المبدع
شرح المقنع ط عالم الكتب المجلد الثامن
كتاب الإيلاء
كتاب الإيلاء
...
كتاب الإيلاء
وهو الحلف على ترك الوطء في القبل
__________
كتاب الإيلاء
الإيلاء: بالمد الحلف وهو مصدر يولي إيلاء
ويقال تألى يتألى وفي الخبر من يتأل على الله
يكذبه والآلية بوزن فعيلة اليمين وجمعها ألايا
بوزن خطايا قال كثير:
قليل الألايا حافظ ليمينه ... إذا صدرت منه
الألية برت
وكذلك الألوة بسكون اللام وتثليث الهمزة
والأصل فيه قوله تعالى:
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ
تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة 226]
وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن: يقسمون
الآية، وقال ابن عباس: "الذين يؤلون يحلفون
حكاه عن أحمد وكان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل
من امرأته شيئا فأبت أن تطيعه حلف أن لا
يقربها السنة والسنتين والثلاث فيدعها لا أيما
ولا ذات بعل فلما كان الإسلام جعل الله ذلك
للمسلمين أربعة أشهر وهو محرم في ظاهر كلام
جماعة لأنه يمين على ترك واجب وكان الإيلاء
والظهار طلاقا في الجاهلية وذكره أحمد في
الظهار عن أبي قلابة وقتادة وحاصله أن شرع غير
حكمه الذي كان معروفا عندهم.
"وهو الحلف على ترك الوطء في القبل" هذا بيان
لمعنى الإيلاء شرعا وفيه نظر لأنه لم يقيده
بحلف الزوج بالله تعالى أو صفة من صفاته على
ترك وطء الزوجة في القبل ولم يقيده بالمدة
وهذا ليس بداخل في حقيقته وإنما هي شروط
والأولى فيه أن يقال كل زوج صح طلاقه صح
إيلاؤه فهو إذن حلف زوج يمكنه الوطء بالله
تعالى أو صفة من صفاته على ترك الوطء ولو قبل
الدخول في القبل فالزوج يحترز به عما لو قال
لأجنبية والله لا أطؤك أبدا ويمكنه الوطء
احترازا من الصبي والمجنون وقوله في القبل
يحترز به عن الرتقاء ونحوها.
(8/3)
ويشترط له شروط
أربعة أحدها الحلف على ترك الوطء في القبل فإن
تركه بغير يمين لم يكن مؤليا لكن إن تركه مضرا
بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإيلاء ويحكم
بحكمه على روايتين وإن حلف على ترك الوطء في
الدبر أو دون الفرج لم يكن مؤليا وإن حلف إلا
يجامعها إلا جماع سوء يريد به جماعا ضعيفا لا
يزيد على التقاء الختانين لم يكن مؤليا.
__________
"ويشترط له شروط أربعة أحدها الحلف على ترك
الوطء في القبل" لأنه الذي يحصل به الضرر ويجب
على الزوج فعله ويضر الزوجة فقده
" فإن تركه بغير يمين لم يكن مؤليا" لأن
الإيلاء هو الحلف ولم يوجد "لكن إن تركه مضرا
بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإيلاء ويحكم
بحكمه على روايتين" أشهرهما: نعم لأنه تارك
لوطئها ضرارا بها أشبه المؤلي ولأن ما لا يجب
إذا لم يحلف لا يجب إذا حلف على تركه كالزيادة
على الواجب وثبوت حكم الإيلاء له لا يمنع من
قياس غيره عليه إذا كان في معناه كسائر
الأحكام الثابتة بالقياس
الثانية : لا تضرب له مدة لأنه ليس بمؤل فلا
يثبت له حكمه كما لو تركه لعذر و لأن تخصيص
الإيلاء بحكم يدل على أنه لا يثبت بدونة وكذا
حكم من ظاهر ولم يكفر و قصد الإضرار بها
"وإن حلف على ترك الوطء في الدبر أو دون الفرج
لم يكن مؤليا" أما أولا فإنه لم يترك الوطء
الواجب عليه و لا تتضرر المرأة بتركه لأنه وطء
محرم وقد أكد منع نفسه منه بيمينه و أما ثانيا
فلأنه لم يحلف على الوطء الذي يطالب به في
الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه
وإن حلف إلا يجامعها إلا جماع سوء يريد جماعا
ضعيفا و اليمين لا يزيد على التقاء الختانين
لم يكن مؤليا" ؛ لأن الضعيف كالقوي في الحكم
وإن قال أردت وطئا لا ابلغ التقاء الختانين
فهو مؤل لأنه لا يمكنه الوطء الواجب عليه في
الفيئة بغير حنث وإن لم يكن له نية فليس بمؤل
لأنه محتمل و إن
(8/4)
وإن أراد به
الوطء في الدبر أو دون الفرج صار مؤليا وإذا
حلف على ترك الوطء في الفرج بلفظ لا يحتمل
غيره كلفظه الصريح وقوله لا أدخلت ذكري في
فرجك وللبكر خاصة لا اقتضضتك لم يدين فيه وإن
قال و الله لا و طئتك أولا جامعتك أولا باضعتك
أولا باشرتك أولا باعلتك أولا قربتك أو لا
مسستك أو لا أتيتك أو لا اغتسلت منك فهو صريح
في الحكم.
__________
قال و الله لا جامعتك جماع سوء لم يكن مؤليا
بحال لأنه لم يحلف على ترك الوطء إنما حلف على
ترك صفته المكروهة
"وإن أراد به الوطء في الدبر أو دون الفرج صار
مؤليا" لأنه حالف على ترك الوطء في القبل لأن
حلفه أن لا يجامعها يشتمل المجامعة في الفرج
فإذا قصد بالاستثناء الوطء في الدبر أو دون
الفرج بقي الوطء في الفرج تحت الحلف ولم يتعرض
المؤلف إلى اليمين إذا خلت عن الإرادة وفي
المغني أنه ليس بإيلاء لأنه مجمل فلا يتعين
لكونه مؤليا به
" وإذا حلف على ترك الوطء في الفرج بلفظ لا
يحتمل غيره كلفظه الصريح" نحو لا أنيكك وقوله
لا أدخلت ذكري في فرجك أو لا أغيب أو أولج
ذكري في فرجك لأنه محصل معناه وللبكر خاصة لا
اقتضضتك هو بالقاف و التاء المثناة من فوق
واقتضاض البكر وافتراعها بالفاء بمعنى و هو
وطؤها و إزالة بكارتها بالذكر مأخوذ من قضضت
اللؤلؤة إذا ثقبتها و مثله ما ذكر في المستوعب
و الرعاية لا أبتني بك زاد في الرعاية من
الطفل لم يدين فيه لأنه لا يحتمل غير الإيلاء
ومثله لا أدخلت حشفتي في فرجك لأن الفيئة لا
تحصل بدون ذلك بخلاف لا أدخلت كل ذكري في
فرجك.
