المبدع شرح المقنع ط عالم الكتب

كتاب الديات
كتاب الديات
...
كتاب الدّيات
كل من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته فإن كان عمدا محضا فهي في مال الجاني حالة.
ـــــــ
كتاب الدّيات
الديات: واحدتها دية مخففة وأصلها ودي والهاء بدل من الواو كالعدة من الوعد والزنة من الوزن يقال وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته وايتديت أخذت الدية وهي في الأصل مصدر سمي به المال المؤديى إلى المجني عليه أو أوليائه كالخلق بمعنى المخلوق وهي ثابتة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] وفي الخبر "في النفس مائة من الإبل" "كل من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته" لقوله تعالى: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى أهل اليمن كتابا في الفرائض والسنن والديات " في النفس مائة من الإبل" رواه مالك والنسائي من حديث عمرو بن حزم قال ابن عبد البر هو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد أشبه المتواتر وسواء كان مسلما أو ذميا مستأمنا أو مهادنا فقوله أو جزءا منه هذه الزيادة انفرد بها المؤلف عن "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه وقوله بمباشرة لأنه أتلفه بها فوجبت ديته كالنفس إذا أتلفت بها وقوله أو سبب لأنه مؤد إلى تلفه أشبه المباشرة "فإن كان عمدا محصنا فهي في مال الجاني" بالإجماع لأن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني ولأن العامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطإ "حالة" لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كأرش أطراف العبد ودية شبه العامد ودية شبه العمد القاتل فيها معذور لكونه لم يقصد القتل "وإن كان شبه عمد" فعلى عاقلته في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما

(8/283)


وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما أجري مجراه ، فعلى عاقلته ، ولو ألقى على إنسان أفعى ، أو ألقاه عليها فقتلته ، أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به ، بصيرا كان أو ضريرا ، أو حفر بئرا في فنائه .
ـــــــ
في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه ولأن نوع قتل لا يوجب قصاصا فأوجب الدية على العاقلة كالخطأ فعلى هذا تجب مؤجلة بغير خلاف نعلمه وروي عن عمر وعلي ولا مخالف لهما في عصرهما ولأن الدية تخالف سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة فاقتضت الحكمة تخفيفها عنهم وقال جماعة هي على القاتل في ماله اختاره أبو بكر لأن شبه العمد كالعمد "أو خطأ أو ما أجري مجراه فعلى عاقلته" لا نعلم فيه خلافا حكاه ابن المنذر إذ الحكمة فيه أن جنايات الخطإ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله تجحف به فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا لأنه معذور في فعله فعلى هذا لا يلزم القاتل شيئا من دية الخطإ لا أنه واحد من العاقلة وما أجري مجرى الخطأ يعطى حكمه كالخطأ "ولو ألقى على إنسان أفعى" وهو حية معروفة والأكثر على صرفها كعصا وقيل بالمنع لوزن الفعل وشبهها بالمشتق وهو تصور أذاها "أو ألقاه عليها فقتلته" فعليه ضمانه لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو جنى عليه ولأنه تلف بالسبب فوجب الضمان كالمباشرة وفي "الرعاية" وغيرها أنه شبه عمد "أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به بصيرا كان أو ضريرا" عاقلا كان أو مجنونا سواء سقط من شاهق أو انخرق به سقف أو خر في بئر لأنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو نصب له سكينا قال في "الترغيب" وعندي ما لم يتعمد إلقاء نفسه مع القطع بتلفه لأنه كمباشر قال في "الفروع" ويتوجه أنه مراد غيره فلو طلبه بشيء يخوفه كاللت فهو كما لو طلبه بسيف مشهور فلو شهر سيفا في وجهه أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله فعليه ديته "أو حفر بئرا في فنائه" حيث يحرم فتلف به إنسان فعليه ديته روي عن علي وقضى به شريح لأنه

(8/284)


أو وضع حجرا ، أو صب ماء في طريق ، أو بالت فيها دابته ويده عليها ، أو رمى قشر بطيخ فيها ، فتلف به إنسان ، وجبت عليه الدية ، وإن حفر بئرا ، ووضع آخر حجرا ، فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر .
ـــــــ
تلف بعدوانه أشبه ما لو تلف بجنايته وكذا لو حفرها في مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فإنه يضمن الجميع لتعديه بالحفر وظاهره أنه لا يضمن إذا حفرها في ملكه لأنه لا يعد متعديا "أو وضع حجرا أو صب ماء في طريق" ضمنه لأنه هلك بسببه "أو بالت فيها دابته ويده عليها" فزلق به حيوان فمات به فعلى صاحب الدابة الضمان إذا كان راكبا أو قائدا أو سائقا كما لو جنت بيدها أو فمها قاله الأصحاب وفي "الشرح" قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك وكما لو سلم على غيره أو أمسك يده حتى مات لعدم تأثيره ولأنه لا يمكن التحرز منه كما لو أتلفت برجلها ويفارق ما إذا أتلفت بيدها أو فمها لأنه يمكنه حفظها "أو رمى قشر بطيخ فيها فتلف به إنسان وجبت عليه الدية" لأن التلف منسوب إلى فاعله فوجبت عليه الدية كالمتسبب إلى القتل بغير ذلك وفي "المحرر" و"الرعاية" و"الوجيز" إذا قصده فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ "وإن حفر بئرا ووضع آخر حجرا فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر" في رواية وهي الأشهر لأنه كالدافع لأنه لم يقصد القتل عادة لمعين بخلاف مكره واقتضى ذلك أنه لا ضمان على الحافر لأن المباشر قطع بسببه وعنه عليهما الضمان لأنه اجتمع سببان مختلفان فيخرج منه ضمان المتسبب اختاره ابن عقيل وغيره وجعله أبو بكر كقاتل وممسك وإن تعدى أحدهما اختص به الضمان وإن وضع حجرا ثم حفر آخر عنده بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فسقط عليها فهلك احتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن فعلهما متأخر عن فعله واحتمل أن يكون الضمان على واضع الحجر
تنبيه : إذا أعمق بئرا قصيرا ضمن هو وحافر ما تلف بها نص عليه وإن دعا

(8/285)


وإن غصب صغيرا ، فنهشته حية أو أصابته صاعقة ، ففيه الدية ، وإن مات بمرض ، فعلى وجهين . وإن اصطدم نفسان فماتا ، فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر .
ـــــــ
من يحفر له بداره بئرا أو معدن فمات بهدم لم يلقه أحد فهدر نقله حرب وإن حفر ببيته بئرا أو ستره ليقع فيها أحد فمن دخل بإذنه فالقود في الأصح وإلا فلا كمكشوفة بحيث يراها ويقبل قوله في عدم إذنه في الأشهر ولو وضع فيها آخر سكينا قوقع في البئر عليها فمات فقال ابن حامد وجزم به السامري الضمان على الحافر ونص أحمد أن الضمان عليهما فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين "وإن غصب صغيرا فنهشته حية أو أصابته صاعقة" قال الجوهري هي نار تنزل من السماء في رعد شديد "ففيه الدية" لأنه تلف في يده العادية و قال ابن عقيل لا يضمن إذا لم تعرف الأرض بذلك "وإن مات بمرض" أو فجأة "فعلى وجهين" و في "الفروع" روايتان إحداهما يضمن نصره أبو الخطاب و جزم به في "الوجيز" و نقله ابن منصور كالعبد الصغير.
والثاني لا و نقله أبو الصقر لأنه حر لا تثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير وإن قربه من هدف فأصابه سهم ضمنه المقرب وإن أرسله في حاجة فأتلف مالا أو نفسا فهو كجناية الخطإ من مرسله و مقتضاه أنه إذا قيد حرا مكلفا و غله فتلف بصاعقة أو حية و جبت الدية في الأشهر وإن جنى عليه أحد ضمنه مرسله قال ابن حمدان إن تعذر تضمين الجاني "وإن اصطدم نفسان" راجلان وراكبان أو ماش وراكب قال في "الروضة" بصيران أو ضريران أو إحداهما "فماتا فعلى عاقلة كل و احد منهما دية الآخر" روي عن على لأن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه و ذلك قتل خطأ فكانت دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر و قيل بل نصفها و جزم في "الترغيب" و قدمه في "الرعاية" إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط فلا ضمان وعلى كل منهما كفارة في تركته و قيل بل كفارتان في الخطإ و شبهه بشبه العمد و خرج أن على عاقلة كل قتيل نصف الدية لورثته و على عاقلة الآخر النصف لهم

(8/286)


وإن كانا راكبين فماتت الدابتان ، فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر . وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا ، فعلى السائر ضمان الواقف ودابته ، إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا ، فلا ضمان فيه ، وعليه ضمان ما تلف به . وإن أركب صبيين ولا ولاية له عليهما ، فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما.
ـــــــ
و في "الكافي" و"الفروع" إن تصادما عمدا و ذلك مما يقتل غالبا فهدر وإلا شبه عمد "وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر" في تركته نص عليه لأن كلا منهما تلف بصدمة الآخر و قيل نصفها "وإن كان أحدهما يسير و الآخر واقفا فعلى السائر ضمان الواقف" والقاعد "ودابته" لأنهما تلفا بصدمة السائر من غير تعد في الوقوف و ضمان النفس على العاقلة لأنه قتل خطأ و ضمان المال على المتلف لأن العاقلة لا تحمله صرح به في "النهاية" و على هذا يحمل كلام المؤلف هذا إذا و قف أو قعد في طريق و اسع و ما تلف للسائر فهدر نص عليه "إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان فيه" لأن السائر لم يتعد عليه بل الواقف و القاعد هو المتعدي و محله ما لم يكن الطريق مملوكا له فإن كان مملوكا له لم يكن متعديا بوقوفه بل السائر هو المتعدي بسلوكه ملك غيره بغير إذنه "و عليه ضمان ما تلف به" من السائر و ماله لأنه تعدى بالوقوف فيه أشبه واضع الحجر و فيه وجه لا ضمان.
فرع: إذا اصطدم عبدان ماشيان فماتا فهدر وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر كسائر جنايته وإن كانا حرا و عبدا وماتا ضمنت قيمة العبد في تركة الحر ووجبت دية الحر كاملة في تلك القيمة و لو تجاذب حران حبلا و نحوه فانقطع و سقطا و ماتا فكمتصادمين مطلقا لكن نصف دية المنكب مغلظة و المستلقي مخففة "وإن أركب صبيين" و عبارة غيره صغيرين "لا ولاية له عليهما" أي ليس و ليهما "فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما" لأنه تعدى بركوبهما و تصادمهما إثر ركوبهما وفعلهما غير معتبر فوجب إضافة القتل

(8/287)


وإن رمى ثلاثة بمنجنيق ، فقتل الحجر إنسانا ، فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته ، وإن قتل أحدهم ، ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : يلغى فعل نفسه وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية .
ـــــــ
إلى من أركبهما و هو خطأ تحمله عاقلته و كذا قاله في "الترغيب" و الأشهر أنه يضمن ذلك في ماله و في "الوجيز" عليه ما تلف بصدمتهما إن كان مالا و إلا فعلى عاقلته و ظاهره أنه إذا كان له ولاية عليهما أنه لا ضمان عليه و لا على عاقلته لأنه إركاب مأذون فيه فلم يترتب عليه ما يترتب على المتعدي و قيده في "الفروع" بما إذا كان فيه مصلحة و هو ظاهر قال ابن عقيل و يثبتان بأنفسهما و في "الترغيب" إن صلحا للركوب و أركبهما ما يصلح لركوب مثلهما و إلا ضمن وإن ركباه بأنفسهما فكبالغين مخطئين قال في "الرعاية" وكذا المجنون وإن كانا عبدين ضمنهما من أركبهما.
فرع: يضمن كبير صدم صغيرا وإن مات الكبير ضمنه الذي أركب الصغير نقل حرب إن حمل رجل صبيا على دابة فسقط ضمن إلا أن يأمر أهله بحمله "وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إنسانا" رابعا "فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته" إن لم يقصدوه كذا ذكره معظم الأصحاب لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد و لا قود لعدم إمكان القصد غالبا و في "الفصول" احتمال كرمية عن قوس و مقلاع و حجر عن يد و نقل المروذي تجب الدية في بيت المال فإن تعذر فعلى عواقلهم و هو قتل خطأ "وإن قتل أحدهم" فعلى كل واحد كفارة كما لو شارك في قتل غيره "ففيه ثلاثة أوجه أحدها يلغي فعل نفسه" قياسا على المتصادمين "و على عاقلة صاحبيه ثلثا الدية" كما لو مات من جراحتهم وجراحة نفسه و كما لو شارك في قتل بهيمة و لأنه شارك في القتل فلم تكمل الدية على شركته كما لو قتلوا واحدا من غيرهم اقتصر عليه في "المجرد" و هو أحسن و أصلح في النظر قاله المؤلف وروي عن على في مسألة: القارضة والقارصة و الواقصة قال الشعبي و ذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فركبت إحداهن على عنق الأخرى و قرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها

(8/288)


والثاني : عليهما كمال الدية ، والثالث : على عاقلته ثلث الدية لورثته ، وثلثاها على عاقلة الآخرين ، وإن كانوا أكثر من ثلاثة ، فالدية حالة في أموالهم . وإذا جنى إنسان على نفسه أو طرفه ، خطأ ، فلا دية له.
ـــــــ
فماتت فرفع ذلك إلى على فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن و ألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها و هذه شبيهة بمسألتنا "و الثاني عليهم كمال الدية" قال أبو الخطاب هذا قياس المذهب و قدمه في "الرعاية" و "الفروع" و جزم به في "الوجيز" كالمتصادمين "و الثالث على عاقلته ثلث الدية لورثته و ثلثاها على عاقلة الآخرين" لأن كل و احد منهم شارك في قتل نفس معصومة مؤمنة خطأ فلزمه ديتها كالأجانب و هذا ينبني على أن جناية المرء على نفسه أو أهله خطأ يتحمل عقلها العاقلة "وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم" أي إذا كانوا أربعة فقتلوا أحدهم أو غيرهم فالدية عليهم كالخمسة في الأصح لأن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث لأن المقتول يلغي فعل نفسه و يكون هدرا لأنه لا يجب عليه لنفسه شيء و يكون باقي الدية في أموالهم حالة لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله العاقلة و هذا دون الثلث و لكن هذا على الثاني و الثالث ظاهر و على الأول فلا لأن الرمي لو كان من أربعة و جعل فعل المقتول الدية على الثلاثة الباقية أثلاثا عنه على عواقلهم لاتحاد فعلهم و الأصح الأول لأن حمل العاقلة إنما شرع للتخفيف عن الجاني فيما يشق و يكثر وما دون الثلث يسير و فعل كل واحد غير فعل الآخر و إنما موجب الجميع و احد أشبه ما لو جرحه كل واحد جرحا فماتت النفس بجميعها و إذا ثبت هذا فالضمان يتعلق بمن مد الحبل و رمى الحجر دون من و ضعه في الكفة اعتبارا بالمباشر كمن و ضع سهما في قوس أو قربه و رمى به صاحبه.
وقال القاضي و ابن عقيل يتوجه روايتا ممسك "وإذا جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا دية له" بل هو هدر كالعمد وهذا هو الأصح قال السامري وهو الأقيس لحديث عامر بن الأكوع حين رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولو

(8/289)


وعنه : على عاقلته ديته ، لورثته ودية طرفه لنفسه . وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر ، فمات الأول من سقطته ، فعلى عاقلته ديته . وإن سقط ثالث فمات الثاني به ، فعلى عاقلته ديته .
ـــــــ
وجبت عليه لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنقل ظاهرا "وعنه على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه" اختارها الخرقي وأبو بكر والقاضي وذكر أنها اظهر عنه لقول عمر ولم يعرف به مخالف في آلاف و لأنه قتل خطأ فكانت ديته على عاقلته كما لو قتل غيره فعليها إن كانت الجناية قتلا نظرت فإن كانت العاقلة غير الورثة و جبت دية النفس عليهم لورثه الجاني وإن كانوا هم الورثة فلا شيء عليهم لأنه لا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن كانت الجناية على غير النفس ووجبت دية ذلك على العاقلة للجاني وإن كان بعضهم وارثا سقط عن الورثة ما يقابل ميراثه ولا يحمله دون الثلث في الأصح قاله في "الترغيب" و نقل حرب من قتل نفسه لا يودى من بيت المال و الأول أصح في القياس و يفارق ما إذا كانت الجناية على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لأجحف به وجوب الدية لكثرتها
فرع : إذا كانت الجناية على نفسه شبه عمد فوجهان "وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته ديته" أي لأن الأول مات من سقطته فيكون هو قاتله فوجبت الدية على عاقلته كما لو باشره بالقتل خطأ وإن كان رمى بنفسه عليه عمدا و هو مما يقتل غالبا فعليه القصاص و إلا فهو شبه عمد "وإن سقط ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلته ديته" لأنه تلف من سقطته فإن مات الثاني بوقوعه على الأول فدم الثاني هدر لأنه مات بفعله و قد روى على بن رباح اللخمي أن رجلا كان يقود أعمى فوقعا في بئر وقع الأعمى فوق البصير فقتلة فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم في خلافة عمر:
يا أيها الناس رأيت منكرا ... هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معا كلاهما تكسرا
رواه الدارقطني و قاله الزبير و شريح و النخعي قال في المغنى: لو قال

(8/290)


وإن مات الأول من سقطتهما ، ففديته على عاقلتهما . وإن كان الأول جذب الثاني ، وجذب الثاني الثالث ، فلا شيء على الثالث، وديته على الثاني في أحد الوجهين . وفي الثاني : على الأول والثاني نصفين ، ودية الثاني على الأول . وإن كان الأول هلك من وقعة الثالث ، احتمل أن يكون ضمانه على الثاني .
ـــــــ
قائل ليس على الأعمى ضمان البصير لأنه الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه و كان سبب و قوعه عليه ولذلك لو فعله قصدا لم يضمنه بغير خلاف و كان عليه ضمان الأعمى إلا أن يكون مجمعا عليه "وإن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما" لأنه مات بوقوعهما عليه و دية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته "وإن كان الأول جذب الثاني و جذب الثاني الثالث" فلا شيء على الثالث لأنه لا فعل له "و ديته على الثاني في إحدى الوجهين قدمه" في "المحرر" و "الرعاية" و جزم به في "الوجيز" لأنه هو جذبه و باشره بذلك و المباشرة تقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع و في الوجه الثاني على الأول و الثاني نصفين لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث فصار مشاركا للثاني في إتلافه و قيل بل عليهما ثلثاها و بقيتها تقابل جذبته فتسقط أو تجب على عاقلته و قيل دمه كله هدر اختاره في "المحرر" و دية الثاني على الأول لأنه هلك بجذبته و قدم في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" أنها على الأول و الثالث لمشاركته إياه و قيل بل عليهما ثلثاها و الباقي يقابل نفسه وفيه الوجهان قال المجد وعندي لا شيء منها على الأول بل على الثالث كلها أو نصفها و الباقي يقابل فعل نفسه و قال بعض أصحابنا يجب على الأول نصف ديته و يهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه و يتخرج وجه و هو وجوب نصف ديته إلى عاقلته لورثته كما إذا رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر أحدهم وإن كان الثالث جذب رابعا فديته على الثالث فقط و قيل على الثلاثة.
فرع : إذا لم يسقط بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم و في "المغني" أو وقع و شك في تأثيره أو قتلهم في الحفرة أسد و لم يتجاذبوا فدماؤهم مهدرة "وإن كان الأول هلك من وقعة الثالث احتمل أن يكون ضمانه على الثاني" لأن

(8/291)


واحتمل أن يكون نصفها على الثاني ، وفي نصفها الآخر وجهان . وإن خر رجل في زبية أسد ، فجذب آخر ، وجذب الثاني ثالثا ، وجذب الثالث رابعا ، فتلهم الأسد فالقياس : أن دم الأول هدر ، وعلى عاقلته دية الثاني ، وعلى عاقلة الثاني دية الثالث ، وعلى عاقلة الثالث دية الرابع . وفي وجه آخر : أن دية الثالث على عاقلة ألأول والثاني نصفين ، ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا . وروي عن علي أنه قضى للأول بربع الدية ، وللثاني بثلثها ، وللثالث بنصفها ، وللرابع بكمالها ؛ على من حضرهم ، ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز قضاءه.
ـــــــ
هلاكه حصل بجذبه و جذب الثاني وفعله كالمتصادمين فتعين إضافة التلف إلى الثاني "و احتمل أن يكون نصفها على الثاني" لأن الهلاك حصل بفعله و فعل غيره "و في نصفها الآخر وجهان" لأنه متسبب على جناية نفسه و في جناية الإنسان على نفسه الروايتان "وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر و جذب الثاني ثالثا و جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فالقياس أن دم الأول هدر" ذكره في "المحرر" و جزم به في "الوجيز" و "الفروع" لأنه لا صنع لأحد في إلقائه و على عاقلته دية الثاني لأنه تسبب في قتله "و على عاقلة الثاني دية الثالث" لما ذكرنا "و على عاقلة الثالث دية الرابع" كذلك ولاشيء على الرابع لأنه لم يفعل شيئا "وفيه وجه آخر أن دية الثالث على عاقلة الأول والثاني نصفين" لأن جذب الأول للثاني سبب في جذب الثالث كما لو قتلاه خطأ "ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا" لأن جذب الثلاثة سبب إتلافه وكذا لو تدافع وتزاحم عند الحفرة جماعة فسقط منهم أربعة متجاذبين وتسمي هذه المسألة مسألة: الزبية "وروي عن علي أنه قضى للأول بربع الدية وللثاني بثلثها وللثالث بنصفها وللرابع بكمالها على من حضرهم" روى حنش الصنعاني أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى فيها بما ذكر وقال فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر "ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز قضاءه" رواه سعيد بن منصور ثنا أبو

(8/292)


