المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب العدد
كتاب العدد
...
كتاب العدد
كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة فلا عدة عليها وإن خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطء كالإحرام والصيام والحيض والنفاس والمرض والجب والعنة أو لم يكن.
__________
كتاب العدد
العدد جمع عدة بكسر العين فيهما وهي ما تعده من أيام أقرائها وحملها أو أربعة أشهر وعشر ليال قال ابن فارس والجوهري عدة المرأة أيام أقرائها والمرأة معتدة وهي في الشرع اسم لمدة معلومة تتربص فيها المرأة لتعرف براءة رحمها وذلك يحصل بوضع حمل أو مضي أقراء أو أشهر والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة: 234] والأحاديث شهيرة في ذلك والمعنى يشهد له لأن رحم المرأة ربما كان مشغولا بماء شخص وتمييز الأنساب مطلوب في نظر الشارع والعدة طريق إليه "كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس" وهو اللمس باليد ثم استعير للجماع لأنه مستلزم للمس غالبا "والخلوة فلا عدة" عليها إجماعا ل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: ] ولأن العدة إنما وجبت في الأصل لبراءة الرحم وكذا إذا كان بعدها والزوج ممن لا يولد لمثله وإن خلا بها خلافا لـ عمد الأدلة "وهي مطاوعة" مع علمه بها "فعليها العدة سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطء" شرعيا كان أو حقيقيا "كالإحرام والصيام والحيض والنفاس والمرض والجب والعنة أو لم يكن" لما روى أحمد والأثرم عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة وهذه قضية اشتهرت ولم

(8/96)


إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليهما والمعتدات على ستة أضرب إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن حرائر كن أو إماء من فرقة الحياة أو الممات.
__________
تنكر فكانت كالإجماع وضعف أحمد ما روي خلافه ولأنه عقد على المنافع فالتمكين منه يجري مجرى الاستيفاء في الأحكام كعقد الإجارة والآية مخصوصة بما ذكرناه ولا فرق بين أن يخلو بها مع المانع حقيقيا كان كالجب أو شرعيا كالصوم أو مع عدمه لأن الحكم من هاهنا معلق على الخلوة التي هي مظنة الإصابة دون حقيقتها وعنه لا يكمل الصداق مع وجود المانع فكذا يخرج في العدة وعنه أن صوم رمضان يمنع كمال الصداق مع الخلوة وهذا يدل على أن المانع متى كان متأكدا كالإحرام منع كمال الصداق مع الخلوة ولم تجب العدة فلو خلا بها واختلفا في المسيس قبل قول من يدعي الوطء احتياطا للأبضاع وأقرب إلى حال الخلوة وقيل يقبل قول المنكر وإن أنكر وطأها اعتدت كالموطوءة وقيل إن صدقته فلها حكم المدخول بها مطلقا إلا في حلها لمطلقها ثلاثا أو في الزنى فإنهما يجلدان فقط "إلا ألا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليها" ولا يكمل صداقها لأن المظنة لا تتحقق وكذا إن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها أو لم تكن مطاوعة لعدم تحقق المظنة مع ظهور استحالة المسيس .
فرع : إذا تحملت ماء رجل أو قبلها أو لمسها فوجهان قال ابن حمدان إن كان ماء زوجها اعتدت وإلا فلا ولو وطئت في الدبر اعتدت.
"والمعتدات على ستة أضرب" وسيأتي الكلام عليهن ولم يجعل الآيسات من المحيض ضربا واللائي لم يحضن ضربا لاستواء عدتهما "إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" بغير خلاف للآية "حرائر كن أو إماء من فرقة الحياة أو الممات" إلا ما روي عن ابن عباس وعن علي من وجه منقطع أنها تعتد أطول الأجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله وروي عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجماعة وآية الحمل متأخرة عن آية الأشهر قال ابن مسعود من شاء باهلته أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] نزلت بعد آية.

(8/97)


والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة؟ على روايتين.
__________
البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الآية والخاص مقدم على العام ولأنها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة إذ الوضع أدل الأشياء على براءتها فلو ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه وإن كانا اثنين أو أكثر لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر وعنه بالأول ذكرها ابن أبي موسى وقاله أبو قلابة وعكرمة ولكن لا تتزوج حتى تضع الآخر منهما وهذا شاذ مخالف لظاهر الكتاب وقول أهل العلم واحتج القاضي والأزجي بأن أول النفاس من الأول وآخره منه بأن أحكام الولادة تتعلق بأحد الولدين لأن انقطاع الرجعة وانقضاء العدة تتعلق بأحدهما لا بكل واحد منهما كذلك مدة النفاس وفيه نظر فلو وضعت واحدا وشكت في آخر لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة "والحمل الذي تنقضي به العدة" ما تصير به أم ولد وهو "ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان" كالرأس واليد والرجل فتنقضي به العدة إجماعا حكاه ابن المنذر لأنه علم أنه حمل فيدخل في عموم النص.
الثاني ألقت مضغة لم يتبين فيها شيء من الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي فكذلك
"فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة على روايتين" هذا هو الثالث وفيه روايتان:
إحداهما تنقضي وجزم به في الوجيز وغيره كما لو تصور.
والثانية لا قدمها في "الكافي" وذكر أنها المنصوص وهي اختيار أبي بكر لأنه لم يصر ولدا أشبه العلقة
الرابع ألقت نطفة أو دما لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي أو لا فهذا لا يتعلق به شيء من الأحكام لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة.

(8/98)


وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض عدتها به وعنه تنقضي به وفيه بعد وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين.
__________
الخامس إذا وضعت مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي لم تنقض ولا تنقضي بما قبل المضغة لا نعلم قيه خلافا إلا الحسن قال إذا علم أنه حمل انقضت به وفيه الغرة.
"وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل" و مجبوب ومطلقة عقب عقد ومن أتت به لدون نصف سنة منذ عقد عليها "لم تنقض عدتها به" نص عليه لأنه حمل ليس منه يقينا فلم يعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته فعلى هذا تعتد بالأشهر "وعنه تنقضي به" لأنه حمل فيدخل في عموم النص وفيه بعد ووجهه أن شرط انقضاء العدة بالحمل أن يكون حمل المفارق وهذا ليس حملا منه ضرورة أنه لا يلحقه نسبه وعنه من غير طفل للحوقه باستلحاقه وقيل تنقضي به العدة ولا يلحقه وفيه نظر "وأقل مدة الحمل ستة أشهر" وفاقا لما روى الأثرم والبيهقي عن أبي الأسود أنه رفع إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي ليس لك ذلك قال الله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وقال {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا} [الاحقاف: 15] فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا لا رجم عليها فخلى عمر سبيلها وقال ابن عباس كذلك رواه البيهقي وذكر ابن قتيبة أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر.
"وغالبها تسعة" أشهر لأن غالب النساء كذلك يحملن وهذا أمر معروف بين الناس "وأكثرها أربع سنين" في ظاهر المذهب وقاله أكثر العلماء لأن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود وقد وجد أربع سنين فروى الدار قطني عن الوليد بن مسلم قلت لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين فقال سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة.
وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين وقال أحمد :

(8/99)


وعنه سنتان وأقل ما يتبين به الولد: أحد وثمانون يوما .
فصل
الثاني: المتوفى عنها زوجها ، عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرةّ .
__________
نساء بني عجلان تحمل أربع سنين وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لعدم وجوده "وعنه سنتان" اختاره أبو بكر وغيره وقدمه في "الرعاية" لما روى الدارقطني بإسناد جيد عن جميلة بنت سعد قالت قالت عائشة لا تزيد المرأة في الحمل على سنتين رواه سعيد والبيهقي وقد أنكره مالك "وأقل ما يتبين به الولد أحد وثمانون يوما" وهو أقل ما تنقضي به العدة من الحمل وهو أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك" ولا شك أن العدة لا تنقضي بما دون المضغة فوجب أن يكون بعد الثمانين فأما بعد أربعة أشهر فليس فيه إشكال وقيل بل ثمانون ولحظتان وهو إذن مضغة غير مصور ويصور بعد أربعة أشهر.
فصل
"الثاني المتوفى عنها زوجها ما لم تكن حاملا عدتها أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة" بالإجماع وسنده الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" أي عشر ليال بعشرة أيام ولا شك أن اليوم مقدم على الليلة لا يجزئها إلا أربعة أشهر وعشرة أيام وسواء كانت بالغة أو غير بالغة ولا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامتهم والعشر المعتبرة فيها هي عشر ليال بأيامها وقاله الأكثر وقال الأوزاعي تجب عشر ليال وتسعة أيام لأن العشر تستعمل في الليالي دون الأيام وإنما دخلت الأيام اللاتي في أثناء الليالي تبعا وجوابه أن العرب تغلب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها ل قوله تعالى لزكريا: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم: 10] يريد بأيامها وب قوله تعالى: { آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ} [مريم: 10]

(8/100)


وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة وسواء مات قبل الدخول أو بعده وإن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة.
__________
ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} [آل عمران: 41] يريد بلياليها لو نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان لزمه الليالي والأيام "وشهران وخمسة أيام إن كانت أمة" لأن الصحابة أجمعوا على أن عدة الأمة على النصف من عدة الحرة وقال ابن سيرين ما أرى عدة الأمة إلا كالحرة إلا أن تكون قد مضت سنة بعموم الآية وجوابه ما سبق فإن كان حملها من غيره اعتدت للزوج بعد وضع الحمل.
فرع: معتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة ويجبر الكسر "وسواء مات قبل الدخول أو بعده" لعموم الآية لا يقال هلا حمل على المدخول بها ل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] لأنه لا يصح قياسها على المطلقة إذ النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشيء إذا انتهى تقررت أحكامه كالصيام بدخول الليل بخلاف الطلاق فإنه قطع للنكاح قبل حصول مقصوده أشبه فسخ الإجارة قبل التسليم ولأن المطلقة إذا أتت بولد أمكن تكذيبها بنفيه بخلاف الميت "وإن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته" لأنها زوجة فتدخل في عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] "وسقطت عدة الطلاق" لأنها معتدة بالوفاة فلا يجتمع معها غيرها إجماعا حكاه ابن المنذر وعنه تعتد أطول الأجلين وبعده في "الشرح" "وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها" وتبني على عدة الطلاق مطلقا ولا تعتد للوفاة للآية ولأنها أجنبية منه في نكاحه وميراثه وتحل له أختها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها وعنه تعتد للوفاة إن ورثت اختارها جماعة كما لو طلقها في مرض موته وليس بشيء فإن الحمل تنقضي بوضعه كل عدة ولا يجب عليها الاعتداد بغيره "وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة" نص عليه وهو المذهب لأنها وارثة فيجب عليها أن تعتد للوفاة.

