقد ثم فسره بشيء فوقه أجود منه لم يقبل فإن قال أردت طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل في الأشهر لأن لفظه لا يحتمله.
"إلا أن ينوي أخس أحوالك أو أقبحها أن تكون مطلقة فيقع في الحال". لأن أنت طالق يقتضي وقوعه في الحال وإنما تأخر إلى زمن السنة كعكسه فيجب أن يقع في الحال عملا بالمقتضى السالم عن المعارض.
"وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال" لأنه وصفها بصفتين مضادتين فلغتا وبقي مجرد الطلاق فوقع فإن قال إنها حسنة لكونها في زمان السنة وقبحها لإضرارها بل أو قال إنها حسنة ليتخلص من شرك وقبحه لكونها في زمان البدعة كان ذلك يرجى وقوع الطلاق

(7/246)


ـــــــ
عنه دين وفي الحكم وجهان.
مسألة: يباح الخلع والطلاق بسؤالها في زمن البدعة وقيل هو بدعة وتنقضي بدعتها بانقطاع الدم وقيل بالغسل لأثر رواه الدار قطني والنفاس كالحيض.

(7/247)


باب صريح الطلاق في غير لسان العرب
...
باب صريح الطلاق وكنايته
وصريح لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح عنه.
ـــــــ
باب صريح الطلاق وكنايته
إنما انقسم إليها لأنه لإزالة ملك النكاح فكان له صريح وكناية كالعتق والجامع بينهما الإزالة فالصريح هو الذي يفيد حكمه من غير انضمام شيء إليه وعكسه الكناية ويدل على معنى الصريح وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع خلافا لابن سيرين والزهري ورد بقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به" متفق عليه ولأنه إزالة ملك فلم تحصل بمجرد النية كالعتق وكذا إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه لم يقع نص عليه لأنه ليس بصريح ولا كناية.
"وصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه" بغير أمر ومضارع "في الصحيح عنه" لأنه موضوع له على الخصوص ثبت له عرف الشارع والاستعمال فلو قال أنت طالق أو الطلاق أو طلقتك أو مطلقة فهو صريح وعنه: في أنت مطلقة ليس بصريح لأنه محتمل أن يريد طلاقا ماضيا وقيل وطلقتك كناية قال في "الفروع" فيتوجه أنه يحتمل الإنشاء والخبر وعلى الأول هو إنشاء وذكر القاضي في مسألة: الأمر أن العقود الشرعية بلفظ الماضي إخبار وقال شيخنا هذه الصيغ إنشاء من حيث إنها أثبتت الحكم وبها تم وهي إخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس وهذا الذي ذكره المؤلف اختاره ابن حامد وقدمه ابن حمدان والمجد وصححه في "الشرح" وجزم به المتأخرون لأن الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا؛ فلم

(7/247)


وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح،
ـــــــ
يكونا صريحين فيه كسائر كناياته لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا} [آل عمران: من الآية103] الآية {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: من الآية4] الآية وأما قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية229] فليس المراد به الطلاق إذ الأية في الرجعية وهي إذا قارنت انقضاء عدتها فإما أن يمسكها برجعة وإما أن تترك حتى تنقضي عدتها فتسرح فالمراد بالتسريح في الآية قريب من معناها اللغوي وهو الإرسال.
تنبيه: إذا كان اسمها طالقا فقال يا طالق ولم يرد طلاقها أو أراد طلاقها ثلاثا فماتت بعد قوله أنت يقع وإن ماتت بعد طالق وبعد قوله ثلاثا وقع الثلاث وقيل بل طلقة ذكره ابن حمدان.
فرع: إذا فتح تاء أنت طلقت خلافا لأبي بكر وأبي الوفاء ويتوجه على الخلاف لو قال لمن قال لها كلما قلت لي قولا ولم أقل لك مثله فأنت طالق فقال لها مثله طلقت ولو علقه ولو كسر التاء تخلص وبقي معلقا ذكره ابن عقيل قال وله جواب آخر بقوله بفتح التاء فلا يجب قال ابن الجوزي وله التمادي إلى قبيل الموت وقيل لا يقع شيء لأن استثناء ذلك معلوم فزوجتك بفتح ونحوه يتوجه مثله وصححه المؤلف وقيل من عامي وفي "الرعاية" يصح جهلا أو عجزا وإلا احتمل وجهين.
"وقال الخرقي" وأبو بكر ونصره القاضي وغيره وفي "الواضح" اختاره الأكثر "صريحه ثلاثة ألفاظ الطلاق إجماعا والفراق والسراح" كالطلاق لورودهما في الكتاب العزيز لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: من الآية229] ولقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: من الآية2] {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} الآية ولقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} [الأحزاب: من الآية28] ولأنهما فرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق وما تصرف منهن كالمتصرف من الطلاق والأول أصح لأنه لا يصح القياس على لفظ الطلاق فإنه مختص بذلك،

(7/248)


وما تصرف منهن فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه وإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد بقوله مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق وإذا ادعى ذلك دين وهل تقبل دعواه بالحكم على روايتين،
ـــــــ
سابق إلى الأفهام من غير قرينة ولا دلالة.
"فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه" بغير خلاف ذكره في "الشرح" لأن سائر الصرائح لا تفتقر إلى نية فكذا صريح الطلاق سواء كان ذلك جادا أو هازلا حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه وسنده ما روى أبو هريرة مرفوعا: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب وعنه: أن الصريح يفتقر إلى نية أو دلالة حال من غضب أو محاورة في كلام.
"وإن نوى بقوله أنت طالق من وثاق" هو بكسر الواو وفتحها ما يوثق به الشيء من حبل ونحوه "أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه" فقال طالق لأن ذلك جار مجرى لفظ الحاكي "أو أراد بقوله مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق" لأنه قصد عدم إيقاع طلاقها فوجب ألا يقع كما لو اتصل بكلامه أنت طالق من وثاق.
"وإذا ادعى ذلك دين" باطنا لأنه أعلم بما أراد ولا يمكن الاطلاع على ذلك إلا من جهته وعنه: كهازل على الأصح، "وهل تقبل دعواه في الحكم ولا قرينة على روايتين إحداهما تقبل وهو ظاهر كلامه لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو كرر لفظ الطلاق وأراد بالثانية التأكيد.
والثانية وهي الأشهر وقدمها في "الرعاية" أنه لا تقبل لأنه خلاف ما يقضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو أقر بعشرة ثم قال زيوفا

(7/249)


إلا أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل وفيما إذا قال أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد وإلا فلا ولو قيل له طلقت امرأتك قال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة قال لا وأراد الكذب لم تطلق
ـــــــ
أو إلى شهر "إلا" على الأولى "أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل" لأنه خالف الظاهر من جهتين مقتضى اللفظ ودلالة الحال. "وفيما إذا قال أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد" لأن كلامه يحتمل الصدق "وإلا فلا" أي لا يقبل إن لم يكن وجد لأنه لا يحتمله وكذا قيل لو قال طلقتها ثم قال في نكاح آخر وقيل إن لم يرفع إلى حاكم فلو ادعى أنه كان هازلا فالأظهر أنه لا يدين هو ولا سكران كما لا يقبل منهما في الحكم.
فرع: إذا قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت قبل وقيل لا ويتوجه مثله إن علقه بشرط شهدت به بينة وادعى أن معه شرطا آخر وأوقعه في "الفنون" وغيره لأنه لا يقبل قول الإنسان في رد شاهدين كما لو أقر أنه وكيل فلان ببيع ثم ادعى عزلا أو خيارا.
"ولو قيل له طلقت امرأتك قال نعم وأراد الكذب طلقت" وإن لم ينو لأن "نعم" صريح في الجواب والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ولأنه لو قال عليك ألف قال نعم وجبت فلو قيل له طلقت امرأتك فقال قد كان بعض ذلك وقال أردت الإيقاع وقع وإن قال أردت أني علقت طلاقها بشرط قبل ولو قيل له أخليتها قال نعم فكناية.
"ولو قيل له ألك امرأة قال لا وأراد الكذب لم تطلق" لأن قوله مالي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق فإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وقيل تطلق في الحكم كقوله كنت طلقتها وهكذا إذا نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو لا امرأة لي أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية

(7/250)


وإن لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها وقال هذا طلاقك طلقت إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك وإن قال أنت طالق لاشيء أوليس بشيء أو لا يلزمك طلقت.
ـــــــ
المشترطة في الكناية.
فرع: من شهد عليه بطلاق ثلاث ثم أفتى بأنه لا شيء عليه لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده ويقبل بيمينه أن مستنده في إقراره ذلك ممن يجهله مثله ذكره الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في "الفروع"
"وإن لطم امرأته" أو أخرجها من دارها أو ألبسها ثوبا أو قبلها و قال هذا طلاقك طلقت إن نواه لأنه كناية والمنصوص أنه صريح فيقع مطلقا قال أصحابنا وعلى قياسه "إذا أطعمها أو سقاها وقال هذا طلاقك طلقت" اختاره ابن حامد لأن تقديره أوقعت عليك طلاقا هذا الفعل من أجله فعلى هذا يكون صريحا وقال أكثر الفقهاء لا يقع به وإن نوى والأشهر أنه كناية لأنه يحتمل التفسير المذكور ويحتمل أن يكون سببا للطلاق لكون الطلاق معلقا عليه فصح أن يعبر به عنه لأن الكناية ما احتمل الطلاق وهذا محتمل ويحتمل أنه كناية لأنه يحتاج إلى تقدير والصريح لا يحتاجه فإن كان ذلك جوابا عن سؤالها الطلاق أو في حال الغضب وقع.
"إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك" فيدين لأنه إذا نوى بالصريح عدم وقوع الطلاق لم يقع فلأن لا يقع هذا بطريق الأولى والأصح أنه يقبل في الحكم لأنه يجوز أن يكون سببا له في زمان بعد هذا الزمان وفي "الترغيب" لو أطعمها أو سقاها ففي كونه كالضرب وجهان.
"وإن قال أنت طالق لا شيء أو ليس بشيء أو لا يلزمك" أو لا يقع عليك أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد الطلاق "طلقت" بغير خلاف نعلمه لأن ذلك رفع لجميع ما تناوله اللفظ فلم يصح كاستثناء الجميع وفي "الرعاية" في أنت طالق لا شيء وجه أنه لا يقع.

(7/251)


وإن قال أنت طالق أولا أو طالق واحدة أولا لم يقع ويحتمل أن يقع وإن كتب طلاق امرأته ونوى الإيقاع وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع وهل تقبل دعواه في الحكم على روايتين.
ـــــــ
"وإن قال أنت طالق أو لا أو طالق واحدة أو لا لم يقع" على الأشهر لأن هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظا للإيقاع وبهذا فارق الأولى لأنه إيقاع لم يعارضه استفهام وظاهره أنهما سواء وهو وجه لاستوائها في الاستفهام وفي آخر تطلق في الثانية واحدة دون الأولى لأن قوله أولا يرجع إلى ما يليه من لفظ "واحدة" دون لفظ الإيقاع فيصير كأنه قال أنت طالق وفرق في "المغني" و "الشرح" بينهما لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بهما يرجع إليهما فصارت كالأولى.
"ويحتمل أن يقع" لأن الاستفهام يكون بالهمزة ونحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكر بعده وإن كتب طلاق امرأته بشيء يبين ونوى الإيقاع وقع رواية واحدة لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق أشبهت النطق ولأن الكتابة تقوم مقام الكاتب بدليل أنه عليه السلام كان مأمورا بتبليغ الرسالة فبلغ بالقول مرة وبالكتابة أخرى ولأن كتاب القاضي يقوم مقام نطقه في إثبات الديون وعنه: أنه صريح نصره القاضي وأصحابه وذكره الحلواني عن أصحابنا ويتخرج أنه لغو واختاره ابن حمدان بناء على إقراره بخطه وفيه وجهان قال في "الفروع" ويتوجه عليهما صحة الولاية بالخط وصحة الحكم به.
"وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع" لأنه نوى الإيقاع فالكتابة الأولى وعنه: بلى لأن تجويد الخط وغم أهله لا ينافي الإيقاع وجوابه بأن نية ذلك يدل على أنه لم يوجد منه الطلاق فلم يقع لفوات شرطه.
"وهل تقبل دعواه في الحكم على روايتين" أصحهما أنه يقبل لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح على قول فهنا أولى ولأنه إذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق

(7/252)


فإن لم ينو شيئا فهل يقع؟ على روايتين وإن كتبه بشيء لا يتبين لم يقع وصريح الكناية في لسان العجم "بهشتم"
ـــــــ
دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق.
والثانية لا يقبل لقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي" الخبر ولأن غم أهله يحصل بالطلاق فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه والجواب أنه يدل على مؤاخذته بما نواه ثم العمل به أو الكلام فإن قرأ ما كتبه ففي قبوله حكما لخلاف قاله في "الترغيب".
"فإن لم ينو شيئا فهل يقع على وجهين" وذكر أبو الخطاب أن الشريف خرجها في "الإرشاد" على روايتين إحداهما يقع قاله الشعبي والنخعي والحكم لأن الكتابة تقوم مقام اللفظ والثانية لا يقع إلا بنية لأن الكتابة محتملة فإنه قد يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط فلم يقع نية كالكنايات في الطلاق.
"وإن كتبه بشيء لا يتبين" كالكتابة على الهواء أو في ماء "لم يقع" في ظاهر كلامه لأن الكتابة بما لا تثبت كالهمس بلسانه بما لا يسمع "وقال أبو حفص يقع" ورواه الأثرم عن الشعبي أشبه ما لو كتبه بشيء يبين والفرق واضح وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ إلا في موضعين أحدهما الكتابة بشرطه والثاني الأخرس فإنه إذا طلق بالإشارة فإنه يقع بغير خلاف علمناه فلو فهمها البعض فكناية وتأويله مع صريح كالنطق وكتابته طلاق ويقع من العدد ما أشار إليه وفي "الشرح" إذا أشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة لأن إشارته لا تكفي.
"وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم" بكسر الباء والهاء وسكون الشين المعجمة وفتح التاء ومعناه خليتك وهي واحدة إن لم ينو أكثر ولو لم تكن صريحة لم يكن في العجمية صريح للطلاق ولا يضر كونها بمعنى خليتك لأن معنى طلقتك خليتك فإن زاد بسيار فثلاث وفي "المذهب" ما نواه، ونقله

(7/253)


فإن قاله العربي ولا يفهمه لم يقع وإن نوى موجبه فعلى وجهين.
فصل
والكنايات نوعان ظاهرة وهي سبعة أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة،
ـــــــ
ابن منصور وإن كل شيء بالفارسية على ما نواه لأنه ليس له حد مثل كلام عربي.
"فإن قاله العربي ولا يفهمه لم يقع" لأنه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه وإن نوى موجبه فعلى وجهين أحدهما لا يقع جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر "الفروع" لأنه لم يتحقق فيه اختيار لما لا يعلمه أشبه ما لو نطق بكلمة الكفر من لا يعرف معناه والثاني يقع بنية موجبة عند أهله لأنه أتى بالطلاق ناويا مقتضاه فوقع كما لو علمه.
فرع: من لم تبلغه الدعوة فهو غير مكلف ويقع طلاقه ذكره في "الانتصار" و "عيون المسائل" و "المفردات".
ش
"والكنايات" قال الجوهري هي أن يتكلم بشيء ويريده غيره وقد كنيت عن كذا وقال ابن القطاع كنيت عن الشيء سترته والمراد بها أنها تشبه الصريح وتدل على معناه فإن لم يكن كذلك فليس بصريح ولا كناية نحو قومي واقعدي.
"نوعان ظاهرة" لأن معنى الطلاق فيها أظهر من الثاني "وهي سبعة" ألفاظ "أنت خلية" هي في الأصل الناقة تطلق من عقالها ويخلى عنها ويقال للمرأة خلية كناية عن الطلاق قاله الجوهري وجعل أبو جعفر مخلاة كخلية ويفرق بينهما.
"وبرية" بالهمز وتركه "وبائن" أي منفصلة "وبتة" بمعنى مقطوعة "وبتلة"

(7/254)


وأنت حرة وأنت الحرج وخفية نحو اخرجي اذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبري واعتزلي وما أشبهه.
ـــــــ
بمعنى منقطعة وسميت مريم البتول لانقطاعها عن النكاح بالكلية.
"وأنت حرة" كذا ذكرها الأكثرون أنها من الكنايات الظاهرة لأن الحرة هي التي لا رق عليها ولا شك أن النكاح رق وفي الخبر فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أي أسرى والزوج ليس له على الزوجة إلا رق الزوجية فإذا أخبر بزوال الرق فهو الرق المعهود وهو رق الزوجية.
"وأنت الحرج" بفتح الحاء والراء يعني الحرام والإثم زاد في "المغني" أمرك بيدك وأسقط أنت الحرج وزاد أبو الخطاب أنت طالق لا رجعة لي عليك وفيه نظر لأنه من حيث الطلاق صريح ومن حيث البينونة هل هو صريح أو كناية فيه احتمالان.
"وخفية" هي النوع الثاني وهي أخفى من الدلالة عن الأولى "نحو اخرجي" ودعيني أو دعيني قاله في "الرعاية" "واذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة" أي فأنت مطلقة من قولهم خلي سبيلي فهو مخلى "وأنت واحدة" أي منفردة "ولست لي بامرأة واعتدي واستبري" استبري أصله الهمز لأنه من قولهم استبرأت الجارية إذا تركتها حتى تبرأ رحمها وتبين حالها هل هي حامل أولا "واعتزلي" اعتزل الشيء إذا كان بمعزل منه فمعنى اعتزلي أي كوني وحدك في جانب "وما أشبهه" كقوله اختاري نفسك ووهبتك لأهلك ولا حاجة لي بك والله قد أراحك مني وما بقي شيء وجرى القلم بما فيه وأغناك الله فهذا يقع بما نواه لأنه محتمل له وإن لم ينو شيئا وقعت واحدة لأنه اليقين وفي "المغني" و "الشرح" في "أنت واحدة" يقع واحدة وإن نوى ثلاثا لأنه لا يحتمل أكثر منها قال ابن عقيل وإن الله قد طلقك ونقل أبو داود قال فرق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة قال إن كان يريد أي دعاء يدعو به

(7/255)


واختلف في قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك هل هي ظاهرة أو خفية على روايتين،
ومن شرط وقوع الطلاق بالكناية: أن ينوي بها الطلاق،
ـــــــ
فأرجو أنه ليس بشيء فلم يجعله شيئا مع نية الدعاء فظاهره أنه شيء مع نية الطلاق بناء على أن الفراق صريح أو للقرينة يؤيده ما قاله الشيخ تقي الدين في إن أبرأتني فأنت طالق فقالت أبرأك الله مما يدعي النساء على الرجال فظن أنه يبرأ فطلق قال يبرأ أو ظهر أن في كل مسألة: قولين هل يعمل بالإطلاق للقرينة وهي تدل على النية أم تعتبر النية قال في "الفروع" إن الله قد باعك أو قد أقالك ونحو ذلك.
"واختلف في قوله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك" الغارب مقدم السنام أي أنت مرسلة مطلقة غير مشدودة ولا ممسكة بعقد النكاح "وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك" السبيل الطريق يذكر ويؤنث لقوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [لأعراف: من الآية146] وقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: من الآية108] "ولا سلطان لي عليك" أي لا ولاية لي عليك والسلطان الوالي من السلاطة وهو القهر وكذا غط شعرك وتقنعي "هل هي ظاهرة أو خفية على روايتين" أشهرهما أنها كناية ظاهرة جزم بها في "الوجيز" كأنت حرة أو أعتقتك على الأصح فيهما لأن النكاح رق والثانية خفية لأنه عليه السلام قال لابنة الجون: "الحقي بأهلك" متفق عليه ولم يكن ليطلق ثلاثا لنهيه عنه وكاعتدي واستبرئي والحقي بأهلك على الأصح فيهن وجعل أبو بكر لا حاجة لي فيك وباب الدار لك مفتوح كأنت بائن وفي الفراق والسراح وجهان.
"ومن شرط وقوع الطلاق بالكناية" ولو ظاهرة فيها رواية اختارها أبو بكر أن ينوي بها الطلاق لأنها كناية فلا يقع بها طلاق إلا بنية كالخفية، ويشترط فيها

(7/256)


إلا أن يأتي بها حال الخصومة والغضب فعلى روايتين وإن جاءت لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق والأولى في الألفاظ التي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي وروحي أنه لا يقع بها طلاقه حتى ينويه.
ـــــــ
أن تكون مقارنة للفظ وقيل أوله وقدمه في "المحرر" وفي "الرعاية" أو قبله قال في "الشرح" فإن وجدت في أوله وعريت عنه في سائره وقع خلافا لبعض الشافعية "إلا أن يأتي بها حال الخصومة والغضب فعلى الروايتين" أشهرهما وهو مختار كثير من الأصحاب أنها تطلق قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الغضب أخشى أن يكون طلاقا إذ دلالة الحال كالنية بدليل أنها تغير حكم الأقوال والأفعال فإن من قال يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا ولو قاله حال الشتم كان ذما وقذفا والثانية لا يقع لأنه ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه فلم يقع كحالة الرضى وعلى المذهب لو لم يرده أو أراد غيره لم يقبل حكما في الأشهر.
"وإن جاءت جوابا لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق" لأن في ذكر الكناية عقيب سؤالها دلالة ظاهرة على إرادته فوجب الحكم بوقوعه عملا بالدلالة الظاهرة.
"والأولى في الألفاظ الذي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي واذهبي وروحي أنه لا يقع بها طلاق حتى ينويه" لأن ما كثر استعماله إذا وجد عقيب خصومة أو غضب أو سؤال طلاق لا يغني عن النية لأن الكثرة تصرفه عن إرادة الطلاق بخلاف ما قل فلو ادعى أنه لم ينو فالمنصوص أنه لا يصدق في عدمها لأن الجواب ينصرف إلى السؤال وقيل يقبل في الحكم لأثر رواه سعيد بن عثمان ولأن قوله محتمل فقبل كما لو كرر لفظا وقال أردت التأكيد.

(7/257)


ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة وعنه: يقع ما نواه وعنه: ما يدل على أنه يقع واحدة بائنة.
ـــــــ
"ومتى نوى بالكتابة الطلاق" وقع بها رجعي مالم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب ويشترط فيها أن تكون مقارنة للفظ وقيل أوله في "الرعاية" أو قبله وعنه: مع خصومة وغضب قطع به أبو الفرج وغيره "وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة" هذا ظاهر المذهب روي ذلك عن علي وابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة في وقائع مختلفة ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق فوقع ثلاثا كما لو طلق ثلاثا وإفضاؤه إلى البينونة ظاهر وظاهره لا فرق بين المدخول بها وغيرها لأن الصحابة لم يفرقوا ولأن كل لفظة أوجبت الثلاث في حق المدخول بها أوجبتها في غيرها كأنت طالق ثلاثا وحديث ركانة ضعفه أحمد وغيره.
"وعنه: يقع مانواه" اختاره أبو الخطاب لما روى ركانة أنه طلق امرأته البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال والله ما أردت إلا واحدة فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان وفي لفظ "قال هو ما أردت" رواه أبو داود وصححه ابن ماجه والترمذي وقال سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال فيه اضطراب ولأنه عليه السلام قال لابنة الجون: "الحقي بأهلك" وهو لا يطلق ثلاثا.
"وعنه: ما يدل على أنه يقع واحدة بائنة" نقلها حنبل لأن لفظه اقتضى البينونة دون العدد فوقعت واحدة بائنة كالخلع واعلم أن كلام أكثر الأصحاب كالمؤلف وخالفهم المجد فجعل الخلاف في قبول قوله في دعوى عدم النية فإنه قال ولا يقع بكناية إلا بنية فإن كان في حال خصومة أو غضب أو ذكر الطلاق وقال لم أرد بها الطلاق قبل منه وعنه: لا يقبل في الحكم خاصة وقيل يقبل منه في الألفاظ التي يكثر استعمالها في غير

(7/258)


ويقع بالخفية ما نواه فإن لم ينو عددا وقع واحدة وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله فيك وأنت مليحة أو قبيحة فلا يقع بها طلاق وإن نوى وكذا قوله أنا طالق فإن قال أنا منك طالق فكذلك.
ـــــــ
الطلاق فإذا نوى بالكناية الظاهرة الطلاق لزمه الثلاث إلا أن ينوي دونها فيدين فيه ويكون رجعيا وفي قبوله في الحكم روايتان وعنه: يقطع طلقة بائنة.
فرع: إذا قال أنت طالق بائن أو البتة أو بلا رجعة فالخلاف السابق ذكره معظم الأصحاب زاد في "الشرح" أنه لا يحتاج إلى نية لأنه وصف بها الطلاق الصريح فإن قال أنت واحدة بائنة أو بتة فرجعية وعنه: بائنة وعنه: ثلاث كأنت طالق واحدة ثلاثا وفي "الفصول" عن أبي بكر في أنت طالق ثلاثا واحدة تقع واحدة لأنه وصف الواحدة بالثلاث وليس كذلك لأنه إنما وصف الثلاث بالواحدة فوقعت الثلاث ولغا الوصف.
"ويقع بالخفية ما نواه" لأن اللفظ لا دلالة له على العدد والخفية ليست في معنى الظاهرة فوجب اعتبار النية ويكون الواقع رجعيا فيما إذا نواها وإن نوى أكثر في غير أنت واحدة قاله القاضي والمؤلف وقع.
"فإن لم ينو عددا وقع واحدة" لأنها اليقين "وأما مالا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله فيك وأنت مليحة أو قبيحة فلا يقع بها طلاق" لأنه ليس بكناية وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فيه فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية وقيل كلي واشربي كناية لأنه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فرقع كتجرعي وجوابه أن اللفظ لا يستعمل إلا فيما لا ضرر فيه نحو قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً} [الحاقة: من الآية24] {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء: من الآية4] فلم تكن كناية وفارق تجرعي وذوقي فإنه يستعمل في المكاره لقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] "وكذا قوله: أنا طالق" لأن الزوج ليس محلا للطلاق. "فإن قال أنا منك طالق فكذلك" أي: لا تطلق

(7/259)


ويحتمل أنه كناية وإن قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أو لا على وجهين وإن قال أنت علي كظهر أمي ينوي به الطلاق لم يقع وكان ظهارا وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام،
ـــــــ
زوجته؛ نص عليه في رواية الأثرم وقاله ابن عباس رواه أبو عبيد والأثرم ولأن الرجل مالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم يقع بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق.
"ويحتمل أنه كناية" تطلق به بالنية روي عن عمر وابن مسعود لأن الطلاق إزالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر والأول أولى لأنه لا خلاف أن الطلاق المذكور لا يقع من غير نية ولو ساوى الرجل المرأة لوقع بغير نية كما لو قال لها أنت طالق ولأن وقوعه هنا يستلزم وقوعه في أنا طالق إذ لا فرق بينهما.
"وإن قال أنا منك بائن أو حرام أو بريء فهل هو كناية أو لا على وجهين" كذا أطلقهما في "الفروع" وهذه المسألة: توقف عنها أحمد أشهرهما أنه لغو لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه فلم يقع بإضافة كنايته إليه كالأجنبي والثاني كناية لأن هذا اللفظ يوصف به كل من الزوجين يقال بان منها وبانت منه وحرم عليها وحرمت عليه وبريء منها وبرئت منه وكذا لفظ الفرقة فإن قال أنا بائن بحذف منك فذكر القاضي إذا قال أمرك بيدك فقالت أنت بائن ولم تقل "مني" أنه لا يقع وجها واحدا وإن قالت أنت مني بائن فعلى وجهين فيخرج هنا مثل.
" وإن قال أنت علي كظهر أمي ينوي به الطلاق لم يقع وكان ظهارا" لأنه صريح في الظهار فلم يكن كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق صريحا في الظهار ولأن الظهار تشبيه بمن تحرم عليه على التأبيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد ولو صرح به فقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لأنه لا تصلح الكناية به عنه.
"وإن قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام" أو الحل علي حرام،

(7/260)


ففيه ثلاث روايات إحداهن أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي والثانية كناية ظاهرة والثالثة يمين.
ـــــــ
زاد في "الرعاية" أو حرمتك "ففيه ثلاث روايات" عن الإمام أحمد رضي الله عنه "إحداهن أنه ظهار وإن نوى الطلاق اختاره الخرقي" وهو المنصوص في رواية جماعة وقاله عثمان وابن عباس وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لقول ابن عباس في الحرام تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا رواه الأثرم ولأنه صريح في تحريم الزوجة فكان ظهارا وإن نوى غيره.
"والثانية كناية ظاهرة" نقل الأثرم وحنبل الحرام ثلاث حتى لو وجدت رجلا حرم امرأته عليه وهو يرى أنها واحدة فرقت بينهما مع أن أكثر الروايات عنه كراهة الفتيا في الكناية الظاهرة قال في "المستوعب" لاختلاف الصحابة ولأنه لو قال أنا منك حرام كان كناية في وجه فتجب إذا قال أنت حرام كذلك وعنه: كناية خفية "والثالثة" هو "يمين" وقاله أبو بكر وعمر وابن عباس وعائشة روى سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: من الآية1] فجعل الحرام يمينا قال في رواية مهنا إذا قال أنت علي حرام ونوى يمينا ثم تركها أربعة أشهر لا يكفر إيلاء إنما الإيلاء أن يحلف بالله أن لا يقرب امرأته فظاهره أنه إذا نوى اليمين كان يمينا فإن نوى شيئا فعنه والأشهر أنه ظهار فإن نوى ظهارا أو طلاقا فظهار وإن قاله لمحرمة بحيض ونحوه ونوى به فلغو وكذا إن أطلق لأنه يحتمل الخبر ويحتمل إنشاء التحريم ذكره المؤلف قال في "الفروع" ويتوجه كإطلاقه لأجنبية.
فرع: من حلف بالطلاق أنه لا حق عليه لزيد فقامت عليه بينة شرعية حنث حكما ذكره السامري وابن حمدان.