فذهب إليه أحمد توقيفا ، ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه ، وليس به مثل ضرورته ، فمنعه حتى مات ، ضمنه ؛ نص عليه .
ـــــــ
عوانة وأبو الأحوس عن سماك بن حرب عن حنش نحو هذا المعني ورواه أحمد أيضا "فذهب إليه أحمد توقيفا" وفي رواية لأحمد وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا أي عواقلهم وهو ظاهر في الثلث والنصف وأما الربع فلا يتوجه حمل العاقلة لها لكن ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث لا يثبته أهل النقل وأنه ضعيف والقياس ما قلناه فلا ينتقل عنه إلى مالا يدرى ثبوته ولا معناه قاله في "المغني" و "الشرح".
تنبيه : نقل جماعة أن ستة تعاطوا في الفوات فمات واحد فرفع إلى علي فشهد رجلان على ثلاثة وثلاثة على اثنين فقضى بخمس الدية على الثلاثة وثلاثة أخماس الدية على الاثنين ذكره الخلال وصاحبه وذكر ابن عقيل إن نام على سطحه فهوى سقفه من تحته على قوم لزمه المكث كما قاله المحققون فيمن ألقي في مركبه نار ولا يضمن ما تلف بسقوطه لأنه ملجأ لم يتسبب وإن تلف شيء بدوام مكثه أو بانتقاله ضمنه واختار في التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها كمتوسط المكان المغصوب ومتوسط الجرحى تصح توبته مع العزم والندم وأنه ليس عاصيا بخروجه من الغصب "ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه وليس به مثل ضرورته فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه" لما روي أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر رضي الله عنه الدية حكاه أحمد في رواية ابن منصور وقال أقول به قال القاضي وأبو الخطاب في رؤوس مسائله ولم يعرف له مخالف ولأنه تسبب إلى هلاكه بمنعه ما يستحقه فضمنه كما لو منعه طعامه حتى هلك وكأخذه ذلك لغيره وهو عاجز فيتلف أو دابته وظاهر كلام أحمد أن الدية تجب على مانع الطعام لأنه تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالبا وقال القاضي هو على عاقلته لأنه قتل لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد وشرطه الطلب من مالكه صرح به في "الفروع" وغيره فعلى هذا إن لم يطلبه فلا ضمان عليه لأنه لم

(8/293)


وخرج عليه أبو الخطاب كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة ، فلم يفعل . وليس ذلك مثله ، ومن أفزع إنسانا فأحدث بغائط ، فعليه ثلث ديته ، وعنه : لا شيء عليه .
ـــــــ
يتسبب إلى هلاكه وظاهره أنه إذا كان به مثل ضرورته فطلب منه فمنعه فمات لم يضمنه لأنه لا يجب عليه بذل طعامه في هذا الحال ومثل الأول لو أخذ منه ترسا يدفع به عن نفسه ضربا ذكره في "الانتصار" "وخرج عليه أبو الخطاب" وحكاه في المستوعب عن الأصحاب "كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة فلم يفعل" حتى هلك أنه يلزمه ديته لاشتراكهما في القدرة على سلامته وخلاصه من الموت قال في "الفروع" وخرج الأصحاب ضمانه على المسألة الأولى فدل أنه مع الطلب وفرق المؤلف فقال "وليس ذلك مثله" لأنه هنا لم يتسبب إلى هلاكه فلم يضمنه بخلاف التي قبلها فلا يصح القياس فدل أن كلامهم عنده ولو لم يطلبه فإن كان مرادهم فالفرق ظاهر نقل محمد بن يحيى فيمن مات فرسه في غزاة لم يلزم من معه فضل حمله نقل أبو طالب يذكر الناس فإن حملوه وإلا مضى معهم "ومن أفزع إنسانا" أو ضربه "فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته" قضى بذلك عثمان قال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه وهو قول إسحاق لأنه فعل تعدى فيه اقتضى خروج الحدث فتعلق به الضمان كما لو استكره امرأة فأفضاها فاستطلق الحدث قال ابن عقيل إنما ذهب إلى قضية عثمان بذلك ولم يخالفه أحد فدل على التوقيف لأنه لا يقتضيه القياس وظاهره أنه إذا أحدث بغير الغائط لا شيء فيه والمذهب أن البول كذلك وصرح بهما وزاد القاضي والريح وفرق في "الشرح" بين الريح وغيره فإنهما أفحش منه "وعنه لا شيء عليه" جزم به في "الوجيز" وغيره وهو قول أكثر العلماء لأن الدية تجب لإزالة منفعة أو عضو أو آلة جمال وليس هنا شيء من ذلك قال في "الشرح" وهذا هو القياس والمراد ما لم يدم قال ابن عقيل وغيره إن دام فثلث دية.
فرع: إذا وطئ أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة أو امرأته ومثلها توطأ لممثله فأفضاها بين مخرج البول والمني أو بين السبيلين فهدر لعدم تصور الزيادة

(8/294)


فصل
ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى إلى تلفه لم يضمنه ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت جنينها أو ماتت فعلى عاقلته الدية.
ـــــــ
وهو حق له أي له طلبه عند الحاكم بخلاف أجير مشترك.
فصل
"ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف" أي فوق الضرب المعتاد "فأفضى إلى تلفه لم يضمنه" لأنه أدب مأذون فيه شرعا فلم يضمن ما تلف به كالحد فعلى هذا إن أسرف أو زاد على المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي وغيره ضمن "ويتخرج وجوب الضمان" وهو قول في "المذهب" قال ابن حمدان ولا يسقط بإذن أبيه وهل يسقط بإذن سيده على وجهين وقيل إن أدب ولده فقلع عينه ففي ضمانها وجهان "على ما قاله" أي الإمام أحمد "فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت" وقال أهل اللغة أجهضت الناقة ألقت ولدها قبل تمامه ثم استعمل الإجهاض في غير الناقة "جنينها أو ماتت ففي عاقلته الدية" أما ضمان الجنين فلما روي أن عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت ياويلها ما لها ولعمر فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر الصحابة فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال ما تقول يا أبا الحسن فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أقسمت عليك ألا تبرح حتى تقسمها على قومك وأما المرأة فلأنها نفس هلكت بإرسال السلطان إليها فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه فوجب أن

(8/295)


وإن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل أن تضمنه العاقلة
ـــــــ
تضمن كما لو ضربها فماتت وقيل هدر لأنه ليس بسبب عادة وجوابه بأنه سبب عادي بخلاف الضربة والضربتين فإنه ليس سببا للهلاك في العادة.
تنبيه : إذا أدب حاملا فأسقطت جنينا ضمن وكذا إن شربت الحامل دواء لمرض فأسقطته فأما أن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله من حد أو تعزير أو استعدى عليها رجل بالشرطة في دعوى له فأسقطت ضمنه السلطان في الأولى والمستعدي في الثانية نص عليهما كقطع لم يأذن سيد فيها وإن ماتت فزعا فوجهان وفي "المغني" و"الشرح" إن استعدى إنسان على امرأة فألقت جنينها أو ماتت فزعا فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالما لها وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند الحاكم فينبغي ألا يضمنها وإن زنى بامرأة مكرهة فأحبلها وماتت من الولادة ضمنها لأنها تلفت بسبب تعديه.
فائدة : قال في "الفنون" إن شمت حامل ريح طبيخ فاضطرب جنينها فماتت أو مات فقال حنبلي وشافعيان إن لم يعلموا بها فلا إثم ولا ضمان وإن علموا وكان عادة مستمرة الرائحة تقتل احتمل الضمان أو الإضرار واحتمل لا لعدم تضرر بعض النساء وكريح الدخان يتضرر بها صاحب السعال وضيق نفس قال في "الفروع" والفرق واضح "وإن سلم ولده إلى السابح" الحاذق "ليعلمه فغرق فلم يضمنه" في الأصح قال القاضي هو قياس المذهب لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته كضرب المعلم الصبي الضرب المعتاد وكذا لو سلم بالغ عاقل نفسه "ويحتمل أن تضمنه العاقلة" قدمه في "الشرح" وغيره لأنه سلمه إليه ليحتاط في حفظه فإذا غرق فقد نسب إلى التفريط في حفظه.
فرع : إذا قال له سبح عبدي هذا فسبحه ثم رقاه ثم عاد وحده يسبح فغرق فهدر وإن استؤجر ليسبحه ويعلمه ومثله لا يغرق غالبا وإن استؤجر لحفظه ضمنه إن غفل عنه أولم يشد ما يسبحه عليه شدا جيدا أو جعله في ماء كثير جار أو واقف لا يحمله أو عميق معروف بالغرق قاله في "الرعاية"

(8/296)


وإن أمر عاقلا ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه على الوجهين وإن وضع جرة على سطحه فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه.
ـــــــ
"وإن أمر عاقلا ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه" لأنه لم يجن ولم يتعد أشبه ما لو أذن له ولم يأمره وكاستئجاره قبضه الأجرة أولا "إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه على الوجهين" أحدهما لا ضمان جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر ما قدموه كغيره والثاني يضمنه واختاره القاضي في المجرد وهو من خطإ الإمام ولأنه يخاف منه إذا خالفه وهو مأمور بطاعته وظاهره أنه إذا كان المأمور صغيرا لا يميز قال في "المغني" و"الشرح" وذكر الأكثر منهم صاحب "الترغيب" و"الرعاية" غير مكلف ضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه قال في "الفروع" ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة كالقرابة وصحبة وتعليم ونحوه فهذا متجه وإلا ضمنه وقد كان ابن عباس يلعب فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية رواه مسلم قال في شرحه لا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة واطرد به العرف وعمل المسلمين "وإن وضع جرة على سطحه" أو حائط وعبارة "الفروع" وإن وضع شيئا على علو فهي أجود وفيه شيء "فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه" على المذهب لأن ذلك بغير فعله ووضعه لذلك كان في ملكه وقيل يضمن إذا وضعها متطرفة جزم به في "الوجيز" لأنه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعها أشبه ما لو بنى حائطا مائلا ولو تدحرج فدفعه عن نفسه لم يضمن ذكره في "الانتصار" وفي "الترغيب" وجهان وإنهما في بهيمة حالت بين مضطر وطعامه لا تندفع إلا بقتلها مع أنه يجوز.
مسألة : من نزل بئرا في محل عدوانا أو سقط فيه فسقط فوقه آخر فماتا ضمنهما عاقلة الحافر وقيل بل هو وقيل على عاقلة الثاني نصف دية الأول ويرجع به على عاقلة الحافر والله أعلم.

(8/297)


باب مقادير ديات النفس
دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال أو اثنا عشر ألف درهم فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزمه قبوله وفي الحلل روايتان إحداهما ليست أصلا في الدية وفي الأخرى أنها أصل
ـــــــ
باب مقادير ديات النفس
المقادير واحدها مقدار و هو مبلغ الشيء و قدره
"دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال" ذهبا "أو اثنا عشر ألف درهم" قال القاضي لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل و البقر والغنم والذهب و الورق و هو قول الفقهاء السبعة وغيرهم لما في كتاب عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن "وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل ألف الورق ألف دينار" رواه النسائي و عن عكرمة عن بن عباس أن رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا رواه أبو داود والترمذي وروي عن عكرمة مرسلا وهو أصح وأشهر وعن عطاء عن جابر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل و على أهل البقر مائتي بقرة و على أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة رواه أحمد و أبو داود و النسائي "فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزم قبوله" بغير خلاف سواء كان من أهل ذلك النوع أولم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة "و في الحلل روايتان إحداهما ليست أصلا في الدية" وهو ظاهر كلام الأصحاب و جزم به في "الوجيز" للأخبار و لأنها تختلف ولا تنضبط "و في الأخرى أنها أصل" نصرها القاضي و أصحابه و قدمها في "الرعاية" و صححها

(8/298)


وقدرها مائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان و عنه أن الإبل هي الأصل خاصة وهذه إبدال عنها فإن قدر على الإبل و إلا انتقل إليها فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد و جبت أرباعا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقه و خمس و عشرون جذعة و عنه أنها ثلاثون حقه و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة في بطونها أولادها
ـــــــ
السامري لحديث عمر وعلى أهل الحلل مائتا حلة رواه أبو داود فعلى هذه تكون الأصول ستة "و قدرها مائتا حلة من حلل اليمن" لأنها تنسب إليه "كل حلة بردان" لأن ذلك هو المتعارف إزار ورداء و في "المذهب" جديدان من جنس قال الخطابي الحلة ثوبان إزار ورداء و لا تسمى حلة حتى تكون جديدة تحل عن طيها ولم يقل من جنس "وعنه أن الإبل هي الأصل خاصة" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتيل السوط و العصا مائة من الإبل و لأنه فرق بين دية العمد و الخطإ فغلظ بعضها و خفف بعضها و لا يتحقق هذا في غير الإبل "و"على "هذه" بقية ما ذكر "إبدال عنها" أشبه المتيمم إذا عدم الماء لأن ذلك أقل ما تحمل الأحاديث عليه فعلى من عليه الدية تسليمها إلى مستحقها سليمة من العيوب ومن أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه لأن الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المثليات المتلفة فإن تعذرت قال جماعة أو زاد ثمنها انتقل إلى الباقي "فإن قدر على الإبل" لزمه إخراجها لأن الحق متعين فيها "و إلا انتقل إليها" و هذه الرواية اقتصر عليها الخرقي وهي أصح من حيث الدليل "فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد و جبت أرباعا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقه و خمس و عشرون جذعة" قدمه في "المحرر" و "الفروع" و جزم به في الوجيز و ذكره الخرقي و هو قول أكثر العلماء رواه سعيد عن أبي عوانة عن منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود ورواه الزهري عن السائب بن يزيد مرفوعا ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والأضحية "و عنه أنها ثلاثون حقه و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة" نصره في "الانتصار" في بطونها أولادها لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:

(8/299)


وهل يعتبر كونها ثنايا على وجهين وإن كانت خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف
ـــــــ
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل متعمدا رفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية و هي ثلاثون حقة و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة و ما صولحوا عليه فهو لهم" رواه الترمذي و قال حسن غريب ورواه سعيد عن هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن زيد بن ثابت ورواه أيضا عن هشيم أنا المغيرة عن الشعبي عن أبي موسى الأشعري و المغيرة ابن شعبة أنها كذلك ورواه مالك عن عمر و في حديث عبد الله بن عمر مرفوعا "منها أربعون خلفة في بطونها أولادها" رواه أحمد و أبو داود و يتوجه تخريج من حمل العاقلة كخطأ و في "الروضة" رواية العمد أثلاثا و شبهه أرباعا "وهل يعتبر" في الخلفات "كونها ثنايا على وجهين" كذا في "المحرر" أحدهما لا يعتبر ذكره القاضي و هو الأشهر لأنه عليه السلام أطلق الخلفات ولم يقيدها فاعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل و الثاني يعتبر لقوله في الحديث "من ثنية إلى بازل عامها" رواه أحمد و أبو داود و لأن سائر الأنواع مقدرة بالسن فكذا الخلفات و قيل إنما يجزئ منها ما بين ثنية و هي ما لها خمس سنين و بازل عام و هو ماله سبع سنين و قلما تحمل الأثنية لاحقة لو أحضرها خلفة فأسقطت قبل وضعها فعليها بدلها فإن اختلفا في حملها رجع إلى أهل الخبرة فإن تسلمها الولي بقولهم ثم قال لم تكن حاملا قبل قول الجاني "وإن كانت خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة" لا يختلف المذهب في ذلك وقاله جمهور العلماء لما روى الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن ابن مالك الطائي عن ابن مسعود مرفوعا كذلك رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وقال في إسناده عن الحجاج ثنا زيد بن جبير والترمذي وقال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ورواه الدارقطني وقال هذا حديث غير ثابت "ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف أتبعة" لأن ذلك هو العدل لأنه لو

(8/300)


أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك إذا كان سليما من العيوب وقال أبو الخطاب يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية الأثمان والأول أولى.
ـــــــ
أخذ الكل مسنات لكان فيه إجحاف على الجاني وبالعكس فيه تحامل على المجني عليه وفي الخطإ يؤخذ معهما سن ثالث من أسنان الزكاة على وجه التخفيف وسن خامس لا يؤخذ في الزكاة وهو ابن مخاض ويجب أن يكون ذكرا من أسنان الزكاة المذكورة كما جعل ابن مخاض عوض بنت مخاض "وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة" لما ذكرنا ولأن دية الإبل من الأسنان المقدرة في الزكاة فكذلك البقر والغنم قال في "الفروع" ويتوجه ألا يكونا مناصفة "ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك إذا كان سليما من العيوب" المذهب أنه لا تعتبر قيمة الإبل بل متى وجدت على الصفة المشروطة وجب أخذها سواء قلت قيمتها أو كثرت نصره في "المغني" و"الشرح" وقدمه معظم الأصحاب لأنه عليه السلام أطلقها فتقييدها بالقيمة يخالف ظاهر الخبر ولأنه خالف بين أسنان دية العمد والخطأ تخفيفا كدية الخطأ عن دية العمد واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وإزالة التخفيف المشروع وفي "الرعاية" لا يجزئ مريض ولا عجيف ولا معيب ولا دون دية الأثمان على الأصح فيها من إبل وبقر وغنم وحلل "وقال أبو الخطاب يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما" ذكره بعض أصحابنا مذهب أحمد لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب بألف مثقال وعلى أهل الورق باثني عشر ألف درهم رواه سعيد ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عنه ولأنها أبدال محل واحد فوجب أن تستوي قيمتها كالمثلي والقيمي من المتلفات "فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية الأثمان" واختاره القاضي وأصحابه لأنه إذا اعتبرت القيمة في الإبل وهي أصل رواية واحدة فكذلك تعتبر القيمة في غيرها "والأول أولى" لأن تقويم عمر لأجل أخذ الدراهم عوضا عن الإبل وذلك لا نزاع فيه لأن الإبل كانت تؤخذ على عهده

(8/301)


ويؤخذ في الحلل المتعارف فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل واحدة ستين درهما
فصل
ودية المرأة نصف دية الرجل وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية
ـــــــ
عليه السلام وقيمتها ثمانية آلاف ثم قومها عمر لغلائها باثني عشر ألفا وهو يدل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك فكانت تؤخذ على عهده عليه السلام وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين وإذا لم تعتبر القيمة في الإبل فلا تعتبر فيما سواها قياسا عليها ولا يعتبر فيها أن تكون من جنس إبله وقال القاضي الواجب عليه أن تكون من جنس إبله سواء كان القاتل أو العاقلة فإن لم تكن له إبل فمن غالب إبل بلده فإن لم يكن فيها إبل وجب من غالب إبل أقرب بالبلاد إليه فإن كانت إبله عجافا أو مراضا كلف تحصيل صحاح من جنس ما عنده لأنها بدل متلف فلا يؤخذ فيها معيب كقيمة المتلف والبقر والغنم كذلك "ويؤخذ في الحلل المتعارف" لأن ما لم يكن له حد في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز "فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل حلة ستين درهما" لأن الأصل تساوي الإبدال ولتبلغ قيمة الجميع اثني عشر ألف درهم.
فرع : تغلظ دية طرف كقتل ولا تغلظ في غير إبل.
فصل
"ودية المرأة نصف دية الرجل" إجماعا حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه "دية المرأة نصف دية الرجل" لكن حكي عن ابن علية والأصم أن ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة مع أنهما في كتاب واحد فيكون الأول مفسرا ومخصصا له "وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية" لما

(8/302)


فإذا زادت صارت على النصف ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وكذلك أرش جراحه.
ـــــــ
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج "فإذا زادت صارت على النصف" وهو قول عمر ورواه سعيد ثنا هشيم أنا الشيباني وابن أبى ليلى و زكريا عن الشعبي عن زيد لما روى ربيعة قلت لسعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت ففي إصبعين قال عشرون قلت في ثلاث أصابع قال ثلاثون قلت ففي أربع أصابع قال عشرون قلت لما عظمت مصيبتها قل عقلها قال هكذا السنة يا ابن أخي رواه مالك عن ربيعة وعن أحمد أنها على النصف فيما قل أو كثر رواه سعيد عن علي كالزائد فلو بلغ جراحها الثلث ففيه روايتاه إحداهما وهي الأظهر قاله ابن هبيرة وقدمها السامري أنهما يستويان فيه لأنه لم يغير حد القلة ولهذا صحت الوصية به والثانية وقدمها في "الرعاية" وصححها في "المغني" و"الشرح" يختلفان فيه لقوله "حتى يبلغ الثلث" "وحتى" للغاية فيجب أن يكون مخالفا لما قبلها والثلث في حد الكثير لقوله "والثلث كثير" ولأن العاقلة تحمله فدل على أنه يخالف ما دونه فأما دية نساء سائر الأديان فتساوي دياتهن ديات رجالهن إلى الثلث ويحتمل أن تساوي المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل المسلم لأنه القدر الكثير الذي ثبت له التنصيف في الأصل وهو دية المسلمين "ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى" لأن ميراثه كذلك فكذا ديته لا يقال الواجب دية أنثى لتيقنها لأنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالا واحدا فيجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين "وكذلك أرش جراحه" لأن الجراح كالتابع للقتل فإذا كان في القتل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى فلأن يجب أرش الجراح كذلك بطريق الأولى لكن إن كان دون الثلث فيستوي الذكر والخنثى لأن أدنى حالاته أن يكون امرأة وهي تساويه وفيما زاد ثلاثة أرباع جرح ذكر.