(8/101)


الوفاة وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدة حتى تزول الريبة وإن تزوجت قبل زوالها لا يصح النكاح وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم تفسد به لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها فهو باطل وإلا فلا.
__________
ومن حيث إنها مطلقة يجب عليها أن تعتد للطلاق فيجب أن تعتد بأطولهما ضرورة أنها لا تخرج عن العهدة بيقين إلا بذلك وعنه تعتد لطلاق لأنه مات وليست زوجة له لأنها بائن من النكاح فلا تكون منكوحة وكالتي لا ترث وعنه تعتد للوفاة فقط ذكرهما في "المجرد" ولأنها ترثه أشبهت الرجعية وعلم منه أن من لا ترثه كالأمة والذمية ومن جاءت البينونة من قبلها فلا يلزمها سوى عدة الطلاق رواية واحدة ذكره في "المحرر" وفي "الواضح" تعليله يدل على التفرقة.
فرع إذا مات المريض المطلق بعد عدة طلاق رجعي أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة وفاة وعنه بلى إن ورثته اختارها أبو بكر وكذا من أبانها في مرضه قبل الدخول أو بعده فاعتدت ثم مات.
"وإن ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدة حتى تزول الريبة" وتبقى في حكم الاعتداد إلى أن تزول الريبة فإن بان حملا انقضت عدتها بوضعه فإن زالت وبان نص عليه أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالشهور أو بالأقراء إن كان فارقها في الحياة "وإن تزوجت قبل زوالها" أي زوال الريبة "لا يصح النكاح" لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات وقيل يصح إذا كان بعد انقضاء العدة "وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم تفسد به" لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا والحمل مع الريبة مشكوك فيه فلا يزول ما حكمنا بصحته ولا يحل لزوجها وطؤها حتى تزول الريبة لشكنا في حل وطئها لقوله عليه السلام "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحل له أن يسقي ماءه زرع غيره" لكن إن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نكحها الثاني ووطئها فهو" أي النكاح "باطل" لأنه نكحها وهي حامل من غيره "وإلا فلا" أي إذا أتت به لأكبر من ذلك فإن

(8/102)


وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة وقال ابن حامد لا عدة عليها للوفاة في ذلك فإن كان النكاح مجمعا على بطلانه لم تعتد للوفاة من أجله
فصل
الثالث: ذات القرء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها.
__________
النكاح صحيح لأن الولد أمكن أن يكون من الثاني فلم يصادف نكاحها له مبطل فلم يبطل لأن الولد لاحق به فلو ظهرت الريبة بعد العدة وقبل النكاح أو بعده قبل الدخول فوجهان.
أحدهما: لا يحل لها أن تتزوج وإن فعلت لم يصح لأنها شاكة في انقضاء عدتها.
والثاني يحل لها ويصح لأنا حكمنا بانقضاء عدتها.
فلا يتغير الحكم بالشك بدليل أن حكم الحاكم لا يتغير بتغيير اجتهاده ورجوع الشهود "وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة نص عليه" في رواية جعفر بن محمد واختارها أبو بكر وقدمها الأكثر لأنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به العدة كالصحيح وإن فارقها في الحياة بعد الإصابة اعتدت بثلاثة قروء أو بثلاثة أشهر إن لم يكن بغير خلاف وإن كان قبل الخلوة فلا عدة عليها كالصحيح بل أولى وإن كان بعدها قبل الإصابة فالمنصوص أن عليها العدة لأنه أجري مجرى الصحيح في لحوق النسب فكذا في العدة "وقال ابن حامد لا عدة عليها للوفاة في ذلك" لأنه لا يثبت الحمل فلم يوجب العدة كالباطل فعلى هذا إن كان قبل الدخول فلا عدة عليها وإن كان بعده اعتدت "فإن كان النكاح مجمعا على بطلانه" كذات محرم ومطلقته ثلاثا لم تعتد للوفاة من أجله لأن النكاح المذكور وجوده كعدمه للإجماع على بطلانه.
فصل
"الثالث: ذات القرء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها ولو بطلقة ثالثة

(8/103)


وعدتها ثلاثة قروء إن كانت حرة وقرءان إن كانت أمة والقرء: الحيض في أصح الروايتين.
__________
إجماعا "وعدتها ثلاثة قروء إن كانت حرة" أو بعضها ل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: من الآية228] "وقرءان إن كانت أمة" في قول أكثر العلماء لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان" رواه أبو داود والترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ولا نعرف له في العلم غير هذا الحديث وعن ابن عمر نحوه رواه ابن ماجة والدار قطني من رواية عطية وهو ضعيف وهو قول عمر وعلي وابن عمر ولا يعرف لهم في الصحابة مخالف وكالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفا كما كان حدها على النصف من الحرة إلا أن الحيض لا يتبعض فوجب تكميله كالمطلقة ولهذا قال عمر لو أستطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفا لفعلت رواه البيهقي ولا يصح للجهالة أو الانقطاع والمدبرة والمكاتبة وأم الولد كالأمة.
"والقرء الحيض في أصح الروايتين" القروء في كلام العرب تقع على الحيض والطهر جميعا فهو من الأسماء المشتركة قال الخليل يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا دنا طهرها وقال أحمد بن يحيى ثعلب القروء الأوقات فقد يكون حيضا وقد يكون طهرا والقول بأنه الحيض هو الأشهر لأنه يطلق تارة ويراد به الانتقال يقال قرأ النجم أي انتقل من محل إلى آخر ويراد به الجمع يقال ما قرأت الناقة أي لم تجمع في بطنها ولدا فالأخذ به أولى لأن فيه جمعا بين حقيقتين وهذا هو الأظهر عن أحمد صححه في "المستوعب" وجزم به في "الوجيز" وقدمه في الرعاية و"الفروع" وهو قول عمر وعلي وابن عباس وروي عن أبي بكر وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدر داء قال أحمد في رواية الأثرم كنت أقول إنه الأطهار ثم وفقت لقول الأكابر ولأنه لم يعهد في لسان الشرع استعماله بمعنى الطهر في موضع واستعمل بمعنى الحيض في غير حديث وظاهر النص يقتضي وجوب التربص بثلاثة كاملة ومن جعل القروء الأطهار لم يوجب ثلاثة ولأن العدة استبراء فكانت بالحيض

(8/104)


ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها فإذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إحدى الروايتين والأخرى لا تحل حتى تغتسل والرواية الثانية القروء الأطهار.
__________
كاستبراء الأمة "ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها" لا نعلم فيها خلافا ورواه البيهقي بإسناد رجاله ثقات عن ابن عمر ولأن المطلقة فيها لم يبق منها ما يتم مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا يعتد بها ولأن الطلاق في الحيض إنما حرم للضرر بتطويل العدة فلو اعتدت بالحيضة المطلق فيها لكانت العدة حينئذ أقصر "فإذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إحدى الروايتين" قدمها في "الكافي" و"الرعاية" واختارها أبو الخطاب للآية وقد كملت القروء بوجوب الغسل عليها ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها ولأنه لم يبق حكم العدة في الميراث ووقوع الطلاق بها واللعان والنفقة فكذا هنا "والأخرى لا تحل حتى تغتسل" اختارها الخرقي والقاضي والشريف والشيرازي اعتمادا على أن هذا قول أكابر الصحابة قال أحمد روي عن ابن عباس أنه كان يقول إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه وهو أصح في النظر قيل له فلم لا تقول به قال ذلك يقول به عمر وعلي وابن مسعود فأنا انتهيت أن أخالفهم يعني اعتبار الغسل ويرشحه أن الظاهر إنما تركوه عن توقيف ممن له البيان وروي عن أبي بكر وعثمان وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء وظاهره ولو فرطت في الغسل سنين حتى قال به شريك عشرين سنة وحكاه في الهدي رواية ولكن إذا طلقها وهي حامل فوضعت بعد ذلك انقضت عدتها وإن لم تغتسل نص عليه وعنه أنها في عدتها وله رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي طهرت في وقتها وجزم به في "الوجيز" فعلى هذا تنقطع بقية الأحكام من قطع الإرث والطلاق واللعان والنفقة بانقطاع الدم رواية واحدة وجعلها ابن عقيل على الخلاف والرواية الثانية القروء الأطهار وهو قول زيد وابن عمر وعائشة رواه الشافعي عنهم بإسناد جيد وقال الشافعي أنا مالك عن ابن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا قال ابن عبد البر ورجع إليه أحمد قال في رواية الأثرم رأيت الأحاديث عمن قال القروء الحيض تختلف والأحاديث عمن قال : إنه

(8/105)


ويعتد بالطهر الذي طلقها فيه قرءا ثم إذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت.
__________
الأطهار صحاح قوية والعمدة فيه قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في عدتهن كقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [الانبياء: 47] أي في يوم القيامة والمشروع الطلاق في الأطهار لا في الحيض إجماعا وحديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها ولأنها عدة عن طلاق مجرد مباح فوجب أن يعتبر عقيب الطلاق كعدة الآيسة والصغيرة وجوابه بأن المراد ب قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ثلاث مستقبلات لعدتهن كما تقول لقيته لثلاث بقين من الشهر أي مستقبلات لثلاث وقال ابن عمر وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن} رواه أبو داود والنسائي.
"ويعتد بالطهر الذي طلقها فيه قرءا" لأن الطلاق إنما حرم في الحيض دفعا للضرر عنها بتطويل العدة عليها فلو لم تعتد ببقية الطهر قرءا كان الطلاق في الطهر أضر بها وأطول عليها وقال الزهري إنها تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه "ثم إذا طعنت في الحيضة الثالثة" أو الأمة في الثانية "حلت" قاله ابن عمر وزيد وعائشة رواه عنهم الأثرم لأنها لو لم تحل بذلك لأدى إلى إيجاب أكثر من ثلاثة قروء وذلك مخالف للنص وقيل لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا تنقضي العدة حتى يزول الاحتمال وليس من العدة في الأصح وإن طلقها في سلخ طهر أو علقه على سلخه فأول عدتها. أول طهر يأتي بعد حيضة.
فرع: كل فرقة بين زوجين بعد الدخول فعدتها عدة طلاق في قول أكثر العلماء وعن ابن عباس عدة الملاعنة تسعة أشهر عن عثمان وابن عمر وابن عباس وإسحاق عدة المختلعة بحيضة ورواه ابن القاسم عن أحمد واختاره الشيخ تقي الدين في بقية الفسوخ وأومأ إليه في رواية صالح لما روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن غريب وجوابه عموم الآية.

(8/106)


فصل
الرابع: اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر إن كن حرائر ، وإن كن إماء فشهران . وعنه ثلاثة . وعنه شهر ونصف.
__________
وكفرقة غير الخلع وحديثهم قال أبو بكر هو ضعيف مرسل وقول عثمان وابن عباس قد خالفه عمر وعلي وقولهما أولى والصحيح عن ابن عمر أن عدتها عدة المطلقة رواه مالك فصل.
"الرابع اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر إن كن حرائر" إجماعا ل قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] الآية الطلاق فإن كان الطلاق في أول الشهر كفى ثلاثة أشهر بالأهلة للنص وإن كان في أثنائه اعتدت بقيتهم ثم اعتدت شهرين بالأهلة ثم من الثالث تمام ثلاثين يوما جزم به في "الكافي" وغيره وقدمه في "المستوعب" ونصره في "الشرح" وقاله أكثر العلماء لأن الأصل الهلال فلا يرجع إلى العدد إلا عند التعذر وعنه يعتبر الجميع بالعدد وهو قول بنت الشافعي لأنه إذا حسب الأول بالعدد كان ابتداء الثاني من نصف الشهر وكذلك الثالث قلنا لا يلزم إتمام الشهر الأول من الثاني بل من الرابع ويحتسب من الساعة التي فارقها فيها الأكثر وقال ابن حامد يحتسب بأول الليل أو النهار لأن حساب الساعات يشق فسقط اعتباره وجوابه قوله تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فلا تجوز الزيادة بغير دليل وحساب الساعات ممكن إما يقينا وإما استظهارا "وإن كن إماء فشهران" هذا أكثر الروايات عنه واختارها الأكثر واحتج فيه بقول عمر رواه الأثرم ولأن كل شهر مكان قرء وعدتها بالأقراء قرآن فكذا هنا "وعنه ثلاثة" روى عنه الحسن ومجاهد وقدمه في "الرعاية الكبرى" لعموم الآية ولأن اعتبار الشهور لمعرفة براءة الرحم ولا يحصل بأقل من ثلاثة "وعنه شهر ونصف" نقلها الميموني والأثرم واختارها وقاله علي وابن عمر لأن عدتها نصف عدة .