(7/261)


وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثا وإن قال أعني به طلاقا طلقت واحدة وعنه: أنه ظهار فيهما وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين.
ـــــــ
"وإن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد تطلق امرأته ثلاثا" لأنه صريح بلفظ الطلاق ووقع ثلاثا لأن الطلاق معرف بالألف واللام وهو يقتضي الاستغراق وعنه: يقع ما نواه لأنهما يرادان لغير الاستغراق لا سيما في أسماء الأجناس ونقل أبو داود فيمن قال لرجل ما أحل الله عليه حرام يعني به الطلاق إن دخلت لك في خير أو شر والرجل مريض يعوده قال لا ولا يشيع جنازته أخاف إنه ثلاثا ولا أفتى به.
"وإن قال أعني به طلاقا طلقت واحدة" رواه عنه جماعة وهي المشهورة لأنه صريح في الطلاق وليس هذا صريحا في الظهار إنما هو صريح في التحريم وهو ينقسم إلى قسمين فإذا بين بلفظ إرادة تحريم الطلاق صرف إليه "وعنه: أنه ظهار فيهما" أي في المسألتين لأنه صريح فيه فلم يصر طلاقا بقوله أعني به الطلاق أو طلاقا.
فرع: لو نوى في حرمتك على غيري فكطلاق ذكره في "الترغيب" وغيره ولو قال فراشي علي حرام فإن نوى امرأته فظهار وإن نوى فراشه فهو يمين نقله ابن هانئ.
"وإن قال أنت علي كالميتة والدم" والخمر "وقع ما نواه" على المذهب من الطلاق لأنه إذا نواه فهو طلاق لأنه يصلح أن يكون كناية فيه ويقع ما نواه من العدد "والظهار" إذا نواه وهو يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها لأنه يشبهه ويحتمل أن لا يكون ظهارا وجزم به في "عيون المسائل" كما لو قال أنت علي كظهر البهيمة واليمين وهو يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين ولأن فائدة كونه يمينا ترتب الحنث والبر ثم ترتب الكفارة وعدمها،

(7/262)


فإن لم ينو شيئا فهل يكون ظهارا أو يمينا على وجهين وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى.
ـــــــ
وفي ذلك نظر من حيث إن قوله كالميتة ليس بصريح في اليمين لأنه لو كان صريحا لما انصرف إلى غيرها بالنية وإذا لم يكن صريحا لم تلزمه الكفارة لأن اليمين بالكناية لا تنعقد لأن الكفارة إنما تجب لهتك القسم.
"وإن لم ينو شيئا فهل يكون ظهارا أو يمينا على وجهين" هما روايتان أصحهما أنه ظهار لأن معناه أنت حرام علي كالميتة والدم فإن تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الأمر الذي اشتهر أنه هو التحريم لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: من الآية3] والثاني أنه يمين لأن الأصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل ثبت فيه أقل الحكمين لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه.
"وإن قال حلفت بالطلاق" أو قال علي يمين بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم على الأصح لأنه خلاف ما أقر به ولأنه إذا أقر ثم قال كذبت كان جحودا بعد الإقرار فلا يقبل كما لو أقر بدين ثم أنكر والثانية لا يلزمه شيء لأنه لم يحلف واليمين إنما تكون بالحلف.
"ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى" على الأصح لأنه يحتمل ما قاله لأن الذي قصد الكذب لا نية له في الطلاق فلا يقع به شيء لأنه ليس بصريح في الطلاق فلم يقع به كسائر الكنايات وحكى في "زاد المسافر" عن الميموني أن أحمد قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الثلاث والواحدة وقال القاضي مقتضى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويجعل أنه طلاق إذا نواه.
فرع: يقبل قوله في قدر ما حلف به وفي الشرط الذي علق اليمين به لأنه أعلم بحاله ويمكن حمل كلام أحمد على هذا فيلزمه في ظاهر الحكم لا فيما بينه

(7/263)


فصل
إذا لامرأته أمرك بيدك فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى واحدة وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ.
ـــــــ
وبين الله تعالى.
فصل
"إذا قال لامرأته التابعين بيدك" فهي كناية ظاهرة "فلها أن تطلق ثلاثا وإن نوى واحدة" في ظاهر المذهب وأفتى به أحمد مرارا ورواه البخاري في تاريخه عن عثمان وقاله علي وابن عمر وابن عباس وفضالة ونصره في "الشرح" لما روى أبو داود والترمذي بإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هو ثلاث" قال البخاري هو موقوف على أبي هريرة ولأنه يقتضي العموم في جميع أمرها لأنه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت فلو قال أردت واحدة لم يقبل لأنه خلاف مقتضى اللفظ ولا يدين وعنه: واحدة ما لو ينو أكثر قطع به أبو الفرج وصاحب "التبصرة" كاختاري عنه وفيه غير مكرر ثلاثا وعنه: ثلاث بنيتها لها كقوله في الأصح طلقي نفسك ثلاثا فتطلق بنيتها "وهو في يدها" أي على التراخي نص عليه لقول علي ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان كالإجماع ولأنه نوع تمليك في الطلاق فملكه المفوض إليه في المجلس وبعده كما لو جعله لأجنبي "ما لم يفسخ" فإن فسخها بطلت الوكالة كسائر الوكالات "أو يطأ" لأنه يدل على الفسخ أشبه ما لو فسخ بالقول وقيل يتقيد بالمجلس كالخيار وجوابه بأنه توكيل مطلق أشبه التوكيل في البيع ويعتبر أهليتها فلا يصح من صغيرة ولا مجنونة.
فرع: يجوز أن يجعل أمر امرأته بعوض قال أحمد إذا قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي فلها أن تختار ما لم يطأ لأن التوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه.

(7/264)


وإن قال لها اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك وليس لها أن تطلق إلا مادامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه فإن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها في يدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب.
ـــــــ
"وإن قال لها اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة" رجعية حكاه أحمد عن ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعائشة وغيرهم ولأن اختاري تفويض معين فيتناول ما يقع عليه الاسم وهو طلقة رجعية لأنها بغير عوض بخلاف ما سبق فإنه أمر مضاف إليها فيتناول جميع أمرها "إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك" كاختاري ما شئت أو ثنتين أو ثلاثا أو نيته وهو أن ينوي بقوله: "اختاري" عددا فإنه يرجع إلى ما نواه لأنها كناية خفية "وليس لها أن تطلق إلا ما دامت في المجلس" وظاهره ولو طال "ولم يتشاغلا بما يقطعه" ذهب أكثر العلماء أن التخيير على الفور رواه النجاد عن عمر وعثمان وروي عن ابن مسعود وجابر ونص عليه أحمد وقيل متراخ كالأمر وقاله ابن المنذر واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك" وكان واجبا عليه.
وجوابه أنه قول من سمينا ولأنه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول وأما الخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي وخلافنا في المطلق وأمرك بيدك توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسألتنا وعنه: إن لم يتصل الجواب لم يقع وشرطه ما لم يشتغلا بقاطع لأنه بالتشاغل يكون إعراضا عن قوله اختاري ومن المقول لها إعراضا عن القبول أشبه ما لو افترقا.
"فإن جعل لها الخيار اليوم كله" جاز "أو جعل أمرها في يدها فردته" بطل كالوكيل "أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب" المنصوص عليه أن "أمرك بيدك" على التراخي و"اختاري" على الفور ويحتمل ألا

(7/265)


وخرج أبو الخطاب في كل مسألة: وجها مثل حكم الأخرى ولفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج يفتقر إلى نيته فإن قبلته بلفظ الكناية نحو اخترت نفسي افتقر إلى نيتها أيضا.
ـــــــ
تنفسخ الوكالة كما لو وكله في بيع دار وسكنها.
"وخرج أبو الخطاب في كل مسألة: وجها مثل حكم الأخرى" أي يقاس كل من المسألتين على الأخرى وقد ذكر المؤلف في كل مسألة: حكمين الأول على التراخي وأن لها أن تطلق ثلاثا وفي الثانية الفور وأن ليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا بشرطه قلت كلام أبي الخطاب في كتابه من حيث اللفظ لا يقتضي تخريج العدد من إحدى المسألتين على الأخرى ومن حيث إنه نفي الفرق بينهما يقتضي ذلك إلا أنه يمكن حمله على نفي الفرق من حيث التراخي والفور لا من حيث العدد.
تنبيه: إذا قال اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فإن ردته في الأول بطل كله لأنه خيار واحد بخلاف ما لو قال اختاري اليوم بعد غد فإنها إذا ردته في الأول لم يبطل بعد غد لأنهما خياران ينفصل أحدهما عن صاحبه فإن نوى بقوله اختاري نفسك إيقاع الثلاث وقع وإن كرر اختاري ثلاثا فإن أراد إفهامها وليس له نية فواحدة وإلا فثلاث نص عليه وإن أطلق فروايتان قاله في "المغني" فلو خيرها شهرا فاختارت نفسها ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار لأن الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كالبيع.
فرع: إذا قال اختاري نفسك يوما فابتداؤه من حين تطلق إلى مثله من الغد وإن قال شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة.
"ولفظه الأمر والخيار كناية" ظاهرة وخفية "في حق الزوج يفتقر" وقوع الطلاق إلى نيته لأن كلاهما يفتقر "إلى النية" على ما مضى وكذا كذبه بعد سؤالها الطلاق "فإن قبلته بلفظ الكناية نحو اخترت نفسي افتقر إلى نيتها أيضا" لأنها موقعة للطلاق بلفظ الكناية فافتقر إلى نيتها كالزوج، فلو قالت:

(7/266)


وإن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية وإن اختلفا في نيتها فالقول قولها وإن اختلفا في رجوعه فالقول قوله وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع ويحتمل ألا يقع.
ـــــــ
اخترت نفسي وأنكر وجوده قبل قوله لأنه منكر أشبه ما لو علق طلاقها على دخول الدار فادعته وأنكر.
"وإن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية" لأنه صريح كأنت طالق ويقع من العدد ما نوياه دون ما نواه أحدهما وإن نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لفقد النية "وإن اختلفا في نيتها فالقول قولها" لأنها أعلم بنيتها ولا يعلم ذلك إلا من جهتها "وإن اختلفا في رجوعه فالقول قوله" لأنهما اختلفا فيما يختص به كما لو اختلفا في نيته.
مسائل: الأجنبي في ذلك كالمرأة والمذهب إلا أنه متراخ ويقع بإيقاع الوكيل بصريح أو كناية بنية وفي وقوعه بكناية بنية ممن وكل فيه بصريح وجهان وكذا عكسه وفي "الترغيب" ولا يقع بقولها اخترت بنية حتى تقول نفسي أو أبوي أو الأزواج ونقل ابن منصور إن اختارت زوجها فواحدة ونفسها ثلاث وعنه: إن خيرها فقالت طلقت نفسي ثلاثا وقعت وإن أنكر قولها قبل قوله وتقبل دعوى الزوج أنه رجع قبل إيقاع وكيله عند أصحابنا والمنصوص أنه لا يقبل إلا ببنية قال الشيخ تقي الدين وكذا دعوى عتقه ورهنه ونحوه ومن وكل في ثلاث فأوقع واحدة أو عكسه فواحدة نص عليهما ولا يملك بالإطلاق تعليقا.
"وإن قال طلقي نفسك" فهل يختص بالمجلس فيه وجهان أصلهما هل تلحق بالأولى أو الثانية وذلك توكيل يبطل برجوعه وكذا لو وكلها بعوض نص عليه ويرد الوكيل "فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع" نصره في "الشرح" وغيره لأنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته أشبه ما لو أوقعته بلفظه "ويحتمل أن لا يقع" لأنه فوضه إليها بلفظه الصريح فلا يصح أن يوقع غير ما فوضه إليها والأول أصح لأن التوكيل في شيء لا يقتضي إيقاعه

(7/267)


وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر منها وإن قال وهبتك لأهلك فإن قبلوها فواحدة وإن ردوها فلا شيء وعنه: إن قبلوها فثلاث وإن ردوها فواحدة وكذلك إن قال وهبتك لنفسك.
ـــــــ
بلفظه كما لو وكله في البيع فباعه بلفظ التمليك وكما لو قال اختاري نفسك فقالت طلقت نفسي فإنه يقع مع اختلاف اللفظ.
"وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة" لأنه أقل ما يقع عليه الاسم إلا أن يجعل إليها أكثر منها لأن الطلاق يكون واحدة وثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله ومميز ومميزة في ذلك كله كالبالغين نص عليه.
"وإن قال وهبتك لأهلك" فهو كناية إن نوى به الإيقاع وقع وإن لم ينو به الإيقاع فهو كناية في حقها فيفتقر إلى قبولهم والنية من الزوج لأنه ليس بصريح "فإن قبلوها فواحدة" رجعية "وإن ردوها فلا شيء" هذا هو المشهور وهو قول ابن مسعود وعطاء ومسروق لأنه تمليك للبضع فافتقر إلى القبول كاختاري وكالنكاح وعلى أنه لا يكون ثلاثا لأنه محتمل فلا يحمل عليها عند الإطلاق كاختاري ولأنها طلقة ليس عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء فكانت رجعية كأنت طالق وقوله: "واحدة" محمول على ما إذا أطلق النية أو نواها فإن نوى ثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى كسائر الكنايات.
"وعنه: إن قبلوها فثلاث وإن ردوها فواحدة" رجعية وقاله زيد بن ثابت والحسن وعن أحمد إن قبلوها فواحدة بائنة وإن ردوها فواحدة رجعية وقاله علي بن أبي طالب وصيغة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه.
"وكذلك إن قال وهبتك لنفسك" أي فيها من الخلاف ما سبق فإن ردت ذلك فلغو وعنه: رجعية إذا نوى بالهبة والأمر والخيار الطلاق في الحال وقع.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لمسألة: البيع وحكمها أنه إذا باعها لغيره فلغو وإن نوى الطلاق نص عليه لأنه لا يتضمن معنى الطلاق لكونه معاوضة والطلاق مجرد إسقاط وفي "الترغيب" في كونه كناية كهبة وجهان وذكر ابن

(7/268)


ـــــــ
حمدان: إن ذكر عوضا معلوما طلقت مع النية والقبول نقل حنبل وبائع ومشتر كخائن يؤدبان ولا قطع ويحبسان حتى يظهرا توبة.

(7/269)


باب ما يختلف به عدد الطلاق
يملك الحر ثلاث تطليقات وإن كان تحته أمة والعبد اثنين وإن كان تحته حرة وعنه: أن الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثا وإن كان عبدا وزج الأمة اثنتين وإن كان حرا.
ـــــــ
باب ما يختلف به عدد الطلاق
"يملك الحر ثلاث تطليقات وإن كان تحته أمة والعبد اثنتين وإن كان تحته حرة" وهذا مختار لعامة الأصحاب وهو قول عثمان وزيد وابن عباس لما روى أبو رزين قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [ البقرة: 229] فأين الثالثة قال: "تسريح بإحسان" رواه أبو داود وصححه ابن القطان وقال عمر يطلق العبد تطليقتين رواه الشافعي والدارقطني بإسناد جيد وعن عائشة مرفوعا قال: "طلاق العبد اثنتان" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف ولأن الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالحرية والرق فكان اختلافه كعدد المنكوحات وظاهره ولو طرأ رقه كلحقوق ذمي بدار حرب فاسترق وقد كان طلق ثنتين وقلنا ينكح عبد حرة نكح هنا وله طلقة ذكره المؤلف وفي "الترغيب" وجهان.
"وعنه: أن الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثا وإن كان عبدا وزوج الأمة اثنتين وإن كان حرا" هذا قول ابن مسعود وروي عن علي لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الأمة طلقتان" رواه أبو داود والترمذي

(7/269)


فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثا وإن لم ينو شيئا.
ـــــــ
والبيهقي ولأن المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعادة والأول أصح والجواب عن حديث عائشة بأنه من رواية طاهر بن أسلم وهو منكر الحديث قاله أبو داود مع أن الدارقطني أخرجه في سننه عن عائشة مرفوعا قال طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولأن الحر يملك أن يتزوج أربعا فملك ثلاث طلقات كما لو كان تحته حرة ولا خلاف في أن الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاثا والعبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان وإنما الخلاف فيما إذا كان أحدهما حرا والآخر رقيقا.
فرع: المعتق بعضه كحر وفي "الكافي" كقن والمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن.
"فإذا قال أنت الطلاق أو الطلاق لي لازم" أو الطلاق يلزمني أو علي الطلاق أو أنت طالق الطلاق أو يلزمني الطلاق "ونوى الثلاث طلقت ثلاثا" لأن ذلك صريح في المنصوص لأنه لفظ بالطلاق وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر:
أنوهت باسمي في العالمين
... وأفنيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق
... وأنت الطلاق ثلاثا تماما
وقيل: ليس بصريح لأنه وصفها في قوله أنت الطلاق بالمصدر وأخبر به عنها وهو تجوز والباقي كذلك لأن من كثر منه شيء يضره فهو عليه كالدين قلت وقد اشتهر استعماله في الإيقاع فكان صريحا وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط أو محلوفا به.
"وإن لم ينو شيئا" فعنه يقع ثلاث اختاره أبو بكر وفي "الروضة" هو قول جمهور الأصحاب لأن الألف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو الثلاث والثانية واحدة قال في "المغني" وهي الأشبه لأنه اليقين والألف

(7/270)


أو قال أنت طالق ونوى الثلاث ففيه روايتان إحداهما تطلق ثلاثا والأخرى واحدة وإن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم تطلق إلا واحدة في أحد الوجهين.
ـــــــ
واللام تستعملان لغير الاستغراق كثيرا ولأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يفهمون أنهما للاستغراق.
فرع: إذا كان له أكثر من امرأة وثم نية أو سبب يقتضي تعميما أو تخصيصا عمل به وإلا وقع بالكل وقيل بواحدة بقرعة.
"أو قال أنت طالق ونوى الثلاث ففيه روايتان إحداهما تطلق ثلاثا" اختارها جمع لأنه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع كقوله أنت طالق ثلاثا ولأن طالق اسم فاعل وهو يقتضي المصدركما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير "والأخرى واحدة" وهي قول الحسن والثوري والأوزاعي واختارها أكثر المتقدمين لأن هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به الثلاث ولأن أنت طالق إخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله حائض وطاهر والأولى أصح والفرق ظاهر لأنه لا يمكن تعددهما في حقها في آن واحد بخلاف الطلاق ولو قال أنت طالق ثلاثا ونوى واحدة فهي ثلاث بغير خلاف نعلمه لأن اللفظ صريح في الثلاث والنية لا تعارض الصريح لأنها أضعف.
"وإن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم تطلق إلا واحدة في أحد الوجهين" وهو الأصح لأنه نوى مالا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر منها وقع بمجرد النية والثاني يقع ثلاث لأنه نواها ولأنه يحتمل أنت طالق واحدة معها اثنتان قال في "المغني" و "الشرح" وهذا فاسد لأن قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا تعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظ وفيه نظر فإن الواحدة إذا لم تحتمل ذلك فأنت طالق تحتمله قاله ابن المنجا.

(7/271)


وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا وإن قال أردت بعد المقبوضتين قبل منه وإن قال أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثا طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثا وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو منتهاه أو بعدد الحصى أو القطر أو الريح أو الرمل.
ـــــــ
فعلى الثاني لو قال أنت طالق وصادف قوله ثلاثا موتها أو قارنه فواحدة وعلى الأول يقع ثلاثا لوجود المفسر في الحياة قاله في "الترغيب" ولعل فائدة الخلاف تظهر في المدخول بها هل يرثها أم لا؟.
"وإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا" قال ابن حمدان مع النية لأن التفسير يحصل بالإشارة وذلك يصلح للبيان لقوله عليه السلام: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا" فإن لم يقل هكذا فواحدة ذكره في "الشرح" و "الفروع" لأن إشارته لا تكفي وتوقف أحمد واقتصر عليه في "الترغيب".
"وإن قال أردت بعد المقبوضتين قبل منه" أي يقع ثنتان لأنه يحتمل ما يدعيه كما لو فسر المجمل بما يحتمله وفي "الرعاية" إن أشار بالكل فواحدة.
"وإن قال" لإحدى امرأتيه "أنت طالق واحدة بل هذه" أي الأخرى "ثلاثا طلقت الأولى واحدة" لأنه طلقها واحدة والإضراب بعد ذلك لا يصح لأنه رفع للطلاق بعد إيقاعه "والثانية ثلاثا" لأنه أوقعه بها أشبه ما لو قال له علي هذا الدرهم بل هذا ولأن الإضراب إثبات للثاني ونفي الأول وإن قال هذه لا بل هذه طلقتا نص عليه وإن قال هذه أو هذه وهذه طالق وقع بالثانية وإحدى الأوليين كهذه أو هذه بل هذه وقيل يقرع بين الأولى والآخرتين وإن قال هذه وهذه أو هذه وقع بالأولى وإحدى الآخرتين كهذه بل هذه أو هذه وقيل يقرع بين الأوليين والثالثة.
"وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جميعه أو منتهاه" أو غايته "أو طالق كألف أو بعدد الحصى أو القطر أو الريح أو الرمل

(7/272)


أو التراب طلقت ثلاثا وإن نوى واحدة وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا طلقت واحدة إلا أن ينوي ثلاثا فإن قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين ويحتمل أن تطلق ثلاثا.
ـــــــ
أو التراب" وما أشبه ذلك مما يتعدد "طلقت ثلاثا وإن نوى واحدة" نص عليه في: كألف لأن هذا يقتضي عددا ولأن الطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث وكذا إن قال أنت طالق كمائة أو ألف لأن قوله كألف تشبيه العدد خاصة لأنه لم يذكر إلا ذلك كقوله أنت طالق كعدد ألف وفي "الانتصار" و "المستوعب" ويأثم بالزيادة وإن نوى كألف في صعوبتها ففي الحكم الخلاف والأشهر أنه يقبل.
"وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا" أو مثل الجبل أو عظمه "طلقت واحدة" رجعية لأن هذا الوصف لا يقتضي عددا والطلقة الواحدة توصف بأنها يملأ الدنيا ذكرها وأنها أشد الطلاق وأعرضه "إلا أن ينوي ثلاثا" فيقع لأن اللفظ صالح لأن يراد به ذلك فإذا نواه وجب إيقاعه لترجحه بالنية ونقله ابن منصور في ملء البيت وفي أقصاه أو أكثره أوجه ثالثها أكثره ثلاث وفي "الفنون" أن بعض أصحابنا قال في أشد الطلاق كأقبح الطلاق يقع طلقة في الحيض أو ثلاث على احتمال وجهين وأنه كيف يسوى بين أشد الطلاق وأهونه.
فرع: إذا أوقع طلقة ثم قال جعلتها ثلاثا ولم يرد استئناف طلاق بعدها فواحدة قاله في "الموجز" و "التبصرة".
"فإن قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين" نصره في "الشرح" وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأن ما بعد الغاية لا يدخل فيها بمقتضى اللغة وإن احتمل بوصوله لم يوقعه بالشك.
"ويحتمل أن تطلق ثلاثا" هذا رواية كما لو قال بعتك هذا الثوب من أوله

(7/273)


وإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين طلقت ثلاثا وإن نوى موجبه عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين وإن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد وعند القاضي تطلق واحدة وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقة.
ـــــــ
إلى آخره، قال القاضي: وأصل الروايتين إذا حلف لا يفعل شيئا إلى يوم الفطر هل يدخل يوم الفطر فيه، فيه روايتان.
مسألة: إذا طلق زيد امرأته فقال عمرو لزوجته وأنت مثلها أو كهي ونوى الطلاق طلقت واحدة وإلا فلا.
"وإن قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين طلقت ثلاثا" لأنه يعبر بـ "في" عن "مع" كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29] فإذا نوى ذلك بلفظه قبل منه ووقع ما نواه فإن قال أردت واحدة قبل منه وإن كان حاسبا وقال القاضي تقع طلقتان إذا كان حاسبا لأنه خلاف ما اقتضاه اللفظ وجوابه كلامه بما يحتمله فإنه لا يبعد أن يريد بكلامه ما يريده العامي.
"وإن نوى موجبه عند الحساب طلقت طلقتين" لأن ذلك مدلول اللفظ عندهم وقد نواه وعرفه فيجب وقوعه كما لو قال أنت طالق ثنتين.
"وإن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد" قدمه في "الرعاية" وهو أشهر قياسا على الحاسب لاشتراكهما في النية.
"وعند القاضي تطلق واحدة" لأنه لا يصح منه قصد ما لا يعرفه فهو كالأعجمي ينطق بالطلاق بالعربي ولا يفهمه وقيل ثلاثا بناء على أن "في" معناها معنى "مع" فالتقدير أنت طالق مع طلقتين "وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان" لأنه لفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنين فوجب العمل به "وبغيرها طلقة" لأن اللفظ إنما جاز مصروفا إلى اثنتين بوضع أهل الحساب فإذا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها وقيل ثنتان ووجهه ما سبق.