(8/303)


فصل
ودية الكتابي نصف دية المسلم وعنه ثلث دية وكذلك جراحهم ونساؤهم على النصف من دياتهم ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم.
ـــــــ
فصل
"ودية الكتابي نصف دية المسلم" في ظاهر المذهب وقدمه ونصره الأكثر لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "دية الكتابي نصف دية المسلم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه "وعنه ثلث ديته" اختارها أبو محمد الجوزي لما روى عبادة بن الصامت مرفوعا قال "دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف" ورواه الشافعي بإسناد جيد عن عمر والأول أصح وقد رجع أحمد عن الثانية وحديث عبادة لم يذكره أصحاب الحديث فالظاهر أنه ليس بصحيح وحديث عمر إنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف درهم فأوجب فيها نصفها "وكذلك جراحهم" من دياتهم كجراح المسلمين من دياتهم وهو الثلث أو النصف على الخلاف "ونساؤهم على النصف من دياتهم" بغير خلاف نعلمه قاله ابن المنذر كنساء المسلمين.
"ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم" أما الأول فهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والأكثر لما روى عقبة بن عامر مرفوعا قال "دية المجوسي ثمانمائة درهم" رواه ابن عدي وطعن فيه بعضهم مع قوله عليه السلام "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فوجب أن تكون ديته كدية الكتابي لكنه محمول على أخذ الجزية وحقن الدم لا في كل شيء بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا.
وأما الثاني فلأنه كافر لا تحل ذبيحته أشبه المجوسي وكذا كل من لا يجوز قتله كالذمي والمستأمن والمعاهد ونساؤهم على النصف من دياتهم وجراح كل أحد معتبر من ديته كالمسلم
فرع : عبدة الأوثان وسائر من لا كتاب له لا ذمة لهم وإنما تحقن دماؤهم

(8/304)


ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه وعند أبي الخطاب أن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه.
فصل
ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت وعنه لا يبلغ بها دية الحر.
ـــــــ
بالأمان فإذا قتل من له أمان منهم فديته دية مجوسي لأنها أقل الديات فلا تنقص عنها.
"ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه" لأنه لا عهد له ولا أمان أشبه الحربي لكن لا يجوز قتله حتى يدعى ,وعند أبي الخطاب إن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه" لأنه محقون الدم أشبه من له أمان وقال أبو الفرج كدية مسلم لأنه ليس له من يتبعه والأول أولى فإن هذا ينتقض بصبيان أهل الحرب ومجانينهم لأنه كافر لا عهد له فإن كان له عهد ففيه دية أهل دينه فإن لم يعرف دينه فدية مجوسي لأنه اليقين والزيادة مشكوك فيها.
مسألة: نساء أهل الحرب وذريتهم وراهب يتبعون أهل الدار أو الآباء.
فصل
"ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت" أي يضمن الرقيق في العمد والخطأ بقيمته من نقد البلد وإن كثرت في المشهور عنه وهو قول سعيد والحسن وعمر بن عبد العزيز لأنه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس ويخالف الحر فإنه يضمن بما قدره الشارع فلم يتجاوزه ولأنه ليس بضمان مال بدليل أنه لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة الملكية وينقص بنقصانها فاختلفا وحكم المدبر وأم الولد والمكاتب والمعلق عتقه بصفة كذلك قال الخطابي أجمع الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا النخعي فإنه قال يودى بقدر ما أدى من كتابته دية حر وما بقي دية عبد "وعنه لا يبلغ بها دية الحر" لأن الحر أشرف منه ولأنه تعالى لما أوجب

(8/305)


وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر ما نقصه وإن كان مقدرا في الحر فهو مقدر من العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال ومن نصفه حر
ـــــــ
في الحر دية لا تزيد وهو أشرف لخلوه من نقص الرق كان تنبيها على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها "وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر" كالعصعص وخرزة الصلب ما نقصه بعد البرء بغير خلاف نعلمه لأن حق المجني عليه ينجبر فلا تجب الزيادة وإن كان مقدرا في الحر كاليد والرجل والموضحة "فهو مقدر من العبد من قيمته" قدمها في "المستوعب" و"الكافي" وروي عن علي قال أحمد هذا قول سعيد بن المسيب لأن قيمته كدية الحر.
"ففي يده نصف قيمته" لأن الواجب فيها من الحر نصف الدية "وفي موضحته نصف عشر قيمته" لأن الواجب فيها من الحر خمس من الإبل "نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر" لأنه ساوى الحر في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة فساواه في اعتبار ما دون النفس ببدل النفس كالرجل والمرأة "وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال" قدمها في "الرعاية" وجزم بها في "الوجيز".
قال أحمد: إنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم وذكر في "المغني" و"الشرح" أن هذه الرواية أقيس وأولى لأن القياس على الحر غير صحيح لعدم المساواة بينهما فعلى الأولى إن بلغت الجناية ثلث قيمتها احتمل أن ترد إلى النصف فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة أعشار قيمتها وفي أربعة أصابع خمسها كالحرة فإذا بلغت الثلث ردت إلى النصف واحتمل ألا ترد لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية وأن كل ما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها فإذا خولف في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل "ومن نصفه حر" فلا قود عليه لأنه ناقص بالرق أشبه ما لو كان كله رقيقا وإن كان قاتله عبدا أقيد منه لأنه أكمل من الجاني وإن كان القاتل نصفه حر أوجب القود لتساويهما

(8/306)


ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وهكذا في جراحه وإن قطع خصيتي عبد أو أنفه أن أذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملكه عنه وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه
ـــــــ
وإن كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم التساوي "ففيه نصف دية حر ونصف قيمته" أي إذا قتله حر عمدا ضمن نصف دية حر ونصف قيمته وإن قتله خطأ فعليه نصف قيمته وعلى عاقلته نصف ديته لأنها دية حر في الخطأ "وهكذا في جراحه" أي إذا كان قدر الدية من أرشها بلغ ثلث الدية مثل أن يقطع كلاهما أو يديه فإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني لأن نصف دية اليد ربع ديته فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث ذكره في "الشرح" "وإن قطع خصيتي عبد أو أنفه أو أذنيه لزمته قيمته" أي قيمة العبد لأن القيمة بدل عن الدية "للسيد" لأنها بدل عن الأعضاء المملوكة للسيد "ولم يزل ملكه عنه" لأنه لم يوجد سبب يقتضي الزوال فوجب بقاؤه على ملكه عملا باستصحاب الحال لأن قطع يد العبد منزل منزلة تلف بعض ماله "وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر" لأن الواجب في ذلك من الحر دية كاملة وقيمته مقطوع الذكر لأن الواجب في قطع الخصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة لا يقال القيمة هنا نقصت لأن المؤلف قيدها بقطع الذكر بخلاف الحر فإنهما سواء لأن القيمة في مقابله لكنها تزيد وتنقص بخلاف الدية.
"وملك سيده باق عليه" لما مر، وفي ذلك اختلاف يلزمه ما نقص من قيمته، وفي سمعه وبصره أو أنفه وأذنيه قيمتاه مع بقاء ملك السيد، قال ابن حمدان: فإن أذهب إحداهما أولا غرم قيمته كاملا، ثم قيمته ناقصا.
فرع : إذا جرح اثنان في وقتين عبدا أو حيوانا ولم يوجباه ثم سرى الجرحان فقال القاضي يلزم كل واحد منهما ما نقصه بجرحه من قيمته ويتساويان في بقيتها قال المجد وعندي يلزم الثاني نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ويلزم الأول تتمة قيمته سلفا

(8/307)


فصل
ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة
ـــــــ
فصل
"ودية الجنين" وهو اسم للولد في البطن مأخوذ من الإجنان وهو الستر لأنه أجنه بطن أمه أي ستره ل قوله تعالى: {وإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [لنجم:32] "الحر المسلم إذا سقط" فلو ظهر بعضه ولم يخرج باقيه ففيه الغرة كما لو سقط جميعه "ميتا" في قول أكثر العلماء لما روي أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال لتأتيني بمن شهد معك فشهد له محمد بن مسلمة متفق عليه ولما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها" رواه البخاري ومسلم وزاد وورثها ولدها ومن معهم فقام حمل بن النابغة الهذلي فقال يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما هو من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع فإذا ألقته ميتا فقد تحقق أنه من الضربة فوجب ضمانه سواء ألقته في حياتها أو بعد موتها لأنه تلف بالجناية عليه أشبه ما لو سقط في حياتها وظاهره بجناية عمدا أو خطأ "غرة عبد أو أمة" الأحسن تنوين "غرة" و"عبد" بدل منه وتجوز الإضافة على تأويل إضافة الجنس إلى النوع وسميا بذلك لأنهما من أنفس الأموال والأصل في الغرة الخيار وأصلها البياض في وجه الفرس وقال أبو عمرو بن العلاء الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء قلت وليس البياض شرطا عند الفقهاء وإنما تجب إذا سقط من الضربة ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضربة أو تبقى متألمة منها إلى أن يسقط أو يكون منها كشرب دواء ونحوه فلو قتل حاملا ولم يسقط جنينها فلا لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه فلا يجب الضمان بالشك

(8/308)


قيمتها خمس من الإبل موروثه عنه كأنه سقط حيا ذكرا كان أو انثى ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب
ـــــــ
والغرة هي عبد أو أمة في قول الأكثر وما روي عن عروة ومجاهد وطاووس.
أو فرس فجوابه أنه وهم انفرد به عيسى بن موسى عن الرواة وهو متروك في النقل وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة لما روى أبو داود أنه عليه السلام جعل في ولدها مائة شاة وظاهره أنه لا تجب في مضغة فثلثي غرة فإن ألقت مضغة فشهد ثقات من النساء القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي ولو بقي تصور فوجهان أصحهما لا شيء فيه كالعلقة والثاني وقدمه في "الرعاية" فيه غرة أشبه ما لو تصور فلو ألقت رأسين فغرة لأنه يجوز أن يكون من جنين وأكثر فلم تجب بالشك "قيمتها خمس من الإبل" وذلك نصف عشر الدية روي عن عمر وزيد وهو قول الجماعة لأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجناية وهو أرش الموضحة فرددناه إليه لا يقال قد وجب في الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث وهو دون ذلك لأن الشارع أوجبها في أرش الموضحة والسن وأما الأنملة فيجب فيها ما ذكر بالحساب من دية الأصبع.
فرع : إذا اختلف قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها فظاهر الخرقي أنها تقوم بالإبل لأنها الأصل وقال غيره تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم ويتفرع عليهما إذا لم يجد غيره وذكر في "الكافي" وإن أعوزت وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية "موروثة عنه كأنه سقط حيا" لأنها دية له وبدل عنه فورثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وقال الليث هي لأمه وجوابه أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حيا ثم مات "ذكرا كان" الولد "أو أنثى" لأنه عليه السلام قضى في الجنين بغرة وهو يطلق على الذكر والأنثى ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث "ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب" يرد به في البيع ولا خصي ولا هرمة وإن كثرت قيمته لأنه حيوان يجب بالشرع فلم يقبل فيه

(8/309)


ولا من له دون سبع سنين وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى وإن ضرب بطن أمة فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة
ـــــــ
ذلك بخلاف الكفارة فإن الغرة بدل فاعتبرت فيها السلامة كإبل الصدقة وهي خيار.
"ولا من له دون سبع سنين" في الأشهر فإنه محتاج إلى من يكفله وليس من الخيار وقيل أو أقل لإطلاق الخبر و ظاهره أن من جاوز السبع أنه مقبول و هو كذلك و قال ابن حمدان الغرة من له سبع سنين إلى عشر و ظاهر "الخرقي" أن سنها غير مقدر و بالجملة البالغ أكمل من الصغير و أقدر على التصرف و أنفع في الخدمة "وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه" هذا هو المذهب لأنه جنين آدمية فوجب فيه عشر دية أمه كجنين الحرة ولأنه جزء منها فقدر بدله من قيمتها كسائر أعضائها ونقل حرب الواجب فيه نصف عشر قيمة أمه ولا يحمل عليه الواجب هنا لأن الرقيق الواجب قيمته بخلاف الحر وتعتبر القيمة نقدا يوم الجناية كموضحتها إذا ساوتها حرية ورقا وإلا فبالحساب إلا أن يكون دين أبيه أو هو أغلى منها دية فيجب عشر ديتها لو كانت على ذلك الدين "ذكرا كان أو أنثى" لأن حكمه كذلك إذا كان حرا فكذا إذا كان رقيقا ونص المؤلف على ذلك إشارة منه إلى خلاف أبي حنيفة فإنه قال يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا أو عشر قيمته إن كان أنثى لأنه متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه وجوابه أنه جنين خالف سائر المتلفات في عدم اعتبار قيمة جميعه فوجب اعتباره بأمه ولأنه مات من الجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بهما كجنين الحرة.
فرع : جنين المعتق بعضها يجب بالحساب فإذا كان نصفها حرا فنصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده.
"وإن ضرب بطن أمة فعتقت" أو أعتق جنينها قبل الجناية أو بعدها "ثم أسقطت الجنين ففيه غرة" قدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لأنه سقط حرا والعبرة بحال السقوط لأن قبل ذلك لا يحكم فيه بشيء وعنه بضمان جنين مملوك نقلها حرب وابن منصور وعنه إن سبق العتق الجناية ضمن بالغرة

(8/310)


وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه عشر دية أمه وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر إن كان حرا أو قيمته إن كان عبدا إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا وإلا فحكمه حكم الميت.
ـــــــ
وإلا فبضمان الرقيق ونقل حرب التوقف وحكى في "الفروع" الخلاف ولم يرجح شيئا فإن ألقته حيا فالدية كاملة مع سبق العتق الجناية وإلا ففيه الروايتان في الرقيق يجرح ثم يعتق "وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه" غرة قيمتها "عشر دية أمه لأن جنين الحرة بعشر دية أمه فكذا جنين الكافرة وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما" أي أكثر الأمرين من عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه لأن ذلك ضمان متلف فغلب فيه الأكثر تغليظا على الجاني ولأنه لو اجتمع في المتلف ما يجب ضمانه وعكسه غلب الوجوب كالمحرم إذا قتل متولدا بين وحشي وأهلي والحاصل أنها تؤخذ غرة قيمتها عشر الدية ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى لأن السنة لم تفرق بينهما فلو كان بين كتابيين فأسلم أحدهما بعد الضرب قبل الوضع ففيه غرة في ظاهر كلامه وقاله ابن حامد والقاضي اعتبارا بحال استقرار الجناية وقال أبو بكر وأبو الخطاب فيه عشر دية كتابية اعتبارا بحال الجناية "وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر" إن كان حرا لأنه حر مات بجناية أشبه ما لو باشره بالقتل وقد حكاه ابن المنذر إجماعا وعن أحمد لا يثبت هذا الحكم إلا إذا استهل روي عن عمر وابن عباس والحسن بن علي والأول نصره في "المغني" و"الشرح" لأن الارتضاع ونحوه أدل على الحياة من الاستهلال فأما بمجرد الحركة فلا "أو قيمته إن كان عبدا" لأن القيمة في العبد بمنزلة الدية في الحر "إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله" لأنه إذا لم يكن كذلك لا يعلم فيه حياة يجوز بقاؤها فلم تجب فيه دية ولا قيمة كما لو سقط ميتا "وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا" لأن من ولد قبل ذلك لم تجر العادة ببقائه وفيه شيء فإن من ولد لثمانية أشهر لم يعش إلا ما كان من مريم وابنها عليهما السلام "وإلا فحكمه حكم الميت" قال في "الروضة" وغيرها كحياة مذبوح فإنه لا حكم لها وحينئذ تجب فيه غرة لأنه

(8/311)


وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان.
فصل
ذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته بالحرم، والإحرام، والأشهر الحرم والرّحم المحرم.
ـــــــ
لم تعلم حياته "وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان" كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع" أحدهما وقدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" يقدم قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته والثاني يقدم قول الولي لأن الأصل حياته كحياته في بطن أمه والأصل بقاؤه ومقتضاه أنه إذا كان ثم بينة عمل بها لأنها تظهر الحق وتثبته.
أصل: الغرة والدية يرثهما من يرثه كأنه سقط حيا ولا يرث قاتل ولا رقيق فترث عصبة سيد قاتل جنين أمته وفي "الروضة" هنا إن شرط زوج الأمة حرية الولد كان حرا وإلا عبدا وعلى المذهب لو شربت الحامل دواء فألقت جنينا ميتا فعليها غرة هو لورثتها دونها لأنها قاتلة وعليها عتق رقبة.
فرع: يجب في جنين دابة ما نقص نص عليه وهو قول عامة العلماء وقال أبو بكر كجنين أمة أي عشر قيمة أمه وجوابه أن البهيمة إنما يجب بالجناية عليها قدر نقصها فكذا في جنينها.
فصل
"ذكر أصحابنا أن القتل" إذا كان خطأ وقال القاضي قياس المذهب أو عمدا جزم به جماعة قال في "الانتصار" كما يجب بوطء صائمة محرمة كفارتان ثم قال تغلظ إذا كان موجبه الدية وفي "المفردات" تغلظ عندنا في الجميع ثم دية الخطأ لا تغليظ فيها وفي "المغني" و"الترغيب" وطرف "تغلظ ديته بالحرم والإحرام والأشهر الحرم" نقله فيها الجماعة "والرحم المحرم" اختاره أبو بكر والقاضي وأصحابه ولم يقيده في "التبصرة" "والطريق الأقرب" وغيرهما

(8/312)


فيزداد لكل واحد ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث وظاهر كلام الخرقي أنها لا تغلظ بذلك وهو ظاهر الآية.
ـــــــ
الرحم بالمحرم كالعتق وظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ بالرحم وقدمه في "المحرر".
"فيزاد لكل واحد ثلث الدية" لما روي أن امرأة وطئت في طواف فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر أنه قال من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث وعن ابن عباس أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهو قول التابعين القائلين بالتغليظ واحتجوا بقول ابن عمر "فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث" لأن القتل يجب به دية وقد تكرر التغليظ أربع مرات فكان كذلك.
فائدة : قال بعض أصحابنا حرم المدينة كمكة وفي "الترغيب" يخرج روايتان وقيل التغليظ بدية عمد وقيل بديتين وفي "المبهج" إن لم يقتل بأبويه ففي لزومه ديتان أم دية وثلث روايتان.
"وظاهر كلام الخرقي" واختاره المؤلف ونصره في "الشرح" وذكره ابن رزين الأظهر وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز "أنها لا تغلظ بذلك" كجنين وعبد "وهو ظاهر الآية" وهو قوله تعالى: {ومَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وعلى كل حال "والأخبار" منها قوله عليه السلام "في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف مثقال" وروى الجوزجاني عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيا من تلك السنن أي أنه لا تغليظ قال ابن المنذر ليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح ففعل عمر في حديث قتادة أولى فيقدم على من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس

(8/313)


والأخبار وإن قتل مسلم كافرا عمدا أضعف الدية لإزالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه.
فصل
وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية.
ـــــــ
"وإن قتل مسلم" وقدم في "الانتصار" أو كافر وجعله ظاهر كلامه "كافرا" سواء كان كتابيا أو غيره حيث حقن دمه "عمدا أضعفت الدية" نص عليه "لإزالة القود" لأن المسلم لا يقتل بكافر و لأن القود شرع زجرا عن تعاطيه.
"كما حكم عثمان رضي الله عنه" رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ الدية ألف دينار فذهب إليه أحمد وله نظائر منها الأعور إذا قلع عين صحيح تجب دية كاملة حيث لا قصاص ومنها أن سارق الثمر يلزمه مثلا قيمته حيث لا قطع ومذهب الجماهير من العلماء أن دية الذمي في العمد والخطأ واحد للعموم وكما لو قتل حر عبدا عمدا لأنه بدل متلف فلم تتضاعف كسائر الأموال وعلى الأول يودى المجوسي بألف وستمائة والكتابي بثلثي دية المسلم إن قلنا ديته ثلثها نص عليه ونقل ابن هانئ أنها تغلظ بثلث.
فصل
"وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية" إذا جنى رقيق خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا وجب اعتبار جنايته لأن جناية الصغير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه فالعبد أولى ولا يمكن تعليقها بذمته لأنه يفضي إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعليقها برقبة العبد كالقصاص والمذهب أن سيده بالخيار بين فدائه لأنه إذا فدى عبده بقيمته فقد أدى عوض المحل الذي تعلقت به الجناية أو بيعه في

(8/314)


وعنه إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك على روايتين وإن جنى عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد؟ على روايتين.
ـــــــ
الجناية لأنه دفع المحل الذي تعلقت به الجناية والمذهب أنه يلزمه في الفداء الأقل من قيمته أو أرش جنايته لأنه إذا فداه بقيمته أدى قدر الواجب لأن حق المجني عليه لا يتعلق بغير رقبة الجاني وإذا فداه بأرش جنايته فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك مطالبته بأكثر منها وعليه لو أعتقه بعد علمه بالجناية لزمه جميع أرشها بخلاف ما إذا لم يعلم نقله ابن منصور وعنه يفديه أو يسلمه فيها وعنه يخير بينهن وعنه فيما فيه القود خاصة يلزمه فداؤه بجميع قيمته.
"وعنه إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله" لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فوت على المجني عليه ذلك "وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك على روايتين" أظهرهما لا يلزمه قاله ابن هبيرة وقاله أكثر العلماء لأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد سلمها ويبيعه الحاكم بغير إذن وله التصرف فيه بعتق وغيره وقيل بإذن والثانية يلزمه صححها في "الرعاية" لأن الجناية تقتضي وجوب أرشها وأرشها هو قيمة العبد.
فرع: إذا مات العبد الجاني أو هرب قبل مطالبة سيده بتسليمه أو بعده ولم يمنع منه فلا شيء عليه فلو جنى ففداه ثم جنى فحكمها كالأولى ولا يرجع الثاني على الأول بشيء ومحله ما لم يكن بإذن سيده أو أمره فإن كان فضمانها عليه بالغة ما بلغت رواية واحدة "وإن جنى عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد على روايتين" أظهرهما عنه لا يملكه لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجناية الموجبة للمال والثانية يملكه قدمها في "الرعاية" لأنه مملوك استحق إتلافه.