"وإن قال و الله لا و طئتك أولا جامعتك أولا
باضعتك أولا باشرتك أولا باعلتك أولا قربتك أو
لا مسستك" هو بكسر السين الأولى وفتحها لغة أي
لا و طئتك "أو لا أتيتك أو لا اغتسلت منك فهو
صريح في الحكم" لأنها تستعمل في الوطء عرفا
زاد في
(8/5)
ويدين فيما
بينه و بين الله تعالى وسائر الألفاظ لا يكون
مؤليا فيها إلا بالنية
__________
"الكافي" و "الشرح" ولا أصبتك زاد جماعة ولا
افترشتك والمنصوص و لا غشيتك والأصح لا أفضيت
إليك لأن الكتاب و السنة ورد ببعضها كقولة
تعالى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:
من الآية222] {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
[البقرة: من الآية187] و {مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: من الآية237] و أما
الوطء و الجماع فهما أشهر الألفاظ في
الاستعمال والباقي قياسا عليها فلو قال أردت
بالوطء الوطء بالقدم و بالجماع اجتماع الأجسام
وبالإصابة الإصابة باليد و بالمباضعة التقاء
بضعة من البدن بالبضعة منه وبالمباشرة مس
المباشرة وبالمباعلة الملاعبة والاستمتاع دون
الفرج وبالمقاربة و يريد قرب بدنه منها و
المماسة ويريد بها مس بدنها وبالإتيان ويراد
به المجيء و بالاغتسال ويريد به الاغتسال من
الإنزال عن مباشرة من قبله أو جماع دون الفرج
"ويدين فيما بينه و بين الله تعالى" مع عدم
قرينة على المذهب لأن صدقه غير ممتنع ولم يقبل
في الحكم لأنه خلاف الظاهر والعرف وفي
الانتصار لمستم ظاهر في الجس باليد ولامستم
ظاهر في الجماع فيحمل الأمر عليهما لأن
القراءتين كالآيتين وظاهر نقل عبد الله في لا
اغتسلت منك أنه كناية تقف على نية أو قرينة.
" وسائر الألفاظ" أي باقيها وهي الكناية لا
يكون مؤليا فيها إلا بالنية لأنها ليست بصريح
في الجماع ولا ظاهر فافتقرت إلى النية ككنايات
الطلاق وفي الرعاية والفروع أو القرينة كقوله
والله لا جمعتنا مخدة ولا اجتمعنا تحت سقف
لأضاجعك لا دخلت عليك لا دخلت علي لامس جلدي
جلدك ونحوه وتكفي نية ترك الوطء فيها إلا في
قوله ليطولن تركي لجماعك فتكفي نية المدة
وتعتبر نية الوطء والمدة في قوله لتطولن غيبتي
عنك
(8/6)
فصل
الشرط الثاني: أن يحلف في الرضى والغضب بالله
تعالى أو صفة من صفاته فإن حلف بنذر أو عتق أو
طلاق لم يصر مؤليا في الظاهر عنه وعنه يكون
مؤليا
__________
فصل
"الشرط الثاني أن يحلف في الرضى والغضب بالله
تعالى أو صفة من صفاته لا خلاف أن الحلف بذلك
إيلاء وعن ابن عباس في قوله تعالى:
{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
[البقرة: 226] أي يحلفون بالله تعالى يؤيده
قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] لأن الغفران
إنما يدخل في اليمين بالله تعالى.
"فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق" أو صدقة مال أو
الحج أو الظهار "لم يصر مؤليا في الظاهر عنه"
، واختاره الخرقي والقاضي وأصحابه قال في
المستوعب هو المشهور في المذهب ل قوله تعالى:
{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ} [البقرة: 226] والمغفرة إنما تكون في
الحنث في اليمين بالله بخلاف الطلاق وغيره
ولأنه لم يحلف بالله تعالى أشبه ما لو حلف
بالكعبة ولأن التعليق بشرط ولهذا لا يؤتى فيه
بحرف القسم و لا يجاب بجوابه ولا ذكره أهل
العربية في باب القسم وإنما يسمى حلفا تجوزا
لمشاركته القسم في الحث على الفعل أو المنع
منه.
"وعنه يكون مؤليا" لقول ابن عباس كل يمين منعت
جماع المرأة فهي إيلاء وقاله الشعبي والنخعي
والأكثر لأنها يمين منعت جماعها فكانت
إيلاءكالحلف بالله وعنه بيمين مكفرة كنذر
وظهار اختاره أبو بكر وعنه وبعتق وطلاق بأن
يحلف بهما لنفعهما أو على رواية تركه ضرارا
ليس كمؤل اختاره الشيخ تقي الدين وألزم عليه
كونه يمين مكفرة يدخلها الاستثناء والحق أنه
إذا استثنى في يمين مكفرة لا يكون مؤليا لأنه
لا يلزمه كفارة بالحنث فلم يكن الحنث موجبا
(8/7)
وإن قال إن
وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر
لم يكن مؤليا
فصل
الثالث: أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر
__________
لحق عليه وخرج على الأول أن الحلف بغير الله
وصفته لغو.
فرع : إذا علق مدخول بها بوطئها فروايتان فلو
وطئها وقع رجعيا وهما في إن وطئتك فضرتك طالق
فإن صح إيلاء فأبان الضرة انقطع فإن نكحها
وقلنا تعود الصفة عاد الإيلاء وتبنى على
المدة.
"وإن قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم
هذا الشهر لم يكن موليا" لا يختلف المذهب فيه
أما أولا فلأنه لا يصح تعليق القذف بشرط فلا
يلزمه بالوطء حق فلا يكون مؤليا وأما ثانيا
فلأنه إذا قال إن وطئتك فلله علي صوم أمس أو
صوم هذا الشهر لم يصح لأنه يصير عند وجوب
الفيئة ماضيا ولا يصح نذر الماضي فلو قال إن
وطئتك فلله علي صوم الشهر الذي أطؤك فيه فكذلك
فإذا وطئ صام بقيته وفي قضاء يوم وطئ فيه
وجهان ومثله والله لا وطئتك في هذا البلد أو
مخضوبة نص عليه أو حتى تصومي نفلا أو تقومي أو
بإذن زيد فيموت زيد
فرع : إذا قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري
وكان ظاهر فوطئ عتق بالظهار وإلا فليس بمؤل
فلو وطئ لم يعتق في الأصح فلو قال إن وطئتك
فهو حر قبله بشهر فابتداء المدة بعد مضيه فلو
وطئ في الأول لم يعتق والمطالبة في شهر سادس.
فصل
"الثالث أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر" قاله
ابن عباس وهو المشهور عن أحمد لأنه لم يمنع
نفسه من الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر فلم
يكن مؤليا كما لو حلف على ترك قبلها ولأن الله
تعالى جعل له تربص أربعة أشهر فما
(8/8)
أو يعلقه على
شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها
مثل أن يقول والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى أو
يخرج الدجال أو ما عشت أو قال والله لا وطئتك
حتى تحبلي لأنها لا تحبل إذا لم يطأها
__________
دونها فلا معنى للتربص لأن مدة الإيلاء تنقضي
قبل ذلك أو مع انقضائه وتقدير التربص بأربعة
أشهر يقتضي كونه في مدة تناولها الإيلاء ولأن
المطالبة إنما تكون بعدها فإذا انقضت مدتها
فما دون لم تصح المطالبة من غير إيلاء فلو قال
والله لا وطئتك كان مؤليا لأنه يقتضي التأبيد
وعنه أنه إذا حلف على أربعة أشهر كان مؤليا
ذكرها القاضي أبو الحسين وقاله عطاء والثوري
لأنه يمتنع عن الوطء باليمين أربعة أشهر فكان
مؤليا كما لو حلف على ما زاد.
"أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد
في أقل منها مثل أن يقول والله لا وطئتك حتى
ينزل عيسى أو يخرج الدجال أو ما عشت" أو حتى
أموت أو تموتي أو يموت زيد لأن ذلك لا يوجد في
أربعة أشهر ظاهرا أشبه ما لو قال والله لا
وطئتك في نكاحي هذا ولأن حكم الغالب حكم القطع
في كثير من الصور فكذا هنا وكذا لو علق الطلاق
على مرضها أو مرض إنسان بعينه أو قيام الساعة
فرع : إذا علق الإيلاء بشرط مستحيل كقوله
والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء ونحوه فهو
مؤل لأن معناه ترك وطئها فإن ما يراد حالة
وجوده تعلق على المستحيل ك قوله تعالى: في
الكفار {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}
[لأعراف: 40] وكقول الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ... وصار القار
كاللبن الحليب
"أو قال والله لا وطئتك حتى تحبلي" فهو مؤل
"لأنها لا تحبل إذا لم يطأها" لأن حبلها بغير
وطئ مستحيل عادة كصعود السماء وفي المحرر
والفروع إذا قال حتى تحبلي ولم يكن وطئها أو
وطئ ونيته حبل متجدد فمؤل وإلا فالروايتان
(8/9)
وقال القاضي
إذا قال حتى تحبلي وهي ممن يحبل مثلها لم يكن
مؤليا وإن قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن
تركي لجماعك لم يكن مؤليا حتى ينوي أربعة أشهر
وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ونحوه مما
يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو لا وطئتك
في هذه البلدة لم يكن مؤليا.
__________
وقال القاضي وأبو الخطاب إذا قال حتى تحبلي
وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا لأنه يحتمل
أنها تحبل قبل مدة الإيلاء قال المؤلف لا أعلم
لهذا وجها وهو صحيح إن كان مقصود الحالف حتى
تحبلي من وطء فلو كانت صغيرة أو آيسة فهو مؤل
فإن قال أردت ب حتى السببية أي لا أطؤك لتحبلي
قبل منه لأنه ليس بحالف على ترك الوطء.
تنبيه : لو علقه على ما يعلم وجوده قبل أربعة
أشهر كجفاف بقل أو ما يغلب على الظن وجوده
قبلها كنزول الغيث في أوانه أو ما يحتمل
الأمرين كقدوم زيد من سفر قريب لم يكن مؤليا
لأنه يغلب على الظن وجود الشرط فلا يثبت حكمه
وكذا لو قال والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا
بخلاف ما لو قال والله لا وطئتك طاهرا أو وطئا
مباحا فإنه يصير مؤليا.
"وإن قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي
لجماعك لم يكن مؤليا" لأن ذلك يقع على القليل
والكثير فلا يصير مؤليا به "حتى ينوي" أكثر من
"أربعة أشهر" ليتمحض اليمين للمدة المعتبرة
وفي قول المصنف ليطولن تركي لجماعك صريح في
الإيلاء وصرح به في المغني لأن الجماع نص في
إدخال الذكر في الفرج وذكره أبو الخطاب في
الكنايات لأن الجماع يطلق ويراد به الجماع دون
الفرج فعلى هذا تعتبر فيه نية إدخال الذكر في
الفرج كما تعتبر نية المدة.
"وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ونحوه
مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو
لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن مؤليا" لأنه لا
يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولا يمكنه
وطؤها البلدة المحلوف عليها وقال ابن أبي ليلى
وإسحاق :هو مؤل لأنه حالف عل ترك وطئها وجوابه
أنه يمكن
(8/10)
فإن قال إن
وطئتك فوالله لا وطئتك أو إن دخلت الدار
فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا حتى يوجد الشرط
ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال
__________
وطؤها بغير حنث فلم يكن مؤليا كما لو استثنى
في يمينه.
فرع : إذا علقه على فعل مباح لا مشقة فيه
كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار لم يكن
مؤليا بخلاف ما لو علقه على محرم كقوله والله
لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو أقتل زيدا لأنه
علقه بممتنع شرعا أشبه الممتنع حسا فإن علقه
على ما على فاعله فيه مضرة كقوله والله لا
أطؤك حتى تسقطي صداقك عني أو حتى تكفلي ولدي
فهو مؤل لأن أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير
رضى صاحبه محرم أشبه شرب الخمر.
"فإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك أو إن دخلت
الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا" في
الحال؛ لأنه لا يلزمه في الوطء حق حتى يوجد
الشرط ونصره في الشرح وغيره لأنه يصير مؤليا
بالوطء أو دخول الدار لأنها تبقى يمينا بمنع
الوطء على التأبيد.
"ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال"؛ لأنه لا
يمكنه الوطء إلا بأن يصير مؤليا بالوطء أو
دخول الدار فيلحقه بالوطء ضرر أشبه ما لو منع
نفسه من وطئها في الحال في المدة المعتبرة
وجوابه بأنه يمكنه الوطء حنث فلم يكن مؤليا
كما لو لم يقل شيئا وإن قال إن وطئتك فوالله
لا أطؤك فأولج الحشفة ثم زاد حنث بالزيادة
وقيل لا كمن نوى.
فرع : إذا قال والله لا وطئتك إلا برضاك لم
يكن مؤليا لإمكان وطئها بغير حنث وكذا إن قال
والله لا وطئتك مريضة إلا أن يكون بها مرض لا
يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن
يكون مؤليا لأنه حالف على ترك وطئها أربعة
أشهر فإن قال ذلك وهي صحيحة فمرضت مرضا يمكن
برؤه قبل أربعة أشهر لم يصر مؤليا وإلا فلا
(8/11)
وإن قال والله
لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا حتى
يطأها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر وإن
قال إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر
يصير مؤليا في الحال وإن قال والله لا وطئتك
أربعة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة
أشهر لم يصر مؤليا ويحتمل أن يصير مؤليا
__________
"وإن قال والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم
يصر مؤليا" في الحال لأنه يمكنه الوطء بغير
حنث فلم يكن ممنوعا من الوطء بحكم يمينه "حتى
يطأها، بقي منها أكثر من أربع أشهر" فيكون
مؤليا لأنه صار ممنوعا من وطئها بيمينه وفيه
وجه يصير مؤليا في الحال لأنه لا يمكنه إلا
بأن يصير مؤليا فيلحقه بالوطء ضرر وجوابه بأنه
ممنوع فيما إذا وطئ وقد بقي من السنة ثلثها
فأقل لأنه لم تبق المدة الممنوع من الوطء فيها
المدة المعتبرة في الإيلاء.
"وإن قال إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين" جزم
في الوجيز وهو المذهب لأن اليوم يتنكر فلا
يختص يوما دون يوم وحينئذ فيجوز أن يكون اليوم
المستثنى في الحال ويجوز أن يكون في المال فلا
يتحقق الإيلاء لفوات شرطه فعليه إن وطئها وقد
بقي من السنة أكثر من ثلثها صار مؤليا وإلا
فلا ومثله لو قال صمت رمضان إلا يوما أو لا
كلمتك في السنة إلا يوما فإنه لا يختص بيوم.