(7/274)


ويحتمل أن تطلق ثلاثا.
فصل
إذا قال: أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة أو نصف طلقتين طلقت طلقة وإن قال نصفي طلقتين أو ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين.
ـــــــ
"ويحتمل أن تطلق ثلاثا" لأنه إذا لم يكن له نية وجب حمل "في" على معنى "مع" وقيل بعامي قال المؤلف لم يفرق أصحابنا بين أن يكون المتكلم بذلك ممن له عرف في هذا اللفظ أو لا والظاهر أنه إن كان المتكلم بذلك ممن عرفهم أن "في" بمعنى "مع" لأن الظاهر إرادة ما تعارفوه وقال أبو الخطاب ويحتمل أنه لا يقع طلاقه كل هذا إذا أطلق ولم يعرف الحساب.
مسألة: إذا قال أنت طالق بعدد ما طلق فلان زوجته وجهل عدده فطلقة وقيل بعدده فصل
جزء طلقة كهي "إذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة" فتقع واحدة لأن الطلاق لا يتبعض في قول عامتهم وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه "أو نصف طلقتين طلقت طلقة" لأن نصف الطلقتين طلقة وذكر بعض العلماء أنها تطلق طلقتين لأن اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم تكمل وما ذكرناه أولى لأن التصنيف يتحقق به وفيه عمل باليقين وإلغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة.
"وإن قال نصفي طلقتين" وقع طلقتان لأن نصفي الشيء جميعه أشبه ما لو قال أنت طالق طلقتين.
"أو ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين" لأن ثلاثة أنصاف طلقة ونصف فيكمل النصف فصار ذلك طلقتين وقيل واحدة لأن الأجزاء من طلقة،

(7/275)


وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا ويحتمل أن تطلق طلقتين وإن قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثا وإن قال لأربع أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثا.
ـــــــ
فالزائد عليها يكون لغوا لأنه ليس منها وكذا الخلاف في خمسة أرباع طلقة أو أربعة أثلاث.
"وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا" نص عليه في رواية منها ونصره جمع لأن نصف الطلقتين طلقة وقد كرر ثلاثا "ويحتمل أن تطلق طلقتين" هذا قول ابن حامد لأن معناه ثلاث أنصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم تكمل فتصير طلقتين وجوابه بأنه تأويل يخالف ظاهر اللفظ قال في "الفروع" ويتوجه مثلها ثلاثة أرباع ثنتين وفي "الروضة" تقع ثنتان.
"وإن قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة" أي يقع واحدة لأن ذلك أجزاء طلقة واحدة وليس في اللفظ ما يقتضي التغاير لأنه غير معطوف "أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة" لأن الإضافة إلى الطلقة فيجب أن تطلق واحدة.
"وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت" سواء كانت مدخولا بها أو لا "ثلاثا" لأنه علق أجزاء الطلقة على جزء آخر وهو يدل على المغايرة فيقع جزءا ثم يكمل بالسراية لأنه لو كانت الثانية هي الأولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة سدس الطلقة لأن أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الأول وإن أعيد معرفا بها فالثاني هو الأول لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فالعسر الثاني هو الأول بخلاف اليسر ولهذا قيل لن يغلب عسر يسرين وقيل لو أراد بالثانية الأولى لذكرها بالضمير لأنه هو الأولى.
"وإن قال لأربع أوقعت بينكن" أو عليكن نص عليه "طلقة أو اثنتين أو ثلاثا

(7/276)


أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة وعنه: إذا قال أوقعت بينكن ثلاثا ما أرى إلا قد بنّ منه واختاره القاضي وإن قال أوقعت بينكن خمسا فعلى الأول يقع بكل واحدة طلقتان.
ـــــــ
أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة" لأن اللفظ اقتضى قسم الطلقة بينهن أو عليهن لكل واحدة ربعها ثم تكمل وكذا إن قال أوقعت بينكن طلقتين ذكره أبو الخطاب لأنه إذا قسم لم يزد واحدة على طلقة وعنه: يقع بكل واحدة طلقتان وقال أبو بكر والقاضي لأنه إذا قسمت اثنتان بينهن كان لكل واحدة جزآن من طلقتين ثم يكمل كل جزء قال في "المغني" والأول أولى لأنه إنما يقسم بالأجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات فأما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فإنما يقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحدة من واحد كأربعة لهم درهمان صحيحان فإنه يجعل لكل واحد نصف درهم واحد والطلقات لا اختلاف فيها ولأن فيما ذكرنا أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك وكذا إذا قال لهن أوقعت بينكن ثلاثا فإنه يصيب كل واحدة ثلاثة أرباع طلقة ثم تكمل.
"وعنه: إذا قال أوقعت بينكن ثلاثا ما أرى إلا قد بنّ منه" نقلها الكوسج "واختاره القاضي" لأن الثلاث إذا قسمت بينهن كان لكل واحدة جزء من ثلاث طلقات ثم تكمل وفي "المغني" و "الشرح" أنهن يطلقن ثلاثا ثلاثا على قول أبي بكر والقاضي.
"وإن قال أوقعت بينكن خمسا فعلى الأولى يقع بكل واحدة طلقتان" لأن لكل واحدة طلقة وربعا ثم تكمل وعلى الثانية يقع بكل واحدة ثلاث لأنه إذا طلقت ثلاثا فيما إذا أوقع ثلاثا فلأن تطلق ثلاثا إذا أوقع خمسا بطريق الأولى فإن قال أوقعت ستا أو سبعا أو ثمانيا فكذلك فإن قال أوقعت بينكن تسعا وقع بكل واحدة ثلاث عليهما وإن قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة فثلاث في قياس المذهب لأن الواو لا تقتضي ترتيبا وقيل واحدة على الأولى فإن قال أوقعت بينكن ثلث طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة وقع ثلاث كما لو عطفه

(7/277)


فصل
إذا قال نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو دمك طالق طلقت وإن قال شعرك أو ظفرك أوسنك طالق لم تطلق وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق.
ـــــــ
بالفاء أو ثم إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى.
فصل
"إذا قال نصفك أو جزء منك" سواء كان معينا أو مشاعا أو مبهما "أو أصبعك أو دمك طالق طلقت" نص عليه لصحته في البعض بخلاف زوجتك بعض وليتي وذكر ابن البنا لا تطلق بدمها كلبنها وإن أضافه إلى سوادها أو بياضها لم يقع لأنه عرض وقيل بلى فإن قال يدك طالق ولا يد لها أو إن قمت فهي طالق فقامت وقد قطعت فوجهان بناء على أنه هل هو بطريق السراية أو بطريق التعبير بالبعض عن الكل؟.
"وإن قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق" نص عليه لأنها تزول ويخرج عوضها في الشعر ولأنه لا روح فيه لا ينتقض الوضوء بمسه أشبه العرق وقيل تطلق وهو قول الحسن وغيره لأنه جزء يستباح بنكاحها فتطلق به كالأصبع وجوابه بأنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة بخلاف الأصبع.
"وإن أضافه إلى الريق والدمع والعرق والحمل لم تطلق" بغير خلاف نعلمه لأنه ليس من ذاتها وإنما هو مجاور لها والحمل وإن كان متصلا بها فمآله إلى الانفصال وهو مودع فيها لقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: من الآية98] قيل هو مستودع في بطن الأم وفي "الانتصار" هل يقع ويسقط القول بإضافته إلى صفة كسمع وبصر إن قلنا تسمية الجزء عبارة عن الجميع وهو ظاهر كلامه صح،

(7/278)


وإن قال روحك طالق طلقت وقال أبو بكر لا تطلق.
فصل فيما تخالف المدخول بها غيرها
إذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إفهامها.
ـــــــ
وإن قلنا بالسراية فلا.
"وإن قال روحك طالق طلقت" جزم به جمع من أصحابنا لأن الجملة لا تبقى بعدم مزايلها أشبه الحياة والدم وقال أبو بكر لا تطلق نص عليه وهو ظاهر ما في "الفروع" قال أبو بكر لا يختلف قول أحمد أنه لا يقع طلاق وعتق وظهار وحرام بذكر الشعر والظفر والسن والروح فبذلك أقول ولأنها ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به وحكى في "المستوعب" عن أحمد التوقف عنها.
مسألة: العتق في ذلك كطلاق.
فصل فيما تخالف المدخول بها غيرها
"إذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين" بغير خلاف لأن كل واحد يقتضي وقوع إذا وكذا إذا اجتمع مع غيره وإن قاله ثلاثا طلقت ثلاثا أشبه ما لو قال أنت طالق ثلاثا.
"إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إفهامها" لأنه قصد بالثاني غير الأول فلم يقع به شيء وشرطه الاتصال فلو قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك لها طلقت ثانية ولم يقبل منه التأكيد لأنه تابع للكلام فقبل متصلا كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل فلو نوى بالثانية تأكيد الأولة لم يقبل ووقع

(7/279)


وإن قال لها أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو بل طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة طلقت طلقتين.
ـــــــ
الثلاث، وإن أكد الثانية بالثالثة ففي قبوله بالحكم روايتان قال في "الفروع" ويتوجه مع الإطلاق وجه كإقرار وقد نقل أبو داود في قوله اعتدي اعتدي فأراد الطلاق هي تطليقة.
تنبيه: إذا قال أنت طالق طالق فهي واحدة لأن اللفظ الثاني لا يصلح للاستئناف فيصرف إلى التأكيد كقوله عليه السلام: "فنكاحها باطل باطل" وإن قصد بالثانية الإيقاع طلقت طلقتين ويقدر له ما يتم الكلام به فلو قال أنت طالق وطالق وطالق فثلاث نص عليه وعنه: تبين قبل الدخول بالأولى بناء على أن الواو للترتيب ولو قال طالق وكرره وقعن ولو قصد التأكيد قبل منه لأن الطلاق تكرر للتأكيد وكان قبل الأخيرة "أنت" ومقتضاه أنه إذا لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة وصرح به في "المغني" لأنه لم يأت بحرف يقتضي المغايرة.
فرع: إذا أتى شرط أو استثناء أو صفة عقب جملة اختص بها بخلاف المعطوف والمعطوف عليه.
"وإن قال لها أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو بل طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة طلقة طلقتين" وفيه مسائل:
الأولى: إذا قال أنت طالق فطالق تقع طلقتان لأن الثانية صادفت محل النكاح فيقع ولأن الفاء تقتضي الجمع مع التعقيب و"ثم" تقتضيه مع التراخي.
الثانية: إذا قال أنت طالق بل طالق تطلق طلقتين لأن الأول اقتضى إيقاع طلقة والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه والثاني يقتضي إيقاع طلقة لأن "بل" لإثبات الثاني والإضراب عن الأول فإذا لم يصح إضرابه وجب وقوعهما

(7/280)


وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها وإن قال لها أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي وعند أبي الخطاب تطلق اثنتين ويقعان معا.
ـــــــ
جميعا وعنه: في أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق واحدة كما لو قال له علي درهم بل درهم.
الثالثة: إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين أو بل طلقة تقع ثنتان لما ذكرنا وأوقع أبو بكر وابن الزاغوني في طلقة بل طلقتين ثلاثا لأن الأول إيقاع واحدة والثاني يقتضي إيقاع طلقتين والمنصوص أنه تقع ثنتان لأن الأولى يصح دخولها في الثنتين فلا يكون الإضراب عنها مستدركا لأن فيه زيادة فائدة وهو الوقوع والثانية ظاهرة.
الرابعة: إذا قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة فإنها تطلق اثنتين لأن ذلك صريح في الجمع والمحل يحتمله فإن أراد في "بعدها طلقة" سأوقعها ففي الحكم روايتان وفي "الروضة" لا يقبل حكما وفي الباطن روايتان وقيل تطلق واحدة قطع به في "قبل طلقة" في المذهب و "المستوعب" وزاد بعد طلقة.
"وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى" لأنها صادفت محلا ولم يلزمها ما بعدها لأنها بائن فلم يلحقها طلاق كالأجنبية.
"وإن قال لها أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي" أي تطلق واحدة إذا كانت غير مدخول بها لأنه طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقة بعد طلقة.
"وعند أبي الخطاب تطلق اثنتين" وقاله أبو بكر "ويقعان معا" لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه وهو معها ولا يلزم تأخيرها إلى ما بعدها لأن قبله زمنا يمكن الوقوع

(7/281)


وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين والمعلق كالمنجز في هذا فإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق أو طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة فدخلت طلقت طلقتين.
ـــــــ
فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد.
"وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة" أو مع طلقة طلقت اثنتين لأن لفظه يقتضي وقوعهما معا كما لو قال أنت طالق اثنتين فلو قال معها اثنتان وقع ثلاث في قياس المذهب وكذا إن قال أنت طالق طلقة تحت طلقة أو تحتها أو فوق طلقة أو فوقها "أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين" لأن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها ولأن الكلام إنما يتم بآخره في الشرط والصفة والاستثناء فكذا في العطف ويفرق بينها فإن الثلاثة مغيرة له بخلاف العطف فإنه لا يغير وجوابه أن العطف هنا يبين عدد الواقع فهو كالصفة.
تنبيه: إذا غاير بين الحروف ونوى التأكيد لم يقبل منه لأنه إنما يكون بتكرير الأول بصورته وإن قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة ونوى التأكيد بالثانية والثالثة قبل لأنه لم يغاير بينها بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد ومثل هذا يعاد توكيدا فلو عطف فقال مطلقة ومسرحة ومفارقة وقال أردت التأكيد فاحتمالان.
"والمعلق كالمنجز في هذا" لأن المعلق على الشرط يجب تحققه عند وجود الشرط فيجب أن يقع على الصفة التي كان يقع عليها لو كان منجزا تقدم الشرط أو تأخر.
"فلو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق أو طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة فدخلت طلقت طلقتين" لأنه وجد شرط وقوعهما معا أشبه ما لو قال أنت طالق اثنتين فلو كرره ثلاثا بالجزاء أو مع طلقتين طلقت ثلاثا.

(7/282)


وإن قال إن دخلت فأنت طالق فطالق أو ثم طالق فدخلت طلقت طلقة واحدة إن كانت غير مدخول بها واثنتين إن كانت مدخولا بها وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال.
ـــــــ
"وإن قال إن دخلت فأنت طالق فطالق أو ثم طالق فدخلت طلقت طلقت واحدة إن كانت غير مدخول بها" لأنها تبين بالأولى فيجب ألا يلحقها ما بعدها "واثنتين إن كانت مدخولا بها" لأنها لا تبين بالأولى فيتعين إيقاع الثانية أيضا وفي "المغني" عن القاضي تطلق من لم يدخل بها طلقة منجزا كذا قال والذي اختاره القاضي وجماعة أن "ثم" كسكتة لتراخيها فيتعلق بالشرط معها طلقة فيقع بالمدخول بها ثنتان واحدة إذن وطلقة بالشرط ويقع بغيرها إن قدم الشرط الثانية والثالثة لغو والأولى معلقة وإن أخره فطلقة منجزة والباقي لغو وفي "المذهب" فيما إذا تقدم الشرط أن القاضي أوقع واحدة فقط في الحال وذكر أبو يعلى الصغير أن المعلق كالمنجز لأن اللغة لم تفرق وأنه إذا أخر الشرط فطلقة منجزة وإن قدمه لم يقع إلا طلقة بالشرط.
"وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال" لأن التعليق يقتضي إيقاع الطلاق بشرط الدخول وقد كرر التعليق فيتكرر الوقوع كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين وإن كرر الشرط ثلاثا طلقت ثلاثا في قول الجميع لأن الصفة وجدت فاقتضى وقوع الثلاث دفعة واحدة والله أعلم.

(7/283)


باب الاستثناء في الطلاق
حكي عن أبي بكر أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والمذهب أنه يصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي النصف وجهان فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت اثنتين.
ـــــــ
باب الاستثناء في الطلاق
الاستثناء إخراج بإلا أو إحدى أخواتها قيل من متكلم واحد لوقوعه في القرآن والسنة ولسان.
"العرب حكي عن أبي بكر أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق" لأن الطلاق لا يمكن رفعه بعد إيقاعه ولو صح لرفعه "والمذهب أنه يصح استثناء ما دون النصف" في الطلاق والإقرار لأنه استثناء فيه فجاز كما في عدد المطلقات وليس الاستنثناء رافعا لواقع وإنما هو مانع لدخول المستثنى في المستثنى منه.
"ولا يصح فيما زاد عليه" أي على النصف أي لا يصح استثناء الكل ولا الأكثر نص عليه ونصره في "الشرح" وقواه ابن حمدان وقيل يصح فيه وهو قول الأكثر.
"وفي النصف وجهان" وذكر أبو الفرج وصاحب "الروضة" روايتين ظاهر المذهب صحته وجزم به في "الوجيز" وجاز الأكثر إن سلم في قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: من الآية42] لأنه لم يصرح بالعدد وذكر أبو يعلى الصغير أنه استثناء بالصفة وهو في الحقيقة تخصيص وأنه يجوز فيه الكل نحو اقتل من في الدار إلا بني تميم وهم بنو تميم فيحرم قتلهم وسيأتي في الإقرار.
"فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت اثنتين" لأن الواحدة دون

(7/284)


وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا اثنتين أو خمسا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا ربع طلقة طلقت ثلاثا وإن قال أنت طالق طلقتين إلا واحدة فعلى وجهين وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين على وجهين.
ـــــــ
النصف.
"وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا طلقت ثلاثا" طلقت ثلاثا بغير خلاف "أو ثلاثا إلا اثنتين" وقع ثلاث بناء على أنه لا يصح استثناء الأكثر "أو خمسا إلا ثلاثا" وقعت الثلاث لأن الاستثناء إن عاد إلى الخمس فقد استثنى الأكثر وإن عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلاهما غير صحيح وإن صح الأكثر فثنتان وإن قال خمسا إلا طلقة فقيل يقع اثنتان وقيل ثلاث "أو ثلاثا إلا ربع طلقة طلقة ثلاثا" لأن الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا ضرورة أن الطلاق لا يتبعض وفي "الرعاية" وجه أنها تطلق اثنتين.
"وإن قال أنت طالق طلقتين إلا واحدة فعلى وجهين" بناء على صحة استثناء النصف وإن قال أنت طالق أربعا إلا اثنتين فقيل تقع طلقتان وقيل ثلاث وإن قال أنت طالق اثنتين واثنتين إلا اثنتين لم يصح وفيه احتمال وإن استثنى واحدة ففي صحته احتمالان.
"وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين على وجهين" لا يصح الاستثناء من الاستثناء في الطلاق خلافا ل"الرعاية" إلا في مسألة: واحدة وهي أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة في أحد الوجهين ذكره في "الكافي" و "الشرح" وجزم به في "الوجيز" لأنه استثناء الواحدة مما قبلها فتبقى واحدة وهي مستثناة من ثلاثة فتصير كقوله أنت طالق ثلاثا إلا واحدة ويمكن أن يقال إن الواحدة مخرجة من الثلاث لإبطال استثناء الثنتين والثاني تطلق ثلاثا لأن استثناء الثنتين لا يصح لكونهما أكثر من النصف ولا يصح استثناء الواحدة لأنه استثناء من استثناء باطل.

(7/285)


وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة لم يصح أو طالق وطالق وطالق إلا واحدة أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة طلقت ثلاثا ويحتمل أن تقع طلقتان وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق.
ـــــــ
"وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة لم يصح" ويقع الثلاث لأن استثناء الأول باطل ولا يصح الاستثناء منه وقيل يعود استثناء الواحدة إلى أول الكلام فتقع طلقتان "أو طالق وطالق وطالق إلا واحدة أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة طلقت ثلاثا" على المذهب لأن تصحيح الاستثناء يجعل المستثنى منه لغوا فبطل كاستثناء الجمع "ويحتمل أن تقع طلقتان" ذكر في "الواضح" أنه أشبه لأن العطف بالواو ويجعل الجملتين كالجملة الواحدة فتصير الواحدة مستثناة من الثلاث فلو كان العطف بالفاء أو "ثم" لم يصح الاستثناء.
تنبيه: إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة فقيل تقع الثلاث وقيل يصح الاستثناء في طلقة وكذا الخلاف في أنت طالق طالق إلا طلقة وطلقة وفي أنت طالق ثلاثا إلا طلقة ونصفا وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وإلا واحدة طلقت اثنتين وقيل واحدة وإن أسقط الواو فقيل يقع ثلاث وقيل ثنتان فلو قال أنت طالق طلقتين ونصفا إلا نصف طلقة فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين على وجهين وفي "المستوعب" إنها تطلق ثلاثا وجها واحدا.
"وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث" لأن العدد نص فيما يتناوله فلا يرتفع بالنية لأن اللفظ أقوى ولو ارتفع بالنية لرجح المرجوح على الراجح وقال أبو الخطاب وقدمه في "الرعاية" يلزمه الثلاث حكما ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وكذا الخلاف لو قال نسائي الأربع طوالق واستثنى واحدة بقلبه وإن لم يقل الأربع ففي الحكم روايتان "وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق" لأنه لا يسقط اللفظ، وإنما

(7/286)


-------------------------------------------
ـــــــ
استعمل العموم في الخصوص وذلك شائع بخلاف ما قبلها وهل يقبل في الحكم على روايتين وفي "الترغيب" إذا قال أربعتكن طوالق إلا فلانة لم تصح على الأشبه لأنه صريح وأوقع ويصح أربعتكن إلا فلانة طوالق وإن استثنى من سألته طلاقها دين ويتوجه أنه كنسائي الأربع ولم يقبل في الحكم لأن السبب لا يجوز إخراجه وقيل يقبل لجواز تخصيص العام وإن قالت طلق نساءك فقال نسائي طوالق طلقت لأن اللفظ لا يقتصر على سببه وإن استثناها قبل في الحكم لأن السبب يدل على نيته.
فرع: يعتبر للاستثناء ونحوه اتصال معتاد قطع به الجماعة ونيته قبل تكميل ما ألحقه به حكاه الفارسي إجماعا وقيل وبعده وفي "الترغيب" هو ظاهر قول أصحابنا واختاره الشيخ تقي الدين وقال دل عليه كلام أحمد ومتقدمي أصحابه وإنه لا يضر فصل يسير بالنية وبالاستثناء قال وفي القرآن جمل قد فصل بين أبعاضها بكلام آخر كقوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} إلى قوله: {هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: من الآية72] فصل بين أبعاض الكلام المحكي عن أهل الكتاب وسأله أبو داود عمن تزوج امرأة فقيل له ألك امرأة سواها فقال كل امرأة لي طالق فسكت فقيل إلا فلانة قال إلا فلانة فإني لم أعنها فأبى أن يفتي فيه.
مسألة: إذا قال أنت طالق ثم وصله بشرط أو صفة فإن كان نطقا صح بغير خلاف وإن نواه ولم يلفظ به دين وفي الحكم روايتان.