(8/315)


وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص فإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه على وجهين وإن جرح حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته
ـــــــ
فاستحق إبقاءه على ملكه كعبده الجاني عليه فعلى هذه إن عفا عنه على رقبته وقيمته فوق الأرش وقلنا يجب أحد شيئين تعين الأرش ولو قال عفوت عنه وهو حر عتق ولا دية وإن قلنا لا يملك فلا قود ولا دية وهو ملك سيده وذكر ابن عقيل و"الوسيلة" رواية يملكه بجناية عمد وله قتله ورقه وعتقه وينبني عليه لو وطئ الأمة ونقل مهنا لا شيء عليه وهي له وولدها "وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص" نص عليه سواء جنى عليهم في وقت أو أوقات لأنهم تساووا في سبب تعلق به الحق فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الأول أولى لأن حقه أسبق وقال ابن حمدان يقاد بالكل اكتفاء كما لو جنى عليهم معا ويحتمل أن يقاد بالأول أو يؤخذ حقه بالقرعة مطلقا ويدخل بالقتل حق من بقي لفوت محله إن علق بالعين "فإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه على وجهين" أحدهما يتعلق بجميع العبد قدمه في "المحرر" و"الرعاية" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن سبب استحقاقه موجود وإنما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر وقد زال المزاحم أشبه ما لو جنى على إنسان ففداه سيده ثم جنى على آخر والثاني يتعلق بحصتهم منه لا غير لأن كل واحد تعلق بقسط من رقبته فلا يتعلق بزيادة عليه كما لو لم يوجد عفو أصلا.
فرع: قتل عبدان عبدا عمدا فقتل الولي أحدهما وعفا عن الآخر تعلق برقبته نصف الدية وبناه السامري على قتل الجماعة بالواحد.
"وإن جرح حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا: يفديه بقيمته -

(8/316)


صح العفو في ثلثه وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه لأن العفو صح في شيء من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس.
ـــــــ
صح العفو في ثلثه" لأنه ثلث ما فات عنه ويبقى الثلثان للورثة "وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه لأن العفو صح في شيء من قيمته" فسقط "وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين أجبر وقابل" تصير ألف تعدل اثني عشر شيئا فالشيء إذا يعدل نصف سدس الدية "يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس" لأن الشيء إذا عدل نصف سدس كان الشيء يعدل السدس ضرورة فعلى هذا لو كان قيمة العبد ثلث الدية صح العفو على القول بأن الفداء يكون بالدية في ثلاثة أخماسه ولو كان قيمة العبد الربع صح في ثلثه ولو كانت قيمته الخمس صح في خمسة أسباعه وطريق الباب في هذه المسائل أن تزيد قيمة العبد على نصف دية المجني عليه وتنسب قيمة العبد مما بلغا فما كان فهو الذي يفديه به سيده.
تنبيه : إذا قتل عبد عبدين لآخر فله قتله والعفو عنه فإن قتله سقط حقه وإن عفا على مال تعلقت قيمة العبدين برقبته وإن كانا لاثنين فكذلك إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما فإن عفا قتل للثاني وإن قتلهما معا أقرع بين العبدين فمن وقعت له القرعة اقتص وسقط حق الآخر فإن عفا عن القصاص وعلى سيد الأول مال تعلق برقبة العبد وللثاني القصاص فإن قتله سقط حق الأول من القيمة وإن عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين لا يقال حق الأول أسبق فيقدم لأنه لا يراعى بدليل ما لو أتلفت أموال لجماعة على الترتيب ولو قتل عبد عبدا لاثنين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص

(8/317)


باب ديات الأعضاء ومنافعها
ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية وهو الذكر والأنف واللسان الناطق ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء
ـــــــ
باب ديات الأعضاء ومنافعها
المنافع واحده منفعة وهي اسم مصدر من نفعني كذا نفعا وهي نوعان أحدهما الشجاج وهي في الرأس والوجه والثاني في سائر البدن وهو قسمان أحدهما قطع عضو والآخر قطع لحم وذلك كله مضمون من الآدمي ويضاف إليه تفويت المنفعة كالسمع والبصر ونحوهما "ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية" أي دية نفسه نص عليه وهو الذكر إجماعا لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وفي الذكر الدية وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي ولفظه له وقال روى يونس هذا الحديث عن الزهري مرسلا وظاهره ولو من صغير نص عليه وشيخ فان ذكره جماعة وقيد ابن حزم الإجماع بأن ينتشر وهذا إذا أبقى الأنثيين سالمتين.
أصل: وفي حشفة الذكر الدية بغير خلاف نعلمه لأن منفعته تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع فلو قطعها وبعض القصبة لم يجب أكثر من دية كما لو قطع الأصابع وبعض الكف.
"والأنف" وظاهره ولو مع عوجه وصرح به في "الترغيب" وتجب إذا قطع مع مارنه وهو ما لان منه "واللسان الناطق" السليم إذا استوعب كله محطا من المسلم الحر إجماعا ذكره ابن حزم وذكر المؤلف أنهم أجمعوا على وجوب الدية فيه لأنه أعظم الأعضاء نفعا وأتمها جمالا وإن قطع لسان كبير وادعى أنه كان أخرس فكما إذا اختلفا في شلل العضو.
"ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء" لأن في إتلافه إذهاب منفعة الجنس

(8/318)


وما فيه منه شيئان ففيهما لدية وفي أحدهما نصفها كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وثندوتي الرجل واليدين والرجلين والإليتين
ـــــــ
وإتلافها كإذهاب النفس في الكل وظاهره ولو لم يبلغ حد النطق فلو بلغه ولم يتكلم لم تجب فيه الدية كلسان الأخرس وإن كبر فنطق ببعض الحروف وجب فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأنا تبينا أنه كان ناطقا "وما فيه منه شيئان ففيهما لدية وفي أحدهما نصفها" نص عليه "كالعينين" إذا أذهبهما من المسلم خطأ لحديث عمرو بن حزم ويستوي فيه الصغيرتان والصحيحتان وضدهما فإن كان فيها بياض ينقص البصر نقص من الدية بقدره وإلا فلا وعنه تجب دية كاملة جزم به "في الترغيب" كحولاء وعمشاء مع رد المبيع بهما "والأذنين" وفاقا قضى به عمر وعلي وما روي أن أبا بكر قضى في الأذن بخمسة عشر بعيرا رواه سعيد فمنقطع وذكر ابن المنذر أنه لا يثبت "وفي الوسيلة" وإشرافهما وهو جلد بين العذار والبياض الذي حولهما نص عليه "وفي الواضح" وأصداف الأذنين "والشفتين" أي إذا استوعبتا من المسلم خطأ إجماعا وفي أحدهما نصفها "واللحيين" وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان لأن فيهما نفعا وجمالا وليس في البدن مثلهما "وثديي المرأة" أي فيهما الدية وفي أحدهما نصفها بالإجماع وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه لأنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه كحشفة الذكر وإن حصل مع قطعهما جائفة وجب فيهما ثلث الدية مع ديتهما وإن ضربهما فأشلهما فالدية "وثندوتي الرجل" نص عليه وهي مغرز الثدي والواحدة ثندوة بفتح الثاء بلا همزة وبضمها مع الهمز وقال الجوهري الثدي للمرأة والرجل وهو أصح في اللغة ومنهم من أنكره ولأنه يحصل بهما الجمال وليس في البدن غيرهما من جنسهما.
"واليدين" أي فيهما الدية وفي أحدهما نصفها للأخبار حتى يد مرتعش ويد أعسم وهو عوج في الرسغ "والرجلين" لما ذكرنا حتى قدم أعرج وقال أبو بكر حكومة "والإليتين" وهما ما علا وأشرف على الظهر وعن استواء الفخذين وإن لم يصل إلى العظم الدية ذكره جماعه و نقل ابن منصور فيهما الدية إذا

(8/319)


و الأنثيين و إسكتي المرأة وعنه في الشفة السفلى ثلثا الدية و في العليا ثلثها وفي المنخرين ثلثا الدية و في الحاجز ثلثها و عنه في المنخرين الدية و في الحاجز حكومة وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع
ـــــــ
قطعتا حتى إلى العظم "و الأنثيين" ففيهما الدية لخبر عمرو بن حزم و في أحدهما نصفها في قول أكثرهم.
فرع : إذا رض أنثييه أو أشلهما كملت ديتهما كما لو أشل يديه أو ذكره وإن قطع إحداهما فذهب النسل لم يجب أكثر من نصف الدية "و إسكتي المرأة" بكسر الهمزة و فتحها و هما شفراها و قال أهل اللغة الشفران حاشيتا الإسكتين و فيهما الدية لأن فيهما منفعة و جمالا و ليس في البدن غيرهما من جنسهما وإن أشلهما ففيهما الدية كما لو جنى على شفته فأشلها ولا فرق بين الرتقاء وغيرها و في عانة الرجل و المرأة حكومة "وعنه في الشفة السفلي ثلثا الدية و في العليا ثلثها" روي عن زيد لأن نفع السفلى أعظم لأنها هي التي تدور و تتحرك و تحفظ الريق و الطعام و الأول أصح و قول زيد معارض بقول أبي بكر و علي "وفي المنخرين ثلثا الدية و في الحاجز ثلثها" على المذهب لأن المارن يشمل ثلاثة أشياء منخران و حاجز فوجب توزيع الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من الأصابع و الأجفان "و عنه في المنخرين الدية و في الحاجز حكومة" حكاها أبو الخطاب لأن المنخرين ليس في البدن لهما ثالث و لأنه بقطعهما يذهب الجمال كله و المنفعة أشبه قطع اليدين و الأول أظهر و قدمه الأكثر فلو قطع أحد المنخرين و نصف الحاجز و جب نصف الدية وإن شق الحاجز بينهما ففيه حكومة وإن بقي منفرجا فالحكومة فيه أكثر.
"وفي الأجفان الأربعة الدية و في كل و احد ربعها" و عليه الأئمة لأنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل فإنها تكن العين و تحفظها من الحر و البرد و لولاها لقبح منظرها و يجب في أشفار عين الأعمى وهي الأجفان لأن ذهاب البصر عيب غير الأجفان "وفي أصابع اليدين الدية" إذا كانت سليمة "و في أصابع

(8/320)


الرجلين الدية وفي كل إصبع عشرها وفي كل أنملة ثلث إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها وفي الظفر خمس دية الإصبع وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد ثغر والأضراس الأنياب كالأسنان ويحتمل أن تجب في جميعها دية واحدة.
ـــــــ
الرجلين الدية" لما روى الترمذي و صححه عن ابن عباس مرفوعا "دية أصابع اليدين و الرجلين عشر من الإبل لكل إصبع" و في البخاري عنه مرفوعا قال "هذه و هذه سواء" يعني الخنصر الإبهام.
"وفي كل إصبع عشرها" و فيه خلاف شاذ "و في كل أنملة ثلث عقلها" لأن دية الأصبع تقسم عليها كما قسمت دية اليد على الأصابع بالسوية "إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها" أي نصف عشر الدية.
"و في الظفر خمس دية الإصبع" نص عليه لقول زيد ورواه ابن عباس و معناه إذا قلعه ولم يعد و في "الرعاية" و كذا إن اسود و دام و التقديرات يرجع فيها إلى التوقيف فإن لم يكن فيها توقيف فالقياس أن فيه حكومة كسائر الجراح التي ليس فيها مقدر و في "الكافي" أن ما لا توقيف فيه من سائر الجراح تجب فيه الحكومة "و في كل سن" قلع بسنخها أو الظاهر فقط "خمس من الإبل" روي عن عمر و ابن عباس و لخبر عمرو بن حزم وابن عمرو بن شعيب و هي اثنا عشر سنا و أربع ثنايا وأربع رباعيات و أربعة أنياب قاله ابن حزم و غيره و فوق ضاحكان و ناجذان و ست طواحين و أسفل مثلها فعلى هذا يجب في جميعها مائة و ستون بعيرا لأنها اثنان و ثلاثون فإن كانت إحدى ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها ذكره في "الشرح" و غيره وشرطه "إذا قلعت ممن قد ثغر" بضم الثاء أي إذا سقطت رواضعه يقال ثغر و أثغر يحترز بذلك من الصغير الذي لم يثغر فإنه لا يجب بقلعها شيء في الحال بغير خلاف نعلمه لأن العادة عود سنه فينتظر فإن مضت مدة ييأس من عودها و جبت ديتها قال أحمد يتوقف سنة لأنه غالب في نباتها "والأضراس و الأنياب كالأسنان" و هو قول ابن عباس و معاوية و الأكثر لما روى أبو داود عن ابن عباس مرفوعا قال "الأسنان سواء

(8/321)


و تجب دية اليد و الرجل في قطعهما من الكوع و الكعب فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه و قال القاضي في الزائد حكومة
ـــــــ
الثنية و الضرس سواء و هذا نص و لأن كل دية و جبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع و الأجفان و عنه إن لم يكن ثغر فحكومة أختاره القاضي وقال إذا سقطت أخواتها و لم تعد أخذت ديتها لأن الغالب أنها لا تعود بعد ذلك "ويحتمل أن تجب في جميعها دية واحدة" هذا رواية حكاه في "المغني" و "الفروع" لأن في كل ضرس بعيرين لقول سعيد بن المسيب رواه مالك و عن عطاء نحوه و الإجماع أن في كل سن خمسا لأنها منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منفعة الجنس.
وفي "المحرر" وقيل إن قلع الكل أو فوق العشرين دفعة لم يجب سوى الدية و قال أبو محمد الجوزي إن قلع أسنانه دفعة واحدة فالدية.
فرع : إذا قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض و كانت منافعها أو بعضها باقية و جبت ديتها وإن ذهبت منافعها فهي كيد شلاء وإن قلع سنا فيها داء أو آكلة فإن لم يذهب شي من أجزائها ففيها دية سن صحيح وإن ذهب سقط من ديتها بقدر الذاهب ووجب الباقي.
"و تجب دية اليد و الرجل في قطعهما من الكوع و الكعب" لأن اليد في الشرع محمولة على ذلك بدليل قطع السارق و المسح في التيمم و الكعب بمنزلة الكوع بدليل ما لو سرق ثانيا قطعت رجله من كعبها "فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه" و نص عليه في رواية أبي طالب و قاله قتادة و عطاء و هو المنصور عند معظم أصحابنا لأن اليد اسم للجميع للمنكب لأنه لما نزلت آية التيمم مسح الصحابة إلى المناكب لا يقال يجب أن لا يجب بقطعهما من فوق الكوع و الكعب الدية لأنه لا يلزم من وجوب الدية في شيء عدم و جوبها فيما دونه بدليل أن الدية تجب في اليدين من الكوع و تجب في قطع الأصابع دون الكف "و قال القاضي في الزائد حكومة" لأن المنفعة المقصودة.

(8/322)


وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين وكسر ظاهر السن دية العضو كاملة ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعا دية وحكومة في القصبة
ـــــــ
في اليد من البطش و الأخذ و الدفع بالكف و ما زاد تابع له و الدية تجب في قطعها من الكوع و الكعب فيجب في الزائد حكومة و لأن اسم اليد و الرجل إلى الكوع و الكعب و على الأول لو قطع من الكوع قطعها من فوق ذلك ففيه حكومة لأنها و جبت عليه الدية بالقطع الأول كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف.
فرع: إذا كان له كفان على ذراع أو يد و ذراعان على عضد و إحداهما باطشة دون الأخرى أو إحداهما أكثر بطشا أو في سمت الذراع و الأخرى منحرفة أو تامة و الأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية ففيها ديتها والقصاص بقطعها عمدا و في الأخرى حكومة لأنها زائدة سواء قطعها منفردة أو مع الأصلية و قال ابن حامد لا شيء فيها لأنها عيب فلو استويا وكانتا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد أو حكومة وإن كانتا باطشتين ففيهما دية اليد و هل تجب الحكومة فيه وجهان "وفي مارن الأنف" وهو ما لان منه "وحشفة الذكر و حلمتي الثديين و كسر ظاهر السن دية العضو كاملة" لأن قطع المارن يذهب الجمال أشبه الأنف كله وحشفة الذكر لأن منفعته كمنفعة اليد بالأصابع وحلمتي الثديين لأنه ذهب من الثديين ما تذهب المنفعة بذهابه فوجب دية كاملة وفي كسر ظاهر السن ديته وهو ما ظهر من اللثة لأن ذلك هو المسمى سنا فيدخل في عموم النص وما في اللثة يسمى سنخا فإذا كسر السن ثم قلع هو أو غيره السنخ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة والدية في قدر الظاهر عادة وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر بأخواتها فإن لم يكن ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة قبل قول الجاني "ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعا دية وحكومة في القصبة" لما روى طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الأنف إذا أوعب جدعا الدية" رواه الشافعي والحكومة في القصبة لما مر في قطع اليد من فوق الكوع فإن قطع الأنف وما تحته من اللحم ففي اللحم حكومة لأنه ليس من

(8/323)


وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا بالحساب من ديته تقدر بالأجزاء وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول ديته وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وقال أبو بكر فيها حكومة.
ـــــــ
الأنف أشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته "وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا بالحساب من ديته تقدر بالأجزاء" كالثلث والربع ثم يؤخذ مثله من الدية لأن ما وجبت الدية في جميعه وجبت في بعضه وكما تقسط دية اليد على الأصابع وفي "الترغيب" رواية تجب ثلث دية كشحمة أذن وفي "الواضح" فيما بقي من أذن بلا نفع الدية وإلا حكومة.
"وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان" الدية لأنه عطل نفعهما أشبه ما لو أمسك يده أو لسانه أو شفته وسائر الأعضاء إلا الأذن والأنف قال في "المغني" و"الشرح" وكذا إذا استرخيا فصارا لا ينفصلان عن الأسنان لأنه عطل جمالها وفي "التبصرة" و"الترغيب" في التقلص حكومة "وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول" عنه "ديته" روي عن زيد بن ثابت وقاله ابن سيرين وابن المسيب والحسن وهو ظاهر "الخرقي" "وعنه في تسويد السن ثلث ديتها" وهو قول بعض الصحابة لأن التقدير لا يثبت إلا بالتوقيف وكتسويد أنفه مع بقاء نفعه قاله في "الواضح" "وقال أبو بكر فيها حكومة" وهو رواية عن أحمد لأنه لم يذهبها بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو احمرت أو اصفرت أو كلت وعنه إن ذهبت منفعتها من المضغ عليها ففيها ديتها وإلا فحكومة قاله القاضي والأول أصح لأنه قول زيد ولم يعرف له مخالف من الصحابة فكان كالإجماع ولأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها كما لو قطع أذن الأصم
فرع: إذا جنى على سنه فاخصرت فعنه كتسويدها جزم به في

(8/324)


وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والإصبع الزائدتين حكومة وعنه ثلث ديته وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته.
ـــــــ
"المنتحب" وعنه حكومة قال في الفروع وهي أشهر وذكرهما في "الشرح" احتمالين "وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة" في موضعها صحيحة غير أنه أذهب نظرها "وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والأصبع الزائدتين حكومة" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب الحكومة "وعنه ثلث ديته" لما روى النسائي ورجاله ثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين العوراء السادة لمكانها بثلث الدية وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السن السوداء إذا قلعت بثلث ديتها وعن عمر معنى ذلك رواه سعيد وحكم الرجل الشلاء كاليد الشلاء رجحه المؤلف وقال قولهم لا يمكن إيجاب مقدر ممنوع فإنا قد ذكرنا التقدير وبيناه فأما اليد والرجل والإصبع والسن الزوائد ففيها حكومة ولا يصح قياس هذا على العضو الذي ذهبت منفعته وبقي جماله لأن هذه الزوائد لا جمال فيها إنما هي شين في الخلقة وعيب يرد به المبيع وتنقص به القيمة وقيل لا يجب فيها شيء قال القاضي هو في معنى اليد الشلاء فيتخرج على الروايتين وكذا كل عضو ذهبت منفعته وبقيت صورته والكف الذي لا أصابع عليه وساق لا قدم فيه وذراع لا كف عليه وذكر لا حشفة له "وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته" ذهب الأكثر إلى وجوب الدية في ذكر العنين لخبر عمرو بن حزم "وفي الذكر دية" ولأنه غير مأيوس من جماعه وهو عضو سليم في نفسه أشبه ذكر الشيخ وعنه لا تكمل ديته لأن منفعة الإنزال والإحبال بالجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال

(8/325)


فلو قطع الذكر والأنثيين معا أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين وفي الذكر روايتان إحداهما دية والأخرى حكومة أو ثلث ديته وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة .
ـــــــ
أشبه الأشل وبهذا فارق ذكر الشيخ وأما ذكر الخصي فعنه دية كاملة لظاهر الخبر ولأن منفعته وهي الجماع باقية فيه وعنه لا لأن المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه فلم تكمل ديته وعنه تكميلها لذكر العنين دون الخصي وخرج منه في "الانتصار" في لسان أخرس وقدم في "الروضة" في ذكر الخصي إن لم يجامع بمثله فثلث ديته وإلا دية قال في عين قائمة نصف دية.
فرع : إذا نبتت أسنان صبي سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها تامة كمن خلق أسود الوجه والجسم جميعا وإن نبتت أولا بيضاء ثم ثغر ثم عادت سوداء فإن قال أهل الخبرة ليس السوداء لمرض ولا علة ففيها كمال ديتها وإلا فثلث دية أو حكومة "فلو قطع الذكر والأنثيين معا" أي دفعة واحدة "أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان" لأن كل واحد منهما لو انفرد لوجب في قطعه الدية فكذا "لو اجتمع ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين" لأن قطعهما لم يصادف ما يوجب نقصهما عن ديتهما "وفي الذكر روايتان" كذا في "المحرر" "إحداهما دية" لقوله عليه السلام "وفي الذكر الدية" "والأخرى" وهي أشهر "حكومة أو ثلث ديته" لأنه ذكر خصي.
فرع : إذا قطع نصف الذكر طولا فقال أصحابنا يجب نصف الدية ونصر في "المغني" و"الشرح" أن تجب الدية كاملة لأنه ذهب منفعة الجماع به أشبه ما لو أشله وإن قطع منه قطعة فما دون الحشفة وخرج البول على عادته وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج من موضع القطع وجب الأكثر من الدية أو الحكومة.
"وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة" لأن نفع الأنف والأذن

(8/326)


وفي قطع الأشل منهما كمال ديته وتجب الدية في أنف الأخشم والمخروم وأذني الأصم وإن قطع أنفه فذهب شمه أو أذنيه فذهب سمعه وجبت ديتان وسائر الأعضاء إذا أذهبها بمنافعها لم تجب إلا دية واحدة
ـــــــ
باق مع الشلل بخلاف اليد فإن نفعها قد زال وإنما قلنا ببقاء نفع الأذن كونها تجمع الصوت وتمنع دخول الهواء في الصماخ وهذا باق مع الشلل وكذلك الأنف فنفعه جمع الرائحة ومنع وصول شيء إلى دماغه قال المؤلف أو تغيير لونهما وقيل الدية كشلل يد ومثانة ونحوهما.
"وفي قطع الأشل منهما كمال ديته" لأنه قطع أذنا فيها جمالها ونفعها كالصحيحة وكما لو قطع عينا عمشاء أو حولاء.
فرع : إذا قطع الأنف إلا جلدة بقي معلقا بها فلم يلتحم واحتيج إلى قطع الجلدة ففيه ديته وإن رده فالتحم فحكومة وإن أبانه فرده فالتحم فقال أبو بكر فيه حكومة وقال القاضي فيه ديته كما لو لم يلتحم.
"وتجب الدية في أنف الأخشم" لأنه لا عيب فيه وإنما العيب في غيره "والمخروم" لأن أنفه كامل غير أنه معيب كالعضو المريض "وأذني الأصم" لأن الصمم نقص في غير الأذن وفي "الرعاية" و"المحرر" إذا قلنا يؤخذ به السالم من ذلك في العمد وإلا ففيه حكومة "وإن قطع أنفه فذهب شمه" لزمه ديتان لأن الشم من غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر أو أذنيه فذهب سمعه وجبت ديتان" لأن السمع من غير الأذن فهو كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين فلو ذهب شم أحدهما فنصف الدية وفي بعضه حكومة.
"وسائر الأعضاء" كالعينين ونحوهما إذا أذهبها بمنافعها لم تجب إلا دية واحدة لأن نفعها فيها وهو تابع لها يذهب بذهابه فوجبت دية العضو دون المنفعة كما لو قتله لم تجب ديته

(8/327)