(8/107)


وعدة أم الولد عدة الأمة عدة المعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة وحد الإياس : خمسون سنة وعنه أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة وإن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت إلى القروء.
__________
الحرة وإنما كملنا الإقراء لتعذر تنصيفها ومن رد الرواية الثانية قال هي مخالفة لإجماع الصحابة لأنهم اختلفوا على القولين أي الأول والثالث فلا يجوز إحداث ثالث لأنه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم ولا يجوز ذلك ولأنها معتدة بغير الحمل فكانت دون الحرة كذات القروء والمتوفى عنها زوجها وأغرب منه رابعة أن عدتها شهر فقط "وعدة أم الولد" والمكاتبة والمدبرة "عدة الأمة" لأنها أمة مملوكة ولأن أم الولد أمة في كل أحكامها إلا في جواز بيعها "وعدة المعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة" فإذا كان نصفها حرا فعلى الأولى عدتها شهران ونصف وعلى الثالثة شهران وسبعة أيام ونصف وقال السامري شهران وثمانية أيام وعلى الثانية تساوي الحرة وذكر أبو بكر وقدمه في "الترغيب" أن عدتها كحرة على الروايات وهي كالحرة إذا اعتدت بالحمل لأن عدة الحامل لا تختلف بالحرية والرق "وحد الإياس خمسون سنة" لقول عائشة لن ترى ولدا بعد خمسين سنة "وعنه أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة" ذكر الزبير ابن بكار في كتاب "النسب" أن هندا بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة وقال يقال إنه لن تلد بعد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد بعد الستين إلا قرشية ولأنهن أقوى حيلة وطبيعة قال المؤلف والصحيح أنها متى بلغت خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات بغير سبب فقد صارت آيسة وإن انقطع قبل ذلك فكمن انقطع حيضها لا تدري ما رفعه وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة فهو حيض على الصحيح وإن رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض فلا تعتد به وتعتد بالأشهر كالتي لا ترى دما.
"وإن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت إلى القروء" لأن الشهور بدل

(8/108)


ويلزمها إكمالها وهل تحسب ما قبل الحيض قرءا إذ قلنا القروء الأطهار؟ على وجهين وإن يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الآيسات وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة وإن كانت بائنا بنت على عدة أمة.
__________
عنها فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء "ويلزمها إكمالها" أي إكمال ثلاثة قروء لأن إكمالها واجب على معتدة بها "وهل يحسب ما قبل الحيض قرءا؟ إذا قلنا القروء الأطهار على وجهين" كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع".
أحدهما: تعتد به لأنه طهر قبل الحيض أشبه الطهر بين الحيضتين.
والثاني: لا يحسب وهو أشهر لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين، وهذا لم يتقدمه حيض أما لو حاضت بعد انقضاء عدتها بالشهور ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لأنه حدث بعد انقضاء العدة أشبه ما لو حدث بعد طول الفصل.
"وإن يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الآيسات" أي تبدأ بثلاثة أشهر لأن العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر الحيض فتنتقل إلى الأشهر لأنها عجزت عن الأصل وكالمتيمم "وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة" نص عليه لأن الحرية وجدت وهي زوجة فوجب أن تعتد عدة الحرة كما لو عتقت قبل الطلاق وإن كانت بائنا بنت على عدة أمة" نص عليه لأن الحرية لم توجد وهي زوجة فوجب أن تبني على عدة أمة وكالمدبرة ولم يلزمها الانتقال إلى عدة الحرة كما بعد انقضاء العدة.
فرع: إذا أعتقت الأمة تحت عبد فاختارت نفسها اعتدت كحرة لأنها بانت من زوجها وهي حرة وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة بذلك وإن طلقها رجعيا فأعتقها سيدها بنت على عدة حرة سواء فسخت أو أقامت على النكاح وإن لم تفسخ فراجعها في عدتها فلها الخيار فإن اختارت الفسخ قبل المسيس فهل تستأنف أو تبني على ما مضى فيه وجهان فإن قلنا تستأنف فإنها تستأنف عدة حرة ولذلك تبني عليها .

(8/109)


فصل
الخامس: من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت سنة تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة وإن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهرا ويحتمل أن يقعد الحمل أربع سنين
__________
فصل
"الخامس: من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه" أي لا تعلم سببه "اعتدت سنة تسعة أشهر للحمل" أي منذ أن انقطع لتعلم براءتها من الحمل لأنها غالب مدته .
"وثلاثة للعدة" رواه الشافعي بإسناد جيد من حديث سعيد بن المسيب عن عمر قال الشافعي هذا قضاء عمر في المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه وقال تكون في عدة أبدا حتى تحيض أو تبلغ سن الإياس فتعتد ثلاثة أشهر وقاله أهل العراق واعتمد على قول ابن مسعود رواه البيهقي ولأن الاعتداد بالأشهر جعل بعد الإياس فلم يجز قبله كما لو تباعد حيضها لعارض وجوابه الإجماع ولأن الغرض بالاعتداد معرفة براءة رحمها وهذا يحصل به براءة الرحم فاكتفي به ولهذا اكتفي في حق ذات القروء بثلاثة أقراء وفي حق الآيسة بثلاثة أشهر ولو روعي اليقين لاعتبر أقصر مدة الحمل "وإن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهرا" تسعة للحمل وشهرين للعدة لأن مدة الحمل تتساوى فيه الحرة والأمة لكونه أمرا حقيقيا وإذا قلنا عدتها شهر ونصف فتكون عدتها عشرة أشهر ونصف وعلى الثانية هي كالحرة "ويحتمل أن يقعد الحمل أربع سنين" حكاه في "المحرر" وغيره قولا لأنه أكثر مدة الحمل فلا تعلم البراءة يقينا إلا بذلك ثم تعتد كآيسة وجوابه قول ابن عباس لا تطولوا عليها الشقة كفاها تسعة أشهر لظهور براءتها من الحمل بغالب مدته ولأن في قعودها أربع سنين ضررا لأنها تمنع من الأزواج وتحبس عنه ويتضرر الزوج بإيجاب النفقة والسكنى عليه
تنبيه : إذا حاضت بعدها لم تنقض به العدة وقيل بلى ما لم تتزوج جزم

(8/110)


وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض ، والمستحاضة الناسية لعادتها :ثلاثة أشهر. وعنه :سنة.
__________
به السامري وغيره وإن حاضت فيها اعتدت بالأقراء وإن حاضت بعد النكاح فلا والنكاح باق.
قال ابن حمدان وكذا الخلاف إن اعتدت الكبيرة بالشهور ثم حاضت قبل النكاح أو بعده وفيه شيء فإن حاضت حيضة ثم ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت سنة في وقت انقطاع الحيض نص عليه وقال أذهب إلى حديث عمر قال ابن المنذر قضى به عمر بين المهاجرين والأنصار "وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض" ثلاثة أشهر في قول الخرقي وأبي بكر وقدمه في "الكافي" و"الرعاية" وجزم به في "الوجيز" ل قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الآية ولأن الاعتبار بحال المعتدة لا بحال غيرها ولهذا لو حاضت لعشر سنين اعتدت بالحيض وفارق من ارتفع حيضها فإنها من ذوات القروء "والمستحاضة الناسية لعادتها" ولا تمييز لها "ثلاثة أشهر" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة بنت جحش أن تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة فجعل لها حيضة في كل شهر بدليل أنها تترك فيها الصلاة ونحوها ويثبت فيه سائر أحكام الحيض كذا هنا ومنه لها عادة أو تمييز عملت بهما وإن عملت لها حيضة في كل مدة كشهر اعتدت بتكرارها نص عليه.
وفي "عمد الأدلة" المستحاضة الناسية لوقت حيضها تعتد ستة أشهر "وعنه سنة" أما في الأولى فاختاره القاضي وأصحابه وقدمه في "المستوعب" قال القاضي هذه الرواية أصح لأنه أتى عليها زمن الحيض فلم تحض أشبه من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه وضعفها أبو بكر وقال رواه أبو طالب فخالف فيها أصحابه وأما في الثانية فلأنها لم تتيقن لها حيضا مع أنها من ذوات القروء أشبهت التي ارتفع حيضها.
قال في "الكافي" والأول أولى فينبغي أن يقال متى حكمنا بأن حيضها سبعة أيام من كل شهر فمضى لها شهران بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها فإن قلنا القروء الأطهار فطلقها في آخر شهر ثم مر لها

(8/111)


فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض أو رضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به إلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ.
__________
شهران وهل الثالث انقضت عدتها.
"فأما التي عرفت ما رفع الحيض من مرض أو رضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به" لما روى الشافعي عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره أن حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي مرضع فمكثت سبعة أشهر لا تحيض يمنعها الرضاع ثم مرض حبان فقيل له إن مت ورثتك فجاء إلى عثمان وأخبره بشأن امرأته وعنده علي وزيد فقال لهما عثمان ما تريان فقالا نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض وليست من اللائي لم يحضن ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل وكثير فرجع حبان إلى أهله فانتزع البنت منها فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم أخرى ثم مات حبان قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة الوفاة وورثته.
ورواه البيهقي عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عنده امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت لها سنة ثم مات ولم تحض فاختصموا إلى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك يعني علي بن أبي طالب وليس فيه ذكر زيد ومحمد هذا توفي سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن أربع وتسعين سنة ولأنها من ذوات القروء والعارض الذي منع الدم يزول فانتظر زواله.
"إلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ" لأنها آيسة أشبهت سائر الآيسات وعنه ينتظر زواله ثم إن حاضت اعتدت به وإلا بسنة وهو ظاهر عيون المسائل و"الكافي" ونقل ابن هانئ تعتد سنة ونقل حنبل إن كانت لا تحيض أو ارتفع حيضها أو صغيرة فعدتها ثلاثة أشهر ونقل أبو الحارث في أمة ارتفع حيضها لعارض تستبرأ بتسعة أشهر للحمل وشهر للحيض واختار الشيخ تقي الدين إن علمت عدده فكآيسة وإلا سنة.

(8/112)


فصل
السادس امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله أو في مفازة ، أو بين الصفين إذا قتل قوم ، أو من غرق مركبه ونحو ذلك فإنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة.
__________
فصل
"السادس امرأة المفقود" حرة كانت أو أمة "الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله" ليلا أو نهارا "أو في مفازة" مهلكة كبرية الحجاز "أو بين الصفين إذا قتل قوم أو من غرق مركبه ونحو ذلك" كالذي يخرج إلى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ثم يرجع ولا يظهر له خبر "فإنها تتربص أربع سنين" أكثر مدة الحمل "ثم تعتد للوفاة" هذا المذهب
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله تذهب إلى حديث عمر وهو أن رجلا فقد فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له فقال تربصي أربع سنين ففعلت ثم أتته فقال تربصي أربعة أشهر وعشرا ففعلت ثم أتته فقال أين ولي هذا الرجل فجاؤوا به فقال طلقها ففعل فقال عمر تزوجي من شئت رواه الأثرم والجوزجاني والدارقطني قال أحمد هو أحسنها يروى عن عمر من ثمانية وجوه ثم قال زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابون وقال من ترك هذا أي شيء يقول هو عن خمسة من الصحابة عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير ونقل عنه أبو الحارث كنت أقول ذلك وقد ارتبت فيه اليوم وهبت الجواب لاختلاف الناس وكأني أحب السلامة قال أصحابنا هذا توقف يحتمل الرجوع عما قاله أولا وتكون زوجته حتى يثبت موته أو يمضي زمن لا يعيش في مثله ويحتمل التورع عما قاله أولا قال القاضي أكثر أصحابنا أن المسألة رواية واحدة وعندي أنها على روايتين وقال أبو بكر إن صح الاختلاف ألا يحكم بحكم ثان إلا بدليل على الانتقال وإن ثبت الإجماع فالحكم فيه على ما نص عليه وعنه لا يحل حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها غالبا قدمه

(8/113)


وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ، ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة؟ على روايتين. وإذا حكم الحاكم بالفرقة نفذ حكمه في الظاهر دون الباطن . فلو طلق الأول صح طلاقه. ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا؛
__________
الحلواني وعنه حتى يعلم خبره فيقف ما رأى الحاكم وعنه يعتبر أن يطلقها الولي بعد تربصها اختاره ابن أبي موسى فتعتد عدة طلاق لقول عمر وعلي وجابر و"المذهب" أنه لا يعتبر ذلك وهو قول ابن عمر وابن عباس وهو القياس وقال ابن عقيل لا يعتبر فسخ النكاح الأول على الأصح "وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم بضرب المدة وعدة الوفاة على روايتين" كذا في "المحرر" و"الفروع"
إحداهما يفتقر قدمها في الرعاية وجزم بها في "الوجيز" لأنها مدة مختلف فيها أشبهت مدة العنة فعلى هذا يكون ابتداء المدة من حين ضربها الحاكم وقيل منذ انقطع خبره جزم به في "الرعاية".
والثانية : وهي الأصح أنه لا يفتقر فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حكم ولأن هذا ظاهر في موته أشبه ما لو قامت به بينة فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خبره وبعد أثره
فرع: إذا اختارت المقام فلها النفقة مدة حياته وإن رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها المدة فلها النفقة مدة التربص والعدة وبعدها حتى يحكم بالفرقة وإن حكم بفراقها انقطعت نفقتها وذكر ابن الزاغوني أنها إذا شرعت في عدة الوفاة لا نفقة لها "وإذا حكم الحاكم بالفرقة" وفي المستوعب والرعاية أو انقضت المدة "نفذ حكمه في الظاهر" لأن عمر لما حكم بالفرقة نفذ ظاهرا ولو لم ينفذ لما كان في حكمه
فائدة : "دون الباطن" لأن حكم الحاكم لا يغير الشيء عن صفته في الباطن "فلو طلق الأول صح طلاقه" لأنا حكمنا بالفرقة بناء على أن الظاهر هلاكه فإذا ثبتت حياته انتقض الظاهر ولم يبطل طلاقه كما لو شهدت به بينة كاذبة وكذا إن ظاهر أو آلى أو قذف لأن نكاحه باق بدليل تخييره في أخذها
"ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا" هذه رواية قال أبو الخطاب: وهو

(8/114)


فينفسخ نكاح الأول، ولا يقع طلاقه . وإذا فعلت ذلك ثم تزوجت ،ثم قدم زوجها الأول ،ردت إليه إن كان قبل دخول الثاني بها . وإن كان بعده خير الأول بين أخذها منه، وبين تركها مع الثاني ويأخذ صداقها منه. وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها، أو الذي أعطاها الثاني. على روايتين.
__________
القياس لأنه ينفذ باطنا في العقود والفسوخ في قول وهذا فسخ فتكون زوجة الثاني ولا خيار للأول "فينفسخ نكاح الأول ولا يقع طلاقه" لأنها بانت بفرقة الحاكم في محل مختلف فيه كما لو فسخ نكاحها لعسرته أو عنته فلهذا لم يقع طلاقه ويتوجه عليهما الإرث "وإذا فعلت" ذلك أي تربصت أربع سنين واعتدت للوفاة "ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول ردت إليه" لأنا تبينا حياته أشبه ما لو شهدت بينة بموته فبان حيا ولأنه أحد الملكين أشبه ملك المال وعلم منه أنها إذا لم تتزوج فإنها ترد إليه مطلقا وكذا إن كان بعد أن تزوجت "إن كان قبل دخول الثاني بها" فتكون زوجة الأول رواية واحدة لأن النكاح كان باطلا لأنه صادف امرأة ذات زوج وتعود إليه بالعقد الأول وليس على الثاني صداق لبطلان نكاحه ولم يتصل به دخول وعنه يخير حكاها القاضي وأخذها من قول أحمد إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين امرأته وبين الصداق "وإن كان بعده" أي بعد دخول الثاني بها ووطئه "خير الأول بين أخذها منه" فتكون امرأته بالعقد الأول "وبين تركها مع الثاني" لقول عمر وعثمان وعلي وقضى به ابن الزبير ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع فعلى هذا إن أمسكها الأول فهي زوجته بالعقد السابق ولا يحتاج الثاني إلى طلاق في المنصوص لأن نكاحه كان باطلا في الباطن وقال القاضي قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق كسائر الأنكحة الفاسدة ويجب اعتزالها حتى تنقضي عدتها وإن لم يخترها كانت عند الثاني من غير تجديد عقد في الأشهر قاله في "الرعاية" لأن الصحابة لم ينقل عنهم تجديد عقد والقياس بلى وصححه المؤلف لأنا تبينا بطلان عقده بمجيء الأول ويحتمله قول الصحابة "ويأخذ صداقها منه" أي من الثاني لقضاء الصحابة ولأنه حال بينه وبين زوجته بعقد ودخول.
"وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها أو الذي أعطاها الثاني على روايتين" .

(8/115)


والقياس أن ترد إلى الأول ولا خيار إلا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة والسياحة فإن امرأته تبقى أبدا حتى تتيقن موته. وعنه. أنها تتربص لتسعين عاما مع سنة يوم ولد.
__________
كذا في "المحرر" و"الفروع" إحداهما يرجع بالصداق الذي أعطاها هو اختارها أبو بكر وقدمها في "الكافي" لقضاء عثمان وعلي ولأن الثاني أتلف المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا فعليها إن لم يكن دفع إليها الصداق لم يرجع بشيء وإلا رجع في قدر ما قبض منه والأشهر أنه يرجع بالمهر الذي أصدقها الثاني لأنه بذله عوضا عما هو مستحق للأول فكان أولى ويرجع الثاني عليها بما أخذ منه في رواية وجزم بها في "الوجيز" وقال ابن عقيل والقياس لا رجوع ثم قال المؤلف وجمع "والقياس أن ترد إلى الأول ولا خيار" له لأنه زوجها ولم ينفسخ نكاحه فردت إليه كما لو تزوجت لبينة قامت بوفاته ثم تبين كذبها بقدومه حيا "إلا أن يفرق الحاكم بينهما ونقول بوقوع الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال" لأن نكاحه وقع بعد بطلان نكاح الأول وقضاء عدتها أشبه ما لو طلقها الأول ونقل أبو طالب لا خيار للأول مع موتها وقال الشيخ تقي الدين هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه ذكره أصحابنا وهل ترث الأول قال أبو جعفر ترثه وخالفه غيره وأنه متى ظهر الأول فالفرقة ونكاح الثاني موقوفا فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ وإن أمضى ثبت نكاح الثاني "فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة" في غير مهلكة "والسياحة" في الأرض للتعبد والترهب وقيل هو الغازي وقيل طالب العلم "فإن امرأته تبقى أبدا حتى تتيقن موته" روي عن علي وابن شبرمة والثوري وهو قول أكثرهم وصححه في "الكافي" فيجتهد الحاكم كغيبة ابن تسعين ذكره في "الترغيب" ولأن النكاح ثابت فلا يزول بالشك وقدم في "الرعاية" أنها تبقى ما رأى الحاكم ثم تعتد للوفاة وفي "المستوعب" تبقى إلى أن يثبت موته أو يمضي عليه زمان لا يعيش مثله في الغالب واختاره أبو بكر "وعنه أنها تتربص لتسعين عاما مع سنة يوم ولد" نقلها عنه أحمد بن أصرم

(8/116)


ثم تحل. وكذلك امرأة الأسير. ومن طلقها زوجها أومات عنها، وهو غائب عنها، فعدتها من يوم مات أوطلق.
__________
وجزم بها في "المحرر" و"الوجيز" وقدمها في "الفروع" لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها وقال ابن عقيل مائة وعشرين سنة منذ ولد لأنه العمر الطبيعي قلنا التحديد لا يصار إليه إلا بالتوقيف ولأن تقديره بذلك يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة ولا نظير له وخبر عمر ورد فيمن ظاهر غيبته الهلاك فلا يقاس عليه غيره "ثم تحل" لأنه قد حكم بموته أشبه امرأة المفقود الذي غيبته ظاهرها الهلاك ولكن بعد أن تعتد عدة الوفاة قال في "المغني" و"الشرح" و"المذهب" الأول لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل التسعين ومتى ظهر موته باستفاضة أو بينة فكمفقود وتضمن البينة ما تلف من ماله ومهر الثاني "وكذلك امرأة الأسير" وكذا في "الوجيز" وغيره أي حكمها حكم امرأة المفقود لغيبة ظاهرها السلامة لأنهما يتساويان فوجب تساويهما حكما لكنهم أجمعوا أنها لا تتزوج حتى تتيقن وفاته.
فرع إذا كانت منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فليس لامرأته أن تتزوج في قولهم أجمعين إلا أن يتعذر عليها الإنفاق من ماله فلها أن تطلب ومن طلقها زوجها أو مات عنها وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات أو طلق وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة وعنه إن ثبت ذلك ببينة فكذلك وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر وعدة الموطوءة بشبهة عدة مطلقة فسخ النكاح فيفسخ نكاحه وفي الرعاية وإن غاب وعلم الزوجة مع النفقة وعدم الإضرار بترك الوطء الواجب.
مسألة : إذا أبق العبد فزوجته باقية حتى يعلم موته أو ردته فإن تعذر الإنفاق عليها من ماله فحكمه في الفسخ ما ذكرنا إلا أن العبد نفقة زوجته على سيده أو في كسبه فيعتبر تعذر الإنفاق من محل الوجوب.
"ومن طلقها زوجها أو مات عنها وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات أو طلق" هذا هو المشهور وصححه في "الكافي" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" وهو قول ابن عمر وابن عباس وابن مسعود رواه عنهم البيهقي لأنها لو كانت حاملا عالمة بفرقة زوجها لانقضت عدتها فكذا سائر أنواع العدد كما لو كان حاضرا ولأن معتبر في العدة بدليل الصغيرة والمجنونة "وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة" لأن الإحداد الواجب

(8/117)


وإن لم تجتنب من تجتنبه المعتدة. وعنه. إن ثبت ذلك ببينة. فكذلك،وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر. وعدة الموطوءة بشبهة عدة مطلقة. وكذلك عدة المزني بها. وعنه. أنها تستبرأ بحيضة.
فصل
إذا وطئت المعتدة بشبهة أوغيرها ،أتمت عدة الأول.
__________
ليس بشرط في العدة لظاهر النصوص "وعنه إن ثبت ذلك ببينة فكذلك" كوضع الحمل لتحقق السبب فوجب أن تعتد به "وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر" روي عن علي والحسن لأن العدة اجتناب أشياء ولم تجتنبها وجوابه بأنه ينتقض ما إذا ثبت ببينة وحكى البيهقي عن علي كالأول وما ذكرناه عنه أشهر قاله البيهقي "وعدة الموطوءة بشبهة" أو نكاح فاسد "عدة المطلقة" ذكره في "الانتصار" إجماعا لأن الوطء في ذلك في شغل الرحم ولحرق النسب كالوطء في النكاح الصحيح لكن عدة الأولى منذ وطئت وعكسه.
الثانية: "وكذلك عدة المزني بها" قدمه في "الكافي" و"المستوعب" و"المحرر" و"الفروع" لأنه وطء يقتضي شغل الرحم كوطء الشبهة ولأنه لو لم تجب العدة لاختلط ماء الواطئ والزوج فلم يعلم امن الولد منهما "وعنه أنها" لا عدة عليها بل "تستبرأ بحيضة" اختاره الحلواني وابن رزين لأن المقصود معرفة البراءة من الحمل كأمة مزوجة واختاره الشيخ تقي الدين في الكل وفي كل فسخ وطلاق ثلاث وعنه تستبرأ بثلاث حيض وهي كالأول إلا أن يريد تسميتها عدة فيجب فيها الإحداد ولا تتداخل في عدة مطلقها بخلاف الاستبراء كما إذا اشترى أمة فطلقها زوجها بعد الدخول بها فتعتد عن طلاقها ويدخل الاستبراء في العدة.
فرع : إذا وطئت زوجته أو سريته بشبهة أوزنى حرمت عليه حتى تعتد وفيما دون الفرج وجهان.
فصل
"إذا وطئت المعتدة بشبهة أوغيرها" كنكاح فاسد "أتمت عدة الأول" لأن