(7/287)


باب الطلاق في الماضي والمستقبل
إذا قال أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الإيقاع وقع فإن لم ينو لم يقع في ظهار كلامه وقال القاضي يقع وحكي عن أبي بكر لا يقع إذا قال أنت طالق أمس ويقع إذا قال قبل أن أنكحك فإن قال أردت أن زوجا قبلي طلقها أو طلقتها في نكاح قبل هذا قبل منه أذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد.
ـــــــ
باب الطلاق في الماضي والمستقبل
"إذا قال أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الإيقاع وقع" لأنه اعترف على نفسه بما هو أغلط "فإن لم ينو لم يقع في ظاهر كلامه" وجزم به في "الوجيز" وغيره لأنه أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه وهو الزمن الماضي وقبل نكاحه فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فإنه لا خلاف عند أصحابنا أنه لا يقع "وقال القاضي يقع" ولو لم ينوه وهو رواية لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة أنت طالق للبدعة.
"وحكي عن أبي بكر لا يقع إذا قال أنت طالق أمس" لعدم إمكان وقوع الطلاق فيه "ويقع إذا قال قبل أن أنكحك" لأنه يمكن أن يتزوجها ثانيا وهذا الوقت قبله فيقع فيه بخلاف الأولى قاله القاضي وعنه: في الأولى إن كانت زوجته أمس فإن قال أردت أني طلقتها أمس طلقت بإقراره ولزمتها العدة في يومها لاعترافها أن أمس لم يكن من عدتها.
"فإن قال أردت أن زوجا قبلي طلقها أو طلقته في نكاح قبل هذا قبل منه إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد" لأنه فسر كلامه بما يحتمله، وقوله: إذا

(7/288)


فإن مات أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق على وجهين وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضي شهر لم تطلق وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه فإن خالعها بعد اليمين بيوم وكان الطلاق بائنا ثم قدم زيد بعد شهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق وإن قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق
ـــــــ
احتمل الصدق مشعر بأنه يشترط أن يكون قد وجد لأنه إذا لم يوجد لم يكن كلامه محتملا للصدق وفي "المغني" إن لم يكن وجد وقع طلاقه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي يقبل ظاهر كلامه ولم يشترط الوجود فإذن فيه وجهان وعلى الأول ما لم تكذبه قرينة من غضب أو سؤالها الطلاق ونحوه.
"فإن مات" القائل "أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق" المقول لها؟ "على وجهين" بناء على الخلاف في اشتراط النية في وقوع الطلاق المتقدم ذكره فإن قيل باشتراطه لم تطلق لأن شرط الطلاق النية ولم يتحقق وجودها وإن قيل بعدم اشتراطها طلقت لأن المقتضي للوقوع قد وجد فوجب العمل به.
"وإن قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر" فلها النفقة "فقدم قبل مضي شهر لم تطلق" بغير خلاف بين أصحابنا لأنه تعليق للطلاق على صفة ممكنة الوجود فوجب اعتبارها ذكره في "الشرح" وغيره وفيه وجه تطلق بناء على قوله أنت طالق أمس وجزم به الحلواني فلو قدم مع مضي الشهر لم تطلق لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه.
"وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه" لأنه أوقع الطلاق في زمن على الصفة فإذا حصلت وقع كما لو قال أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فلو وطئها كان محرما ولها المهر.
"فإن خالعها بعد اليمين بيوم فأكثر وكان الطلاق بائنا ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع" لأنه وقع مع زوجه "وبطل الطلاق" لأنه صادفها بائنا ولا إرث لها لعدم التهمة "وإن قدم بعد شهر وساعة" فأقل "وقع الطلاق" لأنها

(7/289)


دون الخلع وإن قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال فإن قال بعد موتي أو مع موتي لم تطلق وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم تطلق،
ـــــــ
طلقت في الساعة وهي زوجة "دون الخلع" لأنه صادفها بائنا وخلع صحيح وحينئذ لها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا لأن الرجعية يصح خلعها.
فرع: إذا قال لعبده أنت حر قبل قدوم زيد بشهر ثم باعه بعد عقد الصفة فأعتقه المشتري ثم قدم زيد بعد عقدها بشهر ويوم فإنا نحكم بوقوع عتق البائع وبطلان البيع وما ترتب عليه ونقل مهنا عنه إذا قال أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر أنها تطلق في الحال وهذه تعطي أنه علقه بشرط يأتي لا محالة أنه يقع في الحال والأول أصح.
"وإن قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال" لأنه قبل موته وكذا إن قال قبل موتك أو موت زيد فإن قاله بالتصغير لم يقع إلا في الجزء الذي يليه الموت لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير.
"فإن قال بعد موتي أو مع موتي لم تطلق" نص عليه وكذا إن قال بعد موتك أو مع موتك بغير خلاف علمناه لأنها تبين بموت أحدهما فلم يصادف الطلاق نكاحا يزيله فإن قال مع موتي فوجهان.
فرع: إذا قال إن مت فأنت طالق قبله بشهر ونحو ذلك لم يصح ذكره في "الانتصار" لأنه أوقعه بعده فلا يقع قبله لمضيه وإن لم يقل بشهر وقع إذن وفي "التبصرة" في جزء يليه موته كقبل موتي وإن قال أطولكما حياة طالق فبموت إحداهما يقع بالأخرى إذن وقيل وقت يمينه فإن قال أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر تعلقت بالصفة بأولهما موتا.
"وإن تزوج أمة أبيه ثم قال إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم تطلق" اختاره القاضي وقدمه في "الكافي" وجزم به في

(7/290)


ويحتمل أن تطلق وإن كانت مدبرة فمات أبوه وقع الطلاق والعتق.
فصل
وإن قال أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه، أو
ـــــــ
"الوجيز" لأنه بالموت والشراء يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال أنت طالق مع موتي وكقوله إذا ملكتك فأنت طالق في الأصح "ويحتمل أن تطلق" اختاره في "الجامع" والشريف وأبو الخطاب وقدمه في "المحرر" و "الفروع" وهو رواية في "التبصرة" لأن الموت سبب ملكها وطلاقها وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وفي "المستوعب" إذا علق طلاقها على الشراء لم تطلق حتى يتفرقا في أظهر الوجهين وفي الآخر تطلق وهو احتمال في "عيون المسائل" بناء على انتقال الملك زمن الخيار.
"وإن كانت مدبرة" أي دبرها أبوه "فمات أبوه وقع الطلاق" لأن الحرية تمنع بثبوت الملك له فلا ينفسخ نكاحه فيقع طلاقه "والعتق" لأنه معلق بالموت وقد وجدا معا لأن كل واحد منهما معلق بالموت وهذا إذا كانت تخرج من الثلث فإن أجاز الابن وقلنا إجازته عصية مبتدأة فهل يقع الطلاق على وجهين وإن قلنا تنفيذ وقعا معا فإن كان على الأب دين يستغرق تركه لم يعتق والأصح أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح وإن كانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين وقعا وإلا حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق كما لو كان مستغرقا لها فإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه.
فصل
"وإن قال أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه أو لأقتلن

(7/291)


لأقتلن فلانا الميت أو لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء ونحوه طلقت في الحال وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه أو صعدت السماء أو شاء الميت أو البهيمة لم تطلق في أحد الوجهين.
ـــــــ
فلانا الميت أو لأصعدن السماء أو لأطيرن أو إن لم أصعد السماء ونحوه طلقت في الحال" هذا المذهب كما لو قال أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد ولأنه علق الطلاق على نفي فعل المستحيل وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني فإنه يوقع الطلاق.
"وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه" وحكاه عن القاضي لأن اليمين المنعقدة هي التي يمكن فيها البر والحنث وهو منتف هنا قال في "الشرح" والصحيح أنه يحنث فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: من الآية109] ولأنه لو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث فهذا أولى وقيل لا تطلق في المحال لذاته وإن المحال عادة كالممكن في تأخير الحنث إلى آخر حياته وقيل إن وقته كقوله لأطيرن اليوم لم تطلق إلا في آخر الوقت وإن أطلق طلقت في الحال وذكره أبو الخطاب اتفاقا.
فرع: إذا حلف ليقتلن فلانا وهو ميت فقيل يحنث وهو الأشهر وقيل لا وقيل إن كانت يمينه بطلاق أو عتاق حنث وإن كان بغيرهما فلا وفرق القاضي في "الجامع" فقال إن لم يعلم بموته لم يحنث وإلا حنث.
"وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه أو صعدت السماء أو شاء الميت أو البهيمة" أو إن قلبت الحجر ذهبا أو إن جمعت بين الضدين أو إن رددت أمس "لم تطلق في أحد الوجهين" صححه في "الشرح" وقدمه في "المحرر" و "الرعاية" و "الفروع" لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد لأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال كقوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [لأعراف: من الآية40] ولقول الشاعر:

(7/292)


وتطلق في الآخر وإن قال أنت طلق اليوم إذا جاء غد فعلى الوجهين وقال القاضي لا تطلق.
ـــــــ
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وعاد القار كاللبن الحليب
وكحلفه بالله عليه "وتطلق في الآخر" ويلغى الشرط لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل وكما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك وقيل إن علقه على مستحيل عقلا وقع في الحال لأنه لا وجود له وإن علقه على مستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لأن له وجودا وقد وجد في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء.
تذنيب: العتق والظهار والحرام والنذر كالطلاق واليمين بالله تعالى قيل كذلك وقيل لا كفارة فيها كالغموس وفي "المستوعب" "تعليقه" كقوله لأفعلن أو لا فعلت نحو لأقومن أو لا قمت يصح بنية جاهل بالعربية وإن نواه عالم فروايتا أنت طالق ثم يريد إن قمت وإلا لم يصح لأنه لم يأت بحرف الشرط وتبعه في "الترغيب" وذكر الشيخ تقي الدين أنه خلاف الإجماع القديم وجزم به في "المغني" وغيره.
"وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد فعلى الوجهين" لأن الطلاق إذا علق على شرط مستحيل فهل يقع فيه وجهان لأنه جعل وقوع الطلاق مظروفا لليوم ومشروطا للغد والجمع بينهما محال والمذهب عدم الوقوع.
"وقال القاضي لا تطلق" لأن شرط الطلاق لم يتحقق لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء في اليوم ولا يجيء غد إلا بعد فوات اليوم وذهاب محل الطلاق وفي "المغني" إن اختيار القاضي أنها تطلق في الحال لأنه علقه بشرط محال فلغا الشرط ووقع الطلاق كما لو قال لآيسة أنت طالق للبدعة وقال في "المجرد" إنها تطلق في غد.
تنبيه: إذا قال أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق وإن لم يقم في الوقت

(7/293)


ـــــــ
الذي عينه حنث في قول أكثرهم وإن قال أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان كذلك لم يحنث كقوله والله إن أخاك لعاقل وإن شك في عقله لم يقع وإن قال أنت طالق لا اختلفا هذا الرغيف فأكله حنث وإن قال ما أكلته لم يحنث إن كان صادقا وحنث إن كان كاذبا كقوله والله ما آكله وإن قال أنت طالق لا دخلت الدار ولا ضربتك ونوى به التعليق صح إن كان جاهلا وإلا فروايتان وإن قال أنت طالق ثلاثا على مذهب السنة والشيعة واليهود والنصارى طلقت ثلاثا لاستحالة الصفة لأنه لا مذهب لهم وكقصده التأكيد.

(7/294)


فصل في الطلاق في زمن مستقبل
إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت أو في رجب طلقت بأول ذلك وإن قال أنت طالق اليوم أوفي هذا الشهر طلقت في الحال.
ـــــــ
فصل في الطلاق في زمن مستقبل
"إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت أو في رجب طلقت بأول ذلك لأنه جعل ذلك" ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا طلقت كما لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق إذا دخل أول جزء منها طلقت وحاصله أنه إذا علق الطلاق بشهر أو وقت عينه وقع في أوله بخلاف ما لو قال إن لم أقضك حقك شهر رمضان فامرأته طالق لم تطلق حتى يخرج الشهر قبل قضائه لأنه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة وله الوطء قبل الحنث.
"وإن قال أنت طالق اليوم أو في هذا الشهر طلقت في الحال لأن اليوم والشهر ظرف لإيقاع الطلاق فوجب أن يقع إذن وكذا إن قال في الحول،

(7/294)


وإن قال أردت في آخر هذه الأوقات دين وهل يقبل في الحكم يخرج على الروايتين وإن قال أنت طالق اليوم وغدا أو بعد غد أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق واحدة أو ثلاثا على وجهين وقيل تطلق في الأول واحدة وفي الثانية ثلاثا.
ـــــــ
وعنه: أنه في رأسه اختاره ابن أبي موسى قال في "الفروع" وهي أظهر.
"وإن قال أردت في آخر هذه الأوقات دين" في الأصح لأنه يجوز أن يريد ذلك فلا يلزمه الطلاق في غيره "وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين" أظهرهما القبول لأن آخر الشهر منه فإرادته لا تخالف ظاهره وكذا وسطه إذا ليس أوله أولى في ذلك من وسطه والثانية لا يقبل لأنه لو أطلق تناول أوله وكلامه شامل للصورتين وهو قول والمنصوص أنه لا يدين ولا يقبل حكما فلو قال أنت طالق في أول رمضان أو مجيئه أو غرته طلقت بأول جزء منه ولا يقبل قوله نويت آخره أو وسطه لأنه لا يحتمله فلو قال أردت بالغرة اليوم الثاني قبل منه لأن الثلث الأول من الشهر يسمى غررا.
فرع: إذا قال أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة يستهل إلا أن يقول من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال وإن قال أنت طالق في مجيء ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث.
"وإن قال أنت طالق اليوم وغدا أو بعد غد أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق واحدة أو ثلاثا على وجهين" أحدهما تطلق واحدة إلا أن ينوي أكثر جزم به بعض أصحابنا لأنها إذا طلقت اليوم فهي طالق في غد وفي بعده وكقوله كل يوم ذكره في "الانتصار" والثاني ثلاثا لأن ذكره في روينا الطلاق يدل على تعداده "وقيل تطلق في الأول واحدة" لأن من طلقت في اليوم الأول يصح أن يقال هي طالق في الثاني والثالث "وفي الثانية ثلاثا" وهذا القول قدمه في "المحرر" و "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" لأن إعادة "في"

(7/295)


وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه وقال أبو بكر لا تطلق وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل وقع بها الطلاق على وجهين.
ـــــــ
تقتضي فعلا فكأنه قال أنت طالق في اليوم وأنت طالق في غد وأنت طالق في بعد غد قال في "الفروع" ويتوجه أن يخرج أنت طالق كل يوم أو في كل يوم على هذا الخلاف.
"وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه" نص عليه واختاره أبو الخطاب ونصره في "الشرح" قال ابن حمدان وهو أظهر لأن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كما لو مات أحدهما قي اليوم "وقال أبو بكر لا تطلق" وقدمه في "الرعاية" لأن شرط طلاقها خروج اليوم وبخروجه يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الإمكان كما لو مات أحدهما في اليوم وقال أبو بكر لا تطلق وقدمه في "الرعاية" لأن شرط طلاقها خروج اليوم وبخروجه يفوت محل طلاقها قال في "المغني" ويبطل هذا بما إذا مات أحدهما في اليوم فإن محل الطلاق يفوت بموته ومع ذلك فإنها تطلق قبل موته فكذا هنا وكذا إن أسقط اليوم الأخير وإن أسقط الأول وقع قبل آخره وقيل بعد خروجه ويأتي إن أسقطهما واحتج بها المؤلف على ضعف قول أبي بكر فدل أنها مثلها وأنه لا يقع فيها على قول أبي بكر.
مسائل: إذا قال أنت طالق إن لم أتزوج عليك اليوم أو إن لم أشتر لك ثوبا اليوم فالخلاف كقوله لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأته طالق ولم يبعه حتى خرج اليوم وإن مات العبد أو عتق أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت لأنه قد فات بيعه وإن دبره أو كاتبه فلا ومن منع بيعها قال تطلق وإن وهب العبد لم تطلق لأنه يمكن عوده إليه ببيعه وإن قال إن لم أبع عبدي فامرأتي طالق وكاتب العبد لم تطلق لأنه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع وإذا قال إذا مضى يوم فأنت طالق فإن كان نهارا وقع إذا عاد النهار إلى مثل وقته وإن كان ليلا فبغروب شمس الغد.
"وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل وقع بها الطلاق على وجهين" أحدهما تطلق من أوله قال في "الشرح" وهو

(7/296)


وإن قال أنت طالق في غد أو إذا قدم زيد فمات قبل قدومه لم تطلق وإن قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة إلا أن يريد طالق اليوم وطالق غدا أو نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتطلق اثنتين وإن نوى نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل وجهين.
ـــــــ
أولى، كما لو قال أنت طالق يوم الجمعة وقيل بعد قدومه قدمه في "الرعاية" لأنه جعل قدومه شرطا فلا تطلق قبله والثاني لا تطلق لأن شرطه قدوم زيد ولم يوجد إلا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف يوم الجمعة وينبني عليها الإرث فلو مات الرجل غدوة ثم قدم زيد أو مات الزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة.
فرع: إذا قال أنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم زيد فيه فوجهان أحدهما لا تطلق حتى يقدم زيد لأن قدومه شرط فيه والثاني أنه إن قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر وهو أصح قاله في "الشرح" وإن قال أنت طالق غدا أمس أو عكس طلقت طلقت غدا قال ابن حمدان ويحتمل عدمها.
"وإن قال أن طالق في غد أو إذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق" صححه السامري وجزم به في "الوجيز" لأن الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل الطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخول ذلك اليوم وقيل إن قدم فيه طلقت بعد قدومه وقيل من أوله وظاهره أنه إذا قدم بعد الغد أنها لا تطلق.
"وإن قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة" لأن من طلقت اليوم فهي طالق غدا "إلا أن يريد طالق اليوم وطالق غدا" فتطلق اثنتين في اليومين فإن قال أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لأنه جعل الزمان كله ظرفا للطلاق فوقع في أوله "أو نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتطلق اثنتين" لأن كل نصف يكمل ضرورة عدم تبعيض الطلاق.
"وإن نوى نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل وجهين" أصحهما: أنها

(7/297)


وإن قال أنت طالق إلى شهر أو حول طلقت عند انقضائه إلا أن ينوي طلاقها قي الحال وإن قال أنت طالق آ خر الشهر أو أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه وإن قال في آخر أوله طلقت في آخر يوم من أوله وقال أبو بكر تطلق في المسألتين بغروب شمس الخامس عشر منه.
ـــــــ
تطلق واحدة لأنه إذا قال نصفها اليوم كملت فلم يبق لها بقية يقع غدا ولم يقع شيء غيرها لأنه ما أوقعه والثاني تقع اثنتان في اليومين.
"وإن قال أنت طالق إلى شهر أو حول طلقت عند انقضائه" روي عن ابن عباس وأبي ذر لأنه جعل ذلك غاية للطلاق ولا غاية لآخره فوجب أن يجعل غاية لأوله ولأن هذا يحتمل أن يكون مؤقتا لإيقاعه فلم يقع الطلاق بالشك وعنه: تطلق إذن كنيته وذكر ابن عقيل الخلاف مع النية وكقوله أنت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها مكة وإن قال بعد مكة وقع إذن "إلا أن ينوي طلاقها في الحال" لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ ولفظه يحتمله.
فرع: إذا قال أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لأن من لابتداء الغاية فيقتضي أن طلاقها في اليوم فإن أراد وقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها وإن قال أردت تكرير طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا إذا كانت مدخولا بها.
"وإن قال أنت طالق من آخر الشهر أو أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه" اختاره الأكثر لأن آخر الشهر آخر يوم منه ولأنه إذا علق الطلاق على وقت تعلق بأوله وقيل تطلق في الأولى بآخر جزء منه فيحرم وطؤه في تاسع عشرين ذكره في المذهب قال في "الفروع" ويتوجه تخريج.
"وإن قال في آخر أوله طلقت في آخر يوم من أوله" على المذهب لأن ذلك آخر يوم من أوله "وقال أبو بكر تطلق في المسألتين بغروب شمس الخامس عشر منه" لأن نصف الشهر فما دون يسمى أوله فإذا شرع في النصف الثاني صدق أنه آخره فيجب أن يتحقق الحنث لأنه أول آخره وآخر أوله، والأول

(7/298)


فإن قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة ويكمل الشهر الذي حلف في أثنائه بالعدد فإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة وإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال والثانية في أول المحرم وكذا الثالثة.
ـــــــ
أصح وهو قول أكثر العلماء لأن ما عدا اليوم الأول لا يسمى أول الشهر ويصح بنية عنه فإن قال في أول الشهر أو فيه فبدخوله.
"فإن قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة" أي إذا كان حلفه في أول الشهر لأن السنة كلها معتبرة بالأهلة لأنها السنة التي جعلها الله تعالى مواقيت للناس بالنص.
"ويكمل الشهر الذي حلف في أثنائه بالعدد" أي إذا كان الحلف في أثناء الشهر وجب تكميل الشهر بالعدد ثلاثين يوما وصفته إذا كان قد مضى منه عشرة أيام ناقصا بقي تسعة عشر يوما فإذا فرغ من الأحد عشر بالأهلة أضاف إلى التسعة عشر أحد عشر يوما وعنه: أنه يعتبر العدد في الشهور كلها وهو ظاهر كلامه في الصوم لأنه لما صام نصف الشهر وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه فيكمل من الذي يليه وهلم جرا.
فرع: إذا قال أردت سنة شمسية أو عددية قبل منه لأنها سنة حقيقية كما يقبل إذا قال أردت سنة إذا انسلخ ذو الحجة.
"فإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة" لأنه لما ذكرها بلام التعريف انصرف إلى السنة المعروفة وهي التي آخرها ذو الحجة ووقع في مختصر ابن رزين أن إشارته إليها كتعريفها فإن قال أردت سنة كاملة دين وهل يقبل في الحكم على روايتين ذكره في "الكافي" وغيره.
"وإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال" لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فيقع إذن "والثانية في أول المحرم" لأن السنة الثانية ظرف للطلقة فتطلق في أولها "وكذا الثالثة" ومحله إذا أدخلنا عليها وهي في

(7/299)


فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا دين وهل يقبل في الحكم يخر ج على روايتين وإن قال أردت أن يكون ابتداء السنين المحرم دين ولم يقبل في الحكم وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق.
ـــــــ
نكاحه أو ارتجعها في عدة الطلاق أو جدد نكاحها بعد أن بانت منه فإذا دخلت الثانية لم تطلق فإذا تزوجها في أثناء وقعت الطلقة عقب العقد في ظاهر قول أكثر أصحابنا وقال ابن حمدان إن صح تعليق الطلاق بالنكاح وقال القاضي تطلق بدخول السنة الثانية وعلى قول التميمي ومن وافقه تنحل الصفة بوجودها حال البينونة فلا تعود بحال وكذا إن لم يتزوجها حتى دخلت الثالثة ثم نكحها فإنها تطلق عقب تزويجها ولو دامت بائنا حتى مضى العام الثالث لم تطلق بعده واختلف في مبدأ السنة الثانية فقدم في "الكافي" أن أولها بعد انقضاء اثنى عشر شهرا من حين يمينه وقال أبو الخطاب أولها المحرم لأنها السنة المعروفة.
"فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا دين" لأن ذلك سنة حقيقية، "وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين" أصحهما القبول لأنها سنة حقيقية والثانية لا لمخالفته الظاهر.
"وإن قال أردت أن يكون ابتداء السنين المحرم دين" لأنه يحتمل "ولم يقبل في الحكم" ذكره القاضي لأنه خلاف الظاهر قال المؤلف والأولى أن يخرج على روايتين.
"وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق" نص عليه لأنه لم يوجد الشرط إذ اليوم اسم لبياض النهار ولم يوجد وفي "الواضح" يحتمل وجهين فلو قدم نهارا طلقت قيل عقبه وقيل من أوله وعليها ينبني الإرث "إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق" وقت قدومه لأن الوقت يسمى يوما لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: من الآية16] وقيل: إذا لم ينو شيئا فهو كمن نوى الوقت.

(7/300)


وإن قدم به ميتا أو مكرها لم تطلق.
ـــــــ
"وإن قدم به ميتا أو مكرها" محمولا أو ماشيا "لم تطلق" وهو المذهب لأنه لم يقدم وإنما قدم به إذ الفعل ينسب إلى فاعله يقال دخل الطعام البلد وهو لا يدخل بنفسه ولا ينسب إلى غيره إلا مجازا وعنه: يحنث نقلها محمد بن الحكم واختارها أبو بكر في "التنبيه فإن مات في غيبته فذكر أبو بكر أنها تطلق والمذهب خلافه واقتضى ذلك أنه إذا قدم مختارا فإنه يحنث الحالف قولا واحدا وقال ابن حامد إن كان يمتنع باليمين من القدوم فجهل اليمين أو نسيها فروايتان وينبغي أن تعتبر على هذا نية الحالف وقرائن أحواله الدالة على قصده ومتى أشكل الحال وقع.

(7/301)


فلو قال إن تزوجت فلانة أو تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إذا تزوجها وعنه: تطلق وإن قال لأجنبية إن قمت فأنت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق رواية واحدة وإن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده.
ـــــــ
كأنت طالق لأفعلن كالشرط وأولى بألا يلحق وذكر ابن عقيل في أنت طالق وكرره أربعا ثم قال عقب الرابعة إن قمت طلقت ثلاثا لأنه لا يجوز تعليق ما لم يملك بشرط ويصح بصريحه وكنايته مع قصده.
"فلو قال إن تزوجت فلانة أو تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إذا تزوجها" على المشهور لقوله عليه السلام: "لا طلاق ولا عتاق لابن آدم فيما لا يملك" رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الترمذي هو حديث حسن وهو أحسن شيء في الباب ورواه الدارقطني وغيره من حديث عائشة وزاد وان عينها وعن المسور مرفوعا قال لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك رواه ابن ماجه بإسناد حسن قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة.
"وعنه: تطلق" لأنه يصح تعليقه على الإحضار فصح على حدوث الملك كالوصية وعنه: يصح في العتق فقط لتشوف الشارع إليه.
"وإن قال لأجنبية إن قمت فأنت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق رواية واحدة" لأنه لم يضفه إلى زمن يقع فيه الطلاق أشبه ما لو قال لأجنبية أنت طالق ثم تزوجها وعنه: صحة قوله لزوجته ان تزوجت عليك فهي طالق أو لعتيقته إن تزوجتك فأنت طالق أو لرجعيته إن راجعتك فأنت طالق ثلاثا وأراد التغليظ عليها وجزم به في "الرعاية" في الأوليين قال أحمد في العتيقة قد وطئها والمطلق قبل الملك لم يطأ وظاهر كلامه وكلام الأصحاب التسوية.
"وإن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده" لأنه زوال بني على

(7/302)


فإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل وإن قال سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت دين ولم يقبل في الحكم نص عليه.
ـــــــ
التغليب والسراية أشبه العتق وذهب أحمد إلى قول أبي ذر أنت حر إلى الحول وعنه: يقع في الحال مع تيقن وجوده وخصها الشيخ تقي الدين بالثلاث لأنه الذي يصيره كمتعة ونقل مهنا في هذه الصورة تطلق إذن قيل له فتتزوج في قبل موتي بشهر قال لا ولكن يمسك عن الوطء حتى يموت وذكر في "الرعاية" تحريمه وجها.
"فإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل" لأنه حكم شرعي فلم يملك تغييره وقيل بل يتعجل وهل تطلق أخرى عند الشرط قال ابن حمدان يحتمل وجهين قال في "الفروع" ويتوجه مثله دين.
"وإن قال سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال" لأنه أقر على نفسه بما يوجب الطلاق فلزمه كما لو قال طلقتها فلو فصل بين الشرط وحكمه بكلام منتظم نحو أنت طالق يا زانية إن قمت لم يقطعه وقال القاضي يحتمل أن يقطعه كسكتة وتسبيحة وإن قال أنت طالق مريضة رفعا ونصبا وقع بمرضها.
"وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت دين" لأنه أعلم بنيته وما ادعاه محتمل "ولم يقبل في الحكم نص عليه" لأنه خلاف الظاهر وإرادة التعليق من التنجيز بعيدة جدا وفيه فتح باب عظيم الخطر لكن ذكر في "الكافي" و "المستوعب" فيه روايتان كقوله أنت طالق ثم قال أردت من وثاق.
تنبيه: إذا قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فخرج بغير اختيارها فإن كان نوى لا يخرج حنث وإن نوى لا تدعه يخرج لم يحنث نص عليه فإن لم تعلم نيته لم يحنث إلا أن يخرج باختياره وإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على الدفع حنث وإن أكره صاحب الحق على أخذه؛

(7/303)


فصل
وأدوات الشرط ستة إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما وفي متى وجهان.
ـــــــ
فوجهان وإن وضعه الحالف في حجره أو بين يديه فلم يأخذ لم يحنث وإن أخذه الحاكم من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه حنث كما لو قال لا تأخذ حقك علي وقال القاضي لا كما لو قال أعطيك حقك.
فصل
وأدوات الشرط ستة كذا وقع بخط المؤلف والوجه ست ويمكن تخريجه على الحمل على المعنى على تأويل الأدوات بالألفاظ أو هو جمع لفظ وهو مذكر نظيره قول الشاعر:
ثلاثة أنفس وثلاثة ذود ... لقد جار الزمان على عيالي
والنفس مؤنثة لكن أريد بها الإنسان وليس المراد حصر أدوات الشرط فيها فإن غيرها أداة له كـ "ما" وإنما خص الستة بالذكر لأنها غالب ما تستعمل له.
"إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما" بغير خلاف نعلمه لقوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: من الآية64] و {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [لأعراف: من الآية38] وفي متى وجهان أحدهما تستعمل للتكرار قال الشاعر:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
ولأنها تستعمل للشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه.
والثاني: لا يقتضيه وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا وكونها تستعمل للتكرار لا يمنع استعمالها في

(7/304)


وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم فإن اتصل بها صارت على الفور إلا "إن".
ـــــــ
غيره كإذا ونصف وقت فإنهما يستعملان في الأمرين كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: من الآية68] {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} [لأعراف: من الآية203] وكذلك أي وقت وأي زمان فإنهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره فلا تحمل على التكرار إلا بدليل.
فرع: "من" و"أي" المضافة إلى الشخص يقتضيان عموم ضميرهما فاعلا كان أو مفعولا.
"وكلها على التراخي إذا تجردت عن "لم" أو نية الفور أو قرينته لأنها مستعملة فيه لكون أنها لا تقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله.
"فإن اتصل بها صارت على الفور" لأن "متى" و"أي" معناهما أي زمان وذلك شائع في الزمان كله فأي زمن وجدت الصفة فيه وجب الحكم بوقوع الطلاق ولا بد أن يلحظ في "أي" كونها مضافة إلى زمن فإن أضيفت إلى شخص كان حكمها حكم "من" وظاهره أن من للفور وصرح به في "المغني" وفيه نظر لأن "من" لا دلالة لها على الزمان إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في زمان فهي بمنزلة "أي" فيجب ألا تكون على التراخي مع أن صاحب "المحرر" حكى في من وأي المضافة إلى الشخص وجهين ويتوجهان في "مهما" فإن اقتضت فورا فهي في التكرار كـ "متى".
وأما "كلما" فدلالتها على الزمن أقوى من دلالة "أي" و "متى" فإذا صارتا للفور عند اتصالهما بـ "لم" فلأن تصير "كلما" كذلك بطريق الأولى "إلا إن" أي مع عدم نية أو قرينة فإذا قال إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع إلا عند تعذر إيقاعه بموت أو ما يقوم مقامه.