فصل في دية المنافع
وفي كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق وكذلك تجب في الكلام
ـــــــ
فصل في دية المنافع
لما تمم الكلام على ديات الأعضاء كالعينين ونحوهما شرع يتكلم في دية المنافع وهي السمع والبصر ونحوهما
"وفي كل حاسة دية كاملة" كذا عبارة الأصحاب يقال حس وأحس أي علم وأيقن وبألف أفصح وبها جاء القرآن وإنما يصح قولهم الحاسة والحواس الخمس على اللغة القليلة والأشهر في حس بلا ألف بمعنى قتل وقال الجوهري الحواس المشاعر الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس "وهي السمع" بغير خلاف وسنده قوله عليه السلام "وفي السمع الدية" وروي أن عمر قضى في رجل رمى آخر بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه بأربع ديات والرجل حي رواه أبو المهلب ولأنها حاسة تختص بنفع فكان فيها الدية كالبصر فإن ذهب من أحدهما فقط وجب نصفها كالبصر "والبصر" من العينين المبصرتين من المسلم دية كاملة إجماعا "والشم" لأن ذلك في كتاب عمرو بن حزم قال القاضي ولأنه حاسة تختص بمنفعة كسائر الحواس.
"والذوق" ذكره أبو الخطاب والمعظم لأن الذوق حاسة أشبه الشم وقياس المذهب أنه لا دية فيه وإنما تجب الحكومة صححه المؤلف لأن لسان الأخرس لا دية فيه إجماعا على أنها لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته لا تكمل في منفعته كسائر الأعضاء قال في "الشرح" ولا تفريع على هذا القول "وكذلك تجب في الكلام" لأن كل ما تعلقت الدية

(8/328)


والعقل والمشي والأكل والنكاح وتجب في الحدب والصعر وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب وفي تسويد الوجه إذا لم يزل.
ـــــــ
بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته كاليد "والعقل" بالإجماع وسنده ما في كتاب عمرو بن حزم لأنه أكثر المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا فإنه يتميز به عن البهيمة ويعرف به صحة حقائق المعلومات ويهتدي به إلى المصالح ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان أولى من بقية الحواس.
فرع : إذا نقص نقصا معلوما وجب بقدره وإن لم يعرف قدره فحكومة وإن كانت الجناية المذهبة للعقل ولها أرش كالموضحة وجبت الدية وأرش الجرح ولا تدخل أرش الجناية المذهبة له في ديته نص عليه كما لو أوضحه فذهب بصره وقيل بلى ويدخل الأقل في الأكثر.
"والمشي" لأن منفعته مقصودة أشبه الكلام "والأكل" لأنه نفع مقصود كالشم "والنكاح" أي إذا كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية وروي عن علي لأنه مقصود أشبه ذهاب المشي.
"وتجب في الحدب" بفتح الحاء والدال مصدر حدب بكسر الدال إذا صار أحدب لأن بذلك تذهب المنفعة والجمال لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال وبه يشرف الآدمي على سائر الحيوانات وهذا الذي ذكره المؤلف في الكلام وما بعده هو رواية عن أحمد واختاره المجد وجزم به في "الوجيز" وخالف فيه القاضي وغيره وهو ظاهر المذهب قاله ابن الجوزي "والصعر" وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب" نص عليه وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه قال الله تعالى: {ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا وهو قول زيد رواه مكحول ولم نعرف له مخالفا فكان كالإجماع ولأنه أذهب الجمال والمنفعة فوجب فيه ديته كسائر المنافع وقال في "المغني" و"الشرح" و"الترغيب" أولا يبلع ريقه ففيه الدية لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن "وفي تسويد الوجه إذا لم يزل" لأنه فوت

(8/329)


وإذا لم يستمسك الغائط أو البول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة وفي نقص شيء من ذلك إن علم بقدره مثل نقص العقل بأن يجن يوما ويفيق يوما أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا
ـــــــ
الجمال على الكمال فضمنه بديته كما لو قطع أذني الأصم وظاهره أنه إذا صفر وجهه أو حمره تجب حكومة لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفي "المبهج" و"الترغيب" إذا أزال لونه إلى غيره ففيه الدية "وإذا لم يستمسك الغائط أو البول" بأن ضرب بطنه فلم يستمسك الغائط أو المثانة فلم يستمسك البول "ففي كل واحد من ذلك دية كاملة" بغير خلاف نعلمه إلا أن أبا موسى ذكر في المثانة رواية ثلث الدية كإفضاء المرأة و الصحيح الأول لأن كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كثيرة ليس في البدن مثلها فإن نفع المثانة حبس البول و حبس البطن الغائط منفعة مثلها و الضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر فإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة و جب ديتان.
فرع : إذا جنى عليه فذهب عقله و سمعه و بصره و لسانه و جب أربع ديات لقضاء عمر ذكره أحمد في رواية و لده عبد الله كما لو جنى عليه جنايات فأذهبها و يجب مع ذلك أرش الجراح فإن من مات من الجناية لم تجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع تدخل في دية النفس كديات الأعضاء.
"و في نقص شيء من ذلك إن علم بقدره" لأن ما و جب في جميع الشيء و جب في بعضه بقدر كإتلاف المال "مثل نقص العقل بأن يجن يوما و يفيق يوما أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين" لما ذكرناه و هو أن ما و جبت فيه الدية وجب بعضها كالأصابع و اليدين.
مسألة : قال في "الترغيب" و غيره و منفعة الصوت و منفعة البطش فلكل و احد الدية و في "الفنون" لو سقاه ذرق حمام فذهب صوته لزمه حكومة.
"وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية و عشرين حرفا" سوى "لا" فإن مخرجها مخرج اللام و الألف فمنها من الحروف نقص من الدبة بقدره لأن الكلام

(8/330)


ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء والفاء والميم وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا أو نقص سمعه أو بصره أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة أو نقص مشيه أو انحنى قليلا أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة.
ـــــــ
يتم بجميعها فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية و في الحرفين نصف سبعها و لا فرق بين ما خف على اللسان أو ثقل لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالأصابع "و يحتمل أن يقسم على الحرف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء و الفاء و الميم" و الواو دون حرف الحلق الستة و هي الهمزة و الهاء والخاء و العين و الغين فهذه عشرة بقي ثمانية عشر فاللسان تقسم ديته عليها لأن الدية تجب بقطع اللسان و ذهاب هذه الحروف و حدها مع بقائه فإذا و جبت الدية فيها بمفردها و جبت في بعضها بقسطه منها وفي "الكافي" أن اللسان لا عمل له فيها والأول أولى لأن هذه الحروف ينطق بها اللسان أيضا بدليل أن الأخرس لا ينطق بشيء منها "وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا" يفزع مما لا يفزع منه و يستوحش إذا خلا "أو نقص سمعه أو بصره" و ذكر جماعة في نقص بصر نزنه بالمسافة فلو نظر الشخص على مائتي ذراع فنظره على مائة فنصف الدية و في الوسيلة لو لطمه فذهب بعض بصره فالدية في ظاهر كلامه.
"أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة" أو صار ألثغ "أو نقص مشيه أو انحنى قليلا أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة و نحو ذلك ففيه حكومة" لما حصل من النقص و الشين ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية.
وقيل إن ذهب اللبن فالدية وإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه فالدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها.

(8/331)


وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان.
ـــــــ
فرع إذا أذهب كلام الألثغ فإن كان مأيوسا من ذهاب لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف وغير المأيوس كصغير فيه الدية وكذا كبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم.
أصل إذا نقص ذوقه نقصا غير مقدر بأن يحسن المذاق الخمس وهي الحلاوة و الحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة إلا أنه لا يدركه على الكمال ففيه حكومة كنقص بصره نقصا لا يتقدر وإن لم يدرك أحدها وأدرك الباقي ففيه خمس الدية وفي اثنين خمساها وفي ثلاثة ثلاثة أخماسها وإن لم يدرك واحدة فعليه الدية إن قلنا بوجوبها فيه وإلا فحكومة.
"وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما" أي تجب دية الأكثر فإن استويا مثل أن يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها "فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية" لأن كل واحد منهما مضمون بالدية منفردا فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف لأنه لو ذهب نصف اللسان فقط وجب نصف الدية وكذا عكسه.
"فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية" لأنه أذهب بجنايته نصف الكلام "وعلى الثاني نصفها" وهو قول القاضي وقدمه في الفروع لأن السالم نصف اللسان وباقيه أشل بدليل ذهاب نصف الكلام "ويحتمل أن يجب عليه" أي على الثاني "نصف الدية وحكومة لربع اللسان" هذا وجه وجزم به في "الكافي" و"المستوعب" وقدمه في "الرعاية"

(8/332)


وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه ، لم تجب إلا دية . وإن ذهبا مع بقاء اللسان ، ففيه ديتان .
ـــــــ
قال في "الفروع" وهو الأشهر لأنه لو كان جميعه أشل كان فيه حكومة فكذا في بعضه وقيل عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا وجزم به في "الوجيز" ولا يصح القول بأن بعضه أشل لأن العضو شيء كان فيه منفعة فلم يكن بعضه أشل كضعف بصر العين وبطش اليد فلو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه فعليه نصف الدية فإن قطع آخر بقيته فعليه ثلاثة أرباع الدية اقتصر عليه في "الكافي" و"الشرح" لأنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام فلو ذهب ثلاثة أرباع كلام من غير قطع وجب ثلاثة أرباع الدية فمن قطع نصفه أولى وقيل النصف فقط.
فرع : إذا جنى على لسانه فاقتص منه مثل جنايته فذهب من كلام الجاني مثل جنايته وذهب من كلام الجاني كذلك أو أكثر لم يجب شيء لأنه استوفى حقه وسراية القود غير مضمونة وإن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله ولو كان اللسان ذا طرفين فقطع أحدهما ولم يذهب من الكلام شيء وكانا متساويين في الخلقة فهما كلسان مشقوق فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وإن كان أحدهما تام الخلقة والآخر ناقص فالتام فيه الدية والناقص زائد فيه حكومة "وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه" أو كان أخرس قاله في "الوجيز" و"الفروع" وسبقها إلى ذلك "المحرر" "لم تجب إلا دية" واحدة لأنهما ذهبا تبعا فوجب ديته دون ديتهما كما لو قتل إنسانا فلو عاد أو أحدهما لم تجب لأنه لم يذهب ولو ذهب لم يعد وإن كان قبضها ردها وإن قطع لسانه ثم عاد فلا شيء عليه قاله أبو بكر وقيل حكومة وفي "المستوعب" يجب أرش القطع فإن قطعه قاطع فالقصاص أو الدية بخلاف ما لو أوضحه فاندملت ثم أوضحه آخر فلا قصاص ولا دية بل تجب حكومة لأن الجلد لا يعود بخلاف اللسان فإن نقص صورة أو معنى وجب أرشه "وإن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان" على الأصح كما لو ذهبت منافع الإنسان مع بقائه فعلى هذا في كل منفعة دية وعنه تجب دية واحدة.

(8/333)


وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ، ففيه ديتان . ويحتمل أن تجب دية واحدة ، وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه ، فالقول قول المجني عليه . وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة وقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته، وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالرائحة المنتنة وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه
ـــــــ
فرع إذا قطع نصف لسانه فذهب كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد إلى اللسان وإنما عاد إلى محل آخر.
"وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان" على المذهب لأن في كل منهما دية منفردا فكذا إذا اجتمعا وكذهاب شم أو سمع بقطع أنفه أو أذنه "ويحتمل أن تجب دية واحدة" هذا رواية لأنهما منفعة عضو كبقية الأعضاء الذاهبة بنفعها فلو ضعف المشي والجماع أو نقص فحكومة.
فرع : إذا كسر صلبه فجبر وعاد إلى حالة فحكومة للكسر وإن احدودب فحكومة لهما وإن ذهب ماؤه أو إحباله فالدية ذكره في "الرعاية" وكذا في "الروضة" إن ذهب نسله فالدية وفي "المغني" في ذهاب مائه احتمالان.
"وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول المجني عليه" مع يمينه أنه لا يعرف إلا من جهته ولا سبيل إلى إقامة البينة عليه كقبول قول المرأة في الحيض وتجب بقدر نقصه وقيل حكومة كما لو جهل قدر نقصه فإن قال أهل الخبرة أنه يرجى عوده إلى مدة انتظر إليها "وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة به" بأن يمتحن في ذلك "وقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته" لأن ذلك يمكن معرفته منهم فيما يخبرون به كالبينة "وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالرائحة المنتنة وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه" لأن ذلك دليل على كذبه وقيل يقبل قول

(8/334)


وإلا فالقول قوله مع يمينه.
فصل
ولا تجب دية الجرح حتى يندمل ولا دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها ولو قلع سن كبير أو ظفره ثم نبتت أو رده فالتحم
ـــــــ
الجاني لأن الظاهر معه ويحلف لئلا يكون ما ظهر من أمارات ذلك اتفاقا "وإلا فالقول قوله" أي قول المجني عليه لأن الظاهر معه "مع يمينه" لئلا يكون ذلك بمجرد تحفظه ومتى حكم له بالدية ثم انزعج عند صوت أو غطى أنفه عند رائحة منتنة فطولب بالدية فادعى أنه فعل ذلك اتفاقا قبل قوله لأنه محتمل فلا ينقض الحكم بالاحتمال وإن تكرر ذلك من حيث يعلم صحة سمعه وشمه رد ما أخذ لأنا تبينا كذبه فإن ادعى الجاني أنه ولد أبكم ولا بينة تكذبه قبل قوله مع يمينه وقيل ترد كما لو ولد ناطقا ثم خرس.
فصل
"ولا تجب دية الجرح حتى يندمل" لأنه لا يدري أقتل هو أم ليس بقتل فينتظر ليعلم حكمه وما الواجب فيه ولهذا لا يجوز الاستيفاء في العمد قبل الاندمال فكذا في الخطأ "ولا" تجب "دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها" لأنه مما يحتمل العود فلا يجب شيء مع الاحتمال كالشعر وإنما يعرف ذلك بقول عدلين من أهل الخبرة أنها لا فإذا أبدا لكن إن مات قبله وجبت "ولو قلع سن كبير أو ظفر ثم نبتت أورده فالتحم" لم تجب دية نص عليه في السن في رواية جعفر بن محمد و هو قول أبي بكر و الظفر في معناه و قال القاضي تجب ديتها و على الأول فيها حكومة إن نقصت أو ضعفت وإن قلعها بعد ذلك وجبت ديتها و على الثاني نبني حكمها على وجوب قلعها فإذا قبل به فلا شيء على قالعها وإن قلنا بعدمه فاحتمالان فإن جعل مكانها سنا أخرى أو عظما فنبت و جبت ديتها وجها واحدا كما لو لم يجعل مكانها شيئا وإن قلعت الثانية

(8/335)


أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ، ثم عاد سقطت ديته . وإن كان قد أخذها ردها ، وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فعليه أرش نقصه ، وإن قلع سن صغير ويئس من عودها وجبت ديتها ، وقال القاضي : فيها حكومة ، وعنه : في قلع الظفر إذا نبت على صفته ففيه خمسة دنانير ، وإن نبت أسود ففيه عشرة ، وإن مات المجني عليه وادعى الجاني عود ما أذهبه ، فأنكره الولي ، فالقول قول الولي ، وإن جنى على سنه اثنان واختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما.
ـــــــ
فحكومة في الأشهر "أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد سقطت ديته" لزوال سببها "وإن كان قد أخذها ردها" لأنه تبينا أنه أخذها بغير حق "وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فعليه أرش نقصه" خاصة نص عليه لأنه نقص حصل بجنايته كما لو نقصه مع بقائه "وإن قلع سن صغير ويئس من عودها" و حد الإياس سنة نص عليه لأنه هو الغالب في نباتها و قال القاضي إذا سقطت أخواتها ولم تنبت "و جبت ديتها" لأنه أذهبها بجنايته إذهابا مستمرا كسن الكبير "و قال القاضي فيها حكومة" لأن العادة عودها فلم تكمل ديتها كالشعر والصحيح الأول لأن الشعر لو لم يعد وجب ديته مع أن العادة عوده "وعنه في قلع الظفر إذا نبت على صفته ففيه خمسه دنانير وإن نبت أسود ففيه عشرة" إذ التقديرات بابها التوقيف و لا نعلم فيه توقيفا و القياس أنه لا شيء فيه إذا عاد على صفته وإن نبت متغيرا ففيه حكومة لأن القياس يقتضيها في كل الجروح خولف ذلك فيما ورد الشرع بتقديره فيبقى ما عداه على مقتضى القياس "وإن مات المجني عليه و ادعى الجاني عود ما أذهبه" في نقص سمعه و بصره "فأنكره الولي فالقول قول الولي" لأن الأصل عدم العود "وإن جنى على سنه اثنان و اختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل و احد منهما" لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته أشبه ما لو ادعى نقص سمعه.

(8/336)


فصل
وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها وفي بعض ذلك بقسطه من الدية وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود فإن عاد سقطت الدية وإذا أبقى من لحيته مالا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه واحتمل أن يلزمه كمال الدية.
ـــــــ
فصل
"و في كل و احد من الشعور الأربعة الدية و هي شعر الرأس و اللحية و الحاجبين وأهداب العينين" نص عليه وري عن علي و زيد أنهما قالا في الشعر الدية رواه سعيد بإسنادين ضعيفين و عنه فيه حكومة كالشارب و قاله أكثرهم لأنه إتلاف جمال من غير منفعة كاليد الشلاء والعين القائمة و جوابه أنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كأذن الأصم و أنف الأخشم و الحاجب يرد العرق عن العين و يفرقه و هدب العين يرد عنها ويصونها فجرى مجرى أجفانها واليد الشلاء ليس جمالها كاملا و ظاهره لا فرق فيها بين كونها كثيفة أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير لأن سائر ما فيه الدية من الأعضاء لا يفرق الحال فيه بذلك ذكره في "الشرح".
"و في كل حاجب نصفها" كاليدين "وفي كل هدب ربعها" كالأجفان ونقل حنبل كل شيء من الإنسان فيه أربعه ففي كل واحد ربع الدية و طرده القاضي في جلدة وجه "و في بعض ذلك بقسطه من الدية" يقدر بالمساحة كالأذنين و مارن الأنف و ذكر أبو الخطاب احتمالا تجب حكومة "و إنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود" لأن احتمال العود يمنع من الوجوب كالسن الصغير "فإن عاد" بصفته "سقطت الدية" نص عليه كالسن "و إذا أبقى من لحيته" أو من غيرها من الشعور "ما لا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه" جزم به في "الوجيز" كما لو أبقى من أذنه يسيرا "واحتمل أن يلزمه كمال الدية" قدمه في "الرعاية" و "الفروع" لأنه

(8/337)


وإن قلع الجفن بهدبه ، لم تجب إلا دية الجفن ، وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان ، فعليه ديتهما ودية الأسنان . وإن قطع كفا بأصابعه ، لم تجب إلا دية الأصابع . وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع ، دخل ما حاذى الأصابع في ديتها ، وعليه أرش باقي الكف .
ـــــــ
أذهب المقصود أشبه ما لو أذهب ضوء العين و لأن جنايته ربما أحوجت إلى ذهاب الباقي لزيادة في القبح على ذهاب الكل فتكون جنايته سببا لذهاب الكل و قيل تجب حكومة لأنه لا مقدر فيها و علم منه أنه لا قصاص في شيء من الشعور لأن إتلافها إنما يكون بالجناية على محلها وهو غير معلوم المقدار و لا يمكن المساواة فيها فلا تجب "وإن قلع الجفن بهدبه لم تجب إلا دية الجفن" لأن الشعور تزول تبعا كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه "وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان فعليه ديتهما ودية الأسنان" أي عليه دية الكل ولم تدخل دية الأسنان في اللحيين كما تدخل دية الأصابع في اليد لوجوه: أولها: أن الأسنان ليست متصلة باللحيين وإنما هي مفردة فيها بخلاف الأصابع.
ثانيها أن أحدهما ينفرد باسمه عن الآخر بخلاف الأصابع.
ثالثها أن اللحيين يوجدان منفردين عن الأسنان لوجودهما قبل وجود الأسنان ويبقيان بعد قلعها بخلاف الكف مع الأصابع.
"وإن قطع كفا بأصابعه لم تجب إلا دية الأصابع" لدخول الجميع في مسمى اليد وكما لو قطع ذكرا بحشفته لم تجب دية الحشفة لدخولها في مسمى الذكر وظاهره يقتضي سقوط ما يجب في مقابلة الكف وهو غير مراد والأولى أن نقول لم تجب إلا دية اليد "وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها" لأن حصول الكل في اليد يقتضي دخول البعض "وعليه أرش باقي الكف" لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرش الكف كله في دية الأصابع وكذا ما حاذى الأصابع السالمة يدخل في ديتها وما حاذى المقطوعات ليس بداخل في ديته فوجب أرشه كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة وذكر ابن أبي موسى يلزمه دية اليد كاملة ينقص منها دية الأصابع المعدومة

(8/338)


وإن قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها
فصل
وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه ، وإن قلع الأعور عين الصحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا ، فعليه دية كاملة ، ولا قصاص .
ـــــــ
"وإن قطع أنملة بظهرها فليس عليه إلا ديتها" كما لو قطع كفا بأصابعه
فرع : إذا قطع كفا بلا أصابع وذراعا بلا كف فثلث ديته قال أحمد كعين قائمة وعنه حكومة ذكرهما في "المنتخب" وغيره وكذا العضد ومفصل الرجل
فصل
"وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه" وهو قول الزهري والليث وجماعة وقيل فيها نصف الدية وقاله الأكثر لقوله عليه السلام "وفي العين خمسون من الإبل وفي العينين الدية" يقتضي أنه لا يجب فيها أكثر من ذلك لأن ما ضمن بنصف الدية مع نظيره ضمن مع ذهابه كالأذن وجوابه أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا في عين الأعور بالدية ولم يعلم لهم مخالف في الصحابة روى ذلك أحمد و أخذ به ذكره بن الزاغوني و لأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين من رؤية الأشياء البعيدة و إدراك الأشياء اللطيفة و يجوز أن يكون قاضيا ويجزئ في الكفارة و ككمال قيمه صيد الحرم الأعور لا يقال ينبغي أن لا يجب في ذهاب أحد العينين نصف الدية لعدم نقصانه لأنه لا يلزم من و جوب شيء في دية العينين نقص دية الباقي بدليل ما لو عليهما فعمشا فإنه يجب أرش النقص و لا تنقص ديتها بذلك فإن قلعها صحيح عمدا فله قلع نظيرتها منه وأخذ نصف الدية في المنصوص و قيل لا شيء له مع القلع و في "الروضة" إن قلعها خطأ فنصف الدية "وإن قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا فعليه دية كاملة و لا قصاص" قاله ابن المسيب و عطاء نقل مهنا عمر و عثمان و علي قالوا الأعور إذا

(8/339)


ويحتمل أن تقلع عينه ويعطى نصف الدية وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية وفي يد الأقطع نصف الدية وكذلك في رجله.
ـــــــ
فقئت عينه له دية كاملة و لا يقتص منه إذا فقأ عين صحيح ولا أعلم أحدا قال بخلافة إلا إبراهيم و لأنه منعناه من إتلاف ضوء يضمن بدية كاملة و كما لو قلع عيني سليم ثم عمى و لأنه منع القصاص مع وجود سببه فأضعفت الدية كقاتل الذمي عمدا "و يحتمل أن تقلع عينه" لأثر في ذلك و كقتل الرجل بامرأة "و" الأشهر "يعطي نصف الدية" لما روي أن عليا قضى في رجل قتل امرأته يقتل بها و يعطى نصف الدية و خرجه في "التعليق" و "الانتصار" من قتل رجل بامرأة "وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية" لأن الأصل يجب في إحداهما نصف الدية ترك العمل به فيما تقدم لقضاء الصحابة فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل كما لو قلع الأعور عينا لا تماثل عينه الصحيحة.
"وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية" هذا هو المجزوم به لأن هذا مبني على قضاء الصحابة لأنه أذهب بصره كله فلم يكن له أكثر من إذهاب بصره وإن عين الأعور تقوم مقام العينين وذهب جماعة من العلماء إلى أن له القصاص ونصف الدية وذكر القاضي قياس المذهب وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الأعور والأخرى في الأخرى عين الأعور وجوابه قوله عليه السلام و "في العينين الدية" كما لو كان القالع صحيحا و ظاهره أنه إذا فعل ذلك خطأ فليس عليه إلا الدية كما لو قلعهما صحيح العينين.
"وفي يد الأقطع نصف الدية و كذلك في رجله" إذا أزيلت عمدا لأن فيهما دية واحدة ففي كل واحد منهما نصفها كما لو قلع أذن من له أذن واحدة لأن هذا أحد العضوين اللذين تحصل يهما منفعة الجنس لا يقوم مقام العضوين و كسائر الأعضاء و علم منه أنه إذا أختار القود فله ذلك لأنه عضو أمكن القود في مثله فكان الواجب فيه القصاص .