"وفي الآخر يصير مؤليا في الحال" وهو قول
القاضي وأصحابه لأن اليوم المستثنى يكون في
آخر المدة كالتأجيل ومدة الخيار بخلاف المسألة
الأولى فإن المدة لا تختص وقتا بعينه ومن نصر
الأول قال التأجيل في مدة الخيار تجب الموالاة
فيهما لأنه لو جازت له المطالبة لزم قضاء
الدين فيسقط التأجيل بالكلية ولو لزم العقد في
أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز وجواز
الوطء في يوم من أول السنة وأوسطها لا يمنع
حكم اليمين فيما بقي منها.
"وإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت
فو الله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا"
قدمه في الكافي والمستوعب والرعاية والمحرر
لأن كل واحد من الزمانين لا تزيد مدته على
أربعة أشهر "ويحتمل أن يصير مؤليا" صححه في
الشرح لأنه يمتنع بيمينه من وطئها مدة متوالية
أكثر من أربعة أشهر
(8/12)
وإن قال والله
لا وطئتك إن شئت فشاءت صار مؤليا وإن قال إلا
أن تشائي أو إلا باختيارك أو إلا أن تختاري لم
يصر مؤليا و قال أبو الخطاب إن لم تشأ في
المجلس صار مؤليا
__________
وأطلق في الفروع الخلاف وكذا الحكم في كل
مدتين متواليتين يزيد مجموعهما عن أربعة أشهر
كثلاثة أشهر وشهرين.
"وإن قال والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار
مؤليا" بوجوده في قول أكثرهم لأنه لا يصير
ممتنعا من الوطء حتى تشاء ولأنه علق اليمين
على المشيئة بحرف إن أشبه مشيئة غيرها فإن حنث
فهل لا يكون مؤليا كقوله والله لا وطئتك إلا
برضاك فالجواب الفرق بينهما بأنها إذا شاءت
انعقدت يمينه بحيث لا يمكنه الوطء بغير حنث
بخلاف والله لا وطئتك إلا برضاك فإنه لم يحلف
إلا على وطئها حال سخطها فيمكنه وطؤها في حال
رضاها بغير حنث فإن قالت ما أشاء أو سكتت لم
يصر مؤليا قاله في المستوعب.
فرع : إذا قال والله لا وطئتك إلا أن يشاء
أبوك أو فلان لم يكن مؤليا لأنه علقه بوجود
فعل يمكن وجوده في ثلث سنة إمكانا غير بعيد
وليس بمحرم ولا فيه مضرة أشبه ما لو علقه على
دخولها الدار.
"وإن قال إلا أن تشائي أو إلا باختيارك أو إلا
أن تختاري لم يصر مؤليا" اقتصر عليه في الكافي
ونصره في الشرح لأنه منع نفسه من وطئها بيمينه
إلا عند إرادتها أشبه ما لو قال إلا برضاك أو
حتى تشائي وكما لو علقه على مشيئة غيرها وقال
القاضي تنعقد يمينه فإن شاءت انحلت وإلا فهي
منعقدة "وقال أبو الخطاب" وابن الجوزي وجزم به
في التبصرة "إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا"
لأنه يصدق بمضي المجلس أنها ما شاءت فوجب تحقق
ذلك لفوات الاستثناء.
فظاهره بل صريحه يعتمد أن المشيئة تعتبر في
المجلس والمذهب لا فرق بين وجودها في الحال أو
التراخي .
(8/13)
وإن قال لنسائه
والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن إلا
أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها
وإن أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج
بالقرعة وإن قال و الله لا وطئت كل واحدة منكن
كان مؤليا من جميعهن
__________
فرع : إذا حلف لا يطؤها حتى تفطم ولدها أو
ترضعه كان مؤليا إذا كان بينه وبين مدة الفطام
والرضاع أكثر من أربعة أشهر فإن مات الولد قبل
مضي أربعة أشهر سقط الإيلاء مسألة: إذا حلف
على وطء امرأته عاما ثم كفر يمينه انحل
الإيلاء فإن كان تكفيره قبل مضي أربعة أشهر لم
ينحل الإيلاء حين التكفير وإن كفر بعد الأربعة
قبل الوقت صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت
يمينه على وفقه.
"وإن قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار
مؤليا منهن" جزم به الجماعة لأن النكرة في
سياق النفي فإنها تعم ولا يمكنه وطء واحدة
منهن إلا بالحنث وقال القاضي يكون مؤليا من
واحدة غير معينة لأن لفظه تناول واحدة منكرة
فلا يقتضي العموم و جوابه مما سبق ل قوله
تعالى: {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الاسراء111]
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}
[الاخلاص:4] فيجب حمل اللفظ على الإطلاق على
مقتضاه في العموم فعلى الأول إذا طلق واحدة
منهن أو ماتت كان مؤليا من البواقي لأنه تعلق
بكل واحدة منفردة وإن وطئ واحدة منهن حنث و
سقط الإيلاء من الباقيات لأنها يمين واحدة
"إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها
وحدها" لأن اللفظ يحتمله و هو أعلم بنيته.
"وإن أراد واحدة مبهمة" قبل منه و لا يصير
مؤليا منهن في الحال فإذا وطئ ثلاثا كان مؤليا
من الرابعة "فقال أبو بكر: تخرج بالقرعة" قدمه
في المحرر و الرعاية وجزم به في الوجيز وفي
الكافي هو قياس المذهب كما إذا طلق واحدة من
نسائه لا بعينها و كالعتق و قيل يرجع إلى
تعيينه
"وإن قال و الله لا وطئت كل واحدة منكن كان
مؤليا من جميعهن" لأن
(8/14)
و تنحل يمينه
بوطء واحدة و قال القاضي لا تنحل في البواقي
وإن قال و الله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في
أحد الوجهين و في الآخر لا يصير مؤليا حتى يطأ
ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة فعلى هذا لو طلق
واحدة منهن أو ماتت انحلت يمينه هاهنا في التي
قبلها لا تنحل في البواقي
__________
لفظه صريح في التعميم و لا يقبل قوله نويت
واحدة معينة أو مبهمة و لفظة كل أزالت الخصوص
"و تنحل يمينه بوطء واحدة" جزم به في الكافي و
قدمه في الرعاية لأنها يمين واحدة تعلقت
بأشياء فإذا حنث فيها لم تتبعض و يسقط حكم
المهر في الباقي "وقال القاضي لا تنحل في
البواقي" قدمه في المستوعب كما لو أطلق إحداهن
أو ماتت ولأنه صريح بمنع نفسه من كل و احد
أشبه ما لو حلف على كل واحدة يمينا.
فرع : إذا قال: كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها
طوالق و قلنا هو إيلاء فهو مؤل منهن.