(7/305)


وفي "إذا" وجهان فإذا قال إن قمت أو إذا قمت أو من قامت من كن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق إلا في "كلما".
ـــــــ
"وفي "إذا" وجهان" أحدهما أنها على التراخي نصره القاضي لأنها تستعمل شرطا بمعنى "إن" كقول الشاعر:
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
فجزم بها كـ "إن" ولأنها تستعمل بمعنى "متى" و "إن" فلا يقع بالشك والثاني على الفور وهو أشهر لأنها اسم لزمن مستقبل فيكون كمتى فأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضوعها.
مسألة: قد علم حكم المعلق بالشرط وأنها لا تطلق قبل وجوده وعنه: يحنث بعزمه على الترك وجزم به في "الروضة" لأنه أمر موقوف على القصد والقصد هو النية ولهذا فعله ناسيا أو مكرها لم يحنث لعدم القصد فأثر فيه تعيين النية كالعبادات من الصلاة والصيام إذا نوى قطعهما ذكره في "الواضح".
تذنيب: قولهم الأدوات الأربع في النفي على الفور صحيح في "كلما" و"أي" و"متى" فإنها تعم الزمان بخلاف "من" لأنها ليست من أسماء الزمان وإنما تعم الأشخاص فلا يظهر أنها تقتضي الفور فعلى هذا إذا قال من لم أطلقها منكن فهي طالق لم تطلق واحدة منهن إلا أن يتعذر طلاقها أو ينوي وقتا أو تقوم قرينة بفور فيتعلق به.
"فإذا قال إن قمت أو إذا قمت أو من قامت منكن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت" لأن وجود الشرط يستلزم وجود الجزاء وعدمه عدمه إلا أن يعارض معارض.
"وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق" لأنها ليست للتكرار "إلا في "كلما"

(7/306)


وفي "متى" في أحد الوجهين ولو قال كلما أكلت رمانة فأنت طالق أو كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا وإن علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول إن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما إلا أن تكون له نية.
ـــــــ
فإنها تقتضي التكرار "و"متى" في أحد الوجهين" بناء على مقتضاها التكرار وعدمه ولو قمن الأربع فيمن قامت وأيتكن قامت أو من أقمتها أو أيتكن أقمتها طلقن.
"ولو قال كلما اختلفا رمانة فأنت طالق وكلما اختلفا نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت ثلاثا" لوجود وصفه النصف مرتين والجميع مرة لأن "كلما" تقتضي التكرار واختار الشيخ تقي الدين تطلق واحدة.
"وإن علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول إن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا" لوجود الصفات الثلاث فيه أشبه ما لو رأت ثلاثة فيهم الثلاث صفات.
أصل: أدوات الشرط إذا تقدم جزاؤها عليها لم يحتج إلى الفاء في الجزاء كقوله أنت طالق إن دخلت الدار وإن تأخر احتاجت إلى حرف واختصت الفاء لأنها للتعقيب.
"وإن قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها لم تطلق" لأن "إن لم" لا تقتضي الفور "إلا في آخر جزء من حياة أحدهما" أي أحد الزوجين لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما فتبين أنه يقع لجواز أن يطلقها قبل موته أو موتها "إلا أن تكون له نية" فيعمل بها لأنه نوى الطلاق بقول صالح فوجب

(7/307)


وإن قال من لم أطلق أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طلقت وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق فهل تطلق في الحال على وجهين وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا.
ـــــــ
أن يقع عملا بالمقتضي السالم عن المعارض وكذا إذا دلت قرينة على الفور وفي "الإرشاد" رواية يقع بعد موته وأيهما مات قبل إيقاعه وقع الحنث بموته وورثه صاحبه إذا كان أقل من ثلاث وإن كان ثلاثا ورثته ولم يرثها هو ولا يرث ثانيا وترثه ويتخرج لا ترثه من تعليقه في صحته على فعلها فيوجد في مرضه والفرق ظاهر وفي "الروضة" في إرثهما روايتان لأن الصفة في الصحة والطلاق في المرض وفيه روايتان.
فرع: لا يمنع من وطء زوجته قبل فعل ما حلف عليه وعنه: بلى جزم به جماعة والأول أصح لأنه نكاح صحيح لم يقع فيه طلاق فحل له الوطء.
"وإن قال من لم أطلقها أو أي وقت لم أطلقك" أو متى لم أطلقك "فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طلقت" في الحال لوجود الصفة فإنها اسم لوقت الفعل فيقدر بهذا أو لهذا يصح به السؤال فيقال متى دخلت أو أي وقت دخلت وأما من فتقتضي الفور وحينئذ يتحقق الطلاق بمضي زمن عقيب اليمين إذا لم يطلق لأن شرطه يتحقق حينئذ فيلزم منه الطلاق ضرورة أن وجود الشرط يستلزم وجود المشروط وفي وجه أن حكم من لم أطلقها أو إذا لم أطلقك أو أيتكن لم أطلقها كحكم إن لم أطلقك.
"وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق فهل تطلق في الحال؟" أو في آخر جزء من حياة أحدهما "على وجهين" بناء على أنها للفور أو على التراخي.
"وإن قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها طلقت ثلاثا" لأن "كلما" تقتضي التكرار فيقتضي تكرار الطلاق بتكرر الصفة والصفة عدم طلاقه لها فإذا مضى زمن يمكن فيه أن

(7/308)


إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى وإن قال العامي إن دخلت الدار فأنت طالق بفتح الهمزة فهو شرط وإن قاله عارف بمقتضاه طلقت في الحال وحكي عن الخلال أنه إن لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا وإن قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال.
ـــــــ
يطلقها ولم يفعل فقد وجدت الصفة فيقع واحدة وثانية وثالثة إذا كانت مدخولا بها "إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى" ولم يقع شيء بعدها لأن البائن لا يقع عليها طلاق.
"وإن قال العامي أن دخلت الدار فأنت طالق يفتح الهمزة فهو شرط" لأن العامي لا يريد به إلا الشرط ولا يعرف أن مقتضاها التعليل فلا يريده فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه وكنيته.
"وإن قاله عارف بمقتضاه طلقت في الحال" لأن "أن" للتعليل لا للشرط لقوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: من الآية17] {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً} [مريم: 90-91] قال القاضي وهذا التفصيل قياس المذهب.
"وحكي عن الخلال أنه إن لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا" لأن الطلاق يحمل على العرف فإذا لم ينو مقتضاه استوى العارف وغيره وفيه وفي "الترغيب" وجه يقع إذن ولو لم يوجد كتطليقها لرضى أبيها يقع كان فيه رضاه أو سخطه وأطلق جماعة عن أبي بكر فيهما يقع إذن ولو بدل أن كهي وفي "الكافي" يقع إذن كإذ ذكره في "الكافي" و "الشرح" وفيها احتمال كأمس.
فرع: إذا قال إن دخلت الدار أنت طالق فهو شرط قدمه في "المحرر" و "الرعاية" كما لو قال أنت طالق إن دخلت الدار وإنما حذفت الفاء لحذف المبتدأ أو الخبر لدلالة باقي الكلام عليه وفي "الكافي" احتمال يقع في الحال لأن جواب الشرط إذا تأخر عنه لم يكن إلا بالفاء أو إذا وقيل إن نوى الشرط وإلا طلقت في الحال.
"وإن قال إن قمت وأنت طالق طلقت في الحال" لأن الواو ليست جوابا

(7/309)


فإن قال أردت الجزاء أو أردت أن أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسكت وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد.
ـــــــ
للشرط لأن معناه أنت طالق في كل حال لقوله عليه السلام: "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" وفي "الفروع" كالفاء.
"فإن قال أردت الجزاء أو أردت أن أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسكت" دين لأنه محتمل وهو أعلم بمراده من غيره وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين كذا أطلقهما في "الفروع" وغيره أشهرهما القبول فيه لما ذكرنا والثانية لا لأنه خلاف الظاهر فلو جعل له جزاءا بأن قال إن قمت وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى يقوم وهي طالق لأن الواو هنا للحال فلو قال إن قمت طالقا فقامت وهي طالق طلقت أخرى وإن قامت طالق لم تطلق لأن هذا حال فجرى مجرى قوله إن قمت ساكتة.
فرع: إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى رجع إلى ما أراد فإن عدمت فمتى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو لا ولا تطلق الأخرى فلو قال إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق فقيل لا تطلق إلا بدخولهما ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان لأنه ذكر شرطين بحرفين فيقتضي كل واحد منهما جزاء فترك جزاء الأول والجزاء الأخير دال عليه كقوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [قّ: من الآية17]
"وإن قال إن قمت فقعدت فأنت طالق أو إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد" لأن القعود شرط يتقدم مشروطه وكذا إن قال إن قمت ثم قعدت لأن الفاء وثم للترتيب وذكر القاضي في إن كالواو بناء على أن فيه عرفا وذكر جماعة في الفاء و"ثم" رواية كالواو.
تتمة: إذا قال أنت طالق إن أكلت إذا أو إن أو متى لبست لم تطلق حتى

(7/310)


وإن قال إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كانا وعنه: تطلق بوجود أحدهما إلا أن ينوي والأول أصح وإن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما.
ـــــــ
تلبس ثم تأكل وتسميه النحاة اعتراض الشرط على الشرط فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله والشرط يتقدم المشروط كقوله تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} [هود: من الآية34] الآية وقال القاضي إذا كان الشرط بـ "إذا" كقولنا وفيما إذا قال إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا لأن أهل العرف لا تعرف ما يقوله أهل العربية في هذا فقال المؤلف والأول أصح وليس لأهل العرف في هذا عرف.
"وإن قال إن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كانا" ولا تطلق بوجود أحدهما لأنها للجمع لا للترتيب "وعنه: تطلق بوجود أحدهما" لأن الحالف على فعل شيء يحنث بفعل بعضه على رواية وكإن قمت وإن قعدت "إلا أن ينوي" فعل الأمرين لأنه حينئذ لا يحنث بفعل أحدهما لأن الخلاف في بعض المحلوف إنما هو عند الإطلاق أما إذا نوى الكل فلا يحنث بفعل البعض رواية واحدة "والأول أصح" لأن هذه الرواية تخالف الأصول والقواعد فإنه لا خلاف أن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما.
"وإن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما" لأن "أو" تقتضي تعليق الجزاء على واحد كقوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: من الآية184].

(7/311)


فصل في تعليقه بالحيض
إذا قال إذا حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق به وإن قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالحيض
"إذا قال إذا حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض" لأن الصفة وجدت بدليل منعها من الصلاة والصيام نقل مهنا تطلق برؤية الدم لتحريم مباشرتها طاهرا فيه وفي قبل موتي بشهر وكل زمن يحتمل أن يتبين أنه زمن الطلاق في الأصح ولمنع المعتادة من العبادة إجماعا وفي "الانتصار" و "الفنون" وغيرهما بتبينه بمضي أقله.
"فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق به" لأنه تبين أن الصفة لم توجد وذلك بأن تكون بنتا دون تسع سنين أو ينقطع لأقل من أقل الحيض ويتصل الانقطاع إلى أكثر الحيض ولم يشترط في "المغني" الاتصال واشترطه أبو الخطاب وغيره ولا بد منه لأنه إذا انقطع لما ذكر ثم جاء قبل الأكثر كان حيضا لكون من رأته ملفقة ومعنى لم تطلق أي لم يقع.
"وإن قال لطاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر" نص عليه لأنها لا تحيض حيضة إلا بذلك وقيل لا تطلق حتى تغتسل منها وذكره ابن عقيل رواية من أول حيضة مستقبلة والأول أصح والظاهر أنه يقع سنيا.

(7/312)


ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها وإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق احتمل أن يعتبر نصف عادتها واحتمل أنها متى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصفها واحتمل أن يلغو قوله نصف حيضة وقيل إذا حاضت سبعة أيام ونصفا طلقت.
ـــــــ
"ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها" لأنها ليست حيضة كاملة.
فرع: إذا قال إذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عند طهرها فلو قال ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة لأن ثم للترتيب تقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى.
"وإن قال إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق احتمل أن يعتبر نصف عادتها" جزم به في "الوجيز" وصححه في "الشرح" لأن الأحكام تعلقت بالعادة فيتعلق بها وقوع الطلاق "واحتمل أنها متى ظهرت تبينا وقوع الطلاق في نصفها" وهو أشهر لأنها إذا طهرت في ستة أيام مثلا تحقق أن نصف حيضها ثلاثة فيجب أن يحكم بوقوع الطلاق فيها لوجود شرطه وفيه إشعار أنها لا تطلق حتى تطهر وهو صحيح لأن شرط الطلاق مضي نصف الحيضة ولا يتحقق نصفها إلا بكمالها.
"واحتمل أن يلغو قوله نصف حيضة" وهو قول القاضي لأن الحيضة لا تتنصف لأنها عبارة عن جريان الدم فعلى هذا يتعلق طلاقها بأول الدم كقوله: إذا حضت "وقيل إذا حاضت سبعة أيام ونصفا طلقت" لأنه لا يتيقن مضي الحيضة إلا بذلك ولأنه نصف أكثر الحيض قال في "الكافي" بمعنى والله أعلم أنه مادام حيضها باقيا لا يحكم بوقوع طلاقها حتى يمضي نصف أكثر الحيض لأن ما قبل الحيض لا يتيقن به مضي نصف الحيضة فلا يقع الطلاق بالشك.

(7/313)


"وإن قال إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم وإن كانت طاهرا طلقت إذا طهرت من حيضة مستقلة وإذا قالت حضت وكذبها قبل قولها في نفسها وإن قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره.
ـــــــ
"وإن قال إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم" نص عليه لأنه بانقطاعه ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة وصحة الصيام فيجب أن يتعلق به وجوب الطلاق وفي عبارته تسامح ولو قال بأول طهر مستقبل لكان أولى وظاهر أنها تطلق وإن لم تغتسل لأنه ثبت لها أحكام الطهر لأنها ليست حائضا فلزم أن تكون طاهرا لأنهما ضدان وفي "التنبيه" قول حتى تغتسل لأن بعض أحكام الحيض باقية وبناه في "الشرح" على العدة.
"وإن كانت طاهرا طلقت إذا أطهرت من حيضة مستقبلة" لأن قوله لها إذا طهرت يقتضي تجدد الطهارة فإذا كانت طاهرا لم توجد الطهارة المتجددة إلا إذا طهرت من حيضة مستقبلة ضرورة كونها طهارة متجددة.
"وإذا قالت حضت وكذبها قبل قولها في نفسها" بغير يمين في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: من الآية228] قيل هو الحيض فلولا أن قولها مقبول فيه ما حرم عليها كتمانه ولأنه لا يعرف إلا من جهتها ولقوله إن أضمرت بغضي فادعته بخلاف دخول الدار وعنه: تطلق بنيته فيختبرنها النساء بإدخال قطنة في الفرج زمن دعواها الحيض فإن ظهر دم فهي حائض واختاره أبو بكر لأن الحيض يمكن معرفته من غيرها كدخول الدار وعلى الأول هي يعتبر يمينها فيه وجهان مبنيان على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها وأنكرها وفاقا لأبي حنيفة وقوله قبل قولها في نفسها أي دون غيرها من طلاق أخرى أو عتق عبد نص عليه في الطلاق لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها.
"وإن قال قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره" لأنه أقر بما يوجب

(7/314)


وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت له حضت وكذبها طلقت دون ضرتها وإن قال إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا وإن كذبها لم تطلقا وإن كذب إحداهما طلقت وحدها وإن قال ذلك لأربع.
ـــــــ
طلاقها أشبه ما لو قال طلقتها "وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت وكذبها طلقت" لأن قولها مقبول في حق نفسها دون ضرتها أي أن الضرة لا تطلق إلا أن تقيم بينة على حيضها فإن ادعت الضرة أنها حاضت لم تقبل لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به وعنه: تختبر وعنه: إن أخرجت على خرقة دما طلقت الضرة اختاره في "التبصرة" وحكاه عن القاضي فإذا قال حضت وأنكرت طلقت بإقراره.
"وإن قال إن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا" لأنهما أقرتا وصدقهما فوجدت الصفة في حقهما "وإن كذبهما لم تطلقا" ولا واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها وحيض ضرتها ولا يقبل قول واحدة منهما في حق ضرتها فلم يوجد الشرطان.
"وإن كذب إحداهما طلقت وحدها" لأن قولها مقبول في حقها وقد صدق الزوج ضرتها فوجد الشرطان في حقها ولم تطلق المصدقة لأن قول المكذبة غير مقبول في حقها ولم يصدقها الزوج فلم يوجد شرط طلاقها.
فرع: إذا قال لزوجتيه إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان بحيضتين منهما عملا باليقين وفي "الكافي" و "المستوعب" يلغى قوله حيضة الرجعة كقوله إن حضتما قاله القاضي وقدمه في "الرعاية" زاد في "الكافي" فإن قال أردت إذا حاضت كل واحدة منهما حيضة قبل لأنه محتمل لذلك والأشهر تطلقان بالشروع فيهما وقيل بحيضة من واحدة وقيل لا تطلقان بحال كمستحيل.
"وإن قال ذلك لأربع" فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع

(7/315)


فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن وإن صدق واحدة أو اثنتين لم يطلق منهن شيء وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها وإن قال كلما حاضت إحداكن فضرائرها طوالق فقلن قد حضن فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا وإن صدق واحدة لم تطلق وطلق ضراتها طلقة وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا.
ـــــــ
"فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن" لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه "وإن صدق واحدة أو اثنتين لم يطلق منهن شيء" لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ولم يوجد وكذا إن كذب الكل "وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها" لأن قولها مقبول في حيضها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا تطلق المصدقات لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن.
فائدة: الأفصح في "صاحبة" أن تجمع على "صواحب" كضوارب ووقع لبعضهم صواحباتها وهي لغة قليلة.
"وإن قال كلما أو أيتكن حاضت إحداكن فضرائرها طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا" لأن حيض كل واحدة منهن صفة لطلاق البواقي ولكل واحدة ثلاث ضرائر وقد حضن فتطلق ثلاث تطليقات فإن كذبهن لم يطلق منهن شيء لأن قولهن غير مقبول في طلاق غيرهن "وإن صدق واحدة لم تطلق" لأنه ليس لها صاحبة ثبت حيضها "وطلق ضراتها طلقة طلقة" لأن لكل منهن صاحبة ثبت حيضها.
"وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة" لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة "وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين" لأن لكل واحدة منهما ضرتين مصدقتين.
"وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا" لأن لها ثلاث ضرائر ثبت حيضهن وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين لأن لكل واحدة ضرتين مصدقتين.
فرع: العتق المعلق بالحيض كذلك.

(7/316)


ـــــــ
تذنيب إذا قال لأربع أيتكن لم أطأها فضرائرها طوالق فإن قيده بوقت معين فمضى ولم يطأهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث موطوآت فإن وطىء ثلاثا وترك واحدة لم تطلق المتروكة لأنها ليس لها ضرة غير موطوءة وتطلق كل واحدة من الموطوآت طلقة طلقة وإن وطىء طلقتا طلقتين وإن أطلق تقيد بالعمر فإذا مات هو طلقن كلهن في آخر جزء من حياته وعنه: فيمن قال لعبيده أيكم أتاني بخبر كذا فهو حر فجاء به جماعة عتقوا ونقل حنبل أحدهم بقرعة فيتوجه مثله في نظائرها ذكرهما في "الإرشاد"

(7/317)


فصل في تعليقه بالحمل
إذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق فتبين أنها كانت حاملا تبينا وقوع الطلاق حين اليمين وإلا فلا.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالحمل
"إذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق فتبين أنها كانت حاملا تبينا وقوع الطلاق حين اليمين" بأن تلد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين فيقع الطلاق بوجود شرطه منذ حلف وكذا بينهما ولم يطأ "وإلا فلا" بأن تلد لأكثر من أربع سنين فإنها لا تطلق فإن ولدت بين المدتين وكان الزوج يطؤها فولدت لدون نصف سنة منذ وطئ وقع لعلمنا أنه ليس من الوطء وإن ولدته لأكثر منها فوجهان أصحهما لا تطلق لأن النكاح باق بيقين والظاهر حدوث الولد من الوطء لأن الأصل عدمه قبله ونصه يقع إن ظهر للنساء أو خفي فولدته لتسعة أشهر فأقل.

(7/317)


وإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فهي بالعكس ويحرم وطؤها قبل استبرائها في إحدى الروايتين إن كان الطلاق بائنا وإن قال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا.
ـــــــ
"وإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فهي بالعكس" فيما إذا كان الشرط عدميا فتطلق في كل موضع لا تطلق في المسألة: السابقة وعكسه بعكسه وفي "الكافي" كل موضع لا يقع ثمة يقع هنا وفيه وجهان أحدهما تطلق لأن الأصل عدم الحمل والثاني لا لأن الأصل بقاء النكاح.
"ويحرم وطؤها قبل استبرائها" في المسألتين "في إحدى الروايتين إن كان الطلاق بائنا" نص عليه لأنه يحتمل أن يكون شرط الطلاق حاصلا فيكون واطئا بائنا وشرط البينونة لأنه إذا كان رجعيا وقدر حصول الشرط يكون واطئا رجعية وهو حلال على المذهب وقال القاضي ولو رجعية مباحة منذ حلف وعنه: بظهور حمل.
ويكفي الاستبراء بحيضة ماضية أو موجودة نص عليه وقيل لا وذكره في "الترغيب" عن أصحابنا وعنه: تعتبر ثلاثة أقراء لأنها حرة أنهت العدة والصحيح الأول لأن المقصود معرفة براءة رحمها وذلك حاصل بحيضة لأن ما تعلم به البراءة في حق الأمة تعلم به في حق الحرة لأنه أمر حقيقي لا يختلف بالحرية والرق وأما العدة ففيها نوع تعبد وهل تعتد بالاستبراء قبل عقد اليمين أو بالحيضة التي حلف فيها على وجهين أصحهما الاعتداد به قاله في "الشرح" والثانية لا يحرم وطؤها لأن الأصل بقاء النكاح.
فرع: إذا قال إذا حملت لم يقع إلا بحمل متجدد ولا يطأ حتى تحيض ثم يطأ كل طهر مرة وعنه: يجوز أكثر
"وإن قال إن كنت حاملا بذكر فأنت طالق واحدة وإن كنت حاملا بأنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا" لوجود الصفة، واستحقا

(7/318)


وإن كان مكان قوله إن كنت حاملا إن كان حملك لم تطلق إذا كانت حاملا بهما.
ـــــــ
من وصيته وإن ولدت ذكرا فطلقة وإن كانا ذكرين فطلقة وقيل اثنتان وإن ولدت أنثى أو اثنتين فطلقتين وقال ابن حمدان تطلق بالاثنتين ثلاثا "وإن كان مكان قوله: "إن كنت حاملا" إن كان حملك" أو ما في بطنك "لم تطلق إذا كانت حاملا بهما" وهو قول أبي ثور لأن حملها كله ليس بغلام ولا جارية وقال القاضي في وقوع الطلاق وجهان بناء على الروايتين فيمن حلف لا لبست ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه.