(8/340)


وعنه: فيها دية كاملة.
ـــــــ
"وعنه: فيها دية كاملة" قياسا على عين الأعور و عنه إن ذهبت الأولى هدرا ففي الثانية دية كاملة و إلا فنصفها لأنه عطل منافعه من العضوين جملة أشبه ما لو قلع عين أعور وفي "الروضة" إن ذهبت بحد فنصف الدية وإن كانت ذهبت بجهاد فروايتان و الأولى أصح لأنه لا يصح القياس على عين الأعور لأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا في الحقيقة و الأحكام إلا اختلافا يسيرا بخلاف أقطع اليد والرجل و لأن التقدير لا يصار إليه إلابتوقيف ولم يوجد هنا فلو قطع يد صحيح قطعت يده.
انتهى بحمد الله تعالى المجلد الثامن ويليه بعونه تعالى المجلد التاسع

(8/341)


المجلد التاسع
تابع لكتاب الديات
باب الشجاج وكسر العظام
...
باب الشجاج وكسر العظام
الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة وهي عشر خمس لا مقدر فيها أولها الحارصة التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولاتدميه ثم البازلة التي يسيل منها الدم ثم الباضعة التي تبضع اللحم ثم المتلاحمة التي أخذت في اللحم ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب
__________
باب الشجاج وكسر العظام
"الشجة": واحدة الشجاج قاله الجوهري وهي: "اسم لجرح الرأس والوجه خاصة" وقد يستعمل في غير ذلك من الأعضاء قاله ابن أبي الفتح
"وهي عشر خمس لا مقدر فيها" لأن التقدير من الشرع ولم يرد فيها
"أولها الحارصة" بالحاء والصاد المهملتين "التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولا تدميه" ومنه حرص القصار الثوب إذا شقه قليلا وهي القاشرة والمقشرة قال ابن هبيرة تبعا للقاضي وتسمى الملطا "ثم البازلة" وهي "التي يسيل منها الدم" وتسمى الدامية والدامعة لقلة سيلان دمها تشبيها له بخروج الدمع من العين وقدم في الرعاية أن البازلة ما سلا دمها لأنها تنضح اللحم وتقطع فيه عروقا وقيل هي التي تدمي ولا تشق اللحم "ثم الباضعة" وقدمها السامري وابن هبيرة على البازلة وهي التي تبضع اللحم أي تشق اللحم بعد الجلد وقيل ولم يسل دمها ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم أي دخلت فيه دخولا كثيرا تزيد على الباضعة "ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة" فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقا فسميت الجراح الواصلة إليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاة "فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب" وهي قول أكثر الفقهاء وذكر ابن هبيرة أنها المنصورة عند الأصحاب لأنها جراحات لم يرد فيها توقيت من الشرع أشبه جراحات البدن وكالحارصة وذكر القاضي أنه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من

(9/3)


وعنه: في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة
فصل
وخمس فيها مقدر أولها: الموضحة التي توضح العظم أي تبرزه وفيها خمسة أبعرة
__________
الموضحة مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة إلى جانبها قدرت هذه الجراحات منها فإن كانت تقدر النصف وجب نصف أرش الموضحة إلا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك لأن هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بقدره من ديته كالمارن والحشفة ورده المؤلف وقال لا نعلمه مذهبا لأحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لأن هذه جراحة تجب فيها الحكومة لجراحة البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فإنه لا تجب فيه الحكومة ولا نعلم لما ذكروه نظيرا "وعنه في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة" رواه سعيد عن زيد وهذه نقلها أبو طالب عنه وقال أنا أذهب إلى قول زيد واختاره أبو بكر في التنبيه وقد اعتمد أصحابنا على قول زيد في تقدير أرش الهاشمة بعشر من الإبل ولم يعتمدوا عليه هنا
فصل
"وخمس فيها مقدر" من الشرع فوجب المصير إليه "أولها الموضحة" والجمع المواضح "التي توضح العظم أي تبرزه" ولو بقدر إبرة ذكره ابن القاسم والقاضي والوضح البياض يعني أنها أبدت وضح العظم أي بياضه "وفيها خمسة أبعرة" أي أجمعوا على أن أرشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "وفي الموضحة خمس من الإبل" رواه الشافعي والنسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "وفي المواضح خمس من الإبل" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم وقال

(9/4)


وعنه: في موضحة الوجه عشرة والأول المذهب فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة فإن خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة وإن خرقه المجني عليه أو أجنبي فهي ثلاثة مواضح
__________
غيره إسناده ثقات
وقد تقدم موضحة المرأة والعبد وظاهره أن موضحة الرأس والوجه سواء وهو كذلك في ظاهر المذهب للعموم ويشمل الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستترة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع "وعنه: في موضحة الوجه عشرة" من الإبل وهي قول سعيد بن المسيب لأنها شينها أكثر وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة "والأول المذهب" لأنه قول أبي بكر وعمر ولأن موضحة الوجه موضحة فكان أرشها خمسة أبعرة كغيرها وكثرة الستر لا عبرة به بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة وعلم مما سبق أنه لا شيء مقدر في موضحة غير الوجه والرأس وهو قول الأكثر لأن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الموضحة في الوجه والرأس سواء لأن الشين فيهما أكثر وأخطر فلا يلحق بهما غيرهما
"فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر أحدهما واحدة قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في الرأس ونزل إلى القفا وأطلق في المغني والكافي إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وإن لم تعم الرأس فيها الوجهان وهو الذي يقتضيه الدليل "وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة" من إبل لأنهما موضحتان "فإن خرق ما بينهما" صارا موضحة واحدة كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما "أو ذهب بالسراية" قبل الاندمال "صارا موضحة واحدة" لأن سراية الجناية لها حكم أصل الجناية بدليل ما لو أتلف ما بينهما بنفسه
"وإن خرقه المجني عليه" أي المجروح "أو أجنبي فهي ثلاث مواضح" لأنه

(9/5)


وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة
__________
استقر عليه أرش الأولتين بالاندمال ثم لزمته الثالثة بالخرق فإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين لأن سراية فعله كالفعل وأما إذا خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بجنايته "وإن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه" لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره والقول قول المنكر وفي الترغيب يصدق من يصدقه الظاهر بقرب زمن وبعده فإن تساويا فالمجروح قال وله أرشان وفي ثالث وجهان.
"ومثله" أي مثل ما إذا أوضحه موضحتين بينهما حاجز ثم خرق ما بينهما "لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة عاد إلى عشرين" لأن جراح المرأة تساوي جراح الرجل إلى الثلث فإذا زادت صارت على النصف "فإن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه" أي في بقاء الثلاثين عليه "وإن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين" أحدهما يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر والثاني يلزمه أرش واحدة قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز لاتصالهما في الباطن فإن أوضحه جماعة موضحة فهل يوضح من كل واحد بقدرها أو يوزع فيه الخلاف.
فرع: لو أوضح رأسه ومد السكين إلى قفاه فدية موضحة وحكومة لجرح القفا ويراعى نسبة الموضحة في العبد والذمي ويتعدد الأرش بتعدد الموضحة.
"وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه فعليه أرش موضحة" لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحة فلأن لا يلزمه في الإيضاح

(9/6)


ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الإبل فإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة وقيل يلزمه خمس من الإبل ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظاما ففيها خمسة عشر من الإبل ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ.
__________
في البعض وشج الباقي أكثر من ذلك بطريق الأولى وكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من ذلك "ثم الهاشمة" وهي "التي توضح العظم وتهشمه" سميت به لهشمها العظم ففيها عشر من الإبل وهو قول زيد ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولا يعرف له مخالف في عصره ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة "فإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة" قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لأنه كسر عظم لا جرح معه أشبه قصبة الأنف.
"وقيل: يلزمه خمس من الإبل" لأنه لو أوضح وهشم لوجب عشر فإذا وجد أحدهما وجب خمس كالإيضاح وحده وكما لو هشمه على موضحة وعلم مما سبق أنه لا يجب أرش الهاشمة بغير خلاف لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة معها موضحة.
أصل: إذا هشمه هاشمة لها مخرجان فثنتان فلو أوضح إنسانا في رأسه ثم أخرج رأس السكين من موضع آخر فموضحتان وكذا إذا أوضحه موضحتين هشم العظم في كل منهما واتصل الهشم في الباطن فهما هاشمتان لأن الهشم يكون تبعا للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعا لغيرها.
"ثم المنقلة وهي التي توضح وتهشم وتنقل عظامها" سميت بذلك لأنها تنقل عظامها وهي زائدة على الهاشمة وقيل تنقل من حال إلى حال.
"ففيها خمسة عشر من الإبل" بالإجماع حكاه ابن المنذر وسنده ما رواه سعيد عن علي بإسناد حسن وحديث عمرو بن حزم وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه "ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ"

(9/7)


وتسمى المأمومة آمة ففيها ثلث الدية ثم الدامعة وهي التي تخرق الجلدة ففيها ما في المأمومة.
فصل
وفي الجائفة ثلث الدية.
__________
لأنها تحوطه وتجمعه "وتسمى المأمومة آمة" قال ابن عبد البر أهل العراق يقولون لها الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ وهي جلدة فيها الدماغ يقال أم الرجل آمة ومأمومة ففيها ثلث الدية في قول أكثرهم لما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم "في المأمومة ثلث الدية" ورواه سعيد عن علي بإسناد حسن ووافق مكحول على ذلك إذا كانت خطأ فإن كانت عمدا ففيها ثلثاها وجوابه أنها شجة فلا يختلف أرشها بالعمد والخطإ كسائر الشجاج.
"ثم الدامعة" بالعين المهملة "وهي التي تخرق الجلدة" أي جلدة الدماغ "ففيها ما في المأمومة" قال القاضي لم يذكر أصحابنا الدامعة لمساواتها المأمومة في أرشها ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب ولهذا قال ابن حمدان بل يجب فيها كل الدية لأنه لا يعيش وقيل فيها مع ما ذكر حكومة لخرق جلدة الدماغ.
مسألة: أوضحه رجل ثم هشمه آخر ثم جعلها ثالث منقلة ثم جعلها رابع مأمومة فعلى الأول أرش موضحة وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام أرش المأمومة ذكره في الشرح وغيره وفي الرعاية الكبرى على كل واحد خمس من الإبل وقيل على من هشم خمس أخرى وعلى من نقله عشر أخرى وعلى من أمه ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وكمن أوضحه إيضاحة فقط.
فصل
"وفي الجائفة ثلث الدية" في قول عامتهم لقوله عليه السلام في كتاب عمرو

(9/8)


وهي التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان وإن طعنه في خده فوصل الجرح إلى فمه ففيه حكومة
__________
ابن حزم "وفي الجائفة ثلث الدية" ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولأنها جراحة فيها مقدر فلم يختلف أرشها بالعمد والخطإ كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الخالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدرا غير الجائفة.
"وهي التي تصل إلى باطن الجوف" ولو لم يخرق الأمعاء "من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر" قال في الفروع وحلق ومثانة وبين خصيتين ودبر وفي الرعاية وهي ما وصل جوفا فيه قوة محيلة للغذاء من ظهر أو بطن وإن لم يخرق الأمعاء أو صدر أو نحر أو دماغ وإن لم يخرق الخريطة أو مثانة أو ما بين وعاء الخصيتين والدبر.
فرع: إذا أجافه جائفتين بينهما حاجز فثلثا الدية وإن خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية فجائفة فيها ثلث الدية لا غير فإن خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعل المجني عليه وإن احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي المجني عليه أو الطبيب بأمره فلا شيء في خرق الحاجز و على الأول ثلث الدية "فإن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان" في قول الأكثر لما روى سعيد ثنا هشيم أنا حجاج قال أخبرني عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب "أن أبا بكر قضى في جائفة نفذت بثلثي الدية" وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت بأرش جائفتين" وكما لو طعنه من جانبين فالتقيا ولأنه أنفذه من موضعين كما لو أنفذه بضربتين وقيل واحدة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن إلى الجوف وهذه أي الثانية إنما نفذت من الباطن إلى الظاهر وجوابه أن الاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف لا بكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى "وإن طعنه في خده فوصل الجرح إلى فمه" أو نفذ أنفا أو ذكرا أو جفنا إلى بيضة العين "ففيه حكومة"

(9/9)


ويحتمل أن تكون جائفة فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى
__________
في ظاهر المذهب لأن باطن الفم حكمه حكم الظاهر لا الباطن "ويحتمل أن تكون جائفة" لأنه وصل إلى جوف مخوف أشبه ما لو وصلت إلى الباطن.
فرع: إذا وطىء زوجة صغيرة أو نحيفة لا يوطأ مثلها فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ما بين السبيلين فالدية إن لم يستمسك بول وإلا فجائفة وإن كانت توطأ مثلها لمثله أو أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة فيه ففعل ذلك فهدر لعدم تصور الزيادة وهو حق له أي له طلبه عند الحاكم بخلاف أجير مشترك ولها مع الشبهة والإكراه الدية إن لم يستمسك بول وإلا ثلثها ويجب أرش بكارة مع الفتق ولا يندرج في دية إفضاء على الأصح.
"فإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة لجرح القفا والورك" لأن الجراح موضع الجائفة فانفرد فيه بالضمان كما لو لم يكن معها جائفة وأما الحكومة فلأنه لا توقيت فيه وقد جرح قفاه وكما لو انفرد.
"وإن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان" لأن فعل كل منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى فعل غيره "وإن وسع ظاهره دون باطنه أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة" لتوسيعه لأن جنايته لم تبلغ الجائفة وفي الترغيب وجه عليه حق جائفة.
"وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى" عليه أرشها لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وحاصله إن فتق موضحة نبت شعرها فجائفة وإلا فحكومة وفي الترغيب إن اندملت فأوضحها آخر فقيل موضحة وقيل فحكومة وذكر الخلال وغيره رواية ابن منصور إن أوضحه فبريء ولم ينبت الشعر ثم أوضحه آخر فحكومة وإن التحم ما

(9/10)


فصل
وفي الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق بعيران.
__________
أرشه مقدر لم يسقط.
مسألة: إذا أدخل خشبه في دبره وفتح جلده في الباطن فوجهان.
فصل
"وفي الضلع" قال في المحرر والوجيز والنظم والحاوي والفروع وغيرهم إن جبر مستقيما "بعير" وإلا فحكومة "وفي الترقوتين" واحدهما ترقوة وهو العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف "بعيران" وفي كل واحدة منهما بعير نص عليه في رواية أبي طالب لما روى سعيد عن سفيان عن زيد بن أسلم عن سالم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال عمر في الضلع جمل والترقوة جمل وظاهر الخرقي وجزم به في الإرشاد أن في الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة أبعرة وروي عن زيد لكن قال القاضي المراد بقول الخرقي الترقوتان معا وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق فيكون في كل ترقوة بعير.
"وفي كل واحد من الذراع والزند والعضد والفخذ والساق: بعيران" في رواية نقلها أبو طالب لما روى سعيد ثنا هشيم أنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر فكتب إليه عمر أن فيه بعيرين وإذا كسر الزندين ففيهما أربعة أبعرة ولم يظهر له مخالف في الصحابة فكان كالإجماع.
والثانية وقدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز أن الواجب بعير نص عليها في رواية صالح ورواه عن عمر وعن أحمد في الزند الواحد أربعة أبعرة لأنهما عظمان وفيما سواه بعيران وزاد أبو الخطاب فجعل في عظم القدم بعيرين قال في المستوعب والزند هو الذراع ويسمى الساعد أيضا قال في الرعاية وهو بعيد قال المؤلف والصحيح أنه لا تقدير في غير الضلع

(9/11)


وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه حكومة والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت فما نقص فله مثله من الدية فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ بها أرش المقدر.
__________
والترقوتين والزندين فأتى الدليل وجوب الحكومة في هذه الأعضاء الباطنة كلها وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر ففيما عداها يبقى على مقتضى الدليل وذكر ابن عقيل فيها وفي ضلع حكومة ونقل حنبل فيمن كسرت يده أو رجله فيها حكومة وإن انجبرت.
"وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص" والعانة "ففيه حكومة" لأن الجناية على ذلك لا توقيت فيها أشبه الجراح التي لا توقيت فيها ولا نعلم فيه خلافا وإن خالف فيه أحد فهو قول شاذ لا يصار إليه.
فائدة: خرزة الصلب فقاره إن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية وقال القاضي فيه حكومة والعصعص بضم العين عجب الذنب وهو العظم الذي في أسفل الصلب.
"والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت فما نقص" من القيمة "فله مثله من الدية" هذا هو قول الجمهور لأن جملته مضمونة بالدية فأجزاؤه مضمونة منها كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن كان أرش عيبه مقدرا من الثمن ولا يقبل الحكومة إلا من عدلين خبيرين بالقيمة ولا تقويم إلا بعد البرء لأن أرش الجرح المقدر لا يستقر إلا بعد برئه.
"فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته" لأن الناقص بالتقويم درهم من عشرين وهو نصف عشرها فيكون فيه هنا نصف عشر الدية ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية.
"إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ بها أرش المقدر هذا

(9/12)


وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا فلا شيء فيها والله أعلم.
__________
استثناء مما تقدم وحاصله أن الحكومة إنما تجب فيه على نوعين أحدهما أن يكون في شيء مقدر وحكمه سبق الثاني أن يكون في شيء هو بعض المقدر فهذا لابد أن يلحظ فيه عدم مجاوزة أرش المؤقت مثل أن يشجه سمحاقا وهو دون الموضحة فإن بلغ بالتقويم أرشها أكثر من موضحة مثل أن تنقص الجناية أكثر من نصف عشر قيمته لم يجب الزائد لأنه لو وجب ذلك لكان قد وجب في شيء لا يبلغ موضحة أكثر من أرش الموضحة وهو غير جائز لأن الموضحة أكثر من ذلك والشين بها أعظم والمحل واحد.
"وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة" وهل يبلغ بها أرش المؤقت على روايتين ظاهر المذهب أنه لا يبلغ به أرش المؤقت قاله ابن هبيرة والنقص على حسب اجتهاد الحاكم ولا يزاد بحكومة في مقدر على ديته وفي جواز مساواته وجهان وعلى المنع ينقص الحاكم ما شاء لا يقال قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ووجب في منافع الإنسان أكثر من الواجب فيه لأنه إنما وجب دية النفس دية عن الروح وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا ذكره القاضي "وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع" لأنه إذا جرح أصبعا فبلغ أرشه أكثر من عشر الدية لا يجب أكثر من عشرها "وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها" أي إذا كانت الجراح في أنملة فبلغ أرشه أكثر من ثلاثة وثلث من الأول لا يجب أكثر من ثلاثة وثلث لأنه دية الأنملة.
"وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم" لأنه لابد من نقص لأجل الجناية فإذا كان التقويم بعد الاندمال يبقى ذلك وجب أن يقوم في حال اندمال جريان الدم ليحصل النقص.
"فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا فلا شيء فيها والله أعلم" إذا

(9/13)


باب العاقلة وما تحمله
وما تحمله عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء __________
لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا نفع كقطع أصبع زائدة أو قلع سن زائدة ولحية امرأة فاندمل الموضع من غير نقص أو زاد جمالا أو قيمة فوجهان: أصحهما: لا يجب شيء؛ لأنه لم يحصل بفعله نقص فلم يجب شيء كما لو لكمه فلم يؤثر والثاني يجب ضمانه لأنه جزء من مضمون فوجب ضمانه كغيره وقال أبو الخطاب إذا قطع لحية امرأة فإنها تقوم كأنها رجل له لحية ثم يقوم رجل قد ذهبت فما نقص وجب بقسطه وفيه نظر لأن لحية الرجل زين له وعيب في المرأة وتقدير العيب بالزين لا يصح.
فرع: إذا جنى عليه جناية لها أرش ثم قتله قبل اندمال الجرح دخل أرشه في دية النفس كما لو مات من سراية الجرح وإن قتله غيره وجب أرش الجرح كما لو اندمل وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر فيه فلا ضمان كما لو شتمه.
باب العاقلة وما تحمله
العاقلة: جمع عاقل وهو المؤدي للدية يقال عقلت فلانا إذا أعطيته ديته وعقلت عن فلان إذا عزمت عنه ديته وأصله من عقل الإبل بالعقل وهي الحبال التي تثنى بها أيديها إلى ركبها وقيل اشتقاقه من العقل وهو المنع لأنهم يمنعون عن القاتل والعقل المنع ويسمى بعض العلوم عقلا لأنه يمنع من الإقدام على المضار وقيل لأنهم يتحملون العقل وهو الدية سميت بذلك لأنها تعقل لسان ولي المقتول وهي من غرم ثلث الدية فأكثر بسبب جناية غيره "وما تحمله" أي ما تحمله العاقلة هل يجب عليها ابتداء أو على القاتل ثم تحمله عنه فيه قولان كما قيل في فطرة الزوجة والولد ونحوهما مما يخرج عنه غيره هل يجب عليه ابتداء أو على المخرج.
ومن لا عاقلة له هل تجب في ذمته الدية أو لا على قولين.
"عاقلة الإنسان عصباته كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء" وهم