"وإن قال و الله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في
أحد الوجهين" و هو ينبني على أصل و هو هل يحنث
بفعل البعض و فيه روايتان إحداهما يحنث فيكون
مؤليا في الحال منهن و جزم به في الوجيز لأنه
لا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بحنث فإذا وطئ
واحدة انحلت يمينه لأنها يمين واحدة فتنحل
بالحنث فيها كما لو حلف على واحدة و الثانية
لا يحنث بفعل البعض و لا يكون مؤليا في الحال
لأنه يمكنه وطء كل واحدة بغير حنث.
"و في الآخر لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا
فيصير مؤليا من الرابعة" لأن المنع حينئذ يصير
في الرابعة محققا ضرورة الحنث بوطئها و ابتداء
المدة حينئذ "فعلى هذا لو طلق واحدة منهن أو
ماتت انحلت يمينه هاهنا" لأنه يمكنه وطء
الباقيات بغير حنث.
"و في التي قبلها لا تنحل في البواقي" لأنه
يقتضي كون المحلوف عليه المنع من كل واحدة
وطلاق واحدة أو موتها لا يوجب انحلال اليمين
في غيرها كما
(8/15)
و إن آلى من
واحدة و قال للأخرى اشتركت معها لم يصر مؤليا
من الثاني و قال القاضي يصير مؤليا منهما
__________
لو حلف بالله لا وطئت هذه ثم حلف لا وطئت هذه
ثم ماتت إحداهما أو طلقها و ذكر القاضي أنه
إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة حنث و لم
ينحل الإيلاء في البواقي و نصره في الشرح خلاف
قوله و قيل إن ماتت لم تبق يمين ولا إيلاء على
الوجهين و على الأول إذا قلنا صار مؤليا منهن
فإذا طالبن بالفيئة وقف لهن كلهن فإن اختلفت
مطالبتهن و قف لكل واحدة عند طلبها اختاره أبو
بكر لأنه لا يؤخذ بحقها قبل طلبها وعنه يوقف
للجميع وقت مطالبة أولاهن قال القاضي هو ظاهر
كلام أحمد لأنها يمين واحدة فكان الوقف لها
واحدا و الكفارة واحدة و قيل تجب بفيئته إلى
كل واحدة كفارة.
"وإن آلى من واحدة و قال للأخرى شركتك معها لم
يصر مؤليا من الثانية" لأن اليمين بالله لا
تصح إلا بلفظ صريح من اسم أو صفة و التشريك
بينهما كناية فلم تصح به اليمين.
"و قال القاضي يصير مؤليا منهما" كالطلاق لكن
الفرق بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية و ليس
كذلك اليمين فلو آلى رجل من زوجته فقال آخر
لامرأته أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا و علم مما
سبق أنة لا يصح إلا من زوجة فلو حلف على ترك
وطء أمته لم يكن مؤليا للنص و كذا لو حلف على
ترك وطء أجنبية ثم نكحها نص عليه ونصره في
الشرح لأن الإيلاء حكم من أحكام النكاح فلم
يتقدمه كالطلاق و قال الشريف أبو جعفر قال
أحمد يصح الظهار قبل النكاح فكذا الإيلاء وقيل
بشرط إضافته إلى النكاح كما لو قال إن تزوجت
فلانة فوالله لا وطئتها و مثله نكاح فاسد.
تنبيه : يصح الإيلاء بكل لغة مطلقا فإن آلى
بالعجمية أو العربية من لا يدري معناها لم يكن
مؤليا وإن نوى موجبها عند أهلها فإن آلى عربي
أو عجمي بلغته ثم قال جرى على لساني من غير
قصد لم يقبل قوله في الحكم لأنه خلاف الظاهر
(8/16)
فصل
الشرط الرابع أن يكون من زوج يمكنه الجماع
وتلزمه الكفارة بالحنث مسلما كان أو كافرا حرا
أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه
فأما العاجز عن الوطء بجب أو شلل فلا يصح
إيلاؤه و يحتمل أن يصح.
__________
فصل
الشرط الرابع أن يكون من زوج نص عليه يشترط أن
يكون مكلفا للآية ولأن غير الزوج موطوءته أمته
و الأمة لاحق لها في الوطء كالأجنبية و الذمي
كالمسلم إذا ترافعوا إلينا في قول أكثرهم فإن
أسلم لم ينقطع إيلاؤه و يتخرج و أجنبي كلزومه
الكفارة.
"يمكنه الجماع" لأنه إذا لم يمكنه الجماع
كالمجبوب فيمينه يمين على مستحيل فلم ينعقد
كما لو حلف ليقلب الحجر ذهبا و لأن الإيلاء
اليمين المانعة من الجماع و يمين من شأنه ما
ذكر لا يمنعه بل فعل ذلك متعذرا منه.
"وتلزمه" أي الزوج "الكفارة بالحنث" لأنه إذا
كان صبيا أو مجنونا فلا يعتبر قوله و لا يمينه
ضرورة عدم الأهلية "مسلما كان أو كافرا حرا أو
عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه" أو
مرضوضا أو مجبوبا بقي من ذكره ما يمكنه الجماع
به و كذا إن كان لعارض مرجو الزوال كحبس و
نحوه لأنه قادر على الوطء فصح منه الامتناع
منه وعنه أولا كرتق اختاره القاضي و أصحابه.
"فأما العاجز عن الوطء بجب أو شلل فلا يصح
إيلاؤه" لأن من شرطه إمكان الجماع و هو معدوم
و كذا إن كان مرجو الزوال لأنه حلف على ترك
مستحيل فلم يصح كالحلف على ترك الطيران.
"و يحتمل أن يصح" لمرض مرجو الزوال و الأولى
أولى و عليه لو حلف ثم
(8/17)
و فيئته أن
يقول لو قدرت لجامعتك و لا يصح إيلاء الصبي و
المجنون و في إيلاء السكران وجهان و مدة
الإيلاء في الأحرار و الرقيق سواء و عنه في
العبد أنها على النصف و لاحق لسيد الأمة في
طلب الفيئة والعفو عنها وإنما ذلك إليهما
__________
جب ففي بطلانه وجهان قاله في الترغيب.
"و فيئته أن يقول لو قدرت لجامعتك" لأنه يقدر
على أكثر منه و عنه فيئة كل معذور فئت إليك و
لا حنث بفيئة اللسان.
"و لا يصح إيلاء الصبي و المجنون" لرفع القلم
عنهما و المذهب صحة إيلاء المميز لأنه يصح
طلاقة.
"و في إيلاء السكران وجهان" بناء على طلاقة و
الأشهر صحته.
"و مدة الإيلاء في الأحرار والرقيق سواء" في
ظاهر المذهب و نصره في الشرح لعموم النص و
لأنها مدة ضربت للوطء أشبهت مدة العنة.
"و عنه أنها في العبد على النصف" نقل أبو طالب
أن أحمد رجع إليه و أنه قول التابعين كلهم إلا
الزهري وحده و اختاره أبو بكر كالطلاق و
النكاح و لأن مدة الإيلاء ثبت ابتداؤها بقول
الزوج فوجب أن تختلف كمدة العدة و ظاهرها ما
سبق أنه لا يشترط لصحته الغضب و لا قصد
الإضرار وقاله ابن مسعود و أهل العراق و قال
ابن عباس إنما الإيلاء في الغضب.