(7/319)


فصل ففي تعليقه بالولادة
...
فصل في تعليقه بالولادة
إذا قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا ثم أنثى طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به ذكره أبو بكر.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالولادة
إذا علقه بها فألقت ما تصير به الأمة أم ولد وقع ويقبل قوله في عدم الولادة قال القاضي وأصحابه إن لم يقر بالحمل وإن شهد بها النساء وقع في ظاهر كلامه وقيل لا كمن حلف بطلاق ما غضب أو لا غضب فثبت ببينة ما لم تطلق في الأصح. "إذا قال إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكرا ثم أنثى" أو خنثى قاله في "الكافي" "طلقت بالأول" لأن شرطه ولادة ذكر وأنثى وقد وجد "وبانت بالثاني ولم تطلق به ذكره أبو بكر وصححه في "الكافي"

(7/319)


وقال ابن حامد تطلق به وإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين ولغا ما زاد وقال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما ولا فرق بين أن تلده حيا وميتا.
ـــــــ
و "الشرح" لأن العدة انقضت بوضعه فصادفها الطلاق بائنا كقوله إذا مت فأنت طالق. "وقال ابن حامد تطلق به" وأومأ إليه قاله في "المنتخب" لأن زمن البينونة زمن الوقوع فلا تنافي بينهما وفي "نكت المحرر" ويعايا بها على أصلنا إن الطلاق بعد الدخول ولا مانع والزوجان مكلفان لا عدة فيه ويقال طلاق بلا عوض دون الثلاث بعد الدخول في نكاح صحيح لا رجعة فيه فإن ولدتهما معا طلقت ثلاثا لوجود الشرطين وان سبق أحدهما بدون ستة أشهر وقع ما علق به وانقضت العدة بالثاني وإن كان بستة أشهر فالثاني من حمل مستأنف بلا خلاف فلا يمكن ادعاء أن تحبل بولد بعد ولد وفي الطلاق به وجهان إلا أن يقول لا تنقضي به عدة فيقع الثلاث وكذا في الأصح إن ألحقنا به لثبوت وطئه به فتثبت الرجعة على الأصح فيها واختار في "الترغيب" أن الحمل لا يدل على الوطء المحصل للرجعة.
"وإن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و "الفروع" لأن من وقع بها طلقتان فيقع بها واحدة "ولغا ما زاد" على المذهب لأنه مشكوك فيه والأصل بقاء النكاح ولا يزول عنه بالشك لكن الورع أن يلتزمها ذكره في "الشرح" "وقال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما" وأومأ إليه قال في "الفروع" وهو أظهر لأنه يحتمل كل واحد منهما احتمالا مساويا للآخر فيقرع بينهما كما لو أعتق أحد عبديه معينا ثم أنسيه.
"ولا فرق بين أن تلده حيا أو ميتا" لأن الشرط ولادة ذكر وأنثى وقد وجد ولأن العدة تنقضي به وتصير الجارية أم ولد فكذا هنا فلو قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة معا فثلاث وكذا إن لم يقل ولدا واختار المجد واحدة فإن قال أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق

(7/320)


ـــــــ
واحدة وإن كانت أنثى فاثنتين فولدتهما معا لم تطلق لأنه لا أول فيهما فإن ولدتهما دفعتين طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق إلا على قول ابن حامد.
تنبيه: إذا قال لأربع نسوة كلما ولدت إحداكن فضرائرها طوالق فولدن دفعة واحدة طلقن ثلاثا ثلاثا وإن ولدن متعاقبات طلقت الأولى والرابعة ثلاثا ثلاثا والثانية طلقة والثالثة طلقتين فلو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين على التعاقب طلقت بالأول وفرغت عدتها من الثاني ولم تطلق به في الأصح فإن كان بينهما نصف سنة فأكثر ودون أكثر مدة الحمل فهل يلحقه الثاني وتنقضي به العدة فيه وجهان.

(7/321)


فصل في تعليقه بالطلاق
إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالطلاق
"إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين" لأنها تطلق واحدة بقيامها وأخرى بالصفة لأن الصفة تطليقة لها وتعليقه لطلاقها بقيامها إذا اتصل به القيام تطليق لها فلو قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق وقعت واحدة بالمباشرة وأخرى بالصفة إن كانت مدخولا بها لأنه جعل تطليقها شرطا لوقوع طلاقها وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الثانية لأنه لا عدة عليها فإن قال عنيت بأنه يقع عليك ما باشرتك به دين وفي الحكم روايتان.

(7/321)


وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت واحدة وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت طلقتين وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب طلقت ثلاثا.
ـــــــ
فرع: إذا وكل من طلقها فهو كمباشرته لأن فعل الوكيل كموكله.
"وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت واحدة" لقيامها ولم تطلق بتعليق الطلاق لأنه لم يطلقها بعد ذلك لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع ووقوع الطلاق هنا بالقيام إنما هو وقوع بصفة سابقة لعقد الطلاق شرطا.
"وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين" واحدة بالقيام والثانية بوقوع الطلاق عليها إن كانت مدخولا بها لأن الطلاق الواقع بها طلاقه فقد وجدت الصفة وإن كان غير مدخول بها فواحدة "وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت طلقتين" إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة ولا تقع ثالثة لأن قوله كلما طلقتك تقتضي كلما أوقعت عليك الطلاق وهذا يقتضي تجديد إيقاع طلاق بعد هذا القول فلو قال لها بعد عقد الصفة إن خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى لأنه قد طلقها فلو قال كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق فهو كقوله كلما طلقتك فأنت طالق وذكر القاضي في هذا أنه إذا أوقع عليها طلاقه بصفة عقدها لم تطلق لأن ذلك ليس بإيقاع منه وفيه نظر فإنه قد أوقع عليها الطلاق بشرط فإذا وجد الشرط فهو الموقع للطلاق عليها.
"وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع عليها طلاقه بمباشرة أو سبب طلقت ثلاثا" لأنه إذا طلقها بمباشرة أو سبب طلقت واحدة فيصدق

(7/322)


وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال أنت طالق فلا نص فيها وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثا وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز ويلغو ما قبله.
ـــــــ
أنه وقع عليها طلاقه فتطلق أخرى بالصفة وتقع الثالثة لأن كلما للتكرار وفي "الكافي" و "الشرح" لأن الثانية طلقة واقعة عليها فتقع بها الثالثة.
"وإن قال كلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال أنت طالق فلا نص فيها" أي لم ينقل عن الإمام أحمد فيها شيء والصواب وقوع الطلاق لعمومات النصوص ولأن الله تعالى شرع الطلاق لمصلحة تتعلق به فلا يجوز إبطالها وفي القول بعدمها إبطال لها ولأنه طلاق من مكلف مختار في محل النكاح صحيح فيجب أن يقع كما لو لم يعقد هذه الصفة.
"وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثا" واختاره الجمهور ذكره في "الترغيب" وجزم به في "المستوعب" عن أصحابنا لأنه وصف المعلق بصفة فيستحيل وصفه بها فإنه يستحيل وقوعها بالشرط قبله فلغت صفتها بالقبلية وصار كأنه قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثلاثا قيل معا وقيل المعلق وقيل المنجز ثم تتمتها من المعلق لكن إذا كان المنجز أقل من ثلاث كملت من المعلق وإن كان ثلاثا لم يقع من المعلق شيء لأنه لم يصادف محلا. "وقال ابن عقيل تطلق بالطلاق المنجز" لأن المحل صالح له "ويلغو ما قبله" أي تعليقه باطل لأنه طلاق في زمن ماض أشبه قوله أنت طالق أمس ولأنه لو وقع المعلق لمنع وقوع المنجز فإذا لم يقع المنجز بطل شرط المعلق فاستحال وقوع المعلق ولا استحالة في وقوع المنجز فيقع وقيل لا يقع شيء.
أما المنجز فلأنه لو وقع لوقع ثلاث قبله لوجود الشرط ولو كان كذلك لما وقع إذ لا مزيد على الثلاث فلزم من وقوعه عدم وقوعه فلم يقع وأما المعلق فإنه إذا

(7/323)


وإن قال لأربع نسوة أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلقن ثلاثا ثلاثا.
ـــــــ
لم يقع المنجز لم يوجد الشرط وهذا ما صححه الأكثرون من الشافعية وحكاه بعضهم عن النص وقاله الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين والقفال شيخ المراوزة قال في المهمات فكيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين ونصر في "الشرح" الأول وأكده بقوله إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد ما يفسخ النكاح من رضاع أو ردة فإنه يرد على ابن سريج فيها ولا خلاف في انفساخ النكاح قال القاضي ما ذكروه ذريعة إلى أنه لا يقع عليها الطلاق جملة ولو قال لزوجته الأمة إذا ملكتك فأنت طالق ثلاثا ثم ملكها طلقت في الاقيس وفي "المحرر" لا تطلق وجها واحدا.
تنبيه: إذا قال كلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة إلا أن تكون الطلقة بعوض أو غير مدخول بها فلا تقع ثانية وإن طلقها ثنتين طلقت الثالثة نصره في "الشرح" وهو الأصح وإن قال كلما طلقت ضرتك فأنت طالق ثم قال مثله للضرة ثم طلق الأولة طلقت الضرة طلقة بالصفة والأولة طلقتين بالمباشرة ووقوعه بالضرة تطليق لأنه أحدث فيها طلاقا بتعليقه طلاقها بائنا وإن طلق الثانية فقط طلقتا طلقة طلقة.
"وإن قال لأربع نسوة أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلقن ثلاثا ثلاثا" لأنه إذا وقع طلاقه على واحدة وقع على صواحبها ووقوعه على واحدة منهن يقتضي وقوعه على صواحبها فيتسلسل الوقوع عليهن إلى أن تكمل الثلاث بكل واحدة.
فرع: لو كان له ثلاث نسوة فقال إن طلقت زينب فعمرة طالق وإن طلقت عمرة فحفصة طالق وإن طلقت حفصة فزينب طالق ثم طلق زينب طلقت عمرة ولم تطلق حفصة وإن طلق عمرة طلقت حفصة ولم تطلق زينب وإن طلق حفصة طلقت زينب ثم طلق عمرة وقع الطلاق

(7/324)


وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلقهن جميعا عتق خمسة عشر عبدا وقيل عشرة ويحتمل ألا يعتق إلا أربعة إلا أن تكون له نية.
ـــــــ
بالثلاث لأنه أحدث في زينب طلاقا بعد تعليقه طلاق عمرة بطلاقها.
"وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلقهن جميعا" مجتمعات أو متفرقات "عتق خمسة عشر عبدا" هذا هو الأصح لأن فيهن أربع صفات هن أربع فيعتق أربعة وهن أربعة آحاد فيعتق أربعة أيضا وهن اثنتان واثنتان فيعتق كذلك وفيهن ثلاث فيعتق بذلك ثلاث وإن شئت قلت يعتق بالواحدة واحد وبالثانية ثلاثة لأن فيها صفتين هي واحدة وهي مع الأولى اثنتان ويعتق بالثالثة أربعة لأنها واحدة وهي مع الأولى والثانية ثلاث ويعتق بالرابعة سبعة لأن فيها ثلاث صفات هي واحدة وهي مع الثانية اثنتان وهي مع الثلاث التي قبلها أربع قال في "المغني" وهذا أولى من الأول لأن قائله لا يعتبر صفة الطلاق الواحدة في غير الأولى ولا صفة التثنية في الثالثة والرابعة.
"وقيل عشرة" بالواحدة واحد وبالثانية اثنان وبالثالثة ثلاثة وبالرابعة أربعة وقيل يعتق سبعة عشر لأن صفة التثنية قد وجدت ثلاث مرات فإنها توجد فيضم الأولى إلى الثانية ويضم الثانية إلى الثالثة ويضم الثالثة إلى الرابعة وقيل عشرون لأن صفة الثلاثة وجدت مرة ثانية بضمه الثانية والثالثة إلى الرابعة وردهما في "المغني" و "الشرح" بأن كلا منهما غير سديد.
"ويحتمل ألا يعتق إلا أربعة" واختاره في "الرعاية" إن طلقن معا كقوله كلما اعتقت أربعة فأربعة أحرار لأن هذا الذي يسبق إلى أذهان العامة وهذا مع الإطلاق "إلا أن تكون له نية" فيعمل بها لأن مثل ذلك لا يراد منه عرفا غير ذلك ومتى لم يعين العبيد المعتقين أخرجوا بالقرعة والأول أصح قاله في

(7/325)


وإن قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين فإن قال أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول دين وهل يقبل في الحكم على روايتين.
ـــــــ
المغني لأن كلما تقتضي التكرار والصفات المتقدمة متكررة فيجب أن يتكرر الطلاق بتكرر الصفات فلو جعل مكانها إن لم يتكرر لعدم تكرارها ولم يعتق سوى عشرة كالقول الثاني.
تنبيه: لو قال كلما صليت ركعة فعبدي حر وهكذا إلى آخره فصلى عشرة عتق سبعة وثمانون عبدا على الأول ولو علق طلاقها بدخول الدار على صفات أربع بأن قال إن دخلها رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان حران وإن دخلها أسود فثلاثة أحرار وإن دخلها فقيه فأربعة أحرار فدخلها رجل متصف بما ذكرنا عتق عشرة.
فرع: إذا قال إن طلقتك فعبدي حر ثم قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق فقام طلقت وعتق ولو قال لعبده إن قمت فامرأتي طالق ثم قال لامرأته إن طلقتك فعبدي حر فقام العبد طلقت ولم يعتق العبد لأن وقوع الطلاق بالصفة إنما يكون تطليقا مع وجودها.
"وإن قال لامرأته إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين" لأنه علق طلاقها بصفتين مجيء طلاقه ومجيء كتابه وقد اجتمعتا في مجيء الكتاب وفي "الكافي" إذا ذهبت حواشيه أو انمحى كل ما فيه إلا ذكر الطلاق طلقت لأنه أتاها كتابه مشتملا على المقصود فإن انمحى ذكر الطلاق أو ضاع الكتاب لم تطلق لأن المقصود لم يأت.
"وإن قال أردت أنك طالق بذلك الطلاق الأول دين" لأنه محتمل وهو أعلم بإرادته "وهل يقبل في الحكم على روايتين" كذا في "الفروع" أشهرهما القبول لما ذكرنا والثانية لا يقبل لأنه خلاف الظاهر فلو علق طلاقها على قراءة الكتاب فقرأته أو قرئ عليها وقع إن كانت أمية وإن كانت

(7/326)


ـــــــ
قارئة فوجهان قاله في "الترغيب" و "الرعاية" قال أحمد لا تتزوج حتى يشهد عندها شاهدا عدل لا حامل الكتاب وحده.

(7/327)


فصل في تعليقه بالحلف
إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق قمت أو دخلت الدار طلقت في الحال وإن قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فهل هو حلف فيه وجهان
ـــــــ
فصل في تعليقه بالحلف
"إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن قمت أو دخلت الدار" أو إن لم تدخلي الدار أو إن لم يكن هذا القول حقا "طلقت في الحال" لأنه حلف بطلاقها وكذا كل شرط فيه حث أو منع والأصح أو تصديق خبر أو تكذيبه وعلم منه أن كل شرط ممكن الوجود ممكن العدم يقع به الطلاق واستثنى جماعة ثلاث صور أحدها تعليقه على المشيئة لأن ذلك تمليك لا حلف الثاني تعليقه على الحيض لأنه تعليق بدعة الثالث تعليقه على الطهر لأنه طلاق سنة وأبى آخرون استثناءها ذكره الشيخ تقي الدين واختار العمل بعرف المتكلم وقصده في مسمى اليمين وأنه موجب أصول أحمد ونصوصه.
"وإن قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فهل هو حلف فيه وجهان" أحدهما لا تطلق حتى تطلع الشمس أو يقدم الحاج قاله القاضي في "المحرر" واختاره ابن عقيل وقدمه في "المحرر" و "الفروع" لأن الحلف ما قصد به المنع من شيء أو الحث عليه وليس فيهما شيء من ذلك والثاني:

(7/327)


وإن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو قال إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة وإن أعاده ثلاثا طلقت ثلاثا وإن قال لامرأتيه إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقة وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فأعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما.
ـــــــ
أنه حلف قاله القاضي في "الجامع" وأبو الخطاب وقدمه السامري لأنه علق على شرط ويسمى حلفا عرفا فتعلق الحكم به كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ولأن في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب أشبه قوله والله وبالله
وتالله.
"وإن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو قال إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة" لأنه حلف بطلاقها لكن لو قصد بإعادته إفهامها لم يقع ذكره أصحابنا بخلاف ما لو أعاده من علقه بالكلام وأخطأ بعض أصحابنا وقال فيها كالأولى ذكره في "الفنون" "وإن أعاده ثلاثا" أي غير المرة الأولى "طلقت ثلاثا" وحاصله أنه إذا أعاده ثلاثا طلقت اثنتين وإن أعاده أربعا طلقت ثلاثا لأن كل مرة يوجد فيها شرط الطلاق وينعقد شرط لطلقة أخرى هذا إذا كانت مدخولا بها وإلا بانت بالأولة.
"وإن قال لامرأتيه إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقة" لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما وقد وجد وإن أعاده ثلاثا طلقتا طلقتين وإن أعاده أربعا فثلاث لوجود الشرط وهو الحلف.
"وإن كانت إحداهما غير مدخول بها وأعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما" لأن شرط طلاقهما الحلف بطلاقهما ولم يوجد المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها لأنها بائن فإن جدد نكاح البائن ثم قال لها إن كلمتك فأنت طالق فاختار المؤلف أنه لا تطلق وهو معنى كلامه في "الكافي" أنه لا يصح الحلف بطلاقها لأن الصفة لم تنعقد لأنها بائن وكذا جزم به في "الترغيب" أنه

(7/328)


وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقتين وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة طلقت وإن قال لإحداهما إذا حلفت طلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى.
ـــــــ
لا يصح التعليق بعد البينونة وإنما عللوا بذلك أن ما يقع به الطلاق لا تنعقد به الصفة كمسألة: الولادة في الأشهر وقيل تطلقان لأنه صار بهذا حالفا بطلاقهما وقد حلف بطلاق المدخول بها بإعادة قوله فطلقتا حينئذ.
"وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاده ثانيا طلقت كل واحدة طلقتين" لأنه بإعادته حالف بطلاق كل واحدة منهما وهو شرط لطلاقهما وكلمة "كلما" للتكرار فيتكرر طلاقهما لتكرر عددهما "وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة طلقة" لأن حلفه بطلاق واحدة طلاقها وحدها وما حلف بطلاقها إلا مرة فتطلق واحدة.
"وإن قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى" لأن التعليق حلف وقد علق طلاق ضرتها فتطلق الأولى لوجود شرط طلاقها وهو تعليق طلاق ضرتها "وإن أعاده للأولى طلقت الأخرى" لأن ذلك تعليق لطلاقها وكلما أعاده لامرأة طلقت الأخرى إلى أن يبلغ ثلاثا وإن كانت إحداهما غير مدخول بها فطلقت مرة لم تطلق الأخرى لأنه ليس حلفا بطلاقها لكونها بائنا فلو قال كلما حلفت بطلاقكما فإحداكما طالق وكرره ثلاثا أو أكثر لم يقع شيء ذكره في "المحرر" و "الرعاية" و "الفروع" لأن هذا حلف طلاق واحدة ولم يوجد الحلف بطلاقهما وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فإحداكما طالق ثم قاله ثانيا وقعت بإحداهما طلقة وتعين بقرعة ذكره الأصحاب.
مسائل: إذا قال إن حلفت بطلاق زينب فنسائي طوالق ثم قال: إن حلفت

(7/329)


ـــــــ
بطلاق عمرة فنسائي طوالق وإن حلفت بطلاق حفصة فنسائي طوالق طلقت كل واحدة طلقتين فلو قال كلما حلفت لطلاق واحدة منكن فأنتن طوالق ثم قال ذلك مرة ثانية طلقن ثلاثا ثلاثا ولو كان مكان "كلما" "إن" وأعاده طلقن واحدة واحدة وإن قال بعد ذلك لإحداهن إن قمت فأنت طالق طلقت كل واحدة طلقة أخرى وإن قال كلما حلفت بطلاقكن فأنتن طوالق ثم أعاد ذلك طلقت كل واحدة طلقة وإن قال بعد ذلك لإحداهن إن قمت فأنت طالق لم تطلق واحدة منهن وإن قال ذلك للاثنتين الباقيتين طلق الجميع طلقة طلقة.

(7/330)


فصل في تعليقه بالكلام
إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك أو زجرها فقال تنحي أو سكتي أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت ويحتمل أن لايحنث بالكلام المتصل بيمينه لأن إتيانه به يدل على إرادته الكلام المنفصل عنها
ـــــــ
فصل في تعليقه بالكلام
"إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك أو زجرها فقال تنحي أو اسكتي أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت" لأنه علق طلاقها على كلامها وقد وجد لأن قوله تحققي وتنحي واسكتي وإن قمت فأنت طالق كلام لها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما "ويحتمل ألا يحنث بالكلام المتصل بيمينه" وعلله بقوله "لأن إتيانه به يدل على إرادته الكلام المنفصل عنها" لأن القرينة تصرف عموم اللفظ إلى خصوصه إذ قرينة الحال تجعل المطلق كالمقيد بالمقال وإن سمعها تذكره فقال الكاذب عليه لعنة الله

(7/330)


وإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقال إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه
إلا أن ينوي ويحتمل أن يحنث ببداءته إياها بالكلام في وقت آخر لأن الظاهر أنه أراد ذلك بيمينه وإن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته أو كاتبته أو راسلته حنث.
ـــــــ
حنث نص عليه لأنه كلمها.
فرع: إذا قال إن كلمتك فأنت طالق إن قمت فأنت طالق طلقت في الحال طلقة وأخرى بالقيام إن كان دخل بها فلو قال إن كلمتك فأنت طالق وأعاده ثانية فواحدة وإن ثالثا فثانية وإن رابعا فثالثة فتبين غير المدخول بها بطلقة ولا ينعقد ما بعدها ذكر القاضي وجزم به في "المغني" وقدمه في "المحرر" ثم قال الثانية بحيث إذا تزوجها وكلمها طلقت إلا على قول التميمي تحل الصفة مع البينونة فإنها قد انحلت بالثالثة لأنه قد كلمها ولا يجيء مثله في الحلف بالطلاق لأنه لا ينعقد لعدم إمكان إيقاعه قال في "الفروع" ويتوجه أنه لا فرق بينها وبين مسألة: الحلف السابقة.
"وإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه" في الأصح لأنها كلمته فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء "إلا أن ينوي" أنه لا يبدؤها في مرة أخرى وبقيت يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها وإن بدأته هي عتق عبدها ذكره الأصحاب "ويحتمل أن يحنث ببداءته إياها بالكلام في وقت آخر" وعلله بقوله "لأن الظاهر أنه أراد ذلك بيمينه" لأن الحلف بمثل ذلك يفهم منه قصد هجران بداءته كلامها وذلك يقتضي تعميم البداءة في المجلس وغيره.
"وإن قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله وغفلته" أو لفظه أو ذهوله حنث نص عليه لأنها كلمته وإنما لم يسمع لشغل قلبه وغفلته "أو كاتبته أو راسلته حنث" لأن الكلام يطلق ويراد به

(7/331)


وإن أشارت إليه احتمل وجهين وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنونا يسمع كلامها حنث وقيل لايحنث.
ـــــــ
ذلك بدليل صحة استثنائه منه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [الشورى: من الآية51] لأن القصد بيمينه هجرانه ولا يحصل ذلك مع مواصلته بالكتابة والرسل إلا أن يكون قصد أن تشافهه نص عليه ويحتمل ألا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك لأن هذا ليس بكلام حقيقة بدليل الحلف بالله.
فرع: إذا أرسلت إنسانا ليسأل أهل العلم عن حديث أو مسألة فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث.
"وإن أشارت إليه" برمز "احتمل وجهين" كذا في "الفروع" أولاهما لا تطلق لأنه لم يوجد الكلام والثاني بلى لأنه يحصل به مقصود الكلام.
"وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنونا يسمع كلامها حنث" لأن الطلاق معلق على الكلام وقد وجد فإن كان السكران أو المجنون مصروعا لم يحنث وكذا إذا كانا لا يعلم واحد منهما أنها تكلمه والمجنون إذا لم يسمع كلامها صرح به في "المغني" في الآخرين وقيل لا يحنث اختاره القاضي وغيره لأن السكران والمجنون لا عقل لهما والأصم لا سمع له فلم يحنث بكلامها وقيل لا السكران.
فرع: إذا جنت هي وكلمته لم يحنث لأن القلم رفع عنها وإن كلمته سكرانة فقال في "الشرح" يحنث لأن حكمها حكم الصاحي وإن كلمت صبيا يسمع ويعلم أنها تتكلم حنث وكذا إن سلمت عليه لأنه كلام فإن كان تسليم الصلاة فلا حنث لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه على المأمومين فيكون كما لو سلم عليهم في غير الصلاة ويحتمل لا حنث بحال لأن هذا يعد تكليما ولا يريده الحالف.

(7/332)


وإن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث وقال أبو بكر يحنث وإن قال لامرأته إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة واحدا منهما طلقتا ويحتمل أن لايحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما.
ـــــــ
"وإن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليها أو نائما لم يحنث" في الأصح لأن التكلم فعل يتعدى المتكلم وقيل هو مأخوذ من الكلم وهو الجرح لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ولا يكون ذلك إلا باستماعه "وقال أبو بكر" وحكاه رواية "يحنث" لأن إشعاره معتبر لقوله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها وجوابه بأن تكليمه لهم كانت من معجزاته عليه السلام فإنه قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولم يثبت هذا لغيره مع أن قول الصحابة له حجة لنا فإنهم قالوا ذلك استبعادا وسؤالا عما خفي عليهم سببه حتى كشف لهم حكمة ذلك بأمر مختص به فبقي الأمر فيمن سواه على النفي.
تتمة: إذا حلف لا يكلم إنسانا فكلم غيره وهو يسمع يقصد بذلك إسماعه كما يقال إياك أعني واسمعي يا جارة حنث نص عليه وعنه: لا كنية غيره والأول أصح لأنه أسمعه كلامه يريده به أشبه ما لو خاطبه به ولأن مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه وإن حلف لا يكلم امرأته فجامعها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها.
فرع: إذا حلف لا يقرأ كتاب زيد فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس إلا أن ينوي حقيقة القراءة.
"وإن قال لامرأتيه إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان" وقلنا لا يحنث ببعض المحلوف عليه "فكلمت كل واحدة واحدا منهما طلقتا" لأن تكليمهما وجد منهما وكما لو قال إن ركبتما هاتين الدابتين فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة دابة "ويحتمل ألا يحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما" لأنه علق طلاقهما بكلامه لهما فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها كقوله:

(7/333)


وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق فنهاها فخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة ويحتمل أن تطلق وقال أبو الخطاب إن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي حنث.
ـــــــ
إن كلمتما زيدا وكلمتما عمرا وهذا أظهر الوجهين وهو أولى إن شاء الله تعالى إذا لم يكن له نية قال في "المغني" هذا معنى الخلاف فيما لو تجر العادة بانفراد الواحدة به فأما ما جرى العرف فيه بانفراد الواحدة به كلبس ثوبيهما وتقليد سيفيهما ونحوه لأن اليمين تحمل على العرف فأما إن قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأكلت كل واحدة منهما رغيفا فإنه يحنث لأنه يستحيل أن تأكل واحدة منهما الرغيفين.
مسألة: إذا قال لا اختلفا هذا الخبز وهذا اللحم فكقوله لا أكلتهما هل يحنث بأحدهما فيه وجهان وكذا لو قال ولا هذا اللحم وقيل يحنث كما لو قال لا آكل شيئا منهما.
"وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق فنهاها فخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة" وهو المذهب لأنها خالفت نهيه لا أمره ولأنه يحنث إذا نوى مطلق المخالفة بغير خلاف لأن مخالفة النهي مخالفة ويحتمل أن تطلق قدمه في "الرعاية" لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده فإذا تكون خالفت أمره.
"وقال أبو الخطاب إن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي حنث" لأنه إذا كانت كذلك فإنما يريد نفي المخالفة فلو قال إن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطها شيئا من مالي لم يحنث لأنه نفع محرم فلا يتناوله يمينه وقيل يحنث لأن لفظه عام.
فرع: إذا قال أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد لأنها حال من الجملة الأولى وقال القاضي تطلق بكلام زيد لأن الجملة الثانية استئناف لا تعلق لها بالأولى،

(7/334)


ـــــــ
والأول أصح كما لو تقدم الشرط ولأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى فلو قال أنت طالق إن كلمت زيد إلى أن يقدم فلان فكلمته قبل قدومه طلقت وإلا فلا لأن الغاية رجعت إلى الكلام لا إلى الطلاق بخلاف ما لو قدم الشرط فإنها تطلق بكلامه قبل قدوم فلان أو بعده لأن الغاية عادت إلى الطلاق والطلاق لا يرتفع بعده وقوعه.