(9/14)


إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه وعنه أنهم من العاقلة أيضا وليس على فقير
__________
الأحرار العاقلون البلغ الأغنياء على المشهور لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة على عصبتها من كانوا لا يرثون منها شيئا إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها" رواه أبو داود ولأنهم عصبة أشبهوا سائر العصبات يحققه أن العقل موضوع على التناصر وهم من أهله ولأن العصبة في تحمل العقل كهم في الميراث في تقديم الأقرب فالأقرب وكون البعيد عصبة لأنه يرث المال إذا لم يكن وارث أقرب منه فهو كالقريب وكون عصبات الإنسان في الولاء من العاقلة لعموم قوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب.
"إلا عمودي نسبه آباؤه وأبناؤه" اختاره الخرقي وجزم به في الوجيز قال ابن المنجا وهو المذهب لما روى جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا ميراثها لزوجها وولدها" رواه أبو داود وهذا يقتضي أن الأولاد ليسوا من العاقلة وكذا الآباء قياسا لإحدى العمودين على الآخر ولأن مال ولده ووالده كماله وخرج منه الإخوة بدليل لأن الخرقي خص العاقلة بالعمومة وأولادهم "وعنه أنهم من العاقلة أيضا" قدمه في الكافي والرعاية واختاره أبو بكر والشريف بل والأكثر لأنهم أحق من العصبات بميراثه فكانوا أولى بتحمل عقله وعنه هم عصبته إلا أبناءه إذا كان امرأة قال في المحرر وهو الأصح نقل حرب الابن لا يعقل عن أمه لأنه من قوم آخرين وفي المستوعب إلا أن يكون الابن من عصبة أمه فيكون من عاقلتها وكذا في البلغة وعلم منه أن العصبات من الإخوة من الأم وذوي الأرحام والنساء ليسوا من العاقلة بغير خلاف لأنهم ليسوا من أهل النصرة وعمدة العقل النصرة وليسوا منها كأهل المحلة والديوان " وليس على فقير" على المذهب لأن حمل العاقلة مواساة فلا يلزم

(9/15)


ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثى مشكل ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء وعنه أن الفقير يحمل من العقل ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال وعنه على عاقلته
__________
الفقير كالزكاة ولأنه وجب على العاقلة تخفيفا عن القاتل فلا يجوز التثقيل عليه لأنه كلفة ومشقة "ولا صبي ولا زائل العقل" حمل شيء منها لأن الحمل للتناصر وهما ليسا من أهلها وقيل يحمل المميز لأنه قارب البلوغ ولا امرأة لما ذكرنا "ولا خنثى مشكل" لاحتمال كونه امرأة فيحمل جناية عتيقهما من تحمل جنايتهما وعنه تعقل امرأة وخنثى بولاء ولا رقيق لأنه أسوأ حالا من الفقير.
"ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء" لأن حملها للنصرة ولا نصرة لمخالف له في دينه.
"وعنه: أن الفقير" المعتمل أي المحترف يحمل من العقل حكاها أبو الخطاب وهي قول أكثر العلماء لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالغني وظاهره أن المريض والشيخ يحملان وصرح به في الرعاية وفي هرم وزمن وأعمى وجهان فلو عرف نسب قاتل من قتيله ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ذكره في المذهب.
"ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر" للخبر ولأنهم استووا في التعصيب والإرث فاستووا في تحمل العقل كالحاضرين.
"وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال" قدمه في الرعاية والفروع لأن خطأه يكثر فيجحف بهم ولأنه نائب عن الله فكان أرش جنايته في مال الله وكخطإ وكيل وعليها للإمام عزل نفسه ذكره القاضي وغيره "وعنه على عاقلته" أي على عاقلتهما قدمه السامري لقول علي لعمر ديته عليك لأنك أفزعتها ولأنه جان فكان خطؤه على العاقلة كغيره وكخطئهما في غير حكم وكذا الخلاف إن زاد سوطا كخطإ في حد أو تعزيز أو جهلا حملا أو بان من حكم بشهادته غير أهل.

(9/16)


وهل يتعاقل أهل الذمة على روايتين ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وإن كان مسلما أخذ من بيت المال فإن لم يمكن
__________
"وهل يتعاقل أهل الذمة على روايتين" الأصح أنهم يتعاقلون لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل ولأنهم من أهل النصرة كالمسلمين والثانية لا لأن حمل العاقلة يثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين فلا يقاس عليهم غيرهم لعدم المساواة في الحرمة فإن اختلفت الملة كاليهود والنصارى فوجهان وفي الترغيب روايتان بناء على توريثهم وعدمه.
"ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي" لعدم التوارث وكمسلم وكافر وقيل بلى إن توارثا وقال ابن حمدان يعقل المعاهد إن بقي عهده إلى أصل الواجب وإلا فلا.
تذنيب: المرتد لا يعقل عنه لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة فتكون جنايته في ماله وفيه وجه.
"ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا" جزم به في الوجيز لأن بيت المال لا يعقل عنه وكمن رمى سهما ثم أسلم أو كفر قبل إصابته في الأصح وقدم في المحرر أنه يكون في بيت المال كمسلم ولم يرجح في الفروع شيئا.
"وإن كان مسلما أخذ من بيت المال" على الأصح لأن المسلمين يرثون من لا وارث له فيعقلون عنه عند عدم عاقتله كعصباته والثانية لا يحمل العقل بحال رجحها في المغني والشرح لأن بيت المال فيه حق للصبيان والنساء والمجانين ومن لا عقل عليه فلا يجوز صرفه فيما لا يجب عليهم فعلى الأول تكون حالة تؤخذ دفعة واحدة لأنه عليه السلام أدى دية الأنصاري دفعة واحدة وكذا عمر ولأن الدية بدل متلف وإنما أجل على العاقلة تخفيفا ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال وقيل تؤخذ في ثلاث سنين كالعاقلة "فإن لم يمكن" أي إذا تعذر سقطت نقله الجماعة وهو المراد

(9/17)


فلا شيء على القاتل ويحتمل أن تجب في مال القاتل أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وهو أولى كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله ولو رمي وهو مسلم فلم يصب السهم حتى أرتد كان عليه في ماله ولو رمي الكافر سهاما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا فديته في ماله ولو جنى ابن المعتقة ثم أنجر ولاؤه ثم سرت جنايته فأرش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا وهذا
__________
بقوله "فلا شيء على القاتل" لأن الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها فلا تجب على غير من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد.
"ويحتمل أن تجب في مال القاتل" لعموم قوله تعالى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ولأن مقتضى الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته وإنما سقط عنه لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ولأن الأمر تردد بين إبطال دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف ولا يجوز الأول لمخالفة الكتاب والسنة وأصول الشريعة فتعين الثاني ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له وإيجاب الدية على قاتل الخطإ له نظائر "وهو أولى" من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم.
"كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله" لأنه لا عاقلة له تحملها "ولو رمى وهو مسلم فلم يصب السهم حتى ارتد كان عليه في ماله ولو رمى الكافر سهما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا فديته في ماله" إذا تغير دين جارح حالتي حرج وزهوق فالمذهب تحمله العاقلة حال الجرح وقيل أرش الجرح والزيادة بالسراية في ماله وقيل الكل في ماله وهو المرجح هنا لأنه قتيل قتل في دار الإسلام معصوم فتعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله "ولو جنى ابن المعتقة ثم انجر ولاؤه ثم سرت جنايته فأرش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا هذا" وصورتها إذا رمى من عليه ولاء

(9/18)


فصل
ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا
__________
لموالي أمه فانجر ولاؤه إلى موالي أبيه ثم وقع سهمه في شخص فالدية في ماله ولهذا قال في المحرر والفروع فهو كتغير دين.
فصل
"ولا تحمل العاقلة عمدا" سواء كان مما يجب فيه القصاص أو لا لما روى ابن عباس مرفوعا قال "لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا" وروي عن ابن عباس موقوفا ولم يعرف له في الصحابة مخالف فيكون كالإجماع وعن عمر قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة رواه الدارقطني وحكى أحمد عن ابن عباس نحوه قال الزهري "مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا" رواه مالك ولأن حمل العاقلة إنما ثبت في الخطإ لكون الجاني معذورا تخفيفا عنه ومواساة له والعامد غير معذور ثم يبطل بقتل الأب ابنه فإنه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة فلو قتله بحديدة مسمومة فسرى إلى النفس فوجهان أحدهما تحمله العاقلة لأنه ليس بعمد والثاني لا لأنه قتل بما لم يقتل مثلها غالبا أشبه من له القصاص.
"ولا عبدا" وهو قول ابن عباس وجماعة من التابعين ومعناه إذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ولا شيء على عاقلته خطأ كان أو عمدا.
"ولا صلحا" لأنه لو حملته العاقلة أدى إلى أن يصالح بمال غيره ويوجب عليه حقا بقوله ومعناه أن يدعي عليه القتل فينكره ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره كالذي ثبت باعترافه وفسره القاضي وغيره بأن يصالح الأولياء عن دم العمد إلى الدية والأول أولى قاله في المغني والشرح لأن هذا يستغنى عنه بذكر العمد بل معناه صالح عنه صلح إنكار وجزم به في الروضة.
"ولا اعترافا" أي لم تصدقه به بغير خلاف نعلمه لأنه متهم في أن يواطئ

(9/19)


ولا ما دون ثلث الدية، ويكون ذلك بمال الجاني حالا إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه فإن العاقلة تحملها مع دية أمه وإن ماتا منفردين لم تحملها العاقلة.
__________
من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه إياها ولأنه لا يقبل إقرار شخص على غيره وحينئذ يلزمه ما اعترف ومعناه بأن يقر على نفسه بجناية خطإ أو شبه عمد فوجب ثلث الدية فأكثر إن لم تصدقه العاقلة.
"ولا ما دون ثلث الدية" كأرش الموضحة نص على ذلك لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني لأنه هو المتلف فكان عليه كسائر المتلفات لكن خولف في الثلث لإجحافه بالجاني لكثرته فما عداه يبقى على الأصل والثلث حد الكثير للخبر "ويكون ذلك" أي دية العمد وما بعده "في مال الجاني" لما ذكرنا أن مقتضى الأصل وجوب الجناية على الجاني "حالا" لأنه بدل متلف فكان حالا كقيمة المتلف من المتاع طإلا غرة الجنين إذا مات مع أمه" فإن العاقلة تحملها مع دية أمه نص عليه لأن ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة مع زيادتها على الثلث وظاهره سواء سبقته بالزهوق أو سبقها به لأن الجناية واحدة وإنما تأخر بعض أثرها عن بعض وذلك لا يضر وقال أحمد هذا من قبل أنها نفس واحدة وقال الجناية عليهما واحدة فقيل له النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في كل منهما دية فقد فصل بينهما فلم يجب بشيء وفي عيون المسائل خبر المرأة التي قتلت المرأة وجنينها قال فوجه الدليل أنه قضى بدية الجنين على الجانية حيث لم تبلغ الثلث ونقل ابن منصور إذا شربت دواء عمدا فأسقطت جنينا فالدية على العاقلة قال في الفروع فيتوجه منه احتمال تحمل القليل وقد يقال هذا مختص بالجنين لكونه ديته دية نفس فيكون منزلا منزلة الدية الكاملة و إن كان دون الثلث لكونه دية نفس.
"وإن ماتا منفردين" بجنايتين صرح به في الوجيز "لم تحملها العاقلة" نص

(9/20)


لنقصها عن الثلث وتحمل جناية الخطأ على الحر إذا بلغت الثلث وقال أبو بكر ولا تحمل شبه العمد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين وقال الخرقي تحمله العاقلة وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر، ولكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان منه ما يسهل ولا يشق.
__________
عليه لنقصها عن الثلث لأن الواجب في ذلك غرة قيمتها خمس من الإبل وهي دون ثلث الدية "وتحمل جناية الخطإ على الحر إذا بلغت الثلث" لحديث أبي هريرة وفي تقييده بالخطأ والحر وبلوغ الثلث احتراز عن العمد والعبد وما دون الثلث "وقال أبو بكر ولا تحمل شبه العمد" هذا رواية وصححه ابن حمدان وقاله ابن شبرمة والزهري وقتادة لأنها موجب فعل قصده فلم تحمله العاقلة كالعمد المحض وهي دية مغلظة أشبهت دية العمد.
"ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين" قال في الشرح ولا نعلم خلافا في أنها تجب مؤجلة روي عن عمر وعلي وابن عباس وقال أبو بكر مرة هو في مال الجاني حالا وحكاه في الشرح عن قوم لأنها بدل متلف وجوابه بأنها تخالف سائر المتلفات واقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها.
"وقال الخرقي تحمله العاقلة" هذا ظاهر المذهب في ثلاث سنين نص عليه قدمه في الكافي لحديث أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل الحديث لأنه لا يوجب قصاصا كالخطأ وعنه يجب مؤجلا كذلك في مال الجاني وقيل حالا قدمه في التبصرة والرعاية كغيره وذكر أبو الفرج تحمله العاقلة حالا وفي التبصرة لا تحمل عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون الثلث وجميع ذلك في مال جان في ثلاث سنين وفي الروضة دية الخطإ في خمس سنين في كل سنة خمسها.
"وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر" لأن التقدير من الشرع ولم يرد به "ولكن يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم" لأنه لا نص فيه فوجب الرجوع في تقديره إلى اجتهاد الحاكم كتقدير النفقات "فيحمل كل إنسان منهم ما يسهل ولا يشق" نص عليه لأن التحمل على سبيل المواساة للقاتل والتخفيف

(9/21)


وقال أبو بكر: يجعل على الموسر نصف دينار وعلى المتوسط ربعا وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أولا على وجهين، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، ومتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم وإلا انتقل إلى من يليهم وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم.
__________
عنه ولا يخفف عن الجاني ما يثقل على غيره ويجحف به كالزكاة ولأن الإجحاف لو كان مشروعا كان الجاني أحق به فإذا لم يشرع في حقه فغيره أولى.
"وقال أبو بكر يجعل على الموسر" وهو مالك نصاب عند حلول الحول فاضلا عنه كحج وكفارة ظهار "نصف دينار" لأنه أقل ما يتقدر في الزكاة "وعلى المتوسط ربعا" قوله رواية عن أحمد لأن ما دون ذلك تافه لا تقطع اليد فيه.
"وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أو لا على وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما يتكرر لأنه حق يتعلق بالحول على سبيل المواساة فيتكرر بتكرار الحول كالزكاة والثاني لا لأنه يفضي إلى إيجاب أكثر من أقل الزكاة فيكون مضرا فعلى الأول يجب على الموسر دينار ونصف وعلى المتوسط ثلاثة أرباع لتكرره وعلى الثاني نصف على الموسر وربع على المتوسط لأنه لا يتكرر.
"ويبدأ بالأقرب فالأقرب" كالميراث سواء "فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم يتجاوزهم" لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم الأقرب فالأقرب ويقدم من يدلي بأبوين على من يدلي بأب في الأشهر كالميراث وفي الآخر سواء لأنه لا يستفاد بالتعصيب وذكر ابن عقيل في مساواة أخ لأبوين روايتين وخرج منها مساواة بعيد لقريب ويؤخذ من بعيد لغيبة قريب وقيل يكتب الإمام إلى قاضي بلد الأقرب الغائب ليطالبه بها.
"وإلا" أي وإن لم تتسع أموال الأقربين لها "انتقل إلى من يليهم" لأن الأقربين لم يكونوا موجودين فعلقت الدية بمن يليهم وكذا إذا تحمل الأقربون ما وجب عليهم وبقيت بقية "وإن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم" نص عليه لأنهم استووا في القرابة فكانوا سواء كما

(9/22)


فصل
وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين إن كان دية كاملة وإن كان الواجب ثلث الدية كأرش الجائفة وجب في رأس الحول وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث وباقيه في رأس الحول الثاني وإن كان دية امرأة أو كتابي فكذلك ويحتمل أن تقسم في ثلاث سنين وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث.
__________
لو قتلوا وكالميراث وقال ابن حمدان ويحتمل أن يأخذ الإمام ممن شاء.
فصل
"وما تحمله العاقلة يجب مؤجلا في ثلاث سنين" لا خلاف في وجوب دية الخطإ على العاقلة في ثلاث سنين لقول عمر وعلي ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف "إن كان دية كاملة لأنه لا مرجح لبعض السنين على بعض ولأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة وحينئذ يجب في آخر كل حول ثلثها ويعتبر ابتداء السنة من حين وجوب الدية.
"وإن كان الواجب ثلث الدية كأرش الجائفة وجب في رأس الحول" أي في آخر السنة الأولى ولم يجب منه شيء حالا لأن العاقلة لا تحمل حالا وإن كان نصفها كدية اليد وجب في رأس الحول الأول الثلث لأنه قدر ما يؤدى من الدية الكاملة فوجب لتساويهما في وقت الوجوب وباقيه في رأس الحول الثاني لأن ذلك محل القسط الثاني من الكاملة.
"وإن كان دية امرأة أو كتابي" لم يقتل عمدا قاله في الوجيز وفيه شيء "فكذلك" لأن هذا ينقص عن دية كاملة أشبهت أرش الطرف.
"ويحتمل أن تقسم في ثلاث سنين" لأن ذلك دية نفس كاملة أشبه دية المسلم "وإن كان أكثر من دية كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره لم يزد في كل حول على الثلث" لأن الواجب لو كان دون الدية لم ينقص في

(9/23)


وابتداء الحول في الجرح من الاندمال وفي القتل من حين الموت وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شيء فحوله من حين القطع ومن مات من العاقلة أو افتقر سقط ما عليه وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه وعمد الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله.
__________
السنة عن الثلث فكذا لا يزيد عليه إذا زاد على الثلث وكذا إذا قتلت المرأة وجنينها بضربة بعد ما استهل لم تزد في كل حول على قدر الثلث وقال القاضي وأصحابه دية نفس في ثلاث سنين وقيل الكل فلو قتل اثنين فديتهما في ثلاث لأن كل واحد له دية فيستحق ثلثها كما لو انفرد حقه وقيل في ست سنين فأما إذا كان الواجب دون الثلث كدية الأصبع لم تحملها العاقلة ويجب حالا لأنها بدل متلف "وابتداء الحول في الجرح من الاندمال" لأن الأرش لا يستقر إلا بالبرء "وفي القتل من حين الموتط لأنه حالة الوجوب سواء كان قتلا موحيا أو عن سراية جرح "وقال القاضي إن لم يسر الجرح إلى شيء فحوله من حين القطع" لأن تلك حالة الوجوب ولهذا لو قطع يده وهو ذمي فأسلم ثم اندملت وجب نصف دية ذمي وحاصله أن عنده أن ابتداءه في القتل الموحي والجرح الذي لم يسر عن محله من حين الجناية وقيل في الكل عند الترافع إلى الحاكم.
"ومن مات من العاقلة أو افتقر قبل تمام الحول سقط ما عليه" بغير خلاف نعلمه لأنه مال يجب في آخر الحول على سبيل المواساة أشبه الزكاة "وإن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه" لأنه حق تدخله النيابة لا يملك إسقاطه في حياته أشبه الدين ولأنه وجب عليه لحولان الحول فلم يسقط كالزكاة "وعمد الصبي والمجنون خطأ" نص عليه في رواية ابن منصور لأنه لا يتحقق منهما كمال القصد فوجب أن يكون كخطإ البالغ "تحمله العاقلة" لأنه لا يوجب القود فحملته كغيره.
"وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله" لأنه عمد يجوز تأديبه عليه أشبه البالغ العاقل والمراد به المميز لكن قال ابن عقيل والحلواني تجب

(9/24)


باب كفارة القتل
ومن قتل نفسا محرمة خطأ أو أجري مجراه أو شارك فيها أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة
__________
مغلظة وفي الواضح رواية في ماله بعد عشر سنين ونقل أبو طالب ما أصاب الصبي من شيء فعلى الأب إلى قدر ثلث الدية فإذا جاوز ثلث الدية فعلى العاقلة فهذا رواية لا تحمل الثلث والأول أولى وما ذكروه ينتقض بشبه العمد.
باب كفارة القتل
الكفارة مأخوذة من الكفر وهو الستر لأنها تغطي الذنب وتستره والأصل فيها الإجماع وسنده قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 97] فذكر في الآية ثلاث كفارات إحداهن يقتل المسلم في دار الإسلام خطأ. الثاني يقتل في دار الحرب وهو لا يعرف إيمانه بقوله {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} الثالث يقتل المعاهد وهو الذمي في دار الإسلام لقوله عز وجل {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فأوجب الكفارة بالقتل في الجملة وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا.
"ومن قتل نفسا محرمة خطأ" للآية الكريمة سواء قتلها بمباشرة أو بسبب بعد موته نص عليه بغير حق ولو مستأمنا وظاهره ولو قتل نفسه "أو ما أجرى مجراه" لأنه أجري مجراه في عدم القصاص فكذا يجب أن يجري مجراه في الكفارة أو شارك فيها" أي على كل واحد من المشتركين كفارة في قول الأكثر لأن الكفارة موجب قتل الآدمي فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء كالقصاص.
"أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة" لأنه قتل نفسا محرمة أشبه قتل الآدمي بالمباشرة وفي الإرشاد إن جنى عليها

(9/25)