"و لاحق لسيد الأمة في طلب الفيئة والعفو عنها
وإنما ذلك إليها" وجملة ذلك أن الحرة والأمة
سواء في استحقاق المطالبة عفى السيد أو لا لأن
الحق لها لكون الاستمتاع يحصل لها فإن تركت
المطالبة لم يكن لمولاها المطالبة به لأنه لا
حق له لا يقال حقه في الولد لأنه لا يعزل عنها
إلا بإذنه لأنه لا يستحق على الزوج استيلاد
المرأة بدليل أنه لو حلف ليعزلن عنها أولا
يستولده لم يكن مؤليا
(8/18)
فصل
وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر
__________
فصل
"وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر"
فالمؤلي يتربص أربعة أشهر كما أمره الله تعالى
ولا يطالب بالوطء فيهن فإذا مضت ورافعته
امرأته إلى الحاكم أمره بالفيئة فإن أبى أمر
بالطلاق و لا تطلق بمضي المدة قال أحمد يوقف
عن أكابر الصحابة و قال في رواية أبي طالب قال
ذلك عمر و عثمان و علي و ابن عمر و جعل يثبت
حديث علي ورواه البخاري عن ابن عمر قال و يذكر
عن أبي الدراداء و عائشة و اثني عشر رجلا من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سليمان بن يسار أدركت بضعة عشر من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المؤلي
رواه الشافعي و الدارقطني بإسناد جيد
و قال ابن مسعود وابن عباس إذا مضت أربعة أشهر
فهي تطليقة بائنة و قال مكحول و الزهري تطليقة
رجعية لأن هذه المدة ضربت لاستدعاء الفعل منه
أشبه مدة العنة و جوابه ظاهر الآية و الفاء
للتعقيب ثم قال: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ
فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[البقرة:227] و لو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى
عزم عليه.
و قوله {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقتضي أن الطلاق
مسموع و لا يكون المسموع إلا كلاما و لأنها
مدة ضربت تأجيلا فلم تستحق المطالبة فيها
كسائر الآجال و مدة العنة حجة لنا فإن الطلاق
لا يقع إلا بمضيها و لأن مدة العنة ضربت
ليختبر فيها و يعرف عجزه عن الوطء بتركه في
مدتها وهذه ضربت تأخيرا له و تأجيلا ولا يستحق
المطالبة إلا بمضي الأجل كالدين.
وفي "الوجيز" تضرب للكافر المدة بعد إسلامه
والمذهب أن ابتداءها من حين اليمين ولا يفتقر
إلى ضرب لأنها تثبت بالنص والإجماع كمدة العنة
.
(8/19)
فإن كان بالرجل
عذر يمنع الوطء احتسب عليه بمدته وإن كان ذلك
بها لم تحتسب عليه وإن طرأ بها استؤنفت العدة
عند زواله إلا الحيض فإنه يحتسب عليه بمدته و
في النفاس وجهان وإن طلقها في أثناء المدة
انقطعت
__________
"فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطء" كمرض وصوم
"احتسب عليه بمدته" لأن المانع من جهته وقد
وجد التمكين الذي عليها وكذلك لو أمكنته من
نفسها وامتنع وجبت لها النفقة وإن طرأ شيء من
هذه الأعذار بعد الإيلاء أو جن لم تنقطع
المدة.
"وإن كان ذلك بها" كصغرها ومرضها وصيامها
واعتكافها المفروضين وإحرامها "لم تحتسب عليه"
أي إذا وجد ذلك حال الإيلاء لم تضرب له المدة
حتى تزول لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها
والمنع هنا من قبلها.
"وإن طرأ بها" هو بالهمز وقد يترك "استؤنفت
المدة عند زواله" ولم تبن على ما مضى ل قوله
تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}
[البقرة: 226] يقتضي أنها متوالية فإذا قطعها
وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة
وقيل تبنى كحيض "إلا الحيض فإنه يحتسب عليه
بمدته" ولا يمنع ضرب المدة إذا كان موجودا وقت
الإيلاء لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة لأن
الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر فيؤدي ذلك
إلى إسقاط حكم الإيلاء.
"وفي النفاس وجهان" وقيل روايتان أحدهما هو
كالحيض لأنه مثله في أحكامه والثاني وهو
الأشهر إنه كالمرض لأنه عذر نادر وقيل مجنونة
لها شهوة كعاقلة وفي الرعاية فإن تعذر الوطء
بسبب من جهتها كحيض وحبس ومرض وصغر لم يحتسب
عليه في المدة وقيل بلى كحيض قال في المحرر
فيخرج أن يسقط في أوقات المنع منها ويبني على
ما مضى.
"وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت" لأنها صارت
ممنوعة بغير اليمين فانقطعت المدة كما لو كان
الطلاق بائنا سواء بانت بفسخ أو خلع أو
(8/20)
فإن راجعها أو
نكحها إذا كانت بائنا استؤنفت المدة وإن انقضت
المدة وبها عذر يمنع الوطء لم تملك طلب الفيئة
وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطء
أمر أن يفيء بلسانه فيقول متى قدرت جامعتك.
__________
بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعي لأنها صارت
أجنبية ولم يبق شيء من أحكام نكاحها "فإن
راجعها أو نكحها إذا كانت بائنا استؤنفت
المدة" لأن الإيلاء يعود حكمه بذلك والتربص
واجب فوجب استئنافها ضرورة الوفاء بالواجب
وظاهره أن الطلاق الرجعي كالبائن في انقطاع
مدة التربص وفي استئنافها بالرجوع إلى زوجته
وصرح به في المغني وأنه لا يحتسب المدة على
الزوجة من الرجعة في قول الخرقي والقاضي لأنها
صارت ممنوعة من غير يمين فانقطعت كمن لو كان
الطلاق بائنا.
وقال ابن حامد إذا طلق استؤنفت مدة أخرى من
حين طلاقه وتحتسب مدة الإيلاء في زمن عدة
الرجعة فإذا تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدة
الطلاق وقف فإن فاء وإلا أمر بالطلاق وإن
انقضت العدة قبل مدة الإيلاء تربص به تمام
أربعة أشهر من حين طلق والمذهب أنه إذا طلق
رجعيا في المدة لم تنقطع قبل فراغ عدتها وقيل
تنقطع وتستأنف كما لو ارتدا أو أحدهما بعد
الدخول أو أسلما في العدة.
"وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء" كمرض
وإحرام "لم تملك طلب الفيئة" لأن الوطء ممتنع
من جهتها ولأن المطالبة مع الاستحقاق وهي لا
تستحق الوطء في هذه الأحوال وليس لها المطالبة
بالطلاق لأنها إنما تستحق عند امتناعه ولم يجب
عليه شيء لكن تتأخر المطالبة إلى زوال العذر
إن لم يكن قاطعا للمدة كالحيض أو كان العذر
حدث بعد انقضاء المدة وفي الرعاية لم تطالب
بفيئة الوطء حتى يزول ذلك وفي فيئة القول
وجهان "وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن
الوطء" كمرض وحبس مطلقا "أمر أن يفيء بلسانه"
ولا يمهل لفيئة اللسان "فيقول متى قدرت
جامعتك" هذا قول
(8/21)
ثم متى قدر على
الوطء لزمه ذلك أو يطلق وقال أبو بكر لا يلزمه
وإن كان ظاهر فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة
أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام.