(7/335)


فصل في تعليقه بالإذن
...
فصل في تعليقه بالمشيئة
إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت سواء شاءت على الفور أو التراخي ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالمشيئة
"إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت" أو أي وقت شئت "لم تطلق حتى تقول قد شئت" لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم تطلق ولو شاءت وهي كارهة طلقت اعتبارا بالنطق ولو رجع قبل مشيئتها لم يصح رجوعه على الأصح كبقية التعليق "سواء شاءت على الفور أو التراخي" نص عليه في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وقاله الزهري وقتادة لأنه تعليق للطلاق على شرط أشبه سائر التعليقات ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة فكان على التراخي كالعتق "ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار" وهو قول الحسن وعطاء لأنه تمليك للطلاق فكان على الفور كاختاري والأول أصح وفرق بينهما في "المغني" و "الشرح" من حيث إن

(7/335)


وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت ويحتمل ألا تطلق وقال ن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت تريد الحمام وغيره طلقت وإن خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره طلقت ويحتمل ألا تطلق.
ـــــــ
القاضي وجعل المستثنى محلوفا عليه.
"وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت" نص عليه لأن الإذن هو الإعلام مع أن إذن الشارع وأوامره ونواهيه لا يثبت حكمها إلا بعد العلم بها وكذا إذن الآدمي ولأنها قصدت بخروجها مخالفته وعصيانه أشبه ما لولم يأذن لها في الباطن لأن العبرة بالقصد لا بحقيقة الحال "ويحتمل ألا تطلق" قدمه الحلواني لأنه يقال أذن لها ولم يعلم به وإن أذن لها في الخروج فلم تخرج حتى نهاها عنه ثم خرجت فوجهان أحدهما لا يحنث لأنه قد أذن لها والثاني بلى لأن هذا الخروج جرى مجرى خروج ثان وهو محتاج إلى إذن.
فرع: إذا قال كنت أذنت لك قبل ببينة ويحتمل الاكتفاء بعلمه للبينة.
"وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت تريد الحمام وغيره طلقت" في الأشهر لأنها خرجت إلى غير الحمام وانضم إليه غيره فحنث كما لو حلف لا يكلم زيدا فكلم زيدا وعمرا والوجه الثاني لا لأنها ما خرجت الحمام بل الخروج مشترك وظاهره أنها إذا خرجت الحمام أنها تطلق سواء عدلت إلى الحمام أو لا.
"وإن خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره طلقت" هذا ظاهر ما روي عن أحمد وهو قياس المذهب لأن ظاهر هذه المنع من غير الحمام فكيفما صارت إليه حنث كما لو خالف في لفظه "ويحتمل ألا تطلق" أطلق في "المحرر" الخلاف لأنها لم تفعل ما حلف عليه إذ هو عبارة عن الخروج إلى غير الحمام ولم يوجد.

(7/336)


ـــــــ
مسألة: قال أحمد في رجل حلف بالطلاق ألا يأتي أرمينية إلا بإذن امرأته فقالت امرأته اذهب حيث شئت فقال لا حتى تقول إلى أرمينية قال القاضي هذا من كلام أحمد محمول على أن هذا خرج مخرج الغضب والكراهة ولو قالت هذا بطيب قلبها كان إذنا منها وله الخروج وإن كان بلفظ عام.

(7/337)


فصل في تعليقه بالمشيئة
إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت سواء شاءت على الفور أو التراخي ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار.
ـــــــ
فصل في تعليقه بالمشيئة
"إذا قال أنت طالق إن شئت أو كيف شئت أو حيث شئت أو متى شئت" أو أي وقت شئت "لم تطلق حتى تقول قد شئت" لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان فيتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم تطلق ولو شاءت وهي كارهة طلقت اعتبارا بالنطق ولو رجع قبل مشيئتها لم يصح رجوعه على الأصح كبقية التعليق "سواء شاءت على الفور أو التراخي" نص عليه في تعليق الطلاق بمشيئة فلان وقاله الزهري وقتادة لأنه تعليق للطلاق على شرط أشبه سائر التعليقات ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة فكان على التراخي كالعتق "ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار" وهو قول الحسن وعطاء لأنه تمليك للطلاق فكان على الفور كاختاري والأول أصح وفرق بينهما في "المغني" و "الشرح" من حيث إن

(7/337)


وأن قال أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شئت فقال قد شئت لم تطلق وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا .
ـــــــ
"اختاري" ليس شرط وإنما هو تخيير محض فيتقيد بالمجلس كخيار المجلس بخلاف المشيئة فإنها هنا شرط فوجب حملها على "إن" فإن قيد المشيئة بوقت تقيد به.
"وإن قال أنت طالق إن شئت فقالت قد شئت إن شئت فقال قد شئت لم تطلق" نص عليه لأنه لم يوجد منها مشيئة وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط وليس بمشيئة لا يقال إذا وجد الشرط يجب أن يوجد مشروطه لأن المشيئة أمر حقيقي فلا يصح تعليقها على شرط ووجه الملازمة إذا صح التعليق وكذا إن قالت قد شئت إن طلعت الشمس نص عليه وهو قول سائر الفقهاء وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه.
"وإن قال أنت طالق إن شئت وشاء أبوك لم تطلق حتى يشاءا" لأن الصفة بمشيئتهما فلا تطلق بمشيئة أحدهما لعدم وجود الشرط وخرج القاضي أنها تطلق بمشيئة أحدهما كفعل بعض المحلوف عليه وعلى الأول كيف شاءا طلقت فإن شاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي وقع لأن المشيئة وجدت منهما جميعا.
فروع: إذا قال إذا ضاجعتك على فراش فأنت طالق فاضطجعت هي معه فقام لوقته لم يحنث وإلا حنث.
ولو اختصم رجلان فقال أحدهما للآخر زوجة السفلة بكسر السين مع إسكان الفاء منا طالق فقال الآخر نعم قال أحمد السفلة الذي لا يبالي بما قال ولا ما قيل فيه وقال في رواية عبد الله هو الذي يدخل الحمام بلا مئزر ولا يبالي على أي معصية رئي.
إذا حلف بالطلاق ليفعلن محرما في وقت معين لم يحل له فعله وتطلق،

(7/338)


وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق وإن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه وإن كان صبيا يعقل المشيئة فشاء طلقت وإلا فلا وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت.
ـــــــ
نص عليه فيمن حلف بالطلاق ليطأن زوجته في وقت بعينه فإذا هي حائض قال لا يطؤها وتطلق فإن فعله فقد عصى الله ولم تطلق وإن لم يعين وقتا لفعله لم يحنث إلا في آخر وقت الإمكان.
"وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق" اختاره ابن حامد لأن شرط الطلاق لم يوجد وقال أبو بكر يقع لأنه علقه على شرط تعذر الوقوف عليه فوقع كقوله أنت طالق إن شاء الله تعالى وليس بصحيح لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كالمعلق على دخول الدار وعلم منه أنه إذا شاء وهو مجنون لا يقع طلاقه لأنه لا حكم لكلامه ويستثنى منه أنه إذا فهمت إشارة أخرس فهي كنطقه وقيل إن خرس بعد يمينه فلا وإن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه قاله أصحابنا لأن قوله قد شئت يترتب عليه وقوع الطلاق فوجب كونه بمنزلة نفس الطلاق قال في "المغني" والصحيح أنه لا يقع لأنه زائل العقل أشبه المجنون ثم الفرق بين إيقاع طلاقه وبين المشيئة أن إيقاعه عليه تغليظ عليه لئلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه وهنا إنما يقع الطلاق بغيره فلا يصح منه في حال زوال عقله "وإن كان صبيا" أي مميزا قاله في "الكافي" وغيره "يعقل المشيئة فشاء طلقت" لأن له مشيئة بدليل صحة اختياره لأحد أبويه والثانية لا لأن شرطه التكليف "وإلا فلا" أي إذا كان صبيا لا يعقل المشيئة لم تطلق كالمجنون.
"وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت" في الحال لأنه أوقع الطلاق وعلقه بشرط ولم يوجد وقيل في آخر حياته وقيل يتبين حنثه منذ حلف.

(7/339)


وإن قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء ثلاثا فشاء ثلاثا طلقت ثلاثا في أحد الوجهين وفي الآخر لا تطلق وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق.
ـــــــ
فرع: إذا قال أنت طالق وعبدي حر إن شاء زيد ولاينه فشاءهما ونقل أبو طالب أو تعذر بموت ونحوه اختاره أبو بكر وابن عقيل وحكي عنه أو غاب وقعا.
"وإن قال أنت طالق واحدة إلا أن يشاء ثلاثا فشاء ثلاثا طلقت ثلاثا في أحد الوجهين" وكذا عكسه قدمه في "الكافي" و "الرعاية" و "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك كما لو قال له علي درهم إلا أن يقيم بينة بثلاثة وخذ درهما إلا أن يريد أكثر منه.
"وفي الآخر لا تطلق" لأن الاستثناء من الإثبات نفي ولأنه علق وقوع الواحدة على عدم مشيئتها الثلاث ولم يوقع بمشيئتها شيئا أشبه قوله إلا أن يشاء زيد فأما إذا لم يشأ زيد أو شاء أقل من ثلاث فواحدة.
"وإن قال أنت طالق إن شاء الله طلقت وإن قال لأمته أنت حرة إن شاء الله عتقت" نص عليه وفي "زاد المسير" لا تختلف الرواية فيه وهو قول سعيد والحسن ومكحول وقتادة والزهري والأوزاعي لما روى أبو حمزة قال سمعت ابن عباس يقول إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهي طالق رواه أبو حفص وروى ابن عمر وأبو سعيد قالا كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في الطلاق والعتاق ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق حالا ومآلا فلم يصح كاستثناء الكل ولأنه تعليق على ما لا سبيل إلى علمه أشبه تعليقه على المستحيل.
"وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق" وعلله أحمد بأن العتق لله تعالى والطلاق ليس هو لله ولا فيه قربة إليه ولأنه لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو

(7/340)


وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت وإن قال إن لم يشأ الله فعلى وجهين.
ـــــــ
حر فهذا تعليق للحرية على الملك وهو صحيح ولأن نذر العتق يلزم الوفاء به بخلاف الطلاق فافترقا قال في "المحرر" ولا يصح عن أحمد التفرقة بينهما لكن حكاها أبو حامد الإسفراييني قال أبو الخطاب في "الانتصار" ولقد أبطل في حكاية ذلك عنه وعكس في "الترغيب" هذه الرواية وقال يا طالق إن شاء الله تعالى أولى بالوقوع وعنه: لا يقعان اختاره أكثر العلماء كما لو علقه على مشيئة زيد ولقوله عليه السلام: "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه من حديث ابن عمر وإسناده ثقات قال الشيخ تقي الدين ويكون معناه هي طالق إن شاء الله الطلاق بعد هذا والله لا يشاؤه إلا بتكلمه به.
والجواب عنه: أن الطلاق والعتاق ليسا من الإيمان قاله أحمد وإن سمي بذلك فمجاز ثم إن الطلاق إنما يسمى يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه ومجرد قوله أنت طالق ليس بيمين حقيقة ولا مجازا وكذا إذا قدم الاستثناء كقصده تأكيد الإيقاع وذكر الخرقي أن أكثر الروايات عن أحمد توقف عن الجواب عنها.
"وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله طلقت" في المنصوص لأنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم قال أحمد قال قتادة قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه قال ابن حمدان ويحتمل ألا تطلق كالأول.
"وإن قال إن لم يشاء الله" أو ما لم يشاء الله "فعلى وجهين" أحدهما تطلق قدمه في "الكافي" وصححه في "الفروع" لتضاد الشرط والجزاء فلغا تعليقه بخلاف المستحيل والثاني لا لأنه بمنزلة تعليقه الطلاق على المحال كقوله إن جمعت بين الضدين أو شربت ماء الكوز ولا ماء فيه قال في "الرعاية" وكذا العتق.

(7/341)


وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فدخلت فهل تطلق على روايتين وإن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته طلقت في الحال وإن قال أردت الشرط دين وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق.
ـــــــ
"وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق" أو حرة "إن شاء الله فدخلت فهل تطلق على روايتين" إحداهما تطلق قدمه في "الرعاية" لما تقدم والثانية لا لأن الطلاق المعلق بشرط يمين فيدخل في عموم الخبر وفارق إذا لم يعلقه فإنه ليس بيمين فلا يدخل في العموم قال في "المحرر" و "الفروع" إلا أن ينوي رد المشيئة إلى الفعل فلا تطلق كقوله أنت طالق لا فعلت أو لأفعلن إن شاء الله وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق فقط ففيه الخلاف وإن لم تعلم نيته والظاهر رجوعه إلى الفعل.
غريبة: إذا قال أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله فتزوجها لم تطلق وإن قال أنت حر يوم أشتريك إن شاء الله فاشتراه عتق.
"وإن قال أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته" أو لدخول الدار "طلقت في الحال" لأن معناه أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه وذلك كقوله هو حر لوجه الله أو لرضى الله بخلاف قوله: لقدوم زيد.
"وإن قال أردت الشرط" فيما ظاهره التعليل "دين" لأنه أعلم بمراده وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين أصحهما يقبل لأن ذلك يستعمل للشرط كقوله أنت طالق للسنة والثانية لا وجزم به في "الوجيز" لأنه خلاف الظاهر.
فرع: إذا قال إن رضي أبوك فأنت طالق فقال ما رضيت ثم قال رضيت وقع لأنه مطلق وكان متراخيا ذكره في "الفنون" وإن قوما قالوا ينقطع بالأول.
"وإن قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار" أو تبغضين الجنة "فأنت

(7/342)


أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه فقد توقف أحمد وقال القاضي تطلق والأولى أنها لا تطلق إذا كانت كاذبة.
ـــــــ
طالق أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فقالت أنا أحبه فقد توقف أحمد عنها" لتعارض الأدلة عنده وسئل عنها فلم يجب فيها بشيء "وقال القاضي تطلق" قدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" وفي "الفنون" هو مذهبنا لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من اللفظ فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به صادقة أو كاذبة كالمشيئة.
"والأولى أنها لا تطلق إذا كانت كاذبة" وهو المذهب وقاله أبو ثور لأن المحبة في القلب ولا توجد من أحد محبة ذلك وخبرها بالمحبة كاذب لا يلتفت إليه واختار في "الفنون" أنها لا تطلق لاستحالته عادة كقوله إن كنت تعتقدين أن الجمل يدخل في خرم الإبرة فأنت طالق فقالت أعتقده فإن عاقلا لا يجوز فضلا عن اعتقاده ثم إن قال كذبت لم تطلق وهي يعتبر نطقها أو تطلق بإقرار الزوج فيه احتمالان وقيل لا تطلق إن لم يقل بقلبك.
فرع: إذا قال إن كنت تحبين زيدا أو تبغضيني فأنت طالق فأخبرته به طلقت وإن كانت كاذبة فإذا قال أنت طالق إن أحببت أو إن أردت أو إن كرهت احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها كالمشيئة واحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ويكون اللسان دليلا عليه فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده طلقت ولو أخبرت به ثم قالت كنت كاذبة لم تطلق ذكره في "الشرح".
فرع: إذا قالت أريد أن تطلقني فقال إن كنت تريدين فأنت طالق فيقتضي أنها تطلق بإرادة مستقبلة ودلالة الحال على أنه أراد إيقاعه للإرادة التي أخبرته بها قاله في "الفنون" قال ولو قال إن كان أبوك يرضى بما فعلتيه فأنت طالق فقال ما رضيت ثم قال رضيت طلقت لأنه علقه على رضى مستقبل وقد وجد بخلاف إن كان أبوك راضيا به لأنه ماض وتعليق كطلاق ويصح بالموت.

(7/343)


فصل في مسائل متفرقة
إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رؤي إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا يحنث. وإن قال: من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره به امرأتاه، طلقت
ـــــــ
فصل في مسائل متفرقة
"إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال طلقت إذا رؤي" بعد الغروب أو أكملت العدة لأن رؤيته في الشرع عبارة عما يعلم به دخوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" فانصرف لفظ الحالف إلى عرف الشرع كما لو قال: إذا صليت فأنت طالق فإنه ينصرف إلى الشرعية وفارق رؤية زيد فإنه لم يثبت له عرف شرعي "إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا يحنث حتى تراه" لأنها رؤية حقيقية ويقبل ذلك حكما على الأصح وقيل يقبل بقرينة ويتعلق الحكم برؤيتها له بعد الغروب لأن هلال الشهر ما كان في أوله وقيل تطلق برؤيتها له قبل الغروب لأنه يسمى رؤية والحكم يتعلق برؤيته في الشرع فإن قال أردت إذا رأيته أنا بعيني فلم يره حتى أقمر لم تطلق لأنه ليس بهلال وهو هلال إلى الثالثة ثم يقمر وقيل إلى الثانية وقيل إذا استدار وبهر ضوؤه.
فرع: إذا قال إذا رأيت فلانا فأنت طالق فرأته ولو ميتا أو في ماء أو زجاج شفاف طلقت إلا مع نية أو قرينة لا خياله في ماء ومرآة وفي مجالستها له وهي عمياء وجهان أصحهما لا حنث.
"وإن قال من بشرتني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره به امرأتاه طلقت

(7/344)


الأولى منهما إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق فكذلك عند القاضي وعند أبي الخطاب تطلقان
ـــــــ
الأولى منهما" إذا كانت صادقة لأن البشارة خبر تتغير به بشرة الوجه من سرور أو غم وإنما يحصل بالأول لأنها عند الإطلاق للخير كقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر: من الآية17] الزمر فإن أريد الشر قيدت قال تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: من الآية34] "إلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها" لحصول الغرض ببشارتها وإن كانتا كاذبتين لم تطلق واحدة منهما لأنه لا سرور في الكذب وعلم منه أنه إذا بشره نساؤه معا طلقن لأن "من" تقع على الواحد فما زاد لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7]ويتوجه تحصل البشارة بالمكاتبة وإرسال رسول بها "وإن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق فكذلك عند القاضي" وجزم به في "الوجيز" لأن المراد من الخبر الإعلام ولا يحصل إلا بالخبر الصادق "وعند أبي الخطاب تطلقان" أي تطلق الصادقة والكاذبة لأن الخبر يدخله الصدق والكذب قال في "المحرر" وعندي يطلقن مع الصدق ولا تطلق منهما كاذبة وفي "المستوعب" حكى ابن أبي موسى فيمن قال لعبيده أيكم جاءني بخبر كذا فهو حر فجاءه به اثنان أو أكثر فيه روايتان إحداهما يعتق واحد منهم بالقرعة والثانية يعتقون جميعا ولم يفرق بين الصدق والكذب ولا بين المتقدم والمتأخر.
تنبيه: إذا قال أول من تقوم منكن فهي طالق فقام الكل دفعة واحدة لم تطلق واحدة منهن وإن قامت واحدة ولم يقم أحد بعدها فوجهان فإن قلنا لا يقع لم يحكم بوقوع ذلك ولا انتفائه حتى ييأس من قيام واحدة منهن فتنحل يمينه وكذا العتق وإن قام اثنتان أو ثلاثة معا وقام بعدهن أخرى وقع بمن قام أولا والعتق كذلك وقال القاضي فيمن قال أول من يدخل من عبيدي فهو حر فدخل اثنان دفعة واحدة ثم دخل آخر لم يعتق واحد منهن، وهو

(7/345)


وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب وعنه: يحنث في الجميع وعنه: لايحنث في الجميع
ـــــــ
بعيد وإن قال آخر من تدخل منكن الدار فهي طالق فدخل إحداهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن حتى ييأس من دخول غيرها فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من حين دخولها.
"وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو جاهلا حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب" نقله عن أحمد جماعة واختاره الخلال وصاحبه وذكر القاضي في "المجرد" أنه هو المعمول به في المذهب لأن الكفارة تجب لرفع الإثم ولا إثم عليهما وأما الطلاق والعتاق فهو معلق بشرط فيقع بوجود شرطه من غير قصد كما لو قال أنت طالق إن قدم الحاج ولأن هذا يتعلق به حق آدمي فتعلق الحكم مع النسيان كالإتلاف.
"وعنه: يحنث في الجميع" قدمها في "الرعاية" لأنه فعل ما حلف عليه قاصدا لفعله أشبه الذاكر وكالطلاق والعتاق وحينئذ يلزمه الكفارة في اليمين المكفرة وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد والزهري وعنه: لا يحنث في الجميع وقاله عطاء وعمرو بن دينار ولقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: من الآية5] ولقوله عليه السلام: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" قاصد للمخالفة أشبه النائم ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر به القصد كحالة الابتداء على الأول ولو فعله حين جنونه لم يحنث كالنائم وقيل هو كالناسي وإن حلف على غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد ففعله ناسيا أو جاهلا فعلى الخلاف قال في "الرعاية" وإن قصد بمنعهم أن لا يخالفوه أو فعلوه كرها لم يحنث وعنه: يحنث المكره،

(7/346)


وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا ولا يكلمه ولا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا أو أحاله بحقه ففارقه ظنا منه أنه قد بر خرج على الروايتين في الناسي والجاهل وإن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه لم يحنث.
ـــــــ
فيتخرج ألا يحنث إلا في الطلاق والعتاق قال في "المستوعب" فإن كان يمكنه الامتناع فلم يمتنع فوجهان فإن قلنا لا يحنث فأقام بعد دخولها فهل يحنث ينبني على ما إذا حلف لا يدخل الدار وهو فيها وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه فكمن حلف على مستقبل وفعله ناسيا يحنث في طلاق وعتاق فقط.
"وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا ولا يكلمه ولا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا أو أحاله بحقه ففارقه ظنا منه أنه قد بر خرج على الروايتين في الناسي والجاهل" قاصد للمخالفة أشبه الناسي وظاهره أنه إذا دخل بيتا هو فيه عالما حنث وصرح به غيره لأن شرط الحنث أنه قد وجد سالما عن المعارض وكذا ما بعده لأنه معطوف عليه فإن نوى السلام على الجميع أو كلامهم حنث رواية واحدة وإن نوى غيره فلا وإن أطلق فالخلاف وإن علم به ولم ينوه ولم يستثنه بقلبه فروايتان أصحهما الحنث وكذا إن حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه يحسبه أجنبيا أو حلف لا بعت لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه إلى الحالف فباعه من غير علمه.
"وإن حلف لا يفعل شيئا ففعل بعضه لم يحنث" نص عليه في رواية صالح وحنبل اختاره أبو الخطاب كالإثبات ولأنه عليه السلام كان يخرج رأسه وهو معتكف إلى عائشة لترجله وهي حائض والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد والحائض عكسه.

(7/347)


وعنه يحنث إلا أن ينوي جميعه وإن حلف ليفعلنه لم يبر حتى يفعل جميعه وإذا حلف لا يدخل دارا فأدخلها بعض جسده أو لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه خرج على الروايتين وإن حلف لا شربت ماء هذا النهر فشرب منه حنث.
ـــــــ
"وعنه: يحنث" اختاره الخرقي وصححه في "المغني" لأن اليمين تقتضي المنع من المحلوف عليه فاختص المنع بشيء منه كالنهي "إلا أن ينوي جميعه" فعلم منه أن الخلاف إنما هو في اليمين المطلقة فإن نوى الجميع أو البعض عمل بنيته وكذا إن كانت قرينة وعلى الأولى لو حلف على من يمتنع بيمينه كزوجة وقرابة وقصد منعه ولا نية ولا سبب ولا قرينة لم يحنث بفعل بعضه.
"وإن حلف ليفعلنه لم يبر حتى يفعل جميعه" لأن ذلك حقيقة اللفظ ولأن مطلوبه تحصيل الفعل فهو كالأمر ولو أمر الله تعالى بشيء لم يخرج عن العهدة إلا بفعل جميعه فكذا هنا.
"وإذا حلف لا يدخل دارا فأدخلها بعض جسده أو لا يلبس ثوبا من غزلها فلبس ثوبا فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه خرج على الروايتين" في فعل بعض المحلوف عليه والمذهب أنه لا يحنث كما لو حلف لا يبيع عبده ولا يهبه فباع أو وهب بعضه "وإن حلف لا شربت ماء هذا النهر فشرب منه حنث" وجها واحدا لأن فعل الجميع ممتنع فلا تصرف اليمين إليه وكذلك إن قال والله لا آكل الخبز ولا أشرب الماء مما علق على اسم جنس أو جمع كالمسلمين فإنه يحنث بفعل البعض فإن نوى فعل الجميع أو كان في لفظه ما يقتضي ذلك لم يحنث إلا بفعل الجميع بلا خلاف.
فرع: إذا حلف لا شربت من ماء الفرات فشرب منه حنث سواء كرع منه أو اغترف منه فشربه وإن شرب من نهر يأخذ منه حنث في وجه، اقتصر

(7/348)


وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه زيد فلبس ثوبا نسجه هو وغيره أو اشترياه أو أكل من طعام طبخاه فعلى روايتين فإن اشترى غيره شيئا فخلطه بما اشتراه فأكل أكثر مما اشتراه شريكه حنث.
ـــــــ
عليه في "المستوعب" كما لو حلف لا يشرب من شيء فاستقى أو لا يشرب من شاة فحلب وشربه والثاني لا يحنث لأنه يضاف إلى النهر لا إلى الفرات وكغيره فلو حلف لا يأكل من هذه النخلة فلقط من تحتها وأكل حنث بخلاف أكل ورقها وأطراف أغصانها.
مسألة: إذا قال إن قربت بكسر الراء دار أبيك فأنت طالق لم يقع حتى تدخلها فلو قاله بضم الراء وقع بوقوفها تحت فنائها ولصوقها بجدارها لأن مقتضاهما كذلك ذكرهما في "الروضة" ولم يذكر الجوهري قرب بالكسر بمعنى دخل ولعله عرف خاص.
"وإن حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه زيد فلبس ثوبا نسجه هو وغيره أو اشترياه أو أكل من طعام طبخاه فعلى روايتين" أشهرهما يحنث جزم به في "الوجيز" كما لو حلف لا يلبس شيئا من غزل فلانة فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها والثانية لا يحنث لأنه لم يلبس ثوبا كاملا كما لو حلف لا يلبس ما خاطه زيد فإنه يحنث بكل ثوب خاطاه جميعا بخلاف ما لو قال ثوبا خاطه زيد وإذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه هو وغيره حنث إلا أن يكون أراد أن لا ينفرد أحدهما بشراء وذكر أبو الخطاب احتمالا لا حنث لأن كل جزء لم ينفرد أحدهما بشرائه كما لو حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد فلبس ثوبا اشتراه هو وغيره.
"فإن اشترى غيره شيئا فخلطه بما اشتراه فأكل أكثر مما اشتراه شريكه" حنث وجها واحدا لأنه يعلم بالضرورة أنه أكل مما اشتراه زيد وهو شرط الحنث.