(8/118)


ثم استأنفت العدة من الوطء وإن كانت بائنا فأصابها المطلق عمدا فكذلك وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة للوطء ودخلت فيها بقية الأولى وإن تزوجت في عدتها ولم تنقطع عدتها حتى يدخل بها فتنقطع حينئذ ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول واستأنفت العدة من الثاني وإن أتت بولد من أحدهما
__________
سببها على الوطء المذكور ولا يحسب منها مقامها عند الثاني في الأصح وله رجعة الرجعية في التتمة في الأصح "ثم استأنفت العدة من الوطء" لأن العدتين من رجلين لا يتداخلان كالديتين "وإن كانت بائنا فأصابها المطلق عمدا فكذلك" لأنه وطء محرم ولا يلحق فيه النسب ولأن عدة الأولى عدة طلاق والثانية عدة زنى فلم تدخل إحداهما في الأخرى لاختلاف سببهما إذ اختلاف السبب لا يوجب التداخل وإن اتحد الحكم دليله الكفارات "وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة للوطء" لأن الوطء قطع العدة الأولى وهو موجب للاعتداد والاحتياج إلى العلم ببراءة الرحم من الحمل "ودخلت فيها بقية الأولى" لأن الوطء بشبهة يلحق به النسب فدخلت بقية الأولى في العدة الثانية.
"وإن تزوجت في عدتها" لم يجز نكاحها إجماعا وسنده قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم لئلا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب "ولم تنقطع عدتها" لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا تستحق عليه نفقة ولا سكنى لأنها ناشز "حتى يدخل بها فتنقطع حينئذ" سواء علم التحريم أو جهله لأنها تصير بالدخول فراشا لغيره بذلك وهو يقتضي إلا تبقى في عدة غيره.
"ثم إذا فارقها بنت على عدة الأول" لأن حقه أسبق ولأن عدته وجبت عن وطء في نكاح صحيح "واستأنفت العدة من الثاني" ولا تتداخل العدتان رواه مالك والشافعي والبيهقي بإسناد جيد عن عمر وعلي ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة ولأنهما حقان مقصودان لآدميين كالديتين ولأنه حبس يستحقه الرجال على النساء فلم يجز أن تكون المرأة في حبس رجلين كالزوجة.
"وإن أتت بولد من أحدهما" عينا أو ألحقته به قافة وأمكن أن تأتي به لستة

(8/119)


وانقضت عدتها به منه ثم اعتدت للآخر أيهما كان وإن أمكن أن يكون منهما أرى القافة معهما فألحق بمن ألحقوه به منهما وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر وإن ألحقته بهما ألحق بهما وانقضت عدتها به منهما وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين.
ـــــــ
أشهر فأكثر من وطء الثاني نقله الجماعة ولأربع سنين فأقل من بينونة الأول لحقه "وانقضت عدتها به منه" لأن عدة الشخص تنقضي بوضع حمله وقد وجد "ثم اعتدت للآخر أيهما كان" لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان والعدة من غيره "وإن أمكن أن يكون منهما" بما ذكرنا "أري القافة معهما" لأن القافة تلحقه بأشبههما ويصير ذلك بمنزلة ما لو علم ذلك بطريقة "فألحق بمن ألحقوه به منهما" لأن قولها في ذلك حجة "وانقضت به عدتها منه" لأن الولد له حكما أشبه ما لو علم ذلك يقينا "واعتدت للآخر" لما ذكرنا "وإن ألحقته بهما ألحق بهما وانقضت عدتها به منهما" لأن الولد محكوم به لهما فتكون قد وضعت حملها منهما وفي "الانتصار" احتمال تستأنف عدة الآخر كموطوءة لاثنين وعند أبي بكر إن أتت به لستة أشهر من نكاح الثاني فهو له ذكره القاضي وابن عقيل ونقل ابن منصور مثله وزاد فإن ادعياه فالفاقة ولها المهر بما أصابها ويؤدبان ولم يتكلم المؤلف على ما إذا نفته القافة عنهما أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة والحكم فيه أنها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء لأنه إن كان من الأول فقد أتت بما عليها من عدة الثاني وإن كان من الثاني فعليها أن تكمل عدة الأول لتسقط الفرض بيقين وعلم مما سبق أنها إذا ولدت لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين من فراق الأول لم يلحقه بواحد منهما ولا تنقضي عدتها به منه لأنا نعلم أنه من وطء آخر.
"وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين" وهو قول علي و روي عن عمر أنه رجع إليه رواه البيهقي بإسناد جيد وكما لو زنى بها و آيات الإباحة عامة وقال الشافعي له نكاحها بعد قضاء عدة الأول لأن العدة إنما شرعت لحفظ النسب وصيانة الماء والنسب لاحق به أشبه ما لو خالعها ثم نكحها في عدتها قال في "المغني" وهذا قول حسن موافق للنص ووجه تحريمها قبل انقضاء العدتين

(8/120)


وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد وإن وطئ رجلان امرأة فعليها عدتان لهما
فصل
إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى
ـــــــ
قوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ } [البقرة: 235] ولأنه وطء يفسد به النسب فلم يجز النكاح في العدة كوطء الأجنبي.
وأما الأول فإن كان طلقها ثلاثا لم تحل له بهذا النكاح وإن وطئ فيه لأنه باطل وإن كان دون الثلاث فله رجعتها بعد العدتين وإن كانت رجعية فله رجعتها في عدتها منه.
"وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد" لقول عمر لا تنكحها أبدا رواه مالك والشافعي والبيهقي بإسناد جيد وأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل مورثه وكاللعان وقيل في النكاح الفاسد وحكاه في "المحرر" والرعاية رواية.
فرع : كل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة فقياس "المذهب" تحريم نكاحها على الواطئ وغيره قال في "المغني" والأولى حل نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب ولدها لأن العدة لحفظ مائه وصيانة نسبه ولا يصان ماؤه المحترم عن مائه المحرم ولا يحفظ نسبه عنه "وإن وطئ رجلان امرأة" بشبهة أو زنى "فعليها عدتان لهما" لقول عمر وعلي ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالديتين واختار ابن حمدان إذا زنى بها تكفيه عدة سواء قلنا هي حيضة أو أكثر.
فرع : إذا خالع امرأته أو فسخ نكاحه فله أن يتزوجها في عدتها في قول الأكثر وشذ بعض المتأخرين فقال لا يحل نكاحها ولا خطبتها.
فصل
"إذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من

(8/121)


من العدة وإن راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها استأنفت العدة وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف على روايتين وإن طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فيها قبل دخوله بها فعلى روايتين أولاهما أنها تبني على ما مضى من العدة الأولى لأن هذا طلاق من نكاح لا دخول فيه فلا يوجب عدة.
ـــــــ
العدة" لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة أشبها الطلقتين في وقت واحد "وإن راجعها ثم طللقها بعد دخوله بها استأنفت العدة" من الطلاق الثاني لأنها طلاق في نكاح اتصل به المسيس "وإن طلقها قبل دخوله بها فهل تبني أو تستأنف على روايتين" أولاهما أنها تستأنف لأنه طلاق في نكاح صحيح وطئ فيه كما لو لم يتقدمه طلاق والثانية تبني لأنه لو نكحها ثم طلقها قبل المسيس لم يلزمه لذلك الطلاق عدة كذلك الرجعة وإن فسخ نكاحها قبل الرجعة بخلع أو غيره احتمل أن يكون حكمه حكم الطلاق لأن موجبه في العدة موجب الطلاق واحتمل أن تستأنف العدة لأنهما جنسان بخلاف الطلاق وإن وطئها في عدتها وقلنا تحصل به الرجعة فحكمها حكم من ارتجعها بلفظة ثم وطئها وإذا لزمها استئناف العدة كوطء الشبهة وتدخل عدة الطلاق فيها وإن حملت من هذا الوطء دخلت فيها بقية الأولى في وجه لأنهما من رجل واحد وفي آخر لا لأنهما من جنسين فإذا وضعت حملها أتمت عدة الطلاق وإن وطئها وهي حامل ففي تداخل العدتين وجهان فإن قلنا بالتداخل فانقضاؤهما معا بوضع الحمل وإن قلنا بعدمه فانقضاء عدة الطلاق بوضع الحمل ويستأنف عدة الوطء بالقروء "وإن طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فيها قبل دخوله بها فعلى روايتين أولاهما أنها تبني على ما مضى من العدة الأولى" اختارها المؤلف وجزم بها في "الوجيز" وقدمها في "الفروع" لأنها تنقطع بعقد التزويج لكونها تصير به فراشا فلا تبقى معتدة منه مع كونها فراشا له "لأن هذا طلاق من نكاح لا دخول فيه" ولا مسيس "فلا يوجب عدة" كما لو لم يتقدمه نكاح وذكر القاضي في موضع أنه لا يلزمها استئناف العدة رواية واحدة لكن يلزمها بقية عدة الأولى لأن إسقاطها يفضي إلى اختلاط المياه لأنه يتزوج امرأة ويطؤها ويخلعها ثم يتزوجها ويطلقها في الحال ويتزوجها

(8/122)


فصل
ويجب الإحداد على المعتدة من الوفاة وهل يجب على البائن على روايتين
ـــــــ
الثاني في يوم واحد والثانية تستأنف لأنه طلاق لا يخلو من عدة كالأول ولو أبانها حاملا ثم نكحها حاملا ثم طلقها حاملا فرغت بوضعه عليهما ولو أتت به قبل طلاقه فلا عدة على الأولى.
فصل
"ويجب الإحداد" وهو المنع إذا المرأة تمنع نفسها مما كانت تتهيأ به لزوجها من تطيب وتزين يقال أحدت المرأة إحدادا فهي محدة وحدت تحد بالضم والكسر فهي حادة سمي الحديد حديدا للامتناع به أو لامتناعه على من يحاوله.
"على المعتدة من الوفاة" بغير خلاف نعلمه إلا عن الحسن فإنه ذهب إلى أنه ليس بواجب وهو قول شاذ فلا يعرج عليه احتج بعضهم ب قوله تعالى: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:234] فإن ظاهره ما تنفرد به المرأة والنكاح لا يتم إلا مع الغير فحمل على ما يتم به وحدها من الزينة والطيب وقد روت أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد امرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا" متفق عليه.
فائدة : العصب بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين وهو نوع من البرود يصبغ غزله ثم ينسج.
"وهل يجب على البائن" كالمطلقة ثلاثا والمختلعة على روايتين كذا أطلقهما في "المستوعب" و"الرعاية"
إحداهما: لا يجب لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل"

(8/123)


ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة أو زنى أو نكاح فاسد أو بملك يمين وسواء في الإحداد المسلمة والذمية والمكلفة وغيرها والإحداد اجتناب الزينة والطيب.
ـــــــ
رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته فأما البائن فإنه فارقها باختياره وقطع نكاحها فلا معنى لتكلفها الحزن عليه ولأن المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج به وليس له من ينفيه فاحتيط عليها بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة البائن.
والثانية: يجب واختاره الأكثر والرجعية زوجة والحديث مدلوله تحريم الإحداد على ميت غير الزوج ونحن نقول به ولهذا جاز الإحداد من هنا بالإجماع لكن لا يسن قاله في "الرعاية" مع أنه يحرم فوق ثلاث على ميت غير زوج فعلى هذا حكمها حكم المتوفى عنها في توقي الزينة والطيب والصحيح أنه لا يجب على المختلعة لأنها يحل لزوجها الذي خالعها أن يتزوجها في عدتها بخلاف البائن بالثلاث.
وفي "الانتصار" لا يلزم بائنا قبل دخول.
"ولا يجب على الرجعية" بغير خلاف نعلمه لأنها في حكم الزوجات "والموطوءة بشبهة" لأنها ليست معتدة من نكاح فلم تكمل الحرمة "أو زنى أو نكاح فاسد" لأن من ذكر ليس بزوج وفي الجامع أن المنصوص يلزم الإحداد في نكاح فاسد "أو بملك يمين" كالسرية وأم الولد وهي كالحرة وللسيد إمساكها نهارا وإرسالها ليلا فإن أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله في المنزل وعلى الورثة إسكانها فيه كالحرة سواء "وسواء في الإحداد" أي وجوبه "المسلمة والذمية والمكلفة وغيرها" لعموم الأحاديث ولأن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات وإنما يفترقان في الإثم فكذا في الإحداد "والإحداد اجتناب الزينة والطيب" يجب على الحادة اجتناب ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها وذلك أمور أحدها الطيب ولا خلاف في تحريمه للأخبار الصحيحة ولأنه يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة وذلك كزعفران ونحوه وإن كان بها سقم نقله أبو طالب ويلحق به في التحريم الأدهان.