__________
ابن مسعود وجمع لأن القصد بالفيئة ترك ما قصده
من الإضرار وقد ترك قصد الإضرار بما أتى به من
الاعتذار والقول مع العذر يقوم مقام فعل
القادر بدليل إشهاد الشفيع على الطلب بها ولا
يحتاج أن يقول ندمت لأن الغرض أن يظهر رجوعه
عن المقام عن اليمين وحكى أبو الخطاب عن
القاضي أن فيئة المعذور أن يقول فئت إليك
وقاله الثوري وأبو عبيد واختاره الخرقي وأبو
بكر والحلواني لأن وعده بالفعل عند القدرة
عليه دليل على ترك قصد الإضرار.
"ثم متى قدر على الوطء لزمه ذلك أو يطلق" صححه
ابن حمدان ونصره المؤلف لأنه أخر حقها لعجزه
عنه فإذا قدر عليه لزمه أن يوفيها إياه كالدين
على المعسر إذا قدر عليه.
"وقال أبو بكر لا يلزمه" وهو قول الحسن وعكرمة
والأوزاعي لأنه فاء مرة فلا يلزمه أخرى كالوطء
والمذهب الأول لأن فيئته بالقول ليس عين حقها
وإنما هو وعد بإيفاء حقها فحقها الأصلي باق
ولا مانع من فعله فلزمه كما لو لم يفئ بلسانه
فإن رضيت بالمقام مع العاجز لم تضرب له مدة في
الأصح وعلم منه أن من أفاء بلسانه فلا كفارة
عليه ولا حنث لأنه لم يفعل بالمحلوف عليه
وإنما وعد بفعله كالمدين إذا أعسر.
"وإن كان مظاهرا" لم يطأ حتى يكفر فإذا وطئ
صار مظاهرا منها وزال حكم الإيلاء "فقال
أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل
ثلاثة أيام" لأنها مدة قريبة فالظهار كالمرض
عند الخرقي وكذا الاعتكاف المنذور وذكر بعض
أصحابنا أن المظاهر لا يمهل ويؤمر بالطلاق
فيخرج من هذا أن كل عذر من فعله يمنع الوطء لا
يمهل من أجله لأن الامتناع بسب منه فلا يسقط
حكما واجبا ووجه الأول أنه عاجز عن الوطء بأمر
لا يمكنه الخروج منه أشبه المريض
(8/22)
و إن قال
أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى أو حتى ينهضم
الطعام أو أنام فإني ناعس أمهل بقدر ذلك و إذا
لم يبق له عذر وطلبت الفيئة وهي الجماع فجامع
انحلت يمينه وعليه كفارتها.
__________
فإن قال أمهلوني حتى أطلب رقبة أو أطعم فإن
علم أنه قادر على التكفير في الحال لم يمهل
لأنه إنما يمهل للحاجة ولا حاجة هنا وإن لم
يعلم أمهل ذكره المؤلف ولا يمهل لصوم شهرين
متتابعين لأنه كثير وقيل بلى فإن وطئها فقد
عصى وانحل إيلاؤه ولها منعه وقال القاضي
يلزمها التمكين فإن امتنعت سقط حقها لأن حقها
في الوطء وقد بذله لها وجوابه بأنه وطء حرام
فلا يلزم التمكين منه كالوطء في الحيض.
"وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى أو
حتى ينهضم الطعام أو أنام فإني ناعس أمهل بقدر
ذلك" لأنه زمن يسير ولا يمهل أكثر من قدر
الحاجة كالدين الحال وإن طلب المهلة حتى ينظر
في صومه أو يرجع إلى بيته أو يحل من إحرامه
أمهل لأن العاده تقتضيه فرع: إذا كانت صغيرة
أو مجنونة فليس لها المطالبة لأن قولها غير
معتبر ولا لوليها لأن هذا طريقه الشهوة وإن
كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه
بالمدة لأن المنع من جهتها وإن كان ممكنا
فأفاقت المجنونة وبلغت الصغيرة قبل انقضاء
المدة له تممت ثم لهما المطالبة وإن كان بعد
انقضاء المدة فلهما المطالبة يومئذ لأن الحق
لهما ثابت وإنما تأخر لعدم إمكان المطالبة.
"و إذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة وهي
الجماع" بغير خلاف وأصل الفيء الرجوع إلى فعل
ما تركته و الفيئة بكسر الفاء مثل الصيغة ذكره
في الصحاح "فجامع" القادر عليه إن حل وطؤها
وقيل ذكره ابن عقيل رواية وطئا مباحا لا في
حيض ونحوه "انحلت يمينه" لتحقق حنثه "وعليه
كفارتها" في قول أكثر العلماء لعموم النص وقال
الحسن لا كفارة عليه قال قتادة الحسن قد خالف
الناس.
فرع: إذا كفر عن يمينه بعد المدة قبل الوطء أو
استدخلت ذكره وهو نائم أو
(8/23)
وأدنى ما يكفيه
تغييب الحشفة في الفرج وإن وطئها دون الفرج أو
في الدبر لم يخرج من الفيئة وإن وطئها في
الفرج وطئا محرما مثل أن يطأ حالة الحيض أو
النفاس أو الإحرام أو صيام فرض من أحدهما فقد
فاء إليها لأن يمينه انحلت به وقال أبو بكر
الأصح أنه لا يخرج من الفيئة.
__________
وطئها ناسيا يمينه أوفي حال جنونه وقلنا لا
يحنث فهل ينحل إيلاؤه على وجهين وفي المذهب
يفي بما يبيحها لزوج أول والجاهل كالناسي في
الحنث.
"وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة" أو قدرها "في
الفرج" لأن أحكام الوطء تتعلق به وظاهره ولو
من مكره وناس ونحوهما.
"وإن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يخرج من
الفيئة" لأنه ليس بمحلوف عليه ولا يزول الضرر
بفعله.
وفي الرعاية فما فاء ولو حنث بهما في وجه
لدخوله في يمينه.
"وإن وطئها في الفرج وطئا محرما مثل أن يطأ
حالة الحيض أو النفاس أو صيام فرض من أحدهما
فقد فاء إليها لأن يمينه انحلت به" فزال حكمها
وزال الضرر عنها وكان كالوطء الحلال وكما لو
وطئها مريضة "وقال أبو بكر الأصح" وحكاه في
المغني والشرح قياس المذهب "أنه لا يخرج من
الإيلاء" لأنه وطء لا يؤمر به في الفيئة فلم
يخرج به من الإيلاء كالوطء في الدبر والذي
ذكره لا يصح لأن يمينه انحلت ولم يبق ممتنعا
من الوطء بحكم اليمين فلم يبق الإيلاء كما لو
كفر يمينه وقد نص أحمد على من حلف ثم كفر
يمينه لا يبقى مؤليا لعدم حكم اليمين فهذا
أولى وقد ذكر القاضي في المحرم والمظاهر أنهما
إذا وطئا فقد وفياها حقها بخلاف الوطء في
الدبر لأنه ليس بمحل للوطء
مسألتان: الأولى: إذا آلى بعتق أو طلاق وقع
بنفس الوطء لأنه معلق بصفة وإن لم يفعل فكفارة
يمين وإن آلى بنذر أو صوم أو صلاة أو حج أو
غير ذلك من الطاعات أو المباحات فهو مخير بين
الوفاء به وبين التكفير لأنه نذر لجاج وغضب
وهذا حكمه
(8/24)
وإن لم يفئ و
أعفته المرأة سقط حقها و يحتمل ألا يسقط و لها
المطالبة بعد وإن لم تعفه أمر بالطلاق فإن طلق
واحدة فله رجعتها.