(7/349)


وإن أكل مثله فعلى وجهين.
باب التأويل في الحلف
ومعنى التأويل: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره.
ـــــــ
"وإن أكل مثله فعلى وجهين" أحدهما يحنث لأنه يستحيل في العادة انفراد ما اشتراه زيد من غيره فيكون الحنث ظاهرا.
والثاني: لا يحنث وجزم به في "الوجيز" لأن الأصل عدم الحنث ولم نتيقنه فعلى هذا كل موضع لا يحنث فحكمه حكم ما لو حلف لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة على ما نذكره وإن قابل زيد في مأكول كان باعه شيئا فأكل منه فهل يحنث على وجهين فإن كان اشترى شيئا سلما أو أخذه على وجه الصلح فأكل منه حنث.
باب التأويل في الحلف
"ومعنى التأويل أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره" مثل أن يحلف أنه أخي يريد أخوة الإسلام وبالسقف والبناء السماء وبالبساط والفراش الأرض وبالأوتاد الجبال وباللباس الليل أو يقول ما رأيت فلانا أي ما ضربت رئته وما ذكرته أي ما قطعت ذكره وكقوله جواري أحرار يعني سفنه ونسائي طوالق أي أقاربه أو يقول ما كاتبت فلانا ولا عرفته ولا علمته ولا سألته حاجة ولا أكلت له دجاجة ولا فروجة ولا شربت له ماء ولا في بيتي فراش ولا حصير ولا بارية ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق وبالتعريف جعله عريفا وبالإعلام جعله أعلم الشفة والحاجة الشجرة الصغيرة والدجاجة الكبة من الغزل والفروجة الدراعة والفرش صغار

(7/350)


فإن كان الحالف ظالما لم ينفعه تأويله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك"
ـــــــ
الإبل والحصير الجيش والبارية السكين التي يبرى بها فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه فهو تأويل لأنه خلاف الظاهر.
"فإن كان الحالف ظالما لم ينفعه تأويله" بغير خلاف نعلمه "لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" وفي لفظ: "اليمين على نية المستحلف" رواهما مسلم وعلم منه أنه إذا كان مظلوما فله تأويله نص عليه لحديث سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنه أخي فخلي سبيله فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ذلك فقال: "كنت أبرهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم" رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" رواه الترمذي قال محمد بن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف خص الظريف بذلك يعني به الكيس الفطن فإنه يفطن التأويل فلا حاجة إلى الكذب فإن كان لا ظالما ولا مظلوما فظاهر كلام أحمد أن له تأويله لأنه عليه السلام كان يمزح ولا يقول إلا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه وهو التأويل فقال عليه السلام لعجوز لا تدخل الجنة عجوز يعني أن الله تعالى ينشئهن أبكارا عربا أترابا.
مسائل: الأولى: إذا حلف ليقسمن بين ثلاث نسوة ثلاثين قارورة عشر مملوءة وعشر فرغ وعشر منصف قلب كل منصفة في أخرى فلكل واحدة خمس مملوءة وخمس فرغ.
الثانية: إذا كان له ثلاثون نعجة عشر ولدت كل واحدة سخلة وعشر اثنتين وعشرة ثلاثا وحلف ليجعلن لكل امرأة ثلاثا ولا يفرق بين سخلة وأمها أعطى الكبرى عشرة نتجت عشرين والوسطى نصف ما نتج سخلة ونصف ما نتج ثلاثا بسخالها وكذا الصغرى.

(7/351)


فإذا أكلا تمرا فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت فإنها تفرد كل نواة وحدها وتعد من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه.
ـــــــ
الثالثة: إذا حلف أنه رأى ثلاث إخوة لأبوين أحدهم عبد والآخر مولى والآخر عربي لا ولاء عليه هذا رجل تزوج بأمة فولدت ابنا فهو عبد ثم كوتبت فأدت وهي حامل فأتت بابن فتبعها فهو مولى ثم ولدت بعد الأداء ابنا فهو عربي بلا ولاء.
الرابعة: إذا حلف أن خمسة زنوا بامرأة فلزم الأول القتل والثاني والرجم والثالث الجلد والرابع نصف الحر ولم يلزم الخامس شيء فالأول ذمي والثاني محصن والثالث بكر والرابع عبد والخامس حربي.
الخامسة: إذا حلف ليخبرنه بشيء رأسه في عذاب وأسفله في شراب وأوسطه في طعام وحوله سلاسل وأغلال وحبسه في بيت ضيق فهو فتيلة القنديل.
السادسة: إذا حلف أنه يحب الفتنة ويكره الحق ويشهد بما لم يره وهو بصير ولا يخاف من الله ولا رسول الله وهو مؤمن عدل فجوابه أنه يحب المال والولد ويكره الموت ويشهد بالغيب والحساب ولا يخاف من الله ولا رسوله الظلم والجور.
السابعة: لو سئل عن طعم نجو الآدمي قيل إنه أولا حلو لسقوط الذباب عليه ثم حامض لأنه يدود ثم مر لأنه يلدح.
"فإذا أكلا تمرا فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت فإنها تفرد كل نواة وحدها وتعد من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه" ولا يحنث إذا كان نيته ذلك وإن نوى الإخبار بكميته من غير زيادة ولا نقص لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب أنه كذلك لأن الأيمان تنبني على المقاصد إلا أن تكون حيلة فيحنث.

(7/352)


وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا ولتصعد السفلى فتنحل يمينه وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر.
ـــــــ
فرع: لو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها انبنى على فعل بعض المحلوف عليه.
"وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه" ويجلس عليها في البيت ولا يحنث لأنه لم يدخله بارية وإنما أدخله قصبا وفي "المحرر" وإن حلف لا يدخل بيته بارية فأدخل قصبا لذلك فنسجت فيه حنث وإن طرأ قصده والقصب فيها فوجهان.
"وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا" لأن الصفة وجدت لكون أن الملح لا يدخل في البيض "وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا" ويأكل منه بغير حنث لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح وقيل يحنث مع التعيين "وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا وتصعد السفلى فتنحل يمينه" لأن ما فعله سبب إلى عدم حنثه وأما كونه تنحل يمينه فلأنه لم يبق حنثه ممكنا لزوال الصورة المحلوف عليها.
"وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر" فتنحل يمينه لأنه إنما نزل أو صعد من غيره.

(7/353)


وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا ولتصعد السفلى فتنحل يمينه وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر.
ـــــــ
فرع: لو كان في فيها تمرة فقال أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها فأكلت بعضها وألقت بعضها انبنى على فعل بعض المحلوف عليه.
"وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا تدخله بارية فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه" ويجلس عليها في البيت ولا يحنث لأنه لم يدخله بارية وإنما أدخله قصبا وفي "المحرر" وإن حلف لا يدخل بيته بارية فأدخل قصبا لذلك فنسجت فيه حنث وإن طرأ قصده والقصب فيها فوجهان.
"وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح فإنه يسلق فيه بيضا" لأن الصفة وجدت لكون أن الملح لا يدخل في البيض "وإن حلف لا يأكل بيضا ولا تفاحا وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا" ويأكل منه بغير حنث لأن ذلك ليس ببيض ولا تفاح وقيل يحنث مع التعيين "وإن كان على سلم فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا وتصعد السفلى فتنحل يمينه" لأن ما فعله سبب إلى عدم حنثه وأما كونه تنحل يمينه فلأنه لم يبق حنثه ممكنا لزوال الصورة المحلوف عليها.
"وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر" فتنحل يمينه لأنه إنما نزل أو صعد من غيره.

(7/354)


وإن حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعته لم يحنث إلا أن ينوي.
ـــــــ
"وإن حلف على امرأته لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعته لم يحنث" لأن الخيانة ليست بسرقة "إلا أن ينوي" ذلك فيحنث لأن اللفظ صالح أن يراد به ذلك وقد نواه فوجب الحنث ضرورة المخالفة في المحلوف عليه أو يكون له سبب.
فرع: إذا استحلفه ظالم هل رأيت فلانا أو لا وكان قد رآه فإنه يعني برأيت ما ضربت رئته وإن قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان عبدي في السوق فامرأته طالق وكانا في السوق عتق العبد ولم تطلق لأنه عتق باللفظ الأول فلما عتق لم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث إن أراد عبدا بعينه بناء على من حلف على معين تعلق اليمين بعينه دون صفته.
مسائل: إذا حلف أنه يطأ في يوم ولا يغتسل فيه مع قدرته على استعمال الماء ولا تفوته صلاة مع الجماعة فإنه يصلي الفجر والظهر والعصر ويطأ بعدها ويغتسل بعد المغرب ويصلي معه.
إذا قال أنت طالق إن لم أطأك في رمضان ثم سافر ثلاثة أيام ثم وطئ فقال أحمد لا يعجبني لأنها حيلة وقال في رواية بكر بن محمد إذا حلف على فعل شيء ثم احتال بحيلة فصار إليها فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه وقال القاضي الصحيح أنها تنحل به اليمين ويباح به الفطر لأن إرادة حل اليمين من المقاصد الصحيحة.
إذا حلف في شعبان ليجامعن امرأته في شهرين متتابعين فدخل رمضان سافر بها فإن حاضت فوطئ فيه كفر عن كل وطء في الحيض كفارته وعنه: لا يطأ وتطلق كمن حلف ليسقين ولده خمرا نص عليه.
سئل أحمد عن رجل حلف لا يفطر في رمضان فقال للسائل اذهب إلى

(7/355)


باب الشك في الطلاق
إذا شك هل طلق أم لا؟ لم تطلق.
ـــــــ
بشر ابن الوليد فاسأله ثم ائتني فأخبرني فذهب فسأله فقال له بشر إذا أفطر أهلك فاقعد معهم ولا تفطر فإذا كان السحر فكل واحتج بقوله عليه السلام: "هلموا إلى الغداء المبارك" فاستحسنه أحمد رضي الله عنه.
باب الشك في الطلاق
الشك في الاصطلاح تردد على السواء وهنا مطلق التردد.
"إذا شك هل طلق أم لا؟" أوشك في وجود شرطه "لم تطلق" نص عليه وهو قول أكثرهم لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بالشك ويشهد له قوله عليه السلام: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك قال المؤلف والورع إلزام الطلاق وعن شريك أنه إذا شك في طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها لتكون الرجعة عن طلقة صحيحة فتكون صحيحة في الحكم وفيه نظر لأن التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك في الطلاق ولا يفتقر إلى ما تفتقر إليه العبادات من النية ولأنه لو شك في طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا في تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة وقيل يلزمه حكمه مع شرط عدمي نحو لقد فعلت كذا أو إن لم أفعله اليوم فمضى وشك في فعله لزمه الطلاق قال في "المحرر" وتمام الورع في الشك قطعه برجعة أو عقد إن أمكن وإلا فتفرقة متيقنة بأن يقول إن لم تكن طلقت فهي طالق.

(7/356)


وإن شك في عدده بنى على اليقين وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أو ثلاثا لا يحل له وطؤها حتى يتيقن وكذلك قال فيمن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطء امرأته حتى يتيقن أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله.
ـــــــ
"وإن شك في عدده بنى على اليقين" نص عليه لأن ما زاد على اليقين طلاق مشكوك فيه فلم يقع كما لو شك في أصل الطلاق فلو شك هل طلق اثنتين أو واحدة فهي واحدة لأنها اليقين وأحكامه أحكام المطلق دون الثلاث من إباحة الرجعة وحل الوطء وإذا راجع عادت إلى ما كانت عليه قبل الطلاق وكذا لو قال لها أنت طالق بعدد ما طلق فلان زوجته وجهل عدده فطلقة.
"وقال الخرقي إذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا لا يحل له وطؤها حتى يتيقن" هذا رواية عن أحمد أنه يحرم عليه وطؤها لأنه متيقن للتحريم شاك في التحليل وعليه نفقتها ما دامت في العدة لأن الأصل بقاؤها استنادا لبقاء النكاح ولأنه لو تنجس ثوبه ولم يدر موضع النجاسة منه لا يحل له أن يصلي فيه حتى يغسل ما تيقن به طهارته فكذا هنا والجامع بينهما تيقن الأصل والشك فيما بعده وظاهر كلام الإمام والأصحاب أنه إذا راجعها حلت له لأن الرجعة مزيلة لحكم المتيقن من الطلاق فإن التحريم أنواع تحريم تزيله الرجعة وتحريم يزيله نكاح جديد وتحريم يزيله نكاح بعد زوج وإصابة ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى كمن تيقن الحدث الأصغر لا يثبت فيه حكم الأكبر ويخالف الثوب فإن غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة ومن أصحابنا من منع حصول التحريم بالطلاق لكون الرجعة مباحة فلم يكن التحريم متيقنا.
"وكذلك قال فيمن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطء امرأته حتى يتيقن أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله" إذا تيقن أكل التمرة المحلوف عليها، أو أنه لم

(7/357)


وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة معينة طلقت وحدها وإن لم ينو أخرجت المطلقة بالقرعة.
ـــــــ
يأكلها فلا إشكال في ذلك بغير خلاف فإن أكل منها شيئا قل أو كثر ولم يدر أكلها أو لا فلا يتحقق حنثه لأن الباقية يحتمل أنها المحلوف عليها ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك فعلى هذا حكم الزوجية باق إلا في الوطء فإن الخرقي يمنع منه لأنه شاك في حلها كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية وذكر أبو الخطاب وغيره أنها باقية على الحل لأن الأصل الحل فلا يزول بالشك كسائر أحكام النكاح وكما لو شك هل طلق أم لا فإن كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة فلا يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها.
فرع: إذا قال لزوجتيه أو أمتيه إحداكما طالق أو حرة غدا فماتت إحداهن قبل الغد طلقت وعتقت الباقية في ظاهر المذهب وقيل يقرع بينهما كموتهما وهل تطلق إذن أو منذ طلق فيه وجهان.
"وإن قال لامرأتيه إحداكما طالق ينوي واحدة معينة طلقت وحدها" لأنه عينها بنيته أشبه ما لو عينها بلفظه فإن قال أردت فلانة قبل لأن ما قاله محتمل ولا يعرف إلا من جهته "وإن لم ينو أخرجت المطلقة بالقرعة" نص عليه في رواية جماعة روي عن علي وابن عباس ولا مخالف لهما في الصحابة وقاله الحسن وأبو ثور ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق وقد ثبت الأصل بقرعته عليه السلام بين العبيد الستة ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بقرعة كإعتاق عبيده في مرضه وكالسفر بإحدى نسائه وكالمنسية وعنه: يعين أيتهما شاء وقاله أكثر العلماء وذكرها بعضهم في العتق لأنه لا يمكن إيقاعه ابتداء ويعينه فإذا أوقعه ولم يعينه ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملكه وقال قتادة يطلقن جميعا ورد بأنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم تطلق الجميع كما لو عينها.
فرع: لا يطأ إحداهما قبل القرعة أو التعيين وهل وطء إحداهما تعيين لغيرها قال ابن حمدان يحتمل وجهين والأصح أنه ليس تعيينا لغيرها ولا يقع بالتعيين

(7/358)


وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها فكذلك عند أصحابنا وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة ردت إليه في ظاهر كلامه.
ـــــــ
بل يتبين وقوعه في المنصوص فإن مات أقرع الورثة فمن قرعت لم تورث نص عليه.
تنبيه: إذا قال امرأتي طالق أو أمتي حرة ونوى معينة انصرف إليها وإن نوى مبهمة فهي مبهمة فيهن وإن لم ينو شيئا فالمذهب تطلق نساؤه وتعتق إماؤه روي عن ابن عباس لأن الواحد المضاف يراد به الكل لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: من الآية18] وقال الجماعة: يقع على واحدة مبهمة كما لو قال إحداكما طالق لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجميع إلا مجازا ولو احتمل وجب صرفه على الواحدة لأنها اليقين وما زاد مشكوك فيه قال في "الشرح" وهذا أصح.
"وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها فكذلك عند أصحابنا" أي ذهب أكثر الأصحاب إلى أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة قال في "المحرر" هو المشهور لأنه بعد النسيان لا تعلم المطلقة منهما فوجب أن تشرع القرعة فيها وحينئذ تجب النفقة حتى يقرع وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد أن القرعة لا تستعمل هنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لبيان الميراث قال في "الشرح" لا ينبغي أن يثبت الحل بالقرعة وهو قول أكثر أهل العلم فالكلام إذا في شيئين أحدهما في في المنسية في التوريث الثاني استعمالها في الحل فالأول جائز لأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح كالشركاء في القسمة وأما الثاني فلا يصح استعمالها لأنها اشتبهت زوجته بأجنبية فلم تحل إحداهما بالقرعة.
"وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة ردت إليه في ظاهر كلامه" لأنه ظهر أنها غير مطلقة والقرعة ليست بطلاق ولا كناية وهذا إذا لم تكن تزوجت لأنه أمر لا يعرف إلا من جهته فقبل قوله "إلا أن تكون

(7/359)


إلا أن تكون قد تزوجت أو تكون بحكم حاكم وقال أبوبكر وابن حامد تطلق المرأتان والصحيح أن القرعة لا مدخل لها هاهنا وتحرمان عليه جميعا كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية وإن طار طائر فقال إن هذا غرابا ففلانة طالق وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق فهي كالمنسية.
ـــــــ
قد تزوجت" لأنها قد تعلق بها حق الزوج الثاني "أو تكون" القرعة "بحكم حاكم" نص عليه في رواية الميموني لأن قرعة الحاكم بينهما حكم بالتفريق وليس لأحد رفع ما حكم به الحاكم قال ابن أبي موسى وفي هذا دليل على أن لحكم الحاكم تأثيرا في التحريم.
"وقال أبو بكر وابن حامد" وقدمه في "الرعاية" "تطلق المرأتان" أما المطلقة فحقيقة وأما التي خرجت بالقرعة فلأن الطلاق إذا وقع يستحيل رفعه ولأنها حرمت عليه بقوله وترثه إن مات ولا يرثها وعلى قولهما يلزمه نفقتها ولا يحل له وطؤها والأولى بالقرعة قاله في "الشرح" وذكر في "الرعاية" على قولهما إن مات قبلها أقرع الورثة فمن قرعت لم ترث وإن ماتتا أو إحداهما قبله فمن قرعت لم يرثها مع طلاق بائن "والصحيح" عند المؤلف وهو رواية "أن القرعة لا مدخل لها ها هنا" أي في المعينة المتقدم ذكرها "وتحرمان عليه جميعا كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية" ولأن القرعة لا تزيل حكم المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليها لأنه لو ارتفع لما عاد إذا تبين أنها مطلقة وفارق ما قاسوا عليه فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه.
تنبيه: إذا طلق واحدة لا بعينها أو بعينها ثم نسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة في الأصح ومتى علمناها بعينها فعدتها من حين طلقها وقيل من حين التعيين فإن مات الزوج قبل التعيين فعلى الجميع عدة الوفاة عند أهل الحجاز والعراق والصحيح أنه يلزم كل واحدة الأطول من عدة وفاة أو طلاق.
"وإن طار طائر فقال إن كان هذا غرابا ففلانة طالق وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق" ولم يعلم حاله "فهي كالمنسية" لأن الطائر لابد أن يكون أحدهما،

(7/360)


وإن قال إن كان غرابا ففلانة طالق وإن كان حماما ففلانة طالق لم تطلق واحدة مهما إذا لم يعلم وإن قال إن كان غرابا فعبدي حر وقال آخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يعلماه ولم يعتق عبد واحد منهما وإن اشترى أحدهما عبد الآخر أقرع بينهما حينئذ وقال القاضي يعتق الذي اشتراه.
ـــــــ
فيقع الطلاق بمن وجد شرط طلاقها وقد تقدم ذكر الخلاف فيها لكن لو قال إن كان غرابا فامرأتي طالق ثلاثا وقال آخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق ثلاثا ولم يعلماه لم تطلقا وحرم عليهما الوطء إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر.
"وإن قال إن كان غرابا ففلانة طالق وإن كان حماما ففلانة طالق لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم" لأنه يحتمل أنه غيرهما فلا يزول يقين النكاح بالشك في الحنث فإن ادعت حنثه قبل قوله لأن الأصل معه واليقين في جانبه.
"وإن قال إن كان غرابا فعبدي حر وقال آخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يعلماه لم يعتق عبد واحد منهما" لأن الأصل بقاء الرق فلا يزول بالشك بخلاف ما إذا كان العبدان لواحد ولأنه معلوم زوال رقه عن أحدهما فلذلك شرعت القرعة.
"وإن اشترى أحدهما عبد الآخر أقرع بينهما حينئذ" قاله أبو الخطاب ونصره في "الشرح" لأن العبدين صارا له وقد علم عتق أحدهما لا بعينه فيعتق لقرعة إلا أن يكون أحدهما أقر أن الحانث صاحبه فيؤخذ بإقراره "وقال القاضي" وقدمه في "الرعاية" "يعتق الذي اشتراه" لأنه ينكر حنث نفسه وذلك يقتضي حنث رفيقه في الحلف فيكون مقرا بحريته فإذا اشتراه وجب الحكم عليه بالعتق ولم يفرق المؤلف بين ما إذا اشتراه بعد أن أنكر حنث نفسه وبين شرائه قبل أن ينكر وفرق بينهما في "المغني" وقال في "المحرر" فاشترى أحدهما نصيب صاحبه وقيل إنما يعتق إذا تكاذبا وإلا أحدهما بالقرعة وهو الأصح وولاء المبيع إن عتق لبيت المال وقيل: للمشتري.

(7/361)


وإن قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق أو سلمى طالق واسم امرأته سلمى طلقت امرأته فإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته وإن ادعى ذلك دين وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين.
ـــــــ
فرع: إذا كان الحالف واحدا فقال إن كان هذا غرابا فعبدي حر وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة عتق أحدهما بالقرعة فإن ادعى أحدهما أنه الذي عتق أو ادعى ذلك كل واحد منهما قبل قول السيد مع يمينه وإذا قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن فعبيده أحرار وجهل أقرع بين النساء والعبيد وعليه نفقة الكل قبلها فإن ادعى كل منهم أنه عتق قبل قول السيد وفي يمينه وجهان وكل موضع قلنا يستحلف فنكل قضى عليه فإن قال أنا أعلم أنه كان غرابا غراب قبل منه وإن مات أقرع الورثة وقيل لهم التعيين.
مسألة: إذا زوج بنتا من ثلاث ثم مات وجهلت حرمن ونقل أبو طالب وحنبل تخرج بقرعة قال القاضي وأبو الخطاب وكذا يجيء إذا اختلطت أخته بأجنبيات وفي "عيون المسائل" لا يجوز اعتبار ما لو اختلط ملكه بملك لأجنبي ما لو اختلط ملكه بملكه لأنه إذا اختلط عبده بعبد غيره لم يقرع.
"وإن قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق أو سلمى طالق واسم امرأته سلمى طلقت امرأته" لأن الأصل اعتبار كلام المكلف دون إلغائه فإن أضافه إلى إحدى امرأتين وإحداهما زوجته أو إلى اسم وزوجته مسماة بذلك وجب صرفه إلى امرأته لأنه لو لم يصرف إليها لوقع لغوا.
"فإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته" لأنه لم يصرح بطلاقها ولا لفظ بما يقتضيه ولا نواه فوجب بقاء نكاحها على ما كان عليه.
"وإن ادعى ذلك دين" لأنه يحتمل ما قاله "وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين" أشهرهما أنه لا يقبل ونصره في "الشرح" لأن غير زوجته ليست محلا لطلاقه والثانية بلى وقاله أبو ثور لما قلنا وعلى الأولى إذا كان ثم

(7/362)


فإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقتا في إحدى الروايتين والأخرى تطلق التي ناداها وإن قال علمت أنها غيرها وأردت المناداة طلقتا معا وإن قال أردت طلاق الثانية طلقت وحدها وإن لقي أجنبية ظنها امرأته فقال فلانة أنت طالق طلقت امرأته.
ـــــــ
قرينة دالة على إرادة الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه فإنه يقبل في الحكم ونقل أبو داود فيمن له امرأتان اسمهما واحد ماتت إحداهما فقال فلانة طالق ينوي الميتة فقال الميتة تطلق كأن أحمد أراد لا يصدق حكما وفي "الانتصار" خلاف في قوله لها ولرجل إحداكما طالق فإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته لأنها محل للطلاق.
"وإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقتا في إحدى الروايتين" اختارها ابن حامد لأنها خاطبها بالطلاق فطلقت كما لو قصدها "والأخرى تطلق التي ناداها" فقط قدمها في "المحرر" و "الفروع" لأنه قد تعلق بخطابه المناداة وليست الأخرى مناداة ولأنه لم يقصدها بالطلاق فلم تطلق كما لو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه فقال أنت طالق قال أبو بكر لا يختلف كلام أحمد أنها لا تطلق.
"وإن قال علمت أنها غيرها وأردت طلاق المناداة طلقتا معا" في قولهم جميعا لأن المناداة توجه إليها لفظ الطلاق ونيته والمجيبة توجه إليها بخطابها بالطلاق.
"وإن قال أردت طلاق الثانية طلقت وحدها" لأنه خاطبها بالطلاق ونواها به ولا تطلق غيرها لأن لفظه غير موجه إليها ولا هي منوية.
"وإن لقي أجنبية ظنها امرأته فقال فلانة أنت طالق" هذا قول في المذهب أنها تطلق إذا سمى زوجته والمذهب أنه يقع لقوله "طلقت امرأته" نص عليه لأنه قصد زوجته بصريح الطلاق كما لو قال علمت أنها أجنبية وأردت طلاق

(7/363)