(8/124)


والتحسين كلبس الحلي والملون من الثياب للتحسين كالأحمر والأصفر والأخضر الصافي والأزرق الصافي واجتناب الحناء والخضاب والكحل الأسود
ـــــــ
المطيبة كدهن ورد وبان لأنه طيب
والثاني اجتناب الزينة في قول عامتهم وقالت أم سلمة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر ليس فيه طيب قال إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا في الليل وتنزعينه بالنهار رواه أبو داود والنسائي والبيهقي بإسناد فيه جماعة لا يحتج بهم
"والتحسين كلبس الحلي" كالسوار والدملج والخاتم ولا فرق فيه بين أن يكون من فضة أو ذهب وقال عطاء تباح حلي الفضة فقط
وجوابه عموم النهي
"والملون من الثياب للتحسين كالأحمر والأصفر والأخضر الصافي والأزرق الصافي" لقوله عليه السلام "ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب" وفي حديث أم سلمة "ولا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشق" وفيه تنبيه على أن الأخضر غير الصافي والأزرق غير الصافي لا يحرم عليها لبسه لأن ذلك لا يلبس للتحسين عادة فلم يكن ذلك زينة و"المذهب" أنه يحرم ما صبغ غزله ثم نسج كالمصبوغ بعد نسجه وقيل لا لقوله عليه السلام إلا ثوب عصب وفيه نظر
واجتناب الحناء والخضاب" لقوله عليه السلام في حديث أم سلمة: "ولا تختضب" ولأنه يدعو إلى الجماع أشبه الحلي بل أولى ولا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها لأنها إنما منعت منه على الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب قال في "الفروع" فيتوجه واليدين "والكحل الأسود" لقوله عليه السلام في حديث أم عطية: "ولا تكتحل" ولأنه أبلغ في الزينة والمراد به الإثمد ولا فرق فيه بين البيضاء والسوداء فإن

(8/125)


والحفاف واسفيداج العرائس وتحمير الوجه ونحوه ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب وإن كان حسنا ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ونحوه وقال الخرقي وتجتنب النقاب
ـــــــ
اضطرت إلى الكحل بالإثمد للتداوي فلها ذلك ليلا وتمسحه نهارا وفي الرعاية فإن احتاجت كحلا اكتحلت وقيل ليلا وغسله نهارا إن لم تكن سوداء أو عينها "والحفاف" المحرم عليها إنما نتف شعر وجهها فأما حلقه وحفه فمباح عند أصحابنا قاله في "المطلع" وفيه قول وهو سهوا.
"واسفيداج العرائس" وهو شيء معروف يعمل من الرصاص ذكره الأطباء إذا دهن به الوجه يربو ويبرق "وتحمير الوجه" بالحمرة "ونحوه" أي ونحو ذلك مما فيه زينة وتحسين.
فائدة : لها التنظيف بغسل وأخذ شعر وظفر وتدهن بدهن غير مطيب ولا تدهن رأسها ولها غسله بماء وسدر وخطمي لا بحناء.
"ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب" سواء كان من قطن أو كتان أو صوف أو إبريسم "وإن كان حسنا" لأن حسنه من أصل خلقته فلا يلزم تغييره وظاهره ولو كان معدا للزينة وفيه وجه.
"ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ونحوه" كالأسود لأن الصبغ لدفع الوسخ لا لحسنه لأنه ليس بزينة "وقال الخرقي وتجتنب النقاب" وما في معناه كالبرقع ونحوه لأن المعتدة شبيهة بالمحرمة فإن احتاجت إليه سدلته على وجهها كمحرمة والمذهب المنصوص عليه أن لها أن تنتقب لأنه ليس في معنى المنصوص وإنما منعت المحرمة لأنها ممنوعة من تغطية وجهها بخلاف الحادة ولأن المحرمة يحرم عليها لبس القفازين ويجوز لها لبس سائر الثياب بخلاف الحادة ولأن المبتوتة لا يحرم عليها النقاب وإن وجب عليها الإحداد فكذا المتوفى عنها وظاهره أن الزينة تباح ذلك من الفرش وآلة البيت وأثاثه وإن تركت الواجب أتمت وتمت عدتها بمضي الزمن كالصغيرة.

(8/126)


فصل
وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها فتنتقل.
ـــــــ
فصل
"وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه" لا غير روي عن عمر وابنه وابن مسعود وأم سلمة وغيرهم لقوله عليه السلام لفريعة "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" فاعتددت أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلى فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به رواه مالك وأحمد وأبو داود وصححه الترمذي وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء تعتد حيث شاءت ورواه البيهقي عن علي وابن عباس وعائشة.
وجوابه ما سبق وسواء كان المنزل لزوجها أو غيره فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إليه فاعتدت فيه وقال ابن المسيب والنخعي لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها وجوابه "امكثي في بيتك" واللفظ الآخر قضية في عين ولا عموم لها ولا يمكن حمله على العموم فإنه قد يأتيها الخبر وهي في السوق والطريق والبرية ولا يلزمها الاعتداد فيه قال أحمد في رواية ابن هانئ وسئل عن امرأة مات زوجها وهي مريضة أتتحول إلى بيت أمها قال "لا يجوز إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها" أو لم تجد ما تكتري به إلا من مالها أو طلب به أكثر من أجرة مثله ذكره في المغني "فتنتقل" لأنها حالة عذر فإن تعذرت السكنى سكنت حيث شاءت اختاره القاضي والمؤلف وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة إليه وقطع به في "المحرر" و"المستوعب" و"الوجيز" وقدمه في "الفروع" كنقل الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان.
وجوابه أن الواجب سقط كما لو سقط الحج للعجز عنه ويفارق أهل السهمان فإن القصد نفع الأقرب فلو اتفق الوارث والمرأة على نقلها لم يجز

(8/127)


ولا تخرج ليلا ولها الخروج نهارا لحوائجها وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد السكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين وإن سافر بها فمات في الطريق وهي قريبة لزمها العود وإن تباعدت خيرت بين البلدين وإن أذن لها في الحج
---------------------------
لأن السكنى هنا حق لله تعالى بخلاف سكنى النكاح لكن لهم نقلها لطول لسانها وأذاهم بالسب ونحوه وهو قول الأكثر ل قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وهي اسم للزنى و غيره من الأقوال الفاحشة وقيل ينتقلون هم وفي "الترغيب" وهو ظاهر كلام جماعة إن قلنا لا سكنى لها فعليها الأجرة وأنه ليس للورثة تحويلها منه وظاهر "المغني" وغيره خلافه "ولا تخرج ليلا" لما روى مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتأت كل واحدة إلى بيتها" ولأن الليل مظنة الفساد وظاهره ولو لحاجة وهو وجه وقيل بلى وظاهر الواضح مطلقا "ولها الخروج نهارا لحوائجها" لأنه موضع حاجة قال الحلواني مع وجود من يقضيها وقيل مطلقا نص عليه نقل حنبل تذهب بالنهار ونقل أبو داود لا تخرج قلت بالنهار قال بلى لكن لا تبيت قلت بعض الليل قال تكون أكثره ببيتها "وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها" لأنها مقيمة بعد والاعتداد في منزل الزوج واجب "وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين" على المذهب لتساويهما ولأن في وجوب الرجوع مشقة وقيل بلى في الثاني كما لو وصلته وهكذا حكم ما لو أذن لها في النقلة من دار إلى أخرى وسواء مات قبل نقل متاعها من الدار أو بعده لأنه مسكنها ما لم تنتقل عنه "وإن سافر بها فمات في الطريق وهي قريبة لزمها العود" لأنها في حكم الإقامة "وإن تباعدت" أي بعد مسافة القصر "خيرت بين البلدين" لتساويهما وكل موضع يلزمها السفر فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها للخبر "وإن أذن لها في الحج" نقول المعتدة ليس لها الخروج لحج ولا غيره روي عن عمر وعثمان وقاله الأكثر فإن خرجت فمات في الطريق

(8/128)


فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها وإن لم تخش وهي في بلدها أو قريبة يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها وإلا مضت في سفرها وإن لم تكن أحرمت أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات
ـــــــ
رجعت إن كانت قريبة لأنها في حكم الإقامة وإن تباعدت مضت في سفرها ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن تبعد فلزمها كما لو لم تفارق البنيان فإن اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها في عدتها ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت وقد بقي عليها شيء من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بغير خلاف بينهم لأنه أمكنها الاعتداد فهو كما لو لم تسافر منه "فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها" سواء كان حجة الإسلام أو غيرها إذا أحرمت بها قبل موته فإن لم يمكن الجمع لزمها المضي فيه وذكره في "التبصرة" عن أصحابنا ولأنهما عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو سبقت العدة ولأن الحج آكد لأنه أحد أركان الإسلام والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه وفي "المحرر" هل تقدم مع القرب العدة أو أسبقهما فيه روايتان وإن أمكن لزمها العود ذكره المؤلف وغيره وفي المحرر تخير مع البعد وتتم تتمة العدة في منزلها إن عادت بعد الحج وتتحلل لفوته بعمرة وإن أحرمت بعد موته وخشيت فواته فاحتمالان "وإن لم تخش وهي في بلدها أو قريبة يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها" لأنه أمكنها الجمع بين الحقين من غير ضرر الرجوع فلم يجز إسقاط أحدهما وإلا "مضت في سفرها" أي إذا لم تكن في بلدها ولا قريبة منه لأن في الرجوع عليها مشقة وحرجا وهو منتف شرعا "وإن لم تكن أحرمت أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات" لأن العدة سابقة على الإحرام والسابق هو المقدم.
فرع : لا سكنى للمتوفى عنها إذا كانت حائلا رواية واحدة وإن كانت حاملا فروايتان لأن الله جعل لها ثمن التركة أو ربعها وجعل باقيها للورثة

(8/129)