مسلما كان المقتول أو كافرا حرا أو عبدا وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا ويكفر العبد بالصيام وعنه على المشتركين كفارة واحدة فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه.
__________
فألقت جنينين فأكثر فقيل كفارة وقيل تتعدد قال في الفروع فيخرج مثله في جنين وأمه والمذهب أنه لابد من إلقاء جنين كامل لأنه قتل نفسا بغير حق فكان فيه الكفارة كالمولود وقيل تجب ولو بإلقاء مضغة لم تتصور.
"مسلما كان المقتول أو كافرا" لأن الكافر آدمي مقتول ظلما فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم "حرا أو عبدا" في قول أكثرهم لعموم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] ولأنه يجب بقتله القصاص في الجملة فوجب بقتله الكفارة كالحر ولأنه مؤمن أشبه الحر.
"وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا" مسلما أو كافرا لأنه حق مالي يتعلق بالقتل فتعلقت بهم كالدية والصلاة والصوم عبادتان بدنيتان وهذه مالية أشبهت نفقة الأقارب وكفارة اليمين تتعلق بالقول ولا قول لهما وهذه تتعلق بالفعل وفعلهما متحقق ويتعلق بالفعل ما لا يتعلق بالقول بدليل إحبالهما وأما الكافر فتكون عقوبة له كالحدود وعنه لا تجب عليه نقلها بكر بن محمد وزاد أبو حنيفة عليه الصبي والمجنون لأنها عبادة محضة تجب بالشرع فلم تجب عليهم كالصوم وكفارة اليمين وجوابه ما سبق.
"ويكفر العبد بالصيام" لأنه لا مال له وعنه على المشتركين كفارة واحدة" لعموم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} الآية [النساء: 92] و من تتناول الواحد والجماعة ولأن الدية لا تتعدد فكذا الكفارة ولأنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين مع اتحاد المقتول ككفارة الصيد الحرمي.
"فأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه" لأنه قتل مأمور به والكفارة لا تجب لمحو المأمور به والخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة لأنه كقتل المجنون لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة

(9/26)


فصل:
وفي قتل العمد روايتان: إحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة.
__________
فلذلك وجبت الكفارة فيها وقال قوم الخطأ محرم ولا إثم فيه وقيل ليس بمحرم لأن المحرم ما أثم فاعله والاستثناء في الآية منقطع وإلا في موضع لكن وقيل في موضع لا أي ولا خطأ وهو بعيد لأن الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم إمكان التحرز منه.
فصل
لا تلزم قاتلا حربيا قاله في الترغيب وغيره ولا قاتلا نساء حرب وذريتهم ومن لم تبلغه الدعوة قال الخطابي من لم تبلغه الدعوة تجب فيه الكفارة والدية وفي وجوب الدية خلاف بين العلماء وجوابه بأنه لا إيمان لهم ولا أمان وإنما منع من قتلهم لانتفاع المسلمين بهم بصيرورتهم أرقاء.
"وفي قتل العمد" وشبه العمد "روايتان إحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي والأخرى فيه الكفارة" أما العمد فالمشهور في المذهب أنه لا كفارة فيه قدمه في الكافي ونصره في الشرح لمفهوم قوله تعالى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} واحتج جماعة بقوله تعالى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فمن زعم أن ذلك يسقط بالتكفير احتاج دليلا يثبت بمثله نسخ القرآن زاد في عيون المسائل وأين الدليل القاطع على أنه إذا تاب أو كفر قد شاء الله أن يغفر له ولا فرق في العمد الموجب للقصاص و غيره.
والثانية تجب اختاره الخرقي وأبو محمد الجوزي لما روى واثلة بن الاسقع قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لنا قد أوجب القتل فقال أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" رواه أبو داود بإسناد ضعيف ولأنها إذا وجبت في قتل الخطأ فلأن تجب في العمد بطريق الأولى والأولى أصح لأنه يقال ذكر قتل الخطأ وأوجب فيه الكفارة ثم ذكر قتل العمد من غير ذكر كفارة

(9/27)


باب القسامة
وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل
__________
فيه مع أن سويد بن الصامت قتل رجلا فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم القود ولم يوجب كفارة وحديث واثلة يحتمل أنه كان خطأ وسماه موجبا لأنه فوت النفس بالقتل ويحتمل أنه كان شبه عمد ويحتمل أنه أمرهم تبرعا.
وأما شبه العمد فالأصح أنها تجب فيه جزم به في الكافي والمستوعب وغيرهما وفي المغني تجب فيه الكفارة ولا أعلم لأصحابنا فيه قولا لأنه أجري مجرى الخطإ في نفس القصاص وحمل العاقلة ديته وتأجيلها في ثلاث سنين فجرى مجراه في وجوب الكفارة والثانية لا تجب وبعدها ابن المنجا واختارها أبو بكر لأن ديته مغلظة.
تذنيب: من لزمته ففي ماله وقيل ما حمله بيت المال من خطإ إمام وحاكم ففيه ويكفر عن غير مكلف وليه نقل مهنا القتل له كفارة وكذا الزنا ونقل الميموني ليس بعد القتل شيء أشد من الزنا.
باب القسامة
القسامة اسم للقسم أقيم مقام المصدر من أقسم إقساما وقسامة وهي الحلف قال الأزهري هم القوم الذين يقسمون في دعواهم على رجل أنه قتل صاحبهم سموا قسامة باسم المصدر كعدل و رضى وإنما هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة.
"وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل" أي في دعوى قتل معصوم وظاهر الخرقي موجب للقود والأصل فيها ما روي عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج "أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا إلى خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود به فجاءه أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال كبر كبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال أتحلفون

(9/28)


ولا تثبت إلا بشروط أربعة: أحدها دعوى القتل ذكرا كان المقتول أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا وأما بالجراح فلا قسامة فيه.
__________
وتستحقون دم قاتلكم قالوا كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار قال فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" رواه الجماعة.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية" رواه أحمد ومسلم.
قال ابن قتيبة في المعارف أول من قضى بالقسامة في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
"ولا تثبت إلا بشروط أربعة أحدها دعوى القتل" عمدا كان أو خطأ نص عليه في رواية حنبل لأن كل حق لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له والقتل من الحقوق فيندرج تحت ذلك وقيل لا قسامة في خطإ.
"ذكرا كان المقتول أو أنثى" للخبر السابق ولأن القصاص يجري فيها فشرعت القسامة فيها كذلك.
"حرا أو عبدا مسلما أو ذميا" ولأن العبد والذمي يوجب القصاص في المماثل له فأوجب القسامة في ذلك كالحر والمسلم أما المقتول إذا كان حرا مسلما فلا خلاف فيه سواء كان المدعى عليه مسلما أو كافرا لقضية عبد الله بن سهل والمدبر والمكاتب وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن.
وإن قتل مسلم كافرا أو حر عبدا فظاهر الخرقي لا تجب القسامة وحكاه في الفروع قولا لأن القسامة إنما تكون فيما يوجب القود وكقتل البهيمة وقال القاضي وهو ظاهر المتن وكلام الأكثر تشرع لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كالحر المسلم ولأن ما كان حجة في قتل المسلم الحر كان حجة في قتل العبد والذمي.
"وأما الجراح فلا قسامة فيه" لا نعلم فيه خلافا لأن القسامة ثبتت في النفس

(9/29)


الثاني: اللوث وهو العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب وعنه ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان ونحو ذلك.
__________
لحرمتها فاختصت بها كالكفارة وكالأطراف نص عليه والدعوى فيه كالدعوى في سائر الحقوق البينة على المدعي واليمين على من أنكر يمينا واحدة لأنها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلظ بالعدد كالدعوى في المال.
"الثاني اللوث وهو العداوة الظاهرة" ولو مع سيد عبد قال في الرعاية وعصبة مقتول "كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب وكما بين البغاة وأهل العدل وبين الشرطة واللصوص على الأشهر لأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة ترك العمل به في العداوة الظاهرة ونقل علي بن سعيد أو عصبية للخبر وظاهره أنه لا يشترط مع العداوة ألا يكون في الموضع الذي به القتل غير العدو نص عليه وهو ظاهر الخرقي ونصره المؤلف لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل كان بخيبر غير اليهود أم لا مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها لأنها كانت أملاكا للمسلمين يقصدونها لأخذ غلال أملاكهم وشرطه القاضي لأن الأنصاري قتل في خيبر ولم يكن بها إلا اليهود وهم أعداء ثم ناقض قوله بأن قال في قوم ازدحموا في مضيق وتفرقوا عن قتيل فقال إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله فهو لوث فجعل العداوة لوثا مع وجود غير العدو.
"وعنه ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل ثم من معه سيف ملطخ بدم وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان" ويعتبر مجيئهم متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب "ونحو ذلك" كشهادة عدل واحد اختاره أبو محمد الجوزي وابن رزين والشيخ تقي الدين لأنه يغلب على الظن صدق المدعي

(9/30)


فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث.
__________
أشبهت العداوة ورد بأن هذا ليس بلوث لقوله في الذي قتل في الزحام يوم الجمعة ديته في بيت المال وقال فيمن وجد مقتولا في المسجد الحرام ينظر من كان بينه وبينه في حياته عداوة لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة لقضية الأنصاري ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم يثبت بالمظنة ولا يقاس في المظان لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه والقياس في المظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون.
فرع: إذا شهدا أنه قتل أحد هذين القتيلين لم تثبت الشهادة ولم يكن لوثا بغير خلاف علمناه وإن شهدا أن هذا القتيل قتله أحد هذين أو شهد أحدهما أن هذا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لم تكمل الشهادة ولم يكن لوثا اختاره القاضي لكن المنصوص أنه إذا شهد أحدهما بقتله والآخر بالإقرار بقتله أنه يثبت القتل واختاره أبو بكر هنا وفيما إذا شهد أحدهما أنه قتله بسيف والآخر بسكين لأنهما اتفقا على القتل واختلفا في صيغته "فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث" في قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لو يعطى الناس بدعواهم..." الخبر وكالوالي.
وقال "مالك والليث" هو لوث لأن قتيل بني إسرائيل قال فلان قتلني فكان حجة.
وجوابه: أنه لا قسامة فيه فإن ذلك كان من آيات الله تعالى ومعجزات نبيه موسى عليه السلام ثم ذاك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته إلى تهمة البريئين لكن نقل الميموني أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ إذا كان سبب بين إذا كان ثم عداوة إذا كان مثل المدعي عليه يفعل ذلك.
تنبيه: إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على رجل أو جماعة وليس بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوي وإن كان لهم بينة حكم بها وإلا قبل قول المنكر وقال الحنفية إذا ادعى أولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا والله

(9/31)


ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها وعن أحمد أنه يحلف يمينا واحدة وهي الأولى وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة.
__________
ما قتلناه ولا علمنا قاتله فإن نقصوا عن الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم فإن حلفوا وجبت الدية على باني الخطة فإن لم يكن وجبت على سكان الموضع فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا لأثر عن عمر على أنه محتمل قال ابن المنذر سن النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر.
وعلم مما سبق أنه لا تسمع الدعوى على غير معين كسائر الدعاوي وأنه لا يشترط أن يكون بالقتيل أثر في قول الجماعة لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا مع أن القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه.
وعنه: يشترط ذلك اختاره أبو بكر لأنه إذا لم يكن به أثر احتمل أنه مات حتف أنفه فعلى هذه إن خرج دم من أذنه فهو لوث وكذا إن خرج من أنفه في وجه وقيل أو شفته وجوابه ما تقدم.
"ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها" هذا رواية قال في الفروع وهي أشهر سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله أشبه الحدود ولا يحكم له بالقسامة لأن من شرطها المرتب عليها القتل أو الدية وجود اللوث وهو منتف هنا.
"وعن أحمد يحلف يمينا واحدة" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لقوله عليه السلام ولكن اليمين على المدعى عليه رواه مسلم وكدعوى المال وهي الأولى والأصح فعلى هذه إن حلف المدعى عليه فظاهر وإن امتنع لم يقض عليه بقود بل بدية وقيل لا يجب ويخلى سبيله.
وعنه: يحلف خمسين يمينا لأنه دعوى في قتل أشبه ما لو كان بينهم لوث "وإن كان خطأ حلف يمينا واحدة" لأن النكول هنا يقضى به لأن موجبه مال بخلاف القصاص

(9/32)


الثالث: اتفاق الأولياء على الدعوى فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة الرابع أن يكون في المدعين رجال عقلاء ولا مدخل للنساء والصبيان المجانين في القسامة عمدا كان القتل أو خطأ فإن كانا اثنين أحدهما غائب أو غير مكلف فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية.
__________
"الثالث اتفاق الأولياء على الدعوى" لأنها دعوى قتل فاشترط اتفاق جميعهم فيها كالقصاص "فإن ادعى بعضهم وأنكر بعض" بأن قال قتله هذا أو قال الآخر لم يقتله هذا أو قال بل قتله هذا الآخر "لم تثبت القسامة" نص عليه سواء كان المكذب عدلا أو فاسقا لأنه مقر على نفسه بتبرئة من ادعى عليه بقتل كما لو ادعيا دينا لهما.
"الرابع: أن يكون في المدعين رجال عقلاء" لقوله عليه السلام "يقسم خمسون رجلا منكم" ولأن القسامة حجة يثبت بها قتل العمد فاعتبر كونها من رجال عقلاء كالشهادة ويستثنى منه المرتد وقت موت مورثه الحر لعدم إرثه ولو اسلم بل بعد موته "ولا مدخل للنساء" في القسامة أي لم يستحلفن لما ذكرناه ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل ولا مدخل لهن في إثباته وقال ابن عقيل تقسم في الخطإ فلو كان جميع الذرية نساء فاحتمالان وفي الخنثى وجهان.
أحدهما: يقسم لأن سبب الاستحقاق وجد في حقه وهو الاستحقاق من الدية ولم يتحقق المانع من يمينه والثاني: لا يقسم كالمرأة "والصبيان والمجانين في القسامة" لأن قولهما ليس بحجة بدليل أنهما لو أقرا على أنفسهما لم يقبل فكذا لا يقبل قولهما في حق غيرهما بطريق الأولى.
"عمدا كان القتل أو خطأ" لأن الخطأ أحد القتلين أشبه الآخر لا يقال الخطأ يثبت المال وللنساء مدخل فيه لأن المال يثبت ضمنا لثبوت القتل ومثله لا يثبت بالنساء بدليل ما لو ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها وأقام رجلا وامرأتين أنه لا يقبل "فإن كانا اثنين" أو أكثر.
"أحدهما غائب أو غير مكلف" أو ناكل عن اليمين قاله في المحرر والوجيز "فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية" لأن القسامة حق له ولغيره فقيام المانع

(9/33)


وهل يحلف خمسين يمينا أو خمسا وعشرين على وجهين وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين وله بقيتها والأولى عندي ألا يستحق شيئا حتى يحلف الآخر وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا
__________
بصاحبه لا يمنع من حلفه واستحقاقه نصيبه كالمال المشترك بينهما.
"وهل يحلف خمسين يمينا أو خمسا وعشرين على وجهين" كذا في المحرر والفروع.
أحدهما: يحلف خمسين لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة هنا هي الأيمان بدليل ما لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما.
الثاني: يحلف بقسطه جزم به في الوجيز وهو أشهر لأنه لو كان الجميع حاضرين لم يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان فكذا مع المانع لكن لا قسامة حتى يحضر الغائب ويبلغ الصبي لأن الحق لا يثبت إلا بالبينة وهي الأيمان هنا ولأن الحق إن كان قصاصا فلا يمكن تبعيضه وغيره لا يثبت إلا بواسطة ثبوت القتل.
وقال القاضي: إن كان القتل عمدا فكذلك وإن كان موجبا للمال فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه من الدية وهذا قول أبي بكر وابن حامد ونصره المؤلف وغيره وقال ابن حامد يقسم بقسطه من الأيمان لأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية كما لو كان الجميع حاضرين.
"وإذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمسا وعشرين" وجها واحدا "وله بقيتها" لأنه يبني على أيمان صاحبه المتقدمة وقال أبو بكر والقاضي يحلف خمسين كصاحبه فكذا هو فلو قدم ثالث أو بلغ فعلى قولهما يحلف سبع عشرة يمينا وعلى الآخر خمسين.
وإذا قدم رابع فهل يحلف ثلاثة عشر يمينا أو خمسين فيه الخلاف "والأولى عندي ألا يستحق شيئا حتى يحلف الآخر" لأن ذلك موجب أيمانه.
"وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمدا" لأن اللوث من شروطها وفاقا ولا يتحقق إلا في العمد لأن الخطأ يصدر عن غير قصد

(9/34)


توجب القصاص إذا ثبت القتل وأن تكون الدعوى على واحد وقال غيره ليس بشرط لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية.
فصل
ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين
__________
فيستوى فيه العدو وغيره وإذا كان كذلك صار الخطأ في المعنى كالعمد الذي لا لوث فيه ولا قسامة "توجب القصاص إذا ثبت" القتل لأن الغرض من القسامة في العمد القصاص فإذا لم تكن موجبة له كدعوى قتل المسلم بالكافر لم يوجد الغرض.
"وأن تكون الدعوى على واحد" لا يختلف المذهب فيه لقوله عليه السلام "فيحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته" ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل من قتل الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل ما عداه.
ويشترط في القاتل أن يكون مكلفا لتصح الدعوى وإمكان القتل وصفة القتل فلو استحلفه الحاكم قبل تفصيله لم يعتد به لعدم تحرير الدعوى وطلب الورثة "وقال غيره ليس بشرط" لأن القسامة حجة فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد "لكن إن كانت الدعوى عمدا محضا لم يقسموا إلا على واحد معين ويستحقون دمه" لخبر سهل "وإن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية" لأنها حجة يثبت بها العمد الموجب للقصاص فيثبت بها غيره وهو المال كالبينة.
فصل
"ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين" أي ذكور العصبة العدول أولا نص عليه لقوله عليه السلام "فيحلف خمسون منكم"

(9/35)


فيحلفون خمسين يمينا ويختص ذلك بالوارث فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم فإن كان الوارث واحدا حلفها، وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم، فإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل: زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين.
__________
"فيحلفون خمسين يمينا" أيمان القسامة خمسون بالإجماع على المدعى عليه أنه قتله فإذا حلف ثبت الحق في قبله لحديث سهل ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة رواه الدارقطني من رواية مسلم بن خالد الزنجي وذكر أنه روى مرسلا وروى أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة مرفوعا كذلك وهذه الزيادة يتعين العمل بها لأن الزيادة من الثقة مقبولة ولأنها أيمان مكررة فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان وظاهره أنه لا يشترط اتفاق المجلس من جميعهم وفيه قول حكاه في الرعاية.
"ويختص ذلك بالوارث" في ظاهر المذهب لأنها أيمان في دعوى فلم تشرع في حق غير الوارث كسائر الأيمان "فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم" أي تقسم بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة "فإن كان الوارث واحدا حلفها" لأنه قائم مقام الجماعة في استحقاق الدية فكذا في الأيمان ونقل الميموني: لا أجترئ عليه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول يحلف منكم خمسون فمن احتج للأول يحتج بحديث معاوية فرددها على الثلاثة الذين ادعي عليهم فحلفوا خمسين يمينا وفي مختصر ابن رزين يحلف ولي يمينا.
"وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم" لأن موجبها الدية وهي تقسم كذلك فكذا يجب أن تقسم هي.
فإن كانوا أكثر من خمسين حلف خمسون كل واحد يمينا "فإن كان فيها كسر جبر عليهم مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين" لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيضها والجبر في كل

(9/36)


ولو حلف ثلاثة بنين، حلف كل واحد سبع عشرة يمينا، وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث، خمسون رجلا كل واحد يمينا، فإن لم يحلفوا حلف المدعي عليه خمسين يمينا، وبرئ.
__________
واحد لعدم المزية فالزوج له الربع اثني عشر ونصفا فيكمل والابن له الباقي وهو سبع وثلاثون ونصفا فيكمل فيصير كما ذكره فيهما.
فإن كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا والابن أربعا وثلاثين.
"ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا" لأن لكل ابن ثلث الأيمان ست عشرة يمينا وثلثين ثم تكمل.
"وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلا كل واحد يمينا" لقوله عليه السلام "يحلف خمسون منكم" مع علمه أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلا وارثا لأنه لا يرثه إلا أخوه أو من هو في درجته أو أقرب منه نسبا ولأنه خاطب ابني عمه وهما غير وارثين لكن يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه فإن لم يبلغوا يؤخذ الأقرب فالأقرب من قبيلته التي ينسب إليها ويعرف لنفسه نسبه من المقتول فأما من عرف أنه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم ذكره جماعة وسأله الميموني إن لم يكن له أولياء قال فقبيلته التي هو فيها وأقربهم منه.
فرع: إذا مات المستحق فوارثه كهو ويستأنف وارثه الأيمان سواء حلف قبل موته شيئا أو لا لأنه لا يجوز أن يأخذ شيئا بيمين غيره ولو حلف المستحق بعض الأيمان ثم جن ثم أفاق أو عزل الحاكم فإنه يبني.
"فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبريء" في ظاهر المذهب وهو قول الأكثر لقوله عليه السلام "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم" أي يبرؤون منكم وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود وأنه أداها من عنده ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه فتبرأ بها كسائر الأيمان..
وعنه: أنهم يحلفون ويغرمون الدية لقضاء عمر بالدية مع اليمين والأول أولى لأن عمر إنما قضى على أهل المحلة وليس ذلك مذهبا لأحمد ويعتبر

(9/37)


وإن لم يحلف المدعون، ولم يرضوا بيمين المدعي عليه، فداه الإمام من بيت المال وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا، وهل تلزمهم الدية، أو تكون في بيت المال على روايتين.
__________
حضور المدعى عليه وقت يمينه كالبينة وحضور المدعي ذكره المؤلف.
"وإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال" أي أدى ديته من بيت المال لقضية عبد الله بن سهل ولم يجب على المدعى عليهم شيء "وإن طلبوا أيمانهم " أي أيمان المدعى عليهم "فنكلوا لم يحبسوا" في الأشهر لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليه كسائر الأيمان وعنه يحبس حتى يقر أو يحلف لأنها دعوى فيحبس فيها بالنكول كالمال وعلى الأولى لا يجب قود بنكول لأنه حجة ضعيفة كشاهد ويمين ذكره في المغني.
"وهل تلزمهم الدية أو تكون في بيت المال على روايتين" أظهرهما تلزمه الدية اختارها أبو بكر وقدمها في الرعاية وهو الصحيح لأنه حكم ثبت بالنكول فيثبت في حقهم كسائر الدعاوي ولو لم يجب على المدعي عليه مال بنكوله ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شيء عليه بالكلية والثانية في بيت المال لأنهم امتنعوا عن اليمين أشبه امتناع المدعيين إذا لم يرضوا بيمين المدعي عليه.
فائدة: يقول تالله وبالله ووالله بالجر فإن قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن قال القاضي ويجزئه إن تعمد أو لم يتعمد لأنه لحن لا يحيل المعنى ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيدا.
فرع: سأله ابن منصور عن قتيل بين قريتين قال هذا قسامة قال المروذي احتج أحمد بأن عمر جعل الدية على أهل القرية ونقل حنبل أذهب إلى حديث عمر قيسوا ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به وعن أبي سعيد الخدري قال "وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما فوجد إلى أحدهما أقرب فكأني أنظر إلى شبر النبي صلى الله عليه وسلم فألقاه على أقربهما" رواه أحمد في مسنده

(9/38)