__________
الثانية: إذا آلى بطلاق ثلاث أمر بالطلاق لأن
الوطء غير ممكن لأنها تبين منه بإيلاج الحشفة
فيصير مستمتعا بأجنبية وذكر المؤلف أن الأليق
بالمذهب تحريمه وعنه لا ومتى أولج وتمم أو لبث
لحقه نسبه وفي المهر وجهان وقيل يجب الحد جزم
به في المستوعب وفيه ويعزر جاهل وفي المنتخب
فلا مهر ولا نسب وإن نزع فلا حد ولا مهر لأنه
تارك وإن نزع ثم أولج فإن جهلا التحريم فالمهر
والنسب ولا حد والعكس بعكسه وإن علمه لزمه
المهر والحد ولا نسب وإن علمته فالحد والنسب
ولا مهر وكذا إن تزوجت في عدتها.
"وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها" وليس لها
المطالبة في قياس المذهب قاله القاضي لأنها
رضيت بإسقاط حقها من الفسخ فسقط حقها منه
كامرأة العنين إذا رضيت به "ويحتمل أن لا يسقط
ولها المطالبة بعد" أي متى شاءت لأنها ثبتت
لدفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال كما لو
أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة ثم طالبت
وفارقت الفسخ للعنة فإنه فسخ لعيبه فمتى رضيت
بالعيب سقط حقها كما لو عفى المشتري عن عيب
المبيع وإن سكتت عن المطالبة ثم طالبت فلها
ذلك وجها وحدا لأن حقها ثبت على التراخي فلم
يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة.
"وإن لم تعفه أمر بالطلاق" إن طلبت ذلك ل قوله
تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فإذا
امتنع من أداء الواجب فقد أمتنع من الإمساك
بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالإحسان.
"فإن طلق واحدة فله رجعتها" سواء كان المؤلي
أو الحاكم في الأشهر لأنه طلاق صادف مدخولا
بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فكان رجعيا
كالطلاق في غير الإيلاء و يفارق فرقة العنة
لأنها فسخ لعيب
(8/25)
و عنه أنها
تكون بائنة وإن لم يطلق حبس و ضيق عليه حتى
يطلق في إحدى الروايتين والأخرى يطلق عليه
الحاكم فإن طلقها واحدة فهو كطلاق المؤلي وإن
طلق ثلاثا أو فسخ صح ذلك.
__________
"و عنه أنها تكون بائنة" و قاله أبو ثور لأنها
فرقة لدفع الضرر فكانت بائنة كالمختلعة و عنه
من حاكم لا منه.
قال القاضي المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم
أنها تكون بائنا و قال الأثرم فأما تفريق
السلطان فليس فيه رجعة كاللعان و علم منه أن
الزوج أو الحاكم إذا طلق ثلاثا فإنها تحرم
عليه و لا تحل له إلا بعد زوج و إصابة.
فرع : إذا و قع الطلاق ثم ارتجعها أو تركها
حتى أنقضت عدتها ثم تزوجها أو طلق ثلاثا
فتزوجت غيره ثم تزوجها و قد بقي من مدة
الإيلاء أكثر من أربعه أشهر و قف لها لأنه
يمتنع من وطئها بيمين في حال الزوجية أشبه ما
لو راجعها وإن بقي أقل من أربعة أشهر و لم
يثبت حكم الإيلاء لقصوره عن مدته.
"وإن لم يطلق حبس و ضيق عليه حتى يطلق في إحدى
الروايتين" قدمها في الرعاية و الفروع و جزم
بها في الوجيز لأنه مفض إلى زوال ضرر المرأة
المطلوب زواله فعليها ليس للحاكم الطلاق لأن
الزوج إذا خير بين أمرين لم يقم غيره مقامه
كاختياره لبعض الزوجات إذا أسلم على أكثر من
أربع.
"والأخرى يطلق عليه الحاكم" قدمها في الكافي و
صححها في الشرح قال في الفروع و هي أظهر لأنه
حق تعين مستحقه فدخلت النيابة فيه كقضاء الدين
و الفرق بين طلاق الحاكم و التخيير أن المستحق
من النسوة غير معين بخلاف الإيلاء و لأنها
خيرة تشه بخلاف الخيرة هنا و ليس هو خيرة بين
أمرين لأنه يؤمر بالفيئة ثم بالطلاق.
"فإن طلقها" الحاكم "واحدة فهو كطلاق المؤلي"
لأنه نائبه و قائم مقامه فوجب أن يكون كحكمه
"وإن طلاق ثلاثا أو فسخ صح ذلك" لأن الحاكم
(8/26)
و إن ادعي أن
المدة لم تنقض أو أنه وطئها و كانت ثيبا
فالقول قوله وإن كانت بكرا و ادعت أنها عذراء
فشهدت بذلك امرأة عدل فالقول قولها و إلا
فالقول قوله وهل يحلف من القول قوله على وجهين
__________
قائم مقام الزوج فملك ما يملكه و قدم في
التبصرة أنه لا يملك ثلاثا للمساواة و عنه
يتعين الطلاق و عنه الفسخ فإن قال الحاكم فرقت
بينكما فروايتان أنصهما أنه فرقة بغير طلاق
فلا تحل له إلا بعقد جديد و الأخرى تقع عليه
طلقة.
فرع : إذا ادعى عجزه عن الوطء و لم يكن علم
أنه عنين فقيل لا يقبل قوله صححه في الرعاية
لأن الأصل سلامته فيؤمر بالطلاق و قيل بلى
لأنه لا يعرف إلا من جهته.
"وإن ادعي أن المدة لم تنقض" و ادعت في
انقضائها "أو أنه وطئها و كانت ثيبا فالقول
قوله" لأن الأصل بقاء النكاح والمرأة تدعي
رفعه فهو يدعي ما يوافق الأصل كما لو ادعى
الوطء من العنة وفيه احتمال و في اليمين
روايتان:
إحداهما: يحلف اختاره الخرقي للخبر وكالدين و
لأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين.
و الثانية: و نص عليها في رواية الأثرم و
اختارها أبو بكر أنه لا يمين عليه لأنه لا
يقضى فيها بالنكول.
"وإن كانت بكرا و ادعت أنها عذراء فشهدت بذلك
امرأة عدل فالقول قولها" لأن قولها اعتضد
بالبينة إذ لو وطئها زالت بكارتها و عنه لا
يقبل فيه إلا امرأتان و إلا فإن لم يشهد لها
أحد بذلك "و إلا فالقول قوله" كما لو كانت
ثيبا "و هل يحلف من القول قوله؟" من الزوج و
الزوجة "على وجهين" حكاهما في الترغيب فيها
والله وأعلم.
(8/27)
|