وأما المبتوته فلا تجب عليها العدة في منزله وتعتد حيث شاءت نص عليه
---------------------------------
والمسكن من التركة فوجب ألا تستحق منه أكثر من ذلك وأما إذا كانت حاملا وقلنا لها السكنى فلأنها حامل من زوجها قياسا على المطلقة وإن قلنا لا سكنى لها فتبرع الوارث أو غيره بسكناها لزمها السكنى به وإن قلنا لها السكنى ضربت بقدر أجرته مع الغرماء والحامل عملا بأقل مدته وإن رجعت فله دون الفضل على الغرماء وإن وضعت لأكثرها رجعت عليهم بالنقص.
"وأما المبتوته" مطلقا "فلا تجب عليها العدة في منزله" لما روت فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها بشيء فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها "ليس لك عليه نفقة ولا سكنى" وأمرها أن تعتد عند أم شريك ثم قال "تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت أم مكتوم" متفق عليه وإنكار عمر وعائشة ذلك يجاب عنه.
"وتعتد حيث شاءت نص عليه" إذا كان مأمونا قال أصحابنا سواء قلنا لها السكنى أو لا بل يتخير الزوج بين إقرارها في موضع طلاقها وبين نقلها إلى مسكن مثلها لحديث فاطمة والمستحب إقرارها ل قوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: من الآية1] وعنه تعتد حيث كانت ساكنة وقت الفرقة ولا تثبت في غيره ولا تفارق البلد على الأصح فيهما وعنه هي كمتوفى عنها وإن شاء إسكانها في منزله أو غيره إن صلح لها تحصينا لفراشه ذكره القاضي وغيره وإن لم تلزمه نفقتها كمعتدة لشبهة أو نكاح فاسد أو مستبرأة لعتق وظاهر كلام جماعة لا يلزمها وقال الشيخ تقي الدين إن شاء وأنفق عليها فله ذلك وإن سكنت علو دار وسكن بقيتها وبينهما باب مغلق أو معها محرم جاز ورجعية في لزوم المنزل كمتوفى عنها نص عليه.
تذنيب: له الخلوة مع زوجته وأمته ومحرم أحدهما وقيل مع زوجته فأكثر قال في"الترغيب" وأصله النسوة المنفردات هل لهن السفر مع أمن بلا محرم وقال الشيخ تقي الدين يحرم سفره بأخت زوجته ولو معها ولا يخلو الأجنبي

(8/130)


......................................
ـــــــ
بأجنبيات ويتوجه وجه قال القاضي من عرف بالفسق منع من الخلوة بأجنبية والأشهر يحرم مطلقا إجماعا وفي "آداب صاحب النظم" أنه تكره الخلوة بالعجوز وهو غريب وإطلاق الأصحاب تحريم الخلوة بمن لعورته حكم فأما من لا عورة له كدون سبع فلا تحريم وله إرداف محرم ويتوجه في غيرها مع الأمن وعدم سوء الظن خلاف

(8/131)


باب في استبراء الإماء
ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع أحدها إذا ملك أمة لم يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بمباشرة ولا قبلة حتى يستبرئها
ـــــــ
باب في استبراء الإماء
الاستبراء بالمد طلب براءة الرحم كالاستعطاء والاستمناء طلب العطاء والمني وخص هذا بالأمة للعمل ببراءة رحمها من الحمل والحرة وإن شاركت الأمة في هذا الغرض فهي مفارقة لها في التكرار فلذلك يستعمل فيها لفظ العدة.
"ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع أحدها إذا ملك أمة" تحل له ومثلها يوطأ لمثله قاله في الرعاية "لم يحل له وطؤها" حتى يستبرئها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة كانت أو كبيرة ممن تحمل أو لا في قول أكثر العلماء وقال ابن عمر لا يجب استبراء البكر ذكره البخاري لأن الغرض بالاستبراء معرفة براءتها من الحمل وهذا معلوم في البكر وقال الليث إن كانت ممن لا تحمل لم يجب استبراؤها وجوابه ما رواه أحمد وأبو داود والبيهقي بإسناد جيد وفيه شريك القاضي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض" وعن رويفع بن ثابت مرفوعا " فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة" رواه أبو داود وقوله بحيضة ليس بمحفوظ ورواه الترمذي وغيره ولفظه "لا يسقي ماءه زرع غيره" وإسناده حسن وقال أحمد بلغني أن العذراء تحمل ولأنه يفضي إلى اختلاط المياه وفساد الأنساب "ولا الاستمتاع بها بمباشرة ولا قبلة" ونظر لشهوة "حتى يستبرئها" رواية

(8/131)


إلا المسبية هل له الاستمتاع بها فيما دون الفرج على روايتين سواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها
ـــــــ
واحدة قاله في "الشرح" لأنه لا يأمن أن تكون حاملا من مالكها الأول فتكون أم ولد فيحصل الاستمتاع بأم ولد غيره وبهذا فارق الحيض وعنه لا يحرم إلا بالوطء ذكره في "الإرشاد" واختاره في "الهدي" واحتج بجواز الخلوة والنظر وأنه لا يعلم في جواز هذا نزاعا إلا المسبية هل له الاستمتاع بها فيما دون الفرج على روايتين إحداهما تحرم مباشرتها والنظر إليها لشهوة في ظاهر الخرقي وقدمه في "الرعاية" و"الفروع" قال في "الشرح" هو الظاهر عن أحمد لأنه استبراء يحرم الوطء فحرم دواعيه كالعدة وكالمبيعة والثانية لا يحرم لفعل ابن عمر ولأنه لا يخشى انفساخ ملكه لها بحملها فلا يكون مستمتعا إلا بمملوكه والأول أصح قاله في "المغني" وقال حديث ابن عمر لا حجة فيه لأنه ذكره على سبيل العيب على نفسه لقوله فقمت إليها فقبلتها والناس ينظرون فإن كانت غير المسبية آيسة أو صغيرة لا تحيض فهل له التلذذ بلمسها وتقبيلها في زمان الاستبراء فيه روايتان وإن كانت حاملا حرم ذلك في الصحيح من "المذهب" وظاهر أن فيه قولا آخر أنه يباح وعنه لا استبراء لمن لا تحيض لصغر أو تأخر حيض أو إياس قاله في "الرعاية" "سواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة" أو مجبوب أومن رجل قد استبرأها ثم لم يطأها لحديث أبي سعيد ولأنه يجب للملك المتجدد وذلك موجود في كل واحد منهما ولأنه يجوز أن تكون حاملا من غير البائع فوجب استبراؤها كالمسبية من امرأة وعنه لا يلزم مالكا من طفل أو امرأة كامرأة على الأصح وعنه وطفل وعنه لا يلزم في مسبية ذكره الحلواني وفي "الترغيب" وجه لا يلزم في إرث وخالف الشيخ تقي الدين في بكر كبيرة أو آيسة "وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها" فلو خالف وفعل لم يصح لأن النكاح يراد للوطء وذلك حرام وقال الحنفية له ذلك ويروي أن الرشيد اشترى جارية فأفتاه أبو يوسف بذلك أي يعتقها ويتزوجها ويطؤها قال الإمام أحمد ما أعظم هذا أبطلوا

(8/132)


ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها . والصغيرة التي لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها على وجهين وإن اشترى زوجته .
ـــــــ
الكتاب والسنة فإن كانت حاملا كيف يصنع وهذا لا يدري أهي حامل أم لا ما أسمج هذا وعنه يصح ولا يطأ لما ذكرنا وعنه يتزوجها إن كان بائعها استبرأ ولم يطأ صححه في "المحرر" وغيره "ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها" لأنها حرة لم تكن فراشا فكان لها نكاح غير معتقها كما لو أعتقها مالكها وعبر المؤلف بالبائع لأن البيع أغلب من غيره وظاهره أنه ليس لها ذلك إن كان البائع يطؤها لما فيه من اختلاط المياه واشتباه الأنساب والتمكين من وطء امرأة لا يعلم براءة رحمها والفرق بين الموطوءة وغيرها أن الموطوءة فراش فلم يحل وطؤها حتى يعلم براءة رحمها كزوجة الغير وغير الموطوءة فإنها ليست فراشا فلم يتوقف على ذلك وبين المشتري وغيره أن المشتري لا يحل له وطؤها بملك اليمين فكذا النكاح لأنه يتخذ حيلة لإبطال الاستبراء والحيل كلها خداع باطلة "والصغيرة التي لا يوطأ مثلها هل يجب استبراؤها على وجهين" كذا أطلق الخلاف في "المحرر" و"الفروع" وحكياه روايتين.
إحداهما: يجب وهو ظاهر كلامه في أكثر الروايات عنه فإنه قال تستبرأ وإن كانت في المهد وتحرم مباشرتها كالكبيرة لأن الاستبراء يجب عليها بالعدة كذلك هذا.
والثانية: لا يجب وجزم به في "الوجيز" وصححه في "الشرح" واختاره ابن أبي موسى لأن سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فإنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص ولا يراد لبراءة الرحم ولا يوجد الشغل في حقها.
"وإن اشترى زوجته" لم يلزمه استبراء لأنها فراش له لكن يستحب ذلك ليعلم هذا الولد من النكاح ليكون عليه ولاؤه لأنه عتق بملكه ولا تصير به أم ولد وأوجبه بعض أصحابنا لتجدد الملك قاله في "الروضة" قال ومتى ولدت لستة أشهر فأكثر فأم ولد ولو أنكر الولد بعد أن يقر بوطئها لا لأقل منها ولا مع دعوى استبراء وكذا لو اشترى مطلقته دون الثلاث لم يجب وله وطؤها وقيل يكره

(8/133)


أو عجزت مكاتبته أو فك أمته من الرهن أو أسلمت المجوسية أو المرتدة أو الوثنية أو التي حاضت عنده أو كان هو المرتد فأسلم أو اشترى مكاتبه ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز أو اشترى عبده التاجر أمة فاستبرأها ثم أخذها سيده حلت من غير استبراء
--------------------------
"أو عجزت مكاتبته" حلت لسيدها بغير استبراء لأنه لم تزل ملكه "أو فك أمته من الرهن" حلت بغير خلاف لأن الاستبراء إنما شرع لمعنى مظنة تجديد الملك فلا يشرع مع تخلف المظنة والمعنى "أو أسلمت المجوسية أو المرتدة أو الوثنية أو التي حاضت عنده" فإنها تحل وهذا هو الأصح لأن الملك لم يتجدد بالإسلام ولا أصاب واحدة منهن وطء غيره فلم يلزمه استبراء أشبه ما لو حلت المحرمة من إمائه والآخر لا تحل له حتى يجدد استبراءها بعد إسلامها لأن ملكه تجدد على استمتاعها أشبه ما لو تجدد ملكه على رقبتها وجوابه أن الاستبراء إنما وجب كي لا يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ومظنة ذلك تجديد الملك على رقبتها ولم يوجد أما إذا ملكهن قبل الاستبراء لم تحل له واحدة منهن حتى يستبرئها أو تتم ما بقي من استبرائها ومفهوم كلامه أن من ذكر إذا لم يحضن عنده أنه لا يجوز للمشتري الوطء قبل الاستبراء وصرح به في "المغني" وغيره لدخوله في عموم الأخبار ولأن ذلك تجديد ملك لم يحصل فيه استبراء فلم يحل الوطء قبله كالمسلمة "أو كان هو المرتد فأسلم" فهي حلال بغير استبراء لأن إسلامه لم يتجدد له به ملك أشبه إسلام المرتدة "أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ثم عجز" حلت للسيد بغير استبراء ذكره أصحابنا لأنه يصير حكمها حكم المكاتب إن رق رقت وإن عتق عتقت والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
وفي وجه يجب الاستبراء صححه في "المحرر" للعموم وظاهره أن المكاتب إذا اشترى غير محارمه ثم عجز لا تحل له بغير استبراء وصرح به في "الكافي" وغيره لأنه ليس للسيد ملك على ما في يد مكاتبه ولأنه تجدد له ملك "أو اشترى عبده التاجر أمة فأستبرأها ثم أخذها سيده" أي بعد استبرائها "حلت له من غير استبراء" لأن ملكه ثابت على ما في يد عبده وقيل إن كان عليه

(8/134)


وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ويحتمل إلا يجزئ وإن باع أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها وإن كان قبله فعلى روايتين وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزم استبراؤها وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين.
ـــــــ
دين قضاه سيده ثم استبرأها لنفسه "وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ" في أظهر الوجهين لأن الملك ينتقل به "ويحتمل ألا يجزئ" لأن القصد معرفة براءة رحمها من ماء البائع ولا يحصل ذلك مع كونها في يده وعنه لا يجزئ إلا في الموروثة ويكفي قبض الوكيل على الأصح فلو ملك بعضها ثم ملك باقيها لم يحتسب إلا من حين ملك باقيها فإن ملكها ببيع خيار فهل يجزئ استبراؤها إذا قلنا ينقل الملك على وجهين وإن كان المبيع معيبا فابتداؤه من حين البيع لأن العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف "وإن باع أمته ثم عادت إليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها" أي حيث انتقل الملك لأنه تجديد ملك سواء كان المشتري لها رجلا أو امرأة "وإن كان قبله فعلى روايتين" قال ابن هبيرة أظهرهما أنه يجب لأنه تجديد ملك.
والثانية لا وهي قول أكثر العلماء لأنه لا.
فائدة : في الاستبراء مع يقين البراءة وكما لو اشتراها منه امرأة ولو فسخ كخيار شرط وقلنا يمنع نقل الملك لم يلزمه استبراء وإن قبضت منه قاله في "المحرر" ويكفي استبراء من ملك بشراء ووصية وغنيمة وغيرها قبل قبض "وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزم استبراؤها" نص عليه وقال هذه حيلة وضعها بعضهم لأنه تجديد ملك كما لو لم تكن مزوجة ولأن إسقاطه هنا ذريعة إلى إسقاطه في حق من أراد إسقاطه بأن تزوجها عند بيعها ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع والحيل حرام وكذا لو اشترى مطلقة قبل الدخول فإن طلقت بعد الدخول أو مات زوجها قبله أو بعده أو اشترى معتدة ففي وجوب الاستبراء بعد العدة وجهان أحدهما لا يجب لأن براءتها قد علمت بها والثاني بلى كالعدتين من رجلين "وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين" صححه ابن المنجا وهو ظاهر "الوجيز" لأن

(8/135)


الثاني إذا وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجز حتى يستبرئها وإن أراد بيعها فعلى روايتين.
ـــــــ
الاستبراء لبراءة رحمها وذلك حاصل بالعدة كما لو عتقت والثاني يجب لما سبق.
فرع إذا زوج أمته فطلقت لم يلزمه استبراء إلا إن كان دخل بها أو مات فإنها تعتد.
"الثاني إذا وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجز حتى يستبرئها" وجها واحدا لأن الزوج لا يلزمه استبراء فيفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب وعنه يصح بدونه ولا يطأ الزوج قبله نقله الأثرم وغيره وجوابه أنها فراش لسيدها فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بغير استبراء كما لو مات عنها "وإن أراد بيعها" ونحوه "فعلى روايتين" كذا أطلقهما في "الفروع".
إحداهما: يجب صححها في "الشرح" فيما إذا كانت تحمل لأن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف باع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها ولأنه يجب على المشتري لحفظ مائه فكذلك البائع ولأنه قبل الاستبراء مشكوك في صحة البيع وجوازه لاحتمال أن تكون أم ولد وحينئذ يجب الاستبراء لإزالة الاحتمال فعلى هذا في صحة البيع روايتان جزم في "الشرح" بصحته في الظاهر لأن الأصل عدم الحمل.
والثانية: لا يجب قدمها في "المحرر" وجزم بها في "الوجيز" وهي قول الأكثر لأنه يجب على المشتري فأغنى عن استبراء البائع قال في "المغني" وذكر أصحابنا الروايتين في كل أمة يطؤها من غير تفريق بين الآيسة وغيرها والأولى أنه لا يجب في الآيسة لأن علة الوجوب احتمال الحمل وهو بعيد والأصل عدمه فلا يثبت به حكما بمجرده.
والثالثة: يلزمه ولو لم يطأ ذكرها أبو بكر في "مقنعه" واختارها ونقل حنبل فإن كانت البائعة امرأة قال لا بد أن يستبرئها وما يؤمن أن تكون قد جاءت بحمل وهو ظاهر ما نقله جماعة.

(8/136)


وإن لم يطأها لم يلزمه استبراؤها في الموضعين الثالث إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها أو مات عنها لزمها استبراء نفسها إلا أن تكون مزوجة أو معتدة فلا يلزمها استبراء وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الحرة من الوفاة حسب.
ـــــــ
"وان لم يطأها لم يلزمه استبراؤها في الموضعين" لأنه قد حصل يقين براءتها منه.
"الثالث إذا أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها أو مات عنها لزمها استبراء نفسها" لأن كل واحدة منهما موطوءة وطئا له حرمة فلزمها استعلام براءة رحمها كالموطوءة بشبهة "إلا أن تكون مزوجة أو معتدة" أو فرغت عدتها من زوجها فأعتقها وأراد تزويجها قبل وطئها "فلا يلزمها استبراء" لأنه زال فراشه عنها قبل وجوب الاستبراء كما لو طلق امرأته قبل دخوله بها وكذا لو أراد تزويجها أو استبرأ بعد وطئه ثم أعتقها أو باعها فأعتقها مشتر قبل وطئها فإن بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو بانت بموت زوجها أو طلاقه بعد الدخول فأتمت عدتها ثم مات سيدها لزمها الاستبراء لأنها عادت إلى فراشه ونقل ابن القاسم وسندي أنه لا استبراء إن لم يطأ لزوال فراشه بتزويجها "وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما" أو علم ثم نسي "وبين موتها أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الأخر منهما عدة الحرة من الوفاة حسب" لأن السيد إن كان مات أولا فقد مات وهي زوجة وإن كان مات آخرا فقد مات وهي معتدة ولا استبراء عليها على التقديرين وفي الواضح تعتد بأربعة أشهر وعشرة أيام فيها حيضة في ظاهر "المذهب" لأنه يحتمل أن يكون السيد مات أولا فيجب عليها عدة حرة ويحتمل أن يكون الزوج أسبق فيجب عليها حيضة فجمعنا بينهما احتياطا وعلى الرواية بأن أم الولد تعتد بثلاث حيضات هنا مثله.
وقول المؤلف بعد موت الأخر معناه إن عدة الوفاة يجب أن يكون ابتداؤها بعد موت الآخر موتا لأنها لا تعلم خروجها من عهدة العدة بيقين إلا بذلك لأن الزوج إن كان الميت آخرا فالعدة واجبة من ذلك الوقت فالخروج عن العهدة بيقين

(8/137)


وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة لزمها بعد موت الآخر منهما أطول الأمرين من عدة الحرة أو الاستبراء وإن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان.
فصل
والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملا أو بحيضة إن كانت
ـــــــ
لا يحصل إلا بالاعتداد من موت الآخر "وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة لزمها بعد موت الأخر منهما أطول الأمرين من عدة الحرة أو الاستبراء" لأنه يحتمل أن الزوج مات آخرا فعليها عدة الحرة ويحتمل أن السيد مات آخرا فعليها الاستبراء بحيضة فوجب الجمع بينهما ليسقط الفرض بيقين قال ابن عبد البر على هذا جميع القائلين بأن عدة أم الولد من سيدها حيضة ومن زوجها شهران وخمسة أيام وعنه تعتد أم ولد بموت سيدها لوفاة كحرة وعنه كأمة وإن ادعت موروثة تحريمها على وارث بوطء موروثه ففي تصديقها وجهان.
فرع : لا ترث من الزوج لأنه الأصل فلا ترث مع الشك وإيجاب العدة استظهارا لا ضرر فيه على غيرها بخلاف الإرث.
"وإن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان" استبراء منهما حقان مقصودان لآدميين فلم يدخل أحدهما في الآخر كالعدتين واختار ابن حمدان استبراء واحد لأن القصد به معرفة براءة الرحم وصرح به في "الشرح" فقال إذا كانت الأمة لرجلين فوطئاها ثم باعاها لآخر أجرأ استبراء واحد لأته تحصل به براءة الرحم فلو أعتقاها لزمها استبرا آن لأن وجوبه في حق المعتدة معلل بالوطء وقد وجد من اثنين وفي مسألتنا معلل بتجديد الملك والملك واحد.
فصل
"والاستبراء يحصل بوضع الحمل إن كانت حاملا" للآية والخبر والمعنى "أو بحيضة إن كانت ممن تحيض" لا ببقيتها وفي لفظ حتى تستبرأ حيضة وتصدق

(8/138)


ممن تحيض أو بمضي شهر إن كانت صغيرة أو آيسة وعنه بثلاثة أشهر اختاره الخرقي وإن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فبعشرة أشهر نص عليه وعنه في أم الولد إذا مات سيدها اعتدت أربعة أشهر وعشرا والأول أصح
ـــــــ
في حيض فلو أنكرته فقال أخبرتني به فوجهان.
ووطؤه في مدة الاستبراء حرام ولا يقطعه وإن أحبلها فيه استبرئت بوضعه وإن أحبلها في الحيضة حلت في الحال لأن ما مضى حيضة.
"أو بمضي شهر إن كانت صغيرة أو آيسة" قدمه في "المحرر" و "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن الشهر أقيم مقام الحيضة في عدة الحرة والأمة وكذا بالغة لم تحض فإن حاضت فيه اعتدت بحيضة "وعنه بثلاثة أشهر" نقلها الجماعة "اختاره الخرقي" وابن عقيل قال في "الكافي" وهي أظهر وقال ابن حمدان وهي أولى قال أحمد وإنما قلنا بثلاثة أشهر من اجل الحمل فإن عمر بن عبد العزيز سأل عن ذلك جمعا من أهل العلم والقوابل فأخبروه أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر فأما شهر فلا معنى ولا نعلم به قائلا وعنه بشهرين وعنه بشهر ونصف كالأمة المطلقة "وإن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فبعشرة أشهر نص عليه" لأن مدة التربص تسعة أشهر والشهر العاشر بدل الحيضة وقيل ونصف وقيل بأحد عشر شهرا وعنه بسنة كالآيسة والفرق أن اعتبار تكرارها في الآيسة لتعلم براءتها منه بمضي غالب مدته فجعل أحمد الشهر مكان الحيضة على وفق القياس و ظاهره أنها إذا علمت ما رفعه فعه فإنها تعتد كحرة "وعنه في أم الولد إذا مات سيدها اعتدت أربعة أشهر و عشرا".
وقال الثوري وإسحاق وروى أبو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال لا تفسدوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم "عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر" قال الدارقطني الصواب أنه موقوف وهو مرسل لأن قبيصة لم يسمع من عمرو ومارية اعتدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حيض رواه البيهقي وقال هو منقطع "والأول أصح" أي تستبرأ بحيضة رواه مالك عن نافع عن ابن عمر وقال ذلك الأمر عندنا

(8/139)


............................................
ـــــــ
وقال ابن المنذر ضعف أحمد وأبو عبيد حديث عمرو ولأن الغرض براءة رحمها وهو يحصل بحيضة وعنه بشهرين وخمسة أيام قال المؤلف ولا أظنها صحيحة وروي ذلك عن عطاء وطاووس وقتادة كما لو مات عن زوجته الأمة ثم عتقت بعد موته وجوابه أنه استبراء لزوال الملك عن الرقبة فكانت حيضة في حق من تحيض كسائر استبراء المعتقات والمملوكات وإنما لم يعتبر استبراء الزوجة لأن له نفي الولد باللعان ذكره ابن عقيل عن أبي بكر الشاشي.
مسألة : إذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم يخل من خمسة أحوال.
1- أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت به لدون ستة أشهر أو يكون البائع ادعاه وصدقه المشتري فهو ولد البائع والبيع باطل.
2- أن يكون كل واحد منهما استبرأها وأتت به لأكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد للمشتري وهي أم ولده.
3- أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما ولأقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري فلا يلحق واحدا منهما ويكون ملكا للمشتري ولا يملك فسخ البيع لأن الحمل تجدد في ملكه ظاهرا.
4- أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري قبل استبرائها فنسبه لاحق بالمشتري فإن ادعاه البائع فأقره المشتري لحقه وبطل البيع وإن كذبه فالقول قول المشتري وإن ادعاه كل منهما عرض على القافة.
5- أتت به لأقل من ستة أشهر منذ باعها ولم يكن أقر بوطئها فالبيع صحيح في الظاهر والولد مملوك للمشتري فإن ادعاه البائع فالحكم على ما ذكرنا في القسم الثالث والله أعلم بالصواب.

(8/140)